كتاب العلم
 بسم الله الرحمن الرحيم

قوله كتاب العلم بسم الله الرحمن الرحيم باب فضل العلم هكذا في رواية الأصيلي وكريمة وغيرهما وفي رواية أبي ذر تقديم البسملة وقد قدمنا توجيه ذلك في كتاب الإيمان وليس في رواية المستملى لفظ باب ولا في رواية رفيقه لفظ كتاب العلم فائدة قال القاضي أبو بكر بن العربي بدأ المصنف بالنظر في فضل العلم قبل النظر في حقيقته وذلك لاعتقاده أنه في نهاية الوضوح فلا يحتاج إلى تعريف أو لأن النظر في حقائق الأشياء ليس من فن الكتاب وكل من القدرين ظاهر لأن البخاري لم يضع كتابه لحدود الحقائق وتصورها بل هو جار على اساليب العرب القديمة فأنهم يبدؤون بفضيلة المطلوب للتشويق إليه إذا كانت حقيقته مكشوفة معلومة وقد أنكر بن العربي في شرح الترمذي على من تصدى لتعريف العلم وقال هو أبين من أن يبين قلت وهذه طريقة الغزالي وشيخه الإمام أن العلم لا يحد لوضوحه أو لعسره قوله وقول الله عز وجل ضبطناه في الأصول بالرفع عطفا على كتاب أو على الاستئناف قوله يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات قيل في تفسيرها يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم ورفعة الدرجات تدل على الفضل إذ المراد به كثرة الثواب وبها الجنة وفي صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي وكان عامل عمر على مكة أنه لقيه بعسفان فقال له من استخلفت فقال استخلفت بن أبزى مولى لنا فقال عمر استخلفت مولى قال إنه قارىء لكتاب الله عالم بالفرائض فقال عمر أما إن نبيكم قد قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى نرفع درجات من نشاء قال بالعلم قوله وقوله عز وجل رب زدني علما واضح الدلالة في فضل العلم لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء الا من العلم والمراد بالعلم العلم الشرعى الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه وقد ضرب هذا الجامع الصحيح في كل من الأنواع الثلاثة بنصيب فرضي الله عن مصنفه وأعاننا على ما تصدينا له من توضيحه بمنه وكرمه فإن قيل لم لم يورد المصنف في هذا الباب شيئا من الحديث فالجواب أنه إما أن يكون اكتفى بالايتين الكريمتين وإما بيض له ليلحق فيه ما يناسبه فلم يتيسر وإما أورد فيه حديث بن عمر الآتي بعد باب رفع العلم ويكون وضعه هناك من تصرف بعض الرواة وفيه نظر على ما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى ونقل الكرماني عن بعض أهل الشام أن البخاري بوب الأبواب وترجم التراجم وكتب الأحاديث وربما بيض لبعضها ليلحقه وعن بعض أهل العراق أنه تعمد بعد الترجمة عدم إيراد الحديث إشارة إلى أنه لم يثبت فيه شيء عنده على شرطه قلت والذي يظهر لي أن هذا محله حيث لايورد فيه آية أو أثرا أما إذا أورد آية أو أثرا فهو إشارة منه إلى ما ورد في تفسير تلك الآية وأنه لم يثبت فيه شيء على شرطه وما دلت عليه الآية كاف في الباب وإلى أن الأثر الوارد في ذلك يقوي به طريق المرفوع وأن لم يصل في القوة إلى شرطه والأحاديث في فضل العلم كثيرة صحح مسلم منها حديث أبي هريرة رفعه من التمس طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ولم يخرجه البخاري لأنه اختلف فيه على الأعمش والراجح أنه بينه وبين أبي صالح فيه واسطة والله أعلم

قوله باب من سئل علما وهو مشتغل محصله التنبيه على أدب العالم والمتعلم أما العالم فلما تضمنه من ترك زجر السائل بل أدبه بالاعراض عنه أو لا حتى استوفى ما كان فيه ثم رجع إلى جوابه فرفق به لأنه من الأعراب وهم جفاة وفيه العناية بجواب سؤال السائل ولو لم يكن السؤال متعينا ولا الجواب وأما المتعلم فلما تضمنه من أدب السائل أن لا يسأل العلم وهو مشتغل بغيره لأن حق الأول مقدم ويؤخذ منه أخذ الدروس على السبق وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها وفيه مراجعة العالم إذا لم يفهم ما يجيب به حتى يتضح لقول كيف اضاعتها وبوب عليه بن حبان إباحة اعفاء المسئول عن الإجابة على الفور ولكن سياق القصة يدل على أن ذلك ليس على الإطلاق وفيه إشارة إلى أن العلم سؤال وجواب ومن ثم قيل حسن السؤال نصف العلم وقد أخذ بظاهر هذه القصة مالك وأحمد وغيرهما في الخطبة فقالوا لا نقطع الخطبة لسؤال سائل بل إذا فرغ نجيبه وفصل الجمهور بين أن يقع ذلك في أثناء واجباتها فيؤخر الجواب أو في غير الواجبات فيجيب والأولى حينئذ التفصيل فإن كان مما يهتم به في أمر الدين ولا سيما إن اختص بالسائل فيستحب اجابته ثم يتم الخطبة وكذا بين الخطبة والصلاة وإن كان بخلاف ذلك فيؤخر وكذا قد يقع في أثناء الواجب ما يقتضى تقديم الجواب لكن إذا أجاب استأنف على الأصح ويؤخذ ذلك كله من اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك فإن كان السؤال من الأمور التي ليست معرفتها على الفور مهمة فيؤخر كما في هذا الحديث ولا سيما أن كان ترك السؤال عن ذلك أولي وقد وقع نظيره في الذي سأل عن الساعة وأقيمت الصلاة فلما فرغ من الصلاة قال أين السائل فأجابه أخرجاه وأن كان السائل به ضرورة ناجزة فتقدم اجابته كما في حديث أبي رفاعة عند مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب رجل غريب لا يدري دينه جاء يسأل عن دينه فترك خطبته وأتى بكرسي فقعد عليه فجعل يعلمه ثم أتى خطبته فأتم آخرها وكما في حديث سمرة عند أحمد أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب وكما في الصحيحين في قصة سالم لما دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له أصليت ركعتين الحديث وسيأتي في الجمعة وفي حديث أنس كانت الصلاة تقام فيعرض الرجل فيحدث النبي صلى الله عليه وسلم حتى ربما نعس بعض القوم ثم يدخل في الصلاة وفي بعض طرقه وقوع ذلك بين الخطبة والصلاة

[ 59 ] قوله فليح بصيغة التصغير هو بن سليمان أبو يحيى المدني من طبقة مالك وهو صدوق تكلم بعض الأئمة في حفظه ولم يخرج البخاري من حديثه في الأحكام الا ما توبع عليه وأخرج له في المواعظ والآداب وما شاكلها طائفة من افراده وهذا منها وإنما أورده عاليا عن فليح بواسطة محمد بن سنان فقط ثم أورده نازلا بواسطة محمد بن فليح وإبراهيم بن المنذر عن محمد لأنه أورده في كتاب الرقاق عن محمد بن سنان فقط فأراد أن يعيد هنا طريقا أخرى ولاجل نزولها قرنها بالرواية الأخرى وهلال بن علي يقال له هلال بن أبي ميمونة وهلال بن أبي هلال فقد يظن ثلاثة وهو واحد وهو من صغار التابعين شيخه في هذا الحديث من اوساطهم قوله يحدث هو خبر المبتدأ وحذف مفعوله الثاني لدلالة السياق عليه والقوم الرجال وقد يدخل فيه النساء تبعا قوله جاء أعرابي لم اقف على تسميته قوله فمضى أي استمر يحدثه كذا في رواية المستملى والحموي بزيادة هاء وليست في رواية الباقين وإن ثبتت فالمعنى يحدث القوم الحديث الذي كان فيه وليس الضمير عائدا على الاعرابي قوله فقال بعض القوم سمع ما قال إنما حصل لهم التردد في ذلك لما ظهر من عدم التفات النبي صلى الله عليه وسلم إلى سؤاله واصغائه نحوه ولكونه كان يكره السؤال عن هذه المسألة بخصوصها وقد تبين عدم انحصار ترك الجواب في الامرين المذكورين بل احتمل كما تقدم أن يكون آخره ليكمل الحديث الذي هو فيه أو آخر جوابه ليوحى إليه به قوله قال أين أراه السائل بالرفع على الحكاية واراه بالضم أي أظنه والشك من محمد بن فليح رواه الحسن بن سفيان وغيره عن عثمان بن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن فليح ولفظه أين السائل ولم يشك قوله إذا وسد أي أسند وأصله من الوسادة وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس أن تثنى تحته وسادة فقوله وسد أي جعل له غير أهله وسادا فتكون إلى بمعنى اللام وأتى بها ليدل على تضمين معنى أسند ولفظ محمد بن سنان في الرقاق إذا أسند وكذا رواه يونس بن محمد وغيره عن فليح ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم وذلك من جملة الاشراط ومقتضاه أن العلم ما دام قائما ففي الأمر فسحة وكأن المصنف أشار إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر تلميحا لما روى عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الاصاغر وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في الرقاق إن شاء الله تعالى

قوله باب من رفع صوته بالعلم حدثنا أبو النعمان زاد الكشميهني في رواية كريمة عنه عارم بن الفضل وعارم لقب واسمه محمد كما تقدم في المقدمة قوله ماهك بفتح الهاء وحكى كسرها وهو غير متصرف عند الأكثرين للعلمية والعجمة ورواه الأصيلي منصرفا فكأنه لحظ فيه الوصف واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله فنادى بأعلى صوته وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك ويلحق بذلك ما إذا كان في موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة أشتد غضبه وعلا صوته الحديث أخرجه مسلم ولأحمد من حديث النعمان في معناه وزاد حتى لو أن رجلا بالسوق لسمعة واستدل به أيضا على مشروعية إعادة الحديث ليفهم وسيأتي الكلام على مباحث المتن في كتاب الوضوء إن شاء الله تعالى قال بن رشيد في هذا التبويب رمز من المصنف إلى أنه يريد أن يبلغ الغاية في تدوين هذا الكتاب بأن يستفرغ وسعه في حسن ترتيبه وكذلك فعل رحمه الله تعالى

قوله باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا قال بن رشيد أشار بهذه الترجمة الى انه بنى كتابه على المسندات المرويات عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت ومراده هل هذه الألفاظ بمعنى واحد أم لا وايراده قول بن عيينة دون غيره دال على أنه مختاره قوله وقال الحميدي في رواية كريمة والأصيلي وقال لنا الحميدي وكذا ذكره أبو نعيم في المستخرج فهو متصل وسقط من رواية كريمة قوله وأنبأنا ومن رواية الأصيلي قوله أخبرنا وثبت الجميع في رواية أبي ذر قوله وقال بن مسعود هذا التعليق طرف من الحديث المشهور في خلق الجنين وقد وصله المصنف في كتاب القدر ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى قوله وقال شقيق هو أبو وائل عن عبد الله هو بن مسعود سيأتي موصولا أيضا حيث ذكره المصنف في كتاب الجنائز ويأتي أيضا حديث حذيفة في كتاب الرقاق ومراده من هذه التعاليق أن الصحابي قال تارة حدثنا وتارة سمعت فدل على إنهم لم يفرقوا بين الصيغ وأما أحاديث بن عباس وأنس وأبي هريرة في رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه فقد وصلها في كتاب التوحيد وأراد بذكرها هنا التنبيه على العنعنة وأن حكمها الوصل عند ثبوت اللقى وأشار على ما ذكره بن رشيد إلى أن رواية النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي عن ربه سواء صرح الصحابي بذلك أم لا ويدل له حديث بن عباس المذكور فإنه لم يقل فيه في بعض المواضع عن ربه ولكنه اختصار فيحتاج إلى التقدير قلت ويستفاد من الحكم بصحة ما كان ذلك سبيله صحة الاحتجاج بمراسيل الصحابة لأن الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ربه فيما لم يكلمه به مثل ليلة الإسراء جبريل وهو مقبول قطعا والواسطة بين الصحابي وبين النبي صلى الله عليه وسلم مقبول اتفاقا وهو صحابي آخر وهذا في احدايث الأحكام دون غيرها فإن بعض الصحابة ربما حملها عن بعض التابعين مثل كعب الأحبار تنبيه أبو العالية المذكور هنا هو الرياحي بالياء الأخيرة واسمه رفيع بضم الراء ومن زعم أنه البراء بالراء الثقيلة فقد وهم فإن الحديث المذكور معروف برواية الرياحي دونه فإن قيل فمن أين تظهر مناسبة حديث بن عمر للترجمة ومحصل الترجمة التسوية بين صيغ الأداء الصريحة وليس ذلك بظاهر في الحديث المذكور فالجواب أن ذلك يستفاد من اختلاف ألفاظ الحديث المذكور ويظهر ذلك إذا اجتمعت طرقه فإن لفظ رواية عبد الله بن دينار المذكور في الباب فحدثوني ما هي وفي رواية نافع عند المؤلف في التفسير اخبروني وفي رواية عند الإسماعيلي انبئوني وفي رواية مالك عند المصنف في باب الحياء في العلم حدثوني ما هي وقال فيها فقالوا أخبرنا بها فدل ذلك على أن التحديث والاخبار والانباء عندهم سواء وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بالنسبة إلى اللغة ومن أصرح الأدلة فيه قوله تعالى يومئذ تحدث اخبارها وقوله تعالى ولا ينبئك مثل خبير وأما بالنسبة إلى الاصطلاح ففيه الخلاف فمنهم من استمر على أصل اللغة وهذا رأى الزهري ومالك وابن عيينة ويحيى القطان وأكثر الحجازيين والكوفيين وعليه استمر عمل المغاربة ورجحه بن الحاجب في مختصره ونقل عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه وتقييده حيث يقرأ عليه وهو مذهب إسحاق بن راهويه والنسائي وابن حبان وابن منده وغيرهم ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل فيخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ والاخبار بما يقرأ عليه وهذا مذهب بن جريج والأوزاعي والشافعي وابن وهب وجمهور أهل المشرق ثم أحدث أتباعهم تفصيلا آخر فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال حدثني ومن سمع مع غيره جمع ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني ومن سمع بقرأة غيره جمع وكذا خصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور لئلا يختلط لأنه صار حقيقة عرفية عندهم فمن تجوز عنها أحتاج إلى الإتيان بقرينة تدل على مراده وإلا فلا يؤمن اختلاط المسموع بالمجاز بعد تقرير الاصطلاح فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين

[ 61 ] قوله إن من الشجر شجرة زاد في رواية مجاهد عند المصنف في باب الفهم في العلم قال صحبت بن عمر إلى المدينة فقال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فآتى بجمار وقال أن من الشجر وله عنه في البيوع كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمارا قوله لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم كذا في رواي أبي ذر بكسر ميم مثل واسكان المثلثة وفي رواية الأصيلي وكريمة بفتحهما وهما بمعنى قال الجوهري مثله ومثله كلمة تسوية كما يقال شبهه وشبهه بمعنى قال والمثل بالتحريك أيضا ما يضرب من الأمثال انتهى ووجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق ما رواه الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن بن عمر ولفظه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال إن مثل المؤمن كمثل شجرة لاتسقط لها انملة أتدرون ما هي قالوا لا قال هي النخلة لاتسقط لها انملة ولا تسقط لمؤمن دعوة ووقع عند المصنف في الأطعمة من طريق الأعمش قال حدثني مجاهد عن بن عمر قال بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بحمار فقال إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم وهذا أعم من الذي قبله وبركة النخلة موجودة في جميع اجزائها مستمرة في جميع احوالها فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل انواعا ثم بعد ذلك ينتفع بجميع اجزائها حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته ووقع عند المصنف في التفسير من طريق نافع عن بن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا كذا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء فقيل في تفسيره ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيؤها ولا يبطل نفعها ووقع في رواية مسلم ذكر النفي مرة واحدة فظن إبراهيم بن سفيان الراوي عنه أنه متعلق بما بعده وهو قوله تؤتى أكلها فاستشكله وقال لعل لا زائدة ولعله وتؤتى أكلها وليس كما ظن بل معمول النفي محذوف على سبيل الاكتفاء كما بيناه وقوله تؤتى ابتداء كلام على سبيل التفسير لما تقدم ووقع عند الإسماعيلي بتقديم تؤتى أكلها كل حين عل قوله لا يتحات ورقها فسلم من الاشكال قوله فوقع الناس أي ذهبت افكارهم في اشجار البادية فجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة يقال وقع الطائر على الشجرة إذا نزل عليها قوله قال عبد الله هو بن عمر الراوي قوله ووقع في نفسي بين أبو عوانة في صحيحه من طريق مجاهد عن بن عمر وجه ذلك قال فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أتى به وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال وأن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز بابا يدخل منه بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه قوله فاستحييت زاد في رواية مجاهد في باب الفهم في العلم فأردت أن أقول هي النخلة فإذا انا أصغر القوم وله في الأطعمة فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم وفي رواية نافع ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه وفي رواية مالك عن عبد الله بن دينار عند المؤلف في باب الحياء في العلم قال عبد الله فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتها أحب إلى من أن يكون لي كذا وكذا زاد بن حبان في صحيحه أحسبه قال حمر النعم وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم امتحان العالم اذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الاغلوطات قال الأوزاعي أحد رواته هي صعاب المسائل فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول أو تعجيزه وفيه التحريض على الفهم في العلم وقد بوب عليه المؤلف باب الفهم في العلم وفيه استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة ولهذا تمنى عمر أن يكون ابنه لم يسكت وقد بوب عليها المؤلف في العلم وفي الله الأدب وفيه دليل على بركة النخله وما تثمره وقد بوب عليه المصنف أيضا وفيه دليل على أن بيع الجمار جائز لأن كل ما جاز أكله جاز بيعه ولهذا بوب عليه المؤلف في البيوع وتعقبه بن بطال لكونه من المجمع عليه وأجيب بان ذلك لا يمنع من التنبيه عليه لأنه أورده عقب حديث النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فكأنه يقول لعل متخيلا يتخيل أن هذا من ذاك وليس كذلك وفيه دليل على جواز تجمير النخل وقد بوب عليه في الأطعمة لئلا يظن أن ذلك من باب إضاعة المال وأورده في تفسير قوله تعالى ضرب الله مثلا كلمة طيبة إشارة منه إلى أن المراد بالشجرة النخلة وقد ورد صريحا فيما رواه البزار من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذه الآية فقال أتدرون ما هي قال بن عمر لم يخف على أنها النخلة فمنعني أن أتكلم مكان سني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة ويجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالجمار فشرع في أكله تاليا للآية قائلا أن من الشجر شجرة إلى آخره ووقع عند بن حبان من رواية عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يخبرني عن شجرة مثلها مثل المؤمن أصلها ثابت وفرعها في السماء فذكر الحديث وهو يؤيد رواية البزار قال القرطبي فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب وأنه لا يزال مستورا بدينه وأنه ينتفع بكل ما يصدر عنه حيا وميتا انتهى وقال غيره والمراد بكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله وروى البزار أيضا من طريق سفيان بن حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك هكذا أورده مختصرا وإسناده صحيح وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت أو لأنها لا تحمل حتى تلقح أو لأنها تموت إذا غرقت أو لأن لطلعها رائحة من الأدمي أو لأنها تعشق أو لأنها تشرب من أعلاها فكلها أوجه ضعيفة لأن جميع ذلك من المشابهات مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضله طين آدم فإن الحديث في ذلك لم يثبت والله أعلم وفيه ضرب الأمثال والاشياء لزيادة الإفهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة وفيه إشارة إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجمادات ولا يعادله وفيه توقير الكبير وتقديم الصغير إياه في القول وأه لا يبادره بما فهمه وأن ظن أنه الصواب وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه لأن العلم مواهب والله يؤتى فضله من يشاء واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها وإذا كان أصلها لله وذلك مستفاد من تمنى عمر المذكور ووجه تمنى عمر رضي الله عنه ماطبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده ولتظهر فضيل الولد في الفهم من صغره وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها فائدة قال البزار في مسنده ولم يرو هذا الحديث عن الني صلى الله عليه وسلم بهذا السياق الا بن عمر وحده ولما ذكره الترمذي قال وفي الباب عن أبي هريرة وأشار بذلك إلى حديث مختصر لأبي هريرة أورده عبد بن حميد في تفسيره لفظة مثل المؤمن مثل النخلة وعند الترمذي أيضا والنسائي وابن حبان من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة قال هي النخلة تفرد برفعه حماد بن سلمة وقد تقدم أن في رواية مجاهد عن بن عمر أنه كان عاشر عشرة فاستفدنا من مجموع ما ذكرناه أن منهم أبا بكر وعمر وابن عمر وأبا هريرة وأنس بن مالك إن كانا سمعا ما روياه من هذا الحديث في ذلك المجلس والله تعالى أعلم

قوله باب طرح الإمام المسألة أورد فيه حديث بن عمر المذكور بلفظ قريب من لفظ الذي قبله وإنما أورده بإسناد آخر ايثارا لابتداء فائدة تدفع اعتراض من يدعي عليه التكرار بلا فائدة وأما دعوى الكرماني أنه لمراعاة صنيع مشايخه في تراجم مصنفاتهم وأن رواية قتيبة هنا كانت في بيان معنى التحديث والاخبار ورواية خالد كانت في بيان طرح الإمام المسألة فذكر الحديث في كل موضع عن شيخه الذي روى له الحديث لذلك الأمر فإنها غير مقبولة ولم تجد عن أحد ممن عرف حال البخاري وسعة علمه وجودة تصرفه حكى أنه كان يقلد في التراجم ولو كان كذلك لم يكن له مزية على غيره وقد توارد النقل عن كثير من الأئمة أن من جملة ما امتاز به كتاب البخاري دقة نظره في تصرفه في تراجم أبوابه والذي ادعاه الكرماني يقتضى أنه لا مزية له في ذلك لأنه مقلد فيه لمشايخه ووراء ذلك أن كلا من قتيبة وخالد بن مخلد لم يذكر لأحد منهما ممن صنف في بيان حالهما أن له تصنيفا على الأبواب فضلا عن التدقيق في التراجم وقد أعاد الكرماني هذا الكلام في شرحه مرارا ولم أجد له سلفا في ذلك والله المستعان وراويه عن عبد الله بن دينار سليمان هو بن بلال المدني الفقيه المشهور ولم أجده من روايته الا عند البخاري ولم يقع لاحد ممن أستخرج عليه حتى أن أبا نعيم إنما أورده في المستخرج من طريق الفربري عن البخاري نفسه وقد وجدته من رواية خالد بن مخلد الراوي عن سليمان المذكور أخرجه أبو عوانة في صحيحه لكنه قال عن مالك بدل سليمان بن بلال فإن كان محفوظا فلخالد فيه شيخان وقد وقع التصريح بسماع عبد الله بن دينار له من عبد الله بن عمر عند مسلم وغيره

قوله باب القراءة والعرض على المحدث إنما غاير بينهما بالعطف لما بينهما من العموم والخصوص لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض وغيره ولا يقع العرض الا بالقراءة لأن العرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل شيخه معه أو مع غيره بحضرته فهو أخص من القراءة وتوسع فيه بعضهم فأطلقه على ما إذا أحضر الأصل لشيخه فنظر فيه وعرف صحته وأذن له أن يرويه عنه من غير أن يحدثه به أو يقرأه الطالب عليه والحق أن هذا يسمى عرض المناولة بالتقييد لا الإطلاق وقد كان بعض السلف لا يعتدون الا بما سمعوه من ألفاظ المشايخ دون ما يقرأ عليهم ولهذا بوب البخاري على جوازه وأورد فيه قول الحسن وهو البصري فلا بأس بالقراءة على العالم ثم اسنده إليه بعد أن علقه وكذا ذكر عن سفيان الثوري ومالك موصولا أنهما سويا بين السماع من العالم والقراءة عليه وقوله جائزا وقع في رواية أبي ذر جائزة أي القراءة لأن السماع لانزاع فيه قوله واحتج بعضهم المحتج بذلك هو الحميدي شيخ البخاري قاله في كتاب النوادر له كذا قال بعض من أدركته وتبعته في المقدمة ثم ظهر لي خلافه وأن قائل ذلك أبو سعيد الحداد أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق بن خزيمة قال سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول قال أبو سعيد الحداد عندي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة على العالم فقيل له فقال قصة ضمام بن ثعلبة قال آلله أمرك بهذا قال نعم انتهى وليس في المتن الذي ساقه البخاري بعد من حديث أنس في قصة ضمام أن ضماما أخبر قومه بذلك وإنما وقع ذلك من طريق أخرى ذكرها أحمد وغيره من طريق بن إسحاق قال حدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن بن عباس قال بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة فذكر الحديث بطوله وفي آخره أن ضماما قال لقومه عندما رجع إليهم إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه قال فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة الا مسلما فمعنى قول البخاري فأجازوه أي قبلوه منه ولم يقصد الاجازه المصطلحة بين أهل الحديث قوله واحتج مالك بالصك قال الجوهري الصك يعني بالفتح الكتاب فارسي معرب والجمع صكاك وصكوك والمراد هنا المكتوب الذي يكتب فيه إقرار المقر لأنه إذا قرئ عليه فقال نعم ساغت الشهادة عليه به وإن لم يتلفظ هو بما فيه فكذلك إذا قرئ على العالم فاقر به صح أن يروي عنه وأما قياس مالك قراءة الحديث على قراءة القرآن فرواه الخطيب في الكفاية من طريق بن وهب قال سمعت مالكا وسئل عن الكتب التي تعرض عليه أيقول الرجل حدثني قال نعم كذلك القرآن أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول أقرأني فلان وروى الحكم في علوم الحديث من طريق مطرف قال صحبت مالكا سبع عشرة سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرأون عليه قال وسمعته يأبى أشد الآباء على من يقول لا يجزيه الا السماع من لفظ الشيخ ويقول كيف لا يجزيك هذا في الحديث ويجزيك في القرآن والقرآن أعظم قلت وقد انقرض الخلاف في كون القراءة على الشيخ لاتجزى وإنما كان يقوله بعض المتشددين من أهل العراق فروى الخطيب عن إبراهيم بن سعد قال لا تدعون تنطعكم يا أهل العراق العرض مثل السماع وبالغ بعض المدنيين وغيرهم في مخالفتهم فقالوا إن القراءة على الشيخ أرفع من السماع من لفظه ونقله الدارقطني في غرائب مالك عنه ونقله الخطيب بأسانيد صحيحة عن شعبة وابن أبي ذئب ويحيى القطان واعتلوا بأن الشيخ لو سها لم يتهيأ للطالب الرد عليه وعن أبي عبيد قال القراءة على أثبت وأفهم لي من أن أتولى القراءة أنا والمعروف عن مالك كما نقله المصنف عنه وعن سفيان وهو الثوري أنهما سواء والمشهور الذي عليه الجمهور أن السماع من لفظ الشيخ أرفع رتبة من القراءة عليه ما لم يعرض عارض يصير القراءة عليه أولى ومن ثم كان السماع من لفظه في الإملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب والله أعلم قوله عن الحسن قال لا بأس بالقراءة على العالم هذا الأثر رواه الخطيب أتم سياقا مما هنا فأخرج من طريق أحمد بن حنبل عن محمد بن الحسن الواسطي عن عوف الأعرابي أن رجلا سأل الحسن فقال يا أبا سعيد منزلي بعيد والاختلاف يشق على فإن لم تكن ترى بالقراءة بأسا قرأت عليك قال ما أبالي قرأت عليك أو قرأت علي قال فأقول حدثني الحسن قال نعم قل حدثني الحسن ورواه أبو الفضل السليماني في كتاب الحث على طلب الحديث من طريق سهل بن المتوكل قال حدثنا محمد بن سلام بلفظ قلنا للحسن هذه الكتب التي تقرأ عليك إيش نقول فيها قال قولوا حدثنا الحسن

