كتاب التيمم
 قوله باب التيمم البسملة قبله لكريمة وبعده لأبي ذر وقد تقدم توجيهه ذلك والتيمم في اللغة القصد قال امرؤ القيس تيممتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عالي أي قصدتها وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة ونحوها وقال بن السكيت قوله فتيمموا صعيدا أي اقصدوا الصعيد ثم كثر استعمالهم حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب أه فعلى هذا هو مجاز لغوي وعلى الأول هو حقيقة شرعية واختلف في التيمم هو عزيمة أو رخصة وفعل بعضهم فقال هو لعدم الماء عزيمة وللعذر رخصة قوله قول الله في رواية الأصيلي وقول الله بزيادة واو والجمله استئنافيه قوله فلم تجدوا ماء كذا للأكثر وللنسفي وعبدوس والمستملي والحموي فإن لم تجدوا قال أبو ذر كذا في روايتنا والتلاوه فلم تجدوا قال صاحب المشارق هذا هو الصواب قلت ظهر لي إن البخاري أراد أن يبين إن المراد بالايه المبهمة في قول عائشة في حديث الباب فأنزل الله آية التيمم أنها آية المائدة وقد وقع التصريح في رواية حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة في قصتها المذكورة قال فانزل الله آية التيمم فإن لم تجدوا ماء فتيمموا الحديث فكان البخاري أشار إلى هذه الرواية المخصوصة واحتمل أن تكون قراءة شاذه لحماد بن سلمة أو غيره أو وهما منه وقد ظهر أنها عنت آية المائدة وأن آية النساء قد ترجم لها المصنف في التفسير وأورد حديث عائشة أيضا ولم يرد خصوص نزولها في قصتها بل اللفظ الذي على شرطه محتمل للأمرين والعمدة على رواية حماد بن سلمة في ذلك فإنها عينت ففيها زيادة على غيرها والله اعلم قوله وأيديكم إلى هنا في رواية أبي ذر زاد في رواية الشبوي وكريمة منه وهي تعين آية المائدة دون آية النساء وإلى ذلك نحا البخاري فأخرج حديث الباب في تفسير سورة المائدة وأيد ذلك برواية عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم في هذا الحديث ولفظه فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة إلى قوله تشكرون قوله عن عبد الرحمن بن القاسم أي بن محمد بن أبي بكر الصديق ورجاله سوى شيخ البخاري مدنيون قوله في بعض أسفاره قال بن عبد البر في التمهيد يقال أنه كان في غزاة بني المصطلق وجزم بذلك في الاستذكار وسبقه إلى ذلك بن سعد وأن حبان وغزاة بني المصطلق هي غزوة المريسيع وفيها وقعت قصة الإفك لعائشه وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا فإن كان ما جزموا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لاختلاف القصتين كما هو مبين في سياقهما واستبعد بعض شيوخنا ذلك قال لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش وهما بين المدينة وخيبر كما جزم النووي قلت وما جزم به مخالف لما جزم به بن التين فإنه قال البيداء هي ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة قال وذات الجيش وراء ذي الحليفه وقال أبو عبيد البكري في معجمه البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة ثم ساق حديث عائشة هذا ثم ساق حديث بن عمر قال بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد الحديث قال والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة وقال أيضا ذات الجيش من المدينة على بريد قال وبينها وبين العقيق سبعة أميال والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر فاستقام ما قال بن التين ويؤيده ما رواه الحميدي في مسنده عن سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث فقال فيه إن القلادة سقطت ليلة الأبواء أه والابواء بين مكة والمدينة وفي رواية على بن مسهر في هذا الحديث عن هشام قال وكان ذلك المكان يقال له الصلصل رواه جعفر الفريابي في كتاب الطهارة له وابن عبد البر من طريقه والصلصل بهملتين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة بين الصادين قال البكري هو جبل عند ذي الحليفة كذا ذكره في حرف الصاد المهملة ووهم مغلطاي في فهم كلامه فزعم أنه ضبطه بالضاد المعجمه وقلده في ذلك بعض الشراح وتصرف فيه فزاده وهما على وهم وعرف من تضافر هذه الروايات تصويب ما قاله بن التين واعتمد بعضهم في تعدد السفر على رواية للطبراني صريحة في ذلك كما سيأتي والله اعلم قوله عقد بكسر المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمى قلادة كما سيأتي وفي التفسير من رواية عمرو بن الحارث سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم ونزل وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من المدينة قوله على التماسه أي لأجل طلبه وسيأتي إن المبعوث في طلبه أسيد بن حضير وغيره قوله وليسوا على ماء وليس معهم ماء كذا للأكثر في الموضعين وسقطت الجملة الثانية في الموضع الأول من رواية أبي ذر واستدل بذلك على جواز الاقامه في المكان الذي لاماء فيه وكذا سلوك الطريق التي لاماء فيها وفيه نظر لأن المدينة كانت قريبه منهم وهم على قصد دخولها ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يعلم بعدم الماء مع الركب وإن كان قد علم بان المكان لا ماء فيه ويحتمل أن يكون قوله ليس معهم ماء أي للوضوء وأما ما يحتاجون إليه للشرب فيحتمل أن يكون معهم والأول محتمل لجواز إرسال المطر أو نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كما وقع في مواطن أخرى وفيه اعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين وأن قلت فقد نقل بن بطال أنه روى إن ثمن العقد المذكور كان أثنى عشر درهما ويلتحق بتحصيل الضائع الاقامه للحوق المنقطع ودفن الميت ونحو ذلك من مصالح الرعية وفيه إشارة إلى ترك إضاعة المال قوله فأتى الناس إلى أبي بكر فيه شكوى المرأة إلى أبيها وأن كان لها زوج وكأنهم إنما شكوا إلى أبي بكر لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان نائما وكانوا لا يوقظونه وفيه نسبة الفعل إلى من كان سببا فيه لقولهم صنعت وأقامت وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وأن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك ولم يكن بحالة مباشره قوله فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول في رواية عمرو بن الحارث فقال حبست الناس في قلادة أي بسببها وسيأتي من الطبراني إن من جملة ما عاتبها به قوله في كل مرة تكونين عناء والنكته في قول عائشة فعاتبني أبو بكر ولم تقل أبي لأن قضية الأبوه الحنو وما وقع من العتاب بالقول والتأديب بالفعل المغاير لذلك في الظاهر فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي فلم تقل أبي قوله يطعنني هو بضم العين وكذا في جميع ما هو حسي وأما المعنوي فيقال يطعن بالفتح هذا هو المشهور فيهما وحكى فيهما الفتح معا في المطالع وغيرها والضم فيهما حكاه صاحب الجامع وفيه تأديب الرجل ابنته ولو كانت مزوجة كبيره خارجة عن بيته ويلحق بذلك تأديب من له تأديبه ولو لم يأذن له الامام قوله فلا يمنعني من التحرك فيه استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة أو يحصل به تشويش النائم وكذا لمصل أو قارىء أو مشتغل بعلم أو ذكر قوله فقام حين أصبح كذا أورده هنا وأورده في فضل أبي بكر عن قتيبة عن مالك بلفظ فنام حتى أصبح وهي رواية مسلم ورواه الموطأ والمعنى فيهما متقارب لأن كلا منهما يدل على إن قيامه من نومه كان عند الصبح وقال بعضهم ليس المراد بقوله حتى أصبح بيان غاية النوم إلى الصباح بل بيان غاية فقد الماء إلى الصباح لأنه قيد قوله حتى أصبح بقوله على غير ماء أي آل أمره إلى أن أصبح على غير ماء وأما رواية عمرو بن الحارث فلفظها ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فإن أعربت الواو حالية كان دليلا على إن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح وهو الظاهر واستدل به على الرخصة في ترك التهجد في السفر إن ثبت أن التهجد كان واجبا عليه وعلى إن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت لقوله في رواية عمرو بن الحارث يعد قوله وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد وعلى أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع قال بن عبد البر معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند قال وفي قوله في هذا الحديث آية التيمم إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء قال والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل وقال غيره يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديما فعملوا به الوضوء ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة وإطلاق آية التيمم على هذا من تسمية الكل باسم البعض لكن رواية عمرو بن الحارث التي قدمنا إن المصنف أخرجها في التفسير تدل على إن الآية نزلت جميعا في هذه القصة فالظاهر ما قاله بن عبد البر قوله فانزل الله آية التيمم قال بن العربي هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء لأنا لا نعلم ايي الآيتين عنت عائشة قال بن بطال هي آية النساء أو آية المائده وقال القرطبي هي آية النساء ووجهه بان آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء فيتجه تخصيصها بآية التيمم وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد لرواية عمرو بن الحارث إذ صرح فيها بقوله فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية قوله فتيمموا يحتمل أن يكون خبرا عن فعل الصحابة أي فتيمم الناس بعد نزول الآية ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية وهو الأمر في قوله فتيمموا صعيدا طيبا بيانا لقوله آية التيمم أو بدلا واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم لأن معنى فتيمموا اقصدوا كما تقدم وهو قول فقهاء الأمصار إلا الأوزاعي وعلى أنه يجب نقل التراب ولا يكفي هبوب الريح به بخلاف الوضوء كما لو أصابه مطر فنوى الوضوء به فإنه يجزئ والأظهر الأجزاء لمن قصد التراب من الريح الهابة بخلاف من لم يقصد وهو اختيار الشيخ أبي حامد وعلى تعين الصعيد الطيب للتيمم لكن اختلف العلماء في المراد بالصعيد الطيب كما سيأتي في بابه قريبا وعلى أنه يجب التيمم لكل فريضة وسنذكر توجيهه وما يرد عليه بعد أربعة أبواب تنبيه لم يقع في شيء من طرق حديث عائشة هذا كيفية التيمم وقد روى عمار بن ياسر قصتها هذه فبين ذلك لكن اختلف الرواة على عمار في الكيفية كما سنذكره ونبين الأصح منه في باب التيمم للوجه والكفين قوله فقال اسيد هو بالتصغير بن الحضير بمهملة ثم معجمة مصغرا أيضا وهو من كبار الأنصار وسيأتي ذكره في المناقب وإنما قال ما قال دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع قوله ما هي بأول بركتكم أي بل هي مسبوقة بغيرها من البركات والمراد بآل أبي بكر نفسه وأهله وأتباعه وفيه دليل على فضل عائشة وأبيها تكرار البركة منهما وفي رواية عمرو بن الحارث لقد بارك الله للناس فيكم وفي تفسير إسحاق البستي من طريق بن أبي مليكة عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ما كان أعظم بركة قلادتك وفي رواية هشام بن عروة الآتية في الباب الذي يليه فوالله ما نزل بك من أمر تكرهينه الا جعل الله للمسلمين فيه خيرا وفي النكاح من هذا الوجه الا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة وهذا يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك فيقوى قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الأخباري فقال سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزاتين كانت أولا وقال الداودي كانت قصة التيمم في غزاة الفتح ثم تردد في ذلك وقد روى بن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع الحديث فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة وهي بعدها بلا خلاف وسيأتي في المغازي أن البخاري يرى إن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى وقدومه كان وقت إسلام أبي هريرة ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه فقال لي أبو بكر يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس فانزل الله عز وجل الرخصة في التيمم فقال أبو بكر انك لمباركة ثلاثا وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أبهم في حديث الباب والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين والله اعلم قوله فبعثنا أي أثرنا البعير الذي كنت عليه أي حالة السفر قوله فأصبنا العقد تحته ظاهر في أن الذين توجهوا في طلبه أولا لم يجدوه وفي رواية عروة في الباب الذي يليه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها أي القلادة وللمصنف في فضل عائشة من هذا الوجه وكذا لمسلم فبعث ناسا من أصحابه في طلبها ولأبي داود فبعث أسيد بن حضير وناسا معه وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث لذلك فلذلك سمي في بعض الروايات دون غيره وكذا أسند الفعل إلى واحد مبهم وهو المراد به وكأنهم لم يجدوا العقد أولا فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير فعلى هذا فقوله في رواية عروة الآتيه فوجدها أي بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره وقال النووي يحتمل أن يكون فاعل وجدها النبي صلى الله عليه وسلم وقد بالغ الداودي في توهيم رواية عروة ونقل عن إسماعيل القاضي أنه حمل الوهم فيها على عبد الله بن نمير وقد بان ذكرنا من الجمع بين الروايتين أن لا تخالف بينهما ولا وهم وفي الحديثين اختلاف آخر وهو قول عائشة انقطع عقد لي وقالت في رواية عمرو بن الحارث سقطت قلادة لي وفي رواية عروة الآتية عنها أنها استعارت قلادة من أسماء يعني أختها فهلكت أي ضاعت والجمع بينهما إن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها وإلى أسماء لكونها ملكها لتصريح عائشة في رواية عروة بأنها استعارتها منها وهذا كله بناء على اتحاد القصة وقد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد حديث الباب في تفسير المائدة وحديث عروة في تفسير النساء فكان نزول آية المائدة بسبب عقد عائشة وآية النساء بسبب قلادة أسماء وما تقدم من اتحاد القصة أظهر والله أعلم فائدة وقع في رواية عمار عند أبي داود وغيره في هذه القصة إن العقد المذكور كان من جزع ظفار وكذا وقع في قصة الإفك كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى والجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمني وظفار مدينة تقدم ذكرها في باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز السفر بالنساء اتخاذهن الحلي تجملا لأزواجهن وجواز السفر بالعارية وهو محمول على رضا صاحبها

