كتاب الأذان
 بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أبواب الأذان الأذن لغة الإعلام قال الله تعالى وأذان من الله ورسوله واشتقاقه من الأذان بفتحتين وهو الاستماع وشرعا الإعلام يوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة قال القرطبي وغيره الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالاكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله ثم ثنى بالتوحيد ونفى الشريك ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد ثم أعاد ما أعاد توكيدا ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة وإظهار شعائر الإسلام والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان واختلف أيما أفضل الأذان أو الإمامة ثالثها أن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فالأذان وفي كلام الشافعي ما يومئ إليه واختلف أيضا في الجمع بينهما فقيل يكره وفي البيهقي من حديث جابر مرفوعا النهى عن ذلك لكن سنده ضعيف وصح عن عمر لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت رواه سعيد بن منصور وغيره وقيل هو خلاف الأولى وقيل يستحب وصححه النووي

عن قوله باب بدء الأذان أي ابتدائه وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر وكذلك سقطت البسملة من رواية القابسي وغيره قوله وقول الله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة الآية يشير بذلك إلى أن ابتداء الأذان كان بالمدينة وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا لقد ابتدعت يا محمد شيئا لم يكن فيما مضى فنزلت وإذا ناديتم الىالصلاة الآية قوله وقوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة يشير بذلك أيضا إلى الابتداء لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة كما سيأتي في بابه واختلف في السنة التي فرض فيها فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى وقيل بل كان في السنة الثانية وروى عن بن عباس أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية أخرجه أبو الشيخ تنبيه الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى واللام أن صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام فقصد في الأولى معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص قاله الكرماني ويحتمل أن تكون اللام بمعنى الى أو العكس والله أعلم وحديث بن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا وقوله في آخره يا بلال قم فناد بالصلاة كان ذلك قبل رؤيا عبد الله بن زيد وسياق حديثه يدل على ذلك كما أخرجه بن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني عبد الله بن زيد فذكر نحو حديث بن عمر وفي آخره فبينما هم على ذلك أرى عبد الله النداء فذكر الرؤيا وفيها صفة الأذان لكن بغير ترجيع وفيه تربيع التكبير وإفراد الإقامة وتثنية قد قامت الصلاة وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم أنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتا منك وفيه مجيء عمر وقوله إنه رأى مثل ذلك وقد أخرج الترمذي فى ترجمة بدء الأذان حديث عبد الله بن زيد مع حديث عبد الله بن عمر وإنما لم يخرجه البخاري لأنه على غير شرطه وقد روى عن عبد الله بن زيد من طرق وحكى بن خزيمة عن الذهلي أنه ليس في طرقه أصح من هذه الطريق وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلا ومنهم من وصله عن سعيد عن عبد الله بن زيد والمرسل أقوى إسنادا ووقع في الأوسط للطبراني أن أبا بكر أيضا رأى الأذان ووقع في الوسيط للغزالى أنه رآه بضعة عشر رجلا وعبارة الجيلي في شرح التنبيه أربعة عشر رجلا وأنكره بن الصلاح ثم النووي ونقل مغلطاي أن في بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة ولا يثبت شيء من ذلك الا لعبد الله بن زيد وقصة عمر جاءت في بعض طرقه وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند واه قال أول من أذن بالصلاة جبريل في سماء الدنيا فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء بلال فقال له سبقك بها عمر فائدتان الأولى وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة منها للطبرانى من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعله بلالا وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك وللدارقطني في الأطراف من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة وإسناده ضعيف أيضا ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا لما أسرى بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمنى فصليت وفيه من لا يعرف وللبزار وغيره من حديث على قال لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها فذكر الحديث وفيه إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال الله أكبر الله أكبر وفي آخره ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة وأما قول القرطبي لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه ففيه نظر لقوله في أوله لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث وقد جزم بن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد انتهى وقد حاول السهيلي الجمع بينهما فتكلف وتعسف والأخذ بما صح أولى فقال بانيا على صحة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحي فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فقال أنها لرؤيا حق وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه انتهى ملخصا والثاني حسن بديع ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها لكن قد يقال فلم لا أقتصر على عمر فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظها سبقك بها بلال فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد الله بن زيد ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة أه وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة وكذا جزم النووي بان النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذى وقواه ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه فأمر بلالا فأذن فعرف أن في رواية الترمذي اختصار وأن معنى قوله أذن أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلانى ألفا وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال أخذ الأذان من أذان إبراهيم وأذن في الناس بالحج الآية قال فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة الفائدة الثانية قال الزين بن المنير أعرض البخاري عن التصريح بحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين فاثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض وقد اختلف في ذلك ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه انتهى وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى

[ 578 ] قوله حدثنا عبد الوارث هو بن سعيد وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة والإسناد كله بصريون قوله ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى كذا ساقه عبد الوارث مختصرا ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء عن خالد عند أبي الشيخ ولفظه فقالوا لو اتخذنا ناقوسا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك للنصارى فقالوا لو اتخذنا بوقا فقال ذاك لليهود فقالوا لو رفعنا نارا فقال ذاك للمجوس فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود وسيأتي في حديث بن عمر التنصيص على أن البوق لليهود وقال الكرماني يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وابن عمر انتهى ورواية روح تغنى عن هذا الاحتمال قوله فأمر بلال هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعى الذي يلزم أتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير فى العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جدا وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة فأمر بلالا بالنصب وفاعل أمر هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين في سياقه وأصرح من ذلك رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا قال الحاكم صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة قلت ولم ينفرد به فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة ويحي بن معين كلاهما عن عبد الوهاب وطريق يحيى عند الدارقطني أيضا ولم ينفرد به عبد الوهاب وقد رواه البلاذري من طريق بن شهاب الحناط عن أبي قلابة وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره كما استدل به بن المنذر وابن حبان واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان وتعقب بأن الأمر إنما ورد بصفة الأذان لا بنفسه وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفه لزم أن يكون الأصل مأمورا به قال بن دقيق العيد وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وابن المنذر وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية والجمهور على أنه من السنن المؤكدة وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك وأخطأ من استدل على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم

[ 579 ] قوله أن بن عمر كان يقول في رواية مسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال قوله حين قدموا المدنية أي من مكة في الهجرة قوله فيتحينون بحاء مهملة بعدها مثناة تحتانية ثم نون أي يقدرون أحيانها ليأتوا إليها والحين الوقت والزمان قوله ليس ينادي لها بفتح الدال على البناء للمفعول قال بن مالك فيه جواز استعمال ليس حرفا لا اسم لها ولا خبر وقد أشار إليه سيبويه ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشان والجملة بعدها خبر قلت ورواية مسلم تؤيد ذلك فإن لفظه ليس ينادي بها أحد قوله فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا لم يقع لي تعين المتكلمين في ذلك واختصر الجواب في هذه الرواية ووقع لابن ماجة من وجه آخر عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى وقد تقدمت رواية روح بن عطاء نحوه وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ وعند أبي عمير بن أنس عن عمومته عن سعيد بن منصور قوله بل بوقا أي بل اتخذوا بوقا ووقع في بعض النسخ بل قرنا وهي رواية مسلم والنسائي والبوق والقرن معروفان والمراد أنه ينفخ فيه فيجمعون عند سماع صوته وهو من شعار اليهود ويسمى أيضا الشبور بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة المضمومة الثقيلة قوله فقال عمر أو لا الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر كما في نظائره قال الطيبي الهمزة إنكار للجملة الأولى أي المقدرة وتقرير للجملة الثانية قوله رجلا زاد الكشميهني منكم قوله ينادي قال القرطبي يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم بادر عمر فقال أو لا تبعثون رجلا ينادي أي يؤذن للرؤيا المذكورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فعلى هذا فالفاء في سياق حديث بن عمر هي الفصيحة والتقدير فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه فصدقه فقال عمر قلت وسياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك فإن فيه أنه لما قص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ألقها على بلال فليؤذن بها قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لقد رأيت مثل الذي رأى فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي للصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك والله أعلم وقد أخرج أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس عن عمومته من الأنصار قالوا اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقال انصب راية عند حضور وقت الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه الحديث وفيه ذكروا القنع بضم القاف وسكون النون يعني البوق وذكروا الناقوس فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأرى الأذان فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكان عمر رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما منعك أن تخبرنا قال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فأنظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ترجم له أبو داود بدء الأذان وقال أبو عمر بن عبد البر روى قصة عبد الله بن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة وهي من وجوه حسان وهذا أحسنها قلت وهذا لا يخالفه ما تقدم أن عبد الله بن زيد لما قص منامه فسمع عمر الأذان فجاء فقال قد رأيت لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيا عنه لقوله ما منعك أن تخبرنا أي عقب إخبار عبد الله فاعتذر بالاستحياء فدل على أنه لم يخبر بذلك على الفور وليس في حديث أبي عمير التصريح بأن عمر كان حاضرا عند قص عبد الله رؤياه بخلاف ما وقع في روايته التي ذكر به فسمع عمر الصوت فخرج فقال فإنه صريح في أنه لم يكن حاضرا عند قص عبد الله والله أعلم قوله فناد بالصلاة في رواية الإسماعيلي فأذن بالصلاة قال عياض المراد الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله أذن على الأذان المشروع وطعن في صحة حديث بن عمر وقال عجبا لأبي عيسى كيف صححه والمعروف أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد انتهى ولا تدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدمناه وقد قال بن منده في حديث بن عمر إنه مجمع على صحته قوله يا بلال قم قال عياض وغيره فيه حجة لشرع الأذان قائما قلت وكذا احتج بن خزيمة وابن المنذر وتعقبه النووي بأن المراد بقوله قم أي أذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس قال وليس فيه تعرض القيام في حال الأذان انتهى وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ فإن الصيغة محتملة للأمرين وإن كان ما قاله أرجح ونقل عياض أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعدا لا يجوز إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي وتعقب بأن الخلاف معروف عند الشافعية وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة وأنه لو أذن قاعدا صح والصواب ما قال بن المنذر أنهم اتفقوا على أن القيام من السنة فائدة كان اللفظ الذي ينادي به بلال للصلاة قوله الصلاة جامعة أخرجه بن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب وظن بعضهم أن بلالا حينئذ إنما أمر بالأذان المعهود فذكر مناسبة اختصاص بلال بذاك دون غيره لكونه كان لما عذب ليرجع عن الإسلام فيقول أحد أحد فجوزى بولاية الأذان المشتملة على التوحيد في ابتدائه وانتهائه وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال بالأذان إلا أن هذا الموضع ليس هو محلها وفي حديث بن عمر دليل على مشروعية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة دون الاقتصار على الظواهر قاله بن العربي وعلى مراعاة المصالح والعمل بها وذلك أنه لما شق عليهم التبكير إلى الصلاة فتفوتهم أشغالهم أو التأخير فيفوتهم وقت الصلاة نظروا في ذلك وفيه مشروعية التشاور في الأمور المهمة وأنه لا حرج على أحد من المتشاورين إذا أخبر بما أدى إليه اجتهاده وفيه منقبة ظاهرة لعمر وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعى وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك أو لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمقتضاها لينظر أيقر على ذلك أم لا ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه وهذا ينبنى على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأحكام وهو المنصور في الأصول ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم سبقك بذلك الوحي وهذا أصح مما حكى الداودي عن بن إسحاق أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم التنويه بعلو قدره على لسان غيره ليكون أفخم لشأنه والله أعلم

قوله باب الأذان مثنى في رواية الكشميهني مثنى مثنى أي مرتين مرتين ومثنى معدول عن اثنين اثنين وهو بغير تنوين فتحمل رواية الكشميهني على التوكيد لأن الأول يفيد تثنية كل لفظ من ألفاظ الأذان والثاني يؤكد ذلك فائدة ثبت لفظ هذه الترجمة في حديث لابن عمر مرفوع أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده فقال فيه مثنى مثنى وهو عند أبي داود والنسائي وصححه بن خزيمة وغيره من هذا الوجه لكن بلفظ مرتين مرتين

[ 580 ] قوله عن سماك بن عطية هو بصري ثقة روى عن أيوب وهو من أقرانه وقد روى حماد بن زيد عنهما جميعا وقال مات سماك قبل أيوب ورجال إسناده كلهم بصريون قوله أن يشفع بفتح أوله وفتح الفاء أي يأتي بألفاظه شفعا قال الزين بن المنير وصف الأذان بأنه شفع يفسره قوله مثنى مثنى أي مرتين مرتين وذلك يقتضى أن تستوي جميع ألفاظه في ذلك لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة فيحمل قوله مثنى على ما سواها وكأنه أراد بذلك تأكيد مذهبه في ترك تربيع التكبير في أوله لكن لمن قال بالتربيع أن يدعي نظير ما ادعاه لثبوت الخبر بذلك وسيأتي في الإقامة توجيه يقتضى أن القائل به لا يحتاج إلى دعوى التخصيص قوله وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة المراد بالمنفى غير المراد بالمثبت فالمراد بالمثبت جميع الألفاظ المشروعة عند القيام إلى الصلاة والمراد بالمنفى خصوص قوله قد قامت الصلاة كما سيأتي ذلك صريحا وحصل من ذلك جناس تام تنبية ادعى بن منده أن قوله إلا الإقامة من قول أيوب غير مسند كما في رواية إسماعيل بن إبراهيم وأشار إلى أن في رواية سماك بن عطية هذه إدراجا وكذا قال أبو محمد الأصيلي قوله إلا الإقامة هو من قول أيوب وليس من الحديث وفيما قالاه نظر لأن عبد الرزاق رواه عن معمر عن أيوب بسنده متصلا بالخبر مفسرا ولفظه كان بلال يثني الأذان ويوتر الإقامة إلا قوله قد قامت الصلاة وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج في مسنده وكذا هو في مصنف عبد الرزاق وللاسماعيلى من هذا الوجه ويقول قد قامت الصلاة مرتين والأصل أن ما كان في الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه ولا دليل في رواية إسماعيلى لأنه إنما يتحصل منها أن خالدا كان لا يذكر الزيادة وكان أيوب يذكرها وكل منهما روى الحديث عن أبي قلابة عن أنس فكان في رواية أيوب زيادة من حافظ فتقبل والله أعلم وقد استشكل عدم استثناء التكبير في الإقامة وأجاب بعض الشافعية بأن التثنية في تكبيرة الإقامة بالنسبة إلى الأذان إفراد قال النووي ولهذا يستحب أن يقول المؤذن كل تكبيرتين بنفس واحد قلت وهذا إنما يتأتى في أول الأذان لا في التكبير الذي في آخره وعلى ما قال النووي ينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين في آخره بنفس ويظهر بهذا التقرير ترجيح قول من قال بتربيع التكبير في أوله على من قال بتثنيته مع أن لفظ الشفع يتناول التثنية والتربيع فليس في لفظ حديث الباب ما يخالف ذلك بخلاف ما يوهمه كلام بن بطال وأما الترجيع في التشهدين فالاصح في صورته أن يشهد بالوحدانية ثنتين ثم بالرسالة ثنتين ثم يرجع فيشهد كذلك فهو وإن كان في العدد مربعا فهو في الصورة مثنى والله أعلم

[ 581 ] قوله حدثني محمد وهو بن سلام كذا في رواية أبي ذر وأهمله الباقون قوله حدثني عبد الوهاب الثقفي في رواية كريمة أخبرنا وفي رواية الاصليى حدثنا وليس في رواية كريمة الثقفي قوله حدثنا خالد كذا لأبي ذر والأصيلي ولغيرهما أخبرنا قوله قال لما كثر الناس قال ذكروا قال الثانية زائدة ذكرت تأكيدا قوله أن يعلموا بضم أوله من الإعلام وفي رواية كريمة بفتح أوله من العلم قوله أن يوروا نارا أي يوقدوها يقال وري الزند إذا خرجت ناره وأوريته إذا أخرجته ووقع في رواية مسلم أن ينوروا نارا أي يظهروا نورها والناقوس خشبة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منها صوت وهو من شعار النصارى قوله وأن يوتر الإقامة احتج به من قال بإفراد قوله قد قامت الصلاة والحديث الذي قبله حجة عليه لما قدمناه فإن احتج بعمل أهل المدينة عورض بعمل أهل مكة ومعهم الحديث الصحيح

