أبواب القبلة
  [ 389 ] قوله إسحاق بن نصر كذا وقع منسوبا في جميع الروايات التي وقفت عليها وبذلك جزم الإسماعيلي وأبو نعيم وابن مسعود وغيرهم وذكر أبو العباس الطرقي في الأطراف له أن البخاري أخرجه عن إسحاق غير منسوب وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق شيخ إسحاق بن نصر فيه بإسناده هذا فجعله من رواية بن عباس عن أسامة بن زيد وكذلك رواه مسلم من طريق محمد بن بكر عن بن جريج وهو الأرجح وسيأتي وجه التوفيق بين رواية بلال المثبتة لصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة وبين هذه الرواية النافية في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله في قبل الكعبة بضم القاف والموحدة وقد تسكن أي مقابلها أو ما استقبلك منها وهو وجهها وهذا موافق لرواية بن عمر السالفة قوله قوله هذه القبلة الإشارة إلى الكعبة قيل المراد بذلك تقرير حكم الانتقال عن بيت المقدس وقيل المراد إن حكم من شاهد البيت وجوب مواجهة عينه جزما بخلاف الغائب وقيل المراد إن الذي أمرتم باستقباله ليس هو الحرم كله ولا مكة ولا المسجد الذي حول الكعبة بل الكعبة نفسها أو الإشارة إلى وجه الكعبة أي هذا موقف الإمام ويؤيده ما رواه البزار من حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى باب الكعبة وهو يقول أيها الناس أن الباب قبلة البيت

وهو محمول على الندب لقيام الإجماع على جواز استقبال البيت من جميع جهاته والله أعلم

قوله باب التوجه نحو القبلة حيث كان أي حيث وجد الشخص في سفر أو حضر والمراد بذلك في صلاة الفريضة كما يتبين ذلك الحديث الثاني في الباب وهو حديث جابر قوله وقال أبو هريرة هذا طرف من حديثه في قصة المسىء صلاته وقد ساقه المصنف بذها اللفظ في كتاب الاستئذان

[ 390 ] قوله عن البراء تقدم في باب الصلاة من الإيمان من كتاب الإيمان بيان من رواه عن أبي إسحاق مصرحا بتحديث البراء له قوله وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري وغيره من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزلت ومن طريق مجاهد قال إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة لأن اليهود قالوا يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا فنزلت وظاهر حديث بن عباس هذا إن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه والجمع بينهما ممكن بان يكون أمر صلى الله عليه وسلم لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس وأخرج الطبراني

من طريق بن جريج قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ثم وجهه الله إلى الكعبة فقوله في حديث بن عباس الأول أمره الله يرد قول من قال أنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد وقد أخرجه الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وعن أبي العالية أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس يتألف أهل الكتاب وهذا لاينفي أن يكون بتوقيف قوله نحو بيت المقدس أي بالمدينة قد تقدم في باب الصلاة من الإيمان في كتاب الإيمان تحرير المدة المذكورة وإنها ستة عشر شهرا وأيام قوله يوجه بفتح الجيم أي يؤمر بالتوجه قوله فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجال كذا في رواية المستملى والحموي وفي رواية غيرهما رجل وهو المشهور وقد تقدم في الإيمان أن اسمه عباد بن بشر وتحتاج رواية المستملى إلى تقدير محذوف في قوله ثم خرج أي بعض أولئك الرجال قوله في صلاة العصر نحو بيت المقدس وللكشميهني في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس وفيه إفصاح بالمراد ووقع في تفسير بن أبي حاتم من طريق ثويلة بنت أسلم صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين أي ركعتين ثم جاءنا من يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام واختلفت الرواية في الصلاة التي تحولت القبلة عندها وكذا في المسجد فظاهر حديث البراء هذا أنها الظهر وذكر محمد بن سعد في الطبقات قال يقال أنه صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه ودار معه المسلمون ويقال زار النبي صلى الله عليه وسلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعاما وحانت الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ركعتين ثم أمر فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب فسمى مسجد القبلتين قال بن سعد قال الوافدي هذا أثبت عندنا وأخرج بن أبي داود بسند ضعيف عن عمارة بن رويبة كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي حين صرفت القبلة فدار ودرنا معه في ركعتين وأخرج البزار من حيث أنس انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس وهو يصلي الظهر بوجهه إلى الكعبة وللطبراني نحوه من وجه آخر عن أنس وفي كل منهما ضعف قوله فقال أي الرجل هو يشهد يعني بذلك نفسه وهو على سبيل التجريد ويحتمل أن يكون الراوي نقل كلامه بالمعنى ويؤيده الرواية المتقدمة في الإيمان بلفظ أشهد وقد تقدمت مباحثه هناك

