كتاب الجماعة والإمامة
 قوله باب وجوب صلاة الجماعة هكذا بت الحكم في هذه المسألة وكأن ذلك لقوة دليلها عنده لكن أطلق الوجوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية إلا أن الأثر الذي ذكره عن الحسن يشعر بكونه يريد أنه وجوب عين لما عرف من عادته أنه يستعمل الآثار في التراجم لتوضيحها وتكميلها وتعين أحد الاحتمالات في حديث الباب وبهذا يجاب من اعتراض عليه بأن قول الحسن يستدل له لا به ولم ينبه أحد من الشراح على من وصل أثر الحسن وقد وجدته بمعناه وأتم منه وأصرح في كتاب الصيام للحسين بن الحسن المروزي بإسناد صحيح عن الحسن في رجل يصوم يعني تطوعا فتأمره أمه أن يفطر قال فليفطر ولا قضاء عليه وله أجر الصوم وأجر البر قيل فتنهاه أن يصلي العشاء في جماعة قال ليس ذلك لها هذه فريضة وأما حديث الباب فظاهر في كونها فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه ويحتمل أن يقال التهديد بالتحريق المذكور يمكن أن يقع في حق تاركى فرض الكفاية كمشروعية قتال تاركى فرض الكفاية وفيه نظرا لأن التحريق الذي قد يفضى إلى القتل أخص من المقاتلة ولان المقاتلة إنما تشرع فيما إذا تمالأ الجميع على الترك وإلى القول بأنها فرض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا في صحة الصلاة وأشار بن دقيق العيد إلى أنه مبنى على أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها فلما كان الهم المذكور دالا على لازمه وهو الحضور ووجوب الحضور دليلا على لازمه وهو الاشتراط ثبت الاشتراط بهذه الوسيلة إلا أنه لا يتم إلا بتسليم أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها وقد قيل إنه الغالب ولما كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية قال أحمد أنها واجبة غير شرط انتهى وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال به كثير من الحنفية والمالكية والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة وقد أجابوا عن ظاهر حديث الباب بأجوبة منها ما تقدم ومنها وهو ثانيها ونقله إمام الحرمين عن بن خزيمة والذي نقله عنه النووي الوجوب حسبما قال بن بزيزة إن بعضهم استنبط من نفس الحديث عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه وتعقب بان الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه قلت وليس فيه أيضا دليل على أنه لو فعل ذلك لم يتداركها في جماعة آخرين ومنها وهو ثالثها ما قال بن بطال وغيره لوكانت فرضا لقال حين توعد بالإحراق من تخلف عن الجماعة لم تجزئه صلاته لأنه وقت البيان وتعقبه بن دقيق العيد بأن البيان قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلاله فلما قال صلى الله عليه وسلم لقد هممت الخ دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان ومنها وهو رابعها ما قال الباجي وغيره إن الخبر ورد مورد الزجر وحقيقته غير مراده وإنما المراد المبالغة ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار وقد أنعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار وكان قبل ذلك جائزا بدليل حديث أبي هريرة الآتي في الجهاد الدال على جواز التحريق بالنار ثم على نسخه فحمل التهديد على حقيقته غير ممتنع ومنها وهو خامسها كونه صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد فلو كان واجبا ما عفا عنهم قال القاضي عياض ومن تبعه ليس في الحديث حجة لأنه عليه السلام هم ولم يفعل زاد النووي ولو كانت فرض عين لما تركهم وتعقبه بن دقيق العيد فقال هذا ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم لايهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه على أنه قد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون الحديث ومنها وهو سادسها أن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة وهو متعقب بأن في رواية مسلم لا يشهدون الصلاة أي لا يحضرون وفي رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد لا يشهدون العشاء في الجميع أي في الجماعة وفي حديث أسامة بن زيد عند بن ماجة مرفوعا لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم ومنها وهو سابعها أن الحديث ورد في الحث على مخالفة فعل أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا لخصوص ترك الجماعة فلا يتم الدليل أشار إليه الزين بن المنير وهو قريب من الوجه الرابع ومنها وهو ثامنها أن الحديث ورد في حق المنافقين فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم وبأنه كان معرضا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم وقد قال لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وتعقب بن دقيق العيد هذا التعقب بأنه لا يتم إلا إذا ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه ولا دليل على ذلك فإذا ثبت أنه كان مخيرا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم انتهى والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الحديث الآتي بعد أربعة أبواب ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر الحديث ولقوله لو يعلم أحدهم الخ لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق الكفر بدليل قوله في رواية عجلان لا يشهدون العشاء في الجميع وقوله في حديث أسامة لا يشهدون الجماعة وأصرح من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي دارد ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء نبه عليه القرطبي وأيضا فقوله في رواية المقبري لولا ما في البيوت من النساء والذرية يدل على أنهم لم يكونوا كفارا لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقا إلى الغلبة عليه لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في بيته وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر فلا يدل على عدم الوجوب لأنه يتضمن أن ترك الجماعة من صفات المنافقين وقد نهينا عن التشبه بهم وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها قال الطيبي خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين ويدل عليه قول بن مسعود لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة الا منافق رواه مسلم انتهى كلامه وروى بن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عمير بن أنس حدثني عمومتي من الأنصار قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشهدهما منافق يعني العشاء والفجر ولا يقال فهذا يدل على ما ذهب إليه صاحب هذا الوجه لانتفاء أن يكون المؤمن قد يتخلف وإنما ورد الوعيد في حق من تخلف لأني أقول بل هذا يقوي ما ظهر لي أولا أن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر فعلى هذا الذي خرج هو المؤمن الكامل لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه مجازا لما دل عليه مجموع الأحاديث ومنها وهو تاسعها ما ادعاه بعضهم أن فرضية الجماعة كانت في أول الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ حكاه عياض ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار كما سيأتي واضحا في كتاب الجهاد وكذا ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال ويدل على النسخ الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي بيانه في الباب الذي بعد هذا لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز ومنها وهو عاشرها أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات ونصره القرطبي وتعقب بالأحاديث المصرحة بالعشاء وفيه يحث لأن الأحاديث اختلفت في تعين الصلاة التي وقع التهديد بسببها هل هي الجمعة أو العشاء والفجر معا فإن لم تكن أحاديث مختلفة ولم يكن بعضها أرجح من بعض وإلا وقف الاستدلال لأنه لا يتم إلا إن تعين كونها غير الجمعة أشار إليه بن دقيق العيد ثم قال فليتأمل الأحاديث الواردة في ذلك انتهى وقد تأملتها فرأيت التعيين ورد في حديث أبي هريرة وابن أم مكتوم وابن مسعود أما حديث أبي هريرة فحديث الباب من رواية الأعرج عنه يومى إلى أنها العشاء لقوله في آخره لشهد العشاء وفي رواية مسلم يعني العشاء ولهما من رواية أبي صالح عنه أيضا الإيماء إلى أنها العشاء والفجر وعينها السراج في رواية له من هذا الوجه العشاء حيث قال في صدر الحديث أخر العشاء ليلة فخرج فوجد الناس قليلا فغضب فذكر الحديث وفي رواية بن حبان من هذا الوجه يعني الصلاتين العشاء والغداة وفي رواية عجلان والمقبري عند أحمد التصريح يتعين العشاء ثم سائر الروايات عن أبي هريرة على الإبهام وقد أورده مسلم من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عنه فلم يسق لفظه وساقه الترمذي وغيره من هذا الوجه بإبهام الصلاة وكذلك رواه السراج وغيره من طرق عن جعفر وخالفهم معمر عن جعفر فقال الجمعة أخرجه عبد الرزاق عنه والبيهقي من طريقه وأشار إلى ضعفها لشذوذها ويدل على وهمه فيها رواية أبي داود والطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن يزيد بن جابر عن يزيد بن الأصم فذكر الحديث قال يزيد قلت ليزيد بن الأصم يا أبا عوف الجمعة عنى أو غيرها قال صمت أذناي أن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعه ولا غيرها فظهر أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها لا تختص بالجمعه وأما حديث بن أم مكتوم فسأذكره قريبا وأنه موافق لأبي هريرة وأما حديث بن مسعود فأخرجه مسلم وفيه الجزم بالجمعة وهو حديث مستقل لأن مخرجه مغاير لحديث أبي هريرة ولا يقدح أحدهما في الآخر فيحمل على أنهما واقعتان كما أشار إليه النووي والمحب الطبري وقد وافق بن أم مكتوم أبا هريرة على ذكر العشاء وذلك فيما أخرجه بن خزيمة وأحمد والحاكم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد عن بن أم مكتوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال لقد هممت أني آتي هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم فقام بن أم مكتوم فقال يا رسول الله قد علمت ما بي وليس لي قائد زاد أحمد وأن بيني وبين المسجد شجرا ونخلا ولا أقدر على قائد كل ساعة قال أتسمع الإقامة قال نعم قال فاحضرها ولم يرخص له ولابن حبان من حديث جابر قال أتسمع الأذان قال نعم قال فأتها ولو حبوا وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشى وحده ككثير من العميان واعتمد بن خزيمة وغيره حديث بن مكتوم هذا على فرضية الجماعة في الصلوات كلها ورجحوه بحديث الباب وبالاحاديث الدالة على الرخصة في التخلف عن الجماعة قالوا لأن الرخصة لا تكون إلا عن واجب وفيه نظر ووراء ذلك أمر آخر ألزم له بن دقيق العيد من يتمسك بالظاهر ولا يتقيد بالمعنى وهو أن الحديث ورد في صلاة معينة فيدل على وجوب الجماعة فيها دون غيرها وأشار للإنفصال عنه بالتمسك بدلالة العموم لكن نوزع في كون القول بما ذكر أولا ظاهرية محضة قال العلامة بن باز حفظه الله ليس هذا بجيد والصواب ما قاله بن خزيمة وغيره من الموجبين للجماعة في جميع الصلوات وإنما يستقيم حمل المطلق على المقيد إذا لم يوجد دليل على التعميم وفي هذه المسألة قد قام الدليل على التعميم كحديث من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر وغيره من الأحاديث التي أشار إليها الشارح في هذا الباب وذكر العشاء والفجر في بعض الروايات لا يقتضي التخصيص لاحتمال كون المتوعدين لم يتخلفوا إلا عنهما كما قد بين ذلك في كثير من الروايات ولأن الحكمة في شرعية الجماعة تقتضي التعيم والله أعلم فإن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضيه ولا يستلزم ذلك ترك أتباع المعنى لأن غير العشاء والفجر مظنة الشغل بالتكسب وغيره أما العصران فظاهر وأما المغرب فلأنها في الغالب وقت الرجوع إلى البيت والأكل ولا سيما للصائم مع ضيق وقتها بخلاف العشاء والفجر فليس للمتخلف عنهما عذر غير الكسل المذموم وفي المحافظة عليهما في الجماعة أيضا انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النهار وليختموا النهار بالاجتماع على الطاعة ويفتتحوه كذلك وقد وقع في رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد تخصيص التهديد بمن حول المسجد وسيأتي توجيه كون العشاء والفجر أثقل على المنافقين من غيرهما وقد أطلت في هذا الموضع لارتباط بعض الكلام ببعض واجتمع من الأجوبة لمن لم يقل بالوجوب عشرة أجوبة لا توجد مجموعة في غير هذا الشرح

[ 618 ] قوله عن الأعرج في رواية السراج من طريق شعيب عن أبي الزناد سمع الأعرج قوله والذي نفسي بيده هو قسم كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقسم به والمعنى أن أمر نفوس العباد بيد الله أي بتقديره وتدبيره قال العلامة بن باز حفظه الله وذلك لأنه سبحانه مالكها والمتصرف فيها وفي ذلك من الفوائد مع ما ذكر إثبات اليد لله سبحانه على الوجه الذي يليق به كالقول في سائر الصفات وهو سبحانه منزه عن مشابهة المخلوقات في كل شيء موصوف بصفات الكمال اللائق به فتنبه وفيه جواز القسم على الأمر الذي لا شك فيه تنبيها على عظم شأنه وفيه الرد من كره أن يحلف بالله مطلقا قوله لقد هممت اللام جواب القسم والهم العزم وقيل دونه وزاد مسلم في أوله أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال لقد هممت فأفاد ذكر سبب الحديث قوله بحطب ليحطب كذا للحموى والمستملي بلام التعليل وللكشميهني والباقين فيحطب بالفاء وكذا هو في الموطأ ومعنى يحطب يكسر ليسهل اشتعال النار به ويحتمل أن يكون أطلق عليه ذلك قبل أن يتصف به تجوزا بمعنى أنه سيتصف به قوله ثم أخالف إلى رجال أي آتيهم من خلفهم وقال الجوهري خالف إلى فلان أي أتاه إذا غاب عنه أو المعنى أخالف الفعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة وأتركه وأسير إليهم أو أخالف ظنهم في أني مشغول بالصلاة عن قصدى إليهم أو معنى أخالف أتخلف أي عن الصلاة إلى قصدى المذكورين والتقييد بالرجال يخرج النساء والصبيان قوله فأحرق بالتشديد والمراد به التكثير يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه قوله عليهم يشعر بان العقوبة ليست قاصرة على المال بل المراد تحريق المقصودين والبيوت تبعا للقاطنين بها وفي رواية مسلم من طريق أبي صالح فأحرق بيوتا على من فيها قوله والذي نفسي بيده فيه إعادة اليمين للمبالغة في التأكيد قوله عرقا بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف قال الخليل العراق العظم بلا لحم وأن كان عليه لحم فهو عرق وفي المحكم عن الأصمعي العرق بسكون الراء قطعة لحم وقال الأزهري العرق واحد العراق وهي العظام التي يؤخذ منها هبر اللحم ويبقى عليها لحم رقيق فيكسر ويطبخ ويؤكل ما على العظام من لحم دقيق ويتشمس العظام يقال عرقت اللحم واعترقته وتعرقته إذا أخذت اللحم منه نهشا وفي المحكم جمع العرق على عراق بالضم عزيز وقول الأصمعي هو اللائق هنا قوله أو مرماتين تثنية مرماة بكسر الميم وحكى الفتح قال الخليل هي ما بين ظلفى الشاة وحكاه أبو عبيد وقال لا أدرى ما وجهه ونقله المستملى في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري قال قال يونس عن محمد بن سليمان عن البخاري المرماة بكسر الميم مثل مسناة وميضاة ما بين ظلفى الشاة من اللحم قال عياض فالميم على هذا أصلية وقال الأخفش المرماة لعبة كانوا يلعبونها بنصال محدودة يرمونها في كوم من تراب فأيهم أثبتها في الكوم غلب وهي المرماة والمدحاة قلت ويبعد أن تكون هذه مراد الحديث لأجل التثنية وحكى الحربي عن الأصمعي أن المرماة سهم الهدف قال ويؤيده ما حدثني ثم ساق من طريق أبي رافع عن أبي هريرة نحو الحديث بلفظ لو أن أحدهم إذا شهد الصلاة معي كان له عظم من شاة سمينة أو سهمان لفعل وقيل المرماة سهم يتعلم عليه الرمي وهو سهم دقيق مستو غير محدد قال الزين بن المنير ويدل على ذلك التثنية فإنها مشعرة بتكرار الرمي بخلاف السهام المحددة الحربية فإنها لا يتكرر رميها وقال الزمخشري تفسير المرماة بالسهم ليس بوجيه ويدفعه ذكر العرق معه ووجهه بن الأثير بأنه لما ذكر العظم السمين وكان مما يؤكل أتبعه بالسهمين لأنهما مما يلهى به انتهى وإنما وصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفسانى على تحصيلهما وفيه الإشارة إلى ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة وفي الحديث من الفوائد أيضا تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة وسره أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزجر أكتفى به عن الأعلى من العقوبة نبه عليه بن دقيق العيد وفيه جواز العقوبة بالمال كذا استدل به كثير من القائلين بذلك من المالكية وغيرهم وفيه نظر لما أسلفناه ولاحتمال أن التحريق من باب ما لا يتم الواجب إلا به إذ الظاهر أن الباعث على ذلك أنهم كانوا يختفون في بيوتهم فلا يتوصل إلى عقوبتهم إلا بتحريقها عليهم وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرة لأنه صلى الله عليه وسلم هم بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة فأراد أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد وفي السياق إشعار بأنه تقدم منه زجرهم عن التخلف بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل وترجم عليه البخاري في كتاب الأشخاص وفي كتاب الأحكام باب إخراج أهل المعاصي والريب من البيوت بعد المعرفة يريد أن من طلب منهم بحق فاختفى أو أمتنع في بيته لددا ومطلا أخرج منه بكل طريق يتوصل إليه بها كما أراد صلى الله عليه وسلم إخراج المتخلفين عن الصلاة بالقاء النار عليهم في بيوتهم واستدل به بن العربي وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاونا بها ونوزع في ذلك ورواية أبي داود التي فيها أنهم كانوا يصلون في بيوتهم كما قدمناه تعكر عليه نعم يمكن الاستدلال منه بوجه آخر وهو أنهم إذا استحقوا التحريق بترك صفة من صفات الصلاة خارجة عنها سواء قلنا واجبة أو مندوبة كان من تركها أصلا رأسا أحق بذلك لكن لا يلزم من التهديد بالتحريق حصول القتل لا دائما ولا غالبا لأنه يمكن الفرار منه أو الاخماد له بعد حصول المقصود منه من الزجر والارهاب وفي قوله في رواية أبي داود ليست بهم علة دلالة على أن الأعذار تبيح التخلف عن الجماعة ولو قلنا إنها فرض وكذا الجمعة وفيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفى في بيته ويتركها ولا بعد في أن تلحق بذلك الجمعة فقد ذكروا من الاعذار في التخلف عنها خوف فوات الغريم وأصحاب الجرائم في حق الإمام كالغرماء واستدل به على جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كان في ذلك مصلحة قال بن بزيزة وفيه نظر لأن الفاضل في هذه الصورة يكون غائبا وهذا لا يختلف في جوازه واستدل به بن العربي على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك وتعقب بأنه منسوخ قال العلامة بن باز حفظه الله جزم الشارح بالنسخ ليس بجيد والصواب عدم النسخ لأدلة كثيرة معروفة في محلها منها حديث الباب وإنما المنسوخ التعذيب بالنار فقط والله أعلم كما قيل في العقوبة بالمال والله أعلم

قوله باب فضل صلاة الجماعة أشار الزين بن المنير إلى أن ظاهر هذه الترجمة ينافي الترجمة التي قبلها ثم أطال في الجواب عن ذلك ويكفى منه أن كون الشيء واجبا لا ينافي كونه ذا فضيلة ولكن الفضائل تتفاوت فالمراد منها بيان زيادة ثواب الجماعة على صلاة الفذ قوله وكان الأسود أي بن يزيد النخعي أحد كبار التابعين وأثره هذا وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه ومناسبته للترجمة أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عنده لما ترك فضيلة أول الوقت والمبادرة إلى خلاص الذمة وتوجه إلى مسجد آخر كذا أشار إليه بن المنير والذي يظهر لي أن البخاري قصد الإشارة بأثر الأسود وأنس إلى أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته مثلا كما سيأتي البحث فيه في الكلام على حديث أبي هريرة لأن التجميع لو لم يكن مختصا بالمسجد لجمع الأسود في مكانه ولم ينتقل إلى مسجد آخر لطلب الجماعة ولما جاء أنس إلى مسجد بني رفاعة كما سنبينه قوله وجاء أنس وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال مر بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة فذكر نحوه قال وذلك في صلاة الصبح وفيه فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه وأخرجه بن أبي شيبة من طرق عن الجعد وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العمي عن الجعد نحوه وقال مسجد بني رفاعة وقال فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه وهو يؤيد ما قلناه من إرادة التجميع في المسجد

[ 619 ] قوله صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بالمعجمة أي المنفرد يقال فذ الرجل من أصحابه إذا بقي منفردا وحده وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع وسياقة أوضح ولفظه صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده قوله بسبع وعشرين درجة قال الترمذي عامة من رواه قالوا خمسا وعشرين إلا بن عمر فإنه قال سبعا وعشرين قلت لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد الله العمري عن نافع فقال فيه خمس وعشرون لكن العمري ضعيف ووقع عند أبي عوانة في مستخرجه من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع فإنه قال فيه بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة وأما ما وقع عند مسلم من رواية الضحاك بن عثمان عن نافع بلفظ بضع وعشرين فليست مغايرة لرواية الحفاظ لصدق البضع على السبع وأما غير بن عمر فصح عن أبي سعيد وأبي هريرة كما في هذا الباب وعن بن مسعود عند أحمد وابن خزيمة وعن أبي بن كعب عند بن ماجة والحاكم وعن عائشة وأنس عند السراج وورد أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت وكلها عند الطبراني واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية أبي فقال أربع أو خمس على الشك وسوى رواية لأبي هريرة عند أحمد قال فيها سبع وعشرون وفي إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف وفي رواية لأبي عوانة بضعا وعشرين وليست مغايرة أيضا لصدق البضع على الخمس فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذ لا أثر للشك واختلف في أيهما أرجح فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ ووقع الاختلاف في موضع آخر من الحديث وهو مميز العدد المذكور ففي الروايات كلها التعبير بقوله درجة أو حذف المميز إلا طرق حديث أبي هريرة ففي بعضها ضعفا وفي بعضها جزءا وفي بعضها درجة وفي بعضها صلاة ووقع هذا الأخير في بعض طرق حديث أنس والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في العبارة وأما قول بن الأثير إنما قال درجة ولم يقل جزءا ولا نصيبا ولا حظا ولا نحو ذلك لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع فإن تلك فوق هذه بكذا وكذا درجة لأن الدرجات إلى جهة فوق فكأنه بناه على أن الأصل لفظ درجة وما عدا ذلك من تصرف الرواة لكن نفيه ورود الجزء مردود فإنه ثابت وكذلك الضعف وقد جمع بين روايتى الخمس والسبع بوجوه منها أن ذكر القليل لا ينفى الكثير وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد لكن قد قال به جماعة من أصحاب الشافعي وحكى عن نصه وعلى هذا فقيل وهو الوجه الثاني لعله صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع وتعقب بأنه يحتاج إلى التاريخ وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه لكن إذا فرعنا على المنع تعين تقدم الخمس على السبع من جهة أن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص ثالثها أن اختلاف العددين باختلاف مميزهما وعلى هذا فقيل الدرجة أصغر من الجزء وتعقب بان الذي روى عنه الجزء روى عنه الدرجة وقال بعضهم الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة وهو مبنى على التغاير رابعها الفرق بقرب المسجد وبعده خامسها الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع سادسها الفرق بايقاعها في المسجد أو في غيره سابعها الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره ثامنها الفرق بادراك كلها أو بعضها تاسعها الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم عاشرها مختصة بالفجر والعشاء وقيل بالفجر والعصر والخمس بما عدا ذلك حادى عشرها السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية وهذا الوجه عندي أوجهها لما سأبينه ثم إن الحكمة في هذا العدد الخاص غير محققة المعنى ونقل الطيبي عن التوربشتى ما حاصله إن ذلك لا يدرك بالرأي بل مرجعه إلى علم النبوة التي قصرت علوم الألباء عن إدراك حقيقتها كلها ثم قال ولعل الفائدة هي اجتماع المسلمين مصطفين كصفوف الملائكة والاقتداء بالإمام وإظهار شعائر الإسلام وغير ذلك وكأنه يشير إلى ما قدمته عن غيره وغفل عن مراد من زعم أن هذا الذي ذكره لا يفيد المطلوب لكن أشار الكرماني إلى احتمال أن أصله كون المكتوبات خمسا فأريد المبالغة في تكثيرها فضربت في مثلها فصارت خمسا وعشرين ثم ذكر للسبع مناسبة أيضا من جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها وقال غيره الحسنة بعشر للمصلى منفردا فإذا انضم إليه آخر بلغت عشرين ثم زيد بقدر عدد الصلوات الخمس أو يزاد عدد أيام الأسبوع ولا يخفى فساد هذا وقيل الاعداد عشرات ومئين وألوف وخير الأمور الوسط فاعتبرت المائة والعدد المذكور ربعها وهذا أشد فسادا من الذي قبله وقرأت بخط شيخنا البلقيني فيما كتب على العمدة ظهر لي في هذين العددين شيء لم أسبق إليه لأن لفظ بن عمر صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ ومعناه الصلاة في الجماعة كما وقع في حديث أبي هريرة صلاة الرجل في الجماعة وعلى هذا فكل واحد من المحكوم له بذلك صلى في جماعة وأدنى الاعداد التي يتحقق فيها ذلك ثلاثة حتى يكون كل واحد صلى في جماعة وكل واحد منهم أتى بحسنة وهي بعشرة فيحصل من مجموعه ثلاثون فاقتصر في الحديث على الفضل الزائد وهو سبعة وعشرون دون الثلاثة التي هي أصل ذلك انتهى وظهر لي في الجمع بين العددين أن أقل الجماعة إمام ومأموم فلولا الإمام ما سمي المأموم مأموم وكذا عكسه فإذا تفضل الله على من صلى جماعة بزيادة خمس وعشرين درجة حمل الخبر الوارد بلفظها علىالفضل الزائد والخبر الوارد بلفظ سبع وعشرين على الأصلى والفضل وقد خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة قال بن الجوزي وما جاءوا بطائل وقال المحب الطبري ذكر بعضهم أن في حديث أبي هريرة يعني ثالث أحاديث الباب إشارة إلى بعض ذلك ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك وقد فصلها بن بطال وتبعه جماعة من الشارحين وتعقب الزين بن المنير بعض ما ذكره واختار تفصيلا آخر أورده وقد نقحت ما وقفت عليه من ذلك وحذفت ما لا يختص بصلاة الجماعة فأولها إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة والتكبير إليها في أول الوقت والمشى إلى المسجد بالسكينة ودخول المسجد داعيا وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة سادسها انتظار الجماعة سابعها صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له ثامنها شهادتهم له تاسعها إجابة الإقامة عاشرها السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة حادى عاشرها الوقوف منتظرا إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة وجده عليها ثاني عشرها إدراك تكبيرة الإحرام كذلك ثالث عشرها تسوية الصفوف وسد فرجها رابع عشرها جواب الإمام عند قوله سمع الله لمن حمده خامس عشرها الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه سادس عشرها حصول الخشوع والسلامة عما يلهى غالبا سابع عشرها تحسين الهيئة غالبا ثامن عشرها احتفاف الملائكة به تاسع عشرها التدرب على تجويد القراءة وتعلم الأركان والأبعاض العشرون إظهار شعائر الإسلام الحادي والعشرون إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون علىالطاعة ونشاط المتكاسل الثاني والعشرون السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن بأنه ترك الصلاة رأسا الثالث والعشرون رد السلام على الإمام الرابع والعشرون الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص الخامس والعشرون قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب يخصه وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما الانصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة وبهذا يترجح أن السبع تختص بالجهرية والله أعلم تنبيهات الأول مقتضى الخصال التي ذكرتها اختصاص التضعيف بالتجمع في المسجد وهو الراجح في نظرى كما سيأتي البحث فيه وعلى تقدير أن لا يختص بالمسجد فإنما يسقط مما ذكرته ثلاثة أشياء وهي المشي والدخول والتحية فيمكن أن تعوض من بعض ما ذكر مما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة كالاخيرتين لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص وكذا فائدة قيام نظام الألفة غير فائدة حصول التعاهد وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها فهذه ثلاثة يمكن أن يعوض بها الثلاثة المذكورة فيحصل المطلوب الثاني لا يرد على الخصال التي ذكرتها كون بعض الخصال يختص ببعض من صلى جماعة دون بعض كالتبكير في أول الوقت وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع كما سبق والله أعلم الثالث معنى الدرجة أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع وقد أشار بن دقيق العيد إلى أن بعضهم زعم خلاف ذلك قال والأول أظهر لأنه قد ورد مبينا في بعض الروايات انتهى وكأنه يشير إلى ما عند مسلم في بعض طرقه بلفظ صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ وفي أخرى صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده ولأحمد من حديث بن مسعود بإسناد رجاله ثقات نحوه وقال في آخره كلها مثل صلاته وهو مقتضى لفظ رواية أبي هريرة الآتية حيث قال تضعف لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى ما زاد ليس بمقصور على المثلين تقول هذا ضعف الشيء أي مثله أو مثلاه فصاعدا لكن لا يزاد على العشرة وظاهر قوله تضعف وكذا قوله في روايتى بن عمر وأبي سعيد تفضل أي تزيد وقوله في رواية أبي هريرة السابقة في باب مساجد السوق يريد أن صلاة الجماعة تساوى صلاة المنفرد وتزيد عليها العدد المذكور فيكون لمصلى الجماعة ثواب ست أو ثمان وعشرين من صلاة المنفرد قوله عن عبد الله بن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة وهو أنصاري مدني ويوافقه في اسمه واسم أبيه عبد الله بن خباب بن الأرت لكن ليست له في الصحيحين رواية قوله بخمس وعشرين في رواية الأصيلي خمسا وعشرين زاد بن حبان وأبو داود من وجه آخر عن أبي سعيد فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة وكأن السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة بل حكى النووي أنه لا يجري فيه الخلاف في وجوبها لكن فيه نظر فإنه خلاف نص الشافعي وحكى أبو داود عن عبد الواحد قال في هذا الحديث أن صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة انتهى وكأنه أخذه من إطلاق قوله فإن صلاها لتناوله الجماعة والانفراد لكن حمله على الجماعة أولى وهو الذي يظهر من السياق ويلزم على ما قال النووي أن ثواب المندوب يزيد على ثواب الواجب عند من يقول بوجوب الجماعة وقد استشكله القرافي على أصل الحديث بناء على القول بأنها سنة ثم أورد عليه أن الثواب المذكور مرتب على صلاة الفرد وصفته من صلاة الجماعة فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب وأجاب بأنه تفرض المسألة فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة فإن ثواب الفرض يحصل له بصلاته وحده والتضعيف يحصل بصلاته في الجماعة فبقي الاشكال على حاله وفيه نظر لأن التضعيف لم يحصل بسبب الإعادة وإنما حصل بسبب الجماعة إذ لو أعاد منفردا لم يحصل له إلا صلاة واحدة فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب ومما ورد من الزيادة على العدد المذكور ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق عكرمة عن بن عباس موقوفا عليه قال فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد خمس وعشرون درجة قال فإن كانوا أكثر من ذلك فعلى عدد من في المسجد فقال رجل وإن كانوا عشرة آلاف قال نعم وهذا له حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي لكنه غير ثابت تنبيه سقط حديث أبي سعيد من هذا الباب في رواية كريمة وثبت للباقين وأورده الإسماعيلي قبل حديث عمر