قوله قد قامت الصلاة

قوله باب الإقامة واحدة قال الزين بن المنير خالف البخاري لفظ الحديث في الترجمة فعدل عنه إلى قوله واحدة لأن لفظ الوتر غير منحصر في المرة فعدل عن لفظ فيه الاشتراك إلى ما لا اشتراك فيه قلت وإنما لم يقل واحدة واحدة مراعاة للفظ الخبر الوارد في ذلك وهو عند بن حبان في حديث بن عمر الذي أشرت إليه في الباب الماضي ولفظه الأذان مثنى والإقامة واحدة وروى الدارقطني وحسنه في حديث لأبي محذورة وأمره أن يقيم واحدة واحدة قوله إلا قوله قد قامت الصلاة هو لفظ معمر عن أيوب كما تقدم قيل واعترضه الإسماعيلي بأن إيراد حديث سماك بن عطية في هذا الباب أولى من إيراد حديث بن علية والجواب أن المصنف قصد رفع توهم من يتوهم أنه موقوف على أيوب لأنه أورده في مقام الاحتجاج به ولو كان عنده مقطوعا لم يحتج به

[ 582 ] قوله حدثنا خالد هو الحذاء كما تقدم والإسناد كله بصريون قوله قال إسماعيل هو بن إبراهيم المذكور في أول الإسناد وهو المعروف بابن علية وليس هو معلقا قوله فذكرت كذا للأكثر بحذف المفعول وللكشميهني والأصيلي فذكرته أي حديث خالد وهذا الحديث حجة علىمن زعم أن الإقامة مثنى مثل الأذان وأجاب بعض الحنفية بدعوى النسخ وأن إفراد الإقامة كان أولا ثم نسخ بحديث أبي محذورة يعني الذي رواه أصحاب السنن وفيه تثنية الإقامة وهو متأخر عن حديث أنس فيكون ناسخا وعورض بأن في بعض طرق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع والترجيع فكان يلزمهم القول به وقد أنكر أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد الإقامة وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده كما رواه الدارقطني والحاكم وقال بن عبد البر ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح فإن ربع التكبير الأول في الأذان أو ثناه أو رجع في التشهد أو لم يرجع أو ثنى الإقامة أو أفردها كلها أو إلا قد قامت الصلاة فالجميع جائز وعن بن خزيمة إن ربع الأذان ورجع فيه ثنى الإقامة وإلا أفردها وقيل لم يقل بهذا التفصيل أحد قبله والله أعلم فائدة قيل الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان لإعلام الغائبين فيكرر ليكون أوصل إليهم بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة وأن يكون الأذان مرتلا والإقامة مسرعة وكرر قد قامت الصلاة لأنها المقصودة من الإقامة بالذات قلت توجيهه ظاهر وأما قول الخطابي لو سوى بينهما لاشتبه الأمر عند ذلك وصار لأن يفوت كثيرا من الناس صلاة الجماعة ففيه نظر لأن الأذان يستحب أن يكون على مكان عال لتشترك الاسماع كما تقدم وقد تقدم الكلام على تثنية التكبير وتؤخذ حكمة الترجيع مما تقدم وإنما اختص بالتشهد لأنه أعظم ألفاظ الأذان والله أعلم

قوله باب فضل التأذين راعي المصنف لفظ التأذين لوروده في حديث الباب وقال الزين بن المنير التأذين يتناول جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة وحقيقة الأذان تعقل بدون ذلك كذا قال والظاهر أن التأذين هنا أطلق بمعنى الأذان لقوله في الحديث حتى لا يسمع التأذين وفي رواية لمسلم حتى لا يسمع صوته فالتقييد بالسماع لا يدل على فعل ولا على هيئة مع أن ذلك هو الأصل في المصدر

[ 583 ] قوله إذا نودي للصلاة وللنسائي عن قتيبة عن مالك بالصلاة وهي رواية لمسلم أيضا ويمكن حملها على معنى واحد قوله له ضراط جملة اسمية وقعت حالا بدون واو لحصول الارتباط بالضمير وفي رواية الاصليى وله ضراط وهي للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق قال عياض يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح ويحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره ويقويه رواية لمسلم له حصاص بمهملات مضموم الأول فقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو قال الطيبي شبه شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره ثم سماه ضراطا تقبيحا له تنبيه الظاهر أن المراد بالشيطان إبليس وعليه يدل كلام كثير من الشراح كما سيأتي ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن والإنس لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة قوله حتى لا يسمع التأذين ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن أو يصنع ذلك استخفافا كما يفعله السفهاء ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها ويحتمل أن يتعمد ذلك ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله حتى لا يسمع ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفى فيها سماعه للصوت وقد وقع بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال حتى يكون مكان الروحاء وحكى الأعمش عن أبي سفيان راويه عن جابر أن بين المدنية والروحاء ستة وثلاثين ميلا هذه رواية قتيبة عن جرير عند مسلم وأخرجه عن إسحاق عن جرير ولم يسق لفظه ولفظ إسحاق في مسنده حتى يكون بالروحاء وهي ثلاثون ميلا من المدينة فأدرجه في الخبر والمعتمد رواية قتيبة وسيأتي حديث أبي سعيد في فضل رفع الصوت بالأذان بعده قوله قضى بضم أوله والمراد بالقضاء الفراغ أو الانتهاء ويروى بفتح أوله على حذف الفاعل والمراد المنادى واستدل به على أنه كان بين الأذان والإقامة فصل خلافا لمن شرط في إدراك فضيلة أول الوقت أن ينطبق أول التكبير على أول الوقت قوله إذا ثوب بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة قيل هو من ثاب إذا رجع وقيل من ثوب إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره قال الجمهور المراد بالتثويب هنا الإقامة وبذلك جزم أبو عوانة في صحيحه والخطابى والبيهقي وغيرهم قال القرطي ثوب بالصلاة إذا أقيمت وأصله أنه رجع إلى ما يشبه الأذان وكل من ردد صوتا فهو مثوب ويدل عليه رواية مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة فإذا سمع الإقامة ذهب وزعم بعض الكوفيين أن المراد بالتثويب قول المؤذن بين الأذان والإقامة حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة وحكى ذلك بن المنذر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وزعم أنه تفرد به لكن في سنن أبي داود عن بن عمر أنه كره التثويب بين الأذان والإقامة فهذا يدل على أن له سلفا في الجملة ويحتمل أن يكون الذي تفرد به القول الخاص وقال الخطابي لا يعرف العامة التثويب الا قول المؤذن في الأذان الصلاة خير من النوم لكن المراد به في هذا الحديث الإقامة والله أعلم قوله أقبل زاد مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة فوسوس قوله أقبل حتى يخطر بضم الطاء قال عياض كذا سمعناه من أكثر الرواة وضبطناه عن المتقنين بالكسر وهو الوجه ومعناه يوسوس وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه وأما بالضم فمن المرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه فيشغله وضعف الحجري في نوادره الضم مطلقا وقال هو يخطر بالكسر في كل شيء قوله بين المرء ونفسه أي قلبه وكذا هو للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق قال الباجي المعنى أنه يحول بين المرء وبين ما يريده من اقباله على صلاته وإخلاصه فيها قوله يقول أذكر كذا أذكر كذا وقع في رواية كريمة بواو العطف واذكر كذا وهي لمسلم وللمصنف في صلاة السهو أذكر كذا وكذا زاد مسلم من رواية عبد ربه عن الأعرج فهناه ومناه وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر قوله لما لم يكن يذكر أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة وفي رواية لمسلم لما لم يكن يذكر من قبل ومن ثم استنبط أبو حنيفة للذي شكا إليه أنه دفن مالا ثم لم يهتد لمكانه أن يصلي ويحرص أن لا يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا ففعل فذكر مكان المال في الحال قيل خصه بما يعلم دون ما لا يعلم لأنه يميل لما يعلم أكثر لتحقق وجوده والذي يظهر أنه لاعم من ذلك فيذكره بما سبق له به علم ليشتغل باله به وبما لم يكن سبق له ليوقعه في الفكرة فيه وهذا أعم من أن يكون في أمور الدنيا أو في أمور الدين كالعلم لكن هل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي يتلوها لا يبعد ذلك لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان قوله حتى يظل الرجل كذا للجمهور بالظاء المشالة المفتوحة ومعنى يظل في الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا لكنها هنا بمعنى يصير أو يبقى ووقع عند الأصيلي يضل بكسر الساقطة أي ينسى ومنه قوله تعالى أن تضل أحدهما أو بفتحها أي يخطئ ومنه قوله تعالى لا يضل ربي ولا ينسى والمشهور الأول قوله لا يدري وفي رواية في صلاة السهو أن يدري بكسر همزة أن وهي نافية بمعنى لا وحكى بن عبد البر عن الأكثر في الموطأ فتح الهمزة ووجهه بما تعقبه عليه جماعة وقال القرطبي ليست رواية الفتح لشيء الا مع رواية الضاد الساقطة فتكون أن مع الفعل بتأويل المصدر ومفعول ضل أن بإسقاط حرف الجر أي يضل عن درايته قوله كم صلى وللمصنف في بدء الخلق من وجه آخر عن أبي هريرة حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا وسيأتي الكلام عليه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى وقد اختلف العلماء في الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر فى الصلاة فقيل يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له كما يأتي بعد ولعل البخاري أشار إلى ذلك بإيراده الحديث المذكور عقب هذا الحديث ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن اللفظ عام والمراد به خاص وأن الذي يشهد من تصح منه الشهادة كما سيأتي القول فيه في الباب الذي بعده وقيل إن ذلك خاص بالمؤمنين فأما الكفار فلا تقبل لهم شهادة ورده لما جاء من الآثار بخلافه وبالغ الزين بن المنير في تقرير الأول وهو مقام احتمال وقيل يهرب نفورا عن سماع الأذان ثم يرجع موسوسا ليفسد على المصلي صلاته فصار رجوعه من جنس فراره والجامع بينهما الاستخفاف وقيل لأن الأذان دعاء إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه واعترض بأنه يعود قبل السجود فلو كان هربه لأجله لم يعد إلا عند فراغه وأجيب بأنه يهرب عند سماع الدعاء بذلك ليغالط نفسه بأنه لم يخالف أمرا ثم يرجع ليفسد على المصلي سجوده الذي أباه وقيل إنما يهرب لاتفاق الجميع على الاعلان بشهادة الحق وإقامة الشريعة واعترض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي وأجيب بأن الإعلان أخص من الاتفاق فإن الإعلان المختص بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلا ولهذا قال لعبد الله بن زيد ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك أي أقعد في المد والإطالة والإسماع ليعم الصوت ويطول أمد التأذين فيكثر الجمع ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن إقامة الصلاة في جماعة أو إخراجها عن وقتها أو وقت فضيلتها فيفر حينئذ وقد ييأس عن أن يردهم عما أعلنوا به ثم يرجع لما طبع عليه من الأذى والوسوسة وقال بن الجوزي على الأذان هيبة يشتد انزعاج الشيطان بسببها لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به بخلاف الصلاة فإن النفس تحضر فيها فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة وقد ترجم عليه أبو عوانة الدليل على أن المؤذن في أذانه وإقامته منفى عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشيطان منه وقيل لأن الأذان إعلام بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ هي من أفضل الذكر لا يزاد فيها ولا ينقص منها بل تقع على وفق الأمر فيفر من سماعها وأما الصلاة فلما يقع من كثير من الناس فيها من التفريط فيتمكن الخبيث من المفرط فلو قدر أن المصلي وفى بجميع ما أمر به فيها لم يقر به إذا كان وحده وهو نادر وكذا إذا انضم إليه من هو مثله فإنه يكون أندر أشار إليه بن أبي جمرة نفع الله ببركته فائدة قال بن بطال يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن من هذا المعنى لئلا يكون متشبها بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان والله أعلم تنبيهان الأول فهم بعض السلف من الأذان في هذا الحديث الإتيان بصورة الأذان وإن لم توجد فيه شرائط الأذان من وقوعه في الوقت وغير ذلك ففي صحيح مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة واستدل بهذا الحديث وروى مالك عن زيد بن أسلم نحوه الثاني وردت في فضل الأذان أحاديث كثيرة ذكر المصنف بعضها في مواضع أخرى واقتصر على هذا هنا لأن هذا الخبر تضمن فضلا لا ينال بغير الأذان بخلاف غيره من الأخبار فإن الثواب المذكور فيها يدرك بأنواع أخرى من العبادات والله أعلم

قوله باب رفع الصوت بالنداء قال الزين بن المنير لم ينص على حكم رفع الصوت لأنه من صفة الأذان وهو لم ينص في أصل الأذان على حكم كما تقدم وقد ترجم عليه النسائي باب الثواب على رفع الصوت بالأذان قوله وقال عمر بن عبد العزيز وصله بن أبي شبيبة من طريق عمر عن سعيد بن أبي حسين أن مؤذنا أذن فطرب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز فذكره ولم أقف على اسم هذا المؤذن وأظنه من بني سعد القرظ لأن ذلك وقع حيث كان عمر بن عبد العزيز أميرا على المدينة والظاهر أنه خاف عليه من التطريب الخروج عن الخشوع لا أنه نهاه عن رفع الصوت وقد روى نحو هذا من حديث بن عباس مرفوعا أخرجه الدارقطني وفيه إسحاق بن أبي يحيى الكعبي وهو ضعيف عند الدارقطني وابن عدي وقال بن حبان لا تحل الرواية عنه ثم غفل فذكره في الثقات

[ 584 ] قوله عن أبيه زاد بن عيينة وكان يتيما في حجر أبي سعيد وكانت أمه عند أبي سعيد أخرجه بن خزيمة من طريقه لكن قلبه بن عيينة فقال عن عبد الرحمن بن عبد الله والصحيح قول مالك ووافقه عبد العزيز الماجشون وزعم أبو مسعود في الأطراف أن البخاري أخرج روايته لكن لم تجد ذلك ولا ذكرها خلف قاله بن عساكر واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار مات أبو صعصعة في الجاهلية وابنه عبد الرحمن صحابي روى بن شاهين في الصحابة من طريق قيس بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن جده حديثا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي سياقه أن جده كان بدريا وفيه نظر لأن أصحاب المغازي لم يذكروه فيهم وإنما ذكروا أخاه قيس بن أبي صعصعة قوله أن أبا سعيد الخدري قال له أي لعبد الله بن عبد الرحمن قوله تحب الغنم والبادية أي لأجل الغنم لأن محبها يحتاج إلى إصلاحها بالمرعى وهو في الغالب يكون في البادية وهي الصحراء التي لا عمارة فيها قوله في غنمك أو باديتك يحتمل أن تكون أو شكا من الراوي ويحتمل أن تكون للتنويع لأن الغنم قد لا تكون في البادية ولأنه قد يكون فى البادية حيث لا غنم قوله فأذنت للصلاة أي لأجل الصلاة وللمصنف في بدء الخلق بالصلاة أي أعلمت بوقتها قوله فارفع فيه إشعار بان أذان من أراد الصلاة كان مقررا عندهم لاقتصاره على الأمر بالرفع دون أصل التأذين واستدل به الرافعي للقول الصائر إلى استحباب أذان المنفرد وهو الراجح عند الشافعية بناء على أن الأذان حق الوقت وقيل لا يستحب بناء على أن الأذان لاستدعاء الجماعة للصلاة ومنهم من فصل بين من يرجو جماعة أو لا قوله بالنداء أي بالأذان قوله لا يسمع مدى صوت المؤذن أي غاية صوته قال البيضاوي غاية الصوت تكون أخفى من ابتدائه فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلأن يشهد له من دنا منه وسمع مبادى صوته أولى قوله جن ولا إنس ولا شيء ظاهره يشمل الحيوانات والجمادات فهو من العام بعد الخاص ويؤيده ما في رواية بن خزيمة لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا أنس ولأبي داود والنسائي من طريق أبي يحيى عن أبي هريرة بلفظ المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس ونحوه للنسائي وغيره من حديث البراء وصححه بن السكن فهذه الأحاديث تبين المراد من قوله في حديث الباب ولا شيء وقد تكلم بعض من لم يطلع عليها في تأويله على غير ما يقتضيه ظاهره قال القرطبي قوله ولا شيء المراد به الملائكة وتعقب بأنهم دخلوا في قوله جن لأنهم يستخفون عن الأبصار وقال غيره المراد كل ما يسمع المؤذن من الحيوان حتى ما لا يعقل دون الجمادات ومنهم من حمله على ظاهره وذلك غير ممتنع عقلا ولا شرعا قال بن بزيزة تقرر في العادة أن السماع والشهادة والتسبيح لا يكون إلا من حي فهل ذلك حكاية عن لسان الحال لأن الموجودات ناطقة بلسان حالها بحلال باريها أو هو على ظاهره وغير ممتنع عقلا أن الله يخلق فيها الحياة والكلام وقد تقدم البحث في ذلك في قول النار أكل بعضي بعضا وسيأتي في الحديث الذي فيه أن البقرة قالت إنما خلقت للحرث وفي مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا إني لأعرف حجرا كان يسلم علي أه ونقل بن النين عن أبي عبد الملك إن قوله هنا ولا شيء نظير قوله تعالى وإن من شيء إلا يسبح بحمده وتعقبه بأن الآية مختلف فيها وما عرفت وجه هذا التعقب فإنهما سواء في الاحتمال ونقل الاختلاف إلا أن يقول إن الآية لم يختلف في كونها على عمومها وإنما اختلف في تسبيح بعض الأشياء هل هو على الحقيقة أو المجاز بخلاف الحديث والله أعلم فائدة السر في هذه الشهادة مع أنها تقع عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجيه الدعوى والجواب والشهادة قاله الزين بن المنير وقال النوربشتى المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة وكما أن الله يفضح بالشهادة قوما فكذلك يكرم بالشهادة آخرين قوله الا شهد له للكشميهنى إلا يشهد له وتوجيههما واضح قوله قال أبو سعيد سمعته قال الكرماني أي هذا الكلام الأخير وهو قوله إنه لا يسمع الخ قلت وقد أورد الرافعي هذا الحديث في الشرح بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد انك رجل تجب الغم وساقه إلى آخره وسبقه إلى ذلك الغزالي وامامه والقاضي حسين وابن داود شارح المختصر وغيرهم وتعقبه النووي وأجاب بن الرفعة عنهم بأنهم فهموا أن قول أبي سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عائد على كل ما ذكر الله أه ولا يخفى بعده وقد رواه بن خزيمة من رواية بن عيينة ولفظه قال أبو سعيد إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالنداء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يسمع فذكره ورواه يحيى القطان أيضا عن مالك بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أذنت فارفع صوتك فإنه لا يسمع فذكره فالظاهر أن ذكر الغنم والبادية موقوف والله أعلم وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذى به وفيه أن حب الغنم والبادية ولا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح وفيه جواز التبدى ومساكنة الأعراب ومشاركتهم في الأسباب بشرط حظ من العلم وأمن غلبة الجفاء وفيه أن أذان الفذ مندوب إليه ولو كان في قفر ولو لم يرتج حضور من يصلي معه لأنه إن فاته دعاء المصلين فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم

