أبواب المساجد
  [ 397 ] قوله عن حميد عن أنس كذا في جميع ما وقفت عليه من الطرق بالعنعنة ولكن أخرجه عبد الرزاق فصرح بسماع حميد من أنس فأمن تدليسه قوله نخامة قيل هي ما يخرج من الصدر وقيل النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من الرأس قوله في القبلة أي الحائط الذي من جهة القبلة قوله حتى رؤى أي شوهد في وجهه أثر المشقة وللنسائي فغضب حتى أحمر وجهه وللمصنف في الأدب من حديث بن عمر فتغيظ على أهل المسجد قوله إذا قام في صلاته أي بعد شروعه فيها قوله أو أن ربه كذا للأكثر بالشك كما سيأتي في الرواية الأخرى بعد خمسة أبواب وللمستملى والحموي وأن ربه بواو العطف والمراد بالمناجاة من قبل العبد حقيقة النجوى ومن قبل الرب لازم ذلك فيكون مجازا والمعنى إقباله عليه بالرحمة والرضوان وأما قوله أو إن ربه بينه وبين القبلة وكذا في الحديث الذي بعده فإن الله قبل وجهه فقال الخطابي معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير فإن مقصودة بينه وبين قبلته وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله وقال بن عبد البر هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بان الله في كل مكان وهو جهل واضح لأن في الحديث أنه يبزق تحت قدمه وفيه نقض ما أصلوه وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته قال العلامة بن باز حفظه الله ليس في الحديث المذكور رد على من أثبت استواء الرب سبحانه على العرش بذاته لأن النصوص من الآيات والأحاديث في إثبات استواء الرب سبحانه على العرش بذاته محكمة قطعية واضحة لا تحتمل أدنى تأويل وقد أجمع أهل السنة على الأخذ بها والإيمان بما دلت عليه على الوجه الذي يليق بالله سبحانه من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته وأما قوله في هذا الحديث فإن الله قبل وجهه إذا صلى وفي لفظ فإن ربه بينه وبين القبلة فهذا لفظ محتمل يجب أن يفسر بما يوافق النصوص المحكمة كما قد أشار الإمام بن عبد البر إلى ذلك ولا يجوز حمل هذا اللفظ وأشباهه على ما يناقض نصوص الاستواء الذي أثبتته النصوص القطعة المحكمة الصريحة والله أعلم ومهما تؤول به هذا جاز أن يتأول به ذاك والله اعلم وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أو لا ولا سيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم وفي صحيحي بن خزيمة وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعا من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه وفي رواية لابن خزيمة من حديث بن عمر مرفوعا يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي لكم الحديث وفيه أنه قال له إنك آذيت الله ورسوله قوله قبل قبلته بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة قبلته قوله أو تحت قدميه أي اليسرى كما في حديث أبي هريرة في الباب الذي بعده وزاد أيضا من طريق همام عن أبي هريرة فيدفنها كما سيأتي ذلك بعد أربعة أبواب قوله ثم أخذ طرف ردائه الخ فيه البيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامع وظاهر قوله أو يفعل هكذا أنه مخير بين ما ذكر لكن سيأتي بعد أربعة أبواب إن المصنف حمل هذا الأخير على ما إذا بدره البراق فأو على هذا في الحديث للتنويع والله أعلم

قوله في حديث بن عمر

[ 398 ] رأى بصاقا في جدار القبلة وفي رواية المستملى في جدار المسجد وللمصنف في أواخر الصلاة من طريق أيوب عن نافع في قبلة المسجد وزاد فيه ثم نزل فحكها بيده وهو مطابق للترجمة وفيه أشعار بأنه كان في حال الخطبة وصرح الإسماعيلي بذلك في روايته من طريق شيخ البخاري فيه وزاد فيه أيضا قال وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب فلذلك صنع الزعفران في المساجد

قوله في حديث عائشة رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه كذا هو في الموطأ بالشك وللإسماعيلي من طريق معن عن مالك أو نخاعا بدل مخاطا وهو أشبه وقد تقدم الفرق بين النخاعة والنخامة

قوله باب حك المخاط بالحصى من المسجد وجه المغايرة بين هذه الترجمة والتي قبلها من طريق الغالب وذلك أن المخاط غالبا يكون له جرم لزج فيحتاج في نزعه إلى معالجة والبصاق لا يكون فيمكن نزعه بغير آلة الا أن خالطه بلغم فيلتحق بالمخاط وهذا الذي يظهر من مراده قوله وقال بن عباس هذا التعليق وصله بن أبي شيبة بسند صحيح وقال في آخره وأن كان ناسيا لم يضره ومطابقته للترجمة الإشارة إلى أن العلة العظمى في النهي احترام القبلة لا مجرد التأذي بالبزاق ونحوه فإنه وإن كان علة فيه أيضا لكن احترام القبلة فيه أكد فلهذا لم يفرق فيه بين رطب ويابس بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار فلا يضر وطء اليابس منه والله أعلم

[ 400 ] قوله فتناول حصاة هذا موضع الترجمة ولا فرق في المعنى بين النخامة والمخاط فلذلك استدل بأحدهما على الاخر قوله فحكها وللكشميهني فحتها بمثناة من فوق وهما بمعنى قوله ولا عن يمينه سيأتي الكلام عليه قريبا

قوله باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة أورد فيه الحديث الذي قبله من طريق أخرى عن بن شهاب ثم حديث أنس من طريق قتادة عنه مختصرا من روايته عن حفص بن عمر وليس فيهما تقييد ذلك محالة الصلاة نعم هو مقيد بذلك في رواية آدم الآتية في الباب الذي يليه وكذا في حديث أبي هريرة التقييد بذلك في رواية همام الآتية بعد فجرى المصنف في ذلك على عادته في التمسك بما ورد في بعض طرق الحديث الذي يستدل به وإن لم يكن ذلك في سياق حديث الباب وكأنه جنح إلى أن المطلق في الروايتين محمول على المقيد فيهما وهو ساكت عن حكم ذلك خارج الصلاة وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أم غيره وقد نقل عن مالك أنه قال لا بأس به يعني خارج الصلاة ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن بن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة وعن معاذ بن جبل قال ما بصقت عن يميني منذ أسلمت وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا وكان الذي خصه بحالة الصلاة أخذه من علة النهي المذكورة في رواية همام عن أبي هريرة حيث قال فإن عن يمينه ملكا هذا إذا قلنا أن المراد بالملك غير الكاتب والحافظ فيظهر حينئذ اختصاصه بحالة الصلاة وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى وقال القاضي عياض النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة إنما هو مع إمكان غيره فإن تعذر فله ذلك قلت لا يظهر وجود التعذر مع وجود الثوب الذي هو لابسه وقد أرشده الشارع إلى النقل فيه كما تقدم وقال الخطابي إن كان عن يساره أحد فلا يبزق في واحد من الجهتين لكن تحت قدمه أو ثوبه قلت وفي حديث طارق المحاربي عند أبي داود ما يرشد لذلك فإنه قال فيه أو تلقاء شمالك إن كان فارغا وإلا فهكذا وبزق تحت رجله ودلك ولعبد الرزاق من طريق عطاء عن أبي هريرة نحوه ولو كان تحت رجله مثلا شيء مبسوط أو نحوه تعين الثوب ولو فقد الثوب مثلا فلعل بلعه أولى من ارتكاب المنهي عنه والله اعلم تنبيه أخذ المصنف كون حكم النخامة والبصاق واحدا من أنه صلى الله عليه وسلم رأى النخامة فقال لا يبزقن فدل على تساويهما والله أعلم

قوله باب ليبصق عن يساره حدثنا على زاد الأصيلي بن عبد الله وهو بن المدني والمتن هو الذي مضى من وجهين آخرين عن بن شهاب وهو الزهري ولم يذكر سفيان وهو بن عيينة فيه أبا هريرة كذا في الروايات كلها لكن وقع في رواية بن عساكر عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وهو وهم وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في آخره وعن الزهري سمع حميدا عن أبي سعيد فظن أنه عنده عن أبي هريرة وأبي سعيد معا لكنه فرقهما وليس كذلك وإنما أراد المصنف أن يبين إن سفيان رواه مرة بالعنعنة ومرة صرح بسماع الزهري من حميد ووهم بعض الشراح في زعمه إن قوله وعن الزهري معلق بل هو موصول وقد تقدمت له نظائر

[ 403 ] قوله ولكن عن يساره أو تحت قدمه كذا للأكثر وهو المطابق للترجمة وفي رواية أبي الوقت وتحت قدميه بالواو ووقع عند مسلم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة ولكن عن يساره تحت قدميه بحذف أو وكذا للمصنف من حديث أنس في أواخر الصلاة والرواية التي فيها أو أعم لكونها تشمل ما تحت القدم وغير ذلك

قوله باب كفارة البزاق في المسجد أورد فيه حديث البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها من حديث أنس بإسناده الماضي في الباب قبله سواء ولمسلم التفل بدل البزاق والتنقل بالمثناة من فوق أخف من البزاق والنفث بمثلثة أخره أخف منه قال القاضي عياض إنما يكون خطيئته إذا لم يدفنه وأما من أراد دفنه فلا ورده النووي فقال هو خلاف صريح الحديث قلت وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا وهما قوله البزاق في المسجد خطيئة وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم بن مكي في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وأن دفنه فحسنة فلم يجعله سيئة الا بقيد عدم الدفن ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال ووجدت في مساوي أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن قال القرطبي فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال الحمد لله الذي لم يكتب على خطيئة الليلة فدل على إن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها وعلة النهي ترشد إليه وهي تأذي المؤمن بها ومما يدل على إن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله إسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر إن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على ما إذا لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن والله اعلم وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولا ثم بصق وأورى وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا فيجري فيه الخلاف بخلاف الذي قبله لأنه إذا كان المكفر أثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء وقال النووي

[ 405 ] قوله كفارتها دفنها قال الجمهور يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلا قلت الذي قاله الروياني يجري على ما يقول النووي من المنع مطلقا وقد عرف ما فيه تنبيه قوله في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي والله أعلم

قوله باب دفن النخامة في المسجد أي جواز ذلك وأورد فيه حديث أبي هريرة من طريق همام عنه بلفظ إذا قام أحدكم إلى الصلاة ثم قال في آخره فيدفنها فأشعر قوله في الترجمة في المسجد بأنه فهم من

[ 406 ] قوله إلى الصلاة أن ذلك يختص بالمسجد لكن اللفظ أعم من ذلك وقيل إنما ترجم الذي قبله بالكفارة وهذا بالدفن إشعارا بالتفرقة بين المتعمد بلا حاجة وهو الذي أثبت عليه الخطيئة وبين من غلبته النخامة وهو الذي أذن له في الدفن أو ما يقوم مقامه قوله فإنما يناجي وللكشميهني فإنه قوله ما دام في مصلاه يقتضي تخصيص المنع بما إذا كان في الصلاة لكن التعليل المتقدم بأذى المسلم يقتضي المنع في جدار المسجد مطلقا ولو لم يكن في صلاة فيجمع بأن يقال كونه في الصلاة أشد إثما مطلقا وكونه في جدار القبلة أشد إثما من كونه في غيرها من جدر المسجد فهي مراتب متفاوتة مع الاشتراك في المنع قوله فان عن يمينه ملكا تقدم إن ظاهره اختصاصه بحالة الصلاة فإن قلنا المراد بالملك الكاتب فقد استشكل اختصاصه بالمنع مع إن عن يساره ملكا آخر وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمن تشريفا له وتكريما هكذا قاله جماعة من القدماء ولا يخفى ما فيه وأجاب بعض المتأخرين بان الصلاة أم الحسنات البدنيه فلا دخل لكاتب السيئات فيها ويشهد له ما رواه بن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفا في هذا الحديث قال ولا عن يمينه فإن عن يمينه كاتب الحسنات وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره أه فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك أو أنه يتحول في الصلاة إلى اليمين والله اعلم قوله فيدفنها قال بن أبي جمرة لم يقل يغطيها لأن التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يأمن أن يجلس غيره عليها فتؤذيه بخلاف الدفن فإنه يفهم منه التعميق في باطن الأرض وقال النووي في الرياض المراد بدفنها كا إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا فأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها عليه بشيء فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذير قلت لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع وعليه يحمل قوله في حديث عبد الله بن الشخير المتقدم ثم دلكه بنعله وكذا قوله في حديث طارق عند أبي داود وبزق تحت رجله ودلك فائدة قال القفال في فتاويه هذا الحديث محمول على ما يخرج من الفم أو ينزل من الرأس أما ما يخرج من الصدر فهو نجس فلا يدفن في المسجد أهو هذا على اختياره لكن يظهر التفصيل فيما إذا كان طرفا من قيء وكذا إذا خالط البزاق دم والله أعلم

قوله باب إذا بدره البزاق أنكر السروجي قوله بدره وقال المعروف في اللغة بدرت إليه وبادرته وأجيب بأنه يستعمل في المغالبة فيقال بادرت كذا فبدرني أي سبقني واستشكل آخرون التقييد في الترجمة بالمبادرة مع أنه لا ذكر لها في الحديث الذي ساقه وكأنه أشار إلى ما في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ وليبصق عن يساره وتحت رجله اليسرى فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا ثم طوى بعضه على بعض ولابن أبي شيبة وأبي داود من حديث أبي سعيد نحوه وفسره في رواية أبي داود بان يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض والحديثان صحيحان لكنهما ليسا على شرط البخاري فأشار إليهما بأن حمل الأحاديث التي لا تفصيل فيها على ما فصل فيهما والله اعلم وقد تقدم الكلام على حديث أنس قبل خمسة أبواب وقوله هنا ورؤى منه بضم الراء بعدها واو مهموزة أي من النبي صلى الله عليه وسلم و كراهيته بالرفع أي ذلك الفعل وقوله

[ 407 ] أو رؤى شك من الراوي وقوله وشدته بالرفع عطفا على كراهيته ويجوز الجر عطفا على قوله لذلك وفي الأحاديث المذكورة من الفوائد غير ما تقدم الندب إلى إزالة ما يستقذر أو يتنزه عنه من المسجد وتفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها وأن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة ولا تفسد صلاته وأن النفخ واالتنحنح في الصلاة جائزان لأن النخامة لا بد أن يقع معها شيء من نفخ أو تنحنح ومحله ما إذا لم يفحش ولم يقصد صاحبه العبث ولم يبن منه مسمى كلام واقله حرفان أو حرف ممدود واستدل به المصنف على جواز النفخ في الصلاة كما سيأتي في أواخر كتاب الصلاة والجمهور على ذلك لكن بالشرط المذكور قبل وقال أبو حنيفة إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة واستدلوا له بحديث عن أم سلمة عند النسائي وبأثر عن بن عباس عند بن أبي شيبة وفيها أن البصاق طاهر وكذا النخامة والمخاط خلافا لمن يقول كل ما تستقذره النفس حرام ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع فإن جهة اليمين مفضلة على اليسار وأن اليد مفضلة على القدم وفيها الحث على الاستكثار من الحسنات وأن كان صاحبها مليا لكونه صلى الله عليه وسلم باشر الحك بنفسه وهو دال على عظم تواضعه زاده الله تشريفا وتعظيما صلى الله عليه وسلم

قوله باب عظة الإمام الناس بالنصب على المفعوليه وقوله في إتمام الصلاة أي بسبب ترك إتمام الصلاة قوله وذكر القبلة بالجر عطفا على عظة وأورده للإشعار بمناسبة هذا الباب لما قبله

[ 408 ] قوله هل ترون قبلتي هو استفهام إنكار لما يلزم منه أي أنتم تظنون إني لا أرى فعلكم لكون قبلتي في هذه الجهة لأن من استقبل شيئا استدبر ما وراءه لكن بين النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيته لا تختص بجهة واحدة وقد اختلف في معنى ذلك فقيل المراد بها العلم إما بأن يوحى إليه كيفية فعلهم وأما أن يلهم وفيه نظر لأن العلم لو كان مرادا لم يقيده بقوله من وراء ظهري وقيل المراد أنه يرى عن يمينه ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر ويوصف من هو هناك بأنه وراء ظهره وهذا ظاهر التكلف وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب والصواب المختار أنه محمول على ظاهره وأن هذا الإبصار أدراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة وعلى هذا عمل المصنف فأخرج هذا الحديث في علامات النبوة وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضا فكان يرى بها من غير مقابلة لأن الحق عند أهل السنة إن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قرب وإنما تلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلا ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة خلافا لأهل البدع لوقوفهم مع العادة وقيل كانت له عين خلف ظهره يرى بها من وراءه دائما وقيل كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياك يبصر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره وقيل بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة فيرى امثلتهم فيها فيشاهد افعالهم قوله ولا خشوعكم أي في جميع الأركان ويحتمل أن يريد به السجود لأن فيه غاية الخشوع وقد صرح بالسجود في رواية لمسلم قوله اني لأراكم بفتح الهمزة

قوله في حديث أنس صلى لنا أي لاجلنا وقوله صلاة بالتنكير للابهام قوله ثم رقى بكسر القاف قوله فقال في الصلاة أي في شأن الصلاة أو هو متعلق بقوله بعد إني لأراكم عند من يجيز تقدم الظرف وقوله وفي الركوع أفرده بالذكر وأن كان داخلا في الصلاة اهتماما به أما لكون التقصير فيه كان أكثر أو لأنه أعظم الأركان بدليل أن المسبوق يدرك الركعة بتمامها بادراك الركوع قوله كما أراكم يعنى من أمامي وصرح به في رواية أخرى كما سيأتي ولمسلم أني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي وفيه دليل على المختار إن المراد بالرؤية الإبصار وظاهر الحديث إن ذلك يختص بحالة الصلاة ويحتمل أن يكون ذلك واقعا في جميع أحواله وقد نقل ذلك عن مجاهد وحكى بقي بن مخلد أنه صلى الله عليه وسلم كان يبصر في الظلمة كما يبصر في الضوء وفي الحديث الحث على الخشوع في الصلاة والمحافظة على إتمام أركانها وابعاضها وأنه ينبغي للإمام أن ينبه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة ولا سيما إن رأي منهم ما يخالف الأولى وسأذكر حكم الخشوع في أبواب صفة الصلاة حيث ترجم به المصنف مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى

قوله باب هل يقال مسجد بني فلان أورد فيه حديث بن عمر في المسابقة وفيه قول بن عمر إلى مسجد بني زريق وزريق بتقديم الزاي مصغرا ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلي فيها ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها وإنما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا إذ يحتمل أن يكون ذلك قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون هذه الاضافه وقعت في زمنه ويحتمل أن يكون ذلك مما حدث بعده والأول أظهر والجمهور على الجواز والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه بن أبي شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول مسجد بني فلان ويقول مصلى بني فلان لقوله تعالى وان المساجد لله وجوابه إن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك وسيأتي الكلام على فوائد المتن في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى تنبيه الحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها ياء أخيرة ممدوده والأمد الغاية واللام في

[ 410 ] قوله الثنية للعهد من ثنية الوداع

قوله باب القسمة أي جوازها والقنو بكسر القاف وسكون النون فسره في الأصل في روايتنا بالعذق وهو بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة وهو العرجون بما فيه وقوله الاثنان قنوان أي بكسر النون وقوله مثل صنو صنوان أهمل الثالثة اكتفاء بظهورها

