كتاب العيدين
 بسم الله الرحمن الرحيم

قوله أبواب صلاة الخوف ثبت لفظ أبواب للمستملي وأبي الوقت وفي رواية الأصيلي وكريمة باب بالافراد وسقط للباقين قوله وقول الله عز وجل وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى قوله مهينا في رواية كريمة واقتصر في رواية الأصيلي على ما هنا وقال إلى قوله عذابا مهينا وأما أبو ذر فساق الأولى بتمامها ومن الثانية إلى قوله معك ثم قال إلى قوله عذابا مهينا قال الزين بن المنير ذكر صلاة الخوف أثر صلاة الجمعة لأنهما من جملة الخمس لكن خرج كل منهما عن قياس حكم باقي الصلوات ولما كان خروج الجمعة أخف قدمه تلو الصلوات الخمس وعقبه بصلاة الخوف لكثرة المخالفة ولا سيما عند شدة الخوف وساق الآيتين في هذه الترجمة مشيرا إلى أن خروج صلاة الخوف عن هيئة بقية الصلوات ثبت بالكتاب قولا وبالسنة فعلا انتهى ملخصا ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها ساقهما معا وآثر تخريج حديث بن عمر لقوة شبة الكيفية التي ذكرها فيه بالآية ومعنى قوله تعالى وإذا ضربتم أي سافرتم ومفهمومه أن القصر مختص بالسفر وهو كذلك وأما قوله باب إن خفتم فمفهومه اختصاص القصر بالخوف أيضا وقد سأل يعلى بن أمية الصحابي عمر بن الخطاب عن ذلك فذكر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته أخرجه مسلم فثبت القصر في الأمن ببيان السنة واختلف في صلاة الخوف في الحضر فمنعه بن الماجشون أخذا بالمفهوم أيضا وأجازه الباقون وأما قوله وإذا كنت فيهم فقد أخذ بمفهومه أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه وإبراهيم بن علية وحكى عن المزني صاحب الشافعي واحتج عليهم بإجماع الصحابة على فعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم وقال بن العربي وغيره شرط كونه صلى الله عليه وسلم فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده والتقدير بين لهم بفعلك لكونه أوضح من القول ثم إن الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوى كالقصر والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو وذلك لا يقتضى التخصيص بقوم دون قوم وقال الزين بن المنير الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف في قوله تعالى أن تقصروا من الصلاة إن خفتم وقال الطحاوي كان أبو يوسف قد قال مرة لا تصلي صلاة الخوف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن الناس إنما صلوها معه لفضل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم قال وهذا القول عندنا ليس بشيء وقد كان محمد بن شجاع يعيبه ويقول إن الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأن كانت أفضل من الصلاة مع الناس جميعا إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره انتهى وسيأتي سبب النزول وبيان أول صلاة صليت في الخوف في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى

[ 900 ] قوله عن الزهري سألته القائل هو شعيب والمسئول هو الزهري وهو القائل أخبرني سالم أي بن عبد الله بن عمر ووقع بخط بعض من نسخ الحديث عن الزهري قال سألته فاثبت قال ظنا أنها حذفت خطأ على العادة وهو محتمل ويكون حذف فاعل قال لا أن الزهري هو الذي قال والمتجه حذفها وتكون الجملة حالية أي أخبرني الزهري حال سؤالى إياه وقد رواه النسائي من طريق بقية عن شعيب حدثني الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه وأخرجه السراج عن محمد بن يحيى عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه فزاد فيه ولفظه سألته هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف أم لا وكيف صلاها إن كان صلاها وفي أي مغازية كان ذلك فافاد بيان المسئول عنه وهو صلاة الخوف قوله غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة نجد ونجد كل ما ارتفع من بلاد العرب وسيأتي بيان هذه الغزوة في الكلام على غزوة ذات الرقاع من المغازي قوله فوازينا بالزاى أي