[ 620 ] قوله في حديث أبي هريرة صلاة الرجل في الجماعة في رواية الحموي والكشميهني في جماعة بالتنكير قوله خمسة وعشرين ضعفا كذا في الروايات التي وقفنا عليها وحكى الكرماني وغيره أن فيه خمسا وعشرين درجة بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة قوله في بيته وفي سوقه مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى قاله بن دقيق العيد قال والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا قال وبهذا يرتفع الاشكال عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق انتهى ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع وفي المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته قال حسن جميل قال فإن صلى في مسجد عشيرته قال خمس عشرة صلاة قال فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه قال خمس وعشرون انتهى وأخرج حميد بن زنجويه في كتاب الترغيب نحوه من حديث واثلة وخص الخمس والعشرون بمسجد القبائل قال وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه أي الجمعة بخمسمائه وسنده ضعيف قوله وذلك أنه إذا توضأ ظاهر في أن الأمور المذكورة علة للتضعيف المذكور إذ التقدير وذلك لأنه فكأنه يقول التضعيف المذكور سببه كيت وكيت وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على الغاء ما ليس معتبرا أو ليس مقصودا لذاته وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه والروايات المطلقة لا تنافيها بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثير منهم إلى أن الحرج لا يسقط بأقامة الجماعة في البيوت وكذا روى عن أحمد في فرض العين ووجهوه بان أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد ويلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعار قوله لا يخرجه إلا الصلاة أي قصد الصلاة في جماعة واللام فيها للعهد لما بيناه قوله لم يخط بفتح أوله وضم الطاء وقوله خطوة ضبطناه بضم أوله ويجوز الفتح قال الجوهري الخطوة بالضم ما بين القدمين وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري أنها هنا بالفتح وقال القرطبي إنها في روايات مسلم بالضم والله أعلم قوله فإذا صلى قال بن أبي جمرة أي صلى صلاة تامة لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته ارجع فصل فإنك لم تصل قوله في مصلاه أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد وكأنه خرج مخرج الغالب وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك قوله اللهم ارحمه أي قائلين ذلك زاد بن ماجة اللهم تب عليه وفي الطريق الماضية في باب مسجد السوق اللهم اغفر له واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء لهم واستدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة لأن قوله على صلاته وحده يقتضى صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل فإن ذلك يقتضى وجود فضيلة في صلاة المنفرد وما لا يصح لا فضيلة فيه قال القرطبي وغيره ولا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لاثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى وأحسن مقيلا لأنا نقول إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غر مقيدة بعدد معين فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلا بد من وجود أصل العدد ولا يقال يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله صلاة الفذ صيغة عموم فيشمل من صلى منفردا بعذر وبغير عذر فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل وأيضا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعا إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما وأشار بن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة ثم رده بحديث أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة واستدل بها على تساوى الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أم قلت لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة فيدخل فيه كل جماعة كذا قال بعض المالكية وقواه بما روى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي قال إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسا وعشرين انتهى وهو مسلم في أصل الحصول لكنه لا ينفى مزيد الفضل لما كان أكثر لا سيما مع وجود النص المصرح به وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله وله شاهد قوي في الطبراني من حديث قباث بن أشيم وهو بفتح القاف والموحدة وبعد الألف مثلثة وأبوه بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن أحمر ويترتب على الخلاف المذكور أن من قال بالتفاوت استحب إعادة الجماعة مطلقا لتحصيل الأكثرية ولم يستحب ذلك الآخرون ومنهم من فصل فقال تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة ووافق مالك على الأخير لكن قصره على المساجد الثلاثة والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدنى وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة وغير ذلك مما ذكر كذلك يفوق بعضها بعضا ولذلك عقب المصنف الترجمة المطلقة في فضل الجماعة بالترجمة المقيدة بصلاة الفجر واستدل بها على أن أقل الجماعة إمام ومأموم وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد قريبا إن شاء الله تعالى

قوله باب فضل صلاة الفجر في جماعة هذه الترجمة أخص من التي قبلها ومناسبة حديث أبي هريرة لها من قوله وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر فإنه يدل على مزية لصلاة الفجر على غيرها وزعم بن بطال أن في قوله وتجتمع إشارة إلى أن الدرجتين الزائدتين على خمس وعشرين تؤخذ من ذلك ولهذا عقبه برواية بن عمر التي فيها بسبع وعشرين وقد تقدم الكلام على الاجتماع المذكور في باب فضل صلاة العصر من المواقيت

[ 621 ] قوله بخمس وعشرين جزءا كذا في النسخ التي وقفت عليها ونقل الزركشي في نكتة أنه وقع في الصحيحين خمس بحذف الموحدة من أوله والهاء من آخره قال وخفض خمس على تقدير الباء كقول الشاعر أشارت كليب بالاكف الأصابع أي إلى كليب وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة انتهى وقد أورده المؤلف في التفسير من طريق معمر عن الزهري بلفظ فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجه قوله قال شعيب وحدثني نافع أي بالحديث مرفوعا نحوه إلا أنه قال بسبع وعشرين درجة وهو موافق لرواية مالك وغيره عن نافع كما تقدم وطريق شعيب هذه موصولة وجوز الكرماني أن تكون معلقة وهو بعيد بل هي معطوفة على الإسناد الأول والتقدير حدثنا أبو اليمان قال شعيب ونظائر هذا في الكتاب كثيرة ولكن لم أر طريق شعيب هذه إلا عند المصنف ولم يستخرجها الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا أوردها الطبراني في مسند الشاميين في ترجمة شعيب

[ 622 ] قوله سمعت سالما هو بن أبي الجعد وأم الدرداء هي الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأن الكبرى ماتت في حياة أبي الدرداء وعاشت الصغرى بعده زمانا طويلا وقد جزم أبو حاتم بأن سالم بن أبي الجعد لم يدرك أبا الدرداء فعلى هذا لم يدرك أم الدرداء الكبرى وفسرها الكرماني هنا بصفات الكبرى وهو خطأ لقول سالم سمعت أم الدرداء وقد تقدم في المقدمة أن اسم الصغرى هجيمة والكبرى خيرة قوله من أمة محمد كذا في رواية أبي ذر وكريمة وللباقين من محمد بحذف المضاف وعليه شرح بن بطال ومن تبعه فقال يريد من شريعة محمد شيئا لم يتغير عما كان عليه إلا الصلاة في جماعة فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه انتهى ووقع في رواية أبي الوقت من أمر محمد بفتح الهمزة وسكون الميم بعدها راء وكذا ساقه الحميدي في جمعه وكذا هو في مسند أحمد ومستخرجى الإسماعيلي وأبي نعيم من طرق عن الأعمش وعندهم ما أعرف فيهم أي في أهل البلد الذي كان فيه وكأن لفظ فيهم لما حذف من رواية البخاري صحف بعض النقلة أمر بامة ليعود الضمير في أنهم على الأمة قوله يصلون جميعا أي مجتمعين وحذف المفعول وتقديره الصلاة أو الصلوات ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة وهو أمر نسبى لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شيء من أمور الدين وإنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه والقسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع

[ 623 ] قوله أبعدهم فأبعدهم ممشى أي إلى المسجد وسيأتي الكلام على ذلك بعد باب واحد قوله مع الإمام زاد مسلم في جماعة وبين أنها رواية أبي كريب وهو محمد بن العلاء الذي أخرجه البخاري عنه قوله من الذي يصلي ثم ينام أي سواء صلى وحده أو في جماعة ويستفاد منه أن الجماعة تتفاوت كما تقدم تكميل استشكل إيراد حديث أبي موسى في هذا الباب لأنه ليس فيه لصلاة الفجر ذكر بل آخره يشعر بأنه في العشاء ووجهه بن المنير وغيره بأنه دل على أن السبب في زيادة الأجر وجود المشقة بالمشى إلى الصلاة وإذا كان كذلك فالمشى إلى صلاة الفجر في جماعة أشق من غيرها لأنها وإن شاركتها العشاء في المشي في الظلمة فإنها تزيد عليها بمفارقة النوم المشتهى طبعا ولم أر أحدا من الشراح نبه على مناسبة حديث أبي الدرداء للترجمة إلا الزين بن المنير فإنه قال تدخل صلاة الفجر في قوله يصلون جميعا وهي أخص بذلك من باقي الصلوات وذكر بن رشيد نحوه وزاد أن استشهاد أبي هريرة في الحديث الأول بقوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودا يشير إلى أن الاهتمام بها آكد وأقول تفنن المصنف بإيراد الأحاديث الثلاثة في الباب إذ تؤخذ المناسبة من حديث أبي هريرة بطريق الخصوص ومن حديث أبي الدرداء بطريق العموم ومن حديث أبي موسى بطريق الاستنباط ويمكن أن يقال لفظ الترجمة يحتمل أن يراد به فضل الفجر على غيرها من الصلوات وأن يراد به ثبوت الفضل لها في الجملة فحديث أبي هريرة شاهد للأول وحديث أبي الدرداء شاهد للثانى وحديث أبي موسى شاهد لهما والله أعلم

قوله باب فضل التهجير إلى الظهر كذا للأكثر وعليه شرح بن التين وغيره وفي بعضها إلى الصلاة وعليه شرح بن بطال وقد تقدم الكلام عليه في باب الاستهام في الأذان

[ 624 ] قوله بينما رجل في هذا المتن ثلاثة أحاديث قصة الذي نحى غصن الشوك والشهداء والترغيب في النداء وغيره مما ذكر والمقصود منه ذكر التهجير وقد تقدم الحديث الثالث مفردا في باب الاستهام عن عبد الله بن يوسف عن مالك ويأتي الثاني في الجهاد عنه أيضا والأول في المظالم كذلك وتكلمنا على شرحه هناك وكأن قتيبة حدث به عن مالك هكذا مجموعا فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار وتكلف الزين بن المنير إبداء مناسبة للأول من جهة أنه دال على أن الطاعة وإن قلت فلا ينبغي أن تترك واعترف بعدم مناسبة الثاني قوله فأخذه في رواية الكشميهني فأخره قوله فشكر الله له أي رضي بفعله وقبل منه وفيه فضل إماطة الأذى عن الطريق وقد تقدم في كتاب الإيمان أنها أدنى شعب الإيمان قوله الشهداء خمس كذا لإبى ذر عن الحموي وللباقين خمسة وهو الأصل في المذكر وجاز الأول لأن المميز غير مذكور وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى

قوله باب احتساب الآثار أي إلى الصلاة وكأنه لم يقيدها لتشمل كل مشى إلى كل طاعة

[ 625 ] قوله حدثنا عبد الوهاب هو الثقفي قوله يا بني سلمة بكسر اللام وهم بطن كبير من الأنصار ثم من الخزرج وقد غفل القزاز وتبعه الجوهري حيث قال ليس في العرب سلمة بكسر اللام غير هذا القبيل فإن الأئمة الذين صنفوا في المؤتلف والمختلف ذكروا عددا من الأسماء كذلك لكن يحتمل أن يكون أراد بقيد القبيلة أو البطن فله بعض اتجاه قوله ألا تحتسبون كذا في النسخ التي وقفنا عليها بإثبات النون وشرحه الكرماني بحذفها ووجهه بان النحاة أجازوا ذلك يعني تخفيفا قال والمعنى ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد فإن لكل خطوة ثوابا أه والاحتساب وأن كان أصله العد لكنه يستعمل غالبا في معنى طلب تحصيل الثواب بنية خالصة قوله وحدثنا بن أبي مريم كذا لأبي ذر وحده وفي رواية الباقين وقال بن أبي مريم وذكره صاحب الأطراف بلفظ وزاد بن أبي مريم وقال أبو نعيم في المستخرج ذكره البخاري بلا رواية يعنى معلقا وهذا هو الصواب وله نظائر في الكتاب في رواية يحيى بن أيوب لأنه ليس على شرطه في الأصول قوله عن أنس كذا لأبي ذر وحده أيضا وللباقين حدثنا أنس وكذا ذكره أبو نعيم أيضا وكذا سمعناه في الأول من فوائد المخلص من طريق أحمد بن منصور عن بن أبي مريم ولفظه سمعت أنسا وهذا هو السر في إيراد طريق يحيى بن أيوب عقب طريق عبد الوهاب ليبين الأمن من تدليس حميد وقد تقدم نظيره في باب وقت العشاء وقد أخرجه في الحج من طريق مروان الفزاري عن حميد وساق المتن كاملا قوله فينزلوا قريبا يعني لأن ديارهم كانت بعيدة من المسجد وقد صرح بذلك في رواية مسلم من طريق أبي الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كانت ديارنا بعيدة من المسجد فأردنا أن نبتاع بيوتا فنقرب من المسجد فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن لكم بكل خطوة درجة وللسراج من طريق أبي نضرة عن جابر أرادوا أن يقربوا من أجل الصلاة ولابن مردويه من طريق أخرى عن أبي نضرة عنه قال كانت منازلنا بسلع ولا يعارض هذا ما سيأتي في الاستسقاء من حديث أنس وما بيننا وبين سلع من دار لاحتمال أن تكون ديارهم كانت من وراء سلع وبين سلع والمسجد قدر ميل قوله أن يعروا المدينة في رواية الكشميهني أن يعروا منازلهم وهو بضم أوله وسكون العين المهملة وضم الراء أي يتركونها خالية يقال أعراه إذا أخلاه والعراء الأرض الخالية وقيل الواسعة وقيل المكان الذي لا يستتر فيه بشيء ونبه بهذه الكراهة على السبب في منعهم من القرب من المسجد لتبقى جهات المدينة عامرة بساكنها واستفادوا بذلك كثرة الأجر لكثرة الخطا في المشي إلى المسجد وزاد في رواية الفزاري التي في الحج فأقاموا ومثله في رواية المخلص التي ذكرناها وللترمذي من حديث أبي سعيد فلم ينتقلوا ولمسلم من طريق أبي نضرة عن جابر فقالوا ما يسرنا أنا كنا تحولنا قوله وقال مجاهد خطاهم آثارهم والمشى في الأرض بارجلهم كذا لأبي ذر وللباقين وقال مجاهد ونكتب ما قدموا وآثارهم قال خطاهم وكذا وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عنه قال في قوله تعالى ونكتب ما قدموا قال أعمالهم وفي قوله وآثارهم قال خطاهم وأشار البخاري بهذا التعليق إلى أن قصة بني سلمة كانت سبب نزول هذه الآية وقد ورد مصرحا به من طريق سماك عن عكرمة عن بن عباس أخرجه بن ماجة وغيره وإسناده قوي وفي الحديث أن أعمال البر إذا كانت خالصة تكتب آثارها حسنات وفيه استحباب السكنى بقرب المسجد إلا لمن حصلت به منفعة أخرى أو أراد تكثير الأجر بكثرة المشي ما لم يحمل على نفسه ووجهه أنهم طلبوا السكنى بقرب المسجد للفضل الذي علموه منه فما أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بل رجح درء المفسدة باخلائهم جوانب المدينة على المصلحة المذكورة وأعلمهم بان لهم في التردد إلى المسجد من الفضل ما يقوم مقام السكنى بقرب المسجد أو يزيد عليه واختلف فيمن كانت داره قريبة من المسجد فقارب الخطا بحيث تساوى خطا من داره بعيدة هل يساويه في الفضل أو لا وإلى المساواة جنح الطبري وروى بن أبي شييبة من طريق أنس قال مشيت مع زيد بن ثابت إلى المسجد فقارب بين الخطا وقال أردت أن تكثر خطانا إلى المسجد وهذا لا يلزم منه المساواة في الفضل وأن دل على أن في كثرة الخطا فضيلة لأن ثواب الخطا الشاقة ليس كثواب الخطا السهلة وهو ظاهر حديث أبي موسى الماضي قبل باب حيث جعل أبعدهم ممشى أعظمهم أجرا واستنبط منه بعضهم استحباب قصد المسجد البعيد ولو كان بجنبه مسجد قريب وإنما يتم ذلك إذا لم يلزم من ذهابه إلى البعيد هجر القريب وإلا فاحياؤه بذكر الله أولى وكذا إذا كان في البعيد مانع من الكمال كأن يكون إمامه مبتدعا

قوله باب فضل صلاة العشاء في الجماعة أورد فيه الحديث الدال على فضل العشاء والفجر فيحتمل أن يكون مراد الترجمة إثبات فضل العشاء في الجملة أو إثبات أفضليتها على غيرها والظاهر الثاني ووجهه أن الفجر ثبتت أفضليتها كما تقدم وسوى في هذا بينها وبين العشاء ومساوى الأفضل يكون أفضل جزما

[ 626 ] قوله ليس أثقل كذا للأكثر بحذف الاسم وبينه الكشميهني في رواية أبي ذر وكريمة عنه فقال ليس صلاة أثقل ودل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين ومنه قوله تعالى ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما لأن العشاء وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم وقيل وجهه كون المؤمنين يفوزون بما ترتب عليهما من الفضل لقيامهم بحقهما دون المنافقين قوله ولو يعلمون ما فيهما أي من مزيد الفضل لأتوهما أي الصلاتين والمراد لأتوا إلى المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد قوله ولو حبوا أي يزحفون إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء ولو حبوا على المرافق والركب وقد تقدم الكلام على باقي الحديث في باب وجوب صلاة الجماعة قوله في آخره على من لا يخرج إلى الصلاة بعد كذا للأكثر بلفظ بعد ضد قبل وهي مبنية على الضم ومعناه بعد أن يسمع النداء إليها أو بعد أن يبلغه التهديد المذكور وللكشميهني بدلها يقدر أي لا يخرج وهو يقدر على المجيء ويؤيده ما قدمناه من رواية لأبي داود وليست بهم علة ووقع عند الداودي الشارح هنا لا لعذر وهي أوضح من غيرها لكن لم نقف عليها في شيء من الروايات عند غيره

قوله باب اثنان فما فوقهما جماعة هذه الترجمة لفظ حديث ورد من طرق ضعيفة منها في بن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري وفي معجم البغوي من حديث الحكم بن عمير وفي أفراد الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو وفي البيهقي من حديث أنس وفي الأوسط للطبرانى من حديث أبي أمامة وعند أحمد من حديث أبي أمامة أيضا أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه فقام رجل فصلى معه فقال هذان جماعة والقصة المذكورة دون قوله هذان جماعة أخرجها أبو داود والترمذي من وجه آخر صحيح

[ 627 ] قوله إذا حضرت الصلاة تقدم من هذا الوجه في باب الأذان للمسافر وأوله أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال لهما فذكره وقد اعترض على الترجمة بأنه ليس في حديث مالك بن الحويرث تسمية صلاة الإثنين جماعة والجواب أن ذلك مأخوذ بالاستنباط من لازم الأمر بالإمامة لأنه لو استوت صلاتهما معا مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة كأن يقول أذنا وأقيما وصليا واعترض أيضا على أصل الاستدلال بهذا الحديث بأن مالك بن الحويرث كان مع جماعة من أصحابه فلعل الاقتصار على التثنية من تصرف الرواة والجواب أنهما قضيتان كما تقدم واستدل به على أن أقل الجماعة إمام ومأموم أعم من أن يكون المأموم رجلا أو صبيا أو امرأة وتكلم بن بطال هنا على مسألة أقل الجمع والاختلاف فيها ورده الزين بن المنير بأنه يلزم من قوله الاثنان جماعة أن يكون أقل الجمع اثنين وهو واضح

قوله باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة أي ليصليها جماعة قوله تصلي على أحدكم أي تستغفر له قيل عبر بتصلى ليتناسب الجزاء والعمل

[ 628 ] قوله ما دام في مصلاه أي ينتظر الصلاة كما صرح به في الطهارة من وجه آخر قوله لا يزال أحدكم الخ هذا القدر أفرده مالك في الموطأ عما قبله وأكثر الرواة ضموه إلى الأول فجعلوه حديثا واحدا ولا حجر في ذلك قوله في صلاة أي في ثواب صلاة لا في حكمها لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة قوله ما دامت في رواية الكشميهني ما كانت وهو عكس ما مضى في الطهارة قوله لا يمنعه يقتضى أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر وهل يحصل ذلك لمن نيته إيقاع الصلاة في المسجد ولو لم يكن فيه الظاهر خلافه لأنه رتب الثواب المذكور على المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة لكن للمذكور ثواب يخصه ولعل هذا هو السر في إيراد المصنف الحديث الذي يليه وفيه ورجل قلبه معلق في المساجد وقد تقدم الكلام في الطهارة على معنى قوله ما لم يحدث وفيه زيادة على ما هنا وأن المراد بالحدث حدث الفرج لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى لأن الأذى منهما يكون أشد أشار إلى ذلك بن بطال وقد تقدم الكلام على باقي فوائده في باب فضل صلاة الجماعة ويؤخذ من قوله في مصلاه الذي صلى فيه أن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتطر صلاة أخرى وبتقييد الصلاة الأولى بكونها مجزئة أما لو كان فيها نقص فإنها تجبر بالنافلة كما ثبت في الخبر الآخر قوله اللهم أغفر له اللهم ارحمه هو مطابق لقوله تعالى والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض قيل السر فيه أنهم يطلعون على أفعال بني آدم وما فيها من المعصية والخلل في الطاعة فيقتصرون على الاستغفار لهم من ذلك لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ولو فرض أن فيهم من تحفظ من ذلك فإنه يعوض من المغفرة بما يقابلها من الثواب

[ 629 ] قوله حدثنا يحيى هو القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري وخبيب بضم المعجمة وهو خال عبيد الله الراوي عنه وحفص بن عاصم هو بن عمر بن الخطاب وهو جد عبيد الله المذكور لأبيه قوله عن أبى هريرة لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك ورواه مالك في الموطأ عن خبيب فقال عن أبي سعيد أو أبي هريرة على الشك ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما وتابعه مصعب الزبيري وشذا في ذلك عن أصحاب مالك والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده والله أعلم قوله سبعة ظاهره اختصاص المذكورين بالثواب المذكور ووجهه الكرماني بما محصله أن الطاعة إما أن تكون بين العبد وبين الرب أو بينه وبين الخلق فالأولى باللسان وهو الذكر أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد أو بالبدن وهو الناشئ في العبادة والثاني عام وهو العادل أو خاص بالقلب وهو التحاب أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن وهو العفة وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فيما أنشدناه أبو إسحاق التنوخي إذنا عن أبي الهدى أحمد بن أبي شامة عن أبيه سماعا من لفظه قال وقال النبي المصطفى إن سبعة يظلهم الله الكريم بظله محب عفيف ناشئ متصدق وباك مصل والإمام بعدله ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له وقد ألقيت هذه المسألة على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروى لما قدم القاهرة وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئا ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلا على بيتي أبي شامة وهما وزد سبعة إظلال غاز وعونه وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب وتاجر صدق في المقال وفعله فأما إظلال الغازي فرواه بن حبان وغيره من حديث عمر وأما عون المجاهد فرواه أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف وأما انظار المعسر والوضيعة عنه ففي صحيح مسلم كما ذكرنا وأما إرفاد الغارم وعون المكاتب فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف المذكور وأما التاجر الصدوق فرواه البغوي في شرح السنة من حديث سلمان وأبو القاسم التيمي من حديث أنس والله أعلم ونظمته مرة أخرى فقلت في السبعة الثانية وتحسين خلق مع إعانة غارم خفيف يد حتى مكاتب أهله وحديث تحسين الخلق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ونظمتها في بيتين آخرين وهما وزد سبعة حزن ومشى لمسجد وكره وضوء ثم مطعم فضله وآخذ حق باذل ثم كافل وتاجر صدق في المقال وفعله ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ولكن أحاديثها ضعيفة وقلت في آخر البيت تربع به السبعات من فيض فضله وقد أوردت الجميع في الامالى وقد أفردته في جزء سميته معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال قوله في ظله قال عياض إضافة الظل إلى الله إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه كذا قال وكان حقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا على غيره كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه فذكر الحديث وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به بن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود وبهذا يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم أن ذلك مشترك لجميع من يدخلها والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فيرجح أن المراد ظل العرش وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل قوله الإمام العادل اسم فاعل من العدل وذكر بن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك رواه بلفظ العدل قال وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا والمراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه أن المقسطين عند الله منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط وقدمه في الذكر لعموم النفع به قوله وشاب خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى قوله في عبادة ربه في رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان بعبادة الله وهي رواية مسلم وهما بمعنى زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر حتى توفي على ذلك أخرجه الجوزقي وفي حديث سلمان أفنى شبابة ونشاطه في عبادة الله قوله معلق في المساجد هكذا في الصحيحين وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلا إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وأن كان جسده خارجا عنه ويدل عليه رواية الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية سلمان من حبها وزاد الحموي والمستملى متعلق بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام زاد سلمان من حبها وزاد مالك إذا خرج منه حتى يعود إليه وهذه الخصلة هي المقصودة من هذا الحديث للترجمة ومناسبتها للركن الثاني من الترجمة وهو فضل المساجد ظاهرة وللأول من جهة ما دل عليه من الملازمة للمسجد واستمرار الكون فيه بالقلب وأن عرض للجسد عارض قوله تحابا بتشديد الباء وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارا فقط ووقع في رواية حماد بن زيد ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ونحوه في حديث سلمان قوله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه في رواية الكشميهني اجتمعا عليه وهي رواية مسلم أي على الحب المذكور والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوى سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت ووقع في الجمع للحميدى اجتمعا على خير ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف تنبيه عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها قوله ورجل طلبته ذات منصب بين المحذوف أحمد في روايته عن يحيى القطان فقال دعته امرأة وكذا في رواية كريمة ولمسلم وهو للمصنف في الحدود عن بن المبارك والمراد بالمنصب الأصل أو الشرف وفي رواية مالك دعته ذات حسب وهو يطلق على الأصل وعلى المال أيضا وقد وصفها باكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن تحصل فيه وهو المنصب الذي يستلزمه الجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء زاد بن المبارك إلى نفسها وللبيهقى في الشعب من طريق أبي صالح عن أبى هريرة فعرضت نفسها عليه والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي ولم يحك غيره وقال بعضهم يحتمل أن تكون دعته إلى التزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر ويؤيده وجود الكناية في قوله إلى نفسها ولو كان المراد التزويج لصرح به والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها قوله فقال إني أخاف الله زاد في رواية كريمة رب العالمين والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قال عياض قال القرطبي إنما يصدر عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء قوله تصدق أخفى بلفظ الماضي قال الكرماني هو جملة حالية بتقدير قد ووقع في رواية أحمد تصدق فأخفى وكذا للمصنف في الزكاة عن مسدد عن يحيى تصدق بصدقة فأخفاها ومثله لمالك في الموطأ فالظاهر أن راوي الأولى حذف العاطف ووقع في رواية الأصيلي تصدق إخفاء بكسر الهمزة ممدودا على أنه مصدر أو نعت لمصدر محذوف ويحتمل أن يكون حالا من الفاعل أي مخفيا وقوله بصدقة نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير وظاهره أيضا يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها قوله حتى لا تعلم بضم الميم وفتحها قوله شماله ما تنفق يمينه هكذا وقع في معظم الروايات في هذا الحديث في البخاري وغيره ووقع في صحيح مسلم مقلوبا حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله بن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب لكنه قصره على ما يقع في الإسناد ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح ومثل له بحديث أن بن أم مكتوم يؤذن بليل وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الأذان وقال شيخنا ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس انتهى والأولى تسميته مقلوبا فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء وقد سماه بعض من تقدم مقلوبا قال عياض هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب أو الصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين قال ويشبه أن يكون الوهم فيه ممن دون مسلم بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبد الله بن عمر فقال بمثل حديث عبيد الله فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على الزيادة في قوله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه انتهى وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن يحيى وأشعر سياقه بان اللفظ لزهير وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير وأخرجه الجوزقى في مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك وعقبه بأن قال سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول يحيى القطان عندنا واهم في هذا إنما هو حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه قلت والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر لأن الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب وكذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار وفي الزكاة عن مسدد وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمر وكلهم عن يحيى وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى وهو محتمل بأن يكون منه لما حدث به هذين خاصة مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه وأما استدلال عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل على المساوى في جميع اللفظ والترتيب بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى والمعنى المقصود من هذا الموضع إنما هو اخفاء الصدقة والله أعلم ولم نجد هذا الحديث من وجه من الوجوه إلا عن أبي هريرة إلا ما وقع عند مالك من التردد هل هو عنه أو عن أبي سعيد كما قدمناه قبل ولم نجده عن أبي هريرة إلا من رواية حفص ولا عن حفص إلا من رواية خبيب نعم أخرجه البيهقي في الشعب من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة والراوي له عن سهيل عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف لكنه ليس بمتروك وحديثه حسن في المتابعات ووافق في قوله تصدق بيمينه وكذا أخرجه سعيد بن منصور من حديث سلمان الفارسي بإسناد حسن موقوفا عليه لكن حكمه الرفع وفي مسند أحمد من حديث أنس بإسناد حسن مرفوعا أن الملائكة قالت يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قالت فهل أشد من الماء قال نعم الريح قالت فهل أشد من الريح قال نعم بن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله ثم إن المقصود منه المبالغة في إخفاء الصدقة بحيث أن شماله مع قربها من يمينه وتلازمهما لو تصور أنها تعلم لما علمت ما فعلت اليمين لشدة إخفائها فهو على هذا من مجاز التشبيه ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزقي تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف والتقدير حتى لا يعلم ملك شماله وأبعد من زعم أن المراد بشماله نفسه وأنه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه وقيل هو من مجاز الحذف والمراد بشماله من على شماله من الناس كأنه قال مجاور شماله وقيل المراد أنه لا يرائى بصدقته فلا يكتبها كاتب الشمال وحكى القرطبي عن بعض مشايخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه وفيه نظر إن كان أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة وإن أراد أن هذا من صور الصدقة المخفية فمسلم والله أعلم قوله ذكر الله أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر وخاليا أي من الخلو لأنه يكون حينئذ أبعد من الرياء والمراد خاليا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملأ ويؤيده رواية البيهقي ذكر الله بين يديه ويؤيد الأول رواية بن المبارك وحماد بن زيد ذكر الله في خلاء أي في موضع خال وهي أصح قوله ففاضت عيناه أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت قال القرطبي وفيض العين بحسب حال الذاكر وبحسب ما يكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء من خشية الله وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق إليه قلت قد خص في بعض الروايات بالأول ففي رواية حماد بن زيد عند الجوزقي ففاضت عيناه من خشية الله ونحوه في رواية البيهقي ويشهد له ما رواه الحاكم من حديث أنس مرفوعا من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة تنبيهان الأول ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم فيما ذكر إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فهيم وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا من الله تعالى مع حاجتها أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن يزوجه ابنته مثلا فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه الثاني استوعبت شرح هذا الحديث هنا وإن كان مخالفا لما شرطت لأن أليق المواضع به كتاب الرقاق وقد اختصرها المصنف حيث أورده فيه وساقه تاما في الزكاة والحدود فاستوفيته هنا لأن للأولية وجها من الأولوية