[ 63 ] قوله الليث عن سعيد في رواية الإسماعيلي من طريق يونس بن محمد عن الليث حدثني سعيد وكذا لابن منده من طريق بن وهب عن الليث وفي هذا دليل على أن رواية النسائي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن الليث قال حدثني محمد بن عجلان وغيره عن سعيد موهومة معدودة من المزيد في متصل الأسانيد أو يحمل على أن الليث سمعه عن سعيد بواسطة ثم لقيه فحدثه به وفيه اختلاف آخر أخرجه النسائي والبغوى من طريق الحارث بن عمير عبن عبيد الله بن عمر وذكره بن منده من طريق الضحاك بن عثمان كلاهما عن سعيد عن أبي هريرة ولم يقدح هذا الاختلاف فيه عند البخاري لأن الليث أثبتهم في سعيد المقبري مع احتمال أن يكون لسعيد فيه شيخان لكن تترجح رواية الليث بأن المقبري عن أبي هريرة جادة مألوفة فلا يعدل عنها إلى غيرها الا من كان ضابطا متثبتا ومن ثم قال بن أبي حاتم عن أبيه رواية الضحاك وهم وقال الدارقطني في العلل رواه عبيد الله بن عمر وأخوه عبد الله والضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي هريرة ووهموا فيه والقول قول الليث أما مسلم فلم يخرجه من هذا الوجه بل أخرجه من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وقد أشار إليها المصنف عقب هذه الطريق وما فر منه مسلم وقع في نظيره فإن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت وقد روى هذا الحديث عن ثابت فأرسله ورجح الدارقطني رواية حماد قوله بن أبي نمر هو بفتح النون وكسر الميم لا يعرف اسمه ذكره بن سعد في الصحابة وأخرج له بن السكن حديثا وأغفله بن الأثير تبعا لاصوله قوله في المسجد أي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ فيه جواز اتكاء الإمام بين اتباعه وفيه ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من ترك التكبر لقوله بين ظهرانيهم وهي بفتح النون أي بينهم وزيد لفظ الظهر ليدل على أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فهو محفوف بهم من جانبيه والالف والنون فيه للتأكيد قاله صاحب الفائق ووقع في رواية موسى بن إسماعيل الاتي ذكرها آخر هذا الحديث في أوله عن أنس قال نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل وكأن أنسا أشار إلى آية المائدة وسيأتي بسط القول فيها في التفسير إن شاء الله تعالى قوله دخل زاد الأصيلي قبلها إذ قوله ثم عقله بتخفيف القاف أي شد على ساق الجمل بعد أن ثنى ركبته حبلا قوله في المسجد استنبط منه بن بطال وغيره طهارة أبوال الإبل وأرواثها إذ لا يؤمن ذلك منه مدة كونه في المسجد ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ودلالته غير واضحة وإنما فيه مجرد احتمال ويدفعه رواية أبي نعيم أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه ثم عقله فدخل المسجد فهذا السياق يدل على أنه ما دخل به المسجد وأصرح منه رواية بن عباس عند أحمد والحاكم ولفظها فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل فعلى هذا في رواية أنس مجاز الحذف والتقدير فأناخه في ساحة المسجد أو نحو ذلك قوله الأبيض أي المشرب بحمرة كما في رواية الحارث بن عمير الامغر أي بالغين المعجمة قال حمزة بن الحارث هو الأبيض المشرب بحمرة ويؤيده ما يأتي في صفته صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن أبيض ولا آدم أي لم يكن أبيض صرفا قوله اجبتك أي أسمعتك والمراد إن شاء الإجابة أو نزل تقريره للصحابة في الاعلام عنه منزلة النطق وهذا لائق بمراد المصنف وقد قيل إنما لم يقل له نعم لأنه لم يخاطبه بما يليق بمنزلته من التعظيم لا سيما مع قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا والعذر عنه إن قلنا إنه قدم مسلما أنه لم يبلغه النهى وكانت فيه بقية من جفاء الأعراب وقد ظهرت بعد ذلك في قوله فمشدد عليك في المسألة وفي قوله في رواية ثابت وزعم رسولك إنك تزعم ولهذا وقع في أول رواية ثابت عن أنس كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع زاد أبو عوانة في صحيحه وكانوا أجرا على ذلك منا يعني أن الصحابة واقفون عند النهي واولئك يعذرون بالجهل وتمنوه عاقلا ليكون عارفا بما يسأل عنه وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدي مسألته لظنه أنه لا يصل إلى مقصوده الا بتلك المخاطبة وفي رواية ثابت من الزيادة أنه سأله من رفع السماء وبسط الأرض وغير ذلك من المصنوعات ثم أقسم عليه به أن يصدقه عما يسأل عنه وكرر القسم في كل مسألة تأكيدا وتقريرا للأمر ثم صرح بالتصديق فكل ذلك دليل على حسن تصرفه وتمكن عقله ولهذا قال عمر في رواية أبي هريرة ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا اوجز من ضمام قوله بن عبد المطلب بفتح النون على النداء وفي رواية الكشميهني يا بن بإثبات حرف النداء قوله فلا تجد أي لا تغضب ومادة وجد متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر وبحسب اختلاف المعاني يقال في الغضب موجدة وفي المطلوب وجودا وفي الضالة وجدانا وفي الحب وجدا بالفتح وفي المال وجدا بالضم وفي الغني جدة بكسر الجيم وتخفيف الدال المفتوحة على الأشهر في جميع ذلك وقالوا أيضا في المكتوب وجادة وهي مولدة قوله أنشدك بفتح الهمزة وضم المعجمة وأصله من النشيد وهو رفع الصوت والمعنى سألتك رافعا نشيدتي قاله البغوي في شرح السنة وقال الجوهري نشدتك بالله أي سألتك بالله كأنك ذكرته فنشد أي تذكر قوله الله بالمد في المواضع كلها قوله اللهم نعم الجواب حصل بنعم وإنما ذكر اللهم تبركا بها وكأنه استشهد بالله في ذلك تأكيدا لصدقه ووقع في رواية موسى فقال صدقت قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض والجبال قال الله قال فمن جعل فيها المنافع قال الله قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال وجعل فيها المنافع آلله أرسلك قال نعم وكذا هو في رواية مسلم قوله أن تصلي بتاء المخاطب فيه وفيما بعده ووقع عند الأصيلي بالنون فيها قال القاضي عياض هو أوجه ويؤيده رواية ثابت بلفظ إن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا وساق البقية كذلك وتوجيه الأول أن كل ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل الاختصاص ووقع في رواية الكشميهني والسرخسي الصلاة الخمس بالافراد على إرادة الجنس قوله أن تأخذ هذه الصدقة قال بن التين فيه دليل على أن المرء لا يفرق صدقته بنفسه قلت وفيه نظر وقوله على فقرائنا خرج مخرج الأغلب لأنهم معظم أهل الصدقة قوله آمنت بما جئت به يحتمل أن يكون اخبارا وهو اختيار البخاري ورجحه القاضي عياض وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبره به رسوله إليهم لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره فإن رسولك زعم وقال في رواية كريب عن بن عباس عند الطبراني اتتنا كتبك وأتتنا رسلك واستنبط منه الحاكم أصل طلب علو الإسناد لأنه سمع ذلك من الرسول وآمن وصدق ولكنه أراد أن يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة ويحتمل أن يكون قوله آمنت إنشاء ورجحه القرطبي لقوله زعم قال والزعم القول الذي لا يوثق به قاله بن السكيت وغيره قلت وفيه نظر لأن الزعم يطلق على القول المحقق أيضا كما نقله أبو عمر الزاهد في شرح فصيح شيخه ثعلب وأكثر سيبويه من قوله زعم الخليل في مقام الاحتجاج وقد أشرنا إلى ذلك في حديث أبي سفيان في بدء الوحي وأما تبويب أبي داود عليه باب المشرك يدخل المسجد فليس مصيرا منه إلى أن ضماما قدم مشركا بل وجهه أنهم تركوا شخصا قادما يدخل المسجد من غير استفصال ومما يؤيد أن قوله آمنت أخبار أنه لم يسأل عن دليل التوحيد بل عن عموم الرسالة وعن شرائع الإسلام ولو كان إنشاء لكان طلب معجزة توجب له التصديق قاله الكرماني وعكسه القرطبي فاستدل به على صحة إيمان المقلد للرسول ولو لم تظهر له معجزة وكذا أشار إليه بن الصلاح والله أعلم تنبيه لم يذكر الحد في رواية شريك هذه وقد ذكره مسلم وغيره فقال موسى في روايته وأن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال صدق وأخرجه مسلم أيضا وهو في حديث أبي هريرة وابن عباس أيضا وأغرب بن التين فقال إنما لم يذكره لأنه لم يكن فرض وكأن الحامل له على ذلك ما جزم به الواقدي ومحمد بن حبيب أن قدوم ضمام كان سنة خمس فيكون قبل فرض الحج لكنه غلط من أوجه أحدها أن في رواية مسلم أن قدومه كان بعد نزول النهي في القرآن عن سؤال الرسول وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جدا ثانيها أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية ومعظمه بعد فتح مكة ثالثها أن في القصة أن قومه أوفدوه وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة رابعها في حديث بن عباس أن قومه اطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم ولم يدخل بنو سعد وهو بن بكر بن هوازن في الإسلام الا بعد وقعة حنين وكانت في شوال سنة ثمان كما سيأتي مشروحا في مكانه إن شاء الله تعالى فالصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع وبه جزم بن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما وغفل البدر الزركشني فقال إنما لم يذكر الحج لأنه كان معلوما عندهم في شريعة إبراهيم انتهى وكأنه لم يراجع صحيح مسلم فضلا عن غيره قوله وأنا رسول من ورائي من موصولة ورسول مضاف إليها ويجوز تنوينه وكسر من لكن لم تأت به الرواية ووقع في رواية كريب عن بن عباس عند الطبراني جاء رجل من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مسترضعا فيهم فقال أنا وافد قومي ورسولهم وعند أحمد والحاكم بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا فذكر الحديث فقول بن عباس فقدم علينا يدل على تأخير وفادته أيضا لأن بن عباس إنما قدم المدينة بعد الفتح وزاد مسلم في آخر الحديث قال والذي بعثك بالحق لا ازيد عليهم ولا انقص فقال النبي صلى الله عليه وسلم لئن صدق ليدخلن الجنة وكذا هي في رواية موسى بن إسماعيل ووقعت هذه الزيادة في حديث بن عباس وهي الحاملة لمن سمي المبهم في حديث طلحة ضمام بن ثعلبة كابن عبد البر وغيره وقد قدمنا هناك أن القرطبي مال إلى أنه غيره ووقع في رواية عبيد الله بن عمر عن المقبري عن أبي هريرة التي أشرت إليها قبل من الزيادة في هذه القصة أن ضماما قال بعد قوله وأنا ضمام بن ثعلبة فأما هذه الهناة فوالله أن كنا لنتنزه عنها في الجاهلية يعني الفواحش فلما أن ولي قال النبي صلى الله عليه وسلم فقه الرجل قال وكان عمر بن الخطاب يقول ما رأيت أحسن مسألة ولا اوجز من ضمام ووقع في آخر حديث بن عباس عند أبي داود فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم العمل بخبر الواحد ولا يقدح فيه مجيء ضمام مستثبتا لأنه قصد اللقاء والمشافهة كما تقدم عن الحاكم وقد رجع ضمام إلى قومه وحده فصدقوه وآمنوا كما وقع في حديث بن عباس وفيه نسبة إلى الشخص إلى جده إذا كان أشهر من أبيه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين أنا بن عبد المطلب وفيه الاستحلاف على الأمر المحقق لزيادة التأكيد وفيه رواية الأقران لأن سعيدا وشريكا تابعيان من درجة واحدة وهما مدنيان قوله رواه موسى هو بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي شيخ البخاري وحديثه موصول عند أبي عوانة في صحيحه وعند بن منده في الإيمان وإنما علقه البخاري لأنه لم يحتج بشيخه سليمان بن المغيرة وقد خولف في وصله فرواه حماد بن سلمة عن ثابت مرسلا ورجحها الدارقطني وزعم بعضهم أنها علة تمنع من تصحيح الحديث وليس كذلك بل هي دالة على أن لحديث شريك أصلا قوله وعلي بن عبد الحميد هو المعني بفتح الميم وكذا أخرجه الدارمي عن علي بن عبد الحميد وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق قوله بهذا أي هذا المعنى وإلا فاللفظ كما بينا مختلف وسقطت هذه اللفظة من رواية أبي الوقت وابن عساكر والله سبحانه وتعالى أعلم تنبيه وقع في النسخة البغدادية التي صححها العلامة أبو محمد بن الصغائي اللغوي بعد أن سمعها من أصحاب أبي الوقت وقابلها على عدة نسخ وجعل لها علامات عقب قوله رواه موسى وعلي بن عبد الحميد عن سليمان بن المغيرة عن ثابت ما نصه حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت عن أنس وساق الحديث تمامه وقال الصغائي في الهامش هذا الحديث ساقط من النسخ كلها الا في النسخة التي قرئت على الفربري صاحب البخاري وعليها خطه قلت وكذا سقطت في جميع النسخ التي وقفت عليها والله تعالى أعلم بالصواب

قوله باب ما يذكر في المناولة لما فرغ من تقرير السماع والعرض أردفه ببقية وجوه التحمل المعتبرة عند الجمهور فمنها المناولة وصورتها أن يعطي الشيخ الطالب الكتاب فيقول له هذا سماعي من فلان أو هذا تصنيفي فاروه عني وقد قدمنا صورة عرض المناولة وهي إحضار الطالب الكتاب وقد سوغ الجمهور الرواية بها وردها من رد عرض القراءة من باب الأولى قوله إلى البلدان أي إلى أهل البلدان وكتاب مصدر وهو متعلق إلى وذكر البلدان على سبيل المثال وإلا فالحكم عام في القرى وغيرها والمكاتبة من أقسام التحمل وهي أن يكتب الشيخ حديثه بخطه أو يأذن لمن يثق به بكتبه ويرسله بعد تحريره إلى الطالب ويأذن له في روايته عنه وقد سوى المصنف بينها وبين المناولة ورجح قوم المناولة عليها لحصول المشافهة فيها بالاذن دون المكاتبة وقد جوز جماعة من القدماء إطلاق الأخبار فيهما والأولى ما عليه المحققون من اشتراط بيان ذلك قوله نسخ عثمان المصاحف هو طرف من حديث طويل يأتي الكلام عليه في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى ودلالته على تسويغ الرواية بالمكاتبة واضح فإن عثمان أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها والمستفاد من بعثة المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا أصل ثبوت القرآن فأنه متواتر عندهم قوله ورأي عبد الله بن عمر كذا في جميع نسخ الجامع عمر بضم العين وكنت أظنه العمري المدني وخرجت الأثر عنه بذلك في تعليق التعليق وكذا جزم به الكرماني ثم ظهر لي من قرينة تقديمه في الذكر على يحيى بن سعيد أنه غير العمري لأن يحيى أكبر منه سنا وقدرا فتتبعت فلم أجده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب صريحا لكن وجدت في كتاب الوصية لأبي القاسم بن منده من طريق البخاري بسند له صحيح إلى عبد الرحمن الحبلي بضم المهملة والموحدة أنه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقال انظر في هذا الكتاب فما عرفت منه اتركه وما لم تعرفه امحه فذكر الخبر وهو أصل في عرض المناولة وعبد الله يحتمل أن يكون هو بن عمر بن الخطاب فإن الحبلي سمع منه ويحتمل أن يكون بن عمرو بن العاصي فإن الحبلي مشهور بالرواية عنه وأما الأثر بذلك عن يحيى بن سعيد ومالك فأخرجه الحاكم في علوم الحديث من طريق إسماعيل بن أبي أويس قال سمعت خالي مالك بن أنس يقول قال لي يحيى بن سعيد الأنصاري لما أراد الخروج إلى العراق التقط لي مائة حديث من حديث بن شهاب حتى أرويها عنك قال مالك فكتبتها ثم بعثتها إليه وروى الرامهرمزى من طريق بن أبي أويس أيضا عن مالك في وجوه التحمل قال قراءتك على العالم ثم قراءته وأنت تسمع ثم أن يدفع إليك كتابه فيقول ارو هذا عني قوله واحتج بعض أهل الحجاز هذا المحتج هو الحميدي ذكر ذلك في كتاب النوادر له قوله في المناولة أي في صحة المناولة والحديث الذي أشار إليه لم يورده موصولا في هذا الكتاب وهو صحيح وقد وجدته من طريقين إحداهما مرسلة ذكرها بن إسحاق في المغازي عن يزيد بن رومان وأبو اليمان في نسخته عن شعيب عن الزهري كلاهما عن عروة بن الزبير والأخرى موصولة أخرجها الطبراني من حديث جندب البجلي بإسناد حسن ثم وجدت له شاهدا من حديث بن عباس عند الطبري في التفسير فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحا وأمير السرية اسمه عبد الله بن جحش الأسدي أخو زينب أم المؤمنين وكان تأميره في السنة الثانية قبل وقعة بدر والسرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد الياء التحتانية القطعة من الجيش وكانوا أثنى عشر رجلا من المهاجرين قوله حتى تبلغ مكان كذا وكذا هكذا في حديث جندب علي الإبهام وفي رواية عروة أنه قال له إذا سرت يومين فافتح الكتاب قالا ففتحه هناك فإذا فيه أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش ولا تستكرهن أحدا قال في حديث جندب فرجع رجلان ومضى الباقون فلقوا عمرو بن الحضرمي ومعه عير أي تجارة لقريش فقتلوه فكان أول مقتول من الكفار في الإسلام وذلك في أول يوم من رجب وغنموا ما كان معهم فكانت أول غنيمة في الإسلام فعاب عليهم المشركون ذلك فأنزل الله تعالى ويسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه الآية ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة فإنه ناوله الكتاب وأمره أن يقرأه على أصحابه ليعملوا بما فيه ففيه المناولة ومعنى المكاتبة وتعقبه بعضهم بأن الحجة إنما وجبت به لعدم توهم التبديل والتغيير فيه لعدالة الصحابة بخلاف من بعدهم حكاه البيهقي وأقول شرط قيام الحجة بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما وحامله مؤتمنا والمكتوب إليه يعرف خط الشيخ إلى غير ذلك من الشروط الدافعة لتوهم التغيير والله أعلم

[ 64 ] قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس وصالح هو بن كيسان قوله بعث بكتابه رجلا هو عبد الله بن حذافة السهمي كما سماه المؤلف في هذا الحديث في المغازي وكسرى هو ابرويز بن هرمز بن انوشروان ووهم من قال هو انوشروان وعظيم البحرين هو المنذر بن ساوى بالمهملة وفتح الواو الممالة وسيأتي الكلام على هذا الحديث في المغازي قوله فحسبت القائل هو بن شهاب راوي الحديث فقصة الكتاب عنده موصولة وقصة الدعاء مرسلة ووجه دلالته على المكانية ظاهر ويمكن أن يستدل به على المناولة من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم ناول الكتاب لرسوله وأمره أن يخبر عظيم البحرين بأن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن سمع ما فيه ولا قرأه

النبي صلى الله عليه وسلم مجازية أي كتب الكاتب بأمره

[ 65 ] قوله لا يقرءون كتابا الا مختوما يعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في هذا الباب لينبه على أن شرط العمل بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما ليحصل الأمن من توهم تغييره لكن قد يستغنى عن ختمه إذا كان الحامل عدلا مؤتمنا قوله فقلت القائل هو شعبة وسيأتي باقي الكلام على هذا الحديث في الجهاد وفي اللباس إن شاء الله تعالى فائدة لم يذكر المصنف من أقسام التحمل الإجازة المجردة عن المناولة أن المكاتبة ولا الوجادة ولا الوصية ولا الاعلام المجردات عن الإجازة وكأنه لا يرى بشيء منها وقد ادعى بن منده أن كل ما يقول البخاري فيه قال لي فهي إجازة وهي دعوى مردودة بدليل إني استقريت كثيرا من المواضع التي يقول فيها في الجامع قال لي فوجدته في غير الجامع يقول فيها حدثنا والبخاري لا يستجيز في الإجازة إطلاق التحديث فدل على أنها عنده من المسموع لكن سبب استعماله لهذه الصيغة ليفرق بين ما يبلغ شرطه وما لا يبلغ والله أعلم

قوله باب من قعد حيث ينتهي به المجلس مناسبة هذا لكتاب العلم من جهة أن المراد بالمجلس وبالحلقة حلقة العلم ومجلس العلم فيدخل في أدب الطالب من عدة أوجه كما سنبينه والتراجم الماضية كلها تتعلق بصفات العالم

[ 66 ] قوله مولى عقيل بفتح العين وقيل لأبي مرة ذلك للزومه إياه وإنما هو مولى أخته أم هاني بنت أبي طالب قوله عن أبي واقد صرح بالتحديث في رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي كثير عن إسحاق فقال عن أبي مرة أن أبا واقد حدثه وقد قدمنا أن اسم أبي واقد الحارث بن مالك وقيل بن عوف وقيل عوف بن الحارث وليس له في البخاري غير هذا الحديث ورجال إسناده مدنيون وهو في الموطأ ولم يروه عن أبي واقد الا أبو مرة ولا عنه الا إسحاق وأبو مرة والرواي عنه تابعيان وله شاهد من حديث أنس أخرجه البزار والحاكم قوله ثلاثة نفر النفر بالتحريك للرجال من ثلاثة إلى عشرة والمعنى ثلاثة هم نفر والنفر اسم جمع ولهذا وقع مميزا للجمع كقوله تعالى تسعة رهط قوله فاقبل اثنان بعد قوله أقبل ثلاثة هما إقبالان كأنهم أقبلوا أو لا من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس فإذا ثلاثة نفر يمرون فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إليه اثنان منهم واستمر الثالث ذاهبا قوله فوقفا زاد أكثر رواة الموطأ فلما وقفا سلما وكذا عند الترمذي والنسائي ولم يذكر المصنف هنا ولا في الصلاة السلام وكذا لم يقع في رواية مسلم ويستفاد منه أن الداخل يبدأ بالسلام وأن القائم يسلم على القاعد وإنما لم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته أو يستفاد منه أن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد وسيأتي البحث فيه في كتاب الاستئذان ولم يذكر إنهما صليا تحية المسجد أما لكون ذلك كان قبل أن تشرع أو كانا على غير وضوء أو وقع فلم ينقل للاهتمام بغير ذلك من القصة أو كان في غير وقت تنفل قاله القاضي عياض بناء على مذهبه في أنها لا تصلي في الأوقات المكروهة قوله فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على بمعنى عند قوله فرجة بالضم والفتح معا هي الخلل بين الشيئين والحلقة بإسكان اللام كل شيء مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتحتين وحكى فتح اللازم في الواحد وهو نادر وفيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم وفيه أن من سبق إلى موضع منها كان أحق به قوله وأما الاخر بفتح الخاء المعجمة وفيه رد على من زعم أنه يختص بالاخير لاطلاقه هنا على الثاني قوله فأوى إلى الله فآواه الله قال القرطبي الرواية الصحيحية بقصر الأول ومد الثاني وهو المشهور في اللغة وفي القرآن إذ اوى الفتية إلى الكهف بالقصر وآويناهما إلى ربوة بالمدينة وحكى في اللغة القصر والمد معا فيهما ومعنى أوى إلى الله لجا إلى الله أو على الحذف أي انضم إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى فآواه الله أي جازاه بنظير فعله بان ضمه إلى رحمته ورضوانه فيه استحباب الأدب في مجالس العلم وفضل سد خلل الحلقة كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة وجواز التخطى لسد الخلل ما لم يؤذ فإن خشي استحب الجلوس حيث ينتهى كما فعل الثاني وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير قوله فاستحيا أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء من النبي صلى الله عليه وسلم وممن حضر قاله القاضي عياض وقد بين أنس في روايته سبب استحياء هذا الثاني فلفظه عند الحاكم ومضى الثاني قليلا ثم جاء فجلس فالمعنى أنه استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث قوله فاستحيا الله منه أي رحمه ولم يعاقبه قوله فأعرض الله عنه أي سخط عليه وهو محمول على من ذهب معرضا لا لعذر هذا إن كان مسلما ويحتمل أن يكون منافقا واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أمره كما يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم فأعرض الله عنه اخبارا أو دعاء ووقع في حديث أنس فاستغنى فاستغنى الله عنه وهذا يرشح كونه خبرا وإطلاق الأعراض وغيره في حق الله تعالى على سبيل المقابلة والمشاكلة فيحمل كل لفظ منها على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى وفائدة إطلاق ذلك بيان الشيء بطريق واضح وفيه جواز الأخبار عن أهل المعاصي واحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد من الغيبة وفي الحديث فضل ملازمة حلق العلم والذكر وجلوس العالم والذكر في المسجد وفيه الثناء على المستحي والجلوس حيث ينتهي به المجلس ولم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية واحد من الثلاثة المذكورين والله تعالى أعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع هذا الحديث المعلق أورد المصنف في الباب معناه وأما لفظه فهو موصول عنده في باب الخطبة بمنى من كتاب الحج أورد فيه هذا الحديث من طريق قرة بن خالد عن محمد بن سيرين قال أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي بكرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال أتدرون أي يوم هذا وفي آخره هذا اللفظ وغفل القطب الحلبي ومن تبعه من الشراح في عزوهم له إلى تخريج الترمذي من حديث بن مسعود فأبعدوا النجعة وأوهموا عدم تخريج المصنف له والله المستعان ورب للتقليل وقد ترد للتكثير ومبلغ بفتح اللام وأوعى نعت له والذي يتعلق به رب محذوف وتقديره يوجد أو يكون ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رب اسم أن تكون هي مبتدأ وأوعى الخبر فلا حذف ولا تقدير والمراد رب مبلغ عني أوعى أي أفهم لما أقول من سامع مني وصرح بذلك أبو القاسم بن منده في روايته من طريق هوذة عن بن عون ولفظه فأنه عسى أن يكون بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهد

[ 67 ] قوله بشر هو بن المفضل ورجال الإسناد كلهم بصريون قوله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بنصب النبي على المفعولية وفي ذكر ضمير يعود على الراوي يعني أن أبا بكرة كان يحدثهم فذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال قعد على بعيره وفي رواية النسائي ما يشعر بذلك ولفظه عن أبي بكرة قال وذكر النبي صلى الله عليه وسلم فالواو أما حالية وأما عاطفة والمعطوف عليه محذوف وقد وقع في رواية بن عساكر عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد ولا اشكال فيه قوله وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه الشك من الراوي والزمام والخطام بمعنى وهو الخيط الذي تشد فيه الحلقة التي تسمى بالبرة بضم الموحدة وتخفيف الراء المفتوحة في انف البعير وهذا الممسك سماه بعض الشراح بلالا واستند إلى ما رواه النسائي من طريق أم الحصين قالت حججت فرأيت بلالا يقود بخطام راحلة النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وقد وقع في السنن من حديث عمرو بن خارجة قال كنت آخذا بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم انتهى فذكر بعض الخطبة فهو أولي أن يفسر به المبهم من بلال لكن الصواب أنه هنا أبو بكرة فقد ثبت ذلك في رواية الإسماعيلي من طريق بن المبارك عن بن عون ولفظه خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يوم النحر وأمسكت أما قال بخطامها وأما قال بزمامها واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبي بكرة لا منه وفائدة إمساك الخطام صون البعير عن الاضطراب حتى لا يشوش على راكبه قوله أي يوم هذا سقط من رواية المستملى والحموي السؤال عن الشهر والجواب الذي قبله فصار هكذا أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس بذي الحجة وكذا في رواية الأصيلي وتوجيهه ظاهر وهو من إطلاق الكل على البعض ولكن الثابت في الروايات عند مسلم وغيره ما ثبت عند الكشميهني وكريمة وكذلك وقع في رواية مسلم وغيره السؤال عن البلد وهذا كله في رواية بن عون وثبت السؤال عن الثلاثة عند المصنف في الأضاحي من رواية أيوب وفي الحج من رواية قرة كلاهما عن بن سيرين قال القرطبي سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهومهم وليقبلوا عليه بكليتهم وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه ولذلك قال بعد هذا فإن دماءكم الخ مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء انتهى ومناط التشبيه في قوله كحرمة يومكم وما بعده ظهوره عند السامعين لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتا في نفوسهم مقررا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والاعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وما له وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع ووقع في الروايات التي اشرنا إليها عند المصنف وغيره أنهم أجابوه عن كل سؤال بقولهم الله ورسوله أعلم وذلك من حسن أدبهم لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب وأنه ليس مراده مطلق الأخبار بما يعرفونه ولهذا قال في رواية الباب حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه فقيه إشارة الى تفويض الأمور الكلية إلى الشارع ويستفاد منه الحجة لمثبتي الحقائق الشرعية قوله فان دماءكم الخ هو على حذف مضاف أي سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب اعراضكم والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه قوله ليبلغ الشاهد أي الحاضر في المجلس الغائب أي الغائب عنه والمراد إما تبليغ القول المذكور أو تبليغ جميع الأحكام وقوله منه صلة لأفعل التفضيل وجاز الفصل بينهما لأن في الظرف سعة وليس الفاصل أيضا أجنبيا فائدة وقع في حديث الباب فسكتنا بعد السؤال وعند المصنف في الحج من حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال أي يوم هذا قالوا يوم حرام وظاهرهما التعارض والجمع بينهما أن الطائفة الذين كان فيهم بن عباس أجابوا والطائفة الذين كان فيهم أبو بكرة لم يجيبوا بل قالوا الله ورسوله أعلم كما أشرنا إليه أو تكون رواية بن عباس بالمعنى لأن في حديث أبي بكرة عند المصنف في الحد وفي الفتن أنه لما قال أليس يوم النحر قالوا بلى بمعنى قولهم يوم حرام بالاستلزام وغايته أن أبا بكرة نقل السياق بتمامه واختصره بن عباس وكأن ذلك كان بسبب قرب أبي بكرة منه لكونه كان آخذا بخطام الناقة وقال بعضهم يحتمل تعدد الخطبة فإن أراد أنه كررها في يوم النحر فيحتاج لدليل فإن في حديث بن عمر عند المصنف في الحج أن ذلك كان يوم النحر بين الجمرات في حجته وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحث على تبليغ العلم وجواز التحمل قبل كمال الأهلية وأن الفهم ليس شرطا في الأداء وأنه قد يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة واستنبط بن المنير من تعليل كون المتأخر أرجح نظرا من المتقدم أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره وفيه جواز القعود على ظهر الدواب وهي واقفة إذا احتيج إلى ذلك وحمل النهي الوارد في ذلك على ما إذا كان لغير ضرورة وفيه الخطبة على موضع عال ليكون أبلغ في إسماعه للناس ورؤيتهم إياه

قوله باب العلم قبل القول والعمل قال بن المنير أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران الا به فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم إن العلم لا ينفع الا بالعمل تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه قوله فبدأ بالعلم أي حيث قال فاعلم أنه لا إله إلا الله ثم قال واستغفر لذنبك والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو متناول لأمته واستدل سفيان بن عيينة بهذه الآية على فضل العلم كما أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمته من طريق الربيع بن نافع عنه أنه تلاها فقال ألم تسمع أنه بدأ به فقال أعلم ثم أمره بالعمل وينتزع منها دليل ما يقوله المتكلمون من وجوب المعرفة لكن النزاع كما قدمناه إنما هو في إيجاب تعلم الأدلة على القوانين المذكورة في كتب الكلام وقد تقدم شيء من هذا في كتاب الإيمان قوله وأن العلماء بفتح أن ويجوز كسرها ومن هنا إلى قوله وافر طرف من حديث أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححا من حديث أبي الدرداء وحسنه حمزة الكناني وضعفه باضطراب في سنده لكن له شواهد يتقوى بها ولم يفصح المصنف بكونه حديثا فلهذا لا يعد في تعاليقه لكن إيراده له في الترجمة يشعر بأن له أصلا وشاهده في القرآن قوله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ومناسبته للترجمة من جهة أن الوارث قائم مقام الموروث فله حكمة فيما قام مقامه فيه قوله ورثوا بتشديد الراء المفتوة أي الأنبياء ويروي بتخفيفها مع الكسر أي العلماء ويؤيد الأول ما عند الترمذي وغيره فيه وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم قوله بخط أي نصيب وافر أي كامل قوله ومن سلك طريقا هو من جملة الحديث المذكور وقد أخرج هذه الجملة أيضا مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث غير هذا وأخرجه الترمذي وقال حسن قال ولم يقل له صحيح لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه فقال حدثت عن أبي صالح قلت لكن في رواية مسلم عن أبي أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح فانتفت تهمة تدليسه قوله طريقا نكرها ونكر علما ليتناول أنواع الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية وليندرج فيه القليل والكثير قوله سهل الله له طريقا أي في الآخرة أو في الدنيا بأن يوفقه للاعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة وفيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة قوله وقال أي الله عز وجل وهو معطوف على قوله لقول الله أنما يخشى الله أي يخاف من الله من علم قدرته وسلطانه وهم العلماء قاله بن عباس قوله وما يعقلها أي الأمثال المضروبة قوله لو كنا نسمع أي سمع من يعى ويفهم أو نعقل عقل من يميز وهذه أوصاف أهل العلم فالمعنى لو كنا من أهل العلم لعلمنا ما يجب علينا فعلمنا به فنجونا قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه كذا في رواية الأكثر وفي رواية المستملى يفهمه بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم وقد وصله المؤلف باللفظ الأول بعد هذا ببابين كما سيأتي وأما اللفظ الثاني فأخرجه بن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق بن عمر عن عمر مرفوعا وإسناده حسن والفقه هو الفهم قال الله تعالى لا يكادون يفقهون حديثا أي لايفهمون والمراد الفهم في الأحكام الشرعية قوله وأنما العلم بالتعلم هو حديث مرفوع أيضا أورده بن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضا بلفظ يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين إسناده حسن الا أن فيه مبهما اعتضد بمجيئه من وجه آخر وروى البزار نحوه من حديث بن مسعود موقوفا ورواه أبو نعيم الأصبهاني مرفوعا وفي الباب عن أبي الدرداء وغيره فلا يغتر بقول من جعله من كلام البخاري والمعنى ليس العلم المعتبر الا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم قوله وقال أبو ذر الخ هذا التعليق رويناه موصولا في مسند الدارمي وغيره من طريق الأوزاعي حدثني أبو كثير يعني مالك بن مرثد عن أبيه قال أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال ألم تنه عن الفتيا فرفع رأسه إليه فقال أرقيب أنت على لو وضعتم فذكر مثله ورويناه في الحلية من هذا الوجه وبين أن الذي خابه رجل من قريش وأن الذي نهاه عن الفتيا عثمان رضي الله عنه وكان سبب ذلك أنه كان بالشام فاختلف مع معاوية في تأويل قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة فقال معاوية نزلت في أهل الكتاب خاصة وقال أبو ذر نزلت فيهم وفينا فكتب معاوية إلى عثمان فأرسل إلى أبي ذر فحصلت منازعة أدت إلى انتقال أبي ذر عن المدينة فسكن الربذة بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة إلى أن مات رواه النسائي وفيه دليل على أن أبا ذر كان لا يرى بطاعة الإمام إذا نهاه عن الفتيا لأنه كان يرى أن ذلك واجب عليه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه كما تقدم ولعله أيضا سمع الوعيد في حق من كتم علما يعلمه وسيأتي لعلي مع عثمان نحوه والصمصامة بمهملتين الأولى مفتوحة هو السيف الصارم الذي لا يثني وقيل الذي له حد واحد قوله هذه إشارة إلى القفا وهو يذكر ويؤنث وأنفذ بضم الهمزة وكسر الفاء والذال المعجمة أي أمضى وتجيزوا بضم المثناه وكسر الجيم وبعد الياء زاي أي تكملوا قتلى ونكر كلمة ليشمل القليل والكثير والمراد به يبلغ ما تحمله في كل حال ولا ينتهي عن ذلك ولو أشرف على القتل و لو في كلامه لمجرد الشرط من غير أن يلاحظ الامتناع أو المراد أن الانفاذ حاصل على تقدير وضع الصمصامة وعلى تقدير عدم حصوله أولى فهو مثل قوله لو لم يخف الله لم يعصه وفيه الحث على تعليم العلم واحتمال المشقة فيه والصبر على الأذى طلبا للثواب قوله وقال بن عباس هذا التعليق وصله بن أبي عاصم أيضا بإسناد حسن والخطيب بإسناد آخر حسن وقد فسر بن عباس الرباني بأنه الحكيم الفقيه ووافقه بن مسعود فيما رواه إبراهيم الحربي في غريبه عنه بإسناد صحيح وقال الأصمعي والإسماعيلي الرباني نسبة إلى الرب أي الذي يقصد ما أمره الرب بقصده من العلم والعمل وقال ثعلب قيل للعلماء ربانيون لأنهم يربون العلم أي يقومون به وزيدت الألف والنون للمبالغة والحاصل أنه اختلف في هذه النسبة هل هي نسبة إلى الرب أو إلى التربية والتربية على هذا للعلم وعلى ما حكاه البخاري لتعلمه والمراد بصغار العلم ما وضح من مسائله وبكباره مادق منها وقيل يعلمهم جزئياته قبل كلياته أو فروعه قبل أصوله أو مقدماته قبل مقاصده وقال بن الأعرابي لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالما معلما عاملا فائدة اقتصر المصنف في هذا الباب على ما أورده من غير أن يورد حديثا موصولا على شرطه فأما أن يكون بيض له ليورد فيه ما يثبت على شرطه أو يكون تعمد ذلك اكتفاء بما ذكر والله أعلم

قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم هو بالخاء المعجمة أي يتعهدهم والموعظة النصح والتذكير وعطف العلم عليها من باب عطف العام على الخاص لأن العلم يشمل الموعظة وغيرها وإنما عطفه لأنها منصوصة في الحديث وذكر العلم استنباطا قوله لئلا ينفروا استعمل في الترجمة معنى الحديثين اللذين ساقهما وتضمن ذلك تفسير السآمة بالنفور وهما متقاربان ومناسبته لما قبله ظاهرة من جهة ما حكاه أخيرا من تفسير الرباني كمناسبة الذي قبله من تشديد أبي ذر في أمر التبليغ لما قبله من الأمر بالتبليغ وغالب أبواب هذا الكتاب لمن أمعن النظر فيها والتأمل لا يخلو عن ذلك