[ 411 ] قوله وقال إبراهيم يعني بن طهمان كذا في روايتنا وهو صواب وأهمل في غيرها وقال الإسماعيلي ذكره البخاري عن إبراهيم وهو بن طهمان فيما أحسب بغير إسناد يعني تعليقا قلت وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه والحاكم في مستدركه من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان وقد أخرج البخاري بهذا الإسناد إلى إبراهيم بن طهمان عدة أحاديث قوله عن عبد العزيز بن صهيب كذا في روايتنا وفي غيرها عن عبد العزيز غير منسوب فقال المزي في الأطراف قيل أنه عبد العزيز بن رفيع وليس بشيء ولم يذكر البخاري في الباب حديثا في تعليق القنو فقال بن بطال أغفله وقال بن التين انسيه وليس كما قالا بل أخذه من جواز وضع المال في المسجد بجامع إن كلا منهما وضع لأخذ المحتاجين منه وأشار بذلك إلى ما رواه النسائي من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا وقد علق رجل قنا حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا وليس هو على شرطه وإن كان إسناده قويا فكيف يقال أنه أغفله وفي الباب أيضا حديث آخر أخرجه ثابت في الدلائل بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد يعني للمساكين وفي رواية له وكان عليها معاذ بن جبل أي على حفظها أو على قسمتها قوله بمال من البحرين روى بن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف وأنه أرسل به العلاء بن الخضري من خراج البحرين قال وهو أول خراج حمل إلي النبي صلى الله عليه وسلم وعند المصنف في المغازي من حديث عمرو بن عوف إن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الخضري وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه الحديث فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال لكن في الردة للواقدي إن رسول العلاء بن الخضري بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي فلعله كان رقيق أبي عبيدة وأما حديث جابر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لو قد جاء مال البحرين أعطيتك وفيه فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فهو صحيح كما سيأتي عند المصنف وليس معارضا لما تقدم بل المراد أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم من سنة إلى سنة قوله فقال انثروه أي صبوه قوله وفاديت عقيلا أي بن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة بدر وقوله فحثا بمهملة ثم مثلثة مفتوحه والضمير في ثوبه يعود على العباس قوله يقله بضم أوله من الإقلال وهو الرفع والحمل قوله مر بعضهم بضم الميم وسكون الراء وفي رواية أؤمر بالهمز وقوله يرفعه بالجزم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع أي فهو يرفعه قوله على كاهله أي بين كتفيه وقوله يتبعه بضم أوله من الأتباع و عجبا بالفتح وقوله وثم منها درهم بفتح المثلثة أي هناك وفي هذا الحديث بيان كرم النبي صلى الله عليه وسلم وعدم التفاتة إلى المال قل أو كثر وأن الإمام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيها ولا يؤخره وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب الجهاد في باب فداء المشركين حيث ذكره المصنف فيه مختصرا إن شاء الله تعالى وموضع الحاجة منه هنا جواز وضع ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوها في المسجد ومحله ما إذا لم يمنع مما وضع له المسجد من الصلاة وغيرها مما بني المسجد لأجله ونحو وضع هذا المال وضع مال زكاة الفطر ويستفاد منه جواز وضع ما يعم نفعه في المسجد كالماء لشرب من يعطش ويحتمل التفرقه بين ما يوضع للتفرقة وبين ما يوضع للخزن فيمنع الثاني دون الأول وبالله التوفيق

قوله باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب منه وفي رواية للكشميهني ومن أجاب اليه أورد فيه حديث أنس مختصرا وأورد عليه أنه مناسب لأحد شقي الترجمة وهو الثاني ويجاب بأن قوله في المسجد متعلق بقوله دعا لا بقوله طعام فالمناسبة ظاهرة والغرض منه أن مثل ذلك من الأمور المباحة ليس من اللغو الذي يمنع في المساجد ومن في قوله منه ابتدائية والضمير يعود على المسجد وعلى رواية الكشميهني يعود على الطعام وللكشميهني قال لمن معه بدل لمن حوله وفي الحديث جواز الدعاء إلى الطعام وأن لم يكن وليمة واستدعاء الكثير إلى الطعام القليل وأن المدعو إذا علم من الداعي أنه لا يكره أن يحضر معه غيره فلا بأس بإحضاره معه وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى حيث أورده المصنف تاما في علامات النبوة

قوله باب القضاء والعان في المسجد هو من عطف الخاص على العام وسقط قوله بين الرجال والنساء من رواية المستملى

[ 413 ] قوله حدثنا يحيى زاد الكشميهني بن موسى وكذا نسبه بن السكن وأخطأ من قال هو بن جعفر وسيأتي الكلام على ما يتعلق بحديث سهل بن سعد المذكور وتسمية من أبهم فيه في كتاب العان إن شاء الله تعالى ويأتي ذكر الاختلاف في جواز القضاء في المسجد في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا دخل بيتا أي لغيره يصلي حيث شاء أو حيث أمر قيل مراده الاستفهام لكن حذفت أداته أي هل يتوقف على أذن صاحب المنزل أو يكفيه الإذن العام في الدخول فأو على هذا ليست للشك وقوله ولا يتجسس ضبطناه بالجيم وقيل أنه روى بالحاء المهملة وهو متعلق بالشق الثاني قال المهلب دل حديث الباب على إلغاء حكم الشق الأول لاستئذانه صلى الله عليه وسلم صاحب المنزل أين يصلي وقال المازري معنى قوله حيث شاء أي من الموضع الذي أذن له فيه وقال بن المنير إنما أراد البخاري إن المسألة موضع نظر فهل يصلي من دعي حيث شاء لأن الأذن في الدخول عام في أجزاء المكان فأينما جلس أو صلى تناوله الإذن أو يحتاج إلى أن يستأذن في تعيين مكان صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك الظاهر الأول وإنما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه دعي ليتبرك صاحب البيت بمكان صلاته فسأله ليصلي في البقعه التي يحب تخصيصها بذلك واما من صلى لنفسه فهو على عموم الإذن قلت الا أن يخص صاحب المنزل ذلك العموم فيختص والله اعلم

[ 414 ] قوله عن بن شهاب صرح أبو داود الطيالسي في مسنده بسماع إبراهيم بن سعد له من بن شهاب قوله عن محمود بن الربيع وللمصنف في باب النوافل جماعة كما سيأتي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن بن شهاب قال أخبرني محمود قوله عن عتبان زاد يعقوب المذكور في روايته قصة محمود في عقله المجه كما تقدم من وجه آخر في كتاب العلم وصرح يعقوب أيضا بسماع محمود بن عتبان قوله أتاه في منزله اختصره المصنف هنا وساقه من رواية يعقوب المذكور تاما كما أورده من طريق عقيل في الباب الاتي قوله أن أصلي من بيتك كذا للأكثر وكذا في رواية يعقوب وللمستملي هنا أن أصل لك وللكشميهني في بيتك وسيأتي الكلام على الحديث في الباب الذي بعده

قوله باب المساجد أي اتخاذ المساجد في البيوت قوله وصلى البراء بن عازب في مسجد في داره جماعة وللكشميهني في جماعة وهذا الأثر أورد بن أبي شيبة معناه في قصة

[ 415 ] قوله أن عتبان بن مالك أي الخزرجي السالمي من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج هو بكسر العين ويجوز ضمها قوله انه آتى في رواية ثابت عن أنس عن عتبان عند مسلم أنه بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه ذلك فيحتمل أن يكون نسب إتيان رسوله إلى نفسه مجازا ويحتمل أن يكون أتاه مرة وبعث إليه أخرى إما متقاضيا وإما مذكرا وفي الطبراني من طريق أبي أويس عن بن شهاب بسنده أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة لو أتيتني يا رسول الله وففيه أنه أتاه يوم السبت وظاهره إن مخاطبة عتبان بذلك كانت حقيقة لا مجازا قوله قد أنكرت بصري كذا ذكره جمهور أصحاب بن شهاب كما للمصنف من طريق إبراهيم بن سعد ومعمر ولمسلم من طريق يونس وللطبراني من طريق الزبيدي والأوزاعي وله من طريق أبي أويس لما ساء بصري وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر جعل بصري يكل ولمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت أصابني في بصري بعض الشيء وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك لكن أخرجه المصنف في باب الرخصة في المطر من طريق مالك عن بن شهاب فقال فيه إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمي وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر الحديث وقد قيل إن رواية مالك هذه معارضة لغيره وليست عندي كذلك بل قول محمود إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث لاحين سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم ويبينه قوله في رواية يعقوب فجئت إلى عتبان وهو شيخ أعمى يؤم قومه وأما قوله وأنا رجل ضرير البصر أي أصابني فيه ضر كقوله أنكرت بصري ويؤيد هذا الحمل قوله في رواية بن ماجة من طريق إبراهيم بن سعد أيضا لما أنكرت من بصري وقوله في رواية مسلم أصابني في بصري بعض الشيء فإنه ظاهر في أنه لم يكمل عماه لكن رواية مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت بلفظ أنه عمي فأرسل وقد جمع بن خزيمة بين رواية مالك وغيره من أصحاب بن شهاب فقال قوله أنكرت بصري هذا اللفظ يطلق على من في بصره سوء وأن كان يبصر بصرا ما وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئا انتهى والأولى أن يقال أطلق عليه عمي لقربه منه مشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة وبهذا تأتلف الروايات والله اعلم قوله أصلي لقومي أي لأجلهم والمراد أنه كان يؤمهم وصرح بذلك أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد قوله سأل الوادي أي سأل الماء في الوادي فهو من إطلاق المحل على الحال وللطبراني من طريق الزبيدي وأن الأمطار حين تكون يمنعني سيل الوادي قوله بيني وبينهم وفي رواية الإسماعيلي يسيل الوادي الذي بين مسكني وبين مسجد قومي فيحول بيني وبين الصلاة معهم قوله فأصلي بهم بالنصب عطفا على آتي قوله وددت بكسر الدال الأولى أي تمنيت وحكى القزاز جواز فتح الدال في الماضي والواو في المصدر والمشهور في المصدر الضم وحكى فيه أيضا الفتح فهو مثلث قوله فتصلي بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني وكذا قوله فاتخذه بالرفع ويجوز النصب قوله سأفعل إن شاء الله هو هنا للتعليق لا لمحض التبرك كذا قيل ويجوز أن يكون للتبرك لاحتمال اصلاحه صلى الله عليه وسلم بالوحي على الجزم بأن ذلك سيقع قوله قال عتبان ظاهر هذا السياق أن الحديث من أوله إلى هنا من رواية محمود بن الربيع بغير واسطة ومن هنا إلى آخره من روايته عن عتبان صاحب القصه وقد يقال القدر الأول مرسل لأن محمودا يصغر عن حضور ذلك لكن وقع التصريح في أوله بالتحدث بين عتبان ومحمود من رواية الأوزاعي عن بن شهاب عند أبي عوانة وكذا وقع تصريحه بالسماع عند المصنف من طريق معمر ومن طريق إبراهيم بن سعد كما ذكرناه في الباب الماضي فيحمل قوله قال عتبان على أن محمودا أعاد اسم شيخه اهتماما بذلك لطول الحديث قوله فغدا على زاد الإسماعيلي بالغد وللطبراني من طريق أبي أويس أن السؤال وقع يوم الجمعة والتوجه إليه وقع يوم السبت كما تقدم قوله وأبو بكر لمذ يذكر جمهور الرواة عن بن شهاب غيره حتى إن رواية الأوزاعي فاستأذنا فأذنت لهما لكن في رواية أبي أويس ومعه أبو بكر وعمر ولمسلم من طريق أنس عن عتبان فأتاني من شاء الله من أصحابه وللطبراني من وجه آخر عن أنس في نفر من أصحابه فيحتمل الجمع بان أبا بكر صحبه وحده في ابتداء التوجه ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره من الصحابة فدخلوا معه قوله فلم يجلس حين دخل وللكشميهني حتى دخل قال عياض زعم بعضهم أنها غلط وليس كذلك بل المعنى فلم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت مبادرا إلى ما جاء بسببه وفي رواية يعقوب عند المصنف وكذا عند الطيالسي فلما دخل لم يجلس حتى قال أين تحب وكذا للإسماعيلي من وجه آخر وهي أبين في المراد لأن جلوسه إنما وقع بعد صلاته بخلاف ما وقع منه في بيت مليكة حيث جلس فأكل ثم صلى لأنه هناك دعي إلى الطعام فبدأ به وهنا دعي إلى الصلاة فبدأ بها قوله ان أصلي من بيتك كذا للأكثر والجمهور من رواة الزهري ووقع عند الكشميهني وحده في بيتك قوله وحبسناه أي منعناه من الرجوع قوله خزيرة بخاء معجمة مفتوحه بعدها زاي مكسورة ثم ياء تحتانية ثم راء ثم هاء نوع من الاطعمه قال بن قتيبة تصنع من لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق وأن لم يكن فيه لحم فهو عصيدة وكذا ذكر يعقوب نحوه وزاد من لحم بات ليلة قال وقيل هي حساء من دقيق فيه دسم وحكى في الجمرة نحوه وحكى الأزهري عن أبي الهيثم أن الخزيرة من النخاله وكذا حكاه المصنف في كتاب الاطعمه عن النضر بن شميل قال عياض المراد بالنخالة دقيق لم يغربل قلت ويؤيد هذا التفسير قوله في رواية الأوزاعي عند مسلم على جشيشة بجيم ومعجمتين قال أهل اللغة هي أن تطحن الحنطة قليلا ثم يلقى فيها شحم أو غيره وفي المطالع أنها رويت في الصحيحين بحاء وراءين مهملات وحكى المصنف في الاطعمه عن النضر أيضا أنها أي التي بمهملات تصنع من اللبن قوله فثاب في البيت رجال بمثلثة وبعد الألف موحدة أي اجتمعوا بعد أن تفرقوا قال الخليل المثابة مجتمع الناس بعد افتراقهم ومنه قيل للبيت مثابة وقال صاحب المحكم يقال ثابت إذا رجع وثاب إذا اقبل قوله من أهل الدار أي المحلة كقوله خير دور الأنصار دار بني النجار أي محلتهم والمراد أهلها قوله فقال قائل منهم لم يسم هذا المبتديء قوله مالك بن الدخيشن بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون الياء التحتانيه بعدها شين معجمة مكسورة ثم نون قوله أو بن الدخشن بضم الدال والشين وسكون الخاء بينهما وحكى كسر أوله والشك فيه من الراوي هل هو مصغر أو مبكر وفي رواية المستملي هنا في الثانية بالميم بدل النون وعند المصنف في المحاربين من رواية معمر الدخشن بالنون مكبرا من غير شك وكذا لمسلم من طريق يونس وله من طريق معمر بالشك ونقل الطبراني عن أحمد بن صالح إن الصواب الدخشم بالميم وهي رواية الطيالسي وكذا لمسلم من طريق ثابت عن أنس عن عتبان والطبراني من طريق النضر بن أنس عن أبيه قوله فقال بعضهم قيل هو عتبان راوي الحديث قال بن عبد البر في التمهيد الرجل الذي سار النبي صلى الله عليه وسلم في قتل رجل من المنافقين هو عتبان والمنافق المشار إليه هو مالك بن الدخشم ثم ساق حديث عتبان المذكور في هذا الباب وليس فيه دليل على ما ادعاه من إن الذي ساره هو عتبان وأغرب بعض المتأخرين فنقل عن بن عبد البر أن الذي قال في هذا الحديث ذلك منافق هو عتبان أخذا من كلامه هذا وليس فيه تصريح بذلك وقال بن عبد البر لم يختلف في شهود مالك بدرا وهو الذي أسر سهيل بن عمرو ثم ساق بإسناد حسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن تكلم فيه أليس قد شهد بدرا قلت وفي المغازي لابن إسحاق إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مالكا هذا ومعن بن عدي فحرقا مسجد الضرار فدل على أنه بريء مما اتهم به من النفاق أو كان قد اقلع عن ذلك أو النفاق الذي اتهم به ليس نفاق الكفر إنما أنكر الصحابة عليه تودده للمنافقين ولعل له عذرا في ذلك كما وقع لحاطب قوله الا تراه قد قال لا إله إلا الله وللطيالسي أما يقول ولمسلم أليس يشهد وكأنهم فهموا من هذا الاستفهام إن لا جزم بذلك ولولا ذلك لم يقولوا في جوابه أنه ليقول ذلك وما هو في قلبه كما وقع عند مسلم من طريق أنس عن عتبان قوله فانا نرى وجهه أي توجهه قوله ونصيحته إلى المنافقين قال الكرماني يقال نصحت له الا إليه ثم قال قد ضمن معنى الانتهاء كذا قال والظاهر أن قوله إلى المنافقين متعلق بقوله وجهه فهو الذي يتعدى بإلى وأما متعلق نصيحته فمحذوف للعلم به قوله قال بن شهاب أي بالإسناد الماضي ووهم من قال أنه معلق قوله ثم سألت زاد الكشميهني بعد ذلك والحصين بمهملتين لجميعهم الا للقابسي فضبطه بالضاد المعجمة وغلطوه قوله من سراتهم بفتح المهملة أي خيارهم وهو جمع سري قال أبو عبيد هو المرتفع القدر من سرو الرجل يسرو إذا كان رفيع القدر وأصله من السراة وهو أرفع المواضع من ظهر الدابة وقيل هو رأسها قوله فصدقه بذلك يحتمل أن يكون الحصين سمعه أيضا من عتبان ويحتمل أن يكون حمله عن صحابي آخر وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطولا ومختصرا وقد سمعه من عتبان أيضا أنس بن مالك كما أخرجه مسلم وسمعه أبو بكر بن أنس مع أبيه من عتبان أخرجه الطبراني وسيأتي في باب النوافل جماعة أن أبا أيوب الأنصاري سمع محمود بن الربيع يحدث به عن عتبان فأنكره لما يقتضيه ظاهره من أن النار محرمة على جميع الموحدين وأحاديث الشفاعة دالة على إن بعضهم يعذب لكن للعلماء أجوبة عن ذلك منها ما رواه مسلم عن بن شهاب أنه قال عقب حديث الباب ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى إن الأمر قد انتهى إليها فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر وفي كلامه نظر لأن الصلوات الخمس نزل فرضها قبل هذه الواقعة قطعا وظاهره يقتضي أن تاركها لا يعذب إذا كان موحدا وقيل المراد إن من قالها مخلصا لا يترك الفرائض لأن الإخلاص يجمل على أداء اللازم وتعقب بمنع الملازمه وقيل المراد تحريم التخليد أو تحريم دخول النار المعدة للكافرين لا الطبقة المعدة للعصاة وقيل المراد تحريم دخول النار بشرط حصول قبول العمل الصالح والتجاوز عن السيء والله اعلم وفي هذا الحديث من الفوائد إمامة الأعمى وأخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة ولا يكون من الشكوى وأنه كان في المدينة مساجد للجماعة سوى مسجده صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجماعة في المطر والظلمة ونحو ذلك واتخاذ موضع معين للصلاة وأما النهي عن ايطان موضع معين من المسجد ففيه حديث رواه أبو داود وهو محمول على ما إذا استلزم رياء ونحوه وفيه تسوية الصفوف وأن عموم النهي عن إمامة الزائر من زاره مخصوص بما إذا كان الزائر هو الإمام الأعظم فلا يكره وكذا من أذن له صاحب المنزل وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو وطئها ويستفاد منه أن من دعي من الصالحين ليتبرك به أنه يجيب قال العلامة بن باز حفظه الله هذا فيه نظر والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الله فيه من البركة وغيره لا يقاس عليه لما بينهما من الفرق العظيم ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس نسأل الله العافية إذا أمن الفتنة ويحتمل أن يكون عتبان إنما طلب بذلك الوقوف على جهة القبلة بالقطع وفيه إجابة الفاضل دعوة المفضول والتبرك بالمشيئة والوفاء بالوعد واستصحاب الزائر بعض أصحابه إذا علم أن المستدعى لا يكره ذلك والاستئذان على الداعي في بيته وأن تقدم منه طلب الحضور وأن اتخاذ مكان في البيت للصلاة لا يستلزم وقفيته ولو أطلق عليه اسم المسجد وفيه اجتماع أهل المحلة على الإمام أو العالم إذا ورد منزل بعضهم ليستفيدوا منه ويتبركوا به قال العلامة بن باز حفظه الله هذا غلط والصواب منع ذلك كما تقدم في غير النبي صلى الله عليه وسلم سدا للذريعة المفضية إلى الشرك والتنبيه على من يظن به الفساد في الدين عند الإمام على جهة النصيحه ولا يعد ذلك غيبة وأن على الإمام أن يثبت في ذلك ويحمل الأمر فيه على الوجه الجميل وفيه افتقاد من غاب عن الجماعة بلا عذر وأنه لا يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد وأنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد وترجم عليه البخاري غير ترجمة الباب والذي قبله الرخصه في الصلاة في الرحال عند المطر وصلاة النوافل جماعة وسلام المأموم حين يسلم الإمام وأن رد السلام على الإمام لا يجب وأن الإمام إذا زار قوما أمهم وشهود عتبان بدرا وأكل الخزيرة وأن العمل الذي يبتغي به وجه الله تعالى ينجي صاحبه إذا قبله الله تعالى وأن من نسب من يظهر الإسلام إلى النفاق ونحوه بقرينة تقوم عنده لا يكفر بذلك ولا يفسق بل يعذر بالتأويل