قوله باب ما يحقن بالأذان من الدماء قال الزين بن المنير قصد البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها استيفاء ثمرات الأذان فالأولى فيها فضل التأذين لقصد الاجتماع للصلاة والثانية فيها فضل أذان المنفرد لايداع الشهادة له بذلك والثالثة فيها حقن الدماء عند وجود الأذان قال وإذا انتفت عن الأذان فائدة من هذه الفوائد لم يشرع إلا في حكايته عند سماعه ولهذا عقبه بترجمة ما يقول إذا سمع المنادي أه كلامه ملخصا ووجه الاستدلال للترجمة من حديث الباب ظاهر وباقي المتن من متعلقات الجهاد وقد أورده المصنف هناك بهذا الإسناد وسياقه أتم مما هنا وسيأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى وقد روى مسلم طرفه المتعلق بالأذان وسياقه أوضح أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار قال الخطابي فيه أن الأذان شعار الإسلام وأنه لا يجوز تركه ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه أه وهذا أحد أقوال العلماء كما تقدم وهو أحد الأوجه في المذهب وأغرب بن عبد البر فقال لا أعلم فيه خلافا وأن قول أصحابنا من نطق بالتشهد في الأذان حكم بإسلامه إلا إذا كان عيسويا فلا يرد عليه مطلق حديث الباب لأن العيسوية طائفة من اليهود حدثت في آخر دولة بني أمية فاعترفوا بان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن إلى العرب فقط وهم منسوبون إلى رجل يقال له أبو عيسى أحدث لهم ذلك تنبيه وقع في سياق حديث الباب لم يكن يغر بنا واختلف في ضبطه ففي رواية المستملى يغر من الاغارة مجزوم على أنه بدل من قوله يكن وفي رواية الكشميهني يغد بإسكان الغين وبالدال المهملة من الغدو وفي رواية كريمة يغزو بزاى بعدها واو من الغزو وفي رواية الأصيلي يغير كالأول لكن بإثبات الياء وفي رواية غيرهم بضم أوله وإسكان الغين من الإغراء ورواية مسلم تشهد لرواية من رواه من الإغارة والله أعلم

قوله باب ما يقول إذا سمع المنادى هذا لفظ رواية أبي داود الطيالسي عن بن المبارك عن يونس عن الزهري وفي حديث الباب وآثر المصنف عدم الجزم بحكم ذلك لقوة الخلاف فيه كما سيأتي ثم ظاهر صنيعه يقتضى ترجيح ما عليه الجمهور وهو أن يقول مثل ما يقول من الأذان إلا الحيعلتين لأن حديث أبي سعيد الذي بدأ به عام وحديث معاوية الذي تلاه به يخصصه والخاص مقدم على العام

[ 586 ] قوله عن عطاء بن يزيد في رواية بن وهب عن مالك ويونس عن الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره أخرجه أبو عوانة فائدة اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث وعلى مالك أيضا لكنه اختلاف لا يقدح في صحته فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجة وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي حديث مالك ومن تابعه أصح ورواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده عنه وقال الدارقطني أنه خطأ والصواب الرواية الأولى وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به قوله إذا سمعتم ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة قاله النووي في شرح المهذب قوله فقولوا مثل ما يقول المؤذن ادعى بن وضاح أن قول المؤذن مدرج وأن الحديث انتهى عند قوله مثل ما يقول وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها ولم يصب صاحب العمدة في حذفها قوله ما يقول قال الكرماني قال ما يقول ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها قلت والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت وأما أبو الفتح اليعمري فقال ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة يشير إلى حديث عمر بن الخطاب الذي عند مسلم وغيره فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل قاله النووي في شرح المهذب بحثا وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة وظاهر قوله أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات لكن حديث عمر أيضا وحديث معاوية الآتي يدلان على أنه يستثنى من ذلك حىعلى الصلاة وحي على الفلاح فيقول بدلهما لا حول ولا قوة الا بالله كذلك استدل به بن خزيمة وهو المشهور عند الجمهور وقال بن المنذر يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما قال فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة وأجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة وذلك يحصل من المؤذن فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة ولقائل أن يقول يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر ويمكن أن يزداد استيقاظا وإسراعا إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن ومن نفسه ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم سمع الله لمن حمده كما سيأتي في موضعه وقال الطيبي معنى الحيعلتين هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلا والفوز بالنعيم آجلا فناسب أن يقول هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفى القيام به إلا إذا وفقنى الله بحوله وقوته ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عبد الرزاق عن بن جريج قال حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة فلا يقول شيئا إلا قالوا مثله حتى إذا قال حي على الصلاة قالوا لا حول ولا قوة الا بالله وإذا قال حي على الفلاح قالوا ما شاء الله انتهى وإلى هذا صار بعض الحنفية وروى بن أبي شيبة مثله عن عثمان وروى عن سعيد بن جبير قال يقول في جواب الحيعلة سمعنا وأطعنا ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى قيل لا يجيبه إلا في التشهدين فقط وقيل هما والتكبير وقيل يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره وقيل مهما أتى به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه وهو اختيار الطحاوي وحكوا أيضا خلافا هل يجيب في الترجيع أولا وفيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد إجابته للأول أو لا قال النووي لم أر فيه شيئا لأصحابنا وقال بن عبد السلام يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب وإجابة الأول أفضل إلا في الصبح والجمعة فإنهما سواء لأنهما مشروعان وفي الحديث دليل على أن لفظ المثل لا يقتضى المساواة من كل جهة لأن قوله مثل ما يقول لا يقصد به رفع الصوت المطلوب من المؤذن كذا قيل وفيه بحث لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت والسامع مقصوده ذكر الله فيكتفى بالسر أو الجهر لا مع الرفع نعم لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول وأغرب بن المنير فقال حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة وتعقب بأن الأذان معناه الإعلام لغة وخصه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا وجدت وجد الأذان وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته ويوجد الأذان من دونها ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان وليس كذلك لا لغة ولا شرعا واستدل به على جواز إجابة المؤذن في الصلاة عملا بظاهر الأمر ولان المجيب لا يقصد المخاطبة وقيل يؤخر الإجابة حتى يفرغ لأن في الصلاة شغلا وقيل مجيب إلا في الحيعلتين لأنهما كالخطاب للآدميين والباقي من ذكر الله فلا يمنع لكن قد يقال من يبدل الحيعلة بالحوقلة لا يمنع لأنها من ذكر الله قاله بن دقيق العيد وفرق بن عبد السلام في فتاوية بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناء على وجوب موالاتها وإلا فيجيب وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف وهذا قاله بحثا والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ وكذا في حال الجماع والخلاء لكن إن أجاب بالحيعلة بطلت كذا أطلقه كثير منهم ونص الشافعي في الأم على عدم فساد الصلاة بذلك واستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة قالوا الا في كلمتى الإقامة فيقول أقامها الله وأدامها وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجيء هنا لكن قد يفرق بأن الأذان أعلام عام فيعسر على الجميع أن يكونوا دعاة إلى الصلاة والإقامة أعلام خاص وعدد من يسمعها محصور فلا يعسر أن يدعو بعضهم بعض واستدل به على وجوب إجابة المؤذن حكاه الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال على الفطرة فلما تشهد قال خرج من النار فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك قيل ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان لكن يرد هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة

[ 587 ] قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله أنه سمع معاوية يوما فقال مثله إلى قوله وأشهد أن محمدا رسول الله هكذا أورد المتن هنا مختصرا وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام ولفظه كنا عند معاوية فنادى المنادي بالصلاة فقال مثل ما قال ثم قال هكذا سمعت نبيكم ثم قال البخاري حدثنا إسحاق أنبأنا وهب بن جرير حدثنا هشام عن يحيى نحوه قال يحيى وحدثني بعض إخواننا أنه لما قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله وقال هكذا سمعت نبيكم يقول انتهى فأحال بقوله نحوه على الذي قبله وقد عرفت أنه لم يسق لفظه كله وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق عن هشام المذكور تاما منها للإسماعيلي من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا عيسى بن طلحة قال دخلنا على معاوية فنادى مناد بالصلاة فقال الله أكبر الله أكبر فقال معاوية الله أكبر الله أكبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله فقال أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية وأنا أشهد أن محمد رسول الله قال يحيى فحدثني صاحب لنا أنه لما قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال هكذا سمعنا نبيكم انتهى فاشتمل هذا السياق على فوائد أحدها تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع له من محمد بن إبراهيم فأمن ما يخشى من تدليسه ثانيها بيان ما اختصر من روايتى البخاري ثالثها أن قوله في الرواية الأولى أنه سمع معاوية يوما فقال مثله فيه حذف تقديره أنه سمع معاوية يسمع المؤذن يوما فقال مثله رابعها أن الزيادة في رواية وهب بن جرير لم ينفرد بها لمتابعة معاذ بن هشام له خامسها أن قوله قال يحيى ليس تعليقا من البخاري كما زعمه بعضهم بل هو عنده بإسناد إسحاق وأبدى الحافظ قطب الدين احتمالا أنه عنده بإسنادين ثم إن إسحاق هذا لم ينسب وهو بن راهويه كذلك صرح به أبو نعيم في مستخرجه وأخرجه من طريق عبد الله بن شيرويه عنه وأما المبهم الذي حدث يحيى به عن معاوية فلم أقف في شيء من الطرق على تعيينه وحكى الكرماني عن غيره أن المراد به الأوزاعي وفيه نظر لأن الظاهر أن قائل ذلك ليحيى حدثه به عن معاوية وأين عصر الأوزاعي من عصر معاوية وقد غلب على ظني أنه علقمة بن وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة وإنما قلت ذلك لأننى جمعت طرقه عن معاوية فلم أجد هذه الزيادة في ذكر الحوقلة إلا من طريقين أحدهما عن نهشل التميمي عن معاوية وهو في الطبراني بإسناد واه والآخر عن علقمة بن وقاص عنه وقد أخرجه النسائي واللفظ له وابن خزيمة وغيرهما من طريق بن جريج أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال إني لعند معاوية إذ أذن مؤذن فقال معاوية كما قال حتى إذا قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله فلما قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة الا بالله وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ورواه بن خزيمة أيضا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده قال كنت عند معاوية فذكر مثله وأوضح سياقا منه وتبين بهذه الرواية أن ذكر الحوقلة في جواب حىعلى الفلاح اختصر في حديث الباب بخلاف ما تمسك به بعض من وقف مع ظاهره وأن إلى في قوله في الطريق الأولى فقال مثل قوله إلى أشهد أن محمدا رسول الله بمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم تنبيه أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث معاوية وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدارقطني ولم يخرج مسلم حديث معاوية لأن الزيادة المقصودة منه ليست على شرط الصحيح للمبهم الذي فيها لكن إذا انضم أحد الحديثين إلى الآخر قوي جدا وفي الباب أيضا عن الحارث بن نوفل الهاشمي وأبي رافع وهما في الطبراني وغيره وعن أنس في البزار وغيره والله تعالى أعلم

قوله باب الدعاء عند النداء أي عند تمام النداء وكأن المصنف لم يقيده بذلك اتباعا لإطلاق الحديث كما سيأتي البحث فيه

[ 589 ] قوله حدثني على بن عياش بالياء الأخيرة والشين المعجمة وهو الحمصي من كبار شيوخ البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره وقد حدث عنه القدماء بهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده عنه ورواه على بن المديني شيخ البخاري مع تقدمه على أحمد عنه أخرجه الإسماعيلي من طريقه قوله عن محمد بن المنكدر ذكر الترمذي أن شعيبا تفرد به عن بن المنكدر فهو غريب مع صحته وقد توبع بن المنكدر عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه ووقع في زوائد الإسماعيلي أخبرني بن المنكدر قوله من قال حين يسمع النداء أي الأذان واللام للعهد ويحتمل أن يكون التقدير من قال حين يسمع نداء المؤذن وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال سماع الأذان ولا يتقيد بفراغه لكن يحتمل أن يكون المراد من النداء تمامه إذ المطلق يحمل على الكامل ويؤيده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم بلفظ قولوا مثل ما يقول ثم صلوا على ثم سلوا الله لي الوسيلة ففي هذا أن ذلك يقال عند فراغ الأذان واستدل الطحاوي بظاهر حديث جابر على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل ما يقول بل لو اقتصر على الذكر المذكور كفاه وقد بين حديث عبد الله بن عمرو المراد وأن الحين محمول على ما بعد الفراغ واستدل به بن بزيزة على عدم وجوب ذلك لظاهر إيراده لكن لفظ الأمر في رواية مسلم قد يتمسك به من يدعي الوجوب وبه قال الحنفية وابن وهب من المالكية وخالف الطحاوي أصحابه فوافق الجمهور قوله رب هذه الدعوة بفتح الدال زاد البيهقي من طريق محمد بن عون عن على بن عياش اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة والمراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى له دعوة الحق وقيل لدعوة التوحيد تامة لأن الشركة نقص أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل بل هي باقية إلى يوم النشور أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للفساد وقال بن التين وصفت بالتامة لأن فيها أتم القول وهو لا إله إلا الله وقال الطيبي من أوله إلى قوله محمد رسول الله هي الدعوة التامة والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله يقيمون الصلاة ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء وبالقائمة الدائمة من قام على الشيء إذا داوم عليه وعلى هذا فقوله والصلاة القائمة بيان للدعوة التامة ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ وهو أظهر قوله الوسيلة هي ما يتقرب به إلى الكبير يقال توسلت أي تقربت وتطلق على المنزلة العلية ووقع ذلك في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم بلفظ فإنها منزلة في الجنة لا ينبغي إلا لعبد من عباد الله الحديث ونحوه للبزار عن أبي هريرة ويمكن ردها إلى الأول بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله فتكون كالقربة التي يتوسل بها قوله والفضيلة أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة قوله مقاما محمودا أي يحمد القائم فيه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات ونصب على الظرفيه أي أبعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا أو ضمن أبعثه معنى أقمه أو على أنه مفعول به ومعنى أبعثه أعطه ويجوز أن يكون حالا أي أبعثه ذا مقام محمود قال النووي ثبتت الرواية بالتنكير وكأنه حكاية للفظ القرآن وقال الطيبي إنما نكره لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل مقاما محمودا بكل لسان قلت وقد جاء في هذه الرواية بعينها من رواية على بن عياش شيخ البخاري فيه بالتعريف عند النسائي وهي في صحيح بن خزيمة وابن حبان أيضا وفي الطحاوي والطبراني في الدعاء والبيهقي وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووى قوله الذي وعدته زاد في رواية البيهقي انك لا تخلف الميعاد وقال الطيبي المراد بذلك قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله أوقع كما صح عن بن عيينة وغيره والموصول إما بدل أو عطف بيان أو واقع خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما المقام المحمود بالألف واللام فيصبح وصفه بالموصول والله أعلم قال بن الجوزي والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة وقيل إجلاسه على العرش وقيل على الكرسي وحكى كلا من القولين عن جماعة وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذان في الشفاعة ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو المشهور وأن يكون الاجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة ووقع في صحيح بن حبان من حديث كعب بن مالك مرفوعا يبعث الله الناس فيكسونى ربي حلة خضراء فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة ويشعر قوله في آخر الحديث حلت له شفاعتي بان الأمر المطلوب له الشفاعة والله أعلم قوله حلت له أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه يقال حل يحل بالضم إذا نزل واللام بمعنى على ويؤيده رواية مسلم حلت عليه ووقع في الطحاوي من حديث بن مسعود وجبت له ولا يجوز أن يكون حلت من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة قوله شفاعتي استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابا لقائل ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة للمذنبين وأجيب بان له صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى كإدخال الجنة بغير حساب وكرفع الدرجات فيعطى كل أحد ما يناسبه ونقل عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصا مستحضرا إجلال النبي صلى الله عليه وسلم لا من قصد بذلك مجرد الثواب ونحو ذلك وهو تحكم غير مرضى ولو كان أخرج الغافل اللاهى لكان أشبه وقال المهلب في الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة والله أعلم