[ 630 ] قوله سئل أنس تقدم التصريح بسماع حميد له منه في باب وقت العشاء قوله صلى الناس أي غير المخاطبين ممن صلى في داره أو مسجد قبيلته ويستأنس به لمن قال بأن الجماعة غير واجبة قوله ولم تزالوا في صلاة أي فى ثواب صلاة كما تقدم قوله وبيص بكسر الموحدة وبالمهملة أي بريقه ولمعانه وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب وقت العشاء ويأتي الكلام على الخاتم في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى

قوله باب فضل من غدا للمسجد ومن راح هكذا للأكثر موافقا للفظ الحديث في الغدو والرواح ولأبي ذر بلفظ خرج بدل غذا وله عن المستملى والسرخسي بلفظ من يخرج بصيغة المضارع وعلى هذا فالمراد بالغدو الذهاب وبالرواح الرجوع والأصل في الغدو المضى من بكرة النهار وللرواح بعد الزوال ثم قد يستعملان في كل ذهاب ورجوع توسعا

[ 631 ] قوله أعد أي هيأ قوله نزله للكشميهنى نزلا بالتنكير والنزل بضم النون والزاي المكان الذي يهيأ للنزول فيه وبسكون الزاي ما يهيأ للقادم من الضيافة ونحوها فعلى هذا من في قوله من الجنة للتبعيض على الأول وللتبيين على الثاني ورواه مسلم وابن خزيمة وأحمد بلفظ نزلا في الجنة وهو محتمل للمعنيين قوله كلما غدا أو راح أي بكل غدوة وروحة وظاهر الحديث حصول الفضل لمن أتى المسجد مطلقا لكن المقصود منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادة والصلاة رأسها والله أعلم

قوله باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من رواية عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة واختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه وقيل إن ذلك هو السبب في كون البخاري لم يخرجه ولما كان الحكم صحيحا ذكره في الترجمة وأخرج في الباب ما يغنى عنه لكن حديث الترجمة أعم من حديث الباب لأنه يشمل الصلوات كلها وحديث الباب يختص بالصبح كما سنوضحه ويحتمل أن يقال اللام في حديث الترجمة عهدية فيتفقان هذا من حيث اللفظ وأما من حيث المعنى فالحكم في جميع الصلوات واحد وقد أخرجه أحمد من وجه آخر بلفظ فلا صلاة إلا التي أقيمت قوله إذا أقيمت أي إذا شرع في الإقامة وصرح بذلك محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار فيما أخرجه بن حبان بلفظ إذا أخذ المؤذن في الإقامة وقوله فلا صلاة أي صحيحة أو كاملة والتقدير الأول أولى لأنه أقرب إلى نفى الحقيقة لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المصلي واقتصر على الإنكار دل على أن المراد نفى الكمال ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهى أي فلا تصلوا حينئذ ويؤيده ما رواه البخاري في التاريخ والبزار وغيرهما من رواية محمد بن عمار عن شريك بن أبي نمر عن أنس مرفوعا في نحو حديث الباب وفيه ونهى أن يصليا إذا أقيمت الصلاة وورد بصيغة النهى أيضا فيما رواه أحمد من وجه آخر عن بن بحينة في قصته هذه فقال لا تجعلوا هذه الصلاة مثل الظهر واجعلوا بينهما فصلا والنهي المذكور للتنزيه لما تقدم من كونه لم يقطع صلاته قوله الا المكتوبة فيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة سواء كانت راتبة أم لا لأن المراد بالمكتوبة المفروضة وزاد مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال ولا ركعتي الفجر أخرجه بن عدي في ترجمة يحيى بن نصر بن الحاجب وإسناده حسن والمفروضة تشمل الحاضرة والفائتة لكن المراد الحاضرة وصرح بذلك أحمد والطحاوي من طريق أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا التي أقيمت قوله مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل لم يسق البخاري لفظ رواية إبراهيم بن سعد بل تحول إلى رواية شعبة فأوهم أنهما متوافقتان وليس كذلك فقد ساق مسلم رواية إبراهيم بن سعد بالسند المذكور ولفظه مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح فكلمه بشيء لا ندري ما هو فلما انصرفنا أحطنا به نقول ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال لي يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا ففي هذا السياق مخالفة لسياق شعبة في كونه صلى الله عليه وسلم كلم الرجل وهو يصلي ورواية شعبة تقتضي أنه كلمه بعد أن فرغ ويمكن الجمع بينهما بأنه كلمه أولا سرا فلهذا احتاجوا أن يسألوه ثم كلمه ثانيا جهرا فسمعوه وفائدة التكرار تأكيد الإنكار

[ 632 ] قوله حدثني عبد الرحمن هو بن بشر بن الحكم كما جزم به بن عساكر وأخرجه الجوزقي من طريقه قوله سمعت رجلا من الأزد في رواية الأصيلي من الأسد بالمهملة الساكنة بدل الزاي الساكنة وهي لغة صحيحة قوله يقال له مالك بن بحينة هكذا يقول شعبة في هذا الصحابي وتابعه على ذلك أبو عوانة وحماد بن سلمة وحكم الحفاظ يحيى بن معين وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والإسماعيلي وابن الشرقي والدارقطني وأبو مسعود وآخرون عليهم بالوهم فيه في موضعين أحدهما أن بحينة والدة عبد الله لا مالك وثانيهما أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالك وهو عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة وهو لقب واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله قال بن سعد قدم مالك بن القشب مكة يعني في الجاهلية فحالف بني المطلب بن عبد مناف وتزوج بحينة بنت الحارث بن المطلب واسمها عبدة وبحينة لقب وأدركت بحينة الإسلام فأسلمت وصحبت وأسلم ابنها عبد الله قديما ولم يذكر أحد مالكا في الصحابة إلا بعض ممن تلقاه من هذا الإسناد ممن لا تمييز له وكذا أغرب الداودي الشارح فقال هذا الاختلاف لا يضر فأي الرجلين كان فهو صاحب وحكى بن عبد البر اختلافا في بحينة هل هي أم عبد الله أو أم مالك والصواب أنها أم عبد الله كما تقدم فينبغي أن يكتب بن بحينة بزيادة ألف ويعرب اعراب عبد الله كما في عبد الله بن أبي بن سلول ومحمد بن على بن الحنفية قوله رأى رجلا هو عبد الله الراوي كما رواه أحمد من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يصلي وفي رواية أخرى له خرج وابن القشب يصلي ووقع لبعض الرواة هنا بن أبي القشب وهو خطأ كما بينته في كتاب الصحابة ووقع نحو هذه القصة أيضا لابن عباس قال كنت أصلى وأخذ المؤذن في الإقامة فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال أتصلي الصبح أربعا أخرجه بن خزيمة وابن حبان والبزار والحاكم وغيرهم فيحتمل تعدد القصة قوله لاث بمثلثة خفيفة أي أدار وأحاط قال بن قتيبة أصل اللوث الطى يقال لاث عمامته إذا أدارها قوله به الناس ظاهره أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لكن طريق إبراهيم بن سعد المتقدمة تقتضي أنه للرجل قوله آلصبح أربعا بهمزة ممدودة في أوله ويجوز قصرها وهو استفهام إنكار وأعاده تأكيدا للانكار والصبح بالنصب بإضمار فعل تقديره أتصلي الصبح وأربعا منصوب على الحال قاله بن مالك وقال الكرماني على البدلية قال ويجوز وقع الصبح أي الصبح تصلي أربعا واختلف في حكمة هذا الإنكار فقال القاضي عياض وغيره لئلا يتطاول الزمان فيظن وجوبها ويؤيده قوله في رواية إبراهيم بن سعد يوشك أحدكم وعلى هذا إذا حصل الأمن لا يكره ذلك وهو متعقب بعموم حديث الترجمة وقيل لئلا تلتبس صلاة الفرض بالنفل وقال النووي الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة أه وهذا يليق بقول من يرى بقضاء النافلة وهو قول الجمهور ومن ثم قال من لا يرى بذلك إذا علم أنه يدرك الركعة الأولى مع الإمام وقال بعضهم إن كان في الأخيرة لم يكره له التشاغل بالنافلة بشرط الأمن من الالتباس كما تقدم والأول عن المالكية والثاني عن الحنفية ولهم في ذلك سلف عن بن مسعود وغيره وكأنهم لما تعارض عندهم الأمر بتحصيل النافلة والنهي عن إيقاعها في تلك الحالة جمعوا بين الأمرين بذلك وذهب بعضهم إلى أن سبب الإنكار عدم الفصل بين الفرض والنفل لئلا يلتبسا وإلى هذا جنح الطحاوي واحتج له بالأحاديث الواردة بالأمر بذلك ومقتضاه أنه لو كان في زاوية من المسجد لم يكره وهو متعقب بما ذكر إذا لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل لم يحصل إنكار أصلا لأن بن بحينة سلم من صلاته قطعا ثم دخل في الفرض ويدل على ذلك أيضا حديث قيس بن عمرو الذي أخرجه أبو داود وغيره أنه صلى ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله لم ينكر عليه قضاءهما بعد الفراغ من صلاة الصبح متصلا بها فدل على أن الإنكار على بن بحينة إنما كان للتنفل حال صلاة الفرض وهو موافق لعموم حديث الترجمة وقد فهم بن عمر اختصاص المنع بمن يكون في المسجد لا خارجا عنه فصح عنه أنه كان يحصب من يتنفل في المسجد بعد الشروع في الإقامة وصح عنه أنه قصد المسجد فسمع الإقامة فصلى ركعتي الفجر في بيت حفصة ثم دخل المسجد فصلى مع الإمام قال بن عبد البر وغيره الحجة عند التنازع السنة فمن أدلى بها فقد أفلح وترك التنفل عند إقامة الصلاة وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الإقامة حي علىالصلاة معناه هلموا إلى الصلاة أي التي يقام لها فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم يتشاغل عنه بغيره والله أعلم واستدل بعموم قوله فلا صلاة الا المكتوبة لمن قال يقطع النافلة إذا أقيمت الفريضة وبه قال أبو حامد وغيره من الشافعية وخص آخرون النهى بمن ينشئ النافلة عملا بعموم قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم وقيل يفرق بين من يخشى فوت الفريضة في الجماعة فيقطع وإلا فلا واستدل بقوله التي أقيمت بأن المأموم لا يصلي فرضا ولا نفلا خلف من يصلي فرضا آخر كالظهر مثلا خلف من يصلي العصر وإن جازت إعادة الفرض خلف من يصلي ذلك الفرض قوله تابعه غندر ومعاذ عن شعبة عن مالك أي تابعا بهز بن أسد في روايته عن شعبة بهذا الإسناد فقالا عن مالك بن بحينة وفي رواية الكشميهني عن شعبة عن مالك أي بإسناده والأول يقتضى اختصاص المتابعة بقوله عن مالك بن بحينة فقط والثاني يشمل جميع الإسناد والمتن وهو أولى لأنه الواقع في نفس الأمر وطريق غندر وصلها أحمد في مسنده عنه كذلك وطريق معاذ وهو بن معاذ العنبري البصري وصلها الإسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ عن أبيه وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وكذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وحجاج والنسائي من رواية وهب بن جرير والإسماعيلي من رواية يزيد بن هارون كلهم عن شعبة كذلك قوله وقال بن إسحاق أي صاحب المغازي عن سعد أي بن إبراهيم وهذه الرواية موافقة لرواية إبراهيم بن سعد عن أبيه وهي الراجحة قوله وقال حماد يعني بن سلمة كما جزم به المزي وآخرون وكذا أخرجه الطحاوي وابن منده موصولا من طريقه ووهم الكرماني في زعمه أنه حماد بن زيد والمراد أن حمادا وافق شعبة في قوله عن مالك بن بحينة وقد وافقهما أبو عوانة فيما أخرجه الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن قتيبة عنه لكن أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة فوقع في روايتهما عن بن بحينة مبهما وكأن ذلك وقع من قتيبة في وقت عمدا ليكون أقرب إلى الصواب قال أبو مسعود أهل المدينة يقولون عبد الله بن بحينة وأهل العراق يقولون مالك بن بحينة والأول هو الصواب انتهى فيحتمل أن يكون السهو فيه من سعد بن إبراهيم لما حدث به بالعراق وقد رواه القعنبي عن إبراهيم بن سعد على وجه آخر من الوهم قال عن عبد الله بن مالك بن بحينة عن أبيه قال مسلم في صحيحه قوله عن أبيه خطأ انتهى وكأنه لما رأى أهل العراق يقولون عن مالك بن بحينة ظن أن رواية أهل المدينة مرسلة فوهم في ذلك والله أعلم

قوله باب حد المريض أن يشهد الجماعة قال بن التين تبعا لابن بطال معنى الحد ههنا الحدة وقد نقله الكسائي ومثله قول عمر في أبي بكر كنت أرى منه بعض الحد أي الحدة قال والمراد به هنا الحض على شهود الجماعة قال بن التين ويصح أن يقال هنا جد بكسر الجيم وهو الاجتهاد في الأمر لكن لم أسمع أحدا رواه بالجيم انتهى وقد أثبت بن قرقول رواية الجيم وعزاها للقابسى وقال بن رشيد إنما المعنى ما يحد للمريض أن يشهد معه الجماعة فإذا جاوز ذلك الحد لم يستحب له شهودها ومناسبة ذلك من الحديث خروجه صلى الله عليه وسلم متوكئا على غيره من شدة الضعف فكأنه يشير إلى أنه من بلغ إلى تلك الحال لا يستحب له تكلف الخروج للجماعة إلا إذا وجد من يتوكأ عليه وأن قوله في الحديث الماضي لأتوهما ولو حبوا وقع على طريق المبالغة قال ويمكن أن يقال معناه ياب الحد الذي للمريض أن يأخذ فيه بالعزيمة في شهود الجماعة انتهى ملخصا

[ 633 ] قوله مرضه الذي مات فيه سيأتي الكلام عليه مبينا في آخر المغازي في سببه ووقت ابتدائه وقدره وقد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن أشتد به المرض واستقر في بيت عائشة قوله فحضرت الصلاة هي العشاء كما في رواية موسى بن أبي عائشة الآتية قريبا في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به وسنذكر هناك الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى قوله فأذن بضم الهمزة على البناء للمفعول وفي رواية الأصيلي وأذن بالواو وهو أوجه والمراد به أذان الصلاة ويحتمل أن يكون معناه أعلم ويقويه رواية أبي معاوية عن الأعمش الآتية في باب الرجل يأتم بالإمام ولفظه جاء بلال يؤذنه بالصلاة واستفيد منه تسمية المبهم وسيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالسؤال عن حضور وقت الصلاة وأنه أراد أن يتهيأ للخروج إليها فأغمى عليه الحديث قوله مروا أبا بكر فليصل استدل به على أن الآمر بالأمر بالشيء يكون آمرا به وهي مسألة معروفة في أصول الفقه وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني أمرته وفصل النزاع أن النافى إن أراد أنه ليس أمرا حقيقة فمسلم لأنه ليس فيه صيغة أمر للثانى وإن أراد أنه لا يستلزمه فمردود والله أعلم قوله فقيل له قائل ذلك عائشة كما سيأتي قوله أسيف بوزن فعيل وهو بمعنى فاعل من الاسف وهو شدة الحزن والمراد أنه رقيق القلب ولابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عن مسروق عن عائشة في هذا الحديث قال عاصم والاسيف الرقيق الرحيم وسيأتي بعد ستة أبواب من حديث بن عمر في هذه القصة فقالت له عائشة إنه رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء ومن حديث أبي موسى نحوه ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ قالت عائشة قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر قوله فاعادوا له أي من كان في البيت والمخاطب بذلك عائشة كما ترى لكن جمع لأنهم كانوا في مقام الموافقين لها على ذلك ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد ولفظه فعادت ولابن عمر فعاودته قوله فأعاد الثالثة فقال إنكن صواحب يوسف فيه حذف بينه مالك في روايته المذكورة وأن المخاطب له حينئذ حفصة بنت عمر بأمر عائشة وفيه أيضا فمر عمر فقال مه إنكن لأنتن صواحب يوسف وصواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا فقط ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا الحديث وسيأتي بتمامه في باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى وأخرجه مسلم أيضا وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن ووقع في مرسل الحسن عند بن أبي خيثمة أن أبا بكر أمر عائشة أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف ذلك عنه فارادت التوصل إلى ذلك بكل طريق فلم يتم ووقع في أمالى بن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يظهرن تعنيفها ومقصودهن فى الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن كذا قال وليس في سياق الآية ما يساعد ما قال فائدة زاد حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في هذا الحديث أن أبا بكر هو الذي أمر عائشة أن تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر عمر بالصلاة أخرجه الدورقي في مسنده وزاد مالك في روايته التي ذكرناها فقالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا ومثله للاسماعيلى في حديث الباب وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة من المعاودة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير كما سيأتي في موضعه قوله فليصل بالناس في رواية الكشميهني للناس قوله فخرج أبو بكر فيه حذف دل عليه سياق الكلام وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة المذكورة ولفظه فأتاه الرسول أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك وفي روايته أيضا فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا يا عمر صل بالناس فقال له عمر أنت أحق بذلك انتهى وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة قال النووي تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا وليس كذلك بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء فخشي أن لا يسمع الناس انتهى ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى وعلم ما في تحملها من الخطر وعلم قوة عمر على ذلك فاختاره ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استخلف قال القرطبي ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستخلف ولا يتوقف على إذن خاص له بذلك قوله فصلى في رواية المستملى والسرخسي يصلي وظاهره أنه شرع في الصلاة ويحتمل أن يكون المراد أنه تهيأ لها وسيأتي في رواية أبي معاوية عن الأعمش بلفظ فلما دخل فى الصلاة وهو محتمل أيضا بان يكون المراد دخل في مكان الصلاة ويأتي البحث مع من حمله على ظاهره إن شاء الله تعالى قوله فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك في تلك الصلاة بعينها ويحتمل أن يكون ذلك بعد ذلك وأن يكون فيه حذف كما تقدم مثله في قوله فخرج أبو بكر وأوضح منه رواية موسى بن أبي عائشة المذكور فصلى أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة وعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء قوله يهادى بضم أوله وفتح الدال أي يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من شدة الضعف والتهادى التمايل في المشي البطئ وقوله يخطان الأرض أي لم يكن يقدر على تمكينهما من الأرض وسقط لفظ الأرض من رواية الكشميهني وفي رواية عاصم المذكورة عند بن حبان إني لأنظر إلى بطون قدميه قوله بين رجلين في الحديث الثاني من حديثي الباب أنهما العباس بن عبد المطلب وعلى بن أبي طالب ومثله في رواية موسى بن أبي عائشة ووقع في رواية عاصم المذكورة وجد خفة من نفسه فخرج بين بريرة ونوبة ويجمع كما قال النووي بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلى أو يحمل على التعدد ويدل عليه ما في رواية الدارقطني أنه خرج بين أسامة بين زيد والفضل بن العباس وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلى فذاك في حال مجيئه إلى بيت عائشة تنبيه نوبة بضم النون وبالموحدة ذكره بعضهم في النساء الصحابيات فوهم وإنما هو عبد أسود كما وقع عند سيف في كتاب الردة ويؤيده حديث سالم بن عبيد في صحيح بن خزيمة بلفظ خرج بين بريرة ورجل آخر قوله فأراد أبو بكر زاد أبو معاوية عن الأعمش فلما سمع أبو بكر حسه وفي رواية أرقم بن شرحبيل عن بن عباس في هذا الحديث فلما أحس الناس به سبحوا أخرجه بن ماجة وغيره بإسناد حسن قوله أن مكانك في رواية عاصم المذكورة أن أثبت مكانك وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر قوله ثم أتى به كذا هنا بضم الهمزة وفي رواية موسى بن أبي عائشة أن ذلك كان بأمره ولفظه فقال أجلسانى إلى جانبه فأجلساه وعين أبو معاوية عن الأعمش في إسناد حديث الباب كما سيأتي بعد أبواب مكان الجلوس فقال في روايته حتى جلس عن يسار أبي بكر وهذا هو مقام الإمام وسيأتي القول فيه وأغرب القرطبي شارح مسلم لما حكى الخلاف هل كان أبو بكر إماما أو مأموما فقال لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره انتهى ورواية أبي معاوية هذه عند مسلم أيضا فالعجب منه كيف يغفل عن ذلك في حال شرحه له قوله فقيل للأعمش الخ ظاهره الانقطاع لأن الأعمش لم يسنده لكن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلا بالحديث وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة وغيرها قوله رواه أبو داود هو الطيالسي قوله بعضه بالنصب وهو بدل من الضمير وروايته هذه وصلها البزار قال حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود به ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر كذا رواه مختصرا وهو موافق لقضية حديث الباب لكن رواه بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار عن أبي داود بسنده هذا عن عائشة قالت من الناس من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فىالصف ومنهم من يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر أخرجه بن المنذر وهذا عكس رواية أبي موسى وهو اختلاف شديد ووقع في رواية مسروق عنها أيضا اختلاف فأخرجه بن حبان من رواية عاصم عن شقيق عنه بلفظ كان أبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة ولكن تضافرت الروايات عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة منها رواية موسى بن أبي عائشة التي أشرنا إليها ففيها فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر وهذه رواية زائدة بن قدامة عن موسى وخالفه شعبة أيضا فرواه عن موسى بلفظ أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموما للجزم بها ولان أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره ومنهم من سلك عكس ذلك ورجح أنه كان إماما وتمسك بقول أبي بكر في باب من دخل ليؤم الناس حيث قال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد وأجاب عن قول أبي بكر كما سيأتي في بابه ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة غير عائشة فحديث بن عباس فيه أن أبا بكر كان مأموما كما سيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة وكذا في رواية أرقم بن شرحبيل التي أشرنا إليها عن بن عباس وحديث أنس فيه أن أبا بكر كان إماما أخرجه الترمذي وغيره من رواية حميد عن ثابت عنه بلفظ آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في ثوب وأخرجه النسائي من وجه آخر عن حميد عن أنس فلم يذكر ثابتا وسيأتي بيان ما ترتب على هذا الاختلاف من الحكم في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به قريبا إن شاء الله تعالى قوله وزاد أبو معاوية عن الأعمش جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما يعني روى الحديث المذكور أبو معاوية عن الأعمش كما رواه حفص بن غياث مطولا وشعبة مختصرا كلهم عن الأعمش بإسناده المذكور فزاد أبو معاوية ما ذكر وقد تقدمت الإشارة إلى المكان الذي وصله المصنف فيه وغفل مغلطاي ومن تبعه فنسبوا وصله إلى رواية بن نمير عن أبي معاوية في صحيح بن حبان وليس بجيد من وجهين أحدهما أن رواية بن نمير ليس فيها عن يسار أبي بكر والثاني أن نسبته إلى تخريج صاحب الكتاب أولى من نسبته لغيره فيه قوله في الحديث الثاني لما ثقل على النبي صلى الله عليه وسلم أي أشتد به مرضه يقال ثقل في مرضه إذا ركدت أعضاؤه عن خفة الحركة قوله فأذن له بفتح الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون أي الأزواج وحكى الكرماني أنه روى بضم الهمزة وكسر الذال وتخفيف النون على البناء للمجهول واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وقد تقدم حديث الزهري هذا في باب الغسل والوضوء من المخضب وفيه زيادة على الذي هنا وسيأتي في رواية بن أبي عائشة عن عبيد الله شيخ الزهري وسياقه أتم من سياق الزهري

[ 634 ] قوله قال هو علي بن أبي طالب زاد الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبر عنها بعبارة شنيعة وفي هذا رد على من تنطع فقال لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة ورد على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة إذ كان تارة يتوكأ على الفضل وتارة على أسامة وتارة على على وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العباس واختص بذلك إكراما له وهذا توهم ممن قاله والواقع خلافه لأن بن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم على فهو المعتمد والله أعلم ودعوى وجود العباس في كل مرة والذي يتبدل غيره مردودة بدليل رواية عاصم التي قدمت الإشارة إليها وغيرها صريح في أن العباس لم يكن في مرة ولا في مرتين منها والله أعلم وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة وفضيلة عمر بعده وجواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لازواجه وخصوصا لعائشة وجواز مراجعة الصغير الكبير والمشاورة في الأمر العام والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف واكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي مع الصف فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه وفيه أن البكاء ولو كثر لا يبطل الصلاة لأنه صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل عنه ولا نهاه عن البكاء وأن الإيماء يقوم مقام النطق واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته ويحتمل أن يكون للاعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى وقال الطبري إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لاهليته لذلك حتى إنه صلى خلفه واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه ويلتحق به من زحم عن الصف وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض وهو قول الشعبي واختيار الطبري وأومأ إليه البخاري كما سيأتي وتعقب بأن أبا بكر إنما كان مبلغا كما سيأتي في باب من أسمع الناس التكبير من رواية أخرى عن الأعمش وكذا ذكره مسلم على هذا فمعنى الاقتداء اقتداؤهم بصوته ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا وكان أبو بكر قائما فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين فمن ثم كان أبو بكر كالإمام في حقهم والله أعلم وفيه أتباع صوت المكبر وصحة صلاة المستمع والسامع ومنهم من شرط في صحته تقدم إذن الإمام واستدل به الطبري على أن للأمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة وعلى جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا أنه ظاهر الرواية ويؤيده أيضا أن في رواية أرقم بن شرحبيل عن بن عباس فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر واستدل به على صحة صلاة القادر على القيام قائما خلف القاعد خلافا للمالكية مطلقا ولأحمد حيث أوجب القعود على من يصلي خلف القاعد كما سيأتي الكلام عليه في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به إن شاء الله تعالى

قوله باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد والمقصود الأصلى في الجماعة إيقاعها في المسجد وقد تقدم الكلام على حديث بن عمر في كتاب الأذان وعلى حديث عتبان في باب المساجد في البيوت وسياقه هناك أتم وإسماعيل شيخه هنا هو بن أبي أويس

قوله باب هل يصلي الإمام بمن حضر أي مع وجود العلة المرخصة للتخلف فلو تكلف قوم الحضور فصلى بهم الإمام لم يكره فالأمر بالصلاة في الرحال على هذا للإباحة لا للندب ومطابقة ذلك لحديث بن عباس من

[ 637 ] قوله فيه فنظر بعضهم إلى بعض لما أمر المؤذن أن يقول الصلاة في الرحال فإنه دال على أن بعضهم حضر وبعضهم لم يحضر ومع ذلك خطب وصلى بمن حضر وأما قوله وهل يخطب يوم الجمعة في المطر فظاهر من حديث بن عباس وقد تقدم الكلام عليه في الأذان أيضا وفيه أن ذلك كان يوم الجمعة وأن قوله أنها عزمة أي الجمعة وأما مطابقة حديث أبي سعيد فمن جهة أن العادة في يوم المطر أن يتخلف بعض الناس وأما قول بعض الشراح يحتمل أن يكون ذلك في الجمعة فمردود لأنه سيأتي في الاعتكاف أنها كانت في صلاة الصبح وحديث أنس لا ذكر للخطبة فيه ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل ما في الترجمة قوله وعن حماد هو معطوف على قوله حدثنا حماد بن زيد وليس بمعلق وقد تقدم في الأذان عن مسدد عن حماد عنهما جميعا قوله نحوه أي بمعظم لفظه وجميع معناه ولهذا استثنى منه لفظ أحرجكم وأن في هذا بدلها أؤئمكم الخ ويحتمل أن يكون المراد بالاستثناء أنهما متفقان في المعنى وفي الرواية الثانية هذه الزيادة قوله فتجيئون كذا للأكثر بإثبات النون وهو على حذف مقدر وللكشميهني فتجيئوا وقد تقدمت مباحث الحديث في كتاب الأذان وحديث أبي سعيد يأتي في الاعتكاف ومسلم شيخه فيه هنا هو بن إبراهيم وهشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن وقوله

[ 638 ] سألت أبا سعيد أي عن ليلة القدر قوله في حديث أنس قال رجل من الأنصار قيل إنه عتبان بن مالك وهو محتمل لتقارب القصتين لكن لم أر ذلك صريحا وقد وقع في رواية بن ماجة الآتية أنه بعض عمومة أنس وليس عتبان عما لأنس إلا على سبيل المجاز لأنهما من قبيلة واحدة وهي الخزرج لكن كل منهما من بطن

[ 639 ] قوله معك أي في الجماعة في المسجد قوله وكان رجلا ضخما أي سمينا وفي هذا الوصف إشارة إلى علة تخلفه وقد عده بن حبان من الأعذار المرخصة في التأخر عن الجماعة وزاد عبد الحميد عن أنس وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلى فيه قوله فبسط له حصيرا سبق الكلام فيه في حديث أنس في أوائل الصلاة في باب الصلاة على الحصير قوله فصلى عليه ركعتين زاد عبد الحميد فصلى وصلينا معه قوله فقال رجل من آل الجارود في رواية على بن الجعد عن شعبة الآتية للمصنف في صلاة الضحى فقال فلان بن فلان بن الجارود وكأنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود البصري وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من رواية شعبة وأخرجه في موضع آخر من رواية خالد الحذاء كلاهما عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس وأخرجه أبن ماجة وابن حبان من رواية عبد الله بن عون عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس فاقتضى ذلك أن في رواية البخاري انقطاعا وهو مندفع بتصريح أنس بن سيرين عنده بسماعه من أنس فحينئذ رواية بن ماجة إما من المزيد في متصل الأسانيد وإما أن يكون فيها وهم لكون بن الجارود كان حاضرا عند أنس لما حدث بهذا الحديث وسأله عما سأله من ذلك فظن بعض الرواة أن له فيه رواية وسيأتي الكلام على فوائده في باب صلاة الضحى ومطابقته لهذه الترجمة إما من جهة ما يلزم من الرخصة لمن له عذر أن يتخلف عن الحضور فإن ضرورة مواظبته صلى الله عليه وسلم على الصلاة بالجماعة أن يصلي بمن بقي وإما من جهة ما ورد في طريق عبد الحميد المذكورة حيث قال أنس فصلى وصلينا معه فإنه مطابق لقوله وهل يصلي بمن حضر والله أعلم

