إجراء لقاءات بين الفتيان والفتيات للتعارف من أجل الزواج

الشيخ يوسف بن عبد الله الشبيلي

السؤال: إن هناك بعض المنظمات الإسلامية في الغرب تنظم لقاءت تعارف بين الفتيان والفتيات المسلمين من غير المتزوجين، بحيث تجمع خمسين شاباً وشابة في صالة واحدة، ثم يفرقون على طاولات فيجلس على كل طاولة خمس فتيات وخمسة فتيان، فيسأل بعضهم بعضاً عدداً من الأسئلة ثم ينتقل الفتيان الخمسة إلى طاولة أخرى، وهكذا بحيث يستطيع كل واحد منهم التعرف على القرين أو القرينة المناسبة له.
الإجابة: لحمدد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه الطريقة في التعارف بين الفتيان والفتيات محرمة لاشتمالها على عدد من المحذورات الشرعية، ومنها:

1 - اختلاط الجنسين، حيث يجلس الفتيان مع الفتيات على طاولة واحدة يحادث بعضهم بعضاً، ويتنقل الفتى أو الفتاة بين الطاولات لاختيار الشخص الذي يعجبه من الجنس الآخر، وكأنما هو أمام مأدبة يتنقل بين أصناف الطعام، ولا شك في مصادمة هذه الطريقة للتوجيهات الإلهية ومعارضته للآداب الشرعية، فقد حذر الله تعالى من الاختلاط لما في ذلك من الفتنة في قلوب الجنسين، وأمر بسد كل ذريعة تؤدي إلى ذلك، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، ونهيت المرأة عن أن تحتك بالرجال، ومن تأمل النصوص الشرعية أدرك المفاسد المترتبة على مثل هذا التصرف وأن الشارع الحكيم عظّم من فتنة الاختلاط، فحتى في المسجد -وهو مكان العبادة والفتنة فيه أقل- أمرت المرأة أن تتجنب مخالطة الرجال، وأن تأخذ جنبات الطريق في ذهابها ومجيئها للمسجد، وجعل خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، وكل ذلك لدرء هذه المفسدة.

2 - النظر المحرم، حيث لا يقتصر الأمر على النظر إلى فتى أو فتاة واحدة، بل إن الواحد يقلب ناظريه في وجوه خمسين فتاة ليتمعن في محاسنها ومفاتنها، فأين هذا من أمر الله تعالى للرجال والنساء بغض الأبصار، كما قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم}، {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}، وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري"، وقال: "إنما لك الأولى وليست لك الثانية".

3 - والتعرف بهذه الطريقة قد ينشأ عنه مفاسد وعلاقات محرمة، والقاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، هذا إذا كان كل من المصلحة والمفسدة قطعياً، فكيف إذا كانت المفسدة -من الاختلاط والنظر المحرم- قطعية الوقوع، بينما المصلحة -وهي الزواج المتوقع- ظنية، فلا شك أن درء المفسدة في هذه الحال هو المتعين، والمصلحة المرجوة تعد ملغاة لأنها تتعارض مع النصوص الشرعية.

4 - ثم إن كل واحد من هؤلاء أجنبيٌ عن الأخرى، فكيف يحل له محادثتها والتبسط معها؟!! وربما انجر الحديث إلى أمور عاطفية لا تحل، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولذا حذر عليه الصلاة والسلام من الدخول على النساء والتبسط معهن في الحديث، فقال: "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ -أي قريب الزوج- فقال: "الحمو الموت" (رواه البخاري).

5 - وهذه الطريقة مأخوذة من غير المسلمين حيث من المعهود عندهم أن يلتقي الرجل بعدد من النسوة اللاتي يرغبن بالزواج منه، وكذلك تفعل المرأة، ولم يعهد في عرف المسلمين وعاداتهم مثل ذلك، وفي سنن أبي داود عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم".

6 - وفضلاً عن ذلك فهذه الطريقة لا تحقق المقصود منها من التعارف بين الجنسين واستكشاف شخصية الآخر، لأن كل واحد سيحرص على أن يظهر بأحسن حال ويتكلف ما ليس فيه من الأخلاق ويخفي العيوب والنقص الذي فيه، ولا يخفى على أحد أن خلق المرء وسلوكه إنما يعرف بالعشرة من أقرانه الذين عاشروه فترة طويلة لا من جلسة واحدة قد يكون فيها من التغرير والمجاملة أكثر مما فيها من الوضوح والتعارف، وفي مثل هذه الحالات يغلب أن يكون الباعث على الاختيار هو حسن المنظر وجمال المظهر، وغير خاف ما يترتب على ذلك من المفاسد.

7 - ولا يمكن أن يقال: إن ما جاءت به الشريعة من جواز نظر الخاطب إلى مخطوبته يدل على جواز هذه الطريقة في التعارف، بل إن هذه الطريقة عكس ما جاءت به الشريعة، فالنظر المشروع هو ما كان بعد الخطبة أي بعد أن يحدد الرجل المرأة التي يريد نكاحها، فله أن ينظر إليها لعل ذلك أحرى في أن يؤدم بينهما، أما في هذه الطريقة المحدثة فالنظر يسبق الخطبة حيث يقلب الشاب ناظرية بين عشرات الفتيات، وقد لا تقبل بالزواج منه إلا فتاة أقل من غيرها فلا يجد بداً من الزواج منها بعد أن تعلق قلبه بغيرها، وهذا عكس المقصود الشرعي من الرؤية.

8 - وليعلم أن المقصود من هذه الطريقة وإن كان مشروعاً فإن ذلك لا يبيح الوسيلة المحرمة، فإن من قواعد الشريعة أن الغاية المشروعة لا تبرر الوسيلة الممنوعة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.