قابلنا قال صاحب الصحاح يقال آزيت يعني بهمزة ممدودة لا بالواو والذي يظهر أن أصله الهمزة فقلبت واوا قوله فصاففناهم في رواية المستملى والسرخسي فصاففنا لهم وقوله فصلى لنا أي لأجلنا أو بنا قوله ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل أي فقاموا في مكانهم وصرح به في رواية بقية المذكورة ولمالك في الموطأ عن نافع عن بن عمر ثم استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون وسيأتي عند المصنف في التفسير قوله ركعة وسجد سجدتين زاد عبد الرزاق عن بن جريج عن الزهري مثل نصف صلاة الصبح وفي قوله مثل نصف صلاة الصبح إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح فعلى هذا فهي رباعية وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت العصر وفيه دليل على أن الركعة المقضية لا بد فيها من القراءة لكل من الطائفتين خلافا لمن أجاز للثانية ترك القراءة قوله فقام كل واحد منهم فركع لنفسه لم تختلف الطرق عن بن عمر في هذا وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث بن مسعود ولفظه ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا أه وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه أن في حديث بن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا ولم نقف على ذلك في شيء من الطرق وبهذه الكيفية أخذ الحنفية واختار الكيفية التي في حديث بن مسعود أشهب والأوزاعي وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد لكن لا بد أن تكون التي تحرس يحصل الثقة بها في ذلك والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد فلو كانوا ثلاثة ووقع له الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحد ثم يصلي الآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقا لكن قال الشافعي أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله أسلحتهم ذكره النووي في شرح مسلم وغيره واستدل به على عظم أمر الجماعة بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها ولو صلى كل امرئ منفردا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك وقد ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة ورجح بن عبد البر هذا الكيفية الواردة في حديث بن عمر على غيرها لقوة الإسناد لموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه وعن أحمد قال ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز ومال إلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة الآتي في المغازي وكذا رجحه الشافعي ولم يختر إسحاق شيئا على شيء وبه قال الطبري وغير واحد منهم بن المنذر وسرد ثمانية أوجه وكذا بن حبان في صحيحه وزاد تاسعا وقال بن حزم صح فيها أربعة عشر وجها وبينها في جزء مفرد وقال بن العربي في القبس جاء فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة ولم يبينها وقال النووي نحوه في شرح مسلم ولم يبينها أيضا وقد بينها شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وزاد وجها آخر فصارت سبعة عشر وجها لكن يمكن أن تتداخل قال صاحب الهدى أصولها ست صفات وبلغها بعضهم أكثر وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة أه وهذا هو المعتمد واليه أشار شيخنا بقوله يمكن تداخلها وحكى بن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها عشر مرات وقال بن العربي صلاها أربعا وعشرين مرة وقال الخطابي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط للصلاة والأبلغ للحراسة فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى أه وفي كتب الفقه تفاصيل لها كثيرة وفروع لا يتحمل هذا الشرح بسطها والله المستعان