قوله باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة قال الزين بن المنير حذف جواب الشرط في هذه الترجمة إشعارا بعدم الجزم بالحكم لقوة الخلاف انتهى وكأنه أشار بالاثرين المذكورين في الترجمة إلى منزع العلماء في ذلك فإن بن عمر حمله على إطلاقه وأشار أبو الدرداء إلى تقييده بما إذا كان القلب مشغولا بالأكل وأثر بن عمر مذكور في الباب بمعناه وأثر أبي الدرداء وصله بن المبارك في كتاب الزهد وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من طريقه

[ 640 ] قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وقد أخرجه السراج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن هشام بن عروة أيضا لكن لفظه إذا حضر وذكره المصنف في كتاب الأطعمة من طريق سفيان عن هشام بلفظ إذا حضر وقال بعده قال يحيى بن سعيد ووهيب عن هشيم إذا وضع انتهى ورواية وهيب وصلها الإسماعيلي وأخرجه مسلم من رواية بن نمير وحفص ووكيع بلفظ إذا حضر ووافق كلا جماعة من الرواة عن هشام لكن الذين رووه بلفظ إذا وضع كما قال الإسماعيلي أكثر والفرق بين اللفظين أن الحضور أعم من الوضع فيحمل قوله حضر أي بين يديه لتأتلف الروايات لاتحاد المخرج ويؤيده حديث أنس الآتي بعده بلفظ إذا قدم العشاء ولمسلم إذا قرب العشاء وعلى هذا فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء لكنه لم يقرب للاكل كما لو لم يقرب قوله وأقيمت الصلاة قال بن دقيق العيد الألف واللام فى الصلاة لا ينبغي أن تحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية بل ينبغي أن تحمل على المغرب لقوله فابداؤا بالعشاء ويترجح حمله على المغرب لقوله في الرواية الأخرى فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب والحديث يفسر بعضه بعضا وفي رواية صحيحة إذا وضع العشاء وأحدكم صائم انتهى وسنذكر من أخرج هذه الرواية في الكلام على الحديث الثاني وقال الفاكهانى ينبغي حمله على العموم نظر إلى العلة وهي التشويش المفضى إلى ترك الخشوع وذكر المغرب لا يقتضى حصرا فيها لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم انتهى وحمله على العموم إنما هو بالنظر إلى المعنى إلحاقا للجائع بالصائم وللغداء بالعشاء لا بالنظر إلى اللفظ الوارد قوله فابدؤوا بالعشاء حمل الجمهور هذا الأمر على الندب ثم اختلفوا فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق وعليه يدل فعل بن عمر الآتي وأفرط بن حزم فقال تبطل الصلاة ومنهم من اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفا نقله بن المنذر عن مالك وعند أصحابه تفصيل قالوا يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل أو كان متعلقا به لكن لا يعجله عن صلاته فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام واستحبت له الإعادة قوله عن عقيل في رواية الإسماعيلي حدثني عقيل وعنده أيضا عن بن شهاب أخبرني أنس

[ 641 ] قوله إذا قدم العشاء زاد بن حبان والطبراني في الأوسط من رواية موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن بن شهاب وأحدكم صائم وقد أخرجه مسلم من طريق بن وهب عن عمرو بدون الزيادة وذكر الطبراني أن موسى بن أعين تفرد بها انتهى وموسى ثقة متفق عليه قوله ولا تعجلوا بضم المثناة وبفتحها والجيم مفتوحة فيهما ويروى بضم أوله وكسر الجيم قوله في حديث بن عمر إذا وضع عشاء أحدكم هذا أخص من الرواية الماضية حيث قال إذا وضع العشاء فيحمل العشاء في تلك الرواية على عشاء من يريد الصلاة فلو وضع عشاء غيره لم يدخل في ذلك ويحتمل أن يقال بالنظر إلى المعنى لو كان جائعا واشتغل خاطره بطعام غيره كان كذلك وسبيله أن ينتقل عن ذلك المكان أو يتناول مأكولا يزيل شغل باله ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ ويؤيد هذا الاحتمال عموم قوله في رواية مسلم من طريق أخرى عن عائشة لا صلاة بحضرة طعام الحديث وقول أبي الدرداء الماضي إقباله على حاجته

[ 642 ] قوله ولا يعجل أي أحدكم المذكور أولا وقال الطيبي أفرد قوله يعجل نظرا إلى لفظ أحد وجمع قوله فابدؤوا نظر إلى لفظ كم قال والمعنى إذا وضع عشاء أحدكم فابدؤوا أنتم بالعشاء ولا يعجل هو حتى يفرغ معكم منه انتهى قوله وكان بن عمر هو موصول عطفا على المرفوع وقد رواه السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع فذكر المرفوع ثم قال قال نافع وكان بن عمر إذا حضر عشاؤه وسمع الإقامة وقراءة الإمام لم يقم حتى يفرغ ورواه بن حبان من طريق بن جريج عن نافع أن بن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس وكان أحيانا يلقاه وهو صائم فيقدم له عشاؤه وقد نودي للصلاة ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه ولا يعجل حتى يقضي عشاءه ثم يخرج فيصلى انتهى وهذا أصرح ما ورد عنه في ذلك قوله وأنه يسمع في رواية الكشميهني وأنه ليسمع بزيادة لام التأكيد في أوله قوله وقال زهير هو بن معاوية الجعفي وطريقه هذه موصولة عند أبي عوانة في مستخرجه وأما رواية وهب بن عثمان فقد ذكر المصنف أن إبراهيم بن المنذر رواها عنه وإبراهيم من شيوخ البخاري وقد وافق زهيرا ووهبا أبو ضمرة عند مسلم وأبو بدر عند أبي عوانة والدراوردي عند السراج كلهم عن موسى بن عقبة قال النووي في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من ذهاب كمال الخشوع ويلتحق به ما في معناه مما يشغل القلب وهذا إذا كان في الوقت سعة فإن ضاق صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز التأخير وحكى المتولى وجها أنه يبدأ بالأكل وإن خرج الوقت لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته انتهى وهذا إنما يجيء على قول من يوجب الخشوع ثم فيه نظر لأن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع بدليل صلاة الخوف والغريق وغير ذلك وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة وتستحب الإعادة عند الجمهور وادعى بن حزم أن في الحديث دلالة على امتداد الوقت في حق من وضع له الطعام ولو خرج الوقت المحدود وقال مثل ذلك في حق النائم والناسى واستدل النووي وغيره بحديث أنس على امتداد وقت المغرب واعترضه بن دقيق العيد بأنه إن أريد بذلك التوسعة إلى غروب الشفق ففيه نظر وإن أريد به مطلق التوسعة فمسلم ولكن ليس محل الخلاف المشهور فإن بعض من ذهب إلى ضيق وقتها جعله مقدرا بزمن يدخل فيه مقدار ما يتناول لقيمات يكسر بها سورة الجوع واستدل به القرطبي على أن شهود صلاة الجماعة ليس بواجب لأن ظاهره أنه يشتغل بالأكل وإن فاتته الصلاة في الجماعة وفيه نظر لأن بعض من ذهب إلى الوجوب كابن حبان جعل حضور الطعام عذرا في ترك الجماعة فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب مطلقا وفيه دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أول الوقت واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله فابدؤوا على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل وأما من شرع ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة قال النووي وصنيع بن عمر يبطل ذلك وهو الصواب وتعقب بأن صنيع أبن عمر اختيار له وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضى ما ذكروه لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما دفع شغل البال به ويؤيد ذلك حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بعده ولعل ذلك هو السر في إيراد المصنف له عقبه وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس انهما كانا يأكلان طعاما وفي التنور شواء فأراد المؤذن أن يقيم فقال له بن عباس لا تعجل لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شيء وفي رواية بن أبي شيبة لئلا يعرض لنا في صلاتنا وله عن الحسن بن على قال العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف النفس إلى الطعام فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجودا وعدما ولا يتقيد بكل ولا بعض ويستثنى من ذلك الصائم فلا تكره صلاته بحضرة الطعام إذ الممتنع بالشرع لا يشغل العاقل نفسه به لكن إذا غلب استحب له التحول من ذلك المكان فائدتان الأولى قال بن الجوزي ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله وليس كذلك وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة ثم إن طعام القوم كان شيئا يسيرا لا يقطع عن لحاق الجماعة غالبا الثانية ما يقع في بعض كتب الفقه إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ كذا في شرح الترمذي لشيخنا أبي الفضل لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين أن بن أبي شيبة أخرج عن إسماعيل وهو بن علية عن بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن رافع عن أم سلمة مرفوعا إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء فإن كان ضبطه فذاك وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بلفظ وحضرت الصلاة ثم راجعت مصنف بن أبي شيبة فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد والله أعلم

قوله باب إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل قيل أشار بهذا إلى أن الأمر الذي في الباب قبله للندب لا للوجوب وقد قدمنا قول من فصل بين ما إذا أقيمت الصلاة قبل الشروع في الأكل أو بعده فيحتمل أن المصنف كان يرى التفصيل ويحتمل تقييده في الترجمة بالإمام أنه كان يرى تخصيصه به وأما غيره من المأمومين فالأمر متوجه إليهم مطلقا ويؤيده قوله فيما سبق إذا وضع عشاء أحدكم وقد قدمنا تقرير ذلك مع بقية فوائد الحديث في باب من لم يتوضأ من لحم الشاة من كتاب الطهارة وقال الزين بن المنير لعله صلى الله عليه وسلم أخذ في خاصة نفسه بالعزيمة فقدم الصلاة على الطعام وأمر غيره بالرخصة لأنه لا يقوى على مدافعة الشهوة قوته وأيكم يملك أربه انتهى ويعكر على من استدل به على أن الأمر للندب احتمال أن يكون اتفق في تلك الحالة أنه قضى حاجته من الأكل فلا تتم الدلالة به وإبراهيم المذكور في الإسناد هو بن سعد وصالح هو بن كيسان والإسناد كله مدنيون

قوله باب من كان في حاجة أهله كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يلحق بحكم الطعام كل أمر يكون للنفس تشوف إليه إذ لو كان كذلك لم يبق للصلاة وقت في الغالب وأيضا فوضع الطعام بين يدي الآكل فيه زيادة تشوف وكلما تأخر تناوله ازداد بخلاف باقي الأمور ومحل النص إذا اشتمل على وصف يمكن اعتباره يتعين عدم إلغائه

[ 644 ] قوله في مهنة أهله بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيهما وقد فسرها في الحديث بالخدمة وهي من تفسير آدم بن أبي إياس شيخ المصنف لأنه أخرجه في الأدب عن حفص بن عمر وفي النفقات عن محمد بن عرعرة وأخرجه أحمد عن يحيى القطان وغندر والإسماعيلي من طريق بن مهدي ورواه أبو داود الطيالسي كلهم عن شعبة بدونها وفي الصحاح المهنة بالفتح الخدمة وهذا موافق لما قاله لكن فسرها صاحب المحكم باخص من ذلك فقال المهنة الحذق بالخدمة والعمل ووقع في رواية المستملى وحده في مهنة بيت أهله وهي موجهة مع شذوذها والمراد بالأهل نفسه أو ما هو أعم من ذلك وقد وقع مفسرا في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ ما كان إلا بشرا من البشر يفلى ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها يخيط ثوبه ويخصف نعله وزاد بن حبان ويرقع دلوه زاد الحاكم فى الإكليل ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادما قوله فإذا حضرت الصلاة في رواية بن عرعرة فإذا سمع الأذان وهو أخص ووقع في الترجمة فأقيمت الصلاة وهي أخص وكأنه أخذه من حديثها المتقدم في باب من انتطر الإقامة فإن فيه حتى يأتيه المؤذن للاقامة واستدل بحديث الباب على أنه لا يكره التشمير فى الصلاة وأن النهى عن كف الشعر والثياب للتنزيه لكونها لم تذكر أنه أزاح عن نفسه هيئة المهنة كذا ذكره بن بطال ومن تبعه وفيه نظر لأنه يحتاج إلى ثبوت أنه كان له هيئتان ثم لا يلزم من ترك ذكر التهيئة للصلاة عدم وقوعه وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله وترجم عليه المؤلف في الأدب كيف يكون الرجل في أهله

قوله باب من صلى بالناس الخ والحديث مطابق للترجمة وكأنه لم يجزم فيها بالحكم لما سنبينه

[ 645 ] قوله حدثنا وهيب هو بن خالد والإسناد كله بصريون قوله اني لأصلى بكم وما أريد الصلاة استشكل نفى هذا الإرادة لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قربة ومثلها لا يصح وأجيب بأنه لم يرد نفى القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة وكأنه قال ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء أو إعادة أو غير ذلك وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم وكأنه كان تعين عليه حينئذ لأنه أحد من خوطب بقوله صلوا كما رأيتموني أصلى كما سيأتي ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة قوله أصلى زاد في باب كيف يعتمد على الأرض عن معلى عن وهيب ولكني أريد أن أريكم قوله مثل شيخنا هو عمرو بن سلمة كما سيأتي في باب اللبث بين السجدتين وسياقه هناك أتم ونذكر فوائده هناك إن شاء الله تعالى تنبيه أخرج صاحب العمدة هذا الحديث وليس هو عند مسلم من حديث مالك بن الحويرث

قوله باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة أي ممن ليس كذلك ومقتضاه أن الأعلم والأفضل أحق من العالم والفاضل وذكر الفضل بعد العلم من العام بعد الخاص وسيأتي الكلام على ترتيب الأئمة بعد بابين

[ 646 ] قوله حدثنا حسين هو بن على الجعفي والإسناد سوى الراوي عنه كلهم كوفيون وأبو بردة هو بن أبي موسى ووهم من زعم أنه هنا أخوه قوله رقيق أي رقيق القلب قوله لم يستطع أي من البكاء قوله فأتاه الرسول هو بلال قوله فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي إلى أن مات وكذا صرح به موسى بن عقبة في المغازي

[ 647 ] قوله عن أبيه عن عائشة كذا رواه جماعة عن مالك موصولا وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلا ليس فيه عائشة قوله مه هي كلمة زجر بنيت على السكون قوله فليصل بالناس في رواية الكشميهني للناس وقد تقدم الكلام على فوائد هذين الحديثين في باب حد المريض أن يشهد الجماعة والظاهر أن حديث أبى موسى من مراسيل الصحابة ويحتمل أن يكون تلقاه عن عائشة أو بلال وحديث أنس من طريق الزهري سيأتي في الوفاة من آخر المغازي

[ 649 ] قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو لا إسماعيل بن إبراهيم وعبد العزيز هو بن صهيب والإسناد كله بصريون قوله ثلاثا كان ابتداؤها من حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم قاعدا كما تقدم قوله فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب هو من إجراء قال مجرى فعل وهو كثير قوله ما رأينا في رواية الكشميهني ما نظرنا وقوله فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم ليس مخالفا لقوله في أوله فتقدم أبو بكر بل في السياق حذف يظهر من رواية الزهري حيث قال فيها فنكص أبو بكر والحاصل أنه تقدم ثم ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فتأخر فأشار إليه حينئذ أن يرجع إلى مكانه فائدة وقع في حديث بن عباس في نحو هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم في تلك الحالة ألا وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا الحديث أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن معبد عنه

[ 650 ] قوله عن حمزة بن عبد الله أي بن عمر بن الخطاب وفي كلام بن بطال ما يوهم أنه حمزة بن عمرو الأسلمي وهو خطأ قوله فعاودته بفتح الدال وسكون المثناة أي عائشة وبسكون الدال وفتح النون أي هي ومن معها من النساء قوله تابعه الزبيدي أي تابع يونس بن يزيد ومتابعته هذه وصلها الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه موصولا مرفوعا وزاد فيه قولها فمر عمر وقال فيه فراجعته عائشة ومتابعة بن أخي الزهري وصلها بن عدي من رواية الدراوردي عنه ومتابعة إسحاق بن يحيى وصلها أبو بكر بن شاذان البغدادي في نسخة إسحاق بن يحيى في رواية يحيى بن صالح عنه تنبيه ظن بعضهم أن قوله عن الزهري أي موقوفا عليه وهو فاسد لما بيناه قوله وقال عقيل ومعمر الخ قال الكرماني الفرق بين رواية الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى وبين رواية عقيل ومعمر أن الأولى متابعة والثانية مقاولة أه ومراده بالمقاولة الإتيان فيها بصيغة قال وليس في اصطلاح المحدثين صيغة مقاولة وإنما السر في تركه عطف رواية عقيل ومعمر على رواية يونس ومن تابعه أنهما أرسلا الحديث وأولئك وصلوه أي أنهما خالفا يونس ومن تابعه فارسلا الحديث فأما رواية عقيل فوصلها الذهلي في الزهريات وأما معمر فاختلف عليه فرواه عبد الله بن المبارك عنه مرسلا كذلك أخرجه بن سعد وأبو يعلى من طريقه ورواه عبد الرزاق عن معمر موصولا لكن قال عن عائشة بدل قوله عن أبيه كذلك أخرجه مسلم وكأنه رجح عنده لكون عائشة صاحبة القصة ولقاء حمزة لها ممكن ورجح الأول عند البخاري لأن المحفوظ في هذا عن الزهري من حديث عائشة روايته لذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها ومما يؤيده أن في رواية عبد الرزاق عن معمر متصلا بالحديث المذكور أن عائشة قالت وقد عاودته وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر الحديث وهذه الزيادة إنما تحفظ من رواية الزهري عن عبيد الله عنها لا من رواية الزهري عن حمزة وقد روى الإسماعيلي هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن يحيى بن سليمان شيخ البخاري فيه مفصلا فجعل أوله من رواية الزهري عن حمزة عن أبيه بالقدر الذي أخرجه البخاري وآخره من رواية الزهري عن عبيد الله عنها والله أعلم

قوله باب من قام أي صلى إلى جنب الإمام لعلة أي سبب اقتضى ذلك وقد تقدم ما فيه في باب حد المريض

[ 651 ] قوله قال عروة فوجد هو بالإسناد المذكور ووهم من جعله معلقا ثم إن ظاهره الإرسال من قوله فوجد الخ لكن رواه أبن أبي شيبة عن بن نمير بهذا الإسناد متصلا بما قبله وأخرجه بن ماجة عنه وكذا وصله الشافعي عن يحيى بن حبان عن حماد بن سلمة عن هشام وكذا وصله عن عروة عنها كما تقدم ويحتمل أن يكون عروة أخذه عن عائشة وعن غيرها فلذلك قطعه عن القدر الأول الذي أخذه عنها وحدها والأصل في الإمام أن يكون متقدما على المأمومين إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأموم واحد وكذا لو كانوا عراة وما عدا ذلك يجوز ويجزى ولكن تفوت الفضيلة

قوله باب من دخل أي إلى المحراب مثلا ليؤم الناس فجاء الإمام الأول أي الراتب فتأخر الأول أي الداخل فكل منهما أول باعتبار والمعرفة إذا أعيدت كانت عين الأولى إلا بقرينة وقرينة كونها غيرها هنا ظاهرة قوله فيه عائشة يشير بالشق الأول وهو ما إذا تأخر إلى رواية عروة عنها في الباب الذي قبله حيث قال فلما رآه استأخر وبالثانى وهو ما إذا لم يستأخر إلى رواية عبد الله عنها حيث قال فأراد أن يتأخر وقد تقدمت في باب حد المريض والجواز مستفاد من التقرير وكلا الامرين قد وقعا في حديث الباب

[ 652 ] قوله عن سهل بن سعد في رواية النسائي من طريق سفيان عن أبي حازم سمعت سهلا قوله ذهب إلى بني عمرو بن عوف أي بن مالك بن الأوس والأوس أحد قبيلتى الأنصار وهما الأوس والخزرج وبنو عمرو بن عوف بطن كبير من الأوس فيه عدة أحياء كانت منازلهم بقباء منهم بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وبنو ضبيعة بن زيد وبنو ثعلبة بن عمرو بن عوف والسبب في ذهابه صلى الله عليه وسلم إليهم ما في رواية سفيان المذكورة قال وقع بين حيين من الأنصار كلام وللمؤلف في الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال اذهبوا بنا نصلح بينهم وله فيه من رواية أبي غسان عن أبي حازم فخرج في أناس من أصحابه وسمى الطبراني منهم من طريق موسى بن محمد عن أبي حازم أبي بن كعب وسهيل بن بيضاء وللمؤلف في الأحكام من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر وللطبرانى من طريق عمر بن على عن أبي حازم أن الخبر جاء بذلك وقد أذن بلال لصلاة الظهر قوله فحانت الصلاة أي صلاة العصر وصرح به في الأحكام ولفظه فلما حضرت صلاة العصر أذن وأقام وأمر أبا بكر فتقدم ولم يسم فاعل ذلك وقد أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان من رواية حماد المذكورة فبين الفاعل وأن ذلك كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه فقال لبلال إن حضرت العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم ونحوه للطبرانى من رواية موسى بن محمد عن أبي حازم وعرف بهذا أن المؤذن بلال وأما قوله لأبي بكر أتصلي للناس فلا يخالف ما ذكر لأنه يحمل على أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليلا ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم ورجح عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة قوله فأقيم بالنصب ويجوز الرفع قوله قال نعم زاد في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن شئت وهو في باب رفع الأيدي عند المؤلف وإنما فوض ذلك له لاحتمال أن يكون عنده زيادة علم من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قوله فصلى أبو بكر أي دخل في الصلاة ولفظ عبد العزيز المذكور وتقدم أبو بكر فكبر وفي رواية المسعودي عن أبي حازم فاستفتح أبو بكر الصلاة وهي عند الطبراني وبهذا مجاب عن الفرق بين المقامين حيث امتنع أبو بكر هنا أن يستمر إماما وحيث استمر في مرض موته صلى الله عليه وسلم حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرح به موسى بن عقبة في المغازي فكأنه لما أن مضى معظم الصلاة حسن الاستمرار ولما أن لم يمض منها إلا اليسير لم يستمر وكذا وقع لعبد الرحمن بن عوف حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من الصبح فإنه استمر في صلاته إماما لهذا المعنى وقصة عبد الرحمن عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة قوله فتخلص في رواية عبد العزيز فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام فىالصف الأول ولمسلم فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المتقدم قوله فصفق الناس في رواية عبد العزيز فأخذ الناس في التصفيح قال سهل أتدرون ما التصفيح هو التصفيق انتهى وهذا يدل على ترادفهما عنده فلا يلتفت إلى ما يخالف ذلك وسيأتي البحث فيه في باب مفرد قوله وكان أبو بكر لا يلتفت قيل كان ذلك لعلمه بالنهى عن ذلك وقد صح أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد كما سيأتي في باب مفرد في صفة الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق في رواية حماد بن زيد فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت قوله فأشار اليه أن امكث مكانك في رواية عبد العزيز فأشار إليه يأمره أن يصلي وفي رواية عمر بن على فدفع في صدره ليتقدم فأبى قوله فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ظاهره أنه تلفظ بالحمد لكن في رواية الحميدي عن سفيان فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرا لله ورجع القهقرى وادعى بن الجوزي أنه أشار بالشكر والحمد بيده ولم يتكلم وليس في رواية الحميدي ما يمنع أن يكون تلفظ ويقوي ذلك ما عند أحمد من رواية عبد العزيز الماجشون عن أبي حازم يا أبا بكر لم رفعت يديك وما منعك أن تثبت حين أشرت إليك قال رفعت يدي لأني حمدت الله على ما رأيت منك زاد المسعودي فلما تنحى تقدم النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه في رواية حماد بن زيد قوله أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية الحمادين والماجشون أن يؤم النبي صلى الله عليه وسلم قوله أكثرتم التصفيق ظاهره أن الإنكار إنما حصل عليهم لكثرته لا لمطلقه وسيأتي البحث فيه قوله من نابه أي أصابه قوله فليسبح في رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم فليقل سبحان الله وسيأتي في باب الإشارة في الصلاة قوله ألتفت إليه بضم المثناة على البناء للمجهول وفي رواية يعقوب المذكورة فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت قوله وإنما التصفيق للنساء في رواية عبد العزيز وإنما التصفيح للنساء زاد الحميدي والتسبيح للرجال وقد روى المصنف هذه الجملة الأخيرة مقتصرا عليها من رواية الثوري عن أبي حازم كما سيأتي في باب التصفيق للنساء ووقع في رواية حماد بن زيد بصيغة الأمر ولفظه إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء وفي هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس وجمع كلمة القبيلة وحسم مادة القطيعة وتوجه الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك وتقديم مثل ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه واستنبط منه توجه الحاكم لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رجح ذلك على استحضارهم وفيه جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر وأن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصير النائب مأموما من غير أن يقطع الصلاة ولا يبطل شيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين وادعى بن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم ونوقض بان الخلاف ثابت فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز وعن بن القاسم في الإمام يحدث فيستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف ويتم الأول أن الصلاة صحيحة وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إماما وفي بعضها مأموما وأن من أحرم منفردا ثم أقيمت الصلاة جاز له الدخول مع الجماعة من غير قطع لصلاته كذا استنبطه الطبري من هذه القصة وهو مأخوذ من لازم جواز إحرام الإمام بعد المأموم كما ذكرنا وفيه فضل أبي بكر على جميع الصحابة واستدل به جمع من الشراح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره وعلى جواز تقديم الناس لأنفسهم إذا غاب إمامهم قالوا ومحل ذلك إذا أمنت الفتنة والانكار من الإمام وأن الذي يتقدم نيابة عن الإمام يكون أصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به وأن المؤذن وغيره يعرض التقدم علىالفاضل وأن الفاضل يوافقه بعد أن يعلم أن ذلك برضا الجماعة أه وكل ذلك مبنى على أن الصحابة فعلوا ذلك بالاجتهاد وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن الإقامة واستدعاء الإمام من وظيفة المؤذن وأنه لا يقيم إلا بإذن الإمام وأن فعل الصلاة لا سيما العصر في أول الوقت مقدم على انتظار الإمام الأفضل وفيه جواز التسبيح والحمد في الصلاة لأنه من ذكر الله ولو كان مراد المسبح أعلام غيره بما صدر منه وسيأتي في باب مفرد وفيه رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء وسيأتي كذلك وفيه استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة ولو كان في الصلاة وفيه جواز الالتفات للحاجة وأن مخاطبة المصلي بالإشارة أولى من مخاطبته بالعبارة وأنها تقوم مقام النطق لمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على مخالفة إشارته وفيه جواز شق الصفوف والمشى بين المصلين لقصد الوصول إلى الصف الأول لكنه مقصور على من يليق ذلك به كالإمام أو من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه أو من أراد سد فرجة في الصف الأول أو ما يليه مع ترك من يليه سدها ولا يكون ذلك معدودا من الأذى قال المهلب لا تعارض بين هذا وبين النهى عن التخطى لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها لأن له أن يتقدم بسبب ما ينزل عليه من الأحكام وأطال في تقرير ذلك وتعقب بأن هذا ليس من الخصائص وقد أشار هو إلى المعتمد في ذلك فقال ليس في ذلك شيء من الأذى والجفاء الذي يحصل من التخطى وليس كمن شق الصفوف والناس جلوس لما فيه من تخطى رقابهم وفيه كراهية التصفيق في الصلاة وسيأتي في باب مفرد وفيه الحمد والشكر على الوجاهة في الدين وأن من أكرم بكرامة يتخير بين القبول والترك إذا فهم أن ذلك الأمر على غير جهة اللزوم وكأن القرينة التي بينت لأبي بكر ذلك هي كونه صلى الله عليه وسلم شق الصفوف إلى أن انتهى إليه فكأنه فهم من ذلك أن مراده أن يؤم الناس وأن أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام له والتنويه بقدره فسلك هو طريق الأدب والتواضع ورجح ذلك عنده احتمال نزول الوحي في حال الصلاة لتغيير حكم من أحكامها وكأنه لأجل هذا لم يتعقب صلى الله عليه وسلم اعتذاره برد عليه وفيه جواز إمامة المفضول للفاضل وفيه سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك وفيه إكرام الكبير بمخاطبته بالكنية واعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور إذ كان حد الكلام أن يقول أبو بكر ما كان لي فعدل عنه إلى قوله ما كان لابن أبي قحافة لأنه أدل على التواضع من الأول وفيه جواز العمل القليل في الصلاة لتأخر أبي بكر عن مقامه إلى الصف الذي يليه وأن من أحتاج إلى مثل ذلك يرجع القهقرى ولا يستدبر القبلة ولا ينحرف عنها واستنبط بن عبد البر منه جواز الفتح على الإمام لأن التسبيح إذا جاز جازت التلاوة من باب الأولى والله أعلم

قوله باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم هذه الترجمة مع ما سأبينه من زيادة في بعض طرق حديث الباب منتزعة من حديث أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري مرفوعا يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا الحديث ومداره على إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عنه وليسا جميعا من شرط البخاري وقد نقل بن أبي حاتم في العلل عن أبيه أن شعبة كان يتوقف في صحة هذا الحديث ولكن هو في الجملة يصلح للاحتجاج به عند البخاري وقد علق منه طرفا بصيغة الجزم كما سيأتي واستعمله هنا في الترجمة وأورد في الباب ما يؤدي معناه وهو حديث مالك بن الحويرث لكن ليس فيه التصريح باستواء المخاطبين في القراءة وأجاب الزين بن المنير وغيره بما حاصله أن تساوى هجرتهم وإقامتهم وغرضهم بها مع ما في الشباب غالبا من الفهم ثم توجه الخطاب إليهم بان يعلموا من وراءهم من غير تخصيص بعضهم دون بعض دال على استوائهم فى القراءة والتفقه في الدين قلت وقد وقع التصريح بذلك فيما رواه أبو داود من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة في هذا الحديث قال وكنا يومئذ متقاربين في العلم انتهى وأظن فىهذه الرواية إدراجا فإن بن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال قلت لأبي قلابة فأين القراءة قال إنهما كانا متقاربين وأخرجه مسلم من طريق حفص بن غياث عن خالد الحذاء وقال فيه قال الحذاء وكانا متقاربين في القراءة ويحتمل أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك هو إخبار مالك بن الحويرث كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به فينبغي الادراج عن الإسناد والله أعلم تنبيه ضمعج والد أوس بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين المهملة بعدها جيم معناه الغليظ وقوله في حديث أبي مسعود أقرؤهم قيل المراد به الأفقه وقيل هو على ظاهره وبحسب ذلك اختلف الفقهاء قال النووي قال أصحابنا الأفقه مقدم على الاقرأ فإن الذي يحتاج اليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه كأنه عنى حديث أقرؤكم أبي قال وأجابوا عن الحديث بان الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه قلت وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الافقه ثم قال النووي بعد ذلك إن قوله في حديث أبي مسعود فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم السنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم في الهجرة يدل على تقديم الاقرأ مطلقا انتهى وهو واضح للمغايرة وهذه الرواية أخرجها مسلم أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن رجاء ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة فأما إذا كان جاهلا بذلك فلا يقدم اتفاقا والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان فالاقرأ منهم بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم

