هل يقع الطلاق فى الحيض؟

الشيخ خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

هل يقع الطلاق في الحيض؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن طلاق الحائض محرَّم، بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، وليس بين أهل العلم نزاع في تحريمه، في أنه من الطلاق البِدعيّ المخالف للسنة.

وذهب عامة أهل العلم إلى وقوعه، واحتجوا بأن آيات الطلاق وردت مُطلَقَة غير مقيَّدة ولا يوجد من النصوص ما يقيدها؛ فوجب القول بوقوعه، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل أحداً ممن طلق في زمانه هل طلق في حيض أم لا؟ والقاعدة أن ترك الاستفصال في حكايات الأحوال يقوم مقام العموم في المقال، وكذلك الصحابة لم ينقل عنهم أنهم استفصلوا أحداً ممن استفتاهم في الطلاق.

واستدلوا أيضاً بما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"، وفي رواية للبخاري: "وحُسِبَت طلقة"، ولا تكون الرَّجعَة إلا بعد طلاق سابق.

قال ابن قدامة: "فأما الطلاق المحظور، فالطلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه، قال: وقد أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة؛ لأن المطلِّق خالف السنة وترك أمر الله تعالى حيث يقول: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:11].

فإن طلق للبدعة -وهو أن يطلقها حائضاً أو في طهر أصابها فيه- أَثِمَ ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم".

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعليقاً على حديث ابن عمر السابق:
"وجملة القول: إن الحديث -مع صحته وكثرة طرقه- فقد اضطرب الرواة عنه في طلقته الأولى في الحيض؛ هل اعتَدَّ بها أم لا؟ فانقسموا إلى قسمين:

القسم الأول: من روى عنه الاعتداد بها، وهم حسب الطرق المتقدمة:
1- الطريق الأولى: نافع؛ ثبت ذلك عنه، من قوله وإخباره، وعنه عن ابن عمر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه جعلها واحدة".
2- الطريق الثانية: سالم بن عبد الله بن عمر، وفيها قول ابن عمر أنها: "حُسِبَت عليه".
3- الطريق الثالثة: قول ابن عمر أنها: "حُسِبَت عليه".
4- الطريق الرابعة: قول ابن عمر أنها: "حُسِبَت عليه"، وفي رواية عنه: "أنه اعتد بها"، وفي أخرى رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن إسناد هذه ضعيف كما سبق بيانه خلافاً للحافظ.
5- الطريق الخامسة: وفيها قول ابن عمر: "أنها حُسِبَت عليه".
6- الطريق الحادية عشر: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والقسم الآخر: الذين رووا عنه عدم الاعتداد بها.
1- الطريق الخامسة: قال: "فردَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليَّ".
2- الطريق السادسة: أبو الزبير عنه مرفوعاً: "فردها عليّ ولم يرها شيئاً".
3- وطريق ثالثة: أوردناها في التي قبلها: "ليس ذلك بشيء". والقسم الأول أرجح لوجهين:

- الأول: كثرة الطرق.

- الثاني: قوة دلالة القسم الأول على المراد دلالة صريحة لا تقبل التأويل، بخلاف القسم الآخر، فهو محتمل التأويل؛ بمثل قول الشافعي: "ولم يرها شيئاً"، أي صواباً، وليس نصاً في أنه لم يرها طلاقاً، بخلاف القسم الأول، فهو نص في أنه رآها طلاقاً، فوجب تقديمه على القسم الآخر". انتهى باختصار وتصرف.

وذهب أبو محمد بن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم إلى أن الطلاق في الحيض لا يقع؛ واحتجوا برواية في حديث ابن عمر السابق: "ولم يرها رسول الله شيئاً"؛ وقد أجاب عنها الجمهور بأجوبة منها ما قاله أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" حيث قال: "روى أبو عاصم النبيل هذا الحديث عن ابن جريج، فلم يقل فيه ولم يرها شيئاً، قال أبو عمر قوله في هذا الحديث، ولم يرها شيئاً منكر عن ابن عمر، لما ذكرنا عنه أنه اعتد بها، ولم يقله أحد عنه غير أبي الزبير، وقد رواه عنه جماعة جلة، فلم يقل ذلك واحد منهم، وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بخلاف من هو أثبت منه ولو صح لكان معناه عندي، والله أعلم، ولم يرها على استقامة أي: ولم يرها شيئاً مستقيماً لأنه لم يكن طلاقه لها على سنة الله وسنة رسوله، هذا أولى المعاني بهذه اللفظة إن صحت وكل من روى هذا الخبر من الحفاظ لم يذكروا ذلك وليس من خالف الجماعة الحفاظ بشيء فيما جاء به".

واستدل ابن حزم بقوله: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد" (متفق عليه من حديث عائشة)، وهو استدلال صحيح لولا حديث ابن عمر السابق، فإنه نص في محل النزاع، ودالٌ على أن النهى عن الطلاق في الحيض كان لأمر خارج عن حقيقة الطلاق وهو الإضرار بالزوجة بتطويل العدة عليها؛ فيأثم الزوج ويقع الطلاق.

ومما سبق يتبين أن: الراجح مذهب الجمهور أن الطلاق الحائض يقع مع إثم فاعله، لمخالفته الكتاب والسنة.

وننبه إلى أن من طلق امرأته في الحيض حُسِبَت عليه طلقة رجعية، إن كانت هي الطلقة الأولى أو الثانية، وله ارتجاعها ما لم تنقضِ عدتها رضيت بذلك أم لم ترض، فإن لم يراجعها حتى انتهت العدة بانت منه بينونة صغرى –إن كان رجعيا- فلا تحل له إلا بعقد جديد وتعود إليه على ما بقي من طلقات وإن كانت هذه الطلقة هي الثالثة فقد بانت منه بينونة كبرى؛ لقوله تعالى: {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230]، فإذا دخل بها زوجها الجديد ثم مات عنها أو طلقها، فلها أن تعود لزوجها الأول بعد انتهاء العدة، بعقد ومهر جديدين، وبثلاث تطليقات جديدة،، والله أعلم.