[ 391 ] قوله حدثنا مسلم زاد الأصيلي بن إبراهيم قال حدثنا هشام زاد الأصيلي بن أبي عبد الله وهو الدستوائي عن محمد بن عبد الرحمن أي بن ثوبان العامري المدني وليس له في الصحيح عن جابر غير هذا الحديث وفي طبقته محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ولم يخرج له البخاري عن جابر شيئا قوله حيث توجهت زاد الكشميهني به والحديث دال على عدم ترك استقبال القبلة في الفريضة وهو إجماع لكن رخص في شدة الخوف

[ 392 ] قوله عن منصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو بن يزيد النخعي وأخطأ من قال أنه غيره وهذه الترجمة من أصح الأسانيد قوله قال إبراهيم أي الراوي المذكور لا أدري زاد أو نقص أي النبي صلى الله عليه وسلم والمراد إن إبراهيم شك في سبب سجود السهو المذكور هل كان لأجل الزيادة أو النقصان لكن سيأتي في الباب الذي بعده من رواية الحكم عن إبراهيم بإسناده هذا أنه صلى خمسا وهو يقتضي الجزم بالزيادة فلعله شك لما حدث منصور وتيقن لما حدث الحكم وقد تابع الحكم على ذلك حماد بن أبي سليمان وطلحة بن مصرف وغيرهما وعين في رواية الحكم أيضا وحماد أنها الظهر ووقع للطبراني من رواية طلحة بن مصرف عن إبراهيم أنها العصر وما في الصحيح أصح قوله أحدث بفتحات ومعناه السؤال عن حدوث شيء من الوحي يوجب تغيير حكم الصلاة عما عهدوه ودل استفهامهم عن ذلك على جواز النسخ عندهم وإنهم كانوا يتوقعونه قوله قال وما ذاك فيه إشعار بأنه لم يكن عنده شعور مما وقع منه من الزيادة وفيه دليل على جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال قال بن دقيق العيد وهو قول عامة العلماء والنظار وشذت طائفة فقالوا لا يجوز على النبي السهو وهذا الحديث يرد عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم فيه أنسى كما تنسون ولقوله فإذا نسيت فذكروني أي بالتسبيح ونحوه وفي قوله لو حدث شيء في الصلاة لنبأتكم به دليل على عدم تأخير البيان عن وقت الحاجه ومناسبة الحديث للترجمة من قوله فثنى رجله وللكشميهني والأصيلي رجليه بالتثنيه واستقبل القبلة فدل على عدم ترك الاستقبال في كل حال من أحوال الصلاة واستدل به على رجوع الإمام إلى قول المأمومين لكن يحتمل أن يكون تذكر عند ذلك أو علم بالوحي أو أن سؤالهم أحدث عنده شكا فسجد لوجود الشك الذي طرأ لا لمجرد قولهم قوله فليتحر الصواب بالحاء المهملة والراء المشدده أي فليقصد والمراد البناء على اليقين كما سيأتي واضحا مع بقية مباحثه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى

قوله باب ما جاء في القبلة أي غير ما تقدم ومن لم ير الاعاده على من سها فصلى إلى غير القبلة واصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا تبين خطؤه فروى بن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي وغيرهم إنهم قالوا لا تجب الاعاده وهو قول الكوفيين وعن الزهري ومالك وغيرهما تجب في الوقت لا بعده وعن الشافعي يعيد إذا تيقن الخطأ مطلقا وفي الترمذي من حديث عامر بن ربيعة ما يوافق قول الأولين لكن قال ليس إسناده بذاك قوله وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم الخ هو طرف من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وهو موصول في الصحيحين من طرق لكن قوله وأقبل على الناس ليس هو في الصحيحين بهذا اللفظ موصولا لكنه في الموطأ من طريق أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة ووهم بن التين تبعا لابن بطال حيث جزم بأنه طرف من حديث بن مسعود الماضي لأن حديث بن مسعود ليس في شيء من طرقه أنه سلم من ركعتين ومناسبة هذا التعليق للترجمة من جهة أن بناءه على الصلاة دال على أنه في حال استدباره القبلة كان في حكم المصلي ويؤخذ منه أن من ترك للاستقبال ساهيا لا تبطل صلاته

