كتاب الوضوء
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوضوء باب ما جاء في قول الله عز وجل إذا قمتم إلى الصلاة الآية وفي رواية الأصيلي ما جاء في قول الله دون ما قبله ولكريمة باب في الوضوء وقول الله عز وجل الخ والمراد بالوضوء ذكر احكامه وشرائطه وصفته ومقدماته والوضوء بالضم هو الفعل وبالفتح الماء الذي يتوضأ به على المشهور فيهما وحكى في كل منهما الأمران وهو مشتق من الوضاءة وسمي ذلك لأن المصلي يتنظف به فيصير وضيئا وأشار بقوله ما جاء إلى اختلاف السلف في معنى الآية فقال الأكثرون التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين وقال آخرون بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف الا أنه في حق المحدث على الإيجاب وفي حق غيره على الندب وقال بعضهم كان على الإيجاب ثم نسخ فصار مندوبا ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أسماء بنت زيد بن الخطاب حدثت أباه عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه وضع عنه الوضوء الا من حديث ولمسلم من حديث بريده كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر انك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته أي لبيان الجواز وسيأتي حديث أنس في ذلك في باب الوضوء من غير حدث واختلف العلماء أيضا في موجب الوضوء فقيل يجب بالحدث وجوبا موسعا وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معا ورجحه جماعة من الشافعية وقيل بالقيام إلى الصلاة حسب ويدل له ما رواه أصحاب السنن من حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة واستنبط لعض العلماء من قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة إيجاب النية في الوضوء لأن التقدير إذا اردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لاجلها ومثله قولهم إذا رأيت الأمير فقم أي لأجله وتمسك بهذه الآية من قال أن الوضوء أول ما فرض بالمدينة فأما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابه إنما فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة وأنه لم يصل قط الا بوضوء قال وهذا كما لا يجهله عالم وقال الحاكم في المستدرك وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة ثم ساق حديث بن عباس دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقالت هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك فقال ائتوني بوضوء فتوضأ الحديث قلت وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة لا على من أنكر وجوبه حينئذ وقد جزم بن الجهم

المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبا وجزم بن حزم بأنه لم يشرع الا بالمدينة ورد عليهما بما أخرجه بن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود يتيم عروة عنه أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي وهو مرسل ووصله أحمد من طريق بن لهيعة أيضا لكن قال عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه أخرجه بن ماجة من رواية رشد بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا ولو ثبت لكان على شرط الصحيح لكن المعروف رواية بن لهيعة قوله وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرة مرة كذا في روايتنا بالرفع على الخبرية ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق أي فرض الوضوء غسل الأعضاء غسلا مرة مرة أو على الحال الساده مسد الخير أي يفعل مرة أو على لغة من ينصب الجزأين بان وأعاد لفظ مرة لإرادة التفصيل أي الوجه مرة واليد مرة الخ والبيان المذكور يحتمل أن يشير إلى ما رواه بعد من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وهو بيان الفعل لمجمل الآية إذ الأمر يفيد طلب ايجاد الحقيقة ولا يتعين بعدد فبين الشارع أن المرة الواحدة للايجاب وما زاد عليها للاستحباب وستاتي الأحاديث على ذلك فيما بعد وأما حديث أبي كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ففيه بيان الفعل والقول معا لكنه حديث ضعيف أخرجه بن ماجة وله طرق أخرى كلها ضعيفة قوله وتوضأ أيضا مرتين مرتين كذا في رواية أبي ذر ولغيره مرتين بغير تكرار وسيأتي هذا التعليق موصولا في باب مفرد مع الكلام عليه قوله وثلاثا أي وتوضأ أيضا ثلاثا زاد الأصيلي ثلاثا على نسق ما قبله وسيأتي موصولا أيضا في باب مفرد قوله ولم يزد على ثلاث أي لم يأت في شيء من الأحاديث المرفوعه في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم أنه زاد على ثلاث بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم ذم من زاد عليها وذلك لما رواه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم إسناده جيد لكن عده مسلم في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب لأن ظاهره ذم النقص من الثلاث وأجيب بأنه أمر سيء والاساءة تتعلق بالنقص والظلم بالزيادة وقيل فيه حذف تقديره من نقص من واحدة ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد من طريق المطلب بن حنطب مرفوعا الوضوء مرة ومرتين وثلاثا فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقذ أخطأ وهو مرسل رجاله ثقات وأجيب عن الحديث أيضا بان الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه بل أكثرهم مقتصر على قوله فمن زاد فقط كذا رواه بن خزيمة في صحيحه وغيره ومن الغرائب ما حكاه الشيخ أبو حامد الاسفرايني عن بعض العلماء أنه لا يجوز النقص من الثلاث وكأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور وهو محجوج بالإجماع وأما قول مالك في المدونه لا أحب الواحدة الا من العالم فليس فيه إيجاب زيادة عليها والله أعلم قوله وكره أهل العلم الإسراف فيه يشير بذلك إلى ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق هلال بن يساف أحد التابعين قال كان يقال من الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر وأخرج نحوه عن أبي الدرداء وابن مسعود وروى في معناه حديث مرفوع أخرجه أحمد وابن ماجة بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قوله وان يجاوزوا اللخ يشير إلى ما أخرجه بن أبي شيبة أيضا عن بن مسعود قال ليس بعد الثلاث شيء وقال أحمد وإسحاق وغيرهما لا تجوز الزيادة على الثلاث وقال بن المبارك لا آمن أن يأثم وقال الشفعي لا أحب أن يزيد المتوضيء على ثلاث فإن زاد أم أكرهه أي لم أحرمه لأن قوله لا أحب يقتضي الكراهية وهذا الأصح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه وحكى الدارمي منهم عن قوم أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة وهو قياس فاسد ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها أنه لا يندب تجديد الوضوء على الإطلاق واختلف عند الشافعية في القيد إلي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث فالاصح أن صلى فرضا أو نفلا وقيل الفرض فقط وقيل مثله حتى سجد التلاوة والشكر ومس المصحف وقيل ما يقصد له الوضوء وهو أعم وثيل إذا وقع الفصل بزمن يحتمل في مثله نقض الوضوء عادة وعند بعض الحنفية أنه راجع إلى الاعتقاد فإن اعتقد أن الزيادة على الثلاث سنة أو خطأ ودخل في الوعيد وإلا فلا يشترط للتحديد شيء بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم ولا سيما إذا قصد به القربة للحديث الوارد الوضوء على الوضوء نور قلت وهو حديث ضعيف ولعل المصنف أشار إلى هذه الرواية وسيأتي بسط ذلك في أول تفسير المائدة إن شاء الله تعالى ويستثنى من ذلك ما لو علم أنه بقي من العضو شيء لم يصبه الماء في المرات أو بعضها فإنه يغسل موضعه فقط وأما مع الشك الطاريء بعد الفراغ فلا لئلا يؤل به الحال إلى الوسواس المذموم

قوله باب لا تقبل صلاة بغير طهور هو بضم الطاء المهمله والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل وهذه الترجمة لفظ حديث رواه مسلم وغيره من حديث بن عمر وأبو داود وغيره من طريق أبي المليح بن أسامة عن أبيه وله طرق كثيرة لكن ليس فيها شيء على شرط البخاري فلهذا اقتصر على ذكره في الترجمة وأورد في الباب ما يقوم مقامه قوله لا تقبل كذا في روايتنا بالضم على البناء لما لم يسم فاعله أخرجه المصنفي في ترك الحيل عن إسحاق بن نصر وأبو داود عن أحمد بن حنبل كلاهما عن عبد الرزاق بلفظ لا يقبل الله والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الأجزاء وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعه بجزئه رافعة لما في الذمة وأما كان الإتيان بشروطها مظنة الأجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم من أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ولهذا كان بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلى من جميع الدنيا قاله بن عمر قال لأن الله تعالى قال انما يتقبل الله من المتقين

[ 135 ] قوله أحدث أي وجد منه الحديث والمراد به الخارج من أحد السبيلين وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك تنبيها بالأخف على الاغلظ ولانهما قد يقعان في اثناء الصلاة أكثر من غيرهما وأما باقي الأحداث المختلف فيها بين العلماء كمس الذكر ولمس المرأة والقيء ملء الفم والحجامة فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيء منها وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين وقيل أن أبا هريرة اقتصر في الجواب على ما ذكر لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك وفيه بعد واستدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا قوله يتوضأ أي بالماء أو ما يقوم مقامه وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا الصعيد الطيب وضوء المسلم فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة والله أعلم

قوله باب فضل الوضوء والغر المحجلون كذا في أكثر الروايات بالرفع وهو على سبيل الحكاية لما ورد في بعض طرق الحديث أنتم الغر المحجلون وهو عند مسلم أو الواو استئنافيه والغر المحجلون مبتدأ وخبره محذوف تقديره لهم فضل أو الخبر قوله من آثار الوضوء وفي رواية المستملي والغر المحجلين بالعطف على الوضوء أي فضل الغر المحجلين كما صرح به الأصيلي في روايته

[ 136 ] قوله عن خالد هو بن يزيد الإسكندراني أحد الفقهاء الثقات وروايته عن سعيد بن أبي هلال من باب رواية الأقران قوله عن نعيم المجمر بضم الميم واسكان الجيم هو بن عبد الله المدني وصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز بن وفيه نظر فقد جزم إبراهيم الحربي بان نعيما كان يباشر ذلك ورجال هذا الإسناد نصفهم مصريون وهو الليث وشيخه والراوي عنه والنصف الآخر مدنيون قوله رقيت بفتح الراء وكسر القاف أي صعدت قوله فتوضأ كذا الجمهور الرواة وللكشمهيني يوما بدل قوله فتوضأ وهو تصحيف وقد رواه الإسماعيلي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ توضأ وزاد الإسماعيلي فيه فغسل وجهه ويديه فرفع في عضديه وغسل رجليه فرفع في ساقيه وكذا لمسلم من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال نحوه ومن طريق عمارة بن غزية عن نعيم وزاد في هذه أن أبا هريرة قال هكذا رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأفاد رفعه وفيه رد على من زعم أن ذلك من رأى أبي هريرة بل من روايته ورأيه معا قوله أمتي أي أمة الاجابة وهم المسلمون وقد تطلق أمة محمد ويراد بها أمة الدعوه وليست مرادة هنا قوله يدعون بضم أوله أي ينادون أو يسمون قوله غزا بضم المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي ذو غرة وأصل الغرة لمعه بيضاء تكون في جبهة الفرس ثم استعملت في الجمال والشهره وطيب الذكر والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم وغرا منصوب على المفعوليه ليدعون أو على الحال أي إنهم إذا دعوا على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف وكانوا على هذه الصفة قوله محجلين بالمهملة والجيم من التحجيل وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس وأصله من الحجل بكسر المهملة وهو الخلخال والمراد به هنا أيضا النور واستدل الحليمي بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة وفيه نظر لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة ضي الله عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضا مرفوعا قال سيما ليست لأحد غيركم وله من حديث حذيفة نحوه وسيما بكسر المهملة واسكان الياء الاخيره أي علامة وقد اعترض بعضهم على الحليمي بحديث هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وهو حديث ضعيف كما تقدم لا يصح الاحتجاج به لضعفه ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون اممهم الا هذه الأمة قوله من آثار الوضوء بضم الواو ويجوز فتحها على أنه الماء قاله بن دقيق العيد قوله فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل أي فليطل الغرة والتحجيل واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى نحو سرابيل تقيكم الحر واقتصر على ذكر الغرة وهي مؤنثه دون التحجيل ومو مذكر لأن محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء وأول ما يقع عليه النظر من الإنسان على أن في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية ذكر الامرين ولفظه فليطل غرته وتحجيله وقال بن بطال كنى أبو هريرة بالغرة عن التحجيل لأن الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله وفيما قال نظر لأنه يستلزم قلب اللغه وما نفاه ممنوع لأن الاطالة ممكنة في الوجه بان يغسل إلى صفحة العنق مثلا ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على كل من الغرة والتحجيل ثم أن ظاهره أنه بقية الحديث لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم وفي آخره قال نعيم لا أدري قوله من استطاع الخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه والله أعلم واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل فقيل إلى المنكب والركبة وقد ثبت عن أبي هريرة رواية ورأيا وعن بن عمر من فعله أخرجه بن أبي شيبة وأبو عبيد بإسناد حسن وقيل المستحب الزيادة إلى نصف العضد والساق وقيل إلى فوق ذلك وقال بن بطال وطائفة من المالكية لا تستحب الزيادة على الكعب والمرفق لقوله صلى الله عليه وسلم من زاد على هذا فقد أساء وظلم وكلامهم معترض من وجوه ورواية مسلم صريحة في الاستحباب فلا تعارض بالاحتمال واما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك فهي مردودة مما نقلناه عن بن عمر وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية وأما تأويلهم الاطالة المطلوبه بالمداومه على الوضوء فمعترض بان الراوي أدري بمعنى ما روى كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع صلى الله عليه وسلم

وفي الحديث معنى ما ترجم له من فضل الوضوء لأن الفضل الحاصل بالغره والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب فكيف الظن بالواجب وقد وردت فيه أحاديث صحيحه صريحه أخرجها مسلم وغيره وفيه جواز الوضوء على ظهر المسجد لكن إذا لم يحصل منه أذى للمسجد أو لمن فيه والله أعلم

قوله باب بالتنوين لا يتوضأ بفتح أوله على البناء للفاعل قوله من الشك أي بسبب الشك

[ 137 ] قوله حدثنا علي هو بن عبد الله المديني وسفيان هو بن عيينة قوله وعن عباد هو معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب وسقطت الواو من رواية كريمة غلطا لأن سعيدا لا رواية له عن عباد أصلا ثم أن شيخ سعيد فيه يحتمل أن يكون عم عباد كأنه قال كلاهما عن عمه أي عم الثاني وهو عباد ويحتمل أن يكون محذوفا ويكون من مراسيل بن المسيب وعلى الأول جرى صاحب الأطراف ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن الزهري عن بن المسيب عن أبي سعيد الخدري أخرجه بن ماجة ورواته ثقات لكن سئل أحمد عنه فقال أنه منكر قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري سماه مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق بن عيينة واختلف هل هو عم عباد لأبيه ولامه قوله انه شكا كذا في روايتنا شكا بألف ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي وصرح بذلك بن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل ووقع في بعض الروايات شكى بضم أوله على البناء المفعول وعلى هذا فالهاء في أنه ضمير الشأن ووقع في مسلم شكى بالضم أيضا كما ضبطه النووي وقال لم يسم الشاكي قال وجاء في رواية البخاري أنه الراوي قال ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أن شكى بالفتح أي في رواية مسلم وإنما نبهت على هذا لأن بعض الناس قال أنه لم يظهر له كلام النووي قوله الرجل بالضم على الحكاية هو وما بعده في موضع النصب قوله يخيل بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد الياء الأخيرة المفتوحه وأصله من الخيال والمعنى يظن والظن هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغه من أن الظن خلاف اليقين قوله يجد الشيء أي الحديث خارجا منه وصرح به الإسماعيلي ولفظه يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منه شيء وفيه العدول عن ذكر الشيء المستقذر بخاص اسمه الا الضرورة قوله في الصلاة تمسك بعض المالكية بظاهره فخصوا الحكم بمن كان داخل الصلاة واوجبوا الوضوء على من كان خارجها وفرقوا بالنهي عن إبطال العبادة والنهي عن إبطال العبادة متوقف على صحتها فلا معنى للتفريق بذلك لأن هذا التخيل أن كان ناقضا خارج الصلاة فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية النواقض قوله لا ينفتل بالجزم على النهي ويجوز الرفع على أن لا نافيه قوله اولا ينصرف هو شك من الراوي وكأنه من على لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ لا ينصرف من غير شك قوله صوتا أي من مخرجه قوله أو يجد أو للتنويع وعبر بالوجدان دون الشم ليشمل ما لو لمس المحل ثم شم يده ولا حجة فيه لمن استدل على أن لمس الدبر لا ينقض لأن الصورة تحمل على لمس ما قاربه لا عينه ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدييث وليس المراد تخصيص هذين الامرين باليقين لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى قاله الخطابي وقال النووي هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على اصولها حتى يتقين خلاف ذلك ولا يضر الشك الطاريء عليها وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء وروى عن مالك النقض مطلقا وروى عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها وروى هذا التفصيل عن الحسن البصري والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي وهو رواية بن القاسم عنه وروى بن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقا كقول الجمهور وروى بن وهب عنه أحب إلى أن يتوضأ ورواية التفصيل لم تثبت عنه وإنما هي لأصحابه وحمل بعضهم الحديث على من كان به وسواس وتمسك بان الشكوى لا تكون الا من علة وأجيب بما دل على التعميم وهو حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وقوله فلا يخرجن من المسجد أي من الصلاة وصرح بذلك أبو داود في روايته وقال العراقي ما ذهب إليه مالك راجح لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد والغى الشك في السبب المبريء وغيره احتاط للطهاره وهي وسيلة والغى الشك في الحديث الناقض لها والاحتياط للمقاصد أولي من الاحتياط للوسائل وجوابه أن ذلك من حيث النظر قوي لكنه مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلى أن يتحقق وقال الخطابي يستدل به لمن أوجب الحد على من وجد منه ريح الخمر لأنه اعتبر وجدان الريح ورتب عليه الحكم ويمكن الفرق بان الحدود تدرا بالشبهة والشبهه هنا قائمة بخلاف الأول فإنه متحقق

قوله باب التخفيف في الوضوء أي جواز التخفيف

[ 138 ] قوله سفيان هو بن عيينة وعمرو هم بن دينار المكي لا البصري وكريب بالتصغير من الأسماء المفرده في الصحيحين والإسناد مكيون سوى على وقد أقام بها مدة وفيه رواية التابعي عن تابعي عمرو عن كريب قوله وربما قال اضطجع أي كان سفيان يقول تارة نان وتارة اضطجع وليسا مترادفين بل بينهما عموم وخصوص من وجه لكنه لم يرد إقامة أحدهما مقام الآخر بل كان إذا روى الحديث مطولا قال اضطجع فنام كما سيأتي وإذا اختصره قال نام أي مضطجعا أو اضطجع أي نائما قوله ثم حدثنا يعني أن سفيان كان يحدثهم به مختصرا ثم صار يحدثهم به مطولا قوله ليلة فقام كذا للأكثر ولابن السكن فنام بالنون بدل القاف وصوبها القاضي عياض لأجل قوله بعد ذلك فلما كان في بعض الليالي قام انتهى ولا ينبغي الجزم بخطتها لأن توجهها ظاهر وهو أن الفاء في قوله فلما تفصيلية فالجمله الثانية وأن كان مضمونها مضمون الأولى لكن المغايره بينهما بالإجمال والتفصيل قوله فلما كان أي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الليل وللكشمهيني من بدل في فيحتمل أن تكون بمعناها ويحتمل أن تكون زائدة وكان تامة أي فلما حصل بعض الليل قوله شن بفتح المعجمة وتشديد النون أي القربة العتيقة قوله معلق ذكر على إرادة الجلد أو الوعاء وقد أخرجه بعد أبواب بلفظ معلقة قوله يخففه عمرو ويقلله أي يصفه بالتخفيف والتقليل وقال بن المنير يخففه أي لا يكثر الدلك ويقلله أي لا يزيد على مرة مرة قال وفيه دليل على ايجاب الدلك لأنه لو كان يمكن اختصاره لاختصره لكنه لم يختصره انتهى وهي دعوى مردوده فإنه ليس في الخبر ما يقتضي ذلك بل الاقتصار على سيلان الماء على العضو أخف من قليل الدلك قوله نحوا مما توضأ قال الكرماني لم يقل مثلا لأن حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره انتهى وقد ثبت في هذا الحديث كما سيأتي بعد أبواب فقمت فصنعت مثل ما صنع ولا يلزم من إطلاق المثليه المساواه من كل جهة قوله فاذنه بالمدينة أي أعلمه وللمستملي فناداه قوله فصلى ولم يتوضأ فيه دليل على أن النوم ليس حدثا بل مظنة الحدث لأنه صلى الله عليه وسلم كان تنام عينه ولا ينام قلبه فلو أحدث لعلم بذلك ولهذا كان ربما توضأ إذا قام من النوم وربما لم يتوضأ قال الخطابي وإنما منع قلبه النوم ليعي الوحي الذي يأتيه في منامه قوله قلنا القائل سفيان والحديث المذكور صحيح كما سيأتي من وجه آخر وعبيد بن عمير من كبار التابعين ولأبيه عمير بن قتادة صحبة وقوله رؤيا الأنبياء وحي رواه مسلم مرفوعا وسيأتي في التوحيد من رواية شريك عن أنس ووجه الاستدلال بما تلاه من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الأقدام على ذبح ولده وأغرب الداودي الشارح فقال قول عبيد بن عمير لا تعلق له بهذا الباب وهذا الزام منه للبخاري بان لا يذكر من الحديث الا ما يتعلق بالترجمة فقط ولم يشترط ذلك أحد وأن أراد أنه لا يتعلق بحديث الباب أصلا فممنوع والله أعلم وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى



قوله بابا إسباغ الوضوء الاسباغ في اللغه الاتمام ومنه درع سابغ قوله وقال بن عمر هذا التعليق وصله عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح وهو من تفسير السيء بلازمه إذ الاتمام يستلزم الانفاء عادة وقد روى بن المنذر بإسناد صحيح أن بن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات وكأنه بالغ فيهما دون غيرهما لأنهما محل الاوساخ غالبا لاعتيادهم المشي حفاة والله أعلم

[ 139 ] قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي والحديث على الموطأ والإسناد كله مدنيون وفيه رواية تابعي عن تابعي موسى عن كريب وأسامة بن زيد أي بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبيه وجده وصحبه وستأتي مناقبه في مكانها إن شاء الله تعالى قوله دفع عن عرفة أي افاض قوله بالشعب بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل واللام فيه للعهد قوله ولم يسبغ الوضوء أي خففه ويأتي فيه ما تقدم في توجيه الحديث الماضي قوله فقلت الصلاة هو بالنصب على الإغراء أو على الحذف والتقدير أتريد الصلاة ويؤيد قوله في رواية تأتي فقلت اتصلي يا رسول الله ويجوز الرفع والتقدير حانت الصلاة قوله قال الصلاة هو بالرفع على الابتداء وامامك بفتح الهمزة خبره وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بذلك الوضوء شيئا وأما من زعم أن المراد بالوضوء هنا الاستنجاء فباطل لقوله في الرواية الأخرى فجعلت أصب عليه وهو يتوضأ ولقوله هنا ولم يسبغ الوضوء قوله نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة قاله الخطابي وفيه نظر لاحتمال أن يكون أحدث فائده الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم ليلتئذ كان من ماء زمزم أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات مسند أبيه بإسناد حسن من حديث على بن أبي طالب فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى

قوله باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحده مراده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعا والإشارة إلى تضعيف الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بيمينه وجمع الحليمي بينهما بان هذا حيث كان يتوضأ من إناء يصب منه بيساره على يمينه والآخر حيث كان يغترف لكن سياق الحديث يأباه لأن فيه بعد أن تناول الماء بإحدى يديه إضافة إلى الأخرى وغسل بهما

[ 140 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم هو أبي يحيى المعروف بصاعقة وكان أحد الحفاظ وهو من صغار شيوخ البخاري من حيث الإسناد وشيخه منصور كان أحد الحفاظ أيضا وقد أدركه البخاري لكنه لم يلقه وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي زيد عن عطاء قوله انه توضأ زاد أبو داود في أوله من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم اتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فدعا بإناء فيه ماء للنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة قوله فغسل وجهه الفاء تفصيليه لأنها داخله بين المجمل والمفصل قوله اخذ غرفة وهو بيان الغسل وظاهره أن المضمضة والاستنشاق من جملة غسل الوجه لكن المراد بالوجه أو لا ما هو أعم من المفروض والمسنون بدليل أنه أعاد ذكره ثانيا بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغرفه مستقله وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفه واحدة وغسل الوجه باليدين جميعا إذا كان بغرفة واحدة لأن اليد الواحده قد لا تستوعبه قوله اضافها بيان لقوله فجعل بها هكذا قوله فغسل بها أي بالغرفة وللأصيلي وكريمة فغسل بهما أي باليدين قوله ثم مسح براسه لم يذكر لها غرفة مستقله فقد يتمسك به من يقول بطهورية الماء المستعمل لكن في رواية أبي داود ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده ثم مسح رأسه زاد النسائي من طريق عبد العزيز الدراوردي عن زيد وأذنيه مرة واحدة ومن طريق بن عجلان باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه وزاد بن خزيمة من هذا الوجه وادخل أصبعيه فيهما قوله فرش أي سكب الماء قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل قوله حتى غسلها صريح في أنه لم يكتف بالرش وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم فرش على رجله اليمني وفيها النعل ثم مسحها بيديه فوق القدم ويد تحت النعل فالمراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في النعل كما سيأتي عند المصنف من حديث بن عمر وأما قوله تحت النعل فإن لم يحمل على التجوز عن القدم وإلا فهي رواية شاذه وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به فكيف إذا خالف قوله فغسل بها رجله يعني اليسرى قائل يعني هو زيد بن أسلم أو من دونه واستدل بن بطال بهذا الحديث على أن الماء المستعمل طهور لأن العضو إذا غسل مرة واحدة فإن الماء الذي يبقى في اليد منها يلاقي ماء العضو الذي يليه وأيضا فالغرفة تلاقي أول جزء من أجزاء كل عضو فيصير مستعملا بالنسبه إليه وأجيب بان الماء ما دام متصلا باليد مثلا لا يسمى مستعملا حتى ينفصل وفي الجواب بحث تنبيه ذكر بن التين أنه رواه بلفظ فعل بها رجله بالعين المهمله واللام المشدده قال فلعله جعل الرجلين بمنزلة العضو الواحد فعد الغسلة الثانية تكريرا لأن العل هو الشرب الثاني انتهى وهو تكلف ظاهر والحق أنها تصحيف

قوله باب التسميه على كل حال وعند الوقاع أي الجماع وعطفه عليه من عطف الخاص على العام للاهتمام به وليس العموم ظاهرا من الحديث الذي أورده لكن يستفاد من باب الأولى لأنه إذا شرع في حالة الجماع وهي مما أمر فيه بالصمت فغيره أولي وفيه إشارة إلى تضعيف ما ورد من كراهة ذكر الله في حالين الخلاء والرقاع لكن على تقدير صحته لا ينافي حديث الباب لأنه يحمل على حال إرادة الجماع كما سيأتي في الطريق الأخرى ويقيد ما أطلقه المصنف ما رواه بن أبي شيبة من طريق علقمة عن بن مسعود وكان إذا غشي أهله فانزل قال اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبا

[ 141 ] قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر من صغار التابعين وفي الإسناد ثلاثة من التابعين قوله فقضى بينهم كذا للمستملي والحموي وللباقين بينهما وهو أصوب ويجمل الأول على أن أقل الجمع اثنان وسيأتي مباحث هذا الحديث في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى وأفاد الكرماني أنه رأي في نسخة قرئت على الفربري قبل لأبي عبد الله يعني المصنف من لا يحسن العربيه يقولها بالفارسيه قال نعم

قوله باب ما يقول عند الخلاء أي عند إرادة الدخول في الخلاء أن كان معدا لذلك وإلا فلا تقدير تنبيه أشكل إدخال هذا الباب والأبواب التي بعده إلى باب الوضوء مرة مرة لأنه شرع في أبواب الوضوء فذكر منها فرضه وشرطه وفضيلته وجواز تخفيفه واستحباب اسباغه ثم غسل الوجه ثم التسميه ولا أثر لتأخيرها عن غسل الوجه لأن محلها مقارنة أول جزء منه فتقديمها في الذكر عنه وتاخيرها سواء لكن ذكر بعدها القول عند الخلاء واستمر في ذكر ما يتعلق بالاستنجاء ثم رجع فذكر الوضوء مرة مرة وقد خفي وجه المناسبه على الكرماني فاستروح قائلا ما وجه الترتيب بين هذه الأبواب مع أن التسمية إنما هي قبل غسل الوجه لا بعده ثم توسيط أبواب الخلاء بين أبواب الوضوء وأجاب بقوله قلت البخاري لا يراعي حسن الترتيب وجملة قصده إنما هو في نقل الحديث وما يتعلق بصحيحه لا غير انتهى وقد أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير فقال لما ناقش البخاري في أشياء ذكرها من تفسير بعض الألفاظ بما معناه لو ترك البخاري هذا لكان أولي لأنه ليس من موضوع كتابه وكذلك قال فيي مواضع آخر إذا لم يظهر له توجيه ما يقوله البخاري مع أن البخاري في جميع ما يرده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم وأما المباحث الفقهيه فغالبها مستمدة من الشافعي وأبي عبيد وأمثالهما وأما المسائل الكلاميه فاكثرها من الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما والعجب من دعوى الكرماني أنه لا يقصد تحسين الترتيب بين الأبواب مع أنه لا يعرف لأحد من المصنفين على الأبواب من اعتنى بذلك غيره حتى قال جمع من الأئمة فقه البخاري في تراجمه وقد ابديت في هذا الشرح من محاسنه وتدقيقه في ذلك ما لا خفاء به وقد امعنت النظر في هذا الموضوع فوجدته في باديء الرأي يظن الناظر فيه أنه لم يعتن بترتيبه كما قال الكرماني لكنه اعتنى بترتيب كتاب الصلاة اعتناءا تاما كما ساذكره هناك وقد يتلمح أنه ذكر أو لا فرض الوضوء كما ذكرت وأنه شرط لصحة الصلاة ثم فضله وأنه لا يجب الا مع التيقن وأن الزيادة فيه على إيصال الماء إلى العضو ليس بشرط وأن ما زاد على ذلك من الاسباغ فضل ومن ذلك الاكتفاء في غسل بعض الأعضاء بغرفة واحدة وأن التسمية مع أوله مشروعة كما يشرع الذكر عند دخول الخلاء فاستطرد من هنا لاداب الاستنجاء وشرائطه ثم رجع لبيان أن واجب الوضوء المرة الواحده وأن الثنتين والثلاث سنة ثم ذكر سنة الاستنثار إشارة إلى الابتداء بتنظيف البواطن قبل الظواهر وورد الأمر بالاستجمار وترا في حديث الاستنثار فترجم به لأنه من جملة التنظيف ثم رجع إلى حكم التخفيف فترجم بغسل القدمين لا بمسح الخفين إشارة إلى أن التخفيف لا يكفي المسح دون مسمى الغسل ثم رجع إلى المضمضة لأنها أخت الاستنشاق ثم استدل بغسل العقبين لئلا يظن إنهما لا يدخلان في مسمى القدم وذكر غسل الرجلين في النعلين ردا على من قصر في سياق الحديث المذكور فاقتصر على النعلين على ما سأبينه ثم ذكر فضل الابتداء باليمين ومتى يجب طلب الماء للوضوء ثم ذكر حكم الماء الذي يستعمل وما يوجب الوضوء ثم ذكر الاستعانة في الوضوء ثم ما يمتنع على من كان على غير وضوء واستمر على ذلك إذا ذكر شيئا من أعضاء الوضوء استطرد منه إلى ما له به تعلق لمن يمعن التامل إلى أن أكمل كتاب الوضوء على ذلك وسلك في ترتيب الصلاة أسهل من هذا المسلك فأورد أبوابها ظاهرة التناسب في الترتيب فكأنه تفنن في ذلك والله أعلم

[ 142 ] قوله الخبث بضم المعجمه والموحده كذا في الرواية وقال الخطابي أنه لا يجوز غيره وتعقب بأنه يجوز اسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب قال النووي وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بان الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة الا أن يقال أن ترك التخفيف أولي لئلا يشتبه بالمصدر والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة يريد ذكر أن الشياطين واناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما ووقع في نسخة بن عساكر قال أبو عبد الله يعني البخاري ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة فإن كانت مخففة عن المحركة فقد تقدم توجيهه وأن كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال بن الأعرابي المكروه قال فإن كان من الكلام فهو الشتم وأن كان من الملل فهو الكفر وان كان من الطعام فهو الحرام وان كان من الشراب فهو الضار وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومه ليحصل التناسب ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث هكذا على الشك الأول بالإسكان مع الأفراد والثاني بالتحريك مع الجمع أي من الشيء المكروه ومن الشيء المذموم أو من ذكر أن الشياطين واناثهم وكان صلى الله عليه وسلم يستعيد إظهارا للعبوديه ويجهر بها للتعليم وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن بن صهيب بلفظ الأمر قال إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث وإسناده على شرط مسلم وفيه زيادة التسميه ولم أرها في غير هذه الرواية قوله تابعه بن عرعره اسمه محمد وحديثه عند المصنف في الدعوات قوله وقال غندر هذا التعليق وصله البزار في مسنده عن محمد بن بشار بندار عن غندر بلفظه ورواه أحمد بن حنبل عن غندر بلفظ إذا دخل قوله وقال موسى هو بن إسماعيل التبوذكي قوله عن حماد هو بن سلمة يعني عن عبد العزيز بن صهيب وطريق موسى هذه وصلها البيهقي باللفظ المذكور قوله وقال سعيد بن زيد هو أخو حماد بن زيد وروايته هذه وصلها المؤلف في الأدب المفرد قال حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا سعيد بن صهيب قال حدثني أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال فذكر مثل حديث الباب وافادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله إذا دخل الخلاء أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده والله أعلم وهذا في الامكنه المعده لذلك بقرينة الدخول ولهذا قال بن بطال رواية إذا أتى أعم لشمولها انتهى والكلام هنا في مقامين أحدهما هل يختص هذا الذكر بالامكنه المعده لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلا في جانب البيت الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة المقام الثاني متى يقول ذلك فمن يكره ذكر الله في تلك الحاله يفصل أما في الامكنه المعده لذلك فيقوله قبيل دخولها وأما في غيرها فيقوله فيي أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا وهذا مذهب الجمهور وقالوا فيمن نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه ومن يجيز مطلقا كما نقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل تنبيه سعيد بن زيد الذي أتى بالروايه المبينة صدوق تكلم بعضهم في حفظه وليس له في البخاري غير هذا الموضع المعلق لكن لم ينفرد بهذا اللفظ فقد رواه مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز مثله أخرجه البيهقي من طريقه وهو على شرط البخاري

قوله باب وضع الماء عند الخلاء هو بالمدينة وحقيقته المكان الخالي واستعمل في المكان المعد لقضاء الحاجة مجازا

[ 143 ] قوله ورقاء هو بن عمر قوله عن عبيد الله بالتصغير بن أبي زيد مكي ثقة لا يعرف اسم أبيه ووقع في رواية الكشمهيني بن أبي زائدة وهو غلط قوله فوضعت له وضوءا بفتح الواو أي ماء ليتوضأ به وقيل يحتمل أن يكون ناوله إياه ليستنجي به وفيه نظر قوله فأخبر تقدم في كتاب العلم أن ميمونة بنت الحارث خالة بن عباس هي المخبرة بذلك قال التيمي فيه استحباب المكافأة بالدعاء وقال بن المنير مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور أما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء او يضعه على الباب ليتناوله من قرب أو لا يفعل شيئا فرأى الثاني أوفق لأن في الأول تعرضا للاطلاع والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء والثاني اسهلها ففعله يدل على ذكائه فناسب أن يدعي له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع وكا كان وقد تقدمت باقي مباحثه في كتاب العلم

قوله باب لا تستقبل القبلة في روايتنا بضم المثناة على البناء للمفعول وبرفع القبلة وفي غيرها بفتح الياء التحتانيه على البناء للفاعل ونصب القبلة ولام تستقبل مضمومة على أن لا نافيه ويجوز كسرها على أنها ناهيه قوله الا عند البناء جدار أو نحوه وللكشمهيني أو غيره أي كالاحجار الكبار والسواري والخشب وغيرها من السواتر قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور وأجيب بثلاثة أجوبه أحدهما أنه تمسك بحقيقة الغائط لأنه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء وهذه حقيقته اللغويه وأن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازا فيختص النهي به إذ الأصل في الإطلاق الحقيقه وهذا الجواب للإسماعيلي وهو اقواها ثانيها أن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء وأما الجدار والابنيه فإنها إذا استقبلت اضيف إليها الاستقبال عرفا قاله بن المنير ويتقوى بان الامكنه المعده ليست صالحه لأن يصلي فيها قال يكون فيها قبلة بحال وتعقب بأنه يلزم منه أن لا تصح الصلاة من بينه وبين الكعبة مكان لا يصلح للصلاة وهو باطل ثالثها الاستثناء مستفاد من حديث بن عمر المذكور في الباب الذي بعده لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم كله كأنه شيء واحد قاله بن بطال وارتضاه بن التين وغيره لكن مقتضاه أن لا يبقى لتفصيل التراجم معنى فإن قيل لم حملتم الغائط على حقيقته ولم تحملوه على ما هو أعم من ذلك ليتناول الفضاء والبنيان لا سيما والصحابي راوي الحديث قد حمله على العموم فيهما لأنه قال كما سيأتي عند المصنف في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر فالجواب أن أبا أيوب اعمل لفظ الغائط في حقيقته ومجازه وهو المتعمد وكأنه لم يبلغه حديث التخصيص ولولا أن حديث بن عمر دل على تخصيص ذلك بالابنيه لقلنا بالتعميم لكن العمل بالدليلين أولي من الغاء أحدهما وقد جاء عن جابر فيما رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم تاييد ذلك ولفظه عند أحمد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا هرقنا الماء قال ثم رايته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة والحق أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافا لمن زعمه بل هو محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه لأن ذلك هو المعهود من حاله صلى الله عليه وسلم لمبالغته في التستر ورؤية بن عمر له كانت عن غير قصد كما سيأتي فكذا رواية رواية جابر ودعوى خصوصية ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال ودل حديث بن عمر الاتي على جواز استدبار القبلة في الابنيه وحديث جابر على جواز استقبالها ولولا ذلك لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث بن عمر الا جواز الاستدبار فقط ولا يقال يلحق به الاستقبال قياسا لأنه لا يصح الحاقه به لكونه فوقه وقد تمسك به قوم فقالوا بجواز الاستدبار دون الاستقبال حكى عن أبي حنيفة وأحمد بالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقا قال الجمهور وهو مهب مالك والشافعي وإسحاق وهو أعدل الأقوال لاعماله جميع الادله ويؤيده من جهة النظر ما تقدم عن بن المنير أن الاستقبال في البنيان مضاف إلى الجدار عرفا وبأن الامكنه المعده لذلك ماوى الشياطين فليست صالحه لكونها قبلة بخلاف الصحراء فيهما وقال قوم بالتحريم مطلقا وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد وقال ربه أبو ثور صاحب الشافعي ورجحه من المالكية بن العربي ومن الظاهريه بن حزم وحجتهم أن النهي مقدم على الاباحه ولم يصححه حديث جابر الذي اشرنا إليه وقال قوم باجواز مطلقا وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود واعتلوا بان الأحاديث تعارضت فليرجع إلى أصل الاباحه فهو المذاهب الاربعه مشهوره عن العلماء ولم يحك النووي في شرح المهذب غيرها وفي المسألة ثلاثة مذاهب أخرى منها جواز الاستدبار في البنيان فقط تمسكا بظاهر حديث بن عمر وهو قول أبي يوسف ومنها التحريم مطلقا حتى في القبلة المنسوخه وهي بيت المقدس وهو محكي عن إبراهيم وابن سيرين عملا بحديث معقل الأسدي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو بغائط رواه أبو داود وغيره وهو حديث ضعيف لأن فيه راويا مجهول الحال وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة فالعله استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس وقد ادعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقبال الكعبة وفيه نظر لما ذكرناه عن إبراهيم وابن سيرين وقد قال به بعض الشافعية أيضا حكاه بن أبي الدم ومنها أن التحريم مختص بأهل المدينة ومن كان على سمتها فأما من كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقا لعموم قوله شرقوا أو غربوا قاله أبو عوانة صاحب المزني وعكسه البخاري فاستدل به على أنه ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة كما سيأتي في باب قبلة أهل المدينة من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى

[ 144 ] قوله فلا يستقبل بكسر اللام لأن لا ناهيه واللام في القبلة للعهد أي للكعبه قوله ولا يولها ظهره ولمسلم ولا يستدبرها وزاد ببول أو بغائط والغائط الثاني غير الأول أطلق على الخارج من الدبر مجازا من إطلاق اسم المحل على الحال كراهيه لذكره بصريح اسنه وحصل من ذلك جناس تام والظاهر من قوله ببول اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسه ويؤيده قوله في حديث جابر إذا هرقنا الماء وقيل مثار النهي كشف العورة وعلى هذا فيطرد في كل حالة تكشف فيها العوره كالوطء مثلا وقد نقله بن شاش المالكي قولا في مذهبهم وكان قائلة تمسك برواية في الموطأ لا تستقبلوا القبلة بفروجكم ولكنها محمولة على المعنى الأول أي حال قضاء الحاجة جمعا بين الروايتين والله اعلم وسيأتي الكلام على قول أبي أيوب فننحرف ونستغفر حيث أورده المصنف في أوائل الصلاة إن شاء الله تعالى

قوله باب من تبرز بوزن تفعل من البراز بفتح الموحده وهو الفضاء الواسع كنوا به عن الخارج من الدبر كما تقدم في الغائط قوله على لبنتين بفتح اللام وكسر الموحده وفتح النون تثنية لبنة وهي ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق

[ 145 ] قوله يحيى بن سعيد هو الأنصاري المدني التابعي وكذا شيخه وشيخ شيخه في الأوصاف الثلاثه ولكن قيل أن لواسع رؤية فذكر لذلك في الصحابة وأبوه حبان هو بن منقذ بن عمرر له ولأبيه صحبة وقد تقدم في المقدمه أنه بفتح المهملة وبالموحده قوله انه كان يقول أي بن عمر كما صرح به مسلم في روايته وسيأتي لفظه قريبا فأما من زعم أن الضمير يعود على واسع فهو وهم منه وليس قوله فقال بن عمر جوابا لواسع بل الفاء في قوله فقال سببية لأن بن عمر أورد القول الأول منكرا له ثم بين سبب إنكاره بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان يمكنه أن يقول فلقد رأيت الخ ولكن الراوي عنه وهو واسع أراد التأكيد بإعادة قوله قال عبد الله بن عمر قوله ان ناسا يشير بذلك إلى من مكان يقول بعموم النهي كما سبق وهو مروي عن أبي أيوب وأبي هريرة ومعقل الأسدي وغيرهم قوله إذا قعدت ذكر العقود لكونه الغالب وإلا فحال القيام كذلك قوله على حاجتك كنى بهذا عن التبرز ونحوه قوله لقد اللام جواب قسم محذوف قوله على ظهر بيت لنا وفي رواية يزيد الآتية على ظهر بيتنا وفي رواية عبيد الله بن عمر الآتية على ظهر بيت حفصة أي أخته كما صرح به في رواية مسلم ولابن خزيمة دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت وطريق الجمع أن يقال اضافته البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته فله منه سبب وحيث إضافة إلى حفصة كان باعتبار أنه البيت الذي اسكنها النبي صلى الله عليه وسلم فيه واستمر في يدها إلى أن ماتت فورث عنها وسيأتي انتزاع ذلك من هذا الحديث في كتاب الخمس إن شاء الله تعالى وحيث إضافة إلى نفسه كان باعتبار ما آل إليه الحال لأنه ورث حفصة دون إخوته لكونها كانت شقيقته ولم تترك من يحجبه عن الاستيعاب قوله على لبنتين ولابن خزيمة فاشرفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على خلائه وفي رواية له فرأيته يقضي حاجته محجوبا عليه بلبن وللحكيم الترمذي بسند صحيح فرأيته في كنيف وهو بفتح الكاف وكسر النون بعدها ياء تحتانيه ثم فاء وانتفى بهذا إيراد من قال ممن يرى الجواز مطلقا يحتمل أن يكون رآه في الفضاء وكونه رآه على لبنتين لا يدل على البناء لاحتمال أن يكون جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض ويرد هذا الاحتمال أيضا أن بن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء الا بساتر كما رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به ولم يقصد بن عمر الأشراف على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحاله وإنما صعد السطح لضرورة له كما في الرواية الآتية فحانت منه التفاتة كما في رواية للبيهقي من طريق نافع عن بن عمر فعم لما اتفقت له رؤيته في تلك الحاله عن غير قصد أحب أن لا يخلي ذلك من فائدة فحفظ هذا الحكم الشرعبي وكأنه إنما رآه من جهة ظهره حتى ساغ له تأمل الكيفيه المذكورة من غير محذور ودل ذلك على شدة حرص الصحابي على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ليتبعها وكذا كان رضي الله عنه قوله قال أي بن عمر لعلك الخطاب لواسع وغلط من زعم أنه مرفوع وقد فسر مالك المراد بقوله يصلون على اوراكهم أي من يلصق بطنه بوركيه إذا سجد وهو خلاف هيئة السجود المشروعه وهي التجافي والتجنح كما سيأتي بيانه في موضعه وفي النهاية وفسر بأنه يفرج ركبتيه فيصير معتمدا على وركيه وقد استشكلت مناسبة ذكر بن عمر لهذا مع المسألة السابقه فقيل يحتمل أن يكون أراد بذلك أن الذي خاطبه لا يعرف السنة إذ لو كان عارفا بها لعرف الفرق بين الفضاء وغيره أو الفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس وإنما كنى عمن لا يعرف السنة بالذي يصلي على وركيه لأن من يفعل ذلك لا يكون الا جاهلا بالسنة وهذا الجواب للكرماني ولا يخفي ما فيه من التكلف وليس في السياق أن واسعا سأل بن عمر عن المسألة الأولى حتى ينسيه إلى عدم معرفتها ثم الحصر الأخير مردود لأنه قد يسجد على وركيه من يكون عارفا بسنن الخلاء والذي يظهر في المناسبه ما دل عليه سياق مسلم ففي أوله عنده عن واسع قال كنت أصلي في المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي فقال عبد الله يقول الناس فذكر الحديث فكأن بن عمر رأي منه في حال سجوده شيئا لم يتحققه فسأله عنه بالعبارة المذكورة وكأنه بدأ بالقصة الأولى لأنها من روايته المرفوعه المحققه عنده فقدمها على ذلك الأمر المظنون ولا يبعد أن يكون قريب العهد بقول من نقل عنهم ما نقل فأحب أن يعرف الحكم لهذا التابعي لينقله عنه على أنه لا يمتنع ابداء مناسبة بين هاتين المسألتين بخصوصهما وأن لإحداهما بالأخرى تعلقا بان يقال لعل الذي كان يسجد وهو لاصق بطنه بوركيه كان يظن امتناع استقبال القبلة بفرجه في كل حالة كما قدمنا في الكلام على مثار النهي وأحوال الصلاة أربعة قيام وركوع وسجود وقعود وانضمام الفرج فيها بين الوركين ممكن الا إذا جافي في السجود فراي أن في الالصاق ضما للفرج ففعله ابتداعا وتنطعا والسنة بخلاف ذلك والتستر بالثياب كاف في ذلك كما أن الجار كاف في كونه حائلا بين العورة والقبله أن قلنا أن مثار النهي الاستقبال بالعورة فلما حدث بن عمر التابعي بالحكم الأول أشار له إلى الحكم الثاني منبها له على ما ظنه منه في تلك الصلاة التي راها صلاها وأما قول واسع لا أدري فدال على أنه لا شعور عنده بشيء مما ظنه به ولهذا لم يغلظ بن عمر له في الزجر والله أعلم

