كتاب الإسراء
ذكر ركوب المصطفى صلى الله عليه وسلم البراق وإتيانه عليه بيت المقدس من مكة في بعض الليل

[ 45 ] أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا خلف بن هشام البزار حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال أتيت حذيفة فقال من أنت يا أصلع قلت أنا زر بن حبيش حدثني بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس حين أسري به قال من أخبرك به يا أصلع قلت القرآن قال القرآن فقرأت سبحان الذي أسرى بعبده من الليل وهكذا هي قراءة عبد الله إلى قوله { إنه هو السميع البصير } فقال هل تراه صلى فيه قلت لا قال إنه أتي بدابة قال حماد وصفها عاصم لا أحفظ صفتها قال فحمله عليها جبريل أحدهما رديف صاحبه فانطلق معه من ليلته حتى أتى بيت المقدس فأري ما في السماوات وما في الأرض ثم رجعا عودهما على بدئهما فلم يصل فيه ولو صلى لكانت سنة

ذكر استصعاب البراق عند إرادة ركوب النبي صلى الله عليه وسلم إياه

[ 46 ] أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس السامي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه فاستصعب عليه فقال له جبريل ما يحملك على هذا فوالله ما ركبك أحد أكرم على الله منه قال فارفض عرقا

ذكر البيان بأن جبريل شد البراق بالصخرة عند إرادة الإسراء

[ 47 ] أخبرنا أبو يعلى حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل المقرىء حدثنا يحيى بن واضح حدثنا الزبير بن جنادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ليلة أسري بي انتهيت إلى بيت المقدس فخرق جبريل الصخرة بإصبعه وشد بها البراق

ذكر وصف الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس

[ 48 ] أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني حدثنا هدبة بن خالد القيسي حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر إذ أتاني آت فشق ما بين هذه إلى هذه فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به قال من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءا إيمانا وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار أبيض فقال الجارود هو البراق يا أبا حمزة قال أنس نعم يقع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه قال نعم مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح لما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلمت عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا هارون قال هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا موسى قال هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى قيل له ما يبكيك قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي حتى أتى السماء السابعة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا إبراهيم قال هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذا يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور قال قتادة وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه ثم رجع إلى حديث أنس ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هذه الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة في كل يوم فرجعت فمررت على موسى فقال بم أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قال أمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك قال قلت سألت ربي حتى استحييت لكني أرضى وأسلم فلما جاوزت ناداني مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي

ذكر خبر أوهم عالما من الناس أنه مضاد لخبر مالك بن صعصعة الذي ذكرناه

[ 49 ] أخبرنا أبو خليفة حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام يصلي في قبره

ذكر الموضع الذي فيه رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم موسى صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره

[ 50 ] أخبرنا أبو يعلى حدثنا هدبة وشيبان قالا حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر قال أبو حاتم الله جل وعلا قادر على ما يشاء ربما يعد الشيء لوقت معلوم ثم يقضي كون بعض ذلك الشيء قبل مجيء ذلك الوقت كوعده إحياء الموتى يوم القيامة وجعله محدودا ثم قضى كون مثله في بعض الأحوال مثل من ذكره الله وجعله الله جل وعلا في كتابه حيث يقول { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام } إلى آخر الآية وكإحياء الله جل وعلا لعيسى بن مريم صلوات الله عليه بعض الأموات فلما صح وجود كون هذه الحالة في البشر إذا أراده الله جل وعلا قبل يوم القيامة لم ينكر أن الله جل وعلا أحيا موسى في قبره حتى مر عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وذاك أن قبر موسى بمدين بين المدينة وبين بيت المقدس فرآه صلى الله عليه وسلم يدعو في قبره إذ الصلاة دعاء فلما دخل صلى الله عليه وسلم بيت المقدس وأسرى به أسري بموسى حتى رآه في السماء السادسة وجرى بينه وبينه من الكرم ما تقدم ذكرنا له وكذلك رؤيته سائر الأنبياء الذين في خبر مالك بن صعصعة فأما قوله صلى الله عليه وسلم في خبر مالك بن صعصعة بينما أنا في الحطيم إذ أتاني آت فشق ما بين هذه إلى هذه فكان ذلك له فضيلة فضل بها على غيره وأنه من معجزات النبوة إذ البشر إذا شق عن موضع القلب منهم ثم استخرج قلوبهم ماتوا وقوله ثم حشي يريد أن الله جل وعلا حشا قلبه اليقين والمعرفة الذي كان استقراره في طست الذهب فنقل إلى قلبه ثم أتي بدابة يقال لها البراق فحمل عليه من الحطيم أو الحجر وهما جميعا في المسجد الحرام فانطلق به جبريل حتى أتى به على قبر موسى على حسب ما وصفناه ثم دخل مسجد بيت المقدس فخرق جبريل الصخرة بإصبعه وشد بها البراق ثم صعد به إلى السماء ذكر شد البراق بالصخرة في خبر بريدة ورؤيته موسى صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره ليسا جميعا في خبر مالك بن صعصعة فلما صعد به إلى السماء الدنيا استفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه يريد به وقد أرسل إليه ليسرى به إلى السماء لا أنهم لم يعلموا برسالته إلى ذلك الوقت لأن الإسراء كان بعد نزول الوحي بسبع سنين فلما فتح له فرأى آدم على حسب ما وصفنا قبل وكذلك رؤيته في السماء الثانية يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم وفي السماء الثالثة يوسف بن يعقوب وفي السماء الرابعة إدريس ثم في السماء الخامسة هارون ثم في السماء السادسة موسى ثم في السماء السابعة إبراهيم إذ جائز أن الله جل وعلا أحياهم لأن يراهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة فيكون ذلك آية معجزة يستدل بها على نبوته على حسب ما أصلنا قبل ثم رفع له سدرة المنتهى فرآها على الحالة التي وصف ثم فرض عليه خمسون صلاة وهذا أمر ابتلاء أراد الله جل وعلا ابتلاء صفيه محمد صلى الله عليه وسلم حيث فرض عليه خمسين صلاة إذ كان في علم الله السابق أنه لا يفرض على أمته إلا خمس صلوات فقط فأمره بخمسين صلاة أمر ابتلاء وهذا كما نقول إن الله جل وعلا قد يأمر بالأمر يريد أن يأتي المأمور به إلى أمره من غير أن يريد وجود كونه كما أمر الله جل وعلا خليله إبراهيم بذبح ابنه أمره بهذا الأمر أراد به الانتهاء إلى أمره دون وجود كونه فلما أسلما وتله للجبين فداه بالذبح العظيم إذ لو أراد الله جل وعلا كون ما أمر لوجد ابنه مذبوحا فكذلك فرض الصلاة خمسين أراد به الانتهاء إلى أمره دون وجود كونه فلما رجع إلى موسى وأخبره أنه أمر بخمسين صلاة كل يوم ألهم الله موسى أن يسأل محمدا صلى الله عليهما وسلم بسؤال ربه التخفيف لأمته فجعل جل وعلا قول موسى عليه السلام له سببا لبيان الوجود لصحة ما قلنا إن الفرض من الله على عباده أراد إتيانه خمسا لا خمسين فرجع إلى الله جل وعلا فسأله فوضع عنه عشرا وهذا أيضا أمر ابتلاء أريد به الانتهاء إليه دون وجود كونه ثم جعل سؤال موسى عليه السلام إياه سببا لنفاذ قضاء الله جل وعلا في سابق علمه أن الصلاة تفرض على هذه الأمة خمسا لا خمسين حتى رجع في التخفيف إلى خمس صلوات ثم ألهم الله جل وعلا صفيه صلى الله عليه وسلم حينئذ حتى قال لموسى قد سألت ربي حتى استحييت لكني أرضى وأسلم فلما جاوز ناداه مناد أمضيت فريضتي أراد به الخمس صلوات وخففت عن عبادي يريد عن عبادي من أمر الابتلاء الذي أمرتهم به من خمسين صلاة التي ذكرناها وجملة هذه الأشياء في الإسراء رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسمه عيانا دون أن يكون ذلك رؤيا أو تصويرا صور له إذ لو كان ليلة الإسراء وما رأى فيها نوما دون اليقظة لاستحال ذلك لأن البشر قد يرون في المنام السماوات والملائكة والأنبياء والجنة والنار وما أشبه هذه الأشياء فلو كان رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ما وصف في ليلة الإسراء في النوم دون اليقظة لكانت هذه حالة يستوي فيها معه البشر إذ هم يرون في مناماتهم مثلها واستحال فضله ولم تكن تلك حالة معجزة يفضل بها على غيره ضد قول من أبطل هذه الأخبار وأنكر قدرة الله جل وعلا وإمضاء حكمه لما يحب كما يحب جل ربنا وتعالى عن مثل هذا وأشباهه

ذكر وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم موسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم حيث رآهم ليلة أسري به

[ 51 ] أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي لقيت موسى رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة ولقيت عيسى فإذا رجل أحمر كأنه خرج من ديماس يعني من حمام ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به فأتيت بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فقيل لي هديت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك

ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم فقيل هديت الفطرة أراد به أن جبريل قال له ذلك

[ 52 ] أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي بحمص حدثنا كثير بن عبيد المذحجي حدثنا حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما ثم أخذ اللبن فقال له جبريل عليه السلام هديت الفطرة ولو أخذت الخمر غوت أمتك

ذكر وصف الخطباء الذين يتكلون على القول دون العمل حيث رآهم صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به

[ 53 ] أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المنهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا هشام الدستوائي حدثنا المغيرة ختن مالك بن دينار عن مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقارض من نار فقلت من هؤلاء يا جبريل فقال الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون قال الشيخ روى هذا الخبر أبو عتاب الدلال عن هشام عن المغيرة عن مالك بن دينار عن ثمامة عن أنس ووهم فيه لأن يزيد بن زريع أتقن من مئتين من مثل أبي عتاب وذويه

