كتاب العيدين
 قوله باب في العيدين والتجمل فيه كذا في رواية أبي على بن شبويه ونحوه لابن عساكر وسقطت البسملة لأبي ذر وله في رواية المستملى أبواب بدل كتاب واقتصر في رواية الأصيلي والباقين على قوله باب الخ والضمير في فيه راجع إلى جنس العيد وفي رواية الكشميهني فيهما

[ 906 ] قوله أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر أخذ بهمزة وخاء وذال معجمتين في الموضعين وفي بعض النسخ وجد بواو وجيم في الأول وهو أوجه وكذا أخرجه الإسماعيلي والطبراني في مسند الشاميين وغير واحد من طرق إلى أبي اليمان شيخ البخاري فيه ووجه الكرماني الأول بأنه أراد ملزوم الأخذ وهو الشراء وفيه نظر لأنه لم يقع منه ذلك فلعله أراد السوم قوله ابتع هذه تجمل بها كذا للأكثر بصيغة الأمر مجزوما وكذا جوابه ووقع في رواية أبي ذر عن المستملى والسرخسي ابتاع هذه تجمل وضبط في نسخ معتمدة بهمزة استفهام ممدودة ومقصورة وضم لام تجمل على أن أصله تتجمل فحذفت إحدى التاءين كأن عمر استأذن أن يبتاعها ليتجمل بها النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون بعض الرواة أشبع فتحة التاء فظنت ألفا وقال الكرماني قوله هذه إشارة إلى نوع الجبة كذا قال والذي يظهر إشارة إلى عينها ويلتحق بها جنسها وقد تقدم في كتاب الجمعة توجيه الترجمة وأنها مأخوذة من تقريره صلى الله عليه وسلم على أصل التجمل وإنما زجره عن الجبة لكونها كانت حريرا قوله للعيد والوقود تقدم في كتاب الجمعة بلفظ للجمعة بدل للعيد وهي رواية نافع وهذه رواية سالم وكلاهما صحيح وكأن بن عمر ذكرهما معا فاقتصر كل راو على أحدهما قوله تبيعها وتصيب بها حاجتك في رواية الكشميهني أو تصيب ومعنى الأول وتصيب بثمنها والثاني يحتمل أن أو بمعنى الواو فهو كالأول أو التقسيم والمراد المقايضة أو أعم من ذلك والله أعلم وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى فائدة روى بن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى بن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين

قوله باب الحراب والدرق يوم العيد الحراب بكسر المهملة جمع حربة والدرق جمع درقة وهي الترس قال بن بطال حمل السلاح في العيد لا مدخل له في سنة العيد ولا في صفة الخروج إليه ويمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم كان محاربا خائفا فرأى الاستظهار بالسلاح لكن ليس في حديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم خرج بأصحاب الحراب معه يوم العيد ولا أمر أصحابه بالتأهب بالسلاح يعني فلا يطابق الحديث الترجمة وأجاب بن المنير في الحاشية بأن مراد البخاري الاستدلال على أن العيد يغتفر فيه من الانبساط ما لا يغتفر في غيره أه وليس في الترجمة أيضا تقييده بحال الخروج إلى العيد بل الظاهر أن لعب الحبشة إنما كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من المصلى لأنه كان يخرج أول النهار فيصلى ثم يرجع

[ 907 ] قوله حدثنا أحمد كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي ذر وابن عساكر حدثنا أحمد بن عيسى وبه جزم أبو نعيم في المستخرج ووقع في رواية أبي على بن شبويه حدثنا أحمد بن صالح وهو مقتضى إطلاق أبي على بن السكن حيث قال كل ما في البخاري حدثنا أحمد غير منسوب فهو بن صالح قوله أخبرنا عمرو هو بن الحارث المصري وشطر هذا الإسناد الأول مصريون والثاني مدنيون قوله دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد في رواية الزهري عن عروة في أيام منى وسيأتي بعد ثلاثة وعشرين بابا قوله جاريتان زاد في الباب الذي بعده من جوارى الأنصار وللطبرانى من حديث أم سلمة أن إحداهما كانت لحسان بن ثابت وفي الأربعين للسلمى أنهما كانتا لعبد الله بن سلام وفي العيدين لابن أبي الدنيا من طريق فليح عن هشام بن عروة وحمامة وصاحبتها تغنيان وإسناده صحيح ولم أقف على تسمية الأخرى لكن يحتمل أن يكون اسم الثانية زينب وقد ذكره في كتاب النكاح ولم يذكر حمامة الذين صنفوا في الصحابة وهي على شرطهم قوله تغنيان زاد في رواية الزهري تدففان بفاءين أي تضربان بالدف ولمسلم في رواية هشام أيضا تغنيان بدف وللنسائي بدفين والدف بضم الدال على الأشهر وقد تفتح ويقال له أيضا الكربال بكسر الكاف وهو الذي لا جلاجل فيه فإن كانت فيه فهو المزهر وفي حديث الباب الذي بعده بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء وللمصنف في الهجرة بما تعازفت بمهملة وزاى وفاء من العزف وهو الصوت الذي له دوى وفي رواية تقاذفت بقاف بدل العين وذال معجمة بدل الزاي وهو من القذف وهو هجاء بعضهم لبعض ولأحمد من رواية حماد بن سلمة عن هشام يذكر أن يوم بعاث يوم قتل فيه صناديد الأوس والخرزج أه وبعاث بضم الموحدة وبعدها مهملة وآخره مثلثة قال عياض ومن تبعه أعجمها أبو عبيدة وحده وقال بن الأثير في الكامل أعجمها صاحب العين يعني الخليل وحده وكذا حكى أبو عبيد البكري في معجم البلدان عن الخليل وجزم أبو موسى في ذيل الغريب بأنه تصحيف وتبعه صاحب النهاية قال البكري هو موضع من المدينة على ليلتين وقال أبو موسى وصاحب النهاية هو اسم حصن للأوس وفي كتاب أبي الفرج الأصفهاني في ترجمة أبي قيس بن الأسلت هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك ولا منافاة بين القولين وقال صاحب المطالع الأشهر فيه ترك الصرف قال الخطابي يوم بعاث يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخرزج وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإسلام على ما ذكر بن إسحاق وغيره قلت تبعه على هذا جماعة من شراح الصحيحين وفيه نظر لأنه يوهم أن الحرب التي وقعت يوم بعاث دامت هذه المدة وليس كذلك فسيأتى في أوائل الهجرة قول عائشة كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله فقدم المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت سراتهم وكذا ذكره بن إسحاق والواقدي وغيرهما من أصحاب الأخبار وقد روى بن سعد بأسانيده أن النفر الستة أو الثمانية الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أول من لقيه من الأنصار وكانوا قد قدموا إلى مكة ليحالفوا قريشا كان في جملة ما قالوه له لما دعاهم إلى الإسلام والنصر له وأعلم أنما كانت وقعة بعاث عام الأول فموعدك الموسم القابل فقدموا في السنة التي تليها فبايعوه وهي البيعة الأولى ثم قدموا الثانية فبايعوه وهم سبعون نفسا وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل التي تليها فدل ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة بثلاث سنين وهو المعتمد وهو أصح من قول بن عبد البر في ترجمة زيد بن ثابت من الاستيعاب إنه كان يوم بعاث بن ست سنين وحيث قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان بن إحدى عشرة فيكون يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين نعم دامت الحرب بين الحيين الأوس والخزرج المدة التي ذكرها في أيام كثيرة شهيرة وكان أولها فيما ذكر بن إسحاق وهشام بن الكلبي وغيرهما أن الأوس والخرزج لما نزلوا المدينة وجدوا اليهود مستوطنين بها فحالفوهم وكانوا تحت قهرهم ثم غلبوا على اليهود في قصة طويلة بمساعدة أبي جبلة ملك غسان فلم يزالوا على اتفاق بينهم حتى كانت أول حرب وقعت بينهم حرب سمير بالمهملة مصغرا بسبب رجل يقال له كعب من بني ثعلبة نزل على مالك بن عجلان الخزرجي فحالفه فقتله رجل من الأوس يقال له سمير فكان ذلك سبب الحرب بين الحيين ثم كانت بينهم وقائع من أشهرها يوم السرارة بمهملات ويوم فارع بفاء ومهملة ويوم الفجار الأول والثاني وحرب حصين بن الأسلت وحرب حاطب بن قيس إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث وكان رئيس الأوس فيه حضير والد أسيد وكان يقال له حضير الكتائب وجرح يومئذ ثم مات بعد مدة من جراحته وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان وجاءه سهم في القتال فصرعه فهزموا بعد أن كانوا قد استظهروا ولحسان وغيره من الخزرج وكذا لقيس بن الحطيم وغيره من الأوس في ذلك أشعار كثيرة مشهورة في دواوينهم قوله فاضطجع على الفراش في رواية الزهري المذكورة أنه تغشى بثوبه وفي رواية لمسلم تسجى أي التف بثوبه قوله وجاء أبو بكر في رواية هشام بن عروة في الباب الذي بعده دخل على أبو بكر وكأنه جاء زائرا لها بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته قوله فانتهرني في رواية الزهري فانتهرهما أي الجاريتين ويجمع بأنه شرك بينهن في الانتهار والزجر أما عائشة فلتقريرها وأما الجاريتان فلفعلهما قوله مزمارة الشيطان بكسر الميم يعني الغناء أو الدف لأن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير وهو الصوت الذي له الصفير ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء وسميت به الالة المعروفة التي يزمر بها وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهى فقد تشغل القلب عن الذكر وفي رواية حماد بن سلمة عند أحمد فقال يا عباد الله أبمزمور الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القرطبي المزمور الصوت ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر وضبطه عياض بضم الميم وحكى فتحها قوله فأقبل عليه في رواية الزهري فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه وفي رواية فليح فكشف رأسه وقد تقدم أنه كان ملتفا قوله دعهما زاد في رواية هشام يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ففيه تعليل الأمر بتركهما وإيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه فظنه نائما فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحبا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو فبادر إلى إنكار ذلك قياما عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مستندا إلى ما ظهر له فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم الحال وعرفه الحكم مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد أي يوم سرور شرعى فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الاعراس وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال كيف ساغ للصديق إنكار شيء أقره النبي صلى الله عليه وسلم وتكلف جوابا لا يخفى تعسفه وفي قوله لكل قوم أي من الطوائف وقوله عيد أي كالنيروز والمهرجان وفي النسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن أنس قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما يوم الفطر والأضحى واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى واستنبط من تسمية أيام منى بأنها أيام عيد مشروعية قضاء صلاة العيد فيها لمن فاتته كما سيأتي بعد واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة ويكفى في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها وليستا بمغنيتين فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة وعلى الحداء ولا يسمى فاعله مغنيا وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح قال القرطبي قولها ليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه قال وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال وأن ذلك يثمر سني الأحوال وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل المخرقة والله المستعان أه وينبغى أن يعكس مرادهم ويقرأ سيء عوض النون الخفيفة المكسورة بغير همز بمثناة تحتانية ثقيلة مهموزا وأما الالات فسيأتى الكلام على اختلاف العلماء فيها عند الكلام على حديث المعازف في كتاب الأشربة وقد حكى قوم الإجماع على تحريمها وحكى بعضهم عكسه وسنذكر بيان شبهة الفريقين إن شاء الله تعالى ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة غيره من الالات كالعود ونحوه كما سنذكر ذلك في وليمة العرس إن شاء الله تعالى وأما التفافه صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضى أن يرتفع عن الاصغاء إلى ذلك لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الاعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة وأن الإعراض عن ذلك أولى وفيه أن إظهار السرور في الاعياد من شعار الدين وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وهي عند زوجها إذا كان له بذلك عادة وتأديب الأب بحضرة الزوج وإن تركه الزوج إذ التأديب وظيفة الأباء والعطف مشروع من الأزواج للنساء وفيه الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها وأن مواضع أهل الخير تنزه عن اللهو واللغو وإن لم يكن فيه إثم إلا بأذنهم وفيه أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستكره مثله بادر إلى أنكاره ولا يكون في ذلك افتئات على شيخه بل هو أدب منه ورعاية لحرمته وإجلال لمنصبه وفيه فتوى التلميذ بحضرة شيخه بما يعرف من طريقته ويحتمل أن يكون أبو بكر ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نام فخشي أن يستيقظ فيغضب على ابنته فبادر إلى سد هذه الذريعة وفي قول عائشة في آخر هذا الحديث فلما غفل غمزتهما فخرجتا دلالة على أنها مع ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لها في ذلك راعت خاطر أبيها وخشيت غضبه عليها فاخرجتهما واقتناعها في ذلك بالإشارة فيما يظهر للحياء من الكلام بحضرة من هو أكبر منها والله أعلم واستدل به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء ولو لم تكن مملوكه لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر سماعه بل أنكر إنكاره واستمرتا إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك والله أعلم قوله وكان يوم عيد هذا حديث آخر وقد جمعهما بعض الرواة وأفردهما بعضهم وقد تقدم هذا الحديث الثاني من وجه آخر عن الزهري عن عروة في أبواب المساجد ووقع عند الجوزقي في حديث الباب هنا وقالت أي عائشة كان يوم عيد فتبين بهذا أنه موصول كالأول قوله يلعب فيه السودان في رواية الزهري المذكورة والحبشة يلعبون في المسجد وزاد في رواية معلقة ووصلها مسلم بحرابهم ولمسلم من رواية هشام عن أبيه جاء حبش يلعبون في المسجد قال المحب الطبري هذا السياق يشعر بأن عادتهم ذلك في كل عيد ووقع في رواية بن حبان لما قدم وفد الحبشة قاموا يلعبون في المسجد وهذا يشعر بان الترخيص لهم في ذلك بحال القدوم ولا تنافى بينهما لاحتمال أن يكون قدومهم صادف يوم عيد وكان من عادتهم اللعب في الاعياد ففعلوا ذلك كعادتهم ثم صاروا يلعبون يوم كل عيد ويؤيده ما رواه أبو داود عن أنس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة فرحا بذلك لعبوا بحرابهم ولا شك أن يوم قدومه صلى الله عليه وسلم كان عندهم أعظم من يوم العيد قال الزين بن المنير سماه لعبا وإن كان أصله التدريب على الحرب وهو من الجد لما فيه من شبة اللعب لكونه يقصد إلى الطعن ولا يفعله ويوهم بذلك قرنه ولو كان أباه أو ابنه قوله فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال تشتهين تنظرين هذا تردد منها فيما كان وقع له هل كان أذن لها في ذلك ابتداء منه أو عن سؤال منها وهذا بناء على أن سألت بسكون اللام على أنه كلامها ويحتمل أن يكون بفتح اللام فيكون كلام الراوي فلا ينافي مع ذلك قوله وإما قال تشتهين تنظرين وقد اختلفت الروايات عنها في ذلك ففي رواية النسائي من طريق يزيد بن رومان عنها سمعت لغطا وصوت صبيان فقام النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن أي ترقص والصبيان حولها فقال يا عائشة تعالى فانظري ففي هذا أنه ابتدأها وفي رواية عبيد بن عمير عنها عند مسلم أنها قالت للعابين وددت أني أراهم ففي هذا أنها سألت ويجمع بينهما بأنها التمست منه ذلك فأذن لها وفي رواية النسائي من طريق أبي سلمة عنها دخل الحبشة يلعبون فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم فقلت نعم إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا وفي رواية أبي سلمة هذه من الزيادة عنها قالت ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبا كذا فيه بالنصب وهو حكاية قول الحبشة ولأحمد والسراج وابن حبان من حديث أنس أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلمون بكلام لهم فقال ما يقولون قال يقولون محمد عبد صالح قوله فأقامني وراءه خدي على خده أي متلاصقين وهي جملة حالية بدون واو كما قيل في قوله تعالى اهبطوا بعضكم لبعض عدو وفي رواية هشام عن أبيه عند مسلم فوضعت رأسي على منكبه وفي رواية أبي سلمة المذكورة فوضعت ذقنى على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده وفي رواية عبيد بن عمير عنها أنظر بين أذنيه وعاتقه ومعانيها متقاربة ورواية أبي سلمة أبينها وفي رواية الزهري الآتية بعد عن عروة فيسترنى وأنا أنظر وقد تقدم في أبواب المساجد بلفظ يسترنى بردائه ويتعقب به على الزين بن المنير في استنباطه من لفظ حديث الباب جواز اكتفاء المرأة بالتستر بالقيام خلف من تستر به من زوج أو ذي محرم إذا قام ذلك مقام الرداء لأن القصة واحدة وقد وقع فيها التنصيص على وجود التستر بالرداء قوله وهو يقول دونكم بالنصب على الظرفية بمعنى الإغراء والمغرى به محذوف وهو لعبهم بالحراب وفيه إذن وتنهيض لهم وتنشيط قوله يا بني أرفدة بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح قيل هو لقب للحبشة وقيل هو اسم جنس لهم وقيل اسم جدهم الأكبر وقيل المعنى يا بني الإماء زاد في رواية الزهري عن عروة فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمنا بني أرفدة وبين الزهري أيضا عن سعيد عن أبي هريرة وجه الزجر حيث قال فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم يا عمر وسيأتي في الجهاد وزاد أبو عوانة في صحيحه فإنهم بنو أرفدة كأنه يعني أن هذا شأنهم وطريقتهم وهو من الأمور المباحة فلا إنكار عليهم قال المحب الطبري فيه تنبيه على أنه يغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم لأن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص انتهى وروى السراج من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني بعثت بحنيفية سمحة وهذا يشعر بعدم التخصيص وكأن عمر بنى على الأصل في تنزيه المساجد فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه الجواز فيما كان هذا سبيله كما سيأتي تقريره أو لعله لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراهم قوله حتى إذا مللت بكسر اللام الأولى وفي رواية الزهري حتى أكون أنا الذي أسأم ولمسلم من طريقه ثم يقوم من أجلى حتى أكون أنا الذي أنصرف وفي رواية يزيد بن رومان عند النسائي أما شبعت أما شبعت قالت فجعلت أقول لا لأنظر منزلتى عنده وله من رواية أبي سلمة عنها قلت يا رسول الله لا تعجل فقام لي ثم قال حسبك قلت لا تعجل قالت وما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكانى منه وزاد في النكاح في رواية الزهري فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو وقولها اقدروا بضم الدال من التقدير ويجوز كسرها وأشارت بذلك إلى أنها كانت حينئذ شابة وقد تمسك به من ادعى نسخ هذا الحكم وأنه كان فى أول الإسلام كما تقدمت حكايته في أبواب المساجد ورد بأن قولها يسترنى بردائه دال على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب وكذا قولها أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي مشعر بأن ذلك وقع بعد أن صارت لها ضرائر أرادت الفخر عليهن فالظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها وقد تقدم من رواية بن حبان أن ذلك وقع لما قدم وفد الحبشة وكان قدومهم سنة سبع فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنة وقد تقدم في أبواب المساجد شيء نحو هذا والجواب عنه واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب قال عياض وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال الأجانب لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن والاستلذاذ بذلك ومن تراجم البخاري عليه باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة وقال النووي أما النظر بشهوة وعند خشية الفتنة فحرام اتفاقا وأما بغير شهوة فالاصح أنه محرم وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة وهذا قد تقدمت الإشارة إلى ما فيه قال أو كانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال انتهى وقد تقدمت بقية فوائدة في أبواب المساجد وسيأتي بعد ستة أبواب وجه الجمع بين ترجمة البخاري هذا الباب والباب الاتى هناك حيث قال باب ما يكره من حمل السلاح في العيد إن شاء الله تعالى