[ 68 ] قوله سفيان هو الثوري وقد رواه أحمد في مسنده عن بن عيينة ولكن محمد بن يوسف الفريابي وإن كان يروي عن السفيانين فأنه حيث يطلق يريد به الثوري كما أن البخاري حيث يطلق محمد بن يوسف لا يريد به الا الفريابي وإن كان يروي عن محمد بن يوسف البيكندي أيضا وقد وهم من زعم أنه هنا البيكندي قوله عن أبي وائل في رواية أحمد المذكورة سمعت شقيقا وهو أبو وائل وأفاد هذا التصريح رفع ما يتوهم في رواية مسلم التي أخرجها من طريق على بن مسهر عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله فذكر الحديث قال علي بن مسهر قال الأعمش وحدثني عمرو بن مرة عن شقيق عن عبد الله مثله فقد يوهم هذا أن الأعمش دلسه أولا عن شقيق ثم سمى الواسطة بينهما وليس كذلك بل سمعه من أبي وائل بلا واسطة وسمعه عنه بواسطة وأراد بذكر الرواية الثانية وإن كانت نازلة تأكيده أو لينبه على عنايته بالرواية من حيث أنه سمعه نازلا فلم يقنع بذلك حتى سمعه عاليا وكذا صرح الأعمش بالتحديث عند المصنف في الدعوات من رواية حفص بن غياث عنه قال حدثني شقيق وزاد في أوله أنهم كانوا ينتظرون عبد الله بن مسعود ليخرج إليهم فيذكرهم وأنه لما خرج قال أما أني أخبر بمكانكم ولكنه يمنعني من الخروج إليكم فذكر الحديث قوله كان يتخولنا بالخاء المعجمة وتشديد الواو قال الخطابي الخائل بالمعجمة هو القائم المتعهد للمال يقال خال المال يخوله تخولا إذا تعهده وأصلحه والمعنى كان يراعى الأوقات في تذكيرنا ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل والتخون بالنون أيضا يقال تخون الشيء إذا تعهده وحفظه أي اجتنب الخيانة فيه كما قيل في تحنث وتأثم ونظائرهما وقد قيل أن أبا عمرو بن العلاء سمع الأعمش يحدث هذا الحديث فقال يتخولنا باللام فرده عليه بالنون فلم يرجع لأجل الرواية وكلا اللفظين جائز وحكى أبو عبيد الهروي في الغريبين عن أبي عمرو الشيباني أنه كان يقول الصواب يتحولنا بالحاء المهملة أي يتطلب احوالنا التي تنشط فيها للموعظة قلت والصواب من حيث الرواية الأولى فقد رواه منصور عن أبي وائل كرواية الأعمش وهو في الباب الآتي وإذا ثبتت الرواية وصح المعنى بطل الاعتراض قوله علينا أي السآمة الطارئة علينا أو ضمن السآمة معنى المشقة فعداها بعلي والصلة محذوفة والتقدير من الموعظة ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين إما كل يوم مع عدم التكلف وإما يوما بعد يوم فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط وإما يوما في الجمعة ويختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط واحتمل عمل بن مسعود مع استدلاله أن يكون اقتدى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في اليوم الذي عينه واحتمل أن يكون اقتدى بمجرد التخلل بين العمل والترك الذي عبر عنه بالتخول والثاني أظهر وأخذ بعض العلماء من حديث الباب كراهة تشبيه غير الرواتب بالرواتب بالمواظبة عليها في وقت معين دائما وجاء عن مالك ما يشبه ذلك

[ 69 ] قوله أبو التياح تقدم أنه بفتح المثناة الفوقانية وتشديد التحتانية وآخره مهملة قوله ولا تعسروا الفائدة فيه التصريح باللازم تأكيدا وقال النووي لو اقتصر على يسروا لصدق على من يسر مرة وعسر كثيرا فقال ولا تعسروا لنفي التعسير في جميع الأحوال وكذا القول في عطفه عليه ولا تنفروا وأيضا فإن المقام مقام الإطناب لا الإيجاز قوله وبشروا بعد قوله يسروا فيه الجناس الخطى ووقع عند المصنف في الأدب عن آدم عن شعبة بدلها وسكنوا وهي التي تقابل ولا تنفروا لأن السكون ضد النفور كما أن ضد البشارة النذارة لكن لما كانت النذارة وهي الأخبار بالشر في ابتداء التعليم توجب النفرة قوبلت البشارة بالتنفير والمراد تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف ضده والله تعالى أعلم

قوله باب من جعل لأهل العلم يوما معلوما في رواية كريمة أياما معلومة وللكشميهني معلومات وكأنه أخذ هذا من صنيع بن مسعود في تذكيره كل خميس أو من استنباط عبد الله ذلك من الحديث الذي أورده

[ 70 ] قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر قوله كان عبد الله هو بن مسعود وكنيته أبو عبد الرحمن قوله فقال له رجل هذا المبهم يشبه أن يكون هو يزيد بن معاوية النخعي وفي سياق المصنف في أواخر الدعوات ما يرشد إليه قوله لوددت اللام جواب قسم محذوف أي والله لوددت وفاعل يمنعني أني أكره بفتح همزة أني وأملكم بضم الهمزة أي اضجركم وإني الثانية بكسر الهمزة وقد تقدم شرح المتن قريبا والإسناد كله كوفيون وحديث أنس الذي قبله بصريون

قوله باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ليس في أكثر الروايات في الترجمة قوله في الدين وثبتت للكشميهني

[ 71 ] قوله حدثنا سعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير نسب إلى جده وهو بالمهملة مصغرا قوله عن بن شهاب قال حميد في الاعتصام للمؤلف من هذا الوجه أخبرني حميد ولمسلم حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف زاد تسمية جده قوله سمعت معاوية هو بن أبي سفيان قوله خطيبا هو حال من المفعول وفي رواية مسلم والاعتصام سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو يخطب وهذا الحديث مشتمل على ثلاثة أحكام أحدها فضل التفقه في الدين وثانيها أن المعطي في الحقيقة هو الله وثالثها أن بعض هذه الأمة يبقى على الحق أبدا فالأول لائق بأبواب العلم والثاني لائق بقسم الصدقات ولهذا أورده مسلم في الزكاة والمؤلف في الخمس والثالث لائق بذكر أشراط الساعة وقد أورده المؤلف في الاعتصام لالتفاته إلى مسألة عدم خلو الزمان عن مجتهد وسيأتي بسط القول فيه هناك وأن المراد بأمر الله هنا الريح التي تقبض روح كل من في قلبه شيء من الإيمان ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة وقد تتعلق الأحاديث الثلاثة بأبواب العلم بل بترجمة هذا الباب خاصة من جهة اثبات الخير لمن تفقه في دين الله وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتح الله عليه به وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجودا حتى يأتي أمر الله وقد جزم البخاري بأن المراد بهم أهل العلم بالآثار وقال أحمد بن حنبل إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم وقال القاضي عياض أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث وقال النووي يحتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد وفقيه ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد بل يجوز أن يكونوا متفرقين قلت وسيأتي بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى قوله يفقهه أي يفهمه كما تقدم وهي ساكنة الهاء لأنها جواب الشرط يقال فقه بالضم إذا صار الفقه له سجية وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقه بالكسر إذا فهم ونكر خيرا ليشمل القليل والكثير والتنكير للتعظيم لأن المقام يقتضيه ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به والمعنى صحيح لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم وسيأتي بقية الكلام على الحديثين الآخرين في موضعهما من الخمس والاعتصام إن شاء الله تعالى وقوله لن تزال هذه الأمة يعني بعض الأمة كما يجيء مصرحا به في الموضع الذي أشرت إليه إن شاء الله تعالى

قوله باب الفهم أي فضل الفهم في العلم أي في العلوم

[ 72 ] قوله حدثنا على في رواية أبي ذر بن عبد الله وهو المعروف بابن المديني قوله حدثنا سفيان قال قال لي بن أبي نجيح في مسند الحميدي عن سفيان حدثني بن أبي نجيح قوله صحبت بن عمر إلى المدينة فيه ما كان بعض الصحابة عليه من توقى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الا عند الحاجة خشية الزيادة والنقصان وهذه كانت طريقة بن عمر ووالده عمر وجماعة وإنما كثرت أحاديث بن عمر مع ذلك لكثرة من كان يسأله ويستفتيه وقد تقدم الكلام على متن حديث الباب في أوائل كتاب العلم ومناسبته للترجمة أن بن عمر لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسألة عند إحضار الجمار إليه فهم أن المسئول عنه النخلة فالفهم فطنة يفهم بها صاحبها من الكلام ما يقترن به من قول أو فعل وقد أخرج أحمد في حديث أبي سعيد الآتي في الوفاة النبوية حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم إن عبدا خيره الله فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا فتعجب الناس وكان أبو بكر فهم من المقام أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المخير فمن ثم قال أبو سعيد فكان أبو بكر أعلمنا به والله الهادي إلى الصواب

قوله باب الاغتباط في العلم هو بالغين المعجمة قوله في العلم والحكمة فيه نظير ما ذكرنا في قوله بالموعظة والعلم لكن هذا عكس ذاك أو هو من العطف التفسيرى أن قلنا إنهما مترادفان قوله وقال عمر تفقهوا قبل أن تسودوا هو بضم المثناة وفتح المهملة وتشديد الواو أي تجعلوا سادة زاد الكشميهني في روايته قال أبو عبد الله أي البخاري وبعد أن تسودوا إلى قوله سنهم أما أثر عمر فأخرجه بن أبي شيبة وغيره من طريق محمد بن سيرين عن الأحنف بن قيس قال قال عمر فذكره وإسناده صحيح وإنما عقبه البخاري بقوله وبعد أن تسودوا ليبين أن لا مفهوم له خشية أن يفهم أحد من ذلك أن السيادة مانعة من التفقه وإنما أراد عمر أنها قد تكون سببا للمنع لأن الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام أن يجلس مجلس المتعلمين ولهذا قال مالك عن عيب القضاء أن القاضي إذا عزل لا يرجع إلى مجلسه الذي كان يتعلم فيه وقال الشافعي إذا تصدر الحدث فإنه علم كثير وقد فسره أبو عبيد في كتابه غريب الحديث فقال معناه تفقهوا وأنتم صغار قبل أن تصيروا سادة فتمنعكم الانفة عن الأخذ عمن هو دونكم فتبقوا جهالا وفسره شمر اللغوي بالتزوج فإنه إذا تزوج صار سيد أهله ولا سيما إن ولد له وقيل أراد عمر الكف عن طلب الرياسة لأن الذي يتفقه يعرف ما فيها من الغوائل فيجتذبها وهو حمل بعيد إذ المراد بقوله تسودوا السيادة وهي أعم من التزويج ولا وجه لمن خصصه بذلك لأنها قد تكون به وبغيره من الأشياء الشاغلة لاصحابها عن الاشتغال بالعم وجوز الكرماني أن يكون من السواد في اللحية فيكون أمرا للشاب بالتفقه قبل أن تسود لحيته أو أمر للكهل قبل أن يتحول سواد اللحية إلى الشيب ولا يخفى تكلفه وقال بن المنير مطابقة قول عمر للترجمة أنه جعل السيادة من ثمرات العلم وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة وذلك يحقق استحقاق العلم بأن يغبط صاحبه فأنه سبب لسيادته كذا قال والذي يظهر لي أن مراد البخاري إن الرياسة وإن كانت مما يغبط بها صاحبها في العادة لكن الحديث دل على أن الغبطة لا تكون الا بأحد أمرين العلم أو الجود ولا يكون الجود محمودا الا إذا كان بعلم فكأنه يقول تعلموا العلم قبل حصول الرياسة لتغبطوا إذا غبطتم بحق ويقول أيضا إن تعجلتم الرياسة التي من عادتها أن تمنع صاحبها من طلب العلم فاتركوا تلك العادة وتعلموا العلم لتحصل لكم الغبطة الحقيقية ومعنى الغبطة تمنى المرء أن يكون له نظير ما للآخر من غير أن يزول عنه وهو المراد بالحسد الذي أطلق في الخبر كما سنبينه

[ 73 ] قوله حدثنا إسماعيل بن خالد على غير ما حدثناه الزهرى يعني أن الزهري حدث سفيان بهذا الحديث بلفظ غير اللفظ الذي حدثه به إسماعيل ورواية سفيان عن الزهري أخرجها المصنف في التوحيد عن علي بن عبد الله عنه قال قال الزهري عن سالم ورواها مسلم عن زهير بن حرب وغيره عن سفيان بن عيينة قال حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه ساقه مسلم تاما واختصره البخاري وأخرجه البخاري أيضا تاما في فضائل القرآن من طريق شعيب عن الزهري حدثني سالم بن عبد الله بن عمر فذكره وسنذكر ما تخالفت فيه الروايات بعد إن شاء الله تعالى قوله قال سمعت القائل هو إسماعيل على ما حررناه قوله لا حسد الحسد تمنى زوال النعمة عن المنعم عليه وخصه بعضهم بأن يتمنى ذلك لنفسه والحق أنه أعم وسببه أن الطباع مجبولة على حب الترفع على الجنس فإذا رأى لغيره ما ليس له أحب أن يزول ذلك عنه ليرتفع عليه أو مطلقا ليساويه وصاحبه مذموم إذا عمل بمقتضى ذلك من تصميم أو قول أو فعل وينبغي لمن خطر له ذلك أن يكرهه كما يكره ما وضع في طبعه من حب المنهيات واستثنوا من ذلك ما إذا كانت النعمة لكافر أو فاسق يستعين بها على معاصي الله تعالى فهذا حكم الحسد بحسب حقيقته وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة وأطلق الحسد عليها مجازا وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه والحرص على هذا يسمى منافسة فإن كان في الطاعة فهو محمود ومنه فليتنافس المتنافسون وإن كان في المعصية فهو مذموم ومنه ولا تنافسوا وإن كان في الجائزات فهو مباح فكأنه قال في الحديث لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الامرين ووجه الحصر أن الطاعات أما بدنية أو مالية أو كائنة عنهما وقد أشار إلى البدنية بإتيان الحكمة والقضاء بها وتعليمها ولفظ حديث بن عمر رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار والمراد بالقيام به العمل به مطلقا أعم من تلاوته داخل الصلاة أو خارجها ومن تعليمه والحكم والفتوى بمقتضاه فلا تخالف بين لفظي الحديثين ولأحمد من حديث يزيد بن الأخنس السلمي رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ويتبع ما فيه ويجوز حمل الحسد في الحديث على حقيقته على أن الاستثناء منقطع والتقدير نفى الحسد مطلقا لكن هاتان الخصلتان محمودتان ولا حسد فيهما فلا حسد أصلا قوله الا في اثنتين كذا في معظم الروايات اثنتين بتاء التأنيث أي لا حسد محمود في شيء الا في خصلتين وعلى هذا فقوله رجل بالرفع والتقدير خصلة رجل حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وللمصنف في الاعتصام الا في اثنين وعلى هذا فقوله رجل بالخفض على البدلية أي خصلة رجلين ويجوز النصب بإضمار أعني وهي رواية بن ماجة قوله مالا نكره ليشمل القليل والكثير قوله فسلط كذا لأبي ذر وللباقين فسلطه وعبر بالتسليط لدلالته على قهر النفس المجبولة على الشح قوله هلكته بفتح اللام والكاف أي اهلاكه وعبر بذلك ليدل على أنه لا يبقى منه شيئا وكمله بقوله في الحق أي في الطاعات ليزيل عنه إيهام الإسراف المذموم قوله الحكمة اللام للعهد لأن المراد بها القرآن على ما أشرنا إليه قبل وقيل المراد بالحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح فائدة زاد أبو هريرة في هذا الحديث ما يدل على أن المراد بالحسد المذكور هنا الغبطة كما ذكرناه ولفظه فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل أورده المصنف في فضائل القرآن وعند الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري بفتح الهمزة واسكان النون أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر حديثا طويلا فيه استواء العامل في المال بالحق والمتمنى في الأجر ولفظه وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت مثل ما يعمل فلان فاجرهما سواء وذكر في ضدهما أنهما في الوزن سواء وقال فيه حديث حسن صحيح وإطلاق كونهما سواء يرد على الخطابي في جزمه بأن الحديث يدل على أن الغني إذا قام بشروط المال كان أفضل من الفقير نعم يكون أفضل بالنسبة إلى من أعرض ولم يتمن لكن الأفضلية المستفادة منه هي بالنسبة إلى هذه الخصلة فقط لا مطلقا وسيكون لنا عودة إلى البحث في هذه المسألة في حديث الطاعم الشاكر كالصائم الصابر حيث ذكره المؤلف في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى

قوله باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر هذا الباب معقود للترغيب في احتمال المشقة في طلب العلم لأن ما يغتبط به تحتمل المشقة فيه ولأن موسى عليه الصلاة والسلام لم يمنعه بلوغه من السيادة المحل الأعلى من طلب العلم وركوب البر والبحر لأجله فظهر بهذا مناسبة هذا الباب لما قبله وظاهر التبويب أن موسى ركب البحر لما توجه في طلب الخضر وفيه نظر لأن الذي ثبت عند الصنف وغيره أنه خرج في البر وسيأتي بلفظ فخرجا يمشيان وفي لفظ لأحمد حتى أتيا الصخرة وإنما ركب البحر في السفينة هو والخضر بعد أن التقيا فيحمل قوله إلى الخضر على أن فيه حذفا أي إلى مقصد الخضر لأن موسى لم يركب البحر لحاجة نفسه وإنما ركبه تبعا للخضر ويحتمل أن يكون التقدير ذهاب موسى في ساحل البحر فيكون فيه حذف ويمكن أن يقال مقصود الذهاب إنما حصل بتمام القصة ومن تمامها أنه ركب معه البحر فأطلق على جميعها ذهابا مجازا إما من إطلاق الكل على البعض أو من تسمية السبب باسم ما تسبب عنه وحمله بن المنير على أن إلى بمعنى مع وقال بن الرشيد يحتمل أن يكون ثبت عند البخاري أن موسى توجه في البحر لما طلب الخضر قلت لعله قوي عنده أحد الاحتمالين في قوله فكان يتبع أثر الحوت في البحر فالظرف يحتمل أن يكون لموسى ويحتمل أن يكون للحوت ويؤيد الأول ما جاء عن أبي العالية وغيره فروى عبد بن حميد عن أبي العالية أن موسى التقي بالخضر في جزيرة من جزائر البحر انتهى والتوصل إلى جزيرة في البحر لا يقع الا بسلوك البحر غالبا وعنده أيضا من طريق البيع بن أنس قال انجاب الماء عن مسلك الحوت فصار طاقة مفتوحة فدخلها موسى على أثر الحوت حتى انتهى إلى الخضر فهذا يوضح أنه ركب البحر إليه وهذان الاثران الموقوفان رجالهما ثقات قوله الآية هو بالنصب بتقدير فذكر وقد ذكر الأصيلي في روايته باقي الآية وهي قوله مما علمت رشدا

[ 74 ] قوله حدثنا وللأصيلي حدثني بالافراد قوله غرير تقدم في المقدمه أنه بالغين المعجمة مصغرا ومحمد وشيخه وأبوه إبراهيم بن سعد زهريون وكذا بن شهاب شيخ صالح وهو بن كيسان قوله حدثه للكشميهني حدث بغير هاء وهو محمول على السماع لأن صالحا غير مدلس قوله تمارى أي تجادل قوله والحر هو بضم الحاء وتشديد الراء المهملتين وهو صحابي مشهور ذكره بن السكن وغيره وله ذكر عند المصنف أيضا في قصة له مع عمر قال فيها وكان الحر من النفر الذين يدنيهم عمر يعني لفضلهم قوله قال بن عباس هو خضر لم يذكر ما قال الحر بن قيس ولا وقفت على ذلك في شيء من طرق هذا الحديث وخضر بفتح أوله وكسر ثانيه أو بكسر أوله واسكان ثانيه ثبتت بهما الرواية وباثبات الألف واللام فيه وبحذفهما وهذا التمارى الذي وقع بين بن عباس والحر غير التمارى الذي وقع بين سعيد بن جبير ونوف البكالي فإن هذا في صاحب موسى هل هو الخضر أو غيره وذلك في موسى هل هو موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة أو موسى بن ميشا بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها معجمة وسياق سعيد بن جبير للحديث عن بن عباس أتم من سياق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لهذا بشيء كثير وسيأتي ذكر مفصلا في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى ويقال إن اسم الخضر بليا بموحدة ولام ساكنة ثم تحتانية وسيأتي في أحاديث الأنبياء النقل عن سبب تلقيبه بالخضر وسيأتي نقل الخلاف في نسبه وهل هو رسول أو نبي فقط أو ملك بفتح اللام أو ولي فقط وهل هو باق أو مات قوله فدعاه أي ناداه وذكر بن التين أن فيه حذفا والتقدير فقام إليه فسأله لأن المعروف عن بن عباس التأدب مع من يأخذ عنه واخباره في ذلك شهيرة قوله إذ جاء رجل لم اقف على تسميته قوله بلى عبدنا أي هو أعلم وللكشميهني بل بإسكان اللام والتقدير فأوحى الله إليه لا تطلق النفي بل قل خضر وإنما قال عبدنا وإن كان السياق يقتضى أن يقول عبد الله لكونه أورده على طريق الحكاية عن الله سبحانه وتعالى والإضافة فيه للتعظيم قوله يتبع أثر الحوت في البحر في هذا السياق اختصار يأتي بيانه عند شرحه إن شاء الله تعالى قوله ما كنا نبغى أي نطلب لأن فقد الحوت جعل آية أي علامة على الموضع الذي فيه الخضر وفي الحديث جواز التجادل في العلم إذا كان بغير تعنت والرجوع إلى أهل العلم عند التنازع والعمل بخبر الواحد الصدوق وركوب البحر في طلب العلم بل في طلب الاستكثار منه ومشروعية حمل الزاد في السفر ولزوم التواضع في كل حال ولهذا حرص موسى على الالتقاء بالخضر عليهما السلام وطلب التعلم منه تعليما لقومه أن يتأدبوا بأدبه وتنبيها لمن زكى نفسه أن يسلك مسلك التواضع

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب استعمل لفظ الحديث ترجمة ممسكا بأن ذلك لا يختص جوازه بابن عباس والضمير على هذا لغير مذكور ويحتمل أن يكون لابن عباس نفسه لتقدم ذكره في الحديث الذي قبله إشارة إلى أن الذي وقع لابن عباس من غلبته للحر بن قيس إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له

[ 75 ] قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المعروف بالمقعد البصري قوله حدثنا خالد هو بن مهران الحذاء قوله ضمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد المصنف في فضل بن عباس عن مسدد عن عبد الوارث إلى صدره وكان بن عباس إذ ذاك غلاما مميزا فيستفاد منه جواز احتضان الصبي القريب على سبيل الشفقة قوله علمه الكتاب بين المصنف في كتاب الطهارة من طريق عبيد الله بن أبي يزيد عن بن عباس سبب هذا الدعاء ولفظه دخل النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا زاد مسلم فلما خرج قال من وضع هذا فأخبر ولمسلم قالوا بن عباس ولأحمد وابن حبان من طريق سعيد بن جبير عنه أن ميمونة هي التي أخبرته بذلك وأن ذلك كان في بيتها ليلا ولعل ذلك كان في الليلة التي بات بن عباس فيها عندها ليرى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وقد أخرج أحمد من طريق عمرو بن دينار عن كريب عن بن عباس في قيامه خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل وفيه فقال لي ما بالك اجعلك حذائي فتخلفني فقلت أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله فدعا لي أن يزيدني الله فهما وعلما والمراد بالكتاب القرآن لأن العرف الشرعي عليه والمراد بالتعليم ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه ووقع في رواية مسدد الحكمة بدل الكتاب وذكر الإسماعيلي أن ذلك هو الثابت في الطرق كلها عن خالد الحذاء كذا قال وفيه نظر لأن المصنف أخرجه أيضا من حديث وهيب عن خالد بلفظ الكتاب أيضا فيحمل على أن المراد بالحكمة أيضا القرآن فيكون بعضهم رواه بالمعنى وللنسائي والترمذي من طريق عطاء عن بن عباس قال دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتي الحكمة مرتين فيحتمل تعدد الواقعة فيكون المراد بالكتاب القرآن وبالحكمة السنة ويؤيده أن في رواية عبيد الله بن أبي يزيد التي قدمناها عند الشيخين اللهم فقهه في الدين لكن لم يقع عند مسلم في الدين وذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود ذكره في أطراف الصحيحين بلفظ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قال الحميدي وهذه الزيادة ليست في الصحيحين قلت وهو كما قال نعم هي في رواية سعيد بن جبير التي قدمناها عند أحمد وابن حبان والطبراني ورواها بن سعد من وجه آخر عن عكرمة مرسلا وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن بن عمر كان عمر يدعو بن عباس ويقربه ويقول إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يوما فمسح رأسك وقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ووقع في بعض نسخ بن ماجة من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء في حديث الباب بلفظ اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وهذه الزيادة مستغربة من هذا الوجه فقد رواه الترمذي والإسماعيلي وغيرهما من طريق عبد الوهاب بدونها وقد وجدتها عند بن سعد من وجه آخر عن طاوس عن بن عباس قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وقد رواه أحمد عن هشيم عن خالد في حديث الباب بلغظ مسح على رأسي وهذه الدعوة مما تحقق إجابة النبي صلى الله عليه وسلم فيها لما علم من حال بن عباس في معرفة التفسير والفقه في الدين رضي الله تعالى عنه واختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن كما تقدم وقيل العمل به وقيل السنة وقيل الإصابة في القول وقيل الخشية وقيل الفهم عن الله وقيل العقل وقيل ما يشهد العقل بصحته وقيل نور يفرق به بين الالهام والوسواس وقيل سرعه الجواب مع الإصابة وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة والاقرب أن المراد بها في حديث بن عباس الفهم في القرآن وسيأتي مزيد لذلك في المناقب إن شاء الله تعالى

قوله باب متى يصح سماع الصغير زاد الكشميهني الصبي الصغير ومقصود الباب الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطا في التحمل وقال الكرماني إن معنى الصحة هنا جواز قبول مسموعه قلت وهذا تفسير لثمرة الصحة لا لنفس الصحة وأشار المصنف بهذا إلى اختلاف وقع بين أحمد بن حنبل ويحي بن معين رواه الخطيب في الكفاية عن عبد الله بن أحمد وغيره أن يحيى قال أقل سن التحمل خمس عشرة سنة لكون بن عمر رد يوم أحد إذ لم يبلغها فبلغ ذلك أحمد فقال بل إذا عقل ما يسمع وإنما قصة بن عمر في القتال ثم أورد الخطيب أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم في الصغر وحدثوا بها بعد ذلك وقبلت عنهم وهذا هو المعتمد وما قاله بن معين إن أراد به تحديد ابتداء الطلب بنفسه فموجه وإن أراد به رد حديث من سمع اتفاقا أو اعتنى به فسمع وهو صغير فلا وقد نقل بن عبد البر الاتفاق على قبول هذا وفيه دليل على أن مراد بن معين الأول وأما احتجاجه بان النبي صلى الله عليه وسلم رد البراء وغيره يوم بدر ممن كان لم يبلغ خمس عشرة فمردود بأن القتال يقصد فيه مزيد القوة والتبصر في الحرب فكانت مظنته التمييز وقد احتج الأوزاعي لذلك بحديث مروهم بالصلاة لسبع

[ 76 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وقد ثبت ذلك في رواية كريمة قوله على حمار هو اسم جنس يشمل الذكر والأنثى كقولك بعير وقد شذ حمارة في الأنثى حكاه في الصحاح وأتان بفتح الهمزة وشذ كسرها كما حكاه الصغائي هي الأنثى من الحمير وربما قالوا للانثى أتانة حكاه يونس وأنكره غيره فجاء في الرواية على اللغة الفصحى وحمار أتان بالتنوين فيهما على النعت أو البدل وروى بالإضافة وذكر بن الأثير أن فائدة التنصيص على كونها أنثى للاستدلال بطريق الأولى على أن الأنثى من بني آدم لا تقطع الصلاة لأنهن أشرف وهو قياس صحيح من حيث النظر الا أن الخبر الصحيح لا يدفع بمثله كما سيأتي البحث فيه في الصلاة إن شاء الله تعالى قوله ناهزت أي قاربت والمراد بالاحتلام البلوغ الشرعى قوله إلى غير جدار أي إلى غير سترة قاله الشافعي وسياق الكلام يدل على ذلك لأن بن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته ويؤيده رواية البزار بلفظ والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس لشيء يستره قوله بين يدي بعض الصف هو مجاز عن الإمام بفتح الهمزة لأن الصف ليس له يد وبعض الصف يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف قاله الكرماني قوله ترتع بمثناتين مفتوحتين وضم العين أي تأكل ما تشاء وقيل تسرع في المشي وجاء أيضا بكسر العين بوزن يفتعل من الرعى وأصله ترتعى لكن حذفت الياء تخفيفا والأول أصوب ويدل عليه رواية المصنف في الحج نزلت عنها فرتعت قوله ودخلت وللكشميهني فدخلت بالفاء قوله فلم ينكر ذلك على أحد قيل فيه جواز تقديم المصلحة للراجحة على المفسدة الخفيفة لأن المرور مفسدة خفيفة والدخول في الصلاة مصلحة راجحة واستدل بن عباس على الجواز بعدم الإنكار لانتفاء الموانع إذ ذاك ولا يقال منع من الإنكار اشتغالهم بالصلاة لأنه نفى الإنكار مطلقا فتناول ما بعد الصلاة وأيضا فكان الإنكار يمكن بالإشارة وفيه ما ترجم له أن التحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية وإنما يشترط عند الأداء ويلحق بالصبي في ذلك العبد والفاسق والكافر وقامت حكاية بن عباس لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره مقام حكاية قوله إذ لا فرق بين الأمور الثلاثة في شرائط الأداء فإن قيل التقييد بالصبي والصغير في الترجمة لا يطابق حديث بن عباس أجاب الكرماني بان المراد بالصغير غير البالغ وذكر الصبي معه من باب التوضيح ويحتمل أن يكون لفظ الصغير يتعلق بقصة محمود ولفظ الصبي يتعلق بهما معا والله أعلم وسيأتي باقي مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى

[ 77 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو البيكندي كما جزم به البيهقي وغيره وأما الفريابي فليست له رواية عن أبي مسهر وكان أبو مسهر شيخ الشاميين في زمانه وقد لقيه البخاري وسمع منه شيئا يسيرا وحدث عنه هنا بواسطة وذكر بن المرابط فيما نقله بن رشيد عنه أن أبا مسهر تفرد برواية هذا الحديث عن محمد بن حرب وليس كما قال بن المرابط فإن النسائي رواه في السنن الكبرى عن محمد بن المصفى عن محمد بن حرب وأخرجه البيهقي في المدخل من رواية محمد بن جوصاء وهو بفتح الجيم والصاد المهملة عن سلمة بن الخليل وأبي التقى وهو بفتح المثناة وكسر القاف كلاهما عن محمد بن حرب فهؤلاء ثلاثة غير أبي مسهر رووه عن محمد بن حرب فكأنه المتفرد به عن الزبيدي وهذا الإسناد إلى الزهري شاميون وقد دخلها هو وشيخه محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو الأنصاري الخزرجي وحديثه هذا طرف من حديثه عن عتبان بن مالك الآتي في الصلاة من رواية صالح بن كيسان وغيره عن الزهري وفي الرقاق من طريق معمر عن الزهري أخبرني محمود قوله عقلت هو بفتح القاف أي حفظت قوله مجة بفتح الميم وتشديد الجيم والمج هو إرسال الماء من الفم وقيل لا يسمى مجا الا أن كان على بعد وفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع محمود إما مداعبة معه أو ليبارك عليه بها كما كان ذلك من شأنه مع أولاد الصحابة قوله وأنا بن خمس سنين لم أر التقييد بالسن عند تحمله في شيء من طرقه لا في الصحيحين ولا في غيرهما من الجوامع والمسانيد الا في طريق الزبيدي هذه والزبيدي من كبار الحفاظ المتقنين عن الزهري حتى قال الوليد بن مسلم كان الأوزاعي يفضله على جميع من سمع من الزهري وقال أبو داود ليس في حديثه خطأ وقد تابعه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري لكن لفظه عند الطبراني والخطيب في الكفاية من طريق عبد الرحمن بن نمر وهو بفتح النون وكسر الميم عن الزهري وغيره قال حدثني محمود بن الربيع وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن خمس سنين فأفادت هذه الرواية أن الواقعة التي ضبطها كانت في آخر سنة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر بن حبان وغيره أنه مات سنة تسع وتسعين وهو بن أربع وتسعين سنة وهو مطابق لهذه الرواية وذكر القاضي عياض في الالماع وغيره إن في بعض الروايات أنه كان بن أربع ولم اقف على هذا صريحا في شيء من الروايات بعد التتبع التام الا إن كان ذلك مأخوذا من قول صاحب الاستيعاب إنه عقل المجة وهو بن أربع سنين أو خمس وكان الحامل له على هذا التردد قول الواقدي إنه كان بن ثلاث وتسعين لما مات والأول أولى بالاعتماد لصحة إسناده على أن قول الواقدي يمكن حمله إن صح على أنه ألغى الكسر وجبره غيره والله أعلم وإذا تحرر هذا فقد اعترض المهلب على البخاري لكونه لم يذكر هنا حديث بن الزبير في رؤيته والده يوم بني قريظة ومراجعته له في ذلك ففيه السماع منه وكان سنة إذ ذاك ثلاث سنين أو أربعا فهو أصغر من محمود وليس في قصة محمود ضبطه لسماع شيء فكان ذكر حديث بن الزبير نقل سنة مقصودة في كون النبي صلى الله عليه وسلم مج مجة في وجهه بل في مجرد رؤيته إياه فائدة شرعية تثبت كونه صحابيا وأما قصة بن الزبير فليس فيها نقل سنة من السنن النبوية حتى تدخل في هذا الباب ثم أنشد وصاحب البيت أدرى بالذي فيه انتهى وهو جواب مسدد وتكملته ما قدمناه قيل أن المقصود بلفظ السماع في الترجمة أو ما ينزل منزلته من نقل الفعل أو التقرير وغفل البدر الزركشي فقال يحتاج المهلب إلى ثبوت أن قصة بن الزبير صحيحه على شرط البخاري انتهى والبخاري قد أخرج قصة بن الزبير المذكورة في مناقب الزبير في الصحيح فالايراد موجه وقد حصل جوابه والعجب من متكلم على كتاب يغفل عما وقع فيه في المواضع الواضحة ويعترضها بما يؤدي إلى نفى ورودها فيه قوله من دلو زاد النسائي معلق ولأبن حبان معلقه والداه يذكر ويؤنث وللمصنف في الرقاق من رواية معمر من دلو كانت في دارهم وله في الطهارة والصلاة وغيرهما من بئر بدل دلو ويجمع بينهما بان الماء أخذ بالدلو من البئر وتناوله النبي صلى الله عليه وسلم من الدلو وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث وزيارة الإمام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم واستدل به بعضهم على تسميع من يكون بن خمس ومن كان دونها يكتب له حضور وليس في الحديث ولا في تبويب البخاري ما يدل عليه بل الذي ينبغي في ذلك اعتبار الفهم فمن فهم الخطاب سمع وإن كان دون بن خمس وإلا فلا وقال بن رشيد الظاهر أنهم أرادوا بتحديد الخمس أنها مظنة لذلك لا أن بلوغها شرط لا بد من تحققه والله أعلم وقريب منه ضبط الفقهاء سن التمييز بست أو سبع والمرجح أنها مظنة لا تحديد ومن أقوى ما يتمسك به في أن المرد في ذلك إلى الفهم فيختلف باختلاف الأشخاص ما أورده الخطيب من طريق أبي عاصم قال ذهبت بابني وهو بن ثلاث سنين إلى بن جريج فحدثه قال أبو عاصم ولا بأس بتعليم الصبي الحديث والقرآن وهو في هذا السن يعني إذا كان فهما وقصة أبي بكر بن المقري الحافظ في تسميعه لابن أربع بعد أن امتحنه بحفظ سور من القرآن مشهورة