[ 653 ] قوله ونحن شببة بفتح المعجمة والموحدتين جمع شاب زاد في الأدب من طريق بن علية عن أيوب شببة متقاربون والمراد تقاربهم في السن لأن ذلك كان في حال قدومهم قوله نحوا من عشرين في رواية بن علية المذكورة الجزم به ولفظه فأقمنا عنده عشرين ليلة والمراد بأيامها ووقع التصريح بذلك في روايته في خبر الواحد من طريق عبد الوهاب عن أيوب قوله رحيما فقال لو رجعتم في رواية بن علية وعبد الوهاب رحيما رقيقا فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا وسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه فقال ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ويمكن الجمع بينهما بأن يكون عرض ذلك عليهم على طريق الإيناس بقوله لو رجعتم إذ لو بدأهم بالأمر بالرجوع لأمكن أن يكون فيه تنفير فيحتمل أن يكونوا أجابوه بنعم فأمرهم حينئذ بقوله ارجعوا واقتصار الصحابي على ذكر سبب الأمر برجوعهم بأنه الشوق إلى أهليهم دون قصد التعليم هو لما قام عنده من القرينة الدالة على ذلك ويمكن أن يكون عرف ذلك بتصريح القول منه صلى الله عليه وسلم وإن كان سبب تعليمهم قومهم أشرف في حقهم لكنه أخبر بالواقع ولم يتزين بما ليس فيهم ولما كانت نيتهم صادقة صادف شوقهم إلى أهلهم الحظ الكامل في الدين وهو أهلية التعليم كما قال الإمام أحمد في الحرص على طلب الحديث حظ وافق حقا قوله وليؤمكم أكبركم ظاهره تقديم الأكبر بكثير السن وقليله وأما من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن أو القدر كالتقدم في الفقه والقراءة والدين فبعيد لما تقدم من فهم راوى الخبر حيث قال للتابعى فأين القراءة فإنه دال على أنه أراد كبر السن وكذا دعوى من زعم أن قوله وليؤمكم أكبركم معارض بقوله يؤم القوم أقرؤهم لأن الأول يقتضى تقديم الأكبر على الأقرأ والثاني عكسه ثم انفصل عنه بان قصة مالك بن الحويرث واقعة عين قابلة للاحتمال بخلاف الحديث الآخر فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم قال فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه انتهى والتنصيص على تقاربهم في العلم يرد عليه فالجمع الذي قدمناه أولى والله أعلم وفي الحديث أيضا فضل الهجرة والرحلة في طلب العلم وفضل التعليم وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والاهتمام بأحوال الصلاة وغيرها من أمور الدين وأجازة خبر الواحد وقيام الحجة به وتقدم الكلام على بقية فوائده في باب من قال يؤذن في السفر مؤذن واحد ويأتي الكلام على

[ 605 ] قوله صلوا كما رأيتموني أصلى في باب إجازة خبر الواحد إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا زار الإمام قوما فأمهم قيل أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعا من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم محمول على من عدا الإمام الأعظم وقال الزين بن المنير مراده أن الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار أو المنفعة ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحقين حق الإمام في التقدم وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه انتهى ملخصا ويحتمل أنه أشار إلى ما في حديث أبي مسعود المتقدم ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه فإن مالك الشيء سلطان عليه والإمام الأعظم سلطان على المالك وقوله إلا بإذنه يحتمل عوده على الامرين الإمامة والجلوس وبذلك جزم أحمد كما حكاه الترمذي عنه فتحصل بالإذن مراعاة الجانبين

[ 654 ] قوله حدثنا معاذ بن أسد هو مروزي سكن البصرة وليس هو أخا لمعلى بن أسد أحد شيوخ البخاري أيضا كان معاذ المذكور كاتبا لعبد الله بن المبارك وهو شيخه في هذا الإسناد وقد تقدم الكلام على حديث عتبان مستوفى في باب المساجد التي في البيوت

قوله باب إنما جعل الإمام ليؤتم به هذه الترجمة قطعة من الحديث الآتي في الباب والمراد بها أن الائتمام يقتضى متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصلاة فتنتفى المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعى عليه ولهذا صدر المصنف الباب بقوله وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه وهو جالس أي والناس خلفه قياما ولم يأمرهم بالجلوس كما سيأتي فدل على دخول التخصيص في عموم قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به قوله وقال بن مسعود الخ وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح وسياقه أتم ولفظه لا تبادروا أئمتكم بالركوع ولا بالسجود وإذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد ثم ليمكث قدر ما سبقه به الإمام انتهى وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به ومن قوله وما فاتكم فأتموا وروى عبد الرزاق عن عمر نحو قول بن مسعود ولفظه أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسه بقدر رفعه إياه وإسناده صحيح قال الزين بن المنير إذا كان الرافع المذكور يؤمر عنده بقضاء القدر الذي خرج فيه عن الإمام فأولى أن يتبعه في جملة السجود فلا يسجد حتى يسجد وظهرت بهذا مناسبة هذا الأثر للترجمة قوله وقال الحسن الخ فيه فرعان أما الفرع الأول فوصله بن المنذر في كتابه الكبير ورواه سعيد بن منصور عن هشيم عن يونس عن الحسن ولفظه في الرجل يركع يوم الجمعة فيزحمه الناس فلا يقدر على السجود قال فإذا فرغوا من صلاتهم سجد سجدتين لركعته الأولى ثم يقوم فيصلى ركعة وسجدتين ومقتضاه أن الإمام لا يتحمل الأركان فمن لم يقدر على السجود معه لم تصح له الركعة ومناسبته للترجمة من جهة أن المأموم لو كان له أن ينفرد عن الإمام لم يستمر متابعا في صلاته التي اختل بعض أركانها حتى يحتاج إلى تداركه بعد الإمام وأما الفرع الثاني فوصله بن أبي شيبة وسياقه أتم ولفظه في رجل نسي سجدة من أول صلاته فلم يذكرها حتى كان آخر ركعة من صلاته قال يسجد ثلاث سجدات فإن ذكرها قبل السلام يسجد سجدة واحدة وإن ذكرها بعد انقضاء الصلاة يستأنف الصلاة وقد تقدم الكلام على حديث عائشة الأول في باب حد المريض أن يشهد الجماعة وقد ذكرنا مناسبته للترجمة قبل

[ 655 ] وقوله فيه ضعوني ماء كذا للمستملي والسرخسي بالنون وللباقين ضعوا لي وهو أوجه وكذلك أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه والأول كما قال الكرماني محمول على تضمين الوضع معنى الإعطاء أو على نزع الخافض أي ضعونى في ماء والمخضب تقدم الكلام عليه في أبواب الوضوء وأن الماء الذي اغتسل به كان من سبع قرب وذكرت حكمة ذلك هناك قوله فذهب في رواية الكشميهني ثم ذهب لينوء بضم النون بعدها مدة أي لينهض بجهد قوله فأغمى عليه فيه أن الإغماء جائز على الأنبياء لأنه شبيه بالنوم قال النووي جاز عليهم لأنه مرض من الأمراض بخلاف الجنون فلم يجز عليهم لأنه نقص قوله ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة العشاء كذا للأكثر بلام التعليل وفي رواية المستملى والسرخسي لصلاة العشاء الآخرة وتوجيهه أن الراوي كأنه فسر الصلاة المسئول عنها في قوله صلى الله عليه وسلم أصلى الناس فذكره أي الصلاة المسئول عنها هي العشاء الآخرة قوله فخرج بين رجلين كذا للكشميهنى وللباقين وخرج بالواو قوله لصلاة الظهر هو صريح في أن الصلاة المذكورة كانت الظهر وزعم بعضهم أنها الصبح واستدل بقوله في رواية أرقم بن شرحبيل عن بن عباس وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث بلغ أبو بكر هذا لفظ بن ماجة وإسناده حسن لكن في الاستدلال به نظر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم سمع لما قرب من أبي بكر الآية التي كان انتهى إليها خاصة وقد كان هو صلى الله عليه وسلم يسمع الآية أحيانا في الصلاة السرية كما سيأتي من حديث أبي قتادة ثم لو سلم لم يكن فيه دليل على أنها الصبح بل يحتمل أن تكون المغرب فقد ثبت في الصحيحين عن أم الفضل بنت الحارث قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله وهذا لفظ البخاري وسيأتي في باب الوفاة من آخر المغازي لكن وجدت بعد في النسائي أن هذه الصلاة التي ذكرتها أم الفضل كانت في بيته وقد صرح الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بالناس في مرض موته في المسجد إلا مرة واحدة وهي هذه التي صلى فيها قاعدا وكان أبو بكر فيها أولا إماما ثم صار مأموما يسمع الناس التكبير قوله فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم كذا للأكثر وللمستملى والسرخسي وهو يأتم من الائتمام واستدل بهذا الحديث على أن استخلاف الإمام الراتب إذا اشتكى أولى من صلاته بهم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ولم يصل بهم قاعدا غير مرة واحدة واستدل به على صحة إمامة القاعد المعذور بمثله وبالقائم أيضا وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه ومحمد بن الحسن فيما حكاه الطحاوي ونقل عنه أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم واحتج بحديث جابر عن الشعبي مرفوعا لا يؤمن أحد بعدي جالسا واعترضه الشافعي فقال قد علم من احتج بهذا أن لا حجة فيه لأنه مرسل ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه يعني جابرا الجعفي وقال بن بزيزة لو صح لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون المراد منع الصلاة بالجالس أي يعرب قوله جالسا مفعولا لا حالا وحكى عياض عن بعض مشايخهم أن الحديث المذكور يدل على نسخ أمره المتقدم له بالجلوس لما صلوا خلفه قياما وتعقب بأن ذلك يحتاج لو صح إلى تاريخ وهو لا يصح لكنه زعم أنه تقوى بان الخلفاء الراشدين لم يفعله أحد منهم قال والنسخ لا يثبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن مواظبتهم على ترك ذلك تشهد لصحة الحديث المذكور وتعقب بأن عدم النقل لا يدل علىعدم الوقوع ثم لو سلم لا يلزم منه عدم الجواز لاحتمال أن يكونوا اكتفوا باستخلاف القادر على القيام للاتفاق على أن صلاة القاعد بالقائم مرجوحة بالنسبة إلى صلاة القائم بمثله وهذا كاف في بيان سبب تركهم الإمامة من قعود واحتج أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى بهم قاعدا لأنه لا يصح التقدم بين يديه لنهى الله عن ذلك ولأن الأئمة شفعاء ولا يكون أحد شافعا له وتعقب بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف وهو ثابت بلا خلاف وصح أيضا أنه صلى خلف أبي بكر كما قدمناه والعجب أن عمدة مالك في منع إمامة القاعد قول ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة مأموما خلف أبي بكر وإنكاره أن يكون صلى الله عليه وسلم أم في مرض موته قاعدا كما حكاه عنه الشافعي في الأم فكيف يدعي أصحابه عدم تصوير أنه صلى مأموما وكأن حديث إمامته المذكور لما كان في غاية الصحة ولم يمكنهم رده سلكوا في الانتصار وجوها مختلفة وقد تبين بصلاته خلف عبد الرحمن بن عوف أن المراد بمنع التقدم بين يديه في غير الإمامة وأن المراد بكون الأئمة شفعاء أي في حق من يحتاج إلى الشفاعة ثم لو سلم أنه لا يجوز أن يؤمه أحد لم يدل ذلك على منع إمامة القاعد وقد أم قاعدا جماعة من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم منهم أسيد بن حضير وجابر وقيس بن قهد وأنس بن مالك والأسانيد عنهم بذلك صحيحة أخرجها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم بل ادعى بن حبان وغيره إجماع الصحابة على صحة إمامة القاعد كما سيأتي وقال أبو بكر بن العربي لا جواب لأصحابنا عن حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم يخلص عند السبك واتباع السنة أولى والتخصيص لا يثبت بالاحتمال قال إلا أني سمعت بعض الأشياخ يقول الحال أحد وجوه التخصيص وحال النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به وعدم العوض عنه يقتضى الصلاة معه على أي حال كان عليها وليس ذلك لغيره وأيضا فنقص صلاة القاعد عن القائم لا يتصور في حقه ويتصور في حق غيره والجواب عن الأول رده بعموم قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى وعن الثاني بأن النقص إنما هو في حق القادر في النافلة وأما المعذور في الفريضة فلا نقص في صلاته عن القائم واستدل به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعدا إذا صلى الإمام قاعدا لكونه صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على القيام خلفه وهو قاعد هكذا قرره الشافعي وكذا نقله المصنف في آخر الباب عن شيخه الحميدي وهو تلميذ الشافعي وبذلك يقول أبو حنفية وأبو يوسف والأوزاعي وحكاه الوليد بن مسلم عن مالك وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين أحدهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودا ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما سواء طرأ ما يقتضى صلاة إمامهم قاعدا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائما وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم ويقوى هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد وأبعد منه ما تقدم عن نقل عياض فإنه يقتضى وقوع النسخ ثلاث مرات وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثى الشافعية كابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أخرى منها قول بن خزيمة إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا تبعا لإمامه لم يختلف في صحتها ولا في سياقها وأما صلاته صلى الله عليه وسلم قاعدا فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما قال وما لم يختلف فيه لا ينبغي تركه لمختلف فيه وأجيب بدفع الاختلاف والحمل على أنه كان إماما مرة ومأموما أخرى ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز فعلى هذا الأمر من أم قاعدا لعذر تخير من صلى خلفه بين القعود والقيام والقعود أولى لثبوت الأمر بالائتمام والاتباع وكثرة الأحاديث الواردة في ذلك وأجاب بن خزيمة عن استبعاد من استبعد ذلك بان الأمر قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واستمر عليه عمل الصحابة في حياته وبعده فروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن قهد بفتح القاف وسكون الهاء الأنصاري أن إماما لهم اشتكى لهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكان يؤمنا وهو جالس ونحن جلوس وروى بن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير أنه كان يؤم قومه فاشتكى فخرج إليهم بعد شكواه فأمروه أن يصلي بهم فقال إني لا أستطيع أن أصلى قائما فاقعدوا فصلى بهم قاعدا وهم قعود وروى أبو داود من وجه آخر عن أسيد بن حضير أنه قال يا رسول الله إن إمامنا مريض قال إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا وفي إسناده انقطاع وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا وصلوا معه جلوسا وعن أبي هريرة أنه أفتى بذلك وإسناده صحيح أيضا وقد ألزم بن المنذر من قال بأن الصحابي أعلم بتأويل ما روى بان يقول بذلك لأن أبا هريرة وجابرا رويا الأمر المذكور واستمر على العمل به والفتيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويلزم ذلك من قال إن الصحابي إذا روى وعمل بخلافة أن العبرة بما عمل من باب الأولى لأنه هنا عمل بوفق ما روى وقد ادعى بن حبان الإجماع على العمل به وكأنه أراد السكوتى لأنه حكاه عن أربعة من الصحابة الذين تقدم ذكرهم وقال إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة غيرهم القول بخلافه لا عن طريق صحيح ولا ضعيف وكذا قال بن حزم إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك ثم نازع في ثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم وهو قاعد قياما غير أبي بكر قال لأن ذلك لم يرد صريحا وأطال في ذلك بما لا طائل فيه والذي ادعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة ثم وجدته مصرحا به أيضا في مصنف عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا وجعل أبو بكر وراءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قياما وهذا مرسل يعتضد بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي وهذا هو الذي يقتضيه النظر فإنهم ابتدؤا الصلاة مع أبي بكر قياما بلا نزاع فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان ثم رأيت بن حبان استدل على أنهم قعدوا بعد أن كانوا قياما بما رواه من طريق أبي الزبير عن جابر قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره قال فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فلما سلم قال إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم فلا تفعلوا الحديث وهو حديث صحيح أخرجه مسلم لكن ذلك لم يكن في مرض موته وإنما كان ذلك حيث سقط عن الفرس كما في رواية أبي سفيان عن جابر أيضا قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه الحديث أخرجه أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح فلا حجة على هذا لما ادعاه إلا أنه تمسك بقوله في رواية أبي الزبير وأبو بكر يسمع الناس التكبير وقال إن ذلك لم يكن إلا في مرض موته لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مشربة عائشة ومعه نفر من أصحابه لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره بخلاف صلاته في مرض موته فإنها كانت في المسجد بجمع كثير من الصحابة فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير انتهى ولا راحة له فيما تمسك به لأن إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد وعلى تقدير أنه حفظه فلا مانع أن يسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة لأنه يحمل على أن صوته صلى الله عليه وسلم كان خفيا من الوجع وكان من عادته أن يجهر بالتكبير فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير لذلك ووراء ذلك كله أنه أمر محتمل لا يترك لأجله الخبر الصريح بأنهم صلوا قياما كما تقدم في مرسل عطاء وغيره بل في مرسل عطاء أنهم استمروا قياما إلى أن انقضت الصلاة نعم وقع في مرسل عطاء المذكور متصلا به بعد قوله وصلى الناس وراءه قياما فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من آمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعودا فصلوا صلاة إمامكم ما كان إن صلى قائما فصلوا قياما وان صلى قاعدا فصلوا قعودا وهذه الزيادة تقوى ما قال بن حبان أن هذه القصة كانت في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم ويستفاد منها نسخ الأمر بوجوب صلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم في هذه المرة الأخيرة بالإعادة لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز والجواز لا ينافي الاستحباب فيحمل أمره الأخير بأن يصلوا قعودا على الاستحباب لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة هذا مقتضى الجمع بين الأدلة وبالله التوفيق والله أعلم وقد تقدم الكلام على باقي فوائد هذا الحديث في باب حد المريض أن يشهد الجماعة قوله في بيته أي في المشربة التي فى حجرة عائشة كما بينه أبو سفيان عن جابر وهو دال على أن تلك الصلاة لم تكن في المسجد وكأنه صلى الله عليه وسلم عجز عن الصلاة بالناس في المسجد فكان يصلي في بيته بمن حضر لكنه لم ينقل أنه استخلف ومن ثم قال عياض أن الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده ومن كان في المسجد وهذا الذي قاله محتمل أيضا أن يكون استخلف وان لم ينقل ويلزم على الأول صلاة الإمام أعلى من المأمومين ومذهب عياض خلافه لكن له أن يقول محل المنع ما إذا لم يكن مع الإمام في مكانه العالي أحد وهنا كان معه بعض أصحابه

[ 656 ] قوله وهو شاك بتخفيف الكاف بوزن قاض من الشكاية وهي المرض وكان سبب ذلك ما في حديث أنس المذكور بعده أنه سقط عن فرس قوله فصلى جالسا قال عياض يحتمل أن يكون أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام قلت وليس كذلك وإنما كانت قدمه صلى الله عليه وسلم انفكت كما في رواية بشر بن المفضل عن حميد عن أنس عند الإسماعيلي وكذا لأبي داود وابن خزيمة من رواية أبي سفيان عن جابر كما قدمناه وأما قوله في رواية الزهري عن أنس بن مالك جحش شقه الأيمن وفي رواية يزيد عن حميد عن أنس جحش ساقه أو كتفه كما تقدم في باب الصلاة على السطوح فلا ينافي ذلك كون قدمه انفكت لاحتمال وقوع الامرين وقد تقدم تفسير الجحش بأنه الخدش والخدش قشر الجلد ووقع عند المصنف في باب يهوى بالتكبير من رواية سفيان عن الزهري عن أنس قال سفيان حفظت من الزهري شقه الأيمن فلما خرجنا قال بن جريج ساقه الأيمن قلت ورواية بن جريج أخرجها عبد الرزاق عنه وليست مصحفة كما زعم بعضهم لموافقة رواية حميد المذكورة لها وإنما هي مفسرة لمحل الخدش من الشق الأيمن لأن الخدش لم يستوعبه وحاصل ما في القصة أن عائشة أبهمت الشكوى وبين جابر وأنس السبب وهو السقوط عن الفرس وعين جابر العلة فى الصلاة قاعدا وهي انفكاك القدم وأفاد بن حبان أن هذه القصة كانت في ذي الحجة سنةخمس من الهجرة قوله وصلى وراءه قوم قياما ولمسلم من رواية عبدة عن هشام فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه الحديث وقد سمي منهم فى الأحاديث أنس كما في الحديث الذي بعده عند الإسماعيلي وجابر كما تقدم وأبو بكر كما في حديث جابر وعمر كما في رواية الحسن مرسلا عند عبد الرزاق قوله فأشار إليهم كذا للأكثر هنا من الإشارة وكذا لجميعهم في الطب من رواية يحيى القطان عن هشام ووقع هنا للحموى فأشار عليهم من المشورة والأول أصح فقد رواه أيوب عن هشام بلفظ فأومأ إليهم ورواه عبد الرزاق عن معمر عن هشام بلفظ فاخلف بيده يومئ بها إليهم وفي مرسل الحسن ولم يبلغ بها الغايه قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به قال البيضاوي وغيره الائتمام الاقتداء والاتباع أي جعل الإمام إماما ليقتدي به ويتبع ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال وقال النووي وغيره متابعة الإمام واجبة في الأفعال الظاهرة وقد نبه عليها في الحديث فذكر الركوع وغيره بخلاف النية فإنها لم تذكر وقد خرجت بدليل آخر وكأنه يعني قصة معاذ الآتية ويمكن أن يستدل من هذا الحديث على عدم دخولها لأنه يقتضى الحصر في الاقتداء به في أفعاله لافى جميع أحواله كما لو كان محدثا أو حامل نجاسة فإن الصلاة خلفه تصح لمن لم يعلم حاله على الصحيح عند العلماء ثم مع وجوب المتابعة ليس شيء منها شرطا في صحة القدوة الا تكبيرة الإحرام واختلف في الائتمام والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام من التشهد الأول وخالف الحنفية فقالوا تكفى المقارنة قالوا لأن معنى الائتمام الامتثال ومن فعل مثل فعل أمامه عد ممتثلا وسيأتي بعد باب الدليل على تحريم التقدم على الإمام في الأركان قوله فإذا ركع فاركعوا قال بن المنير مقتضاه أن ركوع المأموم يكون بعد ركوع الإمام إما بعد تمام انحنائه وأما أن يسبقه الإمام باوله فيشرع فيه بعد أن يشرع قال وحديث أنس أتم من حديث عائشة لأنه زاد فيه المتابعة في القول أيضا قلت قد وقعت الزيادة المذكورة وهي

[ 657 ] قوله وإذا قال سمع الله لمن حمده في حديث عائشة أيضا ووقع في رواية الليث عن الزهري عن أنس زيادة أخرى في الأقوال وهي قوله في أوله فإذا كبر فكبروا وسيأتي في باب إيجاب التكبير وكذا فيه من رواية الأعرج عن أبي هريرة وزاد في رواية عبدة عن هشام في الطب وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا وهو يتناول الرفع من الركوع والرفع من السجود وجميع السجدات وكذا وردت زيادة ذلك في حديث أنس الذي في الباب وقد وافق عائشة وأنسا وجابرا على رواية هذا الحديث دون القصة التي في أوله أبو هريرة وله طرق عنه عند مسلم منها ما اتفق عليه الشيخان من رواية همام عنه كما سيأتي في باب إقامة الصف وفيه جميع ما ذكر في حديث عائشة وحديث أنس بالزيادة وزاد أيضا بعد قوله ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ولم يذكرها المصنف في رواية أبي الزناد عن الأعرج عنه من طريق شعيب عن أبي الزناد في باب إيجاب التكبير لكن ذكرها السراج والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في المستخرج عنه من طريق أبي اليمان شيخ البخاري فيه وأبو عوانة من رواية بشر بن شعيب عن أبيه شيخ أبي اليمان ومسلم من رواية مغيرة بن عبد الرحمن والإسماعيلي من رواية مالك وورقاء كلهم عن أبي الزناد شيخ شعيب وأفادت هذه الزيادة أن الأمر بالاتباع يعم جميع المأمومين ولا يكفي في تحصيل الائتمام أتباع بعض دون بعض ولمسلم من رواية الأعمش عن أبي صالح عنه لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا الحديث زاد أبو داود من رواية مصعب بن محمد عن أبي صالح ولا تركعوا حتى يركع ولا تسجدوا حتى يسجد وهي زيادة حسنة تنفى احتمال إرادة المقارنة من قوله إذا كبر فكبروا فائدة جزم بن بطال ومن تبعه حتى بن دقيق العيد أن الفاء في قوله فكبروا للتعقيب قالوا ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام لكن تعقب بان الفاء التي للتعقيب هي العاطفة وأما التي هنا فهي للربط فقط لأنها وقعت جوابا للشرط فعلى هذا لا تقتضي تأخر أفعال المأموم عن الإمام إلا على القول بتقدم الشرط على الجزاء وقد قال قوم إن الجزاء يكون مع الشرط فعلى هذا لا تنتفى المقارنة لكن رواية أبي داود هذه صريحة في انتفاء التقدم والمقارنة والله أعلم قوله فقولوا ربنا ولك الحمد كذا لجميع الرواة في حديث عائشة بإثبات الواو وكذا لهم في حديث أبي هريرة وأنس إلا في رواية الليث عن الزهري في باب إيجاب التكبير فللكشميهنى بحذف الواو ورجح اثبات الواو بأن فيها معنى زائدا لكونها عاطفة على محذوف تقديره ربنا استجب أو ربنا أطعناك ولك الحمد فيشتمل على الدعاء والثناء معا ورجح قوم حذفها لأن الأصل عدم التقدير فتكون عاطفة على كلام غير تام والأول أوجه كما قال بن دقيق العيد وقال النووي ثبتت الرواية بإثبات الواو وحذفها والوجهان جائزان بغير ترجيح وسيأتي في أبواب صفة الصلاة الكلام على زيادة اللهم قبلها ونقل عياض عن القاضي عبد الوهاب أنه استدل به على أن الإمام يقتصر على قوله سمع الله لمن حمده وأن المأموم يقتصر على قوله ربنا ولك الحمد وليس في السياق ما يقتضى المنع من ذلك لأن السكوت عن الشيء لا يقتضى ترك فعله نعم مقتضاه أن المأموم يقول ربنا لك الحمد عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده فأما منع الإمام من قول ربنا ولك الحمد فليس بشيء لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما كما سيأتي في باب ما يقول عند رفع رأسه من الركوع ويأتي باقي الكلام عليه هناك قوله عن أنس في رواية شعيب عن الزهري أخبرني أنس قوله فصلى صلاة من الصلوات في رواية سفيان عن الزهري فحضرت الصلاة وكذا في رواية حميد عن أنس عند الإسماعيلي قال القرطبي اللام للعهد ظاهرا والمراد الفرض لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة وحكى عياض عن بن القاسم أنها كانت نفلا وتعقب بأن في رواية جابر عند بن خزيمة وأبي داود الجزم بأنها فرض كما سيأتي لكن لم أقف على تعيينها إلا أن في حديث أنس فصلى بنا يومئذ فكأنها نهارية الظهر أو العصر قوله فصلينا وراءه قعودا ظاهره يخالف حديث عائشة والجمع بينهما أن في رواية أنس هذه اختصارا وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس وقد تقدم في باب الصلاة في السطوح من رواية حميد عن أنس بلفظ فصلى بهم جالسا وهم قيام فلما سلم قال إنما جعل الإمام وفيها أيضا اختصار لأنه لم يذكر فيه قوله لهم اجلسوا والجمع بينهما أنهم ابتدؤا الصلاة قياما فأومأ إليهم بان يقعدوا فقعدوا فنقل كل من الزهري وحميد أحد الأمرين وجمعتهما عائشة وكذا جمعهما جابر عند مسلم وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قعد من أول الحال وهو الذي حكاه أنس وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس وهذا الذي حكته عائشة وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم لأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد لأن فرض القادر في الأصل القيام وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة وفيه بعد لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقة لزم منه ما ذكرنا من النسخ بالاجتهاد وإن كانت متاخرة لم يحتج إلى إعادة قول إنما جعل الإمام ليأتم به الخ لأنهم قد امتثلوا أمره السابق وصلوا قعودا لكونه قاعدا فائدة وقع في رواية جابر عند أبي داود أنهم دخلوا يعودونه مرتين فصلى بهم فيهما لكن بين أن الأولى كانت نافلة وأقرهم على القيام وهو جالس والثانية كانت فريضة وابتدؤا قياما فأشار إليهم بالجلوس وفي رواية بشر عن حميد عن أنس عند الإسماعيلي نحوه قوله وإذا صلى جالسا استدل به على صحة إمامة الجالس كما تقدم وادعى بعضهم أن المراد بالأمر أن يقتدى به فى جلوسه في التشهد وبين السجدتين لأنه ذكر ذلك عقب ذكر الركوع والرفع منه والسجود قال فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيما له فأمرهم بالجلوس تواضعا وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر ان كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا وتعقبه بن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد وبأن سياق طرق الحديث تأباه وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله وإذا سجد فاسجدوا فلما عدل عن ذلك إلى قوله وإذا صلى جالسا كان كقوله وإذا صلى قائما فالمراد بذلك جميع الصلاة ويؤيد ذلك قول أنس فصلينا وراءه قعودا قوله أجمعون كذا في جميع الطرق في الصحيحين بالواو إلا أن الرواة اختلفوا في رواية همام عن أبي هريرة كما سيأتي في باب إقامة الصف فقال بعضهم أجمعين بالياء والأول تاكيد لضمير الفاعل في قوله صلوا وأخطأ من ضعفه فإن المعنى عليه والثاني نصب على الحال أي جلوسا مجتمعين أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب كأنه قال أعنيكم أجمعين وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها والتأسى لمن يحصل له سقوط ونحوه بما اتفق النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وبه الاسوة الحسنة وفيه أنه يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة

قوله باب متى يسجد من خلف الإمام أي إذا اعتدل أو جلس بين السجدتين قوله وقال أنس هو طرف من حديثه الماضي في الباب قبله لكن في بعض طرقه دون بعض وسيأتي في باب إيجاب التكبير من رواية الليث عن الزهري بلفظه ومناسبته لحديث الباب مما قدمناه أنه يقتضى تقديم ما يسمى ركوعا من الإمام بناء على تقدم الشرط على الجزاء وحديث الباب يفسره

