كتاب الوتر
 البسملة عند بن شبويه والأصيلي وكريمة والوتر بالكسر الفرد وبالفتح للثأر وفي لغة مترادفان ولم يتعرض البخاري لحكمه لكن إفراده بترجمة عن أبواب التهجد والتطوع يقتضى أنه غير ملحق بها عنده ولولا أنه أورد الحديث الذي فيه إيقاعه على الدابة إلا المكتوبة لكان في ذلك إشارة إلى أنه يقول بوجوبه أورد البخاري فيه ثلاثة أحاديث مرفوعة حديث بن عمر من وجهين وحديث بن عباس وحديث عائشة فأما حديث بن عمر فأخرجه من الموطأ ولم يختلف على مالك في إسناده إلا أن في رواية مكي بن إبراهيم عن مالك أن نافعا وعبد الله بن دينار أخبراه كذا في الموطآت للدارقطني وأورده الباقون بالعنعنة فائدة قال بن التين اختلف في الوتر في سبعة أشياء في وجوبه وعدده واشتراط النية فيه واختصاصه بقراءة واشتراط شفع قبله وفي آخر وقته وصلاته في السفر على الدابة قلت وفي قضائه والقنوت فيه وفي محل القنوت منه وفيما يقال فيه وفي فصله ووصله وهل تسن ركعتان بعده وفي صلاته من قعود لكن هذا الأخير ينبنى على كونه مندوبا أو لا وقد اختلفوا في أول وقته أيضا وفي كونه أفضل صلاة التطوع أو الرواتب أفضل منه أو خصوص ركعتي الفجر وقد ترجم البخاري لبعض ما ذكرناه ويأتي الكلام على ما لم يترجم له أثناء الكلام على أحاديث الباب وما بعدها

[ 946 ] قوله أن رجلا لم أقف على اسمه ووقع في المعجم الصغير للطبرانى أن السائل هو بن عمر لكن يعكر عليه رواية عبد الله بن شقيق عن بن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل فذكر الحديث وفيه ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان منه قال فما أدرى أهو ذلك الرجل أوغيره وعند النسائي من هذا الوجه أن السائل المذكور من أهل البادية وعند محمد بن نصر في كتاب أحكام الوتر وهو كتاب نفيس في في مجلده من رواية عطية عن بن عمر أن أعرابيا سأل فيحتمل أن يجمع بتعدد من سأل وقد سبق في باب الحلق في المسجد أن السؤال المذكور وقع في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر قوله عن صلاة الليل في رواية أيوب عن نافع في باب الحلق في المسجد أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال كيف صلاة الليل ونحوه في رواية سالم عن أبيه في أبواب التطوع وقد تبين من الجواب أن السؤال وقع عن عددها أو عن الفصل والوصل وفي رواية محمد بن نصر من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رجل يا رسول الله كيف تأمرنا أن نصلي من الليل وأما قول بن بزيزة جوابه بقوله مثنى يدل على أنه فهم من السائل طلب كيفية العدد لا مطلق الكيفية ففيه نظر وأولى ما فسر به الحديث من الحديث واستدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا وهو عن الحنفية وإسحاق وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر في أربع وبأنه خرج جوابا للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال وبأنه قد تبين من رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به ففي السنن وصححه بن خزيمة وغيره من طريق على الأزدي عن بن عمر مرفوعا صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد تعقب هذا الأخير بأن أكثر أئمة الحديث أعلو هذه الزيادة وهي قوله والنهار بأن الحفاظ من أصحاب بن عمر لم يذكروها عنه وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها وقال يحيى بن معين من على الأزدي حتى أقبل منه وادعى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع أن بن عمر كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن ولو كان حديث الأزدي صحيحا لما خالفه بن عمر يعني مع شدة اتباعه رواه عنه محمد بن نصر في سؤالاته لكن روى بن وهب بإسناد قوي عن بن عمر قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى موقوف أخرجه بن عبد البر من طريقه فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا وقد روى بن أبي شيبة من وجه آخر عن بن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا وهذا موافق لما نقله بن معين قوله مثنى مثنى أي اثنين اثنين وهو غير منصرف لتكرار العدل فيه قاله صاحب الكشاف وقال آخرون للعدل والوصف وأما