قوله باب الاستهام فى الأذان أي الاقتراع ومنه قوله تعالى فساهم فكان من المدحضين قال الخطابي وغيره قيل له الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء فمن خرج سهمه غلب قوله ويذكر أن قوما اختلفوا أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريق أبي عبيد كلاهما عن هشيم عن عبد الله بن شبرمة قال تشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص فأقرع بينهم وهذا منقطع وقد وصله سيف بن عمر في الفتوح والطبري من طريقه عنه عن عبد الله بن شبرمة عن شقيق وهو أبو وائل قال افتتحنا القادسية صدر النهار فتراجعنا وقد أصيب المؤذن فذكره وزاد فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن فائدة القادسية مكان بالعراق معروف نسب إلى قادس رجل نزل به وحكى الجوهري أن إبراهيم عليه السلام قدس على ذلك المكان فلذلك صار منزلا للحاج وكانت به وقعه للمسلمين مشهورة مع الفرس وذلك في خلافة عمر سنة خمس عشرة وكان سعد يومئذ الأمير على الناس

[ 590 ] قوله عن سمي بضم أوله بلفظ التصغير قوله مولى أبي بكر أي بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قوله لو يعلم الناس قال الطيبي وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم قوله ما في النداء أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج قوله والصف الأول زاد أبو الشيخ في رواية له من طريق الأعرج عن أبي هريرة من الخير والبركة وقال الطيبي أطلق مفعول يعلم وهو ما ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف والإطلاق إنما هو في قدر الفضيلة وإلا فقد بينت في الرواية الأخرى بالخير والبركة قوله ثم لم يجدوا في رواية المستملى والحموي ثم لا يجدون وحكى الكرماني أن في بعض الروايات ثم لا يجدوا ووجهه بجواز حذف النون تخفيفا ولم أقف على هذه الرواية قوله الا أن يستهموا أي لم يجدوا شيئا من وجوه الاولوية أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن وتكملاته وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة ويستووا في الفضل فيقرع بينهم إذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين واستدل به بعضهم لمن قال بالاقتصار على مؤذن واحد وليس بظاهر لصحة استهام أكثر من واحد في مقابلة أكثر من واحد ولان الاستهام على الأذان يتوجه من جهة التولية من الإمام لما فيه من المزية وزعم بعضهم أن المراد بالاستهام هنا الترامى بالسهام وأنه أخرج مخرج المبالغة واستأنس بحديث لفظه لتجالدوا عليه بالسيوف لكن الذي فهمه البخاري منه أولى ولذلك استشهد له بقصة سعد ويدل عليه رواية لمسلم لكانت قرعة قوله عليه أي على ما ذكر ليشمل الامرين الأذان والصف الأول وبذلك يصح تبويب المصنف وقال بن عبد البر الهاء عائدة على الصف الأول لا على النداء وهو حق الكلام لأن الضمير يعود لأقرب مذكور ونازعه القرطبي وقال أنه يلزم منه أن يبقى النداء ضائعا لا فائدة له قال والضمير يعود على معنى الكلام المتقدم ومثله قوله تعالى ومن يفعل ذلك يلق أثاما أي جميع ذلك قلت وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ لاستهموا عليهما فهذا مفصح بالمراد من غير تكلف قوله التهجير أي التبكير إلى الصلاة قال الهروي وحمله الخليل وغيره على ظاهره فقالوا المراد الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت لأن التهجير مشتق من الهاجرى وهي شدة الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر وإلى ذلك مال المصنف كما سيأتي ولا يرد على ذلك مشروعية الأبرار لأنه أريد به الرفق وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ماله من الفضل قوله لاستبقوا إليه قال بن أبي جمرة المراد بالاستباق معنى لا حسا لأن المسابقة على الأقدام حسا تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه انتهى وسيأتي الكلام على بقية الحديث في باب فضل صلاة العشاء في الجماعة قريبا ويأتي الكلام على المراد بالصف الأول في أواخر أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى

قوله باب الكلام في الأذان أي في أثنائه بغير ألفاظه وجرى المصنف على عادته في عدم الجزم بالحكم الذي دلالته غير صريحة لكن الذي أورده فيه يشعر بأنه يختار الجواز وحكى بن المنذر الجواز مطلقا عن عروة وعطاء والحسن وقتادة وبه قال أحمد وعن النخعي وابن سيرين والأوزاعي الكراهة وعن الثوري المنع وعن أبي حنيفة وصاحبيه أنه خلاف الأولى وعليه يدل كلام مالك والشافعي وعن إسحاق بن راهويه يكره إلا إن كان فيما يتعلق بالصلاة واختاره بن المنذر لظاهر حديث بن عباس المذكور في الباب وقد نازع في ذلك الداودي فقال لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان بل القول المذكور مشروع من جملة الأذان في ذلك المحل قوله وتكلم سليمان بن صرد في أذانه وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وأخرجه البخاري في التاريخ عنه وإسناده صحيح ولفظه أنه كان يؤذن في العسكر فيأمر غلامه بالحاجة في أذانه قوله وقال الحسن لم أره موصولا والذي أخرجه بن أبي شيبة وغيره من طرق عنه جواز الكلام بغير قيد الضحك قيل مطابقته للترجمة من جهة أن الضحك إذا كان بصوت قد يظهر منه حرف مفهم أو أكثر فتفسد الصلاة ومن منع الكلام في الأذان أراد أن يساويه بالصلاة وقد ذهب الأكثر إلى أن تعمد الضحك يبطل الصلاة ولو لم يظهر منه حرف فاستوى مع الكلام في بطلان الصلاة بعمده

[ 591 ] قوله حماد هو بن زيد وعبد الحميد هو بن دينار وعبد الله بن الحارث هو البصري بن عم بن سيرين وزوج ابنته وهو تابعي صغير ورواية الثلاثة عنه من باب رواية الأقران لأن الثلاثة من صغار التابعين ورجال الإسناد كلهم بصريون وقد جمعهم حماد كمسدد كما هنا وكذلك رواه سليمان بن حرب عنه عند أبي عوانة وأبي نعيم في المستخرج وكان حماد ربما اقتصر على بعضهم كما سيأتي قريبا في باب هل يصلي الإمام بمن حضر عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجي عن حماد عن عبد الحميد وعن عاصم فرقهما ورواه مسلم عن الربيع عن حماد عن أيوب وعاصم من طرق أخرى منها وهيب عن أيوب وحكى عن وهيب أن أيوب لم يسمعه من عبد الله بن الحارث وفيه نظر لأن في رواية سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب وعبد الحميد قالا سمعنا عبد الله بن الحارث كذلك أخرجه الإسماعيلي وغيره ولمسدد فيه شيخ آخر وهو بن علية كما سيأتي في كتاب الجمعة إن شاء الله قوله خطبنا استدل به بن الجوزي على أن الصلاة المذكورة كانت الجمعة وفيه نظر نعم وقع التصريح بذلك في رواية بن علية ولفظه أن الجمعة عزمة قوله في يوم رزغ بفتح الراء وسكون الزاي بعدها غين معجمة كذا للأكثر هنا ولابن السكن والكشميهني وأبي الوقت بالدال المهملة بدل الزاي وقال القرطبي أنها أشهر وقال والصواب الفتح فإنه الاسم وبالسكون المصدر انتهى وبالفتح رواية القابسي قال صاحب المحكم الرزغ الماء القليل في الثماد وقيل إنه طين وحل وفي العين الردغة الوحل والرزغة أشد منها وفي الجمهرة والردغة والرزغة الطين القليل من مطر أو غيره تنبيه وقع هنا يوم رزغ بالإضافة وفي رواية الحجي الآتية في يوم ذي رزغ وهي أوضح وفي رواية بن علية في يوم مطير قوله فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره كذا فيه وكأن هنا حذفا تقديره أراد أن يقولها فأمره ويؤيده رواية بن علية إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حىعلى الصلاة وبوب عليه بن خزيمة وتبعه بن حبان ثم المحب الطبري حذف حي على الصلاة في يوم المطر وكأنه نظر إلى المعنى لأن حي على الصلاة والصلاة في الرحال وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك وعند الشافعية وجه أنه يقول ذلك بعد الأذان وآخر أنه يقوله بعد الحيعلتين والذي يقتضيه الحديث ما تقدم وقوله الصلاة في الرحال بنصب الصلاة والتقدير صلوا الصلاة والرحال جمع رحل وهو مسكن الرجل وما فيه من أثاثه قال النووي فيه أن هذه الكلمة تقال في نفس الأذان وفي حديث بن عمر يعني الآتي في باب الأذان للمسافر أنها تقال بعده قال والامران جائزان كما نص عليه الشافعي لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان قال ومن أصحابنا من يقول لا يقوله إلا بعد الفراغ وهو ضعيف مخالف لصريح حديث بن عباس انتهى وكلامه يدل على أنها تزاد مطلقا إما في أثنائه وإما بعده لا أنها بدل من حي على الصلاة وقد تقدم عن بن خزيمة ما يخالفه وقد ورد الجمع بينهما في حديث آخر أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن نعيم بن النحام قال أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم للصبح في ليله باردة فتمنيت لو قال ومن قعد فلا حرج فلما قال الصلاة خير من النوم قالها قوله فقال فعل هذا كأنه فهم من نظرهم الإنكار وفي رواية الحجي كأنهم أنكروا ذلك وفي رواية بن علية فكأن الناس استنكروا ذلك قوله من هو خير منه وللكشميهني منهم وللحجى مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم كذا في أصل الرواية ومعنى رواية الباب من هو خير من المؤذن يعني فعله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير من هذا المؤذن وأما رواية الكشميهني ففيها نظر ولعل من أذن كانوا جماعة إن كانت محفوظة أو أراد جنس المؤذنين أو أراد خير من المنكرين قوله وإنها أي الجمعة كما تقدم عزمة بسكون الزاي ضد الرخصة زاد بن علية وإني كرهت أن اخرجكم فتمشون في الطين وفي رواية الحجي من طريق عاصم أني أؤثمكم وهي ترجح رواية من روى أحرجكم بالحاء المهملة وفي رواية جرير عن عاصم عند بن خزيمة أن أخرج الناس وأكلفهم أن يحملوا الخبث من طرقهم إلى مسجدكم وسيأتي الكلام على ما يتعلق بسقوط الجمعة بعذر المطر في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى ومطابقة الحديث للترجمة أنكرها الداودي فقال لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان بل القول المذكور من جملة الأذان في ذلك المحل وتعقب بأنه وإن ساغ ذكره في هذا المحل لكنه ليس من ألفاظ الأذان المعهود وطريق بيان المطابقة أن هذا الكلام لما جازت زيادته في الأذان للحاجة إليه دل على جواز الكلام في الأذان لمن يحتاج إليه

قوله باب أذان الأعمى أي جوازه قوله إذا كان له من يخبره أي بالوقت لأن الوقت في الأصل مبنى على المشاهدة وعلى هذا القيد يحمل ما روى بن أبي شيبة وابن المنذر عن بن مسعود وابن الزبير وغيرهما أنهم كرهوا أن يكون المؤذن أعمى وأما ما نقله النووي عن أبي حنيفة وداود أن أذان الأعمى لا يصح فقد تعقبه السروجي بأن غلط على أبي حنيفة نعم في المحيط للحنفية أنه يكره

[ 592 ] قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي قال الدارقطني تفرد القعنبي بروايته إياه في الموطأ موصولا عن مالك ولم يذكر غيره من رواة الموطأ فيه بن عمر ووافقه على وصله عن مالك خارج الموطأ عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق وروح بن عبادة وأبو قرة وكامل بن طلحة وآخرون ووصله عن الزهري جماعة من حفاظ أصحابه قوله أن بلالا يؤذن بليل فيه إشعار بأن ذلك كان من عادته المستمرة وزعم بعضهم أن ابتداء ذلك باجتهاد منه وعلى تقدير صحته فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فصار في حكم المأمور به وسيأتي الكلام على تعيين الوقت الذي كان يؤذن فيه من الليل بعد باب قوله فكلوا فيه إشعار بأن الأذان كان علامة عندهم على دخول الوقت فبين لهم أن أذان بلال بخلاف ذلك قوله بن أم مكتوم اسمه عمرو كما سيأتي موصولا في الصيام وفضائل القرآن وقيل كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ولا يمتنع أنه كان له اسمان وهو قرشي عامري أسلم قديما والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويستخلفه على المدينة وشهد القادسية في خلافة عمر فاستشهد بها وقيل رجع إلى المدينة فمات وهو الأعمى المذكور في سورة عبس واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لانكتام نور بصره والمعروف أنه عمي بعد بدر بسنتين قوله وكان رجلا أعمى ظاهره أن فاعل قال هو بن عمر وبذلك جزم الشيخ الموفق في المغني لكن رواه الإسماعيلي عن أبي خليفة والطحاوي عن يزيد بن سنان كلاهما عن القعنبي فعينا أنه بن شهاب وكذلك رواه إسماعيل بن إسحاق ومعاذ بن المثنى وأبو مسلم الكجي الثلاثة عند الدارقطني والخزاعي عند أبي الشيخ وتمام عند أبي نعيم وعثمان الدارمي عند البيهقي كلهم عن القعنبي وعلى هذا ففي رواية البخاري إدراج ويجاب عن ذلك بأنه لا يمنع كون بن شهاب قاله أن يكون شيخه قال وكذا شيخ شيخه وقد رواه البيهقي من رواية الربيع بن سليمان عن بن وهب عن يونس والليث جميعا عن بن شهاب وفيه قال سالم وكان رجلا ضرير البصر ففي هذا أن شيخ بن شهاب قاله أيضا وسيأتي في كتاب الصيام عن المصنف من وجه آخر عن بن عمر ما يؤدي معناه وسنذكر لفظه قريبا فثبتت صحة وصله ولابن شهاب فيه شيخ آخر أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه عن سعيد بن المسيب وفيه الزيادة قال بن عبد البر هو حديث آخر لابن شهاب وقد وافق بن إسحاق معمرا فيه عن بن شهاب قوله أصبحت أصبحت أي دخلت في الصباح هذا ظاهره واستشكل لأنه جعل أذانه غاية للأكل فلو لم يؤذن حتى يدخل في الصباح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر والإجماع على خلافه إلا من شذ كالأعمش وأجاب بن حبيب وابن عبد البر والأصيلى وجماعة من الشراح بأن المراد قاربت الصباح ويعكر على هذا الجواب أن في رواية الربيع التي قدمناها ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن وأبلغ من ذلك أن لفظ رواية المصنف التي في الصيام حتى يؤذن بن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وإنما قلت إنه أبلغ لكون جميعه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا فقوله أن بلالا يؤذن بليل يشعر أن بن أم مكتوم بخلافه ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق لصدق أن كلا منهما أذن قبل الوقت وهذا الموضع عندي في غاية الإشكال وأقرب ما يقال فيه إن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل والشرب وكأنه كان له من يراعى الوقت بحيث يكون أذانه مقارنا لابتداء طلوع الفجر وهو المراد بالبزوغ وعند أخذه في الأذان يعترض الفجر فى الأفق ثم ظهر لي أنه لا يلزم من كون المراد بقولهم أصبحت أي قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر وهذا وإن كان مستبعدا في العادة فليس بمستبعد من مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالملائكة فلا يشاركه فيه من لم يكن بتلك الصفة وقد روى أبو قرة من وجه آخر عن بن عمر حديثا فيه وكان بن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه وفي هذا الحديث جواز الأذان قبل طلوع الفجر وسيأتي بعد باب واستحباب أذان واحد بعد واحد وأما أذان اثنين معا فمنع منه قوم ويقال إن أول من أحدثه بنو أمية وقال الشافعية لا يكره إلا إن حصل من ذلك تهويش واستدل به على جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد قال بن دقيق العيد وأما الزيادة على الإثنين فليس في الحديث تعرض له انتهى ونص الشافعي على جوازه ولفظه ولا يتضيق إن إذن أكثر من اثنين وعلى جواز تقليد الأعمى للبصير في دخول الوقت وفيه أوجه واختلف فيه الترجيح وصحح النووي في كتبه أن للأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة وعلى جواز شهادة الأعمى وسيأتي ما فيه في كتاب الشهادات وعلى جواز العمل بخبر الواحد وعلى أن ما بعد الفجر من حكم النهار وعلى جواز الأكل مع الشك في طلوع الفجر لأن الأصل بقاء الليل وخالف في ذلك مالك فقال يجب القضاء وعلى جواز الاعتماد على الصوت في الرواية إذا كان عارفا به وإن لم يشاهد الراوي وخالف في ذلك شعبة لاحتمال الاشتباه وعلى جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة إذا كان يقصد التعريف ونحوه وجواز نسبة الرجل إلى أمه إذا اشتهر بذلك واحتيج إليه