[ 393 ] قوله عن أنس قال قال عمر هو من رواية صحابي عن صحابي لكنه صغير عن كبير قوله وافقت ربي في ثلاث أي وقائع والمعنى وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة على نفسه أو أشار به إلى حدوث رأيه وقدم الحكم وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه من مشهورها قصة اسارى بدر وقصة الصلاة على المنافقين وهما في الصحيح وصحح الترمذي من حديث بن عمر أنه قال ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر الا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر وهذا دال على كثرة موافقته وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر لكن ذلك بحسب المنقول وقد تقدم الكلام على مقام إبراهيم وسيأتي الكلام على مسألة الحجاب في تفسير سورة الأحزاب وعلى مسألة التخيير في تفسير سورة التحريم وقوله في هذه الرواية واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن عسى ربه الخ وذكر فيه من وجه آخر عن حميد في تفسير سورة البقرة زيادة يأتي التنبيه عليها في باب عشرة النساء في أواخر النكاح وقال بعضهم كان اللائق إيراد هذا الحديث في الباب الماضي وهو قوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى والجواب أنه عدل عنه إلى حديث بن عمر للتنصيص فيه على وقوع ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث عمر هذا فليس فيه التصريح بذلك وأما مناسبته للترجمة فأجاب الكرماني بان المراد من الترجمة ما جاء في القبلة وما يتعلق بها فأما على قول من فسر مقام إبراهيم بالكعبة فظاهر أو بالحرم كله فمن في قوله من مقام إبراهيم للتبعيض ومصلى أي قبلة أو بالحجر الذي وقف عليه إبراهيم وهو الأظهر فيكون تعلقه بالمتعلق بالقبلة لا بنفس القبلة وقال بن رشيد الذي يظهر لي أن تعلق الحديث بالترجمة الإشارة إلى موضع الاجتهاد في القبلة لأن عمر اجتهد في أن أختار أن يكون المصلى إلى مقام إبراهيم الذي هو في وجه الكعبة فاختار إحدى جهات القبلة بالاجتهاد وحصلت موافقته على ذلك فدل على تصويب اجتهاد المجتهد إذا بذل وسعه ولا يخفى ما فيه

[ 394 ] قوله وقال بن أبي مريم في رواية كريمة حدثنا بن أبي مريم وفائدة إيراد هذا الإسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس فأمن من تدليسه وقوله بهذا أي إسنادا ومتنا فهو من رواية أنس عن عمر لا من رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفائدة التعليق المذكور تصريح حميد بسماعه له من أنس وقد تعقبه بعضهم بان يحيى بن أيوب لم يحتج به البخاري وأن خرج له في المتابعات وأقول وهذا من جملة المتابعات ولينفرد بحيي بن أيوب بالتصريح المذكور فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية يوسف القاضي عن أبي الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد حدثنا أنس والله أعلم