قوله باب التيمن أي البداءة باليمين في دخول المسجد وغيره بالخفض عطفا على الدخول ويجوز أن يعطف على المسجد لكن الأول افيد قوله وكان بن عمر أي في دخول المسجد ولم أره موصولا عنه ولكن في المستدرك للحاكم من طريق معاوية بن قرة عن أنس أنه كان يقول من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمني وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى والصحيح أن قول الصحابي من السنة كذا محمول على الرفع لكن لما لم يكن حديث أنس على شرط المصنف أشار إليه بأثر بن عمر وعموم حديث عائشة يدل على البداءة باليمين في الخروج من المسجد أيضا ويحتمل أن يقال في قولها ما استطاع احتراز عما لا يستطاع فيه التيمن شرعا كدخول الخلاء والخروج من المسجد وكذا تعاطى الأشياء المستقذره باليمين كالاستنجاء والتمخط وعلمت عائشة رضي الله عنها حبه صلى الله عليه وسلم لما ذكرت أما بأخباره لها بذلك وأما بالقرائن وقد تقدمت بقية مباحث حديثها هذا في باب التيمن في الوضوء والغسل

قوله باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم بخلاف المشركين فإنهم لا حرمة لهم وأما قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخ فوجه التعليل إن الوعيد على ذلك يتناول من أتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم ويتناول من أتخذ أمكنة قبورهم مساجد بان تنبش وترى عظامهم فهذا يختص بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم إذ لا حرج في إهانتهم ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله صلى الله عليه وسلم في نبش قبور المشركين واتخاذه مسجده مكانها وبين لعنه صلى الله عليه وسلم من أتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق والمتن الذي أشار إليه وصله في باب الوفاة في أواخر المغازي من طريق هلال عن عروة عن عائشة بهذا اللفظ وفيه قصة ووصله في الجنائز من طريق أخرى عن هلال وزاد فيه والنصارى وذكره في عدة مواضع من طريق أخرى بالزياده قوله وما يكره من الصلاة في القبور يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين وفي ذلك حديث رواه مسلم من طريق أبي مرفد الغنوي مرفوعا لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها قلت وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة وأورد معه اثر عمر الدال على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة والاثر المذكور عن عمر رويناه موصولا في كتاب الصلاة لأبي نعيم شيخ البخاري ولفظه بينما أنس يصلي إلى قبر ناداه عمر القبر القبر فظن أنه يعني القمر فلما رأى أنه يعني القبر جاز القبر وصلى وله طرق أخرى بينتها في تعليق التعليق منها من طريق حميد عن أنس نحوه وزاد فيه فقال بعض من يليني إنما يعني القبر فتنحيت عنه وقوله القبر القبر بالنصب فيهما على التحذير وقوله ولم يأمره بالإعادة استنبطه من تمادي أنس على الصلاة ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقطعها واستأنف

[ 417 ] قوله حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى هو القطان عن هشام هو بن عروة قوله عن عائشة في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه أخبرتني عائشة قوله إن أم حبيبة أي رملة بنت أبي سفيان الأمويه وأم سلمة أي هند بنت أبي أمية المخزومية وهما من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة كما سيأتي في موضعه قوله ذكرنا كذا الأكثر الرواة وللمستملي والحموي ذكرا بالتذكير وهو مشكل قوله رأينها أي هما ومن كان معهما وللكشميهني والأصيلي رأتاها وسيأتي للمصنف قريبا في باب الصلاة في البيعة من طريق عبدة عن هشام أن تلك الكنيسة كانت تسمى مارية بكسر الراء وتخفيف الياء التحتانية وله في الجنائز من طريق مالك عن هشام نحوه وزاد في أوله لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق هلال عن عروة بلفظ قال في مرضه الذي مات فيه ولمسلم من حديث جندب أنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك قبل أن يتوفى بخمس وزاد فيه فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك انتهى وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته صلى الله عليه وسلم قوله إن أولئك بكسر الكاف ويجوز فتحها قوله فمات عطف على قوله كان وقوله بنوا جواب إذا قوله وصوروا فيه تلك الصور وللمستملي تيك الصور بالياء التحتانية بدل اللام وفي الكاف فيها وفي أولئك ما في أولئك الماضية وإنما فعل ذلك اوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن اسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك وفي الحديث دليل على تحريم التصوير وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان وأما الآن فلا وقد أطنب بن دقيق العيد في رد ذلك كما سيأتي في كتاب اللباس وقال البيضاوي لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك فأما من أتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد قال العلامة بن باز حفظه الله هذا غلط والصواب تحريم ذلك ودخوله تحت الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد فانتبه واحذر والله الموفق وفي الحديث جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب وجوب بيان حكم ذلك على العالم به وذم فاعل المحرمات وأن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر أو عليه أو إليه وسيأتي بيان ذلك قريبا ويأتي حديث أنس في بناء المسجد مبسوطا في كتاب الهجرة وإسناده كلهم بصريون وقوله

[ 418 ] فيه فأقام فيهم أربعا وعشرين كذا للمستملي والحموي وللباقين أربع عشرة وهو الصواب من هذا الوجه وكذا رواه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري وفيه وقد اختلف فيه أهل السير كما سيأتي وقوله وأرسل إلى بني النجار هم أخوال عبد المطلب لأن أمه سلمى منهم فأراد النبي صلى الله عليه وسلم النزول عندهم لما تحول من قباء والنجار بطن من الخزرج واسمه تيم اللات بن ثعلبة قوله متقلدين السيوف منصوب على الحال وفي رواية كريمة متقلدي السيوف بحذف النون والسيوف مجرورة بالاضافه قوله وأبو بكر ردفه كأن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه تشريفا له وتنويها بقدره وإلا فقد كان لأبي بكر ناقة هاجر عليها كما سيأتي بيانه في الهجرة وقوله وملأ بني النجار حوله أي جماعتهم وكأنهم مشوا معه ادبا وقوله حتى ألقى أي ألقى رحله والفناء الناحية المتسعة أمام الدار قوله وانه أمر بالفتح على البناء للفاعل وقيل روى بالضم على البناء للمفعول قوله ثامنوني بالمثلثة اذكروا لي ثمنه لأذكر لكم الثمن الذي اختاره قال ذلك على سبيل المساومة فكأنه قال ساوموني في الثمن قوله لا نطلب ثمنه الا إلى الله تقديره لا نطلب الثمن لكن الأمر فيه إلى الله أو إلى بمعنى من وكذا عند الإسماعيلي لا نطلب ثمنه الا من الله وزاد بن ماجة ابدا وظاهر الحديث إنهم لم يأخذوا منه ثمنا وخالف في ذلك أهل السير كما سيأتي قوله فكان فيه أي في الحائط الذي بني في مكانه المسجد قوله وفيه خرب قال بن الجوزي المعروف فيه فتح الخاء المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة جمع خربة لكم وكلمة قلت وكذا ضبط في سنن أبي داود وحكى الخطابي أيضا كسر أوله وفتح ثانيه جمع خربة كعنب وعنبة وللكشميهني حرث بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة وقد بين أبو داود أن رواية عبد الوارث بالمعجمة والموحدة ورواية حماد بن سلمة عن أبي التياح بالمهملة والمثلثة فعلى هذا فرواية الكشميهني وهم لأن البخاري إنما أخرجه من رواية عبد الوارث وذكر الخطابي فيه ضبطا اخر وفيه بحث سيأتي مع بقية ما فيه في كتاب الهجرة إن شاء الله تعالى قوله في آخره فاغفر للانصار كذا للأكثر وللمستملي والحموي فاغفر الأنصار بحذف اللام ويوجه بأنه ضمن اغفر معنى أستر وقد رواه أبو داود عن مسدد بلفظ فانصر الأنصار وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكه بالهبة والبيع وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها واخراج ما فيها وجواز بناء المساجد في اماكنها وقيل وفيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجه أخذا من قوله وأمر بالنخل فقطع وفيه نظر لاحتمال أن يكون ذلك مما لا يثمر أما بأن يكون ذكورا وأما أن يكون طرأ عليه ما قطع ثمرته وسيأتي صفة هيئة بناء المسجد من حديث بن عمر وغيره قريبا

قوله باب الصلاة في مرابض الغنم أي اماكنها وهو بالموحدة والضاد المعجمة جمع مربض بكسر الميم وحديث أنس طرف من الحديث الذي قبله لكن بين هناك أنه كان يحب الصلاة حيث أدركته أي حيث دخل وقتها سواء كان في مرابض الغنم أو غيرها وبين هناك أن ذلك كان قبل أن يبني المسجد ثم بعد بناء المسجد صار لا يحب الصلاة في غيره الا لضرورة قال بن بطال هذا الحديث حجة على الشافعي في قوله بنجاسة أبوال الغنم وابعارها لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك وتعقب بان الأصل الطهارة وعدم السلامة منها غالب وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الأصل وقد تقدم مزيد بحث فيه في كتاب الطهارة في باب أبوال الإبل تنبيه القائل ثم سمعه بعد يقول هو شعبة يعني أنه سمع شيخه يزيد فيه القيد المذكور بعد أن سمعه منه بدونه ومفهوم الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في مرابض الغنم بعد بناء المسجد لكن قد ثبت إذنه في ذلك كما تقدم في كتاب الطهارة

قوله باب الصلاة في مواضع الإبل كأنه يشير إلى أن الأحاديث الوارده في التفرقة بين الإبل والغنم ليست على شرطه لكن لها طرق قوية منها حديث جابر بن سمرة عند مسلم وحديث البراء بن عازب عند أبي داود وحديث أبي هريرة عند الترمذي وحديث عبد الله بن مغفل عند النسائي وحديث سبرة بن معبد عند بن ماجة وفي معظمها التعبير بمعاطن الإبل ووقع في حديث جابر بن سمرة والبراء مبارك الإبل ومثله في حديث سليك عند الطبراني وفي حديث سبرة وكذا في حديث أبي هريرة عند الترمذي أعطان الإبل وفي حديث أسيد بن حضير عند الطبراني مناخ الإبل وفي حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد مرابد الإبل فعبر المصنف بالمواضع لأنها اشمل والمعاطن أخص من المواضع لأن المعاطن مواضع اقامتها عند الماء خاصة وقد ذهب بعضهم إلى أن النهي خاص بالمعاطن دون غيرها من الأماكن التي تكون فيها الإبل وقيل هو مأواها مطلقا نقله صاحب المغني عن أحمد وقد نازع الإسماعيلي المصنف في استدلاله بحديث بن عمر المذكور بأنه لا يلزم من الصلاة إلى البعير وجعله سترة عدم كراهية الصلاة في مبركه وأجيب بان مراده الإشارة إلى ما ذكر من علة النهي عن ذلك وهي كونها من الشياطين كما في حديث عبد الله بن مغفل فإنها خلقت من الشياطين ونحوه في حديث البراء كأنه يقول لو كان ذلك مانعا من صحة الصلاة لامتنع مثله في جعلها أمام المصلي وكذلك صلاة راكبها وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة وهو على بعيره كما سيأتي في أبواب الوتر وفرق بعضهم بين الواحد منها وبين كونها مجتمعه لما طبعت عليه من النفار المفضى إلى تشويش قلب المصلي بخلاف الصلاة على المركوب منها أو إلى جهة واحد معقول وسيأتي بقية الكلام على حديث بن عمر في أبواب سترة المصلي إن شاء الله تعالى وقيل علة النهي في التفرقة بين الإبل والغنم بأن عادة أصحاب الإبل التغوط بقربها فتنجس اعطانها وعادة أصحاب الغنم تركه حكاه الطحاوي عن شريك واستبعده وغلط أيضا من قال إن ذلك بسبب ما يكون في معاطنها من أبوالها وأرواثها لأن مرابض الغنم تشركها في ذلك وقال أن النظر يقتضي عدم التفرقة بين الإبل والغنم في الصلاة وغيرها كما هو مذهب أصحابه وتعقب بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة المصرحه بالتفرقة فهو قياس فاسد الاعتبار وإذا ثبت الخبر بطلب معارضته بالقياس اتفاقا لكن جمع بعض الأئمة بين عموم قوله جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وبين أحاديث الباب بحملها على كراهة التنزيه وهذا أولى والله اعلم تكملة وقع في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم ولا يصلي في مرابض الإبل والبقر وسنده ضعيف فلو ثبت لافاد أن حكم البقر حكم الإبل بخلاف ما ذكره بن المنذر أن البقر في ذلك كالغنم

قوله باب من صلى وقدامة تنور بالنصب على الظرف التنور بفتح المثناة وتشديد النون المضمومة ما توقد فيه النار للخبز وغيره وهو في الأكثر يكون حفيرة في الأرض وربما كان على وجه الأرض ووهم من خصه بالأول قيل هو معرب وقيل هو عربي توافقت عليه الألسنة وإنما خصه بالذكر مع كونه ذكر النار بعده اهتماما به لأن عبدة النار من المجوس لا يعبدونها الا إذا كانت متوقدة بالجمر كالتي في التنور وأشار به إلى ما ورد عن بن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور وقال هو بيت نار أخرجه بن أبي شيبة وقوله أو شيء من العام بعد الخاص فتدخل فيه الشمس مثلا والأصنام والتماثيل والمراد أن يكون ذلك بين المصلي وبين القبلة قوله وقال الزهري هو طرف من حديث طويل يأتي موصولا في باب وقت الظهر وقد تقدم طرف منه في كتاب العلم وسيأتي باللفظ الذي ذكره هنا في كتاب التوحيد وحديث بن عباس يأتي الكلام عليه بتمامه في صلاة الكسوف فقد ذكره بتمامه هناك بهذا الإسناد وتقدم أيضا طرف منه في كتاب الإيمان وقد نازعه الإسماعيلي في الترجمة فقال ليس ما أرى الله نبيه من النار بمنزلة نار معبودة لقوم يتوجه المصلي إليها وقال بن التين لا حجة فيه على الترجمة لأنه لم يفعل ذلك مختارا وإنما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيه العباد وتعقب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل فدل على أن مثله جائز وتفرقة الإسماعيلي بين القصد وعدمه وإن كانت ظاهرة لكن الجامع بين الترجمة والحديث وجود نار بين المصلي وبين قبلته في الجملة وأحسن من هذا عندي أن يقال لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته أو انحرافه عنه وبين من لا يقدر على ذلك فلا يكره في حق الثاني وهو المطابق لحديثي الباب ويكره في حق الأول كما سيأتي التصريح بذلك عن بن عباس في التماثيل وكما روى بن أبي شيبة عن بن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت النار ونازعه أيضا من المتأخرين القاضي السروجي في شرح الهداية فقال لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم قال أريت النار ولا يلزم أن تكون أمامه متوجها إليها بل يجوز أن تكون عن يمينه أو عن يساره أو غير ذلك قال ويحتمل أن يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة انتهى وكأن البخاري رحمه الله كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن أنس ففيه عرضت على النار وأنا أصلي وأما كونه رآها امامه فسياق حديث بن عباس يقتضيه ففيه إنهم قالوا له بعد أن انصرف يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت أي تأخرت إلى خلف وفي جوابه أن ذلك بسبب كونه أرى النار وفي حديث أنس المعلق هنا عنده في كتاب التوحيد موصولا لقد عرضت على الجنة والنار أنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي وهذا بدفع جواب من فرق بين القريب من المصلي والبعيد

قوله باب كراهية الصلاة في المقابر استنبط من قوله في الحديث ولا تتخذوها قبورا أن القبور ليست بمحل للعبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة وكأنه أشار إلى أن ما رواه أبو داود والترمذي في ذلك ليس على شرطه وهو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وارساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان

[ 422 ] قوله حدثنا يحيى هو القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري قوله من صلاتكم قال القرطبي من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته قلت وليس فيه ما ينفي الاحتمال وقد حكى عياض عن بعضهم أن معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن وهذا وأن كان محتملا لكن الأول هو الراجح وقد بالغ الشيخ محي الدين فقال لا يجوز حمله على الفريضه وقد نازع الإسماعيلي المصنف أيضا في هذه الترجمة فقال الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر قلت قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ لا تجعلوا بيوتكم مقابر وقال بن التين تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون كأنه قال لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور قال فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك قلت إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم وإن أراد نفى ذلك مطلقا فلا فقد قدمنا وجه استنباطه وقال في النهاية تبعا للمطالع إن تأويل البخاري مرجوح والأولى قول من قال معناه أن الميت لا يصلي في قبره وقد نقل بن المنذر عن أكثر أهل العلم إنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع الصلاة وكذا قال البغوي في شرح السنة والخطابي وقال أيضا يحتمل أن المراد لا تجعلوا بيوتكم وطنا للنوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي وقال التوربشتي حاصل ما يحتمله أربعة معان فذكر الثلاثة الماضية ورابعها يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر قلت ويؤيده ما رواه مسلم مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت قال الخطابي وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته قلت ما ادعى أنه تأويل هو ظاهر لفظ الحديث ولا سيما أن جعل النهي حكما منفصلا عن الأمر وما استدل به على رده تعقبه الكرماني فقال لعل ذلك من خصائصه وقد روى أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون قلت هذا الحديث رواه بن ماجة مع حديث بن عباس عن أبي بكر مرفوعا ما قبض نبي الا دفن حيث يقبض وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقي في الدلائل وروى الترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى من طريق سالم بن عبيد الأشجعي عن أبي بكر الصديق أنه قيل له فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المكان الذي قبض الله فيه روحه فإنه لم يقبض روحه الا في مكان طيب إسناده صحيح لكنه موقوف والذي قبله أصرح في المقصود وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهى غيره عن ذلك بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب وهو قوله لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا والله أعلم

قوله باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب أي ما حكمها وذكر العذاب بعد الخسف من العام بعد الخاص لأن الخسف من جملة العذاب قوله ويذكر أن عليا هذا الأثر رواه بن أبي شيبة من طريق عبد الله أين أبي المحل وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام قال كنا مع على فمررنا على الخسف الذي ببابل فلم يصل حتى إجازة أي تعداه ومن طريق أخرى عن على قال ما كنت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث مرار والظاهر أن قوله ثلاث مرار ليس متعلقا بالخسف لأنه ليس فيها الا خسف واحد وإنما أراد أن عليا قال ذلك ثلاثا ورواه أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن على ولفظه نهاني حبيبي صلى الله عليه وسلم أن أصلي في أرض بإبل فإنها ملعونة في إسناده ضعف واللائق بتعليق المصنف ما تقدم والمراد بالخسف هنا ما ذكر الله تعالى في قوله فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم الآية ذكر أهل التفسير والاخبار أن المراد بذلك أن النمروذ بن كنعان بني ببابل بنيانا عظيما يقال إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع فخسف الله بهم قال الخطابي لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل فإن كان حديث على ثابتا فلعله نهاه أن يتخذها وطنا لأنه إذا أقام بها كانت صلاته فيها يعني أطلق الملزوم وأراد اللازم قال فيحتمل أن النهي خاص بعلي انذارا له بما لقي من الفتنة بالعراق قلت وسياق قصة الأولى يبعد هذا التأويل والله اعلم

[ 423 ] قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس بن أخت مالك قوله لا تدخلوا كان هذا النهي لما مروا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك وقد صرح المصنف في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن بن عمر ببعض ذلك قوله هؤلاء المعذبين بفتح الذال المعجمه وله في أحاديث الأنبياء لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم قوله الا أن تكونوا باكين ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول بل دائما عند كل جزء من الدخول وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبه فيه بالاولويه وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم لم ينزل فيه البتة قال بن بطال هذا يدل على إباحة الصلاة هناك لأن الصلاة موضع بكاء وتضرع كأنه يشير إلى عدم مطابقة الحديث لاثر على قلت والحديث مطابق له من جهة أن كلا منهما فيه ترك النزول كما وقع عند المصنف في المغازي في آخر الحديث ثم قنع صلى الله عليه وسلم رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي فدل على أنه لم ينزل ولم يصل هناك كما صنع على في خسف بابل وروى الحاكم في الإكليل عن أبي سعيد الخدري قال رأيت رجلا جاء بخاتم وجده بالحجر في بيوت المعذبين فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم واستتر بيده أن ينظر إليه وقال القه فألقاه لكن إسناده ضعيف وسيأتي نهيه صلى الله عليه وسلم أن يستقي من مياههم في كتاب أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى قوله لا يصيبكم بالرفع على أن لا نافية والمعنى لئلا يصيبكم ويجوز الجزم على أنها ناهية وهو أوجه وهو نهى بمعنى الخبر وللمصنف في أحاديث الأنبياء أن يصيبكم أي خشية أن يصيبكم ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وأمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وأهمالهم واعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا باحوالهم فقد شابههم في الاهمال ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم وبهذا يندفع اعتراض من قال كيف يصيب عذاب الظالمين من ليس بظالم لأنه بهذا التقدير لا يأمن أن يصير ظالما فيعذب بظلمه وفي الحديث الحث على المراقبة والزجر عن السكنى في ديار المعذبين والاسراع عند المرور بها وقد اشير الى ذلك في قوله تعالى وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم

قوله باب الصلاة في البيعة بكسر الموحده بعدها مثناة تحتانية معبد للنصارى قال صاحب المحكم البيعة صومعة الراهب وقيل كنيسة النصارى والثاني هو المعتمد ويدخل في حكم البيعة الكنيسة وبيت المدراس والصومعة وبيت الصنم وبيت النار ونحو ذلك قوله وقال عمر إنا لا ندخل كنائسكم وفي رواية الأصيلي كنائسهم قوله من أجل التماثيل هو جمع تمثال بمثناة ثم مثلثة بينهما ميم وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق فالصورة أعم قوله التي فيها الضمير يعود على الكنيسة والصور بالجر على أنها بدل من التماثيل أو بيان لها أو بالنصب على الاختصاص أو بالرفع أي أن التماثيل مصورة والضمير على هذا للتماثيل وفي رواية الأصيلي والصور بزيادة الواو العاطفة وهذا الأثر وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال لما قدم عمر الشام صنع له رجل من النصارى طعاما وكان من عظمائهم وقال أحب أن تجيئني وتكرمني فقال له عمر أنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها يعني التماثيل وتبين بهذا أن روايتي النصب والجر أوجه من غيرهما والرجل المذكور من عظمائهم اسمه قسطنطين سماه مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مسجعة بن ربعي عن عمر في قصة طويلة أخرجها قوله وكان بن عباس وصله البغوي في الجعديات وزاد فيه فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر وقد تقدم في باب من صلى وقدامه تنور أن لا معارضة بين هذين البابين وأن الكراهة في حال الاختيار

[ 424 ] قوله حدثنا محمد هو بن سلام كما صرح به بن السكن في روايته وعبده هو بن سليمان وقد تقدم الكلام على المتن قبل خمسة أبواب ومطابقته للترجمة من قوله بنوا على قبره مسجدا فإن فيه إشارة إلى نهي المسلم عن أن يصلي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدا والله أعلم

قوله باب كذا في أكثر الروايات بغير ترجمة وسقط من بعض الروايات وقد قررنا أن ذلك كالفصل من الباب فله تعلق بالباب الذي قبله والجامع بينهما الزجر عن اتخاذ القبور مساجد وكأنه أراد أن يبين أن فعل ذلك مذموم سواء كان مع تصوير أم لا

[ 425 ] قوله لما نزل كذا لأبي ذر بفتحتين والفاعل محذوف أي الموت ولغيره بضم النون وكسر الزاي وطفق أي جعل والخميصة كساء له أعلام كما تقدم قوله فقال وهو كذلك أي في تلك الحال ويحتمل أن يكون ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه أم سلمة وأم حبيبة أمر الكنيسة التي رأتاها بأرض الحبشة وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم وقوله اتخذوا جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب اللعن كأنه قيل ما سبب لعنهم فأجيب بقوله اتخذوا وقوله يحذر ما صنعوا جملة أخرى مستأنفه من كلام الراوي كأنه سئل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت فأجيب بذلك وقد استشكل ذكر النصارى فيه لأن اليهود لهم أنبياء بخلاف النصارى فليس بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي غيره وليس له قبر والجواب أنه كان فيهم أنبياء لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول أو الجمع في

[ 426 ] قوله أنبيائهم بإزاء المجموع من اليهود والنصارى والمراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفى بذكر الأنبياء ويؤيده قوله في رواية مسلم من طريق جندب كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ولهذا لما أفرد النصارى في الحديث الذي قبله قال إذا مات فيهم الرجل الصالح ولما أفرد اليهود في الحديث الذي بعده قال قبور أنبيائهم أو المراد بالاتخاذ أعم من أن يكون ابتداعا أو أتباعا فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض تقدم الكلام على حديث جابر في أوائل كتاب التيمم أخرجه هناك عن محمد بن سنان أيضا وسعيد بن النضر لكنه ساقه هناك على لفظ سعيد وهنا على لفظ بن سنان وليس بينهما تفاوت من حيث المعنى لا في السند ولا في المتن وايراده له هنا يحتمل أن يكون أراد أن الكراهة في الأبواب المتقدمه ليست للتحريم لعموم قوله جعلت لي الأرض مسجدا أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانا للسجود أو يصلح أن يبني فيه مكان للصلاة ويحتمل أن يكون أراد أن الكراهة فيها للتحريم وعموم حديث جابر مخصوص بها والأول أولى

لأن الحديث سيق في مقام الامتنان فلا ينبغي تخصيصه ولا يرد عليه أن الصلاة في الأرض المتنجسة لا تصح لأن التنجس وصف طاريء والاعتبار بما قبل ذلك

قوله باب نوم المرأة في المسجد أي وإقامتها فيه

[ 428 ] قوله أن وليدة أي أمة وهي في الأصل المولودة ساعة تولد قاله بن سيده ثم أطلق على الأمة وإن كانت كبيرة قوله قالت فخرجت القائلة ذلك هي الوليدة المذكورة وقد روت عنها عائشة هذه القصة والبيت الذي انشدته ولم يذكرها أحد ممن صنف في رواة البخاري ولا وقفت على اسمها ولا على اسم القبيلة التي كانت لهم ولا على اسم الصبية صاحبة الوشاح والوشاح بكسر الواو ويجوز ضمها ويجوز إبدالها ألفا خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة وقيل ينسج من أديم عريضا ويرصع باللؤلؤ وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها وعن الفارسي لا يسمى وشاحا حتى يكون منظوما بلؤلؤ وودع انتهى وقولها في الحديث من سيور يدل على أنه كان من جلد وقولها بعد فحسبته لحما لا ينفى كونه مرصعا لأن بياض اللؤلؤ على حمرة الجلد يصير كاللحم السمين قوله فوضعته أو وقع منها شك من الراوي وقد رواه ثابت في الدلائل من طريق أبي معاوية عن هشام فزاد فيه أن الصبية كانت عروسا فدخلت إلى مغتسلها فوضعت الوشاح قوله حدياة بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء التحتانية تصغير حدأة بالهمز بوزن عنبة ويجوز فتح أوله وهي الطائر المعروف المأذون في قتله في الحل والحرم والأصل في تصغيرها حديأة بسكون الياء وفتح الهمزة لكن سهلت الهمزة وادغمت ثم اشبعت الفتحة فصارت ألفا وتسمى أيضا الحدي بضم أوله وتشديد الدال مقصور ويقال لها أيضا الحد وبكسر أوله وفتح الدال الخفيفة وسكون الواو وجمعها حدأ كالمفرد بلا هاء وربما قالوه بالمد والله اعلم قوله حتى فتشوا قبلها كأنه من كلام عائشة وإلا فمقتضى السياق أن تقول قبلى وكذا هو في رواية المصنف في أيام الجاهلية من رواية على بن مسهر عن هشام فالظاهر أنه من كلام الوليدة اوردته بلفظ الغيبة التفاتا أو تجريدا وزاد فيه ثابت أيضا قالت فدعوت الله أن يبرئني فجاءت الحديا وهم ينظرون قوله وهو ذا هو يحتمل أن يكون هو الثاني خبرا بعد خبر أو مبتدأ وخبره محذوف أو يكون خبرا عن ذا والمجموع خبرا عن الأول ويحتمل غير ذلك ووقع في رواية أبي نعيم وها هو ذا وفي رواية بن خزيمة وهو ذا كما ترون قوله قالت أي عائشة فجاءت أي المرأة قوله فكانت أي المرأة وللكشميهني فكان والخباء بكسر المعجمة بعدها موحده وبالمد الخيمة من وبر أو غيره وعن أبي عبيد لا يكون من شعر والحفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها شين معجمة البيت الصغير القريب السمك مأخوذ من الانخفاش وهو الانضمام وأصله الوعاء الذي تضع المرأة فيه غزلها قوله فتحدث بلفظ المضارع بحذف إحدى التاءين قوله تعاجيب أي أعاجيب وأحدها اعجوبة ونقل بن السيد أن تعاجيب لا واحد له من لفظه قوله ألا إنه بتخفيف اللام وكسر الهمزة وهذا البيت الذي انشدته هذه المرأة عروضه من الضرب الأول من الطويل واجزاؤه ثمانية ووزنه فعولن مفاعيلن أربع مرات لكن دخل البيت المذكور القبض وهو حذف الخامس الساكن في ثاني جزء منه فإن اشبعت حركة الحاء من الوشاح صار سالما أو قلت ويوم وشاح بالتنوين بعد حذف التعريف صار القبض في أول جزء من البيت وهو أخف من الأول واستعمال القبض في الجزء الثاني وكذا السادس في أشعار العرب كثير جدا نادر في أشعار المولدين وهو عند الخليل بن أحمد أصلح من الكف ولا يجوز عندهم الجمع بين الكف وهو حذف السابع الساكن وبين القبض بل يشترط أن يتعاقبا وإنما اوردت هذا القدر هنا لأن الطبع السليم ينفر من القبض المذكور وفي الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلا كان أو امرأة عند أمن الفتنة وإباحة استظلاله فيه بالخيمة ونحوها وفيه الخروج من البلد الذي يحصل للمرء فيه المحنة ولعله يتحول إلى ما هو خير له كما وقع لهذه المرأة وفيه فضل الهجرة من دار الكفر وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرا لأن في السياق أن إسلامها كان بعد قدومها المدينة والله أعلم

قوله باب نوم الرجال في المسجد أي جواز ذلك وهو قول الجمهور وروى عن بن عباس كراهيته الا لمن يريد الصلاة وعن بن مسعود مطلقا وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح قوله وقال أبو قلابة عن أنس هذا طرف من قصة العرنيين وقد تقدم حديثهم في الطهارة وهذا اللفظ أورده في المحاربين موصولا من طريق وهيب عن أيوب عن أبي قلابة قوله وقال عبد الرحمن بن أبي بكر هو أيضا طرف من حديث طويل يأتي في علامات النبوة والصفة موضع مظلل في المسجد النبوي كانت تأوى إليه المساكين وقد سبق البخاري إلى الاستدلال بذلك سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار رواه بن أبي شيبة عنهما قوله حدثنا يحيى هو القطان

[ 429 ] عن عبيد الله هو العمرى وحديث عبد الله بن عمر هذا مختصر أيضا من حديث له طويل يأتي في باب فضل قيام الليل وأورده بن ماجة مختصرا أيضا بلفظ كنا ننام قوله اعزب بالمهملة والزاي أي غير متزوج والمشهور فيه عزب بفتح العين وكسر الزاي والأول لغة قليلة مع أن القزاز انكرها وقوله لا أهل له هو تفسير لقوله أعزب ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص فيدخل فيه الاقارب ونحوهم وقوله في مسجد متعلق بقوله ينام

[ 430 ] قوله عن أبي حازم هو سلمة بن دينار والد عبد العزيز المذكور قوله أين بن عمك فيه إطلاق بن العم على أقارب الأب لأنه بن عم أبيها لا بن عمها وفيه إرشادها إلى أن تخاطبه بذلك لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم ما وقع بينهما فأراد استعطافا عليه بذكر القرابة القريبه التي بينهما قوله فلم يقل عندي بفتح الياء التحتانية وكسر القاف من القيلولة وهو نوم نصف النهار قوله فقال لأنسان يظهر لي أنه سهل راوي الحديث لأنه لم يذكر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره وللمصنف في الأدب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أين بن عمك قالت في المسجد وليس بينه وبين الذي هنا مخالفة لاحتمال أن يكون المراد من قوله انظر أين هو المكان المخصوص من المسجد وعند الطبراني فأمر إنسانا معه فوجده مضطجعا في فيء الجدار قوله هو راقد في المسجد فيه مراد الترجمة لأن حديث بن عمر يدل على إباحته لمن لا مسكن له وكذا بقية أحاديث الباب الا قصة على فإنها تقتضي التعميم لكن يمكن أن يفرق بين نوم الليل وبين قيلولة النهار وفي حديث سهل هذا من الفوائد أيضا جواز القائلة في المسجد وممازحة المغضب بما لا يغضب منه بل يحصل به تأنيسه وفيه التكنية بغير الولد وتكنية من له كنية والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب وسيأتي في الأدب أنه كان يفرح إذا دعي بذلك وفيه مداراة الصهر وتسكينه من غضبه ودخول الوالد بيت ابنته بغير إذن زوجها حيث يعلم رضاه وأنه لا بأس بأبداء المنكبين في غير الصلاة وسيأتي بقية ما يتعلق به في فضائل على إن شاء الله تعالى

[ 431 ] قوله حدثنا بن فضيل هو محمد بن فضيل بن غزوان وأبو حازم هو سلمان الأشجعي وهو أكبر من أبي حازم الذي قبله في السن واللقاء وأن كانا جميعا مدنيين تابعيين ثقتين قوله لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة وكانوا من أهل الصفة أيضا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة وقد اعتنى بجمع أصحاب الصفة بن الأعرابي والسلمي والحاكم وأبو نعيم وعند كل منهم ما ليس عند الآخر وفي بعض ما ذكروه اعتراض ومناقشة لكن لا يسع هذا المختصر تفصيل ذلك قوله رداء هو ما يستر أعالى البدن فقط وقوله اما إزار أي فقط واما كساء أي على الهيئة المشروحه في المتن وقوله قد ربطوا أي الأكسية فحذف المفعول للعلم به وقوله فمنها أي من الاكسية قوله فيجمعه بيده أي الواحد منهم زاد الإسماعيلي أن ذلك في حال كونهم في الصلاة ومحصل ذلك أنه لم يكن لأحد منهم ثوبان وقد تقدم نحوه هذه الصفة في باب إذا كان الثوب ضيقا

قوله باب الصلاة إذا قدم من سفر أي في المسجد قوله وقال كعب هو طرف من حديثه الطويل في قصة تخلفه وتوبته وسيأتي في أواخر المغازي وهو ظاهر فيما ترجم له وذكر بعده حديث جابر ليجمع بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فلا يظن أن ذلك من خصائصه

[ 432 ] قوله قال مسعر أراه بالضم أي أظنه والضمير لمحارب قوله وكان لي عليه دين كذا للأكثر وللحموي وكان له أي لجابر عليه أي على النبي صلى الله عليه وسلم وفي قوله بعد ذلك فقضاني التفات وهذا الدين هو ثمن جمل جابر وسيأتي مطولا في كتاب الشروط ونذكر هناك فوائده إن شاء الله تعالى وقد أخرجه المصنف أيضا في نحو من عشرين موضعا مطولا ومختصرا موصولا ومعلقا ومطابقته للترجمة من جهة أن تقاضيه لثمن الجمل كان عند قدومه من السفر كما سيأتي واضحا وغفل مغلطاي حيث قال ليس فيه ما بوب عليه لأن لقائل أن يقول إن جابرا لم يقدم من سفر لأنه ليس فيه ما يشعر بذلك قال النووي هذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر ينوي بها صلاة القدوم لا أنها تحية المسجد التي أمر الداخل بها قبل أن يجلس لكن تحصل التحيه بها وتمسك بعض من منع الصلاة في الأوقات المنهيه ولو كانت ذات سبب بقوله ضحى ولا حجة فيه لأنها واقعة عين

قوله باب إذا دخل المسجد حذف الفاعل للعلم به وذكر في رواية الأصيلي وكريمة كلفظ المتن

[ 433 ] قوله عن أبي قتادة بفتحتين هكذا اتفق عليه الرواة عن مالك ورواه سهيل بن أبي صالح عن عامر بن عبد الله بن الزبير فقال عن جابر بدل أبي قتادة وخطأه الترمذي والدارقطني وغيرهما قوله السلمي بفتحتين لأنه من الأنصار والإسناد كله مدني كالذي بعده قوله فليركع أي فليصل من إطلاق الجزء وإرادة الكل قوله ركعتين هذا العدد لامفهوم لا كثرة باتفاق واختلف في أقله والصحيح اعتباره فلا تتأذى هذه السنة بأقل من ركعتين واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب ونقل بن بطال عن أهل الظاهر الوجوب والذي صرح به بن حزم عدمه ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يتخطى اجلس فقد آذيت ولم يأمره بصلاة كذا استدل به الطحاوي وغيره وفيه نظر وقال الطحاوي أيضا الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها قلت هما عمومان تعارضا الأمر بالصلاة لكل داخل من غير تفصيل والنهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة فلا بد من تخصيص أحد العمومين فذهب جمع إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر وهو الأصح عند الشافعية وذهب جمع إلى عكسه وهو قول الحنفية والمالكيه قوله قبل أن يجلس صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك وفيه نظر لما رواه بن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما ترجم عليه بن حبان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس قلت ومثله قصة سليك كما سيأتي في الجمعة وقال المحب الطبري يحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز أو يقال وقتهما قبله أداء وبعده قضاء ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل فائدة حديث أبي قتادة هذا ورد على سبب وهو أن أبا قتادة دخل المسجد فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه فجلس معهم فقال له ما منعك أن تركع قال رأيتك جالسا والناس جلوس قال فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين أخرجه مسلم وعند بن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي قتادة أعطوا المساجد حقها قيل له وما حقها قال ركعتين قبل أن تجلس

قوله باب الحدث في المسجد قال المازري أشار البخاري إلى الرد على من منع المحدث أن يدخل المسجد أو يجلس فيه وجعله كالجنب وهو مبنى على أن الحدث هنا الريح ونحوه وبذلك فسره أبو هريرة كما تقدم في الطهارة وقد قيل المراد بالحدث هنا أعم من ذلك أي ما لم يحدث سوء ويؤيده رواية مسلم ما لم يحدث فيه ما لم يؤذ فيه وفي أخرى للبخاري ما لم يؤذ فيه بحدث فيه وسيأتي قريبا بناء على أن الثانية تفسير للاولى

[ 434 ] قوله الملائكة تصلي وللكشميهني إن الملائكة تصلي بزيادة إن والمراد بالملائكة الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك قوله تقول الخ هو بيان لقوله تصلي قوله ما دام في مصلاه مفهومه أنه إذا انصرف عنه انقضى ذلك وسيأتي في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة بيان فضيلة من أنتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أم تحول إلى غيره ولفظه ولا يزال في صلاة ما أنتظر الصلاة فأثبت للمنتظر حكم المصلي فيمكن أن يحمل قوله في مصلاة على المكان المعد للصلاة لا الموضع الخاص بالسجود فلا يكون بين الحديثين تخالف وقوله ما لم يحدث يدل على أن الحدث يبطل ذلك ولو استمر جالسا وفيه دليل على أن الحدث في المسجد أشد من النخامه

لما تقدم من أن لها كفارة ولم يذكر لهذا كفارة بل عومل صاحبه بحرمان استغفار الملائكة ودعاء الملائكة مرجو الاجابه لقوله تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وسيأتي بقية فوائد هذا الحديث في باب من جلس ينتظر إن شاء الله تعالى

