باب مسح الرأس

محمد بن إدريس الشافعي

السؤال: باب مسح الرأس
الإجابة: [قال الشافعي‏] رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: {وامسحوا برءوسكم}، وكان معقولاً في الآية أن من مسح من رأسه شيئاً فقد مسح برأسه، ولم تحتمل الآية إلا هذا، وهو أظهر معانيها، أو مسح الرأس كله، ودلت السنة على أن ليس على المرء مسح الرأس كله، وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية أن من مسح شيئاً من رأسه أجزأه.

[قال الشافعي]: إذا مسح الرجل بأي رأسه شاء إن كان لا شعر عليه وبأي شعر رأسه شاء بأصبع واحدة أو بعض أصبع أو بطن كفه أو أمر من يمسح به أجزأه ذلك فكذلك إن مسح نزعتيه أو إحداهما أو بعضهما أجزأه؛ لأنه من رأسه.

[قال الشافعي]: أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن زيد وابن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه".

[قال الشافعي]: أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه أو قال ناصيته بالماء".

[قال الشافعي]: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن علي بن يحيى عن ابن سيرين عن المغيرة بن شعبة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته أو قال مقدم رأسه بالماء".

[قال الشافعي]: وإذا أذن الله تعالى بمسح الرأس "فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتماً فحسر العمامة"، فقد دل على أن المسح على الرأس دونها، وأحب لو مسح على العمامة مع الرأس، وإن ترك ذلك لم يضره، وإن مسح على العمامة دون الرأس لم يجزئه ذلك، وكذلك لو مسح على برقع أو قفازين دون الوجه والذراعين لم يجزئه ذلك، ولو كان ذا جمة فمسح من شعر الجمة ما سقط عن أصول منابت شعر الرأس ولم يجزئه، ولا يجزئه إلا أن يمسح على الرأس نفسه أو على الشعر الذي على نفس الرأس لا الساقط عن الرأس، ولو جمع شعره فعقده في وسط رأسه فمسح ذلك الموضع وكان الذي يمسح به الشعر الساقط عن منابت شعر الرأس لم يجزه، وإن كان مسح بشيء من الشعر على منابت الرأس بعدما أزيل عن منبته لم يجزه؛ لأنه حينئذ شعر على غير منبته فهو كالعمامة، ولا يجزي المسح على الشعر حتى يمسح على الشعر في موضع منابته، فتقع الطهارة عليه كما تقع على الرأس نفسه.

والاختيار له أن يأخذ الماء بيديه فيمسح بهما رأسه معاً، يقبل بهما ويدبر، يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما حتى يرجع إلى المكان الذي بدأ منه، وهكذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح.

[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال قلت لعبد الله بن زيد الأنصاري: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، ودعا بوضوء فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين مرتين، وتمضمض واستنشق ثلاثاً ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه وأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ثم غسل رجليه.

[قال الشافعي]: وأحب لو مسح رأسه ثلاثاً، وواحدة تجزئه، وأحب أن يمسح ظاهر أذنيه وباطنهما بماء غير ماء الرأس، ويأخذ بأصبعيه الماء لأذنيه فيدخلهما فيما ظهر من الفرجة التي تفضي إلى الصماخ، ولو ترك مسح الأذنين لم يعد؛ لأنهما لو كانتا من الوجه غسلتا معه أو من الرأس مسحتا معه أو وحدهما أجزأتا منه، فإذا لم يكونا هكذا فلم يذكرا في الفرض، ولو كانتا من الرأس كفى ماسحهما أن يمسح بالرأس كما يكفي مما يبقى من الرأس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأم - كتاب الطهارة.