[ 328 ] قوله حدثني سعيد بن النضر قال أخبرنا هشيم أما لم يجمع البخاري بين شيخيه في هذا الحديث مع كونهما حدثاه به عن هشيم لأنه سمعه منهما متفرقين وكأنه سمعه من محمد بن سنان مع غيره فلهذا جمع فقال حدثنا وسمعه من سعيد وحده فلهذا أفرد فقال حدثني وكأن محمدا سمعه من لفظ هشيم فلهذا قال حدثنا وكأن سعيدا قرأه أو سمعه يقرأ على هشيم فلهذا قال أخبرنا ومراعاة هذا كله في سبيل الاصطلاح ثم إن سياق المتن لفظ سعيد وقد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير والله اعلم قوله أخبرنا سيار بمهملة بعدها تحتانية متشددة وآخره راء هو أبو الحكم العنزي الواسطي البصري واسم أبيه وردان على الأشهر ويكنى أبا سيار اتفقوا على توثيق سيار وأخرج له الأئمة الستة وغيرهم وقد أدرك بعض الصحابة لكن لم يلق أحدا منهم فهو من كبار أتباع التابعين ولهم شيخ آخر يقال له سيار لكنه تابعي شامي أخرج له الترمذي وذكره بن حبان في الثقات وإنما ذكرته لأنه روى معنى حديث الباب عن أبي أمامة ولم ينسب في الرواية كما لم ينسب سيار في حديث الباب فربما ظنهما بعض من لا تمييز له واحدا فيظن أن في الإسناد اختلافا وليس كذلك قوله حدثنا يزيد الفقير هو بن صهيب يكنى أبا عثمان تابعي مشهور قيل له الفقير لأنه كان يشكو فقار ظهره ولم يكن فقيرا من المال قال صاحب المحكم رجل فقير مكسور فقار الظهر ويقال له فقير بالتشديد أيضا فائدة مدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الإسناد ولو شواهد من حديث بن عباس وأبي موسى وأبي ذر من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواها كلها أحمد بأسانيد حسان قوله أعطيت خمسا بين في رواية عمرو بن شعيب إن ذلك كان في غزوة تبوك وهي آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله لم يعطهن أحد قبلي زاد في الصلاة عن محمد بن سنان من الأنبياء وفي حديث بن عباس لا أقولهن فخرا ومفهومه أنه لم يختصر بغير الخمس المذكورة لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا فضلت على الأنبياء بست فذكر أربعا من هذه الخمس وزاد اثنتين كما سيأتي بعد وطريق الجمع أن يقال لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله وظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله وهو كذلك ولا يعترض بان نوحا عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق من كان مؤمنا معه وقد كان مرسلا إليهم لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته وإنما اتفق بالحادث الذي وقع وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة أنت أول رسول إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثته بل إثبات أولية إرساله وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض فأهلكوا بالغرق الا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقد ثبت أنه أول الرسل وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح وعلم نوح بأنهم لم منوا فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم فأجيب وهذا جواب حسن لكن لم ينقل أنه نبيء في زمن نوح غيره ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه أو بعد فينسخ بعض شريعته ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العقاب وإلى هذا نحا بن عطية في تفسير سورة هود قال وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته ووجهه بن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عاما في حق بعض الأنبياء وأن كان التزام فروع شريعته ليس عاما لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح

فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم وغفل الداودي الشارح غفلة عظيمة فقال قوله لم يعطهن أحد يعني لم تجمع لأحد قبله لأن نوحا بعث إلى كافة الناس وأما الأربع فلم يعط أحد واحدة منهن وكأنه نظر في أول الحديث وغفل عن آخره لأنه نص صلى الله عليه وسلم على خصوصيته بهذه أيضا لقوله وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وفي رواية مسلم وكان كل نبي الخ قوله نصرت بالرعب زاد أبو أمامة يقذف في قلوب أعدائي أخرجه أحمد قوله مسيرة شهر مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها أما ما دونها فلا لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر فالظاهر اختصاصه به مطلقا وإنما جعل الغاية شهرا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر وهل هي حاصلة لأمته من بعده فيه احتمال قوله وجعلت لي الأرض مسجدا أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبنى للصلاة وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك قال بن التين

قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل طهورا لأن عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة كذا قال وسبقه إلى ذلك الداودي وقيل إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض الا فيما تيقنوا نجاسته والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فثبت الخصوصية ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث بن عباس نحو حديث الباب وفيه ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه قوله وطهروا استدل به على إن الطهور هو المطهر لغيره لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية والحديث أنما سيق لإثباتها وقد روى بن المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح عن أنس مرفوعا جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا ومعنى طيبة طاهرة فلو كان معنى طهورا طاهرا للزم تحصيل الحاصل واستدل به على أن التيمم يرفع الحديث كالماء لاشتراكهما في هذا الوصف وفيه نظر

وعلى التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض وقد أكد في رواية أبي أمامة بقوله وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدا وطهورا وسيأتي البحث في ذلك قوله فأيما رجل أي مبتدأ فيه معنى الشرط وما زائدة للتأكيد وهذه صيغة عموم يدخل تحتها من لم يجد ماء ولا ترابا ووجد شيئا من أجزاء الأرض فإنه يتيمم به ولا يقال هو خاص بالصلاة لأنا نقول لفظ حديث جابر مختصر وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورا ومسجدا وعند أحمد فعنده طهوره ومسجده وفي رواية عمرو بن شعيب فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت واحتج من خص التيمم بالتراب بحديث حذيفة عند مسلم بلفظ وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء وهذا خاص فينبغي أن يحمل العام عليه فتختص الطهورية بالتراب ودل الافتراق في اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجدا دون الآخر على افتراق الحكم وإلا لعطف أحدهما على الآخر نسقا كما في حديث الباب ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ التربة على خصوصية التيمم بالتراب بان قال تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره وأجيب بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ التراب أخرجه بن خزيمة وغيره وفي حديث على وجعل التراب لي طهورا أخرجه أحمد والبهيقي بإسناد حسن ويقوى القول بأنه خاص بالتراب إن الحديث سيق لإظهار التشريف والتخصيص فلو كان جائزا بغير التراب لما اقتصر عليه وقوله فليصل عرف مما تقدم أن المراد فليصل بعد أن يتيمم قوله وأحلت لي الغنائم وللكشميهني المغانم وهي رواية مسلم قال الخطابي كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته وقيل المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء والأول أصوب وهو إن من مضى لم تحل لهم الغنائم أصلا وسيأتي بسط ذلك في الجهاد قوله وأعطيت الشفاعة قال بن دقيق العيد الأقرب إن اللام فيها للعهد والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف ولا خلاف في وقوعها وكذا جزم النووي وغيره وقيل الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل وقيل الشفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان لأن شفاعة غيره تقع فيمن في قلبه أكثر من ذلك قاله عياض والذي يظهر لي أن هذه مرادة مع الأولى لأنه يتبعها بها كما سيأتي واضحا في حديث الشفاعة إن شاء الله تعالى في كتاب الرقاق وقال البيهقي في البعث