قوله باب الأذان بعد الفجر قال الزين بن المنير قد المصنف ترجمة الأذان بعد الفجر على ترجمة الأذان قبل الفجر فخالف الترتيب الوجودى لأن الأصل في الشرع أن لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت فقدم ترجمة الأصل على ما ندر عنه وأشار بن بطال إلى الاعتراض على الترجمة بأنه لا خلاف فيه بين الأئمة وإنما الخلاف في جوازه قبل الفجر والذي يظهر لي أن مراد المصنف بالترجمتين أن يبين أن المعنى الذي كان يؤذن لأجله قبل الفجر غير المعنى الذي كان يؤذن لأجله بعد الفجر وأن الأذان قبل الفجر لا يكتفى به عن الأذان بعده وأن أذان بن أم مكتوم لم يكن يقع قبل الفجر والله أعلم

[ 593 ] قوله كان إذا أعتكف المؤذن للصبح هكذا وقع عند جمهور رواة البخاري وفيه نظر وقد استشكله كثير من العلماء ووجهه بعضهم كما سيأتي والحديث في الموطأ عند جميع رواته بلفظ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وكذا رواه مسلم وغيره وهو الصواب وقد أصلح في رواية بن شبويه عن الفربري كذلك وفي رواية الهمداني كان إذا أذن بدل أعتكف وهي أشبه بالرواية المصوبة ووقع في رواية النسفي عن البخاري بلفظ كان إذا أعتكف وأذن المؤذن وهو يقتضى أن صنيعه ذلك كان مختصا بحال اعتكافه وليس كذلك والظاهر أنه من إصلاحه وقد أطلق جماعة من الحفاظ القول بأن الوهم فيه من عبد الله بن يوسف شيخ البخاري ووجه بن بطال وغيره بأن معنى أعتكف المؤذن أي لازم ارتقابه ونظره إلى أن يطلع الفجر ليؤذن عند أول ادراكه قالوا وأصل العكوف لزوم الإقامة بمكان واحد وتعقب بأنه يلزم منه أنه كان لا يصليهما إلا إذا وقع ذلك من المؤذن لما يقتضيه مفهوم الشرط وليس كذلك لمواظبته عليهما مطلقا والحق أن لفظ أعتكف محرف من لفظ سكت وقد أخرجه المؤلف في باب الركعتين بعد الظهر من طريق أيوب عن نافع بلفظ كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر قوله وبدا الصبح بغير همز أي ظهر وأغرب الكرماني فصحح أنه بالنون المكسورة والهمزة بعد المد وكأنه ظن أنه معطوف على قوله للصبح فيكون التقدير واعتكف لنداء الصبح وليس كذلك فإن الحديث في جميع النسخ من الموطأ والبخاري ومسلم وغيرها بالباء الموحدة المفتوحة وبعد الدال ألف مقصورة والواو فيه واو الحال لا واو العطف وبذلك تتم مطابقة الحديث للترجمة وسيأتي بقية الكلام عليه في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى

[ 594 ] قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله بين النداء والإقامة قال الزين بن المنير حديث عائشة أبعد في الاستدلال به للترجمة من حديث حفصة لأن قولها بين النداء والإقامة لا يستلزم كون الأذان بعد الفجر ثم أجاب عن ذلك بما محصله أنها عنت بالركعتين ركعتي الفجر وهما لا يصليان إلا بعد الفجر فإذا صلاهما بعد الأذان استلزم أن يكون الأذان وقع بعد الفجر انتهى وهو مع ما فيه من التكليف غير سالم من الانتقاد والذي عندي أن المصنف جرى على عادته في الإيماء إلى بعض ما ورد في طرق الحديث الذي يستدل به وبيان ذلك فيما أورده بعد بابين من وجه آخر عن عائشة ولفظه كان إذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الصبح بعد أن يستبين الفجر

[ 595 ] قوله عن عبد الله بن دينار هذا إسناد آخر لمالك في هذا الحديث قال بن عبد البر لم يختلف عليه فيه واعترض بن التيمي فقال هذا الحديث لا يدل على الترجمة لجعله غاية الأكل ابتداء أذان بن أم مكتوم فدل على أن أذانه كان يقع قبل الفجر بقليل وجوابه ما تقدم تقريره في الباب الذي قبله وقال الزين بن المنير الاستدلال بحديث بن عمر أوجه من غيره فإن قوله حتى ينادي بن أم مكتوم يقتضى أنه ينادي حين يطلع الفجر لأنه لو كان ينادي قبله لكان كبلال ينادي بليل تنبيه قال بن منده حديث عبد الله بن دينار مجمع على صحته رواه جماعة من أصحابه عنه ورواه عنه شعبة فاختلف عليه فيه رواه يزيد بن هارون عنه على الشك أن بلالا كما هو المشهور أو أن بن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال قال ولشعبة فيه إسناد آخر فإنه رواه أيضا عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة فذكره على الشك أيضا أخرجه أحمد عن غندر عنه ورواه أبو داود الطيالسي عنه جازما بالأول ورواه أبو الوليد عنه جازما بالثاني وكذا أخرجه بن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن وادعى بن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح بن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله إذ أذن عمرو فأنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد وأخرجه أحمد وجاء عن عائشة أيضا أنها كانت تنكر حديث بن عمر وتقول إنه غلط أخرج ذلك البيهقي من طريق الداراوردى عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث وزاد قالت عائشة وكان بلال يبصر الفجر قال وكانت عائشة تقول غلط بن عمر انتهى وقد جمع بن خزيمة والضبعى بين الحديثين بما حاصله أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نوبا بين بلال وابن أم مكتوم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني وجزم بن حبان بذلك ولم يبده احتملا وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره وقيل لم يكن نوبا وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان فإن بلالا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن أخرجه أبو داود وإسناده حسن ورواية حميد عن أنس أن سائلا سأل عن وقت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن حين طلع الفجر الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح ثم أردف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها ثم في آخر الأمر أخر بن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعى له الفجر واستقر أذان بلال بليل وكان سبب ذلك ما روى أنه ربما كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه وأنه أخطأ مرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ألا إن العبد نام يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن بن عمر موصولا مرفوعا ورجاله ثقات حفاظ لكن اتفق أئمة الحديث على بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني على أن حمادا أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادا انفرد برفعه ومع ذلك فقد وجد له متابع أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربى وهو بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسب فرواه عن أيوب موصولا لكن سعيد ضعيف ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضا لكنه أعضله فلم يذكر نافعا ولا بن عمر وله طريق أخرى عن نافع عند الدارقطني وغيره اختلف في رفعها ووقفها أيضا وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن هلال وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس وهذه طرق يقوي بعضها بعضا قوة ظاهرة فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الأذان الأول وسنذكر اختلافهم في تعيين الوقت المراد من قوله يؤذن بليل في الباب الذي بعد هذا

قوله باب الأذان قبل الفجر أي ما حكمة هل يشرع أولا وإذا شرع هل يكتفى به عن إعادة الأذان بعد الفجر أولا وإلى مشروعيته مطلقا ذهب الجمهور وخالف الثوري وأبو حنيفة ومحمد وإلى الاكتفاء مطلقا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وخالف بن خزيمة وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث وقال به الغزالي في الإحياء وادعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء وتعقب بحديث الباب وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يدل وعلى التنزل فمحله فيما إذا لم يرد نطق بخلافه وهنا قد ورد حديث بن عمر وعائشة بما يشعر بعد الاكتفاء وكأن هذا هو السر في أيراد البخاري لحديثهما في هذا الباب عقب حديث بن مسعود نعم حديث زياد بن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام لكن في إسناده ضعف وأيضا فهي واقعة عين وكانت في سفر ومن ثم قال القرطبي إنه مذهب واضح غير أن العمل المنقول بالمدينة على خلافه انتهى فلم يرده إلا بالعمل على قاعدة المالكية وادعى بعض الحنفية كما حكاه السروجي منهم أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان وإنما كان تذكيرا أو تسحيرا كما يقع للناس اليوم وهذا مردود لكن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان فحمله على معناه الشرعي مقدم ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين وسياق الخبر يقتضى أنه خشي عليهم الالتباس وادعى بن القطان أن ذلك كان في رمضان خاصة وفيه نظر

[ 596 ] قوله زهير هو بن معاوية الجعفي قوله عن أبي عثمان في رواية بن خزيمة من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه حدثنا أبو عثمان ولم أر هذا الحديث من حديث بن مسعود في شيء من الطرق إلا من رواية أبي عثمان عنه ولا من رواية أبي عثمان إلا من رواية سليمان التيمي عنه واشتهر عن سليمان وله شاهد في صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندب قوله أحدكم أو أحد منكم شك من الراوي وكلاهما يفيد العموم وأن اختلفت الحيثية قوله من سحوره بفتح أوله اسم لما يؤكل في السحر ويجوز الضم وهو اسم الفعل قوله ليرجع بفتح الياء وكسر الجيم المخففة يستعمل هذا لازما ومتعديا يقال رجع زيد ورجعت زيدا ولا يقال في المتعدى بالتثقيل فعلى هذا من رواه بالضم والتثقيل أخطأ فإنه يصير من الترجيع وهو الترديد وليس مرادنا هنا وإنما معناه يرد القائم أي المتهجد إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطا أو يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر ويوقظ النائم ليتأهب لها بالغسل ونحوه وتمسك الطحاوي بحديث بن مسعود هذا لمذهبه فقال فقد أخبر أن ذلك النداء كان لما ذكر لا للصلاة وتعقب بأن قوله لا للصلاة زيادة في الخبر وليس فيه حصر فيما ذكر فإن قيل تقدم في تعريف الأذان الشرعى أنه إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والأذان قبل الوقت ليس إعلاما بالوقت فالجواب أن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاما بأنه دخل أو قارب أن يدخل وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات لأن الصلاة في أول وقتها مرغب فيه والصبح يأتي غالبا عقب نوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت والله أعلم قوله وليس أن يقول الفجر فيه إطلاق القول على الفعل أي يظهر وكذا قوله وقال بأصابعة ورفعها أي أشار وفي رواية الكشميهني بأصبعه ورفعهما قوله إلى فوق بالضم على البناء وكذا أسفل لنية المضاف إليه دون لفظة نحو لله الأمر من قبل ومن بعد قوله وقال زهير أي الراوي وهي أيضا بمعنى أشار وكأنه جمع بين أصبعيه ثم فرقهما ليحكى صفة الفجر الصادق لأنه يطلع معترضا ثم يعم الأفق ذاهبا يمينا وشمالا بخلاف الفجر الكاذب وهو الذي تسمية العرب ذئب السرحان فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض وإلى ذلك أشار بقوله رفع وطأطأ رأسه وفي رواية الإسماعيلي من طريق عيسى بن يونس عن سليمان فإن الفجر ليس هكذا ولا هكذا ولكن الفجر هكذا فكأن أصل الحديث كان بهذا اللفظ مقرونا بالإشارة الدالة على المراد وبهذا اختلفت عبارة الرواة وأخصر ما وقع فيها رواية جرير عن سليمان عند مسلم وليس الفجر المعترض ولكن المستطيل

[ 597 ] قوله حدثني إسحاق لم أره منسوبا وتردد فيه الجياني وهو عندي بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه كما جزم به المزي ويدل عليه تعبيره بقوله أخبرنا فإنه لا يقول قط حدثنا بخلاف إسحاق بن منصور وإسحاق بن نصر وأما ما وقع بخط الدمياطي أنه الواسطي ثم فسره بأنه بن شاهين فليس بصواب لأنه لا يعرف له عن أبي أسامة شيء لأن أبا أسامة كوفي وليس في شيوخ بن شاهين أحد من أهل الكوفة قوله قال عبيد الله حدثنا فاعل قال أبو أسامة وعبيد الله قائل حدثنا فالتقدير حدثنا عبيد الله قوله عن نافع هو معطوف على عن القاسم بن محمد والحاصل أنه أخرج الحديث عن عبيد الله بن عمر من وجهين الأول ذكر له فيه اسنادين نافع عن بن عمر والقاسم عن عائشة وأما الثاني فاقتصر فيه على الإسناد الثاني قوله حتى يؤذن في رواية الكشميهني حتى ينادي وقد أورده في الصيام بلفظ يؤذن وزاد في آخره فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال القاسم لم يكن بين أذنيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايات الأخرى من قوله أن بلالا يؤذن بليل ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدرك القصة المذكورة لأنه ثبت عند النسائي من رواية حفص بن غياث وعند الطحاوي من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث قالت ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا وعلى هذا فمعنى قوله في رواية البخاري قال القاسم أي في روايته عن عائشة وقد وقع عند مسلم في رواية بن نمير عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر مثل هذه الزيادة وفيها نظر أوضحته في كتاب المدرج وثبتت الزيادة أيضا في حديث أنيسة الذي تقدمت الإشارة إليه وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور وهو أحد الأوجه في المذهب واختاره السبكي في شرح المنهاج وحكى تصحيحه عن القاضي حسين والمتولى وقطع به البغوي وكلام بن دقيق العيد يشعر به فإنه قال بعد أن حكاء يرجح هذا بان قوله أن بلالا ينادي بليل خبر يتعلق به فائدة للسامعين قطعا وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبها محتملا لأن يكون عند طلوع الفجر فبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب بل الذي يمنعه طلوع الفجر الصادق قال وهذا يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر انتهى ويقويه أيضا ما تقدم من أن الحكمة في مشروعيته التأهب لادراك الصبح في أول وقتها وصحح النووي في أكثر كتبه أن مبدأه من نصف الليل الثاني وأجاب عن الحديث في شرح مسلم فقال قال العلماء معناه أن بلالا كان يؤذن ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه فإذا قارب طلوع الفجر نزل فأخبر بن أم مكتوم فيتأهب بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر وهذا مع وضوح مخالفته لسياق الحديث يحتاج إلى دليل خاص لما صححه حتى يسوغ له التأويل ووراء ذلك أقوال أخرى معروفة في الفقهيات واحتج الطحاوي لعدم مشروعية الأذان قبل الفجر بقوله لما كان بين أذانيهما من القرب ما ذكر في حديث عائشة ثبت أنهما كانا يقصدان وقتا واحد وهو طلوع الفجر فيخطئه بلال ويصيبه بن أم مكتوم وتعقب بأنه لو كان كذلك لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا واعتمد عليه ولو كان كما ادعى لكان وقوع ذلك منه نادرا وظاهر حديث بن عمر يدل على أن ذلك كان شأنه وعادته والله أعلم