قوله باب الخروج أي المسفر في طلب العلم لم يذكر فيه شيئا مرفوعا صريحا وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة رفعه من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ولم يخرجه المصنف لاختلاف فيه قوله ورحل جابر بن عبد الله هو الأنصاري الصحابي المشهور وعبد الله بن أنيس بضم الهمزة مصغرا هو الجهني حليف الأنصار قوله في حديث واحد هو حديث أخرجه المصنف في الأدب المفرد وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت رحلي فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال بن عبد الله قلت نعم فخرج فاعتقني فقلت حديث بلغني عنك إنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخشيت أن أموت قبل أن أسمعه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الله الناس يوم القيامة عراة فذكر الحديث وله طريق أخرى أخرجها الطبراني في مسند الشاميين وتمام في فوائده من طريق الحجاج بن دينار عن محمد بن المنكدر عن جابر قال كان يبلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في القصاص وكان صاحب الحديث بمصر فاشتريت بعيرا فسرت حتى وردت مصر فقصدت إلى باب الرجل فذكر نحوه وإسناده صالح وله طريق ثالثة أخرجها الخطيب في الرحلة من طريق أبي الجارود العنسي وهو بالنون الساكنة عن جابر قال بلغني حديث في القصاص فذكر الحديث نحوه وفي إسناده ضعف وادعى بعض المتأخرين أن هذا ينقض القاعدة المشهورة أن البخاري حيث يعلق بصيغة الجزم يكون صحيحا وحيث يعلق بصيغة التمريض يكون فيه علة لأنه علقه بالجزم هنا ثم أخرج طرقا من متنه في كتاب التوحيد بصيغة التمريض فقال ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الله العباد فيناديهم بصوت الحديث وهذه الدعوى مردودة والقاعدة بحمد الله غير منتقصة ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فأنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأن الإسناد حسن وقد اعتضد وحيث ذكر طرقا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل قال العلامة بن باز حفظه الله ليس الأمر كذلك بل إطلاق الصوت على كلام الله سبحانه قد ثبت في غير هذا الحديث عند المؤلف وغيره فالواجب إثبات ذلك على الوجه اللائق بالله كسائر الصفات كما هو مذهب أهل السنة والله أعلم فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت ومن هنا يظهر شفوف علمه ودقة نظره وحسن تصرفه رحمه الله تعالى ووهم بن بطال فزعم أن الحديث الذي رحل فيه جابر إلى عبد الله بن أنيس هو حديث الستر على المسلم وهو انتقال من حديث إلى حديث فإن الراحل في حديث الستر هو أبو أيوب الأنصاري رحل فيه إلى عقبة بن عامر الجهني أخرجه أحمد بسند منقطع أخرجه الطبراني من حديث مسلمة بن مخلد قال أتاني جابر فقال لي حديث بلغني إنك ترويه في الستر فذكره وقد وقع ذلك لغير من ذكره فروى أبو داود من طريق عبد الله بن بريدة أن رجلا من الصحابة رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر في حديث وروى الخطيب عن عبيد الله بن عدي قال بلغني حديث عند على فخفت إن مات أن لا أجده عند غيره فرحلت حتى قدمت عليه العراق وتتبع ذلك يكشر وسيأتي قول الشعبي في مسألة إن كان الرجل ليرحل فيما دونها إلى المدينة وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال إن كنت لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد وسيأتي نحو ذلك عن غيره وفي حديث جابر دليل على طلب علو الإسناد لأنه بلغه الحديث عن عبد الله بن أنيس فلم يقنعه حتى رحل فأخذه عنه بلا واسطة وسيأتي عن بن مسعود في كتاب فضائل القرآن قوله لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه وأخرج الخطيب عن أبي العالية قال كنا نسمع عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم وقيل لأحمد رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير أو يرحل قال يرحل يكتب عن علماء الأمصار فيشافه الناس ويتعلم منهم وفيه ما كان عليه الصحابة من الحرص على تحصيل السنن النبوية وفيه جواز اعتناق القادم حيث لا تحصل الريبة

[ 78 ] قوله خالد بن خلى هو بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الخفيفه بعدها ياء تحتانية مشددة كما تقدم في المقدمة وإنما أعدته لأنه وقع عند الزركشي مضبوطا بلام مشددة وهو سبق قلم أو خطأ من الناسخ قوله قال الأوزاعي في رواية الأصيلي حدثنا الأوزاعي قوله أنه تمارى هو والحر سقطت هو من رواية بن عساكر فعطف على المرفوع المتصل بغير تأكيد ولا فصل وهو جائز عند البعض وقد تقدمت مباحث هذا الحديث قبل ببابين وليس بين الروايتين اختلاف الا فيما لا يغير المعنى وهو قليل وفيه فضل الازدياد من العلم ولو مع المشقة والنصب بالسفر وخضوع الكبير لمن يتعلم منه ووجه الدلالة منه قوله تعالى لبنيه عليه الصلاة والسلام أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وموسى عليه السلام منهم فتدخل أمة النبي صلى الله عليه وسلم تحت هذا الأمر الا فيما ثبت نسخه

قوله باب فضل من علم وعلم الأولى بكسر اللام الخفيفة أي صار عالما والثانية بفتحها وتشديدها

[ 79 ] قوله حدثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب مشهور بكنيته أكثر من اسمه وكذا شيخه أبو أسامة وبريد بضم الموحدة وأبو بردة جده وهو بن أبي موسى الأشعري وقال في السياق عن أبي موسى ولم يقل عن أبيه تفننا والإسناد كله كوفيون قوله مثل بفتح المثلثة والمراد به الصفة العجيبة لا القول السائر قوله الهدى أي الدلالة الموصلة إلى المطلوب والعلم المراد به معرفة الأدلة الشرعية قوله نقيه كذا عند البخاري في جميع الروايات التي رأيناها بالنون من النقاء وهي صفة لمحذوف لكن وقع عند الخطابي والحميدي وفي حاشية أصل أبي ذر ثغبة بمثلثة مفتوحة وغين معجمة مكسورة بعدها موحدة خفيفة مفتوحة قال الخطابي هي مستنقع الماء في الجبال والصخور قال القاضي عياض هذا غلط في الرواية واحالة للمعنى لأن هذا وصف الطائفة الأولى التي تنبت وما ذكره يصلح وصفا للثانية التي تمسك الماء قال وما ضبطناه في البخاري من جميع الطرق الا نقيه بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء التحتانية وهو مثل قوله في مسلم طائفة طيبة قلت وهو في جميع ما وقفت عليه من المسانيد والمستخرجات كما عند مسلم وفي كتاب الزركشي وروى بقعة قلت هو بمعنى طائفة لكن ليس ذلك في شيء من روايات الصحيحين ثم قرأت في شرح بن رجب أن في رواية بالموحدة بدل النون قال والمراد بها القطعة الطيبة كما يقال فلان بقية الناس ومنه فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيه قوله قبلت بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول كذا في معظم الروايات ووقع عند الأصيلي قيلت بالتحتانية المشددة وهو تصحيف كما سنذكره بعد قوله الكلا بالهمزة بلا مد قوله والعشب هو من ذكر الخاص بعد العام لأن الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس معا والعشب للرطب فقط قوله اخاذات كذا في رواية أبي ذر بكسر الهمزة والخاء والذال المعجمتين وآخره مثناة من فوق قبلها ألف جمع اخاذة وهي الأرض التي تمسك الماء وفي رواية غير أبي ذر وكذا في مسلم وغيره اجادب بالجيم والدال المهملة بعدها موحدة جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء وضبطه المازري بالذال المعجمة ووهمه القاضي ورواها الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب احارب بحاء وراء مهملتين قال الإسماعيلي لم يضبطه أبو يعلى وقال الخطابي ليست هذه الرواية بشيء قال وقال بعضهم اجارد بجيم وراء ثم دال مهملة جمع جرداء وهي البارزة التي لا تنبت قال الخطابي هو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية وأغرب صاحب المطالع فجعل الجميع روايات وليس في الصحيحين سوى روايتين فقط وكذا جزم القاضي قوله فنفع الله بها أي بالإخاذات وللأصيلي به أي بالماء قوله وزرعوا كذا له بزيادة زاي من الزرع ووافقه أبو يعلى ويعقوب بن الأخرم وغيرهما عن أبي كريب ولمسلم والنسائي وغيرهما عن أبي كريب ورعوا بغير زاى من الرعى قال النووي كلاهما صحيح ورجح القاضي رواية مسلم بلا مرجح لأن رواية زرعوا تدل على مباشرة الزرع لتطابق في التمثيل مباشرة طلب العلم وأن كانت رواية رعوا مطابقة لقوله أنبتت لكن المراد أنها قابلة للإنبات وقيل أنه روى ووعوا بواوين ولا أصل لذلك وقال القاضي قوله ورعوا راجع للأولى لأن الثانية لم يحصل منها نبات انتهى ويمكن أن يرجع إلى الثانية أيضا بمعنى أن الماء الذي استقر بها سقيت منه أرض أخرى فأنبتت قوله فأصاب أي الماء وللأصيلي وكريمة أصابت أي طائفة أخرى ووقع كذلك صريحا عند النسائي والمراد بالطائفة القطعة قوله قيعان بكسر القاف جمع قاع وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت قوله فقه بضم القاف أي صار فقيها وقال بن التين رويناه بكسرها ولا ضم أشبه قال القرطبي وغيره ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه وكذا كان حال الناس قبل مبعثه فكما أن الغيث يحيى البلد الميت فكذا علوم الدين تحي القلب الميت ثم شبة السامعين له بالأرض المختلف التي ينزل بها الغيث فمنهم العالم العامل المعلم فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وانبتت فنفعت غيرها ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به وهو المشار إليه بقوله نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها والله أعلم ثم ظهر لي أن في كل مثل طائفتين فالأول قد اوضحناه والثاني الأولى منه من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه ومثالها من الأرض السباخ وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم من لم يرفع بذلك رأسا أي اعرض عنه فلم ينتفع به ولا نفع والثانية منه من لم يدخل في الدين أصلا بل بلغه فكفر به ومثالها من الأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل هدى الله الذي جئت به وقال الطيبي بقي من أقسام الناس قسمان أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه ولم يعلمه غيره والثاني من لم ينتفع به في نفسه وعلمه غيره قلت والأول داخل في الأول لأن النفع حصل في الجملة وإن تفاوتت مراتبه وكذلك ما تثبته الأرض فمنه ما ينتفع الناس به ومنه ما يصير هشيما وأما الثاني فإن كان عمل الفرائض وأهمل النوافل فقد دخل في الثاني كما قررناه وإن ترك الفرائض أيضا فهو فاسق لا يجوز الأخذ عنه ولعله يدخل في عموم من لم يرفع بذلك رأسا والله أعلم قوله قال إسحاق وكان منها طائفة قيلت أي بتشديد الياء التحتانية أي أن إسحاق وهو بن راهويه حيث روى هذا الحديث عن أبي أسامة خالف في هذا الحرف قال الأصيلي هو تصحيف من إسحاق وقال غيره بل هو صواب ومعناه شربت والقيل شرب نصف النهار يقال قيلت الإبل أي شربت في القائلة وتعقبه القرطبي بأن المقصود لا يختص بشرب القائلة وأجيب بان كون هذا أصله لا يمنع استعماله على الإطلاق تجوزا وقال بن دريد قيل الماء في المكان المنخفض إذا اجتمع فيه وتعقبه القرطبي أيضا بأنه يفسد التمثيل لأن اجتماع الماء إنما هو مثال الطائفة الثانية والكلام هنا إنما هو في الأولى التي شربت وأنبتت قال والاظهر أنه تصحيف قوله قاع بعلوه الماء والصفصف المستوى من الأرض هذا ثابت عند المستملى وأراد به أن قيعان المذكورة في الحديث جمع قاع وأنها الأرض التي يعلوها الماء ولا يستقر فيها وإنما ذكر الصفصف معه جريا على عادته في الاعتناء بتفسير ما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن وقد يستطرد ووقع في بعض النسخ المصطف بدل الصفصف وهو تصحيف تنبيه وقع في رواية كريمة وقال بن إسحاق وكان شيخنا العراقي يرجحها ولم أسمع ذلك منه وقد وقع في نسخة الصغاني وقال إسحاق عن أبي أسامة وهذا يرجح الأول

قوله باب رفع العلم مقصود الباب الحث على تعلم العلم فأنه لا يرفع الا بقبض العلماء كما سيأتي صريحا وما دام من يتعلم العلم موجودا لا يحصل الرفع وقد تبين في حديث الباب أن رفعه من علامات الساعة قوله لكثرة اشتغاله بالاجتهاد ومراد ربيعة أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدى إلى رفع العلم أو مراده أن يشهر العالم نفسه ويتصدى للآخذ عنه لئلا يضيع علمه وقيل مراده تعظيم العلم وتوقيره فلا يهين نفسه بأن يجعله عرضا للدنيا وهذا معنى حسن لكن اللائق بتبويب المصنف ما تقدم وقد وصل أثر ربيعة المذكور الخطيب في الجامع والبيهقي في المدخل من طريق عبد العزيز الأويسي عن مالك عن ربيعة

[ 80 ] قوله حدثنا عمران بن ميسرة في بعضها عمران غير مذكور الأب وقد عرف من الرواية الأخرى أنه بن ميسرة وقد خرجه النسائي عن عمران بن موسى القزاز وليس هو شيخ البخاري فيه قوله عبد الوارث هو بن سعيد عن أبي التياح بمثناه مفتوحة فوقانية بعدها تحتانية ثقيلة وآخره حاء مهملة كما تقدم قوله عن أنس زاد الأصيلي وأبو ذر بن مالك وللنسائي حدثنا أنس ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون وكذا الذي بعده قوله أشراط الساعة أي علاماتها كما تقدم في الإيمان وتقدم أن منها ما يكون من قبيل المعتاد ومنها ما يكون خارقا للعادة قوله أن يرفع العلم هو في محل نصب لأنه اسم أن وسقطت أن من رواية النسائي حيث أخرجه عن عمران شيخ البخاري فيه فعلى روايته يكون مرفوع المحل والمراد برفعه موت حملته كما تقدم قوله ويثبت هو بفتح أوله وسكون المثلثة وضم الموحدة وفتح المثناة وفي رواية مسلم ويبث بضم أوله وفتح الموحدة بعدها مثلثة أي ينتشر وغفل الكرماني فعزاها للبخاري وإنما حكاها النووي في الشرح لمسلم قال الكرماني وفي رواية وينبت بالنون بدل المثلثة من النبات وحكى بن رجب عن بعضهم وينث بنون ومثلثة من النث وهو الاشاعة قلت وليست هذه في شيء من الصحيحين قوله ويشرب الخمر هو بضم المثناة أوله وفتح الموحدة على العطف والمراد كثرة ذلك واشتهاره وعند المصنف في النكاح من طريق هشام عن قتادة ويكثر شرب الخمر فالعلامة مجموع ما ذكر قوله ويظهر الزنا أي يفشو كما في رواية مسلم

[ 81 ] قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان قوله عن أنس زاد الأصيلي بن مالك قوله لاحدثنكم بفتح اللام وهو جواب قسم محذوف أي والله لأحدثنكم وصرح به أبو عوانة من طريق هشام عن قتادة ولمسلم من رواية غندر عن شعبة الا أحدثكم فيحتمل أن يكون قال لهم أولا ألا أحدثكم فقالوا نعم فقال لأحدثنكم قوله لا يحدثكم أحد بعدي كذا له ولمسلم بحذف المفعول ولابن ماجة من رواية غندر عن شعبة لا يحدثكم به أحد بعدي وللمصنف من طريق هشام لا يحدثكم به غيري ولأبي عوانة من هذا الوجه لا يحدثكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدي وعرف أنس أنه لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره لأنه كان آخر من مات بالبصرة من الصحابة فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة أو كان عاما وكان تحدثيه بذلك في آخر عمره لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم الا النادر ممن لم يكن هذا المتن في مرويه وقال بن بطال يحتمل أنه قال ذلك لما رأى من التغيير ونقص العلم يعني فاقتضى ذلك عنده أنه لفساد الحال لا يحدثهم أحد بالحق قلت والأول أولى قوله سمعت هو بيان أو بدل لقوله لأحدثنكم قوله أن يقل العلم هو بكسر القاف من القلة وفي رواية مسلم عن غندر وغيره عن شعبة أن يرفع العلم وكذا في رواية سعيد عند بن أبي شيبة وهمام عند المصنف في الحدود وهشام عنده في النكاح كلهم عن قتادة وهو موافق لرواية أبي التياح وللمصنف أيضا في الأشربة من طريق هشام أن يقل فيحتمل أن يكون المراد بقلته أول العلامة وبرفعه آخرها أو أطلقت القلة وأريد بها العدم كما يطلق العدم ويراد به القلة وهذا أليق لاتحاد المخرج قوله وتكثر النساء قيل سببه أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء وقال أبو عبد الملك هو إشارة إلى كثرة الفتوح فتكثر السبايا فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوآت قلت وفيه نظر لأنه صرح بالقلة في حديث أبي موسى الآتي في الزكاة عند المصنف فقال من قلة الرجال وكثرة النساء والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر بل يقدر الله في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث وكون كثرة النساء من العلامات مناسبة لظهور الجهل ورفع العلم وقوله لخمسين يحتمل أن يراد به حقيقة هذا العدد أو يكون مجازا عن الكثرة ويؤيد أن في حديث أبي موسى وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة قوله القيم أي من يقوم بأمرهن واللام للعهد أشعارا بما هو معهود من كون الرجال قوامين على النساء وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي الدين لأن رفع العلم يخل به والعقل لأن شرب الخمر يخل به والنسب لأن الزنا يخل به والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما قال الكرماني وإنما كان اختلال هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لأن الخلق لايتركون هملا ولا نبي بعد نبينا صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين فيتعين ذلك وقال القرطبي في المفهم في هذا الحديث علم من أعلام النبوة إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصا في هذه الازمان وقال القرطبي في التذكرة يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهن سواء كن موطوآت أم لا ويحتمل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول الله الله فيتزوج الواحد بغير عدد جهلا بالحكم الشرعي قلت وقد وجد ذلك من بعض أمراء التركمان وغيرهم من أهل هذا الزمان مع دعواه الإسلام والله المستعان

قوله باب فضل العلم الفضل هنا بمعنى الزيادة أي ما فضل عنه والفضل الذي تقدم في أول كتاب العلم بمعنى الفضيلة فلا يظن أنه كرره

[ 82 ] قوله حدثنا سعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير المصري نسب إلى جده كما تقدم وعفير بضم المهملة بعدها فاء كما تقدم أيضا قوله حدثنا الليث هو بن سعيد عن عقيل وللأصيلي وكريمة حدثني الليث حدثني عقيل قوله عن حمزة وللمصنف في التعبير أخبرني حمزة قوله بينا أصله بين فأشبعت الفتحة قوله أتيت بضم الهمزة قوله فشربت أي من ذلك اللبن قوله لأرى بفتح الهمزة من الرؤية أو من العلم واللام للتأكيد أو جواب قسم محذوف والرى بكسر الراء في الرواية وحكى الجوهري الفتح وقال غيره بالكسر الفعل وبالفتح المصدر قوله يخرج أي الري وأطلق رؤيته إياه على سبيل الاستعارة قوله في اظفارى في رواية بن عساكر من اظفارى وهو أبلغ وفي التعبير من اطرافي وهو بمعناه قوله قال العلم هو بالنصب والرفع معا في الرواية وتوجيههما ظاهر وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما وسيأتي بقية الكلام عليه في مناقب عمر وفي كتاب التعبير إن شاء الله تعالى قال بن المنير وجه الفضيلة للعلم في الحديث من جهة أنه عبر عن العلم بأنه فضلة النبي صلى الله عليه وسلم ونصيب مما آتاه الله وناهيك بذلك انتهى وهذا قاله بناء على أن المراد بالفضل الفضيلة وغفل عن النكتة المتقدمة

قوله باب الفتيا هو بضم الفاء وإن قلت الفتوى فتحتها والمصادر الآتية بوزن فتيا قليلة مثل تقيا ورجعى قوله وهو أي المفتى ومراده أن العالم يجيب سؤال الطالب ولو كان راكبا قوله على الدابة المراد بها في اللغة كل ما مشى على الأرض وفي العرف ما يركب وهو المراد بالترجمة وبعض أهل العرف خصها بالحمار فإن قيل ليس في سياق الحديث ذكر الركوب فالجواب أنه أحال به على الطريق الأخرى التي أوردها في الحج فقال كان على ناقته ترجم له باب الفتيا على الدابة عند الجمرة فأورد الحديث من طريق مالك عن بن شهاب فذكره كالذي هنا ثم من طريق بن جريج نحوه ثم من طريق صالح بن كيسان عن بن شهاب بلفظ ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته قال فذكر الحديث ولم يسق لفظه وقال بعده تابعه معمر عن الزهري انتهى ورواية معمر وصلها أحمد ومسلم والنسائي وفيها رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى على ناقته

[ 83 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله حجة الوداع هو بفتح الحاء ويجوز كسرها قوله للناس يسألونه هو إما حال من فاعل وقف أو من الناس أو استئناف بيانا لسبب الوقوف قوله فجاء رجل لم أعرف اسم هذا السائل ولا الذي بعده في قوله فجاء آخر والظاهر أن الصحابي لم يسم أحدا لكثرة من سأل إذ ذاك وسيأتي بسط ذلك في الحج قوله ولا حرج أي لا شيء عليك مطلقا من الإثم لا في الترتيب ولا في ترك الفدية هذا ظاهره وقال بعض الفقهاء المراد نفى الإثم فقط وفيه نظر لأن في بعض الروايات الصحيحة ولم يأمر بكفارة وسيأتي مباحث ذلك في كتاب الحج إن شاء الله تعالى ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون

قوله باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد أو الرأس الإشارة باليد مستفادة من الحديثين المذكورين في الباب أولا وهما مرفوعان وبالرأس مستفادة من حديث أسماء فقط وهو من فعل عائشة فيكون موقوفا لكن له حكم المرفوع لأنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان في الصلاة يرى من خلفه فيدخل في التقرير

[ 84 ] قوله وهيب بالتصغير وهو بن خالد من حفاظ البصرة مات سنة خمس وستين وقيل تسع وستين وأرخه الدمياطي في حواشي نسخته سنة ست وخمسين وهو وهم وأيوب هو السختياني وعكرمة هو مولى بن عباس والإسناد كله بصريون قوله سئل هو بضم أوله فقال أي السائل ذبحت قبل أن ارمى أي فهل على شيء قوله فأومأ بيده فقال لا حرج أي عليك وقوله فقال يحتمل أن يكون بيانا لقوله أومأ ويكون من إطلاق القول على الفعل كما في الحديث الذي بعده فقال هكذا بيده ويحتمل أن يكون حالا والتقدير فأومأ بيده قائلا لا حرج فجمع بين الإشارة والنطق والأول أليق بترجمة المصنف قوله وقال حلفت يحتمل أن السائل هو الأول ويحتمل أن يكون غيره ويكون التقدير فقال سائل كذا وقال آخر كذا وهو الأظهر ليوافق الرواية التي قبله حيث قال فجاء آخر قوله فأومأ بيده ولا حرج كذا ثبت الواو في قوله ولا حرج وليست عند أبي ذر في الجواب الأول قال الكرماني لأن الأول كان في ابتداء الحكم والثاني عطف على المذكور أولا انتهى وقد ثبتت الواو في الأول أيضا في رواية الأصيلي وغيره

[ 85 ] قوله حدثنا المكى هو اسم وليس بنسب وهو من كبار شيوخ البخاري كما سنذكره في باب إثم من كذب قوله أخبرنا حنظلة وهو بن أبي سفيان بن عبد الرحمن الجمحي المدني قوله عن سالم هو بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وفي رواية الإسماعيلي من طريق إسحاق بن سليمان الراوي عن حنظلة قال سمعت سالما وزاد فيه لا أدري كم رأيت أبا هريرة قائما في السوق يقول يقبض العلم فذكره موقوفا لكن ظهر في آخره أنه مرفوع قوله يقبض العلم يفسر المراد بقوله قبل هذا يرفع العلم والقبض يفسره حديث عبد الله بن عمرو الآتي بعد أنه يقع بموت العلماء قوله ويظهر الجهل هو من لازم ذلك قوله والفتن في رواية الأصيلي وغيره وتظهر الفتن قوله الهرج هو بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم قوله فقال هكذا بيده هو من إطلاق القول على الفعل قوله فحرفها الفاء فيه تفسيرية كأن الراوي بين أن الإيماء كان محرفا قوله كأنه يريد القتل كأن ذلك فهم من تحريف اليد وحركتها كالضارب لكن هذه الزيادة لم أرها في معظم الروايات وكأنها من تفسير الراوي عن حنظلة فإن أبا عوانة رواه عن عباس الدوري عن أبي عاصم عن حنظلة وقال في آخره وأرانا أبو عاصم كأنه يضرب عنق الإنسان وقال الكرماني الهرج هو الفتنة فارادة القتل من لفظه على طريق التجوز إذ هو لازم معنى الهرج قال إلا أن يثبت ورود الهرج بمعنى القتل لغة قلت وهي غفلة عما في البخاري في كتاب الفتن والهرج القتل بلسان الحبشة وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث هناك إن شاء الله تعالى

[ 86 ] قوله هشام هو بن عروة بن الزبير عن فاطمة هي بنت المنذر بن الزبير وهي زوجة هشام وبنت عمه قوله عن أسماء هي بنت أبي بكر الصديق زوج الزبير بن العوام وهي جدة هشام وفاطمة جميعا قوله فقلت ما شأن الناس أي لما رأيت من اضطرابهم قوله فأشارت أي عائشة إلى السماء أي انكسفت الشمس قوله فإذا الناس قيام كأنها التفتت من حجرة عائشة إلى من في المسجد فوجدتهم قياما في صلاة الكسوف ففيه إطلاق الناس على البعض قوله فقالت سبحان الله أي اشارت قائلة سبحان الله قوله قلت آية هو بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذه آية أي علامة ويجوز حذف همزة الاستفهام وإثباتها قوله فقمت أي في الصلاة قوله حتى علاني كذا للأكثر بالعين المهملة وتخفيف اللام وفي رواية كريمة تجلاني بمثناة وجيم ولام مشددة وجلال الشيء ما غطى به والغشى بفتح الغين وإسكان الشين المعجمتين وتخفيف الياء وبكسر الشين وتشديد الياء أيضا هو طرف من الاغماء والمراد به هنا الحالة القريبة منه فأطلقته مجازا ولهذا قالت فجعلت أصب على رأسي الماء أي في تلك الحال ليذهب ووهم من قال بأن صبها كان بعد الافاقة وسيأتي تقرير ذلك في كتاب الطهارة ويأتي الكلام على هذا الحديث أيضا في صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى قوله أريته هو بضم الهمزة قوله حتى الجنة والنار رويناه بالحركات الثلاث فيهما قوله مثل أو قريبا كذا هو بترك التنوين في الأول وإثباته في الثاني قال بن مالك توجيهه أن أصله مثل فتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال فحذف ما أضيف إلى مثل وترك على هيئته قبل الحذف وجاز الحذف لدلالة ما بعده عليه وهذا كقول الشاعر بين ذراعي وجيهة الأسد تقديره بين ذراعي الأسد وجيهة الأسد وقال الآخر أما وخلف المرء من لطف ربه كوالىء تزوى عنه ما هو يحذر وفي رواية بترك التنوين في الثاني أيضا وتوجيهه أنه مضاف إلى فتنة أيضا وإظهار حرف الجر بين المضاف والمضاف إليه جائز عند قوم وقوله لا أدري أي ذلك قالت أسماء جملة معترضة بين بها الراوي أن الشك منه هل قالت له أسماء مثل أو قالت قريبا وستأتي مباحث هذا المتن في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى تنبيه وقع في نسخة الصغاني هنا قال بن عباس مرقدنا مخرجنا وفي ثبوت ذلك نظر لأنه لم يقع في الحديث لذلك ذكر وأن كان قد يظهر له مناسبة وقد ذكر ذلك في موضعه من سورة يس

قوله باب تحريض هو بالضاد المعجمة ومن قالها بالمهملة هنا فقد صحف قوله وقال مالك بن الحويرث هو بصيغة تصغير الحارث وهذا التعليق طرف من حديث له مشهور يأتي في الصلاة

[ 87 ] قوله أبي جمرة هو بالجيم والراء كما تقدم قوله من شقة بضم الشين المعجمة وتشديد القاف قوله وتعطوا كذا وقع وهو منصوب بتقدير أن وساغ التقدير لأن المعطوف عليه اسم قاله الكرماني قلت قد رواه أحمد عن غندر فقال وأن تعطوا فكأن حذفها من شيخ البخارىقوله قال شعبة وربما قال النقير أي بالنون المفتوحة وتخفيف القاف المكسورة وربما قال المقير أي بالميم المضمومة وفتح القاف وتشديد الياء المفتوحة وليس المراد أنه كان يتردد في هاتين اللفظتين ليثبت إحداهما دون الأخرى لأنه يلزم من ذكر المقير التكرار لسبق ذكر المزقت لأنه بمعناه بل المراد أنه كان جازما يذكر الثلاثة الأول شاكا في الرابع وهو النقير فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره وكان أيضا شاكا في التلفظ بالثالث فكان تارة يقول المزفت وتارة يقول المقير هذا توجيهه فلا يلتفت إلى ما عداه وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في أواخر كتاب الإيمان وأخرجه المصنف هناك عاليا عن علي بن الجعد عن شعبة ولم يتردد الا في المزفت والمقير فقط وجزم بالنقير وهو يؤيد ما قلته والله أعلم قوله وأخبروه هو بفتح الهمزة وكسر الباء وللكشميهني واخبروا بحذف الضمير

قوله باب الرحلة هو بكسر الراء بمعنى الارتحال وفي روايتنا أيضا بفتح الراء أي الواحدة وأما بضمها فالمراد به الجهة وقد تطلق على من يرتحل إليه وفي رواية كريمة وتعليم أهله بعد قوله في المسألة النازلة والصواب حذفها لأنها تأتي في باب آخر

