كتاب الغسل
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الغسل كذا في روايتنا بتقديم البسملة وللاكثر بالعكس وقد تقدم توجيهه ذلك وحذفت البسملة من رواية الأصيلي وعنده باب الغسل وهو بضم الغين اسم للاغتسال وقيل إذا أريد به الماء فهو مضموم وأما المصدر فيجوز فيه الضم والفتح حكاه بن سيده وغيره وقيل المصدر بالفتح والاغتسال بالضم وقيل الغسل بالفتح فعل المغتسل وبالضم الماء الذي يغتسل به وبالكسر ما يجعل مع الماء كالاشنان وحقيقة الغسل جريان الماء على الأعضاء واختلف في وجوب الدلك فلم يوجبه الأكثر ونقل عن مالك والمزنى وجوبه واحتج بن بطال بالإجماع على وجوب امرار اليد على أعضاء الوضوء عند غسلها قال فيجب ذلك في الغسل قياسا لعدم الفرق بينهما وتعقب بأن جميع من لم يوجب الدلك اجازوا غمس اليد في الماء للمتوضىء من غير امرار فبطل الإجماع وانتفت الملازمة قوله وقول الله تعالى وأن كنتم جنبا فاطهروا قال الكرماني غرضه بيان أن وجوب الغسل على الجنب مستفاد من القرآن قلت وقدم الآية التي من سورة المائدة على الآية التي من سورة النساء لدقيقة وهي أن لفظ التي في المائدة فاطهروا ففيها اجمال ولفظ التي في النساء حتى تغتسلوا ففيها تصريح بالاغتسال وبيان للتطهير المذكرو ودل على أن المراد بقوله تعالى فاطهروا فاغتسلوا قوله تعالى في الحائض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن أي اغتسلن اتفاقا ودلت آية النساء على أن استباحة الجنب الصلاة وكذا اللبث في المسجد يتوقف على الاغتسال وحقيقة الاغتسال غسل جميع الأعضاء مع تمييز ما للعبادة عما للعادة بالنية

قوله باب الوضوء قبل الغسل أي استحبابه قال الشافعي رحمه الله في الأم فرض الله تعالى الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شيء فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى بغسل جميع بدنه والاختيار في الغسل ما روت عائشة ثم روى حديث الباب عن مالك بسنده وهو في الموطأ كذلك قال بن عبد البر هو من أحسن حديث روى في ذلك قلت وقد رواه عن هشام وهو بن عروة جماعة من الحفاظ غير مالك كما سنشير اليه

[ 245 ] قوله كان إذا اغتسل أي شرع في الفعل ومن في قوله من الجنابة سببية قوله بدأ فغسل يديه يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر وسيأتي في حديث ميمونة تقوية ذلك ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم ويدل عليه زيادة بن عيينة في هذا الحديث عن هشام قبل أن يدخلهما في الإناء رواه الشافعي والترمذي وزاد أيضا ثم يغسل فرجه وكذا لمسلم من رواية أبي معاوية ولأبي داود من رواية حماد بن زيد كلاهما عن هشام وهي زيادة جليلة لأن بتقديم غسله يحصل الأمن من مسه في اثناء الغسل قوله كما يتوضأ للصلاة فيه احتراز عن الوضوء اللغوي ويحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سنة مستقلة بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد في الغسل ويحتمل أن يكتفى بغسلها في الوضوء عن اعادته وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى وإلى هذا جنح الداودي شارح المختصر من الشافعية فقال يقدم غسل أعضاء وضوئه على ترتيب الوضوء لكن بنية غسل الجنابة ونقل بن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث قوله فيخلل بها أي بأصابعه التي أدخلها في الماء ولمسلم ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر وللترمذي والنسائي من طريق بن عيينة ثم يشرب شعره الماء قوله أصول الشعر وللكشميهني أصول شعره أي شعر رأسه ويدل عليه رواية حماد بن سلمة عن هشام عند البيهقي يخلل بها شق رأسه الأيمن فيتبع بها أصول الشعر ثم يفعل بشق رأسه الأيسر كذلك وقال القاضي عياض احتج به بعضهم على تخليل شعر الجسد في الغسل أما لعموم قوله أصول الشعر وأما بالقياس على شعر الرأس وفائدة التخليل إيصال الماء إلى الشعر والبشرة ومباشرة الشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء وتأنيس البشرة لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به ثم هذا التخليل غير واجب اتفاقا الا أن كان الشعر ملبدا بشيء يحول بين الماء وبين الوصول إلى أصوله والله أعلم قوله ثم يدخل إنما ذكره بلفظ المضارع وما قبله مذكور بلفظ الماضي وهو الأصل لإرادة استحضار صورة الحال للسامعين قوله ثلاث غرف بضم المعجمة وفتح الراء جمع غرفة وهي قدر ما يغرف من الماء بالكف وللكشميهني ثلاث غرفات وهو المشهور في جمع القلة وفيه استحباب التثليث في الغسل وقال النووي ولا نعلم فيه خلافا الا ما تفرد به الماوردي فإنه قال لايستحب التكرار في الغسل قلت وكذا قال الشيخ أبو على السنجي في شرح الفروع وكذا قال القرطبي وحمل التثليث في هذه الرواية على رواية القاسم عن عائشة الآتية قريبا فإن مقتضاها أن كل غرفة كانت في جهة من جهات الرأس وسيأتي في آخر الكلام على حديث ميمونة زيادة في هذه المسألة قوله ثم يفيض أي يسيل والافاضة الإسالة واستدل به من لم يشترط الدلك وهو ظاهر وقال المازري لا حجة فيه لأن أفاض بمعنى غسل والخلاف في الغسل قائم قلت ولا يخفى ما فيه والله أعلم وقال القاضي عياض لم يأت في شيء من الروايات في وضوء الغسل ذكر التكرار قلت بل ورد ذلك من طريق صحيحة أخرجها النسائي والبيهقي من رواية أبي سلمة عن عائشة أنها وصفت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة الحديث وفيه ثم يتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ثم يفيض على رأسه ثلاث قوله على جلده كله هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعدما تقدم وهو يؤيد الاحتمال الأول أن الوضوء سنة مستقلة قبل الغسل وعلى هذا فينوى المغتسل الوضوء أن كان محدثا وإلا فسنة الغسل واستدل بهذا الحديث علىاستحباب إكمال الوضوء قبل الغسل ولا يؤخر غسل الرجلين إلى فراغه وهو ظاهر من قوله كما يتوضأ للصلاة وهذا هو المحفوظ في حديث عائشة من هذا الوجه لكن رواه مسلم من رواية أبي معاوية عن هشام فقال في آخره ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام قال البيهقي هي غريبة صحيحة قلت لكن في رواية أبي معاوية عن هشام مقال نعم له شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي فذكر حديث الغسل كما تقدم عند النسائي وزاد في آخره فإذا فرغ غسل رجليه فأما أن تحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها وضوءه للصلاة أي أكثره وهو ما سوى الرجلين أو يحمل على ظاهره ويستدل برواية أبي معاوية على جواز تفريق الوضوء ويحتمل أن يكون قوله في رواية أبي معاوية ثم غسل رجليه أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء فيوافق قوله في حديث الباب ثم يقبض على جلده كله

[ 246 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري وجزم الكرماني بان محمد بن يوسف هو البيكندي وسفيان هو بن عيينة ولا أدري من أين له ذلك قوله وضوءه للصلاة غير رجليه فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل الخ وهو مخالف لظاهر رواية عائشة ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز كما تقدم وإما بحمله على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم وعند الشافعية في الأفضل قولان قال النووي أصحهما واشهرهما ومختارهما أنه يكمل وضوئه قال لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك انتهى كذا قال وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك بل هي إما محتملة كرواية توضأ وضوءه للصلاة أو ظاهرة تأخيرهما كرواية أبي معاوية المتقدمة وشاهدها من طريق أبي سلمة ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش وقول من قال إنما فعل ذلك مرة لبيان الجواز متعقب فإن في رواية أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش ما يدل على المواظبة ولفظه كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه فذكر الحديث وفي آخره ثم يتنحى فيغسل رجليه قال القرطبي الحكمة في تأخير غسل الرجلين ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء قوله وغسل فرجه فيه تقديم وتأخير لأن غسل الفرج كان قبل الوضوء إذ الواو لا تقتضي الترتيب وقد بين ذلك بن المبارك عن الثوري عند المصنف في باب الستر في الغسل فذكر أولا غسل اليدين ثم غسل الفرج ثم مسح يده بالحائط ثم الوضوء غير رجليه وآتى بثم الدالة على الترتيب في جميع ذلك قوله هذه غسله الإشارة إلى الأفعال المذكورة أو التقدير هذه صفة غسله وللكشميهني هذا غسله وهو ظاهر وأشار الإسماعيلي إلى أن هذه الجملة الأخيرة مدرجة من قول سالم بن أبي الجعد وأن زائدة بن قدامة بين ذلك في روياته عن الأعمش واستدل البخاري بحديث ميمونة هذا على جواز تفريق الوضوء وعلى استحباب الافراغ باليمين على الشمال للمغترف من الماء لقوله في رواية أبي عوانة وحفص وغيرهما ثم أفرغ بيمينه على شماله وعلى مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة لقوله فيها ثم تمضمض واستنشق وتمسك به الحنفية للقول بوجوبهما وتعقب بأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب الا إذا كان بيانا لمجمل تعلق به الوجوب وليس الأمر هنا كذلك قاله بن دقيق العيد وعلى استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو الأرض لقوله في الروايات المذكورة ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط قال بن دقيق العيد وقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسله واحدة لإزالة النجاسة والغسل من الجنابة لأن الأصل عدم التكرار وفيه خلاف انتهى وصحح النووي وغيره أنه يجزئ لكن لم يتعين في هذا الحديث أن ذلك كان لإزالة النجاسة بل يحتمل أن يكون للتنظيف فلا يدل على الاكتفاء وأما دلك اليد بالأرض فللمبالغة فيه ليكون انقى كما قال البخاري وأبعد من استدل به على نجاسة المني أو على نجاسة رطوبة الفرج لأن الغسل ليس مقصورا على إزالة النجاسة وقوله في حديث الباب وما أصابه من أذى ليس بظاهر في النجاسة أيضا واستدل به البخاري أيضا على أن الواجب في غسل الجنابة مرة واحدة وعلى أن من توضأ بنية الغسل أكمل باقي أعضاء بدنه لايشرع له تجديد الوضوء من غير حدث وعلى جواز نفض اليدين من ماء الغسل وكذا الوضوء وفيه حديث ضعيف أورده الرافعي وغيره ولفظه لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنها مراوح الشيطان قال بن الصلاح لم أجده وتبعه النووي وقد أخرجه بن حبان في الضعفاء وابن أبي حاتم في العلل من حديث أبي هريرة ولو لم يعارضه هذا الحديث الصحيح لم يكن صالحا أن يحتج به وعلى استحباب التستر في الغسل ولو كان في البيت وقد عقد المصنف لكل مسألة بابا وأخرج هذا الحديث فيه لكن بمغايرة الطرق ومدارها على الأعمش وعند بعض الرواة عنه ما ليس عند الآخر وقد جمعت فوائدها في هذا الباب وصرح في رواية حفص بن غياث عن الأعمش بسماع الأعمش من سالم فأمن تدليسه وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء الأعمش وسالم وكريب وصحابيان بن عباس وخالته ميمونة بنت الحارث وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز الاستعانة بإحضار ماء الغسل والوضوء لقولها في رواية حفص وغيره وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلا وفي رواية عبد الواحد ما يغتسل به وفيه خدمة الزوجات لأزواجهن وفيه الصب باليمين على الشمال لغسل الفرج بها وفيه تقديم غسل الكفين على غسل الفرج لمن يريد الاغتراف لئلا يدخلهما في الماء وفيهما ما لعله يستقذر فأما إذا كان الماء في إبريق مثلا فالأولى تقديم غسل الفرج لتوالى أعضاء الوضوء ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء وتمسك به المالكية لقولهم إن وضوء الغسل لا يمسح فيه الرأس بل يكتفى عنه بغسله واستدل بعضهم بقولها في رواية أبي حمزة وغيره فناولته ثوبا فلم يأخذه على كراهة التنشيف بعد الغسل ولا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق كراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه مستعجلا أو غير ذلك قال المهلب يحتمل تركه الثوب لابقاء بركة الماء أو للتواضع أو لشيء رآه في الثوب من حرير أو وسخ وقد وقع عند أحمد والإسماعيلي من رواية أبي عوانة في هذا الحديث عن الأعمش قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال لا بأس بالمنديل وإنما رده مخالفة أن يصير عادة وقال التيمي في شرحه في هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف ولولا ذلك لم تأته بالمنديل وقال بن دقيق العيد نفضه الماء بيده يدل على أن لاكراهة في التنشيف لأن كلا منهما إزالة وقال النووي اختلف أصحابنا فيه على خمسة أوجه اشهرها أن المستحب ترك وقيل مكروه وقيل مباح وقيل مستحب وقيل مكروه في الصيف مباح في الشتاء واستدل به على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهر خلافا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته

قوله باب غسل الرجل مع امرأته عن عروة أي بن الزبير كذا رواه أكثر أصحاب الزهري وخالفهم إبراهيم بن سعد فرواه عنه عن القاسم بن محمد أخرجه النسائي ورجح أبو زرعة الأول ويحتمل أن يكون للزهري شيخان فإن الحديث محفوظ عن عروة والقاسم من طرق أخرى

[ 247 ] قوله أنا والنبي يحتمل أن يكون مفعولا معه ويحتمل أن يكون عطفا على الضمير وهو من باب تغليب المتكلم على الغائب لكونها هي السبب في الاغتسال فكأنها أصل في الباب قوله من إناء واحد من قدح من الأولى ابتدائية والثانية بيانية ويحتمل أن يكون قدح بدلا من إناء بتكرار حرف الجر وقال بن التين كان هذا الإناء من شبه وهو بفتح المعجمة والموحدة كما تقدم توضيحه في صفة الوضوء من حديث عبد الله بن زيد وكأن مستندة ما رواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه تور من شبة قوله يقال له الفرق ولمالك عن الزهري هو الفرق وزاد في روايته من الجنابة أي بسبب الجنابة ولأبي داود الطيالسي عن بن أبي ذئب وذلك القدح يومئذ يدعن الفرق قال بن التين الفرق بتسكين الراء ورويناه بفتحها وجوز بعضهم الامرين وقال القتيبي وغيره هو بالفتح وقال النووي الفتح أفصح وأشهر وزعم أبو الوليد الباجي أنه الصواب قال وليس كما قال بل هما لغتان قلت لعل مستند الباجي ما حكاه الأزهري عن ثعلب وغيره الفرق بالفتح والمحدثون يسكنونه وكلام العرب بالفتح انتهى وقد حكى الاسكان أبو زيد وابن دريد وغيرهما من أهل اللغة والذي في روايتنا هو الفتح والله أعلم وحكى بن الأثير أن الفرق بالفتح ستة عشر رطلا وبالاسكان مائة وعشرون رطلا وهو غريب واما مقداره فعند مسلم في آخر رواية بن عيينة عن الزهري في هذا الحديث قال سفيان يعني بن عيينة الفرق ثلاث آصع قال النووي وكذا قال الجماهير وقيل الفرق صاعان لكن نقل أبو عبيد الاتفاق على أن الفرق ثلاثة آصع وعلى أن الفرق ستة عشر رطلا ولعله يريد اتفاق أهل اللغة وإلا فقد قال بعض الفقهاء من الحنفية وغيرهم أن الصاع ثمانية أرطال وتمسكوا بما روى عن مجاهد في الحديث الاتي عن عائشة أنه حزر الإناء ثمانية أرطال والصحيح الأول فإن الحزر لا يعارض به التحديد وأيضا فلم يصرح مجاهد بأن الإناء المذكور صاع فيحمل على اختلاف الأوانى مع تقاربها ويؤيد كون الفرق ثلاثة آصع ما رواه بن حبان من طريق عطاء عن عائشة بلفظ قدر ستة اقساط والقسط بكسر القاف وهو باتفاق أهل اللغة نصف صاع والاختلاف بينهم أن الفرق ستة عشر رطلا فصح أن الصاع خمسة أرطال وثلث وتوسط بعض الشافعية فقال الصاع الذي لماء الغسل ثمانية أرطال والذي لزكاة الفطر وغيرها خمسة أرطال وثلث وهو ضعيف ومباحث المتن تقدمت في باب وضوء الرجل مع امرأته واستدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه ويؤيده ما رواه بن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته فقال سألت عطاء فقال سألت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه وهو نص في المسألة والله أعلم