[ 395 ] قوله بينا الناس بقباء بالمد والصرف وهو الأشهر ويجوز فيه القصر وعدم الصرف وهو يذكر ويؤنث موضع معروف ظاهر المدينة والمراد هنا مسجد أهل قباء ففيه مجاز الحذف واللام في الناس للعهد الذهني والمراد أهل قباء ومن حضر معهم قوله في صلاة الصبح ولمسلم في صلاة الغداة وهو أحد أسمائها وقد نقل بعضهم كراهية تسميتها بذلك وهذا فيه مغايرة لحديث البراء المتقدم فإن فيه إنهم كانوا في صلاة العصر والجواب أن لا منافاة بين الخبرين لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر أو بن نهيك كما تقدم ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث بن عمر ولم يسم الآتي بذلك إليهم وإن كان بن طاهر وغيره نقلوا أنه عباد بن بشر ففيه نظر لأن ذلك إنما ورد في حق بني حارثة في صلاة العصر فإن كان ما نقلوا محفوظا فيحتمل أن يكون عباد أتى بني حارثة أولا في وقت العصر ثم توجه إلى أهل قباء فأعلمهم بذلك في وقت الصبح ومما يدل على تعددهما أن مسلما روى من حديث أنس أن رجلا من بني سلمة مر وهم ركوع في صلاة الفجر فهذا موافق لرواية بن عمر في تعيين الصلاة وبنو سلمة غير بني حارثة قوله قد انزل عليه الليلة قرآن فيه إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي والليلة التي تليه مجازا والتنكير في قوله قرآن لإرادة البعضية والمراد قوله قد نرى تقلب وجهك في السماء الآيات قوله وقد أمر فيه أن ما يؤمر به النبي صلى الله عليه وسلم يلزم أمته وأن أفعاله يتأسى بها كأقواله حتى يقوم دليل الخصوص قوله فاستقبلوها بفتح الموحدة للأكثر أي فتحولوا إلى جهة الكعبة وفاعل استقبلوها المخاطبون بذلك وهم أهل قباء وقوله وكانت وجوههم الخ تفسير من الراوي للتحول المذكور ويحتمل أن يكون فاعل استقبلوها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه وضمير وجوههم لهم أو لأهل قباء على الاحتمالين وفي رواية الأصيلي فاستقبلوها بكسر الموحدة بصيغة الأمر ويأتي في ضمير وجوههم الاحتمالان المذكوران وعودة إلى أهل قباء أظهر ويرجح رواية الكسر أنه عند المصنف في التفسير من رواية سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار في هذا الحديث بلفظ وقد أمر أن يستقبل الكعبة الا فاستقبلوها فدخول حرف الاستفتاح يشعر بان الذي بعده أمر لا أنه بقية الخبر الذي قبله والله اعلم ووقع بيان كيفية التحول في حديث ثويلة بنت أسلم عند بن أبي حاتم وقد ذكرت بعضه قريبا وقالت فيه فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام قلت وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف ولما تحول الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال وهذا يستدعي عملا كثيرا في الصلاة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة أو لم تتوال الخطأ عند التحويل بل وقعت مفرقة والله أعلم وفي هذا الحديث إن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه لأن أهل قباء لم يؤمروا بالإعادة مع كون الأمر باستقبال الكعبة وقع قبل صلاتهم تلك بصلوات واستنبط منه الطحاوي أن من لم تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام ذلك فالفرض غير لازم له وفيه جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لما تمادوا في الصلاة ولم يقطعوها دل على أنه رجح عندهم التمادي والتحول على القطع والاستئناف ولا يكون ذلك الا عن اجتهاد كذا قيل وفيه نظر لاحتمال أن يكون عندهم في ذلك نص سابق لأنه صلى الله عليه وسلم كان مترقبا التحول المذكور فلا مانع أن يعلمهم ما صنعوا من التمادي والتحول وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر بطريق العلم به لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهته ووقع تحولهم عنها إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد وأجيب بان الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت القطع عندهم بصدق ذلك المخبر فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم إلا بما يفيد العلم وقيل كان النسخ بخبر الواحد جائزا في زمنه صلى الله عليه وسلم مطلقا وإنما منع بعده ويحتاج إلى دليل وفيه جواز تعليم من ليس في الصلاة من هو فيها وأن استماع المصلي لكلام من ليس في الصلاة لا يفسد صلاته وقد تقدم الكلام على تعيين الوقت الذي حولت فيه القبلة في الكلام على حديث البراء في كتاب الإيمان ووجه تعلق حديث بن عمر بترجمة الباب أن دلالته على الجزء الأول منها من قوله أمر أن يستقبل الكعبة وعلى الجزء الثاني من حيث أنهم صلوا في أول تلك الصلاة إلى القبلة المنسوخة جاهلين بوجوب التحول عنها وأجزأت عنهم مع ذلك ولم يؤمروا بالإعادة فيكون حكم الساهي كذلك لكن يمكن أن يفرق بينهما بان الجاهل مستصحب للحكم الأول مغتفر في حقه ما لا يغتفر حق الساهي لأنه إنما يكون عن حكم استقر عنده وعرفه

[ 396 ] قوله عن عبد الله يعني بن مسعود قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله وتعلقه بالترجمة من قوله قال وما ذاك أي ما سبب هذا السؤال وكان في تلك الحالة غير مستقبل القبلة سهوا كما يظهر في الرواية الماضية من قوله فثنى رجله واستقبل القبلة

قوله باب حك البزاق باليد من المسجد أي سواء كان بآلة أم لا ونازع الإسماعيلي في ذلك فقال قوله فحكه بيده أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر بيده النخامة ويؤيد ذلك الحديث الآخر أنه حكها بعرجون أه والمصنف مشى على ما يحتمله اللفظ مع أنه لا مانع في القصة من التعدد وحديث العرجون رواه أبو داود من حديث جابر