إعادة مثنى فللمبالغة في التأكيد وقد فسره بن عمر راوي الحديث فعند مسلم من طريق عقبة بن حريث قال قلت لابن عمر ما معنى مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى أن يتشهد بين كل ركعتين لأن راوي الحديث أعلم بالمراد به وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم لأنه لا يقال في الرباعية مثلا إنها مثنى واستدل بهذا على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل قال بن دقيق العيد وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه ولم يتعين أيضا كونه لذلك بل يحتمل أن يكون للارشاد إلى الأخف إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبا وقضاء ما يعرض من أمر مهم ولو كان الوصل لبيان الجواز فقط لم يواظب عليه صلى الله عليه وسلم ومن ادعى اختصاصه به فعليه البيان وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الفصل كما صح عنه الوصل فعند أبي داود ومحمد بن نصر من طريقي الأوزاعي وابن أبي ذئب كلاهما عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين وإسنادهما على شرط الشيخين واستدل به أيضا على عدم النقصان عن ركعتين في النافلة ما عدا الوتر قال بن دقيق العيد والاستدلال به أقوى من الاستدلال بامتناع قصر الصبح في السفر إلى ركعة يشير بذلك إلى الطحاوي فإنه استدل على منع التنفل بركعة بذلك واستدل بعض الشافعية للجواز بعموم قوله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقل صححه بن حبان وقد اختلف السلف في الفصل والوصل في صلاة الليل أيهما أفضل وقال الأثرم عن أحمد الذي اختاره في صلاة الليل مثنى مثنى فإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس وقال محمد بن نصر نحوه في صلاة الليل قال وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الوصل إلا إنا نختار أن يسلم من كل ركعتين لكونه أجاب به السائل ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا وقد تضمن كلامه الرد على الداودي الشارح ومن تبعه في دعواهم أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى النافلة أكثر من ركعتين ركعتين قوله فإذا خشي أحدكم الصبح استدل به على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر وأصرح منه ما رواه أبو داود والنسائي وصححه أو عوانة وغيره من طريق سليمان بن موسى عن نافع أنه حدثه أن بن عمر كان يقول من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر وفي صحيح بن خزيمة من طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له وهذا محمول على التعمد أو على أنه لا يقع أداء لما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد أيضا مرفوعا من نسي الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره وقيل معنى قوله إذا خشي أحدكم الصبح أي وهو في شفع فلينصرف على وتر وهذا ينبنى على أن الوتر لا يفتقر إلى نية وحكى بن المنذر عن جماعة من السلف أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختيارى ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح وحكاه القرطبي عن مالك والشافعي وأحمد وإنما قاله الشافعي في القديم وقال بن قدامة لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح واختلف السلف في مشروعية قضائه فنفاه الأكثر وفي مسلم وغيره عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة وقال محمد بن نصر لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب وعن عطاء والأوزاعي يقضي ولو طلعت الشمس وهو وجه عند الشافعية حكاه النووي في شرح مسلم وعن سعيد بن جبير يقضي من القابلة وعن الشافعية يقضي مطلقا ويستدل لهم بحديث أبي سعيد المتقدم والله أعلم فائدة يؤخذ من سياق هذا الحديث أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من النهار شرعا وقد روى بن دريد في أماليه بسند جيد أن الخليل بن أحمد سئل عن حد النهار فقال من الفجر المستطير إلى بداءة الشفق وحكى عن الشعبي أنه وقت منفرد لا من الليل ولا من النهار قوله صلى ركعة واحدة في رواية الشافعي وعبد الله بن وهب ومكي بن إبراهيم ثلاثتهم عن مالك فليصل ركعة