قوله باب خروج النساء إلى البزار أي الفضاء كما تقدم وهو بفتح الموحده ثم راء وبعد الألف زاي قال الخطابي أكثر الرواة يقولونه بكسر أوله وهو غلط لأن البراز بالكسر هو المبارزه في الحرب قلت بل هو موجه لأنه يطلق بالكسر على نفس الخارج قال الجوهري البراز المبارزه في الحرب والبزار أيضا كناية عن ثقل الغذاء وهو الغائط والبراز بالفتح الفضاء الواسع انتهى فعلى هذا من فتح أراد الفضاء فإن أطلقه على الخارج فهو من إطلاق اسم المحل على الحال كما تقدم مثله في الغائط ومن كسر أراد نفس الخارج

[ 146 ] قوله حدثنا يحيى بن بكير تقدم هذا الإسناد برمته في بدء الوحي وفيه تابعيان عروة وابن شهاب وقرينان الليث وعقيل قوله المناصع بالنون وكسر الصاد المهمله بعدها عين مهمله جمع منصع بوزن مقعد وهي أماكن معروفه من ناحية البقيع قال الداودي سميت بذلك الإنسان ينصع فيها أي يخلص والظاهر أن التفسير مقول عائشة والأفيح بالحناء المهمله المتسع قوله احجب أي امنعهن من الخروج من بيوتهن بدليل أن عمر بعد نزول آية الحجاب قال لسودة ما قال كما سيأتي قريبا ويحتمل أن يكون أراد أو لا الأمر بستر وجوههن فلما وقع الأمر بوفق ما أراد أحب أيضا أن يحجب اشخاصهن مبالغة في التستر فلم يجب لأجل الضرورة وهذا أظهر الاحتمالين وقد كان عمر يعد نزول آية الحجاب من موافقاته كما سيأتي في تفسير سورة الأحزاب وعلى هذا فقد كان لهن في التستر عند قضاء الحاجة حالات أولها بالظلمة لانهن كن يخرجن بالليل دون النهار كما قالت عائشة في هذا الحديث كن يخرجن بالليل وسيأتي في حديث عائشة في قصة الإفك فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وهو يعتبر زنا وكنا لا نخرج الا ليلا إلى ليل انتهى ثم نزل الحجاب فتسترن بالثياب لكن كانت اشخاصهن ربما تتميز ولهذا قال عمر لسودة في المرة الثانية بعد نزول الحجاب أما والله ما تخفين علينا ثم اتخذت الكنف في البيوت فتسترن بها كما في حديث عائشة في قصة الإفك أيضا فإن فيها وذلك قبل أن تتخذ الكنف وكان قصة الإفك قبل نزول آية الحجاب

كما سيأتي شرحه في موضعه إن شاء الله تعالى قوله فأنزل الله الحجاب وللمستملي آية الحجاب زاد أبو عوانة في صحيحه من طريق الزبيدي عن بن شهاب فانزل الله الحجاب يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية وسيأتي تفسير الأحزاب أن سبب نزولها قصة زينب بنت جحش لما أولم عليها وتأخر النفر الثلاثه في البيت واستحيا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالخروج فنزلت آية الحجاب وسيأتي أيضا حديث عمر قلت يا رسول الله أن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو امرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب وروى بن جرير في تفسيره من طريق مجاهد قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يأكل ومعه بعض أصحابه وعائشه تأكل معهم إذ أصابت يد رجل منهم يدها فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت آية الحجاب وطريق الجمع بينهما أن أسباب نزول الحجاب تعددت وكانت قصة زينب آخرها للنص على قصتها في الآية والمراد باية الحجاب في بعضها قوله تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن

قوله حدثنا زكريا هو بن يحيى وسيأتي حديثه هذا في التفسير مطولا ومحصلة أن سودة خرجت بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت عظيمة الجسم فراها عمر بن الخطاب فقال يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين فرجعت فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتعشى فأوحى إليه فقال أنه قد إذن لكن أن تخرجن لحاجتكن قال بن بطال فقه هذا الحديث أنه يجوز للنساء التصرف فيما لهن الحاجة إليه من مصالحهن وفيه مراجعة الأدنى للاعلى فيما يتبين له أنه الصواب وحيث لا يقصد التعنت وفيه منقبة لعمر وفيه جواز كلام الرجال مع النساء في الطرق الضروريه وجواز الاغلاظ في القول لمن يقصد الخير وفيه جواز وعظ الرجل أمة في الدين لأن سودة من أمهات المؤمنين وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي في الأمور الشرعيه لأنه لم يامرهن بالحجاب مع وضوح الحاجة إليه حتى نزلت الآية وكذا في إذنه لهن بالخروج والله أعلم

قوله باب التبرز في البيوت عقب المصنف بهذه الترجمة ليشير إلى أن خروج النساء للبراز لم يستمر بل اتخذت بعد ذلك الاخليه في البيوت فاستغنين عن الخروج الا للضرورة

[ 147 ] قوله عبيد الله أي بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو تابعي صغير من فقهاء أهل المدينة واثباتهم والإسناد كله مدنيون

[ 148 ] قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي ويزيد هو بن هارون كما لأبي ذر والأصيلي ويحيى هو بن سعيد الأنصاري الذي روى مالك عنه هذا الحديث كما تقدم ولم يقع في رواية يحيى مستدير القبلة أي الكعبة كما في رواية عبيد الله بن عمر لأن ذلك من لازم من استقبل الشام بالمدينة وإنما ذكرت في رواية عبيد الله للتأكيد والتصريح به والتعبير تارة بالشام وتارة ببيت المقدس بالمعنى لأنهما في جهة واحدة

قوله باب الاستنجاء بالماء أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه وعلى من نفى وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى بن أبي شيبة بأسانيد صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذا لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن بن عمر كان لا يستنجي بالماء وعن بن الزبير قال ما كنا نفعله ونقل بن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء وعن بن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم

[ 149 ] قوله هشام بن عبد الملك هو الطيالسي والإسناد كله بصريون قوله اجيء أنا وغلام زاد في الرواية الآتية عقبها منا أي من الأنصار وصرح به الإسماعيلي في روايته ولمسلم نحوي أي مقارب لي في السن والغلام هو المترعرع قاله أبو عبيد وقال في المحكم من لدن الفطام إلى سبع سنين وحكى الزمخشري في أساس البلاغه أن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز قوله اداوة بكسر الهمزه إناء صغير من حلد قوله من ماء أي مملوءه من ماء قوله يعنى يستنجي به قائل يعني هو هشام وقد رواه المصنف بعد هذا عن سليمان بن حرب فلم يذكرها لكنه رواه عقبة من طريق محمد بن جعفر عن شعبة فقال يستنجي بالماء والإسماعيلي من طريق بن مرزوق عن شعبة فانطلق أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها النبي صلى الله عليه وسلم وللمصنف من طريق روح بن القاسم عن عطاء بن أبي ميمونة إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به ولمسلم من طريق خالد الحذاء عن عطاء عن أنس فخرج علينا وقد استنجى بالماء وقد بان بهذه الروايات أن حكاية الاستنجاء من قول أنس راوي الحديث ففيه الرد على الأصيلي حيث تعقب على البخاري استدلاله بهذا الحديث على الاستنجاء بالماء قال لأن قوله يستنجى به ليس هو من قول أنس إنما هو من قول أبي الوليد أي أحد الرواة عن شعبة قال رواه سليمان بن حرب عن شعبة فلم يذكرها قال فيحتمل أن يكون الماء لوضوئه انتهى وقد انتفى هذا الاحتمال بالروايات التي ذكرناها وكذا فيه الرد على من زعم أن قوله يستنجي بالماء مدرج من قول عطاء الراوي عن أنس فيكون مرسلا فلا حجة فيه كما حكاه بن التين عن أبي عبد الملك البوني فإن رواية خالد التي ذكرناها تدل على أنه قول أنس حيث قال فخرج علينا ووقع هنا في نكت البدر الزركشي تصحيف فإنه نسب التعقب المذكور إلى الإسماعيلي وإنما هو للاصيلي وأقره فكأنه ارتضاه وليس بمرضي كما اوضحناه وكذا نسبه الكرماني إلى بن بطال وأقره عليه وابن بطال إنما أخذه عن الأصيلي

قوله باب من حمل معه الماء لطهوره هو بالضم أي ليتطهر به قوله وقال أبو الدرداء أليس فيكم هذا الخطاب لعلقمه بن قيس والمراد بصاحب النعلين وما ذكر معهما عبد الله بن مسعود لأنه كان يتولى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وصاحب النعلين في الحقيقه هو النبي صلى الله عليه وسلم وقيل لابن مسعود صاحب النعلين مجازا لكونه كان يحملهما سيأتي الحديث المذكور موصولا عند المصنف في المناقب إن شاء الله تعالى وايراد المصنف لحديث أنس مع هذا الطرف من حديث أبي الدرداء يشعر أشعارا قويا بان الغلام المذكور في حديث أنس هو بن مسعود وقد قدمنا أن لفظ الغلام يطلق على غير الصغير مجازا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود بمكة وهو يرعى الغنم انك لغلام معلم وعلى هذا فقول أنس وغلام منا أي من الصحابة أو من خدم النبي صلى الله عليه وسلم وأما رواية الإسماعيلي التي فيها من الأنصار فلعلها من تصرف الراوي حيث رأي في الرواية منا فحملها على القبيلة فرواها بالمعنى فقال من الأنصار أو إطلاق الأنصار على جميع الصحابة سائغ وأن كان العرف خصه بالاوس والخزرج وروى أبو داود من حديث أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة فاستنجى فيحتمل أن يفسر به الغلام المذكور في حديث أنس ويؤيده ما وأراه المصنف في ذكر الجن من حديث أبي هريرة أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الاداوه لوضوئه وحاجته وأيضا أن في رواية أخرى لمسلم أن أنسا وصفه بالصغر في ذلك الحديث فيبعد لذلك أن يكون هو بن مسعود والله أعلم ويكون المراد بقوله اصغرنا أي في الحال لقرب عهده بالإسلام وعند مسلم في حديث جابر الطويل الذي في آخر الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق لحاجته فاتبعه جابر بأداوة فيحتمل أن يفسر به المبهم لا سيما وهو أنصاري ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق عاصم بن على بن شعبة فاتبعه وأنا غلام بتقديم الواو فتكون حاليه لكن تعقبه الإسماعيلي بان الصحيح أنا وغلام أي بواو العطف

قوله باب حمل العنزه مع الماء في الاستنجاء العنزه بفتح النون عصا اقصر من الرمح لها سنان وقيل هي الحربه القصيره ووقع في رواية كريمة في آخر حديث هذا الباب العنزه عصا عليها زج رأي مضمونه ثم جيم مشدده أي سنان وفي الطبقات لابن سعد أن النجاشي كان اهداها للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا يؤكد كونها كانت على صفة الحريه لأنها من الات الحبشه كما سيأتي في العيدين إن شاء الله تعالى

[ 151 ] قوله سمع أنس بن مالك أي أنه سمع ولفظه أنه تحذف في الخط عرفا قوله يدخل الخلاء المراد به هنا الفضاء لقوله في الرواية الأخرى كان إذا خرج لحاجته ولقرينه جمل العنزة مع الماء فإن الصلاة إليها إنما تكون حيث لا سترة غيرها وأيضا فإن الاخلية التي في البيوت كان خدمته متعلقه باهله وفهم بعضهم من تبويب البخاري أنها كانت تحمل ليستتر بها عند قضاء الحاجة وفيه نظر لأن ضابط السترة في هذا ما يستر الاسافل والعنزة ليست كذلك نعم يحتمل أن يركزها امامه وبضع عليها الثوب الساتر أو يركزها بجنبه لتكون إشارة إلى منع من يروم المرور بقربه أو تحمل لنبش الأرض الصلبه أو لمنع ما يعرض من هوام الأرض لكونه صلى الله عليه وسلم كان يبعد عند قضاء الحاجة أو تحمل لأنه كان إذا استنجى توضأ وإذا توضأ صلى وهذا أظهر الأوجه وسيأتي التبويب على العنزة في سترة المصلي في الصلاة واستدل البخاري بهذا الحديث على غسل البول كما سيأتي وفيه جواز استخدام الأحرار خصوصا إذا ارصدوا لذلك ليحصل لهم التمرن على التواضع وفيه أن في خدمة العالم شرفا للمتعلم لكون أبي الدرداء مدح بن مسعود بذلك وفيه حجة على بن حبيب حيث منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم لأن ماء المدينة كان عذبا واستدل به بعضهم على استحباب التوضؤ من الاواني دون الأنهار والبرك ولا يستقيم الا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم وجد الأنهار والبرك فعدل عنها إلى الاواني قوله تابعة النضر أي بن شميل تابع محمد بن جعفر وحديثه موصول عند النسائي قوله وشاذان ايي الأسود بن عامر وحديثه عند المصنف في الصلاة ولفظه ومعنا عكازة أو عصا أو عنزة والظاهر أن أو شك من الراوي لتوفق الروايات على ذكر العنزوة والله أعلم وجميع الرواة المذكورين في هذه الأبواب الثلاثه بصريون

قوله باب النهي عن الاستنجاء باليمين أي باليد اليمني وعبر النهي إشارة إلى أنه لم يظهر له هل هو للتحريم أو للتنزيه أو أن القرينة الصارفه للنهي عن التحريم لم تظهر له وهي أن ذلك أدب من الآداب وبكونه للتنزيه قال الجمهور وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم وفي كلام جماعة من الشافعة ما يشعر به لكن قال النووي مراده من قال منهم لا يجوز الاستنجاء باليمين أي لا يكون مباحا ما يستوي طرفاه بل هو مكروه راجح الترك ومع القول بالتحريم فمن فعله أساء واجزاه وقال أهل الظاهر وبعض الحنابله لا يجزئ ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بالة غيرها كالماء وغيره أما بغير آلة فحرام غير مجزئ بلا خلاف واليسرى في ذلك كاليمنى والله أعلم

[ 152 ] قوله حدثنا معاذ بن فضالة بفتح الفاء والضاد المعجمه وهو بصري من قدماء شيوخ البخاري قوله هو الدستوائي أي بن عبد الله لا بن حسان وهما بصريان ثقتان مشهوران من طبقة واحده قوله عن أبيه أي أبي قتادة الحارث وقيل عمرو وقيل النعمان الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مشاهدة أحد ومات سنة أربع وخمسين على الصحيح فيهما قوله فلا يتنفس بالجزم ولا ناهيه في الثلاثة وروى بالضم فيها على أن لا نافيه قوله في الإناء أي داخله وأما إذا ابانه وتنفس فهي السنة كما سيأتي في حديث أنس في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى وهذا النهي للتأدب لإرادة المبالغه في النظافه إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار رديء فيكسبه رائحة كريهه فيتقذر بها هو أو غيره عن شربه قوله وإذا أتى الخلاء أي فبال كما فسرته الرواية التي بعدها قوله ولا يتمسح بيمينه أي لا يستنج وقد آثار الخطابي هنا بحثا وبالغ في التبجح وحكى عن أبي على بن أبي هريرة أنه ناظر رجلا من الفقهاء الخراسانيين فسأله عن هذه المسألة فأعياه جوابها ثم أجاب الخطابي عنه بجواب فيه نظر ومحصل الإيراد أن المستجمر متى استجمر بيساره استلزم مس ذكره بيمينه ومتى امسكه بيساره استلزم استجماره بيمينه وكلاهما قد شمله النهي ومحصل الجواب أنه يقصد الأشياء الضخمه التي لا تزول بالحركه كالجدار ونحوه من الأشياء البارزه فيستجمر بها بيساره فإن لم يجد فليلصق مقعدته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه أو ابهامي رجليه ويستجمر بيساره فلا يكون متصرفا في شيء من ذلك بيمينه انتهى وهذه هيئه منكرة بل يتعذر فعلها في غالب الأوقات وقد تعقبه الطيبي بان النهي عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر والنهي عن المس مختص بالذكر فبطل الإيراد من أصله كذا قال وما ادعاه من تخصيص الاستنجاء بالدبر مردود والمس وأن كان مختصا بالذكر لكن يلحق به الدبر قياسا والتنصيص على الذكر مفهوم له بل فرج المرأة كذلك وإنما خص الذكر بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون والنساء شقائق الرجال في الأحكام الا ما خص والصواب في الصورة التي أوردها الخطابي ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزالي في الوسيط والبغوي في التهذيب أنه يمر العضو بيساره على شيء يمسكه بيمينه وهي قارة غير متحركه فلا يعد مستجمرا باليمين ولا ماسا بها ومن ادعى أنه في هذه الحاله يكون مستجمرا بيمينه فقد غلط وإنما هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء

قوله باب لايمسك ذكره بيمينه إذا بال أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا وقال بعض العلماء يكون ممنوعا أيضا من باب الأولى لأنه نهى عن ذلك مظنة الحاجة في تلك الحاله وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة بان مظنة الحاجة لا تختص بحاله الاستنجاء وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاور الشيء يعطي حكمة فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس الته حسما للماده ثم استدل على الاباحه بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن على حين سأله عن مس ذكره إنما هو بضعة منك فدل على الجواز في كل حال فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وبقي ما عداها على الإباحة انتهى والحديث الذي أشار إليه صحيح أو حسن وقد يقال حمل المطلق على المقيد غير متقن عليه بين العلماء ومن قال به يشترط فيه شروطا لكن نبه بن دقيق العيد على أن محل الاختلاف إنما هو حيث تتغاير مخارج الحديث بحيث يعد حديثين مختلفين فأما إذا اتحد المخرج وكان الاختلاف فيه من بعض الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف لأن التقيد حينئذ يكون زيادة من عدل فتقبل

[ 153 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وقد صرح بن خزيمة في روايته بسماع يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة وصرح بن المنذر في الأوسط بالتحديث في جميع الإسناد أورده من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي فحصل الأمن من محذور التدليس قوله فلا يأخذن كذا لأبي ذر بنون التاكيد ولغيره بدونها وهو مطابق لقوله في الترجمة لايمسك وكذا في مسلم التعبير بالمسك من رواية همام عن يحيى ووقع في رواية الإسماعيلي لا يمس فاعترض على ترجمة البخاري بان المس أعم من المسك يعني فكيف يستدل بالاعم على الاخص ولا إيراد على البخاري من هذه الحيثية لما بيناه واستنبط من بعضهم منع الاستنجاء باليد فيها الخاتم المنقوش فيه اسم الله تعالى لكون النهي عن ذلك لتشريف اليمن فيكون ذلك من باب أولي وما وقع في العتيبيه عن مالك من عدم الكراهة قد أنكره حذاق أصحابه وقيل الحكمه في النهي لكون اليمن معدة للاكل بها فلو تعاطى ذلك بها لامكن أن يتذكره عند الأكل فيتأذى بذلك والله أعلم قوله ولا يتنفس في الإناء جملة خبريه مستقله أن كانت لا نافيه وأن كانت ناهيه فمعطوفه لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه مقيدا بقيد أن يكون المعطوف مقيدا به لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول وإنما هو حكم مستقل ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكره هنا أن الغالب من أخلاق المؤمنين التاسي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان إذا بال توضأ وثبت أنه شرب فضل وضوئه فالمؤمن بصدد أن يفعل ذلك فعلمه أدب الشرب مطلقا لاستحضاره بن والتنفس في الإناء مختص بحالة الشرب كما دل عليه سياق الرواية التي قبله وللحاكم من حديث أبي هريرة لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه والله أعلم

قوله باب الاستنجاء بالحجارة أراد بهذه الترجمة الرد على من زعم أن الاستنجاء مختص بالماء والدلالة على ذلك من قوله استنفض فإن معناه استنجى كما سيأتي

[ 154 ] قوله حدثنا أحمد بن محمد المكي هو أبو الوليد الارزقي جد أبي الوليد محمد بن عبد الله صاحب تاريخ مكة وفي طبقته أحمد بن محمد المكي أيضا لكن كنيته أبو محمد واسم جده عون ويعرف بالقواس وقد وهم من زعم أن البخاري روى عنه وإنما روى عن أبي الوليد ووهم أيضا من جعلهما واحدا قوله عن جده يعني سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق الذي ولي إمرة المدينة وكان يجهز البعوث إلى مكة كما تقدم في حديث أبي شريح الخزاعي وكان عمرو هذا قد تغلب على دمشق في زمن عبد الملك بن مروان فقتله عبد الملك وسير أولاده إلى المدينة وسكن ولده مكة لما ظهرت دولة بني العباس فاستمروا بها ففي الإسناد مكيان ومدنيان قوله اتبعت بتشديد التاء المثناة أي سرت وراءه والواو في قوله وخرج حالية وفي قوله وكان استئنافيه وفي رواية أبي ذر فكان بالفاء قوله فدنوت منه زاد الإسماعيلي استأنس واتنحنح فقال من هذا فقلت أبو هريرة قوله الغنى بالوصل من الثلاثي أي أطلب لي يقال بغيتك الشيء أي طلبته لك وفي رواية بالقطع أي أعني على الطلب يقال ابغيتك الشيء أي اعنتك على طلبه والوصل أليق بالسياق ويؤيده رواية الإسماعيلي ائتني قوله استنفض بفاء مكسوره وضاد معجمة مجزوم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع على الاستئناف قال القزاز قوله استنفض استفعل من النفض وهو أن تهز الشيء ليطير غباره قال وهذا موضع استنظف أي بتقديم الظاء المالة على الفاء ولكن كذا روى انتهى والذي وقع في الرواية صواب ففي القاموس استنفضه استخرجه وبالحجر استنجى وهو مأخوذ من كلام المطرزي قال الاستنفاض والاستخراج ويكنى به عن الاستنجاء ومن وأراه بالقاف والصاد المهمله فقد صحف انتهى ووقع في رواية الإسماعيلي استنجى بدل استنفض وكأنها المراد بقوله في روايتنا أو نحوه ويكون التردد من بعض رواته قوله ولا تاتني كأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن يفهم أبو هريرة من قوله استنجى أن كل ما يزيل الأثر وينقي كاف ولا اختصاص لذلك بالأحجار فنبهه باقتصاره في النهي على العظم والروث على أن ما سواهما يجزيء ولو كان ذلك مختصا بالاحجار كما يقوله بعض الحنابله والظاهريه لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنى وإنما خص الأحجار بالذكر لكثرة وجودها وزاد المصنف في المبعث في هذا الحديث أن أبا هريرة قال له صلى الله عليه وسلم لما فرغ ما بال العظم والروث قال هما من طعام الجن والظاهر من هذا التعليل اختصاص المنع بهما نعم يلتحق بهما جميع المطعومات التي للآدميين قياسا من باب الأولى وكذا المحترمات كأوراق كتب العلم ومن قال علة النهي عن الروث كونه نجسا الحق به كل نجس ومتنجس وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة الحق به ما في معناه كالزجاج الاملس ويؤيده ما وأراه الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجي بروث أو بعظم وقال إنهما لا يطهران وفي هذا رد على من زعم أن الاستنجاء يجزئ وأن كان منهيا عنه وسيأتي في كتاب المبعث بيان قصة وفد الجن وأي وقت كانت إن شاء الله تعالى قوله واعرضت كذا في أكثر الروايات وللكشمهيني واعترضت بزيادة مثناة بعد العين والمعنى متقارب قوله فلما قضى أي حاجته اتبعه بهمزة قطع أي ألحقه وكنى بذلك عن الاستنجاء وفي الحديث جواز أتباع السادات وأن لم يامروا بذلك واستخدام الإمام بعض رعيته والاعراض عن قاضي الحاجة والاعانه على إحضار ما يستنجى به واعداده عنده لئلا يحتاج إلى طلبها بعد الفراغ فلا يا من التلوث والله أعلم

قوله باب بالتنوين لا يستنجي بضم أوله

[ 155 ] قوله زهير هو بن معاوية الجعفي الكوفي والإسناد كله كوفيون وأبو إسحاق هو السبيعي وكذا شيخه عبد الرحمن وأبوه الأسود قوله ليس أبو عبيدة أي بن عبد الله بن مسعود وقوله ذكره أي لي ولكن عبد الرحمن بن الأسود أي هو الذي ذكره لي بدليل قوله في الرواية الآتية المعلقه حدثني عبد الرحمن وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح فتكون منقطعه بخلاف رواية عبد الرحمن فإنها موصولة ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق فمراد أبي إسحاق هنا بقوله ليس أبو عبيدة ذكره أي لست ارويه الآن عن أبي عبيدة وإنما ارويه عن عبد الرحمن قوله عن أبيه هو الأسود بن يزيد النخعي صاحب بن مسعود وقال بن التين هو الأسود بن عبد يغوث الزهري وهو غلط فاحش فإن الأسود الزهري للم يسلم فضلا عن أن يعيش حتى يروي عن عبد الله بن مسعود قوله اتى الغائط أي الأرض المطمئنه لقضاء الحاجة قوله فلم أجد وللكشمهيني فلم أجده أي الحجر الثالث قوله بثلاثة أحجار فيه العمل بما دل عليه النهي في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار رواه مسلم وأخذ بهذا الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الانقاء إذا لم يحصل بها فيزداد حتى ينقى ويستحب حينئذ الايتار لقوله ومن استجمر فليوتر وليس بواجب لزيادة في أبي داود حسنة الإسناد قال ومن فلا حرج وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب قال الخطابي لو كان القصد الإبقاء فقط لخلا اشتراط العدد عن الفائده بن فلما اشترط العدد لفظا وعلم الانقاء فيه معنى دل على إيجاب الامرين ونظيره العدة بالإقراء فإن العدد مشترط ولو تحققت براءة الرحم بقرء واحد قوله فاخذت روثة زاد بن خزيمة في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثة حمار ونقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير قوله والقى الروثه استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثه قال لأنه لو كان مشترطا لطلب ثالثا كذا قال وغفل رحمه الله عما أخرجه أحمد في مسنده من طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة عن بن مسعود في هذا الحديث فإن فيه فألقى الروثة وقال أنها ركس ائتني بحجر ورجاله ثقات اثبات وقد تابع عليه معمر أبو شعبة الواسطي وهو ضعيف أخرجه الدارقطني وتابعهما عمار بن رزيق أحد الثقات عن أبي إسحاق وقد قيل أن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة لكن أثبت سماعه لهذا الحديث منه الكرابيسي وعلى تقدير أن يكون أرسله عنه فالمرسل حجة عند المخالفين وعندنا أيضا إذا اعتضد واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثه فلم يجدد الأمر بطلب الثالث أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث لأن المقصود بالثلاثه أن يمسح بها ثلاث مسحات وذلك حاصل ولو بواحد والدليل على صحته أنه لو مسح بطرف واحد ورماه ثم جاء شخص آخر فمسح بطرفه الآخر لاجزاهما بلا خلاف وقال أبو الحسن بن القصار المالكي وروى أنه أتاه بثالث لكن لا يصح ولو صح فالاستدلال به لمن يشترط الثلاثه قائم لأنه اقتصر في الموضعين على ثلاثة فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة انتهى وفيه نظر أيضا لأن الزيادة ثابتة كما قدمناه وكأنه إنما وقف على الطريق التي عند الدارقطني فقط ثم يحتمل أن يكون لم يخرج منه شيء الا من سبيل واحد وعلى تقدير أن يكون خرج منهما فيحتمل أن يكون امتفى للقبل بالمسح في الأرض وللدبر بالثلاثة أو مسح من كل منهما بطرفين وأما استدلالهم على عدم الاشتراط للعدد بالقياس على مسح الرأس ففاسد الاعتبار ىنه في مقابلة النص الصريح كما قدمناه من حديث أبي هريرة وسلمان والله أعلم قوله هذا ركس كذا وقع هنا بكسر الراء واسكان الكاف فقيل هي لغة في رجس بالجيم ويدل عليه رواية بن ماجة وابن خزيمة في هذا الحديث فإنها عندها بالجيم وقيل الركس الرجيع رد من حالة الطهاره إلى حالة النجاسه قاله الخطابي وغيره والأولى أن يقال رد من حالة الطعام إلى حالة الروث وقال بن بطال لم أر هذا الحرف في اللغه يعني الركس بالكاف وتعقبه أبو عبد الملك بان معناه الرد كما قال تعالى اركسوا فيها أي ردوا فكأنه قال هذا رد عليك انتهى ولو ثبت ما قال لكان بفتح الراء يقال ركسه ركسا إذا رده وفي رواية الترمذي هذا ركس يعني نجسا وهذا يؤيد الأول وأغرب النسائي فقال عقب هذا الحديث الركس طعام الجن وهذا أن ثبت في اللغه فهو مريح من الاشكال قوله وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه يعني يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق وهو جده قال حدثني عبد الرحمن يعني بن الأسود بن يزيد بالإسناد المذكور أو لا وأراد البخاري بهذا التعليق الرد على من زعم أن أبا إسحاق دلس هذا الخبر كما حكى ذلك عن سليمان الشاذكوني حيث قال لم يسمع في التدليس باخفى من هذا قال ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن ولم يقل ذكره لي انتهى وقد استدل الإسماعيلي أيضا على صحة سماع أبي إسحاق لهذا الحديث من عبد الرحمن يكون يحيى القطان رواه عن زهير فقال بعد أن أخرجه من طريقه والقطان لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لأبي إسحاق وكأنه عرف ذلك بالاستقراء من صنيع القطان أو بالتصريح من وقلة فانزاحت عن هذه الطريق علة التدليس وقد اعله قوم بالاضطراب وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي إسحاق في كتاب العلل واستوفيته في مقدمة الشرح الكبير لكن رواية زهير هذه ترجحت عند البخاري بمتابعة يوسف حفيد أبي إسحاق وتابعهما شريك القاضي وزكريا بن أبي زائدة وغيرهما وتابع أبا إسحاق على روايته عن عبد الرحمن المذكور ليث بن أبي سليم وحديثه يستشهد به أخرجه بن أبي شيبة ومما يرجحها أيضا استحضار أبي إسحاق لطريق أبي عبيدة وعدوله عنها بخلاف رواية إسرائيل عنه عن أبي عبيدة فإنه لم يتعرض فيها لرواية عبد الرحمن كما أخرجه الترمذي وغيره فلما أختار في رواية زهير طريق عبد الرحمن على طريق أبو عبيدة دل على أنه عارف بالطريقين وأن رواية عبد الرحمن عنده أرجح والله أعلم

قوله باب الوضوء مرة مرة أي لكل عضو والحديث المذكور في الباب مجمل وقد تقدم بيانه في باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة وسفيان هو الثوري والراوي عنه الفريابي لا البيكندي وصرح أبو داود الإسماعيلي في روايتهما بسماع سفيان له من زيد بن أسلم

قوله باب الوضوء مرتين مرتين أي لكل عضو

[ 157 ] قوله حدثنا الحسين بن عيسى هو البسطامي بفتح الموحده ويونس هو المؤدب وفليح ومن فوقه مدنيون وعبد الله بن زيد هو بن عاصم المازني وحديثه هذا مختصر من حديث مشهور في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بعد من حديث مالك وغيره لكن ليس فيه الغسل مرتين الا في اليدين إلى المرفقين نعم روى النسائي من طريق سفيان بن عيينة في حديث عبد الله بن زيد التثنيه في اليدين والرجلين ومسح الرأس وتثليث غسل الوجه لكن في الرواية المذكورة نظر سنشير إليه بعد إن شاء الله تعالى وعلى هذا فحق حديث عبد الله بن زيد أن يبوب له غسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثا وقد روى أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين وهو شاهد قوي لرواية فليح هذه فيحتمل أن يكون حديثه هذا المجمل غير حديث مالك المبين لاختلاف مخرجهما والله أعلم

قوله باب الوضوء ثلاثا ثلاثا أي لكل عضو

[ 158 ] قوله عطاء بن يزيد هو الليثي المدني والإسناد كله مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين حمران وهو بضم المهمله بن أبان وعطاء وابن شهاب وفي الإسناد الذي يليه أربعة من التابعين حمران وعروة وهما قرينان وابن شهاب وصالح بن كيسان وهما قرينان أيضا قوله دعا بانا وفي رواية شعيب الآتية قريبا دعا بوضوء وكذا لمسلم من طريق يونس وهو بفتح الواو اسم للماء المعد للوضوء وبالضم الذي هو الفعل وفيه الاستعانه على إحضار ما يتوضأ قوله فافرغ أي صب قوله على كفيه ثلاث مرار كذا لأبي ذر وأبي الوقت وللأصيلي وكريمة مرات مثناة آخره وفي غسل اليدين قبل ادخالهما الإناء ولو لم يكن عقب نوم احتياطا قوله ثم ادخل يمينه فيه الاغتراف باليمين واستدل به بعضهم على عدم اشتراط نية الاغتراف ولا دلالة له فيه نفيا ولا اثباتا قوله فمضمض واستنثر وللكشمهيني واستنشق بدل واستنثر والأول أعم وثبتت الثلاثه في رواية شعيب الآتية في باب المضمضة ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييد ذلك بعدد نعم ذكره بن المنذر من طريق يونس عن الزهري وكذا ذكره أبو داود من وجهين آخرين عن عثمان واتفقت الروايات على تقديم المضمضة قوله ثم غسل وجهه فيه تاخيره عن المضمضة والاستنشاق وقد ذكروا أن حكمة ذلك باعتبار أوصاف الماء لأن اللون يدرك بالبصر والطعم يدرك بالفم والريح يدرك بالأنف فقدمت المضمضة والاستنشاق وهما مسنونان قبل الوجه وهو مفروض احتياطا للعبادة وسيأتي ذكر حكمة الاستنثار في الباب الذي يليه قوله ويديه إلى المرفقين أي كل واحدة كما بينه المصنف في رواية معمر عن الزهري في الصوم وكذا لمسلم من طريق يونس وفيها تقديم اليمني على اليسرى والتعبير في كل منهما بثم وكذا القول في الرجلين أيضا قوله ثم مسح براسه هو بحذف الباء في الروايتين المذكورتين وليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد للمسح وبه قال أكثر العلماء وقال الشافعي يستحب التثليث في المسح كما في الغسيل واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول قال أبو داود في السنن أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة وكذا قال بن المنذر أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح مرة واحدة وبأن المسح مبنى على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغه في الاسباغ وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل إذ حقيقة الغسل جريان الماء والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء وبالغ أبو عبيد فقال لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس الا إبراهيم التيمي وفيما قال نظر فقد نقله بن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس وعطاء وغيرهما وقد روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما بن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس والزيادة من الثقة مقبوله

قوله نحو وضوئي هذا قال النووي إنما لم يقل مثل لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره قلت لكن ثبت التعبير بها في رواية المصنف في الرقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن عن حمران عن عثمان ولفظه من توضأ مثل هذا الوضوء وله في الصيام من رواية معمر من توضأ وضوئي هذا ولمسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران توضأ مثل وضوئي هذا وعلى هذا فالتعبير بنحو من تصرف الرواة لأنها تطلق على المثلية مجازا ولان مثل وأن كانت تقتضي المساواة ظاهرا لكنها تطلق على الغالب فبهذا تلتئم الروايتان ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصود والله تعالى أعلم قوله ثم صلى ركعتين فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء ويأتي فيهما ما يأتي في تحية المسجد قوله لايحدث فيهما نفسه المراد به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطه لأن قوله يحدث يقتضي تكسبا منه فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد من لم يحصل له حديث النفس أصلا وراسا ويشهد له ما أخرجه بن المبارك في الزهد بلفظ لم يسر فيهما ورده النووي فقال الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضه غير المستقره نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلا أعلى درجه بلا ريب ثم أن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقا ووقع في رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث لا يحدث نفسه بشيء من الدنيا وهي في الزهد لابن المبارك أيضا والمصنف لابن أبي شيبة ومنها ما يتعلق بالاخره فإن كان أجنبيا أشبه أحوال الدنيا وأن كان من متعلقات تلط الصلاة فلا وسيأتي بقية مباحث ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى قوله من ذنبه ظاهره يعم الكبائر والصغائر لوروده مقيدا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية وهو في حق من له كبائر وصغائر فمن ليس له الا صغائر كفرت عنه ومن ليس له الا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر ومن ليس له كبائر ولا صغائر يزداد في حسناته بنظير ذلك وفي الحديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ واضبط للمتعلم والترتيب في أعضاء الوضوء للاتيان في جميعها بثم والترغيب في الإخلاص وتحذير من لها في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا من عدم القبول ولا سيما أن كان في العزم على عمل معصيه فإنه يحضر المرء في حال صلاته ما هو مشغوف به أكثر من خارجة ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تغتروا أي فتستكثروا من الأعمال السيئه بناء على أن الصلاة تكفرها فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله وإني للعبد بالاطلاع على ذلك

قوله وعن إبراهيم أي بن سعد وهو معطوف على قوله حدثني إبراهيم بن سعد وزعم مغلطاي وغيره أنه معلق وليس كذلك فقد أخرجه مسلم وللإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بالإسنادين معا وإذا كانا جميعا عند يعقوب فلا مانع أن يكونا عند الأويسي ثم وجدت الحديث الثاني عند أبي عوانة في صحيحه من حديث الأويسي المذكور فصح ما قلته بحمد الله تعالى وقد أوضحت ذلك في تعليق التعليق قوله ولكن عروة يحدث يعني أن شيخي بن شهاب اختلفا في روايتهما له عن حمران عن عثمان فحدثه به عطاء على صفة وعروة على صفة وليس ذلك اختلافا وإنما هما حديثان متغايران وقد رواهما معاذ بن عبد الرحمن فأخرج البخاري من طريقه نحو سياق عطاء ومسلم من طريقه نحو سياق عروة أخرجه أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه قوله لولا اية زاد مسلم في كتاب الله ولاجل هذه الزياده صحف بعض رواته آية فجعلها أنه بالنون المشدده وبهاء الشان قوله ويصلي الصلاة أي المكتوبة وفي رواية لمسلم فيصلي هذه الصلوات الخمس قوله وبين الصلاة أي التي تليها كما صرح به مسلم في رواية هشام بن عروة قوله حتى يصليها أي يشرع في الصلاة الثانية قوله قال عروة الآية أن الذين يكتمون ما انزلنا يعني الآية التي في البقرة إلى قوله اللاعنون كما صرح به مسلم ومراد عثمان رضي الله عنه أن هذه الآية تحرض على التبليغ وهي وأن نزلت في أهل الكتاب لكن العبرة بعموم اللفظ وقد تقدم نحو ذلك لأبي هريرة في كتاب العلم وإنما كان عثمان يرى ترك تبليغهم ذلك لولا الآية المذكورة خشية عليهم من الاغترار والله أعلم وقد روى مالك هذا الحديث في الموطأ عن هشام بن عروة ولم يقع في روايته تعيين الآية فقال من قبل نفسه أراه يريد واقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل أن الحسنات يذهبن السيآت انتهى وما ذكره عروة راوي الحديث بالجزم أولي والله أعلم

قوله باب الاستنثار هو استفعال من النثر بالنون والمثلثه وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضأ أي يجذبه يريح أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرج بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا وحكى عن مالك كراهية فعله بغير اليد لكونه يشبه فعل الدابة والمشهور عدم الكراهة وإذا استنثر بيده فالمستحب أن يكون باليسرى بوب عليه النسائي أخرجه مقيدا بها من حديث على قوله ذكره أي روى الاستنثار عثمان وقد تقدم حديثه وعبد الله بن زيد وسيأتي حديثه قوله وابن عباس تقدم حديثه في صفة الوضوء في باب غسل الوجه من غرفة وليس فيه ذكر الاستنثار وكان المصنف أشار بذلك إلى ما رواه أحمد وأبو داود الحاكم من حديثه مرفوعا استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا ولأبي داود الطيالسي إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا وإسناده حسن

[ 159 ] قوله أبو إدريس هو الخولاني قوله انه سمع أبا هريرة زاد مسلم من طريق بن المبارك وغيره عن يونس أبا سعيد مع أبي هريرة قوله فليستنثر ظاهر الأمر أنه للوجوب فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كاحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر أن يقول به في الاستنثار وظاهر كلام صاحب المغني يقتضي إنهم يقولون بذلك وأن مشروعية الاستنشاق لاتحصل الا بالاستنثار وصرح بن بطال بان بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه واستدل الجمهور على أن الأمر فيه للندب بما حسنة الترمذي وصححه الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله فاحاله على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق وأجيب بأنه يحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء فقد أمر الله سبحانه باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله أمره ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضا وقد ثبت الأمر بها أيضا في سنن أبي داود بإسناد صحيح وذكر بن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به الا لكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد وهذا دليل قوي فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين الا عن عطاء وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الاعاده ذكره كله بن المنذر ولم يذكر في هذه الرواية عددا وقد ورد في رواية سفيان عن أبي الزناد ولفظه وإذا استنثر فليستنثر وترا أخرجه الحميدي في مسنده عنه وأصله لمسلم وفي رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة عند المصنف في بدء الخلق إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه وعلى هذا فالمراد بالاستنثار في الوضوء التنظيف لما فيه من المعونة على القراءة لأن بتنقية مجرى النفس تصح مخارج الحروف ويزاد للمستيقظ بان ذلك لطرد الشيطان وسنذكر باقي مباحثه في مكانه إن شاء الله تعالى قوله ومن استجمر أي استعمل الجمار وهي الحجارة الصغيرة في الاستنجاء وحمله بعضهم على استعمال البخور فإنه يقال فيه تجمر واستجمر حكاه بن حبيب عن بن عمر ولا يصح عنه وابن عبد البر عن مالك وروى بن خزيمة في صحيحه عنه خلافه وقال عبد الرزاق عن معمر أيضا بموافقة الجمهور وقد تقدم القول على معنى قوله فليوتر في الكلام على حديث بن مسعود واستدل بعض من نفى وجوب الاستنجاء بهذا الحديث للاتيان فيه بحرف الشرط ولا دلالة فيه وإنما مقتضاه التخيير بين الاستنجاء بالماء أو بالأحجار والله أعلم

قوله باب الاستجمار وترا استشكل إدخال هذه الترجمة في اثناء أبواب الوضوء والجواب أنه لا اختصاص لها بالاستشكال فإن أبواب الاستطابة لم تتميز في هذا الكتاب عن أبواب صفة الوضوء لتلازمهما ويحتمل أن يكون ذلك ممن دون المصنف على ما اشرنا إليه في المقدمه والله أعلم وقد ذكرت توجيه ذلك في أول كتاب الوضوء

