ما ضابط سب الدهر؟

الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك

السؤال: ما ضابط سب الدهر مع آية {أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} [فصلت: ١٦]، {يَوْمِ نَحْسٍ} [القمر: ١٩]، {يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج: ٥٥]؟
الإجابة: الحمد لله؛
ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار"، والدهر هو الزمان، والحديث يدل على تحريم سب الزمان، ويدخل فيه أجزاؤه كالساعة واليوم، وسب الدهر يكون بلعنه وتقبيحه، وبإضافة فعل المكروه إليه، كقول الكفار: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: ٢٤]، وفي معناه: أبادهم الزمان، ومزقتهم الأيام، ومثل ذلك ما جاء على ألسن كثير من الشعراء، كقول زهير أبي سلمى:
يا دهر قد أكثرت فجعتنا *** بسراتنا وقرعت في العظم

وكقول الشريف المرتضى:
قطعتَ بها يا دهرُ حبلَ وتيني *** فشأنك أنّي اليومَ طوعُ شؤوني

وقول أبي تمام:
يا دهر قوم من اخدعيك؛ فقد أضججت هذا الأنام من خُرُقكْ
وقول المتنبي:
قبــحا لوجهك يا زمان فإنــه *** وجـــــه له من كــــل قبح برقع
أيموت مثل أبي شجاع فاتك *** ويعيش حاسده الخصي الأوكع

ومن يقبِّح الزمان أو الليالي والأيام والساعات ففعله ذلك يقتضي اعتقاده أنها هي التي تفعل ما يحدث فيها من المصائب، فمن أجل ذلك قبَّحها، ومنهم يصرح بإضافة الفعل إلى الدهر والزمان، كما في الأبيات الثلاثة الأولى، وقد دل على تحريم ذلك الحديثُ المتقدم مع قوله تعالى في ذم الكفار: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ‌ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٤].
وأما وصف الزمان بما يقع فيه مما يقدره الله من الخير والشر، كقولك: يوم مطير، ويوم بارد، وحار، ويومٌ نحسٌ، فلا يدخل ذلك في سب الدهر والأيام، لأنه خبر محض عمَّا جرى فيه من قدر الله، قال تعالى: {فَأَرْ‌سَلْنَا عَلَيْهِمْ رِ‌يحًا صَرْ‌صَرً‌ا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} [فصلت: ١٦]، وقال تعالى عن لوط: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُ‌سُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْ‌عًا وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: ٧٧]، أما ما يحتمل السب والإخبار عما جرى فيه من المكروه كقول بعض الناس: "هذا يوم أسود"، فينبغي اجتنابه.
وأما البيت المنسوب إلى الإمام الشافعي رحمه الله وهو:
دعِ الأيام تفعل ما تشاء *** وطب نفسا إذا حكم القضاء

فلا أظنه يصح عن الإمام الشافعي، فقد نسب إلى هذا الإمام شعر لا يصح أكثره، ومنه هذا البيت، ففيه خطآن:
الأول: قوله: (دع الأيام) ففيه التوجيه إلى ترك المدافعة، والشرع والعقل يقتضيان فعل الأسباب لدفع المكروه، نعم؛ الصوفية هم الذين يأمرون بترك الدفع، ويأمرون بالاستسلام للقدر وترك الأسباب.
الثاني: فيه نسبة الفعل والمشيئة إلى الأيام، ولا مشيئة لها ولا فعل، بل الذي يشاء ويفعل هو الله جل وعلا، فتنبه.
والله أعلم.