أخرجه الدارقطني في الموطآت هكذا بصيغة الأمر وسيأتي بصيغة الأمر أيضا من طريق بن عمر الثانية في هذا الباب ولمسلم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا نحوه واستدل بهذا على أنه لا صلاة بعد الوتر وقد اختلف السلف في ذلك في موضعين أحدهما في مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس والثاني فيمن أوتر ثم أراد أن يتنفل في الليل هل يكتفى بوتره الأول وليتنفل ما شاء أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل ثم إذا فعل ذلك هل يحتاج إلى وتر آخر أو لا فأما الأول فوقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس وقد ذهب إليه بعض أهل العلم وجعلوا الأمر في

[ 953 ] قوله اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا مختصا بمن أوتر آخر الليل وأجاب من لم يقل بذلك بأن الركعتين المذكورتين هما ركعتا الفجر وحمله النووي على أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان جواز التنفل بعد الوتر وجواز التنفل جالسا وأما الثانى فذهب الأكثر إلى أنه يصلي شفعا ما أراد ولا ينقض وتره عملا بقوله صلى الله عليه وسلم لا وتران في ليلة وهو حديث حسن أخرجه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث طلق بن على وإنما يصح نقض الوتر عند من يقول بمشروعية التنفل بركعة واحدة غير الوتر وقد تقدم ما فيه وروى محمد بن نصر من طريق سعيد بن الحارث أنه سأل بن عمر عن ذلك فقال إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صل ما بدا لك ثم أوتر وإلا فصل وترك على الذي كنت أوترت ومن طريق أخرى عن بن عمر أنه سئل عن ذلك فقال أما أنا فأصلي مثنى فإذا انصرفت ركعت ركعة واحدة فقيل أرأيت ان أوترت قبل أن أنام ثم قمت من الليل فشفعت حتى أصبح قال ليس بذلك بأس واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم صل ركعة واحدة على أن فصل الوتر أفضل من وصله وتعقب بأنه ليس صريحا فى الفصل فيحتمل أن يريد بقوله صل ركعة واحدة أي مضافة إلى ركعتين مما مضى واحتج بعض الحنفية لما ذهب إليه من تعيين الوصل والاقتصار على ثلاث بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولة حسن جائز واختلفوا فيما عداه قال فأخذنا بما أجمعوا عليه وتركنا ما اختلفوا فيه وتعقبه محمد بن نصر المروزي بما رواه من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب وقد صححه الحاكم من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة والأعرج عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وإسناده على شرط الشيخين وقد صححه بن حبان والحاكم ومن طريق مقسم عن بن عباس وعائشة كراهية الوتر بثلاث وأخرجه النسائي أيضا وعن سليمان بن يسار أنه كره الثلاث فى الوتر وقال لا يشبه التطوع الفريضة فهذه الآثار تقدح في الإجماع الذي نقله وأما قول محمد بن نصر لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أو مفصولة انتهى فيرد عليه ما رواه الحاكم من حديث عائشة أنه كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن وروى النسائي من حديث أبي بن كعب نحوه ولفظه يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ولا يسلم إلا في آخرهن وبين في عدة طرق أن السور الثلاث بثلاث ركعات ويجاب عنه باحتمال أنهما لم يثبتا عنده والجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين وقد فعله السلف أيضا فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن ومن طريق بن طاوس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله وروى محمد بن نصر عن بن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث كالمغرب وكأنهم لم يبلغهم النهى المذكور وسيأتي في هذا الباب قول القاسم بن محمد في تجويز الثلاث ولكن النزاع في تعين ذلك فإن الأخبار الصحيحة تأباه قوله توتر له ما قد صلى استدل به على أن الركعة الأخيرة هي الوتر وأن كل ما تقدمها شفع وادعى بعض الحنفية أن هذا إنما يشرع لمن طرقه الفجر قبل أن يوتر فيكتفى بواحدة لقوله فإذا خشي الصبح فيحتاج إلى دليل تعين الثلاث وسنذكر ما فيه من رواية القاسم الآتية واستدل به على