[ 160 ] قوله إذا توضأ أي إذا شرع في الوضوء قوله فليجعل في أنفه ماء كذا لأبي ذر وسقط قوله ماء لغيره وكذا اختلف رواه الموطأ في اسقاطه وذكره وثبت ذكره لمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد قوله ثم لينتثر كذا لأبي ذر والأصيلي بوزن ليفتعل ولغيرهما ثم لينثر بمثلثة مضمومة بعد النون الساكنه والروايتان لأصحاب الموطأ أيضا قال الفراء يقال نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة وهي طرف الأنف في الطهارة قوله وإذا استيقظ هكذا عطفه المصنف واقتضى سياقه أنه حديث واحد وليس هو كذلك في الموطأ وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من موطأ يحيى رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقا وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره وكذا فرقه الإسماعيلي من حديث مالك وكذا أخرج مسلم الحديث الأول من طريق بن عيينة عن أبي الزناد والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وعلى هذا فكان البخاري كان يرى جواز جمع الحديثين إذا اتحد اسنادهما في سياق واحد كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين قوله من نومه أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم وخصه أحمد بنوم الليل لقوله في آخر الحديث باتت يده لأن حقيقة المبيت أن يكون في الليل وفي رواية لأبي داود ساق مسلم إسنادها إذا قام أحدكم من الليل وكذا للترمذي من وجه آخر صحيح ولأبي عوانة في رواية ساق مسلم إسنادها أيضا إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح لكن التعليل يقتضي الحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة قال الرافعي في شرح المسند يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلا أشد منها لمن نام نهارا لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة ثم الأمر عند الجمهور على الندب وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء وقال إسحاق وداود والطبري ينجس واستدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته لكنه حديث ضعيف أخرجه بن عدي والقرينة الصارفه للأمر عن الوجوب عند الجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك لأن الشك لا يقتضي وجوبا في هذا الحكم استصحابا لاصل الطهاره واستدل أبو عوانة على عدم الوجوب بوضوئه صلى الله عليه وسلم من الشن المعلق بعد قيامه من النوم كما سيأتي في حديث بن عباس وتعقب بان قوله أحدكم يقتضي اختصاصه بغيره ثلعم وأجيب بأنه صح عنه غسل يديه قبل ادخالهما في الإناء حال اليقظه فاستحبابه بعد النوم أولي ويكون تركه لبيان الجواز وأيضا فقد قال في هذا الحديث في روايات لمسلم وأبي داود وغيرهما فليغسلهما ثلاثا وفي رواية ثلاث مرات والتقييد بالعدد في غير النجاسه العينيه يدل على الندبيه ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها والنهي فيه للتنزيه كما ذكرنا أن فعل استحب وأن ترك كره ولا تزول الكراهة بدون الثلاث نص عليه الشافعي والمراد باليد هنا الكف دون ما زاد عليها اتفاقا وهذا كله في حق من قام من النوم لما دل عليه مفهوم الشرط وهو حجة عند الأكثر أما المستيقظ فيستحب له الفعل لحديث عثمان وعبد الله بن زيد ولا يكره الترك لعدم ورود النهي فيه وقد روى سعيد بن منصور بسند صحيح عن أبي هريرة أنه كان يفعله ولا يرى بتركه بأسا وسيأتي عن بن عمر والبراء نحو ذلك قوله قبل أن يدخلها ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها وهي أبين في المراد من رواية الادخال لأن مطلق الادخال لا يترتب عليه كراهة كمن ادخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير من غير أن تلامس يده الماء قوله في وضوئه بفتح الواو أي الإناء الذي أعد للوضوء وفي رواية الكشمهيني في الإناء وهي رواية مسلم من طرق أخرى ولابن خزيمة في إنائه أو وضوئه على الشك والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء ويلحق به إناء الغسل لأنه وضوء وزيادة وكذا باقي الانية قياسا لكن في الاستحباب من غير كراهة لعدم ورود النهي فيها عن ذلك والله أعلم وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها النهي والله أعلم قوله فان أحدكم قال البيضاوي فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة لأن الشارع إذا ذكر حكما وعقبة بعله دل على أن ثبوت الحكم لاجلها ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات فإنه يبعث ملبيا بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهي وهي كونه محرما قوله لايدري فيه أن علة النهي احتمال هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أو لا ومقتضاه الحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظا ومفهومه أن من دري أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلا فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة وأن كان غسلها مستحبا على المختار كما في المستيقظ ومن قال بان الأمر في ذلك للتعبد كمالك لا يفرق بين شاك ومتيقن واستدل بهذا الحديث على التفرقه بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء وهو ظاهر وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء وهو صحيح لكن كونها تؤثر التنجيس وأن لم يتغير فيه نظر لأن مطلق التاثير لا يدل على خصوص التاثير بالتنجيس فيحتمل أن تكون الكراهة بالمتيقن أشد من الكراهة بالمظنون قاله بن دقيق العيد ومراده أنه ليست فيه دلاله قطعيه على من يقول أن الماء لا ينجس الا بالتغيير قوله أين باتت يده أي من جسده قال الشافعي رحمه الله كانوا يستجمرون وبلادهم حارة فربما عرق أحدهم إذا نام فيحتمل أن تطوف يده على المحل أو على بثرة أو دم حيوان أو قذر غير ذلك وتعقبه أبو الوليد الباجي بان ذلك يستلزم الأمر بغسل ثوب النائم لجواز ذلك عليه وأجيب بأنه محمول على ما إذا كان العرق في اليد دون المحل أو أن المستيقظ لا يريد غمس ثوبه في الماء حتى يؤمر بغسله بخلاف اليد فإنه يحتاج إلى غمسها وهذا أقوى الجوابين والدليل على أنه لا اختصاص لذلك بمحل الاستجمار وما رواه بن خزيمة وغيره من طريق محمد بن الوليد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره أين باتت يده منه وأصله في مسلم دون قوله منه قال الدارقطني تفرد بها شعبة وقال البيهقي تفرد بها محمد بن الوليد قلتان أراد عن محمد بن جعفر فسلم وأن أراد مطلقا فلا فقد قال الدارقطني تابعه عبد الصمد عن شعبة أخرجه بن منده من طريقه وفي الحديث الأخذ بالوثيقه والعمل بالاحتياط في العبادة والكناية عما يستحيا منه إذا حصل الإفهام بها واستحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه أمرنا بالتثليث عند توهمها فعند تيقنها أولي واستنبط منه قوم فوائد أخرى فيها بعد منها أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه قاله الخطابي ومنها إيجاب الوضوء من النوم قاله بن عبد البر ومنها تقوية من يقول بالوضوء من مس الذكر حكاه أبو عوانة فيي صحيحه عن بن عيينة ومنها أن القليل من الماء لا يصير مستعملا بإدخال اليد فيه لمن أراد الوضوء قاله الخطابي

صاحب الخصال من الشافعية

قوله باب غسل الرجلين كذا للأكثر وزاد أبو ذر ولا يمسح على القدمين

[ 161 ] قوله حدثني موسى بن إسماعيل هو التبوذكي قوله عنا في سفرة زاد في رواية كريمه سافرناها وظاهره أن عبد الله بن عمرو كان في تلك السفرة ووقع في رواية لمسلم أنها كانت من مكة إلى المدينة ولم يقع ذلك لعبد الله محققا الا في حجة الوداع أما غزوة الفتح فقد كان فيها لكن ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى المدينة من مكة بل من الجعرانة ويحتمل أن تكون عمرة القضيه فإن هجرة عبد الله بن عمرو كانت في ذلك الوقت أو قريبا منه قوله أرهقنا بفتح الهاء والقاف والعصر مرفوع بالفاعليه كذا لأبي ذر وفي رواية كريمه بإسكان القاف والعصر منصوب بالمفعوليه ويقوى الأول رواية الأصيلي ارهقتنا بفتح القاف بعدها مثناة ساكنه ومعنى الارهاق الإدراك والغشيان قال بن بطال كان الصحابة اخروا الصلاة في أول الوقت طمعا أن يلحقهم النبي صلى الله عليه وسلم فيصلوا معه فلما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء ولجعلتهم لم يسبغوه فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم قلت ما ذكره من تاخيرهم قاله احتمالا ويحتمل أيضا أن يكونوا اخروا لكونهم على طهر أو لرجاء الوصول إلى الماء ويدل عليه رواية مسلم حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر أي قرب دخول وقتها فتوضؤوا وهم عجال قوله ونمسح على ارجلنا انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل فلهذا قال في الترجمة ولا يمسح على القدمين وهذا ظاهر الرواية متفق عليها وفي افراد مسلم فانتهينا إليهم واعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء فتمسك بهذا م يقول بأجزاء المسح ويحمل الإنكار على ترك التعميم لكن الرواية المتفق عليها أرجح فتحمل هذه الرواية عليها بالتاويل فيحتمل أن يكون معنى قوله لم يمسها الماء أي ماء الغسل جمعا بين الروايتين وأصرح منذلك رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبة فقال ذلك وأيضا فمن قال بالمسح لم يوجب مسح العقب والحديث حجة عليه وقال الطحاوي لما أمرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منهما لمعة دل على أن فرضها الغسل وتعقبه بن المنير بان التعميم لا يستلزم الغسل فالرأس تعم بالمسح وليس فرضها الغسل قوله ارجلنا قابل الجمع بالجمع فالارجل موزعه على الرجال فلا يلزم أن يكون لكل رجل ارجل قوله ويل جاز الابتداء بالنكره لأنه دعاء واختلف في معناه على أقوال اظهرها ما رواه بن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا ويل واد في جهنم قال بن خزيمة لو كان الماسح مؤديا للفروض لما توعد بالنار وأشار بذلك إلى ما في كتب الخلاف عن الشيعة أن الواجب المسح أخذا بظاهر قراءة وارجلكم بالخفض وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو المبين لأمر الله وقد قال في حديث عمرو بن عبسه الذي رواه بن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء ثم ييغسل قدميه كما أمره الله ولم يثبت عنه أحد من الصحابة خلاف ذلك الا عن على وابن عباس وأنس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك قال عبد الرحمن بن أبي ليلى أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين رواه سعيد بن منصور وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ والله أعلم قوله للاعقاب أي المرئيه إذ ذاك فاللام للعهد ويلتحق بها ما يشاركها في ذلك والعقب مؤخر القدم قال البغوي معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها وقيل أراد أن العقب مختص بالعقاب إذا قصر في غسله وفي الحديث تعليم الجاهل ورفع الصوت بالإنكار وتكرار المساله لتفهم كما تقدم في كتاب العلم

قوله باب المضمضة في الوضوء أصل المضمضة في اللغه التحريك ومنه مضمض النعاس في عينيه إذا تحركتا بالنعاس ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه وأما معناه في الوضوء الشرعبي فاكمله أن يضع الماء فيي الفم ثم يديره ثم يمجه والمشهور عن الشافعية أنه لا يشترط تحريكه ولا مجه وهو عجيب ولعل المراد أنه لا يتعين المج بل لو ابتلعه أو تركه حتى يسيل اجزأ قوله قاله بن عباس قد تقدم حديثه في أوائل الطهاره قوله وعبد الله بن زيد سيأتي حديثه قريبا

[ 162 ] قوله ثم غسل كل رجل كذا للاصيلي والكشميهني ولابن عساكر كلتا رجليه وهي التي اعتمدها صاحب العمده وللمستملي والحموي كل رجله وهي تفيد تعميم كل رجل بالغسل وفي نسخة رجليه بالتثنيه وهي بمعنى الأولى قوله لايحدث تقدمت مباحثه قريبا وقال بعضهم يحتمل أن يكون المراد بذلك الإخلاص أو ترك العجب بان لا يرى لنفسه مزية خشية أن يتغير فيتكبر فيهلك قوله غفر الله له كذا للمستملي ولغيره غفر له على البناء للمفعول وقد تقدمت مباحثه الا أن في هذا السياق من الزيادة رفع صفة الوضوء إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم وزاد مسلم في رواية ليونس قال الزهري كان علماؤنا يقولون هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة وقد تمسك بهذا من لا يرى تثليث مسح الرأس كما سيأتي في باب مسح الرأس مرة إن شاء الله تعالى



قوله باب غسل الاعقاب وكان بن سيرين هذا التعليق وصله المصنف في التاريخ عن موسى بن إسماعيل عن مهدي بن ميمون عنه وروى بن أبي شيبة عن هشيم عن خالد عنه أنه كان إذا توضأ حرك خاتمه والاسنادان صحيحان فيحمل على أنه كان واسعا بحيث يصل الماء إلى ما تحته بالتحريك وفي بن ماجة عن أبي رافع مرفوعا نحوه بإسناد ضعيف

[ 163 ] قوله محمد بن زياد هو الجمحي المدني لا الألهاني الحمصي قوله وكان الواو حاليه من مفعول سمعت والناس يتوضئون حال من فاعل يمر قوله المطهره بكسر الميم هي الإناء المعد للتطهر منه قوله اسبغوا بفتح الهمزه أي أكملوا وكأنه رأي منهم تقصيرا وخضي عليهم قوله قال أبا القاسم فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنيته وهو حسن وذكره بوصف الرسالة أحسن وفيه أن العالم يستدل على ما يفي به ليكون أوقع في نفس سامعه وقد تقدم شرح الأعقاب وإنما خصت بالذكر لصورة السبب كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو فيلتحق بها ما في معناها من جميع الأعضاء التي قد يحصل التساهل في اسباغها وفي الحاكم و غيره من حديث عبد الله بن الحارث ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار ولهذا ذكر في الترجمة أثر بن سيرين في غسله موضع الخاتم لأنه قد لا يصل إليه الماء إذا كان ضيقا والله أعلم

قوله باب غسل الرجلين في النعلين ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك وإنما هو مأخوذ من قوله يتوضأ فيها لأن الأصل في الوضوء هو الغسل ولان قوله فيها يدل على الغسل ولو أريد المسح لقال عليها قوله ولا يمسح على النعلين أي لا يكتفي بالمسح عليهما كما في الخفين وأشار بذلك إلى ما روى عن علي وغيره من الصحابة بأنهم مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا وروى في ذلك حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث المغيرة بن شعبة لكن ضعفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة واستدل الطحاوي على عدم الأجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزيء عليهما قال فكذلك النعلان لأنهما لا يفيدان القدمين انتهى وهو استدلال صحيح لكنه منازع في نقل الإجماع المذكور وليس هذا موضع بسط هذه المسألة ولكن نشير إلى ملخص منها فقد تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى وأرجلكم عطفا على وامسحوا برءوسكم فذهب إلى ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين فحكى عن بن عباس في رواية ضعيفة والثابت عنه خلافه وعن عكرمة والشعبي وقتادة وهو قول الشيعة وعن الحسن البصري الواجب الغسل أو المسح وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة المذكورة وغيرها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بيان للمراد وأجابوا عن الآية بأجوبة منها أنه قرئ وأرجلكم بالنصب عطفا على أيديكم وقيل معطوف على محل برؤوسكم كقوله يا جبال أوبن معه والطير بالنصب وقيل المسح في الآية محمول لمشروعية المسح على الخفين فحملوا قراءة الجر على مسح الخفين وقراءة النصب على غسل الرجلين وقرر ذلك أبو بكر بن العربي تقريرا حسنا فقال ما ملخصه بين القراءتين تعارض ظاهر والحكم فيما ظاهره التعارض أنه أن أمكن العمل بهما وجب وإلا عمل بالقدر الممكن ولا يتأتى الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة واحدة لأنه يؤدي إلى تكرار المسح لأن الغسل يتضمن المسح والأمر المطلق لا يقتضي التكرار فبقي أن يعمل بهما في حالين توفيقا بين القراءتين وعملا بالقدر الممكن وقيل إنما عطفت على الرؤوس الممسوحه لأنها مظنة لكثرة صب الماء عليها فلمنع الإسراف عطفت وليس المراد أنها تمسح حقيقة ويدل على هذا المراد قوله الى الكعبين لأن المسح رخصة فلا يقيد بالغاية ولان المسح يطلق على الغسل الخفيف يقال مسح اطرافه لمن توضأ ذكره أبو زيد اللغوي وابن قتيبة وغيرهما

[ 164 ] قوله عبيد بن جريح هو مدني مولى بني تيم وليس بينه وبين بن جريج الفقيه المكي مولى بني أمية نسب وقد تقدم في المقدمة أن الفقيه هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك وهذا الإسناد كله مدنيون وفيه رواية الأقران لأن عبيدا وسعيدا تابعيان من طبقة واحده قوله أربعا أي أربع خصال قوله لم أر أحدا من أصحابك أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم والظاهر من السياق انفراد بن عمر بما ذكر دون غيره ممن رآهم عبيد وقال المازري يحتمل أن يكون مراده لا يصنعهن غيرك مجتمعه وأن كان يصنع بعضها قوله الأركان أي أركان الكعبة الأربعة وظاهره أن غير بن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وقد صح ذلك عن معاوية وابن الزبير وسيأتي الكلام على هذه المسألة في الحج إن شاء الله تعالى قوله السبتيه بكسر المهمله هي التي لا شعر فيها مشتقة من السبت وهو الحلق قاله في التهذيب وقيل السبت جلد البقر المدبوغ بالقرظ وقيل بالسبت بضم أوله وهو نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى وقال الهروي قيل لها سبتيه لأنها انسبتت بالدباغ أي لا نت به يقال رطبه منسبته أي لينه قوله تصبغ بضم الموحده وحكى فتحها وكسرها وهل المراد صبغ الثوب أو الشعر يأتي الكلام على ذلك حيث ذكره المصنف في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى قوله أهل الناس أي رفعوا أصواتهم بالتلبية من أول ذي الحجة قوله ولم تهل أنت حتى كان ولمسلم حتى يكون يوم الترويه أي الثامن من ذي الحجة ومراده فتهل أنت حينئذ وتبين من جواب بن عمر أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدا إلى مني وسيأتي الكلام على هذه المسألة أيضا في الحج إن شاء الله تعالى قوله قال عبد الله أي بن عمر مجيبا لعبيد وللمصنف في اللباس فقال له عبد الله بن عمر قوله اليمانيين تثنية يمان والمراد بهما الركن الأسود والذي يسامته من مقابلة الصفا وقيل للأسود يمان تغليبا قوله فاني أحب أن اصبغ وللكشمهيني والباقين فأنا أحب كالتي قبلها وسيأتي باقي الكلام على هذا الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى

قوله باب التيمن أي الابتداء باليمين

[ 165 ] قوله إسماعيل هو بن عليه وخالد هو الحذاء والإسناد كله بصريون قوله في غسل أي في صفة غسل ابنته زينب عليها السلام كما سيأتي تحقيقه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى وأورد المصنف من الحديث طرفا ليبين به المراد بقول عائشة يعجبه التيمن إذ هو لفظ مشترك بين الابتداء باليمين وتعاطي الشيء والتبرك وقصد اليمن فبان بحديث أم عطية أن المراد بالطهور الأول

[ 166 ] قوله سمعت أبي هو سليم بن أسود المحاربي الكوفي أبو الشعثاء مشهور بكنيته أكثر من اسمه وهو من كبار التابعين كشيخه مسروق فهما قرينان كما أن أشعث وشعبة قرينان وهما من كبار أتباع التابعين قوله كان يعجبه التيمن قيل لأنه كان يحب الفال الحسن إذ أصحاب اليمن أهل الجنة وزاد المصنف في الصلاة عن سليمان بن حرب عن شعبة ما استطاع فنبه على المحافظه على ذلك ما لم يمنع مانع قوله في تنعله أي لبس نعله وترجله أي ترجيل شعره وهو تسريحه ودهنه قال في المشارق رجل شعره إذا مشطه بماء أو دهن ليلين ويرسل الثائر ويمد المنقبض زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة وسواكه قوله في شأنه كله كذا للأكثر من الرواة بغير واو وفي رواية أبي الوقت بإثبات الواو وهي التي اعتمدها صاحب العمده قال الشيخ تقي الدين هو عام مخصوص لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار انتهى وتأكيد الشأن بقوله كله يدل على التعميم لأن التأكيد برفع المجاز فيمكن أن يقال حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصودا وما يستحب فيه التياسر ليس من الأفعال المقصوده بل هي أما تروك وأما غير مقصوده وهذا كله على تقدير اثبات الواو وأما على اسقاطها فقوله في شأنه كله متعلق بيعجبه لا بالتيمن أي يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله الخ أي لا يترك ذلك سفرا ولا حضرا ولا في فراغه ولا شغله ونحو ذلك وقال الطيبي قوله في شأنه بدل من قوله في تنعله بإعادة العامل قال كأنه ذكر التنعل لتعلقه بالرجل والترجل لتعلقه بالراس والطهور لكونه مقتاح أبواب العبادة فكأنه نبه على جميع الأعضاء فيكون كبدل الكل من الكل قلت ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله في شأنه كله على قوله في تنعله الخ وعليها شرح الطيبي وجميع ما قدمناه مبنى على ظاهر السياق الوارد هنا لكن بين المصنف في الاطعمه من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة أن أشعث شيخه كان يحدث به تارة مقتصرا على قوله في شأنه كله وتارة على قوله في تنعله الخ وزاد الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة أن عائشة أيضا كانت تجملة تاره وتبينه أخرى فعلى هذا يكون أصل الحديث ما ذكر من التنعل وغيره ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأحوص وابن ماجة من طريق عمرو بن عبيد كلاهما عن أشعث بدون قوله في شأنه كله وكان الرواية المقتصره على في شأنه كله من الرواية بالمعنى ووقع في روايية لمسلم في طهوره ونعله بفتح النون واسكان العين أي هيئة تنعله وفي رواية بن ماهان في مسلم ونعله بفتح العين وفي الحديث استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق ولا يقال هو من باب الازالة فيبدأ فيه بالايسر بل هو من باب العبادة والتزيين وقد ثبت الابتداء بالشق الأيمن في الحلق كما سيأتي قريبا وفيه البداءة بالرجل اليمني في التنعل وفي ازالتها باليسرى وفيه البداءة باليد اليمني في الوضوء وكذا الرجل وبالشق الأيمن في الغسل واستدل به على استحباب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد وفي الأكل والشرب باليمين وقد أورده المصنف في هذه المواضع كلها قال النوويي قاعدة الشرع المستمره استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين وما كان بضدهما استحب فيه التياسر قال واجمع العلماء على أن تقديم اليمن في الوضوء سنة من خالفها فإنه الفضل وتم وضوؤه انتهى ومراده بالعلماء أهل السنة وإلا فمذهب الشيعة الوجوب وغلط المرتضى منهم فنسبه للشافعي وكأنه ظن أن ذلك لازم من قوله بوجوب الترتيب لكنه لم يقل بذلك في اليدين ولا في الرجلين لأنهما بمنزلة العضو الواحد ولانهما جمعا في لفظ القرآن لكن يشكل على أصحابه حكمهم على الماء بالاستعمال إذا انتقل من يد إلى يد أخرى مع قولهم بان الماء ما دام مترددا على العضو لا يسمى مستعملا وفي استدلالهم على وجوب الترتيب بأنه لم ينقل أحد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ منكسا وكذلك لم ينقل أحد أنه قدم اليسرى على اليمني ووقع في البيان للعمراني والتجريد للبندنيجي نسبة القول بالوجوب إلى الفقهاء السبعة وهو تصحيف من الشيعة وفي كلام الرافعي ما يوهم أن أحمد قال بوجوبه ولا يعرف ذلك عنه بل قال الشيخ الموفق في المغني لا نعلم في عدم الوجوب خلافا

قوله باب التماس الوضوء بفتح الواو أي طلب الماء للوضوء إذا حانت بالمهمله أي قربت الصلاة والمراد وقتها الذي توقع فيه قوله وقالت عائشة هذا طرف من حديثها في قصة نزول آية التيمم وسيأتي في كتاب التيمم إن شاء الله تعالى وساقه هنا بلفظ عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها وهو موصول عنده في تفسير المائدة قال بن المنير أراد الاستدلال على أنه لا يحب طلب الماء للتطهير قبل دخول الوقت لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم التأخير فدل على الجواز قوله فالتمس بالضم على البناء للمفعول فالتمسوا

[ 167 ] قوله وحانت وحانت والواو للحال بتقدير قد قوله الوضوء بفتح الواو أي الماء الذي يتوضأ به قوله فلم يجدوا وللكشمهيني فلم يجدوه بزيادة الضمير قوله فأتى بالضم على البناء للمفعول وبين المصنف في رواية قتادة أن ذلك كان بالزوراء وهو سوق بالمدينة قوله بوضوء بالفتح أي بإناء فيه ماء ليتوضأ به ووقع في رواية بن المبارك فجاء رجل بقدح فيه ما يسير فصغر أن يبسط صلى الله عليه وسلم فيه كفه فضم أصابعه ونحوه في رواية حميد الآتية في باب الوضوء من المخضب قوله ينبع بفتح أوله وضم الموحده ويجوز كسرها وفتحها وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب علامات النبوة مستوعبا إن شاء الله تعالى قوله حتى توضؤوا من عند آخرهم قال الكرماني حتى للتدريج ومن للبيان أي توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم قال وعند بمعنى في لأن عند وأن كانت للظرفيه الخاصة لكن المبالغه تقتضي أن تكون لمطلق الظرفيه فكأنه قال الذين هم في آخرهم وقال التيمي المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبه إلى الآخر وقال النووي من هنا بمعنى إلى وهي لغه وتعقبه الكرماني بأنها شاذة قال ثم أن إلى لا يجوز أن تدخل على عند ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي أن لا يدخل الأخير لكن ما قاله الكرماني من أن إلى لا تدخل على عند ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي أن لا يدخل الأخير لكن ما قاله الكرماني من أن إلى لا تدخل على عند لا يلزم مثله في من إذا وقعت بمعنى إلى وعلى توجيه النوويي يمكن أن يقال عند زائدة وفي الحديث دليل على أن المواساة مشروعة عند الضرورة لمن كان في مائة فضل عن وضوئه وفيه أن اغتراف المتوضيء من الماء القليل لا يصير الماء مستعملا واستدل به الشافعي على أن الأمر بغسل اليد قبل ادخالها الإناء أمر ندب لا حتم تنبيه قال بن بطال هذا الحديث يعني حديث نبع الماء شهده جمع من الصحابة الا أنه لم يرو الا من طريق أنس وذلك لطول عمره ولطلب الناس علو السند كذا قال وقد قال للقاضي عياض هذه القصة رواها العدد الكثير من الثقات عن الجم الغفير عن الكافة متصلا عن جملة من الصحابة بل لم يؤثر عن أحد منهم إنكار ذلك فهو ملتحق بالقطعي من معجزاته انتهى فأنظر كم بين الكلامين من التفاوت وسنحرر هذا الموضع في كتاب علامات النبوة إن شاء الله تعالى

قوله باب الماء أي حكم الماء الذي يغسل به شعر الإنسان أشار المصنف إلى أن حكمة الطهاره لأن المغتسل قد يقع في ماء غسله من شعره فلو كان نجسا لتنجس الماء بملاقاته ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تجنب ذلك في اغتساله بل كان يخلل أصول شعره كما سيأتي وذلك يفضي غالبا إلى تناثر بعضه فدل على طهارته وهو قول جمهور العلماء وكذا قاله الشافعي في القديم ونص عليه في الجديد أيضا وصححه جماعة من أصحابه وهي طريقة الخراسانيين وصحح جماعة القول بتنجيسه وهي طريقة العراقيين واستدل المصنف على طهارته بما ذكره من الحديث المرفوع وتعقب بان شعر النبي صلى الله عليه وسلم مكرم لا يقاس عليه غيره ونقضه بن المنذر والخطابي وغيرهما بان الخصوصيه لا تثبت الا بدليل والأصل عدمه قالوا ويلزم القائل بذلك أن لا يحتج على طهارة المني بان عائشة كانت تفركه من ثوبه صلى الله عليه وسلم لا مكان أن يقال له منيه طاهر فلا يقاس على غيره والحق أن حكمة حكم جميع المكلفين في الأحكام التكليفيه الا فيما خص بدليل وقد تكاثرت الادله على طهارة فضلاته وعد الأئمة ذلك في خصائصه فلا يلتفت إلى ما وقع في كتب كثير من الشافعية مما يخالف ذلك فقد استقر الأمر بين ائمتهم على القول بالطهاره وهذا كله في شعر الآدمي أما شعر الحيوان غير المأكول المذكي ففيه اختلاف مبنى على أن الشعر هل تحله الحياه فينجس بالموت أو لا فالاصح عند الشافعية أنه ينجس بالموت وذهب جمهور العلماء إلى خلافه واستدل بن المنذر على أنه لا تحله الحياة فلا ينجس بالموت ولا بالانفصال بأنهم اجمعوا على طهارة ما يجز من الشاة وهي حية وعلى نجاسة ما يقطع من أعضائها وهي حية فدل ذلك على التفرقه بين الشعر وغيره من اجزائها وعلى التسويه بين حالتي الموت والانفصال والله اعلم وقال البغوي في شرح السنة في قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة إنما حرم أكلها يستدل به لمن ذهب إلى أن ما عدا ما يؤكل من أجزاء الميتة لا يحرم الانتفاع به اه وسيأتي الكلام على ريش الميتة وعظمها في باب مفرد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى قوله وكان عطاء هذا التعليق وصله محمد بن إسحاق الفاكهي في أخبار مكة بسند صحيح إلى عطاء وهو بن أبي رباح أنه كان لا يرى بأسا بالانتفاع بشعور الناس التي تحلق بمنى قوله وسؤر الكلاب هو بالجر عطفا على قوله الماء والتقدير وباب سؤر الكلاب أي ما حكمة والسؤر بقية والظاهر من تصرف المصنف أنه يقول بطهارته وفي بعض النسخ بعد قوله في المسجد وأكلها وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل قوله وقال الزهري إذا ولغ الكلب جمع المصنف في هذا الباب بين مسألتين وهما حكم شعر الآدمي وسؤر الكلب فذكر الترجمة الأولى واثرها سمها ثم ثنى بالثانيه واثرها معها ثم رجع إلى دليل الأولى من الحديث المرفوع ثم ثنى بأدلة الثانية وقول الزهري هذا رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه ولفظه سمعت الزهري في إناء ولغ فيه كلب فلم يجدوا ماء غيره قال يتوضأ به أخرجه بن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند صحيح قوله وقال سفيان المتبادر إلى الذهن أنه بن عيينة لكونه معروفا بالرواية عن الزهري دون الثوري لكن المراد به هنا الثوري فإن الوليد بن مسلم عقب أثر الزهري هذا بقوله فذكرت ذلك لسفيان الثوري فقال والله هذا الفقيه بعينه فذكره وزاد بعد قوله شيء فأرى أن يتوضأ به ويتيمم فسمى الثوري الأخذ بدلالة العموم فقها وهي التي تضمنها قوله تعالى فلم تجدوا ماء لكونها نكره في سياق النفي فتعمم ولا تخص الا بدليل وتنجس الماء بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم وزاد من راية التيمم احتياطا وتعقبه الإسماعيلي بان اشتراطه جواز التوضؤ به إذا لم يجد غيره يدل على تنجيسه عنده لأن الظاهر يجوز التوضؤ به مع وجود غيره وأجيب بان المراد أن استعمال غيره مما لم يختلف فيه أولي فأما إذا لم يجد غيره فلا يعدل عنه وهو يعتقد طهارته إلى التيمم وأما فتيا سفيان بالتيمم بعد الوضوء به فلانة رأى أنه ماء مشكوك فيه من أجل الاختلاف فاحتاط للعباده وقد تعقب بأنه يلزم من استعماله أن يكون جسده طاهرا بلا شك فيصير باستعماله مشكوكا في طهارته ولهذا قال بعض الأئمة الأولى أن يريق ذلك الماء ثم يتيمم والله اعلم تنبيه وقع في رواية أبي الحسن القابسي عن أبي زيد المروزي في حكاية قول سفيان يقول الله تعالى فإن لم تجدوا ماء وكذا حكاه أبو نعيم في المستخرج على البخاري وفي باقي الروايات فلم تجدوا وهو الموافق للتلاوة وقال القابسي وقد ثبت ذلك في الأحكام لإسماعيل القاضي يعني بإسناده إلى سفيان قال وما أعرف من قرأ بذلك قلت لعل الثوري حكاه بالمعنى وكان يرى جواز ذلك وكأن هذا هو الذي جر المصنف أن يأتي بمثل هذه العبارة في كتاب التيمم كما سيأتي إن شاء الله تعالى

[ 168 ] قوله عن عاصم هو بن سليمان وابن سيرين هو محمد وعبيدة هو بن عمرو والسلماني أحد كبار التابعين المخضرمين أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم يره قوله من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أي شيء قوله اصبناه أي حصل لنا من جهة أنس بن مالك وأراد المصنف بإيراد هذا الأثر تقرير أن الشعر الذي حصل لأبي طلحة كما في الحديث الذي يليه بقي عند آل بيته اللى أن صار لمواليهم منه لأن سيرين والد محمد كان مولى أنس بن مالك وكان أنس ربيب أبي طلحة ووجه الدلاله منه على الترجمة أن الشعر طاهر وإلا لما حفظوه ولا تمنى عبيدة أن يكون عنده شعرة واحدة منه وإذا كان طاهرا فالماء الذي يغسل به طاهر

[ 169 ] قوله حدثنا عباد هو بن عباد المهلي وقد نزل البخاري في هذا الإسناد لأنه قد سمع من شيخ شيخه سعيد بن سليمان بل سمع من أبي عاصم وغيره من أصحاب بن عون فيقع بينه وبين بن عون واحد وهنا بينه وبينه ثلاثة أنفس قوله لما حلق أي أمر الحلاق فخلقه فأضاف الفعل إليه مجازا وكان ذلك في حجة الوداع كما سنبينه قوله كان أبو طلحة يعني الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس وقد أخرج أبو عوانة في صحيحه هذا الحديث من طريق سعيد بن سليمان المذكور أبين مما ساقه محمد بن عبد الرحيم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحلاق فحلق رأسه ودفع إلى أبي طلحة الشق الأيمن ثم حلق الشق الآخر فأمره أن يقسمه بين الناس ورواه مسلم من طريق بن عيينة عن هشام بن حسان عن بن سيرين بلفظ لما رمى الجمرة ونحر نسكه ناول الخالق شقه الأيمن فخلقه ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فخلقه فأعطاه أبا طلحة فقال اقسمه بين الناس وله من رواية حفص بن غياث عن هشام أنه قسم الأيمن فيمن يليه وفي لفظ فوزعه بين الناس الشعرة والشعرتين وأعطى الأيسر أم سليم وفي لفظ أبا طلحة ولا تناقض في هذه الروايات بل طريق الجمع بينها أنه ناول أبا طلحة كلا من الشقين فأما الأيمن فوزعه أبو طلحة بأمره وأما الأيسر فأعطاه لام سليم زوجته بأمره صلى الله عليه وسلم أيضا زاد أحمد في رواية له لتجعله في طيبها وعلى هذا فالضمير في قوله يقسمه في رواية أبي عوانة يعود على الشق الأيمن وكذا قوله في روايية بن عيينة فقال اقسمه بين الناس قال النووي فيه استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة وفيه طهارة شعر الآدمي وبه قال الجمهور وهو الصحيح عندنا وفيه التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وجواز اقتنائه وفيه المواساة بين الأصحاب في العطية والهديه أقول وفيه أن المواساة لا تستلزم المساواة وفيه تنفيل من يتولى التفرقة على غيره قال واختلفوا في اسم الالق فالصحيح أنه معمر بن عبد آله كما ذكر البخاري وقيل هو خراش بن أمية وهو بمعجمتين أخبرنيه والصحيح أن خراشا كان الحالق بالحديبيه والله أعلم وقع هنا في رواية بن عساكر قبل إيراد حديث مالك باب إذا شرب الكلب في الإناء

[ 170 ] قوله إذا شرب كذا هو في الموطأ والمشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه إذا ولغ وهو المعروف في اللغه يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه أو ادخل لسانه فيه فحركه وقال ثعلب هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه زاد بن درستويه شرب أو لم يشرب وقال بن مكي فإن كان غير مائع يقال لعقه وقال المطرزي فإن كان فارغا يقال لحسه وادعى بن عبد البر أن لفظ شرب لم يروه الا مالك وأن غيره رواه بلفظ ولغ وليس كما ادعى فقد رواه بن خزيمة وابن المنذر من طريقين عن هشام بن حسان عن بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ إذا شرب لكن المشهور عن هشام بن حسان بلفظ إذا ولغ كذا أخرجه مسلم وغيره من طرق عنه وقد رواه عن أبي الزناد شيخ مالك بلفظ إذا شرب ورقاء بن عمر أخرجه الجوزقي وكذا المغيرة بن عبد الرحمن أخرجه أبو يعلى نعم وروى عن مالك بلفظ إذا ولغ أخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور له عن الاسماعيل بن عمر عنه ومن طريقه أورده الإسماعيلي وكذا أخرجه الدارقطني في الموطآت له من طريق أبي علي الحنفي عن مالك وهو في نسخة صحيحه من سنن بن ماجة عن رواية روح بن عبادة عن مالك أيضا وكأن أبا الزناد حدث به اللفظين لتقاربهما في المعنى لكن الشرب كما بينا أخص من الولوغ فلا يقوم مقامه ومفهوم الشرط في قوله إذا ولغ يقتضي قصر الحكم على ذلك لكن إذا قلنا أن الأمر بالغسل للتنجييس يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلا ويكون ذكر الولوغ للغالب وأما الحاق باقي أعضائه كيده ورجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأن فمه اشرفها فيكون الباقي من باب الأولى وخصه في القديم بالأولى وقال النووي في الروضة أنه وجه شاذ وفي شرح المهذب أنه القوي من حيث الدليل والاولويه المذكورة قد تمنع لكون فمه محل استعمال النجاسات قوله في إناء أحدكم ظاهره العموم في الانيه ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا وبه قال الأوزاعي مطلقا لكن إذا قلنا بان الغسل للتنجيس يجري الحكم في القليل من الباب دون الكثير والإضافة التي في إناء أحدكم يلغي اعتبارها هنا لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه وكذا قوله فليغسله لا يتوقف على أن يكون هو الغاسل وزاد مسلم والنسائي من طريق على بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن أبي هريرة في هذا الحديث فليرقه وهو يقوي القول بان الغسل للتنجيس إذ المراق أعم من أن يكون ماء أو طعاما فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته للنهي عن إضاعة المال لكن قال النسائي لا أعلم أحدا تابع على بن مسهر على زيادة فليرقه وقال حمزة الكناني أنها غير محفوظه وقال بن عبد البر لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة وقال بن منده لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه الا عن بن مسهر بهذا الإسناد قلت قد ورد الأمر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه بن عدي لكن في رفعه نظر والصحيح أنه موقوف وكذا ذكر الاراقة حماد بن زيد عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة موقوفا وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره قوله فليغسله يقتضي الفور لكن حمله على الاستحباب الا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء قوله سبعا أي سبع مرار ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شيء من الروايات عن أبي هريرة الا عن بن سيرين على أن بعض اجابه لم يذكره وروى أيضا عن الحسن وأبي رافع عن الدارقطني وعبد الرحمن والد السدى عند البزار واختلف الرواة عن بن سيرين في محل غسلة التتريب فلمسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عنه اولاهن وهي رواية الأكثر عن بن سيرين وكذا في رواية أبي رافع المذكورة واختلف عن قتادة عن بن سيرين فقال سعيد بن بشير عنه اولاهن أيضا أخرجه الدارقطني وقال أبان عن قتادة السابعه أخرجه أبو داود وللشافعي عن سفيان عن أيوب عن بن سيرين اولاهن أو إحداهن

وفي رواية السدي عن البزار إحداهن وكذا في رواية هشام بن عروة عن أبي الزناد عنه فطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة واولاهن والسابعة معينة و أو أن كانت في نفس الخبر فهي للتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه زيادة على الرواية المعينه وهو الذي نص عليه الشافعي في الأم والبويطي وصرح به المرعشي وغيره من الأصحاب و ذكره بن دقيق العيد والسبكي بحثا وهو منصوص كما ذكرنا وأن كانت أو شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولي من رواية من أبهم أو شك فيبقى النظر في الترجيح بين رواية اولاهن ورواية السابعه ورواية اولاهن أرجح من حيث الاكثريه والاحفظيه ومن حيث المعنى أيضا لأن تتريب الاخيره يقتضي الاحتياج إلى غسله أخرى لتنظيفه وقد نص الشافعي في حرملة على أن الأول أولي والله اعلم وفي الحديث دليل على أن حكم النجاسه يتعدى عن محلها إلى ما يجاورها بشرط كونه مائعا وعلى تنجيس المائعات إذا وقع في جزء منها نجاسه وعلى تنجيس الإناء الذي يتصل بالمائع وعلى أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وأن لم يتغير لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالبا وعلى أن ورود الماء على النجاسه يخالف ورودها عليه لأنه أمر بإراقة الماء لما وردت عليه النجاسه وهو حقيقة في اراقة جميعه وأمر بغسله وحقيقته تتأدى بما يسمى غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق فائده خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفيه فأما المالكية فلم يقوموا بالتتريب أصلا مع ايجابهم التسبيع على المشهور عندهم لأن التتريب لم يقع في رواية مالك قال القرافي منهم لقد صحت فيه الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقوموا بها وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب والمعروف عند أصحابه أنه للوجوب لكنه للتعبد لكون الكلب طاهرا عندهم وأبدى بعض متأخريهم له حكمة غير التنجيس كما سيأتي وعن مالك رواية بأنه نجس لكن قاعدته أن الماء لا ينجس الا بالتغير فلا يجب التسبيع للنجاسه بل للتعبد لكن يرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الحديث فيما رواه مسلم وغيره من طريق محمد بن سيرين وهمام بن منبه عن أبي هريرة طهور إناء أحدكم لأن الطهارة تستعمل أما عن حدث أو خبث ولا حدث على الاماء فتعين الخبث وأجيب بمنع الحصر لأن التيمم لا يرفع الحدث وقد قيل له طهور المسلم ولان الطهاره تطلق على غير ذلك كقوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقوله صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم والجواب على الأول بان التيمم ناشيء عن حدث فلما قام ما يطهر الحدث سمي طهورا ومن يقول بأنه يرفع الحدث يمنع هذا الإيراد من أصله

والجواب على الثاني أن ألفاظ الشرع إذا أرادت بين الحقيقه اللغويه والشرعيه حملت على الشرعيه الا إذا قام دليل ودعوى بعض المالكية أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهي عن اتخاذه دون المأذون فيه يحتاج إلى ثبوت تقدم النهي عن الاتخاذ على الأمر بالغسل وإلى قرينة تدل على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب أنها للجنس أو لتعريف الماهيه فيحتاج المدعي أنها للعهد إلى دليل ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري ودعوى بعضهم أن ذلك مخصوص بالكلب الكلب وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطب لأن الشارع اعتبر السبع في مواضع منه كقوله صبوا على من سبع قرب وقوله من تصبح بسبع تمرات عجوة وتعقب بان الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه وأجاب حفيد بن رشيد بأنه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه أما في ابتدائه فلا يمتنع وهذا التعليل وأن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص وقد ثبت عن بن عباس التصريح بان الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه والمشهور عن المالكية أيضا التفرقه بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا لأن الأمر بالاراقه عام فيخص الطعام منه بالنهي عن إضاعة المال وعورض بان النهي عن الاضاعه مخصوص بالأمر بالاراقه ويترجح هذا الثاني بالإجماع على اراقة ما تقع فيه النجاسه من قليل المائعات ولو عظم ثمنه فثبت أن عموم النهي عن الاضاعه بخلاف الأمر بالاراقه وإذا ثبتت نجاسة سؤره كأن أعم من أن يكون لنجاسة عينه أو النجاسه طارئه كأكل الميتة مثلا لكن الأول أرجح إذ هو الأصل ولأنه يلزم على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرة مثلا وإذا ثبت نجاسة سؤره لعينه لم يدل على نجاسة باقيه الا بطريق القياس كان يقال لعابه نجس فمه نجس لأنه متحلب منه واللعاب عرق فمه وفمه أطيب بدنه فيكون عرقه نجسا وإذا كان عرقه نجسا كان بدنه نجسا لأن العرق متحلب من البدن ولكن هل يلتحق باقي أعضائه بلسانه في وجوب السبع والتتريب أم لا تقدمت الإشارة إلى ذلك من كلام النووي وأما الحنفية فلم يقوموا بوجوب السبع ولا التتريب واعتذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور منها كون أبي هريرة راوي أفتي بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتي بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه ومع الاحتمال لا يثبت النسخ وأيضا فقد ثبت أنه أفتي بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر وأما النظر فظاهر وأما الإسناد فالموافقه وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن بن سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد وأما المخالفه فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير ومنها أن العذرة أشد في النجاسه من سؤر الكلب ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار ومنها دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل وتعقب بان الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وقد ذكر بن مغفل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب ومنها الزام الشافعية بايجاب ثمان غسلات عملا بظاهر حديث عبد الله بن مغفل الذي أخرجه مسلم ولفظه فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنه في التراب وفي رواية أحمد بالتراب وأجيب بأنه لا يلزم من كون الشافعية لا يقولون بظاهر حديث عبد الله بن مغفل أن يتركوا هم العمل بالحديث أصلا ورأسا لأن اعتذار الشافعية عن ذلك أن كان متجها فذاك وإلا فكل من الفريقين ملوم في ترك العمل به قاله بن دقيق الله البصري وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه ونقل عن الشافعي أنه قال هو حديث لم اقف على صحته ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث أبي هريرة على حديث بن مغفل والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع والأخذ بحديث بن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس والزياده من الثقة مقبوله ولو سلكنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من اثبته ومع ذلك فقلنا به أخذا بزيادة الثقة وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب من الجاز فقال لما كان التراب جنسا غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحده معدودا باثنتين وتعقبه بن دقيق العيد بان قوله وعفروه الثامنه بالتراب ظاهر في كونها غسله مستقله لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسله على التتريب مجازا وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى والكلام على هذا الحديث وما يتفرع منه منتشر جدا ويمكن أن يفرد بالتصنيف ولكن هذا القدر كاف في هذا المختصر

[ 171 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور الكوسج كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وشيخه عبد الرحمن تكلم فيه بعضهم لكنه صدوق ولم ينفرد بهذا الحديث والإسناد منه فصاعدا مدنيون وأبوه وشيخه أبو صالح السمان تابعيان قوله ان رجلا لم يسم هذا الرجل وهو من بني إسرائيل كما سيأتي قوله يأكل الثرى بالمثلثه أي يعلق التراب الندى وفي المحكم الثرى التراب وقيل التراب الذي إذا بل لم يصر طينا لازبا قوله من العطش أي بسبب العطش قوله يغرف له به استدل به المصنف على طهارة سؤر الكلب لأن ظاهره أنه سقى الكلب فيه وتعقب بان الاستدلال به مبنى على أن شرع من قبلنا شرع لنا وفيه اختلاف ولو قلنا به اسكان محله فيما لم ينسخ ومع ارخاء العنان لا يتم الاستدلال به أيضا لاحتمال أن يكون صبه في شيء فسقاه أو غسل خفه بعد ذلك أو لم يلبسه بعد ذلك قوله فشكر الله له أي أثنى عليه فجزاه على ذلك بان قبل عمله وأدخله الجنة وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في باب فضل سقى الماء من كتاب الشرب إن شاء الله تعالى