[ 88 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله حدثني عبد الله بن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة نسب إلى جده قوله عن عقبة بن الحارث سيأتي تصريحه بالسماع من عقبة في كتاب النكاح خلافا لمن أنكره وسيأتي الخلاف في كنية عقبة في قصة خبيب بن عدي قوله أنه تزوج ابنة اسمها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها ياء تحتانية مشددة وكنيتها أم يحيى كما يأتي في الشهادات وهجم الكرماني فقال لا يعرف اسمها وأبو إهاب بكسر الهمزة لا أعرف اسمه وهو مذكور في الصحابة وعزيز بفتح العين المهملة وكسر الزاي وآخره زاى أيضا كما تقدم في المقدمة ومن قاله بضم أوله فقد حرف قوله فأتته امرأة لم اقف على اسمها قوله ولا أخبرتني بكسر المثناة أي قبل ذلك كأنه اتهمها قوله فركب أي من مكة لأنها كانت دار إقامته والفرق بين هذه الترجمة وترجمة باب الخروج في طلب العلم أن هذا أخص وذاك أعم وستأتي مباحث هذا الحديث في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى قوله ونكحت زوجا غيره اسم هذا الزوج ظريب بضم المعجمة المشالة وفتح الراء وآخره موحدة مصغرا

قوله باب التناوب هو بالنون وضم الواو من النوبة بفتح النون

[ 89 ] قوله وقال بن وهب هذا التعليق وصله بن حبان في صحيحه عن بن قتيبة عن حرملة عنه بسنده ليس في روايته قول عمر كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول وهو مقصود هذا الباب وإنما وقع ذلك في رواية شعيب وحده عن الزهري نص على ذلك الذهلي والدارقطني والحاكم وغيرهم وقد ساق المصنف الحديث في كتاب النكاح عن أبي اليمان وحده أتم مما هنا بكثير وإنما ذكر هنا رواية يونس بن يزيد ليوضح أن الحديث كله ليس من افراد شعيب قوله عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور هو مكي نوفلى وقد اشترك معه في اسمه واسم أبيه وفي الرواية عن بن عباس وفي رواية الزهري عنهما عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني الهذلي لكن روايته عن بن عباس كثيرة في الصحيحين وليس لابن أبي ثور عن بن عباس غير هذا الحديث الواحد قوله وجار لي هذا الجار هو عتبان بن مالك أفاده بن القسطلاني لكن لم يذكر دليله قوله في بني أمية أي ناحية بن أمية سميت البقعة باسم من نزلها قوله أثم هو بفتح المثلثة قوله دخلت على حفصة ظاهر سياقه يوهم أنه من كلام الأنصاري وإنما الداخل على حفصة عمر وللكشميهني فدخلت على حفصة أي قال عمر فدخلت على حفصة وإنما جاء هذا من الاختصار وإلا ففي أصل الحديث بعد قوله أمر عظيم طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه قلت قد كنت أظن أن هذا كائن حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة يعني أم المؤمنين بنته وفي هذا الحديث الاعتماد على خبر الواحد والعمل بمراسيل الصحابة وفيه أن الطالب لا يغفل عن النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره مع أخذه الحزم في السؤال عما يفوته يوم غيبته لما علم من حال عمر أنه كان يتعانى التجارة إذ ذاك كما سيأتي في البيوع وفيه أن شرط التواتر أن يكون مستند نقلته الأمر المحسوس لا الاشاعة التي لا يدري من بدأ بها وسيأتي بقية الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى

قوله باب الغضب في الموعظة

[ 90 ] حدثنا محمد بن كثير هو العبدي ولم يخرج للصغائي شيئا قوله أخبرني سفيان هو الثوري عن بن أبي خالد هو إسماعيل قوله قال رجل قيل هو حزم بن أبي كعب قوله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطيل قال القاضي عياض ظاهرة مشكل لأن التطويل يقتضى الإدراك لا عدمه قال فكأن الألف زيدت بعد لا وكأن أدرك كانت أترك قلت هو توجيه حسن لو ساعدته الرواية وقال أبو الزناد بن سراج معناه أنه كان به ضعف فكان إذا طول به الإمام في القيام لا يبلغ الركوع الا وقد ازداد ضعفه فلا يكاد يتم معه الصلاة قلت وهو معنى حسن لكن رواه المصنف عن الفريابي عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ إني لأتأخر عن الصلاة فعلى هذا فمراد بقوله أني لا أكاد أدرك الصلاة أي لا أقرب من الصلاة في الجماعة بل أتأخر عنها أحيانا من أجل التطويل وسيأتي تحرير هذا في موضعه في الصلاة ويأتي الخلاف في اسم الشاكي والمشكو قوله أشد غضبا قيل إنما غضب لتقدم نهيه عن ذلك قوله وذا الحاجة كذا للأكثر وفي رواية القابسي وذو الحاجة وتوجيهه أنه عطف على موضع اسم أن قبل دخولها أو هو استئناف

[ 91 ] قوله سأله رجل هو عمير والد مالك وقيل غيره كما سيأتي في اللقطة قوله وكاءها هو بكسر الواو ما يربط به والعفاص بكسر العين المهملة هو الوعاء بكسر الواو قوله فغضب إما لأنه كان نهى قبل ذلك عن التقاطها وإما لأن السائل قصر في فهمه فقاس ما يتعين التقاطه على ما لا يتعين قوله سقاؤها هو بكسر أوله والمراد بذلك أجوافها لأنها تشرب فتكتفي به أياما قوله وحذاؤها بكسر المهملة ثم ذال معجمة والمراد هنا خفها وستأتي مباحث هذا الحديث في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى

[ 92 ] قوله حدثنا محمد بن العلاء تقدم هذا الإسناد في باب فضل من علم وعلم قوله سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل كما سيأتي في حديث بن عباس في تفسير المائدة قوله قال رجل هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء القرشي السهمي كما سماه في حديث أنس الاتي قوله فقام آخر هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة سماه بن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح منه وأغفله في الاستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة وهو صحابي بلا مرية لقوله فقال من أبي يا رسول الله ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلا من بني عبد الدار قال من أبي قال سعد نسبه إلى غير أبيه بخلاف بن حذافة وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة قوله فلما رأى عمر هو بن الخطاب ما في وجهه أي من الغضب قال يا رسول الله إنا نتوب إلى الله أي مما يوجب غضبك وفي حديث أنس الاتي بعد أن عمر كبر على ركبتيه فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا والجمع بينهما ظاهر بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة تنبيه قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم لأن الحاكم مأمور أن لا يقضى وهو غضبان والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان لأن مقامه يقتضى تكلف الانزعاج لأنه في صورة المنذر وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم ونحوه لأنه قد يكون أدعى للقبول منه وليس ذلك لازما في حق كل أحد بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما يأتي في بابه فإن قيل فقد قضى عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال أبوك فلان فالجواب أن يقال أولا ليس هذا من باب الحكم وعلى تقديره فيقال هذا من خصوصياته لمحل العصمة فاستوى غضبه ورضاه ومجرد غضبه من الشيء دال على تحريمه أو كراهته بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم

قوله باب من برك هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال برك البعير إذا استناخ واستعمل في الأدمي مجازا

[ 93 ] قوله خرج فقام عبد الله بن حذافة فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه فغضب فقال سلوني فقام عبد الله قوله فقال رضينا بالله ربا قال بن بطال فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك فقال رضينا بالله ربا الخ فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فسكت

قوله باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم هو بضم الياء وفتح الهاء وفي روايتنا أيضا بكسر الهاء لكن في رواية الأصيلي وكريمة ليفهم عنه وهو بفتح الهاء لاغير قوله فقال الا وقول الزور كذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو طرف معلق من حديث أبي بكرة المذكور في الشهادات وفي الديات الذي أوله الا انبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا فذكر الحديث ففيه معنى الترجمة لكونه قال لهم ذلك ثلاثة قوله فما زال يكررها أي في مجلسه ذلك والضمير يعود على الكلمة الأخيرة وهي قول الزور وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في مكانه قوله وقال بن عمر هو طرف أيضا من حديث مذكور عند المصنف في كتاب الحدود أوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أي شهر هذا فذكر الحديث وفيه هذا القدر المعلق وقوله ثلاثا متعلق بقال لا بقوله بلغت

قوله حدثنا عبدة هو بن عبد الله الصفار ولم يخرج البخاري عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي وهو من طبقة عبدة الصفار وفي رواية الأصيلي حدثنا عبدة الصفار قوله حدثنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد يكنى أبا سهل والمثنى والد عبد الله هو بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون المفتوحة وهو بن عبد الله بن أنس بن مالك وثمامة عمه ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أي من عادة النبي صلى الله عليه وسلم والمراد أن أنسا مخبر عما عرفه من شأن النبي صلى الله عليه وسلم وشاهده لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك ويؤيد ذلك أن المصنف أخرجه في كتاب الاستئذان عن إسحاق وهو بن منصور عن عبد الصمد بهذا الإسناد إلى أنس فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قوله إذا تكلم قال الكرماني مثل هذا التركيب يشعر بالاستمرار عند الاصوليين قوله بكلمة أي بجملة مفيدة قوله أعادها ثلاثا قد بين المراد بذلك في نفس الحديث بقوله حتى تفهم عنه وللترمذي والحاكم في المستدرك حتى تعقل عنه ووهم الحاكم في استدراكه وفي دعواه أن البخاري لم يخرجه وقال الترمذي حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث عبد الله بن المثنى انتهى وعبد الله بن المثنى ممن تفرد البخاري بإخراج حديثه دون مسلم وقد وثقه العجلي والترمذي وقال أبو زرعة وأبو حاتم صالح وقال بن أبي خيثمة عن بن معين ليس بشيء وقال النسائي ليس بالقوي قلت لعله أراد في بعض حديثه وقد تقرر أن البخاري حيث يخرج لبعض من فيه مقال لا يخرج شيئا مما أنكر عليه وقول بن معين ليس بشيء أراد به في حديث بعينه سئل عنه وقد قواه في رواية إسحاق بن منصور عنه وفي الجملة فالرجل إذا ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح الا إذا كان مفسرا بأمر قادح وذلك غير موجود في عبد الله بن المثنى هذا وقد قال بن حبان لما ذكره في الثقات ربما أخطأ والذي أنكر عليه إنما هو من روايته عن غير عمه ثمامة والبخاري إنما أخرج له عن عمه هذا الحديث وغيره ولا شك أن الرجل أضبط لحديث آل بيته من غيره وقال بن المنير نبه البخاري بهذه الترجمة على الرد على من كره إعادة الحديث وأنكر على الطالب الاستعادة وعده من البلادة قال والحق أن هذا يختلف باختلاف القرائح فلا عيب على المستفيد الذي لا يحفظ من مرة إذا استعاد ولا عذر للمفيد إذا لم يعد بل الإعادة عليه آكد من الابتداء لأن الشروع ملزم وقال بن التين فيه أن الثلاث غاية ما يقع به الاعتذار والبيان

[ 95 ] قوله وإذا آتي على قوم أي وكان إذا أتى قوله فسلم عليهم هو من تتمة الشرط وقوله سلم عليهم هو الجواب بن قال الإسماعيلي يشبه أن يكون ذلك كان إذا سلم سلام الاستئذان على ما رواه أبو موسى وغيره وأما أن يمر المار مسلما فالمعروف عدم التكرار قلت وقد فهم المصنف هذا بعينه فأورد هذا الحديث مقرونا بحديث أبي موسى في قصته مع عمر كما سيأتي في الاستئذان لكن يحتمل أن يكو ذلك كان يقع أيضا منه إذا خشي أنه لا يسمع سلامه وما ادعاه الكرماني من أن الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار مما ينازع فيه والله أعلم

[ 96 ] قوله في حديث عبد الله بن عمرو فأدركنا هو بفتح الكاف وقوله ارهقنا بسكون القاف وللأصيلي ارهقتنا وقوله صلاة العصر هو بدل من الصلاة إن رفعا فرفع وإن نصبا فنصب قوله مرتين أو ثلاثا هو شك من الراوي وهو يدل على أن الثلاث ليست شرطا بل المراد التفهيم فإذا حصل بدونها اجزأ وسيأتي الكلام على المتن في الطهارة إن شاء الله تعالى

قوله باب تعليم الرجل أمته وأهله مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص وفي الأهل بالقياس إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء

[ 97 ] قوله حدثنا محمد بن سلام كذا في روايتنا من طريق أبي ذر وفي رواية كريمة حدثنا محمد هو بن سلام وللأصيلي حدثنا محمد حسب واعتمده المزي في الأطراف فقال رواه البخاري عن محمد قيل هو بن سلام قوله أخبرنا في رواية كريمة حدثنا المحاربي وهو عبد الرحمن بن محمد بن زياد وليس له عند البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر في العيدين وذكر أبو علي الجياني أن بعض أهل بلدهم صحف المحاربي فقال البخاري فأخطأ خطأ فاحشا قوله حدثنا صالح بن حيان هو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان نسب إلى جد أبيه وهو بفتح المهملة وتشديد الياء التحتانية ولقبه حي وهو أشهر به من اسمه وكذا من ينسب إليه يقال للواحد منهم غالبا فلان بن حي كصالح بن حي هذا وهو ثقة مشهور وفي طبقته راو آخر كوفي أيضا يقال له صالح بن حيان القرظي لكنه ضعيف وقد وهم من زعم أن البخاري أخرج له فأنه إنما أخرج لصالح بن حي وهذا الحديث معروف بروايته عن الشعبي دون القرشي وقد أخرجه البخاري من حديثه من طرق منها في الجهاد من طريق بن عيينة قال حدثنا صالح بن حي أبو حيان قال سمعت الشعبي وأصرح من ذلك أنه أخرج الحديث المذكور في كتاب الأدب المفرد بالإسناد الذي أخرجه هنا فقال صالح بن حي قوله قال عامر أي قال صالح قال عامر وعادتهم حذف قال إذا تكررت خطأ لا نطقا قوله عن أبيه هو أبو موسى الأشعري كما صرح به في العتق وغيره قوله ثلاثة لهم اجران ثلاثة مبتدأ والتقدير ثلاثة رجال أو رجال ثلاثة ولهم أجران خبره قوله رجل هو بدل تفصيل أو بدل كل بالنظر إلى المجموع قوله من أهل الكتاب لفظ الكتاب عام ومعناه خاص أي المنزل من عند الله والمراد به التوراة والإنجيل كما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة حيث يطلق أهل الكتاب وقيل المراد به هنا الإنجيل خاصة إن قلنا أن النصرانية ناصحة لليهودية كذا قرره جماعة ولا يحتاج إلى اشتراط النسخ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام كان قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف فمن أجابه منهم نسب إليه ومن كذبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنا فلا يتناوله الخبر لأن شرطه أن يكون مؤمنا بنبيه نعم من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل أو لم يكن بحضرة عيسى عليه السلام فلم تبلغه دعوته يصدق عليه أنه يهودي مؤمن إذ هو مؤمن بنبيه موسى عليه السلام ولم يكذب نبيا آخر بعده فمن أدرك بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ممن كان بهذه المثابة وآمن به لايشكل أنه يدخل في الخبر المذكور ومن هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها ممن دخل منهم في اليهودية ولم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام لكونه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة نعم الاشكال في اليهود الذين كانوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث وهي قوله تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين نزلت في طائفة آمنوا منهم كعبد الله بن سلام وغيره ففي الطبراني من حديث رفاعة القرظي قال خرج عشرة من أهل الكتاب منهم أبي رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به فأوفوا فنزلت الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون الآيات فهؤلاء من بني إسرائيل ولم يؤمنوا بعيسى بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين قال الطيبي فيحتمل إجراء الحديث على عمومه إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم سببا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة انتهى وسأذكر ما يؤيده بعد ويمكن أن يقال في حق هؤلاء الذين كانوا بالمدينة إنه لم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى عليه السلام إلى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فبهذا يرتفع الاشكال إن شاء الله تعالى فوائد الأولى وقع في شرح بن التين وغيره أن الآية المذكورة نزلت في كعب الأحبار وعبد الله بن سلام وهو صواب في عبد الله خطأ في كعب لأن كعبا ليست له صحبة ولم يسلم الا في عهد عمر بن الخطاب والذي في تفسير الطبري وغيره عن قتادة أنها نزلت في عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وهذا مستقيم لأن عبد الله كان يهوديا فأسلم كما سيأتي في الهجرة وسلمان كان نصرانيا فأسلم كما سيأتي في البيوع وهما صحابيان مشهوران الثانية قال القرطبي الكتابي الذي يضاعف أجره مرتين هو الذي كان على الحق في شرعه عقدا وفعلا إلى أن آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم فيؤجر على أتباع الحق الأول والثاني انتهى ويشكل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل أسلم يؤتك الله أجرك مرتين وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل وقد قدمت بحث شيخ الإسلام في هذا في حديث أبي سفيان في بدء الوحي الثالثة قال أبو عبد الملك البوني وغيره إن الحديث لا يتناول اليهود البتة وليس بمستقيم كما قررناه وقال الداودي ومن تبعه إنه يحتمل أن يتناول جميع الأمم فيما فعلوه من خير كما في حديث حكيم بن حزام الاتي أسلمت على ما أسلفت من خير وهو متعقب لأن الحديث مقيد بأهل الكتاب فلا يتناول غيرهم الا بقياس الخير على الإيمان وأيضا فالنكتة في قوله آمن بنبيه الأشعار بعلية الأجر أي أن سبب الاجرين الإيمان بالنبيين والكفار ليسوا كذلك ويمكن أن يقال الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فمن آمن به واتبعه منهم كان له فضل على غيره وكذا من كذبه منهم كان وزره أشد من وزر غيره وقد ورد مثل ذلك في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكون الوحي كان ينزل في بيوتهن فإن قيل فلم لم يذكرن في هذا الحديث فيكون العدد أربعة أجاب شيخنا شيخ الإسلام بأن قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلى يوم القيامة وهذا مصير من شيخنا إلى أن قضية مؤمن أهل الكتاب مستمرة وقد ادعى الكرماني اختصاص ذلك بمن آمن في عهد البعثة وعلل ذلك بأن نبيهم بعد البعثة إنما هو محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار عموم بعثته انتهى وقضيته أن ذلك أيضا لا يتم لمن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإن خصه بمن لم تبلغه الدعوة فلا فرق في ذلك بين عهده وبعده فما قاله شيخنا أظهر والمراد بنسبتهم إلى غير نبينا صلى الله عليه وسلم إنما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذلك وأما ما قوي به الكرماني دعواه بكون السياق مختلفا حيث قيل في مؤمن أهل الكتاب رجل التنكير وفي العبد بالتعريف وحيث زيدت فيه إذا الدالة على معنى الاستقبال فأشعر ذلك بأن الاجرين لمؤمن أهل الكتاب لا يقع في الاستقبال بخلاف العيد انتهى وهو غير مستقيم لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ وليس متفقا عليه بين الرواة بل هو عند المصنف فقد عبر في ترجمة عيسى بإذا في الثلاثة وعبر في النكاح بقوله أيما رجل في المواضع الثلاثة وهي صريحة في التعميم وأما الاختلاف بالتعريف والتنكير فلا أثر له هنا لأن المعرف بلام الجنس مؤداه مؤدى النكرة والله أعلم الرابعة حكم المرأة الكتابية حكم الرجل كما هو مطرد في جل الأحكام حيث يدخلن مع الرجال بالتبعية الا ما خصه الدليل وستأتي مباحث العبد في العتق ومباحث الأمة في النكاح قوله فله اجران هو تكرير لطول الكلام للاهتمام به قوله ثم قال عامر أي الشعبي أعطيناكها ظاهرة أنه خاطب بذلك صالحا الراوي عنه ولهذا جزم الكرماني بقوله الخطاب لصالح وليس كذلك بل إنما خاطب بذلك رجلا من أهل خراسان سأله عمن يعتق أمته ثم يتزوجها كما سنذكر ذلك في ترجمة عيسى عليه السلام من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى قوله بغير شيء أي من الأمور الدنيوية وإلا فالاجر الاخروى حاصل له قوله يركب فيما دونها أي يرحل لأجل ما هو أهون منها كما عنده في الجهاد والضمير عائد على المسألة قوله الى المدينة أي النبوية وكان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ثم نفرق الصحابة في البلاد بعد فتوح الأمصار وسكنوها فاكتفى أهل كل بلد بعلمائه الا من طلب التوسع في العلم فرحل وقد تقدم حديث جابر في ذلك ولهذا عبر الشعبي مع كونه من كبار التابعين بقوله أن كان واستدلال بن بطال وغيره من المالكية على تخصيص العلم بالمدينة فيه نظرا لما قررناه وإنما قال الشعبي ذلك تحريضا للسامع ليكون ذلك ادعى لحفظه وأجلب لحرصه والله المستعان وقد روى الدارمي بسند صحيح عن بسر بن عبيد الله وهو بضم الموحدة وسكون المهملة قال إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في الحديث الواحد وعن أبي العالية قال كنا نسمع الحديث عن الصحابة فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهم

قوله باب عظة الإمام النساء نبه بهذه الترجمة على أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل ليس مختصا بأهلهن بل ذلك مندوب للآمام الأعظم ومن ينوب عنه واستفيد الوعظ بالتصريح من قوله في الحديث فوعظهن وكانت الموعظة بقوله إني رأيتكن أكثر أهل النار لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير واستفيد التعليم من قوله وأمرهن بالصدقة كأنه اعلمهن أن في الصدق تكفيرا لخطاياهن

[ 98 ] قوله عن أيوب هو السختياني وعطاء هو بن أبي رباح قوله أو قال عطاء اشهد معناه أن الراوي تردد هل لفظ أشهد من قول بن عباس أو من قول عطاء وقد رواه بالشك أيضا حماد بن زيد عن أيوب أخرجه أبو نعيم في المستخرج وأخرجه أحمد بن حنبل عن غندر عن شعبة جازما بلفظ أشهد عن كل منهما وإنما عبر بلفظ الشهادة تأكيدا لتحققه ووثوقا بوقوعه قوله ومعه بلال كذا للكشميهني وسقطت الواو للباقين قوله القرط هو بضم القاف واسكان الراء بعدها طاء مهملة أي الحلقة التي تكون في شحمة الإذن وسيأتي مزيد في هذا المتن في العيدين إن شاء الله تعالى قوله وقال إسماعيل هو المعروف بابن علية وأراد بهذا التعليق أنه جزم عن أيوب بأن لفظ أشهد من كلام بن عباس فقط وكذا جزم به أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وكذا قال وهيب عن أيوب ذكره الإسماعيلي وأغرب الكرماني فقال يحتمل أن يكون قوله وقال إسماعيل عطفا على حدثنا شعبة فيكون المراد به حدثنا سليمان بن حرب عن إسماعيل فلا يكون تعليقا انتهى وهو مردود بأن سليمان بن حرب لا رواية له عن إسماعيل أصلا لا لهذا الحديث ولا لغيره وقد أخرجه المصنف في كتاب الزكاة موصولا عن مؤمل بن هشام عن إسماعيل كما سيأتي وقد قلنا غير مرة إن الاحتمالات العقلية لا مدخل لها في الأمور النقلية ولو استرسل فيها مسترسل لقال يحتمل أن يكون إسماعيل هنا آخر غير بن علية وأن أيوب آخر غير السختياني وهكذا في أكثر الوراة فيخرج بذلك إلى ما ليس بمرضي وفي هذا الحديث جواز المعاطاة في الصدقة وصدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها وأن الصدقة تمحو كثيرا من الذنوب التي تدخل النار

قوله باب الحرص علىالحديث المراد بالحديث ف يعرف الشرع ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه أريد به مقابلة القرآن لأنه قديم

[ 99 ] قوله حدثنا عبد العزيز هو أبو القاسم الأويسي وسليمان هو بن بلال وعمرو بن أبي عمرو هو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب واسم أبي عمرو ميسرة والإسناد كله مدنيون قوله أنه قال قيل يا رسول الله كذا لأبي ذر وكريمة وسقطت قيل للباقين وهو الصواب ولعلها كانت قلت فتصحفت فقد أخرجه المصنف في الرقاق كذلك وللإسماعيلي أنه سأل ولأبي نعيم أن أبا هريرة قال يا رسول الله قوله أول منك وقع في روايتنا برفع اللام ونصبها فالرفع على الصفة لأحد أو البدل منه والنصب على أنه مفعول ثان لظننت قاله القاضي عياض وقال أبو البقاء على الحال ولا يضر كونه نكرة لأنها في سياق النفي كقولهم ما كان أحد مثلك و ما في قوله لما موصولة و من بيانية أو تبعيضية وفيه فضل أبي هريرة وفضل الحرص على تحصيل العلم قوله من قال لا إله إلا الله احتراز من المشرك والمراد مع قوله محمد رسول الله لكن قد يكتفى بالجزء الأول من كلمتى الشهادة لأنه صار شعارا لمجموعها كما تقدم في الإيمان قوله خالصا احتراز من المنافق ومعنى أفعل في قوله أسعد الفعل لا أنها أفعل التفضيل أي سعيد الناس كقوله تعالى وأحسن مقيلا ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابها وأن كل أحد يحصل له سعد بشفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها فأنه صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لإراحتهم من هول الموقف ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب وفي بعضهم برفع الدرجات فيها فظهر الاشتراك في السعادة بالشفاعة وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص والله أعلم قوله من قلبه أو نفسه شك من الراوي وللمصنف في الرفاق خالصا من قبل نفسه وذكر ذلك على سبيل التأكيد كما في قوله تعالى فأنه آثم قلبه وفي الحديث دليل على اشتراك النطق بكلمتى الشهادة لتعبيره بالقول في قوله من قال

قوله باب كيف يقبض العلم أي كيفية قبض العلم قوله إلى أبي بكر بن حزم هو بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري نسب إلى جد أبيه ولجده عمرو صحبة ولأبيه محمد رؤية وأبو بكر تابعي فقيه استعمله عمر بن عبد العزيز على إمرة المدينة وقضائها ولهذا كتب إليه ولا يعرف له اسم سوى أبي بكر وقيل كنيته أبو عبد الملك واسمه أبو بكر وقيل اسمه كنيته قوله انظر ما كان أي أجمع الذي تجد ووقع هنا للكشميهني عندك أي في بلدك قوله فاكتبه يستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ فلما خاف عمر بن عبد العزيز وكان على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء رأى أن في تدوينه ضبطا له وابقاء وقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه قوله ولا يقبل هو بضم الياء التحتانية وسكون اللام وبسكونها وكسرها معا في وليفشوا وليجلسوا قوله حتى يعلم هو بضم أوله وتشديد اللام وللكشميهني يعلم بفتح أوله وتخفيف اللام قوله يهلك بفتح أوله وكسر اللام قوله حدثنا العلاء لم يقع وصل هذا التعليق عند الكشميهني ولا كريمة ولا بن عساكر إلى قوله ذهاب العلماء وهو محتمل لأن يكون ما بعده ليس من كلام عمر أو من كلامه ولم يدخل في هذه الرواية والأول أظهر وبه صرح أبو نعيم في المستخرج ولم أجده في مواضع كثيرة الا كذلك وعلى هذا فبقيته من كلام المصنف أورده تلو كلام عمر ثم بين أن ذلك غاية ما انتهى إليه كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى

[ 100 ] قوله حدثني مالك قال الدارقطني لم يروه في الموطأ الا معن بن عيسى وأراه أصحاب مالك كابن وهب وغيره عن مالك خارج الموطأ وأفاد بن عبد البر أن سليمان بن يزيد رواه أيضا في الموطأ والله أعلم وقد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام بن عروة فوقع لنا من رواية اكثر من سبعين نفسا عنه من أهل الحرمين والعراقين والشام وخراسان ومصر وغيره ووافقه على روايته عن أبيه عروة أبو الأسود المدني وحديثه في الحصيحين والزهري وحديثه في النسائي ويحيى بن أبي كثير وحديثه في صحيح أبي عوانة ووافق أباه على روايته عن عبد الله بن عمرو عمر بن الحكم بن ثوبان وحديثه في مسلم قوله لا يقبض العلم انتزاعا أي محوا من الصدور وكان تحديث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حجة الوداع كما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي إمامة قال لما كان في حجة الوداع قال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا العلم قبل أن يقبض أو يرفع فقال أعرابي كيف يرفع فقال الا أن ذهاب العلم ذهاب حملته ثلاث مرات قال بن المنير محو العلم من الصدور جائز في القدرة الا أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه قوله حتى إذا لم يبق عالم هو بفتح الياء والقاف وللأصيلي بضم أوله وكسر القاف وعالما منصوب أي لم يبق الله عالما وفي رواية مسلم حتى إذا لم يترك عالما قوله رؤوسا قال النووي ضبطناه بضم الهمزة والتنوين جمع رأس قلت وفي رواية أبي ذر أيضا بفتح الهمزة وفي آخره همزة أخرى مفتوحة جمع رئيس قوله بغير علم وفي رواية أبي الأسود في الاعتصام عند المصنف فيفتون برأيهم ورواها مسلم كالأولى قوله قال الفربري هذا من زيادات الراوي عن البخاري في بعض الأسانيد وهي قليلة قوله نحوه أي بمعنى حديث مالك ولفظ رواية قتيبة هذه أخرجها مسلم عنه وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم واستدل به الجمهور على القول يخلو الزمان عن مجتهد ولله الأمر يفعل ما يشاء وسيكون لنا في المسألة عود في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى

قوله باب هل يجعل أي الإمام وللاصيلى وكريمة يجعل بضم أوله وعندهما يوم بالرفع لأجل ذلك قوله على حدة بكسر المهملة وفتح الدال المهملة المخففة أي ناحية وحدهن والهاء عوض عن الواو المحذوفة كما قالوا في عدة من الوعد

[ 101 ] قوله حدثنا ادم هو بن أبي إياس قوله قال النساء كذا لأبي ذر وللباقين قالت النساء وكلاهما جائز و غلبنا بفتح الموحدة و الرجال بالضم لأنه فاعله قوله فاجعل لنا أي عين لنا وعبر عنه بالجعل لأنه لازمه ومن ابتدائية متعلقة بإجعل والمراد رد ذلك إلى اختياره قوله فوعظهن التقدير فوفى بوعده فلقيهن فوعظهن ووقع في رواية سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه القصة فقال موعدكن بيت فلانة فأتاهن فحدثهن قوله وآمرهن أي بالصدقة أو حذف المأموريه لإرادة التعميم قوله ما منكن امرأة وللأصيلي ما من امرأة و من زائدة لفظا وقوله تقدم صفة لامرأة قوله الا كان لها أي التقديم حجابا وللأصيلي حجاب بالرفع وتعرب كان تامة أي حصل لها حجاب وللمصنف في الجنائز الا كن له أي الأنفس التي تقدم وله في الاعتصام الا كانوا أي الأولاد قوله فقالت امرأة هي أم سليم وقيل غيرها كما سنوضحه في الجنائز قوله واثنين ولكريمة واثنتين بزيادة تاء التأنيث وهو منصوب بالعطف على ثلاثة ويسمى العطف التلقينى وكأنها فهمت الحصر وطمعت في الفضل فسألت عن حكم الإثنين هل يلتحق بالثلاثة أو لا وسيأتي في الجنائز الكلام في تقديم الواحد

[ 102 ] قوله حدثني محمد بن بشار أفاد بهذا الإسناد فائدتين إحداهما تسمية بن الأصبهاني المبهم في الرواية الأولى والثانية زيادة طريق أبي هريرة التي زاد فيها التقييد بعدم بلوغ الحنث أي الإثم والمعنى أنهم ماتوا قبل أن يبلغوا لأن الإثم إنما يكتب بعد البلوغ وكأن السر فيه أنه لاينسب إليهم إذ ذاك عقوق فيكون الحزن عليهم أشد وفيالحديث ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعلم أمور الدين وفيه جواز الوعد وأن أطفال المسلمين في الجنة وأن من مات له ولدان حجباه من النار ولا اختصاص لذلك بالنساء كما سيأتي بالتنصيص عليه في الجنائز تنبيه حديث أبي هريرة مرفوع والواو في قوله وقال للعطف على محذوف تقديره مثله أي مثل حديث أبي سعيد والواو في قوله وعن عبد الرحمن للعطف على قوله أولا عن عبد الرحمن والحاصل أن شعبة يرويه عن عبد الرحمن بإسنادين فهو موصول ووهم من زعم أنه معلق

قوله باب من سمع شيئا زاد أبو در فلم يفهمه قوله فراجعه أي راجع الذي سمعه منه وللأصيلي فراجع فيه

