أخطاءُ الأطباء

الشيخ خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

هل على الأطباء الذين يرتكبون خطًأ يُؤَدِّي إلى الموت ديةٌ أم لا؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فالأطباء - شأنهم شأن غيرهم من أصحاب المِهَن الأُخْرى مَسْؤُولُون عن أخطائهم التي كان يمكنهم التَّحَرُّز منها، وتؤدي إلى إلحاق الضرر بالمريض.

وقد قَرَّرَ الفقهاءُ أن الطبيب إذا أخطأ في العلاج -بأن عالج بغير ما يقرره الطب، أو بغير ما هو معروف ومشهور بين الأطباء بأنه دواء لمرض معين، وأَدَّى ذلك إلى إلحاق أذًى بالمريض أو إلى وفاته-: فعلى الطبيب في هذه الحالة الدِّيَةُ، أو ما يَحْكُمُ به القاضي بالنسبة لهذا الخطأ.

والأصل في هذا حديثُ عمرو بن شُعَيْب عن أبيه عن جَدِّهِ أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "من تَطَبَّبَ ولم يعلم منه طِبّ فهو ضَامِنٌ" (رواه أبو داود وحسنه الألباني).

قال الإمام الشافعي في كتاب "الأم": "وإذا قام الطبيب بالحجامة لمريض، أو بخَتْنِ غلامه، أو بعلاج دابَّتِه فتلفوا مِنْ فعله، فإن كان فعل -أي الطبيب- ما يفعل مثله، مما فيه الصَّلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصِّنَاعة، فلا ضمان عليه، وإن كان فَعَل ما لا يفعَلُهُ مثله مَنْ أراد الصلاح، وكان عالمًا به فهو ضامن". اهـ بإيجاز.

قال ابن رُشْد في "بداية المجتهد": "والدِّيَةُ فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة، ومن أهل العلم من جعلها في مال الطبيب. ولا خِلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطِّبِّ أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو بن شعيب".

وقال القاضي برهان الدين إبراهيم بن فرحون المالكي في كتابه "تبصرة الحكام في أصول الأحْكَام": "وإن كان الخاتِنُ غير معروف بالخَتْن والإصابة فيه، وعرض نفسه -أي لهذا العمل- فهو ضامن لجميع ما وَصَفْنَا في ماله، ولا تحمل العاقلة -أي عشيرته- من ذلك، وعليه من الإمام العَدْلِ العقوبةُ الرادِعَةُ بضرب ظهره، وإطالة سَجْنِه، والطبيب والحَجَّام والبيطار فيما أتى على أيديهم بسبيل ما وصفنا في الخاتن".

أما إن قصد الطبيب الاعتداءَ فيُقْتَصُّ منه أو يُعَزَّر على حسب الجناية، ويكون الضمان من ماله لا في مال عاقلته. قال الدسوقي في "حاشيته": "إنما لم يُقْتَص مِنَ الجاهل، لأنَّ الغَرَضَ أنه لم يَقْصُد ضررًا؛ وإنما قَصَد نفعَ العليل أو رجا ذلك. وأما لو قصد ضرره فإنه يُقْتَص منه".

ومما سبق يتبين أن خطأَ الطبيب الذي يَنْجُمُ عنه موت المريض، تَجِبُ فيه الدِّيَةُ على العاقِلَة إن كان عن خطأٍ؛ كما هو مذهب الجمهور، وإن كان عن جَهْل فتَجِبُ الدِّيَةُ من ماله الخاص، وأما إن كان الطبيبُ مشهودًا له بالمَهَارَةِ في عمله، ووَصَفَ للمَرِيض الدَّوَاء السليم بشهادة الأطِبَّاء، ولم يُخْطِئْ معه فليس عليه شيءٌ، ولمزيد فائدة راجِعْ فَتْوَى: "خطأ جِرَاحِيّ أَدَّى إلى الوفاة"، هذا والله تعالى أعلم.