[ 172 ] قوله وقال أحمد بن شبيب بفتح المعجمه وكسر الموحده قوله حمزة بن عبد الله أي بن عمر بن الخطاب كانت الكلاب زاد أبو نعيم والبهيقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب المذكور موصولا بصريح التحديث قبل قوله تقبل تبول وبعدها واو العطف وكذا ذكر الأصيلي أنها في رواية إبراهيم بن معقل عن البخاري وكذا أخرجها أبو داود الإسماعيلي من رواية عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد شيخ شبيب بن سعيد المذكور وعلى هذا فلا حجة فيه لمن استدل به على طهارة الكلاب للاتفاق على نجاسة بولها قاله بن المنير وتعقب بأن من يقول أن الكلب يؤكل وأن بول ما يؤكل لحمه طاهر يقدح في نقل الاتفاق لا سيما وقد قال جمع بان أبوال الحيوانات كلها طاهره الا الآدمي وممن قال به بن وهب حكاه الإسماعيلي وغيره عنه وسيأتي في باب غسل البول وقال المنذري المراد أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد إذ لم يكن عليه في ذلك الوقت غلق قال ويبعد أن تترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه وتعقب بأنه إذا قيل بطهارتها لم يمتنع ذلك كما في الهره والاقرب أن يقال أن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الاباحه ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيلي في روايته من طريق بن وهب في هذا الحديث عن بن عمر قال كان عمر يقول بأعلى صوته اجتنبوا اللغو في المسجد قال بن عمر وقد كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الكلاب الخ فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلب وأما قوله في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وأن كان عاما في جميع الازمنه لأنه اسم مضاف لكنه مخصوص بما قبل ازمن الذي أمر فيه بصيانة المسجد وفي قوله فلم يكونوا يرشون مبالغه لدلالته على نفي الغسل من باب الأولى واستدل بذلك بن بطال على طهارة سؤره لأن من شأن الكلاب أن تتبع مواضع المأكول وكان بعض الصحابة لا بيوت لهم الا المسجد فلا يخلو أن يصل لعابها إلى بعض أجزاء المسجد وتعقب بان طهارة المسجد متيقنه وما ذكر مشكوك فيه واليقين لا يرفع بالشك ثم ادلالته لا تعارض دلالة منطوق الحديث الوارد في الأمر بالغسل من ولوغه واستدل به أبو داود في السنن على أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسه بالجفاف يعني أن قوله لم يكونوا يرشون يدل على نفي صب الماء من باب أولي فلولا أن الجفاف يفيد تطهير الأرض ما تركوا ذلك ولا يخفى ما فيه تنبيه حكى بن التين عن الداودي الشارح أنه أبدل قوله يرشون بلفظ يرتقبون بإسكان الراء ثم مثناة مفتوحه ثم قاف مكسوره ثم موحده وفسره بان معناه لا يخشون فصحف اللفظ وأبعد في التفسير لأن معنى الارتقاب الانتظار وأما نفي الخوف من نفي الارتقاب فهو تفسير ببعض لوازمه والله أعلم

[ 173 ] قوله بن أبي السفر تقدم في المقدمه أن اسمه عبد الله وأن السفر بفتح الفاء ووهم من سكنها قوله عدي بن حاتم أي الطائي قوله سألت أي عن حكم صيد الكلاب وحذف لفظ السؤال اكتفاء بدلالة الجواب عليه وقد صرح به المصنف من طريق أخرى في الصيدناني كما سيأتي الكلام عليه مستوفي هناك إن شاء الله تعالى وإنما ساق المصنف هذا الحديث هنا ليستدل به لمذهبه في طهارة سؤر الكلب ومطابقته للترجمة من قوله فيها وسؤر الكلاب ووجه الدلاله من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إذن له في أكل ما صاده الكلب ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه ومن ثم قال مالك كيف يؤكل صيده ويكون لعابه نجسا وأجاب الإسماعيلي بان الحديث سيق لتعريف أن قتله ذكاته وليس فيه اثبات نجاسه ولا نفيها ويدل لذلك أنه لم يقل له اغسل الدم إذا خرج من جرح نابه لكنه وكله إلى ما تقرر عنده من وجوب غسل الدم فلعله وكله أيضا إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه وقال بن المنير عند الشافعية أن السكين إذا سيقت بماء نجس وذبح بها نجست الذبيحه وناب الكلب عندهم نجس العين وقد وافقونا على أن ذكاته شرعيه لا تنجس المذكي وتعقب بأنه لا يلزم من الاتفاق على أن الذبيحه لا تصير نجسه بعض الكلب ثبوت الإجماع على أنها لا تصير متنجسه فما الزمهم به من التناقض ليس بلازم على أن في المسألة عندهم خلافا والمشهور وجوب غسل المعض ولي هذا موضع بسط هذه المسألة

قوله باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين الاستثناء مفرغ والمعنى من لم ير الوضوء واجبا من الخروج من شيء من مخارج البدن الا من القبل والدبر وأشار بذلك إلى خلاف من رأي الوضوء مما يخرج من غيرهما من البدن كالقيء والحجامة وغيرهما ويمكن أن يقال أن نواقض الوضوء المعتبره ترجع إلى المخرجين فالنوم مظنة خروج الريح ولمس المراه ومس الذكر مظنة خروج المذي قوله لقوله تعالى أو جاء أحد منكم من الغائط فعلق وجوب الوضوء أو التيمم عند فقد الماء على المجيء من الغائط وهو المكان المطمئن من الأرض الذي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة فهذا دليل الوضوء مما يخرج من المخرجين وقوله أو لامستم النساء دليل الوضوء من ملامسة النساء وفي معناه مس الذكر مع صحة الحديث فيه الا أنه ليس على شرط الشيخين وقد صححه مالك وجميع من أخرج الصحيح غير الشيخين قوله وقال عطاء هو بن أبي رباح وهذا التعليق وصله بن أبي شيبة وغيره بنحوه وإسناده صحيح والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي وقتادة وحما بن أبي سليمان قالوا لا ينقض النادر وهو قول مالك قال الا أن حصل معه تلويث قوله وقال جابر هذا التعليق وصله سعيد بن منصور والدارقطني وغيرهما وهو صحيح من قول جابر أخرجه الدارقطني من طريق أخرى مرفوعا لكن ضعفها والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه قالوا ينقض الضحك إذا وقع داخل الصلاة لا خارجة قال بن المنذر اجمعوا على أنه لا ينقض خارج الصلاة واختلفوا إذا وقع فيها فخالف من قال به القياس الجلي وتمسكوا بحديث لا يصح وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله تعالى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى على إنهم لم يأخذوا بعموم الخبر المروي في الضحك بل بل خصوه بالقهقه قوله وقال الحسن أي بن أبي الحسن البصري والتعليق عنه للمسأله الأولى وصله سعيد بن منصور وابن المنذر بإسناد صحيح والمخالف في ذلك مجاهد والحكم بن عتيبة وحماد قالوا من قص أظفاره أو جز شاربه فعليه الوضوء ونقل بن المنذر أن الإجماع استقر على خلاف ذلك وأما التعليق عنه للمسأله الثانية فوصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح ووافقه على ذلك إبراهيم النخعي وطاوس وقتادة وعطاء وبه كان يفتي سليمان بن حرب وداود وخالفهم الجمهور على قولين مرتبين على إيجاب الموالاه وعدمها فمن اوجبها قال يجب استئناف الوضوء إذا طال الفصل ومن لم يوجبها قال يكتفي بغسل رجليه وهو الأظهر من مذهب الشافعي وقال في الموطأ

أحب إلى أن يبتدئ الوضوء من أوله وقال بعض العلماء من الشافعية وغيرهم يجب الاستئناف وأن لم تجب الموالاه وعن الليث عكس ذلك قوله وقال ابو هريرة وصله إسماعيل القاضي في الأحكام بإسناد صحيح من طريق مجاهد عنه موقوفا ورواه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه مرفوعا وزاد أو ريح قوله ويذكر عن جابر وصله بن إسحاق في المغازي قال حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن أبيه مطولا أخرجه أحمد وداود والدارقطني وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق بن إسحاق وشيخه صدقه ثقة وعقيل بفتح العين لا أعرف راويا عنه غير صدقه ولهذا لم يجزم به المصنف أو لكونه اختصره أو للخلاف في بن إسحاق قوله في غزوة ذات الرقاع سيأتي الكلام عليها في المغازي إن شاء الله تعالى قوله فرمى بضم الراء قوله رجل تبين من سياق المذكورين سبب هذه القصه ومحصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بشعب فقال من يحرسنا الليله فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بفم الشعب فاقتسما الليل للحراسه فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي فجاء رجل من العدو فرأى الأنصاري فرماه بسهم فأصابه فنزعه واستمر في صلاته ثم رماه بثان فصنع كذلك ثم رماه بثالث فانتزعه وركع وسجد وقضى صلاته ثم أيقظ رفيقه فلما رأى ما به من الدماء قال له لم لا انبهتني أول ما رمى قال كنت في سورة فأحببت أن لا اقطعها أخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر وسمي الأنصاري المذكور عباد بن بشر والمهاجري عمار بن ياسر والسوره الكهف قوله فنزقه قال بن طريف

في الأفعال يقال نزفه الدم وانزقه إذا سأل منه كثيرا حتى يضعفه فهو نزيف ومنزوف وأراد المصنف بهذا الحديث الرد على الحنفية في أن الدم السائل ينقض الوضوء فإن قيل كيف مضى في صلاته مع وجود الدم في بدنه أو ثوبه واجتناب النجاسه فيها واجب أجاب الخطابي بأنه يحتمل أن يكون الدم جرى من الجراح علي سبيل الدفق بحيث لم يصب شيئا من ظاهر بدنه وثيابه وفيه بعد ويحتمل أن يكون الدم أصاب الثوب فقط فنزعه عنه ولم يسل على جسمه الا قدر يسير معفو عنه ثم الحجة قائمه به على كون خروج الدم لا ينقض ولو لم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه والظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطلها بدليل أنه ذكر عقب هذا الحديث أثر الحسن وهو البصري قال ما زال المسلمون يصلون فيي جراحاتهم وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبع دما قوله وقال طاوس هو بن كيسان التابعي المشهور وأثره هذا وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه أنه كان لا يرى في الدم وضوءا ييغسل عنه الدم ثم حسبه قوله ومحمد بن علي أي بن الحسين بن علي أبو جعفر الباقر وأثره هذا رويناه موصولا في فوائد الحافظ أبي بشر المعروف بسمويه من طريق الأعمش قال سألت أبا جعفر الباقر عن الرعاف فقال لو سأل نهر من دم ما أعدت منه الوضوء وعطاه هو بن أبي رباح وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن بن جريج عنه قوله وأهل الحجاز هو من عطف العام على الخاص لأن الثلاثه المذكورين قبل حجازيون وقد رواه عبد الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد بن جبير أخرجه بن أبي شيبة من طريق بن عمر وسعيد بن المسيبب أخرجه إسماعيل القاضي من طريق أبي الزناد عن الفقهاء السبعه من أهل المدينة وهو قول مالك والشافعي قوله وعصر بن عمر وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح وزاد قبل قوله ولم يتوضأ ثم صلى قوله بثرة بفتح الموحده وسكون المثلثه ويجوز فتحها وهي خراج صغير يقال بثر وجهه مثلث الثاء المثلثه قوله وبزق بن أبي أوفى هو عبد الله الصحابي بن الصحابي وأثره هذا وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب أنه رآه فعل ذلك وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه فالإسناد صحيح قوله وقال بن عمر وصله الشافعي وابن أبي شيبة بلفظ كان إذا احتجم غسل محاجمه قوله والحسن أي البصري وأثره هذا وصله بن أبي شيبة أيضا ولفظه أنه سئل عن الرجل يحتجم ماذا عليه قال يغسل أثر محاجمه تنبيه وقع في رواية الأصيلي وغيره ليس عليه غسل محاجمه بإسقاط أداة الاستثناء وهو الذي ذكره الإسماعيلي وقال بن بطال تثبت الا في رواية المستملي دون رفيقيه انتهى وهي في نسختي ثابتة من رواية أبي ذر عن الثلاثه وتخريج التعليق المذكور يؤيد ثبوتها وقد حكى عن الليث أنه قال يجزئ المحتجم أن يمسح موضع الحجامة ويصلي ولا يغسله

[ 174 ] قوله بن أبي ذئب تقدم أن اسمه محمد بن عبد الرحمن والإسناد كله مدنيون الا آدم وقد دخلها قوله ما كان في المسجد أي ما دام وهي رواية الكشمهيني والمراد أنه في ثواب الصلاة ما دام ينتظرها وإلا لامتنع عليه الكلام ونحوه وقال الكرماني نكر قوله في الصلاة ليشعر بان المراد نوع صلاته التي ينتظرها وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الصلاة في أبواب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى قوله اعجمي أي غير فصيح بالعربيه سواء كان عربي الأصل أم لا ويحتمل أن يكون هذا الأعجمي هو الحضرمي الذي تقدم ذكره في أوائل كتاب الوضوء قوله قال الصوت كذا فسره هنا ويؤيده الزيادة المذكورة قبل في رواية أبي داود وغيره حيث قال لا وضوء الا من صوت أو ريح فكأنه قال لا وضوء الا من ضراط أو فساء وإنما خصهما بالذكر دون ما هو أشد منهما لكونهما لا يخرج من المرء غالبا في المسجد غيرهما فالظاهر أن السؤال وقع عن الحديث الخاص وهو المعهود وقوعه غالبا في الصلاة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الوضوء

[ 175 ] قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي وأن كان هشام بن عمار يكنى أيضا أبا الوليد ويورى أيضا عن بن عيينة ويروي عنه البخاري قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد المازني وتقدم الكلام على حديثه هذا في باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن وأورده هنا لظهور دلالته على حصر النقض بما يخرج من السبيلين وقد قدمنا توجيه الحاق بقية النواقض بهما أوائل الباب

[ 176 ] قوله حدثنا جرير هو بن عبد الحميد وسيأتي الكلام على المتن في باب غسل المذي من كتاب الغسل إن شاء الله تعالى وتقدمت له طريق أخرى في أو اخر كتاب العلم وأورده هنا لدلالته على ايجاب الوضوء من المذي وهو خارج من أحد المخرجين قوله ورواه شعبة عن الأعمش أي بالإسناد المذكور وقد وصله أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة كذلك

[ 177 ] قوله حدثنا سعد بن حفص كذا للجميع الا القابسي فقال سعيد وكذا صنع في حديثه الآخر الاتي في باب فضل النفقة في سبيل الله من كتاب الجهاد نبه عليهما الجياني قوله حدثنا شيبان هو بن عبد الرحمن عن يحيى هو بن أبي كثير عن أبي سلمة أي بن عبد الرحمن بن عوف وفي الإسناد تابعيان كبيران مدنيان يروي أحدهما عن الآخر وصحابيان كذلك ويحيى بن كثير أيضا تابعي صغير ففيه ثلاثة من التابعين في نسق قوله ارايت أي أخبرني قوله إذا جامع أي الرجل فلم يمن بضم التحتانيه وسكون الميم قوله كما يتوضأ للصلاة بيان لأن المراد الوضوء الشرعبي لا اللغوي وسيأتي حكم هذه المسألة في آخر كتاب الغسل ونبين هناك أنه منسوخ ولا يقال إذا كان منسوخا كيف يصح الاستدلال به لأنا نقول المنسوخ منه عدم وجوب الغسل وناسخه الأمر بالغسل وأما الأمر بالوضوء فهو باق لأنه مندرج تحت الغسل والحكمة في الأمر بالوضوء قبل أن يجب الغسل أما لكون الجماع مظنة خروج المذي أو لملامسة المراه وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة

[ 178 ] قوله حدثنا إسحاق كذا في رواية كريمه وغيرها زاد الأصيلي هو بن منصور وفي رواية أبي ذر حدثنا إسحاق بن منصور بن يهرام بفتح الموحده وهو المعروف بالكوسج كما صرح به أبو نعيم قوله حدثنا النضر هو بن شميل بالمعجمه مصغرا والحكم هو بن عتيبة بمثناة وموحده مصغرا قوله أرسل إلى رجل من الأنصار ولمسلم وغيره مر على رجل فيحمل على أنه أمر به فأرسل إليه وهذا الأنصاري سماه مسلم في روايته من طريق أخرى عن أبي سعيد عتبان وهو بكسر المهمله وسكون المثناه ثم موحده خفيفه ولفظه من رواية شريك بن أبي نمر عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فخرج يجر إزاره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعجلنا الرجل فذكر الحديث بمعناه وعتبان المذكور هو بن مالك الأنصاري كما نسبه بقي بن مخلد في روايته لهذا الحديث من هذا الوجه ووقع في رواية في صحيح أبي عوانة أنه بن عتبان والأول أصح ورواه بن إسحاق في المغازي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده لكنه قال فهتف برجل من أصحابه يقال له صالح فإن حمل على تعدد الواقعه وإلا فطريق مسلم أصح وقد وقعت القصه أيضا لرافع بن خديج وغيره أخرجه أحمد وغيره ولكن الأقرب في تفسير المبهم الذي في البخاري أنه عتبان والله أعلم قوله يقطر أي ينزل منه الماء قطرة قطرة من أثر الغسل قوله لعلنا اعجلناك أي عن فراغ حاجتك من الجماع وفيه جواز الأخذ بالقرائن لأن الصحابي لما أبطأ عن الاجابه مدة الاغتسال خالف المعهود منه وهو سرعة الاجابه للنبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى عليه أثر الغسل دل على أن شغله كان به واحتمل أن يكون قبل الإنزال ليسرع الاجابه أو كان انزل فوقع السؤال عن ذلك وفيه استحباب الدوام على الطهاره لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه تأخير اجابته وكأن ذلك كان قبل ايجابها إذ الواجب لا يؤخر للمستحب وقد كان عتبان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيصلي في بيته في مكان يتخذه مصلى فأجابه كما سيأتي في موضعه فيحتمل أن تكون هي هذه الواقعه وقدم الاغتسال ليكون متأهبا للصلاه معه والله أعلم قوله إذا اعجلت بضم الهمزه وكسر الجيم وفي أصل أبي ذر إذا عجلت بلا همز و قحطت وفي رواية غيره اقحطت بوزن اعجلت وكذا المسلم قال صاحب الأفعال يقال اقحط الرجل إذا جامع ولم يتنزل وحكى بن الجوزي عن بن الخشاب أن المحدثين يقولون قحط بفتح القاف قال والصواب الضم قلت وروايته في امالي أبي على القالي بالوجهين في القاف وبزيادة الهمزه المضمومه يقال قحط الناس وأقحطوا إذا حبس عنهم المطر ومنه استعير ذلك لتأخر الإنزال قال الكرماني ليس قوله أو للشك بل هو لبيان عدم الإنزال سواء كان يحسب أمر من ذات الشخص أم لا وهذا بناء على أن أحدهما بالتعدية وإلا فهي للشك قوله تابعه وهب أي بن جرير بن حازم والضمير يعود على النضر متابعة وهب وصلها أبو العباس السراج في مسنده عن زياد بن أيوب قوله لم يقل غندر ويحيى عن شعبة الوضوء يعني أن غندرا وهو محمد بن جعفر ويحيى هو بن سعيد القطان رويا هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد والمتن لكن لم يقولا فيه عليك الوضوء فأما يحيى فهو كما قال فقد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده عنه ولفظه فليس عليك غسل وأما غندر فقد أخرجه أحمد أيضا في مسنده عنه لكنه ذكر الوضوء ولفظه فلا غسل عليك عليك الوضوء وهكذا أخرجه مسلم وابن ماجة والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عنه وكذا ذكره أكثر أصحاب شعبة كأبي داود الطيالسي وغيره عنه فكأن بعض مشايخ البخاري حدثه به عن يحيى وغندر معا فساقه له على لفظ يحيى والله أعلم وقد كان بين الصحابة اختلاف في هذه المساله كما سنذكره في آخر كتاب الغسل إن شاء الله تعالى

قوله باب الرجل يوضيء صاحبه أي ما حكمة

[ 179 ] قوله بن سلام هم محمد كما في رواية كريمه ويحيى هو بن سعيد الأنصاري وفي هذا الإسناد رواية الأقران لأن يحيى وموسى بن عقبة تابعيان صغيران من أهل المدينة وكريب مولى بن عباس من اواسط التابعين ففيه ثلاثة من التابعين في نسق وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من مباحث هذا الحديث في باب إسباغ الوضوء ويأتي باقيها في كتاب الحج ووقع في تراجم البخاري لابن المنير في هذا الموضع وهم فإنه قال فيه بن عباس عن أسامة وليس هو من رواية بن عباس وإنما هو من رواية كريب مولى بن عباس قوله اصب بتشديد الموحده ومفعوله محذوف أي الماء قوله يتوضأ أي وهو يتوضأ واستدل به المصنف على الاستعانه في الوضوء لكن من يدعي أن الكراهية مختصه بغير المشقه أو الاحتياج في الجملة لا يستدل علييه بحديث أسامة لأنه كان في السفر وكذا حديث المغيرة المذكور قال بن المنير قاس البخاري توضئة الرجل غيره عللى صبه عليه لاجتماعهما في معنى الاعانه قلت والفرق بينهما ظاهر ولم يفصح الخاري في المسألة بجواز ولا غيره وهذه عادته في الأمور المحتمله قال النووي الاستعانه ثلاثة أقسام إحضار الماء ولا كراهة فيه أصلا قلت لكن الأفضل خلافه قال الثاني مباشرة الا جنسي الغسل وهذا مكروه الا لحاجه الثالث الصب وففيه وجهان أحدهما يكره والثاني خلاف الأولى وتعقب بأنه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لا يكون خلاف الأولى وأجيب بأنه قد يفعله لبيان الجواز فلا يكون في حقه خلاف الأولى بخلاف غيره وقال الكرماني إذا كان الأولى تركه فكيف ينازع في كراهته وأجيب ببان كل مكروه فعله خلاف الأولى من غير عكس إذ المكروه يطلق على الحرام بخلاف الآخر

[ 180 ] قوله حدثنا عمرو بن على هو الفلاس أحد الحفاظ البصريين وعبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وسعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف وفي الإسناد رواية الأقران في موضعين لأن يحيى وسعدا تابعيان صغيران ونافع بن جبير وعروة بن المغيرة تابعيان وسطان ففيه أربعة من التابعين في نسق وهو من النوادر قوله انه كان أدى عروة معنى كلام أبيه بعبارة نفسه وإلا فكان السياق يقتضي أن يقول قال إني كنت وكذا قوله وأن المغيرة جعل ويحتمل أن يقال هو التفات على رأي فيكون عروة أدى لفظ أبيه والضمير في قوله وأنه ذهب وفي قوله له للنبي صلى الله عليه وسلم ومباحث هذا الحديث تأتي في المسح على الخفين إن شاء الله تعالى والمراد منه هنا الاستدلال عللا الاستعانه وقال بن بطال هذا من القربات التي يجوز للرجل أن يعملها من غيره بخلاف الصلاة قال واستدل البخاري من صب الماء عليه عند الوضوء أنه يجوز للرجل أن يوضئه غيره لأنه لما لزم المتوضيء الاغتراف من الماء لاعضائه وجاز له أن يكفيه ذلك غيره بالصب والاغتراف بعض عمل الوضوء كذلك يجوز في بقية اعماله وتعقبه بن المنير بان الاغتراف من الوسائل لا من المقاصد لأنه لو اغترف ثم نوى أن يتوضأ جاز ولو كان الاغتراف عملا مستقلا لكان قد قدم النية عليه

وذلك لا يجوز وحاصله التفرقه بين الاعانه بالصب وبين الاعانه بمباشرة الغير لغسل الأعضاء وهذا هو الفرق الذي اشرنا إليه قبل والحديثان دالان على عدم كراهة الاستعانه بالصب وكذا إحضار الماء من باب أولى وأما المباشره فلا دلاله فيهما عليها نعم يستحب أن لا يستعين أصلا وأما ما رواه أبو جعفر الطبري عن بن عمر أنه كان يقول ما أبالي من اعانني على طهوري أو على ركوعي وسجودي فمحول على الاعانه بالمباشره للصب بدليل ما رواه الطبري أيضا وغيره عن مجاهد أنه كان يكسب على بن عمر وهو يغسل رجليه وقد روى الحاكم في المستدرك من حديث الربيع بنت معوذ أنها قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فقال اسكبي فسكبت عليه وهذا أصرح في عدم الكراهة من الحديثين المذكورين لكونه في الحضر ولكونه بصيغة الطلب لكنه ليس على شرط المصنف والله أعلم

قوله باب قراءة القرآن بعد الحدث أي الأصغر وغيره أي من مظان الحدث وقال الكرماني الضمير يعود على القرآن والتقدير باب قراءة القرآن وغيره أي الذكر والسلام ونحوهما بعد الحدث ويلزم منه الفصل بين المتعاطفين ولأنه أن جازت القراءة بعد الحدث فجواز غيرها من الأذكار بطريق الأولى فهو مستغنى عن ذكره بخلاف غير الحدث من نواقض الوضوء وقد تقدم بيان المراد بالحدث وهو يؤيد ما قررته قوله وقال منصور أي بن المعتمر عن إبراهيم أي النخعي وأثره هذا وصله سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن منصور مثله وروى عبد الرزاق عن الثوري عن منصور قال سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال لم يبن للقراءة فيه قلت وهذا لا يخالف رواية أبي عوانة فإنها تتعلق بمطلق الجواز وقد روى سعيد بن منصور أيضا عن محمد بن أبان عن حماد بن أبي سليمان قال سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال يكره ذلك انتهى والإسناد الأول أصح وروى بن المنذر عن على قال بئس البيت الحمام ينزع فيه الحياء ولا يقرأ فيه آية من كتاب الله وهذا لا يدل على كراهة القراءة وإنما هو أخبار بما هو الواقع بان شأن من يكون في الحمام أن يلتهي عن القراءة وحكيت الكراهة عن أبي حنيفة وخالفه صاحبه محمد بن الحسن ومالك فقالا لا تكره لأنه ليس فيد دليل خاص وبه صرح صاحبا العدة والبيان من الشافعية وقال النووي في التبيان عن الأصحاب لا تكره فاطلق لكن في شرح الكفايه للصيمري لا ينبغي أن يقرأ وسوى الحليمي بينه وبين القراءة حال قضاء الحاجة ورجح السبكي الكبير عدم الكراهة واحتج بان القراءة مطلوبه والاستكثار منها مطلوب والحدث يكثر فلو كرهت لفات خير كثير ثم قال حكم القراءة في الحمام أن كان القارئ في مكان نظيف وليس فيه كشف عورة لم يكره وإلا كره قوله ويكتب الرساله كذا في رواية الأكثر بلفظ مضارع كتب وفي رواية كريمه بكتب بموحده مكسوره وكاف مفتوحه عطفا على قوله بالقراءة وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن الثوري أيضا عن منصور قال سألت ابارهيم أأكتب الرسالة على غير وضوء قال نعم وتبين بهذا أن قوله على غير وضوء يتعلق بالكتابه لا بالقراءة في الحمام ولما كان من شأن الرسائل أن تصدر بالبسمله توهم السائل أن ذلك يكره لمن كان على غير وضوء لكن يمكن أن يقال أن كاتب الرسالة لا يقصد القراءة فلا يستوي مع القراءه قوله وقال حماد هو بن أبي سليمان فقيه الكوفة عن إبراهيم أي النخعي ان كان عليهم أي على من في الحمام ازار المراد به الجنس أي على كل منهم إزار وأثره هذا وصله الثوري في جامعه عنه والنهي عن السلام عليهم أما أهانه لهم لكونهم على بدعة وأما لكونه يستدعى منهم الرد والتلفظ بالسلام فيه ذكر الله لأن السلام من أسمائه وأن لفظ سلام عليكم من القرآن والمتعرى عن الإزار مشابه لمن هو في الخلاء وبهذا التقرير يتوجه ذكر هذا الأثر في هذه الترجمة

[ 181 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي تويس قوله مخرمة بفتح الميم واسكان المعجمه والإسناد كلله مدنيون قوله فاضطجعت قائل ذلك هو بن عباس وفيه التفات لأن أسلوب الكلام كان يقتضي أن يقول فاضطجع لأنه قال قبل ذلك أنه بات قوله في عرض بفتح أوله على المشهور وبالضم أيضا وأنكره الباجي من جهة النقل ومن جهة المعنى أيضا قال لأن العرض بالضم هو الجانب وهو لفظ مشترك قلت لكن لما قال في طولها تعين المراد وقد صحت به الرواية فلا وجه للانكار قوله يمسح النوم أي يمسح بيده عينيه من باب إطلاق اسم الحال على المحل أو أثر النوم من باب إطلاق السبب على المسبب قوله ثم قرا العشر الآيات أولها ان في خلق السماوات والأرض إلى آخر السوره قال بن بطال ومن تبعه فيه دليل على رد من كره قراءة القرآن على غير طهاره لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآيات بعد قيامه من النوم قبل أن يتوضأ وتعقبه بن المنير وغيره بان ذلك مفرع على أن النوم في حقه ينقض وليس كذلك لأنه فقال تنام عيناي ولا ينام قلبي وأما كونه توضأ عقب ذلك فلعله جدد الوضوء أو احدث بعد ذلك فتوضأ قلت وهو تعقب جيد بالنسبه إلى قول بن بطال بعد قيامه من النوم لأنه لم يتعين كونه أحدث في النوم لكن لما عقب ذلك بالوضوء كان ظاهرا في كونه أحدث ولا يلزم من كون نومه لا ينقض وضوئه أن لا يقع مند حدث وهو نائم نعم خصوصيته أنه أن وقع شعر به بخلاف غيره وما ادعوه من التجديد وغيره الأصل عدمه وقد سبق الإسماعيلي إلى معنى ما ذكره بن المنير والاظهر أن مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن مضاجعة الأهل في الفراش لا تخلو من الملامسه ويمكن أن يؤخذ ذلك من قول بن عباس فصنعت مثل ما صنع ولم يرد المصنف أن مجرد نومه صلى الله عليه وسلم ينقض لأن في آخر هذا الحديث عنده في باب التخفيف في الوضوء ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم صلى ثم رأيت في الحلبيات للسبكي الكبير بعد أن ذكر اعتراض الاسماعييلي لعل البخاري احتج بفعل بن عباس بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتبر اضطجاع النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله واللمس ينقض الوضوء قلت ويؤخذ من هذا الحديث توجيه ما قيلت الحديث به في ترجمة الباب وأن المراد به الأصغر إذ لو كان الأكبر لما اقتصر على الوضوء ثم صلى بل كان يغتسل قوله الى شن معلقه قال الخطابي الشن القربه التي تبدت للبلاء ولذلك قال في هذه الروايه معلقه فأنث لإرادة القربه قوله فقمت فصنعت مثل ما صنع تقدمت الإشارة في باب تخفيف الوضوء إلى هذا الموضع فليراجع من ثم وستأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى تنبيه روى مسلم من حديث بن عمر كراهة ذكر الله بعد الحدث لكنه على غير شرط المصنف

قوله باب من لم يتوضأ أي من الغشي الا من الغشي المثقل فالاستثناء مفرغ والمثقل بضم الميم واسكان المثلثه وكسر القاف ويجوز فتحها وأشار المصنف بذلك إلى الرد على من أوجب الوضوء من الغشي مطلقا والتقدير باب من لم يتوضأ من الغشي الا إذا كان مثقلا

[ 182 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس أيضا والإسناد كله مدنيون أيضا وفيه رواية الأقران هشام وامرأته فاطمة بنت عمه المنذر قوله فأشارت أن نعم كذا الاكثرهم بالنون ولكريمة أي نعم وهي رواية وهيب المتقدمه في العلم وبين فيها أن هذه الإشارة كانت برأسها قوله تجلائي أي غطاني قال بن طال الغشي مرض يعرض من طول التعب والوقوف

وهو ضرب من الاغماء الا أنه دونه وإنما صبت أسماء الماء على رأسها مدافعه له ولو كان شديدا لكان الاغماء وهو ينقض الوضوء بالإجماع انتهى وكونها كانت تتولى صب الماء عليها يدل على أن حواسها كانت مدركه وذلك لا ينقض الوضوء ومحل الاستدلال بفعلها من جهة أنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرى الذي خلفه وهو في الصلاة ولم ينقل أنه أنكر عليها وقد تقدم شيء من مباحث هذا الحديث في كتاب العلم وتأتي بقية مباحثه في كتاب صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى

قوله باب مسح الرأس كله كذا الاكثرهم وسقط لفظ كله للمستملي قوله وقال بن المسيب أي سعيد وأثره هذا وصله بن أبي شيبة بلفظ الرجل والمرأه في المسح سواء ونقل عن أحمد أنه قال يكفي المرأة مسح مقدم رأسها قوله وسئل مالك السائل له عن ذلك هو إسحاق بن عيسى بن الطباع بينه بن خزيمة في صحيحه من طريقه ولفظه سألت مالكا عن الرجل يمسح مقدم رأسه في وضوئه أيجزئه ذلك فقال حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد فقال مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه من ناصيته إلى قفاه ثم رد يديه إلى ناصيته فمسح رأسه كله وهذا السياق أصرح للترجمة من الذي ساقه المصنف قبل وموضع الدلاله من الحديث والايه أن لفظ الآية مجمل لأنه يحتمل أن يراد منها مسح الكل عن الباء زائدة أو مسح البعض على أنها تبعيضيه فتبين بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد الأول ولم ينقل عنه أنه مسح بعض رأسه الا في حديث المغيرة أنه مسح على ناصيته وعمامته فإن ذلك دل على أن التعميم ليس بفرض

فعلى هذا فالاجمال في المسند إليه لا في الأصل

[ 183 ] قوله عن أبيه أي أبي عثمان يحيى بن عمارة أي بن أبي حسن واسمه تميم بن عبد عمرو ولجده أبي حسن صحبه وكذا لعمارة فيما جزم به بن عبد البر وقال أبو نعيم فيه نظر والإسناد كله مدنيون الا عبد الله بن يوسف وقد دخلها قوله ان رجلا هو عمرو بن أبي حسن كما سماه المصنف في الحديث الذي بعد هذا من طريق وهيب عن عمرو بن يحيى وعلى هذا فقوله هنا وهو جد عمرو بن يحيى فيه تجوز لأنه عم أبيه وسماه جدا لكونه في منزلته ووهم من زعم أن المراد بقوله وهو عبد الله بن زيد لأنه ليس جدا لعمرو بنب يحيى لا حقيقة ولا مجازا وأما قول صاحب الكمال ومن تبعه في ترجمة عمرو بن يحييى أنه بن بنت عبد الله بن زيد فغلظ توهمه من هذه الرواية وقد ذكر بن سعد أن أم عمرو بن يحيى هي حميده بنت محمد بن إياس بن الكبير وقال غيره هي أم النعمان بنت أبي حية فالله اعلم وقد اختلف رواة الموطأ في تعيين هذا السائل وأكثرهم فأبهمه قال معن بن عيسى في روايته عن عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع أبا حسن وهو جد عمرو بن ييحيى قال لعبد الله بن زيد وكان من الصحابة فذكر الحديث وقال محمد بن الحسن الشيباني عن مالك حدثنا عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله بن زيد وكذا ساقه سحنون في المدونه وقال الشافعي في الأم عن مالك عن عمرو عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد ومثله رواية الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي عن مالك عن عمرو عن أبيه قال قلت والذي يجمع هذا الاختلاف أن يقال اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو حسن الأنصاري وابنه عمرو وابن ابنه يحيى بن عمارة بن أبي حسن فسألوه عن صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وتولى السؤال منهم له عمرو بن أبي حسن فحيث نسب إليه السؤال كان على الحقيقه ويؤيده رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من النور قال حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه قال كان عمي يعني عمرو بن أبي حسن يكثر الوضوء فقال لعبد الله بن زيد أخبرني فذكره وحيث نسب السؤال إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه كان الأكبر وكان حاضرا وحيث نسب السؤال ليحيى بن عمارة فعلى المجاز أيضا لكونه ناقل الحديث وقد حضر السؤال ووقع في رواية مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد الواسطي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال قيل له توضأ لنا فذكره مبهما وفي رواية الاسماعييلي من طريق وهب بن بقية عن خالد المذكور بلفظ قلنا له وهذا يؤيد الجمع المتقدم من كونهم اتفقوا على سؤاله لكن متولى السؤال منهم عمرو بن أبي حسن ويزيد ذلك وضوحا رواية الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عمه عمرو بن أبي حسن قال كنت كثير الوضوء فقلت لعبد الله بن زيد فذكر الحديث أخرجه أبو نعيم في المستخرج والله أعلم قوله اتستطيع فيه ملاطفة الطالب للشيخ وكأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال أن يكون الشيخ نسي ذلك لبعد العهد قوله فدعا بماء وفي رواية وهب في الباب الذي بعده فدعا بتور من ماء والتور بمثناة مفتوحه قال الداودي قدح وقال الجوهري إناء يشرب منه وقيل هو الطست وقيل يشبه الطست وقيل هو من مثل القدر يكون من صفر أو حجاره وفي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة عند المصنف في باب الغسل في المخضب في أول هذا الحديث أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر والصفر بضم المهمله واسكان الفاء وقد تكسر صنف من حديد النحاس قيل أنه سمي بذلك لكونه يشبه الذهب ويسمى أيضا الشبه بفتح المعجمه الموحده والتور المذكور يحتمل أن يكون هو الذي توضأ منه عبد الله بن زيد إذ سئل عن صفة الوضوء فيكون أبلغ في حكاية صورة الحال على وجهها قوله فافرغ وفي رواية موسى عن وهيب فأكفأ بهمزتين وفي رواية سليمان بن حرب في باب مسح الرأس مرة عن وهيب فكفأ بفتح الكاف وهما لغتان بمعنى يقال كفأ الإناء واكفأه إذا آماله وقال الكسائي كفأت الإناء كببته واكفأته املته والمراد في الموضعين افراغ الماء من الإناء على اليد كما صرح به في رواية مالك قوله فغسل يده مرتين كذا في رواية مالك بإفراد يده وفي رواية وهيب وسليمان بن بلال عند المصنف وكذا الداودي عند أبي نعيم فغسل يديه بالتثنيه فيحمل الأفراد في رواية مالك على الجنس وعند مالك مرتين وعند هؤلاء ثلاثا وكذا الخالد بن عبد الله عند مسلم وهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا فزيادتهم مقدمه على الحافظ الوااحد وقد ذكر مسلم من طريق ببهز عن وهيب أنه سمع هذا الحديث مرتين من عمرو بن يحييى إملاء فتأكد ترجيح روايته ولا يقال يحمل على واقعتين لأنا نقول المخرج متحد والأصل عدم التعدد وفيه من الأحكام غسل اليد قبل ادخالها الإناء ولو كان من غير نوم كما تقدم مثله في حديث عثمان والمراد باليدين هنا الكفان لا غير قوله ثم تمضمض واستنثر وللكشمهيني مضمض واستنشق والاستنثار يستلزم الاستنشاق بلا عكس وقد ذكر في رواية وهيب الثلاثه وزاد بعد قوله ثلاثا بثلاث غرفات واستدل به على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفه وفي رواية خالد بن عبد الله الآتية بعد قليل مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا وهو صريح في الجمع كل مرة بخلاف رواية وهيب فإنه تطرقها احتمال التوزيع بلا تسويه كما نبه عليه بن دقيق العيد ووقع في رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من التور فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة واستدل بها على الجمع بغرفة واحدة وفيه نظر لما اشرنا إليه من اتحاد المخرج فتقدم الزياده ولمسلم من رواية خالد المذكورة ثم ادخل يده فاستخرجها فمضمض فاستدل بها على تقديم المضمضة على الاستنشاق لكونه عطف بالفاء التعقيبيه وفيه بحث قوله ثم غسل وجهه ثلاثا لم تختلف الروايات في ذلك ويلزم من استدل بهذا الحديث على وجوب تعميم الرأس بالمسح أن يستدل به على وجوب الترتيب للاتيان بقوله ثم في الجميع لأن كلا من الحكمين مجمل في الآية بينته السنة بالفعل قوله ثم غسل يديه مرتين مرتين كذا بتكرار مرتين ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل ليدين مرتين لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زييد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وفيه ويديه اليمني ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متحد قوله الى المرفقين كذا للمستملي والحموي إلى المرفقين بالافراد على إرادة الجنس وقد اختلف العلماء هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا فقال المعظم نعم وخالف زفر وحكاه بعضهم عن مالك واحتج بعضهم للجمهور بان إلى في الآية بمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا أمولهم إلى أموالكم وتعقب بأنه خلاف الظاهر وأجيب بان القرينه دلت عليه وهي كون ما بعد إلى من جنس ما قبلها وقال اببن القصار اليد يتناولها الاسم إلى الإبط لحديث عمار أنه تيمم إلى الإبط وهو من أهل اللغه فلما جاء قوله تعالى الى المرافق بقي المرفق مغسولا مع الذراعين بحق الاسم انتهى فعلى هذا فإلى هنا حد للمتروك من غسل اليدين لا للمغسول وفي كون ذلك ظاهرا من السياق نظر والله أعلم وقال الزمخشري لفظ إلى يفيد معنى الغايه مطلقا فأما دخولها في الحكم وخروجها فامر يدور مع الدليل فقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل دليل عدم الدخول النهى عن الوصال وقول القائل حفظت القرآن من أوله إلى آخره دليل الدخول كون الكلام مسوقا لحفظ جميع القرآن وقوله تعالى الى المرافق لا دليل فيه على أحد الامرين قال فاخذ العلماء بالاحتياط ووقف زفر مع المتيقن انتهى ويمكن أن يستدل لدخولهما بفعله صلى الله عليه وسلم ففي الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين وفيه عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ ادار الماء على مرفقيه لكن إسناده ضعيف

وفي البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق وفي الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرافقيه فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا قال إسحاق بن راهويه إلى في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغايه وأن تكون بمعنى مع فبينت السنة أنها بمعنى مع انتهى وقد قال الشافعي في الأم لا أعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع قبله وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده ولم يثبت ذلك عن مالك صريحا وإنما حكى عنه أشهب كلاما محتملا والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء هو العظم الناتيء في آخر الذراع سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه قوله ثم مسح رأسه زاد بن الطباع كله كما تقدم عن رواية بن خزيمة وفي رواية خالد بن عبد الله برأسه بزيادة الباء قال القرطبي الباء للتعديه يجوز حذفها واثباتها كقولك مسحت الرأس اليتيم ومسحت برأسه وقيل دخلت الباء لتفيد معنى آخر وهو أن الغسل لغه يقتضي مغسولا به والمسح لغة لا يقتضي ممسوحا به فلو قال وامسحوا رؤوسكم لا جزأ المسح باليد بغير ماء فكأنه قال وامسحوا برؤوسكم الماء فهو على القلب والتقدير امسحوا رؤوسكم الماء وقال الشافعي احتمل قوله تعالى وامسحوا بؤسكم جميع الرأس أو بعضه فدلت السنة على أن بعضه يجزئ والفرق بينه وبين قوله تعال فامسحوا بوجوهكم في التيمم أن المسح فيه بدل عن الغسل ومسح الرأس أصل فافترقا ولا يرد كون مسح الخف بدلا عن غسل الرجل لأن الرخصة فيه تثبت الإجماع فإن قيل فلعله اقتصر على مسح الناصيه لعذر لأنه كان فيي سفر وهو مظنة العذر ولهذا مسح على العمامه بعد مسح الناصيه كما هو ظاهر من سياق مسلم في حديث المغيرة بن شعبة قلنا قد روى عنه مسح مقدم الرأس من غير مسح على العمامه ولا تعرض لسفر وهو ما رواه الشافعي من حديث عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامه عن رأسه ومسح مقدم رأسه وهو مرسل لكنه اعتضد بمجيئه من وجه آخر موصولا أخرجه أبو داود من حدبث أنس وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله فقد اعتضد كل من المرسل والموصول بالاخر وحصلت القوه من الصورة المجموعه وهذا مثال لما ذكره الشافعي من أن المرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند وظهر بهذا جواب من أورد أن الحجة حينئذ بالمسند فيقع المرسل لغوا وقد قررت جواب ذلك فيما كتبته على علوم الحديث لابن الصلاح وفي الباب أيضا عن عثمان في صفة الوضوء قال ومسح مقدم رأسه أخرجه سعيد بن منصور وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك مختلف فيه وصح عن بن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس قاله بن المنذر وغيره ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك قاله بن حزم وهذا كله مما يقوي به المرسل المتقدم ذكره والله أعلم قوله بدا بمقدم رأسه الظاهر أنه من الحديث وليس مدرجا من كلام مالك ففيه حجة على من قال السنة أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى أن ينتهي إلى مقدمه لظاهر قوله أقبل وأدبر ويرد عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب وسيأتي عند المصنف قريبا من رواية سليمان بن بلال فأدبر بيديه وأقبل فلم يكن في ظاهره حجة لأن الإقبال والادبار من الأمور الاضافيه ولم يعين ما قابل إليه ولا ما أدبر عنه ومخرج الطريقين متحد فهما بمعنى واحد وعينت رواية مالك البداءه بالمقدم فيحمل قوله أقبل على أنه من تسمية الفعل بابتدائه أي بدأ بقبل الرأس وقيل في توجيهه غير ذلك والحكمه في هذا الإقبال والادبار استيعاب جهتى الرأس بالمسح فعلى هذا يختص ذلك بمن له شعر والمشهور عمن أوجب التعميم أن الأولى واجبه والثانيه سنة ومن هنا يتبين ضعف الاستدلال بهذا الحديث على وجوب التعميم والله أعلم قوله ثم غسل رجليه زاد في رواية وهيب الآتية إلى الكعبين والبحث فيه كالبحث في قوله إلى المرفقين والمشهور أن الكعب هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم وحكى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه العظم الذي في ظهر القدم عند مقعد الشراك وروى عن بن القاسم عن مالك مثله والأول هو الصحيح الذي يعرفه أهل اللغه وقد أكثر المتقدمون من الرد على من زعم ذلك ومن أوضح الادله فيه حديث النعمان بن بشير الصحيح في صفة الصف في الصلاة فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه وقيل إن محمدا إنما رأى ذلك في حديث قطع المحرم الخفين إلى الكعبين إذا لم يجد النعلين وفي هذا الحديث من الفوائد الافراغ على اليدين معا في ابتداء الوضوء وأن الوضوء الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث وفيه مجيء الإمام إلى بيت بعض رعيته وابتداؤهم إياه بما يظنون أن له به حاجة وجواز الاستعانه في إحضار الماء من غير كراهه والتعليم بالفعل وأن الاغتراف من الماء القليل للتطهر لا يصير الماء مستعملا لقوله في رواية وهيب وغيره ثم ادخل يده فغسل وجهه الخ وأما اشتراط نية الاغتراف فليس في هذا الحديث ما يثبتها ولا ما ينفيها واستدل به أبو عوانة في صحيحه على جواز التطهر بالماء المستعمل وتوجيهه أن النية لم تذكر فيه وقد ادخل يده للاغتراف بعد غسل الوجه وهو وقت غسلها وقال الغزالي مجرد الاغتراف لا يصير الماء مستعملا لأن الاستعمال إنما يقع من المغترف منه وبهذا قطع البغوي واستدل به المصنف على استيعاب مسح الرأس وقد قدمنا أنه يدل لذلك ندبا لا فرضا وعلى أنه لا يندب تكريره كما سيأتي في باب مفرد وعلى الجمع بين المضمضة والاستنشاق من غرفة كما سيأتي أيضا وعلى جواز التطهر من آنية النحاس وغيره