قوله باب صلاة الخوف رجالا وركبانا قيل مقصوده أن الصلاة لا تسقط عند العجز عن النزول عن الدابة ولا تؤخر عن وقتها بل تصلي على أي وجه حصلت القدرة عليه بدليل الآية قوله راجل قائم يريد أن قوله رجالا جمع راجل والمراد به هنا القائم ويطلق على الماشي أيضا وهو المراد في سورة الحج بقوله تعالى يأتوك رجالا أي مشاة وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن مجاهد فإن خفتم فرجالا أو ركبانا إذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا

[ 901 ] قوله عن نافع عن بن عمر نحوا من قول مجاهد إذا اختلطوا قياما وزاد بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياما وركبانا هكذا أورده البخاري مختصرا أو أحال على قول مجاهد ولم يذكره هنا ولا في موضع آخر من كتابه فأشكل الأمر فيه فقال الكرماني معناه أن نافعا روى عن بن عمر نحوا مما روى مجاهد عن بن عمر المروي المشترك بينهما هو ما إذا اختلطوا قياما وزيادة نافع على مجاهد قوله وأن كانوا أكثر من ذلك الخ قال ومفهوم كلام بن بطال أن بن عمر قال مثل قول مجاهد وأن قولهما مثلا في الصورتين أي في الاختلاط وفي الاكثرية وأن الذي زاد هو بن عمر لا نافع أه وما نسبه لابن بطال بين في كلامه إلا المثلية في الأكثرية فهي مختصة بابن عمر وكلام بن بطال هو الصواب وأن كان لم يذكر دليله والحاصل أنهما حديثان مرفوع وموقوف فالمرفوع من رواية بن عمر وقد يروي كله أو بعضه موقوفا عليه أيضا والموقوف من قول مجاهد لم يروه عن بن عمر ولا غيره ولم أعرف من أين وقع للكرمانى أن مجاهدا روى هذا الحديث عن بن عمر فإنه لا وجود لذلك في شيء من الطرق وقد رواه الطبري عن سعيد بن يحيى شيخ البخاري فيه بإسناده المذكور عن بن عمر قال إذا اختلطوا يعني في القتال فإنما هو الذكر وإشارة الرأس قال بن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن كانوا أكثر من ذلك فيصلون قياما وركبانا هكذا اقتصر على حديث بن عمر وأخرجه الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف عن سعيد المذكور مثل ما ساقه البخاري سواء وزاد بعد قوله اختلطوا فإنما هو الذكر وإشارة الرأس أه وتبين من هذا أن قوله في البخاري قياما الأولى تصحيف من قوله فانما وقد ساقه الإسماعيلي من طريق أخرى بين لفظ مجاهد وبين فيها الواسطة بين بن جريج وبينه فأخرجه من رواية حجاج بن محمد عن بن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال إذا اختلطوا فإنما هو الإشارة بالرأس قال بن جريج حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر بمثل قول مجاهد إذا اختلطوا فإنما هو الذكر وإشارة الرأس وزاد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن كثروا فليصلوا ركبانا أو قياما على أقدامهم فتبين من هذا سبب التعبير بقوله نحو قول مجاهد لأن بين لفظه وبين لفظ بن عمر مغايرة وتبين أيضا أن مجاهدا إنما قاله برأيه لا من روايته عن بن عمر والله أعلم وقد أخرج مسلم حديث بن عمر من طريق سفيان الثوري عن موسى بن عقبة فذكر صلاة الخوف نحو سياق الزهري عن سالم وقال في آخره قال بن عمر فإذا كان خوف أكثر من ذلك فليصل راكبا أو قائما يومئ إيماء ورواه بن المنذر من طريق داود بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة موقوفا كله لكن قال في آخره وأخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر كان يخبر بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فاقتضى ذلك رفعه كله وروى مالك في الموطأ عن نافع كذلك لكن قال في آخره قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد في آخره مستقبلى القبلة أو غير مستقبليها وقد أخرجه المصنف من هذا الوجه في تفسير سورة البقرة ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر مرفوعا كله بغير شك أخرجه بن ماجة ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أن يكون الإمام يصلي بطائفة فذكر نحو سياق سالم عن أبيه وقال في آخره فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا وركبانا وإسناده جيد والحاصل أنه اختلف في قوله فإن كان خوف أشد من ذلك هل هو مرفوع أو موقوف على بن عمر والراجح رفعه والله