قوله باب الغسل بالصاع أي بملء الصاع ونحوه أي ما يقاربه والصاع تقدم أنه خمسة أرطال وثلث برطل بغداد وهو على ما قال الرافعي وغيره مائة وثلاثون درهما ورجع ورجح النووي أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة اسباع درهم وقد بين الشيخ الموفق سبب الخلاف في ذلك فقال أنه في الأصل مائة وثمانية وعشرين وأربعة اسباع ثم زادوا فيه مثقال لإرادة جبر الكسر فصار مائة وثلاثين قال والعمل على الأول لأنه هو الذي كان موجودا وقت تقدير العلماء به

[ 248 ] قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وأبو بكر بن حفص أي بن عمر بن سعد بن أبي وقاص شارك شيخه أبا سلمة وهو بن عبد الرحمن بن عوف في كونه زهريا مدنيا مشهورا بالكنية وقد قيل إن اسم كل مهما عبد الله قوله وأخو عائشة زعم الداودي أنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وقال غيره هو أخوها لأمها وهو الطفيل بن عبد الله ولا يصح واحد منهما لما روى مسلم من طريق معاذ والنسائي من طريق خالد بن الحارث وأبو عوانة من طريق يزيد بن هارون كلهم عن شعبة في هذا الحديث أنه أخوها من الرضاعة وقال النووي وجماعة إنه عبد الله بن يزيد معتمدين على ما وقع في صحيح مسلم في الجنائز عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة عنها فذكر حديثا غير هذا ولم يتعين عندي أنه المراد هنا لأن لها أخا آخر من الرضاعة وهو كثير بن عبيد رضيع عائشة روى عنها أيضا وحديثه في الأدب المفرد للبخاري وسنن أبي داود من طريق ابنه سعيد بن كثير عنه وعبد الله بن يزيد بصري وكثير بن عبيد كوفي فيحتمل أن يكون المبهم هنا أحدهما ويحتمل أن يكون غيرهما والله أعلم قوله فدعت بإناء نحو بالجر والتنوين صفة لإناء وفي رواية كريمة نحوا بالنصب على أنه نعت للمجرور باعتبار المحل أو بإضمار أعني قوله وبيننا وبينها حجاب قال القاضي عياض ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل نظره للمحرم لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع أرضعته أختها أم كلثوم وإنما سترت اسافل بدنها مما لا يحل للمحرم النظر إليه قال وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنى وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل لأنه أوقع في النفس ولما كان السؤال محتملا للكيفية والكمية ثبت لهما ما يدل على الامرين معا أما الكيفية فبالاقتصار على إفاضة الماء وأما الكمية فبالاكتفاء بالصاع قوله قال أبو عبد الله أي البخاري المصنف قال يزيد بن هارون هذا التعليق وصله أبو عوانة وأبو نعيم في مستخرجيهما قوله وبهز بالزاى المعجمة هو بن أسد وحديثه موصول عند الإسماعيلي وزاد في روايتهما من الجنابة وعندهما أيضا على رأسها ثلاثا وكذا عند مسلم والنسائي قوله والجدى بضم الجيم وتشديد الدال نسبة إلى جدة ساحل مكة وكان أصله منها لكنه سكن البصرة قوله قدر صاع بالكسر على الحكاية ويجوز النصب كما تقدم والمراد من الروايتين أن الاغتسال وقع بملء الصاع من الماء تقريبا لا تحديدا

[ 249 ] قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي قوله حدثنا يحيى بن ادم قال أبو علي الحياني ثبت لجميع الرواة الا لأبي ذر عن الحموي فسقط من روايته يحيى بن آدم وهو وهم فلا يتصل السند الا به قوله زهير هو بن معاوية وأبو إسحاق هو السبيعي وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب المعروف بالباقر قوله هو وأبوه أي علي بن الحسين وعنده أي عند جابر قوله قوم كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري ووقع في العمدة وعنده قومه بزيادة الهاء وجعلها شراحها ضميرا يعود على جابر وفيه ما فيه وليست هذه الرواية في مسلم أصلا وذلك وارد أيضا على قوله أنه يخرج المتفق عليه قوله فسألوه عن الغسل أفاد إسحاق بن راهويه في مسنده أن متولى السؤال هو أبو جعفر الراوي فأخرج من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال سألت جابرا عن غسل الجنابة وبين النسائي في روايته سبب السؤال فأخرج من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي جعفر قال تمارينا في الغسل عند جابر فكان أبو جعفر تولى السؤال ونسب السؤال في هذه الراوية إلى الجميع مجازا لقصدهم ذلك ولهذا أفرد جابر الجواب فقال يكفيك وهو بفتح أوله وسيأتي مزيد لهذا الموضع في الباب الذي يليه قوله فقال رجل زاد الإسماعيلي منهم أي من القوم وهذا يؤيد ما ثبت في روايتنا لأن هذا القائل هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الذي يعرف أبوه بابن الحنفية كما جزم به صاحب العمدة وليس هو من قوم جابر لأنه هاشمي وجابر انصارى قوله أوفى يحتمل الصفة والمقدار أي أطول وأكثر قوله وخير منك بالرفع عطفا على أوفى الخبر به عن هو وفي رواية الأصيلي أو خيرا بالنصب عطفا على الموصول قوله ثم أمنا فاعل امنا هو جابر كما سيأتي ذلك واضحا من فعله في كتاب الصلاة ولا التفات إلى من جعله من مقوله والفاعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه السلف من الاحتجاج بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد إلى ذلك وفيه جواز الرد بعنف على من يمارى بغير علم إذا قصد الراد إيضاح الحق وتحذير السامعين من مثل ذلك وفيه كراهية التنطع والاسراف في الماء

[ 250 ] قوله عن عمرو هو بن دينار وفي مسند الحميدي حدثنا سفيان أخبرنا عمرو أخبرنا أبو الشعثاء وهو جابر بن زيد المذكور قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله كان بن عيينة كذا رواه عنه أكثر الرواة وإنما رواه عنه كما قال أبو نعيم من سمع منه قديما وإنما رجح البخاري رواية أبي نعيم جريا على قاعدة المحدثين لأن من جملة المرجحات عندهم قدم السماع لأنه مظنة قوة حفظ الشيخ ولرواية الآخرين جهة أخرى من وجوه الترجيح وهي كونهم أكثر عددا وملازمة لسفيان ورجحها الإسماعيلي من جهة أخرى من حيث المعنى وهو كون بن عباس لا يطلع على النبي صلى الله عليه وسلم في حالة اغتساله مع ميمونة فيدل على أنه أخذه عنها وقد أخرج الرواية المذكورة الشافعي والحميدي وابن أبي عمرو وابن أبي شيبة وغيرهم في مسانيدهم عن سفيان ومسلم والنسائي وغيرهما من طريقه ويستفاد من هذا البحث أن البخاري لا يرى التسوية بين عن فلان وبين أن فلانا وفي ذلك بحث يطول ذكره وقد حققته فيما كتبته على كتاب بن الصلاح وادعى بعض الشارحين أن حديث ميمونة هذا لا مناسبة له بالترجمة لأنه لم يذكر فيه قدر الإناء والجواب أن ذلك يستفاد من مقدمة أخرى وهي أن اوانيهم كانت صغارا كما صرح به الشافعي في عدة مواضع فيدخل هذا الحديث تحت قوله ونحوه أي نحو الصاع أو يحمل المطلق فيه على المقيد في حديث عائشة وهو الفرق لكون كل منهما زوجة له واغتسلت معه فتكون حصة كل منهما ازيد من صاع فيدخل تحت الترجمة بالتقريب والله أعلم

قوله باب من أفاض على رأسه ثلاثا تقدم حديث ميمونة وعائشة في ذلك

[ 251 ] قوله حدثنا زهير هو بن معاوية الجعفي وقد علا عنه في هذا الإسناد ونزل في الباب الذي قبله وأبو إسحاق هو السبيعي أيضا وسليمان بن صرد خزاعي وهو من أفاضل الصحابة وأبوه بضم المهملة وفتح الراء وشيخه من مشاهير الصحابة ففيه رواية الأقران قوله أما أنا فأفيض بضم الهمزة وقسيم أما محذوف وقد ذكر أبو نعيم في المستخرج سببه من هذا الوجه وأوله عنده ذكروا عند النبي صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة فذكره ولمسلم من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق تماروا في الغسل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم أما أنا فأغسل رأسي بكذا وكذا فذكر الحديث وهذا هو القسيم المحذوف ودل قوله ثلاثا على أن المراد بكذا وكذا أكثر من ذلك ولمسلم من وجه آخر أن الذين سألوا عن ذلك هم وفد ثقيف والسياق مشعرا بأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يفيض الا ثلاثا وهي محتملة لأن تكون للتكرار ومحتملة لأن تكون للتوزيع على جميع البدن لكن حديث جابر في آخر الباب يقوي الاحتمال الأول وسنذكر ما فيه قوله كلتيهما كذا للأكثر وللكشميهني كلاهما وحكى بن التين أن في بعض الروايات كلتاهما وهي مخرجة على من يراها تثنية ويرى أن التثنية لا تتغير كقوله قد بلغا في المجد غايتاها وهكذا القول في رواية الكشميهني وهو مذهب الفراء في كلا خلافا للبصريين ويمكن أن يخرج الرفع فيهما على القطع

[ 252 ] قوله حدثني وللأصيلي حدثنا محمد بن بشار هو بندار كما صرح به الإسماعيلي في روايته حيث أخرجه عن الحسن بن سفيان وغيره عنه وأبوه بالموحدة وتثقيل المعجمة بلا خلاف وليس في الصحيحين بهذه الصورة غيره قاله أبو علي الجياني وجماعة بعده وغفل بعض المتأخرين فضبطه بمثناة وسين مهملة وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به فإنه لا يخفى على من له أدنى ممارسة في هذا الشأن قوله مخول بكسر أوله وإسكان المعجمة وبوزن محمد أيضا وهذا الوجهان في رواية أبي ذر والأول للأكثر والثاني لابن عساكر وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ومحمد بن علي شيخه هو أبو جعفر المعروف بالباقر قوله يفرغ بضم أوله قوله ثلاثا أي غرفات زاد الإسماعيلي قال شعبة أظنه من غسل الجنابة وفيه وقال رجل من بني هاشم إن شعري كثير فقال جابر شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر من شعرك وأطيب

[ 253 ] قوله حدثنا معمر بإسكان العين في أكثر الروايات وبه جزم المزي وفي رواية القابسي بوزن محمد وبه جزم الحاكم وليس له أيضا في البخاري غير هذا الحديث وقد ينسب إلى جده سام فيقال معمر بن سام وهو بالمهملة وتخفيف الميم قوله بن عمك فيه تجوز فإنه بن عم والده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والحنفية كانت زوج علي بن أبي طالب تزوجها بعد فاطمة رضي الله عنها فولدت له محمد فاشتهر بالنسبة إليها وقول جابر أتاني يشعر بأن سؤال الحسن بن محمد كان في غيبة أبي جعفر فهو غير سؤال أبي جعفر الذي تقدم في الباب قبله لأن ذلك كان عن الكمية كما أشعر بذلك قوله في الجواب يكفيك صاع وهذا عن الكيفية وهو ظاهر من قوله كيف الغسل ولكن الحسن بن محمد في المسألتين جميعا هو المنازع لجابر في ذلك فقال في جواب الكمية ما يكفينى أي الصاع ولم يعلل وقال في جواب الكيفية إني كثير الشعر أي فأحتاج الى أكثر من ثلاث غرفات فقال له جابر في جواب الكيفية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شعرا منك وأطيب أي واكتفى بالثلاث فاقتضى أن الإنقاء يحصل بها وقال في جواب الكمية ما تقدم وناسب ذكر الخيرية لأن طلب الازدياد من الماء يلحظ فيه التحري في إيصال الماء إلى جميع الجسد وكان صلى الله عليه وسلم سيد الورعين وأتقى الناس لله وأعلمهم به وقد اكتفى بالصاع فأشار جابر إلى أن الزيادة على ما اكتفى به تنطع قد يكون مثاره الوسوسة فلا يلتفت إليه قوله ثلاث اكف وفي رواية كريمة ثلاثة أكف وهي جمع كف والكف تذكر وتؤنث والمراد أنه يأخذ في كل مرة كفين ويدل على ذلك رواية إسحاق بن راهويه من طريق الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد عن أبيه قال في آخر الحديث وبسط يديه ويؤيده حديث جبير بن مطعم الذي في أول الباب والكف اسم جنس فيحمل على الإثنين ويحتمل أن تكون هذه الغرفات الثلاث للتكرار ويحتمل أن يكون لكل جهة من الرأس غرفة كما سيأتي في حديث القاسم بن محمد عن عائشة قريبا

قوله باب الغسل مرة واحدة قال بن بطال يستفاد ذلك من

[ 254 ] قوله ثم أفاض على جسده لأنه لم يقيد بعدد فيحمل على أقل ما يسمى وهو المرة الواحدة لأن الأصل عدم الزيادة عليها قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد وباقي الإسناد والمتن تقدم في باب الوضوء قبل الغسل قوله في هذه الرواية فغسل يده وللكشميهني يديه مرتين أو ثلاثا الشك من الأعمش كما سيأتي من رواية أبي عوانة عنه وغفل الكرماني فقال الشك من ميمونة قوله مذاكيره هو جمع ذكر على غير قياس وقيل واحدة مذكار وكأنهم فرقوا بين العضو وبين خلاف الأنثى قال الأخفش هو من الجمع الذي لا واحد له وقيل واحدة مذكار وقال بن خروف إنما جمعه مع أنه ليس في الجسد الا واحد بالنظر إلى ما يتصل به وأطلق على الكل اسمه فكأنه جعل لك جزء من المجموع كالذكر في حكم الغسل