يحتمل أن الشفاعة التي يختص بها أنه يشفع لأهل الصغائر والكبائر وغيره إنما يشفع لأهل الصغائر دون الكبائر ونقل عياض إن الشفاعة المختصة به شفاعة لا ترد وقد وقع في حديث بن عباس وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئا وفي حديث عمرو بن شعيب فهي لكم ولمن شهد أن لا آله الله فالظاهر إن المراد بالشفاعة المختصه في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل صالح إلا التوحيد وهو مختص أيضا بالشفاعة الأولى لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من تلك لاقتضائها الراحة المستمرة والله أعلم وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن عن أنس كما سيأتي في كتاب التوحيد ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل قوله وعزتي فيقول ليس ذلك لك وعزتي الخ لأن المراد أنه لا يباشر الإخراج كما في المرات الماضية بل كانت شفاعته سببا في ذلك في الجملة والله اعلم وقد تقدم الكلام على قوله وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة في أوائل الباب وأما قوله وبعثت إلى الناس عامة فوقع في رواية مسلم وبعثت إلى كل أحمر وأسود فقيل المراد بالأحمر العجم وبالأسود العرب وقيل الأحمر الأنس والأسود الجن وعلى الأول التنصيص على الأنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه مرسل إلى الجميع وأصرح الروايات في ذلك أشملها رواية أبي هريرة عند مسلم وأرسلت إلى الخلق كافة تكميل أول حديث أبي هريرة هذا فضلت على الأنبياء بست فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر الا الشفاعة وزاد الخصلتين وهما وأعطيت جوامع الكلم وختم بي النبيون فتحصل منه ومن حديث جابر سبع خصال ولمسلم أيضا من حديث حذيفة فضلنا على الناس بثلاث خصال جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وذكر خصلة الأرض ما تقدم قال وذكر خصلة أخرى وهذه الخصلة المبهمة بينها بن خزيمة والنسائي وهي وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش يشير إلى ما حطه الله عن أمته من الإصر وتحميل ما لا طاقة لهم به ورفع الخطأ والنسيان فصارت الخصال تسعا ولأحمد من حديث على أعطيت أربعا لم يعطهن أحد من أنبياء الله أعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعلت أمتي خير الأمم وذكر خصلة التراب فصارت الخصال اثنتي عشر خصلة وعند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه فضلت على الأنبياء بست غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وجعلت أمتي خير الأمم وأعطيت الكوثر وأن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه وذكر اثنتين مما تقدم وله من حديث بن عباس رفه فضلت على الأنبياء بخصلتين كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه فأسلم قال ونسيت الأخرى قلت فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع وقد تقدم طريق الجمع بين هذه الروايات وأنه لا تعارض فيها وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري

في كتاب شرف المصطفى أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم مشروعية تعديد نعم الله وإلقاء العلم قبل السؤال وأن الأصل في الأرض الطهارة وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبنى لذلك وأما حديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فضعيف

أخرجه الدارقطني من حديث جابر واستدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي وقال الأن الآدمي خلق من ماء وتراب وقد ثبت إن كلا منهما في طهور ففي ذلك كرامته والله تعالى أعلم بالصواب

قوله باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا قال بن رشيد كأن المصنف نزل فقد الشرعية التيمم منزلة فقد التراب بعد شرعية التيمم فكأنه يقول حكمهم في عدم المطهر الذي هو الماء خاصة كحكمنا في عدم المطهرين الماء والتراب وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة لأن الحديث ليس فيه إنهم فقدوا التراب وإنما فيه إنهم فقدوا الماء فقط ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين ووجهه إنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك لكن اختلفوا في وجوب الاعاده فالمنصوص عن الشافعي وجوبها وصححه أكثر أصحابه واحتجوا بأنه عذر نادر فلم يسقط الإعادة والمشهور عن أحمد وبه قال المزني وسحنون وأن المنذر لا تجب واحتجوا بحديث الباب لأنها لو كانت واجبه لبينها لهم النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وتعقب بأنه الإعادة لا تجب على الفور

فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجه وعلى هذا فلا بد من دليل على وجوب الاعاده وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنهما لا يصلي لكن قال أبو حنيفة وأصحابه يجب عليه القضاء وبه قال الثوري والأوزاعي وقال مالك فيما حكاه عنه المدنيون لا يجب عليه القضاء وهذه الأقوال الاربعه هي المشهورة في المسألة وحكى النووي في شرح المهذب عن القديم تستحب الصلاة وتجب الإعادة وبهذا تصير الأقوال خمسة والله اعلم

[ 329 ] قوله حدثنا زكريا بن يحيى هكذا وقع في جميع الروايات غير منسوب وكذا في قصة سعد بن معاذ فإنه أوردها في الصلاة والهجرة والمغازي بهذا الإسناد عنه ولم ينسبه وأعاده في التفسير تاما ومثله في الصلاة حديث مر أبا بكر أن يصلي بالناس وكذا سبق في باب خروج النساء إلى البراز لكن من روايته عن أبي أسامة لا عن عبد الله بن نمير وأعاده في التفسير تاما ومثله في التفسير حديث عائشة كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن وفي صفة إبليس حديث لما كان يوم أحد انهزم المشركون الحديث وجزم الكلاباذي بأنه اللؤلؤي البلخي وقال بن عدي هو زكريا بن يحيى بن أبي زائدة وإلى هذا مال الدارقطني لأنه كوفي وكذا الشيخان المذكوران عبد الله بن نمير وأبو أسامة وقد روى البخاري في العيدين عن زكريا بن يحيى عن المحاربي لكن قال حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين فيحتمل أن يكون هو المهمل في المواضع الأخرى لأنه كوفي وشيخه كوفي أيضا وقد ذكر المزي في التهذيب أنه روى عن بن نمير وأبي أسامة أيضا وجزم صاحب الزهرة بأن البخاري روى عن بن السكين أربعة أحاديث وهو مصير منه إلى أنه المراد كما جوزناه وإلى ذلك مال أبو الوليد الباجي في رجال البخاري والله اعلم قوله وليس معهم ماء فصلوا زاد الحسن بن سفيان في مسنده عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه فصلوا بغير وضوء أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طريقه وكذا أخرجه الجوزقي من وجه آخر عن بن نمير وكذا للمصنف في فضل عائشة من طريق أبي أسامة وفي التفسير من طريق عبدة بن سليمان كلاهما عن هشام وكذا لمسلم من طريق أبي أسامة وأغرب بن المنذر فادعى إن عبدة تفرد بهذه الزيادة وقد تقدمت مباحث الحديث وطريق الجمع بين رواية عروة والقاسم في الباب الذي قبله

قوله باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة جعله مقيدا بشرطين خوف خروج الوقت وفقد الماء ويلتحق بفقده عدم القدرة عليه قوله وبه قال عطاء أي بهذا المذهب وقد وصله عبد الرزاق من وجه صحيح وابن أبي شيبة من وجه آخر وليس في المنقول عنه تعرض لوجوب الإعادة قوله وقال الحسن وصله إسماعيل القاضي في الأحكام من وجه صحيح وروى بن أبي شيبة من وجه آخر عن الحسن وابن سيرين قالا لا يتيمم ما رجا أن يقدر على الماء في الوقت ومفهومه يوافق ما قبله قوله وأقبل بن عمر قال الشافعي أخبرنا بن عيينة عن بن عجلان عن نافع عن بن عمر أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر وذكر بقية الخبر كما علقه المصنف ولم يظهر لي سبب حذفه منه ذكر التيمم مع أنه مقصود الباب وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع مختصرا لكن ذكر فيه أنه تيمم فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين وأخرجه الدارقطني والحاكم من وجه آخر عن نافع مرفوعا لكن إسناده ضعيف والجرف بضم الجيم والراء بعدها فاء موضع ظاهر المدينة كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو وقال بن إسحاق هو على فرسخ من المدينة والمربد بكسر الميم وسكون الراء بعدها موحدة مفتوحة وحكى بن التين أنه روى بفتح أوله وهو من المدينة على ميل وهذا يدل على أن بن عمر يرى جواز التيمم للحاضر لأن مثل هذا لا يسمى سفرا وبهذا يناسب الترجمة وظاهره أن بن عمر لم يراع خروج الوقت لأنه دخل المدينة والشمس مرتفعه لكن يحتمل أن يكون ظن أنه لا يصل إلا بعد خروج الوقت ويحتمل أيضا إن بن عمر تيمم لا عن حدث بل لأنه كان يتوضأ لكل صلاة استحبابا فلعله كان على وضوء فأراد الصلاة ولم يجد الماء كعادته فاقتصر على التيمم بدل الوضوء وعلى هذا فليس مطابقا للترجمة ألا بجامع ما بينهما من التيمم في الحضر وأما كونه لم يعد فلا حجة فيه لمن أسقط الإعادة عن المتيمم في الحضر لأنه على هذا الاحتمال لا تجب عليه الإعادة بالاتفاق وقد اختلف السلف في أصل المسألة فذهب مالك إلى عدم وجوب الإعادة على من تيمم في الحضر ووجهه بن بطال بأن التيمم إنما ورد في المسافر والمريض لإدراك وقت الصلاة فيلتحق بهما الحاضر وإذا لم يقدر على الماء قياسا وقال الشافعي تجب عليه الإعادة لندور ذلك وعن أبي يوسف وزفر لا يصلي إلى أن يجد الماء ولو خرج الوقت