[ 103 ] قوله أن عائشة ظاهر أوله الإرسال لأن بن أبي مليكة تابعي لم يدرك مراجعة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم لكن تبين وصله بعد في قوله قالت عائشة فقلت قوله كانت لاتسمع آتي بالمضارع استحضار للصورة الماضية لقوة تحققها قوله إنما ذلك بكسر الكاف العرض أي عرض الناس على الميزان قوله نوقش بالقاف والمعجمة من المناقشة وأصلها الاستخراج ومنه نقش الشوكة إذا استخرجها والمراد هنا المبالغة في الاستيفاء والمعنى أن تحرير الحساب يفضى إلى استحقاق العذاب لأن حسنات العبد موقوفة على القبول وإن لم تقع الرحمة المقتضبة للقول لا يحصل النجاة قوله في آخره يهلك بكسر اللام واسكان الكاف وفي الحديث ما كان عند عائشة من الحرص على تفهم معاني الحديث وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتضجر من المراجعة في العلم وفيه جواز المناظرة ومقابلة السنة بالكتاب وتفاوت الناس في الحساب وفيه أن السؤال عن مثل هذا لم يدخل فيما نهى الصحابة عنه في قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء وفي حديث أنس كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء وقد وقع نحو ذلك لغير عائشة ففي حديث حفصة أنها لما سمعت لا يدخل النار أحد ممن شهد بدرا والحديبية قالت أليس الله يقول وإن منكم الا واردها فاجيبت بقوله ثم ننجي الذين اتقوا الآية وسأل الصحابة لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أينا لم يظلم نفسه فأجيبوا بأن المراد بالظلم الشرك والجامع بين هذه المسائل الثلاث ظهور العموم في الحساب والورود والظلم فأوضح لهم أن المراد في كل منها أمر خاص ولم يقع مثل هذا من الصحابة الا قليلا مع توجه السؤال وظهوره وذلك لكمال فهمهم ومعرفتهم باللسان العربي فيحمل ما ورد من ذم من سأل عن المشكلات على من سأل تعنتا كما قال تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وفي حدديث عائشة فإذا رأيتم الذين يسألون عن ذلك فهم الذين سمي الله فاحذروهم ومن ثم أنكر عمر على صنيع لما رآه أكثر من السؤال عن مثل ذلك وعاقبه وسيأتي إيضاح هذا كله في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وسيأتي باقيه في كتاب الرقاق وكذا الكلام على انتقاد الدارقطني لإسناده إن شاء الله تعالى

قوله باب ليبلغ العلم بالنصب والشاهد بالرفع والغائب منصوب أيضا والمراد بالشاهد هنا الحاضر أي ليبلغ من حضر من غاب لنه المفعول الأول والعلم المفعول الثاني وإن قدم في الذكر قوله قاله بن عباس أي رواه وليس هو في شيء من طرق حديث بن عباس بهذه الصورة وإنما هو في روايته ورواية غيره بحذف العلم وكأنه أراد بالمعنى لن المأمور بتبليغه هو العلم

[ 104 ] قوله عن أبي شريح هو الخزاعي الصحابي المشهور وعمرو بن سعيد هو بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمي القرشى الأموي يعرف بالأشدق وليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان قوله وهو يبعث البعوث أي يرسل الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير لكونه أمتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم وكان عمرو وإلى يزيد على المدينة والقصة مشهورة وملخصها أن معاوية عهد بالخلافة بعده ليزيد بن معاوية فبايعه النااس الا الحسين بن علي وابن الزبير فأما بن أبي بكر فمات قبل موت معاوية وأما بن عمر فبايع ليزيد عقب موت أبيه وأما الحسين بن على فسار إلى الكوفة لاستدعائهم إياه ليبايعوه فكان ذلك سبب قتله وأما بن الزبير فاعتصم ويسمى عائد البيت وغلب على أمر مكة فكان يزيد بن معاوية بأمر أمراءه على المدينة أن يجهزوا إليه الجيوش فكان آخر ذلك أن أهل المدينة اجتمعوا على خلع يزيد من الخلافه قول ائذن لي فيه حسن التلطف في الإنكار على أمراء الجور ليكون ادعى لقبولهم قوله أحدثك بالجزم لنه جواب الأمر قوله قام صفة للقول والمقول هو حمد الله الخ قوله الغد بالنصب أي أنه خطب في اليوم الثاني من فتح مكة قوله سمعته أذناي الخ أراد أنه بالغ في حفظه والتثبت فيه وأنه لم يأخذه بواسطة وأتى بالتثنية تأكيدا والضمير في قوله تكلم به عائد على قوله قولا قوله ولم يحرمها الناس بالضم أي أن تحريمها كان بوحى من الله لامن اصطلاح الناس قوله يسفك بكسر الفاء وحكى ضمها وهو صب الدم والمراد به القتل قوله بها وللمستملى فيها قوله ولا يعضد بكسر الضاد المعجمة وفتح الدال أي يقطع بالمعضد وهو آلة كالفأس قوله وإنما إذن لي أي آله روى بضم الهمزة وفي قوله لي التفات لأن نسق الكلام وإنما إذن له أي لرسوله قوله ساعة أي مقدارا من الزمان والمراد به يوم الفتح وفي مسند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ذكل كان من طلوع الشمس الى العصر والمأذون له فيه القتال لا قطع الشجر قوله ما قال عمرو أي في جوابك قوله لا نعيذ بضم المثناة أوله وآخره ذال معجمة أي مكة لا تعصم العاصي عن إقامة الحد عليه قوله ولا فارا بالفاء والراء المشددة أي هاربا عليه دم يعتصم بمكة كلا يقتص منه قوله بخربة بفتح المعجمة واسكان الراء ثم موحدة يعنى السرقة كذا ثبت تفسيرها في رواية المستملى قال بن بطال الخربة بالضم الفساد وبالفتح السرقة وقد تشدق عمرو في الجواب وآتى بكلام ظاهره حق لكن أراد به الباطل فإن الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص وهو صحيح الا أن بن الزبير لم يرتكب أمر يجب عليه فيه شيء من ذلك وسنذكر مباحث هذا الحديث في كتاب الحج وما للعلماء فيه من الاختلاف في القتال في الحرم إن شاء الله تعالى وفي الحديث شرف مكة وتقديم الحمد والثناء على القول المقصود وإثبات خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم واستواء المسلمين معه في الحكم الا ما ثبت تخصيصه ووقوع النسخ وفضل أبي شريح لاتباعه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه وغير ذلك

[ 105 ] قوله حدثنا حماد هو بن زيد قوله عن محمد هو بن سيرين عن بن أبي بكرة كذا للمستملي والكشميهني وسقط عن بن أبي بكرة للباقين فصار منقطعا لأن محمدا لم يسمع من أبي بكرة وفي رواية عن محمد بن أبي بكرة وهي خطأ وكأن عن سقطت منها وقد تقدم هذا الحديث في أوائل كتاب العلم من طريق أخرى عن محمد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وهو الصواب وسيأتي بهذا السند في تفسير سورة براءة بإسقاطه عن بعضهم وسأنبه عليه هناك إن شاء الله تعالى وفيه عن بن أبي بكرة عند الجميع ويأتي في بدء الخلق قوله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه اختصار وقد قدمنا توجيهه هناك وكأنه حدث بحديث ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من كلامه ومن جملته قوله فإن دماءكم الخ قوله قال محمد هو بن سيرين قوله أحسبه كأنه شك في قوله وأعراضكم أقالها بن أبي بكرة أم لا وقد تقدم في أوائل العلم الجزم بها وهي منصوبة بالعطف قوله الا هل بلغت هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو تكملة الحديث واعترض قوله وكان محمد إلى قوله ذلك في أثناء الحديث هذا هو المعتمد فلا يلتفت إلى ماعداه والعلم عند الله تعالى

قوله باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليس في الأحاديث التي في الباب تصريح بالإثم وإنما هو مستفاد من الوعيد بالنار على ذلك لأنه لازمه

[ 106 ] قوله منصور هو بن المعتمر الكوفي وهو تابعي صغير وربعي بكسر أوله واسكان الموحدة وأبوه حراش بكسر المهملة أوله وهو من كبار التابعين قوله سمعت عليا هو بن أبي طالب رضي الله عنه قوله لا تكذبوا على هو عام في كل كاذب مطلق في كل نوع من الكذب ومعناه ل اتنسبوا الكذب إلى ولا مفهوم لقوله على لأنه لايتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى لأنه اثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه ولا يعتد بمن يخالف ذلك من الكراميه حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتج بان كذب له لا عليه وهو جهل باللغه العربيه وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهي ما أخرجه البزار من حديث بن مسعود بلفظ من كذب على ليضل به الناس الحديث وقد اختلف في وصله وارساله ورجح الدارقطني والحاكم إرساله أخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس والمعنى أن ما آل أمره إلى الاضلال أو هو من تخصيص بعض افراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة ولا تقتلوا أولادكم من املاق فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والاضلال في هذه الآيات إنما هو لتاكيد الأمر فيها لا لاختصاص الحكم قوله فليلج النار جعل الأمر بالولوج مسببا عن الكذب لأن لازم الأمر الالزام والالزام بولوج النار سببه الكذب عليه أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر ويؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ من يكذب على يلج النار ولابن ماجة من طريق شريك عن منصور قال الكذب على يولج أي يدخل النار

[ 107 ] قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي و جامع بن شداد كوفي تابعي صغير وفي الإسناد لطيفتان إحداهما أنه من رواية تابعي يرويه صحابي عن صحابي ثانيهما أنه من رواية الأبناء عن الآباء بخصوص رواية الأب عن الجد وقد أفردت بالتصنيف قوله قلت للزبير أي بن العوام قوله تحدث حذف مفعولها ليشمل قوله كما يحدث فلان وفلان سمي منهما في رواية بن ماجة عبد الله بن مسعود قوله اما بالميم المخففة وهي من حروف التنبيه و اني بكسر الهمزة لم أفارقه أي لم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الإسماعيلي منذ أسلمت والمراد في الأغلب وإلا فقد هاجر الزبير إلى الحبشة وكذا لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حال هجرته إلى المدينة وإنما أورد هذا الكلام على سبيل التوجيه للسؤال لأنه لازم الملازمه السماع ولازمه إعادة التحديث لكن منعه من ذلك ما خشيه من معنى الحديث الذي ذكره ولهذا أتى بقوله لكن وقد أخرجه الزبير بن بكار في كتاب النسب من وجه آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال عناني ذلك يعني قلة رواية الزبير فسألته أي عن ذلك فقال يا بني كان بيني وبينه من القرابة والرحم ما علمت وعمته أمي وزوجته خديجة عمتي وأمه أمنة بنت وهب وجدتي هالة بنت وهيب ابني وهيب عبد مناف بن زهرة وعندي أمك وأختها عائشة عنده ولكني سمعته يقول قوله من كذب علي كذا رواه البخاري ليس فيه متعمدا وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة وكذا في رواية الزبير بن بكار المذكورة أخرجه بن ماجة من طريقه وزاد فيه متعمدا وكذا للإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة والاختلاف فيه على شعبة وقد أخرجه الدارمي من طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ من حدث عني كذبا ولم يذكر العمد وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للاصح في أن الكذب هو الأخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطا والمخطيء وأن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطا وهو لا يشعر لأنه وأن لم ياثم بالخطا لكن قد ياثم بالإكثار إذ الإكثار مظنه الخطا والثقه إذا حدث بالخطا فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطا يعمل به على الدوام للوثوق بنقله فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشارع فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطا لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث وأما من أكثر منهم فمحمول على إنهم واثقين من أنفسهم بالتثبيت أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان رضي الله عنهم قوله فليتبوأ أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنا وهو أمر بمعنى الخبر أيضا أو بمعنى التهديد أو بمعنى التهكم أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك وقال الكرماني يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته والمعنى من كذب فليامر نفسه بالتبوء ويلزم عليه كذا قال واولها اولاها فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن بن عمر بلفظ بني له بيت في النار قال الطيبي فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوء

[ 108 ] قوله حدثنا أبو معمر هو البصري المقعد وعبد الوارث هو بن سعيد وعبد العزيز هو بن صهيب والإسناد كله بصريون قوله حدثنا المراد به جنس الحديث ولهذا وصفه بالكثرة قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم هو وما بعده في محل الرفع لأنه فاعل يمنعني وإنما خشي أنس مما خشي منه الزبير ولهذا صرح بلفظ الإكثار لأنه مظنة ومن حام حول الحمى لا يا من وقوعه فيه فكان التقليل منهم للاحتراز ومع ذلك فأنس من المكثرين لأنه تأخرت وفاته فاحتيج إليه كما قدمناه ولم يمكنه الكتمان ويجمع بأنه لو حدث بجميع ما عنده لكان أضعاف ما حدث به ووقع في رواية عتاب بمهملة ومثناة وفوقانية مولى هرمز سمعت أنسا يقول لولا إني أخشى أن اخطيء لحدثتك بأشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أحمد بإسناده فأشار إلى أنه لا يحدث الا ما تحققه ويترك ما يشك فيه وحمله بعضهم على أنه كان يحافظ على الرواية باللفظ فأشار إلى ذلك بقوله لولا أن اخطيء وفيه نظر والمعروف عن أنس جواز الرواية بالمعنى كما أخرجه الخطيب عنه صريحا وقد وجد في رواياته ذلك كالحديث في البسملة وفي قصة تكثير الماء عند الوضوء وفي قصة تكثير الطعام قوله كذبا هو نكرة في سياق الشرط فيعم جميع أنواع الكذب

[ 109 ] قوله حدثنا المكي هو اسم وليس بنسب كما تقدم وهو من كبار شيوخ البخاري سمع من سبعة عشر نفسا من التابعين منهم يزيد بن أبي عبيد المذكور هنا وهو مولى سلمة بن الأكوع صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث أول ثلاثي وقع في البخاري وليس فيه أعلى من الثلاثيات وقد أفردت فبلغت أكثر من عشرين حديثا قوله من يقل أصله يقول وإنما جزم بالشرط قوله ما لم أقل أي شيئا لم أقله فحذف العائد وهو جائز وذكر القول لأنه الأكثر وحكم الفعل كذلك لاشتراكهما في علة الامتناع وقد دخل الفعل في عموم حديث الزبير وأنس السابقين لتعبيرهما بلفظ الكذب عليه ومثلهما حديث أبي هريرة الذي ذكره بعد حديث سلمة فلا فرق في ذلك بين أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وفعل كذا إذا لم يكن قاله أو فعله وقد تمسك بظاهر هذا اللفظ من منع الرواية بالمعنى وأجاب المجيزون عنه بان المراد النهي عن الإتيان بلفظ يوجب تغير الحكم مع أن الإتيان باللفظ لا شك في أولويته والله أعلم

[ 110 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي قال عن أبي حصين وهو بمهملتين مفتوح الأول وأبو صالح هو ذكوان السمان وقد ذكر المؤلف هذا الحديث بتمامه في كتاب الأدب من هذا الوجه ويأتي الكلام عليه فيه إن شاء الله تعالى وقد اقتصر مسلم في روايته له على الجملة الأخيرة وهي مقصود الباب وإنما ساقه المؤلف بتمامه ولم يختصره كعادته لينبه على أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يستوي فيه اليقظة والمنام والله سبحانه وتعالى اعلم فإن قيل الكذب معصية الا ما استثنى في الإصلاح وغيره والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره فالجواب عنه من وجهين أحدهما أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم وهو الشيخ أبو محمد الجويني لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده ومال بن المنير إلى اختياره ووجهه بان الكاذب عليه في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله واستحلال الحرام كفر والحمل على الكفر كفر وفيما قاله نظر لا يختفي والجمهور على أنه لا يكفر الا إذا اعتقد حل ذلك الجواب الثاني أن الكذب عليه كبيرة والكذب على غيره صغيره فافترقا ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا أو طول اقامتهما سواء فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم فليتبوأ على طول الإقامة فيها بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره الا أن الأدلة القطعيه قامت على أن خلود التابيد مختص بالكافرين وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره كما سيأتي في الجنائز في حديث المغيرة حيث يقول أن كذبا على ليس كمكذب على أحد وسنذكر مباحثه هناك إن شاء الله تعالى ونذكر فيه الاختلاف في توبة من تعمد الكذب عليه هل تقبل أو لا تنبيه رتب المصنف أحاديث الباب ترتيبا حسنا لأنه بدا بحديث على وفيه مقصود الباب وثني بحديث الزبير الدال عللى توقي الصحابة وتحرزهم من الكذب عليه وثلث بحديث أنس الدال على أن امتناعهم إنما كان من الإكثار المفضي إلى الخطا لا عن أصل التحديث لأنهم مأمورون بالتبليغ وختم بحديث أبي هريرة الذي فيه الإشارة إلى استواء تحريم الكذب عليه سواء كانت دعوى السماع منه في اليقظه أو في المنام وقد أخرج البخاري حديث من كذب على أيضا من حديث المغيرة وهو في الجنائز ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في أخبار بني إسرائيل ومن حديث وائلة بن الأسقع وهو في مناقب قريش لكن ليس هو بلفظ الوعيد بالنار صريحا واتفق مسلم معه على تخريج حديث على وأنس وأبي هريرة والمغيرة أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أيضا وصح أيضا في غير الصحيحين من حديث عثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمرو أبي قتادة وجابر وزيد بن أرقم وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر وعمران بن حصين وابن عباس وسلمان الفارسي ومعاوية بن أبي سفيان ورافع بن خديج وطارق الأشجعي والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبي امامه وأبي قرصافه وأبي موسى الغافقي وعائشه فهؤلاء ثلاثة وثلاثون نفسا من الصحابة وورد أيضا عن نحو من خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطه وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه فأول من وقفت على كلامه في ذلك على بن المديني وتبعه يعقوب بن شيبة فقال روى هذا الحديث من عشرين وجها عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم ثم إبراهيم الحربي وأبو بكر البزار فقال كل منهما أنه ورد من حديث أربعين من الصحابة وجمع طرقه في ذلك العصر وأبو محمد يحيى بن محمد صاعد فزاد قليلا وقال أبو بكر الصيرفي شارح رسالة الشافعي رواه ستون نفسا من الصحابة وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلا وقال أبو القاسم بن منده رواه أكثر من ثمانين نفسا وقد خرجها بعض النيسابوريين فزادت قليلا وقد جمع طرقه بن الجوزي في مقدمة كتاب الموضوعات فجاوز التسعين وبذلك جزم بن دحية وقال أبو موسى المديني يرويه نحو مائة من الصحابة وقد جمعها بعده الحافظان يوسف بن خليل وأبو علي البكري وهما متعاصران فوقع لكل منهما ما ليس عند الآخر وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص ونقل النووي أنه جاء عن مائتين من الصحابة ولاجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر ونازع بعض مشايخنا في ذلك قال لأن شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة وليست موجوده في كل طريق منها بمفردها وأجيب بان المراد بإطلاق كونه متواترا رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر وهذا كاف في إفادة العلم وأيضا فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم نعم وحديث على رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم وكذا حديث بن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو فلو قيل في كل منها أنه متواتر عن صحابية لكان صحيحا فإن العدد المعين لا يشترط في المتواتر بل ما أفاد العلم كفى والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قررته في نكت علوم الحديث وفي شرح نجبة الفكر وبينت هناك الرد على من ادعى أن مثال المتواتر لا يوجد الا في هذا الحديث وبينت أن امثلته كثيرة منها حديث من بني الله مسجدا والمسح على الخفين ورفع اليدين والشفاعة والحوض ورؤية الله في الاخره والائمة من قريش وغير ذلك والله المستعان وأما ما نقله البيهقي عن الحاكم ووافقه أنه جاء من رواية العشرة المشهورة قال وليس في الدنيا حديث أجمع العشرة على روايته غيره فقد تعقبه غير واحد لكن الطرق عنهم موجوده فيما جمعه بن الجوزي ومن بعده والثابت منها ما قدمت ذكره فمن الصحاح على والزبير ومن الحسان طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة ومن الضعيف المتماسك طريق عثمان وبقيتها ضعيف وساقط

قوله باب كتابة العلم طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم فيها بشيء بل يوردها على الاحتمال وهذه الترجمة من ذلك لأن السلف اختلفوا في ذلك عملا وتركا وأن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم بل على استحبابه بل لايبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه بتبليغ العلم

[ 111 ] قوله حدثنا بن سلام كذا للاصيلي واسمه محمد وقد صرح به أبو داود وغيره قوله عن سفيان هو الثوري لأن وكيعا مشهور بالرواية عنه وقال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف يقال أنه بن عيينة قلت لو كان بن عيينة لنسبه لأن القاعدة في كل من روى عن متفقي الاسم أن يحمل من اهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من اكثار ونحوه كما قدمناه قبل هذا وهكذا نقول هنا لأن وكيعا قليل الرواية عن بن عيينة بخلاف الثوري قوله عن مطرف هو بفتح الطاء المهمله وكسر الراء بن طريف بطاء مهمله أيضا قوله عن الشعبي وللمصنف في الديات سمعت الشعبي قوله عن أبي جحيفة هو وهب السوائي وقد صرح بذلك الإسماعيلي في روايته وللمصنف في الديات سمعت أبا جحيفة والإسناد كله كوفيون الا شيخ البخاري وقد دخل الكوفة وهو من رواية صحابي عن صحابي قوله قلت لعلي هو بن أبي طالب رضي الله عنه قوله هل عندكم الخطاب لعلي والجمع إما لارادته مع بقية أهل البيت أو للتعظيم قوله كتاب أي مكتوب اخذتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أوحى إليه ويدل على ذلك رواية المصنف في الجهاد هل عندكم شيء من الوحي الا ما في كتاب الله وله في الديات هل عندكم شيء مما ليس في القرآن وفي مسند إسحاق بن راهويه عن جرير عن مطرف هل علمت شيئا من الوحي وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعه كانوا يزعمون أن عند أهل البيت لا سيما عليا أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها وقد سأل عليا عن هذه المسألة أيضا قيس بن عبادة وهو بضم المهملة وتخفيف الموحدة والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي قوله قال لا زاد المصنف في الجهاد لا والذي قلق الحبة وبرا النسمة قوله الا كتاب الله هو بالرفع وقال بن المنير فيه دليل على أنه كان عنده أشياء مكتوبة من الفقه المستنبط من كتاب الله وهي المراد بقوله أو فهم أعطيه رجل لأنه ذكره بالرفع فلو كان الاستثناء من غير الجنس لكان منصوبا كذا قال والظاهر أن الاستثناء فيه منقطع والمراد بذكر الفهم اثبات إمكان الزيادة على ما في الكتاب وقد رواه المصنف في الديات بلفظ ما عندنا الا ما في القرآن الا فهما يعطي رجل في الكتاب فالاستثناء الأول مفرغ والثاني منقطع معناه لكن أن أعطى الله رجلا فهما في كتابه فهو يقدر على الاستنباط فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار وقد روى أحمد بإسناده حسن من طريق طارق بن شهاب قال شهدت عليا على المنبر وهو يقول والله ما عندنا كتاب نقرأه عليكم الا كتاب الله وهذه الصحيفة وهو يزيد ما قلناه أنه لم يرد بالفهم شيئا مكتوبا قوله الصحيفة أي الورقة المكتوبة والنسائي من طريق الأشتر فأخرج كتابا من قراب سيفه قوله التعقل أي الدية وإنما سميت به لأنهم كانوا يعطون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المفتول بالعقال وهو الحبل ووقع في رواية بن ماجد بدل العقل الديات والمراد احكامها ومقاديرها واصنافها قوله وفكاك بكسر الفاء وفتحها وقال الفراء الفتح أفصح والمعنى أن فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو والترغيب في ذلك قوله ولا يفتل بضم اللام والكشميهني وأن لا يقتل بفتح اللام وعطفت الجملة على المفرد لأن التقدير فيها أي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر وسيأتي الكلام على مسألة قتل المسلم بالكافر في كتاب القصاص والديات إن شاء الله تعالى ووقع للمصنف ومسلم من طريق يزيد التميمي عن على قال ما عندنا شيء نقرأه الا كتاب الله وهذه الصحيفة فإذا فيها المدينة حرم الحديث ولمسلم عن أبي الطفيل عن عليما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة الا ما في قراب سيفي هذا واخرج صحيفة مكتوبة فيها لعن الله من ذبح لغير الله الحديث وللنسائي من طريق الأشتر وغيره عن علي فإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم ادناهم الحديث ولأحمد من طريق طارق بن شهاب فيها فرائض الصدقة والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبا فيها بن فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه والله أعلم وقد بين ذلك قتادة في روايته لهذا الحديث عن أبي حسان عن علي وبين أيضا السبب في سؤالهم لعلي رضي الله عنه عن ذلك أخرجه أحمد والبهيقي في الدلائل من طريق أبي حسان أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال قد فعلناه فيقول صدق الله ورسوله فقال له الأشتر هذا الذي تقول أهو شيء عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون الناس فذكره بطوله

[ 112 ] قوله حدثنا شيبان هو بن عبد الرحمن يكنى أبا معاوية وهو بفتح الشين المعجمة بعدها تحتانية ثم موحدة وليس في البخاري بهذه الصورة غيره قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة في رواية المصنف في الديات حدثنا أبو سلمة حدثنا أبو هريرة قوله ان خزاعة أي القبيلة المشهورة والمراد أحد منهم فأطلق عليه اسم القبيلة مجازا واسم هذا القاتل خراش بن أمية الخزاعي والمقتول في الجاهلية منهم اسمه أحمر والمقتول في الإسلام من بني ليث لم يسم قوله حبس أي منع عن مكة القتل أي بالقاف والمثناة من فوق أو الفيل أي بالفاء المكسورة بعدها ياء تحتانيه قوله كذا قال أبو نعيم أراد البخاري أن الشك فيه من شيخه قوله وغيره يقول الفيل أي الفاء ولا يشك والمراد بالغير من رواه عن شيبان رفيقا لأبي نعيم وهو عبيد الله بن موسى ومن رواه عن يحيى رفيقا لشيبان وهو حرب بن شداد كما سيأتي بيانه عند المصنف في الديات والمراد بحبس الفيل أهل الفيل وأشار بذلك إلى القصة المشهورة للحبشة في غزوهم مكة ومعهم الفيل فمنعها الله منهم وسلط عليهم الطير الأبابيل مع كون أهل مكة إذ ذاك كانوا كفارا فحرمة أهلها بعد الإسلام أكد لكن غزو النبي صلى الله عليه وسلم إياها مخصوص به على الظاهر هذا الحديث وغيره وسيأتي الكلام على المسألة في كتاب الحج مفصلا إن شاء تعالى قوله وسلط عليهم هو بضم أوله ورسول مرفوع والمؤمنون معطوف عليه قوله ولا تحل للكشمهيني ولم تحل وللمصنف في اللقطة من طريق الأوزاعي عن يحيى ولن وهي أليق بالمستقبل قوله لا يختلي بالخاء المعجمة أي لا يحصد يقال اختليته إذا قطعته وذكر الشوك دال على منع قطع غيره من باب أولي وسيأتي ذكر الخلاف فيه في الحج إن شاء الله تعالى قوله الا لمنشد أي معرف وسيأتي الكلام على هذه المسألة في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى قوله فمن قتل فهو يخير النظرين كذا وقع هنا وفيه حذف وقع بيانه في رواية المصنف في الديات عن أبي نعيم بهذا الإسناد فمن قتل له قتيل قوله واما أن يقاد هو بالقاف أي يقتص ووقع في رواية لمسلم أما أنه يفادى بالفاء وزيادة ياء بعد الدال والصواب أن الرواية على وجهين من قالها بالقاف قال فيما قبلها أما أن يعقل من العقل وهو الدية ومن قالها بالفاء قال فيما قبلها أما أن يقتل بالقاف والمثناة والحاصل تفسير النظرين بالقصاص أو الدية وفي المسألة بحث يأتي في الديات إن شاء الله تعالى قوله فجاء رجل من أهل اليمن هو أبو شاه بهاء منونه وسيأتي في اللقطة مسمى والإشارة إلى من حرفه وهناك من الزيادة عن الوليد بن مسلم قلت للأوزاعي ما قوله اكتبوا لي قال هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وبهذا تظهر مطابقة هذا الحديث للترجمة قوله فقال رجل من قريش هو العباس بن عبد المطلب كما يأتي في اللقطة ووقع في رواية لابن أبي شيبة فقال رجل من قريش يقال له شاه وهو غلط قوله الا الأذخر كذا هو في روايتنا بالنصب ويجوز رفعه على البدل مما قبله قوله الا الأذخر الا الأذخر كذا هو في روايتنا والثانيه على سبيل التاكيد

[ 113 ] قوله حدثنا عمرو هو بن دينار المكي قوله عن أخيه هو همام بن منبه بتشديد الموحدة المكسورة وكان أكبر منه سنا لكن تأخرت وفاته عن وهب وفي الإسناد ثلاثة من التابعين من طبقة متقاربة أولهم عمرو قوله فإنه كان يكتب ولا اكتب هذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من اكثرية ما عند عبد الله بن عمرو أي بن العاص على ما عنده ويستفاد من ذلك أن أبا هريرة كان جازما بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم منه الا عبد الله مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة باضعاف مضاعفة فإن قلنا الاستثناء منقطع فلا اشكال إذ التقدير لكن الذي كان من عبد الله وهو الكتابة لم يكن مني سواء لزم منه كونه أكثر حديثا لما تقتضيه العادة أم لا وأن قلنا الاستثناء متصل فالسبب فيه من جهات أحدها أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلت الرواية عنه ثانيها أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمانمائة نفس من التابعين ولم يقع هذا لغيره ثالثها ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بان لا ينسى ما يحدثه به كما سنذكره قريبا رابعها أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين والله أعلم تنبيه قوله ولا اكتب قد يعارضه ما أخرجه بن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن أمية قال تحدث عند أبي هريرة بحديث فأخذ بيدي إلى بيته فارانا كتبا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا هو مكتوب عندي قال بن عبد البر حديث همام أصح ويمكن الجمع بأنه لم يكن يكتب في العهد النبوي ثم كتب بعده قلت وأقوى من ذلك أنه لا يلزم من وجود الحديث مكتوبا عنده أن يكون بخطه وقد ثبت أنه لم يكن يكتب فتعين أن المكتوب عنده بغير خطه قوله تابعه معمر أي بن راشد يعني تابع وهب بن منبه في روايته لهذا الحديث عن همام والمتابعة المذكورة أخرجها عبد الرزاق عن معمر وأخرجها أبو بكر بن علي المروزي في كتاب العلم له عن حجاج بن الشاعر عنه وروى أحمد والبهيقي في المدخل من طريق عمرو بن شعيب عن مجاهد والمغيرة بن حكيم قالا سمعنا أبا هريرة يقول ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني الا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب بيده ويعي بقلبه وكنت اعي ولا اكتب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب عنه فأذن له إسناده حسن وله طريق أخرى أخرجها العقيلي في ترجمة عبد الرحمن بن سلمان عن عقيل عن المغيرة بن حكيم سمع أبا هريرة قال ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني الا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له الحديث وعند أحمد وأبي داود من طريق يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو كنت اكتب كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهتني قريش الحديث وفيه اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه الا الحق ولهذا طرق أخرى عن عبد الله بن عمرو يقوي بعضها بعضا ولا يلزم منه أن يكونا في الوعي سواء لما قدمناه من اختصاص أبي هريرة بالدعاء بعدم النسيان ويحتمل أن يقال تحمل اكثرية عبد الله بن عمرو على ما فاز به عبد الله من الكتابة قبل الدعاء لأبي هريرة لأنه قال في حديثه فما نسيت شيئا بعد فجاز أن يدخل عليه النسيان فيما سمعه قبل الدعاء بخلاف عبد الله فإن الذي سمعه مضبوط بالكتابة والذي انتشر عن أبي هريرة مع ذلك أضعاف ما انتشر عن عبد الله بن عمرو لتصدي أبي هريرة لذلك ومقامه بالمدينة النبوية بخلاف عبد الله بن عمرو في الامرين ويستفاد منه ومن الحديث على المتقدم ومن قصة أبي شاه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذن في كتابة الحديث عنه وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن رواه مسلم والجمع بينهما أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره والأذن في غير ذلك أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد والأذن في تفريقهما أو النهي متقدم والأذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها وقيل النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ والأذن لمن أمن منه ذلك ومنهم من اعل حديث أبي سعيد وقال الصواب وقفه على أبي سعيد قاله البخاري وغيره قال العلماء كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظا كما أخذوا حفظا لكن لما قصرت الهمم وخشي الأئمة ضياع العلم دونوه وأول من دون الحديث بن شهاب الزهري على رأس المائه بأمر عمر بن عبد العزيز ثم كثر التدوين ثم التصنيف وحصل بذلك خير كثير فلله الحمد