أعلم قوله وأن كانوا أكثر من ذلك أي إن كان العدو والمعنى أن الخوف إذا أشتد والعدو إذا كثر فخيف من الانقسام لذلك جازت الصلاة حينئذ بحسب الإمكان وجاز ترك مراعاة ما لا يقدر عليه من الأركان فينتقل عن القيام إلى الركوع وعن الركوع والسجود إلى الإيماء إلى غير ذلك وبهذا قال الجمهور ولكن قال المالكية لا يصنعون ذلك حتى يخشى فوات الوقت وسيأتي مذهب الأوزاعي في ذلك بعد باب تنبيه بن جريج سمع الكثير من نافع وقد أدخل في هذا الحديث بينه وبين نافع موسى بن عقبة ففي هذا التقوية لمن قال إنه أثبت الناس في نافع ولابن جريج فيه إسناد آخر أخرجه عبد الرزاق عنه عن الزهري عن سالم عن أبيه

قوله باب يحرس بعضهم بعضا في الخوف قال بن بطال محل هذه الصورة إذا كان العدو في جهة القبلة فلا يفترقون والحالة هذه بخلاف الصورة الماضية في حديث بن عمر وقال الطحاوي ليس هذا بخلاف القرآن لجواز أن يكون قوله تعالى ولتأت طائفة أخرى إذا كان العدو في غير القبلة وذلك ببيانه صلى الله عليه وسلم ثم بين كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة والله أعلم

[ 902 ] قوله عن الزبيدي في رواية الإسماعيلي حدثنا الزبيدي ولم أره من حديثه إلا من رواية محمد بن حرب عنه وافقه عليه النعمان بن راشد عن الزهري أخرجه البزار وقال لا نعلم رواه عن الزهري إلا النعمان ولا عنه إلا وهيب يعني بن خالد أه ورواية الزبيدي ترد عليه قوله وركع ناس منهم زاد الكشميهني معه قوله ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا معه في رواية النسائي والإسماعيلي ثم قام إلى الركعة الثانية فتأخر الذين سجدوا معه قوله فركعوا وسجدوا في روايتهما أيضا فركعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم قوله في صلاة زاد الإسماعيلي يكبرون ولم يقع في رواية الزهري هذه هل أكملوا الركعة الثانية أم لا وقد رواه النسائي من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فزاد في آخره ولم يقضوا وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة وفي الباب عن حذيفة وعن زيد بن ثابت عند أبي داود والنسائي وابن حبان وعن جابر عند النسائي ويشهد له ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مجاهد عن بن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وبالاقتصار في الخوف على ركعة واحد يقول إسحاق والثوري ومن تبعهما وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعري وغير واحد من التابعين ومنهم من قيد ذلك بشدة الخوف وسيأتي عن بعضهم في شدة الخوف أسهل من ذلك وقال الجمهور قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد وتأولوا رواية مجاهد هذه على أن المراد به ركعة مع الإمام وليس فيه نفى الثانية وقالوا يحتمل أن يكون قوله في الحديث السابق لم يقضوا أي لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن والله أعلم فائدة لم يقع في شيء من الأحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب وقد اجمعوا على أنه لا يدخلها قصر واختلفوا هل الأولى أن يصلي بالأولى ثنتين والثانية واحدة أو العكس

قوله باب الصلاة عند مناهضة الحصون أي عند إمكان فتحها وغلبة الظن على القدرة على ذلك قوله ولقاء العدو وهو من عطف الأعم على الأخص قال الزين بن المنير كأن المصنف خص هذه الصورة لاجتماع الرجاء والخوف في تلك الحالة فإن الخوف يقتضى مشروعية صلاة الخوف والرجاء بحصول الظفر يقتضى اغتفار التأخير لأجل استكمال مصلحة الفتح فلهذا خالف الحكم في هذه الصورة الحكم في غيرها عند من قال به قوله وقال الأوزاعي الخ كذا ذكره الوليد بن مسلم عنه في كتاب السير قوله ان كان تهيأ الفتح أي تمكن وفي رواية القابسي ان كان بها الفتح بموحدة وهاء الضمير وهو تصحيف قوله فإن لم يقدروا على الإيماء قيل فيه إشكال لأن العجز عن الإيماء لا يتعذر مع حصول العقل إلا أن تقع دهشة فيعزب استحضاره ذلك وتعقب قال بن رشيد من باشر الحرب