هل من الصبر ترك الدعاء؟

الشيخ عبد الحي يوسف

السؤال: جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة سوداء أتت النبي فقالت: "إني امرأة أصرع، وإني أتكشف؛ فادع الله لي؛ فقال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر"، كما جاء في حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الأعمى: "إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك".

والسؤال: هل من الصبر ترك الدعاء على العموم أم أن هذا خاص بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغيره؟
الإجابة: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد أمرنا ربنا جل جلاله بالدعاء واللجوء إليه سبحانه فقال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ}، وقال: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يرد القدر إلا الدعاء، وأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وأن ندعو الله ونحن موقنون بالإجابة؛ فالمطلوب من المسلم إذا نزل به بلاء أن يصدق في اللجوء إلى ربه سبحانه وتعالى ويلح عليه بالدعاء ولا يستبطئ الإجابة، فإن البلاء من قدر الله، والدعاء من شرعه سبحانه.

والعاقل يتعامل مع القدر بالشرع؛ ويأخذ بالأسباب النافعة مع اعتقاده بأن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يقع في كونه إلا ما قدَّره، وأنه جل جلاله (لا يُسأل عما يفعل) وأن أمر المؤمن كله خير فإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له. فلا تنافي بين الصبر على قضاء الله، وبين الدعاء بأن يرفعه سبحانه بما شاء.

وأما حديث المرأة التي كانت تُصرع فقد (رواه الشيخان) من حديث عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: "ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف؛ فادع الله لي؟ قال {إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيك} فقالت: أصبر!! فقالت: إني أتكشف؛ فادع الله لي أن لا أتكشف؛ فدعا لها".

وقولها في هذا الحديث: إني أتكشف، من الانكشاف؛ أي أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر، قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وفي الحديث أن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة، وفيه دليل على ترك التداوي، وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين: أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل.ا.هـ

وأما حديث الأعمى فقد (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه) عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ادع الله أن يعافيني؟ قال {إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت؛ فهو خير لك} قال: فادعه قال: فأمره أن يتوضأ؛ فيحسن وضوءه؛ ويدعو بهذا الدعاء {اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة؛ إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي؛ اللهم فشفعه فيَّ".

ومجموع الحديثين دالٌ ـ والله أعلم ـ على أن الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب البلاء مستجاب؛ لكون جاهه عليه الصلاة والسلام عند ربه عظيم بحيث إذا دعاه أجابه، وإذا سأله أعطاه؛ فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى ما هو أفضل من ذلك، وهو الصبر على البلاء، على رجاء أن يعوِّض الله صاحبه ما هو خير وأبقى، جنة عرضها السموات والأرض، ولا يعني ذلك أن يترك العبد الدعاء لنفسه؛ فإن الدعاء ـ في ذاته ـ مستوجب للأجر والثواب سواء حصلت الإجابة من الله تعالى أم لم تحصل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" والله تعالى أعلم.