[ 114 ] قوله أخبرني يونس هو بن يزيد قوله عن عبيد الله بن عبد الله أي بن عتبة بن مسعود قوله لما اشتد أي قوي قوله وجعه أي في مرض موته كما سيأتي وللمصنف في المغازي وللإسماعيلي لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة وللمصنف من حديث سعيد بن جبير أن ذلك كان يوم الخميس وهو قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام قوله بكتاب أي بأدوات الكتاب ففيه مجاز الحذف وقد صرح بذلك في رواية لمسلم قال ائتوني بالكتف والدواة والمراد بالكتف عظم الكتف لأنهم كانوا يكتبون فيها قوله اكتب هو بإسكان الباء جواب الأمر ويجوز الرفع على الاستئناف وفيه مجاز أيضا أي أمر بالكتابة ويجتمل أن يكون على ظاهره كما سيأتي البحث في المسألة في كتاب الصلح إن شاء الله تعالى وفي مسند أحمد من حديث على أنه المامور بذلك ولفظه أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن اتيه بطبق أي كتف يكتب ما لا تضل أمته من بعده قوله كتابا بعد بكتاب فيه الجناس التام بين الكلمتين وأن كانت إحداهما بالحقيقة والأخرى بالمجاز قوله لا تضلوا هو نفي وحذفت النون في الروايات التي اتصلت لنا لأنه بدل من جواب الأمر وتعدد جواب الأمر من غير حرف العطف جائز قوله غلبه الوجع أي فيشق عليه إملاء الكتاب أو مباشرة الكتابة وكان عمر رضي الله عنه فهم من ذلك أنه يقتضي التطويل قال القرطبي وغيره ائتوني أمر وكان حق المامور أن يبادر للامتثال ولكن ظهر لعمر رضي الله عنه طائفة أنه ليس على الوجوب وأنه من باب الإرشاد إلى الاصلح فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء وقوله تعالى تبيانا لكل شيء ولهذا قال عمر حسبنا كتاب الله وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر فإذا عزم امتثلوا وسيأتي بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وقد عد هذا من موافقة عمر رضي الله عنه واختلف في المراد بالكتاب فقيل كان أراد أن يكتب كتابا ينص فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف وقيل بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف قاله سفيان بن عيينة ويؤيده أن صلى الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة ادعى لي أباك وأخاك حتى اكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر أخرجه مسلم وللمصنف معناه ومع ذلك فلم يكتب والأول أظهر لقول عمر كتاب الله حسبنا أي كافينا مع أنه يشمل الوجه الثاني لأنه بعض افراده والله أعلم فائدة قال الخطابي إنما ذهب عمر إلى أنه لو نص بما يزيل الخلاف لبطلت فضيلة العلماء وعدم الاجتهاد وتعقبه بن الجوزي بأنه لو نص على شيء أو أشياء لم يبطل الاجتهاد لأن الحوادث لا يمكن حصرها قال وإنما خاف عمر أن يكون ما يكتبه في حالة غلبة المرض فيجد بذلك المنافقون سبيلا إلى الطعن في ذلك المكتوب وسيأتي ما يؤيده في أو اخر المغازي قوله ولا ينبغي عندي التنازع فيه اشعار بان الأولى كان المبادرة إلى امتثال الأمر وأن كان ما اختاره عمر صوابا إذ لم يتدارك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بعد كما قدمناه قال القرطبي واختلافهم في ذلك كاختلافهم في قوله لهم لا يصلين أحد العصر الا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا وتمسك آخرون بظاهر الأمر فلم يصلوا فما عنف أحدا منهم من أجل الاجتهاد المسوغ والمقصد الصالح والله أعلم قوله فخرج بن عباس يقول ظاهره أن بن عباس كان معهم وأنه في تلك الحاله خرج قائلا هذه المقالة وليس الأمر في الواقع على ما يقتضيه هذا الظاهر بل قول بن عباس المذكور إنما كان يقوله عند ما يحدث بهذا الحديث ففي رواية معمر عند المصنف في الاعتصام وغيره قال عبيد الله فكان بن عباس يقول وكذا الاحمد من طريق جرير بن حازم عن يونس بن يزيد وجزم بن تيميه في الرد على الرافضي بما قلته وكل من الأحاديث يأتي بسط القول في مكانه اللائق به الا حديث عبد الله بن عمرو فهو عمدة الباب ووجه رواية حديث الباب أن بن عباس لما حدث عبيد الله بهذا الحديث خرج من المكان الذي كان به وهو يقول ذلك ويدل عليه رواية أبي نعيم في المستخرج قال عبيد الله فسمعت بن عباس يقول الخ وإنما تعين حمله على غير ظاهره لأن عبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها لأنه ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة ثم سمعها من بن عباس بعد ذلك بمدة أخرى والله أعلم قوله الرزيئة هي بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ثم همزة وقد تسهل الهمزة وتشدد الياء ومعناها المصيبة وزاد في رواية معمر لاختلافهم ولغطهم أي أن الاختلاف كان سببا لترك كتابة الكتاب وفي الحديث دليل على جواز كتابة العلم وعلى أن الاختلاف قد يكون سببا في حرمان الخير كما وقع في قصة الرجلين اللذين تخاصما فرفع تعيين ليلة القدر بسبب ذلك وفيه وقوع الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فيما ينزل عليه فيه وسنذكر بقية ما يتعلق به في أو اخر السيرة النبويه من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى تنبيه قدم حديث على أنه كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم ويطرقه احتمال أن يكون إنما كتب ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغه النهي وثني بحديث أبي هريرة وفيه الأمر بالكتابة وهو بعد النهي فيمون ناسخا وثلث بحديث عبد الله بن عمرو وقد بينت أن في بعض طرقه إذن النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك فهو أقوى في الاستدلال للجواز من الأمر أن يكتبوا لأبي شاه لاحتمال اختصاص ذلك بمن يكون أميا أو أعمى وختم بحديث بن عباس الدال على أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يكتب لأمته كتابا يحصل معه الأمن من الاختلاف وهو لايهم الا بحق

قوله باب العلم أي تعليم العلم بالليل والعظة تقدم أنها الوعظ وأراد المصنف التنبيه على أن النهي عن الحديث بعد العشاء مخصوص بما لا يكون في الخير

[ 115 ] قوله صدقة هو بن الفضل المروزي قوله عن هند هي بنت الحارث الفراسية بكسر الفاء والسين المهملة وفي رواية الكشمهيني بدلها عن امرأة قوله وعمرو كذا في روايتنا بالرفع ويجوز الكسر والمعنى أن بن عيينة حدثهم عن معمر ثم قال وعمرو هو بن دينار فعلى رواية الكسر يكون معطوفا على معمر وعلى رواية الرفع يكون استئنافا كان بن عيينة حدث بحذف صيغة الأداء وقد جرت عادته بذلك وقد روى الحميدي هذا الحديث في مسنده عن بن عيينة قال حدثنا معمر عن الزهري قال وحدثنا عمرو ويحيى بن سعيد عن الزهري فصرح بالتحديث عن الثلاثة قوله ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وأخطأ من قال أنه هو القطان لأنه لم يسمع من الزهري ولا لقيه ووقع في غير رواية عن أبي ذر عن امرأة بدل قوله عن هند في الإسناد الثاني والحاصل أن الزهري كان ربما ابهمها وربما سماها وقد رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سهيد الأنصاري عن الزهري ولم يذكر هندا ولا أم سلمة قوله سبحان الله ماذا ما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم وعبر عن الرحمة بالخزائن كقوله تعالى خزائن رحمة ربك وعن العذاب بالفتن لأنها أسبابه قال الكرماني ويحتمل أن تكون ما نكرة موصوفه قوله انزل بضم الهمزة وللكشمهيني انزل الله بإظهار الفاعل والمراد بالإنزال أعلام الملائكة بالأمر المقدور أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحى إليه في نومه ذاك بما سيقع بعده من الفتن فعبر عنه بالإنزال قوله وماذا فتح من الخزائن قال الداودي الثاني هو الأول والشيء قد يعطف على نفسه تاكيدا لأن ما يفتح من الخزائن يكون سببا للفتنة وكأنه فهم أن المراد بالخزائن خزائن فارس والروم وغيرهما مما فتح على الصحابة لكن المغايرة بين الخزائن والفتن أوضح لأنهما غير متلازمتين وكم من نائل من تلك الخزائن سالم من الفتن قوله صواحب الحجز بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة وهي منازل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وإنما خصهن بالايقاظ لانهن الحاضرات حينئذ أو من باب أبدا بنفسك ثم بمن تعول قول فرب كاسية استدل به بن مالك على أن رب في الغالب للتكثير لأن هذا الوصف للنساء وهن أكثر أهل النار انتهى وهذا يدل لورودها في التنكير لا لاكثريتها فيه قوله عارية بتخفيف الياء وهي مجرورة في أكثر الروايات على النعت قال السهيلي أنه الاحسن عند سيبويه لأن رب عنده حرف جر يلزم صدر الكلام قال ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت أي هي عارية والفعل الذي تتعلق به رب محذوف انتهى وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى موجب استيقاظ أزواجه أي ينبغي لهن أن لا يتغافلن عن العبادة ويعتمدن على كونهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث جواز قول سبحان الله عند التعجب وندبية ذكر الله بعد الاستيقاظ وايقاظ الرجل أهله بالليل للعبادة لا سيما عند آية التحديث وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وفي هذا الإسناد رواية الاقران في موضعين أحدهما بن عيينة عن معمر والثاني عمرو ويحيى عن الزهري وفيه رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض في نسق وهند قد قيل أنها صحابية فإن صح فهو من رواية تابعي عن مثله عن صحابية عن مثلها وأم سلمة هي أم المؤمنين وكانت تلك الليلة ليلتها وفي الحديث استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر كما قال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وكان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلي وسيأتي ذلك في مواضعه وفيه التسبيح عند رؤية الأشياء المهولة وفيه تحذير العالم من يأخذ عنه من كل شيء يتوقع حصوله والارشاد إلى ما يدفع ذلك المحذور والله أعلم

قوله باب السمر هو بفتح المهمله والميم وقيل الصواب اسكان الميم لأنه اسم للفعل ومعناه الحديث بالليل قبل النمو وبهذا يظهر الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها قوله في العلم كذا في رواية أبي ذر بإضافة الباب إلى السمرقندي وفي رواية غيره باب السمرقندي في العلم بتنوين باب

[ 116 ] قوله حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن أي أنه حدثه عبد الرحمن وفي رواية غير أبي ذر حدثني عبد الرحمن والليث وعبد الرحمن قرينان قوله عن سالم أي بن عبد الله بن عمر قوله أبي حثمة بفتح المهملة وسكون المثلثة واسم أبي حثمة عبد الله بن حذيفة العدوي وأما أبو بكر الراوي فتابعي مشهور لم يسم وقد قيل أن اسمه كنيته قوله صلى لنا أي إماما وفي رواية بنا بموحدة قوله العشاء أي صلاة العشاء قوله في آخر حياته جاء مقيدا في رواية جابر أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر قوله ارايتكم هو بفتح المثناة لأنها ضمير المخاطب والكاف ضمير ثان لا محل لها من الأعراب والهمزة الأولى للاستفهام والرؤية بمعنى العلم أو البصر والمعنى أعلمتم أو أبصرتم ليلتكم وهي منصوبة على المفعولية والجواب محذوف تقديره قالوا نعم قال فاضبطوها وترد أرأيتكم للاستخبار كما في قوله تعالى قل أرأيتكم أن أتاكم عذاب الله الآية قال الزمخشري المعنى اخبروني ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره من تدعون ثم بكتهم فقال اغير الله تدعون انتهى وإنما اوردت هذا لأن بعض الناس نقل كلام الزمخشري في الآية إلى هذا الحديث وفيه نظر لأنه جعل التقدير اخبروني ليلتكم هذه فاحفظوها وليس ذلك مطابقا لسياق الآية قوله فان راس وللأصيلي فإن على رأس أي عند انتهاء مائة سنة قوله منها فيه دليل على أن من تكون للابتداء لا غاية في الزمان كقول الكوفيين وقد رد ذلك تجاه البصرة واولوا ما ورد من شواهده كقوله تعالى من أول يوم أحق أن تقوم فيه وقول أنس ما زلت أحب الدباء من يومئذ وقوله مطرنا من يوم الجمعة إلى الجمعة قوله لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أي الآن موجودا أحد إذ ذاك وقد ثبت هذا التقدير عند المصنف من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي في الصلاة مع بقية الكلام عليه قال بن بطال إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه فوعظهم بقصر أعمارهم وأعلمهم أن أعمارهم ليست كاعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة وقال النووي المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعد هذه الليلة أكثر من مائة سنة سواء قل عمره قبل ذلك أم لا وليس فيه نفي حياة أحد يولد بعد تلك الليلة مائة سنة والله أعلم

[ 117 ] قوله حدثنا الحكم بفتحتين هو بن عتيبة بالمثناة تصغير عتبة وهو تابعي صغير وكان أحد الفقهاء قوله ثم جاء أي من المسجد قوله نام الغليم بضم المعجمة وهو من تصغير الشفقة والمراد به بن عباس ويحتمل أن يكون ذلك اخبارا منه صلى الله عليه وسلم بنومه أو استفهاما بحذف الهمزة وهو الواقع ووقع في بعض النسخ يا أم الغليم بالنداء وهو تصحيف لم تثبت به رواية قوله أو كلمة بالشك من الراوي والمراد بالكلمة الجملة أو المفردة ففي رواية أخرى نام الغلام قوله غطيطة بفتح الغين المعجمة وهو صوت نفس النائم والنخير أقوى منه قوله أو خطيطه بالخاء المعجمة والشك فيه من الراوي وهو بمعنى الأول قاله الداودي وقال بن بطال لم أجده بالخاء المعجمة عند أهل اللغة وتبعه القاضي عياض فقال هو هنا وهم انتهى وقد نقل بن الأثير عن أهل الغريب أنه دون الغطيط قوله ثم صلى ركعتين أي ركعتي الفجر وأغرب الكرماني فقال إنما فصل بينهما وبين الخمس ولم يقل سبع ركعات لأن الخمس اقتدى بن عباس به فيها بخلاف الركعتين أو لأن الخمس بسلام والركعتين بسلام آخر انتهى وكأنه ظن أن الركعتين من جملة صلاة الليل وهو محتمل لكن حملها على سنة الفجر أولي ليحصل الختم بالوتر وسيأتي تفصيل هذه المسألة في كتاب الصلاة في باب الوتر إن شاء الله تعالى ومناسبة حديث بن عمر للترجمة ظاهرة لقوله فيه فقام فقال بعد قوله صلى العشاء وأما حديث بن عباس فقال بن المنير ومن تبعه يحتمل أن يريد أن أصل السمرقندي يثبت بهذه الكلمة وهي قوله نام الغليم ويحتمل أن يريد ارتقاب بن عباس لاحوال النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين التعليم من القول والتعليم من الفعل فقد سمر بن عباس ليلته في طلب العلم زاد الكرماني أو ما يفهم من جعله إياه على يمينه كأنه قال قف عن يميني فقال وقفت أه وكل ما ذكره معترض لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرا وصنيع بن عباس يسمى سهرا لا سمرا إذ السمرقندي لا يكون الا عن تحديث قاله الإسماعيلي وأبعدها الأخير لأن ما يقع بعد الانتباه من النوم لا يسمى سمرا وقال الكرماني تبعا لغيره أيضا يحتمل أن يكون مراد البخاري أن الاقارب إذا اجتمعوا لا بد أن يجري بينهم حديث للمؤانسه وحديثه صلى الله عليه وسلم كله علم وفوائد قلت والأولى من هذا كله أن مناسبة الترجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى وهذا يصنعه المصنف كثيرا يريد به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبع طرق الحديث والنظر في مواقع ألفاظ الرواة لأن تفسير الحديث بالحديث أولي من الخوض فيه بالظن وإنما أراد البخاري هنا ما وقع في بعض طرق هذا الحديث مما يدل صريحا على حقيقة السمر بعد العشاء وهو ما أخرجه في التفسير وغيره من طريق كريب عن بن عباس قال بت في بيت ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد الحديث فصحت الترجمة بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن فإن قيل هذا إنما يدل على السمر مع الأهل لا في العلم فالجواب أنه يلحق به والجامع تحصيل الفائدة أو هو بدليل الفحوى لأنه إذا شرع في المباح ففي المستحب من طريق الأولى وسنذكر باقي مباحث هذا الحديث حيث ذكره المصنف مطولا في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى ويدخل في هذا الباب حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطيهم بعد العشاء وقد ذكره المصنف كتاب الصلاة ولانس حديث آخر في قصة أسيد بن حضير وقد ذكره المصنف في المناقب وحديث عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين أخرجه الترمذي والنسائي ورجاله ثقات وهو صريح في المقصود الا أن إسناده اختلافا على علقمة فلذلك لم يصح عل شرطه وحديث عبد الله بن عمرو كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح لا يقوم الا إلى عظيم صلاة رواه أبو داود وصححه بن خزيمة وهو من رواية أبي حسان عن عبد الله بن عمرو وليس على شرط البخاري وأما حديث لا سمر الا لمصل أو مسافر فهو عند أحمد بسند فيه أو مجهول وعلى تقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالسمر في الصلاة نافلة وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه فقال أبو موسى الصلاة فقال عمر أنا في صلاة والله أعلم

قوله باب حفظ العلم لم يذكر في الباب شيئا عن غير أبي هريرة وذلك لأنه كان أحفظ الصحابة للحديث قال الشافعي رضي الله عنه أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصره وقد كان بن عمر يترحم عليه في جنازته ويقول كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه وسلم رواه بن سعد وقد دل الحديث الثالث من الباب على أنه لم يرد يحدث بجميع محفوظه ومع ذلك فالموجود من حديثه أكثر من الموجود من حديث غيره من المكثرين ولا يعارض هذا ما تقدم من تقديمه عبد الله بن عمرو على نفسه في كثرة الحديث لأنا قدمنا الجواب عن ذلك ولان الحديث الثاني من الباب دل على أنه لم ينس شيئا سمعه ولم يثبت مثل ذلك لغيره

[ 118 ] قوله حدثنا عبد العزيز هو الأويسي المدني والإسناد كله مدنيون قوله أكثر أبو هريرة أي من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرح به المصنف في البيوع من طريق شعيب عن الزهري وله فيه وفي المزارعة من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري هنا زيادة وهي ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه وبها تبين الحكمة في ذكره المهاجرين والأنصار ووضعه المظهر موضع المضمر على طريق الحكاية حيث قال أكثر أبو هريرة ولم يقل أكثرت قوله ولولا ايتان مقول قال لا مقول يقولون وقوله ثم يتلو مقول الأعرج وذكره بلفظ المضارع استحضارا لصورة التلاوة ومعناه لولا أن الله ذم الكاتمين للعلم ما حدث أصلا لكن لما كان الكتمان حراما وجب الاظهار فلهذا حصلت الكثرة لكثرة ما عنده ثم ذكر سبب الكثرة بقوله أن إخواننا وأراد بصيغة الجمع نفسه وأمثاله والمراد بالأخوة إخوة الإسلام قوله يشغلهم بفتح أوله من الثلاثي وحكى ضمه وهو شاذ قوله الصفق بإسكان الفاء هو ضرب اليد على اليد وجرت بد عادتهم عند عقد البيع قوله في أموالهم أي القيام على مصالح زرعهم ولمسلم كان يشغلهم عمل أرضيهم ولابن سعد كان يشغلهم القيام على أرضيهم قوله وأن أبا هريرة فيه التفات إذ كان نسق الكلام أن يقول وإني قوله لشبع بلام التعليل للأكثر وهو الثابت في غير البخاري أيضا وللأصيلي بشبع بموحدة أوله وزاد المصنف في البيوع وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة قوله ويحضر أي من الأحوال ويحفظ أي من الأقوال وهما معطوفان على قوله يلزم وقد روى البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك من حديث طلحة بن عبيد الله شاهدا لحديث اببي هريرة هذا ولفظه لا أشك أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا نسمع وذلك أنه كان مسكينا لا شيء له ضيفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج البخاري في التاريخ والبهيقي في المدخل من حديث محمد بن عمارة بن حزم أنه قعد في مجلس مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلا فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث فلا يعرفه بعضهم فيراجعون فيه حتى يعرفوه ثم يحدثهم بالحديث كذلك حتى فع مرارا فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس وأخرج أحمد والترمذي عن بن عمر أنه قال لأبي هريرة كنت الزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفنا بحديثه قال الترمذي حسن واختلف في إسناد هذا الحديث على الزهري فرواه مالك عنه كذا ووافقه إبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة ورواه شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة وتابعه يونس بن يزيد والاسنادان جميعا محفوظا صححهما الشيخان وزادوا في روايتهم عن الزهري شيئا سنذكره في هذا الحديث الثاني

[ 119 ] قوله حدثنا أحمد بن أبي بكر هو الزهري المدني صاحب مالك وسقط قوله أبو مصعب من رواية الأصيلي وأبي ذر وهو بكنيته أشهر والإسناد كله مدنيون أيضا وكذا الذي بعده قوله كثيرا هو صفة لقوله حديثا لأنه اسم جنس قوله فغرف لم يذكر المغروف منه وكأنها كانت إشارة محضة قوله ضم وللكشمهيني والباقين ضمه وهو بفتح الميم ويجوز ضمها وقيل يتعين لأجل ضمه الهاء ويجوز كسرها لكن مع اسكان الهاء وكسرها قوله فما نسيت شيئا بعد هو مقطوع الاضافه مبنى على الضم وتنكير شيئا بعد النفي ظاهر العموم في عدم النسيان منه لكل شيء من الحديث وغيره ووقع في رواية بن عيينة وغيره عن الزهري في الحديث الماضي فو الذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه وفي رواية يونس عند مسلم فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به وهذا يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث ووقع في رواية شعيب فما نسيت من مقالته تلك من شيء وهذا يقتضي عدم النسيان بتلك المقاله فقط لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه لأن أبا هريرة نبه به على كثرة محفوظة من الحديث فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان فالتي رواها الزهري مختصة بتلك المقالة والقضية التي رواها سعيد المقبري عامة وأما ما أخرجه بن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن أمية قال تحدثت عند أبي هريرة بحديث فأنكره فقلت إني سمعت منك فقال أن كنت سمعته مني فهو مكتوب عندي فقد يتمسك به في تخصيص عد النسيان بتلك المقالة لكن سند هذا ضعيف وعلى تقدير ثبوته فهو نادر ويلتحق به حديث أبي سلمة عنه لا عدوي فإنه قال فيه أن أبا هريرة أنكره قال فما رايته نسي شيئا غيره فائدة المقالة المشار إليها في حديث الزهري ابهمت في جميع طرقه وقد وجدتها مصرحا بها في جامع الترمذي وفي الحلية لأبي نعيم من طريق أخرى عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا مما فرض الله فلتعلمهن ويعلمهن الا دخل الجنة فذكر الحديث وفي هذين الحديثين فضيلة ظاهرة لأبي هريرة ومعجزة واضحة من علامات النبوة لأن النسيان من لوازم الإنسان وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يكثر منه ثم تخلف عنه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وفي المستدرك للحاكم من حديث زيد بن ثابت قال كنت أنا وأبو هريرة وأخر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادعوا فدعوت أنا وصاحبي وامن النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا أبو هريرة فقال اللهم إني أسألك مثال ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى فأمن النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا ونحن كذلك يا رسول الله فقال سبقكما الغلام الدوسي وفيه الحث على حفظ العلم وفيه أن من الدنيا أمكن لحفظه وفيه فضيلة التكسب لمن له عيال وفيه جواز أخبار المرء بما فيه من فضيلة إذا اضطر إلى ذلك وامن من الإعجاب قوله بن أبي فديك بهذا أشكل قوله بهذا على بعض الشارحين لأن بن أبي فديك لم يتقدم له ذكر وقد ظن بعضهم أنه محمد بن إبراهيم بن دينار المذكور قبل فيكون مراده أن السياقين متحدان الا في اللفظة المبينة فيه وليس كما ظن لأن بن أبي فديك اسمه محمد بن إسماعيل بن مسلم وهو ليثي

يكنى أبا إسماعيل وابن دينار جهني يكنى أبا عبد الله لكن اشتركا في الرواية عن أبي ذئب لهذا الحديث ولغيره وفي كونهما مدنيين وجوز بعضهم أن يكون الحديث عند المصنف بإسناد آخر عن أبي ذئب وكل ذلك غفلة عما عند المصنف في علامات النبوة فقد ساقه بالإسناد المذكور والمتن من غير تغيير الا في قوله بيديه فإنه ذكرها بالافراد وقال فيها أيضا فغرف وهي رواية الأكثرين في حديث الباب ووقع في رواية المستملي وحده فحذف بدل فغرف وهو تصحيف لما وضح في سياقه في علامات النبوة وقد رواه بن سعد في الطبقات عن بن أبي فديك فقال فغرف

قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس حدثني أخي هو أبو بكر عبد الحميد قوله حفظت عني وفي رواية الكشمهيني من بدل عن وهي أصرح في تلقيه من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة قوله وعاءين أي ظرفين أطلق المحل وأراد به الحال أي نوعين من العلم وبهذا التقرير يندفع إيراد من زعم أن هذا يعارض قوله في الحديث الماضي كنت لا اكتب وإنما مراده أن محفوظه من الحديث لو كتب لملأ الوعاءين ويحتمل أن يكون أبو هريرة أملى حديثه على من يثق به فكتبه له وتركه عنده والأول أولي ووقع في المسند عنه حفظت ثلاثة أجوبه بثثت منها جرابين وليس هذا مخالفا لحديث الباب لأنه يجمل على أن أحد الوعاءين كان أكبر من الآخر بحيث يجيء ما في الكبير في جرابين وما في الصغير في واحد ووقع في المحدث الفاضل للرامهرمزي من طريق منقطعة عن أبي هريرة خمسة اجربة وهو أن ثبت محمول على نحو ما تقدم وعرف من هذا أن ما نشره من الحديث أكثر مما لم ينشره

[ 120 ] قوله بثثته بفتح الموحدة والمثلثة وبعدها مثلثة ساكنة تدغم في المثناة التي بعدها أي اذعته ونشرته زاد الإسماعيلي في الناس قوله قطع هذا البلعوم زاد في رواية المستملي قال أبو عبد الله يعني المصنف البلعوم مجرى الطعام وهو بضم الموحدة وكني بذلك عن القتل وفي رواية الإسماعيلي لقطع هذا يعني رأسه وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء واحوالهم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكنى عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم كقوله أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة وستاتي الإشارة إلى شيء من ذلك أيضا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قال بن المنير جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين قال وإنما أراد أبو هريرة بقوله قطع أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم وقال غيره يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان فينكر ذلك من لم يالفه ويعترض عليه من لا شعور له لا به

قوله باب الانصات للعلماء أي السكوت والاستماع لما يقولونه

[ 121 ] قوله حدثنا حجاج هو بن منهال قوله عن جرير هو بن عبد الله البجلي وهو وجد أبي زرعة الراوي عنه هنا قوله قال له في حجة الوداع ادعى بعضهم أن لفظ له زيادة لأن جرير إنما أسلم بعد حجة الوداع بنحو من شهرين فقد جزم بن عبد البر بأنه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما وما جزم به يعارضه قول البغوي وابن حيان أنه أسلم في رمضان سنة عشر ووقع في رواية المصنف لهذا الحديث في باب حجة الوداع بان النبي صلى الله عليه وسلم قال لجرير وهذا لا يحتمل التأويل فيقوى ما قال البغوي والله أعلم قوله يضرب هو بضم الباء في الروايات والمعنى لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم في حالة قتل بعضهم بعضا وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قال بن بطال فيه أن الانصات للعلماء لازم للمتعلمين لأن العلماء ورثة الأنبياء كأنه أراد بهذا مناسبة الترجمة للحديث وذلك أن الخطبة

المذكورة كانت في حجة الوداع والجمع كثير جدا وكان اجتماعهم لرمي الجمار وغير ذلك من أمور الحج وقد قال لهم خذوا عني مناسككم كما ثبت في صحيح مسلم فلما خطبهم ليعلمهم ناسب أن يأمرهم بالإنصات وقد وقع التفريق بين الانصات والاستماع في قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا ومعناهما نختلف فالانصات هو السكوت وهو يحصل ممن يستمع وممن لا يستمع كان يكون مفكرا في أمر آخر وكذلك الاستماع قد يكون مع السكوت وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يشتغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه وقد قال سفيان الثوري وغيره أول العلم الاستماع ثم الانصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر وعن الأصمعي تقديم الانصات على الاستماع وقد ذكر على بن المديني أنه قال لابن عيينة أخبرني معتمر بن سليمان عن كهمس عن مطرف قال الانصات من العينين فقال بن عيينة وما ندري كيف ذلك قال إذا حدثت رجلا فلم ينظر إليك لم يكن منصتا انتهى وهذا محمول على الغالب والله أعلم

قوله باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم أي من غيره والفاء في قوله فيكل تفسيرية بناء على أن فعل المضارع بتقدير المصدر أي ما يستحب عند السؤال هو الوكول أن يكل وهو أوضح