[ 330 ] قوله عن جعفر بن ربيعة في رواية الإسماعيلي حدثني جعفر ونصف هذا الإسناد مصريون ونصفه الأعلى مدنيون قوله سمعت عميرا مولى بن عباس هو بن عبد الله الهلالي مولى أم الفضل بنت الحارث والدة بن عباس وقد روى إسحاق هذا الحديث فقال مولى عبيد الله بن عباس وإذا كان مولى أم الفضل فهو مولى أولادها وروى موسى بن عقبة وابن لهيعة وأبو الحويرث هذا الحديث عن الأعرج عن أبي الجهيم ولم يذكروا بينهما عميرا والصواب إثباته وليس له في الصحيح غير هذا الحديث وحديث آخر عن أم الفضل ورواية الأعرج عنه من رواية الأقران قوله أقبلت أنا وعبد الله بن يسار هو أخو عطاء بن يسار التابعي المشهور ووقع عند مسلم في هذا الحديث عبد الرحمن بن يسار وهو وهم وليس له في هذا الحديث رواية ولهذا لم يذكره المصنفون في رجال الصحيحين قوله على أبي جهيم قيل اسمه عبد الله وحكى بن أبي حاتم عن أبيه قال يقال هو الحارث بن الصمة فعلى هذا لفظة بن زائدة بين أبي جهيم والحارث لكن صحح أبو حاتم أن الحارث اسم أبيه لا اسمه وفرق بن أبي حاتم بينه وبين عبد الله بن جهيم يكنى أيضا أبا جهيم وقال بن منده عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصمة فجعل الحارث اسم جده ولم يوافق عليه وكأنه أراد أن يجمع الأقوال المختلفة فيه والصمة بكسر المهملة وتشديد الميم هو بن عمرو بن عتيك الخزرجي ووقع في مسلم دخلنا على أبي الجهم بإسكان الهاء والصواب أنه بالتصغير وفي الصحابة شخص آخر يقال له أبو الجهم وهو صاحب الانبجانيه وهو غير هذا لأنه قرشي وهذا أنصاري ويقال بحذف الألف واللام في كل منهما وبإثباتهما قوله من نحو بئر جمل أي من جهة الموضع الذي يعرف بذاك وهو معروف بالمدينة وهو بفتح الجيم والميم وفي النسائي بئر الجمل وهو من العقيق قوله فلقيه رجل هو أبو الجهيم الراوي بينه الشافعي في روايته لهذا الحديث من طريق أبي الحويرث عن الأعرج قوله حتى أقبل على الجدار وللدارقطني من طريق بن إسحاق عن الأعرج حتى وضع يده على الجدار وزاد الشافعي فحته بعصا وهو محمول على إن الجدار كان مباحا أو مملوكا لإنسان يعرف رضاه قوله فمسح بوجهه ويديه وللدارقطني من طريق أبي صالح عن الليث فمسح بوجهه وذراعيه وكذا للشافعي من رواية أبي الحويرث وله شاهد من حديث بن عمر أخرجه أبو داود لكن خطأ الحفاظ روايته في رفعه وصوبوا وقفه وقد تقدم إن مالكا أخرجه موقوفا بمعناه وهو الصحيح والثابت في حديث أبي جهيم أيضا بلفظ يديه لا ذراعيه فإنها رواية شاذة مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف وسيأتي الخلاف في إيجاب مسح الذراعين بعد بباب واحد قال النووي هذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادما للماء حال التيمم قلت وهو مقتضى صنيع البخاري لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب وهو إرادة ذكر الله لأن لفظ السلام من أسمائه وما أريد به استباحة الصلاة وأجيب بأنه لما تيمم في الحضر لرد السلام مع جوازه بدون الطهارة فمن أخشى فوت الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى لعدم جواز الصلاة بغير طهارة مع القدرة وقيل يحتمل أنه لم يرد صلى الله عليه وسلم بذلك التيمم رفع الحدث ولا استباحة محظور وإنما أراد التشبه بالمتطهرين كما يشرع الإمساك في رمضان لمن يباح له الفطر أو أراد تخفيف الحدث بالتيمم كما يشرع تخفيف حدث الجنب بالوضوء كما تقدم واستدل به بن بطال على عدم اشتراط التراب فقال لأنه معلوم أنه لم يعلق بيده من الجدار وتراب ونوقض بأنه غير معلوم بل وهو محتمل وقد سبق من رواية الشافعي ما يدل على أنه لم يكن على الجدار تراب ولهذا أحتاج إلى حته بالعصا

قوله باب المتيمم هل ينفخ فيهما أي في يديه وزعم الكرماني أن في بعض النسخ باب هل ينفخ في يديه بعد ما يضرب بهما الصعيد للتيمم وإنما ترجم بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا كعادته لأن النفخ يحتمل أن يكون لشيء علق بيده خشي أن يصيب وجهه الكريم أو علق بيده من التراب شيء له كثرة فأراد تخفيفه لئلا يبقى له أثر في وجهه ويحتمل أن يكون لبيان التشريع ومن ثم تمسك به من أجاز التيمم بغير التراب زاعما أن نفخه يدل على أن المشترط في التيمم الضرب من غير زيادة على ذلك فلما كان هذا الفعل محتملا لما ذكر أورده بلفظ الاستفهام ليعرف الناظر إن للبحث فيه مجالا

[ 331 ] قوله حدثنا الحكم هو بن عتيبة الفقيه الكوفي وذر بالمعجمة هو بن عبد الله المرهبي قوله جاء رجل لم أقف على تسميته وفي رواية الطبراني أنه من أهل البادية وفي رواية سليمان بن حرب الآتيه إن عبد الرحمن بن أبزى شهد ذلك قوله فلم أصب الماء فقال عمار هذه الرواية اختصر فيها جواب عمر وليس ذلك من المصنف فقد أخرجه البيهقي من طريق آدم أيضا بدونها وقد أورد المصنف الحديث المذكور في الباب الذي يليه من رواية ستة أنفس أيضا عن شعبة بالإسناد المذكور ولم يسقه تاما من رواية واحد منهم نعم ذكر جواب عمر مسلم من طريق يحيى بن سعيد والنسائي من طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة ولفظهما فقال لا تصل زاد السراج حتى تجد الماء وللنسائي نحوه وهذا مذهب مشهور عن عمر ووافقه عليه عبد الله بن مسعود وجرت فيه مناظرة بين أبي موسى وابن مسعود كما سيأتي في باب التيمم ضربة وقيل إن بن مسعود رجع عن ذلك وسنذكر هناك توجيه ما ذهب إليه عمر في ذلك والجواب عنه قوله في سفر ولمسلم في سرية وزاد في فأجنبنا وسيأتي للمصنف مثله في الباب الذي بعده من رواية سليمان بن حرب عن شعبة قوله فتمعكت وفي الرواية الآتية بعد فتمرغت بالغين المعجمه أي تقلبت وكان عمارا استعمل القياس في هذه المسألة لأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء رأى أن التيمم عن الغسل يقع على هيئة الغسل ويستفاد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأن المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه وإن لم يصب الحق وأنه إذا عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة وفي تركه أمر عمر أيضا بقضائها متمسك لمن قال إن فاقد الطهورين لا يصلي ولا قضاء عليه كما تقدم

قوله إنما كان يكفيك فيه دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المشروحة في هذا الحديث والزيادة على ذلك لو ثبتت بالأمر دلت على النسخ ولزم قبولها لكن إنما وردت بالفعل فتحمل على الأكمل وهذا هو الأظهر من حيث الدليل كما سيأتي قوله وضرب يكفيه الأرض في رواية غير أبي ذر فضرب النبي صلى الله عليه وسلم وكذا للبيهقي من طريق آدم قوله ونفخ فيهما وفي رواية حجاج الآتيه ثم أدناهما من فيه وهي كناية عن النفخ وفيهما إشارة إلى أنه كان نفخا خفيفا وفي رواية سليمان بن حرب تفل فيهما والتفل قال أهل اللغة هو دون البزق والنفث دونه وسياق هؤلاء يدل على أن التعليم وقع بالفعل ولمسلم من طريق يحيى بن سعيد وللإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون وغيره كلهم عن شعبة أن التعليم وقع بالقول ولفظهم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض زاد يحيى ثم ينفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك واستدل بالنفخ على استحباب تخفيف التراب كما تقدم وعلى سقوط استحباب التكرار في التيمم لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف وعلى إن من غسل رأسه بدل المسح في الوضوء أجزأه أخذا من كون عمار يمرغ في التراب للتيمم وأجزأه ذلك ومن هنا يؤخذ جواز الزيادة على الضربتين في التيمم وسقوط إيجاب الترتيب في التيمم عن الجنابة

قوله باب التيمم للوجه والكفين أي هو الواجب المجزيء وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن وفي رواية إلى نصف الذراع وفي رواية إلى الآباط فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له وأن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد وسيأتي الكلام على مسألة الاقتصار على ضربة واحدة في بابه إن شاء الله تعالى

[ 332 ] قوله حدثنا حجاج هو بن منهال وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق حجاج بن محمد عن شعبة بغير هذا السياق ولم يسمع البخاري من حجاج بن محمد وتابعه على هذا السياق عن حجاج بن منهال على بن عبد العزيز البغوي أخرجه بن المنذر والطبراني عنه وخالفهما محمد بن خزيمة البصري عنه فقال عن عبد الرحمن أبزى عن أبيه أخرجه الطحاوي عنه وأشار إلى أنه وهم فيه قلت سقطت من روايته لفظه بن ولا بد منها لأن أبزي والد عبد الرحمن لا رواية له في هذا الحديث والله أعلم قوله عن الحكم في رواية كريمة والأصيلي أخبرني الحكم وهي رواية بن المنذر أيضا قوله عن بن عبد الرحمن في رواية أبي ذر وأبي الوقت عن سعيد بن عبد الرحمن قوله بهذا أشار إلى سياق المتن الذي قبله من رواية آدم عن شعبة وهو كذلك إلا أنه ليس في رواية حجاج قصة عمر قوله وقال النضر هو بن شميل وهذا التعليق موصول عند مسلم عن إسحاق بن منصور عن النضر وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسحاق بن زاهويه عنه وأفاد النضر في هذه الرواية إن الحكم سمعه من شيخ شيخه سعيد بن عبد الرحمن والظاهر أنه سمعه من ذر عن سعيد ثم لقي سعيدا فأخذه عنه وكان سماعه له من ذر كان أتقن ولهذا أكثر ما يجيء في الروايات بإثباته وأفادت رواية سليمان بن حرب إن عمر أيضا كان قد أجنب فلهذا خالف اجتهاده اجتهاد عمار