قوله باب كم بين الأذان والإقامة أما باب فهو في روايتنا بلا تنوين وكم استفهامية ومميزها محذوف وتقديره ساعة أو صلاة أو نحو ذلك ولعله أشار بذلك إلى ما روى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته أخرجه الترمذي والحاكم لكن إسناده ضعيف وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وكلها واهية فكأنه أشار إلى أن التقدير بذلك لم يثبت وقال بن بطال لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب كما سيأتي ووقع هنا في رواية نسبت للكشميهنى ومن أنتظر الإقامة وهو خطأ فإن هذا اللفظ ترجمة تلي هذه

[ 598 ] قوله حدثنا إسحاق الواسطي هو بن شاهين ويحتمل أن يكون هو الذي عناه الدمياطي ونقلناه عنه في الذي مضى لكني رأيته كما نقلته أولا بخط القطب الحلبي وقد روى البخاري عن إسحاق بن وهب العلاف وهو واسطي أيضا لكن ليست له رواية عن خالد وهو بن عبد الله الطحان والجريري سعيد بن إياس وهو بضم الجيم كما تقدم في المقدمة ووقع مسمى في رواية وهب بن بقية عن خالد عند الإسماعيلي وهي إحدى فوائد المستخرجات وهو معدود فيمن اختلط واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد اختلاطه وخالد منهم لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية يزيد بن زريع وعبد الأعلى وابن علية وهم ممن سمع منه قبل اختلاطه وهي إحدى فوائد المستخرجات أيضا وهو عند مسلم من طريق عبد الأعلى أيضا وقد قال العجلي إنه من أصحهم سماعا من الجريري فإنه سمع منه قبل اختلاطه بثمان سنين ولم ينفرد به مع ذلك الجريري بل تابعه عليه كهمس بن الحسن عن بن بريدة وسيأتي عند المصنف بعد باب وفي رواية يزيد بن زريع من الفوائد أيضا تسمية بن بريدة عبد الله والتصريح بتحديثه للجريري قوله بين كل أذانين أي أذان وإقامة ولا يصح حمله على ظاهرة لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة والخبر ناطق بالتخيير لقوله لمن شاء وأجرى المصنف الترجمة مجرى البيان للخبر لجزمه بأن ذلك المراد وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم القمرين الشمس والقمر ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت ولا مانع من حمل قوله أذانين على ظاهره لأنه يكون التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة قوله صلاة أي وقت صلاة أو المراد صلاة نافلة أو نكرت لكونها تتناول كل عدد نواه المصلي من النافلة كركعتين أو أربع أو أكثر ويحتمل أن يكون المراد به الحث على المبادرة إلى المسجد عند سماع الأذان لانتظار الإقامة لأن منتظر الصلاة في صلاة قاله الزين بن المنير قوله ثلاثا أي قالها ثلاثا وسيأتي بعد باب بلفظ بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة لمن شاء وهذا يبين أنه لم يقل لمن شاء إلا في المرة الثالثة بخلاف ما يشعر به ظاهر الرواية الأولى من أنه قيد كل مرة بقوله لمن شاء ولمسلم والإسماعيلي قال في الرابعة لمن شاء وكأن المراد بالرابعة في هذه الرواية المرة الرابعة أي أنه اقتصر فيها على قوله لمن شاء فأطلق عليه بعضهم رابعة باعتبار مطلق القول وبهذا توافق رواية البخاري وقد تقدم في العلم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا وكأنه قال بعد الثلاث لمن شاء ليدل على أن التكرار لتأكيد الاستحباب وقال بن الجوزي فائدة هذا الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها فبين أن التطوع بين ألأذان والإقامة جائز في حديث أنس وقد صح ذلك في الإقامة كما سيأتي ووقع عند أحمد إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت وهو أخص من الرواية المشهورة إلا المكتوبة

[ 599 ] قوله في حديث أنس كان المؤذن إذا أذن في رواية الإسماعيلي إذا أخذ المؤذن في أذان المغرب قوله قام ناس في رواية النسائي قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا تقدم للمؤلف في أبواب ستر العورة قوله يبتدرون أي يستبقون والسوارى جمع سارية وكأن غرضهم بالاستباق إليها الاستتار بها ممن يمر بين أيديهم لكونهم يصلون فرادى قوله وهم كذلك أي في تلك الحال وزاد مسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس فيجيء الغريب فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما قوله ولم يكن بينهما أي الأذان والإقامة قوله شيء التنوين فيه للتعظيم أي لم يكن بينهما شيء كثير وبهذا يندفع قول من زعم أن الرواية المعلقة معارضة للرواية الموصولة بل هي مبينة لها ونفى الكثير يقتضى إثبات القليل وقد أخرجها الإسماعيلي موصولة من طريق عثمان بن عمر عن شعبة بلفظ وكان بين الأذان والإقامة قريب ولمحمد بن نصر من طريق أبي عامر عن شعبة نحوه وقال بن المنير يجمع بين الروايتين بحمل النفي المطلق على المبالغة مجازا والاثبات للقليل على الحقيقه وحمل بعض العلماء حديث الباب على ظاهره فقال دل قوله ولم يكن بينهما شيء على أن عموم قوله بين كل أذانين صلاة مخصوص بغير المغرب فإنهم لم يكونوا يصلون بينهما بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه قال ويؤيد ذلك ما رواه البزار من طريق حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريده عن أبيه مثل الحديث الأول وزاد في آخره إلا المغرب أه وفي قوله ويفرغون مع فراغه نظر لأنه ليس في الحديث ما يقتضيه ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك وأما رواية حيان وهو بفتح المهملة والتحتانية فشاذة لأنه وأن كان صدوقا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه وقد وقع في بعض طرقه عند الإسماعيلي وكان بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظا لم يخالف بريدة روايته وقد نقل بن الجوزي في الموضوعات عن الفلاس أنه كذب حيانا المذكور وقال القرطبي وغيره ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمرا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه وهذا يدل على الاستحباب وكأن أصله قوله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما فلا ينفى الاستحباب بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث وروى عن بن عمر قال ما رأيت أحدا يصليهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما وهو قول مالك والشافعي وادعى بعض المالكية نسخهما فقال إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس فبين لهم بذلك وقت الجواز ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها وتعقب بأن دعوى النسخ لا دليل عليها والمنقول عن بن عمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه ورواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم وهو منقطع ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة وسيأتي في أبواب التطوع أن عقبة بن عامر سئل عن الركعتين قبل المغرب فقال كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قيل له فما يمنعك الآن قال الشغل فلعل غيره أيضا منعه الشغل وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما وأما قول أبي بكر بن العربي اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم فمردود بقول محمد بن نصر وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحي بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك ومن طريق الحسن البصري أنه سئل عنهما فقال حسنتين والله لمن أراد الله بهما وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين وعن مالك قول آخر باستحبابهما وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه وقال في شرح مسلم قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة ومع ذلك فزمنهما زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها قلت ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر قيل والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر واستدل بحديث أنس على امتداد وقت المغرب وليس ذلك بواضح تنبيهان أحدهما مطابقة حديث أنس للترجمة من جهة الإشارة إلى أن الصحابة إذا كانوا يبتدرون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب مع قصر وقتها فالمبادرة إلى التنفل قبل غيرها من الصلوات تقع من باب الأولى ولا يتقيد بركعتين إلا ما ضاهى المغرب في قصر الوقت كالصبح الثاني لم تتصل لنا رواية عثمان بن جبلة وهو بفتح الجيم والموحدة إلى الآن وزعم مغلطاي ومن تبعه أن الإسماعيلي وصلها في مستخرجه وليس كذلك فإن الإسماعيلي إنما أخرجه من طريق عثمان بن عمر وكذلك لم تتصل لنا رواية أبي داود وهو الطيالسي فيما يظهر لي وقيل هو الحفري بفتح المهملة والفاء وقد وقع لنا مقصود روايتهما من طريق عثمان بن عمر وأبي عامر ولله الحمد

قوله باب من أنتظر الإقامة موضع الترجمة من الحديث قوله ثم اضطجع على شقة الأيمن حتى يأتيه المؤذن وأوردها مورد الاحتمال تنبيها على اختصاص ذلك بالإمام لأن المأموم مندوب إلى إحراز الصف الأول ويحتمل أن يشارك الإمام في ذلك من كان منزله قريبا من المسجد وقيل يستفاد من حديث الباب أن الذي ورد من الحض على الاستباق إلى المسجد هو لمن كان على مسافة من المسجد وأما من كان يسمع الإقامة من داره فانتظاره للصلاة إذا كان متهيئا لها كانتظاره إياها في المسجد وفي مقصود الترجمة أيضا ما أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال كان بلال يؤذن ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم

[ 600 ] قوله إذا سكت المؤذن أي فرغ من الأذان بالسكوت عنه هذا في الروايات المعتمدة بالمثناة الفوقانية وحكى بن التين أنه روى بالموحدة ومعناه صب الأذان وأفرغه في الآذان ومنه أفرغ في أذني كلاما حسنا أه والرواية المذكورة لم تثبت في شيء من الطرق وإنما ذكرها الخطابي من طريق الأوزاعي عن الزهري وقال إن سويد بن نصر راويها عن بن المبارك عنه ضبطها بالموحدة وأفرط الصغاني في العباب فجزم أنها بالموحدة وكذا ضبطها في نسخته التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري وأن المحدثين يقولونها بالمثناه ثم ادعى أنها تصحيف وليس كما قال قوله بالأولى أي عن الأولى وهي متعلقة بسكت يقال سكت عن كذا إذا تركه والمراد بالأولى الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت وهو أول باعتبار الإقامة وثان باعتبار الأذان الذي قبل الفجر وجاءه التأنيث إما من قبل مؤاخاته للاقامة أو لأنه أراد المناداة أو الدعوة التامة ويحتمل أن يكون صفه لمحذوف والتقدير إذا سكت عن المرة الأولى أو في المرة الأولى تنبيه أخرج البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج بعد النداء إلى المسجد فإن رأى أهل المسجد قليلا جلس حتى يجتمعوا ثم يصلي وإسناده قوي مع إرساله وليس بينه وبين حديث الباب تعارض لأنه يحمل على غير الصبح أو كان يفعل ذلك بعد أن يأتيه المؤذن ويخرج معه إلى المسجد قوله يستبين بموحدة وآخره نون وفي رواية يستنير بنون وآخره راء وسيأتي الكلام على ركعتي الفجر في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى

قوله باب بين كل أذانين صلاة تقدم الكلام على فوائده قبل باب وترجم هنا بلفظ الحديث وهناك ببعض ما دل عليه

قوله باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد كأنه يشير إلى ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح أن بن عمر كان يؤذن للصبح في السفر أذانين وهذا مصير منه إلى التسوية بين الحضر والسفر وظاهر حديث الباب أن الأذان في السفر لا يتكرر لأنه لم يفرق بين الصبح وغيرها والتعليل الماضي في حديث بن مسعود يؤيده وعلى هذا فلا مفهوم لقوله مؤذن واحد في السفر لأن الحضر أيضا لا يؤذن فيه إلا واحد ولو احتيج إلى تعددهم لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة ولا يؤذنون جميعا وقد قيل أن أول من أحدث التأذين جميعا بنو أمية وقال الشافعي في الأم وأحب أن يؤذن مؤذن يعد مؤذن ولا يؤذن جماعة معا وأن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد قوله في نفر هم من ثلاثة إلى عشرة قوله من قومي هم بنو ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة وكان قدوم وفد بني ليث فيما ذكره بن سعد بأسانيد متعدده أن واثلة الليثي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لتبوك

[ 602 ] قوله رفيقا بفاء ثم قاف من الرفق وفي رواية الأصيلي قيل والكشميهني بقافين أي رقيق القلب قوله وصلوا زاد في رواية إسماعيل بن عليه عن أيوب كما رأيتموني أصلى وهو في باب رحمة الناس والبهائم من كتاب الأدب ومثله في باب خبر الواحد من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب قوله فإذا حصرت الصلاة وجه مطابقته للترجمة مع أن ظاهره يخالفها لقوله فكونوا فيهم وعلموهم فإذا حضرت فظاهره أن ذلك بعد وصولهم إلى أهلهم وتعليمهم لكن المصنف أشار إلى الرواية الآتية في الباب الذي بعد هذا فإن فيها إذ أنتما خرجتما فأذنا ولا تعارض بينهما أيضا وبين قوله في هذه الترجمة مؤذن واحد لأن المراد بقوله أذنا أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن وذلك لاستوائهما في الفضل ولا يعتبر في الأذان السن بخلاف الإمامة وهو واضح من سياق حديث الباب حيث قال فيؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم واستدل بهذا على أفضلية الإمامة على الأذان وعلى وجوب الأذان وقد تقدم القول فيه في أوائل وبيان خطأ من نقل الإجماع على عدم الوجوب وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في باب إذا استووا في القراءة من أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى

قوله باب الأذان للمسافرين كذا للكشميهنى وللباقين للمسافر بالافراد وهو للجنس قوله إذا كانوا جماعة هو مقتضى الأحاديث التي أوردها لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عمر أنه كان يقول إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها فأما غيرهم فإنما هي الإقامة وحكى نحو ذلك عن مالك وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعية الأذان لكل أحد وقد تقدم حديث أبي سعيد في باب رفع الصوت بالنداء وهو يقتضى استحباب الأذان للمنفرد وبالغ عطاء فقال إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها قوله والإقامة بالخفض عطفا على الأذان ولم يختلف في مشروعية الإقامة في كل حال قوله وكذلك بعرفة لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة الحج وهو عند مسلم وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة قوله وجمع بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة وكأنه أشار بذلك إلى حديث بن مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه أنه صلى المغرب باذان وإقامة والعشاء بأذان وإقامة ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله قوله وقول المؤذن هو بالخفض أيضا وقد تقدم الكلام على حديث أبي ذر مستوفى في باب الابراد بالظهر في المواقيت وفيه البيان أن المؤذن هو بلال وأنه أذن وأقام فيطابق هذه الترجمة

[ 604 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفرياني وبذلك صرح أبو نعيم في المستخرج وسفيان هو الثوري وقد روى البخاري عن محمد بن يوسف أيضا عن سفيان بن عيينة لكنه محمد بن يوسف البيكندي وليست له رواية عن الثوري والفريانى وأن كان يروي أيضا عن بن عيينة لكنه إذا أطلق سفيان فإنما يريد به الثوري وإذا روى عن بن عيينة بينه وقد قدمنا ذلك قوله أتى رجلان هما مالك بن الحويرث راوي الحديث ورفيقه وسيأتي في باب سفر الإثنين من كتاب الجهاد بلفظ انصرفت من عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي ولم أر في شيء من طرقه تسمية صاحبه قوله فأذنا قال أبو الحسن بن القصار أراد به الفضل وإلا فاذان الواحد يجزئ وكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذنا جميعا كما هو ظاهر اللفظ فإن أراد أنهما يؤذنان معا فليس ذلك بمراد وقد قدمنا النقل عن السلف بخلافه وإن أراد أن كلا منهما يؤذن على حدة ففيه نظر فإن أذان الواحد يكفي الجماعة نعم يستحب لكل أحد إجابة المؤذن فالأولى حمل الأمر على أن أحدهما يؤذن والآخر يجيب وقد تقدم له توجيه آخر في الباب الذي قبله وأن الحامل على صرفه عن ظاهرة قوله فيه فليؤذن لكم أحدكم وللطبرانى من طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في هذا الحديث إذا كنت مع صاحبك فأذن وأقم وليؤمكما أكبركما واستروح القرطبي فحمل اختلاف ألفاظ الحديث على تعدد القصة وهو بعيد وقال الكرماني قد يطلق الأمر بالتثنية وبالجمع والمراد واحد كقوله يا حرسى اضربا عنقه وقوله قتله بنو تميم مع أن القاتل والضارب واحد قوله ثم أقيما فيه حجة لمن قال باستحباب إجابة المؤذن بالإقامة إن حمل الأمر على ما مضى وإلا فالذي يؤذن هو الذي يقيم تنبيه وقع هنا في رواية أبي الوقت حدثنا محمد بن المئنى حدثنا عبد الوهاب عن أيوب فذكر حديث مالك بن الحويرث مطولا نحو ما مضى في الباب قبله وسيأتي بتمامه في باب خبر الواحد وعلى ذكره هناك اقتصر باقي الرواة