واشتغال القلب والجوارح إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر الإيماء وأشار بن بطال إلى أن عدم القدرة على ذلك يتصور بالعجز عن الوضوء أو التيمم للاشتغال بالقتال ويحتمل أن الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء فيتصور العجز عن الإيماء إليها حينئذ قوله فلا يجزيهم التكبير فيه إشارة إلى خلاف من قال يجزئ كالثورى وروى بن أبي شيبة من طريق عطاء وسعيد بن جبير وأبي البختري في آخرين قالوا إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة فقولوا سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر فتلك صلاتهم بلا إعادة وعن مجاهد والحكم إذا كان عند الطراد والمسابقة يجزئ أن تكون صلاة الرجل تكبيرا فإن لم يكن إلا تكبيرة واحدة أجزأته أين كان وجهه وقال إسحاق بن راهويه يجزئ عند المسابقة ركعة واحدة يومئ بها إيماء فإن لم يقدر فسجدة فان لم يقدر فتكبيرة قوله وبه قال مكحول قال الكرماني يحتمل أن يكون بقية من كلام الأوزاعي ويحتمل أن يكون من تعليق البخاري انتهى وقد وصله عبد بن حميد في تفسيره عنه من غير طريق الأوزاعي بلفظ إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين فإن لم يقدروا فركعة وسجدتين فإن لم يقدروا أخروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض تنبيه ذكر بن رشيد أن سياق البخاري لكلام الأوزاعي مشوش وذك أنه جعل الأيماء مشروطا بتعذر القدرة والتأخير مشروطا بتعذر الإيماء وجعل غاية التأخير انكشاف القتال ثم قال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين فجعل الأمن قسيم الانكشاف يحصل الأمن فكيف يكون قسيمه وأجاب الكرماني عن هذا بأن الانكشاف قد يحصل ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة كما أن الأمن يحصل بزيادة القوة واتصال المدد بغير انكشاف فعلى هذا فالأمن قسيم الانكشاف أيهما حصل اقتضى صلاة ركعتين وأما قوله فإن لم يقدروا فمعناه على صلاة ركعتين بالفعل أو بالإيماء فواحدة وهذا يؤخذ من كلامه الأول قال فإن لم يقدروا عليها أخروا أي حتى يحصل الأمن التام والله أعلم قوله وقال أنس وصله بن سعد وابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه وذكره خليفة في تاريخه وعمر بن شبة في أخبار البصرة من وجهين آخرين عن قتادة ولفظ عمر سئل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال فقال حدثني أنس بن مالك أنهم فتحوا تستر وهو يومئذ على مقدمة الناس وعبد الله بن قيس يعني أبا موسى الأشعري أميرهم قوله تستر بضم المثناة الفوقانية وسكون المهملة وفتح المثناة أيضا بلد معروف من بلاد الأهواز وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر وسيأتي الإشارة إلى كيفيته في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى قوله اشتعال القتال بالعين المهملة قوله فلم يقدوا على الصلاة يحتمل أن يكون العجز عن النزول ويحتمل أن يكون للعجز عن الإيماء أيضا فيوافق ما تقدم عن الأوزاعي وجزم الأصيلي بأن سببه أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلا من شدة القتال قوله إلا بعد ارتفاع النهار في رواية عمر بن شبة حتى انتصف النهار قوله ما يسرني بتلك الصلاة أي بدل تلك الصلاة وفي رواية الكشميهني من تلك الصلاة قوله الدنيا وما فيها في رواية خليفة الدنيا كلها والذي يتبادر إلى الذهن من هذا أن مراده الاغتباط بما وقع فالمراد بالصلاة على هذا هي المقضية التي وقعت ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم ثم تداركوا ما فاتهم منها فقضوه وهو كقول أبي بكر الصديق لو طلعت لم تجدنا غافلين وقيل مراد أنس الأسف على التفويت الذي وقع لهم والمراد بالصلاة على هذه الفائته ومعناه لو كانت في وقتها كانت أحب إلى فالله أعلم وممن جزم بهذا الزين بن المنير فقال إيثار أنس الصلاة على الدنيا وما فيها يشعر بمخالفته لأبي موسى في اجتهاده المذكور وأن أنسا كان يرى أن يصلي للوقت وإن فات الفتح وقوله هذا موافق لحديث ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها انتهى وكأنه أراد الموافقة في اللفظ وإلا فقصة أنس في المفروضة والحديث فى النافلة ويخدش فيما ذكره عن أنس من مخالفة اجتهاد أبي موسى أنه لو كان كذلك لصلى أنس وحده ولو بالإيماء لكنه وافق أبا موسى ومن معه فكيف يعد مخالفا والله أعلم