قوله باب سنة العيدين لأهل الإسلام كذا للأكثر وقد اقتصر عليه الإسماعيلي في المستخرج وأبو نعيم وزاد أبو ذر عن الحموي في أول الترجمة الدعاء في العيد قال بن رشيد أراه تصحيفا وكأنه كان فيه اللعب في العيد يعني فيناسب حديث عائشة وهو الثاني من حديثي الباب ويحتمل أن يوجه بان الدعاء بعد صلاة العيد يؤخذ حكمه من جواز اللعب بعدها بطريق الأولى وقد روى بن عدي من حديث واثلة أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم يوم عيد فقال تقبل الله منا ومنك فقال نعم تقبل الله منا ومنك وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي وهو ضعيف وقد تفرد به مرفوعا وخولف فيه فروى البيهقي من حديث عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ذلك فعل أهل الكتابين وإسناده ضعيف أيضا وكأنه أراد أنه لم يصح فيه شيء وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك وأما مناسبة حديث عائشة للترجمة التي اقتصر عليها الأكثر فقد قيل إنها من قوله وهذا عيدنا لإشعاره بالندب إلى ذلك وفيه نظر لأن اللعب لا يوصف بالندبية لكن يقربه أن المباح قد يرتفع بالنية إلى درجة ما يثاب عليه ويحتمل أن يكون المراد أن تقديم العبادة على اللعب سنة أهل الإسلام أو تحمل السنة في الترجمة على المعنى اللغوي وأما حديث البراء فهو طرف من حديث سيأتي بتمامه بعد باب وحجاج المذكور في الإسناد هو بن منهال واستشكل الزين بن المنير مناسبته للترجمة من حيث أنه قال فيها العيدين بالتثنية مع أنها لا تتعلق إلا بعيد النحر وأجاب بأن في

[ 908 ] قوله إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي إشعارا بان الصلاة ذلك اليوم هي الأمر المهم وأن ما سواها من الخطبة والنحر والذكر وغير ذلك من أعمال البر يوم النحر فبطريق التبع وهذا القدر مشترك بين العيدين فحسن أن لا تفرد الترجمة بعيد النحر انتهى وقد تقدم الكلام على حديث عائشة مستوفى في الباب الذي قبله

قوله باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج أي إلى صلاة العيد

[ 910 ] قوله أخبرنا عبيد الله هو بالتصغير وفي نسخة الصغاني حدثنا عبيد الله بن أنس بحذف أبي بكر هكذا رواه سعيد بن سليمان عن هشيم وتابعه أبو الربيع الزهراني عند الإسماعيلي وجبارة بن المغلس عند بن ماجة ورواه عن هشيم قتيبة عند الترمذي وأحمد بن منيع عند بن خزيمة وأبو بكر بن أبي شيبة عند بن حبان والإسماعيلي وعمرو بن عون عند الحاكم فقالوا كلهم عن هشيم عن محمد بن إسحاق عن حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس قال الترمذي صحيح غريب وأعله الإسماعيلي بان هشيما مدلس وقد اختلف عليه فيه وابن إسحاق ليس من شرط البخاري قلت وهي علة غير قادحة لأن هشيما قد صرح فيه بالإخبار فأمن تدليسه ولهذا نزل فيه البخاري درجة لأن سعيد بن سليمان من شيوخه وقد أخرج هذا الحديث عنه بواسطة لكونه لم يسمعه منه ولم يلق من أصحاب هشيم مع كثرة من لقيه منهم من يحدث به مصرحا عنه فيه بالأخبار وقد جزم أبو مسعود الدمشقي بأنه كان عند هشيم على الوجهين وأن أصحاب هشيم القدماء كانوا يروونه عنه على الوجه الأول فلا تضر طريق بن إسحاق المذكورة قال البيهقي ويؤكد ذلك أن سعيد بن سليمان قد رواه عن هشيم على الوجهين ثم ساقه من رواية معاذ بن المثنى عنه عن هشيم بالإسنادين المذكورين فرجح صنيع البخاري ويؤيد ذلك متابعة مرجي بن رجاء لهشيم على روايته له عن عبيد الله بن أبي بكر وقد علقها البخاري هنا وأفادت ثلاث فوائد الأولى هذه والثانية تصريح عبيد الله فيه بالأخبار عن أنس والثالثة تقييد الأكل بكونه وترا وقد وصلها بن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق أبي النضر عن مرجي بلفظ يخرج بدل يغدو والباقي مثل لفظ هشيم وفيه الزيادة وكذا وصله أبو ذر في زياداته في الصحيح عن أبي حامد بن نعيم عن الحسين بن محمد بن مصعب عن أبي داود السنجي عن أبي النضر وأخرجه الإمام أحمد عن حرمي بن عمارة عن مرجي بلفظ ويأكلهن أفرادا ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في تاريخه وله راو ثالث عن عبيد الله بن أبي بكر أخرجه الإسماعيلي أيضا وابن حبان والحاكم من رواية عتبة بن حميد عنه بلفظ ما خرج يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر وترا وهي أصرح في المداومة على ذلك قال المهلب الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد فكأنه أراد سد هذه الذريعة وقال غيره لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع وأشار إلى ذلك بن أبي جمرة وقال بعض المالكية لما كان المعتكف لا يتم اعتكافه حتى يغدو إلى المصلى قبل انصرافه إلى بيته خشي أن يعتمد في هذا الجزء من النهار باعتبار استصحاب الصائم ما يعتمد من استصحاب الاعتكاف ففرق بينهما بمشروعية الأكل قبل الغدو وقيل لأن الشيطان الذي يحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد فاستحب تعجيل الفطر بدارا إلى السلامة من وسوسته وسيأتي توجيه آخر لابن المنير في الباب الذي بعده وقال بن قدامة لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر اختلافا انتهى وقد روى بن أبي شيبة عن بن مسعود التخيير فيه وعن النخعي أيضا مثله والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به المنام ويرق به القلب وهو أيسر من غيره ومن ثم استحب بعض التابعين أنه يفطر على الحلو مطلقا كالعسل رواه بن أبي شيبة عن معاوية بن قرة وابن سيرين وغيرهما وروى فيه معنى آخر عن بن عون أنه سئل عن ذلك فقال انه يحبس البول هذا كله في حق من يقدر على ذلك وإلا فينبغي أن يفطر ولو على الماء ليحصل له شبه ما من الأتباع أشار إليه بن أبي جمرة وأما جعلهن وترا فقال المهلب وللإشارة إلى وحدانية الله تعالى وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يفعله في جميع أموره تبركا بذلك تنبيه مرجي بوزن معلى وأبوه بلفظ رجاء ضد الخوف بصري مختلف في الاحتجاج به وليس له في البخاري غير هذا الموضع الواحد

قوله باب الأكل يوم النحر قال الزين بن المنير ما محصله لم يقيد المصنف الأكل يوم النحر بوقت معين كما قيده في الفطر ووجه ذلك من حديث أنس قول الرجل هذا يوم يشتهى فيه اللحم وقوله