[ 658 ] قوله عن سفيان هو الثوري وأبو إسحاق هو السبيعي وعبد الله بن يزيد هو الخطمي كذا وقع منسوبا عند الإسماعيلي في رواية لشعبة عن أبي إسحاق وهو منسوب إلى خطمة بفتح المعجمة واسكان الطاء بطن من الأوس وكان عبد الله المذكور أميرا على الكوفة في زمن بن الزبير ووقع للمصنف في باب رفع البصر في الصلاة أن أبا إسحاق قال سمعت عبد الله بن يزيد يخطب وأبو إسحاق معروف بالرواية عن البراء بن عازب لكنه سمع هذا عنه بواسطة وفيه لطيفة وهي رواية صحابي بن صحابي عن صحابي بن صحابي كلاهما من الأنصار ثم من الأوس وكلاهما سكن الكوفة قوله وهو غير كذوب الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد وعلى ذلك جرى الحميدي في جمعه وصاحب العمدة لكن روى عباس الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين أنه قال قوله هو غير كذوب إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي عن البراء لا البراء ولا يقال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كذوب يعني أن هذه العبارة إنما تحسن في مشكوك في عدالته والصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تزكية وقد تعقبه الخطابي فقال هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي إنما يوجب حقيقة الصدق له قال وهذه عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوى والعمل بما روى كان أبو هريرة يقول سمعت خليلي الصادق المصدوق وقال بن مسعود حدثني الصادق المصدوق وقال عياض وتبعه النووي لا وصم في هذا على الصحابة لأنه لم يرد به التعديل وإنما أراد به تقوية الحديث إذ حدث به البراء وهو غير متهم ومثل هذا قول أبي مسلم الخولاني حدثني الحبيب الأمين وقد قال بن مسعود وأبو هريرة فذكرهما قال وهذا قالوه تنبيها على صحة الحديث لا أن قائله قصد به تعديل روايه وأيضا فتنزيه بن معين للبراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عن ذلك عبد الله بن يزيد لا وجه له فإن عبد الله بن يزيد معدود في الصحابة انتهى كلامه وقد علمت أنه أخذ كلام الخطابي فبسطه واستدرك عليه الإلزام الأخير وليس بوارد لأن يحيى بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد وقد نفاها أيضا مصعب الزبيري وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود وأثبتها بن البرقي والدارقطني وآخرون وقال 182 النووي معنى الكلام حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم فثقوا بما أخبركم به عنه وقد اعترض بعض المتأخرين على التنظير المذكور فقال كأنه لم يلم بشيء من علم البيان للفرق الواضح بين قولنا فلان صدوق وفلان غير كذوب لأن في الأول إثبات الصفة للموصوف وفي الثاني نفى ضدها عنه فهما مفترقان قال والسر فيه أن نفى الضد كأنه يقع جوابا لمن أثبته يخالف إثبات الصفة انتهى والذي يظهر لي أن الفرق بينهما أنه يقع في الاثبات بالمطابقة وفي النفي بالالتزام لكن التنظير صحيح بالنسبة إلى المعنى المراد باللفظين لأن كلا منهما يرد عليه أنه تزكية في حق مقطوع بتزكيته فيكون من تحصيل الحاصل ويحصل الانفصال عن ذلك بما تقدم من أن المراد بكل منهما تفخيم الأمر وتقويته في نفس السامع وذكر بن دقيق العيد أن بعضهم استدل على أنه كلام عبد الله بن يزيد بقول أبي إسحاق في بعض طرقه سمعت عبد الله بن يزيد وهو يخطب يقول حدثنا البراء وكان غير كذوب قال وهو محتمل أيضا قلت لكنه أبعد من الأول وقد وجدت الحديث من غير طريق أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد وفيه قوله أيضا حدثنا البراء وهو غير كذوب أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق محارب بن دثار قال سمعت عبد الله بن يزيد على المنبر يقول فذكره وأصله في مسلم لكن ليس فيه قوله وكان غير كذوب وهذا يقوي أن الكلام لعبد الله بن يزيد والله أعلم فائدة روى الطبراني في مسند عبد الله بن يزيد هذا شيئا يدل على سبب روايته لهذا الحديث فإنه أخرج من طريقه أنه كان يصلي بالناس بالكوفة فكان الناس يضعون رءوسهم قبل أن يضع رأسه ويرفعون قبل أن يرفع رأسه فذكر الحديث في إنكاره عليهم قوله إذا قال سمع الله لمن حمده في رواية شعبة إذا رفع رأسه من الركوع ولمسلم من رواية محارب بن دثار فإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده لم نزل قياما قوله لم يحن بفتح التحتانية وسكون المهملة أي لم يثن يقال حنيت العود إذا ثنيته وفي رواية لمسلم لا يحنو وهي لغة صحيحة يقال حنيت وحنوت بمعنى قوله حتى يقع ساجدا في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق حتى يضع جبهته على الأرض وسيأتي في باب سجود السهو ونحوه لمسلم من رواية زهير عن أبي إسحاق ولأحمد عن غندر عن شعبة حتى يسجد ثم يسجدون واستدل به بن الجوزي على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام وتعقب بأنه ليس فيه إلا التأخر حتى يتلبس الإمام بالركن الذي ينتقل إليه بحيث يشرع المأموم بعد شروعه وقبل الفراغ منه ووقع في حديث عمرو بن حريث عند مسلم فكان لا يحنى أحد منا ظهره حتى يستتم ساجدا ولأبي يعلى من حديث أنس حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود وهو أوضح في انتفاء المقارنة واستدل به على طول الطمأنينة وفيه نظر وعلى جواز النظر إلى الإمام لاتباعه في انتقالاته قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان نحوه هكذا في رواية المستملى وكريمة وسقط للباقين وقد أخرجه أبو عوانة عن الصغاني وغيره عن أبي نعيم ولفظه كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته

قوله باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام أي من السجود كما سيأتي بيانه قوله عن محمد بن زياد هو الجمحي مدني سكن البصرة وله في البخاري أحاديث عن أبي هريرة وفي التابعين أيضا محمد بن زياد الألهاني الحمصي وله عنده حديث واحد عن أبي أمامة في المزارعة

[ 659 ] قوله أما يخشى أحدكم في رواية الكشميهني أو لا يخشى ولأبي داود عن حفص بن عمر عن شبعة أما يخشى أو ألا يخشى بالشك وأما بتخفيف الميم حرف استفتاح مثل ألا وأصلها النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وهو هنا استفهام توبيخ قوله إذا رفع رأسه قبل الإمام زاد بن خزيمة من روية حماد بن زيد عن محمد بن زياد في صلاته وفي رواية حفص بن عمر المذكورة الذي يرفع رآسه والإمام ساجد فتبين أن المراد الرفع من السجود ففيه تعقب على من قال أن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود معا وإنما هو نص في السجود ويلتحق به الركوع لكونه في معناه ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه لأنه غاية الخضوع المطلوب منه فلذلك خص بالتنصيص عليه ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية وأما التقدم على الإمام في الخفض في الركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد من دخوله في الوسائل وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث آخر أخرجه البزار من رواية مليح بن عبد الله السعدي عن أبي هريرة مرفوعا الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفا وهو المحفوظ قوله أو يجعل الله صورته صورة حمار الشك من شعبة فقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد ومسلم من رواية يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد فأما الحمادان فقالا رأس وأما يونس فقال صورة وأما الربيع فقال وجه والظاهر أنه من تصرف الرواة قال عياض هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه قلت لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضا وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل وظاهر الحديث يقتضى تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات وبذلك جزم النووي في شرح المهذب ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته وعن بن عمر تبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهى يقتضى الفساد وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث قال ولو كانت له صلاة لرجى له الثواب ولم يخش عليه العقاب واختلف في معنى الوعيد المذكور فقيل يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوى فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام ويرجح هذا المجازى أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين لكن ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولا بد وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد ولا يلزم من التعرض للشئ وقوع ذلك الشيء قاله بن دقيق العيد وقال بن بزيزة يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معا وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك وسيأتي في كتاب الأشربة الدليل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة وهو حديث أبي مالك الأشعري في المغازي فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة الأنعام إن شاء الله تعالى ويقوى حمله على ظاهره أن في رواية بن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد أن يحول الله رأسه رأس كلب فهذا يبعد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار ومما يبعده أيضا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور فلا يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدا مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة وقال بن الجوزي في الرواية التي عبر فيها بالصورة هذه اللفظة تمنع تأويل من قال المراد رأس حمار في البلادة ولم يبين وجه المنع وفي حديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب واستدل به على جواز المقارنة ولا دلالة فيه لأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة وأما المقارنه فمسكوت عنها وقال بن بزيزة استدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ قلت وهو مذهب رديء مبنى على دعاوى بغير برهان والذي استدل بذلك منهم إنما استدل بأصل النسخ لا بخصوص هذا الحديث لطيفة قال صاحب القبس ليس للتقدم قبل الإمام سبب إلا طلب الاستعجال ودواؤه أن يستحضر أنه لا يسلم قبل الإمام فلا يستعجل في هذه الأفعال والله أعلم

قوله باب إمامة العبد والمولى أي العتيق قال الزين بن المنير لم يفصح بالجواز لكن لوح به لإيراده أدلته قوله وكانت عائشة الخ وصله أبو داود في كتاب المصاحف من طريق أيوب عن بن أبي مليكة أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف ووصله بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاما لها عن دبر فكان يؤمها في رمضان في المصحف ووصله الشافعي وعبد الرزاق من طريق أخرى عن بن أبي مليكة أنه كان يأتي عائشة بأعلى الوادي هو وأبوه وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو يومئذ غلام لم يعتق وأبو عمرو المذكور هو ذكوان وإلى صحة إمامة العبد ذهب الجمهور وخالف مالك فقال لا يؤم الأحرار إلا إن كان قارئا وهم لا يقرأون فيؤمهم إلا في الجمعة لأنها لا تجب عليه وخالفه أشهب واحتج بأنها تجزئه إذا حضرها قوله في المصحف استدل به على جواز قراءة المصلي من المصحف ومنع منه آخرون لكونه عملا كثيرا في الصلاة قوله وولد البغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة والتشديد أي الزانية ونقل بن التين أنه رواه بفتح الموحدة وسكون المعجمة والتخفيف والأول أولى وهو معطوف على قوله والمولى لكن فصل بين المتعاطفين بأثر عائشة وغفل القرطبي في مختصر البخاري فجعله من بقية الأثر المذكور وإلى صحة إمامة ولد الزنا ذهب الجمهور أيضا وكان مالك يكره أن يتخذ إماما راتبا وعلته عنده أنه يعير معرضا لكلام الناس فيأثمون بسببه وقيل لأنه ليس في الغالب من يفقهه فيغلب عليه الجهل قوله والأعرابي بفتح الهمزة أي ساكن البادية وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور أيضا وخالف مالك وعلته عنده غلبة الجهل على سكان البوادي وقيل لأنهم يديمون نقص السنن وترك حضور الجماعة غالبا قوله والغلام الذي لم يحتلم ظاهره أنه أراد المراهق ويحتمل الأعم لكن يخرج منه من كان دون سن التمييز بدليل آخر ولعل المصنف راعى اللفظ الوارد في النهى عن ذلك وهو فيما رواه عبد الرزاق من حديث بن عباس مرفوعا لا يؤم الغلام حتى يحتلم وإسناده ضعيف وقد أخرج المصنف في غزوة الفتح حديث عمرو بن سلمة بكسر اللام أنه كان يؤم قومه وهو بن سبع سنين وقيل إنما لم يستدل به هنا لأن أحمد بن حنبل توقف فيه فقيل لأنه ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذ لك وقيل لاحتمال أن يكون أراد أنه كان يؤمهم في النافلة دون الفريضة وأجيب عن الأول بان زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحد من الصحابة التقرير على ما لا يجوز فعله ولهذا استدل أبو سعيد وجابر على جواز العزل بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل كما سيأتي في موضعه وأيضا فالوفد الذين قدموا عمرو بن سلمة كانوا جماعة من الصحابة وقد نقل بن حزم أنه لا يعلم لهم في ذلك مخالف منهم وعن الثاني بان سياق رواية المصنف تدل على أنه كان يؤمهم في الفرائض لقوله فيه صلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة الحديث وفي رواية لأبي داود قال عمرو فما شهدت مشهدا في جرم إلا كنت إمامهم وهذا يعم الفرائض والنوافل واحتج بن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤمهم أقرؤهم قال فعلى هذا إنما يؤم من يتوجه إليه الأمر والصبي ليس بمأمور لأن القلم رفع عنه فلا يؤم كذا قال ولا يخفى فساده لأنا نقول المأمور من يتوجه إليه الأمر من البالغين بأنهم يقدمون من اتصف بكونه أكثر قرآنا فبطل ما احتج به وإلى صحة إمامة الصبي ذهب أيضا الحسن البصري والشافعي وإسحاق وكرهها مالك والثوري وعن أبي حنيفة وأحمد روايتان والمشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله أي فكل من اتصف بذلك جازت إمامته من عبد وصبي وغيرهما وهذا طرف من حديث أبي مسعود الذي ذكرناه في باب أهل العلم أحق بالإمامة وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن بلفظ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله الحديث وفي الحديث عمرو بن سلمة المذكور عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وليؤمكم أكثركم قرآنا وفي حديث أبي سعيد عند مسلم أيضا إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالامامه أقرؤهم واستدل بقوله أقرؤهم على أن إمامة الكافر لا تصح لأنه لا قراءة له قوله ولا يمنع العبد من الجماعة هذا من كلام المصنف وليس من الحديث المعلق قوله بغير علة أي بغير ضرورة لسيده فلو قصد تفويت الفضيلة عليه بغير ضرورة لم يكن له ذلك وسنذكر مستنده في الكلام على قصة سالم في أول حديثي الباب

[ 660 ] قوله عن عبيد الله هو العمري قوله لما قدم المهاجرون الأولون أي من مكة إلى المدينة وبه صرح في رواية الطبراني قوله العصبة بالنصب على الظرفية لقوله قدم كذا في جميع الروايات وفي رواية أبي داود نزلوا العصبة أي المكان المسمى بذلك وهو بإسكان الصاد المهملة بعدها موحدة واختلف في أوله فقيل بالفتح وقيل بالضم ثم رأيت في النهاية ضبطه بعضهم بفتح العين والصاد المهملتين قال أبو عبيد البكري لم يضبطه الأصيلي في روايته والمعروف المعصب بوزن محمد بالتشديد وهو موضع بقباء قوله وكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة زاد في الأحكام من رواية بن جريج عن نافع وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة أي بن عبد الأسد وزيد أي بن حارثة وعامر بن ربيعة واستشكل ذكر أبي بكر فيهم إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كان رفيقه ووجهه البيهقي باحتمال أن يكون سالم المذكور استمر على الصلاة بهم فيصح ذكر أبي بكر ولا يخفى ما فيه ووجه الدلالة منه إجماع كبار الصحابة القرشيين على تقديم سالم عليهم وكان سالم المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته وكأن إمامته بهم كانت قبل أن يعتق وبذلك تظهر مناسبة قول المصنف ولا يمنع العبد وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه لازم أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بعد أن عتق فتبناه فلما نهوا عن ذلك قيل له مولاه كما سيأتي في موضعه واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما قوله وكان أكثرهم قرآنا إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه وفي رواية للطبرانى لأنه كان أكثرهم قرآنا

[ 661 ] قوله حدثنا يحيى هو القطان قوله اسمعوا وأطيعوا أي فيما فيه طاعة لله قوله وان استعمل أي جعل عاملا وللمصنف في الأحكام عن مسدد عن يحيى وإن استعمل عليكم عبد حبشي وهو أصرح في مقصود الترجمة وذكره بعد باب من طريق غندر عن شعبة بلفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أسمع وأطع الحديث وقد أخرجه مسلم من طريق غندر أيضا لكن بإسناد له آخر عن شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال أن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع وأطع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف وأخرجه الحاكم والبيهقي من هذا الوجه وفيه قصة أن أبا ذر انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبد يؤمهم قال فقيل هذا أبو ذر فذهب يتأخر فقال أبو ذر أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وأخرج مسلم أيضا من طريق غندر أيضا عن شعبة عن يحيى بن الحصين سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله وفي هذه الرواية فائدتان تعيين جهة الطاعة وتاريخ الحديث وأنه كان في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم قوله كأن رأسه زبيبة قيل شبهه بذلك لصغر رأسه وذلك معروف في الحبشة وقيل لسواده وقيل لقصر شعر رأسه وتفلفله ووجه الدلالة منه على صحة إمامة العبد أنه إذا أمر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه قاله بن بطال ويحتمل أن يكون ماخوذا من جهة ما جرت به عادتهم أن الأمير هو الذي يتولى الإمامة بنفسه أو نائبه واستدل به على المنع من القيام على السلاطين وإن جاروا لأن القيام عليهم يفضى غالبا إلى أشد مما ينكر عليهم ووجه الدلالة منه أنه أمر بطاعة العبد الحبشي والإمامة العظمى إنما تكون بالاستحقاق في قريش فيكون غيرهم متغلبا فإذا أمر بطاعته استلزم النهى عن مخالفته والقيام عليه ورده بن الجوزي بأن المراد بالعامل هنا من يستعمله الأمام لا من يلي الإمامة العظمى وبأن المراد بالطاعة الطاعة فيما وافق الحق انتهى ولا مانع من حمله على أعم من ذلك فقد وجد من ولي الإمامة العظمى من غير قريش من ذوي الشوكة متغلبا وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأحكام وقد عكسه بعضهم فاستدل به على جواز الإمامة في غير قريش وهو متعقب إذ لا تلازم بين الأجزاء والجواز والله أعلم

قوله باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه يشير بذلك إلى حديث عقبة بن عامر وغيره كما سيأتي

[ 662 ] قوله حدثنا الفضل بن سهل هو البغدادي المعروف بالأعرج من صغار شيوخ البخاري ومات قبله بسنة قوله يصلون أي الأئمة واللام في قوله لكم للتعليل قوله فإن أصابوا فلكم أي ثواب صلاتكم زاد أحمد عن الحسن بن موسى بهذا السند ولهم أي ثواب صلاتهم وهو يغنى عن تكلف توجيه حذفها وتمسك بن بطال بظاهر الرواية المحذوفة فزعم أن المراد بالاصابة هنا إصابة الوقت واستدل بحديث بن مسعود مرفوعا لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة وهو حديث حسن أخرجه النسائي وغيره فالتقدير على هذا فإن أصابوا الوقت وإن في أهل اللغة نكتب أخطأوا الوقت فلكم يعني الصلاة التي في الوقت انتهى وغفل عن الزيادة التي في رواية أحمد فإنها تدل على أن المراد صلاتهم معهم لا عند الانفراد وكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن الحسن بن موسى وقد أخرج بن حبان حديث أبي هريرة من وجه آخر أصرح في مقصود الترجمة ولفظه يكون أقوام يصلون الصلاة فإن أتموا فلكم ولهم وروى أبو داود من حديث عقبة بن عامر مرفوعا من أم الناس فأصاب الوقت فله ولهم وفي رواية أحمد في هذا الحديث فإن صلوا الصلاة لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهي لكم ولهم فهذا يبين أن المراد ما هو أعم من ترك إصابة الوقت قال بن المنذر هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه قوله وأن أخطؤا أي ارتكبوا الخطيئة ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد لأنه لا إثم فيه قال المهلب فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه ووجه غيره قوله إذا خيف منه بأن الفاجر إنما يؤم إذا كان صاحب شوكة وقال البغوي في شرح السنة فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثا أنه تصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة واستدل به غيره على أعم من ذلك وهو صحة الائتمام بمن يخل بشيء من الصلاة ركنا كان أو غيره إذا أتم المأموم وهو وجه عند الشافعية بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه والأصح عندهم صحة الاقتداء إلا بمن علم أنه ترك واجبا ومنهم من استدل به على الجواز مطلقا بناء على أن المراد بالخطأ ما يقابل العمد قال ومحل الخلاف في الأمور الاجتهادية كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة ولا أنها من أركان القراءة ولا أنها آية من الفاتحة بل يرى أن الفاتحة تجزئ بدونها قال فإن صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البسملة لأن غاية حال الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ وقد دل الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب تنبيه حديث الباب من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال وقد ذكرنا له شاهدا عند بن حبان وروى الشافعي معناه من طريق صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ يأتي قوم فيصلون لكم فإن أتموا كان لهم ولكم وإن نقصوا كان عليهم ولكم

قوله باب إمامة المفتون أي الذي دخل في الفتنة فخرج على الإمام ومنهم من فسره بما هو أعم من ذلك قوله والمبتدع أي من اعتقد شيئا مما يخالف أهل السنة والجماعة قوله وقال الحسن صل وعليه بدعته وصله سعيد بن منصور عن بن المبارك عن هشام بن حسان أن الحسن سئل عن الصلاة خلف صاحب البدعة فقال الحسن صل خلفه وعليه بدعته

[ 663 ] قوله وقال لنا محمد بن يوسف هو الفريابي قيل عبر بهذه الصيغة لأنه مما أخذه من شيخه في المذاكرة فلم يقل فيه حدثنا وقيل إن ذلك مما تحمله بالإجازة أو المناولة أو العرض وقيل هو متصل من حيث اللفظ منقطع من حيث المعنى والذي ظهر لي بالاستقراء خلاف ذلك وهو أنه متصل لكنه لا يعبر بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفا أو كان فيه راو ليس على شرطه والذي هنا من قبيل الأول وقد وصله الإسماعيلي من رواية محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قوله عن حميد بن عبد الرحمن أي بن عوف وفي رواية الإسماعيلي أخبرنى حميد وأخرجه الإسماعيلي من طريق أخرى عن الأوزاعي وخالفه يونس بن يزيد فقال عن الزهري عن عروة أخرجه الإسماعيلي أيضا وكذلك رواه معمر عن الزهري أخرجه عمر بن شبة في كتاب مقتل عثمان عن غندر عنه ويحتمل أن يكون للزهري فيه شيخان قوله عن عبيد الله بن عدي في رواية بن المبارك عن الأوزاعي عند الإسماعيلي وأبي نعيم حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار من بني نوفل بن عبد مناف وعبيد الله المذكور تابعي كبير معدود في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان عثمان من أقارب أمه كما سيأتي في موضعه قوله انك إمام عامة أي جماعة وفي رواية يونس وأنت الإمام أي الأعظم قوله ونزل بك ما نرى أي من الحصار قوله ويصلي لنا أي يؤمنا قوله إمام فتنة أي رئيس فتنة واختلف في المشار إليه بذلك فقيل هو عبد الرحمن بن عديس البلوي أحد رءوس المصريين الذين حصروا عثمان قاله بن وضاح فيما نقله عنه بن عبد البر وغيره وقاله بن الجوزي وزاد إن كنانة بن بشر أحد رءوسهم صلى بالناس أيضا قلت وهو المراد هنا فإن سيف بن عمر روى حديث الباب في كتاب الفتوح من طريق أخرى عن الزهري بسنده فقال فيه دخلت على عثمان وهو محصور وكنانة يصلي بالناس فقلت كيف ترى الحديث وقد صلى بالناس يوم حصر عثمان أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري لكن بإذن عثمان ورواه عمر بن شبة بسند صحيح ورواه بن المديني من طريق أبي هريرة وكذلك صلى بهم على بن أبي طالب فيما رواه إسماعيل الخطى في تاريخ بغداد من رواية ثعلبة بن يزيد الحماني قال فلما كان يوم عيد الأضحى جاء على فصلى بالناس وقال بن المبارك فيما رواه الحسن الحلواني لم يصل بهم غيرها وقال غيره صلى بهم عدة صلوات وصلى بهم أيضا سهل بن حنيف رواه عمر بن شبة بإسناد قوي وقيل صلى بهم أيضا أبو أيوب الأنصاري وطلحة بن عبيد الله وليس واحد من هؤلاء مرادا بقوله إمام فتنة وقال الداودي معنى قوله إمام فتنة أي إمام وقت فتنة وعلى هذا لا اختصاص له بالخارجى قال ويدل على صحة ذلك أن عثمان لم يذكر الذي أمهم بمكروه بل ذكر أن فعله أحسن الأعمال انتهى وهذا مغاير لمراد المصنف من ترجمته ولوكان كما قال لم يكن قوله ونتحرج مناسبا قوله ونتحرج في رواية بن المبارك وأنا لنتحرج من الصلاة معه والتحرج التأثم أي نخاف الوقوع في الإثم وأصل الحرج الضيق ثم استعمل للإثم لأنه يضيق على صاحبه قوله فقال الصلاة أحسن في رواية بن المبارك أن الصلاة أحسن وفي رواية معقل بن زياد عن الأوزاعي عند الإسماعيلي من أحسن قوله فإذا أحسن الناس فأحسن ظاهره أنه رخص له في الصلاة معهم كأنه يقول لا يضرك كونه مفتونا بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه واترك ما افتنن به وهو المطابق لسياق الباب وهو الذي فهمه الداودي حتى أحتاج إلى تقدير حذف في قوله إمام فتنة وخالف بن المنير فقال يحتمل أن يكون رأى أن الصلاة خلفه لا تصح فحاد عن الجواب بقوله إن الصلاة أحسن لأن الصلاة التي هي أحسن هي الصلاة الصحيحة وصلاة الخارجي غير صحيحة لأنه إما كافر أو فاسق انتهى وهذا قاله نصرة لمذهبه في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق وفيه نظر لأن سيفا روى في الفتوح عن سهل بن يوسف الأنصاري عن أبيه قال كره الناس الصلاة خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان فإنه قال من دعا إلى الصلاة فأجيبوه انتهى فهذا صريح في أن مقصوده بقوله الصلاة أحسن الإشارة إلى الإذن بالصلاة خلفه وفيه تأييد لما فهمه المصنف من قوله إمام فتنة وروى سعيد بن منصور من طريق مكحول قال قالوا لعثمان إنا نتحرج أن نصلي خلف هؤلاء الذين حصروك فذكر نحو حديث الزهري وهذا منقطع إلا أنه اعتضد قوله وإذا أساؤا فاجتنب فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة ولا سيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة وفيه رد على من زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام قوله وقال الزبيدي بضم الزاي هو محمد بن الوليد قوله المخنث رويناه بكسر النون وفتحها فالأول المراد به من فيه تكسر وتثن وتشبه بالنساء والثاني المراد به من يؤتى وبه جزم أبو عبد الملك فيما حكاه بن التين محتجا بأن الأول لا مانع من الصلاة خلفه إذا كان ذلك أصل خلقته ورد بان المراد من يتعمد ذلك فيتشبه بالنساء فإن ذلك بدعة قبيحة ولهذا جوز الداودي أن يكون كل منهما مرادا قال بن بطال ذكر البخاري هذه المسألة هنا لأن المخنث مفتتن في طريفته قوله الا من ضرورة أي بأن يكون ذا شوكة أو من جهته فلا تعطل الجماعة بسببه وقد رواه معمر عن الزهري بغير قيد أخرجه عبد الرزاق عنه ولفظه قلت فالمخنث قال لا ولا كرامة لا يؤتم به وهو محمول على حالة الاختيار

[ 664 ] قوله حدثنا محمد بن أبان هو البلخي مستملي وكيع وقيل الواسطي وهو محتمل لكن لم نجد للواسطى رواية عن غندر بخلاف البلخي وقد تقدم عنه بموضع آخر في المواقيت وهذا جميع ما أخرج عنه البخاري قوله أسمع وأطع تقدم الكلام عليه قبل بباب قال بن المنير وجه دخوله في هذا الباب أن الصفة المذكورة إنما توجد غالبا في عجمى حديث عهد بالإسلام لا يخلو من جهل بدينه وما يخلو من هذه صفته عن ارتكاب البدعة ولو لم يكن الا افتتانه بنفسه حتى تقدم للإمامة وليس من أهلها

قوله باب يقوم أي المأموم عن يمين الإمام بحذائه بكسر المهملة وذال معجمة بعدها مدة أي بجنبه فأخرج بذلك من كان خلفه أو مائلا عنه وقوله سواء أخرج به من كان إلى جنبه لكن على بعد عنه كذا قال الزين بن المنير والذي يظهر أن قوله بحذائه يخرج هذا أيضا وقوله سواء أي لا يتقدم ولا يتأخر وفي انتزاع هذا من الحديث الذي أورده بعد وقد قال أصحابنا يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه فقد تقدم في الطهارة من رواية مخرمة عن كريب عن بن عباس بلفظ فقمت إلى جنبه وظاهره المساواة وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس نحوا من هذه القصة وعن بن جريج قال قلت لعطاء الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه قال إلى شقه الأيمن قلت أيحاذى به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر قال نعم قلت أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجه قال نعم وفي الموطأ عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقربنى حتى جعلني حذاءه عن يمينه قوله إذا كانا أي إماما ومأموما بخلاف ما إذا كانا مأمومين مع إمام فلهما حكم آخر تنبيه هكذا في جميع الروايات باب بالتنوين يقوم الخ وأورده الزين بن المنير بلفظ باب من يقوم بالإضافة وزيادة من وشرحه على ذلك وتردد بين كونها موصولة أو استفهامية ثم أطال في حكمة ذلك وأن سببه كون المسألة مختلفا فيها والواقع أن من محذوفة والسياق ظاهر في أن المصنف جازم بحكم المسألة لا متردد والله أعلم وقد نقل بعضهم الاتفاق على أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام إلا النخعي فقال إذا كان الإمام ورجل قام الرجل خلف الإمام فإن ركع الإمام قبل أن يحئ أحد قام عن يمينه أخرجه سعيد بن منصور ووجهه بعضهم بان الإمام مظنة الاجتماع فاعتبرت في موقف المأموم حتى يظهر خلاف ذلك وهو حسن لكنه مخالف للنص وهو قياس فاسد ثم ظهر لي أن إبراهيم إنما كان يقول بذلك حيث يظن ظنا قويا مجيء ثان وقد روى سعيد بن منصور أيضا عنه قال ربما قمت خلف الأسود وحدي حتى يجيء المؤذن وذكر البيهقي أنه يستفاد من حديث الباب امتناع تقديم المأموم على الإمام خلافا لمالك لما في رواية مسلم فقمت عن يساره فأدارنى من خلفه حتى جعلني عن يمينه وفيه نظر

قوله باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام الخ وجه الدلالة من حديث بن عباس المذكور أنه صلى الله عليه وسلم لم يبطل صلاة بن عباس مع كونه قام عن يساره أولا وعن أحمد تبطل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقره على ذلك والأول هو قول الجمهور بل قال سعيد بن المسيب إن موقف المأموم الواحد يكون عن يسار الإمام ولم يتابع على ذلك