قوله باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل مطابقة هذه الترجمة لحديث الباب أشكل أمرها قديما وحديثا على جماعة من الأئمة فمنهم من نسب البخاري فيها الى الوهم ومنهم من ضبط لفظ الحلاب على غير المعروف في الرواية لتتجه المطابقة ومنهم من تكلف لها توجيها من غير تغيير فأما الطائفة الأولى فأولهم الإسماعيلي فإنه قال في مستخرجه رحم الله أبا عبد الله يعني البخاري من ذا الذي يسلم من الغلط سبق إلى قلبه أن الحلاب طيب وأي معنى للطيب عند الاغتسال قبل الغسل وانما الحلاب إناء وهو ما يحلب فيه يسمى حلابا ومحلبا قال وفي تأمل طرق هذا الحديث بيان ذلك حيث جاء فيه كان يغتسل من حلاب انتهى وهي رواية بن خزيمة وابن حبان أيضا وقال الخطابي في شرح أبي داود الحلاب إناء يسع قدر حلب ناقة قال وقد ذكره البخاري وتأوله على استعمال الطيب في الطهور وأحسبه توهم أنه أريد به المحلب الذي يستعمل في غسل الأيدي وليس الحلاب من الطيب في شيء وإنما هو ما فسرت لك قال وقال الشاعر صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الضرع ما فرى في الحلاب وتبع الخطابي بن قرقول في المطالع وابن الجوزي وجماعة وأما الطائفة الثانية فأولهم الأزهري قال في التهذيب الحلاب في هذا الحديث ضبطه جماعة بالمهملة واللام الخفيفة أي ما يحلب فيه كالمحلب فصحفوه وإنما هو الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام وهو ماء الورد فارس معرب وقد أنكر جماعة على الأزهري هذا من جهة أن المعروف في الرواية بالمهملة والتخفيف ومن جهة المعنى أيضا قال بن الأثير لأن الطيب يستعمل بعد الغسل أليق منه قبله وأولى لأنه إذا بدأ به ثم اغتسل أذهبه الماء وقال الحميدي في الكلام على غريب الصحيحين ضم مسلم هذا الحديث مع حديث الفرق وحديث قدر الصاع في موضع واحد فكأنه تأولها على الإناء وأما البخاري فربما ظن ظان أنه تأوله على أنه نوع من الطيب يكون قبل الغسل لأنه لم يذكر في الترجمة غير هذا الحديث انتهى فجعل الحميدي كون البخاري أراد ذلك احتمالا أي ويحتمل أنه أراد غير ذلك لكن لم يفصح به وقال القاضي عياض الحلاب والمحلب بكسر الميم إناء يملؤه قدر حلب الناقة وقيل المراد أي في هذا الحديث محلب الطيب وهو بفتح الميم قال وترجمة البخاري تدل على أنه ألتفت إلى التأويلين قال وقد رواه بعضهم في غير الصحيحين الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام يشير إلى ما قاله الأزهري وقال النووي قد أنكر أبو عبيد الهروي على الأزهري ما قاله وقال القرطبي الحلاب بكسر المهملة لا يصح غيرها وقد وهم من ظنه من الطيب وكذا من قاله بضم الجيم انتهى وأما الطائفة الثالثة فقال المحب الطبري لم يرد البخاري بقوله الطيب ماله عرف طيب وإنما أراد تطيب البدن بإزالة ما فيه من وسخ ودرن ونجاسة إن كانت وإنما أراد بالحلاب الإناء الذي يغتسل منه يبدأ به فيوضع فيه ماء الغسل قال و أو في قوله أو الطيب بمعنى الواو وكذا ثبت في بعض الروايات كما ذكره الحميدي ومحصل ما ذكره أنه يحمله على اعداد ماء الغسل ثم الشروع في التنظيف قبل الشروع في الغسل وفي الحديث البداءة بشق الرأس لكونه أكثر شعثا من بقية البدن من أجل الشعر وقيل يحتمل أن يكون البخاري أراد الإشارة إلى ما روى عن بن مسعود أنه كان يغسل رأسه بخطمي ويكتفى بذلك في غسل الجنابة كما أخرجه بن أبي شيبة وغيره عنه ورواه أبو داود مرفوعا عن عائشة بإسناد ضعيف فكأنه يقول دل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الماء في غسل الجنابة ولم يثبت أنه كان يقدم على ذلك شيئا مما ينقى البدن كالسدر وغيره ويقوى ذلك ما في معظم الروايات بالحلاب أو الطيب فقوله أو يدل على أن الطيب قسيم الحلاب فيحمل على أنه من غير جنسه وجميع من اعترض عليه حمله على أنه من جنسه فلذلك أشكل عليهم والمراد بالحلاب على هذا الماء الذي في الحلاب فأطلق على الحال اسم المحل مجازا وقال الكرماني يحتمل أن يكون أراد بالحلاب الإناء الذي فيه الطيب فالمعنى بدأ تارة بطلب ظرف الطيب وتارة بطلب نفس الطيب فدل حديث الباب على الأول دون الثاني انتهى وهو مستمد من كلام بن بطال فإنه قال بعد حكايته لكلام الخطابي وأظن البخارى جعل الحلاب في هذه الترجمة ضربا من الطيب قال فإن كان ظن ذلك فقد وهم وإنما الحلاب الإناء الذي كان فيه طيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يستعمله عند الغسل قال وفي الحديث الحض على استعمال الطيب عند الغسل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه فكأنه جعل

[ 255 ] قوله في الحديث فأخذ بكفه أي من الطيب الذي في الإناء فبدأ يشق رأسه الأيمن أي قطيبه الخ ومحصله أن الصفة المذكورة في الحديث صفة التطيب لا الاغتسال وهو توجيه حسن بالنسبة لظاهر لفظ الرواية التي ساقها البخاري لكن من تأمل طرق الحديث كما قال الإسماعيلي عرف أن الصفة المذكورة للغسل لا للتطيب فروى الإسماعيلي من طريق مكي بن إبراهيم عن حنظلة في هذا الحديث كان يغتسل بقدح يدل قوله بحلاب وزاد فيه كان يغسل يديه ثم يغسل وجهه ثم يقول بيده ثلاث غرف الحديث وللجوزقى من طريق حمدان السلمي عن أبي عاصم اغتسل فأتى بحلاب فغسل شق رأسه الأمين الحديث فقوله اغتسل ويغسل يدل على أنه الماء لا إناء الطيب وأما رواية الإسماعيلي من طريق بندار عن أبي عاصم بلفظ كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة دعا بشيء دون الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه ماء فافرغ ماء فافرغ على رأسه فلولا قوله ماء لامكن حمله على التطيب قبل الغسل لكن رواه أبو عوانة في صحيحه عن يزيد بن سنان عن أبي عاصم بلفظ كان يغتسل من حلاب فيأخذ غرفة بكفيه فيجعلها على شقه الأيمن ثم الأيسر كذلك فقوله يغتسل وقوله غرفة أيضا مما يدل على أنه إناء الماء وفي رواية لابن حبان والبيهقي ثم يصب على شق رأسه الأيمن والتطيب لا يعبر عنه بالصب فهذا كله يبعد تأويل من حملة على التطيب ورأيت عن بعضهم ولا أحفظه الآن أن المراد بالطيب في الترجمة الإشارة إلى حديث عائشة أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند الإحرام قال والغسل من سنن الإحرام وكأن الطيب حصل عند الغسل فأشار البخاري هنا إلى أن ذلك لم يكن مستمرا من عادته انتهى ويقويه تبويب البخاري بعد ذلك بسبعة أبواب باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب ثم ساق حديث عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما وفي رواية بعدها كأني انظر الى وبيص الطيب أي لمعانه في مفرقه صلى الله عليه وسلم وهو محرم وفي رواية أخرى عنده قبيل هذا الباب ثم يصبح محرما ينضخ طيبا فاستنبط الاغتسال بعد التطيب من قولها ثم طاف على نسائه لأنه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال فعرف أنه اغتسل بعد أن تطيب وبقي أثر الطيب بعد الغسل لكثرته لأنه كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر منه فعلى هذا فقوله هنا من بدأ بالحلاب أي بإناء الماء الذي للغسل فاستدعى به لأجل الغسل أو من بدأ بالطيب عند إرادة الغسل فالترجمة مترددة بين الامرين فدل حديث الباب على مداومته على البداءة بالغسل وأما التطيب بعده فمعروف من شأنه وأما البداءة بالطيب قبل الغسل في الإشارة إلى الحديث الذي ذكرناه وهذا أحسن الأجوبة عندي وألقيها بتصرفات البخاري والله اعلم وعرف من هذا أن قول الإسماعيلي وأن معنى للطيب عند الغسل معترض وكذا قول بن الأثير الذي تقدم وفي كلام غيرهما مما تقدم مؤاخذات لم تتعرض لها لظهورها والله الهادي للصواب تكميل أبو عاصم المذكور في الإسناد هو النبيل وهو من كبار شيوخ البخاري وقد أكثر عنه في هذا الكتاب لكنه نزل في هذا الإسناد فأدخل بينه وبينه واسطة وحنظلة هو بن أبي سفيان الجمحي والقاسم هو بن محمد بن أبي بكر وقوله كان إذا اغتسل أي إذا أراد أن يغتسل كما تبين من رواية الإسماعيلي وقوله دعا أي طلب وقوله نحو الحلاب أي إناء قريب من الإناء الذي يسمى الحلاب وقد وصفه أبو عاصم بأنه أقل من شبر في شبر أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وفي رواية لابن حبان وأشار أبو عاصم بكفيه فكأنه حلق بشبريه يصف به دوره الأعلى وفي رواية للبيهقى كقدر كوز يسع ثمانية أرطال وزاد مسلم في روايته لهذا الحديث عن محمد بن المثنى أيضا بهذا الإسناد بعد قوله الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه فأشار بقوله أخذ بكفيه إلى الغرف الثالثة كما صرحت به رواية أبي عوانة وقوله بكفه وقع في رواية الكشميهني بكفيه بالتثنية وقوله على وسط رأسه هو بفتح السين قال الجوهري كل موضع صلح فيه بين فهو وسط بالسكون وأن لم يصلح فهو بالتحريك وفي الحديث استحباب البداءة بالميامن في التطهر وبذلك ترجم عليه بن خزيمة والبيهقي وفيه الاجتزاء بالغسل بثلاث غرفات وترجم عل ذلك بن حبان وسنذكر الكلام على قوله فقال بهما في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى

قوله باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة أي في غسل الجنابة والمراد هل هما واجبان فيه أم لا وأشار بن بطال وغيره إلى أن البخاري استنبط عدم وجوبهما من هذا الحديث لأن في رواية الباب الذي بعده في هذا الحديث ثم توضأ وضوئه للصلاة فدل على إنهما للوضوء وقام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب والمضمضة والاستنشاق من توابع الوضوء فإذا سقط الوضوء سقطت توابعه ويحمل ما روى من صفة غسله صلى الله عليه وسلم على الكمال والفضل

[ 256 ] قوله حدثنا عمر بن حفص أي بن غياث كما ثبت في رواية الأصيلي قوله غسلا بضم أوله أي ماء الاغتسال كما سبق في باب الغسل مرة قوله ثم قال بيده الأرض كذا في روايتنا وللاكثر بيده على الأرض وهو من إطلاق القول على الفعل وقد وقع إطلاق الفعل على القول في حديث لا حسد الا في اثنتين قال فيه في الذي يتلو القرآن لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت مثل ما يفعل وسيأتي في باب نفض اليدين قريبا من رواية أبي حمزة عن الأعمش ف يهذا الموضع فضرب بيده الأرض فيفسر قال هنا بضرب قوله ثم تنحى أي تحول إلى ناحية قوله فلم ينفض بها زاد في رواية كريمة قال أبو عبد الله يعني لم يتمسح وأنث الضمير على إرادة الخرقة لأن المنديل خرقة مخصوصة وسيأتي في باب من أفرغ عل يمينه قالت ميمونة فناولته خرقة وبقية مباحث الحديث تقدمت في باب الوضوء قبل الغسل

قوله باب مسح اليد بالتراب لتكون انقى أي لتصير اليد أنقى منها قبل المسح

[ 257 ] قوله حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي كذا في روايتنا واقتصر الأكثر على حدثنا الحميدي وسفيان هو بن عيينة قوله فغسل فرجه هذه الفاء تفسيرية وليست تعقيبية لأن غسل الفرج لم يكن بعد الفراغ من الاغتسال وقد تقدمت مباحث هذا الحديث أيضا ومن فوائد هذا السياق الإتيان فيه بثم الدالة على ترتيب ما ذكر فيه من صفة الغسل

قوله باب هل يدخل الجنب يده في الإناء أي الذي فيه ماء الغسل قبل أن يغسلها أي خارج الإناء إذا لم يكن على يده قذر أي من نجاسة وغيرها غير الجنابة أي حكمها لأن أثرها مختلف فيه فدخل في قوله قذر وأما حكمها فقال المهلب أشار البخاري إلى أن يد الجنب إذا كانت نظيفة جاز له ادخالها الإناء قبل أن يغسلها لأنه ليس شيء من أعضائه نجسا بسبب كونه جنبا قوله وأدخل بن عمر والبراء بن عازب يده أي ادخل كل واحد منهما يده وفي رواية لأبي الوقت يديهما بالتثنية قوله في الطهور بفتح أوله أي الماء المعد للاغتسال وأثر بن عمر وصله سعيد بن منصور بمعناه وروى عبد الرزاق عنه أنه كان يغسل يده قبل التطهر ويجمع بينهما بأن ينزلا على حالين فحيث لم يغسل كان متيقنا أن لا قذر في يده وحيث غسل كان ظانا او متيقنا أن فيها شيئا أو غسل للندب وترك للجواز وأثر البراء وصله بن أبي شيبة بلفظ أنه ادخل يده في المطهرة قبل أن يغسلها وأخرج أيضا عن الشعبي قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون أيديهم الماء قبل أن يغسلوها وهم جنب قوله ولم ير بن عمر وابن عباس أما أثر بن عمر فوصله عبد الرزاق بمعناه وأما أثر بن عباس فوصله بن أبي شيبة عنه وعبد الرزاق من وجه آخر أيضا عنه وتوجيه الاستدلال به للترجمة أن الجنابة الحكمية لو كانت تؤثر في الماء لامتنع الاغتسال من الإناء الذي تقاطر فيه ما لاقى بدن الجنب من ماء اغتساله ويمكن أن يقال إنما لم ير الصحابي بذلك بأسا لأنه مما يشق الاحتراز منه فكان في مقام العفو كما روى بن أبي شيبة عن الحسن البصري قال ومن يملك انتشار الماء إنا لنرجو من رحمة الله ما هو أوسع من هذا