[ 606 ] قوله حدثنا يحيى هو القطان قوله بضجنان هو بفتح الضاد المعجمة وبالجيم بعدها نون على وزن فعلان غير مصروف قال صاحب الصحاح وغيره هو جبل بناحية مكة وقال أبو موسى في ذيل الغريبين هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة وقال صاحب المشارق ومن تبعه هو جبل على بريد من مكة وقال صاحب الفائق بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا وبينه وبين وادي مريسعة أميال انتهى وهذا القدر أكثر من بريدين وضبطه بالأميال يدل على مزيد اعتناء وصاحب الفائق ممن شاهد تلك الأماكن واعتنى بها خلاف من تقدم ذكره ممن لم يرها أصلا ويؤيده ما حكاه أبو عبيد البكري قال وبين قديد وضجنان يوم قال معبد الخزاعي قد جعلت ماء قديد موعدى وماء ضجنان لها ضحى الغد قوله وأخبرنا أي بن عمر قوله كان يأمر مؤذنا في رواية مسلم كان يأمر المؤذن قوله ثم يقول على أثره صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان وقال القرطبي لما ذكر رواية مسلم بلفظ يقول في آخره ندائه يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه جمعا بينه وبين حديث بن عباس انتهى وقد قدمنا في باب الكلام في الأذان عن بن خزيمة أنه حمل حديث بن عباس علىظاهره وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى لأن معنى حي على الصلاة هلموا إليها ومعنى الصلاة في الرحال تأخروا عن المجيء ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر أه ويمكن الجمع بينهما ولا يلزم منه ما ذكر بان يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا فقال ليصل من شاء منكم في رحله قوله في الليلة الباردة أو المطيرة قال الكرماني فعلية بمعنى فاعله وإسناد المطر إليها مجاز ولا يقال أنها بمعنى مفعولة أي ممطور فيها لوجود الهاء في قوله مطيرة إذ لا يصح ممطورة فيها أه ملخصا وقوله أو للتنويع لا للشك وفي صحيح أبي عوانة ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخير عن الجماعة ونقل بن بطال فيه الإجماع لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل لكن في السنن من طريق بن إسحاق عن نافع في هذا الحديث في الليلة المطيرة والغداة القرة وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه أنهم مطروا يوما فرخص لهم ولم أر في شيء من الأحاديث الترخص بعذر الريح في النهار صريحا لكن القياس يقتضى إلحاقه وقد نقله بن الرفعة وجها قوله في السفر ظاهره اختصاص ذلك بالسفر ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقة وبها أخذ الجمهور لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا تلحقه والله أعلم

[ 607 ] قوله حدثنا إسحاق وقع في رواية أبي الوقت أنه بن منصور وبذلك جزم خلف في الأطراف وقد تردد الكلاباذى هل هو بن إبراهيم أو بن منصور ورجح الجياني أنه بن منصور واستدل على ذلك بان مسلما أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد عن إسحاق بن منصور قوله فآذنه بالصلاة ثم خرج بلال اختصرة المصنف وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق عن جعفر بن عون فقال بعد قوله بالصلاة فدعا بوضوء فتوضأ فذكر القصة قوله وأقام الصلاة اختصر بقيته وهي عند الإسماعيلي أيضا وهي وركزها بين يديه والظعن يمرون الحديث وقد قدمنا الكلام عليه في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه قوله بالأبطح هو موضع معروف خارج مكة وقد بيناه في ذلك الباب وفهم بعضهم أن المراد بالأبطح موضع جمع لذكره لها في الترجمة وليس ذلك مراده بل بين جمع والابطح مسافة طويلة وإنما أورد حديث أبي جحيفة لأنه يدخل في أصل الترجمة وهي مشروعية الأذان والإقامة للمسافرين

قوله باب هل يتتبع المؤذن فاه ههنا وههنا هو بياء تحتانية ثم بتاءين مفتوحات ثم بموحدة مشددة من التتبع وفي رواية الأصيلي يتبع بضم أوله وإسكان المثناة وكسر الموحدة من الأتباع والمؤذن بالرفع لأنه فاعل التتبع وفاه منصوب على المفعولية وههنا وههنا ظرفا مكان والمراد بهما جهتا اليمن والشمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الحديث وقال الكرماني لفظ المؤذن بالنصب وفاعله محذوف تقديره الشخص ونحوه وفاه بالنصب بدل من المؤذن قال ليوافق قوله في الحديث فجعلت أتتبع فاه أه وليس ذلك بلازم لما عرف من طريقة المصنف أنه لا يقف مع اللفظ الذي يورده غالبا بل يترجم له ببعض ألفاظه الوارده فيه وكذا وقع ههنا فإن في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند أبي عوانة في صحيحه فجعل يتتبع بفيه يمينا وشمالا وفي رواية وكيع عن سفيان عند الإسماعيلي رأيت بلالا يؤذن يتتبع بفيه ووصف سفيان يميل برأسه يمينا وشمالا والحاصل أن بلالا كان يتبع بفيه الناحيتين وكان أبو جحيفة ينظر إليه فكل منهما متتبع باعتبار قوله وهل يلتفت في ألاذان يشير إلى ما قدمناه في رواية وكيع وفي رواية إسحاق الأزرق عن سفيان عند النسائي فجعل ينحرف يمينا وشمالا وسيأتي في رواية يحيى بن آدم بلفظ والتفت قوله ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعية في أذنيه يشير بذلك إلى ما وقع في رواية عبد الرزاق وغيره عن سفيان كما سنوضحه بعد قوله وكان بن عمر الخ أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طرق نسير وهو بالنون والمهملة مصغر بن ذعلوق بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام عن بن عمر قوله وقال إبراهيم يعني النخعي الخ وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عنه بذلك وزاد ثم يخرج فيتوضأ ثم يرجع فيقيم قوله وقال عطاء الخ وصله عبد الرزاق عن بن جرير قال قال لي عطاء حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا هو من الصلاة هو فاتحة الصلاة ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء أنه كره أن يؤذن الرجل على غير وضوء وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي والبيهقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف قوله وقالت عائشة تقدم الكلام عليه في باب تقضى الحائض المناسك من كتاب الحيض وأن مسلما وصله وفي إيراد البخاري له هنا إشارة إلى اختيار قول النخعي وهو قول مالك والكوفيين لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات وجعل الإصبع في الأذن وبهذا تعرف مناسبة ذكره لهذه الآثار في هذه الترجمة والأختلاف نظر العلماء فيها أوردها بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم

[ 608 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري قوله ههنا ههنا بالأذان كذا أورده مختصرا ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتم حيث قال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يمينا وشمالا يقول حي على الصلاة حي على الفلاح وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين وبوب عليه بن خزيمة انحراف المؤذن عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله قال وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه ثم ساقه من طريق وكيع أيضا بلفظ فجعل يقول في أذانه هكذا ويحرف رآسه يمينا وشمالا وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري في هذا الحديث زيادتان إحداهما الاستدارة والأخرى وضع الإصبع في الأذن ولفظه عند الترمذي رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه ههنا وههنا وإصبعاه في أذنيه فأما قوله ويدور فهو مدرج في رواية سفيان عن عون بين ذلك يحيى بن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال رأيت بلالا أذن فأتبع فاه ههنا وههنا والتفت يمينا وشمالا قال سفيان كان حجاج يعني بن أرطاة يذكر لنا عن عون أنه قال فاستدار في أذانه فلما لقينا عونا لم يذكر فيه الاستدارة أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدئى عن سفيان لكن لم يسم حجاجا وهو مشهور عن حجاج أخرجه بن ماجة وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه ولم ينفرد به بل وافقه إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون لكن الثلاثة ضعفاء وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون فقال في حديثه ولم يستدر أخرجه أبو داود ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى استدارة الرأس ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله ومشى بن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله قال بن دقيق العيد فيه دليل على استدارة المؤذنين للاسماع عند التلفظ بالحيعلتين واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط وقدماه قارتان مستقبل القبلة واختلف أيضا هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانيتين مرة أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى قال ورجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما قال والأول أقرب إلى لفظ الحديث وفي المغني عن أحمد لا يدور إلا إن كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين وأما وضع الإصبعين في الأذنين فقد رواه مؤمل أيضا عن سفيان أخرجه أبو عوانة وله شواهد ذكرتها في تعليق التعليق من أصحها ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال قلت لبلال كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه قال بلال فجعلت إصبعى في أذني فأذنت ولابن ماجة والحاكم من حديث سعد القرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه وفي إسناده ضعف قال العلماء في ذلك فائدتان أحدهما أنه قد يكون أرفع لصوته وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال ثانيهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن ومن ثم قال بعضهم يجعل يده فوق أذنه حسب قال الترمذي استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعه في أذنيه في الأذان قال واستحبه الأوزاعي في الإقامة أيضا تنبيه لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي أنها المسبحة وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة تنبيه آخر وقع في المغني للموفق نسبة حديث أبي جحيفة بلفظ أن بلالا أذن ووضع أصبعيه في أذنيه إلى تخريج البخاري ومسلم وهو وهم وساق أبو نعيم في المستخرج حديث الباب من طريق عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق عن سفيان بلفظ عبد الرزاق من غير بيان فما أجاد لإبهامه أنهما متوافقتان وقد عرفت ما في رواية عبد الرزاق من الإدراج وسلامة رواية عبد الرحمن من ذلك والله المستعان

قوله باب قول الرجل فاتتنا الصلاة أي هل يكره أم لا قوله وكره بن سيرين الخ وصله بن أبي شيبة عن أزهر عن بن عون قال كان محمد يعني بن سيرين يكره فذكره قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم هو بالرفع على الابتداء وأصح خبره وهذا الكلام المصنف رادا على بن سيرين ووجه الرد أن الشارع أطلق لفظ الفوات فدل على الجواز وابن سيرين مع كونه كرهه فإنما كرهه من جهة اللفظ لأنه قال وليقل لم ندرك وهذا محصل معنى الفوات لكن قوله لم ندرك فيه نسبة عدم الإدراك إليه بخلاف فاتتنا فلعل ذلك هو الذي لحظه بن سيرين وقوله أصح معناه صحيح أي بالنسبة إلى قول بن سيرين فإنه غير صحيح لثبوت النص بخلافه وعند أحمد من حديث أبي قتادة في قصة نومهم عن الصلاة فقلت يا رسول الله فاتتنا الصلاةولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وموقع هذه الترجمة وما بعدها من أبواب الأذان والإقامة أن المرء عند إجابة المؤذن يحتمل أن يدرك الصلاة كلها أو بعضها أو لا يدرك شيئا فاحتيج إلى جواز إطلاق الفوات وكيفية الإتيان بالصلاة وكيفية العمل عند فوات البعض ونحو ذلك

[ 609 ] قوله شيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن أبي كثير قوله عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه في رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير التصريح بأخبار عبد الله له به وباخبار أبي قتادة لعبد الله قوله جلبة الرجال وفي رواية كريمة والأصيلي جلبة رجال بغير ألف ولام وهما للعهد الذهنى وقد سمي منهم أبوه بكرة فيما رواه الطبراني من رواية يونس عن الحسن عنه نحوه في نحو هذه القصة و جلبة بجيم ولام وموحدة مفتوحات أي أصواتهم حال حركتهم واستدل به على أن التفات خاطر المصلي إلى الأمر الحادث لا يفسد صلاته وسنذكر الكلام على المتن في الباب الذي بعده

قوله باب لا يسعى إلى الصلاة الخ سقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلي ومن رواية أبي ذر عن غير السرخسي وثبوتها أصوب لقوله فيها وقاله أبو قتادة لأن الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة ولولا ذلك لعاد الضمير إلى المتن السابق فيكون ذكر أبي قتادة تكرارا بلا فائدة لأنه ساقه عنه

[ 610 ] قوله وعن الزهري أي بالإسناد الذي قبله وهو آدم عن بن أبي ذئب عنه أي أن بن أبي ذئب حدث به عن الزهري عن شيخين حدثاه به عن أبي هريرة وقد جمعهما المصنف في باب المشي إلى الجمعة عن آدم فقال فيه عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة وكذلك أخرجه مسلم من طريق إبراهيم بن سعيد عن الزهري عنهما وذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الزهري وجزم بأنه عنده عنهما جميعا قال وكان ربما اقتصر على أحدهما وأما الترمذي فإنه أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وحده قال وقول عبد الرزاق أصح ثم أخرجه من طريق بن عيينة عن الزهري كما قال عبد الرزاق وهذا عمل صحيح لو لم يثبت أن الزهري حدث به عنهما وقد أخرجه المصنف في باب المشي إلى الجمعة من طريق شعيب ومسلم من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة وحده فترجح ما قال الدارقطني قوله إذا سمعتم الإقامة هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة إذا أتيتم الصلاة لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع فغيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينهى عن الإسراع من باب الأولى وقد لحظ فيه بعضهم معنى غير هذا فقال الحكمة في التقيد بالإقامة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إليها وقد انبهر فيقرأ وهو في تلك الحالة فلا يحصل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام فيه حتى يستريح انتهى وقضية هذا أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة وهو مخالف لصريح قوله إذا أتيتم الصلاة لأنه يتناول ما قبل الإقامة وإنما قيد في الحديث الثاني بالإقامه لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع قوله وعليكم بالسكينة كذا في رواية أبي ذر ولغيره وعليكم السكينة بغير باء وكذا في رواية مسلم من طريق يونس وضبطها القرطبي شارحه بالنصب على الإغراء وضبطها النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال واستشكل بعضهم دخول الباء قال لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى عليكم أنفسكم وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث عليكم برخصة الله وحديث فعليه بالصوم فأنه له رجاء وحديث فعليك بالمرأة قاله لأبي طلحة في قصة صفية وحديث عليك بعيبتك قالته عائشة لعمر وحديث عليكم بقيام الليل وحديث عليك بخويصة نفسك وغير ذلك ثم أن الذي علل به هذا المعترض غير موف بمقصوده إذ لا يلزم من كونه يجوز أن يتعدى بنفسه امتناع تعديه بالباء وإذا ثبت ذلك فيدل على أن فيه لغتين والله أعلم فائدة الحكمة في هذا الأمر تستفاد من زيادة وقعت في مسلم من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة أي أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلى اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلى اجتنابه قوله والوقار قال عياض والقرطبى هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد وقال النووي الظاهر أن بينهما فرقا وأن السكينة التأنى في الحركات واجتناب العبث والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات قوله ولا تسرعوا فيه زيادة تأكيد ويستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث أبي قتادة لا تفعلوا أي الاستعجال المفضى إلى عدم الوقار وأما الإسراع الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة فلا وهذا محكى عن إسحاق بن راهويه وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها فهو في صلاة قال النووي نبه بذلك على أنه لو لم يدرك من الصلاة شيئا لكان محصلا لمقصوده لكونه في صلاة وعدم الإسراع أيضا يستلزم كثرة الخطا وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند مسلم أن بكل خطوة درجة ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار مرفوعا إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لم يرفع قدمه اليمني إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له فإن أتى وقد صلوا بعضا وبقي بعض فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك وأن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك قوله فما أدركتم فصلوا قال الكرماني الفاء جواب شرط محذوف أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا قلت أو التقدير إذا فعلتم فما أدركتم أي فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع واستدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بادراك جزء من الصلاة لقوله فما أدركتم فصلوا ولم يفصل بين القليل والكثير وهذا قول الجمهور وقيل لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة للحديث السابق من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك وقياسا على الجمعة وقد قدمنا الجواب عنه في موضعه وأنه ورد في الأوقات وأن في الجمعة حديثا خاصا بها وأستدل به أيضا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجد عليها وفيه حديث أصرح منه أخرجه بن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعا من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتى التي أنا عليها قوله وما فاتكم فأتموا أي أكملوا هذا هو الصحيح في رواية الزهري ورواه عنه بن عيينة بلفظ فاقضوا وحكم مسلم في التمييز عليه بالوهم في هذه اللفظة مع أنه أخرج إسناده في صحيحه لكن لم يسبق لفظه وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة فقال فاقضوا وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ فأتموا واختلف أيضا في حديث أبي قتادة فرواية الجمهور فأتموا ووقع لمعاوية بن هشام عن سفيان فاقضوا كذا ذكره بن أبي شيبة عنه وأخرج مسلم إسناده في صحيحه عن بن أبي شيبة فلم يسق لفظه أيضا وروى أبو داود مثله عن سعيد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة واختلف في حديث أبي ذر قال وكذا قال بن سيرين عن أبي هريرة وليقض قلت ورواية بن سيرين عند مسلم بلفظ صل ما أدركت واقض ماسبقك والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ فأتموا وأقلها بلفظ فاقضوا وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين الاتمام والقضاء مغايرة لكن إذا كان مخرج الحديث واحدا واختلف في لفظة منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى وهنا كذلك لأن القضاء وأن كان يطلق على الفائت غالبا لكنه يطلق على الأداء أيضا ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا ويرد بمعان أخر فيحمل قوله فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله فأتموا فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته حتى استحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة وترك القنوت بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه لأن الآخر لا يكون إلاعن شيء تقدمه وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال فلو كان ما يدركه مع الإمام أخرا له لما أحتاج إلى إعادة التشهد وقول بن بطال إنه ما تشهد الا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور واستدل بن المنذر لذلك أيضا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته الا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين وكأن الحجة فيه قوله ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ماسبقك به من القرآن أخرجه البيهقي وعن أسحق والمزنى لا يقرأ إلا أم القرآن فقط وهو القياس واستدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته لأنه فاته الوقوف والقراءة فيه وهو قول أبي هريرة وجماعة بل حكاه البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره بن خزيمة والضبعى وغيرهما من محدثي الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين والله أعلم وحجة الجمهور حديث أبي بكرة حيث ركع دون الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد ولم يأمره بإعادة تلك الركعة وسيأتي في أثناء صفة الصلاة إن شاء الله تعالى