[ 912 ] في حديث البراء وإن اليوم يوم أكل وشرب ولم يقيد ذلك بوقت انتهى ولعل المصنف أراد الإشارة إلى تضعيف ما ورد في بعض طرق الحديث الذي قبله من مغايرة يوم الفطر ليوم النحر من استحباب البداءة بالصلاة يوم النحر قبل الأكل لأن في حديث البراء أن أبا بردة أكل قبل الصلاة يوم النحر فبين له صلى الله عليه وسلم أن التي ذبحها لا تجزئ عن الأضحية وأقره على الأكل منها وأما ما ورد في الترمذي والحاكم من حديث بريدة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي ونحوه عند البزار عن جابر بن سمرة وروى الطبراني والدارقطني من حديث بن عباس قال من السنة أن لا يخرج يوم الفطر حتى يخرج الصدقة ويطعم شيئا قبل أن يخرج وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال وقد أخذ أكثر الفقهاء بما دلت عليه قال الزين بن المنير وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى واخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة أخرى واختار بعضه تفصيلا آخر فقال من كان له ذبح استحب له أن يبدأ بالأكل يوم النحر منه ومن لم يكن له ذبح تخير وسيأتي الكلام على حديثي أنس والبراء المذكورين في هذا الباب في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى وقوله في حديث البراء ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له كذا في الأصول بإثبات الواو وحذفها النسائي وهو أوجه ويمكن توجيه إثباتها بتقدير لا يجزئ ولا نسك له وهو قريب من حديث فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله وقد أخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة هذا وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن جرير بلفظه وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة ويوسف بن موسى وعثمان هذا ثلاثتهم عن جرير بلفظ ومن نسك قبل الصلاة فشاته شاة لحم وذكر أن معناهم واحد وقد أخرجه أبو يعلى عن أبي خيثمة بهذا اللفظ وأظن التصرف فيه من عثمان رواه بالمعنى والله أعلم وفي حديثي أنس والبراء من الفوائد تأكيد أمر الأضحية وأن المقصود منها طيب اللحم وإيثار الجار على غيره وأن المفتى إذا ظهرت له من المستفتي أمارة الصدق كان له أن يسهل عليه حتى لو استفتاه اثنان في قضية واحدة جاز أن يفتي كلا منها بما يناسب حاله وجواز إخبار المرء عن نفسه بما يستحق الثناء به عليه بقدر الحاجة

قوله باب الخروج إلى المصلي بغير منبر يشير إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي سعيد الذي ساقه في هذا الباب وهو ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة من طريق الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال أخرج مروان المنبر يوم عيد وبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام إليه رجل فقال يا مروان خالفت السنة الحديث قوله حدثنا محمد بن جعفر أي بن أبي كثير المدني وعياض بن عبد الله أي بن سعد بن أبي سرح القرشي المدني ورجاله كلهم مدنيون

[ 913 ] قوله عن أبي سعيد في رواية عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عياض قال سمعت أبا سعيد وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق بن وهب عن داود قوله إلى المصلى هو موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع قاله عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان الكناني صاحب مالك قوله ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس في رواية بن حبان من طريق داود بن قيس عن عياض فينصرف إلى الناس قائما في مصلاه ولابن خزيمة في رواية مختصرة خطب يوم عيد على رجليه وهذا مشعر بأنه لم يكن بالمصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم منبر ويدل على ذلك قول أبي سعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان ومقتضى ذلك أن أول من اتخذه مروان وقد وقع في المدونة لمالك ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال أول من خطب الناس في المصلى على المنبر عثمان بن عفان كلمهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت وهذا معضل وما في الصحيحين أصح فقد رواه مسلم من طريق داود بن قيس عن عياض نحو رواية البخاري ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان ولم يطلع على ذلك أبو سعيد وإنما اختص كثير بن الصلت ببناء المنبر بالمصلى لأن داره كانت مجاوره للمصلى كما سيأتي في حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أتى في يوم العيد إلى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت قال بن سعد كانت دار كثير بن الصلت قبلة المصلي في العيدين وهي تطل على بطن بطحان الوادي الذي في وسط المدينة انتهى وإنما بني كثير بن الصلت داره بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة لكنها لما صارت شهيرة في تلك البقعة وصف المصلي بمجاورتها وكثير المذكور هو بن الصلت بن معاوية الكندي تابعي كبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة هو واخويه بعده فسكنها وحالف بني جمح وروى بن سعد بإسناد صحيح إلى نافع قال كان اسم كثير بن الصلت قليلا فسماه عمر كثيرا ورواه أبو عوانة فوصله بذكر بن عمر ورفعه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح وقد صح سماع كثير من عمر فمن بعده وكان له شرف وذكر وهو بن أخي جمد بفتح الجيم وسكون الميم أو فتحها أحد ملوك كندة الذين قتلوا في الردة وقد ذكر أبوه في الصحابة لابن منده وفي صحة ذلك نظر قوله فإن كان يريد أن يقطع بعثا أي يخرج طائفة من الجيش إلى جهة من الجهات قوله خرجت مع مروان زاد عبد الرزاق عن داود بن قيس وهو بيني وبين أبي مسعود يعني عقبة بن عمرو الأنصاري قوله فجبذته بثوبه أي ليبدأ بالصلاة قبل الخطبة على العادة وقوله فقلت له غيرتم والله صريح في أن أبا سعيد هو الذي أنكر ووقع عند مسلم من طريق طارق بن شهاب قال أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة فقال قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه وهذا ظاهر في أنه غير أبي سعيد وكذا في رواية رجاء عن أبي سعيد التي تقدمت في أول الباب فيحتمل أن يكون هو أبا مسعود الذي وقع في رواية عبد الرزاق أنه كان معهما ويحتمل أن تكون القصة تعددت ويدل على ذلك المغايرة الواقعة بين روايتى عياض ورجاء ففي رواية عياض أن المنبر بني بالمصلى وفي رواية رجاء أن مروان أخرج المنبر معه فلعل مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه بعد وأمر ببنائه من لبن وطين بالمصلى ولا بعد في أن ينكر عليه تقديم الخطبة علىالصلاة مرة بعد أخرى ويدل على التغاير أيضا أن إنكار أبي سعيد وقع بينه وبينه وانكار الآخر وقع في رؤوس الناس قوله أن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها أي الخطبة قبل الصلاة وهذا يشعر بأن مروان فعل ذلك باجتهاد منه وسيأتي في الباب الذي بعده أن عثمان فعل ذلك أيضا لكن لعلة أخرى وفي هذا الحديث من الفوائد بنيان المنبر قال الزين بن المنير وإنما اختاروا أن يكون باللبن لامن الخشب لكونه يترك بالصحراء في غير حرز فيؤمن عليه النقل بخلاف خشب منبر الجامع وفيه أن الخطبة على الأرض عن قيام في المصلى أولى من القيام على المنبر والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون بمكان فيه فضاء فيتمكن من رؤيته كل من حضر بخلاف المسجد فإنه يكون في مكان محصور فقد لا يراه بعضهم وفيه الخروج إلى المصلى في العيد وأن صلاتها في المسجد لا تكون الا عن ضرورة وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة وفيه حلف العالم على صدق ما يخبر به والمباحثة في الأحكام وجواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى لأن أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها والله أعلم قال بن المنير في الحاشية حمل أبو سعيد فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على التعيين وحمله مروان على الأولوية واعتذر عن ترك الأولى بما ذكره من تغير حال الناس فرأى أن المحافظة على أصل السنة وهو إسماع الخطبة أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها والله أعلم واستدل به على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع فضل مسجده وقال الشافعي في الأم بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين إلى المصلي بالمدينة وكذا من بعده الا من عذر مطر ونحوه وكذلك عامة أهل البلدان الا أهل مكة ثم أشار إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق أطراف مكة قال فلو عمر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أن يخرجوا منه فإن كان لا يسعهم كرهت الصلاة فيه ولا إعادة ومقتضى هذا أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات الخروج إلى الصحراء لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع فإذا حصل في المسجد مع أفضليته كان أولى

قوله باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة وبغير أذان ولا إقامة في هذه الترجمة ثلاثة أحكام صفة التوجه وتأخير الخطبة عن الصلاة وترك النداء فيها فأما الأول فقد اعترض عليه بن التين فقال ليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدل على مشى ولا ركوب وأجاب الزين بن المنير بأن عدم ذلك مشعر بتسويغ كل منهما وألا مزية لأحدهما على الآخر ولعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد في الندب إلى المشي ففي الترمذي عن على قال من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا وفي بن ماجة عن سعد القرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي العيد ماشيا وفيه عن أبي رافع نحوه وأسانيد الثلاثة ضعاف وقال الشافعي في الأم بلغنا عن الزهري قال ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد ولا جنازة قط ويحتمل أن يكون البخاري استنبط من قوله في حديث جابر وهو يتوكأ على يد بلال مشروعية الركوب لمن أحتاج إليه وكأنه يقول الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم قائما على رجليه فلما تعب من الوقوف توكأ على بلال والجامع بين الركوب والتوكؤ الارتفاق بكل منهما أشار إلى ذلك بن المرابط وأما الحكم الثاني فظاهر من أحاديث الباب وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده واختلف في أول من غير ذلك فرواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد عند مسلم صريحة في أنه مروان كما تقدم في الباب قبله وقيل بل سبقه إلى ذلك عثمان وروى بن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال أول من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم يعني على العادة فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك أي صار يخطب قبل الصلاة وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة لكن قيل إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا بخلاف مروان فواظب عليه فلذلك نسب إليه وقد روى عن عمر مثل فعل عثمان قال عياض ومن تبعه لا يصح عنه وفيما قالوه نظر لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعا عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام وهذا إسناد صحيح لكن يعارضه حديث بن عباس المذكور في الباب الذي بعده وكذا حديث بن عمر فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرا وإلا فما في الصحيحين أصح وقد أخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث بن عباس وزاد حتى قدم معاوية فقدم الخطبة فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن الزهري قال أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية وروى بن المنذر عن بن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة قال عياض ولا مخالفة بين هذين الاثرين وأثر مروان لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله والله أعلم وأما الحكم الثالث فليس في أحاديث الباب ما يدل عليه إلا حديث بن عباس في ترك الأذان وكذا أحد طريقى جابر وقد وجهه بعضهم بأنه يؤخذ من كون الصلاة قبل الخطبة بخلاف الجمعة فتخالفها أيضا في الأذان والإقامة ولا يخفى بعده والذي يظهر أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الأحاديث التي ذكرها أما حديث بن عمر ففي رواية النسائي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فصلى بغير أذان ولا إقامة الحديث وأما حديث بن عباس وجابر ففي رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عند مسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وعنده من طريق عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء عن جابر قال لا أذان للصلاة يوم العيد ولا إقامة ولا شيء وفي رواية يحيى القطان عن بن جريج عن عطاء أن بن عباس قال لابن الزبير لا تؤذن لها ولا تقم أخرجه بن أبي شيبة عنه ولأبي داود من طريق طاوس عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة إسناده صحيح وفي الحديث عن جابر بن سمرة عند مسلم وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار وعن البراء عند الطبراني في الأوسط وقال مالك في الموطأ سمعت غير واحد من علمائنا يقول لم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا وعرف بهذا توجيه أحاديث الباب ومطابقتها للترجمة واستدل بقول جابر ولا إقامة ولا شيء على أنه لا يقال أمام صلاتها شيء من الكلام لكن روى الشافعي عن الثقة عن الزهري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن في العيدين أن يقول الصلاة جامعة وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها كما سيأتي قال الشافعي أحب أن يقول الصلاة أو الصلاة جامعة فإن قال هلموا إلى الصلاة لم أكرهه فإن قال حي على الصلاة أو غيرها من ألفاظ الأذان أو غيرها كرهت له ذلك واختلف في أول من أحدث الأذان فيها أيضا فروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه معاوية وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله وزاد فأخذ به الحجاج حين أمر على المدينة وروى بن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن قال أول من أحدثه زياد بالبصرة وقال الداودي أول من أحدثه مروان وكل هذا لا ينافي أن معاوية أحدثه كما تقدم في البداءة بالخطبة وقال بن حبيب أول من أحدثه هشام وروى بن المنذر عن أبي قلابة قال أول من أحدثه عبد الله بن الزبير وقد وقع في حديث الباب أن بن عباس أخبره أنه لم يكن يؤذن لها لكن في رواية يحيى القطان أنه لما ساء ما بينهما أذن يعني بن الزبير وأقام وقوله يؤذن بفتح الذال على البناء للمجهول والضمير ضمير الشأن وهشام المذكور في الإسناد الثاني هو بن يوسف الصغاني

[ 916 ] قوله قال وأخبرني عطاء القائل هو بن جريج في الموضعين وهو معطوف على الإسناد المذكور وكذا قوله وعن جابر بن عبد الله معطوف أيضا والمراد بقوله لم يكن يؤذن أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مصير من البخاري إلى أن لهذه الصيغة حكم الرفع قوله أول ما بويع له أي لابن الزبير بالخلافة وكان ذلك في سنة أربع وستين عقب موت يزيد بن معاوية وقوله وإنما الخطبة بعد الصلاة كذا للأكثر وهو الصواب وفي رواية المستملى وأما بدل وإنما وهو تصحيف وسيأتي الكلام على بقية فوائد حديث جابر بعد عشرة أبواب إن شاء الله تعالى

قوله باب الخطبة بعد العيد أي بعد صلاة العيد وهذا مما يرجح رواية الذين أسقطوا قوله والصلاة قبل الخطبة من الترجمة التي قبل هذه وهم الأكثر وقال بن رشيد أعاد هذه الترجمة لأنه أراد أن يخص هذا الحكم بترجمة اعتناء به لكونه وقع فى التي قبلها بطريق التبع أه وحديث بن عباس صريح فيما ترجم له وسيأتي في أواخر العيدين أتم مما هنا وحديث بن عمر أيضا صريح فيه وأما حديث بن عباس الثاني فمن جهة أن أمره للنساء بالصدقة كان من تتمة الخطبة كما يرشد إلى ذلك حديث جابر الذي في الباب قبله ويحتمل أن يكون ذكره لتعلقه بصلاة العيدين في الجملة فهو كالتتمة للفائدة وقوله