[ 258 ] قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة زاد مسلم بن قعنب قوله حدثنا ولكريمة أخبرنا أفلح وهو بن حميد كما رواه مسلم ولم يخرج البخاري عن أفلح بن سعيد شيئا والقاسم هو بن محمد وقد تقدم هذا المتن في باب غسل الرجل مع امرأته من طريق أخرى مع مغايرة في آخره وزاد مسلم في آخره من الجنابة أي لأجل الجنابة ولأبي عوانة وابن حبان من طريق بن وهب عن أفلح أنه سمع القاسم يقول سمعت عائشة فذكره وزاد فيه وتلتقى بعد قوله تختلف أيدينا فيه وللإسماعيلي من طريق إسحاق بن سليمان عن أفلح تختلف فيه أيدينا يعني حتى تلتقى وللبيهقى من طريقه تختلف أيدينا فيه يعني وتلتقى وهذا يشعر بأن قوله وتلتقى مدرج وسيأتي في باب تخليل الشعر من وجه آخر عنها كنا نغتسل من إناء واحد نغترف منه جميعا فلعل الراوي قال وتلتقى بالمعنى ومعنى تختلف أنه كان يغترف تارة قبلها وتغترف هي تارة قبله ولمسلم من طريق معاذة عن عائشة فيبادرني حتى أقول دع لي زاد النسائي وأبادره حتى يقول دعي لي وفي هذا الحديث جواز اغتراف الجنب من الماء القليل وأن ذلك لا يمنع من التطهر بذلك الماء ولا بما يفضل منه ويدل على أن النهي عن انغماس الجنب في الماء الدائم هو للتنزيه كراهية أن يستقذر لا لكونه يصير نجسا بانغماس الجنب فيه لأنه لافرق بين جميع بدن الجنب وبين عضو من أعضائه وأما توجيه الاستدلال به للترجمة فلأن الجنب لما جاز له أن يدخل يده في الإناء ليغترف بها قبل ارتفاع حدثه لتمام الغسل كما في حديث الباب دل على أن الأمر بغسل يده قبل ادخالها ليس لأمر يرجع إلى الجنابة بل إلى ما لعله يكون بيده من نجاسة متيقنة أو مظنونة

[ 259 ] قوله حدثنا مسدد قال حدثنا حماد هو بن زيد ولم يسمع من حماد بن سلمة وهشام هو بن عروة قوله غسل يده هكذا أورده مختصرا وقد أخرجه أبو داود تاما عن مسدد بهذا السند لكن قال يديه بالتثنية وزاد يصب على يده اليمني أي من الإناء فيغسل فرجه يفرغ على شماله ثم يتوضأ وضوءه للصلاة الحديث وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن حماد بن زيد وسيأتي نحوه من وجوه أخر عن هشام في باب تخليل الشعر قال المهلب حمل البخاري أحاديث الباب التي لم يذكر فيها غسل اليدين قبل ادخالهما على حال تيقن نظافة اليد وحديث هشام يعني هذا على ما إذا خشي أن يكون علق بها شيء فاستعمل من اختلاف الحديثين ما جمع بينهما ونفى التعارض عنهما انتهى ويمكن أن يحمل الفعل على الندب والترك على الجواز أو يقال حديث الترك مطلق وحديث الفعل مقيد فيحمل المطلق على المقيد لأن في رواية الفعل زيادة لم تذكر في الأخرى

[ 260 ] قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله من جنابة وللكشميهني من الجنابة أي لأجل الجنابة قوله وعن عبد الرحمن بن القاسم هو معطوف على قوله شعبة عن أبي بكر بن حفص فلشعبة فيه اسنادان إلى عائشة حدثه أحد شيخيه به عن عروة والآخر عن القاسم وقد وهم من زعم أن رواية عبد الرحمن معلقة وقد أخرجها أبو نعيم والبيهقي من طريق أبي الوليد بالإسنادين وقالا أخرجه البخاري عن أبي الوليد بالإسنادين جميعا وكذا قال أبو مسعود وغيره في الأطراف قوله مثله أي مثل المتن المذكور وللأصيلي بمثله بزايدة موحدة في أوله

[ 261 ] قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي أيضا وهذا إسناد ثالث له عن شعبة أيضا في هذا المتن لكن من طريق صحابي آخر وهذا الإسناد بعينه تقدم لمتن آخر في باب علامة الإيمان قوله والمرأة يجوز فيه الرفع علىالعطف والنصب على المعية واللام فيها للجنس قول زاد مسلم هو بن إبراهيم وهو من شيوخ البخاري قوله ووهب زاد الأصيلي وأبو الوقت بن جرير أي بن حازم وبذلك جزم أبو نعيم وغيره ووقع في رواية أبي ذر ووهيب بالتصغير وأظنه وهما فإن الحديث وجد بعد تتبع كثير من رواية وهب بن جرير ولم تجده من رواية وهيب بن خالد ووهب بن جرير من الرواة عن شعبة واما وهيب فهو من أقرانه ومراد البخاري أن مسلم بن إبراهيم ووهب بن جرير رويا هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد الذي رواه عنه أبو الوليد فزادا في آخره من الجنابة وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية وهب بن جرير بدون هذه الزيادة والله أعلم

قوله باب تفريق الغسل والوضوء أي جوازه وهو قول الشافعي في الجديد واحتج له بأن الله تعالى أوجب غسل أعضائه فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرقها أو نسقها ثم أيد ذلك بفعل بن عمر وبذلك قال بن المسيب وعطاء وجماعة وقال ربيعة ومالك من تعمد ذلك فعليه الإعادة ومن نسي فلا وعن مالك إن قرب التفريق بني وإن طال أعاد وقال قتادة والأوزاعي لا يعيد الا إن جف وأجازه النخعي مطلقا في الغسل دون الوضوء ذكر جميع ذلك بن المنذر وقال ليس مع من جعل الجفاف حدا لذلك حجة وقال الطحاوي الجفاف ليس بحدث فينقض كما لو جف جميع أعضاء الوضوء لم تبطل الطهارة قوله ويذكر عن بن عمر هذا الأثر رويناه في الأم عن مالك عن نافع عنه لكن فيه أنه توضأ في السوق دون رجليه ثم رجع إلى المسجد فمسح على خفيه ثم صلى والإسناد صحيح فيحتمل أنه إنما لم يجزم به لكونه ذكره بالمعنى قال الشافعي لعله قد جف وضوؤه لأن الجفاف قد يحصل بأقل مما بين السوق والمسجد

[ 262 ] قوله حدثنا محمد بن محبوب هو البصري وعبد الواحد هو بن زياد البصري وقد تقدم هذا المتن من رواية موسى بن إسماعيل عنه في باب الغسل مرة وسياقهما واحد غالبا الا أن في ذلك ثم تحول من مكانه وفي هذا تنحى من مقامه وهما بمعنى وأبدى الكرماني من هذا احتمال أن يكون اغتسل قائما

قوله باب من افرغ هذا الباب مقدم عند الأصيلي وابن عساكر على الذي قبله واعترض على المصنف بأن الدعوى أعم من الدليل والجواب أن ذلك في غسل الفرج بالنص وفي غيره بما عرف من شأنه أنه كان يحب التيامن كما تقدم ومحله هنا فيما إذا كان يغترف من الإناء قاله الخطابي قال فأما إذا كان ضيقا كالقمقم فأنه يضعه عن يساره ويصب الماء منه على يمينه

[ 263 ] قوله حدثنا موسى بن إسماعيل تقدم هذا الحديث من روايته أيضا في باب الغسل مرة لكن شيخه هناك عبد الواحد وهنا أبو عوانة وهو الوضاح البصري قوله وسترته زاد بن فضيل عن الأعمش بثوب والواو فيه حالية قوله فصب قيل هو معطوف على محذوف أي فأراد الغسل فكشف رأسه فأخذ الماء فصب على يده قاله الكرماني ولا يتعين ما قاله بل يحتمل أن يكون الوضع معقبا بالصب على ظاهره والإرادة ولأكشف يمكن كونهما وقعا قبل الوضع والأخذ هو عين الصب هنا والمعنى وضعت له ماء فشرع في الغسل ثم شرحت الصفة قوله قال سليمان أي الأعمش وقائل ذلك أبو عوانة وفاعل أذكر سالم بن أبي الجعد وقد تقدم من رواية عبد الواحد وغيره عن الأعمش فغسل يديه مرتين أو ثلاثا ولابن فضيل عن الأعمش فصب على يديه ثلاثا ولم يشك أخرجه أبو عوانة في مستخرجه فكان الأعمش كان يشك فيه ثم تذكر فجزم لأن سماع بن فضيل منه متأخر قوله ثم تمضمض وللأصيلي مضمض بغير تاء قوله وغسل قدميه كذا لأبي ذر وللاكثر فغسل بالفاء قوله فقال بيده أي أشار وهو من إطلاق القول على الفعل كما تقدم مثله قوله ولم يردها بضم أوله واسكان الدال من الإرادة والأصل يريدها لكن جزم بلم ومن قالها بفتح أوله وتشديد الدال فقد صحف وأفسد المعنى وقد حكى في المطالع أنها رواية بن السكن قال وهي وهم وقد رواه الإمام أحمد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد وقال في آخره فقال هكذا وأشار بيده أن لا اريدها وسيأتي في رواية أبي حمزة عن الأعمش فناولته ثوبا فلم يأخذه والله أعلم

قوله باب إذا جامع ثم عاد أي ما حكمه وللكشميهني عاود أي الجماع وهو أعم من أن يكون لتلك المجامعة أو غيرها وقد اجمعوا على أن الغسل بينهما لا يجب ويدل على استحبابه حديث أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال فقلت يا رسول الله الا تجعله غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب واطهر واختلفوا في الوضوء بينهما فقال أبو يوسف لا يستحب وقال الجمهور يستحب وقال بن حبيب المالكي وأهل الظاهر يجب واحتجوا بحديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا أخرجه مسلم من طريق أبي حفص عن عاصم عن أبي المتوكل عنه وأشار بن خزيمة إلى أن بعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي فقال المراد به غسل الفرج ثم رده بن خزيمة بما رواه من طريق بن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال فليتوضأ وضوئه للصلاة وأظن المشار إليه هو إسحاق بن راهويه فقد نقل بن المنذر عنه أنه قال لا بد من غسل الفرج إذا أراد العود ثم استدل بن خزيمة على أن الأمر بالوضوء للندب لا للوجوب بما رواه من طريق شعبة عن عاصم في حديث أبي سعيد المذكور كرواية بن عيينة وزاد فأنه انشط للعود فدل على أن الأمر للارشاد أو للندب ويدل أيضا على أنه لغير الوجوب ما رواه الطحاوي من طريق موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ

[ 264 ] قوله ويحيى بن سعيد هو القطان وينبغى أن يثبت في القراءة قبل قوله عن شعبة لفظ كلاهما لأن كلا من بن عدي ويحيى رواه لمحمد بن بشار عن شعبة وحذف كلاهما من الخط اصطلاح قوله ذكرته أي قول بن عمر المذكور بعد باب وهو قوله ما أحب أن أصبح محرما انضخ طيبا وقد بينه مسلم في روايته عن محمد بن المنتشر قال سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرما فذكره وزاد قال بن عمر لأن اطلى بقطران أحب إلى من أن أفعل ذلك وكذا ساقه الإسماعيلي بتمامه عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار فكأن المصنف اختصره لكون المحذوف معلوما عند أهل الحديث في هذه القصة أو حدثه به محمد بن بشار مختصرا قوله أبا عبد الرحمن يعني بن عمر استرحمت له عائشة أشعارا بأنه قد سها فيما قاله إذ لو استحضر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك قوله فيطوف كناية عن الجماع وبذلك تظهر مناسبة الحديث للترجمة وقال الإسماعيلي يحتمل أن يراد به الجماع وأن يراد به تجديد العهد بهن قلت والاحتمال الأول يرجحه الحديث الثاني لقوله فيه أعطى قوة ثلاثين و يطوف في الأول مثل يدور في الثاني قوله ينضخ بفتح أوله وبفتح الضاد المعجمة وبالخاء المعجمة قال الأصمعي النضخ بالمعجمة أكثر من النضح بالمهملة وسوى بينهما أبو زيد وقال بن كيسان إنه بالمعجمة لما ثخن وبالمهملة لما رق وظاهره أن عين الطيب بقيت بعد الإحرام قال الإسماعيلي بحيث أنه صار كأنه يتساقط منه الشيء بعد الشيء وسنذكر حكم هذه المسألة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى

[ 265 ] قوله معاذ بن هشام هو الدستوائي والإسناد كله بصريون قوله في الساعة الواحدة المراد بها قدر من الزمان لا ما اصطلح عليه أصحاب الهيئة قوله من الليل والنهار الواو بمعنى أو جزم به الكرماني ويحتمل أن تكون على بابها بأن تكون تلك الساعة جزءا من آخر أحدهما وجزءا من أول الآخر قوله وهن إحدى عشرة قال بن خزيمة تفرد بذلك معاذ بن هشام عن أبيه ورواه سعيد بن أبي عروبة وغيره عن قتادة فقالوا تسع نسوة انتهى وقد أشار البخاري الىلا رواية سعيد بن أبي عروبة فعلقها هنا ووصلها بعد أثنى عشر بابا بلفظ كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة وقد جمع بن حبان في صحيحه بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين لكنه وهم في قوله أن الأولى كانت في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة والحالة الثانية في آخر الأمر حيث اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة وموضع الوهم منه أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة ثم دخل على عائشة بالمدينة ثم تزوج أم سلمة وحفصة وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة ثم جريرية في السادسة ثم صفية وأم حبيبة وميمونة في السابعة وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور واختلف في ريحانة وكانت من سبي بني قريظة فجزم بن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فاختارت البقاء في ملكه والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل قال بن عبد البر مكثت عنده شهرين أو ثلاثة فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة كما سيأتي في مكانه فرجحت رواية سعيد لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهن لفظ نسائه تغليبا وقد سرد الدمياطي في السيرة التي جمعها من اطلع عليه من أزواجه ممن دخل بها أو عقد عليها فقط أو طلقها قبل الدخول أو خطبها ولم يعقد عليها فبلغت ثلاثين وفي المختارة من وجه آخر عن أنس تزوج خمس عشرة دخل منهن بإحدى عشرة ومات عن تسع وسرد اسماءهن يضا أبو الفتح اليعمري ثم مغلطاي فزدن على العدد الذي ذكره الدمياطي وأنكر بن القيم ذلك والحق أن الكثرة المذكورة محمولة علىاختلاف في بعض الأسماء بمقتضى ذلك تنقص العدة والله أعلم قوله أو كان بفتح الواو هو مقول قتادة والهمزة للاستفهام ومميز ثلاثين محذوف أي ثلاثين رجلا ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي موسى عن معاذ بن هشام أربعين بدل ثلاثين وهي شاذة من هذا الوجه لكن في مراسيل طاوس مثل ذلك وزاد في الجماع وفي صفة الجنة لأبي نعيم من طريق مجاهد مثله وزاد من رجال أهل الجنة ومن حديث عبد الله بن عمر ورفعه أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع وعند أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة فعلى هذا يكون حساب قوة نبينا أربعة آلاف قوله وقال سعيد هو بن أبي عروبة كذا للجميع الا أن الأصيلي قال إنه وقع في نسخة شعبة بدل سعيد قال وفي عرضنا على أبي زيد بمكة سعيد قال أبو علي الجياني وهو الصواب قلت وقد ذكرنا قبل أن المصنف وصل رواية سعيد وأما رواية شعبة لهذا الحديث عن قتادة فقد وصلها الإمام أحمد قال بن المنير ليس في حديث دورانه على نسائه دليل على الترجمة فيحتمل أنه طاف عليهن واغتسل في خلال ذلك عن كل فعلة غسلا قال والاحتمال في رواية الليله أظهر منه في الساعة قلت التقييد بالليلة ليس صريحا في حديث عائشة وأما حديث أنس فحيث جاء فيه التصريح بالليلة قيد الاغتسال بالمرة الواحدة كذا وقع في روايات للنسائي وابن خزيمة وابن حبان ووقع التقييد بالغسل الواحد من غير ذكر الليلة في روايات أخرى لهم ولمسلم وحيث جاء في حديث أنس التقييد بالساعة لم يحتج إلى تقييد الغسل بالمرة لأنه يتعذر أو يتعسر وحيث جاء فيها تكرار المباشرة والغسل معا وعرف من هذا أن قوله في الترجمة في غسل واحد أشار به إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وأن لم يكن منصوصا فيما أخرجه كما جرت به عادته ويحمل المطلق في حديث عائشة على المقيد في حديث أنس ليتوافقا ومن لازم جماعهن في الساعة أو الليلة الواحدة عود الجماع كما ترجم به والله أعلم واستدل به المصنف في كتاب النكاح على استحباب الاستكثار من النساء وأشار فيه إلى أن القسم لم يكن واجبا عليه وهو قول طوائف من أهل العلم وبه جزم الإصطخري من الشافعية والمشهور عندهم وعند الأكثرين الوجوب ويحتاج من قال به إلى الجواب عن هذا الحديث فقيل كان ذلك برضا صاحبة النوبة كما استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة ويحتمل أن يكون ذلك كان يحصل عند استيفاء القسمة ثم يستأنف القسمة وقيل كان ذلك عند اقباله من سفر لأنه كان إذا سافر أقرع بينهن فيسافر بمن يخرج سهمها فإذا انصرف استأنف وهو أخص من الاحتمال الثاني والأول أليق بحديث عائشة وكذا الثاني ويحتمل أن يكون ذلك كان يقع قبل وجوب القسمة ثم ترك بعدها وأغرب بن العربي فقال إن الله خص نبيه بأشياء منها أنه أعطاه ساعة في كل يوم لا يكون لأزواجه فيها حق يدخل فيها على جميعهن فيفعل ما يريد ثم يستقر عند من لها النوبة وكانت تلك الساعة بعد العصر فإن اشتغل عنها كانت بعد المغرب ويحتاج إلى ثبوت ما ذكره مفصلا وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من القوة علىالجماع وهو دليل على كمال البنية وصحة الذكورية والحكمة في كثرة أزواجه أن الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليها فينقلنها وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب ومن ثم فضلها بعضهم على الباقيات واستدل به بن التين لقول مالك بلزوم الظهار من الإماء بناء على أن المراد بالزائدتين على التسع مارية وريحانة وقد أطلق على الجميع لفظ نسائه وتعقب بأن الإطلاق المذكور للتغليب كما تقدم فليس فيه حجة لما ادعى واستدل به بن المنير على جواز وطء الحرة بعد الأمة من غير غسل بينهما ولا غيره والمنقول عن مالك أنه لا يتأكد الاستحباب في هذه الصورة ويمكن أن يكون ذلك وقع لبيان الجواز فلا يدل على عدم الاستحباب