[ 334 ] قوله في رواية محمد بن كثير يكفيك الوجه والكفان كذا في رواية الأصيلي وغيره بالرفع فيهما على الفاعلية وهو واضح وفي رواية أبي ذر وكريمة يكفيك الوجه والكفين بالنصب فيهما على المفعولية إما بإضمار أعني أو التقدير يكفيك أن تمسح الوجه والكفين أو بالرفع في الوجه على الفاعلية وبالنصب في الكفين على أنه مفعول معه وقيل أنه روى بالجر فيهما ووجهه بن مالك بان الأصل يكفيك مسح الوجه والكفين فحذف المضاف وبقي المجرور به على ما كان ويستفاد من هذا اللفظ إن ما زاد على الكفين ليس بفرض كما تقدم واليه ذهب أحمد وإسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن خزيمة ونقله بن الجهم وغيره عن مالك ونقله الخطابي عن أصحاب الحديث وقال النووي رواه أبو ثور وغيره عن الشافعي في القديم وأنكر ذلك الماوردي وغيره قال وهو إنكار مردود لأن أبا ثور إمام ثقة قال وهذا القول وإن كان مرجوحا فهو القوي في الدليل انتهى كلامه في شرح المهذب وقال في شرح مسلم في الجواب عن هذا الحديث إن المراد به بيان صورة الضرب للتعليم وليس المراد به بيان جميع ما يحصل به التيمم وتعقب بأن سياق القصة يدل على أن المراد به بيان جميع ذلك لأن ذلك هو الظاهر من قوله إنما يكفيك وأما ما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترط في الوضوء فجوابه أنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد الاعتبار وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر وهو الإطلاق في آية السرقة ولا حاجة مع وجود هذا النص

[ 335 ] قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم ولم يسق المتن في هذه الرواية بل قال وساق الحديث وظاهره أن لفظه يوافق اللفظ الذي قبله ثم ساقه نازلا من طريق غندر عن شعبة وأظنه قصد بإيراد هذه الطرق الإشارة إلى إن النضر تفرد بزيادته وأن الحكم سمعه من سعيد بلا واسطة واختصر المصنف أيضا سياق غندر وقد أخرجه أحمد عنه وأخرجه بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار شيخ البخاري وسياقه أتم ذكر فيه قصة عمر وذكر فيه النفخ أيضا والله أعلم

قوله باب بالتنوين الصعيد الطيب وضوء المسلم هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البزار من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا وصححه بن القطان لكن قال الدارقطني أن الصواب إرساله وروى أحمد وأصحاب السنن من طريق أبي قلابة عن عمرو بن بجدان وهو بضم الموحدة وسكون الجيم عن أبي ذر نحوه ولفظه إن الصعيد الطيب طهور المسلم وأن لم يجد الماء عشر سنين وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني قوله وقال الحسن وصله عبد الرزاق ولفظه يجزئ تيمم واحد ما لم يحدث وابن أبي شيبة ولفظه لا ينقض التيمم إلا الحدث وسعيد بن منصور ولفظه التيمم بمنزلة الوضوء إذا تيممت فأنت على وضوء حتى تحدث وهو أمر أصرح في مقصود الباب وكذلك ما أخرجه حماد بن سلمة في مصنفه عن يونس بن عبيد عن الحسن قال تصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم تحدث قوله وأم بن عباس وهو متيمم وصله بن أبي شيبة والبهيقي وغيرهما وإسناده صحيح وسيأتي في باب إذا خاف الجنب لعمرو بن العاص مثله وأشار المصنف بذلك إلى أن التيمم يقوم مقام الوضوء ولو كانت الطهارة به ضعيفة لما أم بن عباس وهو متيمم من كان متوضئا وهذه المسألة وافق فيها البخاري الكوفيين والجمهور وذهب بعضهم من التابعين وغيرهم إلي خلاف ذلك وحجتهم أن التيمم طهارة ضرورية لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت ولذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أجنب فلم يصل الإناء من الماء ليغتسل به بعد أن قال له عليك بالصعيد فإنه يكفيك لأنه وجد الماء فبطل تيممه وفي الاستدلال بهذا على عدم جواز أكثر من فريضة بتيمم واحد نظر وقد أبيح عند الأكثر بالتيمم الواحد النوافل مع الفريضة إلا إن مالكا رحمه الله يشترط تقدم الفريضة وشذ شريك القاضي فقال لا يصلي بالتيمم الواحد أكثر من صلاة واحدة فرضا كانت أو نفلا قال بن المنذر إذا صحت النوافل بالتيمم الواحد صحت الفرائض لأن جميع ما يشترط للفرائض مشترط للنوافل إلا بدليل انتهى وقد اعترف البيهقي بأنه ليس في المسألة حديث صحيح من الطرفين قال لكن صح عن بن عمر إيجاب التيمم لكل فريضة ولا يعلم له مخالف من الصحابة وتعقب بما رواه بن المنذر عن بن عباس أنه لا يجب واحتج المصنف لعدم الوجوب بعموم قوله في حديث الباب فإنه يكفيك أي ما لم تحدث أو تجد الماء وحمله الجمهور على الفريضة التي تيمم من اجلها ويصلي به ما شاء من النوافل فإذا حضرت فريضة أخرى وجب طلب الماء فإن لم يجد فتيمم والله اعلم قوله وقال يحيى بن سعيد هو الأنصاري والسبخة بمهملة وموحدة ثم معجمة مفتوحات هي الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت وإذا وصفت الأرض قلت هي أرض سبخة بكسر الموحدة وهذا الأثر يتعلق بقوله في الترجمة الصعيد الطيب أي إن المراد بالطيب الطاهر وأما الصعيد فقد تقدم نقل الخلاف فيه وأن الأظهر اشتراط التراب ويدل عليه قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه فإن الظاهر أنها للتبعيض قال بن بطال فإن قيل لا يقال مسح منه إلا إذا أخذ منه جزءا وهذه صفة التراب لا صفة الصخر مثلا الذي لا يعلق باليد منه شيء قال فالجواب أنه يجوز أن يكون قوله منه صلة وتعقب بأنه تعسف قال صاحب الكشاف فإن قلت لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن أو غيره إلا معنى التبعيض قلت هو كما تقول والإذعان للحق خير من المراء انتهى واحتج بن خزيمة لجواز التيمم بالسبخة بحديث عائشة في شأن الهجرة أنه قال صلى الله عليه وسلم أرأيت دار هجرتكم سبخة ذات نخل يعني المدينة قال وقد سمي النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طيبة فدل على إن السبخة داخلة في الطيب ولم يخالف في ذلك إلا إسحاق بن راهويه