قوله باب متى بقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة قيل أورد الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قوله في الحديث لا تقوموا نهى عن القيام وقوله حتى تروني تسويغ للقيام عند الرؤية وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة ومن ثم اختلف السلف في ذلك كما سيأتي

[ 611 ] قوله هشام هو الدستوائي وقد رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه هنا عن أبان العطار عن يحيى فلعله له فيه شيخان قوله كتب إلى يحيى ظاهر في أنه لم يسمعه منه وقد رواه الإسماعيلي من طريق هشيم عن هشام وحجاج الصواف كلاهما عن يحيى وهو من تدليس الصيغ وصرح أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن هشام أن يحيى كتب إليه أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه فأمن بذلك تدليس يحيى قوله إذا أقيمت أي إذا ذكرت ألفاظ الإقامة قوله حتى تروني أي خرجت وصرح به عبد الرزاق وغيره عن معمر عن يحيى أخرجه مسلم ولابن حبان من طريق عبد الرزاق وحده حتى تروني خرجت إليكم وفيه مع ذلك حذف تقديره فقاموا وقال مالك في الموطأ لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس فإن منهم الثقيل والخفيف وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة رواه بن المنذر وغيره وكذا رواه سعيد بن منصور من طرق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله وعن سعيد بن المسيب قال إذا قال المؤذن الله أكير وجب القيام وإذا قال حي على الصلاة عدلت الصفوف وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام وعن أبي حنيفة يقومون إذا قال حي على الفلاح فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك قال القرطبي ظاهر الحديث إن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته وهو معارض لحديث جابر بن سمرة أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النىصلىالله عليه وسلم أخرجه مسلم ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول مايراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم قلت ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن بن شهاب أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه في مستخرج أبي نعيم فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا ولفظه عند مسلم أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فأتى فقام مقامه الحديث وعنه في رواية أبي داود أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجيء النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كأن سبب النهى عن ذلك في حديث أبي قتادة وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطىء فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا أو فعله لبيان الجواز

قوله باب لا يقوم إلى الصلاة مستعجلا وليقم إليها بالسكينة والوقار كذا في رواية الحموي وفي رواية المستملى باب لا يسعى إلى الصلاة وسقط من رواية الكشميهني وجمعا في رواية الباقين بلفظ باب لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلا الخ قوله لا يسعى كأنه يشير بذلك إلى رواية بن سيرين في حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى أليها أحدكم وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عند المصنف في باب المشي إلى الجمعة من كتاب الجمعة إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وسيأتي وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله هناك إن شاء الله تعال

[ 612 ] قوله وعليكم بالسكينة كذا في رواية أبي ذر وكريمة وفي رواية الآصيلى وأبي الوقت وعليكم السكينة بحذف الباء وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن شيبان قوله تابعه على بن المبارك أي عن يحيى ومتابعته وصلها المؤلف في كتاب الجمعة ولفظه وعليكم السكينة بغير باء أيضا وقال أبو العباس الطرقي تفرد شيبان وعلى بن المبارك عن يحيى بهذه الزيادة وتعقب بأن معاوية بن سلام تابعهما عن يحيى ذكره أبو داود عقب رواية أبان عن يحيى فقال رواه معاوية بن سلام وعلى بن المبارك عن يحيى وقالا فيه حتى تروني وعليكم السكينة قلت وهذه الرواية المعلقة وصلها الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلام وشيبان جميعا عن يحيى كما قال أبو داود

قوله باب هل يخرج من المسجد لعلة أي لضرورة وكأنه يشير إلى تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق أبي الشعثاء عن أبي هريرة أنه رأى رجلا خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم فإن حديث الباب يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه لا يسمع النداء في المسجد ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق

[ 613 ] قوله خرج وقد أقيمت الصلاة يحتمل أن يكون المعنى خرج في حال الإقامة ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجه وهو ظاهر الرواية التي في الباب الذي بعده لتعقيب الإقامة بالتسوية وتعقيب التسوية بخروجه جميعا بالفاء ويحتمل أن يجمع بين الروايتين بان الجملتين وقعتا حالا أي خرج والحال أن الصلاة أقيمت والصفوف عدلت وقال الكرماني لفظ قد تقرب الماضي من الحال وكأنه خرج في حال الإقامة وفي حال التعديل ويحتمل أن يكونوا إنما شرعوا في ذلك بإذن منه أو قرينة تدل عليه قلت وتقدم احتمال أن يكون ذلك سببا للنهى فلا يلزم منه مخالفتهم له وقد تقدم الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة لا تقوموا حتى تروني قريبا قوله وعدلت الصفوف أي سويت قوله حتى إذا قام في مصلاه زاد مسلم من طريق يونس عن الزهري قبل أن يكبر فانصرف وقد تقدم في باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب من أبواب الغسل من وجه آخر عن يونس بلفظ فلما قام في مصلاه ذكر ففيه دليل على أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة وهو معارض لما رواه أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم ولمالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر على أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه عياض والقرطبى احتمالا وقال النووي إنه الأظهر وجزم بن حبان كعادته فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح ودعوى بن بطال أن الشافعي احتج بحديث عطاء على جواز تكبير المأموم قبل تكبير الإمام قال فناقض أصله فاحتج بالمرسل متعقبة بأن الشافعي لا يرد المراسيل مطلقا بل يحتج منها بما يعتضد والأمر هنا كذلك لحديث أبي بكرة الذي ذكرناه قوله انتظرنا جملة حالية وقوله انصرف أي إلى حجرته وهو جواب إذا وقوله قال استئناف أو حال قوله على مكانكم أي كونوا على مكانكم قوله على هيئتنا بفتح الهاء بعدها ياء تحتانية ساكنة ثم همزة مفتوحة ثم مثناة والمراد بذلك أنهم امتثلوا أمره في قوله على مكانكم فاستمروا على الهيئة أي الكيفية التي تركهم عليها وهي قيامهم في صفوفهم المعتدلة وفي رواية الكشميهني على هيئتنا بكسر الهاء وبعد الياء نون مفتوحة والهينة الرفق ورواية الجماعة أوجه قوله ينطف بكسر الطاء وضمها أي يقطر صرح به في الرواية التي بعد هذه قوله وقد اغتسل زاد الدارقطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال أني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى في كتاب الغسل جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع وفيه طهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأن قوله فصلى ظاهر في أن الإقامة لم تعد والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت وعن مالك إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد وينبغى أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر وفيه أنه لا حياء في أمر الدين وسبيل من غلب أن يأتي بعذر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف وفيه جواز انتظار المأمومين مجيء الإمام قياما عند الضرورة وهو غير القيام المنهي عنه في حديث أبي قتادة وأنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتيمم كما تقدم في الغسل وجواز الكلام بين الإقامة والصلاة وسيأتي في باب مفرد وجواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث فائدة وقع في بعض النسخ هنا قيل لأبي عبد الله أي البخاري إذا وقع هذا لأحدنا يفعل مثل هذا قال نعم قيل فينتظرون الإمام قياما أو قعودا قال إن كان قبل التكبير فلا بأس أن يقعدوا وإن كان بعد التكبير انتظروه قياما ووقع في بعضها في آخر الباب الذي بعده

قوله باب إذا قال الإمام مكانكم هذا اللفظ في رواية يونس عن الزهري كما مضى في الغسل بلفظ فقال لنا مكانكم بحذف حرف الجر قوله حتى نرجع بالنون للكشميهنى وبالهمزة للاصيلى وبالتحتانية للباقين

[ 614 ] قوله حدثنا إسحاق كذا في جميع الروايات غير منسوب وجوز بن طاهر والجيانى أنه إسحاق بن منصور وبه جزم المزي وكنت أجوز أنه بن راهويه لثبوته في مسنده عن الفريابي إلى أن رأيت في سياقه له مغايرة ومحمد بن يوسف هو الفريابي وقد أكثر البخاري عنه بغير واسطة قوله عن الزهري عن أبي سلمة صرح بالتحدث في الموضعين إسحاق بن راهويه في روايته له عن الفريابي ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج قوله فتقدم وهو جنب أي في نفس الأمر لا أنهم اطلعوا على ذلك منه قبل أن يعلمهم وقد تقدم في الغسل في رواية يونس فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب وفي رواية أبي نعيم ذكر أنه لم يغتسل ومضت فوائده في الباب الذي قبله

قوله باب قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما صلينا قال بن بطال فيه رد لقول إبراهيم النخعي يكره أن يقول الرجل لم نصل ويقول نصلي قلت وكراهة النخعي إنما هي في حق منتظر الصلاة وقد صرح بن بطال بذلك ومنتظر الصلاة في صلاة كما ثبت بالنص فاطلاق المنتظر ما صلينا يقتضى نفى ما أثبته الشارع فلذلك كرهه والإطلاق الذي في حديث الباب إنما كان من ناس لها أو مشتغل عنها بالحرب كما تقدم تقريره في باب من صلى بالناس جماعة بعد خروج الوقت في أبواب المواقيت فافترق حكمهما وتغايرا والذي يظهر لي أن البخاري أراد أن ينبه على أن الكراهة المحكية عن النخعي ليست على إطلاقها لما دل عليه حديث الباب ولو أراد الرد على النخعي مطلقا لأفصح به كما أفصح بالرد على بن سيرين في ترجمة فاتتنا الصلاة ثم إن اللفظ الذي أورده المؤلف وقع النفي فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا من قول الرجل لكن في بعض طرقه وقوع ذلك من الرجل أيضا وهو عمر كما أورده في المغازي وهذه عادة معروفة للمؤلف يترجم ببعض ما وقع في طرق الحديث الذي يسوقه ولو لم يقع في الطريق التي يوردها في تلك الترجمة ويدخل في هذا ما في الطبراني من حديث جندب في قصة النوم عن الصلاة فقالوا يا رسول الله سهونا فلم نصل حتى طلعت الشمس وبقية فوائد الحديث تقدمت في المواقيت

[ 615 ] قوله ما كدت أن أصلى حتى كادت الشمس تغرب وذلك بعد ما أفطر الصائم قال الكرماني مستشكلا كيف يكون المجيء بعد الغروب لأن الصائم إنما يفطر حينئذ مع تصريحه بأنه جاء في اليوم ثم أجاب بأن المراد بقوله يوم الخندق زمان الخندق والمراد به بيان التاريخ لا خصوص الوقت أه والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله وذلك بعد ما أفطر الصائم إشارة إلى الوقت الذي خاطب به عمر النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر العصر فإنه كان قرب الغروب كما تدل عليه كاد وأما إطلاق اليوم وإرادة زمان الوقعة لا خصوص النهار فهو كثير

قوله باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة أي هل يباح له التشاغل بها قبل الدخول في الصلاة أو لا وتعرض بكسر الراء أي تظهر

[ 616 ] قوله عن أنس في رواية لمسلم سمع أنسا والإسناد كله بصريون قوله أقيمت الصلاة أي صلاة العشاء بينه حماد عن ثابت عن أنس عند مسلم قوله يناجي رجلا أي يحادثه ولم أقف على اسم هذا الرجل وذكر بعض الشراح أنه كان كبيرا في قومه فأراد أن يتألفه على الإسلام ولم أقف على مستند ذلك قيل ويحتمل أن يكون ملكا من الملائكة جاء بوحى من الله عز وجل ولا يخفى بعد هذا الاحتمال قوله حتى نام بعض القوم زاد شعبة عن عبد العزيز ثم قام فصلى أخرجه مسلم وهو عند المصنف في الاستئذان ووقع عند إسحاق بن راهويه في مسنده عن بن علية عن عبد العزيز في هذا الحديث حتى نعس بعض القوم وكذا هو عند بن حبان من وجه آخر عن أنس وهو يدل على أن النوم المذكور لم يكن مستغرقا وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في باب الوضوء من النوم من كتاب الطهارة وفي الحديث جواز مناجاة الواحد غيره بحضور الجماعة وترجم عليه المؤلف في الاستئذان طول النجوى وفيه جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة أما إذا كان لغير حاجة فهو مكروه واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذ قال قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير قال الزين بن المنير خص المصنف الإمام بالذكر مع أن الحكم عام لأن لفظ الخبر يشعر بأن المناجاة كانت لحاجة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا ولو كان لحاجة الرجل لقال أنس ورجل يناجي النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وهذا ليس بلازم وفيه غفلة منه عما في صحيح مسلم بلفظ أقيمت الصلاة فقال رجل لي حاجة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه والذي يظهر لي أن هذا الحكم إنما يتعلق بالإمام لأن المأموم إذا عرضت له الحاجة لا يتقيد به غيره من المأمومين بخلاف الإمام ولما أن كانت مسألة الكلام بين الإحرام والإقامة تشمل المأموم والإمام أطلق المؤلف الترجمة ولم يقيدها بالامام فقال

قوله باب الكلام إذا أقيمت الصلاة وأشار بذلك إلى الرد على من كرهه مطلقا قوله حدثنا عياش بن الوليد هو الرقام وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى السامي بالمهملة والإسناد كله بصريون أيضا وقول حميد سألت ثابتا يشعر بأن الاختلاف في حكم المسألة كان قديما ثم إنه ظاهر في كونه أخذه عن أنس بواسطة وقد قال البزار إن عبد الأعلى بن عبد الأعلى تفرد عن حميد بذلك ورواه عامة أصحاب حميد عنه عن أنس بغير واسطة قلت كذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وجماعة عن حميد وكذلك أخرجه بن حبان من طريق هشيم عن حميد لكن لم أقف في شيء من طرقه على تصريح بسماعه له من أنس وهو مدلس فالظاهر أن رواية عبد الأعلى هي المتصلة

[ 617 ] قوله فحبسه أي منعه من الدخول في الصلاة وزاد هشيم في روايته حتى نعس بعض القوم ويدخل في هذا الباب ما سيأتي في الإمامة من طريق زائدة عن حميد قال حدثنا أنس قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه زاد بن حبان قبل أن يكبر فقال أقيموا صفوفكم وتراصوا لكن لما كان هذا يتعلق بمصلحة الصلاة كان الاستدلال بالأول أظهر في جواز الكلام مطلقا والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب الأذان وما معه من الأحاديث المرفوعه على سبعة وأربعين حديثا المعلق منها ستة أحاديث المكرر فيه وفيما مضى ثلاثة وعشرون والخالص أربعة وعشرون ووافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة أحاديث حديث أبي سعيد لا يسمع مدى صوت المؤذن وحديث معاوية وجابر في القول عند سماع الأذان وحديث بلال في جعل أصبعيه في أذنيه وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ثمانية آثار والله أعلم أبواب صلاة الجماعة والإمامة ولم يفرده البخاري بكتاب فيما رأينا من نسخ كتابه بل أتبع به كتاب الأذان لتعلقه به لكن ترجم عليه أبو نعيم في المستخرج كتاب صلاة الجماعة فلعلها رواية شيخه أبي أحمد الجرجاني