قوله باب غسل المذي والوضوء منه أي بسببه وفي المذي لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء ثم بكسر الذال وتشديد الياء وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو ارادته وقد لا يحس بخروجه

[ 266 ] قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله عن أبي عبد الرحمن هو السلى قوله مذاء صيغة مبالغة من المذي يقال مذى يمذى مثل مضى يمضى ثلاثيا ويقال أيضا أمذى يمذى بوزن أعطى يعطي رباعيا قوله فأمرت رجلا هو المقداد بن الأسود كما تقدم في باب الوضوء من المخرجين من وجه آخر وزاد فيه فاستحييت أن أسأل قوله لمكان ابنته في رواية مسلم من طريق بن الحنفية عن على من أجل فاطمة رضي الله عنهما قوله توضأ هذا الأمر بلفظ الأفراد يشعر بأن المقداد سأل لنفسه ويحتمل أن يكون سأل لمبهم أو لعلي فوجه النبي صلى الله عليه وسلم الخطاب إليه والظاهر أن عليا كان حاضر السؤال فقد أطبق أصحاب المسانيد والاطراف على إيراد هذا الحديث في مسند على ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد ويؤيده ما في رواية النسائي من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حصين في هذا الحديث عن على قال فقلت لرجل جالس إلى جنبي سله فسأله ووقع في رواية مسلم فقال يغسل ذكره ويتوضأ بلفظ الغائب فيحتمل أن يكون سؤال المقداد وقع على الإبهام وهو الأظهر ففي مسلم أيضا فسأله عن المذي يخرج من الإنسان وفي الموطأ نحوه ووقع في رواية لأبي داود والنسائي وابن خزيمة ذكر سبب ذلك من طريق حصين بن قبيصة عن على قال كنت رجلا مذاء فجعلت اغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تفعل ولأبي داود وابن خزيمة من حديث سهل بن حنيف أنه وقع له نحو ذلك وأنه سأل عن ذلك بنفسه ووقع في رواية النسائي أن عليا قال أمرت عمارا أن يسأل وفي رواية لابن حبان والإسماعيلي أن عليا قال سألت وجمع بن حبان بين هذا الاختلاف بان عليا أمر عمارا أن يسأل ثم أمر المقداد بذلك ثم سأل بنفسه وهو جمع جيد الا بالنسبة الى آخره لكونه مغايرا لقوله أنه استحيى عن السؤال بنفسه لأجل فاطمة فيتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الأمر بذلك وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي ويؤيد أنه أمر كلا من المقداد وعمارا بالسؤال عن ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عائش بن أنس قال تذاكر على والمقداد وعمار المذي فقال على انني رجل مذاء فاسألا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أحد الرجلين وصحح بن بشكوال أن الذي تولى السؤال عن ذلك هو المقداد وعلى هذا فنسيه عمار إلى أنه سأل عن ذلك محمولة على المجاز أيضا لكونه قصده لكن تولى المقداد الخطاب دونه والله أعلم واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم توضأ على أن الغسل لا يجب بخروج المذي وصرح بذلك في رواية لأبي داود وغيره وهو إجماع وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر بالوضوء من البول كما تقدم استدلال المصنف به في باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين وحكى الطحاوي عن قوم أنهم قالوا بوجوب الوضوء بمجرد خروجه ثم رد عليهم بما رواه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن على قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال فيه الوضوء وفي المني الغسل فعرف بهذا أن حكم المذي حكم البول وغيره من نواقض الوضوء لا أنه بوجب الوضوء بمجرده قوله واغسل ذكرك هكذا وقع في البخاري تقديم الأمر بالوضوء على غسله ووقع في العمدة نسبة ذلك إلى البخاري بالعكس لكن الواو لا ترتب فالمعنى واحد وهي رواية الإسماعيلي فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى ويجوز تقديم الوضوء على غسله لكن من يقول ينقض الوضوء بمسه يشترط أن يكون ذلك بحائل واستدل به بن دقيق العيد على تعين الماء فيه دون الأحجار ونحوها لأن ظاهره يعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال الا به وهذا ما صححه النووي في شرح مسلم وصحح في باقي كتبه جواز الاقتصار الحاقا له بالبول وحملا للأمر بغسله على الاستحباب أو على أنه خرج مخرج الغالب وهذا المعروف في المذهب واستدل به بعض المالكية والحنابلة على إيجاب استيعابه بالغسل عملا بالحقيقة لكن الجمهور نظروا إلى المعنى فإن الموجب لغسله إنما هو خروج الخارج فلا تجب المجاوزة إلى غير محله ويؤيده ما عند الإسماعيلي في رواية فقال توضأ واغسله فأعاد الضمير على المذي ونظير هذا قوله من مس ذكره فليتوضأ فإن النقض لايتوقف على مس جميعه واختلف القائلون بوجوب غسل جميعه هل هو معقول المعنى أو للتعبد فعلى الثاني تجب النية فيه قال الطحاوي لم يكن الأمر بغسله لوجوب غسله كله بل ليتقلص فيبطل خروجه كما في الضرع إذا غسل بالماء البارد يتفرق لبنه إلى داخل الضرع فينقطع بخروجه واستدل به أيضا على نجاسة المذي وهو ظاهر وخرج بن عقيل الحنبلي من قول بعضهم إن المذي من أجزاء المني رواية بطهارته وتعقب بأنه لو كان منيا لوجب الغسل منه واستدل به على وجوب الوضوء على من به سلس المذي للأمر بالوضوء مع الوصف بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة وتعقبه بن دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلب الشهوة مع صحة الجسد بخلاف صاحب السلس فإنه ينشأ عن علة في الجسد ويمكن أن يقال أمر الشارع بالوضوء منه ولم يستفصل فدل على عموم الحكم واستدل به على قبول خبر الواحد وعلى جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع وفيهما نظر لما قدمناه من أن السؤال كان بحضرة على ثم لو صح أن السؤال كان في غيبته لم يكن دليلا على المدعى لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فترقيه عن الظن إلى القطع قاله القاضي عياض وقال بن دقيق العيد المراد بالاستدلال به على قبول خبر الواحد مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي تدل وهي كثيرة تقوم الحجة مجملتها لا بفرد معين منها وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وقد يؤخذ منه جواز دعوى الوكيل بحضرة موكله وفيه ما كان الصحابة عليه من حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وفيه استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيي منه عرفا وحسن المعاشرة مع الاصهار وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة اقاربها وقد تقدم استدلال المصنف به في العلم لمن استحيى فأمر غيره بالسؤال لأن فيه جمعا بين المصلحتين استعمال الحياء وعدم التفريط في معرفة الحكم

قوله باب من تطيب ثم اغتسل تقدم الكلام على الحديث قبل باب وموضع الاستدلال به أن قولها طاف في نسائه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال وقد ذكرت أنه طيبته قبل ذلك وأنه أصبح محرما ومن فوائده أيضا وقوع رد بعض الصحابة على بعض بالدليل واطلاع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على ما لا يطلع عليه غيرهن من أفاضل الصحابة وخدمة الزوجات لأزواجهن والتطيب عند الإحرام وسيأتي في الحج وقال بن بطال فيه أن السنة اتخاذ الطيب للرجال والنساء عند الجماع

[ 268 ] قوله حدثنا الحكم هو بن عتيبة وهو وشيخه إبراهيم النخعي وشيخه الأسود بن يزيد فقهاء كوفيون تابعيون قوله وبيص بفتح الواو وكسر الموحدة بعدها ياء تحتانية ثم صاد مهملة هو البريق وقال الإسماعيلي وبيص الطيب تلألؤه وذلك لعين قائمة لا للريح فقط قوله مفرق بفتح الميم وكسر الراء ويجوز فتحها ودلالة هذا المتن على الترجمة إما لكونها قصة واحدة وإما لأن من سنن الإحرام الغسل عنده ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعه وفيه أن بقاء الطيب على بدن المحرم لا يضر بخلاف ابتدائه بعد الإحرام

قوله باب تخليل الشعر أي في غسل الجنابة

[ 269 ] قوله عبد الله هو بن المبارك قوله إذا اغتسل أي أراد أن يغتسل قوله إذا ظن يحتمل أن يكون على بابه ويكتفى فيه بالغلبة ويحتمل أن يكون بمعنى علم قوله أروى هو فعل ماض من الارواء يقال ارواه إذا جعله ريانا والمراد بالبشرة هنا تحت الشعر قوله افاض عليه أي على شعره قوله ثم غسل سائر جسده أي بقية جسده وقد تقدم من رواية مالك عن هشام في أول كتاب الغسل هنا على جلده كله فيحتمل أن يقال إن سائر هنا بمعنى الجميع جمعا بين الروايتين وبقية مباحث الحديث تقدمت هناك

قوله وقالت أي عائشة وهو معطوف على الأول فهو متصل بالإسناد المذكور قوله نغرف بإسكان المعجمة بعدها راء مكسورة وله في الاعتصام نشرع فيه جميعا وقد تقدمت مباحثه في باب هل يدخل الجنب يده في الطهور

قوله باب من توضأ في الجنابة سقط من أواخر الترجمة لفظ منه من رواية غير أبي ذر

[ 270 ] قوله أخبرنا ولأبي ذر حدثنا الفضل قوله وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة كذا للأكثر بالإضافة ولكريمة وضوءا بالتنوين لجنابة بلام واحدة وللكشميهني للجنابة ولرفيقه وضع على البناء للمفعول لرسول الله بزيادة اللام أي لأجله وضوء بالرفع والتنوين قوله فكفأ ولغير أبي ذر فأكفأ أي قلب قوله على يساره كذا للأكثر وللمستملى وكريمة على شماله قوله ضرب يده بالأرض كذا للأكثر وللكشميهني ضرب بيده الأرض قوله ثم غسل جسده قال بن بطال حديث عائشة الذي في الباب قبله أليق بالترجمة لأن فيه ثم غسل سائر جسده وأما حديث الباب ففيه ثم غسل جسده فدخل في عمومه مواضع الوضوء فلا يطابق قول ولم يعد غسل مواضع الوضوء وأجاب بن المنير بأن قرينة الحال والعرف من سياق الكلام يخص أعضاء الوضوء فإن تقديم غسل أعضاء الوضوء وعرف الناس من مفهوم الجسد إذا أطلق بعده يعطي ذلك اولا يخفى تكلفه وأجاب بن التين بأن مراد البخاري أن يبين أن المراد بقوله في هذه الرواية ثم غسل جسده أي ما بقي من جسده بدليل الرواية الأخرى وهذا فيه نظر لأن هذه القصة غير تلك القصة كما قدمنا في أوائل الغسل وقال الكرماني لفظ جسده شامل لجميع أعضاء البدن فيحمل عليه الحديث السابق أو المراد هنا بسائر جسده أن باقيه بعد الرأس لا أعضاء الوضوء قلت ومن لازم هذا التقرير أن الحديث غير مطابق للترجمة والذي يظهر لي أن البخاري حمل قوله ثم غسل جسده على المجاز أي ما بقي بعد ما تقدم ذكره ودليل ذلك قوله بعد فغسل رجليه إذ لو كان قوله غسل جسده محمولا على عمومه لم يحتج لغسل رجليه ثانيا لأن غسلهما كان يدخل في العموم وهذا أشبه بتصرفات البخاري إذ من شأنه الاعتناء بالاخفى أكثر من الأجلى واستنبط بن بطال من كونه لم يعد غسل مواضع الوضوء أجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة واجزاء الصلاة بالوضوء المجدد لمن تبين أنه كان قبل التجديد محدثا والاستنباط المذكور مبنى عنده على أن الوضوء الواقع في غسل الجنابة سنة وأجزأ مع ذلك عن غسل تلك الأعضاء بعده وهي دعوى مردودة لأن ذلك يختلف باختلاف النية فمن نوى غسل الجنابة وقدم أعضاء الوضوء لفضيلته تم غسله وإلا فلا يصح البناء المذكور والله اعلم قوله ينفض الماء بيده سقط الماء من غير رواية أبي ذر وللاصيلى فجعل ينفض بيده وباق مباحث المتن تقدم في أوائل الغسل والله المستعان