قوله باب بنيان المسجد أي النبوي قوله وقال أبو سعيد هو الخدري والقدر المذكور هنا طرف من حديثه في ذكر ليلة القدر وقد وصله المؤلف في الاعتكاف وغيره من طريق أبي سلمة عنه وسيأتي قريبا في أبواب صلاة الجماعه قوله وامر عمر هو طرف من قصة في ذكر تجديد المسجد النبوي قوله وقال أكن الناس وقع في روايتنا أكن بضم الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون المضمومة بلفظ الفعل المضارع من أكن الرباعي يقال أكنت الشيء أكنانا أي صنته وسترته وحكى أبو زيد كننته من الثلاثي بمعنى أكننته وفرق الكسائي بينهما فقال كننته أي سترته وأكننته في نفسي أي اسررته ووقع في رواية الأصيلي أكن بفتح الهمزة والنون فعل أمر من الأكنان أيضا ويرجحه قوله قبله وأمر عمر وقوله بعده وإياك وتوجه الأولى بأنه خاطب القوم بما أراد ثم ألتفت إلى الصانع فقال له وإياك أو يحمل قوله وإياك على التجريد كأنه خاطب نفسه بذلك قال عياض وفي رواية غير الأصيلي والقابسي أي وأبي ذر كن الناس بحذف الهمزة وكسر الكاف وهو صحيح أيضا وجوز بن مالك ضم الكاف على أنه من كن فهو مكنون انتهى وهو متجه لكن الرواية لا تساعده قوله فتفتن الناس بفتح المثناة من فتن وضبطه بن التين بالضمن من أفتن وذكر أن الأصمعي أنكره وأن أبا عبيدة إجازة فتن وأفتن بمعنى قال بن بطال كأن عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصه إلى أبي جهم من أجل الاعلام التي فيها وقال أنها ألهتني عن صلاتي قلت ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم خاص بهذه المسألة فقد روى بن ماجة من طريق عمرو بن ميمون عن عمر مرفوعا ما ساء عمل قوم قط الا زخرفوا مساجدهم رجاله ثقات إلا شيخه جبارة بن المغلس ففيه مقال قوله وقال أنس يتباهون بها بفتح الهاء أي يتفاخرون وهذا التعليق رويناه موصولا في مسند أبي يعلى وصحيح بن خزيمة من طريق أبي قلابة أن أنسا قال سمعته يقول يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها الا قليلا أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان مختصرا من طريق أخرى عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد والطريق الأولى أليق بمراد البخاري وعند أبي نعيم في كتاب المساجد من الوجه الذي عند بن خزيمة يتباهون بكثرة المساجد تنبيه قوله ثم لا يعمرونها المراد به عمارتها بالصلاة وذكر الله وليس المراد به بنيانها بخلاف ما يأتي في ترجمة الباب الذي بعده قوله وقال بن عباس لتزخرفنها بفتح اللام وهي لام القسم وضم المثناة وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء وضم الفاء وتشديد النون وهي نون التأكيد والزخرفه الزينه وأصل الزخرف الذهب ثم استعمل في كل ما يتزين به وهذا التعليق وصله أبو داود وابن حبان من طريق يزيد بن الأصم عن بن عباس هكذا موقوف وقبله حديث مرفوع ولفظه ما أمرت بتشييد المساجد وظن الطيبي في شرح المشكاة أنهما حديث واحد فشرحه على أن اللام في لتزخرفنها مكسورة وهي لام التعليل للمنفى قبله والمعنى ما أمرت بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة قال والنون فيه لمجرد التأكيد وفيه نوع توبيخ وتأنيب ثم قال ويجوز فتح اللام على أنها جواب القسم قلت وهذا هو المعتمد والأول لم تثبت به الرواية أصلا فلا يغتر به وكلام بن عباس فيه مفصول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المشهورة وغيرها وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله قال البغوي التشييد رفع البناء وتطويله وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها حين حرفوا كتبهم وبدلوها

[ 435 ] قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم زاد الأصيلي بن سعد ورواية صالح بن كيسان عن نافع من رواية الأقران لأنهما مدنيان ثقتان تابعيان من طبقة واحدة وعبد الله هو بن عمر قوله باللبن بفتح اللام وكسر الموحده قوله وعمده بفتح أوله وثانية ويجوز ضمهما وكذا قوله خشب قوله وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه أي بجنس الآلات المذكورة ولم يغير شيئا من هيئته الا توسيعه قوله ثم غيره عثمان أي من الوجهين التوسيع وتغيير الآلات قوله بالحجارة المنقوشة أي بدل اللبن وللحموي والمستملي بحجارة منقوشة قوله والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وهي الجص بلغة أهل الحجاز وقال الخطابي تشبه الجص وليست به قوله وسقفه بلفظ الماضي عطفا على جعل وبإسكان القاف على عمده والساج نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند وقال بن بطال وغيره هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه وإنما أحتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر فحسنه بما لايقتضي الزخرفة ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه كما سيأتي بعد قليل وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة ورخص في ذلك بعضهم وهو قول أبي حنيفة إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال وقال بن المنير لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة وتعقب بأن المنع إن كان للحث على أتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة وفي حديث أنس علم من أعلام النبوة لأخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع كما قال

قوله باب التعاون في بناء المسجد ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله كذا في رواية أبي ذر وزاد غيره قبل قوله ما كان وقول الله عز وجل وفي آخره إلى قوله المهتدين وذكره لهذه الآية مصير منه إلى ترجيح أحد الاحتمالين من أحد الاحتمالين في الآية وذلك أن قوله تعالى مساجد الله يحتمل أن يراد بها مواضع السجود ويحتمل أن يراد بها الأماكن المتخذة لإقامة الصلاة وعلى الثاني يحتمل أن يراد بعمارتها بنيانها ويحتمل أن يراد بها الإقامة لذكر الله فيها

[ 436 ] قوله حدثنا مسدد هذا الإسناد كله بصري لأن بن عباس أقام على البصرة أميرا مدة ومعه مولاه عكرمة قوله انطلقا إلى أبي سعيد أي الخدري قوله فإذا هو زاد المصنف في الجهاد فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما قوله يصلحه قال في الجهاد يسقيانه والحائط البستان وهذا الأخ زعم بعض الشراح أنه قتادة بن النعمان وهو أخو أبي سعيد لأمه ولا يصح أن يكون هو فإن على بن عبد الله بن عباس ولد في أواخر خلافة على ومات قتادة بن النعمان قبل ذلك في أواخر خلافة عمر بن الخطاب وليس لأبي سعيد أخ شقيق ولا أخ من أبيه ولا من أمه إلا قتادة فيحتمل أن يكون المذكور أخاه من الرضاعة ولم أقف إلى الآن على اسمه وفي الحديث إشارة إلى أن العلم لا يحوى جميعه أحد لأن بن عباس مع سعة علمه أمر ابنه بالأخذ عن أبي سعيد فيحتمل أن يكون علم أن عنده ما ليس عنده ويحتمل أن يكون إرساله إليه لطلب علو الإسناد لأن أبا سعيد أقدم صحبة وأكثر سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم من بن عباس وفيه ما كان السلف عليه من التواضع وعدم التكبر وتعاهد أحوال المعاش بأنفسهم والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم وإكرام طلبة العلم وتقديم حوائجهم على حوائج أنفسهم قوله فأخذ رداءه فاحتبى فيه التأهب لالقاء العلم وترك التحديث في حالة المهنة إعظاما للحديث قوله حتى أتى على ذكر بناء المسجد أي النبوي وفي رواية كريمة حتى إذا أتى قوله وعمار لبنتين زاد معمر في جامعه لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه جواز ارتكاب المشقة في عمل البر وتوقير الرئيس والقيام عنه بما يتعاطاه من المصالح وفضل بنيان المساجد قوله فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض فيه التعبير بصيغة المضارع في موضع الماضي مبالغة لاستحضار ذلك في نفس السامع كأنه يشاهد وفي رواية الكشميهني فجعل ينفض قوله التراب عنه زاد في الجهاد عن رأسه وكذا لمسلم وفيه إكرام العامل في سبيل الله والإحسان إليه بالفعل والقول قوله ويقول أي في تلك الحال ويح عمار هي كلمة رحمة وهي بفتح الحاء إذا أضيفت فإن لم تضف جاز الرفع والنصب مع التنوين فيهما قوله يدعوهم أعاد الضمير على غير مذكور والمراد قتلته كما ثبت من وجه آخر تقتله الفئة الباغية يدعوهم الخ وسيأتي التنبيه عليه فإن قيل كان قتله بصفين وهو مع على والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في أتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة على وهو الإمام الواجب الطاعه إذ ذاك وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم وقال بن بطال تبعا للمهلب إنما يصح هذا في الخوارج الذين بعث إليهم على عمارا يدعوهم إلى الجماعة ولا يصح في أحد من الصحابة وتابعه على هذا الكلام جماعة من الشراح وفيه نظر من أوجه أحدها أن الخوارج إنما خرجوا على على بعد قتل عمار بلا خلاف بين أهل العلم بذلك فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم وكان التحكيم عقب انتهاء القتال بصفين وكان قتل عمار قبل ذلك قطعا فكيف يبعثه إليهم على بعد موته ثانيها أن الذين بعث إليهم على عمارا إنما هم أهل الكوفة بعثه يستنفرهم على قتال عائشة ومن معها قبل وقعة الجمل وكان فيهم من الصحابة جماعة كمن كان مع معاوية وأفضل وسيأتي التصريح بذلك عند المصنف في كتاب الفتن فما فر منه المهلب وقع في مثله مع زيادة إطلاقه عليهم تسمية الخوارج وحاشاهم من ذلك ثالثها أنه شرح على ظاهر ما وقع في هذه الرواية الناقصة ويمكن حمله على أن المراد بالذين يدعونه إلى النار كفار قريش كما صرح به بعض الشراح لكن وقع في رواية بن السكن وكريمة وغيرهما وكذا ثبت في نسخة الصغاني التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري التي بخطه زيادة توضح المراد وتفصح بان الضمير يعود على قتلته وهم أهل الشام ولفظه ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الحديث وأعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في الجمع وقال إن البخاري لم يذكرها أصلا وكذا قال أبو مسعود قال الحميدي ولعلها لم تقع للبخاري أو وقعت فحذفها عمدا قال وقد أخرجها الإسماعيلي والبرقاني في هذا الحديث قلت ويظهر لي أن البخاري حذفها عمدا وذلك لنكتة خفية وهي أن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة والرواية التي بينت ذلك ليست على شرط البخاري وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية أه وابن سمية هو عمار وسمية اسم أمه وهذا الإسناد على شرط مسلم وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال حدثني من هو خير مني أبو قتادة فذكره فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث وفي هذا الحديث زيادة أيضا لم تقع في رواية البخاري وهي عند الإسماعيلي وأبي نعيم في المستخرج من طريق خالد الواسطي عن خالد الحذاء وهي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك قال إني أريد من الله الأجر وقد تقدمت زيادة معمر فيه أيضا فائدة روى حديث تقتل عمارا الفئة الباغية جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان كما تقدم وأم سلمة عند مسلم وأبو هريرة عند الترمذي وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني وغيره وغالب طرقها صحيحة أو حسنة وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه قوله في آخر الحديث يقول عمار أعوذ بالله من الفتن فيه دليل على استحباب الاستعاذة من الفتن ولو علم المرء أنه متمسك فيها بالحق لأنها قد تفضي إلى وقوع من لا يرى وقوعه قال بن بطال وفيه رد للحديث الشائع لاتستعيذوا بالله من الفتن فإن فيها حصاد المنافقين قلت وقد سئل بن وهب قديما عنه فقال إنه باطل وسيأتي في كتاب الفتن ذكر كثير من احكامها وما ينبغي من العمل عند وقوعها أعاذنا الله تعالى مما ظهر منها وما بطن

قوله باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد الصناع بضم المهملة جمع صانع وذكره بعد النجار من العام بعد الخاص أو في الترجمة لف ونشر فقوله في أعواد المنبر ليتعلق بالنجار وقوله والمسجد يتعلق بالصناع أي والاستعانة بالصناع في المسجد أي في بناء المسجد وحديث الباب من رواية سهل وجابر جميعا يتعلق بالنجار فقط ومنه تؤخذ مشروعية الاستعانة بغيره من الصناع لعدم الفرق وكأنه أشار بذلك إلى حديث طلق بن على قال بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول قربوا اليمامي من الطين فإنه أحسنكم له مسا وأشدكم له سبكا رواه أحمد وفي لفظ له فأخذت المسحاة فخلطت الطين فكأنه أعجبه فقال دعوا الحنفي والطين فإنه أضبطكم للطين ورواه بن حبان في صحيحه ولفظه فقلت يا رسول الله أأنقل كما ينقلون فقال لا ولكن أخلط لهم الطين فأنت أعلم به

[ 437 ] قوله حدثنا عبد العزيز هو بن أبي حازم قوله إلى امرأة تقدم ذكرها في باب الصلاة على المنبر والسطوح والتنبيه على غلط من سماها علاثه وكذا التنبيه على اسم غلامها وساق المتن هنا مختصرا وساقه بتمامه في البيوع بهذا الإسناد وسنذكر فوائده في كتاب الجمعة ان شاء الله تعالى

[ 438 ] قوله حدثنا خلاد هو بن يحيى وأيمن بوزن أفعل وهو الحبشي مولى بني مخزوم قوله أن أمرأة هي التي ذكرت في حديث سهل فإن قيل ظاهر سياق حديث جابر مخالف لسياق حديث سهل لأن في هذا أنها ابتدأت بالعرض وفي حديث سهل أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل إليها يطلب ذلك أجاب بن بطال باحتمال أن تكون المرأة ابتدات بالسؤال متبرعه بذلك فلما حصل لها القبول أمكن أن يبطيء الغلام بعمله فأرسل يستنجزها إتمامه لعلمه بطيب نفسها بما بذلته قال ويمكن إرساله إليها ليعرفها بصفة ما يصنعه الغلام من الأعواد وأن يكون ذلك منبرا قلت ققد أخرجه المصنف في علامات النبوة من هذا الوجه بلفظ ألا أجعل لك منبرا فلعل التعريف وقع بصفة للمنبر مخصوصة أو يحتمل أنه لما فوض إليها الأمر بقوله لها إن شئت كان ذلك سبب البطء لا أن الغلام كان شرع وأبطأ ولا أنه جهل الصفة وهذا أوجه الأوجه في نظري قوله ألا أجعل لك أضافت الجعل إلى نفسها مجازا قوله فان لي غلاما نجارا في رواية الكشميهني فإني لي غلام نجار وقد اختصر المؤلف هذا المتن أيضا ويأتي بتمامه في علامات النبوة وفي الحديث قبول البذل إذا كان بغير سؤال واستنجاز الوعد ممن يعلم منه الإجابة والتقرب إلى أهل الفضل بعمل الخير وسيأتي بقية فوائده في علامات النبوة إن شاء الله تعالى

قوله باب من بني مسجدا أي ماله من الفضل

[ 439 ] قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث وبكير بالتصغير هو بن عبد الله بن الأشج وعبيد الله هو بن الأسود وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق بكير وعاصم وعبيد الله وثلاثة من أوله مصريون وثلاثة من آخره مدنيون وفي وسطه مدني سكن مصر وهو بكير فانقسم الإسناد إلى مصري ومدني قوله عند قول الناس فيه وقع بيان ذلك عند مسلم حيث أخرجه من طريق محمود بن لبيد الأنصاري وهو من صغار الصحابة قال لما أراد عثمان بناء المسجد كره الناس ذلك وأحبوا أن يدعوه على هيئته أي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وظهر بهذا أن قوله في حديث الباب حين بنى أي حين أراد أن يبني وقال البغوي في شرح السنة لعل الذي كره الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة لا مجرد توسيعه انتهى ولم يبن عثمان المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيده كما تقدم في باب بنيان المسجد فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض قوله مسجد الرسول كذا للأكثر وللحموي والكشميهني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله إنكم أكثرتم حذف المفعول للعلم به والمراد الكلام بالإنكار ونحوه تنبيه كان بناء عثمان للمسجد النبوي سنة ثلاثين على المشهور وقيل في آخر سنة من خلافته ففي كتاب السير عن الحارث بن مسكين عن بن وهيب أخبرني مالك أن كعب الأحبار كان يقول عند بنيان عثمان المسجد لوددت أن هذا المسجد لا ينجز فإنه إذا فرغ من بنيانه قتل عثمان قال مالك فكان كذلك قلت ويمكن الجمع بين القولين بأن الأول كان تاريخ ابتدائه والثاني تاريخ انتهائه قوله من بنى مسجدا التنكير فيه للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير ووقع في رواية أنس عند الترمذي صغيرا أو كبيرا وزاد بن أبي شيبة في حديث الباب من وجه آخر عن عثمان ولو كمفحص قطاة وهذه الزيادة أيضا عند بن حبان والبزار من حديث أبي ذر وعند أبي مسلم الكجي من حديث بن عباس وعند الطبراني في الأوسط من حديث أنس وابن عمر وعند أبي نعيم في الحلية من حديث أبي بكر الصديق ورواه بن خزيمة من حديث جابر بلفظ كمفحص قطاة أو أصغر وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه ويؤيده رواية جابر هذه وقيل بل هو على ظاهره والمعنى أن يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر وهذا كله بناء على أن المراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فلا يحتاج إلى شيء مما ذكر لكن قوله بنى يشعر بوجود بناء على الحقيقة ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة من بنى لله بيتا أخرجه سمويه في فوائده بإسناد حسن وقوله في رواية عمر من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله أخرجه بن ماجة وابن حبان وأخرج النسائي نحوه من حديث عمرو بن عبسة فكل ذلك مشعر بأن المراد بالمسجد المكان المتخذ لا موضع السجود فقط لكن لا يمتنع إرادة الآخر مجازا إذ بناء كل شيء بحسبه وقد شاهدنا كثيرا من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة وهي في غاية الصغر وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود وروى البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو حديث عثمان وزاد قلت وهذه المساجد التي في الطرق قال نعم وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة وإسنادهما حسن قوله قال بكير حسبت أنه أي شيخه عاصما بالإسناد المذكور قوله يبتغي به وجه الله أي يطلب به رضا الله والمعنى بذلك الإخلاص وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث ولم أرها إلا من طريقه هكذا وكأنها ليست في الحديث بلفظها فإن كل من روى حديث عثمان من جميع الطرق إليه لفظهم من بنى لله مسجدا فكأن بكيرا نسيها فذكرها بالمعنى مترددا في اللفظ الذي ظنه فإن قوله لله بمعنى قوله يبتغي به وجه الله لاشتراكهما في المعنى المراد وهو الإخلاص فائدة قال بن الجوزي من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه بعيدا من الإخلاص انتهى ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص وأن كان يؤجر في الجملة وروى أصحاب السنن وابن خزيمة والحاكم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه المحتسب في صنعته والرامي به والممد به فقوله المحتسب في صنعته أي من يقصد بذلك إعانة المجاهد وهو أعم من أن يكون متطوعا بذلك أو بأجرة لكن الإخلاص لا يحصل إلا من المتطوع وهل يحصل الثواب المذكور لمن جعل بقعة من الأرض مسجدا بأن يكتفي بتحويطها من غير بناء وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدا إن وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا وإن نظرنا إلى المعنى فنعم وهو المتجه وكذا قوله بنى حقيقة في المباشرة بشرطها لكن المعنى يقتضي دخول الآمر بذلك أيضا وهو المنطبق على استدلال عثمان رضي الله عنه لأنه استدل بهذا الحديث على ما وقع منه ومن المعلوم أنه لم يباشر ذلك بنفسه قوله بنى الله إسناد البناء إلى الله مجازا وإبراز الفاعل فيه لتعظيم ذكره جل اسمه أو لئلا تتنافر الضمائر أو يتوهم عوده على باني المسجد قوله مثله صفة لمصدر محذوف أي بني بناء مثله ولفظ المثل له استعمالان أحدهما الإفراد مطلقا كقوله تعالى فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا والآخر المطابقة كقوله تعالى أمم أمثالكم فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة فيحصل جواب من استشكل التقييد بقوله مثله مع أن الحسنة بعشرة أمثالها لاحتمال أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله والأصل أن ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة عليه بحكم الفضل وأما من أجاب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل نزول قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ففيه بعد وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفي الزيادة عليه ومن الأجوبة المرضية أيضا أن المثلية هنا بحسب الكمية والزيادة حاصلة بحسب الكيفية فكم من بيت خير من عشرة بل من مائة أو أن المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء لا من غيره مع قطع النظر عن غير ذلك مع أن التفاوت حاصل قطعا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة إذ موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها كما ثبت في الصحيح وقد روى أحمد من حديث واثلة بلفظ بنى الله له في الجنة أفضل منه وللطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ أوسع منه وهذا يشعر بأن المثلية لم يقصد بها المساواة من كل وجه وقال النووي يحتمل أن يكون المراد أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا قوله في الجنة يتعلق ببني أو هو حال من قوله مثله وفيه إشارة إلى دخول فاعل ذلك الجنة إذ المقصود بالبناء له أن يسكنه وهو لا يسكنه إلا بعد الدخول والله أعلم