تعين الشفع قبل الوتر وهو عن المالكية بناء على أن قوله ما قد صلى أي من النفل وحمله من لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعم من النفل والفرض وقالوا إن سبق الشفع شرط في الكمال لا فى الصحة ويؤيده حديث أبي أيوب مرفوعا الوتر حق فمن شاء أوتر بخمس ومن شاء بثلاث ومن شاء بواحدة أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها وسيأتي في المغازي حديث عبد الله بن ثعلبة أن سعدا أوتر بركعة وسيأتي في المناقب عن معاوية أنه أوتر بركعة وأن بن عباس استصوبه وفي كل ذلك رد على بن التين في قوله إن الفقهاء لم يأخذوا بعمل معاوية في ذلك وكأنه أراد فقهاءهم قوله وعن نافع هو معطوف على الإسناد الأول وهو في الموطآ كذلك إلا أنه ليس مقرونا في سياق واحد بل بين المرفوع والموقوف عدة أحاديث ولهذا فصله البخاري عنه قوله أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته ظاهره أنه كان يصلي الوتر موصولا فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى وفي هذا دفع لقول من قال لا يصح الوتر إلا مفصولا وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال صلى بن عمر ركعتين ثم قال يا غلام أرحل لنا ثم قام فأوتر بركعة وروى الطحاوي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وإسناده قوي ولم يعتذر الطحاوي عنه إلا باحتمال أن يكون المراد بقوله بتسليمة أي التسليمة التي في التشهد ولا يخفى بعد هذا التأويل والله أعلم وأما حديث بن عباس فقد تقدم في عدة مواضع في العلم والطهارة والمساجد والإمامة وأحلت بشرحه على ما هنا وقد رواه عن بن عباس جماعة منهم كريب وسعيد بن جبير وعلى بن عبد الله بن عباس وعطاء وطاوس والشعبي وطلحة بن نافع ويحي بن الجزار وأبو جمرة وغيرهم مطولا ومختصرا وسأذكر ما في طرقه من الفوائد ناسبا كل رواية إلى مخرجها إن شاء الله تعالى

[ 947 ] قوله أنه بات عند ميمونة زاد شريك بن أبي نمر عن كريب عند مسلم فرقبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي زاد أبو عوانة في صحيحه من هذا الوجه بالليل ولمسلم من طريق عطاء عن بن عباس قال بعثني العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم زاد النسائي من طريق حبيب بن أبي ثابت عن كريب في إبل أعطاه إياها من الصدقة ولأبي عوانة من طريق على بن عبد الله بن عباس عن أبيه أن العباس بعثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة قال فوجدته جالسا فى المسجد فلم استطع أن أكلمه فلما صلى المغرب قام فركع حتى أذن بصلاة العشاء ولابن خزيمة من طريق طلحة بن نافع عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد العباس ذودا من الإبل فبعثني إليه بعد العشاء وكان في بيت ميمونة وهذا يخالف ما قبله ويجمع بأنه لما لم يكلمه في المسجد أعاده إليه بعد العشاء إلى بيت ميمونة ولمحمد بن نصر في كتاب قيام الليل من طريق محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب من الزيادة فقال لي يا بني بت الليلة عندنا وفي رواية حبيب المذكورة فقلت لا أنام حتى أنظر ما يصنع في صلاة الليل وفي رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن مخرمة فقلت لميمونة إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني وكان عزم في نفسه على السهر ليطلع على الكيفية التي أرادها ثم خشي أن يغلبه النوم فوصى ميمونة أن توقظه قوله في عرض وسادة في رواية محمد بن الوليد المذكورة وسادة من أدم حشوها ليف وفي رواية طلحة بن نافع المذكورة ثم دخل مع امرأته في فراشها وزاد أنها كانت ليلتئذ حائضا وفي رواية شريك بن أبي نمر عن كريب في التفسير فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة وقد سبقت الإشارة إليه في كتاب العلم وتقدم الكلام على الاضطجاع والعرض ومسح النوم والعشر الآيات في باب قراءة القرآن بعد الحدث وكذا على الشن قوله حتى انتصف الليل أو قريبا منه جزم شريك بن أبي نمر في روايته المذكورة بثلث الليل الأخير ويجمع بينهما بأن الاستيقاظ وقع مرتين ففي الأولى نظر إلى السماء ثم تلا الآيات ثم عاد لمضجعه فنام وفي الثانية أعاد ذلك ثم توضأ وصلى