قوله باب إذا ذكر أي تذكر الرجل وهو في المسجد أنه جنب خرج ولأبي ذر وكريمة يخرج كما هو أي على حاله قوله ولا يتيمم إشارة إلى رد من يوجبه في هذه الصورة وهو منقول عن الثوري وإسحاق وكذا قال بعض المالكية فيمن نام في المسجد فاحتلم يتيمم قبل أن يخرج وورد ذكر بمعنى تذكر من الذكر بضم الذال كثيرا وأن كان المتبادر أنه من الذكر بكسرها وقوله خرج كما هو قال الكرماني هذه الكاف كاف المقارنة لا كاف التشبيه كذا قال وعلى التنزل فالتشبيه هنا ليس ممتنعا لأن يتعلق بحالته أي خرج في حالة شبيهة بحالته التي قبل خروجه فيما يتعلق بالمحدث لم يفعل ما يرفعه من غسل أو ما ينوب عنه من التيمم

[ 271 ] قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي ويونس هو بن يزيد قوله وعدلت أي سويت وكان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف قوله فلما قام في مصلاه ذكر أي تذكر لا أنه قال ذلك لفظا وعلم الراوي بذلك من قرائن الحال أو باعلامه له بعد ذلك وبين المصنف في الصلاة من رواية صالح بن كيسان عن الزهري أن ذلك كان قبل أن يكبر النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة قوله فقال لنا مكانكم بالنصب أي الزموا مكانكم وفيه إطلاق القول على الفعل فإن في رواية الإسماعيلي فأشار بيده أن مكانكم ويحتمل أن يكون جمع بين الكلام والإشارة قوله ورأسه يقطر أي من ماء الغسل وظاهر قوله فكبر الاكتفاء بالإقامة السابقة فيؤخذ منه جواز التخلل الكثير بين الإقامة والدخول في الصلاة وسيأتي مع بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل أبواب صلاة الجماعة بعد أبواب الأذان إن شاء الله تعالى قوله تابعه عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى البصري وروايته موصولة عند الإمام أحمد عنه وقد تابع عثمان بن عمر راوية عن يونس عن عبد الله بن وهب عند مسلم وهذه متابعة تامه قوله ورواه الأوزاعي روايته موصولة عند المؤلف في أوائل أبواب الإمامة كما سيأتي وظن بعضهم أن السبب في التفرقة بين قوله تابعه وبين قوله رواه كون المتابعة وقعت بلفظة والرواية بمعناه وليس كما ظن بل هو من التفنن في العبارة

قوله باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة كذا لأبي ذر وكريمة وللباقين من غسل الجنابة

[ 272 ] قوله أخبرنا أبو حمزة هو السكري قوله فانطلق وهو ينفض يديه استدل به على جواز نفض ماء الغسل والوضوء وقد تقدم ذلك في أوائل الغسل وهو ظاهر وفي هذا الإسناد مروزيان عبدان وشيخه وكوفيان الأعمش وشيخه ومدنيان كريب وشيخه وفيما قبله بباب كذلك لأن يوسف بن عيسى وشيخه مروزيان وفيما قبل ذلك بصريان موسى وأبو عوانة وكذا موسى وعبد الواحد وكذا محمد بن محبوب وعبد الواحد وفيما قبل أيضا مكيان الحميدي وسفيان وكلهم رووه عن الأعمش بالإسناد المذكور

قوله باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل تقدم مثل ذلك في باب من بدأ بالحلاب

[ 273 ] قوله حدثنا خلاد بن يحيى هذا من كبار شيوخ البخاري وهو كوفي سكن مكة ومن فوقه إلى عائشة مكيون قوله عن صفية وللإسماعيلي أنه سمع صفية وهي من صغار الصحابة وأبوها شيبة هو بن عثمان الحجبي العبدري صحابي مشهور قوله أصاب ولكريمة أصابت إحدانا أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وللحديث حكم الرفع لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وهو مصير من البخاري إلى القول بأن لقول الصحابي كنا نفعل كذا حكم الرفع سواء صرح بإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم أم لا وبه جزم الحاكم قوله أخذت بيديها ولكريمة بيدها أي الماء وصرح به الإسماعيلي في روايته قوله فوق رأسها أي فصبته فوق رأسها وللإسماعيلي أخذت بيديها الماء ثم صبت على رأسها قوله وبيدها الأخرى في رواية الإسماعيلي ثم أخذت بيدها وهي أدل على الترتيب من رواية المصنف وأن كان لفظ الأخرى يدل على أن لها أولى وهي متأخرة عنها فإن قيل الحديث دال على تقديم أيمن الشخص لا أيمن رأسه فكيف يطابق الترجمة أجاب الكرماني بأن المراد من أيمن الشخص ايمنه من رأسه إلى قدمه فيطابق والذي يظهر أنه حمل الثلاث في الرأس على التوزيع كما سبق في باب من بدا بالحلاب وفيه التصريح بأنه بدأ بشق رأسه الأيمن والله أعلم

قوله باب من اغتسل عريانا وحده في خلوه أي من الناس وهو تأكيد لقوله وحده ودل قوله أفضل على الجواز وعليه أكثر العلماء وخالف فيه بن أبي ليلى وكأنه تمسك بحديث يعلى بن أمية مرفوعا إذا اغتسل أحدكم فليستتر قاله لرجل رآه يغتسل عريانا وحده رواه أبو داود وللبزار نحوه من حديث بن عباس مطولا قوله وقال بهز زاد الأصيلي بن حكيم قوله عن جده هو معاوية بن حيدة بحاء مهملة وياء تحتانية ساكنة صحابي معروف قوله أن يستحي منه من الناس كذا لأكثر الرواة وللسرخسي أحق أن يستتر منه وهذا بالمعنى وقد أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من طرق عن بهز وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وقال بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا نبي الله عوراتنا ما تأتي منها وما نذر قال أحفظ عورتك الا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا قال الله أحق أن يستحي منه من الناس فالإسناد إلى بهز صحيح ولهذا جزم به البخاري وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث جد بهز لم يجزم به بل قال ويذكر عن معاوية بن حيدة فعرف من هذا أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد الا إلى من علق عنه وأما ما فوقه فلا يدل وقد حققت ذلك فيما كتبته على بن الصلاح وذكرت له أمثلة وشواهد ليس هذا موضع بسطها وعرف من سياق الحديث أنه وارد في كشف العورة بخلاف ما قال أبو عبد الملك البوني إن المراد بقوله أحق أن يستحي منه أي فلا يعصي ومفهوم قوله الا من زوجتك يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه وقياسه أن يجوز له النظر ويدل أيضا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة وفيه حديث في صحيح مسلم ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعرى في الخلوة غير جائز مطلقا لكن استدل المصنف على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام ووجه الدلالة منه على ما قال بن بطال أنهما ممن أمرنا بالاقتداء به وهذا إنما يأتي على رأى من يقول شرع من قبلنا شرع لنا والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئا منهما فدل على موافقتهما لشرعنا وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبينه فعلى هذا فيجمع بين الحديثين بحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل واليه أشار في الترجمة ورجح بعض الشافعية تحريمه والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط

[ 274 ] قوله كانت بنو إسرائيل أي جماعتهم وهو كقوله تعالى قالت الأعراب آمنا قوله يغتسلون عراة ظاهره أن ذلك كان جائزا في شرعهم وإلا لما اقرهم موسى على ذلك وكان هو عليه السلام يغتسل وحده أخذا بالأفضل وأغرب بن بطال فقال هذا يدل على إنهم كانوا عصاة له وتبعه على ذلك القرطبي فأطال في ذلك قوله آدر بالمد وفتح الدال المهملة وتخفيف الراء قال الجوهري الادرة نفخة في الخصية وهي بفتحات وحكى بضم أوله واسكان الدال قوله فجمع موسى أي جرى مسرعا وفي رواية فخرج قوله ثوبي يا حجر أي أعطني وإنما خاطبه لأنه أجراء مجرى من يعقل لكونه فر بثوبه فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه فلما لم يعطه ضربه وقيل يحتمل أن يكون موسى أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه ويحتمل أن يكون عن وحي قوله حتى نظرت ظاهرة أنهم رأوا جسده وبه يتم الاستدلال على جواز النظر عند الضرورة لمداواة وشبهها وأبدى بن لجوزى احتمال أن يكون كان عليه مئزر لأنه يظهر ما تحته بعد البلل واستحسن ذلك ناقلا له عن بعض مشايخه وفيه نظر قوله فطفق بالحجر ضربا كذا لأكثر الرواة وللكشميهني والحموي فطفق الحجر ضربا والحجر على هذا منصوب بفعل مقدر أي طفق يضرب الحجر ضربا قوله قال أبو هريرة هو من تتمة مقول همام وليس بمعلق قوله لندب بالنون والدال المهملة المفتوحتين وهو الأثر وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى

[ 275 ] قوله وعن أبي هريرة هو معطوف على الإسناد الأول وجزم الكرماني بأنه تعليق بصيغة التمريض فأخطأ فإن الحديثين ثابتان في نسخة همام بالإسناد المذكور وقد أخرج البخاري هذا الثاني من رواية عبد الرزاق بهذا الإسناد في أحاديث الأنبياء قوله يحتثى بإسكان المهملة وفتح المثناة بعدها مثلثة والحثية هي الأخذ باليد ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد يحتثن بنون في آخره بدل الياء قوله لاغنى بالقصر بلا تنوين ورويناه بالتنوين أيضا على أن لا بمعنى ليس قوله وزواه إبراهيم هو بن طهمان وروايته موصولة بهذا الإسناد عند النسائي والإسماعيلي قال بن بطال وجه الدلالة من حديث أيوب أن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا فدل على جوازه وسيأتي بقية الكلام عليه في أحاديث الأنبياء أيضا

قوله باب التستر لما فرغ من الاستدلال لأحد الشقين وهو التعرى في الخلوة أورد الشق الآخر

[ 276 ] قوله مولى عمر بن عبيد الله بالتصغير وهو التيمي وأم هاني بهمزة منونة قوله فقال من هذه يدل على أن الستر كان كثيفا وعرف أنها امرأة لكون ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال وسيأتي الكلام عليه في أواخر الجهاد حيث أورده المصنف تاما

[ 277 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وسفيان هو الثوري وقد تقدم الحديث في أول الغسل للمصنف عاليا إلى الثوري ونزل فيه هنا درجة وكذلك نزل فيه شيخه عبدان درجة لأنه سبق من روايته عن أبي حمزة عن الأعمش والسبب في ذلك اعتناؤه بمغايرة الطرق عند تغاير الأحكام قوله تابعه أبو عوانة أي عن الأعمش بإسناده هذا وقد تقدمت هذه المتابعة موصولة عنده في باب من افرغ بيمينه قوله وابن فضيل أي عن الأعمش أيضا بهذا الإسناد وروايته موصولة في صحيح أبي عوانة الاسفرايني نحو رواية أبي عوانة البصري وقد وقع ذكر الستر أيضا في هذا الحديث من رواية أبي حمزة عند المصنف ومن رواية زائدة عند الإسماعيلي وسبقت مباحث الحديث في أول الغسل والله المستعان

قوله باب إذا احتلمت المرأة إنما قيده بالمرأة مع أن حكم الرجل كذلك لموافقة صورة السؤال وللاشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون الرجل كما حكاه بن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي واستبعد النووي في شرح المهذب صحته عنه لكن رواه بن أبي شيبة عنه بإسناد جيد

[ 278 ] قوله عن زينب بنت أبي سلمة تقدم هذا الحديث في باب الحياء في العلم من وجه آخر وفي زينب بنت أم سلمة فنسيت هناك إلى أمها وهنا إلى أبيها وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها ورواه مسلم أيضا من رواية الزهري عن عروة لكن قال عن عائشة وفيه أن المراجعة وقعت بين أم سليم وعائشة ونقل القاضي عياض عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة وهذا يقتضى ترجيح رواية هشام وهو ظاهر صنيع البخاري لكن نقل بن عبد البر عن الذهلي أنه صحح الروايتين وأشار أبو داود إلى تقوية رواية الزهري لأن نافع بن عبد الله تابعه عن عروة عن عائشة وأخرج مسلم أيضا رواية نافع وأخرج أيضا من حديث أنس قال جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده فذكر نحوه وروى أحمد من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن جدته أم سليم وكانت مجاورة لام سلمة فقالت أم سليم يا رسول الله فذكر الحديث وفيه أن أم سلمة هي التي راجعتها وهذا يقوي رواية هشام قال النووي في شرح مسلم يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم سليم وهو جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد وقال في شرح المهذب يجمع بين الروايات بأن أنسا وعائشة وأم سلمة حضروا القصة انتهى والذي يظهر أن أنسا لم يحضر القصة وإنما تلقى ذلك من أمه أم سليم وفي صحيح مسلم من حديث أنس ما يشير إلى ذلك وروى أحمد من حديث بن عمر نحو هذه القصة وإنما تلقى ذلك بن عمر من أم سليم أو غيرها وقد سألت عن هذه المسألة أيضا حوله بنت حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجة وفي آخره كما ليس علىالرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل وسهلة بنت سهيل عند الطبراني وبسرة بنت صفوان عند بن أبي شيبة قوله إن الله لا يستحي من الحق قدمت هذا القول تمهيدا لعذرها في ذكر ما يستحي منه والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي إذ الحياء الشرعي خير كله وقد تقدم في كتاب الإيمان أن الحياء لغة تغير وانكسار وهو مستحيل في حق الله تعالى فيحمل هنا على أن المراد أن الله لايأمر بالحياء في الحق أو لا يمنع من ذكر الحق وقد يقال إنما يحتاج إلى التأويل في الاثبات قال العلامة بن باز حفظه الله الصواب أنه لا حاجة إلى التأويل مطلقا فإن الله يوصف بالحياء الذي يليق به ولا يشابه فيه خلقه كسائر صفاته وقد ورد وصفه بذلك في نصوص كثيرة فوجب إثباته له على الوجه الذي يليق به وهذا قول أهل السنة في جميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة وهو طريق النجاة فتنبه واحذر والله أعلم ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنا لكن لما كان المفهوم يقتضى أنه يستحي من غير الحق عاد إلى جانب الاثبات فاحتيج إلى تأويله قاله بن دقيق العيد قوله هل على المرأة من غسل من زائدة وقد سقطت في رواية المصنف في الأدب قوله قوله احتلمت الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام وهو مايراه النائم في نومه يقال منه حلم بالفتح واحتلم والمراد به هنا أمر خاص منه وهو الجماع وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها قالت يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام اتغتسل قوله إذا رأت الماء أي المني بعد الاستيقاظ وفي رواية الحميدي عن سفيان عن هشام إذا رأت إحداكن الماء فلتغتسل وزاد فقالت أم سلمة وهل تحتلم المرأة وكذلك روى هذه الزيادة أصحاب هشام عنه غير مالك فلم يذكرها وقد تقدمت من رواية أبي معاوية عن هشام في باب الحياء في العلم وفيه أو تحتلم المرأة وهو معطوف على مقدر يظهر من السياق أي أترى المرأة الماء وتحتلم وفيه فغطت أم سلمة وجهها ويأتي في الأدب من رواية يحيى القطان عن هشام فضحكت أم سلمة ويجمع بينهما بأنها تبسمت تعجبا وغطت وجهها حياء ولمسلم من رواية وكيع عن هشام فقالت لها يا أم سليم فضحت النساء وكذا لأحمد من حديث أم سليم وهذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال وقال بن بطال فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن وعكسه غيره فقال فيه دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن والظاهر أن مراد بن بطال الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك وفيه دليل على جوب الغسل على المرأة بالإنزال ونفى بن بطال الخلاف فيه وقد قدمناه عن النخعي وكأن أم سليم لم تسمع حديث الماء من الماء أو سمعته وقام عندها ما يوهم خروج المرأة عن ذلك وهو ندور بروز الماء منها وقد روى أحمد من حديث أم سليم في هذه القصة أن أم سلمة قالت يا رسول الله وهل للمرأة ماء فقال هن شقائق الرجال وروى عبد الرزاق في هذه القصة إذا رأت إحداكن الماء كما يراه الرجل وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز وإنما يعرف انزالها بشهوتها وحمل قوله إذا رأت الماء أي علمت به لأن وجود العلم هنا متعذر لأنه إذا أراد به علمها بذلك وهي نائمة فلا يثبت به حكم لأن الرجل لو رأى أنه جامع وعلم أنه انزل في النوم ثم استيقظ فلم ير بللا لم يجب عليه الغسل اتفاقا فكذلك المرأة وأن أراد به علمها بذلك بد أن استيقظت فلا يصح لأنه لايستمر في اليقظة ما كان في النوم أن كان مشاهدا فحمل الرؤية على ظاهرها هو الصواب وفيه استفتاء المرأة بنفسها وسياق صور الأحوال في الوقائع الشرعية لما يستفاد من ذلك وفيه جواز التبسم في التعجب وسيأتي الكلام على قوله فبم يشبهها ولدها في بدء الخلق إن شاء الله تعالى