[ 921 ] فيه خرصها بضم المعجمة وحكى كسرها وسكون الراء بعدها صاد مهملة هو الحلقه من الذهب أو الفضة وقيل هو القرط إذا كان بحبة واحدة وقوله وسخابها بكسر المهملة ثم معجمة ثم موحدة هو قلادة من عنبر أو قرنفل أو غيره ولا يكون فيه خرز وقيل هو خيط فيه خرز وسمي سخابا لصوت خرزه عند الحركة مأخوذ من السخب وهو اختلاط الأصوات يقال بالصاد والسين وسيأتي الكلام على بقية فوائده عند الكلام على حديث جابر بعد عشرة أبواب ويأتي الكلام على التنفل يوم العيد بعد ذلك بستة أبواب وأما حديث البراء فظاهره يخالف الترجمة لأن

[ 922 ] قوله أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر مشعر بأن هذا الكلام وقع قبل إيقاع الصلاة فيستلزم تقديم الخطبة على الصلاة بناء على أن هذا الكلام من الخطبة ولأنه عقب الصلاة بالنحر والجواب أن المراد أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم خطب فقال هذا الكلام وأراد بقوله أن أول ما نبدأ به أي في يوم العيد تقديم الصلاة في أي عيد كان والتعقيب بثم لا يستلزم عدم تخلل أمر آخر بين الأمرين قال بن بطال غلط النسائي فترجم بحديث البراء فقال باب الخطبة قبل الصلاة قال وخفي عليه أن العرب قد تضع الفعل المستقبل مكان الماضي وكأنه قال عليه الصلاة والسلام أول ما يكون به الابتداء في هذا اليوم الصلاة التي قدمنا فعلها قال وهو مثل قوله تعالى وما نقموا منهم ألا أن يؤمنوا أي الإيمان المتقدم منهم أه والمعتمد في صحة ما تأولناه رواية محمد بن طلحة عن زبيد الأتية بعد ثمانية أبواب في هذا الحديث بعينه بلفظ خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى إلى البقيع فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وقال أن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر الحديث فتبين أن ذلك الكلام وقع منه بعد الصلاة وقال الكرماني المستفاد من حديث البراء أن الخطبة مقدمة على الصلاة ثم قال في موضع آخر فإن قلت فما دلالته على الترجمة قلت لو قدم الخطبة علىالصلاة لم تكن الصلاة أول ما بدئ به ولا يلزم من كون هذا الكلام وقع قبل الصلاة أن تكون الخطبة وقعت قبلها أه وحاصله أنه يجعل الكلام المذكور سابقا على الصلاة ويمنع كونه من الخطبة لكن قد بينت رواية محمد بن طلحة عن زبيد المذكور أن الصلاة لم يتقدمها شيء لأنه عقب الخروج إليها بالفاء وصرح منصور في روايته عن الشعبي في هذا الحديث بان الكلام المذكور وقع في الخطبة ولفظه عن البراء بن عازب قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال فذكر الحديث وقد تقدم قبل بابين ويأتي أيضا في أواخر العيد فيتعين التأويل الذي قدمناه والله أعلم

قوله باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم هذه الترجمة تخالف في الظاهر الترجمة المتقدمة وهي باب الحراب والدرق يوم العيد لأن تلك دائرة بين الإباحة والندب على ما دل عليه حديثها وهذه دائرة بين الكراهة والتحريم لقول بن عمر في يوم لا يحل فيه حمل السلاح ويجمع بينهما بحمل الحالة الأولى على وقوعها ممن حملها بالدربة وعهدت منه السلامة من إيذاء أحد من الناس بها وحمل الحالة الثانية على وقوعها ممن حملها بطرا وأشرا أو لم يتحفظ حال حملها وتجريدها من إصابتها أحدا من الناس ولا سيما عند المزاحمة وفي المسالك الضيقة قوله وقال الحسن أي البصري نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوا لم أقف عليه موصولا إلا أن بن المنذر قد ذكر نحوه عن الحسن وفيه تقييد لإطلاق قول بن عمر أنه لا يحل وقد ورد مثله مرفوعا مقيدا وغير مقيد فروى عبد الرزاق بإسناد مرسل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج بالسلاح يوم العيد وروى بن ماجة بإسناد ضعيف عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام في العيدين إلا أن يكونوا بحضرة العدو وهذا كله في العيد وأما في الحرم فروى مسلم من طريق معقل بن عبيد عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل السلاح بمكة

[ 923 ] قوله أبو السكين بالمهملة والكاف مصغرا والمحاربي هو عبد الرحمن بن محمد لا ابنه عبد الرحيم ومحمد بن سوقة بضم السين المهملة وبالقاف تابعي صغير من أجلاء الناس قوله أخمص قدمه الأخمص بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم بعدها مهملة باطن القدم وما رق من أسفلها وقيل هو خصر باطنها الذي لا يصيب الأرض عند المشي قولة بالركاب أي وهي في راحلته قوله فنزعتها ذكر الضمير مؤنثا مع أنه أعاده على السنان وهو مذكر لأنه أراد الحديدة ويحتمل أنه أراد القدم قوله فبلغ الحجاج أي بن يوسف الثقفي وكان إذ ذاك أميرا على الحجاز وذلك بعد قتل عبد الله بن الزبير قوله فجعل يعوده في رواية المستملى فجاء ويؤيده رواية الإسماعيلي فأتاه قوله لو نعلم من أصابك في رواية أبي ذر عن الحموي المستملى ما أصابك وحذف الجواب لدلالة السياق عليه أو هي للتمنى فلا محذوف ويرجح الأول أن بن سعد أخرجه عن أبي نعيم عن إسحاق بن سعيد فقال فيه لو نعلم من أصابك عاقبناه وهو يرجح رواية الأكثر أيضا وله من وجه آخر قال لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه قوله أنت أصبتنى فيه نسبة الفعل إلى الآمر بشيء يتسبب منه ذلك الفعل وان لم يعن الآمر ذلك لكن حكى الزبير في الأنساب أن عبد الملك لما كتب إلى الحجاج أن لا يخالف بن عمر شق عليه فأمر رجلا معه حربة يقال إنها كانت مسمومة فلصق ذلك الرجل به فأمر الحربة على قدمه فمرض منها أياما ثم مات وذلك في سنة أربع وسبعين فعلى هذا ففيه نسبة الفعل إلى الآمر به فقط وهو كثير وفي هذه القصة تعقب على المهلب حيث استدل به على سد الذرائع لأن ذلك مبنى على أن الحجاج لم يقصد ذلك قوله حملت السلاح أي فتبعك أصحابك في حمله أو المراد بقوله حملت أي أمرت بحمله قوله في يوم لم يكن يحمل فيه هذا موضع الترجمة وهو مصير من البخاري إلى أن قول الصحابي كان يفعل كذا على البناء لما لم يسم فاعله يحكم برفعه

[ 924 ] قوله أصابني من أمر هذا فيه تعريض بالحجاج ورواية سعيد بن جبير التي قبلها مصرحة بأنه الذي فعل ذلك ويجمع بينهما بتعدد الواقعة أو السؤال فلعله عرض به أولا فلما أعاد عليه السؤال صرح وقد روى بن سعد من وجه آخر رجاله لا بأس بهم أن الحجاج دخل على بن عمر يعوده لما أصيبت رجله فقال له يا أبا عبد الرحمن هل تدري من أصاب رجلك قال لا قال أما والله لو علمت من أصابك لقتلته قال فأطرق بن عمر فجعل لا يكلمه ولا يلتفت إليه فوثب كالمغضب وهذا محمول على أمر ثالث كأنه عرض به ثم عاوده فصرح ثم عاوده فأعرض عنه قوله يعني الحجاج بالنصب على المفعولية وفاعله القائل وهو بن عمر زاد الإسماعيلي في هذه الطريق قال لو عرفناه لعاقبناه قال وذلك لأن الناس نفروا عشية ورجل من أصحاب الحجاج عارض حربته فضرب ظهر قدم بن عمر فأصبح وهنا منها حتى مات تنبيه وقع في الأطراف للمزى في ترجمة سعيد بن جبير عن بن عمر في هذا الحديث البخاري عن أحمد بن يعقوب عن إسحاق بن سعيد وعن أبي السكين عن المحاربي كلاهما عن محمد بن سوقة عنه به ووهم في ذلك فإن إسحاق بن سعيد إنما رواه عن أبيه عن بن عمر لا عن محمد بن سوقة وقد ذكره هو بعد ذلك في ترجمة سعيد عن بن عمر على الصواب

قوله باب التبكير للعيد كذا للأكثر بتقديم الموحدة من البكور وعلى ذلك جرى شارحوه ومن استخرج عليه ووقع للمستملي التكبير بتقديم الكاف وهو تحريف قوله وقال عبد الله بن بسر يعني المازني الصحابي بن الصحابي وأبوه بضم الموحدة وسكون المهملة قوله إن كنا فرغنا في هذه الساعة إن هي المخففة من الثقيلة وهذا التعليق وصله أحمد وصرح برفعه وسياقه ثم أخرجه من طريق يزيد بن خمير وهو بالمعجمة مصغر قال خرج عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال إن كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد فرغنا ساعتنا هذه وكذا رواه أبو داود عن أحمد والحاكم من طريق أحمد أيضا وصححه قوله وذلك حين التسبيح أي وقت صلاة السبحة وهي النافلة وذلك إذا مضى وقت الكراهة وفي رواية صحيحة للطبرانى وذلك حين تسبيح الضحى قال بن بطال أجمع الفقهاء على أن العيد لا تصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها وإنما تجوز عند جواز النافلة ويعكر عليه إطلاق من أطلق أن أول وقتها عند طلوع الشمس واختلفوا هل يمتد وقتها إلى الزوال أو لا واستدل بن بطال على المنع بحديث عبد الله بن بسر هذا وليس دلالته على ذلك بظاهرة ثم أورد المصنف حديث البراء إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي وهو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها ومن لازمه أن لا يفعل قبلها شيء غيرها فاقتضى ذلك التبكير إليها

قوله باب فضل العمل في أيام التشريق مقتضى كلام أهل اللغة والفقه أن أيام التشريق ما بعد يوم النحر على اختلافهم هل هي ثلاثة أو يومان لكن ما ذكروه من سبب تسميتها بذلك يقتضى دخول يوم العيد فيها وقد حكى أبو عبيد أن فيه قولين أحدهما لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي أي يقددونها ويبرزونها للشمس ثانيهما لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر فصارت تبعا ليوم النحر قال وهذا أعجب القولين إلى وأظنه أراد ما حكاه غيره أن أيام التشريق سميت بذلك لأن صلاة العيد إنما تصلى بعد أن تشرق الشمس وعن بن الأعرابي قال سميت بذلك لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس وعن يعقوب بن السكيت قال هو من قول الجاهلية أشرق ثبيركما نغير أي ندفع لننحر انتهى وأظنهم أخرجوا يوم العيد منها لشهرته بلقب يخصه وهو يوم العيد وإلا فهي في الحقيقة تبع له في التسمية كما تبين من كلامهم ومن ذلك حديث على لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفا ومعناه لا صلاة جمعة ولا صلاة عيد قال وكان أبو حنفية يذهب بالتشريق في هذا إلى التكبير في دبر الصلاة يقول لا تكبير إلا على أهل الأمصار قال وهذا لم نجد أحدا يعرفه ولا وافقه عليه صاحباه ولا غيرهما انتهى ومن ذلك حديث من ذبح قبل التشريق أي قبل صلاة العيد فليعد رواه أبو عبيد من مرسل الشعبي ورجاله ثقات وهذا كله يدل على أن يوم العيد من أيام التشريق والله أعلم قوله وقال بن عباس ويذكروا اسم الله في أيام معلومات كذا لأبي ذر عن الكشميهني وفي رواية كريمة وابن شبويه وقال بن عباس واذكروا الله الخ وللحموى والمستملى ويذكروا الله في أيام معدودات واعترض عليه بأن التلاوة ويذكروا اسم الله في أيام معلومات أو واذكروا الله في أيام معدودات وأجيب بأنه لم يقصد التلاوة وإنما حكى كلام بن عباس وابن عباس أراد تفسير المعدودات والمعلومات وقد وصله عبد بن حميد من طريق عمرو بن دينار عنه وفيه الأيام المعدودات أيام التشريق والأيام المعلومات أيام العشر وروى بن مردويه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة والمعدودات أيام التشريق إسناده صحيح وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق وقد روى بن أبي شيبة من وجه آخر عن بن عباس أن المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ورجح الطحاوي هذا لقوله تعالى ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإنه مشعر بأن المراد أيام النحر انتهى وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر معلومات ولا أيام التشريق معدودات بل تسمية أيام التشريق معدودات متفق عليه لقوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات الآية وقد قيل إنها إنما سميت معدودات لأنها إذا زيد عليها شيء عد ذلك حصرا أي في حكم حصر العدد والله أعلم قوله وكان بن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر الخ لم أره موصولا عنهما وقد ذكره البيهقي أيضا معلقا عنهما وكذا البغوي وقال الطحاوي كان مشايخنا يقولون بذلك أي بالتكبير في أيام العشر وقد اعترض على البخاري في ذكر هذا الأثر في ترجمة العمل في أيام التشريق وأجاب الكرماني بأن عادته أن يضيف إلى الترجمة ما له بها أدنى ملابسة استطرادا انتهى والذي يظهر أنه أراد تساوى أيام التشريق بأيام العشر لجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال الحج ويدل على ذلك أن أثر أبي هريرة وابن عمر صريح في أيام العشر والاثر الذي بعده في أيام التشريق وسيأتي مزيد بيان لذلك بعد قليل قوله وكبر محمد بن على خلف النافلة هو أبو جعفر الباقر وقد وصله الدارقطني في المؤتلف من طريق معن بن عيسى القزاز قال حدثنا أبو وهنة رزيق المدني قال رأيت أبا جعفر محمد بن على يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل وأبو وهنة بفتح الواو وسكون الهاء بعدها نون ورزيق بتقديم الراء مصغرا وفي سياق هذا الأثر تعقب على الكرماني حيث جعله يتعلق بتكبير أيام العشر كالذي قبله قال بن التين لم يتابع محمدا على هذا أحد كذا قال والخلاف ثابت عند المالكية والشافعية هل يختص التكبير الذي بعد الصلاة في العيد بالفرائض أو يعم واختلف الترجيح عند الشافعية والراجح عند المالكية الاختصاص