قوله باب غسل الرجلين إلى الكعبين تقدمت مباحثه في الباب الذي قبله وعمرو المذكور هو بن يحيى بن عمارة شيخ مالك المتقدم وعمرو بن أبي حسن عم أبيه كما قدمناه وسماه هناك جده مجازا وأغرب الكرماني تبعا لصاحب الكمال فقال عمرو بن أبي حسن جد عمرو بن يحيى من قبل أمه وقد قدمنا أن أم عمرو بن يحيى ليست بنتا لعمرو بن أبي حسن فلم يستقم ما قاله بالاحتمال

[ 184 ] قوله فتوضأ لهم أي لاجلهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أي مثل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق عليه وضوءه مبالغة قوله ثم ادخل يده فغسل وجهه بين في هذه الرواية تجديد الاغتراف لكل عضو وأنه اغترف بإحدى يديه وكذا هو في باقي الروايات وفي مسلم وغيره لكن وقع في رواية بن عساكر وأبي الوقت من طريق سليمان بن بلال الآتيه ثم ادخل يديه بالتثنيه وليس ذلك في رواية أبي ذر ولا الأصيلي ولا في شيء من الروايات خارج الصحيح قاله النووي وأظن أن الإناء كان صغيرا فاغترف بإحدى يديه ثم اضافها إلى الأخرى كما تقدم نظيره في حديث بن عباس وإلا فالاغتراف باليدين جميعا أسهل وأقرب تناولا كما قال الشافعي قوله ثم غسل يديه مرتين المراد غسل كل يد مرتين كما تقدم في طريق مالك ثم غسل يديه مرتين مرتين وليس المراد توزيع المرتين على اليدين فكأن يكون لكل يد مرة واحدة

قوله باب استعمال فضل وضوء الناس أي في التطهر والمراد بالفضل الماء الذي يبقى في الظرف بعد الفراغ قوله وامر جرير بن عبد الله هذا الأثر وصله بن أبي شيبة والدارقطني وغيرهما من طريق قيس بن أبي حازم عنه وفي بعض طرقه كان جرير يستاك ويغمس رأس سواكه في الماء ثم يقول لأهله توضؤوا بفضله لا يرى به بأسا وهذه الرواية مبنية للمراد وظن بن التين وغيره أن المراد بفضل سواكه الماء الذي ينتفع فيه العود من الأراك وغيره ليلين فقالوا يحمل على أنه لم يغير الماء وإنما أراد البخاري أن صنيعه ذلك لا يغير الماء وكذا مجرد الاستعمال لا يغير الماء فلا يمتنع التطهر به وقد صححه الدارقطني بلفظ كان يقول لأهله توضؤوا من هذا الذي ادخل فيه سواكي وقد روى مرفوعا أخرجه الدارقطني من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بفضل سواكه وسنده ضعيف وذكر ابو طالب في مسائله عن أحمد أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال كان يدخل السواك في الإناء ويستاك فإذا فرغ توضأ من ذلك الماء وقد استشكل إيراد البخاري له في هذا الباب المعقود لطهارة الماء المستعمل وأجيب بأنه ثبت أن السواك مطهر للفم فإذا خالط الماء ثم حصل الوضوء بذلك الماء كان فيه استعمال للمستعمل في الطهاره

[ 185 ] قوله حدثنا الحكم هو بن عتيبة تصغير عتبة بالمثناة ثم الموحدة كان من الفقهاء الكوفيين وهو تابعي صغير وحديث أبي جحيفة المذكور ستأتي مباحثه في باب الستره في الصلاة وقوله يأخذون من فضل وضوئه كأنهم اقتسموا الماء الذي فضل عنه ويحتمل أن يكونوا تناولوا ما سأل من أعضاء وضوئه صلى الله عليه وسلم وفيه دلاله بينه على طهارة الماء المستعمل

قوله وقال أبو موسى هو الأشعري وهذا الحديث طرف من حديث مطول أخرجه المؤلف في المغازي وأوله أن أبي موسى قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه بلال فأتاه أعرابي فذكر الحديث وعرف منه تفسير المبهمين في قوله اشربا وهما أبو موسى وبلال وقد ذكر المؤلف طرفا منه أيضا بإسناده في باب الغسل والوضوء في المخضب كما سيأتي بعد قليل قوله ومج فيه أي صب ما تناوله من الماء في الإناء والغرض بذلك ايجاد البركه بريقه المبارك

[ 186 ] قوله حدثنا على بن عبد الله هو بن المديني وصالح هو بن كيسان وقد تقدم الكلام على حديث محمود بن الربيع هذا في باب متى يصح سماع الصغير من كتاب العلم قوله وقال عروه هو بن الزبير عن المسور هو بن مخرمة قوله وغيره هو مروان بن الحكم كما سيأتي موصولا مطولا في كتاب الشروط وقال الكرماني هذه الرواية وأن كانت عن مجهول لكنها متابعه ويغتفر فيها مالا يغتفر في الأصول قلت وهذا صحيح الا أنه لا يعتذر به هنا لأن المبهم معروف وإنما لم يسمه اختصارا كما اختصر السند فعلقه وزعم الكرماني أن قوله وقال عروة معطوف على قوله في السند الذي قبله أخبرني محمود فيكون صالح بن كيسان روى عن الزهري حديث محمود وعطف عليه حديث عروة فعلى هذا لا يكون حديث عروة معلقا بل يكون موصولا بالسند الذي قبله وصنيع أئمة النقل يخالف ما زعمه واستمر الكرماني على هذا التجويز حتى زعم أن الضمير في قوله يصدق كل واحد منهما صاحبه للمسور ومحمود وليس كما زعم بل هو للمسور ومروان وهو تجويز منه بمجرد العقل والرجوع إلى النقل في باب النقل أولي قوله كانو يقتتلون كذا لأبي ذر وللباقين كادوا بالدال وهو الصواب لأنه لم يقع بينهم قتال وإنما حكى ذلك عروة بن مسعود الثقفي لما رجع إلى قريش ليعلمهم شدة تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يكون أطلق القتال مبالغه باب

قوله باب كذا للمستملي كأنه كالفصل من الباب الذي قبله وجعله الباقون منه بلا فصل

[ 187 ] قوله حدثنا عبد الرحمن بن يونس هو أبو مسلم المستملي أحد الحفاظ قوله عن الجعد كذا هنا وللاكثر الجعيد بالتصغير وهو المشهور والسائب بن يزيد من صغار الصحابة وسيأتي حديثه هذا مبينا في كتاب علامات النبوة إن شاء الله تعالى قوله وقع بكسر القاف والتنوين وللكشميهني وقع بلفظ الماضي وفي رواية كريمة وجع بالجيم والتنوين والوقع وجع في القدمين قوله زر الحجله بكسر الزاي وتشديد والراء والحجله بفتح المهمله والجيم واحدة الحجال وهي بيوت تزين بالثياب والأسرة والستور لها عرى وازرار وقيل المراد بالحجله الطير وهو اليعقوب يقال للانثى منه حجله وعلى هذا فالمراد بزرها بيضتها ويؤيده أن في حديث آخر مثل بيضة الحمامه وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى وأراد البخاري الاستدلال بهذه الأحاديث على رد قول من قال بنجاسه الماء المستعمل وهو قول أبي يوسف وحكى الشافعي في الأم عن محمد بن الحسن أن أبا يوسف رجع عنه ثم رجع إليه بعد شهرين وعن أبي حنيفة ثلاث روايات الأولى طاهر لا طهور وهي رواية محمد بن الحسن عنه وهو قوله وقول الشافعي في الجديد وهو المفتى به عند الحنفية الثانية نجس نجاسه خفيفه وهي رواية أبي يوسف عنه الثالثة نجس نجاسة غليظة وهي رواية الحسن اللؤلؤي عنه وهذه الأحاديث ترد عليه لأن النجس لا يتبرك به وحديث المجه وأن لم يكن فيه تصريح بالوضوء لكن توجيهه أن القائل بنجاسة الماء المستعمل إذا علله بأنه ماء مضاف قيل له هو مضاف إلى طاهر لم يتغير به وكذلك الماء الذي خالطه الريق طاهر لحديث المجه وأما من علله منهم بأنه ماء الذنوب فيجب ابعاده محتجا بالأحاديث الوارده في ذلك عند مسلم وغيره فأحاديث الباب أيضا ترد عليه لأن ما يجب ابعاده لا يتبرك به ولا يشرب قال بن المنذر وفي إجماع أهل العلم على أن البلل الباقي على أعضاء المتوضيء وما قطر منه على ثيابه طاهر دليل قوي على طهارة الماء المستعمل وأما كونه غير طهور فسيأتي الكلام عليه في كتاب الغسل إن شاء الله تعالى والله أعلم

قوله باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة تقدم الكلام على ذلك قريبا في باب مسح الرأس وتقدمت المسألة أيضا في حديث بن عباس في أوائل الوضوء

[ 188 ] قوله ثم غسل أي فمه أو مضمض كذا عنده بالشك وأخرجه مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد بسنده هذا من غير شك ولفظه ثم ادخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق أخرجه أيضا الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد كذا فالظاهر أن الشك فيه من مسدد شيخ البخاري وأغرب الكرماني فقال الظاهر أن الشك فيه من التابعي قوله من كفة واحده كذا في رواية أبي ذر وفي نسخة من غرفة واحدة وللاكثر من كف بغير هاء قال بن بطال المراد بالكفه الغرفه فاشتق لذلك من اسم الكف عبارة عن ذلك المعنى قال ولا يعرف في كلام العرب الحاق هاء التانيث في الكف ومحصله أن المراد بقوله كفة فعلة لا أنها تانيث الكف وقال صاحب المشارق قوله من كفة هي بالضم والفتح كغرفة وعرفة أي ما ملأ كفه من الماء قوله ثم غسل يديه لم يذكر غسل الوجه اختصارا وهو ثابت في رواية مسلم وغيره وبقية مباحث هذا الحديث تقدمت قريبا

قوله باب مسح الرأس مرة وللأصيلي مسحة

[ 189 ] قوله فدعا بتور من ماء كذا للأكثر وللكشميهني فدعا بماء ولم يذكر التور قوله فكفأه أي أماله وللأصيلي فأكفأه وقد تقدم النقل أنهما بمعنى قوله فاقبل بيده كذا هنا بالافراد وللكشميهني بالتثنيه قوله حدثنا وهيب أي بإسناده المذكور وحديثه وقد تقدمت طريق موسى هذه في باب غسل الرجلين إلى الكعبين وذكر فيها أن مسح الرأس مرة وقد تقدم نقل الخلاف في استحباب العدد في مسح الرأس في باب الوضوء ثلاثا ثلاثا في الكلام على حديث عثمان وذكرنا قول أبي داود إن الروايات الصحيحة عن عثمان ليس فيها عدد لمسح الرأس وأنه أورد العدد من طريقين صحح أحدهما غيره والزياده من الثقة مقبوله

فيحمل قول أبي داود على إرادة استثناء الطريقين اللذين ذكرهما فكأنه قال الا هذين الطريقين قال بن السمعاني في الاصطلام

اختلاف الرواية يحمل على التعدد فيكون مسح تارة مرة وتارة ثلاثا فليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد ويحتج للتعدد بالقياس على المغسول لأن الوضوء طهاره حكميه ولا فرق في الطهاره الحكميه بين الغسل والمسح وأجيب بما تقدم من أن المسح مبنى على التخفيف بخلاف الغسل ولو شرع التكرار لصارت صورته صورة المغسول وقد اتفق على كراهة غسل الرأس بدل المسح وأن كان مجزئا وأجاب بان الخفه تقتضي عدم الاستيعاب وهو مشروع بالاتفاق فليكن العدد كذلك وجوابه واضح ومن أقوى الادله على عدم العدد الحديث المشهور الذي صححه بن خزيمة وغيره من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من زاد على هذا فقد أساء وظلم فإن في رواية سعيد بن منصور فيه التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة فدل على أن الزياده في مسح الرأس على المرة غير مستحبه ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح أن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح لا أنها مسحات مستقله لجميع الرأس جمعا بين هذه الادله تنبيه لم يقع في هذه الرواية ذكر غسل الوجه وجوز الكرماني أن يكون هو مفعول غسل الذي وقع فيه الشك من الراوي والتقدير فغسل وجهه أو تمضمض واستنشق قلت ولا يخفى بعده وقد أخرج الحديث المذكور مسلم والإسماعيلي في روايتهما المذكورة وفيها بعد ذكر المضمضة والاستنشاق ثم غسل وجهه ثلاثا فدل على أن الاختصار من مسدد كما تقدم أن الشك منه وقال الكرماني يجوز أن يكون حذف الوجه إذا لم يقع في شيء منه اختلاف وذكر ما عداه لما في المضمضة والاستنشاق من الإفراد والجمع ولما في إدخال المرفقين ولما في مسح جميع الرأس ولما في الرجلين إلى الكعبين انتهى ملخصا ولا يخفى تكلفه

قوله باب وضوء الرجل بضم الواو لان القصد به الفعل قوله وفضل وضوء المرأة بفتح الواو لأن المارد به الماء الفاضل في الإناء بعد الفراغ من الوضوء وهو بالخفض عطفا على قوله وضوء الرجل قوله وتوضأ عمر بالحميم أي بالماء المسخن وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد صحيح بلفظ أن عمر كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه ورواه بن أبي شيبة والدارقطني بلفظ كان يسخن له ماء في قمقم ثم يغتسل منه قال الدارقطني إسناده صحيح ومناسبته للترجمة من جهة أن الغالب أن أهل الرجل تبع له فيما يفعل فأشار البخاري إلى الرد على من منع المرأة أن تتطهر بفضل الرجل لأن الظاهر أن امرأة عمر كانت تتوضأ بفضله أو معه فيناسب قوله وضوء الرجل مع امرأته أي من إناء واحد وأما مسألة التطهر بالماء المسخن فاتفقوا على جوازه الا ما نقل عن مجاهد قوله ومن بيت نصرانيه هو معطوف على قوله بالحميم أي وتوضأ عمر من بيت نصرانية وهذا الأثر وصله الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما عن بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه به ولفظ الشافعي توضأ من ماء في جرة نصرانية ولم يسمعه بن عيينة من زيد بن أسلم فقد رواه البيهقي من طريق سعدان بن نصر عنه قال حدثونا عن زيد بن أسلم فذكره مطولا ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطه فقال عن بن زيد بن أسلم عن أبيه به وأولاد زيد هم عبد الله واسامه وعبد الرحمن وأوثقهم واكبرهم عبد الله وأظنه هو الذي سمع بن عيينة منه ذلك ولهذا جزم به البخاري ووقع في رواية كريمه بحذف الواو من قوله ومن بيت وهذا الذي جرأ الكرماني أن يقول المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة وأما الحميم فذكره لبيان الواقع وقد عرفت إنهما اثران متغايران وهذا الثاني مناسب لقوله وفضل وضوء المرأة لأن عمر توضأ بمائها ولم يستفصل مع جواز أن تكون تحت مسلم واغتسلت من حيض ليحل له وطؤها ففضل منه ذلك الماء وهذا وإن لم يقع التصريح به لكنه محتمل وجرت عادة البخاري بالتمسك بمثل ذلك عند عدم الاستفصال وأن كان غيره لا يستدل بذلك ففيه دليل على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمه لأنها لا تكون أسوأ حالا من النصرانيه وفيه دليل على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال وقال الشافعي في الأم لا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل وضوئه ما لم تعلم فيه نجاسه وقال بن المنذر انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جنبا

[ 190 ] قوله حدثنا عبد الله بن يوسف هو التنيسي أحد رواة الموطأ قوله كان الرجال والنساء ظاهرة التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق قوله في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفاد منه أن البخاري يرى أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون حكمه الرفع وهو الصحيح وحكى عن قوم خلافه لاحتمال أنه لم يطلع وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير الجائز في زمن التشريع فقد استدل أبو سعيد وجابر على إباحة العزل بكونهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل ولو كان منهيا لنهى عنه القرآن وزاد بن ماجة عن هشام بن عمار عن مالك في هذا الحديث من إناء واحد وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر ندلي فيه أيدينا وفيه دليل على أن الاغتراف من الماء القليل لا يصيره مستعملا لأن اوانيهم كانت صغارا كما صرح به الشافعي في الأم في عدة مواضع وفيه دليل على طهارة الذميه واستعمال فضل طهورها وسؤرها لجواز تزوجهن وعدم التفرقه في الحديث بين المسلمه وغيرها قوله جميعا ظاهره إنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة وحكى بن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعا في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة والزياده المتقدمه في قوله من إناء واحد ترد عليه وكان هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الاجانب وقد أجاب بن التين عنه بما حكاه عن سحنون أن معناه كان الرجال يتوضؤون ويذهبون ثم تأتي النساء فيتوضأن وهو خلاف الظاهر من قوله جميعا قال أهل اللغة الجميع ضد المفترق وقد وقع مصرحا بوحدة الإناء في صحيح بن خزيمة في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر منه والأولى في الجواب أن يقال لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم ونقل الطحاوي ثم القرطبي والنووى الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد وفيه نظر لما حكاه بن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه وكذا حكاه بن عبد البر عن قوم وهذا الحديث حجة عليهم ونقل النووي أيضا الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس وفيه نظر أيضا فقد أثبت الخلاف فيه الطحاوى وثبت عن بن عمر والشعبي والأوزاعي المنع لكن مقيدا بما إذا كانت حائضا وأما عكسه فصح عن عبد الله بن سرجس الصحابي وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهم منعوا التطهر بفضل المرأة وبه قال أحمد وإسحاق لكن قيداه بما إذا خلت به لان أحاديث الباب ظاهرة في الجواز إذا اجتمعا ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة قال لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به وعورض بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة منهم بن عباس والله أعلم وأشهر الأحاديث في ذلك من الجهتين حديث الحكم بن عمرو الغفاري في المنع وحديث ميمونة في الجواز أما حديث الحكم بن عمرو فأخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه بن حبان وأغرب النووي فقال اتفق الحفاظ على تضعيفه وأما حديث ميمونة فأخرجه مسلم لكن أعله قوم لتردد وقع في رواية عمرو بن دينار حيث قال على والذي يخطر على بالى أن أبا الشعثاء أخبرني فذكر الحديث وقد ورد من طريق أخرى بلا تردد لكن راويها غير ضابط وقد خولف والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد وفي المنع أيضا ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا رجاله ثقات ولم اقف لمن اعله على حجة قوية ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضر وقد صرح التابعي بأنه لقيه ودعوى بن حزم أن داود راويه عن حميد بن عبد الرحمن هو بن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة فإنه بن عبد الله الأودي وهو ثقة وقد صرح بأسم أبيه أبو داود وغيره ومن أحاديث الجواز ما أخرجه أصحاب السنن والدارقطني وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث بن عباس عن ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنه ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت له فقال الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه لفظ الدارقطني وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه الا صحيح حديثهم وقول أحمد أن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن بان تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء وبذلك جمع الخطابي أو يحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة والله أعلم

قوله باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه بفتح الواو لأن المراد به الماء الذي توضأ به والمغمى بضم الميم واسكان المعجمة من أصابه الاغماء

[ 191 ] قوله يعودنى زاد المصنف في الطب ماشيا قوله لا اعقل أي لا أفهم وحذف مفعوله إشارة إلى عظم الحال أي لا أعقل شيئا وصرح به في التفسير وله في الطب فوجدني قد أغمي على وهو المطابق للترجمة قوله من وضوئه يحتمل أن يكون المراد صب على بعض الماء الذي توضأ به أو مما بقي منه والأول المراد فللمصنف في الاعتصام ثم صب وضوءه على ولأبي داود فتوضأ وصبه على قوله لمن الميراث اللام بدل من المضاف إليه كأنه قال ميراثي ويؤيده أن في الاعتصام أنه قال كيف أصنع في مالي والمراد بآية الفرائض هنا قوله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة كما سيأتي مبينا في التفسير ويذكر هناك بقية مباحثه إن شاء الله تعالى

قوله باب الغسل والوضوء في المخضب هو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة بعدها موحدة المشهور أنه الإناء الذي يغسل فيه الثياب من أي جنس كان وقد يطلق على الإناء صغيرا أو كبيرا والقدح أكثر ما يكون من الخشب مع ضيق فمه وعطفه الخشب والحجارة على المخضب والقدح ليس من عطف العام على الخاص فقط بل بين هذين وهذين عموم وخصوص من وجه

[ 192 ] قوله حدثنا عبد الله بن منير هو بضم الميم وكسر النون بعدها ياء خفيفة كما قدمناه في المقدمة لكن وقع هنا في رواية الأصيلي بن المنير بزيادة الألف واللام فقد يلتبس بابن المنير الذي ننقل عنه في هذا الشرح لكنه بتثقيل الياء ونون مفتوحة وهو متأخر عن هذا الراوي بأكثر من أربعمائة سنة قوله حضرت الصلاة هي العصر قوله إلى أهله أي لإرادة الوضوء وبقى قوم أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن في قوله من حجارة لبيان الجنس قوله فصغر بفتح الصاد المهملة وضم الغين المعجمة أي لم يسع بسط كفه صلى الله عليه وسلم فيه وللإسماعيلي فلم يستطع أن يبسط كفه من صغر المخضب وهو دال على ماقلناه إن المخضب قد يطلق على الإناء الصغير ومباحث هذا الحديث تقدمت في باب التماس الوضوء وباقي الكلام عليه يأتي في علامات النبوة إن شاء الله تعالى وقد أخرجه المصنف هناك عن عبد الله بن منير أيضا لكنه قال عن يزيد بن هارون بدل عبد الله بن بكر فكأنه سمعه من شيخين حدثه كل منهما به عن حميد

[ 193 ] قوله عن بريد بالموحدة والراء مصغرا هو بن عبد الله بن أبي بردة والقدر المذكور من المتن تقدم بعضه معلقا في باب استعمال فضل وضوء الناس وسيأتي مطولا في المغازي إن شاء الله تعالى والغرض منه ذكر القدح وقد ذكرنا ما فيه

[ 194 ] قوله أحمد بن يونس هو بن عبد الله بن يونس نسب إلى جده وعبد العزيز شيخه هو بن عبد الله بن أبي سلمة نسب إلى جده أيضا فاتفقا في أن كلا منهما ينسب إلى جده وفي أن كلا منهما اسم أبيه عبد الله وأن كلا منهما يكنى أبا عبد الله وأن كلا مهما ثقة حافظ فقيه قوله آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وللكشميهني وأبي الوقت أتانا قوله فغسل وجهه تفسير لقوله فتوضأ وفيه حذف تقديره فمضمض واستنشق كما دلت عليه باقي الروايات والمخرج متحد وقد تقدمت مباحثه وأن عبد العزيز هذا زاد في روايته أن التور كان من صفر أي نحاس جيد

[ 195 ] قوله لما ثقل أي في المرض وهو بضم القاف بوزن صغر قاله في الصحاح وفي القاموس لشيخنا ثقل كفرح فهو ثاقل وثقيل أشتد مرضه فلعل في النسخة سقطا والله أعلم قوله في أن يمرض بفتح الراء الثقيلة أي يخدم في مرضه قوله فأزن بكسر المعجمة وتشديد النون الفتوحة أي الأزواج واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه ويحتمل أن يكون فعل ذلك تطييبا لهن قوله قال عبيد الله هو الراوي له عن عائشة وهو بالإسناد المذكور بغير أداة عطف قوله وكانت هو معطوف أيضا بالإسناد المذكور قوله هريقوا كذا للآكثر وللأصيلي أهريقوا بزيادة الهمزه قال بن التين هو بإسكان الهاء ونقل عن سيبويه أنه قال أهراق يهريق أهرياقا مثل اسطاع يسطيع اسطياعا بقطع الألف وفتحها في الماضي وضم الياء في المستقبل وهي لغة في أطاع يطيع فجعلت السين والهاء عوضا من ذهاب حركة عين الفعل وروى بفتح الهاء واستشكله ويوجه بأن الهاء مبدلة من الهمزة لأن أصل هراق اراق ثم اجتلبت الهمزة فتحريك الهاء على إبقاء البدل والمبدل منه وله نظائر وذكر له الجوهري توجيها آخر وأن أصله أريقوا فأبدلت الهمزة الثانية هاء للخفة وجزم ثعلب في الفصيح بان اهريقه بفتح الهاء والله أعلم قوله من سبع قرب قال الخطابي يشبه أن يكون خص السبع تبركا بهذا العدد لأن له دخولا في كثير من أمور الشريعة وأصل الخلقة وفي رواية للطبراني في هذا الحديث من آبار شتى والظاهر أن ذلك للتداوى لقوله في رواية أخرى في الصحيح لعلي استريح فأعهد أي أوصى قوله وأجلس في مخضب حفصة زاد بن خزيمة من طريق عروة عن عائشة أنه كان من نحاس وفيه إشارة إلى الرد على من كره الاغتسال فيه كما ثبت ذلك عن بن عمر وقال عطاء إنما كره من النحاس ريحه قوله نصب عليه من تلك أي القرب السبع قوله حتى طفق يقال طفق يفعل كذا إذا شرع في فعل واستمر فيه قوله ثم خرج إلى الناس زاد المصنف من طريق عقيل عن الزهري فصلى بهم وخطبهم ثم خرج وهو في باب الوفاة في آخر كتاب المغازي وسيأتي الكلام على بقية مباحثه هناك وعلى ما فيه من أحكام الإمامة في باب حد المريض أن يشهد الجماعة إن شاء الله تعالى

قوله باب الوضوء من التور تقدمت مباحث حديث الباب قريبا وأن التور بفتح المثناة شبه الطست وقيل هو الطست ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج فأتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب وظاهره المغايرة بينهما ويحتمل الترادف وكأن الطست أكبر من التور

[ 196 ] قوله حدثنا سليمان هو بن بلال والإسناد كله مدنيون قوله كان عمى هو عمرو بن أبي حسن كما تقدم وهو عمه علىالحقيقة قوله ثم ادخل يده في التور فمضمض فيه حذف تقديره ثم أخرجه فمضمض وقد صرح به مسلم قوله من غرقة واحدة يتعلق بقوله فمضمض واستنثر والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات كل مرة من غرفة ويحتمل أن يتعلق بقوله ثلاث مرات والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات من غرفة واحدة والأول موافق لباقي الروايات فهو أولى قوله فقال أي عبد الله بن زيد هكذا هذه الزيادة صريحة في رفع الحديث وأن كان أول سياق الحديث يدل عليه

[ 197 ] قوله حدثنا حماد هو بن زيد ولم يسمع مسدد من حماد بن سلمة قوله رحراح بمهملات الأولى مفتوحة بعدها سكون أي متسع الفم وقال الخطابي الرحراح الإناء الواسع الصحن القريب القعر ومثله لا يسع الماء الكثير فهو ادل على عظم المعجزة قلت وهذه الصفة شبيهة بالطست وبهذا يظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة وروى بن خزيمة هذا الحديث عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال بدل رحراح زجاج بزاى مضمومة وجيمين وبوب عليه الوضوء من آنية الزجاج ضد قول من زعم من المتصوفة أن ذلك اسراف لاسراع الكسر إليه قلت وهذه اللفظة تفرد بها أحمد بن عبدة وخالفه أصحاب حماد بن زيد فقالوا رحراح وقال بعضهم واسع الفم وهي رواية الإسماعيلي عن عبد الله بن ناجية عن محمد بن موسى وإسحاق بن أبي إسرائيل وأحمد بن عبدة كلهم عن حماد وكأنه ساقه على لفظ محمد بن موسى وصرح جمع من الحذاق بأن أحمد بن عبدة صحفها ويقوى ذلك أنه آتى في روايته بقوله أحسبه فدل على أنه لم يتقنه فإن كان ضبطه فلا منافاة بين روايته ورواية الجماعة لاحتمال أن يكونوا وصفوا هيئته وذكر هو جنسه وفي مسند أحمد عن بن عباس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قدحا من زجاج لكن في إسناده مقال قوله فحزرت بتقديم الزاي أي قدرت وتقدم من رواية حميد أنهم كانوا ثمانين وزيادة وهنا قال ما بين السبعين إلى الثمانين والجمع بينهما أن أنسا لم يكن يضبط العدة بل كان يتحقق أنها تنيف على السبعين ويشك هل بلغت العقد الثامن أو تجاوزته فربما جزم بالمجاوزه حيث يغلب ذلك على ظنه واستدل الشافعي بهذا الحديث على رد قول من قال من أصحاب الرأي إن الوضوء مقدر بقدر من الماء معين ووجه الدلالة أن الصحابة اغترفوا من ذلك القدح من غير تقدير لأن الماء النابع لم يكن قدره معلوما لهم فدل على عدم التقدير وبهذا يظهر مناسبة تعقيب المصنف هذا الحديث بباب الوضوء بالمد والمد إناء يسع رطلا وثلثا بالبغدادي قاله جمهور أهل العلم وخالف بعض الحنفية فقالوا المد رطلان

قوله

[ 198 ] بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة ومن قاله بالتصغير فقد صحف لأن بن جبير وهو سعيد لا رواية له عن أنس في هذا الكتاب والراوي هنا هو عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك الأنصاري وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم شيخ البخاري قال حدثنا مسعر حدثني شيخ من الأنصار يقال له بن جبر وفي الإسناد كوفيان أبو نعيم وشيخه بصريان أنس والراوي عنه قوله يغسل أي جسده والشك فيه من البخاري أو من أبي نعيم لما حدثه به فقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم فقال يغتسل ولم يشك قوله بالصاع هو إناء يسع خمسة أرطال وثلثا بالبغدادي وقال بعض الحنفية ثمانية قوله إلى خمسة امداد أي كان ربما اقتصر على الصاع وهو أربعة إمداد وربما زاد عليها إلى خمسة فكأن أنسا لم يطلع على أنه استعمل في الغسل أكثر من ذلك لأنه جعلها النهاية وقد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق قال بن عيينة والشافعي وغيرهما هو ثلاثة اصع وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة إمداد فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية وكذا من قاله به من الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع وحمله الجمهور على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك ففي مسلم عن سفينة مثله ولأحمد وأبي داود بإسناد صحيح عن جابر مثله وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وغيرهم وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتدلا وإلى هذا أشار المصنف في أول كتاب الوضوء بقوله وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب المسح على الخفين نقل بن المنذر عن بن المبارك قال ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته وقال بن عبد البر لا أعلم روى عن أحد من فقهاء السلف إنكاره الا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته وقد أشار الشافعي في الأم إلى إنكار ذلك على المالكية والمعروف المستقر عندهم الآن قولان الجواز مطلقا ثانيهما للمسافر دون المقيم وهذا الثاني مقتضى ما في المدونة وبه جزم بن الحاجب وصحح الباجي الأول ونقله عن بن وهب وعن بن نافع في المبسوطة نحوه وأن مالكا إنما كان يتوقف فيه في خاصة نفسه مع افتائه بالجواز وهذا مثل ما صح عن أبي أيوب الصحابي وقال بن المنذر اختلف العلماء أيهما أفضل المسح على الخفين أو نزعهما وغسل القدمين قال والذي اختاره أن المسح أفضل لآجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض قال واحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه أه وقال الشيخ محي الدين وقد صرح جمع من الأصحاب بأن الغسل أفضل بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة كما قالوه في تفضيل القصر على الاتمام وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين ومنهم العشرة وفي بن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين

[ 199 ] قوله حدثنا اصبغ بفتح الهمزة وكأن البخاري أختار الرواية عنه لهذا الحديث لقوله المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه في الحضر أثبت عندنا وأقوى من أن نتبع مالكا على خلافه وعمرو هو بن الحارث وهو ومن دونه ثلاثة مصريون والذين فوقه ثلاثة مدنيون والإسناد رواية تابعي عن تابعي أبو النضر عن أبي سلمة وصحابي عن صحابي قوله وأن عبد الله هو معطوف على قوله عن عبد الله بن عمر فهو موصول إذا حملناه على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله وإلا فأبو سلمة لم يدرك القصة وقد أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي النضر عن أبي سلمة عن بن عمر قال رأيت سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه بالعراق حين توضأ فأنكرت ذلك عليه فلما اجتمعنا عند عمر قال لي سعد سل أباك فذكر القصة ورواه بن خزيمة من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر نحوه وفيه أن عمر قال كنا ونحن مع نبينا نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسا قوله فلا تسأل عنه غيره أي لقوة الوثوق بنقله ففيه دليل على أن الصفات الموجبة للترجيح إذا اجتمعت في الراوي كانت من جملة القرائن التي إذا حفت خبر الواحد قامت مقام الأشخاص المتعددة وقد يفيد العلم عند البعض دون البعض وعلى أن عمر كان يقبل خبر الواحد وما نقل عنه من التوقف إنما كان عند وقوع ريبة له في بعض المواضع واحتج به من قال بتفاوت رتب العدالة ودخول الترجيح في ذلك عند التعارض ويمكن ابداء الفارق في ذلك بين الرواية والشهادة وفيه تعظيم عظيم من عمر لسعد وفيه أن الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجلية في الشرع ما يطلع عليه غيره لأن بن عمر أنكر المسح على الخفين مع قديم صحبته وكثرة روايته وقد روى قصته مالك في الموطأ عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن بن عمر قدم الكوفة على سعد وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد سل أباك فذكر القصة ويحتمل أن يكون بن عمر إنما أنكر المسح في الحضر لا في السفر لظاهر هذه القصة ومع ذلك فالفائدة بحالها والله أعلم قوله وقال موسى بن عقبة هذا التعليق وصله الإسماعيلي وغيره بهذا الإسناد وفيه ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم موسى وموسى وأبو النضر قرينان مدنيان قوله أن سعدا حدثه أي حدث أبا سلمة والمحدث به محذوف تبين من الرواية الموصولة أن لفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين قوله فقال هو معطوف على المقدر قوله نحوه بالنصب لآنه مقول المقول وظهر أن قول عمر في هذه الرواية المعلقة بمعنى الرواية التي وصلها المؤلف لا بلفظها وقد وصله الإسماعيلي أيضا من طريق أخرى عن موسى بن عقبة ولفظه وأن عمر قال لعبد الله أي ابنه كأنه يلومه إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تبتغ وراء حديثه شيئا

[ 200 ] قوله حدثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري وقد تقدم هذا الحديث من طريق أخرى عنه في باب الرجل يوضىء صاحبه وأن فيه أربعة من التابعين على الولاء وأخرجه المصنف في المغازي من طريق أخرى عن الليث فقال عن عبد العزيز بن أبي سلمة بدل يحيى بن سعيد وسياقه أتم فكأن لليث فيه شيخين قوله أنه خرج لحاجته في الباب الذي بعد هذا أنه كان في سفر وفي المغازي أنه كان في غزوة تبوك على تردد في ذلك من رواته ولمالك وأحمد وأبي داود من طريق عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة أنه كان في غزوة تبوك بلا تردد وأن ذلك كان عند صلاة الفجر قوله فأتبعه بتشديد المثناة المفتوحة واللمصنف من طريق مسروق عن المغيرة في الجهاد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره أن يتبعه بالاداوة وزاد فانطلق حتى توارى عنى فقضى حاجته ثم أقبل فتوضأ وعند أحمد من طريق أخرى عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة كانت جلد ميتة وأن النبي صلع قال له سلها فإن كانت دبغتها فهو طهور وأنها قالت أي والله لقد دبغتها قوله فتوضأ زاد في الجهاد وعليه جبة شامية ولأبي داود من صوف من جباب الروم وزاد المصنف في الطريق الذي في باب الرجل يوضيء صاحبه فغسل وجهه ويديه والفاء في فغسل تفصيلية وتبين من ذلك أن المراد بقوله توضأ أي بالكيفية المذكورة لا أنه غسل رجليه واستدل به القرطبي على الاقتصار على فروض الوضوء دون سننه لا سيما في حال مظنة قلة الماء كالسفر قال ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فلم يذكرها المغيرة قال والظاهر خلافه قلت بل فعلها وذكرها المغيرة ففي رواية أحمد من طريق عباد بن زياد المذكورة أنه غسل كفيه وله من وجه آخر قوي فغسلهما فأحسن غسلهما قال وأشك أقال دلكهما بتراب أم لا وللمصنف في الجهاد أنه تمضمض وأستنشق وغسل وجهه زاد أحمد ثلاث مرات فذهب يخرج يديه من كمية فكانا ضيقين فأخرجهما من تحت الجبة ولمسلم من وجه آخر وألقى الجبة على منكبيه ولأحمد فغسل يده اليمني ثلاث مرات ويده اليسرى ثلاث مرات وللمصنف ومسح برأسه وفي رواية لمسلم ومسح بناصيته وعلى عمامته وعلى الخفين وسيأتي قوله أني أدخلتهما طاهرتين في الباب الذي بعد هذا وحديث المغيرة هذا ذكر البزار أنه رواه عنه ستون رجلا وقد لخصت مقاصد طرقه الصحيحة في هذه القطعة وفيه من الفوائد الابعاد عند قضاء الحاجة والتوارى عن الأعين واستحباب الدوام على الطهارة لأمره صلى الله عليه وسلم المغيرة أن يتبعه بالماء مع أنه لم يستنج به وإنما توضأ به حين رجع وفيه جواز الاستعانة كما شرح في بابه وغسل ما يصيب اليد من الأذى عند الاستجمار وأنه لا يكفي إزالته بغير الماء والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه وقد يستنبط منه أن ما انتشر عن المعتاد لا يزال الا بالماء وفيه الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت والانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق نجاستها لأنه صلع لبس الجبة الرومية ولم يستفصل واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الجبة كانت شامية وكانت الشام إذ ذاك دار كفر ومأكول أهلها الميتات كذا قال وفيه الرد على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة لأنها نزلت في غزوة المريسيع وكانت هذه القصة في غزوة تبوك وهي بعدها باتفاق وسيأتي حديث جرير البجلي في معنى ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى وفيه التشمير في السفر ولبس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك وفيه المواظبة على سنن الوضوء حتى في السفر وفيه قبول خبر الواحد في الأحكام ولو كانت امرأة سواء كان ذلك فيما تعم به البلوى أم لأنه صلى الله عليه وسلم قبل خبر الاعرابية كما تقدم وفيه أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لايجزىء لاخراجه صلى الله عليه وسلم يديه من تحت الجبة ولم يكتف فيما بقي منهما بالمسح عليه وقد يستدل به على من ذهب إلى وجوب تعميم مسح الرأس لكونه كمل بالمسح على العمامة ولم يكتف بالمسح على ما بقي من ذراعيه

[ 201 ] قوله شيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة وللإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن شيبان عن يحيى حدثني أبو سلمة حدثني جعفر بن عمرو بن أمية وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم يحيى وهو تابعي صغير وأبو سلمة وجفر قرينان قوله وتابعه أي تابع شيبان حرب وهو بن شداد وحديثه موصول عند النسائي والطبراني قوله وأبان هو بن يزيد العطار وهو معطوف على حرب وحديثه موصول عند أحمد والطبراني

[ 202 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله عن يحيى ولأحمد عن أبي المغيرة عن الأوزاعي حدثني يحيى قوله على عمامته وخفيه هكذا رواه الأوزاعي وهو مشهور عنه وأسقط بعض الرواة عنه جعفرا من الإسناد وهو خطأ قاله أبو حاتم الرازي قوله وتابعه أي تابع الأوزاعي معمر بن راشد في المتن لا في الإسناد وهذا هو السبب في سياق المصنف الإسناد ثانيا ليبين أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر وذكر أبو ذر في روايته لفظ المتن وهو قوله يمسح على عمامته زاد الكشميهني وخفيه وسقط ذكر المتن من سائر الروايات في الصحيح ورواية معمر قد أخرجها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر بدون ذكر العمامة لكن أخرجها بن منده في كتاب الطهارة له من طريق معمر بإثباتها وأغرب الأصيلي فيما حكاه بن بطال فقال ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحدة قال وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة وهي أيضا مرسلة لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو قلت سماع أبي سلمة من عمرو ممكن فإنه مات بالمدينة سنة ستين وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو وقد روى بكير بن الأشج عن أبي سلمة أنه أرسل جعفر بن عمرو بن أمية إلى أبيه يسأله عن هذا الحديث فرجع إليه فأخبره به فلا مانع أن يكون أبو سلمة اجتمع بعمرو بعد فسمعه منه ويقويه توفر دواعيهم على الاجتماع في المسجد النبوي وقد ذكرنا أن بن منده أخرجه من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل ولا تكون شاذة ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية وقد اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل إنه كمل عليها بعد مسح الناصية وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك وإلى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور وقال الخطابي فرض الله مسح الرأس والحديث في مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل قال وقياسه على مسح الخف بعيد لأنه يشق نزعه بخلافها وتعقب بأن الذين اجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف وطريقه أن تكون محنكة كعمائم العرب وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين وقالوا الآية لا تنفى ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل وإلى هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم وقال بن المنذر ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا والله أعلم

قوله باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان هذا لفظ رواية أبي داود من طريق يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي في هذا الحديث وسنبين ما بينها وبين لفظ حديث الباب من التفاوت

[ 203 ] قوله حدثنا زكريا هو بن أبي زائدة عن عامر هو الشعبي وزكريا مدلس ولم أره من حديثه الا بالعنعنة لكن أخرجه أحمد عن يحيى القطان عن زكريا والقطان لا يحمل من حديث شيوخه المدلسين الا ما كان مسموعا لهم صرح بذلك الإسماعيلي قوله فأهويت أي مددت يدي قال الأصمعي أهويت بالشيء إذا أومأت به وقال غيره أهويت قصدت الهواء من القيام إلى القعود وقيل الأهواء الامالة قال بن بطال فيه خدمة العالم وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من عادة مخدومه قبل أن يأمره وفيه الفهم عن الإشارة ورد الجواب عما يفهم عنها لقوله فقال دعمها قوله فانى ادخلتهما أي القدمين طاهرتين كذا للأكثر وللكشميهني وهما طاهرتان ولأبي داود فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان وللحميدى في مسنده قلت يا رسول الله أيمسح أحدنا على خفيه قال نعم إذا ادخلهما وهما طاهرتان ولابن خزيمة من حديث صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا قال بن خزيمة ذكرته للمزنى فقال لي حدث به أصحابنا فإنه أقوى حجة للشافعي انتهى وحديث صفوان وأن كان صحيحا لكنه ليس على شرط البخاري لكن حديث الباب موافق له في الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس وأشار المزني بما قال إلى الخلاف في المسألة ومحصلة أن الشافعي والجمهور حملوا الطهارة على الشرعية في الوضوء وخالفهم داود فقال إذا لم يكن على رجليه نجاسة عند اللبس جاز له المسح ولو تيمم ثم لبسهما لم يبح له عندهم لأن التيمم مبيح لا رافع وخالفهم أصبغ ولو غسل رجليه بنية الوضوء ثم لبسهما ثم أكمل باقي الأعضاء لم يبح المسح عند الشافعي ومن وافقه على إيجاب الترتيب وكذا عند من لا يوجبه بناء على أن الطهارة لا تتبعض لكن قال صاحب الهداية من الحنفية شرط أباحة المسح لبسهما على طهارة كاملة قال والمراد بالكاملة وقت الحدث لا وقت اللبس ففي هذه الصورة إذا كمل الوضوء ثم أحدث جاز له المسح لأنه وقت الحدث كان على طهارة كاملة انتهى والحديث حجة عليه لأنه جعل الطهارة قبل لبس الخف شرطا لجواز المسح والمعلق بشرط لا يصح الا بوجود ذلك الشرط وقد سلم أن المراد بالطهارة الكامله ولو توضأ مرتبا وبقي غسل إحدى رجليه فلبس ثم غسل الثانية ولبس لم يبح له المسح عند الأكثر واجازه الثوري والكوفيون والمزنى صاحب الشافعي ومطرف صاحب مالك وابن المنذر وغيرهم لصدق أنه ادخل كلا من رجليه الخفين وهي طاهرة وتعقب بأن الحكم المرتب على التثنية غير الحكم المرتب على الوحدة واستضعفه بن دقيق العيد لأن الاحتمال باق قال لكن إن ضم إليه دليل يدل على أن الطهارة لا تتبعض اتجه فائدة المسح على الخفين خاص بالوضوء لا مدخل للغسل فيه بإجماع فائدة أخرى لو نزع خفيه بعد المسح قبل انقضاء المدة عند من قال بالتوقيت أعاد الوضوء عند أحمد وإسحاق وغيرهما وغسل قدميه عند الكوفيين والمزنى وأبي ثور وكذا قال مالك والليث الا إن تطاول وقال الحسن وابن أبي ليلى وجماعة ليس عليه غسل قدميه وقاسوه على من مسح رأسه ثم حلقه أنه لا يجب عليه إعادة المسح وفيه نظر فائدة أخرى لم يخرج البخاري ما يدل على توقيت المسح وقال به الجمهور وخالف مالك في المشهور عنه فقال يمسح ما لم يخلع وروى مثله عن عمر وأخرج مسلم التوقيت من حديث على كما تقدم من حديث صفوان بن عسال وفي الباب عن أبي بكرة وصححه الشافعي وغيره