قوله باب يأخذ أي الشخص بنصول جمع نصل ويجمع أيضا على نصال كما سيأتي في حديث الباب الذي بعده والنبل بفتح النون وسكون الموحدة وبعدها لام السهام العربية وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها وجواب الشرط في قوله إذا مر محذوف ويفسره قوله يأخذ أو التقدير يستحب لمن معه نبل أنه يأخذ الخ وسفيان المذكور في الإسناد هو بن عيينة وعمرو هو بن دينار ولم يذكر قتيبة في هذا السياق جواب عمرو عن استفهام سفيان كذا في أكثر الروايات وحكى عن رواية الأصيلي أنه ذكره في آخره فقال نعم ولم أره فيها وقد ذكره غير قتيبة أخرجه المصنف في الفتن عن على بن عبد الله عن سفيان مثله وقال في آخره فقال نعم ورواه مسلم من وجه آخر عن سفيان عن عمرو بغير سؤال ولا جواب لكن سياق المصنف يفيد تحقق الاتصال فيه وقد أخرجه الشيخان من غير طريق سفيان أيضا أخرجاه من طريق حماد بن زيد عن عمرو ولفظه أن رجلا مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها فأمر أن يأخذ بنصولها كي لا تخدش مسلما وليس في سياق المصنف كي وأفادت رواية سفيان تعيين الآمر المبهم في رواية حماد وأفادت رواية حماد بيان علة الأمر بذلك ولمسلم أيضا من طريق أبي الزبير عن جابر أن المار المذكور كان يتصدق بالنبل في المسجد ولم أقف على اسمه إلى الآن فائدة قال بن بطال حديث جابر لا يظهر فيه الإسناد لأن سفيان لم يقل إن عمرا قال له نعم قال ولكن ذكره البخاري في غير كتاب الصلاة وزاد في آخره فقال نعم فبان بقوله إسناد الحديث قلت هذا مبنى على المذهب المرجوح في اشتراط قول الشيخ نعم إذا قال له القارئ مثلا أحدثك فلان والمذهب الراجح الذي عليه أكثر المحققين ومنهم البخاري أن ذلك لا يشترط بل يكتفي بسكوت الشيخ إذا كان متيقظا وعلى هذا فالإسناد في حديث جابر ظاهر والله أعلم وفي الحديث إشارة إلى تعظيم قليل الدم وكثيره وتأكيد حرمة المسلم وجواز إدخال السلاح المسجد وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقليب السلاح في المسجد والمعنى فيه ما تقدم

قوله باب المرور في المسجد أي جوازه وهو مستنبط من حديث الباب من جهة الأولوية فإن قيل ما وجه تخصيص حديث أبي موسى بترجمة المرور وحديث جابر بترجمة الأخذ بالنصال مع أن كلا من الحديثين يدل على كل من الترجمتين أجيب باحتمال أن يكون ذلك بالنظر إلى لفظ المتن فإن حديث جابر ليس فيه ذكر المرور من لفظ الشارع بخلاف حديث أبي موسى فإن فيه لفظ المرور مقصودا حيث جعل شرطا ورتب عليه الحكم وهذا بالنظر إلى اللفظ الذي وقع للمصنف على شرطه وإلا فقد رواه النسائي من طريق بن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ إذا مر أحدكم الحديث وعبد الواحد المذكور في الإسناد هو بن زياد وأبو بردة بن عبد الله اسمه بريد وشيخه هو جده أبو بردة بن أبي موسى الأشعري وقد أخرجه المصنف في الفتن من طريق أبي أسامة عن بريد نحوه وكذا أخرجه مسلم من طريقه

[ 441 ] قوله أو أسواقنا هو تنويع من الشارع وليس شكا من الراوي والباء في قوله بنبل للمصاحبة قوله على نصالها ضمن الأخذ معنى الاستعلاء للمبالغة أو على بمعنى الباء كما تقدم في طريق حماد عن عمرو وسيأتي من طريق ثابت عن أبي بردة قوله لا يعقر أي لا يجرح وهو مجزوم نظرا إلى أنه جواب الأمر ويجوز الرفع قوله بكفه متعلق بقوله فليأخذ وكذا رواية الأصيلي لا يعقر مسلما بكفه ليس قوله بكفه متعلقا بيعقر والتقدير فليأخذ بكفه على نصالها لا يعقر مسلما ويؤيده رواية أبي أسامة فليمسك على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين لفظ مسلم وله من طريق ثابت عن أبي بردة فليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها

قوله باب الشعر في المسجد أي ما حكمه

[ 442 ] قوله عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة كذا رواه شعيب وتابعه إسحاق بن راشد عن الزهري أخرجه النسائي ورواه سفيان بن عيينة عن الزهري فقال عن سعيد بن المسيب بدل أبي سلمة أخرجه المؤلف في بدء الخلق وتابعه معمر عند مسلم وإبراهيم بن سعد وإسماعيل بن أمية عند النسائي وهذا من الاختلاف الذي لا يضر لأن الزهري من أصحاب الحديث فالراجح أنه عنده عنهما معا فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وهذا من جنس الأحاديث التي يتعقبها الدارقطني على الشيخين لكنه لم يذكره فليستدرك عليه وفي الإسناد نظر من وجه آخر وهو على شرط التتبع أيضا وذلك أن لفظ رواية سعيد بن المسيب مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم ألتفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله الحديث ورواية سعيد لهذه القصة عندهم مرسلة لأنه لم يدرك زمن المرور ولكنه يحمل على أن سعيدا سمع ذلك من أبي هريرة بعد أو من حسان أو وقع لحسان استشهاد أبي هريرة مرة أخرى فحضر ذلك سعيد ويقويه سياق حديث الباب فإن فيه أن أبا سلمة سمع حسان يستشهد أبا هريرة وأبو سلمة لم يدرك زمن مرور عمر أيضا فإنه أصغر من سعيد فدل على تعدد الاستشهاد ويجوز أن يكون التفات حسان إلى أبي هريرة واستشهاده به إنما وقع متأخرا لأن ثم لا تدل على الفورية والأصل عدم التعدد وغايته أن يكون سعيد أرسل قصة المرور ثم سمع بعد ذلك استشهاد حسان لأبي هريرة وهو المقصود لأنه المرفوع وهو موصول بلا تردد والله أعلم قوله يستشهد أي يطالب الشهادة والمراد الإخبار بالحكم الشرعي وأطلق عليه الشهادة مبالغة في تقوية الخبر قوله أنشدك بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي سألتك الله والنشد بفتح النون وسكون المعجمة التذكر قوله أجب عن رسول الله في رواية سعيد أجب عني فيحتمل أن يكون الذي هنا بالمعنى قوله أيده أي قوه وروح القدس المراد هنا جبريل بدليل حديث البراء عند المصنف أيضا بلفظ وجبريل معك والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفي الترمذي من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار وذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرجه تعليقا نحوه وأتم منه لكني لم أره فيه قال بن بطال ليس في حديث الباب أن حسان أنشد شعرا في المسجد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لكن رواية البخاري في بدء الخلق من طريق سعيد تدل على أن قوله صلى الله عليه وسلم لحسان أجب عني كان في المسجد وأنه أنشد فيه ما أجاب به المشركين وقال غيره يحتمل أن البخاري أراد أن الشعر المشتمل على الحق حق بدليل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لحسان على شعره وإذا كان حقا جاز في المسجد كسائر الكلام الحق ولا يمنع منه كما يمنع من غيره من الكلام الخبيث واللغو الساقط قلت والأول أليق بتصرف البخاري وبذلك جزم المازري وقال إنما اختصر البخاري القصة لاشتهارها ولكونه ذكرها في موضع آخر انتهى وأما ما رواه بن خزيمة في صحيحه والترمذي وحسنه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المساجد وإسناده صحيح إلى عمرو فمن يصحح نسخته يصححه وفي المعنى عدة أحاديث لكن في أسانيدها مقال فالجمع بينها وبين حديث الباب أن يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين والمأذون فيه ما سلم من ذلك وقيل المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالبا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه وأبعد أبو عبد الملك البوني فأعمل أحاديث النهي وادعى النسخ في حديث الإذن ولم يوافق على ذلك حكاه بن التين عنه وذكر أيضا أنه طرد هذه الدعوى فيما سيأتي من دخول أصحاب الحراب المسجد وكذا دخول المشرك

قوله باب أصحاب الحراب في المسجد الحراب بكسر المهملة جمع حربة والمراد جواز دخولهم فيه ونصال حرابهم مشهورة وأظن المصنف أشار إلى تخصيص الحديث السابق في النهى عن المرور في المسجد بالنصل غير مغمود والفرق بينهما أن التحفظ في هذه الصورة وهي صورة اللعب بالحراب سهل بخلاف مجرد المرور فأنه قد يقع بغتة فلا يتحفظ منه قوله في الإسناد

[ 443 ] عن صالح هو بن كيسان قوله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما في باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد فيه جواز ذلك في المسجد وحكى بن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع وأما السنة فحديث جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وتعقب بان الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فأنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث وفي بعضها أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم دعهم واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو وقال المهلب المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه وفي الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله وكرم معاشرته وفضل عائشة وعظيم محلها عنده وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب العيدين إن شاء الله تعالى قوله في باب حجرتي عند الأصيلي وكريمة على باب حجرني قوله يسترني بردائه يدل على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب ويدل على جواز نظر المرأة إلى الرجل وأجاب بعض من منع بأن عائشة كانت إذ ذاك صغيرة وفيه نظر لما ذكرنا وادعى بعضهم النسخ بحديث افعمياوان أنتما وهو حديث مختلف في صحته وسيأتي للمسألة مزيد بسط في موضعه إن شاء الله تعالى قوله وزاد إبراهيم بن المنذر يريد أن إبراهيم رواه من رواية يونس وهو بن يزيد عن بن شهاب كرواية صالح لكن عين أن لعبهم كان بحرابهم وهو المطابق للترجمة وفي ذلك إشارة الى ان البخاري يقصد بالترجمة أصل الحديث لاخصوص السياق الذي يورده ولم اقف على طريق يونس من رواية إبراهيم بن المنذر موصولة نعم وصلها مسلم عن أبي طاهر بن السرح عن بن وهب ووصلها الإسماعيلي أيضا من طريق عثمان بن عمر عن يونس وفيه الزيادة

قوله باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد مطابقة هذه الترجمة لحديث الباب من قوله ما بال أقوام يشترطون فإن فيه إشارة إلى القصة المذكورة وقد اشتملت على بيع وشراء وعتق وولاء ووهم بعض من تكلم على هذا الكتاب فقال ليس فيه أن البيع والشراء وقعا في المسجد ظنا منه أن الترجمة معقودة لبيان جواز ذلك وليس كما ظن للفرق بن جريان ذكر الشيء والاخبار عن حكمة فإن ذلك حتى وخير وبين مباشرة العقد فإن ذلك يفضى إلى اللغط المنهي عنه قال المازري واختلفوا في جواز ذلك في المسجد مع اتفاقهم على صحة العقد لو وقع ووقع لابن المنير في تراجمه وهم آخر فإنه زعم أن حديث هذه الترجمة هو حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال وشرع يتكلف لمطابقته لترجمة البيع والشراء في المسجد وإنما الذي في النسخ كلها في ترجمة البيع والشراء حديث عائشة وأما حديث أبي هريرة المذكور فسيأتى بعد أربعة أبواب بترجمة أخرى وكأنه انتقل بصره من موضع لموضع أو تصفح ورقة فانقلبت ثنتان قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة

[ 444 ] عن يحيى هو بن سعيد وللحميدى في مسنده عن سفيان حدثنا يحيى قوله قالت أتتها فيه التفات إن كان فاعل قالت عائشة ويحتمل أن يكون الفاعل عمرة فلا التفات قوله تسألها في كتابتها ضمن تسأل معنى تستعين وثبت كذلك في رواية أخرى والمراد بقولها أهلك مواليك وحذف مفعول أعطيت الثاني لدلالة الكلام عليه والمراد بقية ما عليها وسيأتي تعيينه في كتاب العتق إن شاء الله تعالى قوله وقال سفيان مرة أي أن سفيان حدث به على وجهين وهو موصول غير معلق قوله ذكرته ذلك كذا وقع هنا بتشديد الكاف فقيل الصواب ما وقع في رواية مالك وغيره بلفظ ذكرت له ذلك لأن التذكير يستدعى سبق علم بذلك ولا يتجه تخطئة هذه الرواية لاحتمال السبق أو لا على وجه الإجمال قوله يشترطون شروطا ليس في كتاب الله كأنه ذكر باعتبار جنس الشرط ولفظ مائة للمبالغة فلا مفهوم له قوله في كتاب الله قال الخطابي ليس المراد أن ما لم ينص عليه في كتاب الله فهو باطل فإن لفظ الولاء لمن أعتق من قوله صلى الله عليه وسلم لكن الأمر بطاعته في كتاب الله فجاز إضافة ذلك إلى الكتاب وتعقب بأن ذلك لو جاز لجازت إضافة ما اقتضاه كلام الرسول صلع إليه والجواب عنه أن تلك الإضافة إنما هي بطريق العموم لا بخصوص المسألة المعينة وهذا مصير من الخطابي إلى أن المراد بكتاب الله هنا القرآن ونظير ما جنح إليه ما قاله بن مسعود لأم يعقوب في قصة الواشمه ما لي لا العن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ثم استدل على كونه في كتاب الله بقوله تعالى وما أتاكم الرسول فخذوه ويحتمل أن يكون المراد بقوله هنا في كتاب الله أي في حكم الله سواه ذكر في القرآن أم في السنة أو المراد بالكتاب المكتوب أي في اللوح المحفوظ وحديث عائشة هذا في قصة بريرة قد أخرجه البخاري في مواضع أخرى من البيوع والعتق وغيرهما واعتنى به جماعة من الأئمة فافردوه بالتصنيف وسنذكر فوائده ملخصة مجموعة في كتاب العتق إن شاء الله تعالى قوله ورواه مالك وصله في باب المكاتب عن عبد الله بن يوسف عنه وصورة سياقه الإرسال وسيأتي الكلام عليه هناك قوله قال علي يعني بن عبد الله المذكور أول اباب ويحيى هو بن سعيد القطان وعبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي والحاصل أن علي بن عبد الله حدث البخاري عن أربعة أنفس حدثه كل منهم به عن يحيى بن سعيد الأنصاري وإنما أفرد رواية سفيان لمطابقتها الترجمة يذكر المنبر فيها ويؤيد ذلك أن التعليق عن مالك متأخر في رواية كريمة عن طريق جعفر بن عون قوله عن عمرة نحوه يعني نحو رواية مالك وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار عن يحيى القطان وعبد الوهاب كلاهما عن يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة أن بريرة فذكره وليس فيه ذكر المنبر أيضا وصورته أيضا الإرسال لكن قال في آخره فزعمت عائشة أنها ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فظهر بذلك اتصاله وافادت رواية جعفر بن عون التصريح بسماع يحيى من عمرة وبسماع عمرة من عائشة فأمن بذلك ما يخشى فيه من الإرسال المذكور وغيره وقد وصله النسائي والإسماعيلي أيضا من رواية جعفر بن عون وفيه عن عائشة قالت أتتني بريرة فذكر الحديث وليس في ذكر المنبر أيضا

قوله باب التقاضى أي مطالبة الغريم بقضاء الدين والملازمة أي ملازمة الغريم و في المسجد يتعلق بالأمرين فإن قيل التقاضى ظاهر من حديث الباب دون الملازمة أجاب بعض المتأخرين فقال كأنه أخذه من كون بن أبي حدرد لزمه خصمه في وقت التقاضى وكأنهما كانا ينتظران النبي صلى الله عليه وسلم ليفصل بينهما قال فإذا جازت الملازمة في حال الخصومة فجوازها بعد ثبوت الحق عند الحاكم أولى انتهى قلت والذي يظهر لي من عادة تصرف البخاري أنه أشار بالملازمة إلى ما ثبت في بعض طرقه وهو ما أخرجه هو في باب الصلح وغيره من طريق الأعرج عن عبد الله بن كعب عن أبيه أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي مال فلقيه فلزمه فتكلما حتى ارتفعت اصواتهما ويستفاد من هذه الرواية أيضا تسمية بن أبي حدرد وذكر نسبته فائدة قال الجوهري وغيره لم يأت من الأسماء على فعلع بتكرير العين غير حدرد وهو بفتح المهملة بعدها دال مهملة ساكنة ثم راء مفتوحة ثم دال مهملة أيضا

[ 445 ] قوله عن كعب هو بن مالك أبوه قوله دينا وقع في رواية زمعة بن صالح عن الزهري أنه كان اوقيتين أخرجه الطبراني قوله في المسجد متعلق بتقاضى قوله فخرج في إليهما رواية الأعرج فمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فظاهر الروايتين التخالف وجمع بعضهم بينهما باحتمال أن يكون مر بهما أو لا ثم أن كعبا اشخص خصمه للمحاكمة فسمعهما النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وهو في بينه قلت وفيه بعد لأن في الطريقين أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى كعب بالوضيعة وأمر غريمه بالقضاء فلو كان أمره صلى الله عليه وسلم بذلك تقدم لهما لما أحتاج إلى الإعادة والأولى فيما يظهر لي أن يحمل المرور على أمر معنوى لا حسى قوله سجف بكسر المهمله وسكون الجيم وحكى فتح أوله وهو الستر وقيل أحد طرق الستر المفرج قوله أي الشطر بالنصب أي ضع الشطر لأنه تفسير لقوله هذا والمراد بالشطر النصف وصرح به في رواية الأعرج قوله لقد فعلت مبالغة في امتثال الأمر وقوله قم خطاب لابن أبي حدرد وفيه أشار إلى أنه لا يجتمع الوضيعة والتأجيل وفي الحديث جواز رفع الصوت في المسجد وهو كذلك ما لم يتفاحش وقد أفرد له المصنف باب يأتي قريبا والمنقول عن مالك منعه في المسجد مطلقا وعنه التفرقة بين رفع الصوت بالعلم والخير وما لا بد منه فيجوز وبين رفعه باللغط ونحوه فلا قال المهلب لو كان رفع الصوت في المسجد لا يجوز لما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم ولبين لهما ذلك قلت ولمن منع أن يقول لعله تقدم نهيه عن ذلك فاكتفى به واقتصر على التوصل بالطريق المؤدية إلى ترك ذلك بالصلح المقتضى لسترك المخاصمة الموجبة لرفع الصوت وفيه الاعتماد على الإشارة إذا فهمت والشفاعة إلى صاحب الحق واشارة الحاكم بالصلح وقبول الشفاعة وجواز ارخاء الستر على الباب

قوله باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان أي منه

[ 446 ] قوله عن أبي رافع هو الصائغ تابعي كبير ووهم بعض الشراح فقال أنه أبو رافع الصحابي وقال هو من رواية صحابي عن صحابي وليس كما قال فإن ثابتا البناني لم يدرك أبا رافع الصحابي قوله أن رجلا أسود أو امرأة سوداء الشك فيه من ثابت لأنه رواه عنه جماعة هكذا أو من أبي رافع وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن حماد بهذا الإسناد قال ولا أراه الا امرأة ورواه بن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقال امرأة سوداء ولم يشك ورواه البيهقي بإسناد حسن من حديث بن بريدة عن أبيه فسماها أم محجن وأفاد أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله عنها أبو بكر الصديق وذكر بن منده في الصحابة خرقاء امرأة سوداء كانت تقم المسجد ووقع ذكرها في حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس وذكرها بن حبان في الصحابة بذلك بدون ذكر السند فإن كان محفوظا فهذا اسمها وكنيتها أم محجن قوله كان يقم المسجد بقاف مضمومة أي يجمع القمامة وهي الكناسة فإن قيل دل الحديث على كنس المسجد فمن أين يؤخذ التقاط الخرق وما معه أجاب بعض المتأخرين بأنه يؤخذ بالقياس عليه والجامع التنظيف قلت والذي يظهر لي من تصرف البخاري أنه أشار بكل ذلك إلى ما ورد في بعض طرقه صريحا ففي طريق العلاء المتقدمة كانت بلقط الخرق والعيدان من المسجد وفي حديث بريدة المتقدم كانت مولعة بلفظ القذى من المسجد والقذى بالقاف والذال المعجمة مقصور جمع قذاة وجمع الجمع اقذية قال أهل اللغة القذى في العين والشراب ما يسقط فيه ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرا وتكلف من لم يطلع على ذلك فزعم أن حكم الترجمة يؤخذ من إتيان النبي صلى الله عليه وسلم القبر حتى صلى عليه قال فيؤخذ من ذلك الترغيب في تنظيف المسجد قوله عنه أي عن حاله ومفعوله محذوف أي الناس قوله آذنتموني بالمدينة أي أعلمتوني زاد المصنف في الجنائز قال فحقروا شأنه وزاد بن خزيمة في طريق العلاء قالوا مات من الليل فكرهنا أن نوقظك وكذا في حديث بريدة زاد مسلم عن أبي كامل الجحدري عن حماد بهذا الإسناد في آخره ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وأن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم وإنما لم يخرج البخاري هذه الزيادة لأنها مدرجة في هذا الإسناد وهي من مراسيل ثابت بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب بيان المدرج قال البيهقي يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد بن عبدة أو من رواية ثابت عن أنس يعني كما رواه بن منده ووقع في مسند أبي داود الطيالسي عن حماد بن زيد وأبي عامر الخزاز كلاهما عن ثابت بهذه الزيادة وزاد بعدها فقال رجل من الأنصار أن أبي أو أخي مات أو دفن فصل عليه قال فانطلق معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث فضل تنظيف المسجد والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير وندب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصل عليه والاعلام بالموت