[ 903 ] قوله حدثنا يحيى حدثنا وكيع كذا في معظم الروايات ووقع في رواية أبي ذر في نسخة يحيى بن موسى وفي أخرى يحيى بن جعفر وهذا المعتمد وهي نسخة صحيحة بعلامة المتسملى وفي بعض النسخ يحيى بن موسى بن جعفر وهو غلط ولعله كان فيه يحيى بن موسى وفي الحاشية بن جعفر على أنها نسخة فجمع بينهما بعض من نسخ الكتاب واسم جد يحيى بن موسى عبد ربه بن سالم وهو الملقب خت بفتح المعجمة بعدها مثناة فوقانية ثقيلة واسم جد يحيى بن جعفر أعين وكلاهما من شيوخ البخاري وكلاهما من أصحاب وكيع قوله عن جابر تقدم الكلام على حديثه في أواخر المواقيت ونقل الاختلاف في سبب تأخير الصلاة يوم الخندق هل كان نسيانا أو عمدا وعلى الثاني هل كان الشغل بالقتال أو لتعذر الطهارة أو قبل نزول آية الخوف وإلى الأول وهو الشغل جنح البخاري في هذا الموضع ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة ولا يرده ما تقدم من ترجيح كون آية الخوف نزلت قبل الخندق لأن وجهه أنه أقر على ذلك وآية الخوف التي في البقرة لا تخالفة لأن التأخير مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقا وإلى الثاني جنح المالكية والحنابلة لأن الصلاة لا تبطل عندهم بالشغل الكثير في الحرب إذا احتيج إليه وإلى الثالث جنح الشافعية كما تقدم في الموضع المذكور وعكس بعضهم فادعى أن تأخيره صلى الله عليه وسلم للصلاة يوم الخندق دال على نسخ صلاة الخوف قال بن القصار وهو قول من لا يعرف السنن لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر فالله المستعان

قوله باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء كذا للأكثر وفي رواية الحموي من الطريقين إليه وقائما قال بن المنذر كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول إن المطلوب يصلي على دابته يومئ أيماء وإن كان طالبا نزل فصلى على الأرض قال الشافعي إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه فيجزئه ذلك وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب ظاهرة لتحقق السبب المقتضى لها وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه وإنما يخاف أن يفوته العدو وما نقله بن المنذر متعقب بكلام الأوزاعي فإنه قيده بخوف الفوت ولم يستثن طالبا من مطلوب وبه قال بن حبيب من المالكية وذكر أبو إسحاق الفزاري في كتاب السير له عن الأوزاعي قال إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث وجهوا على كل حال لأن الحديث جاء إن النصر لا يرفع ما دام الطلب قوله وقال الوليد كذا ذكره في كتاب السير ورواه الطبري وابن عبد البر من وجه آخر عن الأوزاعي قال قال شرحبيل بن السمط لأصحابه لا تصلوا الصبح إلا على ظهر فنزل الأشتر يعني النخعي فصل على الأرض فقال شرحبيل مخالف خالف الله به وأخرجه بن أبي شيبة من طريق رجاء بن حيوة قال كان ثابت بن السمط في خوف فحضرت الصلاة فصلوا ركبانا فنزل الأشتر يعني النخعي فقال مخالف خولف به فلعل ثابتا كان مع أخيه شرحبيل في ذلك الوجه وشرحبيل المذكور بضم المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة ثم ياء تحتانية ساكنة كندي هو الذي افتتح حمص ثم ولي امرتها وقد اختلف في صحبته وليس له في البخاري غير هذا الموضع قوله إذا تخوف الفوت زاد المستملى في الوقت قوله واحتج الوليد معناه أن الوليد قوي مذهب الأوزاعي في مسألة الطالب بهذه القصة قال بن بطال لو وجد في بعض طرق الحديث أن الذين صلوا في الطريق حلوا ركبانا لكان بينا في الاستدلال فإن لم يوجد ذلك فذكر ما حاصله أن وجه الاستدلال يكون بالقياس