[ 337 ] قوله حدثنا مسدد زاد أبو ذر بن مسرهد ويحيى بن سعيد هو القطان وعرف بالفاء هو الأعرابي وأبو رجاء هو العطاردي وعمران هو بن حصين وكلهم بصريون قوله كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم اختلف في تعيين هذا السفر ففي مسلم من حديث أبي هريرة أنه وقع عند رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة وفي أبي داود من حديث بن مسعود أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزل فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا الحديث وفي الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلا عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق مكة ووكل بلالا وفي مصنف عبد الرزاق عن عطاء بن يسار مرسلا أن ذلك كان بطريق تبوك وللبيهقي في الدلائل نحوه من حديث عقبة بن عامر وروى مسلم من حديث أبي قتادة مطولا والبخاري مختصرا في الصلاة قصة نومهم عن صلاة الصبح أيضا في السفر لكن لم يعينه ووقع في رواية لأبي داود إن ذلك كان في غزوة جيش الأمراء وتعقبه بن عبد البر بأن غزوة جيش الأمراء هي غزوة مؤتة ولم يشهدها النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما قال لكن يحتمل أن يكون المراد بغزوة جيش الأمراء غزوة أخرى غير غزوة مؤتة وقد اختلف العلماء هل كان ذلك مرة أو أكثر أعنى نومهم عن صلاة الصبح فجزم الأصيلي بأن القصة واحدة وتعقبه القاضي عياض بأن قصة أبي قتادة مغايره لقصة عمران بن حصين وهو كما قال فإن قصة أبي قتادة فيها أن أبا بكر وعمر لم يكونا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما نام وقصة عمران فيها أنهما كانا معه كما سنبينه وأيضا فقصة عمر أن فيها أن أول من استيقظ أبو بكر ولم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم حتى أيقظه عمر بالتكبير وقصة أبي قتادة فيها إن أول من استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وفي القصتين غير ذلك من وجوه المغايرات ومع ذلك فالجمع بينهما ممكن لا سيما ما وقع عند مسلم وغيره أن عبد الله بن رباح راوي الحديث عن أبي قتادة ذكر أن عمران بن حصين سمعه وهو يحدث بالحديث بطوله فقال له انظر كيف تحدث فإني كنت شاهدا القصة قال فما أنكر عليه من الحديث شيئا فهذا يدل على اتحادها لكن لمدعي التعدد أن يقول يحتمل أن يكون عمران حضر القصتين فحدث بإحداهما وصدق عبد الله بن رباح لما حدث عن أبي قتادة بالأخرى والله أعلم ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها كما قدمناه وحاول بن عبد البر الجمع بينهما بأن زمان رجوعهم من خيبر قريب من زمان رجوعهم من الحديبية وأن اسم طريق مكة يصدق عليهما ولا يخفى ما فيه من التكلف ورواية عبد الرزاق بتعيين غزوة تبوك ترد عليه وروى الطبراني من حديث عمرو بن أمية شبيها بقصة عمران وفيه أن الذي كلأ لهم الفجر ذو مخبر وهو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمه وفتح الموحدة وأخرجه من طريق ذي مخبر أيضا وأصله عند أبي داود وفي حديث أبي هريرة عند مسلم إن بلالا هو الذي كلأ لهم الفجر وذكر فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولهم استيقاظا كما في قصة أبي قتادة ولابن حبان في صحيحه من حديث بن مسعود أنه كلأ لهم الفجر وهذا أيضا يدل على تعدد القصة والله اعلم قوله أسرينا قال الجوهري تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلا وقال صاحب المحكم السري سير عامة الليل وقيل سير الليل كله وهذا الحديث يخالف القول الثاني قوله وقعنا وقعة في رواية أبي قتادة عند المصنف ذكر سبب نزولهم في تلك الساعة وهو سؤال بعض القوم في ذلك وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال أخاف إن تناموا عن الصلاة فقال بلال أنا أوقظهم قوله فكان أول من استيقظ فلان بنصب أول لأنه خبر كان وقوله الرابع هو في روايتنا بالرفع ويجوز نصبه على خبر كان أيضا وقد بين عوف أنه نسي تسمية الثلاثة مع أن شيخه كان يسميهم وقد شاركه في روايته عن سلم بن زرير فسمى أول من استيقظ أخرجه المصنف في علامات النبوة من طريقه ولفظه فكان أول من أستيقظ أبو بكر ويشبه والله أعلم أن يكون الثاني عمران راوي القصة لأن ظاهر سياقه أنه شاهد ذلك ولا يمكنه مشاهدته إلا بعد استيقاظه ويشبه أن يكون الثالث من شارك عمران في رواية هذه القصة المعينة ففي الطبراني من رواية عمرو بن أمية قال ذو مخبر فما أيقظني إلا حر الشمس فجئت أدنى القوم فأيقظته وأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم قوله لأنا لا ندري ما يحدث له بضم الدال بعدها مثلثة أي من الوحي كانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي فلا يوقظونه لاحتمال ذلك قال بن بطال يؤخذ منه التمسك بالأمر الأعم احتياطا قوله وكان رجلا جليدا هو من الجلادة بمعنى الصلابة وزاد مسلم هنا أجوف أي رفيع الصوت يخرج صوته من جوفه بقوة وفي استعماله التكبير سلوك طريق الأدب والجمع بين المصلحتين وخص التكبير لأنه أصل الدعاء إلى الصلاة قوله الذي أصابهم أي من نومهم عن صلاة الصبح حتى خرج وقتها قوله لا ضير أي لاضرر وقوله أو لا يضير شك من عوف صرح بذلك البيهقي في روايته ولأبي نعيم في المستخرج لا يسوء ولا يضير وفيه تأنيس لقلوب الصحابة لما عرض لهم من الأسف على فوات الصلاة في وقتها بأنهم لا حرج عليهم إذ لم يتعمدوا ذلك قوله ارتجلوا بصيغة الأمر استدل به على جواز تأخير الفائتة عن وقت ذكرها إذا لم يكن عن تغافل أو استهانة وقد بين مسلم من رواية أبي حازم عن أبي هريرة السبب في الأمر بالارتحال من ذلك الموضع الذي ناموا فيه ولفظه فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ولأبي داود من حديث بن مسعود تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة وفيه رد على ما زعم أن العلة فيه كون ذلك كان وقت الكراهة بل في حديث الباب أنهم لم يستيقظوا حتى وجدوا حر الشمس ولمسلم من حديث أبي هريرة حتى ضربتهم الشمس وذلك لا يكون إلا بعد أن يذهب وقت الكراهة وقد قيل إنما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لاشتغالهم بأحوالها وقيل تحرزا من العدو وقبل انتظارا لما ينزل عليه من الوحي وقيل لأن المحل محل غفلة كما تقدم عند أبي داود وقيل ليستيقظ من كان نائما وينشط من كان كسلانا وروى عن بن وهب وغيره أن تأخير قضاء الفائتة منسوخ بقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى وفيه نظر لأن الآية مكية والحديث مدني فكيف ينسخ المتقدم المتأخر وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم إن عيني تنامان ولا ينام قلبي قال النووي له جوابان أحدهما أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان والثاني أنه كان له حالان حال كان قلبه فيه لا ينام وهو الأغلب وحال ينام فيه قلبه وهو نادر فصادف هذا أي قصة النوم عن الصلاة قال والصحيح المعتمد هو الأول والثاني ضعيف وهو كما قال ولا يقال القلب وإن كان لايدرك ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا لكنه يدرك إذا كان يقظانا مرور الوقت الطويل فإن من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حميت الشمس مدة طويلة لا تخفي على من لم يكن مستغرقا لأنا نقول يحتمل أن يقال كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة إلقاء الوحي في اليقظة وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل لأنه أوقع في النفس كما في قضية سهوه في الصلاة وقريب من هذا جواب بن المنير إن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع ففي النوم بطريق الأولى أو على السواء وقد أجيب على أصل الإشكال بأجوبة أخرى ضعيفه منها إن معنى قوله لا ينام قلبي أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه ومنها أن معناه لا يستغرق بالنوم حتى يوجد منه الحدث وهذا قريب من الذي قبله قال بن دقيق العيد كأن قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب بإدراك حالة الانتقاض وذلك بعيد وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم إن عيني تنامان ولا ينام قلبي خرج جوابا عن قول عائشة أتنام قبل أن توتر وهذا كلام لا تعلق له بانتفاض الطهارة الذي تكلموا فيه وإنما هو جواب يتعلق بأمر الوتر فتحمل يقظته على تعلق القلب باليقظه للوتر وفرق بين من شرع في النوم مطمئن القلب به وبين من شرع فيه متعلقا باليقظة قال فعلى هذا فلا تعارض ولا إشكال في حديث النوم حتى طلعت الشمس لأنه يحمل على أنه اطمأن في نومه لما أوجبه تعب السير معتمدا على من وكله بكلاءة الفجر أه والله أعلم ومحصلة تخصيص اليقظة المفهومة من قوله ولا ينام قلبي بإدراكه وقت الوتر إدراكا معنويا لتعلقه به وأن نومه في حديث الباب كان نوما مستغرقا ويؤيده قول بلال له أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك كما في حديث أبي هريرة عند مسلم ولم ينكر عليه ومعلوم إن نوم بلال كان مستغرقا وقد اعترض عليه بان ما قاله يقتضي اعتبار خصوص السبب وأجاب بأنه يعتبر إذا قامت عليه قرينة وأرشد إليه السياق وهو هنا كذلك ومن الأجوبة الضعيفة أيضا قول من قال كان قلبه يقظانا وعلم بخروج الوقت لكن ترك إعلامهم بذلك عمدا لمصلحة التشريع وقول من قال المراد بنفي النوم عن قلبه أنه لا يطرأ عليه أضغاث أحلام كما يطرأ على غيره بل كل ما يراه في نومه حق ووحي فهذه عدة أجوبه أقربها إلى الصواب الأول على الوجه الذي قررناه والله المستعان فائدة قال القرطبي أخذ بهذا بعض العلماء فقال من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في سفر فليتحول عن موضعه وإن كان واديا فيخرج عنه وقيل إنما يلزم في ذلك الوادي بعينه وقيل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم من حال ذلك الوادي ولا غيره ذلك إلا هو وقال غيره يؤخذ منه أن من حصلت له غفلة في مكان عن عبادة استحب له التحول منه ومنه أمر الناعس في سماع الخطبة يوم الجمعة بالتحول من مكانه إلى مكان آخر قوله فسار غير بعيد يدل على أن الارتحال المذكور وقع على خلاف سيرهم المعتاد قوله ونودى بالصلاة استدل به على الأذان للفوائت وتعقب بأن النداء أعم من الأذان فيحتمل أن يراد به هنا الإقامة وأجيب بان في رواية مسلم من حديث أبي قتادة التصريح بالتأذين وكذا هو عند المصنف في أواخر المواقيت وترجم له خاصة بذلك كما سيأتي قوله فصلى بالناس فيه مشروعية الجماعة في الفوائت قوله إذا هو برجل لم أقف على تسميته ووقع في شرح العمدة للشيخ سراج الدين بن الملقن ما نصه هذا الرجل هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة شهد بدرا قال بن الكلبي وقتل يومئذ وقال غيره له رواية وهذا يدل على أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم قلت أما على قول بن الكلبي فيستحيل أن يكون هو صاحب هذه القصة لتقدم وقعة بدر على هذه القصة بمدة طويلة بلا خلاف فكيف يحضر هذه القصة بعد قتله وأما على قول غير بن الكلبي فيحتمل أن يكون هو لكن لا يلزم من كونه له رواية أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن تكون الرواية عنه منقطعة أو متصلة لكن نقلها عنه صحابي آخر ونحوه وعلى هذا فلا منافاة بين هذا وبين من قال أنه قتل ببدر إلا أن تجيء رواية عن تابعي غير مخضرم وصرح فيها بسماعه منه فحينئذ يلزم أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا يلزم أن يكون هو صاحب هذه القصة إلا إن وردت رواية مخصوصة بذلك ولم اقف عليها إلى الآن قوله أصابتني جنابة ولا ماء بفتح الهمزة أي معي أو موجود وهو أبلغ في إقامة عذره وفي هذه القصة مشروعية تيمم الجنب وسيأتي القول فيه في الباب الذي بعد وفيها جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن سياق القصة يدل على إن التيمم كان معلوما عندهم لكنه صريح في الآية عن الحدث الأصغر بناء على أن المراد بالملامسة ما دون الجماع وأما الحدث الأكبر فليست صريحة فيه فكأنه كان يعتقد إن الجنب لا يتيمم فعمل بذلك مع قدرته على أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحكم ويحتمل أنه كان لا يعلم مشروعية التيمم أصلا فكان حكمه حكم فاقد الطهورين ويؤخذ من هذه القصة إن للعالم إذا رأى فعلا محتملا أن يسأل فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب وفيه التحريض على الصلاة في الجماعة وأن ترك الشخص الصلاة بحضرة المصلين معيب على فاعله بغير عذر وفيه حسن الملاطفة والرفق في الإنكار قوله عليك بالصعيد وفي رواية سلم بن زرير فأمره أن يتيمم بالصعيد واللام فيه للعهد المذكور في الآية الكريمه ويؤخذ منه الاكتفاء في البيان بما يحصل به المقصود من الإفهام لأنه أحاله على الكيفية المعلومة من الآية ولم يصرح له بها ودل قوله يكفيك على إن المتيمم في مثل هذه الحالة لايلزمه القضاء ويحتمل أن يكون المراد بقوله يكفيك أي للأداء فلا يدل على ترك القضاء قوله فدعا فلانا هو عمران بن حصين ويدل على ذلك قوله في رواية سلم بن زرير عند مسلم ثم عجلني النبي صلى الله عليه وسلم في ركب بين يديه فطلب الماء ودلت هذه الرواية على أنه كان هو وعلى فقط لأنهما خوطبا بلفظ التثنية ويحتمل أنه كان معهما غيرهما على سبيل التبعية لهما فيتجه إطلاق لفظ ركب في رواية مسلم وخصا بالخطاب لأنهما المقصودان بالإرسال قوله فابتغينا وللأصيلي فابغيا ولأحمد فأبغيانا والمراد الطلب يقال ابتغ الشيء أي تطلبه وابغ الشيء أي اطلبه وابغني أي أطلب لي وفيه الجري على العادة في طلب الماء وغيره دون الوقوف عند خرقها وأن التسبب في ذلك غير قادح في التوكل قوله بين مزادتين المزادة بفتح الميم والزاي قربة كبيره يزاد فيها جلد من غيرها وتسمى أيضا السطيحة وأو هنا شك من عوف لخلو رواية مسلم عن أبي رجاء عنها وفي رواية مسلم فإذا نحن بامرأة سادلة أي مدلية رجليها بين مزادتين والمراد بهما الراوية قوله أمس خبر لمبتدأ وهو مبنى على الكسر وهذه الساعة بالنصب على الظرفية وقال بن مالك أصله في مثل هذه الساعة فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه أي بعد حذف في قوله ونفرنا قال بن سيدة النفر ما دون العشرة وقيل النفر الناس عن كراع قلت وهو اللائق هنا لأنها أرادت إن رجالها تخلفوا لطلب الماء وخلوف بضم الخاء المعجمة واللام جمع خالف قال بن فارس الخالف المستقي ويقال أيضا لمن غاب ولعله المراد هنا أي إن رجالها غابوا عن الحي ويكون قولها ونفرنا خلوف جملة مستقلة زائدة على جواب السؤال وفي رواية المستملي والحموي ونفرنا خلوفا بالنصب على الحال السادة مسد الخبر قوله الصابي بلا همز أي المائل ويروي بالهمز من صبأ صبوءا أي خرج من دين إلى دين وسيأتي تفسيره للمصنف في آخر الحديث قوله هو الذي تعنين فيه أدب حسن ولو قالا لها لا لفات المقصود أو نعم لم يحسن بهما إذ فيه تقرير ذلك فتخلصا أحسن تخلص وفيه جواز الخلوة بالاجنبيه في مثل هذه الحالة