[ 926 ] قوله عن سليمان هو الأعمش ومسلم هو البطين بفتح الموحدة لقب بذلك لعظم بطنه وقد رواه أبو داود الطيالسي فى مسنده عن شعبة فصرح بسماع الأعمش له منه ولفظه عن الأعمش قال سمعت مسلما وهكذا رواه الثوري وأبو معاوية وغيرهما من الحفاظ عن الأعمش وأخرجه أبو داود من رواية وكيع عن الأعمش فقال عن مسلم ومجاهد وأبي صالح عن بن عباس فأما طريق مجاهد فقد رواه أبو عوانة من طريق موسى بن أبي عائشة عن مجاهد فقال عن بن عمر بدل بن عباس وأما طريق أبي صالح فقد رواه أبو عوانة أيضا من طريق موسى بن أعين عن الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة والمحفوظ في هذا حديث بن عباس وفيه اختلاف آخر عن الأعمش رواه أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش فقال عن أبي وائل عن بن مسعود أخرجه الطبراني وقد وافق الأعمش على روايته له عن مسلم البطين سلمة بن كهيل عند أبي عوانة أيضا ورواه عن سعيد بن جبير أيضا القاسم بن أبي أيوب عند الدارمي وأبو عوانة وأبو جرير السختياني عند أبي عوانة وعدي بن ثابت عند البيهقي وسنذكر ما في رواياتهم من الفوائد والزوائد إن شاء الله تعالى قوله ما العمل في أيام أفضل منها في هذه كذا لأكثر الرواة بالإبهام ووقع في رواية كريمة عن الكشميهني ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه وهذا يقتضى نفى أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في هذه الأيام إن فسرت بأنها أيام التشريق وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري وحمله على ذلك ترجمة البخاري المذكورة فزعم أن البخاري فسر الأيام المبهمة في هذا الحديث بأنها أيام التشريق وفسر العمل بالتكبير لكونه أورد الآثار المذكورة المتعلقة بالتكبير فقط وقال بن أبي جمرة الحديث دال على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره قال ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد كما تقدم من حديث عائشة ولا ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام أنها أيام أكل وشرب كما رواه مسلم لأن ذلك لا يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ولم يمنع فيها منها إلا الصيام قال وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام وفي أفضلية أيام التشريق نكتة أخرى وهي أنها وقعت فيها محنة الخليل بولده ثم من عليه بالفداء فثبت لها الفضل بذلك أه وهو توجيه حسن إلا أن المنقول يعارضه والسياق الذي وقع في رواية كريمة شاذ مخالف لما رواه أبو ذر وهو من الحفاظ عن الكشميهني شيخ كريمة بلفظ ما العمل في أيام أفضل منها في هذا العشر وكذا أخرجه أحمد وغيره عن غندر عن شعبة بالإسناد المذكور ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فقال في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة وكذا رواه الدارمي عن سعيد بن الربيع عن شعبة ووقع في رواية وكيع المقدم ذكرها ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر وكذا رواه بن ماجة من طريق أبي معاوية عن الأعمش ورواه الترمذي من رواية أبي معاوية فقال من هذه الأيام العشر بدون يعني وقد ظن بعض الناس أن قوله يعني أيام العشر تفسير من بعض رواته لكن ما ذكرناه من رواية الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر وكذا وقع في رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى وفي حديث جابر في صحيحى أبي عوانة وابن حبان ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب أيام عشر ذي الحجة لكنه مشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق ويجاب بأجوبة أحدها أن الشيء يشرف بمجاورته للشئ الشريف وأيام التشريق تقع تلو أيام العشر وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام التشريق ثانيها أن عشر ذي الحجة إنما شرف لوقوع أعمال الحج فيه وبقيه أعمال الحج تقع في أيام التشريق كالرمى والطواف وغير ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل الفضل ولذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها وبهذا تظهر مناسبة إيراد الآثار المذكورة في صدر الترجمة لحديث بن عباس كما تقدمت الإشارة إليها ثالثها أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد وكما أنه خاتمة أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيها أيام التشريق لأن يوم العيد بعض كل منها بل هو رأس كل منها وشريفه وعظيمه وهو يوم الحج الأكبر كما سيأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله قالوا ولا الجهاد في رواية سلمة بن كهيل المذكورة فقال رجل ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تعيين هذا السائل وفي رواية غندر عند الإسماعيلي قال ولا الجهاد في سبيل الله مرتين وفي رواية سلمة بن كهيل أيضا حتى أعادها ثلاثا ودل سؤالهم هذا على تقرر أفضلية الجهاد عندهم وكأنهم استفادوه من قوله صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله عن عمل يعدل الجهاد فقال لا أجده الحديث وسيأتي في أوائل كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة ونذكر هناك وجه الجمع بينه وبين هذا الحديث إن شاء الله تعالى قوله إلا رجل خرج كذا للأكثر والتقدير إلا عمل رجل وللمستملى إلا من خرج قوله يخاطر أي يقصد قهر عدوه ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه قوله فلم يرجع بشيء أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساويا له قال بن بطال هذا اللفظ يحتمل أمرين أن لا يرجع بشيء من ماله وإن رجع هو وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن يرزقه الله الشهادة وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله فلم يرجع بشيء يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد أه وهو تعقب مردود فإن قوله فلم يرجع بشيء نكرة في سياق النفي فتعم ما ذكر وقد وقع في رواية الطيالسي وغندر وغيرهما عن شعبة وكذا في أكثر الروايات التي ذكرناها فلم يرجع من ذلك بشيء والحاصل أن نفى الرجوع بالشيء لا يستلزم إثبات الرجوع بغير شيء بل هو على الاحتمال كما قال بن بطال ويدل على الثاني وروده بلفظ يقتضيه فعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة بلفظ إلا من عقر جواده واهريق دمه وعنده في رواية القاسم بن أبي أيوب إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله وفي طريق سلمة بن كهيل فقال لا إلا أن لا يرجع وفي حديث جابر إلا من عفر وجهه في التراب فظهر بهذه الطرق ترجيح ما رده والله أعلم وفي الحديث تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية القصوى فيه بذلك النفس لله وفيه تفضيل بعض الأزمنة على بعض كالأمكنة وفضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام أو علق عملا من الأعمال بأفضل الأيام فلو أفرد يوما منها تعين يوم عرفة لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكور فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة جمعا بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة رواه مسلم أشار إلى ذلك كله النووي في شرحه وقال الداودي لم يرد عليه الصلاة والسلام أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة لأنه قد يكون فيها يوم الجمعة يعني فيلزم تفضيل الشيء على نفسه وتعقب بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء كان يوم الجمعة أم لا ويوم الجمعة فيه أفضل في غيره لاجتماع الفضلين فيه واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد وأجيب بأنه محمول على الغالب ولا يرد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته كما رواه الصحيحان من حديث عائشة أيضا والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم فيه احتمال وقال بن بطال وغيره المراد بالعمل في أيام التشريق التكبير فقط لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب وبعال وثبت تحريم صومها وورد فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك فدل على تفريغها لذلك مع الحض على الذكر المشروع منه فيها التكبير فقط ومن ثم اقتصر المصنف على إيراد الآثار المتعلقة بالتكبير وتعقبه الزين بن المنير بأن العمل إنما يفهم منه عند إطلاقه العبادة وهي لا تنافى استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر فإن ذلك لا يستغرق اليوم والليلة وقال الكرماني الحث على العمل في أيام التشريق لا ينحصر في التكبير بل المتبادر إلى الذهن منه أنه المناسك من الرمي وغيره الذي يجتمع مع الأكل والشرب قال مع أنه لو حمل على التكبير وحده لم يبق لقول المصنف بعده باب التكبير أيام منى معنى ويكون تكرارا محضا أه والذي يجتمع مع الأكل والشرب لكل أحد من العبادة هو الذكر المأمور به وقد فسر بالتكبير كما قال بن بطال وأما المناسك فمختصة بالحاج وجزمه بأنه تكرار متعقب أن الترجمة الأولى لفضل التكبير والثانية لمشروعيته وصفته أو أراد تفسير العمل المجمل في الأولى بالتكبير المصرح به في الثانية فلا تكرار وقد وقع في رواية بن عمر من الزيادة في آخره فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتكبير وللبيهقى في الشعب من طريق عدي بن ثابت في حديث بن عباس فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير وهذا يؤيد ما ذهب إليه بن بطال وفي رواية عدي من الزيادة وأن صيام يوم منها يعدل صيام سنة والعمل بسبعمائة ضعف وللترمذي من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يعدل صيام كل يوم منه بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر لكن إسناده ضعيف وكذا الإسناد إلى عدي بن ثابت والله أعلم

قوله باب التكبير أيام منى أي يوم العيد والثلاثة بعده وقوله وإذا غدا إلى عرفة أي صبح يوم التاسع قال الخطابي حكمة التكبير في هذه الأيام أن الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له وعلى اسمه عز وجل قوله وكان عمر يكبر في قبته بمنى الخ وصله سعيد بن منصور من رواية عبيد بن عمير قال كان عمر يكبر في قبته بمنى ويكبر أهل المسجد ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا ووصله أبو عبيد من وجه آخر بلفظ التعليق ومن طريقه البيهقي وقوله ترتج بتثقيل الجيم أي تضطرب وتتحرك وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات قوله وكان بن عمر الخ وصله بن المنذر والفاكهى في أخبار مكة من طريق بن جريج أخبرني نافع أن بن عمر فذكره سواء والفسطاط بضم الفاء ويجوز كسرها ويجوز مع ذلك بالمثناة بدل الطاء وبادغامها في السين فتلك ست لغات وقوله فيه وتلك الأيام جميعا أراد بذلك التأكيد ووقع في رواية أبي ذر بدون واو على أنها ظرف لما تقدم ذكره قوله وكانت ميمونة أي بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولم أقف على أثرها هذا موصولا قوله وكان النساء في رواية غير أبي ذر وكن النساء وهي على اللغة القليلة وأبان المذكور هو بن عثمان بن عفان وكان أميرا على المدينة فى زمن بن عم أبيه عبد الملك بن مروان وقد وصل هذا الأثر أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيدين وحديث أم عطية في الباب سلفهن في ذلك وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات وغير ذلك من الأحوال وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع فمنهم من قصر التكبير على أعقاب الصلوات ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل ومنهم من خصه بالرجال دون النساء وبالجماعة دون المنفرد وبالمؤداة دون المقضية وبالمقيم دون المسافر وبساكن المصر دون القرية وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع والآثار التي ذكرها تساعده وللعلماء اختلاف أيضا في ابتدائه وانتهائه فقيل من صبح يوم عرفة وقيل من ظهره وقيل من عصره وقيل من صبح يوم النحر وقيل من ظهره وقيل في الانتهاء إلى ظهر يوم النحر وقيل إلى عصره وقيل إلى ظهر ثانيه وقيل إلى صبح آخر أيام التشريق وقيل إلى ظهره وقيل إلى عصره حكى هذه الأقوال كلها النووي إلا الثاني من الانتهاء وقد رواه البيهقي عن أصحاب بن مسعود ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول على وابن مسعود إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى أخرجه بن المنذر وغيره والله أعلم وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال كبروا الله الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي فى كتاب العيدين من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم وهو قول الشافعي وزاد ولله الحمد وقيل يكبر ثلاثا ويزيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ وقيل يكبر ثنتين بعدهما لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد جاء ذلك عن عمر وعن بن مسعود نحوه وبه قال أحمد وإسحاق وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها

[ 927 ] قوله سألت أنسا في رواية أبي ذر سألت أنس بن مالك قوله ويكبر المكبر فلا ينكر عليه هذا موضع الترجمة وهو متعلق بقوله فيها وإذا غدا إلى عرفة وظاهره أن أنسا احتج به على جواز التكبير في موضع التلبية ويحتمل أن يكون من كبر أضاف التكبير إلى التلبية وسيأتي بسط الكلام عليه فى كتاب الحج إن شاء الله تعالى