قوله باب من لم يتوضأ من لحم الشاة نص على لحم الشاة ليندرج ما هو مثلها وما دونها بالأولى وأما ما فوقها فلعله يشير إلى استثناء لحوم الإبل لأن من خصه من عموم الجواز علله بشدة زهومته فلهذا لم يقيده بكونه مطبوخا وفيه حديثان عند مسلم وهو قول أحمد واختاره بن خزيمة وغيره من محدثي الشافعية قوله والسويق قال بن التين ليس في أحاديث الباب ذكر السويق وأجيب بأنه دخل من باب الأولى لأنه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دسومته فعدمه من السويق أولى ولعله أشار بذلك إلى حديث الباب الذي بعده قوله وأكل أبو بكر إلخ سقط قوله لحما من رواية أبي ذر الا عن الكشميهني وقد وصله الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا ورويناه من طرق كثيرة عن جابر مرفوعا وموقوفا على الثلاثة مفرقا ومجموعا

[ 204 ] قوله أكل كتف شاه أي لحمه وللمصنف في الأطعمة تعرق أي أكل ما على العرق بفتح المهملة وسكون الراء وهو العظم ويقال له العراق بالضم أيضا وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما سيأتي من حديثها وهي خالة بن عباس كما أن ضباعة بنت عمه وبين النسائي من حديث أم سلمة أن الذي دعاه إلى الصلاة هو بلال

[ 205 ] قوله يحتز بالمهملة والزاي أي يقطع زاد في الأطعمة من طريق معمر عن الزهري يأكل منها وفي الصلاة من طريق صالح عن الزهري يأكل ذراعا يحتز منها قوله فألقى السكين زاد في الأطعمة عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري فألقاها والسكين وزاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي اليمان في آخر الحديث قال الزهري فذهبت تلك أي القصة في الناس ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونساء من أزواجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال توضؤوا مما مست النار قال فكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة واعترض عليه بحديث جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه بن خزيمة وابن حبان وغيرهما لكن قال أبو داود وغيره إن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهى وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار وأن وضوئه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين وارتضى النووي هذا في شرح المهذب وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة قال النووي كان الخلاف فيه معروفا بين الصحابة والتابعين ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار الا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب والله أعلم واستدل البخاري في الصلاة بهذا الحديث على أن الأمر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الإمام الراتب وعلى جواز قطع اللحم بالسكين وفي النهى عنه حديث ضعيف في سنن أبي داود فإن ثبت خص بعدم الحاجة الداعية إلى ذلك لما فيه من التشبه بالاعاجم وأهل الترف وفيه أن الشهادة على النفي إذا كان محصورا تقبل فائدة ليس لعمرو بن أمية رواية في البخاري الا هذا الحديث والذي مضى في المسح فقط

قوله باب من مضمض من السويق قال الداودي هو دقيق الشعير أو السلت المقلى وقال غيره ويكون من القمح وقد وصفه أعرابي فقال عدة المسافر وطعام العجلان وبلغة المريض

[ 206 ] قوله عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري والإسناد مدنيون الا شيخ البخاري وبشير بالموحدة والمعجمة مصغرا ويسار بالتحتانية والمهملة قوله بالصهباء بفتح المهملة والمد قوله وهي أدنى خيبر أي طرفها مما يلي المدينة وللمصنف في الأطعمة وهي على روحة من خيبر وقال أبو عبيد البكري في معجم البلدان هي على بريد وبين البخاري في موضع آخر من الأطعمة من حديث بن عيينة أن هذه الزيادة من قول يحيى بن سعيى أدرجت وسيأتي الحديث قريبا بدون الزيادة من طريق سليمان بن بلال عن يحيى قوله ثم دعا بالازواد فيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر وأن كان بعضهم أكثر أكلا وفيه حمل الازواد في الأسفار وأن ذلك لا يقدح في التوكل واستنبط منه المهلب أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة وأن الإمام ينظر لأهل العسكر فيجمع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه قوله فثرى بضم المثلثة وتشديد الراء ويجوز تخفيفها أي بل بالماء لما لحقه من اليبس قوله وأكلنا زاد في رواية سليمان وشربنا وفي الجهاد من رواية عبد الوهاب فلكنا وأكلنا وشربنا قوله ثم قام الى المغرب فمضمض أي قبل الدخول في الصلاة وفائدة المضمضة من السويق وأن كان لا دسم له أن تحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله تتبعه عن أحوال الصلاة قوله ولم يتوضأ أي بسبب أكل السويق وقال الخطابي فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ لآنه متقدم وخيبر كانت سنة سبع قلت لا دلالة فيه لأن أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر وروى الأمر بالوضوء كما في مسلم وكان يفتي به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واستدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام

[ 207 ] قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث وبكير هو بن عبد الله بن الأشج ومباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله ونصف الإسناد الأول مصريون ونصفه الأعلى مدنيون ولعمرو بن الحارث فيه إسناد آخر إلى ميمونة ذكره الإسماعيلي مقرونا بالإسناد الأول وليس في حديث ميمونة ذكر المضمضة التي ترجم بها فقيل أشار بذلك إلى أنها غير واجبة بدليل تركها في هذا الحديث مع أن المأكول دسم يحتاج إلى المضمضة منه فتركها لبيان الجواز وأفاد الكرماني أن في نسخة الفربري التي بخطه تقديم حديث ميمونة هذا إلى الباب الذي قبله فعلى هذا هو من تصرف النساخ

قوله باب هل يمضمض من اللبن وحديث قتيبة هذا أحد الأحاديث التي أخرجها الأئمة الخمسة وهم الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي عن شيخ واحد وهو قتيبة

[ 208 ] قوله شرب لبنا زاد مسلم ثم دعا بماء قوله إن له دسما قال بن بطال عن المهلب فيه بيان علة الأمر بالوضوء مما مست النار وذلك لأنهم كانوا ألفوا في الجاهلية قلة التنظيف فأمروا بالوضوء مما مست النار فلما تقررت النظافة في الإسلام وشاعت نسخ كذا قال ولا تعلق الحديث الباب بما ذكر إنما في بيان العلة للمضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شيء دسم ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف قوله تابعه أي عقيلا يونس أي بن يزيد وحديثه موصول عند مسلم وحديث صالح موصول عند أبي العباس السراج في مسنده وتابعهم أيضا الأوزاعي أخرجه المصنف في الأطعمة عن أبي عاصم عنه بلفظ حديث الباب لكن رواه بن ماجة من طريق الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي فذكره بصيغة الأمر مضمضوا من اللبن الحديث كذا رواه الطبري من طريق أخرى عن الليث بالإسناد المذكور وأخرج بن ماجة من حديث أم سلمة وسهل بن سعد مثله وإسناد كل منهما حسن والدليل على أن الأمر فيه للاستحباب ما رواه الشافعي عن بن عباس راوي الحديث أنه شرب لبنا فمضمض ثم قال لو لم اتمضمض ما باليت وروى أبو داود بإسناد حسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فلم يتضمض ولم يتوضأ وأغرب بن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديث بن عباس ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ

قوله باب الوضوء من النوم أي هل يجب أو يستحب وظاهر كلامه أن النعاس يسمى نوما والمشهور التفرقة بينهما وإن من قرت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه فهو ناعس وأن زاد على ذلك فهو نائم ومن علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت وفي العين والمحكم النعاس النوم وقيل مقاربته قوله ومن لم ير من النعسة هو قول المعظم ويتخرج من جعل النعاس نوما أن من يقول النوم حدث بنفسه يوجب الوضوء من النعاس وقد روى مسلم في صحيحه في قصة صلاة بن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قال فجعلت إذا اغفيت أخذ بشحمة أذني فدل على أن الوضوء لا يجب على غير المستغرق وروى بن المنذر عن بن عباس أنه قال وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق خفقة والخفقة بفتح المعجمة واسكان الفاء بعدها قاف قال بن التين هي النعسة وإنما كرر لاختلاف اللفظ كذا قال والظاهر أنه من الخاص بعد العام قال أهل اللغة خفق رأسه إذا حركه وهو ناعس وقال أبو زيد خفق برأسه من النعاس آماله وقال الهروي معنى تخفق رؤوسهم تسقط اذقانهم على صدورهم وأشار بذلك الى حديث أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فينعسون حتى تخفق رؤوسهم ثم يقومون إلى الصلاة رواه محمد بن نصر في قيام الليل وإسناده صحيح وأصله عند مسلم

[ 209 ] قوله عن هشام زاد الأصيلي بن عروة والإسناد مدنيون الا شيخ البخاري قوله إذا نعس بفتح العين وغلطوا من ضمها قوله فليرقد وللنسائي من طريق أيوب عن هشام فلينصرف والمراد به التسليم من الصلاة وحمله المهلب على ظاهره فقال إنما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفى عنه قال وقد اجمعوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء وخالف المزني فقال ينقض قليله وكثيره فخرق الإجماع كذا قال المهلب وتبعه بن بطال وابن التين وغيرهما وقد تحاملوا على المزني في هذه الدعوى فقد نقل بن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره وهو قول أبي عبيد وإسحاق بن راهويه قال بن المنذر وبه أقول لعموم حديث صفوان بن عسال يعني الذي صححه بن خزيمة وغيره ففيه الا من غائط أو بول أو نوم فسوى بينهما في الحكم والمراد بقليله وكثيره طول زمانه وقصره لا مباديه والذين ذهبوا الى أن النوم مظنة الحديث اختلفوا على أقول التفرقة بين قليله وكثيره وهو قول الزهري ومالك وبين المضطجع وغيره وهو قول الثوري وبين المضطجع والمستند وغيرهما وهو قول أصحاب الرأي وبينهما والساجد بشرط قصده النوم وبين غيرهم وهو قول أبي يوسف وقيل لا ينقض نوم غير القاعد مطلقا وهو قول الشافعي في القديم وعنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا وفصل في الجديد بين القاعد المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض وفي المهذب وأن وجد منه النوم وهو قاعد ومحل الحدث منه متمكن بالرض فالمنصوص أنه لا ينقض وضوؤه وقال في البويطي ينتقض وهو اختيار المزني انتهى وتعقب بان لفظ البويطي ليس صريحا في ذلك فأنه قال ومن نام جالسا أو قائما فرأى رؤيا وجب عليه الوضوء قال النووي هذا قابل للتأويل قوله فان أحدكم قال المهلب فيه إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة فمن صار في مثل هذه الحال فقد انتفض وضوؤه بالإجماع كذا قال وفيه نظر فإن الإشارة إنما هي إلى جواز قطع الصلاة أو الانصراف إذا سلم منها وأما النقض فلا يتبين من سياق الحديث لأن جريان ما ذكر علىاللسان ممكن من الناعس وهو القائل إن قليل النوم لا ينقض فكيف بالنعاس وما ادعاه من الإجماع منتقض فقد صح عن أبي موسى الأشعري وابن عمر وسعيد بن المسيب أن النوم لا ينقض مطلقا وفي صحيح مسلم وأبي داود وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فينامون ثم يصلون ولا يتوضئون فحمل على أن ذلك كان وهم قعود لكن في مسند البزار بإسناد صحيح في هذا الحديث فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقومون إلى الصلاة قوله فيسب بالنصب ويجوز الرفع ومعنى يسب يدعو على نفسه وصرح به النسائي في روايته من طريق أيوب عن هشام ويحتمل أن يكون علة النهي خشية أن يوافق ساعة الإجابة قاله بن أبي جمرة وفيه الأخذ بالاحتياط لأنه علل بأمر محتمل والحث على الخشوع وحضور القلب للعبادة واجتناب المكروهات في الطاعات وجواز الدعاء في الصلاة من غير تقييد بشيء معين فائدة هذا الحديث ورد على سبب وهو ما رواه محمد بن نصر من طريق بن إسحاق عن هشام في قصة الحولاء بنت تويت كما تقدم في باب أحب الدين إلى الله أدومه

[ 210 ] قوله حدثنا أبو معمر هو أبو عبد الله بن عمرو وعبد الوارث هو بن سعيد وأيوب هو السختياني والإسناد كله بصريون قوله إذا نعس زاد الإسماعيلي أحدكم ولمحمد بن نصر من طريق وهيب عن أيوب فلينصرف قوله فلينم قال المهلب إنما هذا في صلاة الليل لأن الفريضة ليست في أوقات النوم ولا فيها من التطويل ما يوجب ذلك انتهى وقد قدمنا أنه جاء على سبب لكن العبرة بعموم اللفظ فيعمل به أيضا في الفرائض إن وقع ما أمن بقاء الوقت تنبيه أشار الإسماعيلي إلى أن في هذا الحديث اضطرابا فقال رواه حماد بن زيد عن أيوب فوقفه وقال فيه عن أيوب قرئ على كتاب عن أبي قلابة فعرفته وأراه عبد الوهاب الثقفي عن أيوب فلم يذكر أنسا انتهى وهذا لايوجب الاضطراب لأن رواية عبد الوارث أرجح بموافقة وهيب والطفاوى له عن أيوب وقول حماد عنه قرئ على لا يدل على أنه لم يسمعه من أبي قلابة بل يحمل على أنه عرف أنه فيما سمعه من أبي قلابة والله أعلم

قوله باب الوضوء من غير حدث أي ما حكمه والمراد تجديد الوضوء وقد ذكرنا اختلاف العلماء في أول كتاب الوضوء عند ذكر قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة وأن كثيرا منهم قالوا التقدير إذا قمتم الىالصلاة محدثين واستدل الدارمي في مسنده على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء إلا من حدث وحكى الشافعي عمن لقيه من أهل العلم أن التقدير إذا قمتم من النوم وتقدم أن من العلماء من حمله على ظاهره وقال كان الوضوء لكل صلاة واجبا ثم اختلفوا هل نسخ أو استمر حكمة ويدل على النسخ ما أخرجه أبو داود وصححه بن خزيمة من حديث عبد الله بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة فلما شق عليه أمر بالسواك وذهب إلى استمرار الوجوب قوم كما جزم به الطحاوي ونقله بن عبد البر عن عكرمة وابن سيرين وغيرهما واستبعده النووي وجنح إلى تأويل ذلك أن ثبت عنهم وجزم بان الإجماع استقر على عدم الوجوب ويمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ ويكون الأمر في حق المحدثين على الوجوب وفي حق غيرهم على الندب وحصل بيان ذلك بالسنة كما في حديث الباب

[ 211 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري قوله وحدثنا مسدد هو تحويل إلى إسناد ثان قبل ذكر المتن وإنما ذكره وإن كان الأول أعلى لتصريح سفيان الثوري فيه بالتحديث وعمرو بن عامر كوفي أنصاري وقيل بجلى وصحح المزي أن البجلي راو آخر غير هذا الأنصاري وليس لهذا في البخاري غير ثلاثة أحاديث كلها عن أنس وليس للبجلى عنده رواية وقد يلتبس به عمر بن عامر بضم العين راو آخر بصري سلمى أخرج له مسلم وليس له في البخاري شيء قوله عند كل صلاة أي مفروضة زاد الترمذي من طريق حميد عن أنس طاهرا أو غير طاهر وظاهره أن تلك كانت عادته لكن حديث سويد المذكور في الباب يدل على أن المراد الغالب قال الطحاوي يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه خاصة ثم نسخ يوم الفتح لحديث بريدة يعني الذي أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد وأن عمر سأله فقال عمدا فعلته وقال يحتمل أنه كان يفعله استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز قلت وهذا أقرب وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهي قبل الفتح بزمان قوله كيف كنتم القائل عمرو بن عامر والمراد الصحابة وللنسائي من طريق شعبة عن عمرو أنه سأل أنسا أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة قال نعم ولابن ماجة وكنا نحن نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد قوله يجزئ بالضم من أجزأ أي يكفي وللإسماعيلي يكفي

[ 212 ] قوله حدثنا سليمان هو بن بلال ومباحث المتن تقدمت قريبا وافادت هذه الطريق التصريح بالأخيار من يحيى وشيخه وليس لسويد بن النعمان عند البخاري الا هذا الحديث الواحد وقد أخرجه في مواضع كما تقدمت الإشارة إليه وهو أنصاري حارثي شهد بيعة الرضوان كما سيأتي في المغازي إن شاء الله تعالى وذكر بن سعد أنه شهد قبل ذلك أحدا وما بعدها

قوله باب بالتنوين من الكبائر أي التي وعد من اجتنبها بالمغفرة

[ 213 ] قوله حدثنا عثمان هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر ومجاهد هو بن جبر صاحب بن عباس وقد سمع الكثير منه واشتهر بالأخذ عنه لكن روى هذا الحديث الأعمش عن مجاهد فأدخل بينه وبين بن عباس طاوسا كما أخرجه المؤلف بعد قليل واخراجه له على الوجهين يقتضى صحتهما عنده فيحمل على أن مجاهدا سمعه من طاوس عن بن عباس ثم سمعه من بن عباس بلا واسطة او العكس ويؤيده أن في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن بن عباس وصرح بن حبان بصحة الطريقين معا وقال الترمذي رواية الأعمش أصح قوله مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط أي بستان وللمصنف في الأدب خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة فيحمل على أن الحائط الذي خرج منه غير الحائط الذي مر به وفي الأفراد للدارقطني من حديث جابر أن الحائط كان لأم مبشر الأنصارية وهو يقوي رواية الأدب لجزمها بالمدينة من غير شك والشك في قوله أو مكة من جرير قوله فسمع صوت انسانين يعذبان في قبورهما قال بن مالك في قوله صوت انسانين شاهد على جواز افراد المضاف المثنى إذا كان جزء ما اضيف إليه نحو أكلت رأس شاتين وجمعه أجود نحو فقد صغت قلوبكما وقد اجتمع التثنية والجمع في قوله ظهراهما مثل ظهور الترسين فإن لم يكن المضاف جزء ما أضيف إليه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية فإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع وقوله يعذبان في قبورهما شاهد لذلك قوله يعذبان في رواية الأعمش مر بقبرين زاد بن ماجة جديدين فقال إنهما ليعذبان فيحتمل أن يقال أعاد الضمير على غير مذكور لأن سياق الكلام يدل عليه عنه وأن يقال أعاده على القبرين مجازا والمراد من فيهما قوله وما يعذبان في كبير ثم قال بلى أي إنه لكبير وصرح بذلك في الأدب من طريق عبد بن حميد عن منصور فقال وما يعذبان في كبير وإنه لكبير وهذا من زيادات رواية منصور على الأعمش ولم يخرجها مسلم واستدل بن بطال برواية الأعمش على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر قال لأن الاحتراز من البول لم يرد فيه وعيد يعني قبل هذه القصة وتعقب بهذه الزيادة وقد ورد مثلها من حديث أبي بكرة عند أحمد والطبراني ولفظه وما يعذبان في كبير بلى وقال بن مالك في قوله في كبير شاهد على ورود في التعليل وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم عذبت امرأة في هرة قال وخفي ذلك على أكثر النحويين مع وروده في القرآن كقول تعالى لمسكم فيما أخذتم وفي الحديث كما تقدم وفي الشعر فذكر شواهد انتهى وقد اختلف في معنى قوله وإنه لكبير فقال أبو عبد الملك البوني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن ذلك غير كبير فأوحى إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك وتعقب بأنه يستلزم أن يكون نسخا والنسخ لا يدخل الخبر وأجيب بأن الحكم بالخبر يجوز نسخه فقوله وما يعذبان كبير أخبار بالحكم فإذا أوحى إليه أنه كبير فأخبر به كان نسخا لذلك الحكم وقيل يحتمل أن الضمير في قوله وأنه يعود على العذاب لما ورد في صحيح بن حبان من حديث أبي هريرة يعذبان عذابا شديدا في ذنب هين وقيل الضمير يعود على أحد الذنبين وهو النميمة لأنها من الكبائر بخلاف كشف العورة وهذا مع ضعفه غير مستقيم لأن الاستتار المنفي ليس المراد به كشف العورة فقط كما سيأتي وقال الداودي وابن العربي كبير المنفى بمعنى أكبر والمثبت واحد الكبائر أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلا وأن كان كبيرا في الجملة وقيل المعنى ليس بكبير في الصورة لأن تعاطى ذلك يدل على الدناءة والحقارة وهو كبير الذنب وقيل ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم وقيل ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليهما الاحتراز من ذلك وهذا الأخير جزم به البغوي وغيره ورجحه بن دقيق العيد وجماعة وقيل ليس بكبير بمجرده وإنما صار كبيرا بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلا منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارعة بعد حرف كان والله أعلم قوله لا يستتر كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وفي رواية بن عساكر يستبرىء بموحدة ساكنة من الاستبراء ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش يستنزه بنون ساكنة بعدها زاى ثم هاء فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه فتوافق رواية لا يستنزه لأنها من التنزه وهو الابعاد وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش كان لا يتوقى وهي مفسرة للمراد واجراء بعضهم على ظاهرة فقال معناه لا يستر عورته وضعف بان التعذيب لو وقع على كشف العورة لاستقل الكشف بالسببية واطرح اعتبار البول فيترتب العذاب على الكشف سواء وجد البول أم لا ولا يخفى ما فيه وسيأتي كلام بن دقيق العيد قريبا وأما رواية الاستبراء فهي أبلغ في التوقي وتعقب الإسماعيلي رواية الاستتار بما يحصل جوابه بما ذكرنا قال بن دقيق العيد لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية يشير إلى ما صححه بن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا أكثر عذاب القبر من البول أي بسبب ترك التحرز منه قال ويؤيده أن لفظ من في هذا الحديث لما اضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب الى البول بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى فتعين الحمل على المجاز لنجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجة أما أحدهما فيعذب في البول ومثله للطبراني عن أنس قوله من بوله يأتي الكلام عليه في الترجمة التي بعد هذه قوله يمشي بالنميمة قال بن دقيق العيد هي نقل كلام الناس والمراد منه هنا ما كان يقصد بالاضرار فأما ما اقتضى فعل مصلحة أو ترك مفسدة فهو مطلوب انتهى وهو تفسير للنميمة وهو تفسير للنميمة بالمعنى الأعم وكلام غيره يخالفه كما سنذكر ذلك مبسوطا في موضعه من كتاب الأدب قال النووي وهي نقل كلام الغير بقصد الاضرار وهي من أقبح القبائح وتعقبه الكرماني فقال هذا لا يصح على قاعدة الفقهاء فإنهم يقولون الكبيرة هي الموجبة للحد ولا حد على المشي بالنميمه الا أن يقال الاستمرار هو المستفاد منه جعله كبيرة لأن الاصرار على الصغيرة حكمة حكم الكبيرة أو أن المراد بالكبيرة معنى غير المعنى الاصطلاحي انتهى وما نقله عن الفقهاء ليس هو قول جميعهم لكن كلام الرافعي بشعر بترجيحه حيث حكى في تعريف الكبيرة وجهين أحدهما هذا والثاني ما فيه وعيد شديد قال وهم إلى الأول أميل والثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر انتهى ولا بد من حمل القول الأول على أن المراد به غير ما نص عليه في الأحاديث الصحيحة وإلا لزم أن لا يعد عقوق الوالدين وشهادة الزور من الكبائر مع أن النبي صلى الله عليه وسلم عدهما من أكبر الكبائر وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستوفى في أول كتاب الحدود وأن شاء الله تعالى وعرف بهذا الجواب عن اعتراض الكرماني بان النميمة قد نص في الصحيح على أنها كبيرة كما تقدم قوله ثم دعا بجريدة وللأعمش فدعا بعسيب رطب والعسيب بمهملتين بوزن فعيل هي الجريدة التي لم ينبت فيها خوص فإن نبت فهي السعفة وقيل أنه خص الجريدة بذلك لأنه بطىء الجفاف وروى النسائي من حديث أبي رافع بسند ضعيف أن الذي أتاه بالجريدة بلال ولفظه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة إذ سمع شيئا في قبر فقال لبلال ائتني بجريدة خضراء الحديث قوله فكسرها أي فأتى بها فكسرها وفي حديث أبي بكرة عند أحمد والطبراني أنه الذي أتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب أنه الذي قطع الغصنين فهو في قصة أخرى غير هذه بن فالمغايرة بينهما من أوجه منها أن هذه كانت في المدينة وكان معه صلى الله عليه وسلم جماعة وقصة جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده ومنها أن هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش وفي حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر جابر بسقطه غصنين من شجرتين كان النبي صلى الله عليه وسلم استتر بهما عند قضاء حاجته ثم أمر جابرا فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وأن جابرا سأله عن ذلك فقال إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين ولم يذكر في قصة جابر أيضا السبب الذي كانا يعذبان به ولا الترجى الاتي في قوله لعله فبان تغاير حديث بن عباس وحديث جابر وانهما كانا في قصتين مختلفتين ولا يبعد تعدد ذلك وقد روى بن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه فيحتمل أن تكون هذه قصة ثالثة ويؤيده أن في حديث أبي رافع كما تقدم فسمع شيئا في قبر وفيه فكسرها باثنين ترك نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه وفي قصة الواحد جعل نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه وفي قصة الإثنين جعل على كل قبر جريدة قوله كسرتين بكسر الكاف والكسرة القطعة من الشيء المكسور وقد تبين من رواية الأعمش أنها كانت نصفا وفي رواية جرير عنه باثنتين قال النووي الباء زائدة للتوكيد والنصب على الحال قوله فوضع وفي رواية الأعمش الآتية فغرز وهي أخص من الأولى قوله فوضع على كل قبر منهما كسرة وقع في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش ثم غرز عند رأس كل واحد منهما قطعة قوله فقيل له وللاعمش قالوا أي الصحابة ولم نقف على تعيين السائل منهم قوله لعله قال بن مالك يجوز أن تكون الهاء ضمير الشأن وجاز تفسيره بأن وصلتها لأنها في حكم جملة لاشتمالها على مسند ومسند إليه قال ويحتمل أن تكون أن زائدة مع كونها ناصبة كزيادة الباء مع كونها جارة انتهى وقد ثبت في الرواية الآتية بحذف أن فقوي الاحتمال الثاني وقال الكرماني شبه لعل بعسى فأتى بان في خبره قوله يخفف بالضم وفتح الفاء أي العذاب عن المقبورين قوله ما لم تيبسا كذا في أكثر الروايات بالمثناة الفوقانية أي الكسرتان وللكشميهني الا أن تيبسا بحرف الاستثناء وللمستملى إلى أن ييسا بإلى التي للغاية والياء التحتانية أي العودان قال المازري يحتمل أن يكون أوحى إليه أن العذاب يخفف عنهما هذه المدة انتهى وعلى هذا فلعل هنا للتعليل قال ولا يظهر له وجه غير هذا وتعقبه القرطبي بأنه لو حصل الوحي لما أتى بحرف الترجي كذا قال ولا يرد عليه ذلك إذا حملناها على التعليل قال القرطبي وقيل أنه شفع لهما هذه المدة كما صرح به في حديث جابر لأن الظاهر أن القصة واحدة وكذا رجح النووي كون القصة واحدة وفيه نظر لما اوضحناه من المغايرة بينهما وقال الخطابي هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة لا أن في الجريدة معنى يخصه ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس قال وقد قيل أن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح وعلى هذا فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها وكذل فيما فيه بركة كالذكر وتلاوة القرآن من باب الأولى وقال الطيبي الحكمة في كونهما ما دامتا رطبتين تمنعان العذاب يحتمل أن تكون غير معلومة لنا كعدد الزبانية وقد استنكر الخطابي ومن تبعه وضع الناس الجريدة ونحوه في القبر عملا بهذا الحديث وقال الطرطوشي لأن ذلك خاص ببركة يده وقال القاضي عياض لأنه علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله ليعذبان قلت لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب كما لا يمنع كوننا لا ندري ارحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكون أمر به وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان كما سيأتي في الجنائز من هذا الكتاب وهو أولى أن يتبع من غيره قال العلامة بن باز حفظه الله الصواب في هذه المسألة ما قاله الخطابي من قاله الخطابي من استنكار الجريد ونحوه على القبور لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا في قبور مخصومة اطلع على تعذيب أهلها ولو كان مشروعا نفعله في كل القبور وكبار الصحابة كالخلفاء لم يفعلوه وهم أعلم بالسنة من بريدة رضي الله عن الجميع فتنبه تنبيه لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما وهو عمل مستحسن وينبغى أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به وما حكاه القرطبي في التذكرة وضعفه عن بعضهم أن أحدهما سعد بن معاذ فهو قول باطل لا ينبغي ذكره الا مقورنا ببيانه ومما يدل على بطلان الحكاية المذكورة أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر دفن سعد بن معاذ كما ثبت في الحديث الصحيح وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي إمامة عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم من دفنتم اليوم ههنا فدل على أنه لم يحضرهما وإنما ذكرت هذا ذبا عن هذا السيد الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم سيدا وقال لأصحابه قوموا إلى سيدكم وقال أن حكمه قد وافق حكم الله وقال أن عرش الرحمن اهتز لموته إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة خشية أن يغتر ناقص العلم بما ذكره القرطبي فيعتقد صحة ذلك وهو باطل وقد اختلف في المقبورين فقيل كانا كافرين وبه جزم أبو موسى المديني واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه بن لهيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول والنميمة قال أبو موسى هذا وأن كان ليس بقوي لكن معناه صحيح لأنهما لو كان مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فشفع لهما الى المدة المذكورة وجزم بن العطار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين وقال لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب ولا ترجاه لهما ولو كان ذلك من خصائصه لبينه يعني كما في قصة أبي طالب قلت وما قاله أخيرا هو الجواب وما طالب به من البيان قد حصل ولا يلزم التنصيص على لفظ الخصوصية لكن الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب فهو من تخليط بن لهيعة وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمنا أن مسلما أخرجه واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه إنهما كانا مسلمين ففي رواية بن ماجة مر بقبرين جديدين فانتفى كونهما في الجاهلية وفي حديث أبي إمامة عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال من دفنتم اليوم ههنا فهذا يدل على انهما كانا مسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب للمسلمين مع جريان العادة بأن كل فريق يتولاه من هو منهم ويقوى كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني بإسناد صحيح يعذبان وما يعذبان في كبير و بلى وما يعذبان الا في الغيبة والبول فهذا الحصر ينفى كونهما كانا كافرين لأن الكافر وأن عذب على ترك أحكام الإسلام فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم اثبات عذاب القبر وسيأتي الكلام عليه في الجنائز إن شاء الله تعالى وفيه التحذير من ملابسة البول ويلتحق به غيره من النجاسات في البدن والثوب ويستدل به على وجوب إزالة النجاسة خلافا لمن خص الوجوب بوقت إرادة الصلاة والله أعلم

قوله باب ما جاء في غسل البول وقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب القبر أي عن صاحب القبر وقال الكرماني اللام بمعنى لأجل قوله كان لا يستتر من بوله يشير إلى لفظ الحديث الذي قبله قوله ولم يذكر سوى بول الناس قال بن بطال أراد البخاري أن المراد بقوله في رواية الباب كان لا يستتر من البول بول الناس لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله علىالعموم في بول جميع الحيوان وكأنه أراد الرد عل الخطابي حيث قال فيه دليل على نجاسة الابوال كلها ومحصل الرد أن العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله من بول والالف واللام بدل من الضمير لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق قال وكذا غير المأكول وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله ولمن قال بطهارته حجج أخرى وقال القرطبي قوله من البول اسم مفرد لا يقتضى العموم ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقتضية لطهارة بول ما يؤكل

[ 214 ] قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي قال أخبرنا وللاكثر حدثنا إسماعيل بن إبراهيم وهو المعروف بان عليه وليس هو أخا يعقوب وروح بن القاسم بفتح الراء علىالمشهور ونقل بن التين والقابسي أنه قرئ بضمها وهو شاذ مردود وقد تقدمت مباحث المتن في باب الاستنجاء بالماء والاستدلال به هنا على غسل البول أعم من الاستدلال به على الاستنجاء فلا تكرار فيه قوله فيغتسل به كذا لأبي ذر بوزن يفتعل ولغيره بفتح التحتانية وسكون الغين وكسر السين وحذف مفعوله للعلم به أو للحياء من ذكره باب

قوله باب كذا ثبت لأبي ذر وقد قررنا أنه في موضع الفصل من الباب والاستدلال به على غسل البول واضح لكن ثبتت الرخصة في حق المستجمر فيستدل به على وجوب غسل ما انتشر على المحل

[ 215 ] قوله محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي هو أبو معاوية الضرير قوله فغرز وفي رواية وكيع في الأدب فغرس وهما بمعنى وأفاد سعد الدين الحارثي أن ذلك كان عند رأس القبر وقال أنه ثبت بإسناد صحيح وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة عند بن حبان وقد قدمنا لفظه ثم وجدته في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش في حديث بن عباس صريحا قوله لم فعلت سقط لفظ هذا من رواية المستملى والسرخسى قوله قال بن المثنى وحدثنا وكيع هو معطوف على الأول وثبتت أداة العطف فيه للاصيلي ولهذا ظن بعضهم أنه معلق وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن المثنى هذا عن وكيع وأبي معاوية جميعا عن الأعمش والحكمة في افراد البخاري له أن في رواية وكيع التصريح بسماع الأعمش دون الآخر وباقي مباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله

قوله باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي اللام فيه للعهد الذهني وقد تقدم أن الأعرابي واحد الأعراب وهم من سكن البادية عربا كانوا أو عجما وإنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة فلو منع لزادت إذ حصل تلويث جزء من المسجد فلو منع لدار بين أمرين إما أن يقطعه فيتضرر وإما أن لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد

[ 216 ] قوله همام هو بن يحيى وإسحاق هو بن عبد الله بن أبي طلحة قوله عن أنس ولمسلم حدثني أنس قوله رأى اعرابيا حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المزني أنه الأقرع بن حابس التميمي وقيل غيره كما سيأتي قريبا قوله في المسجد أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال دعوه كان هذا الأمر بالترك عقب زجر الناس له كما سيأتي قوله حتى أي فتركوه حتى فرغ من بوله فلما فرغ دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء أي في دلو كبير فصبه أي فأمر بصبه كما سيأتي ذلك كله صريحا وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق فساقه مطولا بنحو مما شرحناه وزاد فيه ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن وسنذكر فوائده في الباب الاتي بعد إن شاء الله تعالى

قوله باب صب الماء

[ 217 ] أخبرني عبيد الله كذا رواه أكثر الرواة عن الزهري ورواه سفيان بن عيينة عنه عن سعيد بن المسيب بدل عبيد الله وتابعه سفيان بن حسين فالظاهر أن الروايتين صحيحتان قوله قام أعرابي زاد بن عيينة عند الترمذي وغيره في أوله أنه صلى ثم قال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد تحجرت واسعا فلم يلبث أن بال في المسجد وهذه الزيادة ستأتي عند المصنف مفردة في الأدب من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقد روى بن ماجة وابن حبان الحديث تاما من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكذا رواه بن ماجة أيضا من حديث واثلة بن الأسقع وأخرجه أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار قال اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا فذكره تاما بمعناه وزيادة وهو مرسل وفي إسناده أيضا مبهم بين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي عن أحمد بن خالد الذهبي عنه وهو في جمع مسند بن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند لكن قال في أوله اطلع ذو الخويصره التميمي وكان جافيا والتميمي هو حرقوص بن زهير الذي صار بعد ذلك من رؤوس الخوارج وقد فرق بعضهم بينه وبين اليماني لكن له أصل أصيل واستفيد منه تسمية الأعرابي وقد تقدم قول التاريخي إنه الأقرع ونقل عن أبي الحسين بن فارس أنه عيينة بن حصن والعلم عند الله تعالى قوله فتناوله الناس أي بألسنتهم وللمصنف في الأدب فثار إليه الناس وله في رواية عن أنس فقاموا إليه وللإسماعيلي فأراد أصحابه أن يمنعوه وفي رواية أنس هذا الباب فزجره الناس وأخرجه البيهقي من طريق عبدان شيخ المصنف فيه بلفظ فصاح الناس به وكذا للنسائي من طريق بن المبارك فظهر أن تناوله كان بالالسنة لا بالأيدي ولمسلم من طريق إسحاق عن أنس فقال الصحابة مه مه قوله وهريقوا وللمصنف في الأدب وأهريقوا وقد تقدم توجيهها في باب الغسل في المخضب قوله سجلا بفتح المهملة وسكون الجيم قال أبو حاتم السجستاني هو الدلو ملآى ولا يقال لها ذلك وهي فارغة وقال بن دريد السجل دلو واسعة وفي الصحاح الدلو الضخمه قوله أو ذنوبا قال الخليل الدلو ملآى ماء وقال بن فارس الدلو العظيمة وقال بن السكيت فيها ماء قريب من الملك ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب انتهى فعلى الترادف أو للشك من الراوي وإلا فهي للتخيير والأول أظهر فإن رواية أنس لم تختلف في أنها ذنوب وقال في الحديث من ماء مع أن الذنوب من شأنها ذلك لكنه لفظ مشترك بينه وبين الفرس الطويل وغيرهما قوله فإنما بعثتم إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لأنه هو المبعوث صلى الله عليه وسلم بما ذكر لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك إذ هم مبعوثون من قبله بذلك أي مأمورون وكان ذلك شأنه صلى الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات يقول يسروا ولا تعسروا

[ 218 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك ويحيى بن سعيد الأنصاري

[ 219 ] قوله وحدثنا خالد سقطت الواو من رواية كريمة والعطف فيه على قوله حدثنا عبدان وسليمان هو بن بلال وبان لي أن المتن على لفظ روايته لأن لفظ عبدان فيه مخالفة لسياقه كما أشرنا إليه أنه عند البيهقي قوله في طائفة المسجد أي ناحيته والطائفة القطعة من الشيء قوله فنهاهم في رواية عبدان فقال اتركوه فتركوه قوله فهريق عليه كذا لأبي ذر وللباقين فاهريق عليه ويجوز اسكان الهاء وفتحها كما تقدم وضبطه بن الأثير في النهاية بفتح الهاء أيضا وفي هذا الحديث من الفوائد أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه ولما تقرر عندهم أيضا من طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستدل به على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص قال بن دقيق العيد والذي يظهر أن التمسك يتحتم عن احتمال التخصيص عند المجتهد ولا يجب التوقف عن العمل بالعموم لذلك لأن علماء الأمصار ما برحوا بفتون بما بلغهم من غير توقف على البحث عن التخصيص ولهذه القصة أيضا إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة ولم يقل لهم لم نهيتم الأعرابي بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة وهو دفع أعظم المفسدتين باحتمال ايسرهما وتحصيل أعظم المصلحتين بترك ايسرهما وفيه المبادرة الى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة لأن الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو وفيه أن غسالة النجاسة الواقعه على الأرض طاهرة ويلتحق به غير الواقعة لأن البله الباقية على الأرض غسالة نجاسة فإذا لم يثبت أن التراب نقل وعلمنا أن المقصود التطهير تعين الحكم بطهارة البلة وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضا مثلها لعدم الفارق ويستدل به أيضا على عدم اشتراط نضوب الماء لأنه لو اشترط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف وكذا لا يشترط عصر الثوب إذ لا فارق قال الموفق في المغني بعد أن حكى الخلاف الأولى الحكم بالطهارة مطلقا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط في الصب على بول الأعرابي شيئا وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه مايلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا ولا سيما أن كان ممن يحتاج إلى استئلافه وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه قال بن ماجة وابن حبان في حديث أبي هريرة فقال الأعرابي بعد أن فقه في الإسلام فقام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي فلم يؤنب ولم يسب وفيه تعظيم المسجد وتنزيهه عن الاقذار وظاهر الحصر من سياق مسلم في حديث أنس أنه لا يجوز في المسجد شيء غير ما ذكر من الصلاة والقرآن والذكر لكن الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به ولا ريب أن فعل غير المذكورات وما في معناها خلاف الأولى والله أعلم وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها وخلافا للحنفية حيث قالوا لا تطهر الا بحفرها كذا أطلق النووي وغيره والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين ما إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب لأن الماء لم يغمر أعلاها واسفلها واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاث طرق أحدها موصول عن بن مسعود أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره والاخران مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن معقل بن مقرن والآخر من طريق سعيد بن منصور من طريق طاوس ورواتهما ثقات وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقا وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقا والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين وكان من أرسل إذا سمي لا يسمى إلا ثقة وذلك مفقود في المرسلين المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما والله أعلم وسيأتي باقي فوائده في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى

قوله باب بول الصبيان بكسر الصاد ويجوز ضمها جمع صبي أي ما حكمه وهل يلتحق به بول الصبايا جمع صبية أم لا وفي الفرق أحاديث ليست على شرط المصنف منها حديث على مرفوعا في بول الرضيع ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية أخرجه أحمد وأصحاب السنن الا النسائي من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه قال قتادة هذا ما لم يطعما الطعام وإسناده صحيح ورواه سعيد عن قتادة فوقفه وليس ذلك بعلة قادحة ومنها حديث لبابة بنت الحارث مرفوع إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر أخرجه أحمد وابن ماجة وصححه بن خزيمة وغيره ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ يرش رواه أبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة أيضا

[ 220 ] قوله بصبى يظهر لي أن المراد به بن أم قيس المذكور بعده ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت بال الحسن أو الحسين على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه ولأحمد عن أبي ليلى نحوه ورواه الطحاوي من طريقه قال فجئ بالحسن ولم يتردد وكذا للطبراني عن أبي إمامة وإنما رجحت أنه غيره لأن عند المصنف في العقيقة من طريق يحيى القطان عن هشام بن عروة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه وفي قصته أنه بال على ثوبه وأما في قصة الحسن ففي حديث أبي ليلى وأم سلمة أنه بال على بطنه صلى الله عليه وسلم وفي حديث زينب بنت جحش عند الطبراني أنه جاء وهو يحبو والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فصعد على بطنه ووضع ذكره في سرته فبال فذكر الحديث بتمامة فظهرت التفرقه بينهما قوله فأتبعه بإسكان المثناة أي أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء يصبه عليه زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام فأتبعه ولم يغسله ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام فصب عليه الماء وللطحاوى من طريق زائدة الثقفي عن هشام فنضحه عليه

[ 221 ] قوله عن أم قيس قال بن عبد البر اسمها جذامة يعني بالجيم والمعجمة وقال السهيلي اسمها آمنة وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي وكانت من المهاجرات الأول كما عند مسلم من طريق يونس عن بن شهاب في هذا الحديث وليس لها في الصحيحين غيره وغير حديث آخر في الطب وفي كل منهما قصة لابنها ومات ابنها في عهذ النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي ولم أقف على تسميته قوله لم يأكل الطعام المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداوة وغيرها فكأن المراد أنه لم يحصل له الاغتداء بغير اللبن على الاستقلال هذا مقتضى كلام النووي في شرح مسلم وشرح المهذب وأطلق في الروضة تبعا لأصلها أنه لم يطعم ولم يشرب غير اللبن وقال في نكت التنبيه المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قوله لم يأكل على ظاهره فقال معناه لم يستقل بجعل الطعام في فيه والأول أظهر وبه جزم الموفق بن قدامة وغيره وقال بن التين يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه ويؤيد ما تقدم أنه للمصنف في العقيقة قوله فأجلسه أي وضعه إن قلنا إنه كان لما ولد ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة أن قلنا كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن قوله على ثوبه أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وأغرب بن شعبان من المالكية فقال المراد به ثوب الصبي والصواب الأول قوله فنضحه ولمسلم من طريق الليث عن بن شهاب فلم يزد على أن نضح بالماء وله من طريق بن عيينة عن بن شهاب فرشه زاد أبو عوانة في صحيحه عليه ولا تخالف بين الروايتين أي بين نضح ورش لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنقيط الماء وانتهى إلى النضح وهو صب الماء ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام فدعا بماء فصبه عليه ولأبي عوانة فصبه على البول يتبعه إياه قوله ولم يغسله ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام بن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند قوله فنضحه قال وكذلك روى معمر عن بن شهاب وكذا أخرجه بن أبي شيبة قال فرشه لم يزد على ذلك انتهى وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الادراج وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك لكنه لم يقل ولم يغسله وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن بن شهاب أخرجه بن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق بن وهب عنهم وهو لمسلم عن يونس وحده نعم زاد معمر في روايته قال قال بن شهاب فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لامكن دعوى الادراج لكنها غيرها فلا ادراج وأما ما ذكره عن بن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك فإن ذلك لفظ رواية بن عيينة عن بن شهاب وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع والرفق بالصغار وتحنيك المولود والتبرك بأهل الفضل قال العلامة بن باز حفظه الله هذا فيه نظر والصواب أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاس عليه غيره لما جعل الله فيه من البركة وخصه به دون غيره ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك مع غيره صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الناس بالشرع فوجب التأسي بهم ولأن جواز مثل هذا لغيره صلى الله عليه وسلم قد يفضي إلى الشرك فتنبه وحمل الاطفال إليهم حال الولادة وبعدها وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهو مقصود الباب واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية وهو قول على وعطاه والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم ورواه الوليد بن مسلم عن مالك وقال أصحابه هي رواية شاذة والثاني يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي وخصص بن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل اجوافهما شيء أصلا والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية قال بن دقيق العيد اتبعوا في ذلك القياس وقالوا المراد بقولها ولم يغسله أي غسلا مبالغا فيه وهو خلاف الظاهر ويبعده ما ورد في الأحاديث الآخر يعني التي قدمناها من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لايفرقون بينهما قال وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه منها ما هو ركيك وأقوى ذلك ما قيل أن النفوس اعلق بالذكور منها بالإناث يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثر المشقة واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لا بد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء إلى المحل قلت وهو مشكل عليهم لأنهم يدعون أن المراد بالنضح هنا الغسل تنبيه قال الخطابي ليس تجويز من جوز النضح من أجل أن بول الصبي غير نجس ولكنه لتخفيف نجاسته انتهى وأثبت الطحاوي الخلاف فقال قال قوم بطهارة بول الصبي قبل الطعام وكذا جزم به بن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما ولم يعرف ذلك الشافعية ولا الحنابلة وقال النووي هذه حكاية باطلة انتهى وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم والله أعلم