عند أمن الفتنه قوله فاستنزلوها عن بعيرها قال بعض الشراح المتقدمين إنما أخذوها واستجازوا أخذ مائها لأنها كانت كافرة حربية وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض وإلا فنفس الشارع تفدى بكل شيء على سبيل الوجوب قوله ففرغ وللكشميهني فأقرع فيه من أفواه المزادتين زاد الطبراني والبيهقي من هذا الوجه فتمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين وبهذه الزيادة تتضح الحكمة في ربط الأفواه بعد فتحها وإطلاق الأفواه هنا كقوله تعالى فقد صغت قلوبكما إذ ليس لكل مزادة سوى فم واحد وعرف منها إن البركة إنما حصلت بمشاركة ريقه الطاهر المبارك للماء قوله وأوكأ أي ربط وقوله وأطلق ايي فتح والعزالي بفتح المهملة والزاي وكسر اللام ويجوز فتحها جمع عزلاء بإسكان الزاي قال الخليل هي مص الماء من الراوية ولكل مزادة عزلا وان من أسفلها قوله أسقوا بهمزة قطع مفتوحة من أسقى أو بهمزة مكسورة من سقى والمراد أنهم سقوا غيرهم كالدواب ونحوها واستقواهم قوله وكان آخر ذلك أن أعطى بنصب آخر على أنه خبر مقدم وأن أعطى اسم كان ويجوز رفعه على أن أعطى الخبر لأن كليهما معرفة قال أبو البقاء والأول أقوى ومثله قوله تعالى فما كان جواب قومه الآية واستدل بهذه القصة على تقديم مصلحة شرب الآدمي والحيوان على غيره كمصلحة الطهارة بالماء لتأخير المحتاج إليها عمن سقى واستقى ولا يقال قد وقع في رواية سلم بن زرير غير أنا لم نسق بعيرا لأنا نقول هو محمول على إن الإبل لم تكن محتاجة إذ ذاك إلى السقي فيحمل قوله فسقى على غيرها قوله وايم الله بفتح الهمزة وكسرها والميم مضمومة أصله أيمن الله وهو اسم وضع للقسم هكذا ثم حذفت منه النون تخفيفا وألفه ألف وصل مفتوحة ولم يجيء كذلك غيرها وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف والتقدير أيم الله قسمى وفيها لغات جمع منها النووي في تهذيبه سبع عشرة ويبلغ بها غيره عشرين وسيكون لنا إليها عودة لبيانها في كتاب الإيمان إن شاء الله تعالى ويستفاد منه جواز التوكيد باليمين وأن لم يتعين قوله أشد ملاة بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة وفي رواية للبيهقي أملا منها والمراد إنهم يظنون إن ما بقي فيها من الماء أكثر مما كان اولا قوله اجمعوا لها فيه جواز الأخذ للمحتاج برضا المطلوب منه أو بغير رضاه إن تعين وفيه جواز المعاطاة في مثل هذا من الهبات والإباحات من غير لفظ من المعطى والآخذ قوله من بين عجوة وسويقة العجوة معروفة والسويقة بفتح أوله وكذا الدقيقة وفي رواية كريمة بضمها مصغرا مثقلا قوله حتى جمعوا لها طعاما زاد أحمد في روايته كثيرا وفيه إطلاق لفظ الطعام على غير الحنطة والذرة خلافا لمن أبي ذلك ويحتمل أن يكون قوله حتى جمعوا لها طعاما أي غير ما ذكر من العجوة وغيرها قوله قال لها ما تعلمين بفتح أوله وثانيه وتشديد اللام أي اعلمي وللأصيلي قالوا وللإسماعيلي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحمل رواية الأصيلي على إنهم قالوا لها ذلك بامره وقد اشتمل ذلك على علم عظيم من أعلام النبوة قوله ما رزئنا بفتح الراء وكسر الزاي ويجوز فتحها وبعدها همزة ساكنه أي نقصنا وظاهره إن جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله تعالى وأوجده وأنه لم يختلط فيه شيء من مائها في الحقيقة وإن كان في الظاهر مختلطا وهذا أبدع وأغرب في المعجزة وهو ظاهر قوله ولكن الله هو الذي اسقانا ويحتمل أن يكون المراد ما نقصنا من مقدار مائك شيئا واستدل بهذا على جواز استعمال أواني المشركين ما لم يتيقن فيها النجاسة فيه إشارة إلى أن الذي أعطاها ليس على سبيل العرض عن مائها بل على سبيل التكرم والتفضل قوله وقال بإصبعيها أي أشارت وهو من إطلاق القول على الفعل قوله يغيرون بالضمن من أغار أي دفع الخيل في الحرب قوله الصرم بكسر المهملة أي أبياتا مجتمعه من الناس قوله فقالت يوما لقومها ما أرى هؤلاء القوم يدعونكم عمدا هذه رواية الأكثر قال بن مالك ما موصولة وأرى بفتح الهمزة بمعنى أعلم والمعنى الذي اعتقده أن هؤلاء يتركونكم عمدا لا غفلة ولا نسيانا بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم وهذه الغاية في مراعاة الصحبة اليسيرة وكأن هذا القول سببا لرغبتهم في الإسلام وفي رواية أبي ذر ما أرى إن هؤلاء القوم وقال بن مالك أيضا وقع في بعض النسخ ما أدري يعني رواية الأصيلي قال وما موصولة وأن بفتح الهمزة وقال غيره ما نافية وأن معنى لعل وقيل ما نافية وإن بالكسر ومعناه لا أعلم حالكم في تخلفكم عن الإسلام مع إنهم يدعونكم عمدا ومحصل القصة أن المسلمين صاروا يراعون قومها على سبيل الاستئلاف لهم حتى كان ذلك سببا لاسلامهم وبهذا يحصل الجواب عن الإشكال الذي ذكره بعضهم وهو أن الاستيلاء على الكفار بمجرده يوجب رق النساء والصبيان وإذا كان كذلك فقد دخلت المرأة في الرق باستيلائهم عليها فكيف وقع إطلاقها وتزويدها كما تقدم لنا نقول أطلقت لمصلحة الاستئلاف الذي جر دخول قومها أجمعين في الإسلام ويحتمل أنها ما لها أمان قبل ذلك أو كانت من قوم لهم عهد واستدل به بعضهم على جواز أخذ أموال الناس عند الضرورة بثمن إن كان له ثمن وفيه نظر لأنه بناء على إن الماء كان مملوكا للمرأة وإنها كانت معصومة النفس والمال ويحتاج إلى ثبوت ذلك وإنما قدمناه احتمالا وأما قوله بثمن فكأنه أخذه من إعطائها ما ذكر وليس بمستقيم لأن العطية المذكورة متقومة والماء مثلي وضمان المثلى إنما يكون بالمثل وينعكس ما قاله من جهة أخري وهو أن المأخوذ من فضل الماء للضرورة لا يجب العوض عنه وقال بعضهم فيه جواز طعام المخارجة لأنهم تخارجوا في عوض الماء وهو مبنى على ما تقدم وفيه إن الخوارق لا تغير الأحكام الشرعيه قوله قال أبو عبد الله صبأ الخ هذا في رواية المستملى وحده ووقع في نسخة الصغاني صبأ فلان أنخلع واصبأ أي كذلك وكذا قوله وقال أبو العالية الخ وقد وصله بن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عنه وقال غيره هم منسوبون إلى صابىء بن متوشلخ عم نوح عليه السلام وروى بن مردويه بإسناد حسن عن بن عباس قال الصابئون ليس لهم كتاب انتهى ووقع في نسخة الصغاني أصب أمل وهذا سيأتي في تفسير سورة يوسف إن شاء الله تعالى وإنما أورد البخاري هذا هنا ليبين الفرق بين الصابيء المراد في هذا الحديث والصابيء المنسوب للطائفة المذكورة والله أعلم