[ 666 ] قوله حدثنا أحمد لم أره منسوبا في شيء من الروايات لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه بن صالح وأخرجه من طريق قوله عمرو هو بن الحارث المصري وكذا وقع عند أبي نعيم قوله عن عبد ربه بفتح الراء وتشديد الموحدة وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري وفي الإسناد ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق قوله نمت في رواية الكشميهني بت قوله فأخذني فجعلني قد تقدم أنه أداره من خلفه واستدل به على أن مثل ذلك من العمل لا يفسد الصلاة كما سيأتي قوله قال عمرو أي بن الحارث المذكور بالإسناد المذكور إليه ووهم من زعم أنه من تعليق البخاري فقد ساقه أبو نعيم مثل سياقه وبكير المذكور في هذا هو بن عبد الله بن الأشج واستفاد عمرو بن الحارث بهذه الرواية عنه العلو برجل

قوله باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم الخ لم يجزم بحكم المسألة لما فيه من الاحتمال لأنه ليس في حديث بن عباس التصريح بان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو الإمامة كما أنه ليس فيه أنه نوى لا في ابتداء صلاته ولا بعد أن قام بن عباس فصلى معه لكن في إيقافه إياه منه موقف المأموم ما يشعر بالثاني وأما الأول فالأصل عدمه وهذه المسألة مختلف فيها والأصح عند الشافعية لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة واستدل بن المنذر أيضا بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في شهر رمضان قال فجئت فقمت إلى جنبه وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطا فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوز في صلاته الحديث وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداء وائتموا هم به وأقرهم وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخاري كما سيأتي في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى وذهب أحمد إلى التفرقة بين النافلة والفريضة فشرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة وفيه نظر لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم

[ 667 ] قوله عن عبد الله بن سعيد بن جبير هو من أقران أيوب الراوي عنه ورجال الإسناد كلهم بصريون وسيأتي الكلام على بقية فوائد حديث بن عباس المذكور في هذه الأبواب الثلاثة تاما في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا طول الإمام وكان للرجل أي المأموم حاجة فخرج وصلى وللكشميهني فصلى بالفاء وهذه الترجمة عكس التي قبلها لأن في الأولى جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وفي الثانية جواز قطع الائتمام بعد الدخول فيه وأما قوله في الترجمة فخرج فيحتمل أنه خرج من القدوة أو من الصلاة رأسا أو من المسجد قال بن رشيد الظاهر أن المراد خرج إلى منزله فصلى فيه وهو ظاهر قوله في الحديث فانصرف الرجل قال وكان سبب ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يصلي أصلاتان معا كما تقدم قلت وليس الواقع كذلك فإن في رواية النسائي فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد وهذا يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة لكن في مسلم فانحرف الرجل فسلم ثم صلى وحده واعلم أن هذا الحديث رواه عن جابر عمرو بن دينار ومحارب بن دثار وأبو الزبير وعبيد الله بن مقسم فرواية عمرو للمصنف هنا عن شعبة وفي الأدب عن سليم بن حيان ولمسلم عن أبي عيينة ثلاثتهم عنه ورواية محارب تأتي بعد بابين وهي عند النسائي مقرونه بأبي صالح ورواية أبي الزبير عند مسلم ورواية عبيد الله عند بن خزيمة وله طرق أخرى غير هذه سأذكر ما يحتاج إليه منها معزوا وإنما قدمت ذكر هذه لتسهل الحوالة عليه

[ 668 ] قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم والظاهر أن روايته عن شعبة مختصرة كما هنا وكذلك أخرجها البيهقي من طريق محمد بن أيوب الرازي عنه وقال الكرماني الظاهر من قوله فصلى العشاء الخ داخل تحت الطريق الأولى وكان الحامل له على ذلك أنها لو خلت عن ذلك لم تطابق الترجمة ظاهرا لكن لقائل أن يقول إن مراد البخاري بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد كما أن في الطريق الثانية فائدة التصريح بسماع عمرو من جابر

[ 669 ] قوله يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم من رواية منصور عن عمرو عشاء الآخرة فكأن العشاء هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين قوله ثم يرجع فيؤم قومه في رواية منصور المذكورة فيصلى بهم تلك الصلاة وللمصنف في الأدب فيصلى بهم الصلاة أي المذكورة وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير الصلاة التي كان يصليها بقومه وفي رواية بن عيينة فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء تم أتى قومه فأمهم وفي رواية الحميدي عن بن عيينة ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم ولا مخالفة فيه لأن قومه هم بنو سلمة وفي رواية الشافعي عنه ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة ولأحمد ثم يرجع فيؤمنا قوله فصلى العشاء كذا في معظم الروايات ووقع في رواية لأبي عوانة والطحاوي من طريق محارب صلى بأصحابه المغرب وكذا لعبد الرزاق من رواية أبي الزبير فإن حمل على تعدد القصة كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازا تم وإلا فما في الصحيح أصح قوله فقرأ بالبقرة استدل به على من يكره أن يقول البقرة بل يقول سورة البقرة لكن في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه فقرأ سورة البقرة ولمسلم عن بن عيينة نحوه وللمصنف في الأدب فقرأ بهم البقرة فالظاهر أن ذلك من تصرفات الرواة والمراد أنه ابتدأ في قراءتها وبه صرح مسلم ولفظه فافتتح سورة البقرة وفي رواية محارب فقرأ بسورة البقرة أو النساء على الشك وللسراج من رواية مسعر عن محارب فقرأ بالبقرة والنساء كذا رأيته بخط الزكى البرزالى بالواو فإن كان ضبطه احتمل أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة وفي الثانية بالنساء ووقع عند أحمد من حديث بريدة بإسناد قوي فقرأ اقتربت الساعة وهي شاذة إلا إن حمل على التعدد ولم يقع في شيء من الطرق المتقدمة تسمية هذا الرجل لكن روى أبو داود الطيالسي في مسنده والبزار من طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبية قال مر حزم بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العتمة فافتتح بسورة طويلة ومع حزم ناضح له الحديث قال البزار لا نعلم أحدا أسماء عن جابر إلا بن جابر أه وقد رواه أبو داود في السنن من وجه آخر عن طالب فجعله عن بن جابر عن حزم صاحب القصة وابن جابر لم يدرك حزما ووقع عنده صلاة المغرب وهو نحو ما تقدم من الاختلاف في رواية محارب ورواه بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فسماه حازما وكأنه صحفه أخرجه بن شاهين من طريقة ورواه أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقى نخله الحديث كذا فيه براء بعدها ألف وظن بعضهم أنه حرام بن ملحان خال أنس وبذلك جزم الخطيب في المبهمات لكن لم أره منسوبا في الرواية ويحتمل أن يكون تصحيفا من حزم فتجتمع هذه الروايات وإلى ذلك يومئ صنيع بن عبد البر فإنه ذكر في الصحابة حرام بن أبي بن كعب وذكر له هذه القصة وعزا تسميته لرواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس ولم أقف في رواية عبد العزيز على تسمية أبيه وكأنه بني على أن اسمه تصحف والأب واحد سماه جابر ولم يسمه أنس وجاء في تسميته قول آخر أخرجه أحمد أيضا من رواية معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة يقال له سليم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسى فنصلى فيأتي معاذ بن جبل فينادى بالصلاة فناتيه فيطول علينا الحديث وفيه أنه استشهد بأحد وهذا مرسل لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه وقد رواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ بن رفاعة أن رجلا من بني سلمة فذكره مرسلا ورواه البزار من وجه آخر عن جابر وسماه سليما أيضا لكن وقع عند بن حزم من هذا الوجه أن اسمه سلم بفتح أوله وسكون اللام وكأنه تصحيف والله أعلم وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل هي العشاء أو المغرب وبالاختلاف في السورة هل هي البقرة أو اقتربت وبالاختلاف في عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط لكونه جاء من العمل وهو تعبان أو لكونه أراد أن يسقى نخله إذ ذاك أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بريده واستشكل هذا الجمع لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم يعود إلى التطويل ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أولا بالبقرة فلما نهاه قرأ اقتربت وهي طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره أن يقرأ بها كما سيأتي ويحتمل أن يكون النهى أولا وقع لما يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام ثم لما اطمأنت نفوسهم بالإسلام ظن أن المانع زال فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف صاحب الشغل وجمع النووي باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجل ثم قرأ اقتربت في الثانية فانصرف آخر ووقع في رواية أبي الزبير عند مسلم فانطلق رجل منا وهذا يدل على أنه كان من بني سلمة ويقوى رواية من سماه سليما والله أعلم قوله فانصرف الرجل اللام فيه للعهد الذهنى ويحتمل أن يراد به الجنس فكأنه قال واحد من الرجال لأن المعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤاده ووقع في رواية الإسماعيلي فقام رجل فانصرف وفي رواية سليم بن حيان فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة ولابن عيينة عند مسلم فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة لكن ذكر البيهقي أن محمد بن عباد شيخ مسلم تفرد عن بن عيينة بقوله ثم سلم وأن الحفاظ من أصحاب بن عيينة وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام وكأنه فهم أن هذه اللفظة تدل على أن الرجل قطع الصلاة لأن السلام يتحلل به من الصلاة وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا قال الرافعي في شرح المسند في الكلام على رواية الشافعي عن بن عيينة في هذا الحديث فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه لكنه غير محمول عليه لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه انتهى ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا ونازع النووي فيه فقال لا دلالة فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر قوله فكان معاذ ينال منه وللمستملى تناول منه وللكشميهني فكأن بهمزة ونون مشددة معاذا تناول منه والأولى تدل على كثرة ذلك منه بخلاف الثانية ومعنى ينال منه أو تناوله ذكره بسوء وقد فسره في رواية سليم بن حيان ولفظه فبلغ ذلك معاذا فقال إنه منافق وكذا لأبي الزبير ولابن عيينة فقالوا له أنافقت يا فلان قال لا والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاخبرنه وكأن معاذا قال ذلك أولا ثم قاله أصحاب معاذ للرجل قوله فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين بن عيينة في روايته وكذا محارب وأبو الزبير أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ وفي رواية النسائي فقال معاذ لئن أصبحت لا ذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل إليه فقال ما حملك على الذي صنعت فقال يا رسول الله عملت على ناضح لي فذكر الحديث وكأن معاذا سبقه بالشكوى فلما أرسل إليه جاء فاشتكى من معاذ قوله فقال فتان في رواية بن عيينة أفتان أنت زاد محارب ثلاثا قوله أو قال فاتنا شك من الراوي وهو منصوب على أنه خبر كان المقدرة وفي رواية أبي الزبير أتريد أن تكون فاتنا ولأحمد في حديث معاذ بن رفاعة المتقدم يا معاذ لا تكن فاتنا وزاد في حديث أنس لا تطول بهم ومعنى الفتنة ههنا أن التطويل يكون سببا لخروجهم من الصلاة وللتكره للصلاة في الجماعة وروى البيهقي في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال لا تبغضوا إلى الله عباده يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه وقال الداودي يحتمل أن يريد بقوله فتان أي معذب لأنه عذبهم بالتطويل ومنه قوله تعالى إن الذين فتنوا المؤمنين قيل معناه عذبوهم قوله وأمره بسورتين من أوسط المفصل قال عمرو أي بن دينار لا أحفظما وكأنه قال ذلك في حال تحديثه لشعبة وإلا ففي رواية سليم بن حيان عن عمرو اقرأ والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها وقال في رواية بن عيينة عند مسلم اقرأ بكذا وأقرأ بكذا قال بن عيينة فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال اقرأ بالشمس وضحاها والليل إذا يغشى وبسبح اسم ربك الأعلى فقال عمرو نحو هذا وجزم بذلك محارب في حديثه عن جابر وفي رواية الليث عن أبي الزبير عند مسلم مع الثلاثة اقرأ باسم ربك زاد بن جريج عن أبي الزبير والضحى أخرجه عبد الرزاق وفي رواية الحميدي عن بن عيينة مع الثلاثة الأول والسماء ذات البروج والسماء والطارق وفي المراد بالمفصل أقوال ستأتي في فضائل القرآن أصحها أنه من أول ق إلى آخر القرآن قوله أوسط يحتمل أن يريد به المتوسط والسور التي مثل بها من قصار المتوسط ويحتمل أن يريد به المعتدل أي المناسب للحال من المفصل والله أعلم واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل بناء على أن معاذ كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدارقطني وغيرهم من طريق بن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد هي له تطوع ولهم فريضة وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح وقد صرح بن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه فقول بن الجوزي إنه لا يصح مردود وتعليل الطحاوي له بان بن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق بن جريج ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح في صحته لأن بن جريج أسن وأجل من بن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل فمهما كان مضمونا إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روى من وجهين والأمر هنا كذلك فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعا لعمرو بن دينار عنه وقول الطحاوي هو ظن من جابر مردود لأن جابر كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بان يكون ذلك الشخص أطلعه عليه وأما احتجاج أصحابنا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فليس بجيد لأن حاصله النهى عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت من غير تعرض لنية فرض أو نفل ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذ فرضا له وكذلك قوله بعض أصحابنا لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في المسجد الذي هو من أفضل المساجد فإنه وإن كان فيه نوع ترجيح لكن للمخالف أن يقول إذا كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع وكذلك قول الخطابي إن العشاء في قوله كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء حقيقة في المفروضة فلا يقال كان ينوي بها التطوع لأن لمخالفه أن يقول هذا لا ينافي أن ينوي بها التنفل وأما قول بن حزم إن المخالفين لا يجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصليه متطوعا فكيف ينسبون إلى معاذ ما لا يجوز عندهم فهذا إن كان كما قال نقض قوي وأسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة وأما قول الطحاوي لا حجة فيها لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره فجوابه أنهم لا يختلفون في أن رأى الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة والواقع هنا كذلك فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا قاله بن حزم قال ولا يحفظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك بل قال معهم بالجواز عمر وابن عمر وأبو الدراء وأنس وغيرهم وأما قول الطحاوي لو سلمنا جميع ذلك لم يكن فيه حجة لاحتمال أن ذلك كان في الوقت الذي كانت الفريضة فيه يصلي مرتين أي فيكون منسوخا فقد تعقبه بن دقيق العيد بأنه يتضمن إثبات النسخ بالاحتمال وهو لا يسوغ وبأنه يلزمه إقامة الدليل على ما ادعاه الفريضة أه وكأنه لم يقف على كتابه فإنه قد ساق فيه دليل ذلك وهو حديث بن عمر رفعه لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين ومن وجه آخر مرسل إن أهل العالية كانوا يصلون في بيوتهم ثم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فنهاهم ففي الاستدلال بذلك على تقدير صحته نظر لاحتمال أن يكون النهى عن أن يصلوها مرتين على أنها فريضة وبذلك جزم البيهقي جمعا بين الحديثين بل لو قال قائل هذا النهى منسوخ بحديث معاذ لم يكن بعيدا ولا يقال القصة قديمة لأن صاحبها استشهد بأحد لأنا نقول كانت أحد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهى في الأولى والإذن في الثالثة مثلا وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه إذا صليتما في حالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود العامري وصححه بن خزيمة وغيره وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على الجواز أيضا أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن صلوها في بيوتكم في الوقت ثم اجعلوها معهم نافلة وأما الاستدلال الطحاوي أنه صلى الله عليه وسلم نهى معاذا عن ذلك بقوله في حديث سليم بن الحارث إما أن تصلي معي وإما أن تخفف بقومك ودعواه أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصل بقومك وإما أن تخفف بقومك ولا تصلي معي ففيه نظر لأن لمخالفه أن يقول بل التقدير إما أن تصلي معي فقط إذا لم تخفف وإما أن تخفف بقومك فتصلى معي وهو أولى من تقديره لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف لأنه هو المسئول عنه المتنازع فيه وأما تقوية بعضهم بكونه منسوخا بان صلاة الخوف وقعت مرارا على صفة فيها مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية في حال الأمن فلو جازت صلاة المفترض خلف المتنفل لصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم مرتين على وجه لا تقع فيه منافاة فلما لم يفعل دل ذلك على المنع فجوابه أنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف مرتين كما أخرجه أبو داود عن أبي بكرة صريحا ولمسلم عن جابر نحوه وأما صلاته بهم على نوع من المخالفة فلبيان الجواز وأما قول بعضهم كان فعل معاذ للضرورة لقلة القراء في ذلك الوقت فهو ضعيف كما قال بن دقيق العيد لأن القدر المجزئ من القراءة في الصلاة كان حافظوه كثيرا وما زاد لا يكون سببا لارتكاب أمر ممنوع منه شرعا في الصلاة وفي حديث الباب من الفوائد أيضا استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضاء المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم وفيه أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة وجواز إعادة الصلاة الواحدة في اليوم الواحد مرتين وجواز خروج المأموم من الصلاة لعذر وأما بغير عذر فاستدل به بعضهم وتعقب وقال بن المنير لو كان كذلك لم يكن لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة وفيه نظر لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظة على صلاة الجماعة ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفردا وهذا كما استدل بعضهم بالقصة على وجوب صلاة الجماعة وفيه نحو هذا النظر وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلي فيه بالجماعة إذا كان بعذر وفيه الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام ويؤخذ منه تعزيز كل أحد بحسبه والاكتفاء في التعزيز بالقول والانكار في المكروهات وأما تكراره ثلاثا فللتأكيد وقد تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه وفيه اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر وجواز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك وأنه لا لوم على من فعل ذلك متأولا وأن التخلف عن الجماعة من صفة المنافق

قوله باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود قال الكرماني الواو بمعنى مع كأنه قال باب التخفيف بحيث لا يفوته شيء من الواجبات فهو تفسير لقوله في الحديث فليتجوز لأنه لا يأمر بالتجوز المؤدى إلى فساد الصلاة قال بن المنير وتبعه بن رشيد وغيره خص التخفيف في الترجمة بالقيام مع أن لفظ الحديث أعم حيث قال فليتجوز لأن الذي يطول في الغالب إنما هو القيام وما عداه لا يشق إتمامه على أحد وكأنه حمل حديث الباب على قصة معاذ فإن الأمر بالتخفيف فيها مختص بالقراءة انتهى ملخصا والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى بعض ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته وأما قصة معاذ فمغايرة لحديث الباب لأن قصة معاذ كانت فىالعشاء وكان الإمام فيها معاذا وكانت في مسجد بني سلمة وهذه كانت في الصبح وكانت في مسجد قباء ووهم من فسر الإمام المبهم هنا بمعاذ بل المراد به أبي بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من رواية عيسى بن جارية وهو بالجيم عن جابر قال كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء فاستفتح سورة طويلة فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة فلما سمعه استفتحها انفتل من صلاته فغضب أبي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الغلام وأتى الغلام يشكو أبيا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه ثم قال إن منكم منفرين فإذا صليتم فاوجزوا فإن خلفكم الضعيف والكبير والمريض وذا الحاجة فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في حديث الباب مما يطيل بنا فلان أي في القراءة واستفيد منه أيضا تسمية الإمام وبأى موضع كان وفي الطبراني من حديث عدي بن حاتم من أمنا فليتم الركوع والسجود وفي قول بن المنير إن الركوع والسجود لا يشق إتمامهما نظر فإنه إن أراد أقل ما يطلق عليه اسم تمام فذاك لا بد منه وإن أراد غاية التمام فقد يشق فسيأتى حديث البراء قريبا أنه صلى الله عليه وسلم كان قيامه وركوعه وسجوده قريبا من السواء

[ 670 ] قوله حدثنا زهير هو بن معاوية الجعفي وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وأبو مسعود هو الأنصاري البدري والإسناد كله كوفيون قوله أن رجلا لم أقف على اسمه ووهم من زعم أنه حزم بن أبي بن كعب لأن قصته كانت مع معاذ لا مع أبي بن كعب قوله أني لأتأخر عن صلاة الغداة أي فلا أحضرها مع الجماعة لأجل التطويل وفي رواية بن المبارك في الأحكام والله إني لأتأخر بزيادة القسم وفيه جواز مثل ذلك لأنه لم ينكر عليه وتقدم في كتاب العلم في باب الغضب في العلم بلفظ إني لا أكاد أدرك الصلاة وتقدم توجيهه ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن الذي ألفه من تطويله اقتضى له أن يتشاغل عن المجيء في أول الوقت وثوقا بتطويله بخلاف ما إذا لم يكن يطول فإنه كان يحتاج إلى المبادرة إليه أول الوقت وكأنه يعتمد على تطويله فيتشاغل ببعض شغله ثم يتوجه فيصادف أنه تارة يدركه وتارة لا يدركه فلذلك قال لا أكاد أدرك مما يطول بنا أي بسبب تطويله واستدل به على تسمية الصبح بذلك ووقع في رواية سفيان الآتية قريبا عن الصلاة في الفجر وإنما خصها بالذكر لأنها تطول فيها القراءة غالبا ولان الانصراف منها وقت التوجه لمن له حرفة إليها قوله أشد بالنصب وهو نعت لمصدر محذوف أي غضبا أشد وسببه إما لمخالفة الموعظة أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه كذا قاله بن دقيق العيد وتعقبه تلميذه أبو الفتح اليعمري بأنه يتوقف على تقدم الإعلام بذلك قال ويحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب لإدارة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه ليكونوا من سماعه على بال لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله وأقول هذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب أما كونه أشد فالاحتمال الثاني أوجه ولا يرد عليه التعقب المذكور قوله أن منكم منفرين فيه تفسير للمراد بالفتنة في قوله في حديث معاذ أفتان أنت ويحتمل أن تكون قصة أبي هذه بعد قصة معاذ فلهذا أتى بصيغة الجمع وفي قصة معاذ واجهه وحده بالخطاب وكذا ذكر في هذا الغضب ولم يذكره في قصه معاذ وبهذا يتوجه الاحتمال الأول لابن دقيق العيد قوله فأيكم ما صلى ما زائدة ووقع في رواية سفيان فمن أم الناس قوله فليخفف قال بن دقيق العيد التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنبسة لعادة آخرين قال وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا قلت وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أنت إمام قومك واقدر القوم بأضعفهم إسناده حسن وأصله في مسلم قوله فإن فيهم في رواية سفيان فإن خلفه وهو تعليل الأمر المذكور ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل وقد قدمت ما يرد عليه في الباب الذي قبله من إمكان مجيء من يتصف باحداها وقال اليعمري الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا قال وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وعلل بالمشقة وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق عملا بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهنا كذلك قوله الضعيف والكبير كذا للأكثر ووقع في رواية سفيان في العلم فإن فيهم المريض والضعيف وكأن المراد بالضعيف هنا المريض وهناك من يكون ضعيفا في خلقته كالنحيف والمسن وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد قول فيه

قوله باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء يريد أن عموم الأمر بالتخفيف مختص بالأئمة فأما المنفرد فلا حجر عليه في ذلك لكن اختلف فيما إذا أطال القراءة حتى خرج الوقت كما سنذكره قوله فإن فيهم كذا للأكثر وللكشميهني فإن منهم قوله الضعيف والسقيم المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة وبالسقيم من به مرض زاد مسلم من وجه آخر عن أبي الزناد والصغير والكبير وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل والمرضع وله من حديث عدي بن حاتم والعابر السبيل وقوله في حديث أبي مسعود الماضي وذا الحاجة هي أشمل الأوصاف المذكورة قوله فليطول ما شاء ولمسلم فليصل كيف شاء أي مخففا أو مطولا واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وهو المصحح عند بعض أصحابنا وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى أخرجه مسلم وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة المفسدة أولى واستدل بعمومه أيضا على جواز تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين

قوله باب من شكا إمامه إذا طول فيه حديث أبي مسعود وهو ظاهر في الترجمة وكذا حديث جابر والتعليق عن أبي أسيد وهو الأنصاري وصله بن أبي شيبة من رواية المنذر بن أبي أسيد قال كان أبي يصلي خلفي فربما قال يا بني طولت بنا اليوم واستفيد منه تسمية الابن المذكور وفيه حجة على من كره للرجل أن يؤم أباه كعطاء ورأيت بخط البدر الزركشي أنه رأى في بعض نسخ البخاري وكره عطاء أن يؤم الرجل أباه فإن ثبت ذلك فقد وصل بن أبي شيبة هذا التعليق وكأن المنذر كان إماما راتبا في المسجد تنبيه وقع في رواية المستملى أبو أسيد بفتح الهمزة والصواب الضم كما للباقين

[ 673 ] قوله في حديث محارب عن جابر أقبل رجل بناضحين الناضح بالنون والضاد المعجمة والحاء المهملة ما استعمل من الإبل في سقى النخل والزرع قوله وقد جنح الليل أي أقبل بظلمته وهو يؤيد أن الصلاة المذكورة كانت العشاء كما تقدم قوله بسورة البقرة أو للنساء زاد أبو داود الطيالسي عن شعبة شك محارب وفي هذا رد على من زعم أن الشك فيه من جابر قوله فلولا صليت أي فهلا صليت قوله فإنه يصلي وراءك تقدم شرحه في الباب الذي قبله فكان هذا هو الحامل لمن وحد بين القصتين لكن في ثبوت هذه الزيادة في هذه القصة نظر لقوله بعدها أحسب هذا في الحديث يعني هذه الجملة الأخيرة فإنه يصلي الخ وقائل ذلك هو شعبة الراوي عن محارب وقد رواه غير شعبة من أصحاب محارب عنه بدونها وكذا أصحاب جابر قوله تابعه سعيد بن مسروق هو والد سفيان الثوري وروايته هذه وصلها أبو عوانة من طريق أبي الأحوص عنه ومتابعة مسعر وصلها السراج من رواية أبي نعيم عنه ومتابعة الشيباني وهو أبو إسحاق وصلها البزار من طريقه كلهم عن محارب والمراد أنهم تابعوا شعبة عن محارب في أصل الحديث لا في جميع ألفاظه قوله قال عمرو هو بن دينار وقد تقدمت روايته قبل ببابين ورواية عبيد الله بن مقسم وصلها بن خزيمة من رواية محمد بن عجلان عنه وهي عند أبي داود باختصار ورواية أبي الزبير وصلها عبد الرزاق عن بن جريج عنه وهي عند مسلم من طريق الليث عنه لكن لم يعين أن السورة البقرة قوله وتابعه الأعمش عن محارب أي تابع شعبة وروايته عند النسائي من طريق محمد بن فضيل عن الأعمش عن محارب وأبي صالح كلاهما عن جابر بطوله وقال فيه فيطول بهم معاذ ولم يعين السورة

قوله باب الإيجاز في الصلاة واكمالها ثبتت هذه الترجمة عند المستملى وكريمة وكذا ذكرها الإسماعيلي وسقطت للباقين وعلى تقدير سقوطها فمناسبة حديث أنس للترجمة من جهة أن من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والاتمام لا يشكى منه تطويل وروى بن أبي شيبة من طريق أبي مجلز قال كانوا أي الصحابة يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة فبين العلة في تخفيفهم ولهذا عقب المصنف هذه الترجمة بالإشارة إلى أن تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهذا السبب لعصمته من الوسوسة بل كان يخفف عند حدوث أمر يقتضيه كبكاء صبي

[ 674 ] قوله عبد العزيز هو بن صهيب والإسناد كله بصريون والمراد بالايجاز مع الإكمال الإيتان بأقل ما يمكن من الأركان والأبعاض

قوله باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي قال الزين بن المنير التراجم السابقة بالتخفيف تتعلق بحق المأمومين وهذه الترجمة تتعلق بقدر زائد على ذلك وهو مصلحة غير المأمور لكن حيث تتعلق بشيء يرجع إليه

[ 675 ] قوله عن يحيى بن أبي كثير في رواية بشر بن بكر الآتية عن الأوزاعي حدثني يحيى قوله عن عبد الله بن أبي قتادة في رواية بن سماعه عن الأوزاعي عند الإسماعيلي حدثني عبد الله بن أبي قتادة قوله أني لا قوم في الصلاة أريد في رواية بشر بن بكر لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد قوله تابعه بشر بن بكر هي موصولة عند المؤلف في باب خروج النساء إلى المساجد قبيل كتاب الجمعة ومتابعة بن المبارك وصلها النسائي ومتابعة بقية وهو بن الوليد لم أقف عليها واستدل بهذا الحديث على جواز إدخال الصبيان المساجد وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفا في بيت يقرب من المسجد بحيث يسمع بكاؤه وعلى جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال وفيه شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير

[ 676 ] قوله حدثني شريك بن عبد الله أي بن أبي نمر والإسناد كله مدنيون غير خالد فهو كوفي سكن المدينة قوله أخف صلاة ولا أتم إلى هنا أخرج مسلم من هذا الحديث من رواية إسماعيل بن جعفر عن شريك ووافق سليمان بن بلال على تكملته أبو ضمرة عند الإسماعيلي قوله فيخفف بين مسلم في رواية ثابت عن أنس محل التخفيف ولفظه فيقرأ بالسورة القصيرة وبين بن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن سابط مقدارها ولفظه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى بسورة طويلة فسمع بكاء صبي فقرأ بالثانية بثلاث آيات وهذا مرسل قوله أن تفتن أمه أي تلتهى عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه زاد عبد الرزاق من مرسل عطاء أو تتركه فيضيع

[ 677 ] قوله حدثنا سعيد هو بن أبي عروبة والإسناد كله بصريون وكذا ما بعده موصولا ومعلقا قوله وأنا أريد إطالتها فيه أن من قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به خلافا لأشهب حيث ذهب إلى أن من نوى التطوع قائما ليس له أن يتمه جالسا

[ 678 ] قوله في رواية بن أبي عدي مما أعلم وفي رواية الكشميهني لما أعلم قوله وجد أمه أي حزنها قال صاحب المحكم وجد يجد وجدا بالسكون والتحريك حزن وكأن ذكر الأم هنا خرج مخرج الغالب وإلا فمن كان في معناها ملتحق بها قوله وقال موسى أي بن إسماعيل وهو أبو سلمة النبوذكى وأبان هذا بن يزيد العطار والمراد بهذا بيان سماع قتادة له من أنس وروايته هذه وصلها السراج عن عبيد الله بن جرير وابن المنذر عن محمد بن إسماعيل كلاهما عن أبي سلمة ووقع التصريح أيضا عند الإسماعيلي من رواية خالد بن الحارث عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثه قال بن بطال احتج به من قال يجوز للأمام إطالة الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه وتعقبه بن المنير بان التخفيف نقيض التطويل فكيف يقاس عليه قال ثم إن فيه مغايرة للمطلوب لأن فيه إدخال مشقة على جماعة لأجل واحد انتهى ويمكن أن يقال محل ذلك ما لم يشق على الجماعة وبذلك قيده أحمد وإسحاق وأبو ثور وما ذكره بن بطال سبقه إليه الخطابي ووجهه بأنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا كان التطويل لحاجة من حاجات الدين أجوز وتعقبه القرطبي بأن في التطويل هنا زيادة عمل في الصلاة غير مطلوب بخلاف التخفيف فإنه مطلوب انتهى وفي هذه المسألة خلاف عند الشافعية وتفصيل وأطلق النووي عن المذهب استحباب ذلك وفي التجريد للمحاملى نقل كراهيته عن الجديد وبه قال الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال محمد بن الحسن أخشى أن يكون شركا