قوله باب تحريم تجارة الخمر في المسجد أي جواز ذكر ذلك وتبيين احكامه وليس مراده ما يقتضيه مفهومه من أن تحريمها مختص بالمسجد وإنما هو على حذف مضاف أي باب ذكر تحريم لها تقدم نظيره في باب ذكر البيع والشراء وموقع الترجمة أن المسجد منزه عن الفواحش فعلا وقولا لكن يجوز ذكرها فيه للتحذير منها ونحو ذلك كما دل عليه هذا الحديث

[ 447 ] قوله عن أبي حمزة هو السكري ومسلم هو بن صبيح أبو الضحى وسيأتي الكلام على حديث الباب في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى قال القاضي عياض كان تحريم الخمر قبل نزول آية الربا بمدة طويلة فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بتحريمها مرة بعد أخرى تأكيدا قلت ويحتمل أن يكون تحريم التجارة فيها تأخر عن وقت تحريم عينها والله أعلم

قوله باب الخدم للمسجد في رواية كريمة الخدم في المسجد قوله وقال بن عباس هذا التعليق وصله بن أبي حاتم بمعناه قوله محررا أي معتقا والظاهر أنه كان في شرعهم صحة النذر في أولادهم وكأن غرض البخاري الإشارة بإيراد هذا إلى أن تعظيم المسجد بالخدمة كان مشروعا عند الأمم السالفة حتى أن بعضهم وقع منه نذر ولده لخدمته ومناسبة ذلك الحديث الباب من جهة صحة تبرع تلك المرأة بإقامة نفسها لخدمة المسجد لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك

[ 448 ] قوله حدثنا أحمد بن واقد واقد جده واسم أبيه عبد الملك وشيخه حماد هو بن زيد ورجاله إلى أبي هريرة بصريون قوله ولا أراه بضم الهمزة أي أظنه قوله فذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أي الذي تقدم قبل بباب

قوله باب الأسير أو الغريم كذا للأكثر بأو وهي للتنويع وفي رواية بن السكن وغيره والغريم بواو العطف

[ 449 ] قوله حدثنا روح هو بن عبادة قوله تفلت بالفاء وتشديد اللام أي تعرض له فلتة أي بغتة وقال القزاز يعني توثب وقال الجوهري أفلت الشيء فانفلت وتفلت بمعنى قوله البارحة قال صاحب المنتهى كل زائل بارح ومنه سميت البارحة وهي أدنى ليلة زالت عنك قوله أو كلمة نحوها قال الكرماني الضمير راجع إلى البارحة أو إلى جملة تفلت على البارحة قلت رواه شبابة عن شعبة بلفظ عرض لي فشد على أخرجه المصنف في أواخر الصلاة وهو يؤيد الاحتمال الثاني ووقع في رواية عبد الرزاق عرض لي في صورة هر ولمسلم من حديث أبي الدراء جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي وللنسائي من حديث عائشة فأخذته فصرعته فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي وفهم بن بطال وغيره منه أنه كان حين عرض له غير متشكل بغير صورته الأصلية فقالوا أن رؤية الشيطان على صورته التي خلق عليها خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما غيره من الناس فلا لقوله تعالى انه يراكم هو وقبيله الآية وسنذكر بقية مباحث هذه المسألة في باب ذكر حيث ذكره المؤلف في بدء الخلق ويأتي الكلام على بقية فوائد حديث الباب في تفسير سورة ص قوله رب اغفر لي وهب لي كذا في رواية أبي ذر وفي بقية الروايات هنا رب هب لي قال الكرماني لعله ذكره على طريق الاقتباس لا على قصد التلاوة قلت ووقع عند مسلم كما في رواية أبي ذر على نسق التلاوة فالظاهر أنه تغيير من بعض الرواة قوله قال روح فرده أي النبي صلى الله عليه وسلم رد العفريت خاسئا أي مطرود أو ظاهره أن هذه الزيادة في رواية روح دون رفيقه محمد بن جعفر لكن أخرجه المصنف في أحاديث الأنبياء عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر وحده وزاد في آخره أيضا فرده خاسئا ورواه مسلم من طريق النضر عن شعبة بلفظ فرده الله خاسئا

قوله باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد هكذا في أكثر الروايات وسقط للاصيلى وكريمة قوله وربط الأسير الخ وعند بعضهم باب بلا ترجمة وكأنه فصل من الباب الذي قبله ويحتمل أن يكون بيض للترجمة فسد بعضهم البياض بما ظهر له ويدل عليه أن الإسماعيلي ترجم عليه باب دخول المشرك المسجد وأيضا فالبخارى لم تجر عادته بإعادة لفظ الترجمة عقب الأخرى والاغتسال إذا أسلم لاتعلق له بأحكام المساجد الا على بعد وهو أن يقال الكافر جنب غالبا والجنب ممنوع من المسجد الا لضرورة فلما أسلم لم تبق ضرورة للبثه في المسجد جنبا فاغتسل لتسوغ له الإقامة في المسجد وادعى بن المنير أن ترجمة هذا الباب ذكر البيع والشراء في المسجد قال ومطابقتها لعقة ثمامة أن من تخيل منع ذلك أخذه من عموم قوله إنما بنيت المساجد لذكر الله فأراد البخاري أن هذا العموم مخصوص بأشياء غير ذلك منها ربط الأسير في المسجد فإذا جاز ذلك للمصلحة فكذلك يجوز البيع والشراء للمصلحة في المسجد قلت ولا يخفى ما فيه من التكلف وليس ما ذكره من الترجمة مع ذلك في شيء من نسخ البخاري هنا وإنما تقدمت قبل خمسة أبواب لحديث عائشة في قصة بريرة ثم قال فإن قيل إيراد قصة ثمامة في الترجمة التي قبل هذه وهي باب الأسير يربط في المسجد أليق فالجواب أنه يحتمل أن البخاري آثر الاستدلال بقصة العفريت على قصة ثمامة لأن الذي هم بربط العفريت هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي تولى ربط ثمامة غيره وحيث رآه مربوطا قال اطلقوا ثمامة قال فهو بأن يكون إنكارا لربطه أولى من أن يكون تقريرا انتهى وكأنه لم ينظر سياق هذا الحديث تاما لا في البخاري ولا في غيره فقد أخرجه البخاري في أو اخر المغازي من هذا الوجه بعينه مطولا وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مر على ثمامة ثلاث مرات وهو مربوط في المسجد وإنما أمر بإطلاقه في اليوم الثالث وكذا أخرجه مسلم وغيره وصرح بن إسحاق في المغازي من هذا الوجه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بربطه فبطل ما تخيله بن المنير وإني لا تعجب منه كيف جوز أن الصحابة يفعلون في المسجد أمر لا يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كلام فاسد مبنى على فاسد فالحمد لله على التوفيق قوله وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس قال بن مالك فيه وجهان أحدهما أن يكون الأصل يأمر بالقريم وأن يحبس بدل اشتمال ثم حذفت الباء ثانيهما أن معنى قوله أن يحبس أي ينجس فجعل المطاوع موضع المطاوع لاستلزامه إياه انتهى والتعليق المذكور في رواية الحموي دون رفقته وقد وصله معمر عن أيوب عن بن سيرين قال كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد الى ان يقوم بما عليه فإن أعطى الحق وإلا أمر به الى السجن

[ 450 ] قوله خيلا أي فرسانا والأصل إنهم كانوا رجالا على خيل وثمامة بمثلثة مضمومة وأثال بضم الهمزة بعدها مثلثة خفيفة قوله الى نخل في أكثر الروايات بالخاء المعجمة وفي النسخة المقروءة على أبي الوقت بالجيم وصوبها بعضهم وقال والنجل الماء القليل النابع وقيل الجاري قلت ويؤيد الرواية الأولى أن لفظ بن خزيمة في صحيحه في هذا الحديث فانطلق الى حائط أبي طلحة وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث حيث أورده المصنف تاما إن شاء الله تعالى

قوله باب الخيمة في المسجد أي جواز ذلك

[ 451 ] قوله حدثنا زكريا بن يحيى هو البلخي الؤلؤى وكان حافظا وفي شيوخ البخاري زكريا بن يحيى أبو السكين وقد شارك البلخي في بعض شيوخه قوله أصيب سعد أي بن معاذ قوله في الأكحل هو عرق في اليد قوله خيمة في المسجد أي لسعد قوله فلم يرعهم أي بفزعهم بن قال الخطابي المعنى أنهم بينما هم في حال طمأنينة حتى أفزعتهم رؤية الدم فارتاعوا له وقال غيره المراد بهذا اللفظ السرعة لا نفس الفزع قوله وفي المسجد خيمة هذه الجملة معترضة بين الفعل والفاعل والتقدير فلم يرعهم الا الدم والمعنى فراعهم الدم قوله من قبلكم بكسر القاف أي من جهتكم قوله يغذو بغين وذال معجمتين أي يسيل قوله فمات فيها أي في الخيمة أو في تلك المرضة وفي رواية المستملى والكشميهني فمات منها أي الجراحة وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب المغازي حيث أورده المؤلف هناك بأتم من هذاالسياق

قوله باب إدخال البعير في المسجل للعلة أي للحاجة وفهم منه بعضهم أن المراد بالعلة الضعف فقال هو ظاهر في حديث أم سلمة دون حديث بن عباس ويحتمل أن يكون المصنف أشار بالتعليق المذكور إلى ما أخرجه أبو داود من حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى فطاف على راحلته وأما اللفظ المعلق فهو موصول عند المصنف كما سيأتي في كتاب الحد إن شاء الله تعالى ويأتي أيضا قول جابر أنه إنما طاف على بعيره ليراه الناس وليسألوه ويأتي الكلام على حديث أم سلمة أيضا في الحج وهو ظاهر فيما ترجم له ورجال إسناده مدنيون وفيه تابعيان محمد وعروة وصحابيتان زينب وأمها أم سلمة قال بن بطال في هذا الحديث جواز دخول الدواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتيج إلى ذلك لأن بولها لا ينجسه بخلاف غيرها من الدواب وتعقب بأنه ليس في الدخول دلالة علىعدم الجواز مع عدم الحاجة بل ذلك دائر على التلويث وعدمه فحيث يخشى التلويث يمتنع الدخول وقد قيل أن ناقته صلى الله عليه وسلم كانت منوقة أي مدربة معلمة فيؤمن منها ما يحذر من التلويث وهي سائرة فيحتمل أن يكون بعير أم سلمة كان كذلك والله أعلم

قوله باب كذا هو في الأصل بلا ترجمة وكأنه بيض له فاستمر كذلك وأما قول بن رشيد إن مثل ذلك إذا وقع للبخاري كان كالفصل من الباب فهو حسن حيث يكون بينه وبين الباب الذي قبله مناسبة بخلاف مثل هذا الموضع وأما وجه تعلقه بأبواب المساجد فمن جهة أن الرجلين تأخرى مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في تلك الليلة المظلمة لانتظار صلاة العشاء معه فعلى هذا كان يليق أن يترجم له فضل المشي الى المسجد في الليلة المظلمة ويلمح بحديث بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة وقد أخرجه أبو داود وغيره من حديث بريد وظهر شاهده في حديث الباب لاكرام الله تعالى هذين الصحابيين بهذا النور الظاهر وادخر لهما يوم القيامة ما هو أعظم وأتم من ذلك إن شاء الله تعالى وسنذكر بقية فوائد حديث أنس المذكور في كتاب المناقب فقد ذكر المصنف هناك أن الرجلين المذكورين هما أسيد بن خضير وعباد بن بشر

قوله باب الخوخة والممر في المسجد الخوخة باب صغير قد يكون بمصراع وقد لا يكون وإنما أصلها فتح في حائط قاله بن قرقول

[ 454 ] قوله عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد هكذا في أكثر الروايات وسقط في رواية الأصيلي عن أبي زيد ذكر بسر بن سعيد مضار عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد وهو صحيح في نفس الأمر لكن محمد بن سنان إنما حدث به كالذي وقع في بقي الروايات فقد نقل بن السكن عن الفربري عن البخاري أنه قال هكذا حدث به محمد بن سنان وهو خطأ وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد يعني بواو العطف فعلى هذا يكون أبو النضر سمعه من شيخين حدثه كل منهما به عن أبي سعيد وقد رواه مسلم كذلك عن سعيد بن منصور عن فليح عن أبي النضر عن عبيد وبسر جميعا عن أبي سعيد وتابعه يونس بن محمد عن فليح أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عنه ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر وحده أخرجه المصنف في مناقب أبي بكر فكأن فليحا كان يجمعهما مرة ويقتصر مرة على أحدهما وقد رواه مالك عن أبي النضر عن عبيد وحده عن أبي سعيد أخرجه المصنف أيضا في الهجرة وهذا مما يقوي أن الحديث عند أبي النضر عن شيخين ولم يبق إلا أن محمد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفة مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به ويؤيد هذا الاحتمال أن المعافى بن سليمان الحراني رواه عن فليح كرواية محمد بن سنان وقد نبه المصنف على أن حذف الواو خطأ فلم يبق للاعتراض عليه سبيل قال الدارقطني رواية من رواه عن أبي النضر عن عبيد عن بسر غير محفوظة قوله إن يكن الله خير عبدا كذا للأكثر وللكشميهني أن يكن لله عبد خير والهمزة في إن مكسورة على أنها شرطية وجوز بن التين فتحها على أنها تعليلية وفيه نظر قوله إن أمن الناس قال النووي قال العلماء معناه أكثرهم جودا لنا بنفسه وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك وقال القرطبي هو من الامتنان والمراد أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره نظيرها لا متن بها يؤيده قوله في رواية بن عباس ليس أحدا أمن على والله أعلم قوله ولكن إخوة الإسلام كذا للأكثر وللأصيلي ولكن خوة الإسلام بحذف الألف كأنه نقل حركة الهمزة الى النون وحذف الهمزة فعلى هذا يجوز ضم نون لكن كما قاله بن مالك وخبر هذه الجملة محذوف والتقدير أفضل كما وقع في حديث بن عباس الذي بعده ولكن فيه خلة الإسلام ويأتي ما في ذلك من الاشكال وبيانه في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى وبين حديث بن عباس أيضا أن ذلك كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم وذلك لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فلذلك استثنى خوخته بخلاف غيرهن وقد قيل إن ذلك من جملة الإشارات إلى استخلافه كما سيأتي أيضا

[ 455 ] قوله غير خوخة أبي بكر كذا للأكثر وللكشميهني الا بدل غير

قوله باب الأبواب والغلق بفتح المعجمة واللام أي ما يغلق به الباب قوله قال لي عبد الله بن محمد هو الجعفي وسفيان هو بن عيينة وعبد الملك هو اسم بن جريج وقوله لو رأيت محذوف الجواب وتقديره لرأيت عجبا أو حسنا لإتقانها أو نظافتها ونحو ذلك وهذا السياق يدل على أنها في ذلك الوقت كانت قد اندرست

[ 456 ] قوله قالا حدثنا حماد بن يزيد لم يقل الأصيلي بن زيد وسيأتي الكلام على حديث بن عمر هذا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قال بن بطال الحكمة في غلق الباب حينئذ لئلا يظن الناس أن الصلاة فيه سنة فيلتزمون ذلك كذا قال ولا يخفى ما فيه وقال غيره يحتمل أن يكون ذلك لئلا يزدحموا عليه لتوفر دواعيهم على مراعاة أفعاله ليأخذوها عنه أو ليكون ذلك اسكن لقلبه واجمع لخشوعه وإنما ادخل معه عثمان لئلا يظن أنه عزل عن ولاية الكعبة وبلالا وأسامة لملازمتهما خدمته وقيل فائدة ذلك التمكن من الصلاة في جميع جهاتها لأن الصلاة إلى جهة الباب وهو مفتوح لا تصح

قوله باب دخول المشرك المسجد هذه الترجمة ترد على الإسماعيلي حيث يرجم بها فيما مضى بدل ترجمة الاغتسال إذا أسلم وقد يقال إن في هذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة الأسير يربط في المسجد تكرارا لأن ربطه فيه يستلزم ادخاله لكن يجاب عن ذلك بأن هذا أعم من ذاك وقد اختصر المصنف الحديث مقتصرا على المقصود منه وسيأتي تاما في المغازي وفي دخول المشرك المسجد مذاهب فمن الحنفية الجواز مطلقا وعن المالكية والمزني المنع مطلقا وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية وقيل يؤذن للكتابي خاصة وحديث الباب يرد عليه فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب

قوله باب رفع الصوت في المسجد أشار بالترجمة إلى الخلاف في ذلك فقد كرهه مالك مطلقا سواء كان في العلم أم في غيره وفرق غيره بين ما يتعلق بغرض ديني أو نفع دنيوي وبين ما لا فائدة فيه وساق البخاري في الباب حديث عمر الدال على المنع وحديث كعب الدال على عدمه إشارة منه إلى أن المنع فيما لا منفعة فيه وعدمه فيما تلجئ الضرورة إليه وقد تقدم البحث فيه في باب التقاضي ووردت أحاديث في النهي عن رفع الصوت في المساجد لكنها ضعيفة أخرج بن ماجة بعضها فكأن المصنف أشار إليها

[ 458 ] قوله حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن في رواية الإسماعيلي الجعد بن أوس وهو هو فإن اسمه الجعد وقد يصغر وهو بن عبد الرحمن بن أوس فقد ينسب إلى جده قوله حدثني يزيد بن خصيفة هو بن عبد الله بن خصيفة نسب إلى جده وروى حاتم بن إسماعيل هذا الحديث عن الجعيد عن السائب بلا واسطة أخرجه الإسماعيلي والجعيد صح سماعه من السائب كما تقدم في الطهاره فليس هذا الاختلاف قادحا وعند عبد الرزاق له طريق أخري عن نافع قال كان عمر يقول لا تكثروا اللغط فدخل المسجد فإذا هو برجلين قد ارتفعت اصواتهما فقال إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت الحديث وفيه انقطاع لأن نافعا لم يدرك ذلك الزمان قوله كنت قائما في المسجد كذا في الأصول بالقاف وفي رواية نائما بالنون ويؤيده رواية حاتم عن الجعيد بلفظ كنت مضطجعا قوله فحصبني أي رماني بالحصباء قوله فإذا عمر الخبر محذوف تقديره قائم أو نحوه ولم اقف على تسمية هذين الرجلين لكن في رواية عبد الرزاق إنهما ثقفيان قوله لو كنتما يدل على أنه كان تقدم نهيه عن ذلك وفيه المعذرة لأهل الجهل بالحكم إذا كان مما يخفى مثله قوله لأوجعتكما زاد الإسماعيلي جلدا ومن هذه الجهة تبين كون هذا الحديث له حكم الرفع لأن عمر لا يتوعدهما بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي قوله ترفعان هو جواب عن سؤال مقدر كأنهما قالا له لم توجعنا قال لأنكما ترفعان وفي رواية الإسماعيلي برفعكما أصواتكما وهو يؤيد ما قدرناه وقد تقدم توجيه جمع أصواتكما في حديث يعذبان في قبورهما

[ 459 ] قوله حدثنا أحمد في رواية أبي على الشبوي عن الفربري حدثنا أحمد بن صالح وبذلك جزم بن السكن وقد تقدم الكلام على حديث كعب في باب التقاضي قبل عشرة أبواب أو نحوها وقوله هنا حتى سمعها في رواية الأصيلي سمعها

قوله باب الحلق بفتح المهملة ويجوز كسرها واللام مفتوحه على كل حال جمع حلقة بإسكان اللام على غير قياس وحكى فتحها أيضا

[ 460 ] قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري قوله سأل رجل لم اقف على اسمه قوله ما ترى أي ما رأيك من الرأي ومن الرؤية بمعنى العلم و مثنى مثنى بغير تنوين أي اثنتين اثنتين وكرر تأكيدا قوله فأوترت بفتح الراء أي تلك الموحده قوله وأنه كان يقول بكسر الهمزة على الاستئناف وقائل ذلك هو نافع والضمير لابن عمر قوله بالليل هي في رواية الكشميهني والأصيلي فقط قوله في طريق أيوب عن نافع