قوله باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس كأن المصنف يشير بذلك إلى الخلاف في عرق الكافر وقال قوم أنه نجس بناء على القول بنجاسة عينه كما سيأتي فتقدير الكلام بيان حكم عرق الجنب وبيان أن المسلم لا ينجس وإذا كان لا ينجس فعرقه ليس بنجس ومفهومه أن الكافر ينجس فيكون عرقه نجسا

[ 279 ] قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وحميد هو الطويل وبكر هو بن عبد الله المزني وأبو رافع هو الصائغ وهو مدني سكن البصرة ومن دونه في الإسناد بصريون أيضا وحميد وبكر وأبو رافع ثلاثة من التابعين في نسق قوله في بعض طريق كذا للأكثر وفي رواية كريمة والأصيلي طرق ولأبي داود والنسائي لقيته في طرق من طريق المدينة وهي توافق رواية الأصيلي قوله وهو جنب يعنى نفسه وفي رواية أبي داود وأنا جنب قوله فانخنست كذا للكشميهني والحموي وكريمة بنون ثم خاء معجمة ثم نون ثم سين مهملة وقال القزاز وقع في رواية فانبخست يعني بنون ثم موحدة ثم خاء معجمة ثم سين مهملة قال ولا وجه له والصواب أن يقال فانخنست يعني كما تقدم قال والمعنى مضيت عنه مستخفيا ولذلك وصف الشيطان بالخناس ويقويه الرواية الأخرى فانسللت أنتهي وقال بن بطال وقعت هذه اللفظة فانبخست يعني كما تقدم قال ولابن السكن بالجيم قال ويحتمل أن يكون من قوله تعالى فانبجست منه اثنتا عشرة عينا أي جرت واندفعت وهذه أيضا رواية الأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر ووقع في رواية المستملى فانتجست بنون ثم مثناة فوقانية ثم جيم أي اعتقدت نفسي نجسا ووجهت الرواية التي أنكرها القزاز بأنه مأخوذة من البخس وهو النقص أي اعتقد نقصان نفسه بجنابته عن مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت في رواية الترمذي مثل رواية بن السكن وقال معنى انبجست منه تنحيت عنه ولم يثبت لي من طريق الرواية غير ما تقدم وأشبهها بالصواب الأولى ثم هذه وقد نقل الشراح فيها ألفاظا مختلفة مما صحفه بعض الرواة لا معنى للتشاغل بذكره كانتجشت بشين معجمة من النجش وبنون وحاء مهملة ثم موحدة ثم سين مهملة من الانحباس قوله إن المؤمن لا ينجس تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى إنما المشركون نجس وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانية النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة وعن الآية بان المراد أنه نجس في الاعتقاد والاستقذار وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية الا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الأدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال وأغرب القرطبي في الجنائز من شرح مسلم فنسب القول بنجاسة الكافر إلى الشافعي وسيأتي الكلام على مسألة الميت في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى وفي هذا الحديث استحباب الطهارة عند ملابسة الأمور المعظمة واستحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبتهم على أكمل الهيآت وكان سبب ذهاب أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا لقي أحدا من أصحابه ماسحه ودعا له هكذا رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة فلما ظن أبو هريرة أن الجنب ينجس بالحدث خشي أن يماسحه صلى الله عليه وسلم كعادته فبادر إلى الاغتسال وإنما أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله وأنا على غير طهارة وقوله سبحان الله تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة أي كيف يخفى عليه هذا الظاهر وفيه استحباب استئذان التابع للمتبوع إذا أراد أن يفارقه لقوله أين كنت فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى يعلمه وفيه استحباب تنبيه المتبوع لتابعه على الصواب وإن لم يسأله وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه وبوب عليه بن حبان الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في البئر فنوى الاغتسال أن ماء البئر ينجس واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب لان بدنه لا ينجس بالجنابة فكذلك ما تحلب منه وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه قبل أن يغتسل فقال

قوله وغيره بالجرأى وغير السوق ويحتمل الرفع عطفا على يخرج من جهة المعنى قوله وقال عطاء هذا التعليق وصله عبد الرزاق عن بن جريج عنه وزاد ويطلى بالنورة ولعل هذه الأفعال هي المرادة بقوله وغيره بالرفع في الترجمة

[ 280 ] قوله حدثنا سعيد هو بن أبي عروبة كذا لهم الا الأصيلي فقال شعبة قوله أن النبي وفي رواية الأصيلي وكريمة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب إذا جامع ثم عاد وإيراده له في هذا الباب يقوي رواية وغيره بالجر لأن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت متقاربة فهو محتاج في الدخول من هذه إلى هذه إلى المشي وعلى هذا فمناسبة إيراد أثر عطاء من جهة الاشتراك في جواز تشاغل الجنب بغير الغسل وقد خالف عطاء غيره كما رواه بن أبي شيبة عن الحسن البصري وغيره فقالوا يستحب له الوضوء وحديث أنس يقوي اختيار عطاء لأنه لم يذكر فيه أنه توضأ فكأن المصنف أورده ليستدل له لا ليستدل به

[ 281 ] قوله حدثنا عياش بياء تحتانية وشين معجمة هو بن الوليد الرقام وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى والإسناد أيضا إلى أبي رافع بصريون وقد سبق الكلام على هذا الحديث في الباب الذي قبله قوله فانسللت أي ذهبت في خفية والرحل بحاء مهملة ساكنة أي المكان الذي يأوي فيه وقوله يا أبا هريرة وقع في رواية المستملى والكشميهني يا أبا هر بالترخيم

قوله باب كينونة الجنب في البيت أي استقراره فيه وكينونة مصدر كان يكون كونا وكينونة ولم يجيء على هذا الا أحرف معدودة مثل ديمومة من دام قوله إذا توضأ زاد أبو الوقت وكريمة قبل أن يغتسل وسقط الجميع من رواية المستملى والحموي قيل أشار المصنف بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد عن على مرفوعا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب رواه أبو داود وغيره وفيه نجى بضم النون وفتح الجيم الحضرمي ما روى عنه غير ابنه عبد الله فهو مجهول لكن وثقه العجلي وصحح حديثه بن حبان والحاكم فيحتمل كما قال الخطابي أن المراد بالجنب من يتهاون بالاغتسال ويتخذ تركه عادة لا من يؤخره ليفعله قال ويقويه أن المراد بالكلب غير ما أذن اتخاذه وبالصورة ما فيه روح وما لا يمتهن قال النووي وفي الكلب نظر انتهى ويحتمل أن يكون المراد بالجنب في حديث على من لم يرتفع حدثه كله ولا بعضه وعلى هذا فلا يكون بينه وبين حديث الباب منافاة لأنه إذا توضأ ارتفع بعض حدثه على الصحيح كما سيأتي تصويره

[ 282 ] قوله حدثنا هشام هو الدستوائي وشيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن أبي كثير وصرح بتحديث أبي سلمة له في رواية بن أبي شيبة ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن بن عمر أخرجه النسائي قوله قال نعم ويتوضأ هو معطوف على ما سد لفظ نعم مسنده أي يرقد ويتوضأ والواو لا تقتضي الترتيب فالمعنى يتوضأ ثم يرقد ولمسلم من طريق الزهري عن أبي سلمة بلفظ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وهذا السياق أوضح في المراد وللمصنف مثله في الباب الذي بعد هذا من رواية عروة عن عائشة بزيادة غسل الفرج وزاد أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي نعيم شيخ البخاري في آخر حديث الباب ويتوضأ وضوءه للصلاة وللإسماعيلي من وجه آخر عن هشام نحوه وفي رد على من حمل الوضوء هنا على من التنظيف

قوله

[ 283 ] أن عمر بن الخطاب سأل ظاهره أن بن عمر حضر هذا السؤال فيكون الحديث من مسنده وهو المشهور من رواية نافع وروى عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن عمر أنه قال يا رسول الله أخرجه النسائي وعلى هذا فهو من مسند عمر وكذا رواه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن عمر لكن ليس في هذا الاختلاف ما يقدح في صحة الحديث ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن جواز رفاد الجنب في البيت يقتضى جواز استقراره فيه يقظان لعدم الفرق أو لأن نومه يستلزم الجواز لحصول اليقظة بين وضوئه ونومه ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير ووقع في رواية كريمة قبل حديث بن عمر باب نوم الجنب وهذه الترجمة زائدة للاستغناء عنها بباب الجنب يتوضأ ثم ينام ويحتمل أن يكون ترجم على الإطلاق وعلى التقييد فلا تكون زائدة

قوله

[ 284 ] عن محمد بن عبد الرحمن هو أبو الأسود الذي يقال له يتيم عروة ونصف هذا الإسناد المبتدأ به بصريون ونصفه الاعلى مدنيون قوله وتوضأ للصلاة أي توضأ وضوءا كما للصلاة وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة وإنما المراد توضأ وضوءا شرعيا لا لغويا

[ 285 ] قوله حدثنا جويرية بالجيم والراء مصغرا وهو اسم رجل واسم أبيه أسماء بن عبيد وقد سمع جويرية هذا من نافع مولى بن عمر ومن مالك عن نافع قوله عن عبد الله في رواية بن عساكر عن بن عمر قوله فقال نعم إذا توضأ ولمسلم من طريق بن جريج عن نافع ليتوضأ ثم لينم

قوله عن عبد الله بن دينار هكذا رواه مالك في الموطأ باتفاق من رواة الموطأ ورواه خارج الموطأ عن نافع بدل عبد الله بن دينار وذكر أبو على الجياني أنه وقع في رواية بن السكن عن نافع بدل عبد الله بن دينار كان كذلك عند الأصيلي الا أنه ضرب على نافع وكتب فوقه عبد الله بن دينار قال أبو على والحديث محفوظ لمالك عنهما جميعا انتهى كلامه قال بن عبد البر الحديث لمالك عنهما جميعا لكن المحفوظ عن عبد الله بن دينار وحديث نافع غريب انتهى وقد رواه عنه كذلك عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة وإن ساقه الدارقطني في غرائب مالك فمراده ما رواه خارج الموطأ فهي غرابة خاصة بالنسبة للموطأ نعم رواية الموطأ أشهر

[ 286 ] قوله ذكر عمر بن الخطاب مقتضاه أيضا أنه من مسند بن عمر كما هو عند أكثر الرواة ورواه أبو نوح عن مالك فزاد فيه عن عمر وقد بين النسائي سبب ذلك في روايته من طريق بن عون عن نافع قال أصاب بن عمر جنابة فآتى عمر فذكر ذلك له فآتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فقال ليتوضأ ويرقد وعلى هذا فالضمير في قوله في حديث الباب أنه تصيبه يعود علي بن عمر لا على عمر وقوله في الجواب توضأ يحتمل أن يكون بن عمر كان حاضرا فوجه الخطاب إليه قوله بأنه كذا للمستملي والحموي وللباقين أنه قوله فقال له سقط لفظ له من رواية الأصيلي قوله توضأ واغسل ذكرك في رواية أبي نوح اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث وإنما هو للتعبد إذ الجنابة أشد من مس الذكر فتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدم على الوضوء ويمكن أن يؤخر عنه بشرط أن لا يمسه على القول بأن مسه ينقض وقال بن دقيق العيد جاء الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط وهو متمسك لمن قال بوجوبه وقال بن عبد البر ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب وذهب أهل الظاهر إلى ايجابه وهو شذوذ وقال بن العربي قال مالك والشافعي لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل وقال لم يقل الشافعي بوجوبه ولا يعرف ذلك أصحابه وهو كما قال لكن كلام بن العربي محمول على أنه أراد نفى الإباحة المستوية الطرفين لا اثبات الوجوب أو أراد بأنه واجب وجوب سنة أي متأكد الاستحباب ويدل عليه أنه قابله بقول بن حبيب هو واجب وجوب الفرائض وهذا موجود في عبارة المالكية كثيرا وأشار بن العربي الى تقوية قول بن حبيب وبوب عليه أبو عوانة في صحيحه إيجاب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم ثم استدل بعد ذلك هو وابن خزيمة على عدم الوجوب بحديث بن عباس مرفوعا إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة وقد تقدم ذكره في باب إذا جامع ثم عاد وقد قدح في هذا الاستدلال بن رشد المالكي وهو واضح ونقل الطحاوي عن أبي يوسف أنه ذهب إلى عدم الاستحباب وتمسك بما رواه أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء رواه أبو داود وغيره وتعقب بأن الحفاظ قالوا إن أبا إسحاق غلط فيه وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتقد وجوبه أو أن معنى قوله لا يمس ماء أي للغسل وأورد الطحاوي من الطريق المذكورة عن أبي إسحاق ما يدل على ذلك ثم جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف واحتج بأن بن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه كما رواه مالك في الموطأ عن نافع وأجيب بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة من روايته ومن رواية عائشة كما تقدم فيعتمد ويحمل ترك بن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر وقال جمهور العلماء المراد بالوضوء هنا الشرعى والحكمة فيه أنه يخفف الحدث ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح ويؤيده ما رواه بن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فأنه نصف غسل الجنابة وقيل الحكمة فيه أنه إحدى الطهارتين فعلى هذا يقوم التيمم مقامه وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء وقيل الحكمة فيه أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل وقال بن دقيق العيد نص الشافعي رحمه الله على أن ذلك ليس على الحائض لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب لكن إذا انقطع دمها استحب لها ذلك وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق عن القيام الىالصلاة واستحباب التنظيف عند النوم قال بن الجوزي والحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك والله أعلم

قوله باب إذا التقى الختانان المراد بهذه التثنية ختان الرجل والمرأة والختن قطع جلدة كمرته وخفاض المرأة والخفض قطع جليدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة وإنما ثنيا بلفظ واحد تغليبا وله نظائر وقاعدته رد الاثقل إلى الاخف والادنى إلى الأعلى