قوله باب البول قائما وقاعدا قال بن بطال دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى لأنه إذا جاز قائما فقاعدا اجوز قلت ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجة وغيرهما فإن فيه بال رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فقلنا انظروا إليه يبول كما تبول المرآة وحكى بن ماجة عن بعض مشايخه أنه قال كان من شأن العرب البول قائما ألا تراه يقول في حديث عبد الرحمن بن حسنة قعد يبول كما تبول المرأ وقال في حديث حذيفة فقام كما يقوم أحدكم ودل حديث عبد الرحمن المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخالفهم في ذلك فيقعد لكونه أستر وأبعد من مماسة البول وهو حديث صحيح صححه الدارقطني وغيره ويدل عليه حديث عائشة قالت ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن ورواه أبو عوانة في صحيحه والحاكم

[ 222 ] قوله عن أبي وائل ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن الأعمش أنه سمع أبا وائل ولأحمد عن يحيى القطان عن الأعمش حدثني أبو وائل قوله سباطة قوم بضم المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لاتخلو عن النجاسة وبهذا يندفع إيراد من استشكله لكون البول يوهى الجدار ففيه اضرار أو نقول إنما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار وهو صريح رواية أبي عوانة في صحيحه وقيل يحتمل أن يكون علم إذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره أو لكونه مما يتسامح الناس به أو لعلمه بايثارهم إياه بذلك أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره لأنه أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم وهذا وأن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم اخلاقه صلى الله عليه وسلم قوله ثم دعا بماء زاد مسلم وغيره من طرق عن الأعمش فتنحيت فقال أدنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه وفي رواية أحمد عن يحيى القطان أتى سباطه قوم فتباعدت منه فأدناني حتى صرت قريبا من عقبيه فبال قائما ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين وهو ثابت أيضا عند الإسماعيلي وغيره من طرق عن شعبة عن الأعمش وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش أن ذلك كان بالمدينة أخرجه بن عبد البر في التمهيد بإسناد صحيح وزعم في الاستذكار أن عيسى تفرد به وليس كذلك فقد رواه البيهقي من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن الأعمش كذلك وله شاهد من حديث عصمة بن مالك سنذكر بعد واستدل به على جواز المسح في الحضر وهو ظاهر ولعل البخاري اختصره لتفرد الأعمش به فقد روى بن ماجة من طريق شعبة أن عاصما رواه له عن أبي وائل عن المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما قال عاصم وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه يعني أن روايته هي الصواب قال شعبة فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة يعني كما قال الأعمش لكن لم يذكر فيه المسح فقد وافق الأعمشي على قوله عن حذيفة دون الزيادة ولم يلتفت مسلم إلى هذه العلة بل ذكرها في حديث الأعمش لأنها زيادة من حافظ وقال الترمذي حديث أبي وائل عن حذيفة أصح يعني من حديثه عن المغيرة وهو كما قال وأن جنح بن خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما فيصح القولان معا لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور لاتفاقهما أصح من رواية عاصم وحماد لكونهما في حفظهما مقال

قوله باب البول عند صاحبه أي صاحب البائل

[ 223 ] قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور وهو بن المعتمر قوله رأيتني بضم المثناة من فوق قوله فانتبذت بالنون والذال المعجمة أي تنحيت يقال جلس فلان نبذة بفتح النون وضمها أي ناحية قوله فأشار إلى يدل على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه وإنما صنع ذلك ليجمع بين المصلحتين عدم مشاهدته في تلك الحالة وسماع ندائه لو كانت له حاجة أو رؤية إشارته إذا أشار له وهو مستدبره وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول لأن هذه الرواية بينت أن قوله في رواية مسلم أدنه كان بالإشارة لا باللفظ وأما مخالفته صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادته من الابعاد عند قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة فقد قيل فيه إنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بمصالح المسلمين فلعله طال عليه المجلس حتى أحتاج إلى البول فلو أبعد لتضرر واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به وكان قدامة مستورى بالحائط أو لعله فعله لبيان الجواز ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف ولما يقترن به من الرائحة والغرض من الابعاد التستر وهو يحصل بارخاء الذيل والدنو من الساتر وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرني فذكر الحديث وظهر منه الحكمة في ادنائه حذيفة في تلك الحالة وكان حذيفة لما وقف خلفه عند عقبة استدبره وظهر أيضا أن ذلك كان في الحضر لا في السفر ويستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين بأخفيهما والاتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من الضرر فراعى أهم الامرين وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما

قوله باب البول عند سباطة قوم كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول بين بن المنذر وجه هذا التشديد فأخرج من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أنه سمع أبا موسى ورأى رجلا يبول قائما فقالت ويحك أفلا قاعدا ثم ذكر قصة بني إسرائيل وبهذا يظهر مطابقة حديث حذيفة في تعقبه على أبي موسى

[ 224 ] قوله ثوب أحدهم وقع في مسلم جلد أحدهم قال القرطبي مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها وحمله بعضهم على ظاهره وزعم أنه من الإصر الذي حملوه ويؤيده رواية أبي داود ففيها كان إذا أصاب جسد أحدهم لكن رواية البخاري صريحة في الثياب فلعل بعضهم رواه بالمعنى قوله قرضه أي قطعه زاد الاسماعيلى بالمقراض وهو يدفع حمل من حمل القرض على الغسل بالماء قوله ليته امسك وللإسماعيلي لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد وإنما احتج حذيفة بهذا الحديث لأن البائل عن قيام قد يتعرض للرشاش ولم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الاحتمال فدل على أن التشديد مخالف للسنة واستدل به لمالك في الرخصة في مثل رؤوس الإبر من البول وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لم يصل إلى بدنه منه شيء وإلى هذا أشار بن حبان في ذكر السبب في قيامه قال لأنه لم يجد مكانا يصلح للقعود فقام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليا فآمن أن يرتد إليه شيء من بوله وقيل لأن السباطة رخوة يتخللها البول فلا يرتد إلى البائل منه شيء وقيل إنما بال قائما لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبا من الديار ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن عمر رضي الله عنه قال البول قائما أحصن للدبر وقيل السبب في ذلك ما روى عن الشافعي وأحمد أن العرب كانت تستشفى لوجع الصلب بذلك فلعله كان به روى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان في مأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعدها موحدة ثم معجمة باطن الركبة فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والاظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر أحواله البول عن قعود والله أعلم وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه ما بال قائما منذ انزل عليه القرآن وبحديثها أيضا من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول الا قاعدا والصواب أنه غير منسوخ والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا من الرشاش والله أعلم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء كما بينته في أوائل شرح الترمذي والله أعلم

قوله باب غسل الدم بفتح الغين ويحيى هو بن سعيد القطان وهشام هو بن عروة وفاطمة هي زوجته بنت عمه المنذر وأسماء هي جدتهما لابويهما بنت أبي بكر الصديق

[ 225 ] قوله جاءت امرأة وقع في رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام في هذا الحديث أن أسماء هي السائلة وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل وهي صحيحة الإسناد لا علة لها ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب قوله تحيض في الثوب أي يصل دم الحيض إلى الثوب وللمصنف من طريق مالك عن هشام إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة قوله تحته بالفتح وضم المهملة وتشديد المثناة الفوقانية أي تحكه وكذا رواه بن خزيمة والمراد بذلك إزالة عينه قوله تقرصه بالفتح واسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين كذا في روايتنا وحكى القاضي عياض وغيره فيه الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة أي تدلك موضع الدم بأطراف اصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه قوله وتنضحه بفتح الضاد المعجمة وضم الحاء أي تغسله قاله الخطابي وقال القرطبي المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصه بالماء وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب قلت فعلى هذا فالضمير في قوله تنضحه يعود على الثوب بخلاف تحته فإنه يعود على الدم فيلزم منه اختلاف الضمائر وهو على خلاف الأصل ثم أن الرش عل المشكوك فيه لا يفيد شيئا لأنه أن كان طاهرا فلا حاجة إليه وأن كان متنجسا لم يطهر بذلك فالاحسن ما قاله الخطابي قال الخطابي في هذا الحديث دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا وهو قول الجمهور أي يتعين الماء لإزالة النجاسة وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر ومن حجتهم حديث عائشة ما كان لاحدانا الا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها ولأبي داود بلته بريقها وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لايطهر لزاد النجاسة وأجيب باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك كما سيأتي تقريره في كتاب الحيض في باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه فائدة تعقب استدلال من استدل على تعيين إزالة النجاسة بالماء من هذا الحديث بأنه مفهوم لقب وليس بحجة عند الأكثر ولأنه خرج مخرج الغالب في الاستعمال لا الشرط وأجيب بأن الخبر نص علىالماء فإلحاق غيره به بالقياس وشرطه أن لا ينقص الفرع عن الأصل في العلة وليس في غير الماء ما في الماء من رقته وسرعة نفوذه فلا يلحق به وسيأتي باقي فوائده في باب غسل دم الحيض إن شاء الله تعالى

[ 226 ] قوله حدثنا محمد كذا للأكثر غير منسوب وللأصيلى بن سلام ولأبي ذر هو بن سلام وأبو معاوية هو الضرير قوله حدثنا هشام زاد الأصيلي بن عروة قوله فاطمة بنت أبي حبيش بالحاء المهملة والموحدة والشين المعجمة بصيغة التصغير اسمه قيس بن المطلب بن أسد وهي غير فاطمة بنت قيس التي طلقت ثلاث اقوله استحاض بضم الهمزة وفتح المثناة يقال استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد ايامها المعتادة فهي مستحاضة والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه قوله لا أي لا تدعى الصلاة قوله عرق بكسر العين هو المسمى بالعاذل بالذال المعجمة قوله حيضتك بفتح الحاء ويجوز كسرها والمراد بالاقبال والادبار هنا ابتداء دم الحيض وانقطاعه قوله فدعى الصلاة يتضمن نهى الحائض عن الصلاة وهو للتحريم ويقتضى فساد الصلاة بالإجماع قوله فاغتسلي عنك الدم أي واغتسلى والأمر بالاغتسال مستفاد من أدلة أخرى كما سيأتي بسطها في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى قوله قال أي هشام بن عروة وقال أبي بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة أي عروة بن الزبير وادعى بعضهم أن هذا معلق وليس بصواب بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام وقد بين ذلك الترمذي في روايته وادعى آخر أن قوله ثم توضىء من كلام عروة موقوفا عليه وفيه نظر لأنه لو كان كلامه لقال ثم تتوضأ بصيغة الأخبار فلما آتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله فاغسلي وسنذكر حكم هذه المسألة في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى

قوله باب غسل المني وفركه لم يخرج البخاري حديث الفرك بل اكتفى بالإشارة إليه في الترجمة على عادته لأنه ورد من حديث عائشة أيضا كما سنذكره وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان يابسا وهذه طريقة الحنفية والطريقة الأولى أرجح لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفكره كالدم وغيره وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك ويرد الطريقة الثانية أيضا ما في رواية بن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه وتحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين وأما مالك فلم يعرف الفرك وقال إن العمل عندهم على جوب الغسل كسائر النجاسات وحديث الفرك حجة عليهم وحمل بعض أصحابه الفرك على الدلك بالماء وهو مردود بما في إحدى روايات مسلم عن عائشة لقد رأيتني وإني لاحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفرى وبما صححه الترمذي من حديث همام بن الحارث أن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب فقالت لم أفسد علينا ثوبنا إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم باصابعى وقال بعضهم الثوب الذي اكتفت فيه بالفرك ثوب النوم والثوب الذي غسلته ثوب الصلاة وهو مردود أيضا بما في إحدى روايات مسلم من حديثها أيضا لقد رأيتني افركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلى فيه وهذا التعقيب بالفاء ينفى احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة وأصرح منه رواية بن خزيمة أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وعلى تقدير عدم ورود شيء من ذلك فليس في حديث الباب ما يدل على نجاسة المني لأن غسلها فعل وهو لا يدل على الوجوب بمجرده والله أعلم وطعن بعضهم في الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المني بأن مني النبي صلى الله عليه وسلم طاهر دون غيره كسائر فضلاته والجواب على تقدير صحة كونه من الخصائص أن منيه كان عن جماع فيخالط مني المرأة فلو كان منهيا نجسا لم يكتف فيه بالفرك وبهذا احتج الشيخ الموفق وغيره على طهارة رطوبة فرجها قال ومن قال أن المني لا يسلم من المذي فيتنجس به لم يصب لأن الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي والبول كحالة الاحتلام والله أعلم قوله وغسل ما يصيب أي الثوب وغيره من المرأة وفي هذه المسألة حديث صريح ذكره المصنف بعد في آخر كتاب الغسل من حديث عثمان ولم يذكره هنا وكأنه استنبطه مما أشرنا إليه من أن المني الحاصل في الثوب لا يخلو غالبا من مخالطة ماء المرأة ورطوبتها

[ 227 ] قوله عمرو بن ميمون الجزري كذا للجمهور وهو الصواب وهو بفتح الجيم والزاي بعدها راء منسوب إلى الجزيرة وكان ميمون بن مهران والد عمرو نزلها فنسب إليها ولده ووقع في رواية الكشميهني وحده الجوزي بواو ساكنة بعدها زاى وهو غلط منه قوله أغسل الجنابة أي أثر الجنابة فيكون على حذف مضاف أو أطلق اسم الجنابة على المني مجازا قوله بقع بضم الموحدة وفتح القاف جمع بقعة قال أهل اللغة البقع اختلاف اللونين قوله في الإسناد الثاني حدثنا يزيد قال أبو مسعود الدمشقي كذا هو غير منسوب في رواية الفربري وحماد بن شاكر ويقال إنه بن هارون وليس بابن زريع وجميعا قد رويا يعني عن عمرو بن ميمون ووقع في رواية بن السكن أحد الرواة عن الفريري حدثنا يزيد يعني بن زريع وكذا أشار إليه الكلاباذى ورجح القطب الحليمي في شرحه أنه بن هارون قال لأنه وجد من روايته ولم يوجد من رواية بن زريع قلت ولا يلزم من عدم الوجدان عدم الوقوع كيف وقد جزم أبو مسعود بأنه رواه فدل على وجدانه والمثبت مقدم على النافى وقد خرجه الإسماعيلي وغيره من حديث يزيد بن هارون بلفظ مخالف للسياق الذي أورده البخاري وهذا من مرجحات كونه بن زريع وأيضا فقتيبة معروف بالرواية عن يزيد بن زريع دون بن هارون قاله المزي والقاعدة في من أهمل أن يحمل على من للراوى به خصوصية كالاكثار وغيره فترجح أنه بن زريع والله أعلم

[ 228 ] قوله حدثنا عمرو كذا للأكثر ولأبي ذر يعني بن ميمون وهو بن مهران كما سيأتي في آخر الباب الذي يليه قوله سمعت عائشة وفي الإسناد الذي يليه سألت عائشة فيه رد على البزار حيث زعم أن سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة على أن البزار مسبوق بهذه الدعوى فقد حكاه الشافعي في الأم عن غيره وزاد أن الحفاظ قالوا إن عمرو بن ميمون غلط في رفعه وإنما هو في فتوى سليمان انتهى وقد تبين من تصحيح البخاري له وموافقة مسلم له على تصحيحه صحة سماع سليمان منها وأن رفعه صحيح وليس بين فتواه وروايته تناف وكذا لا تأثير للاختلاف في الروايتين حيث وقع في إحداهما أن عمرو بن ميمون سأل سليمان وفي الأخرى أن سليمان سأل عائشة لأن كلا منهما سأل شيخه فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض وكلهم ثقات قوله عبد الواحد هو بن زياد البصري وفي طبقته عبد الواحد بن زيد البصري ولم يخرج له البخاري شيئا قوله عن المنى أي عن حكم المني هل يشرع غسله أم لا فحصل الجواب بأنها كانت تغسله وليس في ذلك ما يقتضى ايجابه كما قدمناه قوله فيخرج أي من الحجرة إلى المسجد قوله بقع الماء بضم العين على أنه بدل من قوله أثر الغسل ويجوز النصب على الاختصاص وفي هذه الرواية جواز سؤال النساء عما يستحي منه لمصلحة تعلم الأحكام وفيه خدمة الزوجات للازواج واستدل به المصنف على أن بقاء الأثر بعد زوال العين في إزالة النجاسة وغيرها لا يضر فلهذا ترجم باب غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره وأعاد الضمير مذكرا على المعنى أي فلم يذهب أثر الشيء المغسول ومراده أن ذلك لا يضر وذكر في الباب حديث الجنابة والحق غيرها بها قياسا أو أشار بذلك الى ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة أن خولة بنت يسار قالت يا رسول الله ليس لي الا ثوب واحد وأنا احيض فكيف أصنع قال إذا طهرت فأغسليه ثم صلى فيه قالت فإن لم يخرج الدم قال يكفيك الماء ولا يضرك أثره وفي إسناده ضعف وله شاهد مرسل ذكره البيهقي والمراد بالأثر ما تعسر إزالته جمعا بين هذا وبين حديث أم قيس حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر أخرجه أبو داود أيضا وإسناده حسن ولما لم يكن هذا الحديث على شرط المصنف استنبط من الحديث الذي على شرطه ما يدل على ذلك المعنى كعادته

[ 229 ] قوله المنقري بكسر الميم واسكان النون وفتح القاف نسبة إلى بن منقر بطن من تميم وهو أبو سلمة التبوذكي وعبد الواحد هو بن زياد أيضا قوله سمعت سليمان بن يسار في الثوب أي يقول في مسألة الثوب وللكشميهني سألت سليمان بن يسار في الثوب أي قلت له ما تقول في الثوب أو في بمعنى عن قوله أغسله أي اثر الجنابة أو المني قوله وأثر الغسل فيه يحتمل أن يكون الضمير راجعا الى اثر الماء أو إلى الثوب ويكون قوله بقع الماء بدلا من قوله أثر الغسل كما تقدم أو المعنى أثر الجنابة المغسولة بالماء فيه من بقع الماء المذكور وقوله في الرواية الأخرى ثم أراه فيه بعد قوله كانت تغسل المني يرجح هذا الاحتمال الأخير لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو المني

[ 230 ] قوله زهير هو بن معاوية الجعفي قوله أنها كانت يحتمل أن يكون مذكورا بالمعنى من لفظها أي قالت كنت اغسل ليشاكل قولها ثم أراه أو حذف لفظ قالت قبل قولها ثم أراه قوله بقعة أو بقعا يحتمل أن يكون من كلامها وينزل على حالتين او شكا من أحد رواته والله أعلم

قوله باب أبوال الإبل والدواب والغنم والمراد بالدواب معناه العرفي وهو ذوات الحافر من الخيل والبغال والحمير ويحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص ثم عطف الخاص على العام والأول أوجه ولهذا ساق أثر أبي موسى في صلاته في دار البريد لأنها مأوى الدواب التي تركب وحديث العرنيين ليستدل به على طهارة أبوال الإبل وحديث مرابض الغنم ليستدل به على ذلك أيضا منها قوله ومرابضها جمع مربض بكسر أوله وفتح الموحدة بعدها معجمة وهي للغنم كالمعاطن للإبل والضمير يعود على أقرب مذكور وهو الغنم ولم يفصح المصنف بالحكم كعادته في المختلف فيه لكن ظاهر إيراده حديث العرنيين يشعر باختياره الطهارة ويدل على ذلك قوله في حديث صاحب القبر ولم يذكر سوى بول الناس وإلى ذلك ذهب الشعبي وابن علية وداود وغيرهم وهو يرد على من نقل الإجماع على نجاسة بول غير المأكول مطلقا وقد قدمنا ما فيه قوله وصلى أبو موسى هو الأشعري وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له قال حدثنا الأعمش عن مالك بن الحارث هو السلمي الكوفي عن أبيه قال صلى بنا أبو موسى في دار البريد وهناك سرقين الدواب والبرية على الباب فقالوا لو صليت على الباب فذكره والسرقين بكسر المهملة واسكان الراء هو الزبل وحكى فيه بن سيده فتح أوله وهو فارسي معرب ويقال له السرجين بالجيم وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف والبرية الصحراء منسوبة إلى البر ودار البريد المذكورة موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء الى الأمراء وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر وفي زمن عثمان وكانت الدار في طرف البلد ولهذا كانت البرية إلى جنبها وقال المطرزى البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط ثم سمي به الرسول المحمول عليها ثم سميت به المسافة المشهورة فائدة ذكر البخاري في تاريخه همدان بريد عمر وهو يروي عن عمر وله أثر ذكره المصنف تعليقا عن عمير كما سيأتي تخريجه من طريقه قوله سواء يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة وتعقب بأنه ليس فيه دليل على طهارة ارواث الدواب عند أبي موسى لأنه يمكن أن يصلي فيها على ثوب يبسطه وأجيب بأن الأصل عدمه وقد رواه سفيان الثوري في جامعه عن الأعمش بسنده ولفظه صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين وهذا ظاهر في أنه بغير حائل وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره أن الصلاة على الطنفسة محدث وإسناده صحيح والأولى أن يقال أن هذا من فعل أبي موسى وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره فلا يكون حجة أو لعل أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطا في صحة الصلاة بل يراها واجبة برأسها وهو مذهب مشهور وقد تقدم مثله في قصة الصحابي الذي صلى بعد أن جرح وظهر عليه الدم الكثير فلا يكون فيه حجة على أن الروث طاهر كما أنه لا حجة في ذاك على أن الدم طاهر وقياس غير المأكول على المأكول غير واضح لأن الفرق بينهما متجه لو ثبت أن روث المأكول طاهر وسنذكر ما فيه قريبا والتمسك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه بن خزيمة وغيره مرفوعا بلفظ استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه أولى لأنه ظاهر في تناول جميع الابوال فيجب اجتنابها لهذا الوعيد والله أعلم

[ 231 ] قوله عن أيوب عن أبي قلابة كذا رواه البخاري وتابعه أبو داود عن سليمان بن حرب وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن أبي داود السجستاني وأبي داود الحراني وأبو نعيم في المستخرج من طريق يوسف القاضي كلهم عن سليمان وخالفهم مسلم فأخرجه عن هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب وزاد بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء مولى أبي قلابة وكذا أخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن سليمان وقال الدارقطني وغيره ثبوت أبي رجاء وحذفه في حديث حماد بن زيد عن أيوب صواب لأن أيوب حدث به عن أبي قلابة بقصة العرنيين خاصة وكذا رواه أكثر أصحاب حماد بن زيد عنه مقتصرين عليها وحدث به أيوب أيضا عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة وزاد فيه قصة طويلة لأبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز كما سيأتي ذلك في كتاب الديات ووافقه على ذلك حجاج الصواف عن أبي رجاء فالطريقان جميعا صحيحان والله أعلم قوله عن أنس زاد الأصيلي بن مالك قوله قدم اناس وللأصيلي والكشميهني والسرخسي ناس أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح به المصنف في الديات من طريق أبي رجاء عن أبي قلابة قوله من عكل أو عرينة الشك فيه من حماد وللمصنف في المحاربين عن قتيبة عن حماد أن رهطا من عكل أو قال من عرينة ولا أعلمه الا قال من عكل وله في الجهاد عن وهيب عن أيوب أن رهطا من عكل أو قال من عرينة ولا أعلمه الا قال من عكل وله في الجهاد عن وهيب عن أيوب أن رهطا من عكل ولم يشك وكذا في المحاربين عن يحيى بن أبي كثير وفي الديات عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة وله في الزكاة عن شعبة عن قتادة عن أنس أن ناسا من عرينة ولم يشك أيضا وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس وفي المغازي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن ناسا من عكل وعرينة بالواو العاطفة وهو الصواب ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل ولا يخالف هذا ما عند المصنف في الجهاد من طريق وهيب عن أيوب وفي الديات من طريق حجاج الصواف عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة عن أنس أن رهطا من عكل ثمانية لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب وغفل من نسب عدتهم ثمانية لرواية أبي يعلى وهي عند البخاري وكذا عند مسلم وزعم بن التين تبعا للداودى أن عرينة هم عكل وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان عكل من عدنان وعرينة من قحطان وعكل بضم المهملة واسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب وعرينة بالعين والراء بالمهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط إنهم من بني فزارة وهو غلط لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا وذكر بن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست وذكرها المصنف بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها وتبعه بن سعد وابن حبان وغيرهما والله أعلم وللمصنف في المحاربين من طريق وهيب عن أيوب إنهم كانوا في الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل قوله فاجتووا المدينة زاد في رواية يحيى بن أبي كثير قبل هذا فأسلموا وفي رواية أبي رجاء قبل هذا فبايعوه على الإسلام قال بن فارس اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها وقال بن العربي الجوي داء يأخذ من الوباء وفي رواية أخرى يعني رواية أبي رجاء المذكورة استوخموا قال وهو بمعناه وقال غيره الجوي داء يصيب الجوف وللمصنف من رواية سعيد عن قتادة في هذه القصة فقالوا يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف وله في الطب من رواية ثابت عن أنس أن ناسا كان بهم سقم قالوا يا رسول الله آونا وأطعمنا فلما صحوا قالوا أن المدينة وخمة والظاهر أنهم قدموا سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها فأما السقم الذي كان يهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع فعند أبي عوانة من رواية غيلان عن أنس كان بهم هزال شديد وعنده من رواية أبي سعد عنه مصفرة ألوانهم وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت اجسامهم فهو من حمى المدينة كما عند أحمد من رواية حميد عن أنس وسيأتي ذكر حمى المدينة من حديث عائشة في الطب وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس وقع بالمدينة الموم أي بضم الميم وسكون الواو قال وهو البرسام أي بكسر الموحدة سرياني معرب أطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر والمراد هنا الأخير فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة فعظمت بطونهم قوله فامرهم بلقاح أي فأمرهم أن يلحقوا بها وللمصنف في رواية همام عن قتادة فأمرهم أن يلحقوا براعيه وله عن قتيبة عن حماد فأمر له بلقاح بزيادة اللام فيحتمل أن تكون زائدة أو للتعليل أو لشبه الملك أو للاختصاص وليست للتمليك وعند أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة التي آخرج مسلم إسنادها إنهم بدؤوا بطلب الخروج إلى اللقاح فقالوا يا رسول الله قد وقع هذا الوجع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل وللمصنف من رواية وهيب عن أيوب إنهم قالوا يا رسول الله ابغنا رسلا أي أطلب لنا لبنا قال ما أجد لكم الا أن تلحقوا بالذود وفي رواية أبي رجاء هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها واللقاح باللام المكسورة والقاف وآخره مهملة النوق ذوات الألبان وأحدها لقحة بكسر اللام واسكان القاف وقال أبو عمرو يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت للنبي وصرح بذلك في المحاربين عن موسى عن وهيب بسنده فقال الا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وله فيه من رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بسنده فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة وكذا في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب البان الإبل فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم أن المدينة تنفى خبثها وسيأتي في موضعه وذكر بن سعد أن عدد لقاحه صلى الله عليه وسلم كانت خمس عشرة وإنهم نحروا منها واحدة يقال لها الحناء وهو في ذلك متابع للواقدي وقد ذكره الواقدي في المغازي بإسناد ضعيف مرسل قوله وأن يشربوا أي وأمرهم أن يشربوا وله في رواية أبي رجاء فأخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها بصيغة الأمر وفي رواية شعبة عن قتادة فرخص له أن يأتوا الصدقة فيشربوا فأنا شربهم البان الصدقة فلأنهم من أبناء السبيل وأما شربهم لبن لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فبأذنه المذكور وأما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته أما من الإبل فبهذا الحديث وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية بن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخرى والروياني وذهب الشافعي والجمهور الىالقول بنجاسة الابوال والارواث كلها من مأكول اللحم وغيره واحتج بن المنذر لقوله بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة قال ومن زعم أن هذا خاص باولئك الأقوام فلم يصب إذ الخصائص لا تثبت الا بدليل قال وفي ترك أهل العلم بيع الناس ابعار الغنم في اسواقهم واستعمال أبوال الإبل في ادويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل على طهارتها قلت وهو استدلال ضعيف لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته وقد دل على نجاسة الابوال كلها حديث أبي هريرة الذي قدمناه قريبا وقال بن العربي تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل وعورضوا بأنه إذن لهم في شربها للتداوى وتعقب بان التداوى ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب فكيف يباح الحرام لما لا يجب وأجيب بمنع أنه ليس حال ضرورة بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم اليه فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر والله أعلم وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح الا لأمر واجب غير مسلم فإن الفطر في رمضان حرام ومع ذلك فيباح لأمر جائز كالسفر مثلا وأما قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوى به لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها رواه أبو داود من حديث أم سلمة وستأتي له طريق أخرى في الأشربة من هذاالكتاب إن شاء الله تعالى والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء فجوابه أن الحديث محمول على حالة الاختبار وأما في حال الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر أنها ليست بدواء أنها داء في جواب من سأله عن التداوى بها فيما رواه مسلم فإن ذلك خاص بالخمر ويلتحق به غيرها من المسكر والفرق بين المسكر وبين غيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره ولأن شربه يجر إلى مفاسد كثيرة ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم قاله الطحاوي بمعناه وأما أبوال الإبل فقد روى بن المنذر عن بن عباس مرفوعا أن في أبوال الإبل شفاء لذرية بطونهم والذرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفى الدواء عنه والله أعلم وبهذه الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها قوله فلما صحوا في السياق حذف تقديره فشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا وقد ثبت ذلك في رواية أبي رجاء وزاد في رواية وهيب وسمنوا وللإسماعيلي من رواية ثابت ورجعت إليهم ألوانهم قوله واستاقوا النعم من السوق وهو السير العنيف قوله فجاء الخبر في رواية وهيب عن أيوب الصريخ بالخاء المعجمة وهو فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالاعلام بما وقع منهم وهذا الصارخ أحد الراعيين كما ثبت في صحيح أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة عن أنس وقد أخرج مسلم إسناده ولفظه فقتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل واسم راعي النبي صلى الله عليه وسلم المقتول يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة كذا ذكره بن إسحاق في المغازي ورواه الطبراني موصولا من حديث سلمة بن الأكوع بإسناد صالح قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار زاد بن إسحاق أصابه في غزوة بني ثعلبة قال سلمة فرآه يحسن الصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة فكان بها فذكر قصة العرنيين وأنهم قتلوه ولم اقف على تسمية الراعي الاتي بالخبر والظاهر أنه راعي إبل الصدقة ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكره بالافراد وكذا لمسلم لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم بصيغة الجمع ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رعاة فقتل بعضهم مع راعي اللقاح فاقتصر بعض الرواة على راعي النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعضهم معه غيره ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكره بالمعنى فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع وهذا أرجح لأن أصحاب المغازي لم يذكر أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار والله أعلم قوله فبعث في آثارهم زاد في رواية الأوزاعي الطلب وفي حديث سلمة بن الأكوع خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري وكذا ذكره بن إسحاق والاكثرون وهو بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاى وللنسائي من رواية الأوزاعي فبعث في طلبهم قافة أي جمع قائف ولمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس إنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص اثارهم ولم اقف على اسم هذا القائف ولا على اسم واحد من العشرين لكن في مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين رجلا ولم يقل من الأنصار بل سمي منهم جماعة من المهاجرين منهم بريدة بن الحصيب وسلمة بن الأكوع الاسلميان وجندب ورافع ابنا مكيث الجهنيان وأبو ذر وأبو رهم الغفاريان وبلال بن الحارث وعبد الله بن عمرو بن عوف المزنيان وغيرهم والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف لكن يحتمل أن يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار فأطلق الأنصار تغليبا أو قيل للجميع أنصار بالمعنى الأعم وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد كذا عنده بزيادة ياء والذي ذكره غيره أنه سعد بسكون العين بن زيد الأشهلي وهذا أيضا أنصاري فيحتمل أنه كان رأس الأنصار وكان كرز أمير الجماعة وروى الطبري وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم لكن إسناده ضعيف والمعروف أن جريرا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة والله اعلم قوله فلما ارتفع فيه حذف تقديره فادركوا في ذلك اليوم فاخذوا فلما ارتفع النهار جيء بهم أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسارى قوله فأمر بقطع كذا للاصيلي والمستملى والسرخسي وللباقين فقطع أيديهم وأرجلهم قال الداودي يعني قطع يدي كل واحد ورجليه قلت ترده رواية الترمذي من خلاف وكذا ذكره الإسماعيلي عن الفريابي عن الأوزاعي بسنده وللمصنف من رواية الأوزاعي أيضا ولم يحسمهم أي لم يكو ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف قوله وسمرت أعينهم بتشديد الميم وفي رواية أبي رجاء وسمر بتخفيف الميم ولم تختلف روايات البخاري في أنه بالراء ووقع لمسلم من رواية عبد العزيز وسمل بالتخفيف واللام قال الخطابي السمل فقء العين بأي شيء كان قال أبو ذؤيب الهذلي والعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع قال والسمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب قال وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا باميال قد احميت قلت قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف من رواية وهيب عن أيوب ومن رواية الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها فهذا يوضح ما تقدم ولا يخالف ذلك رواية السمل لأنه فقء العين بأي شيء كان كما مضى قوله والقوا في الحرة هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وإنما ألقوا فيها لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا قوله يستسقون فلا يسقون زاد وهيب والأوزاعي حتى ماتوا وفي رواية أبي رجاء ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا وفي رواية شعبة عن قتادة يعضون الجحارة وفي الطب من رواية ثابت قال أنس فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت ولأبي عوانة من هذا الوجه يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة وزعم الواقدي أنهم صلبوا والروايات الصحيحة ترده لكن عند أبي عوانة من رواية أبي عقيل عن أنس فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين كذا ذكر ستة فقط فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة ومال جماعة منهم بن الجوزي إلى أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص لما عند مسلم من حديث سليمن التيمي عن أنس إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة وقصر من اقتصر في عزوه للترمذى والنسائي وتعقبه بن دقيق العيد بان المثلة في حقهم وقعت من جهات وليس في الحديث الا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية قلت كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي إنهم مثلوا بالراعي وذهب آخرون الى أن ذلك منسوخ قال بن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة هذا الحديث ينسخ كل مثلة وتعقبه بن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ قلت يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهى عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة وقد حضر الإذن ثم النهي وروى قتادة عن بن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ولموسى بن عقبة في المغازي وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة وإلى هذا مال البخاري وحكاه أمام الحرمين في النهاية عن الشافعي واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للاجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا وقع منه نهى عن سقيهم انتهى وهو ضعيف جدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقى الماء ولا غيره ويدل عليه أن من ليس معه ماء الا لطهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا وقال الخطابي إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك وقيل أن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقى البان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والموخم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالعطش على من عطش آل بيته في قصة رواها النسائي فيحتمل أن يكونوا في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لقاحه في كل ليلة كما ذكر ذلك بن سعد والله أعلم قوله قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا أي لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها وهذا قاله أبو قلابة استنباطا قوله وقتلوا أي الراعي كما تقدم قوله وكفروا هو في رواية سعيد عن قتادة عن أنس في المغازي وكذا في رواية وهيب عن أيوب في الجهاد في أصل الحديث وليس موقوفا على أبي قلابة كما توهمه بعضهم وكذا قوله وحاربوا ثبت عند أحمد من رواية حميد عن أنس في أصل الحديث وهربوا محاربين وستأتي قصة أبي قلابة في هذا الحديث مع عمر بن عبد العزيز في مسألة القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم قدوم الوفود على الإمام ونظره في مصالحهم وفيه مشروعية الطب والتداوى بالبان الإبل وأبوالها وفيه أن كل جسد يطب بما اعتاده وفيه قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة او حرابة إن قلنا إن قتلهم كان قصاصا وفيه المماثلة في القصاص وليس ذلك من المثلة المنهي عنها وثبوت حكم المحاربة في الصحراء وأما في القرى ففيه خلاف وفيه جواز استعمال أبناء السبيل إبل الصدقة في الشرب وفي غيره قياسا عليه بإذن الامام وفيه العمل بقول القائف وللعرب في ذلك المعرفة التامة

[ 232 ] قوله أبو التياح تقدم أنه بالمثناة الفوقانية ثم التحتانية المشددة وأخره مهملة وهذا الحديث في الصلاة في مرابض الغنم تمسك به من قال بطهارة أبوالها وابعارها قالوا لأنها لاتخلو من ذلك فدل على إنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة ونوزع من استدل بذلك الاحتمال الحائل وأجيب بأنهم لم يكونوا يصلون على حائل دون الأرض وفيه نظر لأنها شهادة نفى لكن قد يقال أنها مستندة الى أصل والجواب أن في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير في دارهم وصح عن عائشة أنه كان يصلي على الخمرة وقال بن حزم هذا الحديث منسوخ لأن فيه أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد فاقتضى أنه في أول الهجرة وقد صح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه بن خزيمة وغيره ولأبي داود نحوه من حديث سمرة وزاد وأن نطهرها قال وهذا بعد بناء المسجد وما ادعاه من النسخ يقتضى الجواز ثم المنع وفيه نظر لأن إذنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مرابض الغنم ثابت عند مسلم من حديث جابر بن سمرة نعم ليس فيه دلالة على طهارة المرابض لكن فيه أيضا النهى عن الصلاة في معاطن الإبل فلو اقتضى الإذن الطهارة لاقتضى النهى التنجيس ولم يقل أحد بالفرق لكن المعنى في الإذن والنهي بشيء لا يتعلق بالطهارة ولا النجاسة وهو أن الغنم من دواب الجنة والإبل خلقت من الشياطين والله أعلم

قوله باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء أي هل ينجسهما أم لا أو لا ينجس الماء الا إذا تغير دون غيره وهذا الذي يظهر من مجموع ما أورده المصنف في الباب من أثر وحديث قوله وقال الزهرى وصله بن وهب في جامعه عن يونس عنه وروى البيهقي معناه من طريق أبي عمرو وهو الأوزاعي عن الزهري قوله لا بأس بالماء أي لا حرج في استعماله في كل حالة فهو محكوم بطهارته ما لم يغيره طعم أي من شيء نجس أو ريح منه أو لون ولفظ يونس عنه كل ما فيه قوة عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا ريحه ولا لونه فهو طاهر ومقتضى هذا أنه لا يفرق بين القليل والكثير الا بالقوة المانعة للملاقى أن يغير أحد اوصافه فالعبرة عنده بالتغير وعدمه ومذهب الزهري هذا صار إليه طوائف من العلماء وقد تعقبه أبو عبيد في كتاب الطهور بأنه يلزم منه أن من بال في إبريق ولم يغير للماء وصفا أنه يجوز له التطهر به وهو مستبشع ولهذا نصر قول التفريق بالقلتين وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في إسناده لكن رواته ثقات وصححه جماعة من الأئمة الا أن مقدار القلتين لم يتفع عليه واعبره الشافعي بخمس قرب من قرب الحجاز احتياطا وخصص به حديث بن عباس مرفوعا الماء لا ينجسه شيء وهو حديث صحيح رواه الأربعة وابن خزيمة وغيرهم وسيأتي مزيد للقول في هذا في الباب الذي بعده وقول الزهري هذا ورد فيه حديث مرفوع قال الشافعي لا يثبت أهل الحديث مثله لكن لا أعلم في المسألة خلافا يعني في تنجيس الماء إذا تغير أحد اوصافه بالنجاسة والحديث المشار إليه أخرجه بن ماجة من حديث أبي إمامة وإسناده ضعيف وفيه اضطراب أيضا قوله سقط بن أبي سليمان الفقيه الكوفي قوله لا بأس بريش الميتة أي ليس نجسا ولا ينجس الماء بملاقاته سواء كان ريش مأكول أوغيره وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عنه قوله وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره أي مما لا يؤكل أدركت ناسا أي كثيرا والتنوين للتكثير قوله ويدهنون بتشديد الدال من باب الافتعال ويجوز ضم أوله واسكان الدال وهذا يدل على انهم كانوا يقولون بطهارته وسنذكر الخلاف فيه قريبا قوله وقال بن سيرين وإبراهيم لم يذكر السرخسي إبراهيم في روايته ولا اكثر الرواة عن الفربري وأثر بن سيرين وصله عبد الرزاق بلفظ أنه كان لا يرى بالتجارة في العاج بأسا وهذا يدل على أنه كان يراه طاهرا لأنه لا يجيز بيع النجس ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره بدليل قصته المشهورة في الزيت والعاج هو ناب الفيل قال بن سيده لا يسمى غيره عاجا وقال القزاز أنكر الخليل أن يسمى غير ناب الفيل عاجا وقال بن فارس والجوهرى العاج عظم الفيل فلم يخصصاه بالناب وقال الخطابي تبعا لابن قتيبة العاج الذبل وهو ظهر السلحفاء البحرية وفيه نظر ففي الصحاح المسك السوار من عاج أو ذبل فغاير بينهما لكن قال القالي العرب تسمى كل عظم عاجا فإن ثبت هذا فلا حجة في الأثر المذكور على طهارة عظم الفيل لكن إيراد البخاري له عقب أثر الزهري في عظم الفيل يدل على اعتبار ما قال الخليل وقد اختلفوا في عظم الفيل بناء على أن العظم هل تحله الحياة أم لا فذهب إلى الأول الشافعي واستدل له بقوله تعالى قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي انشأها أول مرة فهذا ظاهر في أن العظم تحله الحياة وذهب الى الثاني أبو حنيفة وقال بطهارة العظام مطلقا وقال مالك هو طاهر أن ذكي بناء على قوله إن غير المأكول يطهر بالتزكية وهو قول أبي حنيفة

[ 233 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله عن ميمونة هي بنت الحارث خالة بن عباس قوله سئل عن فأرة بهمزة ساكنة والسائل عن ذلك هي ميمونة ووقع في رواية يحيى القطان وجويرية عن مالك في هذا الحديث أن ميمونة استفتت رواه الدارقطني وغيره قوله سقطت في سمن زاد النسائي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن مالك في سمن جامد وزاد المصنف في الذبائح من رواية بن عيينة عن بن شهاب فماتت قوله وما حولها أي من السمن

[ 234 ] قوله حدثنا معن هو بن عيسى القزاز قوله خذوها وما حولها فاطرحوه أي الجميع وكلوا الباقي كما دلت عليه الرواية الأولى قوله قال معن هو قول علي بن عبد الله فهو متصل وأبعد من قاله إنه معلق وإنما أورد البخاري كلام معن وساق حديثه بنزول بالنسبة للإسناد الذي قبله مع موافقته له في السياق للإشارة إلى الاختلاف على مالك في إسناده فرواه أصحاب الموطأ عنه واختلفوا فمنهم من ذكره عنه هكذا كيحيى بن يحيى وغيره ومنهم من لم يذكر فيه ميمونة كالقعنبي وغيره ومنهم لم يذكر فيه بن عباس كاشهب وغيره ومنهم من لم يذكر فيه بن عباس ولا ميمونة كيحيى بن بكير وأبي مصعب ولم يذكر أحد منهم لفظه جامد الا عبد الرحمن بن مهدي وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي في مسنده عن سفيان بن عيينة عن بن شهاب ورواه الحميدي والحفاظ من أصحاب بن عيينة بدونها وجودوا إسناده فذكروا فيه بن عباس وميمونة وهو الصحيح ورواه عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب مجودا وله فيه عن بن شهاب إسناد آخر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن قال إذا كان جامدا فألقوها وما حولها وأن كان مائعا فلا تقربوه وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال في رواية معمر هذه هي خطأ وقال بن أبي حاتم عن أبيه أنها وهم وأشار الترمذي إلى أنها شاذة وقال الذهلي في الزهريات الطريقان عندنا محفوظان لكن طريق بن عباس عن ميمونة أشهر والله أعلم وقد استشكل بن التين إيراد البخاري كلام معن هذا مع كونه غير مخالف لرواية إسماعيل وأجيب بأن مراده أن إسماعيل لم ينفرد بتجويد إسناده وظهر لي وجه آخر وهو أن رواية معن المذكورة وقعت خارج الموطأ هكذا وقد رواها في الموطأ فلم يذكر بن عباس ولا ميمونة كذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طريقه فأشار المصنف إلى أن هذا الاختلاف لا يضر لأن مالكا كان يصله تارة ويرسله تارة ورواية الوصل عنه مقدمة قد سمعه منه معن بن عيسى مرارا وتابعه غيره من الحفاظ والله أعلم فائدة أخذ الجمهور بحديث معمر الدال على التفرقة بين الجامد والذائب ونقل بن عبد البر الاتفاق على أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه إذا تحقق أن شيئا من اجزائها لم يصل الى غير ذلك منه وأما المائع فاختلفوا فيه فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاة النجاسة وخالف فريق منهم الزهري والأوزاعي وسيأتي إيضاح ذلك في كتاب الذبائح وكذلك مسألة الانتفاع بالدهن النجس أو المتنجس إن شاء الله تعالى قال بن المنير مناسبة حديث السمن للاثار التي قبله اختيار المصنف أن المعتبر في التنجيس تغير الصفات فلما كان ريش الميتة لا يتغير بتغيرها بالموت وكذا عظمها فكذلك السمن البعيد عن موقع الميتة إذا لم يتغير واقتضى ذلك أن الماء إذا لاقته النجاسة ولم يتغير أنه لا يتنجس