قوله باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض الخ مراده إلحاق خوف المرض وفيه اختلاف بين الفقهاء بخوف العطش ولا اختلاف فيه قوله ويذكر إن عمرو بن العاص هذا التعليق وصله أبو داود والحاكم من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت أن اغتسل فأهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت أني سمعت الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا وروياه أيضا من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد عن أبي حبيب لكن زاد بين عبد الرحمن بن جبير وعبد الله بن عمرو رجلا وهو أبو قيس مولى عمرو بن العاص وقال في القصة فغسل مغابنه وتوضأ ولم يقل تيمم وقال فيه لو اغتسلت مت وذكر أبو داود إن الأوزاعي روى عن حسان بن عطية هذه القصة فقال فيها فتيمم انتهى ورواها عبد الرزاق من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ولم يذكر التيمم والسياق الأول أليق بمراد المصنف وإسناده قوي لكنه علقه بصيغة التمريض لكونه اختصره وقد أوهم ظاهر سياقه إن عمرو بن العاص تلا الآية لأصحابه وهو جنب وليس كذلك وإنما تلاها بعد أن رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره على غزوة ذات السلاسل كما سيأتي في المغازي ووجه استدلاله بالآية ظاهر من سياق الرواية الثانية وقال البيهقي يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن الباقي وقال النووي وهو متعين قوله فلم يعنف حذف المفعول للعلم به أي لم يلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا فكان ذلك تقريرا دالا على الجواز ووقع في رواية الكشميهني فلم يعنفه بزيادة هاء الضمير وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

[ 338 ] قوله حدثنا محمد هو غندر لم يقل الأصيلي هو غندر فكأنها مقول من دون البخاري قوله عن شعبة للاصيلي حدثنا شعبة وسليمان هو الأعمش قوله فإذا لم تجد الماء لا تصلي كذا في روايتنا بتاء الخطاب ويؤيده رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ولفظه فقال عبد الله نعم إن لم أجد الماء شهرا لا أصلي وفي رواية كريمة بالياء التحتانية في الموضعين أي إذا لم يجد الجنب قوله قال عبد الله زاد بن عساكر نعم قوله أحدهم كذا للأكثر وللحموي أحدكم قوله قال هكذا فيه إطلاق القول على العمل وقوله يعني تيمم وصلى شرح لقوله هكذا والظاهر أنه مقول أبي موسى قوله فأين قول عمار لعمر هكذا وقع في رواية شعبة مختصرا وبيانه في رواية حفص الآتية ثم رواية أبي معاوية وهي أتم

[ 339 ] قوله حدثنا عمر بن حفص أي بن غياث قوله حدثنا الأعمش في رواية أبي ذر وأبي الوقت عن الأعمش وأفادت رواية حفص التصريح بسماع الأعمش من شقيق قوله أرأيت أي أخبرني يا أبا عبد الرحمن وهي كنية بن مسعود قوله إذا أجنب أي الرجل قوله حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم كان يكفيك كذا اختصر المتن وأبهم الآية وسيأتي المراد من ذلك في الباب الذي بعده قوله فدعنا من قول عمار فيه جواز الانتقال من دليل إلى دليل أوضح منه وبما فيه الاختلاف إلى ما فيه الإتفاق وفيه جواز التيمم للجنب بخلاف ما نقل عن عمرو وابن مسعود وفيه إشارة إلى ثبوت حجة أبي موسى لقوله فما درى عبد الله ما يقول وسيأتي الكلام على ذلك وعلى السبب في كون عمر لم يقنع بقول عمار

قوله باب التيمم ضربة رواية الأكثر بتنوين باب وقوله التيمم ضربة بالرفع لأنه مبتدأ وخبر وفي رواية الكشميهني بغير تنوين وضربة بالنصب

[ 340 ] قوله حدثنا محمد بن سلام وللأصيلي محمد هو بن سلام قوله ما كان يتيمم ويصلي ولكريمة والأصيلي أما كان بزيادة همزة الاستفهام ولمسلم كيف يصنع بالصلاة قال عبد الله لا يتيمم وأن لم يجد الماء شهرا ونحوه لأبي داود قال فقال أبو موسى فكيف تصنعون بهذه الآية قوله فكيف تصنعون في سورة المائدة وللكشميهني فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة وسقط لفظ الآية من رواية الأصيلي قوله فلم تجدوا هو بيان للمراد من الآية ووقع في رواية الأصيلي فإن لم تجدوا وهو مغاير للتلاوة وقيل إنه كان كذلك في رواية أبي ذر ثم أصلحها على وفق الآية وإنما عين سورة المائدة لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء لتقدم حكم الوضوء في المائدة قال الخطابي وغيره فيه دليل على أن عبد الله كان يرى إن المراد بالملامسة الجماع فلهذا لم يدفع دليل أبي موسى وإلا لكان يقول له المراد من الملامسة التقاء البشرتين فيما دون الجماع وجعل التيمم بدلا من الوضوء لا يستلزم جعله بدلا من الغسل قوله إذا برد بفتح الراء على المشهور وحكى الجوهري ضمها قوله قلت وإنما كرهتم هذا لذا قائل ذلك هو شقيق قاله الكرماني وليس كما قال بل هو الأعمش والمقول له شقيق كما صرح بذلك في رواية حفص التي قبل هذه قوله فقال أبو موسى ألم تسمع ظاهره أن ذكر أبي موسى لقصة عمار متأخر عن احتجاجه بالآية وفي رواية حفص الماضية احتجاجه بالآية متأخر عن احتجاجه بحديث عمار ورواية حفص أرجح لأن فيها زيادة تدل على ضبط ذلك وهي قوله فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية قوله كما تمرغ الدابة بفتح المثناة وضم الغين المعجمة وأصله تتمرغ فحذفت إحدى التاءين قوله إنما كان يكفيك فيه إن الكيفية المذكورة مجزئه فيحمل ما ورد زائدا عليها على الاكمل قوله ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه كذا في جميع الروايات بالشك وفي رواية أبي داود تحرير ذلك من طريق أبي معاوية أيضا ولفظه ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه وفيه الاكتفاء بضربة واحدة في التيمم ونقله بن المنذر عن جمهور العلماء واختاره وفيه أن الترتيب غير مشترط في التيمم قال بن دقيق العيد اختلف في لفظ هذا الحديث فوقع عند البخاري بلفظ ثم وفي سياقه اختصار ولمسلم بالواو ولفظه ثم مسح الشمال على اليمن وظاهر كفيه ووجهه وللإسماعيلي ما هو أصرح من ذلك قلت ولفظه من طريق هارون الحمال عن أبي معاوية إنما يكفيك أن تضرب بيديك على الأرض ثم تنفضهما ثم تمسح بيمينك على شمالك وشمالك على يمينك ثم تمسح على وجهك قال الكرماني في هذه الرواية اشكال من خمسة أوجه أحدها الضربة الواحدة وفي الطرق الأخرى

ضربتان وقد قال النووي الأصح المنصوص ضربتان قلت مراد النووي ما يتعلق بنقل المذهب قوله ألم تر عمر في رواية الأصيلي وكريمة أفلم بزيادة فاء وإنما لم يقنع عمر بقول عمار لكونه أخبره أنه كان معه في تلك الحال وحضر معه تلك القصة كما سيأتي في رواية يعلى بن عبيد ولم يتذكر ذلك عمر أصلا ولهذا قال لعمار فيما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبزي اتق الله يا عمار قال إن شئت لم أحدث به فقال عمر نوليك ما توليت قال النووي معنى قول عمر اتق الله يا عمار أي فيما ترويه وتثبت فيه فلعلك نسيت أو اشتبه عليك فإني كنت معك ولا أتذكر شيئا من هذا ومعنى قول عمار إن رأيت المصلحة في الإمساك عن التحديث به راجحة على التحديث به وافقتك وأمسكت فإني قد بلغته فلم يبق على فيه حرج فقال له عمر نوليك ما توليت أي لا يلزم من كوني لا أتذكره أن لا يكون حقا في نفس الأمر فليس لي منعك من التحديث به قوله زاد يعلى هو بن عبيد والذي زاده يعلى في هذه القصة قول عمار لعمر بعثني أنا وأنت وبه يتضح عذر عمر كما قدمناه وأما بن مسعود فلا عذر له في التوقف عن قبول حديث عمار فلهذا جاء عنه أنه رجح عن الفتيا بذلك كما أخرجه بن أبي شيبة بإسناد فيه انقطاع عنه ورواية يعلى بن عبيد لهذا الحديث وصلها أحمد في مسنده عنه قوله إنما كان يكفيك هكذا وللكشميهني هذا قوله واحدة أي مسحة واحدة

قوله باب كذا للأكثر بلا ترجمة وسقط من رواية الأصيلي أصلا فعلى روايته هو من جملة الترجمة الماضية وعلى الأول هو بمنزلة الفصل من الباب كنظائره

[ 341 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وحديثه هذا مختصر من الحديث الطويل الماضي في باب الصعيد الطيب وليس فيه التصريح بكون الضربة في التيمم مرة واحدة فيحتمل أن يكون المصنف أخذه من عدم التقييد لأن المرة الواحدة أقل ما يحصل به الامتثال ووجوبها متيقن والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب التيمم من الأحاديث المرفوعة على سبعة عشر حديثا المكرر منها عشرة منها اثنان معلقان والخالص سبعة منها واحد معلق والبقية موصولة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عمرو بن العاص المعلق وفيه من الموقوفات على الصحابة والتابعين عشرة آثار منها ثلاثة موصولة وهي فتوى عمرو وأبي موسى وابن مسعود ومن براعة الختام الواقعة للمصنف في هذا الكتاب ختمه كتاب التيمم بقوله فإنه يكفيك إشارة إلى إن الكفاية بما أورده تحصل لمن تدبر وتفهم والله سبحانه وتعالى أعلم