[ 122 ] قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي المسندي وسفيان هو بن عيينة وعمرو هو بن دينار ونوف بفتح النون وبالفاء والبكالي ببفتح الموحدة وكسرها وتخفيف الكاف ووهم من شددها منسوب إلى يكال بطن من حمير ووهم من قال أنه منسوب إلى يكيل بكسر الكاف بطن من همدان لأنهما متغايران ونوف المذكور تابعي من أهل دمشق فاضل عالم لا سيما بالاسرائيليات وكان بن امرأة كعب الأحبار وقيل غير ذلك قوله ان موسى أي صاحب الخضر وصرح به المصنف في التفسير قوله انما هو موسى آخر كذا في روايتنا بغير تنوين فيهما وهو علم على شخص معين قالوا أنه موسى بن ميشا بكسر الميم وبالشين المعجمة وجزم بعضهم أنه منون مصروف لأنه نكرة ونقل عن بن مالك أنه جعله مثالا للعلم إذا نكر تخفيفا قال وفيه بحث قوله كذب عدو الله قال بن التين لم يرد بن عباس إخراج نوف عن ولاية الله ولكن قلوب العلماء تنفر إذا سمعت غير الحق فيطلقون أمثال هذا الكلام لقصد الرجز والتحذير منه وحقيقته غير مراده قلت ويجوز أن يكون بن عباس اتهم نوفا في صحة إسلامه فلهذا لم يقل في حق الحر بن قيس هذه المقالة مع تواردهما عليها وأما تكذيبه فيستفاد منه للعالم إذا كان عنده علم بشيء فسمع غيره يذكر فيه شيئا بغير علم أن يكذبه ونظير قوله صلى الله عليه وسلم كذب أبو السنابل أي أخبر بما هو باطل في نفس الأمر قوله حدثني أبي بن كعب في استدلاله بذلك دليل على قوة خبر الواحد المتقن عنده حيث يطلق مثل هذا الكلام في حق من خالفه وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي وهما عمرو وسعيد وصحابي عن صحابي وهما بن عباس وأبي قوله فقال أنا أعلم في جواب أي الناس أعلم قيل أنه مخالف لقوله في الرواية السابقة في باب الخروج في طلب العلم قال هل تعلم أحدا أعلم منك وعندي لا مخالفة بينهما لأن قوله هنا أنا أعلم أي فيما أعلم فيطابق قوله لا في جواب من قاله له هل تعلم أحدا أعلم منك في إسناد ذلك إلى علمه لا إلى ما في نفس الأمر وعند النسائي من طريق عبد الله بن عبيد عن سعيد بن جبير بهذا السند قام موسى خطيبا فعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله بما حدث به نفسه فقال يا موسى أن من عبادي من أتيته من العلم ما لم اوتك وعند عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير فقال ما أجد أحدا أعلم بالله وأمره مني وهو عند مسلم من وجه آخر عن أبي إسحاق بلفظ ما أعلم في الأرض رجلا خيرا أو أعلم مني قال بن المنير ظن بن بطال أن ترك موسى الجواب عن هذه المسألة كان أولي قال عندي أنه ليس كذلك بل رد العلم إلى الله تعالى متعين أجاب أو لم يجب فلو قال موسى عليه السلام أنا والله أعلم لم تحصل المعاتبة وإنما عوتب على اقتصاره على ذلك أي لأن الجزم يوهم أنه كذلك في نفس الأمر وإنما مراده الأخبار بما في علمه كما قدمناه والعتب من الله تعالى محمول على ما يليق به لا على معناه العرفي في الادميين كنظائره قوله هو أعلم منك ظاهر في أن الخضر نبي بل بني مرسل إذا لو لم يكن كذلك للزم تفضيل العالي على الأعلى وهو باطل من القول ولهذا أورد الزمخشري سؤالا وهو دلت حاجة موسى إلى التعليم من غيره أنه موسى بن ميشا كما قيل إذ النبي يجب أن يكون أعلم أهل زمانه وأجاب عنه بأنه لا نقص بالنبي في أخذ العلم من نبي مثله قلت وفي الجواب نظر لأنه يستلزم نفي ما أوجب والحق أن المراد بهذا الإطلاق تقييد الاعلمية بأمر مخصوص لقوله بعد ذلك إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه والمراد بكون النبي أعلم أهل زمانه أي ممن أرسل إليه ولم يكن موسى مرسلا إلى الخضر وإذا فلا نقص به إذا كان الخضر أعلم منه أن قلنا أنه نبي مرسل أو أعلم منه في أمر مخصوص أن قلنا أنه نبي أو ولي وينحل بهذا التقرير اشكالات كثيرة ومن أوضح ما يستدل به على نبوة الخضر قوله وما فعلته عن أمري وينبغي اعتقاد كونه نبيا لئلا يتذرع بذلك أهل الباطل في دعواهم أن الوالي أفضل من النبي حاشا وكلا وتعقب بن المنير على بن بطال إيراده في هذا الموقع كثيرا من أقوال السلف في التحذير من الدعوى في العلم والحث على قول العالم لا أدري بان سياق مثل ذلك في هذا الموضع غير لائق وهو كما قال رحمه الله قال وليس قول موسى عليه السلام أنا أعلم كقول احاد الناس مثل ذلك ولا نتيجة قول كنتيجة قولهم فإن نتيجة قولهم العجب والكبر ونتيجة قوله المزيد من العلم والحث على التواضع والحرص على طلب العلم واستدلاله به أيضا على أنه لا يجوز الاعتراض بالعقل على الشرع خطا لأن موسى إنما اعترض بظاهر الشرع لا بالعقل المجرد ففيه حجة على صحة الاعتراض بالشرع على ما لا يسوغ فيه ولو كان مستقيما في باطن الأمر قوله في مكتل بكسر الميم وفتح المثناة من فوق قوله فانطلقا بقية ليلتهما بالجر على الإضافة ويومهما بالنصب على إرادة سير جميعه ونبه بعض الحذاق على أنه مقلوب وأن الصواب بقية يومهما وليلتهما لقوله بعده فلما أصبح لأنه لا يصبح الا عن ليل انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فلما أصبح أي من الليلة التي تلي اليوم الذي سارا جميعه والله أعلم قوله اني أي كيف بأرضك السلام ويؤيده ما في التفسير هل بأرضي من سلام أو من أين كما في قوله تعالى انى لك هذا والمعنى من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها وكأنها كانت بلاد كفر أو كانت تحيتهم بغير السلام وفه دليل على أن الأنبياء ومن دونهم لا يعلمون من الغيب الا ما علمهم الله إذ لو كان الخضر يعلم كل غيب لعرف موسى قبل أن يسأله قوله فانطلقا يمشيان أي موسى والخضر ولم يذكر فتى موسى وهو يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة قوله فكلموهم ضم يوشع معهما في الكلام لأهل السفينة لأن المقام يقتضي كلام التابع قوله فحملوهما يقال فيه ما قيل في يمشيان ويحتمل أن يكون يوشع لم يركب معهما لأنه لم يقع له ذكر بعد ذلك قوله فجاء عصفور بضم أوله قيل هو الصرد بضم المهملة وفتح الراء وفي الرحلة للخطيب أنه الخطاف قوله ما نقص علمي وعلمك من علم الله لفظ النقص ليس على ظاهره لأن علم الله لا يدخله النقص فقيل معناه لم يأخذ وهذا توجيه حسن ويكون التشبيه واقعا على الأخذ لا على الماخوذ منه وأحسن منه أن المراد بالعلم المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قديمة لا تتبعض والمعلوم هو الذي يتبعض وقال الإسماعيلي المراد أن نقص العصفور لا ينقص البحر بهذا المعنى وهو كما قيل ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب أي ليس فيهم عيب وحاصله أن نفي النقص أطلق على سبيل المبالغه وقيل الا بمعنى ولا أي ولا كنقرة هذا العصفور وقال القرطبي من أطلق اللفظ هنا تجوز لقصده التمسك والتعظيم وإذ لا نقص في علم الله ولا نهاية لمعلوماته وقد وقع في رواية بن جريج بلفظ أحسن سياقا من هذا وأبعد اشكالا فقال ما على وعلمك في جنب علم الله الا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر وهو تفسير اللفظ الذي وقع هنا قال وفي قصة موسى والخضر من الفوائد أن الله يفعل في ملكه ما يريد ويحكم في خلقه بما يشاء مما ينفع أو يضر فلا مدخل للعقل في أفعاله ولا معارضة لاحكامه بل يجب على الخلق الرضا والتسليم فإن إدراك العقول لاسرار الربوبيه قاصر فلا يتوجه على حكمة لم ولا كيف كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث قال العلامة بن باز حفظه الله الصواب عند أهل السنة وصف الله سبحانه بأنه في جهة العلو وأنه فوق العرش كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة ويجوز عند أهل السنة السؤال عنه بأين كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية أين الله قالت في السماء الحديث وأن العقل لا يحسن ولا يقبح قال العلامة بن باز حفظه الله هذا هو قول بعض أهل السنة وهب بعض المحققين منهم إلى أن العقل يحسن ويقبح لما فطر الله عليه العباد من معرفة الحسن والقبيح وقد جاءت الشرائع الآلهية تأمر بالحسن وتنهى عن القبيح ولكن لا يترتب الثواب والعقاب على ذلك إلا بعد بلوغ الشرع كما حقق ذلك العلامة بن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة وهذا هو الصواب والله أعلم وأن ذلك راجع إلى الشرع فما حسنه بالثناء عليه فهو حسن وما قبحه بالذم فهو قبيح وان الله تعالى فيما يقضيه حكما واسرارا في مصالح خفية اعتبرها كل ذلك بمشيئته وارادته من غير وجوب عليه ولا حكم عقل يتوجه إليه بل يحسب ما سبق في علمه ونافذ حكمة فما اطلع الخلق عليه من تلك الاسرار عرف وإلا فالعقل عنده واقف فليحذر المرء من الاعتراض فإن مآل ذلك إلى الخيبة قال ولننبه هنا على مغالطتين الأولى وقع لبعض الجهلة أن الخضر أفضل من موسى تمسكا بهذه القصة وبما اشتملت عليه وهذا إنما يصدر ممن قصر نظره على هذه القصة ولم ينظر فيما خص الله به موسى عليه السلام من الرسالة وسماع كلام الله واعطائه التوراة فيها علم كل شيء وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى وادلة ذلك في القرآن كثيرة ويكفي من ذلك قوله تعالى يا موسى أن اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وسيأتي من أحاديث الأنبياء من فضائل موسى ما فيه كفاية قال والخضر وأن كان نبيا فليس برسول باتفاق والرسول أفضل من نبي ليس برسول ولو تنزلنا على أنه رسول فرسالة موسى أعظم وأمته أكثر فهو أفضل وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم وأن قلنا أن الخضر ليس بنبي بل ولي فالنبي أفضل من الولي وهو أمر مقطوع به عقلا ونقلا والصائر إلى خلافه كافر لأنه أمر معلوم من الشرع بالضرورة قال وإنما كانت قصة الخضر مع موسى امتحانا لموسى ليعتبر الثانية ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة فقالوا أنه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والاغبياء وأما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم لصفاء قلوبهم عن الاكدار وخلوها عن الاغيار فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانيه فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون الأحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما ينجلي له من تلك العلوم عما كان عند موسى ويؤيده الحديث المشهور استفت قلبك وأن افتوك قال القرطبي وهذا القول زندقة وكفر لأنه إنكار علم من الشرائع فإن الله قد أجرى سنته وانفذ كلمته بان احكامه لا تعلم الا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه المبينين لشرائعه وأحكامه كما قال الله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس وقال الله أعلم حيث يجعل رسالاته وأمر بطاعتهم في كل ما جاءوا به وحث على طاعاتهم والتمسك بما أمروا به فإن فيه الهدى وقد حصل العلم اليقين وإجماع السلف على ذلك فمن ادعى أن هناك طريقا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الطرق التي جاءت بها الرسل يستغني بها عن الرسول فهو كافر يقتل ولا يستتاب قال وهي دعوى تستلزم اثبات نبوة بعد نبينا لأن من قاله أنه يأخذ عن قلبه لأن الذي يقع فيه هو حكم الله وأنه يعمل بمقتضاه من غير حاجة منه إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم أن روح القدس نفث في روعي قال وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال أنا لا آخذ عن الموتى وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت وكذا قال آخر أنا آخذ عن قلبي عن ربي وكل ذلك كفر باتفاق أهل الشرائع نسأل الله الهداية والتوفيق وقال غيره من استدل بقصة الخضر على أن الولي يجوز أن يطلع من خفايا الأمور على ما يخالف الشريعه ويجوز له فعله فقد ضل وليس ما تمسك به صحيحا فإن الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشرع فإن نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعا وعقلا ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظاهر وقد وقع ذلك واضحا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم ولفظه فإذا جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة تجاوزها فأصلحها فيستفاد منه وجوب التأني عن الإنكار في المحتملات وأما قتله الغلام فلعله كان في الك الشريعة وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان والله أعلم قوله فعمد بفتح المهملة والميم وكذا قوله عمدت ونول بفتح النون أي أجرة قوله فانطلقا أي فخرجا من السفينة فانطلقا كما صرح به أيضا في التفسير قوله قال الخضر بيده هو من إطلاق القول على الفعل وسنذكر باقي مباحث هذا الحديث في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى

قوله باب من سأل وهو قائم جملة خاليه عن الفاعل وقوله عالما مفعول وجالسا صفة له والمراد أن العالم الجالس إذا سأله شخص قائم لا يعد من باب من أحب أن يتمثل له الرجال قياما بل هذا جائز بشرط الأمن من الإعجاب قاله بن المنير

[ 123 ] قوله حدثنا عثمان هم بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وأبو وائل هو شقيق وأبو موسى هو الأشعري وكلهم كوفيون قوله قال وما رفع إليه رأسه ظاهره أن القائل هو أبو موسى ويحتمل أن يكون من دونه فيكون مدرجا في اثناء الخبر قوله من قاتل الخ هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه وفي الحديث شاهد لحديث الأعمال بالنيات وأنه لا بأس بقيام طالب الحاجة عند أمن البكر وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لاعلاء دين الله وفيه استحباب إقبال المسئول على السائل وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى

قوله باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار مراده أن اشتغال العالم بالطاعة لا يمنع من سؤاله عن العلم ما لم يكن مستغرقا فيها وأن الكلام في الرمي وغيره من المناسك جائز وقد تقدم هذا الحديث في باب الفتيا على الدابة وأخر الكلام على المتن إلى الحج وعبد العزيز بن أبي سلمة هو بن عبد الله نسب إلى جده أبي سلمة الماجشون بكسر الجيم وبشين معجمة وقد اعترض بعضهم على الترجمة بأنه ليس في الخبر أن المسألة وقعت في حال الرمي بل فيه أنه كان واقفا عندها فقط وأجيب بأن المصنف كثيرا ما يتمسك بالعموم فوقوع السؤال عند الجمرة أعم من أن يكون في حال اشتغاله بالرمي أو بعد الفراغ منه واستدل الإسماعيلي بالخبر على أن الترتيب قائم مقام اللفظ أي بأي صيغة ورد ما لم يقم دليل على عدم ارادته والله أعلم وحاصله أنه لو لم يفهموا أن ذلك هو الأصل لما احتاجوا إلى السؤال عن حكم تقديم الأول على الثاني وإذا ورد الأمر لشيئين معطوفا بالواو فيقال الأصل العمل بتقديم ما قدم وتأخير ما أخر حتى يقوم الدليل على التسوية ولمن يقوم بعدم الترتيب أصلا أن يتمسك بهذا الخبر يقول

حتى يقوم دليل على وجوب الترتيب واعترض الإسماعيلي أيضا على الترجمة فقال لا فائدة في ذكر المكان الذي وقع السؤال فيه حتى يفرد بباب وعلى تقدير اعتبار مثل ذلك فليترجم بباب السؤال والمسؤول على الراحلة وبباب السؤال يوم النحر قلت أما نفي الفائدة فتقدم الجواب عنه ويراد أن سؤال من لا يعرف الحكم عنه في موضع فعله حسن بل واجب عليه لأن صحة العمل متوقفة على العلم بكيفيته وأن سؤال العالم على قارعة الطريق عما يحتاج إليه السائل لانقص فيه على العالم إذا أجاب ولا لوم على السائل ويستفاد ممنه أيضا دفع توهم من يظن أن في الاشتغال بالسؤال والجواب عند الجمرة تضييقا على الرامين وهذا وأن كان كذلك يستثنى من المنع ما إذا كان فيما يتعلق بحكم تلك العبادة وأما إلزام الإسماعيلي فجوابه أنه ترجم للأول فيما مضى باب الفتيا وهو واقف على الدابة وأما الثاني فكأنه أراد أن يقابل بالزمان وهو متجه وأن كان معلوما أن السؤال عن العلم لا يتقيد بيوم دون يوم لكن قد يتخيل متخيل من كون يوم العيد يوم لهو وامتناع الس ال عن العلم فيه والله أعلم

قوله باب قول الله عز وجل وما أوتيتم من العلم الا قليلا عبد الواحد هو بن زياد البصري وإسناد الأعمش إلى منتهاه مما قيل أنه أصح الأسانيد

[ 125 ] قوله خرب بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء جمع خربة ويقال بالعكس والخرب ضد العامر ووقع في موضع آخر بفتح المهملة وإسكان الراء بعدها مثلثة قوله عسيب أي عصا من جريد النخل قوله بنفس من اليهود لم أقف على أسمائهم قوله لا تسألوه لا يجيء في روايتنا بالجزم على جواب النهي ويجوز النصب والمعنى لا تسألوه خشية أن يجيء فيه بشيء ويجوز الرفع على الاستئناف قوله لنسألنه جواب القسم المحذوف قوله فقمت أي حتى لا أكون مشوشا عليه أو فقمت قائما حائلا بينه وبينهم قوله فلما انجلى أي الكرب الذي كان يغشاه حال الوحي قوله الروح الأكثر على أنهم سألوه عن حقيقة الروح الذي في الحيوان وقيل عن جبريل وقيل عن عيسى وقيل عن القرآن وقيل عن خلق عظيم روحاني وقيل غير ذلك وسيأتي ذلك في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى ونشير هناك إلى ما قيل في الروح الحيواني وأن الأصح أن حقيقته مما استاثر الله بعمله قوله هي كذا وللكشمهيني هكذا في قراءتنا أي قراءة الأعمش وليست هذه القراءة في السبعة بل ولا في المشهور من غيرها وقد اغفلها أبو عبيد في كتاب القراءات له من قراءة الأعمش والله أعلم

قوله باب من ترك بعض الاختيار أي فعل الشيء المختار والاعلام به

[ 126 ] قوله عن إسرائيل هو بن يونس عن أبي إسحاق هو السبيعي بفتح المهملة وهو جد إسرائيل الراوي عنه و الأسود هو بن يزيد النخعي والإسناد إليه كلهم كوفيون قوله قال لي بن الزبير يعني عبد الله الصحابي المشهور قوله كانت عائشة أي أم المؤمنين قوله في الكعبة يعني في شأن الكعبة قوله قلت قالت لي زاد فيه بن أبي شيبة في مسنده عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد قلت لقد حدثني حديثا كثيرا نسيت بعضه وأنا أذكر بعضه قال أي بن الزبير ما نسيت أذكرتك قلت قالت قوله حديث عهدهم بتنوين حديث ورفع عهدهم على إعمال الصفة المشبهة قوله قال وللأصيلي فقال بن الزبير بكفر أي أذكره بن الزبير بقولها بكفر كان الأسود نسيها وأما ما بعدها وهو قوله لنقضت الخ فيحتمل الله شعبة عن أبي أسحق عن الأسود بتمامه الا قوله بكفر فقال بدلها بجاهلية وكذا للمصنف في الحج من طريق أخرى عن الأسود ورواه الإسماعيلي من طريق زهير بن معاوية عن أبي أسحق ولفظه قلت حدثتني حديثا حفظت أوله ونسيت آخره ورجحها الإسماعيلي على رواية إسرائيل وفيما قال نظر لما قدمناه وعلى قوله له يكون في رواية شعبة ادراج والله أعلم قوله بابا بالنصب على البدل كذا لأبي ذر في الموضعين ولغيره بالرفع على الاستئناف قوله ففعله يعني ني الكعبة على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي ذلك مبسوطا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى وفي الحديث معنى ما ترجم له لأن قريشا كانت تعظم أمر الكعبة جدا فخشي صلى الله عليه وسلم أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غير بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك ويستفاد منه ترك المصلحة لامن الوقوع في المفسدة ومنه إنكار ترك المنكر خشية الوقوع في أنكر منه وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولا ما لم يكن محرما

قوله باب من خص بالعلم قوما دون قوم أي سوى قوم لابمعنى الأدون و كراهية بالإضافة بغير تنوين وهذه الترجمة قريبة من الترجمة التي قبلها ولكن هذه في الأقوال وتلك في الأفعال أو فيهما

[ 127 ] قوله حدثنا عبيد الله هو بن موسى كما ثبت للباقين قوله عن معروف هو بن خربوذ كما في رواية كريمة وهو تابعي صغير مكي وليس له في البخاري غير هذا الموضع وأبوه بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحه وضم الموحدة وآخره معجمة وهذا الإسناد من عوالي البخاري لأنه يلتحق بالثلاثيات من حيث أن الراوي الثالث منه صحابي وهو أبو الطفيل عامر بن وائلة الليثي آخر الصحابة موتا وليس له في البخاري غير هذا الموضع قوله حدثوا الناس بما يعرفون كذا وقع في رواية أبي ذر وسقط كله من روايته عن الكشمهيني ولغيره بتقديم المتن ابتدأ به معلقا فقال وقال على الخ ثم عقبة بالإسناد والمراد بقوله بما يعرفون أي يفهمون وزاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم له عن عبد الله بن داود عن معروف في آخره ودعوا ما ينكرون أي يشتبه عليهم فهمه وكذا رواه أبو نعيم في المستخرج وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة ومثله قول بن مسعود ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضهم فتنة رواه مسلم وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ومالك في أحاديث الصفات وأبو يوسف في الغرائب ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد فالامساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب والله أعلم

[ 128 ] قوله حدثني أبي هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي قوله رديفه أي راكب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والجملة حالة والرحل بإسكان الحاء المهملة وأكثر ما يستعمل للبعير لكن معاذ كان في تلك الحالة رديفه صلى الله عليه وسلم على حمار كما يأتي في الجهاد قوله قال يا معاذ بن جبل هو خبر أن المتقدمة وابن جبل بفتح النون وأما معاذ فالبضم لأنه منادى مفرد علم وهذا اختيار بن مالك لعدم احتياجه إلى تقدير واختار بن الحاجب النصب على أنه ما بعده كاسم واحد مركب كأنه أضيف والمنادي المضاف منصوب وقال بن التين يجوز النصب على أن قوله معاذ زائد فالتقدير يا بن جبل وهو يرجع إلى الكلام بن الحاجب بتأويل قوله قال لبيك يا رسول الله وسعديك اللب بفتح اللام معناه هنا الإجابة والسعد المساعدة وكأنه قال لبا لك وإسعادا لك ولكنهما ثنيا على معنى التأكيد والتكثير أي إجابة بعد إجابة وإسعادا بعد إسعاد وقيل في أصل لبيك واشتقاقها غير ذلك وسنوضحه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله ثلاثا أي النداء والاجابة قيلا ثلاثا وصرح بذلك في رواية مسلم ويؤيده الحديث المتقدم في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه قوله صدقا فيه احتراز عن شهادة المنافق وقوله من قلبه يمكن أن يتعلق بصدق أي يشهد بلفظه ويصدق بقلبه ويمكن أن يتعلق بيشهد أي يشهد بقلبه والأول أولى وقال الطيبي قوله صدقا أقيم هنا مقام الاستقامة لأن الصدق يعبر به قولا عن مطابقة القول المخبر عنه ويعبر به فعلا تحري الأخلاق المرضية كقوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أي حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا انتهى وأراد بهذا التقرير رفع الاشكال عن ظاهر الخبر لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد لكن دلت الأدلة القطعيه عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة فعلم أن ظاهرة غير مراد فكأنه قال أن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة قال ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به وقد أجاب العلماء عن الاشكال أيضا بأجوبة أخرى منها أن مطلقة مقيد بمن قالها تائبا ثم مات على ذلك ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض وفيه نظر لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد حسن وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هريرة ومنها أنه خرج مخرج الغالب إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب المعصية ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها ومنها أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته لأن النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم عند الله تعالى قوله فيستبشرون كذا لأبي ذر أي فهم يستبشرون وللباقين بحذف النون وهو أوجه لوقوع الفاء بعد النفي أو الاستفهام أو العرض وهي تنصب في كل ذلك قوله إذا يتكلوا بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف وهو جواب وجزاء أي أن أخبرتهم يتكلوا وللأصيلي والكشميهني ينكلوا بإسكان النون وضم الكاف أن يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره وروى البزار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذن لمعاذ في التبشير فلقيه عمر فقال لا تعجل ثم دخل فقال يا نبي الله أنت أفضل رأيا إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها قال فرده وهذا معدود من موافقات عمر وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم واستدل بعض متكلمي الاشاعرة من قوله يتكلوا على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله قال العلامة بن باز حفظه الله هذا الذي عده الشارح لبعض متكلمي الأشاعرة هو قول أهل السنة وهو أن للعبد اختيارا وفعلا ومشيئة لكن ذلك إنما يقع بعد مشيئة الله كما قال تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين فتنبه قوله عند موته أي موت معاذ وأغرب الكرماني فقال يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه الا مخافة أن تتكلوا فذكره قوله تأثما هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة أي خشية الوقوع في الإثم وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله يتحنث والمراد بالإثم الحاصل من كتمان العلم ودل صنيع معاذ على أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلا لما كان يخبر به أصلا أو عرف أن النهي مقيد بالاتكال فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك وإذا زال القيد زال المقيد والأول أوجه لكونه أخر ذلك إلى وقت موته وقال القاضي عياض لعل معاذا لم يفهم النهي لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم قلت والرواية الآتية صريحة في النهي فالأولى ما تقدم وفي الحديث جواز الارداف وبيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه واستئذانه في اشاعة ما يعلم به وحده

[ 129 ] قوله حدثنا مسدد حدثنا معتمر كذا للجميع وذكر الجياني أن عبدوسا والقابسي روياه عن أبي زيد المروزي بإسقاط مسدد من السند قال وهو وهم ولا يتصل السند الا بذكره انتهى ومعتمر هو بن سليمان التيمي والإسناد كله بصريون الا معاذا وكذا الذي قبله الا إسحاق فهو مروزي وهو الإمام المعروف بابن راهويه قوله ذكر لي هو بالضم على البناء لما لم يسم فاعله ولم يسم أنس من ذكر له ذلك في جميع ما وقفت عليه من الطرق وكذلك جابر بن عبد الله كما قدمناه من عند أحمد لأن معاذا إنما حدث به عند موته بالشام وجابر وأنس إذ ذاك بالمدينة فلم يشهداه وقد حضر ذلك من معاذ عمرو بن ميمون الأودي أحد المخضرمين كما سيأتي عند المصنف في الجهاد ويأتي الكلام على ما سياقه من الزيادة ثم ورواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن سمرة الصحابي المشهور أنه سمع ذلك من معاذ أيضا فيحتمل أن يفسر المبهم بأحدهما والله أعلم تنبيه أورد المزي في الأطراف هذا الحديث في مسند أنس وهو من مراسيل أنس وكان حقه أن يذكره في المبهمات والله الموفق قوله من لقي الله أي من لقي الأجل الذي قدره الله يعني الموت كذا قاله جماعة ويحتمل أن يكون المراد البعث أو رؤية الله تعالى في الآخرة قوله لا يشرك به اقتصر على نفي الإشراك لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء ويستدعي اثبات الرسالة باللزوم إذ من كذب رسول الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو مشرك أو هو مثل قول القائل من توضأ صحت صلاته أي مع سائر الشرائط فالمراد من مات حال كونه مؤمنا بجميع ما يجب الإيمان به وليس في قوله دخل الجنة من الاشكال ما تقدم في السياق الماضي لأنه أعم من أن يكون قبل التعذيب أو بعده قوله فأخبر بها معاذ عند موته تأثما معنى التأثم التحرج من الوقوع في الإثم وهو كالتحنث وإنما خشي معاذ من الإثم المرتب على كتمان العلم وكأنه فهم من منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر بها اخبارا عاما لقوله أفلا أبشر الناس فأخذ هو أولا بعموم المنع فلم يخبر بها أحدا ثم ظهر له أن المنع هو من الأخبار عموما فبادر قبل موته فأخبر بها خاصا من الناس فجمع بين الحكمين ويقوى ذلك أن المنع لو كان على عمومه في الأشخاص لما أخبر هو بذلك وأخذ منه أن من كان في مثل مقامه في الفهم أنه لم يمنع من اخباره وقد تعقب هذا الجواب بما أخرجه أحمد من وجه آخر فيه انقطاع عن معاذ أنه لما حضرته الوفاة قال أدخلوا على الناس فأدخلوا عليه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مات لا يشرك بالله شيئا جعله الله في الجنة وما كنت أحدثكموه الا عند الموت وشاهدي على ذلك أبو الدرداء فقال صديق أخي وما كان يحدثكم به الا عند موته وقد وقع الآبي أيوب مثل ذلك ففي المسند من طريق أبي ظبيان أن أبا أيوب غزا الروم فمرض فلما حضر قال سأحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حالى هذه ما حدثتكموه سمعته يقول من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإذا عورض هذا الجواب فأجيب عن أصل الاشكال بان معاذا اطلع على أنه لم يكن المقصود من المنع التحريم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا هريرة أن يبشر بذلك الناس فلقيه عمر فدفعه وقال ارجع يا أبا هريرة ودخل على أثره فقال يا رسول الله لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس فخلهم يعملون فقال فخلهم أخرجه مسلم فكأن قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخاف أن يتكلوا كان بعد قصة أبي هريرة فكان النهي للمصلحة لا للتحريم فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ والله أعلم قوله لا هي للنهي ليست داخلة على أخاف بل المعنى لا تبشر ثم استأنف فقال أخاف وفي رواية كريمة إني أخاف بإثبات التعليل وللحسن بن سفيان في مسنده عن عبيد الله بن معاذ بن معتمر قال لا دعهم فليتنافسوا في الأعمال فإني أخاف أن يتكلوا

قوله باب الحياء أي حكم الحياء وقد تقدم أن الحياء من الإيمان وهو الشرعبي الذي يقع على وجه الاجلال والاحترام للأكابر وهو محمود وأما ما يقع سببا لترك أمر شرعي فهو مذموم وليس هو بحياء شرعي وإنما هو ضعف ومهانة وهو المراد بقول مجاهد لا يتعلم العلم مستحي وهو بإسكان الحاء ولا في كلامه نافية لا ناهية ولها كانت ميم يتعلم مضمونه وكأنه أراد تحريض المتعلمين على ترك العجز والتكبر لما يؤثر كل منهما من النقص في التعليم وقول مجاهد هذا وصله أبو نعيم في الحلية من طريق على بن المديني عن بن عيينة عن منصور عنه وهو إسناد صحيح على شرط المصنف قوله وقالت عائشة هذا التعليق وصله مسلم من طريق إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة في حديث أوله أن أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض

[ 130 ] قوله هشام هو بن عروة بن الزبير وفي الإسناد من اللطائف رواية تابعي عن مثله عن صحابية عن مثلها وفيه رواية الابن عن أبيه والبنت عن أمها وزينب هي بنت أبي سلمة بن عبد الأسد ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم نسبت إلى أمها تشريفا لكونها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قوله جاءت أم سليم هي بنت ملحان والدة أنس بن مالك قوله ان الله لا يستحي من الحق أي لا يأمر بالحياء في الحق وقدمت أم سليم هذا الكلام بسطا لعذرها في ذكر ما تستحى النساء من ذكره بحضرة الرجال ولهذا قالت لها عائشة كما ثبت في صحيح مسلم فضحت النساء قوله إذا هي احتلمت أي رأت في منامها أنها تجامع قوله إذا رأت الماء يدل على تحقق وقوع ذلك وجعل رؤية الماء شرطا للغسل يدل على أنها إذا لم تر الماء لأغسل عليها قوله فغطت أم سلمة في مسلم من حديث أنس أن ذلك وقع لعائشة أيضا ويمكن الجمع بأنهما كانتا حاضرتين قوله تعني وجهها هو بالمثناة من فوق والقائل عروة وفاعل تعني زينب والضمير يعود على أم سلمة قوله وتحتلم بحذف همزة الاستفهام وللكشمهيني أو تحتلم بإثباتها قيل فيه دليل على أن الاحتلام يكون في بعض النساء دون بعض ولذلك أنكرت أم سلمة ذلك لكن الجواب يدل على أنها إنما أنكرت وجود المني من أصله ولهذا أنكر عليها قوله تربت يمينك أي افتقرت وصارت على التراب وهي من الألفاظ التي تطلق عند الزجر ولا يراد بها ظاهرها قوله فبم بموحدة مكسورة وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الطهارة إن شاء الله تعالى

[ 131 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وقد تقدم الكلام على حديث بن عمر ها في أوائل كتاب العلم وأورده هنا لقوله بن عمر فاستحييت ولتأسف عمر على كونه لم يقل لك لتظهر فضيلته فاستلزم حياء بن عمر تفويت لك وكان يمكنه إذا استحى إجلالا لمن هو أكبر منه أن يذكر ذلك لغيره سرا ليخبر به عنه فجمع بين المصلحتين ولهذا عقبة المصنف بباب من استحى فأمر غيره بالسؤال

وأورد فيه حديث على بن طالب قال كنت رجلا مذاه وهو بتثقيل الذال المعجمه والمد أي كثير المذي وهو بإسكان المعجمة الماء الذي يخرج من الرجل عند الملاعبه وسيأتي الكلام عليه في الطهاره أيضا واستد به بعضهم على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدره على المقطوع وهو خطا ففي النسائي أن السؤال وقع وعلي حاضر

قوله باب ذكر العلم أي إلقاء العلم والفتيا في المسجد وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من توقف فيه لما يقع في المباحثة من رفع الأصوات فنبه على الجواز

[ 133 ] قوله ان رجلا قام في المسجد لم أقف على اسم هذا الرجل والمراد بالمسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويستفاد منه أن السؤال عن مواقيت الحج كان قبل السفر من المدينة و قرن بإسكان الراء وغلط من فتحها وقول بن عمر ويزعمون الخ يفسر بمن روى الحديث تاما كابن عباس وغيره وفيه دليل على إطلاق الزعم على القول المحقق لابن عمر سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يفهمه لقوله لم أفقه هذه أي الجملة الاخيره فصار يرويها عن غيره وهو دال على شدة تحريه وورعه وسيأتي الكلام على فوائده في الحج إن شاء الله تعالى

قوله باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله قال بن المنير موقع هذه الترجمة التنبيه على أن مطابقة الجواب للسؤال غير لازم بل إذا كان السبب خاصا والجواب عاما جاز وحمل الحكم على عموم الفظ لا على خصوص السبب لأنه جواب وزيادة فائده ويؤخذ منه أيضا أن المفتي إذا سئل عن واقعة واحتمل عنده أن يكون السائل يتذرع بجوابه إلى أن يعديه إلى غير محل السؤال تعين عليه أن يفصل الجواب ولهذا قال فإن لم يجد نعلين فكأنه سأل عن حالة الاختيار فأجابه عنها وزاده حالة الاضطرار وليست أجنبية عن السؤال لأن حالة السفر تقتضي ذلك وأما ما وقع في كلام كثير من الاصوليين أن الجواب يجب أن يكون مطابقا للسؤال فليس المراد بالمطابقه عدم الزيادة بل المراد أن الجواب يكون مفيدا للحكم المسئول عنه قاله بن دقيق العيد وفي الحديث أيضا العدول عما لاينحصر إلى ما ينحصر طلبا للايجاز لأن السائل سئل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس إذ الأصل الإباحة ولو عدد له ما يلبس لطال به بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم وأيضا فالمقصود ما يحرم لبسه لا ما يحل له لبسه لأنه لا يجب له لباس مخصوص بل عليه أن يجتنب شيئا مخصوصا قوله وابن أبي ذئب هو بالضم عطفا على قول آدم حدثنا بن أبي ذئب والمراد أن آدم سمعه من بن أبي ذئب بإسنادين وفي رواية غير أبي ذر عن الزهري بالعطف على نافع ولم يعد ذكر بن أبي ذئب قوله ان رجلا لم اقف على اسمه وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الحج أيضا إن شاء الله تعالى خاتمة اشتمل كتاب العلم من الأحاديث المرفوعه على مائة حديث وحديثين منها في المتابعات بصيغة التعليق وغيرها ثمانية عشر والتعاليق التي لم يوصلها في مكان آخر أربعة هي كتب لأمير السريه ورحل جابر إلى عبد الله بن أنيس وقصة ضمام في رجوعه إلى قومه وحديث إنما للعلم بالتعلم وباقي ذلك وهو ثمانون حديثا كلها موصولة فالمكرر منها ستة عشر حديثا وبغير تكرير أربعة وستون حديثا وقد وافقه مسلم على تخريجها الا ستة عشر حديثا وهي الأربعة المعلقه المذكورة وحديث أبي هريرة إذا وسد الأمر إلى غير أهله وحديث بن عباس اللهم علمه الكتاب وحديثه في الذبح قبل الرمي وحديث عقبة بن الحارث في شهادة المرضعة وحديث أنس في إعادة الكلمه ثلاثا وحديث أبي هريرة أسعد الناس بالشفاعة وحديث الزبير من كذب علي وحديث سلمة من تقول على وحديث على في الصحيفة وحديث أبي هريرة في كونه أكثر الصحابة حديثا وحديث أم سلمة ماذا أنزل الليلة من الفتن وحديث أبي هريرة حفظت وعاءين والمراد بموافقة مسلم موافقته على تخريج أصل الحديث عن صحابية وأن وقعت بعض المخالفه في بعض السياقات وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم اثنان وعشرون أثرا أربعة منها موصولة والبقيه معلقه قال بن رشيد ختم البخاري كتاب العلم بباب من أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه إشارة منه إلى أنه بلغ الغاية في الجواب عملا بالنصيحه واعتمادا على النية الصحيحة وأشار قبل ذلك بقليل بترجمة من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه إلى أنه ربما صنع ذلك فاتبع الطيب بأبرع سياق وأبدع اتساق رحمه الله تعالى