حكم قيام الليل إذا تسبب في تأخير الفجر عن وقتها

الشيخ خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال: اعتدت أن أسهر كل ليلة لقيام الليل، وهو ما يجعلني أنام قبل الفجر؛ فلا أتمكن من صلاة الفجر إلا بعد شروق الشمس؛ لشدة التعب؛ فهل يغفر قيام الليل لي ذلك؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يؤخِّر الصلاة عن وقتها عمداً، حتى ولو كان ذلك بسبب قيامه بطاعة أخرى كقيام الليل؛ فمن قام الليل وهو يغلب على ظنه عدم القيام لصلاة الفجر؛ حَرُمَ عليه ذلك؛ فكيف بمن تأكَّد من عدم قدرته على أداء الصلاة في وقتها مع الجماعة؟ وظاهر سؤالك تكرر هذا الأمر منك.
وقد اتفق العلماء على أن الصلاة يجب أن تؤدَّى في وقتها المعلوم؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء: 103]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" [متفق عليه].
والحديث دليلٌ على أن أفضل الأعمال، وأقرَبها إلى الله، وأحبَها إليه: الصلاةُ على مواقيتها الموقَّتة لها، والأحاديث في هذا الباب متواترة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المسلمون كلهم متفقون على أن عليه أن يصلي الفجر قبل طلوع الشمس".


وليُعْلَم أن: الانشغال بالمفضول، وهو قيام الليل هنا عن الفاضل وهو صلاة الفجر، من أعظم تلبيس الشيطان على العبد، والعياذ بالله، ويدل على ذلك أدلةٌ كثيرة منها: أن الفرائض لو أدَّاها صاحبها كاملةً بدون نوافل، كان من المفلحين، ومن أهل الجنة إن شاء الله بخلاف من أتى بالنوافل وضيع الفرائض؛ كما في "الصحيحين" من حديث طلحة بن عبيد الله، لمَّا قال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: لا أزيد على هذا - يعني الفرائض - ولا أنقص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق"، وفي روايةٍ: "دخل الجنة إن صدق".
وأن أوَّل ما يحاسب عليه العبد صلاةُ الفريضة؛ فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أوَّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته؛ فإن صلحت؛ فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت؛ فقد خاب وخسر" [رواه أحمد وأصحاب السنن].
وأن العبد لا يثاب على النافلة حتى تُؤدَّى الفريضة، كما في "مصنف ابن أبي شيبة" في وصية الصديق رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في محضرٍ من الصحابة: "إن الله لا يقبل نافلةً حتى تؤدَّى الفريضة"؛ ولم يُنكر عليه أحدٌ منهم تلك المقالةَ؛ فكان إجماعًا.
وأن الفرائض أعظم ما يقوم به العبد، ثم تأتي النوافل بعدها؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عزَّ وجلَّ قال: "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ من أداء ما افترضتُ عليه"، قال الحافظ: "ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحبُ الأعمال إلى الله"، وقال الطّوفي: "الأمر بالفرائض جازمٌ، ويقع بتركها المعاقبة، بخلاف النفل في الأمرين، وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب؛ فكانت الفرائض أكمل؛ فلهذا كانت أحبَ إلى الله تعالى وأشد تقريباً".
وأن الفرض كالأصل والأساس، والنفل كالفرع والبناء، وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثالُ الأمر، واحترامُ الآمر وتعظيمه؛ بالانقياد إليه، وإظهار عظمة الربوبية، وذلِّ العبودية؛ فكان التقرب بذلك أعظم العمل، والذي يؤدي الفرائض قد يفعله خوفاً من العقوبة" اهـ.
قال عمر بن الخطاب: "أفضل الأعمال أداء ما فرض الله".
وأن التفريط في صلاة الجماعة لا يقابله ما صلَّى من قيام؛ فقد أخرج الإمام مالك في "الموطأ"، وعبد الرزاق في "مصنفه"، أن عمر رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حَثْمَة في صلاة الصبح، فمرَّ على الشِّفَاء أم سليمان؛ فقال لها: لَمْ أَرَ سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي حتى أصبح فصلى الصبح ونام، فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة، أحب إلي من أن أقوم ليلة".
وعليه: فإن قيام الليل لا يشفع لصاحبه تضييعه لصلاة الفجر، وتفريطه في صلاة الجماعة؛ لا سيما من غلب على ظنه عدم تمكنه من الاستيقاظ لصلاة الفجر، أما المغفرة وعدمها فلا يستطيع أن يقطع بها أحد، ولكن ما نقطع به أن من فعل ذلك على خطر عظيم.

وننصح السائل بأن يتقي الله ربه، ويتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النوم بعد العشاء، ثم لو أحب أن يقوم من الليل فليعمل بما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أحبُّ الصلاة إلى الله صلاةُ داود عليه السلام كان ينامُ نصفَ الليلِ ويقومُ ثُلُثَه وينام سُدُسَه"، والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع الآلوكة.