فكما ساغ لأولئك أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المفترض كذلك يسوغ للطالب ترك إتمام الأركان والانتقال إلى الإيماء قال بن المنير والأبين عندي أن وجه الاستدلال من جهة أن الاستعجال المأمور به يقتضى ترك الصلاة أصلا كما جرى لبعضهم أو الصلاة على الدواب كما وقع للآخرين لأن النزول ينافي مقصود الجد في الوصول فالأولون بنوا على أن النزول معصية لمعارضته للأمر الخاص بالإسراع وكأن تأخيرهم لها لوجود المعارض والآخرون جمعوا بين دليلى وجوب الإسراع ووجوب الصلاة في وقتها فصلوا ركبانا فلو فرضنا أنهم نزلوا لكان ذلك مضادا للأمر بالإسراع وهو لا يظن بهم لما فيه من المخالفة انتهى وهذا الذي حاوله بن المنير قد أشار إليه بن بطال بقوله لو وجد في بعض طرق الحديث الخ فلم يستحسن الجزم في النقل بالاحتمال وأما قوله لا يظن بهم المخالفة فمعترض بمثله بان يقال لا يظن بهم المخالفة بتغيير هيئة الصلاة بغير توقيف والأولى في هذا ما قاله بن المرابط ووافقه الزين بن المنير أن وجه الاستدلال منه بطريق الأولوية لأن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة لم يعنفوا مع كونهم فوتوا الوقت فصلاة من لا يفوت الوقت بالإيماء أو كيف ما يمكن أولى من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها والله أعلم

[ 904 ] قوله حدثنا جويرية هو بالجيم تصغير جارية وهو عم عبد الله الراوي عنه قوله العصر في رواية مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ البخاري في هذا الحديث الظهر وسيأتي بيان الصواب من ذلك في كتاب المغازي مع بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى فائدة أخرج أبو داود في صلاة الطالب حديث عبيد الله بن أنيس إذ لا يصلين أحد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سفيان الهذلي قال فرأيته وحضرت العصر فخشيت فوتها فانطلقت أمشي وأنا أصلى أومىء إيماء وإسناده حسن

قوله باب التكبير كذا للأكثر وللكشميهني من الطريقين التبكير بتقديم الموحدة وهو أوجه قوله والصلاة عند الإغارة بكسر الهمزة بعدها معجمة وهي متعلقة بالصلاة وبالتكبير أيضا أورد فيه حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس ثم ركب وقد تقدم في أوائل الصلاة في باب ما يذكر في الفخذ من طريق أخرى عن أنس وأوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلى عندها صلاة الغداة الحديث بطوله وهو أتم سياقا مما هنا وقوله

[ 905 ] ويقولون محمد والخميس فيه حمل لرواية عبد العزيز بن صهيب على رواية ثابت فقد تقدم في الباب المذكور أن عبد العزيز لم يسمع من أنس قوله والخميس وأنها في رواية ثابت عند مسلم قوله فصارت صفية لدحية الكلبي وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهره أنها صارت لهما معا وليس كذلك بل صارت لدحية أولا ثم صارت بعده لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم إيضاحه في الباب المذكور وسيأتي بقية الكلام عليه في المغازي وفي النكاح إن شاء الله تعالى ووجه دخول هذه الترجمة في أبواب صلاة الخوف للإشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها التأخير إلى آخر الوقت كما شرطه من شرطه في صلاة شدة الخوف عند التحام المقاتلة أشار إلى ذلك الزين بن المنير ويحتمل أن يكون للإشارة إلى تعين المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها قبل الدخول في الحرب والاشتغال بأمر العدو وأما التكبير فلأنه ذكر مأثور عند كل أمر مهول وعند كل حادث سرور شكرا لله تعالى وتبرئة له من كل ما نسب إليه أعداؤه ولا سيما اليهود قبحهم الله تعالى خاتمة اشتملت أبواب صلاة الخوف على ستة أحاديث مرفوعه موصولة تكرر منها فيما مضى حديثان والأربعة خالصة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث بن عباس وفيها من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة آثار منها واحد موصول وهو أثر مجاهد والله أعلم