الصلاة في مسجد فيه قبر

حسام الدين عفانه

السؤال: ما حكم الصلاة في مسجد مبني على قبر، والقبر في قبلة المسجد، وما الجواب عمن يجيز الصلاة في المساجد التي فيها قبور بحجة أن المسجد النبوي فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟
الإجابة: إن الإسلام قد سد الطرق التي تؤدي إلى خدش التوحيد، ومن ذلك النهي عن اتخاذ القبور مساجد، لأنه قد يوقع في الشرك، وذلك بعبادة أصحاب القبور بالاستعانة بهم ودعائهم وتقديم النذور لهم وغير ذلك من مظاهر الشرك، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها:

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (رواه البخاري ومسلم).

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (رواه البخاري ومسلم).

- وعن عائشة رضي الله عنها: لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها مارية، وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة، فذكرن من حسنها وتصاويرها، قالت: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: "أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" (رواه البخاري ومسلم).
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين" (انظر تحذير الساجد ص 17).

- وعن جندب بن جنادة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "... ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" (رواه مسلم)، وغير ذلك من الأحاديث.

.. وبناء على ما تقدم: فإنه يحرم بناء مسجد على قبر، بمعنى أن يكون القبر سابقاً ثم بني عليه لاحقاً مسجد، وهذا باتفاق أهل العلم فيما أعلم، وهو ما تدل عليه النصوص الشرعية، فالقبور ليست محلاً للصلاة، فلا يجوز لأحد أن يصلي على قبر أو إليه، ولا يستثنى من ذلك إلا صلاة الجنازة كما هو مبين في محله من كتب العلماء.

وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" (رواه مسلم).
قال القرطبي المحدث: "أي لا تتخذوها قبلة... وكل ذلك لقطع الذريعة أن يعتقد الجهال في الصلاة إليها أو عليها الصلاة لها فيؤدي ذلك إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام" (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/628).

وأما إذا كان المسجد هو السابق ووضع القبر فيه لاحقاً فإن الصلاة تكره في هذا المسجد، وينبغي نبش القبر وإخراجه من المسجد.

.. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: "هل تصح الصلاة في المسجد إذا كان فيه قبر والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا؟ وهل يمهد القبر أو يعمل عليه حاجز أو حائط؟
فأجاب: الحمد لله، اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك"، وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غير إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديداً.
وإن كان المسجد بني بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما أن تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل فإنه منهي عنه" (مجموع الفتاوى 22/194-195).

.. وأما الاحتجاج بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فلا يصح، لأنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم لما مات صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب كان صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم، والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه صلى الله عليه وسلم في الحجرة إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً" (تحذير الساجد ص 84).
والوليد بن عبد الملك هو الذي أمر سنة ثمان وثمانين هجرية بإضافة حجرات أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد النبوي، وكان ذلك بعد موت عامة الصحابة رضي الله عنهم (انظر تحذير الساجد ص 84).

وعلى كل حال فالمسجد النبوي مستثنى من الحكم السابق لما للمسجد النبوي من فضائل معروفة وثابتة عند أهل العلم (انظر تحذير الساجد ص 195 فما بعدها).

.. وأخيراً: ينبغي التنبيه على أنه لا يجوز دفن أحد من الأموات في المساجد، وإنما السنة المعروفة هي الدفن في المقابر، والمساجد ليست مقابر، وإنما هي لعبادة الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن تكون المساجد خالية من المقابر لما يترتب على وجود القبر في المسجد من مفاسد عظيمة تخل بالعقيدة.

وقد سئل العلامة محمد بن صالح العثيمين عن رجل بنى مسجداً وأوصى أن يدفن فيه فدفن فما العمل الآن؟
فأجاب: "هذه الوصية أعني الوصية أن يدفن في المسجد غير صحيحة، لأن المساجد ليست مقابر، ولا يجوز الدفن في المسجد، وتنفيذ هذه الوصية محرم، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين" (فتاوى العقيدة ص 461).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.