[ 928 ] قوله حدثنا محمد حدثنا عمر بن حفص كذا في بعض النسخ عن أبي ذر وكذا لكريمة وأبي الوقت حدثنا محمد غير منسوب وسقط من رواية بن شبويه وابن السكن وأبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني ووقع في رواية الأصيلي عن بعض مشايخه حدثنا محمد البخاري فعلى هذا لا واسطة بين البخاري وبين عمر بن حفص فيه وقد حدث البخاري عنه بالكثير بغير واسطة وربما أدخل بينه وبينه الواسطة أحيانا والراجح سقوط الواسطة بينهما في هذا الإسناد وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج ووقع في حاشية بعض النسخ لأبي ذر محمد هذا يشبه أن يكون هو الذهلي فالله أعلم وعاصم المذكور في الإسناد هو بن سليمان وحفصة هي بنت سيرين وسيأتي الكلام على المتن بعد سبعة أبواب وسبق بعضه في كتاب الحيض وموضع الترجمة منه قوله ويكبرن بتكبيرهم لأن ذلك في يوم العيد وهو من أيام منى ويلتحق به بقية الأيام لجامع ما بينهما من كونهن أياما معدودات وقد ورد الأمر بالذكر فيهن قوله كنا نؤمر كذا في هذه وسيأتي قريبا بلفظ أمرنا نبينا قوله حتى تخرج بضم النون وحتى للغاية والتي بعدها للمبالغة قوله من خدرها بكسر المعجمة أي سترها وفي رواية الكشميهني من خدرتها بالتأنيث وقوله في آخره وطهرته بضم الطاء المهملة وسكون الهاء لغة في الطهارة والمراد بها التطهر من الذنوب قوله فيكبرن بتكبيرهم ذكر التكبير في حديث أم عطية من هذا الوجه من غرائب الصحيح وقد أخرجه مسلم أيضا

قوله باب الصلاة إلى الحربة زاد الكشميهني يوم العيد وقد تقدمت هذه الترجمة بهذا الحديث دون زيادة الكشميهني في أبواب السترة وعبد الوهاب المذكور هنا هو بن عبد المجيد الثقفي

قوله باب حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام أورد فيه حديث بن عمر المذكور من وجه آخر وكأنه أفرد له ترجمة ليشعر بمغايرة الحكم لأن الأولى تبين أن سترة المصلي لا يشترط فيها أن توارى جسده والثانية تثبت مشروعية المشي بين يدي الإمام بآلة من السلاح ولا يعارض ذلك ما تقدم من النهى عن حمل السلاح يوم العيد لأن ذلك إنما هو عند خشية التأذى كما تقدم قريبا والوليد المذكور هنا هو بن مسلم وقد صرح بتحديث الأوزاعي له وبتحديث نافع للأوزاعي فأمن تدليس الوليد وتسويته وليس للأوزاعى عن نافع اعن بن عمر موصولا في الصحيح غير هذا الحديث أشار إلى ذلك الحميدي وقد تقدم الكلام على المتن في باب سترة الإمام مستوفى بحمد الله تعالى

قوله باب خروج النساء والحيض إلى المصلى أي يوم العيد قوله حدثنا حماد كذا لكريمة ونسبه الباقون بن زيد

[ 931 ] قوله أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملى وللباقين أمرنا بضم الهمزة وحذف لفظ نبينا ووقع لمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد قالت أمرنا تعني النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية سليمان بن حرب عن حماد عند الإسماعيلي قالت أمرنا بأبا بكسر الموحدة بعدها همزة مفتوحة ثم موحدة ممالة وعلى هذا فكأنه كان في رواية الحجي كذلك لكن بإبدال الهمزة ياء تحتانية فتصير صورتها بيبا فكأنها تصحفت فصارت نبينا وأضاف إليها بعض الكتاب الصلاة بعد التصحيف وأما رواية مسلم فكأنها كانت أمرنا على البناء كما وقع عند الكشميهني وغيره فأفصح بعض الرواة بتسمية الأمر والله أعلم وإنما قلت ذلك لأن سليمان بن حرب أثبت الناس في حماد بن زيد وقد تقدم معنى قول أم عطية بأبي في كتاب الحيض قوله وعن أيوب هو معطوف على الإسناد المذكور والحاصل أن أيوب حدث به حمادا عن محمد عن أم عطية وعن حفصة عن أم عطية أيضا وقد وقع ذلك صريحا في رواية سليمان بن حرب المذكورة ورواه أبو داود عن محمد بن عبد الله وأبو يعلى عن أبي الربيع كلاهما عن حماد عن أيوب عن محمد عن أم عطية وعن أيوب عن حفصة عن امرأة تحدث عن امرأة أخرى وزاد أبو الربيع في رواية حفصة ذكر الجلباب وتبين بذلك أن سياق محمد بن سيرين مغاير لسياق حفصة إسنادا أو متنا ولم يصب من حمل إحدى الروايتين على الأخرى وسيأتي الكلام على الجلباب وعلى بقية فوائد هذا الحديث بعد أربعة أبواب إن شاء الله تعالى

قوله باب خروج الصبيان إلى المصلى أي في الأعياد وإن لم يصلوا قال الزين بن المنير آثر المصنف في الترجمة قوله إلى المصلى على قوله صلاة العيد ليعم من يتأتى منه الصلاة ومن لا يتأتى

[ 932 ] قوله عن عبد الرحمن بن عابس بموحدة مكسورة ثم مهملة وصرح يحيى القطان عن الثوري بأن عبد الرحمن المذكور حدثه كما سيأتي بعد باب قوله خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى ليس في هذا السياق بيان كونه كان صبيا حينئذ ليطابق الترجمة لكن جرى المصنف على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده فسيأتى بعد باب بلفظ ولولا مكاني من الصغر ما شهدته ويأتي بقية الكلام عليه في الباب المذكور إن شاء الله تعالى وقوله يوم فطر أو أضحى شك من الراوي عن بن عباس وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عن بن عباس الجزم بأنه يوم الفطر

قوله باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد قال الزين بن المنير ما حاصله إن إعادة هذه الترجمة بعد أن تقدم نظيرها في الجمعة لرفع احتمال من يتوهم أن العيد يخالف الجمعة في ذلك وأن استقبال الإمام في الجمعة يكون ضروريا لكونه يخطب على منبر بخلاف العيد فإنه يخطب فيه على رجليه كما تقدم في باب خطبة العيد فأراد أن يبين أن الاستقبال سنة على كل حال قوله قال أبو سعيد قام النبي صلى الله عليه وسلم مقابل الناس هو طرف من حديث وصله المصنف في باب الخروج إلى المصلى وقد تقدم قبل عشرة أبواب بلفظ ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس وفي رواية مسلم قال فأقبل على الناس الحديث قوله في حديث البراء فإنه شيء عجله لأهله في رواية المستملى فإنما هو شيء وقوله فيه ولا تفى عن أحد بعدك كذا للمستملي والحموي بفاء وللكشميهني والباقين ولا تغنى بالغين المعجمة والنون وضم أوله والمعنى متقارب وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى وموضع الترجمة منه

[ 933 ] قوله ثم أقبل علينا بوجهه

قوله باب العلم الذي بالمصلى تقدم في باب الخروج إلى المصلى بغير منبر التعريف بمكان المصلى وأن تعريفه بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب للسامع وإلا فدار كثير بن الصلت محدثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وظهر من هذا الحديث أنهم جعلوا لمصلاه شيئا يعرف به وهو المراد بالعلم وهو بفتحتين الشيء الشاخص قوله ولولا مكاني من الصغر ما شهدته أي حضرته وهذا مفسر للمراد من قوله في باب وضوء الصبيان ولولا مكاني منه ما شهدته فدل هذا على أن الضمير في قوله منه يعود على غير مذكور وهو الصغر ومشى بعضهم على ظاهر ذلك السياق فقال إن الضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى ولولا منزلتى من النبي صلى الله عليه وسلم ما شهدت معه العيد وهو متجه لكن هذا السياق يخالفه وفيه نظر لأن الغالب أن الصغر في مثل هذا يكون مانعا لا مقتضيا فلعل فيه تقديما وتأخيرا ويكون قوله من الصغر متعلقا بما بعده فيكون المعنى لولا منزلتى من النبي صلى الله عليه وسلم ما حضرت لأجل صغرى ويمكن حمله على ظاهره وأراد بشهود ما وقع من وعظه للنساء لأن الصغر يقتضى أن يغتفر له الحضور معهن بخلاف الكبر قال بن بطال خروج الصبيان للمصلى إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط نفسه عن اللعب ويعقل الصلاة ويتحفظ مما يفسدها ألا ترى إلى ضبط بن عباس القصة أه وفيه نظر لأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم ولذلك شرع للحيض كما سيأتي فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أو لا وعلى هذا إنما يحتاج أن يكون مع الصبيان من يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحوه سواء صلوا أم لا وأما ضبط بن عباس القصة فلعله كان لفرط ذكائه والله أعلم

[ 934 ] قوله حتى أتى العلم كذا وقع في هذه الرواية ذكر الغاية بغير ابتداء والمعنى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شهدت الخروج معه حتى أتى وكأنه حذف لدلالة السياق عليه قوله ثم أتى النساء يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم قوله ومعه بلال فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه لأن بلالا كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولى قبض الصدقة وأما بن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره قوله يهوين بضم أوله أي يلقين وقوله يقذفنه أي يلقين الذي يهوين به وقد فسره في الباب الذي يليه من طريق أخرى من حديث بن عباس أيضا وسياقه أتم تنبيه وقع في رواية أبي على الكشاني عقب هذا الحديث قال محمد بن كثير العلم انتهى وقد وصل المؤلف طريق بن كثير هذا في كتاب الاعتصام فقال حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان فذكره ولما أخرج البيهقي طريق بن كثير هذا من العيدين قال أخرجه البخاري فقال وقال بن كثير فكأنه أشار إلى هذه الرواية ولم يستحضر الطريق التي في الاعتصام

قوله باب موعظة الإمام النساء يوم العيد أي إذا لم يسمعن الخطبة مع الرجال

[ 935 ] قوله حدثني إسحاق بن إبراهيم بن نصر نسب في رواية الأصيلي إلى جده فقال إسحاق بن نصر قوله ثم خطب فلما فرغ نزل فيه إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على مكان مرتفع لما يقتضيه قوله نزل وقد تقدم في باب الخروج إلى المصلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب في المصلى على الأرض فلعل الراوي ضمن النزول معنى الانتقال وزعم عياض أن وعظه للنساء كان في أثناء الخطبة وأن ذلك كان في أول الإسلام وأنه خاص به صلى الله عليه وسلم وتعقبه النووي بهذه الرواية المصرحة بأن ذلك كان بعد الخطبة وهو قوله فلما فرغ نزل فأتى النساء والخصائص لا تثبت بالاحتمال قوله قلت لعطاء القائل هو بن جريج وهو موصول بالإسناد المذكور وقد تقدم الحديث من وجه آخر عن بن جريج في باب المشي بدون هذه الزيادة ودل هذا السؤال على أن بن جريج فهم من قوله الصدقة أنها صدقة الفطر بقرينة كونها يوم الفطر وأخذ من قوله وبلال باسط ثوبه لأنه يشعر بأن الذي يلقى فيه شيء يحتاج إلى ضم فهو لائق بصدقة الفطر المقدرة بالكيل لكن بين له عطاء أنها كانت صدقة تطوع وأنها كانت مما لا يجزئ في صدقة الفطر من خاتم ونحوه قوله تلقى أي المرأة والمراد جنس النساء ولذلك عطف عليه بصيغة الجمع فقال ويلقين أو المعنى تلقى الواحدة وكذلك الباقيات يلقين قوله فتخها بفتح الفاء والمثناة من فوق وبالخاء المعجمة كذا للأكثر وللمستملى والحموي فتختها بالتأنيث وسيأتي تفسيره قريبا وحذف مفعول يلقين اكتفاء وكرر الفعل المذكور في رواية مسلم إشارة إلى التنويع وسيأتي في حديث بن عباس بلفظ فيلقين الفتخ والخواتم قوله قلت القائل أيضا بن جريج والمسئول عطاء وقوله إنه لحق عليهم ظاهره أن عطاء كان يرى وجوب ذلك ولهذا قال عياض لم يقل بذلك غيره وأما النووي فحمله على الاستحباب وقال لا مانع من القول به إذا لم يترتب على ذلك مفسدة