[ 235 ] قوله حدثنا أحمد بن محمد أي بن أبي موسى المروزي المعروف بمردويه وعبد الله هو بن المبارك قوله كل كلم بفتح الكاف واسكان اللام يكلمه بضم أوله وإسكان الكاف وفتح اللام أي كل جرح يجرحه قوله في سبيل الله قيد يخرج ما يصيب المسلم من الجراحات في غير سبيل الله وزاد في الجهاد من طريق الأعرج عن أبي هريرة والله أعلم بمن يكلم في سبيله وفيه إشارة إلى أن ذلك إنما يحصل لمن خلصت نيته قوله تكون كهيئتها أعاد الضمير مؤنثا لإرادة الجراحة ويوضحه رواية القابسي عن أبي زيد المروزي عن الفربري كل كلمة يكلمها وكذا هو في رواية بن عساكر قوله تفجر بفتح الجيم المشددة وحذف التاء الأولى إذ أصله تنفجر قوله والعرف بفتح المهملة وسكون الراء الريح والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته أنه يشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله وفائدة رائحته الطيبة أن تنتشر في أهل الموقف إظهارا لفضيلته أيضا ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد في المعركة وقد استشكل إيراد المصنف لهذا الحديث في هذا الباب فقال الإسماعيلي هذا الحديث لا يدخل في طهارة الدم ولا نجاسته وإنما ورد في فضل المطعون في سبيل الله وأجيب بأن مقصود المصنف بإيراده تأكيد مذهبه في أن الماء لا يتنجس بمجرد الملاقاة ما لم يتغير فاستدل بهذا الحديث على أن تبدل الصفة يؤثر في الموصوف فكما أن تغير صفة الدم بالرائحة الطيبة أخرجه من الذم إلى المدح فكذلك تغير صفة الماء إذا تغير بالنجاسة يخرجه عن صفة الطهارة الىالنجاسة وتعقب بأن الغرض اثبات انحصار التنجيس بالتغير وما ذكر يدل على أن التنجيس يحصل بالتغير وهو وفاق لا أنه لا يحصل الا به وهو موضع النزاع وقال بعضهم مقصود البخاري أن يبين طهارة المسك ردا على من يقول بنجاسته لكونه دما انعقد فلما تغير عن الحالة المكروهة من الدم وهي الزهم وقبح الرائحة الى الرائحة الممدوحة وهي طيب رائحة المسك دخل عليه الحل وانتقل من حالة النجاسة إلى حالة الطهارة كالخمرة اذا تخللت وقال بن رشيد مراده أن انتقال الدم الى الرائحة الطيبة هو الذي نقله من حالة الذم إلى حالة المدح فحصل من هذا تغليب وصف واحد وهو الرائحة على وصفين وهما الطعم واللون فيستنبط منه أنه متى تغير أحد الأوصاف الثلاثة بصلاح أو فساد تبعه الوصفان الباقيان وكأنه أشار بذلك إلى رد ما نقل عن ربيعة وغيره أن تغير الوصف الواحد لا يؤثر حتى يجتمع وصفان قال ويمكن أن يستدل به على أن الماء إذا تغير ريحه بشيء طيب لا يسلبه اسم الماء كما أن الدم لم ينتقل عن اسم الدم مع تغير رائحته إلى رائحة المسك لأنه قد سماه دما مع تغير الريح فما دام الاسم واقعا علىالمسمى فالحكم تابع له أه كلامه ويرد على الأول أنه يلزم منه أن الماء إذا كانت اوصافه الثلاثة فاسدة ثم تغيرت صفة واحدة منها إلى صلاح أنه يحكم بصلاحه كله وهو ظاهر الفساد وعلىالثاني أنه لا يلزم من كونه لم يسلب اسم الماء أن لا يكون موصوفا بصفة تمنع من استعماله مع بقاء اسم الماء عليه والله أعلم وقال بن دقيق العيد لما نقل قول من قال أن الدم لما انتقل بطيب رائحته من حكم النجاسة الى الطهارة ومن حكم القذارة إلى الطيب لتغير رائحته حتى حكم له بحكم المسك وبالطيب للشهيد فكذلك الماء ينتقل بتغير رائحته من الطهارة الىالنجاسة قال هذا ضعيف مع تكلفة

قوله باب البول في الماء الدائم أي الساكن يقال دوم الطائر تدويما إذا صف جناحيه في الهواء فلم يحركهما وفي رواية الأصيلي باب لا تبولوا في الماء الدائم وهي بالمعنى

[ 236 ] قوله الأعرج كذا رواه شعيب ووافقه بن عيينة فيما رواه الشافعي عنه عن أبي الزناد وكذا أخرجه الإسماعيلي ورواه أكثر أصحاب بن عيينة عنه عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة ومن هذا الوجه أخرجه النسائي وكذا أخرجه أحمد من طريق الثوري عن أبي الزناد والطحاوي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه والطريقان معا صحيحان ولأبي الزناد فيه شيخان ولفظهما في سياق المتن مختلف كما سنشير إليه قوله نحن الآخرون السابقون اختلف في الحكمة في تقديم هذه الجملة على الحديث المقصود فقال بن بطال يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ما بعده في نسق واحد فحدث بهما جميعا ويحتمل أن يكون همام فعل ذلك لأنه سمعهما من أبي هريرة وإلا فليس في الحديث مناسبة للترجمة قلت جزم بن التين بالأول وهو متعقب فإنه لو كان حديثا واحدا ما فصله المصنف بقوله وبإسناده وأيضا فقوله نحن الآخرون السابقون طرف من حديث مشهور في ذكر يوم الجمعة سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى فلو راعى البخاري ما أدعاه لساق المتن بتمامه وأيضا فحديث الباب مروي بطرق متعددة عن أبي هريرة في دواوين الأئمة وليس في طريق منها في أوله نحن الآخرون السابقون وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي اليمان شيخ البخاري بدون هذه الجملة وقول بن بطال ويحتمل أن يكون همام وهم تبعه عليه جماعة وليس لهمام ذكر في هذا الإسناد وقوله أنه ليس في الحديث مناسبة للترجمة صحيح وأن كان غيره تكلف فأبدى بينهما مناسبة كما سنذكره والصواب أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة المطلوبة منه وأن لم يكن باقيه مقصودا كما صنع في حديث عروة البارقي في شراء الشاة كما سيأتي بيانه في الجهاد وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة وقد وقع لمالك نحو هذا في الموطأ إذ أخرج في باب صلاة الصبح والعتمة متونا بسند واحد أولها مر رجل بغصن شوك وآخرها لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوا وليس غرضه منه الا الحديث الأخير لكنه أداها على الوجه الذي سمعه قال بن العربي في القبس نرى الجهال يتعبون في تأويلها ولا تعلق للأول منها بالباب أصلا وقال غيره وجه المناسبة بينهما أن هذه الأمة آخر من يدفن من الأمم في الأرض وأول من يخرج منها لأن الوعاء آخر ما يوضع فيه أول ما يخرج منه فكذلك الماء الراكد آخر ما يقع فيه من البول أول ما يصادف أعضاء المتطهر فينبغي أن يجتنب ذلك ولا يخفى ما فيه وقيل وجه المناسبة أن بني إسرائيل وإن سبقوا في الزمان لكن هذه الأمة سبقتهم باجتناب الماء الراكد إذا وقع البول فيه فلعلهم كانوا لا يجتنبونه وتعقب بان بني إسرائيل كانوا أشد مبالغة في اجتناب النجاسة بحيث كانت النجاسة إذا أصابت جلد أحدهم قرضه فكيف يظن بهم التساهل في هذا وهو استبعاد لا يستلزم رفع الاحتمال المذكور وما قررناه أولى وقد وقع البخاري في كتاب التعبير في حديث أورده من طريق همام عن أبي هريرة مثل هذا صدره أيضا بقوله نحن الآخرون السابقون قال وبإسناده ولا يتأتى فيه المناسبة المذكورة مع ما فيها من التكلف والظاهر أن نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كنسخة معمر عن همام عنه ولهذا قل حديث يوجد في هذه الا وهو في الأخرى وقد اشتملتا على أحاديث كثيرة أخرج الشيخان غالبها وابتداء كل نسخة منهما حديث نحن الآخرون السابقون فلهذا صدر به البخاري فيما أخرجه من كل منهما وسلك مسلم في نسخة همام طريقا أخرى فيقول في كل حديث أخرجه منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر الحديث الذي يريده يشير بذلك إلى أنه من اثناء النسخة لا أولها والله أعلم قوله الذي لا يجري قيل هو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه وقيل احترز به عن راكد يجري بعضه كالبرك وقيل احترز به عن الماء الدائم لأنه جار من حيث الصورة ساكن من حيث المعنى ولهذا لم يذكر هذا القيد في رواية أبي عثمان عن أبي هريرة التي تقدمت الإشارة إليها حيث جاء فيها بلفظ الراكد بدل الدائم وكذا أخرجه مسلم من حديث جابر وقال بن الأنباري الدائم من حروف الأضداد يقال للساكن والدائر ومنه أصاب الرأس دوام أي دوار وعلى هذا فقوله الذي لا يجري صفة مخصصة لأحد معني المشترك وقيل الدائم والراكد مقابلان للجارى لكن الدائم الذي له نبع والراكد الذي لا نبع له قوله ثم يغتسل بضم اللام على المشهور وقال بن مالك يجوز الجزم عطفا على يبولن لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية ولكنه بني على الفتح لتوكيده بالنون ومنع ذلك القرطبي فقال لو أراد النهي لقال ثم لا يغتسلن فحينئذ يتساوى الأمران في النهى عنهما لأن المحل الذي تواردا عليه شيء واحد وهو الماء قال فعدوله عن ذلك يدل على أنه لم يرد العطف بل نبه على مآل الحال والمعنى أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعماله ومثله بقوله صلى الله عليه وسلم لا يضربن أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها فإنه لم يروه أحد بالجزم لأن المراد النهي عن الضرب لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها فتمتنع لاساءته إليها فلا يحصل له مقصوده وتقدير اللفظ ثم هو يضاجعها وفي حديث الباب ثم هو يغتسل منه وتعقب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لايعطف عليه نهى آخر غير مؤكد لاحتمال أن يكون للتأكيد في أحدهما معنى ليس للآخر قال القرطبي ولا يجوز النصب إذ لا تضمر أن بعد ثم وأجازه بن مالك بإعطاء ثم حكم الواو وتعقبه النووي بان ذلك يقتضى أن يكون المنهي عنه الجمع بين الامرين دون افراد أحدهما وضعفه بن دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدل عل الأحكام المتعددة لفظ واحد فيؤخذ النهى عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب ويؤخذ النهي عن الأفراد من حديث آخر قلت وهو ما رواه مسلم من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البول في الماء الراكد وعنده من طريق أبي السائب عن أبي هريرة بلفظ لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب وروى أبو داود النهى عنهما في حديث واحد ولفظه لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة واستدل به بعض الحنفية على تنجيس الماء المستعمل لأن البول ينجس الماء فكذلك الاغتسال وقد نهى عنهما معا وهو للتحريم فيدل على النجاسة فيهما ورد بأنها دلالة اقتران وهي ضعيفة وعلى تقدير تسليمها فلا يلزم التسوية فيكون النهى عن البول لئلا ينجسه وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبه الطهورية ويزيد ذلك وضوحا قوله في رواية مسلم كيف يفعل يا أبا هريرة قال يتناوله تناولا فدل على أن المنع من الانغماس فيه لئلا يصير مستعملا فيمتنع على الغير الانتفاع به والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور وقد تقدمت الأدلة على طهارته ولا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الأدمي وغيره خلافا لبعض الحنابلة ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في إناء ثم يصبه فيه خلافا للظاهرية وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل وقد تقدم قول من لا يعتبر الا التغير وعدمه وهو قوي لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك لكنه اعتذر عن القول به بأن القلة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة ولم يثبت من الحديث تقديرهما فيكون مجملا فلا يعمل به وقواه بن دقيق العيد لكن استدل له غيرهما فقال أبو عبيد القاسم بن سلام المراد القلة الكبيرة إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد فإن الصغيرتين قدر واحدة كبيرة ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز والظاهر أن الشارع عليه السلام ترك تحديدهما على سبيل التوسعة والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة الا بما يفهمون فانتفى الإجمال لكن لعدم التحديث وقع الخلف بين السلف في مقدارهما على تسعة أقوال حكاها بن المنذر ثم حدث بعد ذلك تحديدهما بالارطال واختلف فيه أيضا ونقل عن مالك أنه حمل النهى على التنزيه فيما لا يتغير وهو قول الباقين في الكثير وقال القرطبي يمكن حمله علىالتحريم مطلقا على قاعدة سد الذريعة لأنه يفضى إلى تنجيس الماء قوله ثم يغتسل فيه كذا هنا وفي رواية بن عيينة عن أبي الزناد ثم يغتسل منه وكذا لمسلم من طريق بن سيرين وكل من اللفظين يفيد حكما بالنص وحكما بالاستنباط قاله بن دقيق العيد ووجهه أن الرواية بلفظ فيه تدل على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط والرواية بلفظ منه بعكس ذلك وكله مبنى على أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة والله أعلم

قوله باب إذا ألقى على ظهر المصلي قذر بفتح الذال المعجمة أي شيء نجس أو جيفة أي ميتة لها رائحة قوله لم تفسد محله ما إذا لم يعلم بذلك وتمادى ويحتمل الصحة مطلقا على قول من ذهب إلى أن اجتناب النجاسة في الصلاة ليس بفرض وعلى قول من ذهب إلى منع ذلك في الابتداء دون ما يطرأ واليه ميل المصنف وعليه يتخرج صنيع الصحابي الذي استمر في الصلاة بعد أن سألت منه الدماء برمى من رماه وقد تقدم الحديث عن جابر بذلك في باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين قوله وكان بن عمر هذا الأثر وصله بن أبي شيبة من طريق برد بن سنان عن نافع عنه أنه كان إذا في الصلاة فرأى في ثوبه دما فاستطاع أن يضعه وضعه وأن لم يستطع خرج فغسله ثم جاء فيبنى على ما كان صلى وإسناده صحيح وهو يقتضى أنه كان يرى التفرقة بين الابتداء والدوام وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور بن وقال الشافعي وأحمد يعيد الصلاة وقيدها مالك بالوقت فإن خرج فلا قضاء وفيه بحث يطول واستدل للاولين بحديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة ثم قال إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا أخرجه أحمد وأبو داود وصححه بن خزيمة وله شاهد من حديث بن مسعود أخرجه الحاكم ولم يذكر في الحديث إعادة وهو اختيار جماعة من الشافعية وأما مسألة البناء على ما مضى فتأتي في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى قوله وقال بن المسيب والشعبي كذا للأكثر وهو الصواب وللمستملى والسرخسي وكان فإن كانت محفوظة فافراد قوله إذا صلى على إرادة كل منهما والمراد بمسألة الدم ما إذا كان بغير علم المصلي وكذا الجنابة عند من يقول بنجاسة المني وبمسألة القبلة ما إذا كان عن اجتهاد ثم تبين الخطأ وبمسألة التيمم ما إذا كان غير واجد للماء وكل ذلك ظاهر من سياق الآثار الأربعة المذكورة عن التابعين المذكورين وقد وصلها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة مفرقة اوضحتها في تعليق التعليق وقد تقدمت الإشارة إلى مسألة الدم وأما مسألة التيمم فعدم وجوب الإعادة قول الأئمة الأربعة وأكثر السلف وذهب جمع من التابعين منهم عطاء وابن سيرين ومكحول إلى وجوب الإعادة مطلقا وأما مسألة بيان الخطأ في القبلة فقال الثلاثة والشافعي في القديم لا يعيد وهو قول الأكثر أيضا وقال في الجديد تجب الإعادة واستدل للأولين بحديث أخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه وقال حسن لكن ضعفه غيره وقال العقيلي لا يروي من وجه يثبت وقال بن العربي مستند الجديد أن خطأ المجتهد يبطل إذا وجد النص بخلافه قال وهذا لا يتم في هذه المسألة الا بمكة وأما في غيرها فلا ينقض الاجتهاد الاجتهاد وأجيب بان هذه المسألة مصورة فيما إذا تيقن الخطأ فهو انتقال من يقين الخطأ إلى الظن القوي فليس فيه نقض اجتهاد باجتهاد والله أعلم

[ 237 ] قوله حدثنا عبدان أعاده المصنف في أواخر الجزية عنه فقال حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان وعرفنا من سياقه هناك أن اللفظ هنا لرواية أحمد بن عثمان وإنما قرنها برواية عبدان تقوية لها لأن في إبراهيم بن يوسف مقالا وأحمد المذكور هو بن عثمان بن حكيم الأودي الكوفي وهو من صغار شيوخ البخاري وله في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه النسائي عنه عن خالد بن مخلد عن علي بن صالح عن أبي إسحاق ورجال إسناده جميعا كوفيون وأبو إسحاق هو السبيعي ويوسف الراوي عنه هو بن ابنه إسحاق وافادت روايته التصريح بالتحديث لأبي إسحاق عن عمرو بن ميمون ولعمرو عن عبد الله وعينت أيضا عبد الله بأنه بن مسعود وعمرو بن ميمون هو الأودي تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ثم نزل الكوفة وهو غير عمرو بن ميمون الجزري الذي تقدم قريبا وهذا الحديث لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم الا بإسناد أبي إسحاق هذا وقد رواه الشيخان من طريق الثوري والبخاري أيضا من طريق إسرائيل وزهير ومسلم من رواية زكريا بن أبي زائدة وكلهم عن أبي إسحاق وسنذكر ما في اختلاف رواياتهم من الفوائد مبينا إن شاء الله تعالى قوله بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد بقيته من رواية عبدان المذكور وحوله ناس من قريش من المشركين ثم ساق الحديث مختصرا قوله أن عبد الله في رواية الكشميهني عن عبد الله قوله وأبو جهل وأصحاب له هم السبعة المدعو عليهم بعد بينه البزار من طريق الأجلح عن أبي إسحاق قوله إذ قال بعضهم هو أبو جهل سماه مسلم من رواية زكريا المذكورة وزاد فيه وقد نحرت جزور بالأمس والجزور من الإبل ما يجزر أي يقطع وهو بفتح الجيم والسلى مقصور بفتح المهملة هي الجلدة التي يكون فيها الولد يقال لها ذلك من البهائم وأما من الادميات فالمشيمة وحكى صاحب المحكم أنه يقال فيهن أيضا سلى قوله فيضعه زاد في رواية إسرائيل فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها ثم يمهله حتى يسجد قوله فانبعث أشقى القوم وللكشميهني والسرخسي أشقى قوم بالتنكير ففيه مبالغة لكن المقام يقتضى الأول لأن الشقاء هنا بالنسبة إلى أولئك الأقوام فقط كما سنقرره بعد وهو عقبة بن أبي معيط بمهملتين مصغرا سماه شعبة وفي سياقه عند المصنف اختصار يوهم أنه فعل ذلك ابتداء وقد ساقه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة نحو رواية يوسف هذه وقال فيه فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهره قوله لا أغنى كذا للأكثر وللكشميهني والمستملى لا أغير ومعناهما صحيح أي لا أغنى في كف شرهم أو لا أغير شيئا من فعلهم قوله لو كانت لي منعة قال النووي المنعة بفتح النون القوة قال وحكى الاسكان وهو ضعيف وجزم القرطبي بسكون النون قال ويجوز الفتح على أنه جمع مانع ككاتب وكتبة وقد رجح القزاز والهروي الاسكان في المفرد وعكس ذلك صاحب إصلاح المنطق وهو معتمد النووي قال وإنما قال ذلك لأنه لم يكن له بمكة عشيرة لكونه هذليا حليفا وكان حلفاؤه إذ ذاك كفارا وفي الكلام حذف تقديره لطرحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح به مسلم في رواية زكريا وللبزار فأنا ارهب أي أخاف منهم قوله ويحيل بعضهم كذا هنا بالمهملة من الاحالة والمراد أن بعضهم ينسب فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكما ويحتمل أن يكون من حال يحيل بالفتح إذا وثب على ظهر دابته أي يثب بعضهم على بعض من المرح والبطر ولمسلم من رواية زكريا ويميل بالميم أي من كثرة الضحك وكذا للمصنف من رواية إسرائيل قوله فاطمة هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد إسرائيل وهي جويرية فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا قوله فطرحته كذا للآكثر وللكشميهني بحذف المفعول زاد إسرائيل وأقبلت عليهم تشتمهم زاد البزار فلم يردوا عليها شيئا قوله فرفع رأسه زاد البزار من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد اللهم قال البزار تفرد بقوله أما بعد زيد قوله ثم قال يشعر بمهله بين الرفع والدعاء وهو كذلك ففي رواية الأجلح عند البزار فرفع رأسه كما كان يرفعه عند تمام سجوده فلما قضى صلاته قال اللهم ولمسلم والنسائي نحوه والظاهر منه أن الدعاء المذكور وقع خارج الصلاة لكن وقع وهو مستقبل الكعبة كما ثبت من رواية زهير عن أبي إسحاق عند الشيخين قوله عليك بقريش أي بإهلاك قريش والمراد الكفار منهم أو من سمي منهم فهو عام أريد به الخصوص قوله ثلاث مرات كرره إسرائيل في روايته لفظا لا عددا وزاد مسلم في رواية زكريا وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا قوله فشق عليهم ولمسلم من رواية زكريا فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته قوله وكانوا يرون بفتح أوله في روايتنا من الرأي أي يعتقدون وفي غيرها بالضم أي يظنون والمراد بالبلد مكة ووقع في مستخرج أبي نعيم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري في الثالثة بدل قوله في ذلك البلد ويناسبه قوله ثلاث مرات ويمكن أن يكون ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم عليه السلام قوله ثم سمي أي فصل من أجمل قوله بأبي جهل في رواية إسرائيل بعمرو بن هشام وهو اسم أبي جهل فلعله سماه وكناه معا قوله والوليد بن عتبة هو ولد المذكور بعد أبي جهل ولم تختلف الروايات في أنه بعين مهملة بعدها مثناة ساكنة ثم موحدة لكن عند مسلم من رواية زكريا بالقاف بدل المثناة وهو وهم قديم نبه عليه بن سفيان الراوي عنه مسلم وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق شيخ مسلم على الصواب قوله أمية بن خلف في رواية شعبة أو أبي بن خلف شك شعبة وقد ذكر المصنف الاختلاف فيه عقيب رواية الثوري في الجهاد وقال الصحيح أمية لكن وقع عنده هناك أبي بن خلف وهو وهم منه أو من شيخه أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة إذ حدثه فقد رواه شيخه أبو بكر في مسنده فقال أمية وكذا رواه مسلم عن أبي بكر والإسماعيلي وأبو نعيم من طريق أبي بكر كذلك وهو الصواب وأطبق أصحاب المغازي على أن المقتول ببدر أمية وعلى أن أخاه أبيا قتل بأحد وسيأتي في المغازي قتل أمية ببدر إن شاء الله تعالى قوله وعد السابع فلم تحفظه وقع في روايتنا بالنون وهي للجمع وفي غيرها بالياء التحتانية قال الكرماني فاعل عد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بن مسعود وفاعل فلم تحفظه بن مسعود أو عمرو بن ميمون قلت ولا أدري من أين تهيأ له الجزم بذلك مع أن في رواية الثوري عند مسلم ما يدل على أن فاعل فلم تحفظه أبو إسحاق ولفظه قال أبو إسحاق ونسيت السابع وعلى هذا ففاعل عد عمرو بن ميمون على أن أبا إسحاق قد تذكره مرة أخرى فسماه عمارة بن الوليد كذا أخرجه المصنف في الصلاة من رواية إسرائيل عن أبي إسحاق وسماع إسرائيل من أبي إسحاق في غاية الإتقان للزومه إياه لأنه جده وكان خصيصا به قال عبد الرحمن بن مهدي ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الا اتكالا على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم وعن إسرائيل قال كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ سورة الحمد واستشكل بعضهم عد عمارة بن الوليد في المذكورين لأنه لم يقتل ببدر بل ذكر أصحاب المغازي أنه مات بأرض الحبشة وله قصة مع النجاشي إذ تعرض لامرأته فأمر النجاشي ساحرا فنفخ في احليل عمارة من سحره عقوبة له فتوحش وصار مع البهائم إلى أن مات في خلافة عمر وقصته مشهورة والجواب أن كلام بن مسعود في أنه رآهم صرعى في القليب محمول على الأكثر ويدل عليه أن عقبة بن أبي معيط لم يطرح في القليب وإنما قتل صبرا بعد أن رحلوا عن بدر مرحلة وأمية بن خلف لم يطرح في القليب كما هو بل مقطعا كما سيأتي وسيأتي في المغازي كيفية مقتل المذكورين ببدر وزيادة بيان في أحوالهم إن شاء الله تعالى قوله قال أي بن مسعود والمراد باليد هنا القدرة وفي رواية مسلم والذي بعث محمدا بالحق وللنسائي والذي انزل عليه الكتاب وكأن عبد الله قال كل ذلك تأكيدا قوله صرعى في القليب في رواية إسرائيل لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا الى القليب قليب بدر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبع أصحاب القليب لعنة وهذا يحتمل أن يكون من تمام الدعاء الماضي فيكون فيه علم عظيم من أعلام النبوة ويحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم بعد أن ألقوا في القليب وزاد شعبة في روايته الا أمية فإنه تقطعت اوصاله زاد لأنه كان بادنا قال العلماء وإنما أمر بالقائهم فيه لئلا يتأذى الناس بريحهم وإلا فالحربي لا يجب دفنه والظاهر أن البئر لم يكن فيها ماء معين قوله قليب بدر بالجر على البدلية والقليب بفتح القاف وآخره موحدة هو البئر التي لم تطو وقبل العادية القديمة التي لا يعرف صاحبها فائدة روى هذا الحديث بن إسحاق في المغازي قال حدثني الأجلح عن أبي إسحاق فذكر هذا الحديث وزاد في آخره قصة أبي البختري مع النبي صلى الله عليه وسلم في سؤاله إياه عن القصة وضرب أبي البختري أبا جهل وشجه إياه والقصة مشهورة في السيرة وأخرجها البزار من طريق أبي إسحاق وأشار إلى تفرد الأجلح بها عن أبي إسحاق وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار وما ازدادت عند المسلمين الا تعظيما وفيه معرفة الكفار بصدقه صلى الله عليه وسلم لخوفهم من دعائه ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له وفيه حلمه صلى الله عليه وسلم عمن آذاه ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن بن مسعود قال لم أره دعا عليه الا يومئذ وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما اقدموا عليه من الاستخفاف به حال عبادة ربه وفيه استحباب الدعاء ثلاثا وقد تقدم في العلم استحباب السلام ثلاثا وغير ذلك وفيه جواز الدعاء على الظالم لكن قال بعضهم محله ما إذا كان كافرا فأما المسلم فيستحب الاستغفار له والدعاء بالتوبة ولو قيل لا دلالة فيه على الدعاء على الكافر لما كان بعيدا لاحتمال أن يكون اطلع صلى الله عليه وسلم على أن المذكورين لا يؤمنون والأولى أن يدعي لكل حي بالهداية وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من صغرها لشرفها في قومها ونفسها لكونها صرحت بشتمهم وهم رؤوس قريش فلم يردوا عليها وفيه أن المباشرة آكد من السبب والاعانة لقوله في عقبة أشقى القوم مع أنه كان فيهم أبو جهل وهو أشد منه كفرا وأذى للنبي صلى الله عليه وسلم لكن الشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القصة لأنهم اشتركوا في الأمر والرضا وانفرد عقبة بالمباشرة فكان اشقاهم ولهذا قتلوا في الحرب وقتل هو صبرا واستدل به على أن من حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته ولو تمادى وعلى هذا ينزل كلام المصنف فلو كانت نجاسة فأزالها في الحال ولا أثر لها صحت اتفاقا واستدل به على طهارة فرث ما يؤكل لحمه وعلى أن إزالة النجاسه ليست بفرض وهو ضعيف وحمله على ما سبق أولى وتعقب الأول بأن الفرث لم يفرد بل كان مع الدم كما في رواية إسرائيل والدم نجس اتفاقا وأجيب بان الفرث والدم كانا داخل السلى وجلدة السلى الظاهرة طاهرة فكان كحمل القارورة المرصصة وتعقب بأنها ذبيحة وثنى فجميع اجزائها نجسة انها ميتة وأجيب بان ذلك كان قبل التعبد بتحريم ذبائحهم وتعقب بأنه يحتاج إلى تاريخ ولا يكفي فيه الاحتمال وقال النووي الجواب المرضى أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره فاستمر في سجوده استصحابا لأصل الطهارة وتعقب بأنه يشكل على قولنا بوجوب الإعادة في مثل هذه الصورة وأجاب بأن الإعادة إنما تجب في الفريضة فإن ثبت أنها فريضة فالوقت موسع فلعله أعاد وتعقب بأنه لو أعاد لنقل ولم ينقل وبأن الله تعالى لا يقره على التمادى في صلاة فاسدة وقد تقدم أنه خلع نعليه وهو في الصلاة لأن جبريل أخبره أن فيهما قذرا ويدل على أنه علم بما ألقى على ظهره أن فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه وعقب هو صلاته بالدعاء عليهم والله أعلم

قوله باب البصاق كذا في روايتنا وللأكثر بالزاى وهي لغة فيه وكذا السين وضعفت قوله في الثوب أي والبدن ونحوه ودخول هذا في أبواب الطهارة من جهة أنه لا يفسد الماء لو خالطه قوله وقال عروة هو بن الزبير ومروان هو بن الحكم وأشار بهذا التعليق إلى الحديث الطويل في قصة الحديبية وسيأتي بتمامه في الشروط من طريق الزهري عن عروة وقد علق منه موضعا آخر كما مضى في باب استعمال فضل وضوء الناس قوله فذكر الحديث يعني وفيه وما تنخم وغفل الكرماني فظن أن قوله وما تنخم الخ حديث آخر فجوز أن يكون الراوي ساق الحديثين سوقا واجدا أو يكون أمر التنخم وقع بالحديبية انتهى ولو راجع الموضع الذي ساق المصنف فيه الحديث تاما لظهر له الصواب والنخامة بالضم هي النخاعة كذا في المجمل والصحاح وقيل بالميم ما يخرج من الفم وبالعين ما يخرج من الحلق والغرض من هذا الاستدلال على طهارة الريق ونحوه وقد نقل بعضهم فيه الإجماع لكن روى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي أنه ليس بطاهر وقال بن حزم صح عن سلمان الفارسي وإبراهيم النخعي أن اللعاب نجس إذا فارق الفم

[ 238 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري وقد روى أبو نعيم في مستخرجه هذا الحديث من طريق الفريابي وزاد في آخره وهو في الصلاة قوله طوله بن أبي مريم هو سعيد بن الحكم المصري أحد شيوخ البخاري نسب إلى جده وأفادت روايته تصريح حميد بالسماع له من أنس خلافا لما روى يحيى القطان عن حماد بن سلمة أنه قال حديث حميد عن أنس في البزاق إنما سمعه من ثابت عن أبي نضرة فظهر أن حميدا لم يدلس فيه ومفعول سمعت الثاني محذوف للعلم به والمراد أنه كالمتن الذي قبله مع زيادات فيه وقد وقع مطولا أيضا عند المصنف في الصلاة كما سيأتي في باب حك البزاق باليد في المسجد

قوله باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر هو من عطف العام على الخاص أو المراد بالنبيذ ما لم يبلغ حد الإسكار قوله وكرهه الحسن أي البصري روى بن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريقين عنه قال لا توضأ بنبيذ وروى أبو عبيد من طريق أخرى عنه أنه لا بأس به فعلى هذا فكراهته عنده على التنزيه قوله وأبو العالية روى أبو داود وأبو عبيد من طريق أبي خلدة قال سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده ماء يغتسل به قال لا وفي رواية أبي عبيد فكرهه قوله وقال عطاء هو بن أبي رباح روى أبو داود أيضا من طريق بن جريج عنه أنه كره الوضوء بالنبيذ واللبن وقال أن التيمم أحب إلي منه وذهب الأوزاعي الى جواز الوضوء بالانبذة كلها وهو قول عكرمة مولىابن عباس وروى عن علي وابن عباس ولم يصح عنهما وقيده أبو حنيفة في المشهور عنه بنبيذ التمر واشترط أن لا يكون بحضرة ماء وأن يكون خارج المصر أو القرية وخالفه صاحباه فقال محمد يجمع بينه وبين التيمم قيل ايجابا وقيل استحبابا وهو قول إسحاق وقال أبو يوسف بقول الجمهور لا يتوضأ به يحال واختاره الطحاوي وذكر قاضيخان أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول لكن في المقيد من كتبهم إذا ألقى في الماء تمرات فحلا ولم يزل عنه اسم الماء جاز الوضوء به بلا خلاف يعني عندهم واستدلوا بحديث بن مسعود حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ما في ادواتك قال نبيذ قال ثمرة طيبة وماء طهور رواه أبو داود والترمذي وزاد فتوضأ به وهذا الحديث اطبق علماء السلف على تضعيفه وقيل على تقدير صحته أنه منسوخ لأن ذلك كان بمكة ونزول قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا إنما كان بالمدينة بلا خلاف أو هو محمول على ماء ألقيت فيه تمرات يابسة لم تغير له وصفا وإنما كانوا يصنعون ذلك لأن غالب مياههم لم تكن حلوة

[ 239 ] قوله عن الزهري كذا للاصيلي وغيره ولأبي ذر حدثنا الزهري قوله كل شراب أسكر أي كان من شأنه الإسكار سواء حصل بشربه السكر أم لا قال الخطابي فيه دليل على أن قليل المسكر وكثيره حرام من أي نوع كان لأنها صيغة عموم أشير بها إلى جنس الشراب الذي يكون منه السكر فهو كما لو قال كل طعام أشبع فهو حلال فأنه يكون دالا على حل كل طعام من شأنه الاشباع وأن لم يحصل الشبع لبعض دون بعض ووجه احتجاج البخاري به في هذا الباب أن المسكر لا يحل شربه وما لا يحل شربه لا يجوز الوضوء به اتفاقا والله أعلم وسيأتي الكلام على حكم شرب النبيذ في الأشربة إن شاء الله تعالى

قوله باب غسل المرأة اباها منصوب على المفعولية والدم منصوب على الاختصاص أو على البدل وهو أما اشتمال أو بعض من كل ووقع في رواية بن عساكر غسل المرأة الدم عن وجه أبيها وهو بالمعنى قوله عن وجهه في رواية الكشميهني من وجهه وعن في رواية غيره واما المعنى من أو ضمن الغسل معنى الإزالة وهذه الترجمة معقودة لبيان أن إزالة النجاسة ونحوها يجوز الاستعانة فيها كما تقدم في الوضوء وبهذا يظهر مناسبة أثر أبي العالية لحديث سهل قوله وقال أبو العالية هو الرياحي بكسر الراء وياء تحتانية وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عن عاصم بن سليمان قال دخلنا على أبي العالية وهو وجع فوضؤوه فلما بقيت إحدى رجليه قال امسحوا على هذه فإنها مريضة وكان بها حمرة وزاد بن أبي شيبة أنها كانت معصوبة

[ 240 ] قوله حدثنا محمد قال أبو علي الجياني لم ينسبه أحد من الرواة وهو عندي بن سلام قلت وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج وقد وقد في رواية بن عساكر حدثنا محمد يعني بن سلام قوله وسأله الناس جملة حالية وأراد بقوله وما بيني وبينه أحد أي عند السؤال ليكون أدل على صحة سماعه لقربه منه قوله دوى بضم الدال على البناء للمجهول وحذفت إحدى الواوين في الكتابة كداود قوله ما بقى أحد إنما قال ذلك لآنه كان آخر من بقي من الصحابة بالمدينة كما صرح به المصنف في النكاح في روايته عن قتيبة عن سفيان ووقع في رواية الحميدي عن سفيان اختلف الناس بأي شيء دوى جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي ذكر سبب هذا الجرح وتسمية فاعله في المغازي في وقعة أحد إن شاء الله تعالى وكان بينها وبين تحديث سهل بذلك أكثر من ثمانين سنة قوله فأخذ بضم الهمزة على البناء للمجهول وله في الطب فلما رأت فاطمة الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على الجرح فرقأ الدم وفي هذا الحديث مشروعية التداوى ومعالجة الجراح واتخاذ الترس في الحرب وأن جميع ذلك لا يقدح في التوكل لصدوره من سيد المتوكلين وفيه مباشرة المرأة لأبيها وكذلك لغيره من ذوي محارمها ومداواتها لأمراضهم وغير ذلك مما يأتي الكلام عليه في المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب السواك هو بكسر السين على الافصح ويطلق على الآلة وعلى الفعل وهو المراد هنا قوله وقال بن عباس هذا التعليق سقط من رواية المستملى وهو طرف من حديث طويل في قصة مبيت بن عباس عند خالته ميمونة ليشاهد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وقد وصله المؤلف من طرق منها بلفظه هذا في تفسير آل عمران واقتضى كلام عبد الحق أنه بهذا اللفظ من افراد مسلم وليس بجيد

[ 241 ] قوله عن أبي بردة هو بن أبي موسى الأشعري قوله يستن بفتح أوله وسكون المهملة وفتح المثناة وتشديد النون من السن بالكسر أو الفتح إما لأن السواك يمر على الأسنان أو لأنه يسنها أي يحددها قوله يقول أي النبي صلى الله عليه وسلم أو السواك مجازا قوله اع اع بضم الهمزة وسكون المهملة كذا في رواية أبي ذر وأشار بن التين إلى أن غيره رواه بفتح الهمزة ورواه النسائي وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة عن حماد بتقديم العين على الهمزة وكذا أخرجه البيهقي من طريق إسماعيل القاضي عن عارم وهو أبو النعمان شيخ البخاري فيه ولأبي داود بهمزة مكسورة ثم هاء وللجوزقى بخاء معجمة بدل الهاء والرواية الأولى أشهر وإنما اختلف الرواة لتقارب مخارج هذه الأحرف وكلها ترجع إلى حكاية صوته إذ جعل السواك على طرف لسانه كما عند مسلم والمراد طرفه الداخل كما عند أحمد يستن إلى فوق ولهذا قال هنا كأنه يتهوع والتهوع التقيؤ أي له صوت كصوت المتقيء على سبيل المبالغة ويستفاد منه مشروعية السواك على اللسان طولا أما الأسنان فالاحب فيها أن تكون عرضا وفيه حديث مرسل عند أبي داود وله شاهد موصول عند العقيلي في الضعفاء وفيه تأكيد السواك وأنه لا يختص بالأسنان وأنه من باب التنظيف والتطيب لا من باب إزالة القاذورات لكونه صلى الله عليه وسلم لم يختف به وبوبوا عليه استياك الإمام بحضرة رعيته

[ 242 ] قوله عن حذيفة هو بن اليمان والإسناد كله كوفيون قوله يشوص بضم المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة والشوص بالفتح الغسل والتنظيف كذا في الصحاح وفي المحكم الغسل عن كراع والتنقية عن أبي عبيد والدلك عن بن الأنباري وقيل الامرار على الأسنان من أسفل إلى فوق واستدل قائله بأنه ماخوذ من الشوصة وهي ريح ترفع القلب عن موضعه وعكسه الخطابي فقال هو دلك الأسنان بالسواك او الأصابع عرضا قال بن دقيق العيد فيه استحباب السواك عند القيام من النوم لأن النوم مقتض لتغير الفم لما يتصاعد إليه من ابخرة المعدة والسواك آلة تنظيفه فيستحب عند مقتضاه قال وظاهر قوله من الليل عام في كل حالة ويحتمل أن يخص بما إذا قام إلى الصلاة قلت ويدل عليه رواية المصنف في الصلاة بلفظ إذا قام للتهجد ولمسلم نحوه وحديث بن عباس يشهد له وكأن ذلك هو السر في ذكره في الترجمة وقد ذكر المصنف كثيرا من أحكام السواك في الصلاة وفي الصيام كما ستأتي في اماكنها إن شاء الله تعالى

قوله باب دفع السواك إلى الأكبر وقال عفان قال الإسماعيلي أخرجه البخاري بلا رواية قلت وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن إسحاق الصغاني وغيره عن عفان وكذا أخرجه أبو نعيم والبيهقي من طريقه

[ 243 ] قوله اراني بفتح الهمزة من الرؤية ووشم من ضمها وفي رواية المستملى رآني بتقديم الراء والأول أشهر ولمسلم من طريق على بن نصر الجهضمي عن صخر أراني في المنام وللإسماعيلي رأيت في المنام فعلى هذا فهو من الرؤيا قوله فقيل لي قائل ذلك له جبريل عليه السلام كما سيذكر من رواية بن المبارك قوله كبر أي قدم الأكبر في السن قوله قال أبو عبد الله أي البخاري اختصره أي المتن نعيم هو بن حماد وأسامة هو بن زيد الليثى المدني ورواية نعيم هذه وصلها الطبراني في الأوسط عن بكر بن سهل عنه بلفظ أمرني جبريل أن أكبر ورويناها في الغيلانيات من رواية أبي بكر الشافعي عن عمر بن موسى عن نعيم بلفظ أن أقدم الأكابر وقد رواه جماعة من أصحاب بن المبارك عنه بغير اختصار أخرجه أحمد والإسماعيلي والبيهقي عنهم بلفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال أن جبريل أمرني أن أكبر وهذا يقتضى أن تكون القضية وقعت في اليقظة ويجمع بينه وبين رواية صخر أن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم تنبيها على أن أمره بذلك بوحى متقدم فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض ويشهد لرواية بن المبارك ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان فأوحى إليه أن أعط السواك الأكبر قال بن بطال فيه تقديم ذي السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشى والكلام وقال المهلب هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن وهو صحيح وسيأتي الحديث فيه في الأشربة وفيه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه الا أن المستحب أن يغسله ثم يستعلمه وفيه حديث عن عائشة في سنن أبي داود قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لاغسله فابدأ به فاستاك ثم اغسله ثم ادفعه إليه وهذا دال على عظيم أدبها وكبير فطنتها لأنها لم تغسله ابتداء حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه ثم غسلته تأديبا وامتثالا ويحتمل أن يكون المراد بأمرها يغسله تطييبه وتليينه بالماء قبل أن يستعمله والله أعلم

قوله باب فضل من بات على الوضوء ولغير أبي ذر على وضوء

[ 244 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وسفيان هو الثوري ومنصور هو بن المعتمر قوله فتوضأ ظاهره استحباب تجديد الوضوء لكل من أراد النوم ولو كان على طهارة ويحتمل أن يكون مخصوصا بمن كان محدثا ووجه مناسبته للترجمة من قوله فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة والمراد بالفطرة السنة وقد روى هذا الحديث الشيخان وغيرهما من طرق عن البراء وليس فيها ذكر الوضوء الا في هذه الرواية وكذا قال الترمذي وقد ورد في الباب حديث عن معاذ بن جبل أخرجه أبو داود وحديث عن على أخرجه البزار وليس واحد منهما على شرط البخاري وسيأتي الكلام على فوائد هذا المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى قوله واجعلهن آخر ما تقول في رواية الكشميهني من آخر وهي تبين أنه لا يمتنع أن يقول بعدهن شيئا مما شرع من الذكر عند النوم قوله قال لا ونبيك الذي أرسلت قال الخطابي فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى قال ويحتمل أن يكون أشار بقوله ونبيك إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا أو لأنه ليس في قوله ورسولك الذي أرسلت وصف زائد بخلاف قوله ونبيك الذي أرسلت وقال غيره ليس فيه حجة على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع اذا اختلف المعنى فكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحا وأن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفه في تعيين اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان يرادفه في الظاهر أو لعله أوحى إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده أو ذكره احترازا ممن أرسل من غير نبوة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لأن لفظ النبي امدح من لفظ الرسول لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفا وعلى هذا فقول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه وأما من استدل به على أنه لا يجوز إبدال لفظ قال نبي الله مثلا في الرواية بلفظ قال رسول الله وكذا عكسه ولو اجزنا الرواية بالمعنى فلا حجة فيه وكذا لا حجة فيه لمن أجاز الأول دون الثاني لكون الأول أخص من الثاني لأنا نقول الذات المخبر عنها في الرواية واحدة فبأي وصف وصفت به تلك الذات من اوصافها اللائقة بها علم القصد بالمخبر عنه ولو تباينت معاني الصفات كما لو أبدل اسما بكنية أو كنية باسم فلا فرق بين أن يقول الراوي مثلا عن أبي عبد الله البخاري أو عن محمد بن إسماعيل البخاري وهذا بخلاف ما في حديث الباب فإنه يحتمل ما تقدم من الأوجه التي بيناها من إرادة التوقيف وغيره والله أعلم تنبيه النكتة في ختم البخاري كتاب الوضوء بهذا الحديث من جهة أنه آخر وضوء آمر به المكلف في اليقظة ولقوله في نفس الحديث واجعلهن آخر ما تقول فاشعر ذلك بختم الكتاب والله الهادي للصواب خاتمة اشتمل كتاب الوضوء وما معه من أحكام المياه والاستطابه من الأحاديث المرفوعه على مائة وأربعة وخمسين حديثان الموصول منها مائة وستة عشر حديثا والمذكور منها بلفظ المتابعة وصيغة التعليق ثمانية وثلاثون حديثا فالمكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا والخالص منها أحد وثمانون حديثا ثلاثة منها معلقة والبقية موصولة وافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة عشر حديثا وهي الثلاثة المعلقة وحديث بن عباس في صفة الوضوء وحديثه توضأ مرة مرة وحديث أبي هريرة ابغنى أحجارا وحديث بن مسعود في الحجرين والروثة وحديث عبد الله بن زيد في الوضوء مرتين مرتين وحديث أنس في ادخار شعر النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي هريرة في الرجل الذي سقى الكلب وحديث السائب بن يزيد في خاتم النبوة وحديث سعد وعمر في المسح على الخفين وحديث عمرو بن أمية فيه وحديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق وحديث أنس إذا نعس في الصلاة فلينم وحديث أبي هريرة في قصة الذي بال في المسجد وحديث ميمونة في فأرة سقطت في سمن وحديث أنس في البزاق في الثوب وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين ثمانية وأربعون أثرا الموصول منها ثلاثة والبقية معلقة والله أعلم