[ 287 ] قوله هشام هو الدستوائي في الموضعين وإنما فرقهما لأن معاذا قال حدثنا وأبا نعيم قال عن وطريق معاذ إلى الصحابي كلهم بصريون قوله إذا جلس الضمير المستتر فيه وفي قوله جهد للرجل والضمير أن البارزان في قوله شعبها و جهدها للمرأة وترك إظهار ذلك للمعرفة به وقد وقع مصرحا به في رواية لابن المنذر من وجه آخر عن أبي هريرة قال إذا غشي الرجل امرأته فقعد بين شعبها الحديث والشعب جمع شعبة وهي القطعة من الشيء قيل المراد هنا يداها ورجلاها وقيل رجلاها وفخذاها وقيل ساقاها وفخذاها وقيل فخذاها واسكتاها وقيل فخذاها وشفراها وقيل نواحي فرجها الأربع قال الأزهري الاسكتان ناحيتا الفرج والشفران طرف الناحيتين ورجح القاضي عياض الأخير واختار بن دقيق العيد الأول قال لأنه أقرب إلى الحقيقة أو هو حقيقة في الجلوس وهو كناية عن الجماع فاكتفى به عن التصريح قوله ثم جهدها بفتح الجيم والهاء يقال جهد وأجهد أي بلغ المشقة قيل معناه كدها بحركته أو بلغ جهده في العمل بها ولمسلم من طريق شعبة عن قتادة ثم اجتهد ورواه أبو داود من طريق شعبة وهشام معا عن قتادة بلفظ والزق الختان بالختان بدل قوله ثم جهدها وهذا يدل على أن الجهد هنا كناية عن معالجة الايلاج ورواه البيهقي من طريق بن أبي عروبة عن قتادة مختصرا ولفظه إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل وهذا مطابق للفظ الترجمة فكأن المصنف أشار إلى هذه الرواية كعادته في التبويب بلفظ إحدى روايات حديث الباب وروى أيضا بهذا اللفظ من حديث عائشة أخرجه الشافعي من طريق سعيد بن المسيب عنها وفي إسناده على بن زيد وهو ضعيف وابن ماجة من طريق القاسم بن محمد عنها ورجاله ثقات ورواه مسلم من طريق أبي موسى الأشعري عنها بلفظ ومس الختان الختان والمراد بالمس والالتقاء المحاذاة ويدل عليه رواية الترمذي بلفظ إذا جاوز وليس المراد بالمس حقيقته لأنه لايتصور عند غيبة الحشفة ولو حصل المس قبل الايلاج لم يجب الغسل بالإجماع قال النووي معنى الحديث أن إيجاب الغسل لايتوقف على الإنزال وتعقب بأنه يحتمل أن يراد بالجهد الإنزال لأنه هو الغاية في الأمر فلا يكون فيه دليل والجواب أن التصريح بعدم التوقف على الإنزال قد ورد في بعض طرق الحديث المذكور فانتفى الاحتمال ففي رواية مسلم من طريق مطر الوراق عن الحسن في آخر هذا الحديث وإن لم ينزل ووقع ذلك في رواية قتادة أيضا رواه بن أبي خيثمة في تاريخه عن عفان قال حدثنا همام وأبان قالا حدثنا قتادة به وزاد في آخره انزل أو لم ينزل وكذا رواه الدارقطني وصححه من طريق علي بن سهل عن عفان وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن قتادة قوله تابعه عمرو أي بن مرزوق وصرح به في رواية كريمة وقد روينا حديثه موصولا في فوائد عثمان بن أحمد السماك حدثنا عثمان بن عمر العيبي حدثنا عمرو بن مرزوق بن مرزوق حدثنا شعبة عن قتادة فذكر مثل سياق حديث الباب لكن قال وأجهدها وعرف بهذا أن شعبة رواه عن قتادة عن الحسن لا عن الحسن نفسه والضمير في تابعه يعود على هشام لا على قتادة وقرأت بخط الشيخ مغلطاي أن رواية عمرو بن مرزوق هذه عن مسلم عن محمد بن عمرو بن جبلة عن وهب بن جرير وابن أبي عدي كلاهما عن عمرو بن مرزوق عن شعبة وتبعه بعض الشراح على ذلك وهو غلط فان ذكر عمرو بن مرزوق في إسناد مسلم زيادة بل لم يخرج مسلم لعمرو بن مرزوق شيئا قوله وقال موسى أي بن إسماعيل قال حدثنا وللأصيلي أخبرنا أبان وهو بن يزيد العطار وافادت روايته التصريح بتحديث الحسن لقتادة وقرأت بخط مغلطاي أيضا أن رواية موسى هذه عند البيهقي أخرجها من طريق عفان وهمام كلاهما عن موسى عن أبان وهو تخليط تبعه عليه أيضا بعض الشراح وإنما أخرجها البيهقي من طريق عفان عن همام وأبان جميعا عن قتادة فهمام شيخ عفان لا رفيقه وأبان رفيق همام لا شيخ شيخه ولا ذكر لموسى فيه أصلا بل عفان رواه عن أبان كما رواه عنه موسى فهو رفيقه لا شيخه والله الهادي إلى الصواب تنبيه زاد هنا في نسخة الصغاني هذا أجود وأوكد وإنما بينا إلى آخر الكلام الاتي في آخر الباب الذي يليه والله أعلم

قوله باب غسل ما يصيب أي الرجل من فرج المرأة أي من رطوبة وغيرها

[ 288 ] قوله عن الحسين زاد أبو ذر المعلم قوله قال يحيى هو بن أبي كثير أي قال الحسين قال يحيى ولفظ قال الأولى تحذف في الخط عرفا قوله وأخبرني هو عطف على مقدر أي أخبرني بكذا وأخبرني بكذا ووقع في رواية مسلم بحذف الواو قال بن العربي لم يسمعه الحسين من يحيى فلهذا قال قال يحيى كذا ذكره ولم يأت بدليل وقد وقع في رواية مسلم في هذا الموضع عن الحسين عن يحيى وليس الحسين بمدلس وعنعنة غير المدلس محمولة على السماع إذا لقبه على الصحيح على أنه وقع التصريح في رواية بن خزيمة في رواية الحسين عن يحيى بالتحديث ولفظه حدثني يحيى بن أبي كثير ولم ينفرد الحسين مع ذلك به فقد رواه عن يحيى أيضا معاوية بن سلام أخرجه بن شاهين وشيبان بن عبد الرحمن أخرجه المصنف كما تقدم في باب الوضوء من المخرجين وسبق الكلام هناك على فوائد هذا الإسناد والفاظ المتن قوله فأمروه بذلك فيه التفات لأن الأصل أن يقول فأمروني أو هو مقول عطاء بن يسار فيكون مرسلا وقال الكرماني الضمير يعود على المجامع الذي في ضمن إذا جامع وجزم أيضا بأنه عن عثمان افتاء ورواية مرفوعة وعن الباقين افتاء فقط قلت وظاهره أنهم امروه بما أمره به عثمان فليس صريحا في عدم الرفع لكن في رواية الإسماعيلي فقالوا مثل ذلك وهذا ظاهره الرفع لأن عثمان افتاه بذلك وحدثه به عن النبي صلى الله عليه وسلم فالمثلية تقتضي أنهم أيضا افتوه وحدثوه وقد صرح الإسماعيلي بالرفع في رواية أخرى له ولفظه فقالوا مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الإسماعيلي لم يقل ذلك غير يحيى الحماني وليس هو من شرط هذا الكتاب قوله وأخبرني أبو سلمة كذا لأبي ذر وللباقين قال يحيى وأخبرني أبو سلمة وهو المراد وهو معطوف بالإسناد الأول وليس معلقا وقد رواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه بالإسنادين معا قوله أنه سمع ذلك من رسول الله صلع قال الدارقطني هو وهم لأن أبا أيوب إنما سمعه من أبي بن كعب كما قال هشام بن عروة عن أبيه قلت الظاهر أن أبا أيوب سمعه منهما لاختلاف السياق لأن في روايته عن أبي بن كعب قصة ليست في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أن أبا سلمة وهو بن عبد الرحمن بن عوف أكبر قدرا وسنا وعلما من هشام بن عروة وروايته عن عروة من باب رواية الأقران لأنهما تابعيان فقيهان من طبقة واحدة وكذلك رواية أبي أيوب عن أبي بن كعب لأنهما فقيهان صحابيان كبيران وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الدارمي وابن ماجة وقد حكى الأثرم عن أحمد أن حديث زيد بن خالد المذكور في هذا الباب معلول لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث وقد حكى يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني أنه شاذ والجواب عن ذلك أن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده وحفظ رواته وقد روى بن عيينة أيضا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار نحو رواي أبي سلمة عن عطاء أخرجه بن أبي شيبة وغيره فليس هو فردا وأما كونهم افتوا بخلافه فلا يقدح ذلك في صحته لاحتمال أنه ثبت عندهم ناسخه فذهبوا إليه وكم من حديث منسوخ وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية وقد ذهب الجمهور إلى أن ما دل عليه حديث الباب من الاكتفاء بالوضوء إذا لم ينزل المجامع منسوخ بما دل عليه حديث أبي هريرة وعائشة المذكوران في الباب قبله والدليل على النسخ ما رواه أحمد وغيره من طريق الزهري عن سهل بن سعد قال حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد صححه بن خزيمة وابن حبان وقال الإسماعيلي هو صحيح على شرط البخاري كذا قال وكأنه لم يطلع على علته فقد اختلفوا في كون الزهري سمعه من سهل نعم أخرجه أبو داود وابن خزيمة أيضا من طريق أبي حازم عن سهل ولهذا الإسناد أيضا علة أخرى ذكرها بن أبي حاتم وفي الجملة هو إسناد صالح لأن يحتج به وهو صريح في النسخ على أن حديث الغسل وأن لم ينزل أرجح من حديث الماء من الماء بن لأنه بالمنطوق وترك الغسل من حديث الماء بالمفهوم أو بالمنطوق أيضا لكن ذاك أصرح منه وروى بن أبي شيبة وغيره عن بن عباس أنه حمل حديث الماء من الماء على صورة مخصوصة وهي ما يقع في المنام من رؤية الجماع وهو تأويل يجمع بين الحديثين من غير تعارض تنبيه في قوله الماء من الماء جناس تام والمراد بالماء الأولى ماء الغسل وبالثاني المني وذكر الشافعي أن كلام العرب يقتضى أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وأن لم يكن معه إنزال فإن كل خوطب بان فلانا أجنب من فلانة عقل أنه اصابها وأن لم ينزل قال ولم يختلف أن الزنا الذي يجب به الحد هو الجماع ولو لم يكن معه إنزال وقال بن العربي إيجاب الغسل بالايلاج بالنسبة الى الإنزال نظير إيجاب الوضوء بمس الذكر بالنسبة إلى خروج البول فهما متفقان دليلا وتعليلا والله أعلم

[ 289 ] قوله عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي يعنى أباه عروة وهو واضح وإنما نبهت عليه لئلا يظن أنه نظير أبي بن كعب لكونه ذكر في الإسناد قوله ما مس المرأة منه أي يغسل الرجل العضو الذي مس فرج المرأة من أعضائه وهو من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم لأن المراد رطوبة فرجها قوله ثم يتوضأ صريح في تأخير الوضوء عن غسل الذكر زاد عبد الرزاق عن الثوري عن هشام فيه وضوئه للصلاة قوله ويصلى هو أصرح في الدلالة على ترك الغسل من الحديث الذي قبله قوله قال أبو عبد الله هو المصنف وقائل ذلك هو الراوي عنه قوله الغسل أحوط أي على تقدير أن لا يثبت الناسخ ولا يظهر الترجيح فالاحتياط للدين الاغتسال قوله الأخير كذا لأبي ذر ولغيره الآخر بالمد بغير ياء أي آخر الامرين من الشارع أو من اجتهاد الأئمة وقال بن التين ضبطناه بفتح الخاء فعلى هذا الإشارة في قوله وذاك إلى حديث الباب قوله انما بينا لاختلافهم وفي رواية كريمة إنما بينا اختلافهم وللاصيلى إنما بيناه لاختلافهم وفي نسخة الصغاني إنما بينا الحديث الآخر لاختلافهم والماء أنقى واللام تعليلية أي حتىلا يظن ان في ذلك إجماعا واستشكل بن العربي كلام البخاري فقال إيجاب الغسل اطبق عليه الصحابة ومن بعدهم وما خالف فيه الا داود ولا عبرة بخلافه وإنما الأمر الصعب مخالف البخاري وحكمه بأن الغسل مستحب وهو أحد أئمة الدين وأجلة علماء المسلمين ثم أخذ يتكلم في تضعيف حديث الباب بما لا يقبل منه وقد اشرنا إلى بعضه ثم قال ويحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله الغسل احوط أي في الدين وهو باب مشهور في الأصول قال وهو أشبه بامامة الرجل وعلمه قلت وهذا هو الظاهر من تصرفه فإنه لم يترجم بجواز ترك الغسل وإنما ترجم ببعض ما يستفاد من الحديث من غير هذه المسألة كما استدل به على إيجاب الوضوء فيما تقدم وأما نفى بن العربي الخلاف فمعترض فأنه مشهور بين الصحابة ثبت عن جماعة منهم لكن ادعى بن القصار أن الخلاف ارتفع بين التابعين وهو معترض أيضا فقد قال الخطابي أنه قال به من الصحابة جماعة فسمى بعضهم قال ومن التابعين الأعمش وتبعه عياض لكن قال لم يقل به أحد بعد الصحابة غيره وهو معترض أيضا فقد ثبت ذلك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو في سنن أبي داود بإسناد صحيح وعن هشام بن عروة عند عبد الرزاق بإسناد صحيح وقال عبد الرزاق أيضا عن بن جريج عن عطاء أنه قال لا تطيب نفسي إذا لم انزل حتى اغتسل من أجل اختلاف الناس لاخذنا بالعروة الوثقى وقال الشافعي في اختلاف الحديث حديث الماء من الماء ثابت لكنه منسوخ إلى أن قال فخالفنا بعض أهل ناحيتنا يعني من الحجازيين فقالوا لا يجب الغسل حتى ينزل أه فعرف بهذا أن الخلاف كان مشهورا بين التابعين ومن بعدهم لكن الجمهور على إيجاب الغسل وهو الصواب والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب الغسل وما معه من أحكام الجنابة من الأحاديث المرفوعة على ثلاث وستين حديثا المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وثلاثون حديثا الموصول منها أحد وعشرون والبقية تعليق ومتابعة والخالص ثمانية وعشرون منها واحد معلق وهو حديث بهز عن أبيه عن جده وقد وافقه مسلم على تخريجها سواه وسوى حديث جابر في الاكتفاء في الغسل بصاع وحديث أنس كان يدور على نسائه وهن إحدى عشرة امرأة في ليلة واحدة وحديثه في الاغتسال مع المرأة من إناء واحد وحديث عائشة في صفة غسل المرأة من الجنابة وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين عشرة المعلق منها سبعة والموصول ثلاثة وهي حديث زيد بن خالد عن علي وطلحة والزبير المذكور في الباب الأخير فإن كان مرفوعا عنهم فتزيد عدة الخالص من المرفوع ثلاثة وهي أيضا من افراده عن مسلم والله أعلم