[ 936 ] قوله قال بن جريج وأخبرني الحسن بن مسلم هو معطوف على الإسناد الأول وقد أفرد مسلم الحديث من طريق عبد الرزاق وساق الثاني قبل الأول فقدم حديث بن عباس على حديث جابر وقد تقدم من وجه آخر عن بن جريج مختصرا في باب الخطبة قوله خرج النبي صلى الله عليه وسلم كذا فيه بغير أداة عطف وسيأتي في باب تفسير الممتحنة من وجه آخر عن بن جريج بلفط فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم وكذا لمسلم من طريق عبد الرزاق هذه وقوله ثم يخطب بضم أوله على البناء للمجهول قوله حين يجلس بتشديد اللام المكسورة وحذف مفعوله وهو ثابت في رواية مسلم بلفظ يجلس الرجال بيده وكأنهم لما انتقل عن مكان خطبته أرادوا الانصراف فأمرهم بالجلوس حتى يفرغ من حاجته ثم ينصرفوا جميعا أو لعلهم أرادوا أن يتبعوه فمنعهم فيقوى البحث الماضي في آخر الباب الذي قبله قوله فقالت امرأة واحدة منهن لم يجبه غيرها نعم زاد مسلم يا نبي الله وفيه دلالة على الاكتفاء في الجواب بنعم وتنزيلها منزلة الإقرار وأن جواب الواحد عن الجماعة كاف إذا لم ينكروا ولم يمنع مانع من انكارهم قوله لا يدري حسن من هي حسن هو الراوي له عن طاوس ووقع في مسلم وحده لا يدري حينئذ وجزم جمع من الحفاظ بأنه تصحيف ووجهه النووي بأمر محتمل لكن اتحاد المخرج دال على ترجيح رواية الجماعة ولا سيما وجود هذا الموضع في مصنف عبد الرزاق الذي أخرجناه من طريقه كما في البخاري موافقا لرواية الجماعة والفرق بين الروايتين أن في رواية الجماعة تعيين الذي لم يدر من المرأة بخلاف رواية مسلم ولم أقف على تسمية هذه المرأة إلا أنه يختلج في خاطرى أنها أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه البيهقي والطبراني وغيرهما من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى النساء وأنا معهن فقال يا معشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم فناديت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عليه جريئة لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير الحديث فلا يبعد أن تكون هي التي أجابته أولا بنعم فإن القصة واحدة فلعل بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر كما في نظائره والله أعلم وقد روى الطبراني من وجه آخر عن أم سلمة الأنصارية وهي أسماء المذكورة أنها كانت في النسوة اللاتي أخذ عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الحديث ولابن سعد من حديثها أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق الآية قوله قال فتصدقن هو فعل أمر لهن بالصدقة والفاء سببية أو داخلة على جواب شرط محذوف تقديره إن كنتن على ذلك فتصدقن ومناسبته للاية من فقوله ولا يعصينك في معروف فإن ذلك من جملة المعروف الذي أمرن به قوله ثم قال هلم القائل هو بلال وهو على اللغة الفصحى في التعبير بها للمفرد والجمع قوله لكن بضم الكاف وتشديد النون وقوله فدا بكسر الفاء والقصر قوله قال عبد الرازق الفتخ الخواتيم العظام كانت في الجاهلية لم يذكر عبد الرزاق في أي شيء كانت تلبس وقد ذكر ثعلب أنهن كن يلبسنها في أصابع الأرجل أه ولهذا عطف عليها الخواتيم لأنها عند الإطلاق تنصرف إلى ما يلبس في الأيدي وقد وقع في بعض طرقه عند مسلم هنا ذكر الخلاخيل وحكى عن الأصمعي أن الفتخ الخواتيم التي لا فصوص لها فعلى هذا هو من عطف الأعم على الاخص وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن ويستحب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة وفيه خروج النساء إلى المصلى كما سيأتي في الباب الذي بعده وفيه جواز التفدية بالأب والأم وملاطفة العامل على الصدقة بمن يدفعها إليه واستدل به على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافا لبعض المالكية ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله قال القرطبي ولا يقال في هذا إن أزواجهن كانوا حضورا لأن ذلك لم ينقل ولو نقل فليس فيه تسليم أزواجهن لهن ذلك لأن من ثبت له الحق فالأصل بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك أه وأما كونه من الثلث فما دونه ثبت أنهن لا يجوز لهن التصرف فيما زاد على الثلث لم يكن في هذه القصة ما يدل على جواز الزيادة وفيه أن الصدقة من دوافع العذاب لأنه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك كما تقدم في كتاب الحيض من حديث أبي سعيد ووقع نحوه عند مسلم من وجه آخر في حديث جابر وعند البيهقي من حديث أسماء بنت يزيد كما تقدمت الإشارة إليه وفيه بذل النصيحة والإغلاظ بها لمن احتيج في حقه إلى ذلك والعناية بذكر ما يحتاج إليه لتلاوة آية الممتحنة لكونها خاصة بالنساء وفيه جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج وأخذ منه الصوفية جواز ما اصطلحوا عليه من الطلب ولا يخفى ما يشترط فيه من أن المطلوب له أيكون غير قادر على التكسب مطلقا أو لما لا بد له منه وفي مبادرة تلك النسوة إلى الصدقة بما يعز عليهن من حليهن مع ضيق الحال في ذلك الوقت دلالة على رفيع مقامهن في الدين وحرصهن على امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن وقد تقدمت بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الحيض

قوله باب إذا لم يكن لها جلباب بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين تقدم تفسيره في كتاب الحيض في باب شهود الحائض العيدين قال الزين بن المنير لم يذكر جواب الشرط في الترجمة حوالة على ما ورد في الخبر أه والذي يظهر لي أنه حذفه لما فيه من الاحتمال فقد تقدم في الباب المذكور أنه يحتمل أن يكون للجنس أي تعيرها من جنس ثيابها ويؤيده رواية بن خزيمة من جلابيبها وللترمذي فلتعرها أختها من جلابيبها والمراد بالاخت الصاحبة ويحتمل أن يكون المراد تشركها معها في ثوبها ويؤيده رواية أبي داود تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها يعني إذا كان واسعا ويحتمل أن يكون المراد بقوله ثوبها جنس الثياب فيرجع للأول ويؤخذ منه جواز اشتمال المرأتين في ثوب واحد عند التستر وقيل أنه ذكر على سبيل المبالغة أي يخرجن على كل حال ولو اثنتين في جلباب

[ 937 ] قوله قالت نعم بأبا بموحدتين بينهما همزة مفتوحة والثانية خفيفة وفي رواية كريمة وأبي الوقت بأبي بكسر الثانية على الأصل أي أفديه بأبي وقد تقدم في الباب المذكور بلفظ بيبى بإبدال الهمزة ياء تحتانية ووقع عند أحمد من طريق حفصة عن أم عطية قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي قوله لتخرج العواتق ذوات الخدور كذا للأكثر على أنه صفته وللكشميهني أو قال العواتق وذوات الخدور شك أيوب يعني هل هو بواو العطف أولا وقد تقدم نحوه في الباب المذكور قوله فقلت لها القائلة المرأة والمقول لها أم عطية ويحتمل أن تكون القائلة حفصة والمقول لها المرأة وهي أخت أم عطية والأول أرجح والله أعلم

قوله باب اعتزال الحيض المصلى مضمون هذه الترجمة بعض ما تضمنه الحديث الذي في الباب الماضي وكأنه أعاد هذا الحكم للاهتمام به وقد تقدم مضموما إلى الباب المذكور في كتاب الحيض

[ 938 ] قوله عن بن عون هو عبد الله ومحمد هو بن سيرين وقد شك بن عون في العواتق كما شك أيوب في الذي قبله ووقع في رواية منصور بن زاذان عن بن سيرين عند الترمذي تخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور وفي هذا الحديث من الفوائد جواز مداواة المرأة للرجال الأجانب إذا كانت بإحضار الدواء مثلا والمعالجة بغير مباشرة إلا إن احتيج إليها عند أمن الفتنة وفيه أن من شأن العواتق والمخدرات عدم البروز إلا فيما أذن لهن فيه وفيه استحباب إعداد الجلباب للمرأة ومشروعية عارية الثياب واستدل به على وجوب صلاة العيد وفيه نظر لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع ولتعم الجميع البركة والله أعلم وفيه استحباب خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كن شواب أم لا وذوات هيآت أم لا وقد اختلف فيه السلف ونقل عياض وجوبه عن أبي بكر وعلى وابن عمر والذي وقع لنا عن أبي بكر وعلى ما أخرجه بن أبي شيبة وغيره عنهما فالأحق على كل ذات نطاق الخروج إلى العيدين وقد ورد هذا مرفوعا بإسناد لا بأس به أخرجه أحمد وأبو يعلى وابن المنذر من طريق امرأة من عبد القيس عن أخت عبد الله بن رواحة به والمرأة لم تسم والأخت اسمها عمرة صحابية وقوله حق يحتمل الوجوب ويحتمل تأكد الاستحباب روى بن أبي شيبة أيضا عن بن عمر أنه كان يخرج إلى العيدين من استطاع من أهله وهذا ليس صريحا في الوجوب أيضا بل قد روى عن بن عمر المنع فيحتمل أن يحمل على حالين ومنهم من حمله على الندب وجزم بذلك الجرجاني من الشافعية وابن حامد من الحنابلة ولكن نص الشافعي في الأم يقتضى استثناء ذوات الهيآت قال وأحب شهود العجائز وغير ذوات الهيئة الصلاة وإنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابا وقد سقطت واو العطف من رواية المزني في المختصر فصارت غير ذوات الهيئة صفة للعجائز فمشى على ذلك صاحب النهاية ومن تبعه وفيه ما فيه بل قد روى البيهقي في المعرفة عن الربيع قال قال الشافعي قد روى حديث فيه أن النساء يتركن إلى العيدين فإن كان ثابتا قلت به قال البيهقي قد ثبت وأخرجه الشيخان يعني حديث أم عطية هذا فيلزم الشافعية القول به ونقله بن الرفعة عن البندنيجي وقال إنه ظاهر كلام التنبيه وقد ادعى بعضهم النسخ فيه قال الطحاوي وأمره عليه السلام بخروج الحيض وذوات الخدور إلى العيد يحتمل أن يكون في أول الإسلام والمسلمون قليل فأريد التكثير بحضورهن إرهابا للعدو وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال قال الكرماني تاريخ الوقت لا يعرف قلت بل هو معروف بدلالة حديث بن عباس أنه شهده وهو صغير وكان ذلك بعد فتح مكة فلم يتم مراد الطحاوي وقد صرح في حديث أم عطية بعلة الحكم وهو شهودهن الخير ودعوة المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته وقد أفتت به أم عطية بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة كما في هذا الحديث ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك وأما قول عائشة لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد فلا يعارض ذلك لندوره إن سلمنا أن فيه دلالة على أنها أفتت بخلافه مع أن الدلالة منه بأن عائشة أفتت بالمنع ليست صريحة وفي قوله ارهابا للعدو نظر لأن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحرب دال على الضعف والأولى أن يخص ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة ولا يترتب على حضورها محذور ولا تزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامع وقد تقدمت بقية فوائد هذا الحديث في الباب المشار إليه من كتاب الحيض

قوله باب النحر والذبح بالمصلى يوم النحر أورد فيه حديث بن عمر في ذلك قال الزين بن المنير عطف الذبح على النحر في الترجمة وان كان حديث الباب ورد بأو المقتضية للتردد إشارة إلى أنه لا يمتنع أن يجمع يوم النحر بين نسكين أحدهما مما ينحر والأخر مما يذبح وليفهم اشتراكهما في الحكم انتهى ويحتمل أن يكون أشار إلى أنه ورد في بعض طرقه بواو الجمع كما سيأتي في كتاب الأضاحي ويأتي الكلام هناك على فوائده ان شاء الله تعالى

قوله باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد وإذا سئل الإمام عن شيء وهو يخطب في هذه الترجمة حكمان وظن بعضهم أن فيها تكرارا وليس كذلك بل الأول أعم من الثاني ولم يذكر المصنف الجواب استغناء بما في الحديث ووجهه من حديث البراء أن المراجعة الصادرة بين أبي بردة وبين النبي صلى الله عليه وسلم دالة على الحكم الأول وسؤال أبي بردة عن حكم العناق دال على الحكم الثاني

[ 942 ] قوله عن الأسود هو بن قيس لا بن يزيد لأن شعبة لم يلحق بن يزيد وجندب هو بن عبد الله البجلي قوله وقال من ذبح هو من جملة الخطبة وليس معطوفا على قوله ثم ذبح لئلا يلزم تخلل الذبح بين الخطبة وهذا القول وليس الواقع ذلك على ما بينه حديث البراء الذي قبله وسيأتي الكلام عليهما في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى

قوله باب من خالف الطريق أي التي توجه منها إلى المصلى قوله حدثنا محمد كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي على بن السكن حدثنا محمد بن سلام وكذا للحفصى وجزم به الكلاباذى وغيره وفي نسخة من أطراف خلف أنه وجد في حاشية أنه محمد بن مقاتل انتهى وكذا هو في رواية أبي على بن شبويه والأول هو المعتمد وقد رواه عن أبي تميلة أيضا ممن اسمه محمد محمد بن حميد الرازي لكنه خالف في اسم صحابية كما سيأتي وليس هو ممن خرج عنهم البخاري في صحيحه وأبو تميلة بالمثناة مصغرا مروزي قيل إن البخاري ذكره في الضعفاء لكن لم يوجد ذلك في التصنيف المذكور قاله الذهبي ثم إنه لم ينفرد به كما سيأتي نعم تفرد به شيخه فليح وهو مضعف عند بن معين والنسائي وأبي داود ووثقه آخرون فحديثه من قبيل الحسن لكن له شواهد من حديث بن عمر وسعد القرظ وأبي رافع وعثمان بن عبيد الله التيمي وغيرهم يعضد بعضها بعضا فعلى هذا هو من القسم الثاني من قسمى الصحيح