ذكر وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم قصر عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه في الجنة حيث رآه ليلة أسري به

[ 54 ] أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أبو نصر التمار حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا القصر فقالوا لفتى من قريش فظننت أنه لي قلت من هو قيل عمر بن الخطاب يا أبا حفص لولا ما أعلم من غيرتك لدخلته فقال يا رسول الله من كنت أغار عليه فإني لم أكن أغار عليك

ذكر البيان بأن الله جل وعلا أرى بيت المقدس صفيه صلى الله عليه وسلم لينظر إليها ويصفها لقريش لما كذبته بالإسراء

[ 55 ] أخبرنا بن قتيبة حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا بن وهب أنبأنا يونس عن بن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال سمعت جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر

ذكر البيان بأن الإسراء كان ذلك برؤية عين لا رؤية نوم

[ 56 ] أخبرنا محمد بن المنذر بن سعيد أنبأنا علي بن حرب الطائي أنبأنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به

ذكر الإخبار عن رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ربه جل وعلا

[ 57 ] أخبرنا أحمد بن عمرو المعدل بواسط حدثنا أحمد بن سنان القطان حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن بن عباس قال قد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه قال أبو حاتم معنى قول بن عباس قد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه أراد به بقلبه في الموضع الذي لم يصعده أحد من البشر ارتفاعا في الشرف

ذكر الخبر الدال على صحة ما ذكرناه

[ 58 ] أخبرنا أبو يعلى حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال قلت لأبي ذر لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته عن كل شيء فقال عن أي شيء كنت تسأله قال كنت أسأله هل رأيت ربك فقال سألته فقال رأيت نورا قال أبو حاتم معناه أنه لم ير ربه ولكن رأى نورا علويا من الأنوار المخلوقة

ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة العلم أنه مضاد للخبر الذي ذكرناه

[ 59 ] أخبرنا محمد بن صالح بن ذريح بعكبرا حدثنا مسروق بن المرزبان حدثنا بن أبي زائدة حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن بن مسعود في قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في حلة من ياقوت قد ملأ ما بين السماء والأرض قال أبو حاتم قد أمر الله تعالى جبريل ليلة الإسراء أن يعلم محمدا صلى الله عليه وسلم ما يجب أن يعلمه كما قال علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى يريد به جبريل ثم دنا فتدلى يريد به جبريل فكان قاب قوسين أو أدنى يريد به جبريل فأوحى إلى عبده ما أوحى بجبريل ما كذب الفؤاد ما رأى يريد به ربه بقلبه في ذلك الموضع الشريف ورأى جبريل في حلة من ياقوت قد ملأ ما بين السماء والأرض على ما في خبر بن مسعود الذي ذكرناه

ذكر تعداد عائشة قول بن عباس الذي ذكرناه من أعظم الفرية

[ 60 ] أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن مخلد حدثنا أبو الربيع حدثنا بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد أن داود بن أبي هند حدثه عن عامر الشعبي عن مسروق بن الأجدع أنه سمع عائشة تقول أعظم الفرية على الله من قال إن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه وإن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي وإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعلم ما في غد قيل يا أم المؤمنين وما رآه قالت لا إنما ذلك جبريل رآه مرتين في صورته مرة ملأ الأفق ومرة سادا أفق السماء قال أبو حاتم قد يتوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن هذين الخبرين متضادان وليسا كذلك إذ الله جل وعلا فضل رسوله صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء حتى كان جبريل من ربه أدنى من قاب قوسين ومحمد صلى الله عليه وسلم يعلمه جبريل حينئذ فرآه صلى الله عليه وسلم بقلبه كما شاء وخبر عائشة وتأويلها أنه لا يدركه تريد به في النوم ولا في اليقظة وقوله لا تدركه الأبصار فإنما معناه لا تدركه الأبصار يرى في القيامة ولا تدركه الأبصار إذا رأته لأن الإدراك هو الإحاطة والرؤية هي النظر والله يرى ولا يدرك كنهه لأن الإدراك يقع على المخلوقين والنظر يكون من العبد ربه وخبر عائشة أنه لا تدركه الأبصار فإنما معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وفي الآخرة إلا من يتفضل عليه من عباده بأن يجعل أهلا لذلك واسم الدنيا قد يقع على الأرضين والسماوات وما بينهما لأن هذه الأشياء بدايات خلقها الله جل وعلا لتكتسب فيها الطاعات للآخرة التي بعد هذه البداية فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في الموضع الذي لا يطلق عليه اسم الدنيا لأنه كان منه أدنى من قاب قوسين حتى يكون خبر عائشة أنه لم يره صلى الله عليه وسلم في الدنيا من غير أن يكون بين الخبرين تضاد أو تهاتر