قوله باب إذا صلى ثم أم قوما قال الزين بن المنير لم يذكر جواب إذا جريا على عادته في ترك الجزم بالحكم المختلف فيه وقد تقدم البحث في ذلك قريبا وتقدم الحديث من وجه آخر عن عمرو

قوله باب من أسمع الناس تكبير الإمام تقدم الكلام على حديث عائشة في باب حد المريض أن يشهد الجماعة والشاهد فيه

[ 680 ] قوله وأبو بكر يسمع الناس التكبير وهذه اللفظة مفسرة عند الجمهور للمراد بقوله في الرواية الماضية وكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر وقد ذكر البخاري أن محاضرا تابع عبد الله بن داود على ذلك وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده قال بن مالك ووقع في بعض الروايات هنا إن يقم مقامك يبكي ومروا أبا بكر يصلي بإثبات الياء فيهما وهو من قبيل أجراء المعتل لمجرى الصحيح والاكتفاء بحذف الحركة ومنه قراءة من قرا إنه من يتقي ويصبر تنبيه سقط في رواية أبي زيد المروزي من هذا الإسناد إبراهيم ولا بد منه

قوله باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم قال بن بطال هذا موافق لقول مسروق والشعبي إن الصفوف يؤم بعضها بعضا خلافا للجمهور قلت وليس المراد أنهم يأتمون بهم في التبليغ فقط كما فهمه بعضهم ولو الخلاف معنوى لأن الشعبي قال فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رءوسهم من الركعة أنه أدركها ولو كان الإمام رفع قبل ذلك لأن بعضهم لبعض أئمة انتهى فهذا يدل على أنه يرى أنهم يتحملون عن بعضهم بعض ما يتحمله الإمام وأثر الشعبي الأول وصله عبد الرزاق والثاني وصله بن أبي شيبة ولم يفصح البخاري باختياره في هذه المسألة لأنه بدأ بالترجمة الدالة على أن المراد بقوله ويأتم الناس بأبي بكر أي أنه مقام المبلغ ثم ثنى بهذه الرواية التي أطلق فيها اقتداء الناس بأبي بكر ورشح ظاهرها بظاهر الحديث المعلق فيحتمل أن يكون يذهب إلى قول الشعبي ويرى أن قوله في الرواية الأولى يسمع الناس التكبير لا ينفى كونهم يأتمون به لأن اسماعه لهم التكبير جزء من أجزاء ما يأتمون به فيه وليس فيه نفى لغيره ويؤيد ذلك رواية الإسماعيلي من طريق عبد الله بن داود المذكور ووكيع جميعا عن الأعمش بهذا الإسناد قال فيه والناس يأتمون بأبي بكر وأبو بكر يسمعهم قوله ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا طرف من حديث أبي سعيد الخدري قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرا فقال تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم الحديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن من رواية أبي نضرة عنه قيل وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض لأن أبا نضرة ليس على شرطه لضعف فيه وهذا عندي ليس بصواب لأنه لا يلزم من كونه على غير شرطه أنه لا يصلح عنده للاحتجاج به بل قد يكون صالحا للاحتجاج به عنده وليس هو على شرط صحيحه الذي هو أعلى شروط الصحة والحق أن هذه الصيغة لا تختص بالضعيف بل قد تستعمل في الصحيح أيضا بخلاف صيغة الجزم فإنها لا تستعمل إلا في الصحيح وظاهره يدل لمذهب الشعبي وأجاب النووي بأن معنى وليأتم بكم من بعدكم أي يقتدى بكم من خلفكم مستدلين على أفعالى بأفعالكم قال وفيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو صف قدامة يراه متابعا للأمام وقيل معناه تعلموا مني أحكام الشريعة وليتعلم منكم التابعون بعدكم وكذلك أتباعهم إلى انقراض الدنيا

[ 681 ] قوله مروا أبا بكر يصلي كذا فيه بإثبات الياء وقد تقدم توجيه بن مالك له ووقع في رواية الكشميهني أن يصلي قوله متى يقوم كذا وقع للأكثر في الموضعين بإثبات الواو ووجهه بن مالك بأنه شبه متى بإذا فلم تجزم كما شبه إذا بمتى في قوله إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين فحذف النون ووقع في رواية الكشميهني معي متى ما يقم ولا اشكال فيها قوله تخطان الأرض في رواية الكشميهني يخطان في الأرض وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في باب حد المريض وقوله في السند الأعمش عن إبراهيم عن الأسود كذا للجميع وهو الصواب وسقط إبراهيم بين الأعمش والأسود من رواية أبي زيد المروزي وهو وهم قاله الجياني

قوله باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس أورد فيه قصة ذي اليدين في السهو وسيأتي الكلام عليها في موضعه قال الزين بن المنير أراد أن محل الخلاف في هذه المسألة هو ما إذا كان الإمام شاكا أما إذا كان على يقين من فعل نفسه فلا خلاف أنه لا يراجع إلى أحد انتهى وقال بن التين يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم شك بأخبار ذي اليدين فسألهم إرادة تيقن أحد الأمرين فلما صدقوا ذا اليدين علم صحة قوله قال وهذا الذي أراد البخاري بتبويبه وقال بن بطال بعد أن حكى الخلاف في هذه المسألة حمل الشافعي رجوعه عليه الصلاة والسلام على أنه تذكر فذكر وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لبينه لهم ليرتفع اللبس ولو بينه لنقل ومن ادعى ذلك فليذكره قلت قد ذكره أبو داود من طريق الأوزاعي عن الزهري عن سعيد وعبيد الله عن أبي هريرة بهذه القصة قال ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك

قوله باب إذا بكى الإمام في الصلاة أي هل تفسد أو لا والاثر والخبر اللذان في الباب يدلان على الجواز وعن الشعبي والنخعي والثوري أن البكاء والأنين يفسد الصلاة وعن المالكية والحنفية إن كان لذكر النار والخوف لم يفسد وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه أصحها إن ظهر منه حرفان أفسد وإلا فلا ثانيها وحكى عن نصه في الإملاء أنه لا يفسد مطلقا لأنه ليس من جنس الكلام ولا يكاد يبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل ثالثها عن القفال إن كان فمه مطبقا لم يفسد وإلا أفسد إن ظهر منه حرفان وبه قطع المتولى والوجه الثاني أقوى دليلا فائدة أطلق جماعة التسوية بين الضحك والبكاء وقال المتولى لعل الأظهر في الضحك البطلان مطلقا لما فيه من هتك حرمة الصلاة وهذا أقوى من حيث المعنى والله أعلم قوله وقال عبد الله بن شداد أي بن الهاد وهو تابعي كبير له رؤية ولأبيه صحبة قوله سمعت نشيج عمر النشيج بفتح النون وكسر المعجمة وآخره جيم قال بن فارس نشج الباكى ينشج نشيجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب وقال الهروي النشيج صوت معه ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره وفي المحكم هو أشد البكاء وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور عن بن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعيد سمع عبد الله بن شداد بهذا وزاد في صلاة الصبح وأخرجه بن المنذر من طريق عبيد بن عمير عن عمر نحوه وقد تقدم الكلام على حديث أبي بكر وقوله فيه من البكاء أي لأجل البكاء وفي الباب حديث عبد الله بن الشخير رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وإسناده قوي وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم ووهم من زعم أن مسلما أخرجه والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم القدر إذا غلت والازيز بفتح الهمزة بعدها زاى ثم تحتانية ساكنة ثم زاى أيضا وهو صوت القدر إذا غلت وفي لفظ كأزيز الرحى

قوله باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها ليس في حديثي الباب دلالة على تقييد التسوية بما ذكر لكن أشار بذلك إلى ما في بعض الطرق كعادته ففي حديث النعمان عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عند ما كاد أن يكبر وفي حديث أنس في الباب الذي بعد هذا أقيمت الصلاة فأقبل علينا فقال

[ 685 ] قوله لتسون بضم التاء المثناة وفتح السين وضم الواو المشددة وتشديد النون وللمستملى لتسوون بواوين قال البيضاوي هذه اللام هي التي يتلقى بها القسم والقسم هنا مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة انتهى وسيأتي من رواية أبي داود قريبا إبراز القسم في هذا الحديث قوله أو ليخالفن الله بين وجوهكم أي إن لم تسووا والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف كما سيأتي واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته والمراد تسوية الوجه بتحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك فهو نظير ما تقدم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة وعلى هذه فهو واجب والتفريط فيه حرام وسيأتي البحث في ذلك في باب إثم من لم يتم الصفوف قريبا ويؤيد حمله على ظاهره حديث أبي أمامة لتسون الصفوف أو لتطمسن الوجوه أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف ولهذا قال بن الجوزي الظاهر أنه مثل الوعيد المذكور في قوله تعالى من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها وحديث أبي أمامه أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف ومنهم من حمله على المجاز قال النووي معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما تقول تغير وجه فلان علي أي ظهر لي من وجهه كراهية لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن ويؤيده رواية أبي داود وغيره بلفظ أو ليخالفن الله بين قلوبكم كما سيأتي قريبا وقال القرطبي معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجها غير الذي أخذ صاحبه لأن تقدم الشخص على غيره مظنة الكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة والحاصل أن المراد بالوجه إن حمل عل العضو الخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أو الصفة أو جعل القدام وراء وأن حمل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد أشار إلى ذلك الكرماني ويحتمل أن يراد بالمخالفة في الجزاء فيجازى المسوى بخير ومن لا يسوى بشر

[ 686 ] قوله في حديث أنس أقيموا أي عدلوا يقال أقام العود إذا عدله وسواه قوله فإني أراكم فيه إشارة إلى سبب الأمر بذلك أي إنما أمرت بذلك لأني تحققت منكم خلافه وقد تقدم القول في المراد بهذه الرؤية في باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وأن المختار حملها على الحقيقة خلافا لمن زعم أن المراد بها خلق علم ضرورى له بذلك ونحو ذلك قال الزين بن المنير لا حاجة إلى تأويلها لأنه في معنى تعطيل لفظ الشارع من غير ضرورة وقال القرطبي بل حملها على ظاهرها أولى لأن فيه زيادة في كرامة النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب إقبال إلا ما على الناس عند تسوية الصفوف أورد فيه حديث أنس الذي في الباب قبله وقد تقدم الكلام عليه فيه

[ 687 ] قوله حدثنا معاوية بن عمرو هو من قدماء شيوخ البخاري وروى له هنا بواسطة فكأنه لم يسمعه منه وإنما نزل فيه لما وقع في الإسناد من تصريح حميد بتحديث أنس له فأمن بذلك تدليسه قوله وتراصوا بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل ويحتمل أن يكون تأكيدا لقوله أقيموا والمراد بأقيموا سووا كما وقع في رواية معمر عن حميد عند الإسماعيلي بدل أقيموا واعتدلوا وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة وقد تقدم في باب مفرد وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة

قوله باب الصف الأول والمراد به ما يلي الإمام مطلقا وقيل أول صف تام يلي الإمام لا ما تخلله شيء كمقصورة وقيل المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف قاله بن عبد البر واحتج بالاتفاق على أن من جاء أول الوقت ولم يدخل في الصف الأول فهو أفضل ممن جاء في آخره وزاحم إليه ولا حجة له في ذلك كما لا يخفى قال النووي القول الأول هو الصحيح المختار وبه صرح المحققون والقولان الآخران غلط صريح انتهى وكأن صاحب القول الثاني لحظ أن المطلق ينصرف إلى الكامل وما فيه خلل فهو ناقص وصاحب القول الثالث لحظ المعنى في تفضيل الصف الأول دون مراعاة لفظه وإلى الأول أشار البخاري لأنه ترجم بالصف الأول وحديث الباب فيه الصف المقدم وهو الذي لا يتقدمه إلا الإمام قال العلماء في الحض على الصف الأول المسارعة إلى خلاص الذمة والسبق لدخول المسجد والقرب من الإمام واستماع قراءته والتعلم منه والفتح عليه والتبليغ عنه والسلامة من اختراق المارة بين يديه وسلامة البال من رؤية من يكون قدامة وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين

قوله باب إقامة الصف من تمام الصلاة أورد فيه حديث أبي هريرة إنما جعل الإمام ليأتم به وسيأتي الكلام عليه في باب إيجاب التكبير قريبا وفي آخره هنا وأقيموا الصفوف الخ وهو المقصود بهذه الترجمة وقد أفرده مسلم وأحمد وغيرهما من طريق عبد الرزاق المذكورة عما قبله فجعلوه حديثين

[ 689 ] قوله من حسن الصلاة قال بن رشيد إنما قال البخاري في الترجمة من تمام الصلاة ولفظ الحديث من حسن الصلاة لأنه أراد أن يبين أنه المراد بالحسن هنا وأنه لا يعني به الظاهر المرئي من الترتيب بل المقصود منه الحسن الحكمي بدليل حديث أنس وهو الثاني من حديثي الباب حيث عبر بقوله

[ 690 ] من إقامة الصلاة قوله في حديث أنس فإن تسوية الصفوف وفي رواية الأصيلى الصف بالافراد والمراد به الجنس قوله من إقامة الصلاة هكذا ذكره البخاري عن أبي الوليد وذكره غيره عنه بلفظ من تمام الصلاة كذلك أخرجه الإسماعيلي عن بن حذيفة والبيهقي من طريق عثمان الدارمي كلاهما عنه وكذلك أخرجه أبو داود عن أبي الوليد وغيره وكذا مسلم وغيره من طريق جماعة عن شعبة وزاد الأسماعيلى من طريق أبي داود الطيالسي قال سمعت شعبة يقول داهنت في هذا الحديث لم أسأل قتادة أسمعته من أنس أم لا انتهى ولم أره عن قتادة إلا معنعنا ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري لحديث أبي هريرة معه في الباب تقوية له واستدل بن حزم بقوله إقامة الصلاة على وجوب تسوية الصفوف قال لأن إقامة الصلاة واجبة وكل شيء من الواجب واجب ولا يخفى ما فيه ولا سيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة وتمسك بن بطال بظاهر لفظ حديث أبي هريرة فاستدل به على أن التسوية سنة قال لأن حسن الشيء زيادة على تمامه وأورد عليه رواية من تمام الصلاة وأجاب بن دقيق العيد فقال قد يؤخذ من قوله تمام الصلاة الاستحباب لأن تمام الشيء في العرف أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وإن كان يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به كذا قال وهذا الأخذ بعيد لأن لفظ الشارع لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربي وإنما يحمل على العرف إذا ثبت أنه عرف الشارع لا العرف الحادث تنبيه لفظ الترجمة أورده عبد الرزاق من حديث جابر

قوله باب إثم من لم يتم الصفوف قال بن رشيد أورد فيه حديث أنس ما أنكرت شيئا الا أنكم لا تقيمون الصفوف وتعقب بان الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل ذلك على حصول الإثم وأجيب بأنه لعله حمل الأمر في قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره على أن المراد بالأمر الشأن والحال لا مجرد الصيغة فيلزم منه أن من خالف شيئا من الحال التي كان عليها صلى الله عليه وسلم أن يأثم لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة الصفوف فعلى هذا تسلتزم المخالفة التأثيم انتهى كلام بن رشيد ملخصا وهو ضعيف لأنه يفضى إلى أن لا يبقى شيء مسنون لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب وأما قول بن بطال إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها والتي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون آثما سلمنا لكن يرد عليه التعقب الذي قبله ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا صفوفكم ومن عموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلى ومن ورود الوعيد على تركه فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب وأن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره علهيم لم يأمرهم بإعادة الصلاة وأفرط بن حزم فجزم بالبطلان ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف وبما صح عن سويد بن غفلة قال كان بلال يسوى مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة فقال ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة

[ 691 ] قوله بشير هو بالمعجمة مصغر قوله ما أنكرت منذ يوم عهدت في رواية المستملى والكشميهني ما أنكرت منا منذ عهدت قوله وقال عقبة بن عبيد هو أبو الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة وهو أخو سعيد بن عبيد راوي الإسناد الذي قبله وليس لعقبة في البخاري إلا هذا الموضع المعلق وأراد به بيان سماع بشير بن يسار له من أنس وقد وصله أحمد في مسنده عن يحيى القطان عن عقبة بن عبيد الطائي حدثني بشير بن يسار قال جاء أنس إلى المدينة فقلنا ما أنكرت منا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أنكرت منكم شيئا غير أنكم لا تقيمون الصفوف تنبية هذه القدمة لأنس غير القدمة التي تقدم ذكرها في باب وقت العصر فإن ظاهر الحديث فيها أنه أنكر تأخير الظهر إلى أول وقت العصر كما مضى وهذا الإنكار أيضا غير الإنكار الذي تقدم ذكره في باب تضييع الصلاة عن وقتها حيث قال لا أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة وقد ضيعت فإن ذاك كان بالشام وهذا بالمدينة وهذا يدل على أن أهل المدينة كانوا في ذلك الزمان أمثل من غيرهم في التمسك بالسنن

قوله باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث بن عمر عند أبي داود وصححه بن خزيمة والحاكم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات الشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله قوله وقال النعمان بن بشير هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه بن خزيمة من رواية أبي القاسم الجدلي واسمه حسين بن الحارث قال سمعت النعمان بن بشير يقول أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال أقيموا صفوفكم ثلاثا والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم قال فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل وهو عند ملتقى الساق والقدم وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم وأثبته بعضهم في مسألة الحج لا الوضوء وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم

[ 692 ] قوله عن أنس رواه سعيد بن منصور عن هشيم فصرح فيه بتحديث أنس لحميد وفيه الزيادة التي في آخره وهي قوله وكان أحدنا الخ وصرح بأنها من قول أنس وأخرجه الإسماعيلي من رواية معمر عن حميد بلفظ قال أنس فلقد رأيت أحدنا الخ وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته وزاد معمر في روايته ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس

قوله باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته تقدم أكثر لفظ هذه الترجمة قبل بنحو من عشرين بابا لكن ليس هناك لفظ خلفه وقال هناك لم تفسد صلاتهما بدل قوله تمت صلاته وأخرج هناك حديث بن عباس هذا لكن من وجه آخر ولم ينبه أحد من الشراح على حكمة هذه الإعادة بل أسقط بعضهم الكلام على هذا الباب والذي يظهر لي أن حكمهما مختلف لاختلاف الجوابين فقوله لم تفسد صلاتهما أي بالعمل الواقع منهما لكونه خفيفا وهو من مصلحة الصلاة أيضا وقوله تمت صلاته أي المأموم ولا يضر وقوفه عن يسار الإمام أولا مع كونه في غير موقفه ولأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم ويحتمل أن يكون الضمير للأمام وتوجيهه أن الإمام وحده في مقام الصف ومحاولته لتحويل المأموم فيه التفات ببعض بدنه ولكن ليس تركا لإقامة الصف للمصلحة المذكورة فصلاته على هذا لا نقص فيها من هذه الجهة والله أعلم وقال الكرماني يحتمل أن يكون الضمير للرجل لأن الفاعل وإن تأخر لفظا لكنه متقدم رتبة فلكل منهما قرب من وجه قلت لكن إذا عاد الضمير للأمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين يديه لئلا يصير كالمار بين يديه

قوله باب المرأة وحدها تكون صفا أي في حكم الصف وبهذا يندفع اعتراض الإسماعيلي حيث قال الشخص الواحد لا يسمى صفا وأقل ما يقوم الصف باثنين ثم أن هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه بن عبد البر من حديث عائشة مرفوعا المرأة وحدها صف

[ 694 ] قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي وإن كان عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قد روى هذا الحديث أيضا عن سفيان وهو بن عيينة قوله عن إسحاق عن أنس في رواية الحميدي عند أبي نعيم وعلى بن المديني عند الإسماعيلي كلاهما عن سفيان حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك قوله صليت أنا ويتيم كذا للجميع وكذا وقع في خبر يحيى بن يحيى المشهور من روايته عن بن عيينة ووقع عند بن فتحون فيما رواه عن بن السكن بسنده في الخبر المذكور صليت أنا وسليم بسين مهملة ولام مصغرا فتصحفت على الراوي من لفظ يتيم ومشى على ذلك بن فتحون فقال في ذيله على الاستيعاب سليم غير منسوب وساق هذا الحديث ثم إن هذا طرف من حديث أختصره سفيان وطوله مالك كما تقدم في باب الصلاة على الحصير واستدل بقوله فصففت أنا واليتيم وراءه على أن السنة في موقف الإثنين أن يصفا خلف الإمام خلافا لمن قال من الكوفيين أن أحدهما يقف عن يمينه والآخر عن يساره وحجتهم في ذلك حديث بن مسعود الذي أخرجه أبو داود وغيره عنه أنه أقام علقمة عن يمينة والأسود عن شماله وأجاب عنه بن سيرين بأن ذلك كان لضيق المكان رواه الطحاوي قوله وأمي أم سليم خلفنا فيه أن المرأة لا تصف مع الرجال وأصله ما يخشى من الافتتان بها فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور وعن الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم دليله قول بن مسعود أخروهن من حيث أخرهن الله والأمر للوجوب وحيث ظرف مكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه والله المستعان فقد ثبت النهى عن الصلاة في الثوب المغصوب وأمر لابسه أن ينزعه فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع إقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته ولا سيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه وقال بن رشيد الأقرب أن البخاري قصد أن يبين أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه لا صلاة لمنفرد خلف الصف يعني أنه مختص بالرجال والحديث المذكور أخرجه بن حبان من حديث على بن شيبان وفي صحته نظر كما سنذكره في باب إذ ركع دون الصف واستدل به بن بطال على صحة صلاة المنفرد خلف الصف خلافا لأحمد قال لأنه لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى لكن لمخالفة أن يقول إنما ساغ ذلك لامتناع أن تصف مع الرجال بخلاف الرجل فإن له أن يصف معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلا من حاشية الصف فيقوم معه فافترقا وباقى مباحثه تقدمت في باب الصلاة على الحصير

قوله باب ميمنة المسجد والإمام أورد فيه حديث بن عباس مختصرا وهو موافق للترجمة أما للأمام فبالمطابقة وأما للمسجد فباللزوم وقد تعقب من وجه آخر وهو أن الحديث إنما ورد فيما إذا كان المأموم واحدا أما إذا كثروا فلا دليل فيه على فضيلة ميمنة المسجد وكأنه أشار إلى ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن البراء قال كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة مرفوعا أن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف وأما ما رواه بن ماجة عن بن عمر قال قيل للنبي صلى الله علية وسلم إن ميسرة المسجد تعطلت فقال من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر ففي إسناده مقال وإن ثبت فلا يعارض الأول لأن ما ورد لمعنى عارض يزول بزواله

[ 695 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل النبوذكى وعاصم هو بن سليمان قوله وقال بيده أي تناول ويدل عليه رواية الإسماعيلي فأخذ بيدي قوله من ورائي في رواية الكشميهني من ورائه وهو أوجه

قوله باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة أي هل يضر ذلك بالاقتداء أولا والظاهر من تصرفه أنه لا يضر كما ذهب إليه المالكية والمسألة ذات خلاف شهير ومنهم من فرق بين المسجد وغيره قوله وقال الحسن لم أره موصولا بلفظه وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه في الرجل يصلي خلف الإمام أو فوق سطح يأتم به لا بأس بذلك قوله وقال أبو مجلز وصله بن أبي شيبة عن معتمر عن ليث بن أبي سليم عنه بمعناه وليث ضعيف لكن أخرجه عبد الرزاق عن بن التيمي وهو معتمر عن أبيه عنه فإن كان مضبوطا فهو إسناد صحيح

[ 696 ] قوله حدثني محمد هو بن سلام قاله أبو نعيم وبه جزم بن عساكر في روايته وعبدة هو بن سليمان قوله في حجرته ظاهره أن المراد حجرة بيته ويدل عليه ذكر جدار الحجرة وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم بلفظ كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه ويحتمل أن المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير كما في الرواية التي بعد هذه وكذا حديث زيد بن ثابت الذي بعده ولأبي داود ومحمد بن نصر من وجهين آخرين عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها فأما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبة الحجرة إليها قوله فقام ناس في رواية الكشميهني فقام أناس وهذا موضع الترجمة لأن مقتضاه أنهم كانوا يصلون بصلاته وهو داخل الحجرة وهم خارجها قوله فقام ليلة الثانية كذا للأكثر وفيه حذف تقديره ليلة الغداة الثانية وفي رواية الأصيلي فقام الليلة الثانية قوله فلما أصبح ذكر ذلك الناس أي له وأفاد عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر رضي الله عنه أخرجه عن معمر عن الزهري عن عروة عنها قوله أن تكتب عليكم أي تفرض وهو رواية حماد بن زيد عند أبي نعيم وكذا رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن الزهري عن عروة عنها وستأتى بقية مباحثه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى

قوله باب صلاة الليل كذا وقع في رواية المستملى وحده ولم يعرج عليه أكثر الشراح ولا ذكره الإسماعيلي وهو وجه السياق لأن التراجم متعلقة بأبواب الصفوف وإقامتها ولما كانت الصلاة بالحائل قد يتخيل أنها مانعة من إقامة الصف ترجم لها وأورد ما عنده فيها فأما صلاة الليل بخصوصها فلها كتاب مفرد سيأتي في أواخر الصلاة وكأن النسخة وقع فيها تكرير لفظ صلاة الليل وهي الجملة التي في آخر الحديث الذي قبله فظن الراوي أنها ترجمة مستقلة فصدرها بلفظ باب وقد تكلف بن رشيد توجيهها بما حاصله إن من صلى بالليل مأموما في الظلمة كانت فيه مشابهة بمن صلى وراء حائل وأبعد منه من قال يريد أن من صلى بالليل مأموما في الظلمة كان كمن صلى وراء حائط ثم ظهر لي احتمال أن يكون المراد صلاة الليل جماعة فحذف لفظ جماعة والذي يأتي في أبواب التهجد إنما هو حكم صلاة الليل وكيفيتها في عدد الركعات أو في المسجد أو البيت ونحو ذلك

[ 697 ] قوله عن المقبري هو سعيد والإسناد كله مدنيون قوله ويحتجره كذا للأكثر بالراء أي يتخذه مثل الحجرة وفي رواية الكشميهني بالزاى بدل الراء أي يجعلة حاجزا بينه وبين غيره قوله فثاب كذا للأكثر بمثلثة ثم موحدة أي اجتمعوا ووقع عند الخطابي آبوا أي رجعوا وفي رواية الكشميهني والسرخسي فثار بالمثلثة والراء أي قاموا قوله فصلوا وراءه كذا أورده مختصرا وغرضه بيان أن الحجرة المذكورة في الرواية التي قبل هذه كانت حصيرا وقد ساقه الإسماعيلي من وجه آخر عن بن أبي ذئب تاما وسنذكر الكلام على فوائده في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى

[ 698 ] قوله عن سالم أبي النضر كذا لأكثر الرواة عن موسى بن عقبة وخالفهم بن جريج عن موسى فلم يذكر أبا النضر في الإسناد أخرجه النسائي ورواية الجماعة أولى وقد وافقهم مالك في الإسناد لكن لم يرفعه في الموطأ وروى عنه خارج الموطأ مرفوعا وفيه ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق أولهم موسى المذكور قوله حجرة كذا للأكثر بالراء وللكشميهني أيضا بالزاى قوله من صنيعكم كذا للأكثر وللكشميهني بضم الصاد وسكون النون وليس المراد به صلاتهم فقط بل كونهم رفعوا أصواتهم وسبحوا به ليخرج إليهم وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نائم كما ذكر المؤلف ذلك في الأدب وفي الاعتصام وزاد فيه حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به وقد استشكل الخطابي هذه الخشية كما سنوضحه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى قوله أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ظاهره أنه يشمل جميع النوافل لأن المراد بالمكتوبة المفروضة لكنه محمول على ما لا يشرع فيه التجميع وكذا ما لا يخص المسجد كركعتى التحية كذا قال بعض أئمتنا ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معا فلا تدخل تحية المسجد لأنها لا تشرع في البيت وأن يكون المراد بالمكتوبة ما تشرع فيه الجماعة وهل يدخل ما وجب بعارض كالمنذورة فيه نظر والمراد بالمكتوبة الصلوات الخمس لا ما وجب بعارض كالمنذورة والمراد بالمرء جنس الرجال فلا يرد استثناء النساء لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوهن المساجد وبيوتهن خير لهن أخرجه مسلم قال النووي إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وليتبرك البيت بذلك فتنزل فيه الرحمة وينفر منه الشيطان وعلى هذا يمكن أن يخرج بقوله في بيته بيت غيره ولو أمن فيه من الرياء قوله قال عفان كذا في رواية كريمة وحدها ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم وذكر خلف في الأطراف في رواية حماد بن شاكر حدثنا عفان وفيه نظر لأنه أخرجه في كتاب الاعتصام بواسطة بينه وبين عفان ثم فائدة هذه الطريق بيان سماع موسى بن عقبة له من أبي النضر والله أعلم خاتمة اشتملت أبواب الجماعة والإمامة من الأحاديث المرفوعة على مائة واثنين وعشرين حديثا الموصول منها ستة وتسعون والمعلق ستة وعشرون المكرر منها فيه وفيما مضى تسعون حديثا الخالص اثنان وثلاثون وافقة مسلم على تخريجها سوى تسعة أحاديث وهي حديث أبي سعيد في فضل الجماعة وحديث أبي الدرداء ما أعرف شيئا وحديث أنس كان رجل من الأنصار ضخما وحديث مالك بن الحويرث في صفة الصلاة وحديث بن عمر لما قدم المهاجرون وحديث أبي هريرة يصلون فإن أصابوا وحديث النعمان المعلق في الصفوف وحديث أنس كان أحدنا يلزق منكبه وحديثه في أنكاره إقامة الصفوف وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين سبعة عشر أثرا كلها معلقة إلا أثر بن عمر أنه كان يأكل قبل أن يصلي وأثر عثمان الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإنهما موصولان والله سبحانه وتعالى أعلم