[ 943 ] قوله عن سعيد بن الحارث هو بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري قوله إذا كان يوم عيد خالف الطريق كان تامة أي إذا وقع وفي رواية الإسماعيلي كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه قال الترمذي أخذ بهذا بعض أهل العلم فأستحبه للأمام وبه يقول الشافعي انتهى والذي في الأم أنه يستحب للإمام والمأموم وبه قال أكثر الشافعية وقال الرافعي لم يتعرض فىالوجيز إلا للأمام أه وبالتعميم قال أكثر أهل العلم ومنهم من قال إن علم المعنى وبقيت العلة بقي الحكم وإلا انتفى بانتفائها وإن لم يعلم المعنى بقي الاقتداء وقال الأكثر يبقى الحكم ولو انتفت العلة للاقتداء كما في الرملي وغيره وقد اختلف في معنى ذلك على أقوال كثيرة اجتمع لي منها أكثر من عشرين وقد لخصتها وبينت الواهى منها قال القاضي عبد الوهاب المالكي ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب وأكثرها دعاوى فارغة انتهى فمن ذلك أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان وقيل سكانهما من الجن والأنس وقيل ليسوى بينهما في مزية الفضل بمروره أو في التبرك به أو ليشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها لأنه كان معروفا بذلك وقيل لأن طريقه للمصلى كانت على اليمين فلو رجع منها لرجع على جهة الشمال فرجع من غيرها وهذا يحتاج إلى دليل وقيل لإظهار شعار الإسلام فيهما وقيل لإظهار ذكر الله وقيل ليغيظ المنافقين أو اليهود وقيل ليرهبهم بكثرة من معه ورجحه بن بطال وقيل حذرا من كيد الطائفتين أو إحداهما وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يكرره قال بن التين وتعقب بأنه لا يلزم من مواظبته على مخالفة الطريق المواظبة على طريق منها معين لكن في رواية الشافعي من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم ويرجع من الطريق الأخرى وهذا لو ثبت لقوى بحث بن التين وقيل فعل ذلك ليعمهم في السرور به أو التبرك بمروره وبرؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعلم والاقتداء والاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم وغير ذلك وقيل ليزور أقاربه الأحياء والأموات وقيل ليصل رحمه وقيل ليتفاءل بتغير الحال إلى المغفرة والرضا وقيل كان في ذهابه يتصدق فإذا رجع لم يبق معه شيء فيرجع في طريق أخرى لئلا يرد من يسأله وهذا ضعيف جدا مع احتياجه إلى دليل وقيل فعل ذلك لتخفيف الزحام وهذا رجحه الشيخ أبو حامد وأيده المحب الطبري بما رواه البيهقي في حديث بن عمر فقال فيه ليسع الناس وتعقب بأنه ضعيف وبأن قوله ليسع الناس يحتمل أن يفسر ببركته وفضله وهذا الذي رجحه بن التين وقيل كان طريقه التي يتوجه منها أبعد من التي فيها فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطا في الذهاب وأما في الرجوع فليسرع إلى منزله وهذا اختيار الرافعي وتعقب بأنه يحتاج إلى دليل وبأن أجر الخطا يكتب في الرجوع أيضا كما ثبت في حديث أبي بن كعب عند الترمذي وغيره فلو عكس ما قال لكان له اتجاه ويكون سلوك الطريق القريب للمبادرة إلى فعل الطاعة وإدراك فضيلة أول الوقت وقيل لأن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم وقال بن أبي جمرة هو في معنى قول يعقوب لبنيه لا تدخلوا من باب واحد فأشار إلى أنه فعل ذلك حذر إصابة العين وأشار صاحب الهدى إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة والله أعلم قوله تابعه يونس بن محمد عن فليح وحديث جابر أصح كذا عند جمهور رواة البخاري من طريق الفربري وهو مشكل لأن قوله أصح يباين قوله تابعه إذ لو تابعه لساواه فكيف تتجه الأصحية الدالة على عدم المساواة وذكر أبو على الجياني أنه سقط قوله وحديث جابر أصح من رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري فلا إشكال فيها قال ووقع في رواية بن السكن تابعه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة وفي هذا توجيه قوله أصح ويبقى الاشكال في قوله تابعه فإنه لم يتابعه بل خالفه وقد أزال هذا الاشكال أبو نعيم في المستخرج فقال أخرجه البخاري عن محمد عن أبي تميلة وقال تابعه يونس بن محمد عن فليح وقال محمد بن الصلت عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة وحديث جابر أصح وبهذا جزم أبو مسعود في الأطراف وكذا أشار إليه البرقاني وقال البيهقي إنه وقع كذلك في بعض النسخ وكأنها رواية حماد بن شاكر عن البخاري ثم راجعت رواية النسفي فلم يذكر قوله وحديث جابر أصح فسلم من الإشكال وهو مقتضى قول الترمذي رواه أبو تميلة ويونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن جابر فعلى هذا يكون سقط من رواية الفربري قوله وقال محمد بن الصلت عن فليح فقط وبقي ما عدا ذلك هذا على رواية أبي على بن السكن وقد وقع كذلك في نسختى من رواية أبي ذر عن مشايخه وأما على رواية الباقين فيكون سقط إسناد محمد بن الصلت كله وقال أبو على الصدفي في حاشية نسخته التي بخطه من البخاري لا يظهر معناه من ظاهر الكتاب وإنما هي إشارة إلى أن أبا تميلة ويونس المتابع له خولفا في سند الحديث وروايتهما أصح ومخالفهما وهو محمد بن الصلت رواه عن فليح شيخهما فخالفهما في صحابيه فقال عن أبي هريرة قلت فيكون معنى قوله وحديث جابر أصح أي من حديث من قال فيه عن أبي هريرة وقد اعترض أبو مسعود في الأطراف على قوله تابعه يونس اعتراضا آخر فقال إنما رواه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة لا جابر وأجيب بمنع الحصر فإنه ثابت عن يونس بن محمد كما قال البخاري أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس وكذا هو في مسنده ومصنفه نعم رواه بن خزيمة والحاكم والبيهقي من طريق أخرى عن يونس بن محمد كما قال أبو مسعود وكأنه اختلف عليه فيه وكذا اختلف فيه على أبي تميلة فأخرجه البيهقي من وجه آخر عنه فقال عنه أبي هريرة وأما رواية محمد بن الصلت المشار إليها فوصلها الدارمي وسمويه كلاهما عنه والترمذي وابن السكن والعقيلى كلهم من طريقه بلفظ كان إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره وذكر أبو مسعود أن الهيثم بن جميل رواه عن فليح كما قال بن الصلت عن أبي هريرة والذي يغلب على الظن أن الاختلاف فيه من فليح فلعل شيخه سمعه من جابر ومن أبي هريرة ويقوى ذلك اختلاف اللفظين وقد رجح البخاري أنه عن جابر وخالفه أبو مسعود والبيهقي فرجحا أنه عن أبي هريرة ولم يظهر لي في ذلك ترجيح والله أعلم

قوله باب إذا فاته العيد أي مع الإمام يصلي ركعتين في هذه الترجمة حكمان مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار وكونها تقضى ركعتين كأصلها وخالف في الأول جماعة منهم المزني فقال لا تقضى وفىالثانى الثوري وأحمد قالا إن صلاها وحده صلى أربعا ولهما في ذلك سلف قال بن مسعود من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعا أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح وقال إسحاق إن صلاها فىالجماعة فركعتين وإلا فاربعا قال الزين بن المنير كأنهم قاسوها على الجمعة لكن الفرق ظاهر لأن من فاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر بخلاف العيد انتهى وقال أبو حنيفة يتخير بين القضاء والترك وبين الثنتين والأربع وأورد البخاري في هذا الباب حديث عائشة في قصة الجاريتين المغنيتين وأشكلت مطابقته للترجمة على جماعة وأجاب بن المنير بأن ذلك يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم إنها أيام عيد فأضاف نسبة العيد إلى اليوم فيستوي في إقامتها الفذ والجماعة والنساء والرجال قال بن رشيد وتتمته أن يقال إنها أيام عيد أي لأهل الإسلام بدليل قوله في الحديث الأخر عيدنا أهل الإسلام ولهذا ذكره البخاري في صدر الباب وأهل الإسلام شامل لجميعهم أفرادا وجمعا وهذا يستفاد منه الحكم الثاني لا مشروعية القضاء قال والذي يظهر لي أنه أخذ مشروعية القضاء من

[ 944 ] قوله فإنها أيام عيد أي أيام منى فلما سماها أيام عيد كانت محلا لأداء هذه الصلاة لأنها شرعت ليوم العيد فيستفاد من ذلك أنها تقع أداء وأن لوقت الأداء آخرا وهو آخر أيام منى قال ووجدت بخط أبي القاسم بن الورد لما سوغ صلى الله عليه وسلم للنساء راحة العيد المباحة كان آكد أن يندبهن إلى صلاته في بيوتهن قوله في الترجمة وكذلك النساء مع قوله في الحديث دعهما فإنها أيام عيد قوله ومن كان في البيوت والقرى يشير إلى مخالفة ما روى عن على لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع وقد تقدم في باب فضل العمل في أيام التشريق عن الزهري ليس على المسافر صلاة عيد ووجه مخالفته كون عموم الحديث المذكور يخالف ذلك قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا عيدنا أهل الإسلام هذا الحديث لم أره هكذا وإنما أوله في حديث عائشة في قصة المغنيتين وقد تقدم في ثالث الترجمة من كتاب العيدين بلفظ ان لكل قوم عيدا وهذا عيدنا وأما باقيه فلعله مأخوذ من حديث عقبة بن عامر مرفوعا أيام منى عيدنا أهل الإسلام وهو في السنن وصححه بن خزيمة وقوله أهل الإسلام بالنصب على أنه منادى مضاف حذف منه حرف النداء أو بإضمار أعني أو أخص وجوز فيه أبو البقاء في اعراب المسند الجر على أنه بدل من الضمير في قوله عيدنا قوله وأمر أنس بن مالك مولاه في رواية المستملى مولاهم قوله بن أبي غنية كذا لأبي ذر بالمعجمة والنون بعدها تحتانية مثقلة وللاكثر بضم المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة وهو الراجح قوله بالزاوية بالزاى موضع على فرسخين من البصرة كان به لأنس قصر وأرض وكان يقيم هناك كثيرا وكانت بالزاوية وقعة وعظيمة بين الحجاج وابن الأشعث وهذا الأثر وصله بن أبي شيبة عن بن علية عن يونس هو بن عبيد حدثني بعض آل أنس أن أنسا كان ربما جمع أهله وحشمه يوم العيد فيصلى بهم عبد الله بن أبي عتبة مولاه ركعتين والمراد بالبعض المذكور عبد الله بن أبي بكر بن أنس روى البيهقي من طريقه قال كان أنس إذا فاته العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد قوله وقال عكرمة وصله بن أبي شيبة من طريق قتادة عنه قال في القوم يكونون في السواد وفي السفر في يوم عيد فطر أو أضحى قال يجتمعون ويؤمهم أحدهم قوله وقال عطاء في رواية الكشميهني وكان عطاء والأول أصح فقد رواه الفريابي في مصنفه عن الثوري عن بن جريج عن عطاء قال من فاته العيد فليصل ركعتين وأخرجه بن أبي شيبة من وجه آخر عن بن جريج وزاد ويكبر وهذه الزيادة تشير إلى أنها تقضى كهيئتها لا أن الركعتين مطلق نفل وأما حديث عائشة فتقدم الكلام عليه مستوفى في أوائل كتاب العيدين وقوله فيه وقالت عائشة معطوف على الإسناد المذكور كما تقدم بيانه وقوله فزجرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم كذا في الأصول بحذف فاعل زجرهم ووقع في رواية كريمة فزجرهم عمر كذا هنا وسيأتي بهذا الإسناد في أوائل المناقب بحذفه أيضا للجميع وضبب النسفي بين زجرهم وبين فقال إشارة إلى الحذف وقد ثبت بلفظ عمر في طرق أخرى كما تقدم في أوائل العيدين وقوله فيه أمنا بسكون الميم يعني من الأمن يشير إلى أن المعنى اتركهم من جهة أنا آمناهم أمنا أو أراد أنه مشتق من الأمن لا من الأمان الذي للكفار والله أعلم

قوله باب الصلاة قبل العيد وبعدها أورد فيه أثر بن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد وحديثه المرفوع في ترك الصلاة قبلها وبعدها ولم يجزم بحكم ذلك لأن الأثر يحتمل أن يراد به منع التنفل أو نفى الراتبة وعلى المنع فهل هو لكونه وقت كراهة أو لا أعم من ذلك ويؤيد الأول الاقتصار على القبل وأما الحديث فليس فيه ما يدل على المواظبة فيحتمل اختصاصه بالإمام دون المأموم أو بالمصلى دون البيت وقد اختلف السلف في جميع ذلك فذكر بن المنذر عن أحمد أنه قال الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها والبصريون يصلون قبلها لا بعدها والمدنيون لا قبلها ولا بعدها وبالأول قال الأوزاعي والثوري والحنفية وبالثانى قال الحسن البصري وجماعة وبالثالث قال الزهري وابن جريج وأحمد وأما مالك فمنعه في المصلى وعنه في المسجد روايتان وقال الشافعي فى الأم ونقله البيهقي عنه في المعرفة بعد أن روى حديث بن عباس حديث الباب ما نصه وهكذا يجب للإمام أن لا يتنفل قبلها ولا بعدها وأما المأموم فمخالف له في ذلك ثم بسط الكلام في ذلك وقال الرافعي يكره للأمام التنفل قبل العيد وبعدها وقيده في البويطي بالمصلى وجرى على ذلك الصيمري فقال لا بأس بالنافلة قبلها وبعدها مطلقا إلا للإمام في موضع الصلاة وأما النووي في شرح مسلم فقال قال الشافعي وجماعة من السلف لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها فإن حمل كلامه على المأموم وإلا فهو مخالف لنص الشافعي المذكور ويؤيد ما في البويطي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين أخرجه بن ماجة بإسناد حسن وقد صححه الحاكم وبهذا قال إسحاق ونقل بعض المالكية الإجماع على أن الإمام لا يتنفل في المصلى وقال بن العربي التنفل في المصلى لو فعل لنقل ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق للصلاة ومن تركه رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ومن اقتدى فقد اهتدى انتهى والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافا لمن قاسها على الجمعة وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام والله أعلم قوله وقال أبو المعلى بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة اسمه يحيى بن ميمون العطار الكوفي وليس له عند البخاري سوى هذا الموضع ولم أقف على أثره هذا موصولا وقد تقدم حديث بن عباس المرفوع بأتم من هذا السياق في باب الخطبة بعد العيد خاتمة اشتمل كتاب العيدين من الأحاديث المرفوعة على خمسة وأربعين حديثا المعلق منها أربعة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ستة وعشرون والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس في أكل التمر قبل صلاة عيد الفطر وحديث بن عمر في قصته مع الحجاج وحديث بن عباس في العمل في ذي الحجة وحديث بن عمر في الذبح بالمصلى وحديث جابر في مخالفة الطريق وأما حديث عقبة بن عامر المشار إليه في الباب الماضي فإن كان مرادا زادت العدة واحدا معلقا وليس هو في مسلم وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ثلاثة وعشرون أثرا معلقة إلا أثر أبي بكر وعمر وعثمان فى الصلاة قبل الخطبة فإنها موصولة في حديث بن عباس والله الهادي إلى الصواب