[ 461 ] توتر بالجزم جوابا للأمر وبالرفع على الاستئناف وزاد الكشميهني والأصيلي لك قوله قال الوليد بن كثير هذا التعليق وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن الوليد وهو بمعنى حديث نافع عن بن عمر وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى وأراد البخاري بهذا التعليق بيان أن ذلك كان في المسجد ليتم له الاستدلال لنا ترجم له وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ليس فيما ذكر دلالة على الحلق ولا على الجلوس في المسجد بحال و أجيب بأن كونه كان في المسجد صريح من هذا المعلق وأما التحلق فقال المهلب شبه البخاري جلوس الرجال في المسجد حول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالتحلق حول العالم لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لا يكون في المسجد وهو على المنبر إلا وعنده جمع جلوس محدقين به كالمتحلقين والله اعلم وقال غيره حديث بن عمر يتعلق بأحد ركني الترجمة وهو الجلوس وحديث أبي واقد يتعلق بالركن الآخر وهو التحلق وأما ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال مالي أراكم عزين فلا معارضة بينه وبين هذا لأنه إنما كره تحلقهم على ما لا فائدة فيه ولا منفعة

بخلاف تحلقهم حوله فإنه كان لسماع العلم والتعلم منه

[ 462 ] قوله بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد زاد في العلم والناس معه وهو أصرح فيما ترجم له قوله فرأى فرجة زاد في العلم في الحلقه وزادها الأصيلي والكشميهني أيضا في هذه الرواية وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب العلم

قوله باب الاستلقاء في المسجد زاد في نسخة الصغاني ومد الرجل

[ 463 ] قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني قوله واضعا إحدى رجليه على الأخرى قال الخطابي فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك قلت الثاني أولى من ادعاء النسخ لأنه لا يثبت بالاحتمال وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين وجزم بن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ وقال المازري إنما بوب على ذلك لأنه وقع في كتاب أبي داود وغيره لا في الكتب الصحاح النهي عن أن يضع إحدى رجليه على الأخرى لكنه عام لأنه قول يتناول الجميع واستلقاؤه في المسجد فعل قد يدعى قصره عليه فلا يؤخذ منه الجواز لكن لما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك دل على أنه ليس خاصا به صلى الله عليه وسلم بل هو جائز مطلقا فإذا تقرر هذا صار بين الحديثين تعارض فيجمع بينهما فذكر نحو ما ذكره الخطابي وفي قوله عن حديث النهي ليس في الكتب الصحاح إغفال فإن الحديث عند مسلم في اللباس من حديث جابر وفي قوله فلا يؤخذ منه الجواز نظر لأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز وكان ذلك في وقت الاستراحه لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه وسلم قال الخطابي وفيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحه وقال الداودي فيه إن الأجر الوارد للابث في المسجد لا يختص بالجالس بل يحصل للمستلقي أيضا قوله وعن بن شهاب عن سعيد بن المسيب هو معطوف على الإسناد المذكور وقد صرح بذلك أبو داود في روايته عن القعنبي وهو كذلك في الموطأ وقد غفل عن ذلك من زعم أنه معلق

قوله باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس قال المازري بناء المسجد في ملك المرء جائز بالإجماع وفي غير ملكه ممتنع بالإجماع وفي المباحات حيث لا يضر بأحد جائز أيضا لكن شذ بعضهم فمنعه لأن مباحات الطرق موضوعة لانتفاع الناس فإذا بني بها مسجد منع انتفاع بعضهم فأراد البخاري الرد على هذا القائل واستدل بقصة أبي بكر لكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره قلت والمنع المذكور مروي عن ربيعة ونقله عبد الرزاق عن علي وابن عمر لكن بإسنادين ضعيفين قوله وبه قال الحسن يعني أن المذكورين بن ورد التصريح عنهم بهذه المسألة وإلا فالجمهور على ذلك كما تقدم

[ 464 ] قوله فأخبرني عروة هو معطوف على مقدر والمراد بابوي عائشة أبو بكر وأم رومان وهو دال على تقدم إسلام أم رومان قوله ثم بدا لأبي بكر اختصر المؤلف المتن هنا وقد ساقه في كتاب الهجرة مطولا بهذا الإسناد فذكر بعد قوله وعشية وقبل قوله ثم بدا قصة طويلة في خروج أبي بكر عن مكة ورجوعه في جوار بن الدغنة واشتراطه عليه أن لا يستعلن بعبادته فعند فراغ القصه قال ثم بدا لأبي بكر أي ظهر له رأى فبنى مسجدا فذكر باقي القصة مطولا كما سيأتي الكلام عليه مبسوطا هناك إن شاء الله تعالى ولم يجد بعض المتأخرين حيث شرح جميع الحديث هنا مع أنه لم يقع منه هنا سوى قدر يسير وقد اشتمل من فضائل الصديق على أمور كثيرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى

قوله باب الصلاة في مسجد السوق ولغير أبي ذر مساجد موقع الترجمة الإشارة إلى أن الحديث الوارد في أن الأسواق شر البقاع وأن المساجد خير البقاع كما أخرجه البزار وغيره لا يصح إسناده ولو صح لم يمنع وضع المسجد في السوق لأن بقعة المسجد حينئذ تكون بقعة خير وقيل المراد بالمساجد في الترجمة مواضع إيقاع الصلاة لا الأبنية الموضوعة لذلك فكأنه قال باب الصلاة في مواضع الأسواق ولا يخفى بعده قوله وصلى بن عون كذا في جميع الأصول وصحفه بن المنير فقال وجه مطابقة الترجمة لحديث بن عمر مع كونه لم يصلي في سوق أن المصنف أراد أن يبين جواز بناء المسجد داخل السوق لئلا يتخيل متخيل من كونه محجورا منع الصلاة فيه لأن صلاة بن عمر كانت في دار تغلق عليهم فلم يمنع التحجير اتخاذ المسجد وقال الكرماني لعل غرض البخاري منه الرد على الحنفية حيث قالوا بامتناع اتخاذ المسجد في الدار المحجوبة عن الناس أه والذي في كتب الحنفية الكراهة لا التحريم وظهر بحديث أبي هريرة إن الصلاة في السوق مشروعة وإذا جازت الصلاة فيه فرادى كان أولى أن يتخذ فيه مسجد للجماعة أشار إليه بن بطال وحديث أبي هريرة الذي ساقه المصنف هنا أخرجه بعد في باب فضل صلاة الجماعة ويأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى وزاد في هذه الرواية وتصلي الملائكة الخ وقد تقدمت في باب الحدث في المسجد من وجه آخر عن أبي هريرة قوله في هذه الرواية صلاة الجميع أي الجماعة وتكلف من قال التقدير في الجميع وقوله على صلاته أي الشخص قوله فان أحدكم كذا للأكثر بالفاء وللكشميهني بالموحدة وهي سببية أو للمصاحبة قوله فأحسن أي أسبغ الوضوء قوله ما لم يؤذ يحدث كذا للأكثر بالفعل المجزوم على البدلية ويجوز بالرفع على الاستئناف وللكشميهني ما لم يؤذ يحدث فيه بلفظ الجار والمجرور متعلقا بيؤذ والمراد بالحدث الناقض للوضوء ويحتمل أن يكون أعم من ذلك لكن صرح في رواية أبي داود من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بالأول

قوله باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره أورد فيه حديث أبي موسى وهو دال على جواز التشبيك مطلقا وحديث أبي هريرة وهو دال على جوازه في المسجد وإذا جاز في المسجد فهو في غيره أجوز ووقع في بعض الروايات قبل هذين الحديثين حديث آخر وليس هو في أكثر الروايات ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم بل ذكره أبو مسعود في الأطراف عن رواية بن رميح عن الفربري وحماد بن شاكر جميعا عن البخاري قال حدثنا حامد بن عمر حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن محمد حدثنا واقد يعني أخاه عن أبيه يعني محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبي عمر أو بن عمرو قال شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه قال البخاري وقال عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد قال سمعت هذا الحديث من أبي فلم أحفظه فقومه لي واقد عن أبيه قال سمعت أبي وهو يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس وقد ساقه الحميدي في الجمع بين الصحيحين نقلا عن أبي مسعود وزاد هو قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه الحديث وحديث عاصم بن علي الذي علقه البخاري وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له قال حدثنا عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد عن واقد سمعت أبي يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال بن بطال وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه معارضة ما ورد في النهي عن التشبيك في المسجد وقد وردت فيه مراسيل ومسندة من طرق غير ثابته الله ه وكأنه يشير بالمسند إلى حديث كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة أخرجه أبو داود وصححه بن خزيمة وابن حبان وفي إسناده اختلاف ضعفه بعضهم بسببه وروى بن أبي شيبة من وجه آخر بلفظ إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان وأن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه وفي إسناده ضعيف مجهول وقال بن المنير التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل وتصوير المعنى في النفس بصورة الحس قلت هو في حديث أبي موسى وابن عمر كما قال بخلاف حديث أبي هريرة وجمع الإسماعيلي بان النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصدا لها إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي وأحاديث الباب الدالة على الجواز خالية عن ذلك أما الأولان فظاهران وأما حديث أبي هريرة فلان تشبيكه إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه فهو في حكم المنصرف من الصلاة والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة كما قدمنا فهي غير معارضه لحديث أبي هريرة كما قال بن بطال واختلف في حكمة النهي عن التشبيك فقيل لكونه من الشيطان كما تقدم في رواية بن أبي شيبة وقيل لأن التشبيك يجلب النوم وهو من مظان الحدث وقيل لأن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف كما نبه عليه في حديث بن عمر فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهي عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وسيأتي الكلام عليه في موضعه ويأتي الكلام على حديث بن عمر في كتاب الفتن وعلى حديث أبي موسى في كتاب الأدب وعلى حديث أبي هريرة في سجود السهو وسفيان هو الثوري وأبو بردة هو بن عبد الله ووقع للكشميهني عن بريد وهو اسمه وقوله

[ 467 ] يشد بعضه في رواية المستملى شد بلفظ الماضي قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور كما جزم به أبو نعيم

[ 468 ] قوله إحدى صلاتي العشى كذا للأكثر والمستملى والحموي العشاء بالمد وهو وهم فقد صح أنها الظهر أو العصر كما سيأتي وابتداء العشى من أول الزوال قوله ووضع يده اليمني على ظهر كفه اليسرى عند الكشميهني خده الأيمن بدل يده اليمني وهو أشبه لئلا يلزم التكرم قوله فربما سألوه ثم سلم أي ربما سألوا بن سيرين هل في الحديث ثم سلم فيقول نبئت الخ وهذا يدل على أنه لم يسمع ذلك من عمران وقد بين أشعث في روايته عن بن سيرين الواسطة بينه وبين عمران فقال قال بن سيرين حدثني خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمه أبي المهلب عن عمران بن حصين أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ووقع لنا عاليا في جزء الذهلي فظهر أن بن سيرين أبهم ثلاثة وروايته عن خالد من رواية الأكابر عن الأصاغر

قوله باب المساجد التي على طرق المدينة أي في الطرق التي بين المدينة النبويه ومكة وقوله والمواضع أي الأماكن التي تجعل مساجد

[ 469 ] قوله وحدثني نافع القائل ذلك هو موسى بن عقبة ولم يسق البخاري لفظ فضيل بن سليمان بل ساق لفظ أنس بن عياض وليس في روايته ذكر سالم بل ذكر نافع فقط وقد دلت رواية فضيل على أن رواية سالم ونافع متفقان إلا في الموضع الواحد الذي أشار إليه وكأنه اعتمد رواية أنس بن عياض لكونه أتقن من فضيل ومحصل ذلك أن بن عمر كان يتبرك بتلك الأماكن وتشدده في الأتباع مشهور ولا يعارض ذلك ما ثبت عن أبيه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسال عن ذلك فقالوا قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا لأن ذلك من عمر محمول على أنه كره زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة أو خشي أن يشكل ذلك على من لا يعرف حقيقة الأمر فيظنه واجبا وكلا الأمرين مأمون من بن عمر وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وأجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين قال العلامة بن باز حفظه الله هذا خطأ والصواب ما تقدم في حاشية ص522 وغير النبي صلى الله عليه وسلم لا يقاس عليه في مثل هذا والحق أن عمر رضي الله عنه أراد بالنهي عن تتبع آثار الأنبياء سد الذريعة إلى الشرك وهو أعلم بهذا الشأن من ابنه رضي الله عنهما وقد أخذ الجمهور بما رآه عمر وليس في قصة عتبان ما يخالف ذلك لأنه في حديث عتبان قد قصد أن يتأسى به صلى الله عليه وسلم في ذلك بخلاف آثاره في الطرق ونحوها فإن التأسي به فيها وتتبعها لذلك غير مشروع كما دل عليه فعل عمر وربما أفضى ذلك بمن فعله إلى الغلو والشرك كما فعل أهل الكتاب والله أعلم

[ 470 ] قوله تحت سمرة أي شجرة ذات شوك وهي التي تعرف بأم غيلان قوله وكان في تلك الطريق أي طريق ذي الحليفة قوله بطن واد أي وادي العقيق قوله فعرس بمهملات والراء مشددة قال الخطابي التعريس نزول استراحة لغير إقامة وأكثر ما يكون في آخر الليل وخصه بذلك الأصمعي وأطلق أبو زيد قوله على الأكمة هو الموضع المرتفع على ما حوله وقيل هو تل من حجر واحد قوله كان ثم خليج تكرر لفظ ثم في هذه القصه وهو بفتح المثلثة والمراد به الجهة والخليج واد له عمق والكثب بضم الكاف والمثلثة جمع كثيب وهو رمل مجتمع قوله فرحا بالحاء المهملة أي دفع وفي رواية الإسماعيلي فدخل بالخاء المعجمة واللام ونقل بعض المتأخرين عن بعض الروايات قد جاء بالقاف والجيم على إنهما كلمتان حرف التحقيق والفعل الماضي من المجيء قوله وان عبد الله بن عمر حدثه أي بالإسناد المذكور إليه قوله بشرف الروحاء هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة وهي آخر السيالة للمتوجه إلى مكة والمسجد الأوسط هو في الوادي المعروف الآن بوادي بني سالم وفي الآذان من صحيح مسلم أن بينهما ستة وثلاثين ميلا قوله يعلم المكان بضم أوله من أعلم يعلم من العلامة قوله يقول ثم عن يمينك قال القاضي عياض هو تصحيف والصواب بعواسج عن يمينك قلت توجيه الأول ظاهر وما ذكره إن ثبتت به رواية فهو أولي وقد وقع التوقف في هذا الموضع قديما فأخرجه الإسماعيلي بلفظ يعلم المكان الذي صلى قال في قوله يصلى إلى العرق أي عرق الظبية وهو واد معروف قاله أبو عبيد البكري ومنصرف الروحاء بفتح الراء أي آخرها قوله وقد ابتنى بضم المثناة مبني للمفعول قوله سرحة ضخمة أي شجرة عظيمة و الرويثة بالراء والمثلثة مصغرا قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا ووجاه الطريق بكسر الواو أي مقابلة قوله بطح بفتح الموحده وسكون الطاء وبكسرها أيضا أي واسع قوله حتى يفضي كذا للأكثر وللمستملى والحموي حين يفضى قوله دوين بريد الرويثة بميلين أي بينه وبين المكان الذي ينزل فيه البريد بالرويثة ميلان وقيل المراد بالبريد سكة الطريق قوله فانثنى بفتح المثلثه مبني للفاعل قوله تلعة بفتح المثناة وسكون اللام بعدها مهملة وهي مسيل الماء من فوق إلى أسفل ويقال أيضا لما ارتفع من الأرض ولما انهبط و العرج بفتح المهمله وسكون الراء بعدها جيم قرية جامعة بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر أو أربعة عشر ميلا و الهضبة بسكون الضاد المعجمه فوق الكثيب في الارتفاع ودون الجبل وقيل الجبل المنبسط على الأرض وقيل الأكمة الملساء والرضم الحجارة الكبار وأحدها رضمة بسكون الضاد المعجمه في الواحد والجمع ووقع عند الأصيلي بالتحريك قوله عند سلمات الطريق أي ما يتفرع عن جوانبه والسلمات بفتح المهمله وكسر اللام في رواية أبي ذر والأصيلي وفي رواية الباقين بفتح اللام وقيل هي بالكسر الصخرات وبالفتح الشجرات والسرحات بالتحريك جمع سرحة وهي الشجرة الضخمة كما تقدم قوله في مسيل دون هرشى المسيل المكان المنحدر وهرشى بفتح أوله وسكون الراء بعدها شين معجمة مقصور قال البكري هو جبل على ملتقى طريق المدينة والشام قريب من الجحفه وكراع هرشي طرفها و الغلوة بالمعجمة المفتوحة غاية بلغ السهم وقيل قدر ثلثي ميل قوله مر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء وبفتح الظاء المعجمه وسكون الهاء هو الوادي الذي تسمية العامة بطن مرو بإسكان الراء بعدها واو قال البكري بينه وبين مكة ستة عشر ميلا وقال أبو غسان سمي بذلك لأن في بطن الوادي كتابة بعرق من الأرض أبيض هجاء م د ا الميم منفصلة عن الراء وقيل سمي بذلك لمرارة مائه قوله قبل المدينة بكسر القاف وبفتح الموحدة أي مقابلها و الصفراوات بفتح المهملة وسكون الفاء جمع صفراء وهو مكان بعد مر الظهران قوله ينزل بذي طوى بضم الطاء للأكثر وبه جزم الجوهري وفي رواية الحموي والمستملى بذي الطوي بزيادة ألف ولام قيده الأصيلي بالكسر وحكى عياض وغيره الفتح أيضا قوله استقبل فرضتي الجبل الفرضة بضم الفاء وسكون الراء بعدها ضاد معجمه مدخل الطريق إلى الجبل وقيل الشق المرتفع كالشرافة ويقال أيضا لمدخل النهر تنبيهات الأول اشتمل هذا السياق على تسعة أحاديث أخرجها الحسن بن سفيان في مسنده مفرقة من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أنس بن عياض يعيد الإسناد في كل حديث إلا أنه لم يذكر الثالث وأخرجه مسلم منها الحديثين الأخيرين في كتاب الحج الثاني هذه المساجد لا يعرف اليوم منها غير مسجدي ذي الحليفة والمساجد التي بالروحاء يعرفها أهل تلك الناحية وقد وقع في رواية الزبير بن بكار في أخبار المدينة له عن طريق أخرى عن نافع عن بن عمر في هذا الحديث زيادة بسط في صفة تلك المساجد وفي الترمذي من حديث عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في وادي الروحاء وقال لقد صلى في هذا المسجد سبعون نبيا الثالث عرف من صنيع بن عمر استحباب تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك بها وقد قال البغوي من الشافعية إن المساجد التي ثبت إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها لو نذر أحد الصلاة في شيء منها تعين كما تتعين المساجد الثلاثة قال العلامة بن باز حفظه الله هذا ضعيف والصواب أنه لا يتعين شيء من المساجد بالنذر سوى المساجد الثلاثة إذا احتاج إلى شد رحل فإن لم يحتج لذلك فهو موضع نظر واختلاف وأما هذه المساجد التي أشار إليها البغوي فالصواب أنه لا يجوز قصدها للعبادة ولا ينبغي الوفاء لمن نذرها سدا للذريعة الشرك ويكفيه أن يصلي في غيرها من المساجد الشرعية والله أعلم الرابع ذكر البخاري المساجد التي في طرق المدينة ولم يذكر المساجد التي كانت بالمدينة لأنه لم يقع له إسناد في ذلك على شرطه وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة المساجد والأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مستوعبا وروى عن أبي غسان عن غير واحد من أهل العلم إن كل مسجد بالمدينة ونواحيها مبنى بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد المدينة سأل الناس وهم يومئذ متوافرون عن ذلك ثم بناها بالحجاره المنقوشة المطابقة أه وقد عين عمر بن شبة منها شيئا كثيرا لكن أكثره في هذا الوقت قد اندثر وبقي من المشهورة الآن مسجد قباء ومسجد الفضيخ وهو شرق مسجد قباء ومسجد بني قريظة ومشربة أم إبراهيم وهي شمالي مسجد بني قريظة ومسجد بني ظفر شرق البقيع ويعرف بمسجد البغلة ومسجد بني معاوية ويعرف بمسجد الإجابة ومسجد الفتح قريب من جبل سلع ومسجد القبلتين في بني سلمة هكذا أثبته بعض شيوخنا وفائدة معرفة ذلك ما تقدم عن البغوي والله أعلم