وقد بين ذلك محمد بن الوليد في روايته المذكورة وفي رواية الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب في الصحيحين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام ثم قام فأتى القربة الحديث وفي رواية سعيد بن مسروق عن سلمة عند مسلم ثم قام قومه أخرى وعنده من رواية شعبة عن سلمة فبال بدل فأتى حاجته قوله ثم قام إلى شن زاد محمد بن الوليد ثم استفرغ من الشن في إناء ثم توضأ قوله فأحسن الوضوء في رواية محمد بن الوليد وطلحة بن نافع جميعا فأسبغ الوضوء وفي رواية عمرو بن دينار عن كريب فتوضأ وضوءا خفيفا وقد تقدمت في باب تخفيف الوضوء ويجمع بين هاتين الروايتين برواية الثوري فإن لفظه فتوضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ ولمسلم من طريق عياض عن مخرمة فأسبغ الوضوء ولم يمس من الماء إلا قليلا وزاد فيها فتسوك وكذا لشريك عن كريب فاستن كما تقدمت الإشارة إليه قبيل كتاب الغسل قوله ثم قام يصلي في رواية محمد بن الوليد ثم أخذا بردا له حضرميا فتوشحه ثم دخل البيت فقام يصلي قوله فصنعت مثله يقتضى أنه صنع جميع ما ذكر من القول والنظر والوضوء والسواك والتوشح ويحتمل أن يحمل على الأغلب وزاد سلمة عن كريب في الدعوات في أوله فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه وكأنه خشي أن يترك بعض عمله لما جرى من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك بعض العمل خشية أن يفرض على أمته قوله وقمت إلى جنبه تقدم الكلام عليه في أبواب الإمامة مستوفى قوله وأخذ بأذني زاد محمد بن الوليد في روايته فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسنى بيده في طلمة الليل وفي رواية الضحاك بن عثمان فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني وفي هذا رد على من زعم أن أخذ الأذن إنما كان في حالة إدارته له من اليسار إلى اليمن متمسكا برواية سلمة بن كهيل الآتية في التفسير حيث قال فأخذ بأذني فأدارنى عن يمينه لكن لا يلزم من إدارته على هذه الصفة أن لا يعود إلى مسك أذنه لما ذكره من تأنيسه وإيقاظه لأن حاله كانت تقتضي ذلك لصغر سنة قوله فصلى ركعتين ثم ركعتين كذا في هذه الرواية وظاهره أنه فصل بين كل ركعتين ووقع التصريح بذلك في رواية طلحة بن نافع حيث قال فيها يسلم من كل ركعتين ولمسلم من رواية على بن عبد الله بن عباس التصريح بالفصل أيضا وأنه استاك بين كل ركعتين إلى غير ذلك ثم إن رواية الباب فيها التصريح بذكر الركعتين ست مرات ثم قال ثم أوتر ومقتضاه أنه صلى ثلاث عشرة ركعة وصرح بذلك في رواية سلمة الآتية في الدعوات حيث قال فتنامت ولمسلم فتكاملت صلاته ثلاث عشرة ركعة وفي رواية عبد ربه بن سعيد الماضية في الإمامة عن كريب فصلى ثلاث عشرة ركعة وفي رواية محمد بن الوليد المذكورة مثله وزاد وركعتين بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح وهي موافقة لرواية الباب لأنه قال بعد قوله ثم أوتر فقام فصلى ركعتين فاتفق هؤلاء على الثلاث عشرة وصرح بعضهم بأن ركعتي الفجر من غيرها لكن رواية شريك بن أبي نمر الآتية في التفسير عن كريب تخالف ذلك ولفظه فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصى ركعتين ثم خرج فهذا ما في رواية كريب من الاختلاف وقد عرف أن الأكثر خالفوا شريكا فيها وروايتهم مقدمة على روايته لما معهم من الزيادة ولكونهم أحفظ منه وقد حمل بعضهم هذه الزيادة على سنة العشاء ولا يخفى بعده ولا سيما في رواية مخرمة في حديث الباب إلا إن حمل على أنه أختر سنة العشاء حتى استيقظ لكن يعكر عليه رواية المنهال الآتية قريبا وقد اختلف على سعيد بن جبير أيضا ففي التفسير من طريق شعبة عن الحكم عنه فصلى أربع ركعات ثم نام ثم صلى خمس ركعات وقد حمل محمد بن نصر هذه الأربع على أنها سنة العشاء لكونها وقعت قبل النوم لكن يعكر عليه ما رواه هو من طريق المنهال بن عمرو عن على بن عبد الله بن عباس فإن فيه فصلى العشاء ثم صلى أربع ركعات بعدها حتى لم يبق في المسجد غيره ثم انصرف فإنه يقتضى أن يكون صلى الأربع في المسجد لافى البيت ورواية سعيد بن جبير أيضا تقتضي الاقتصار على خمس ركعات بعد النوم وفيه نظر وقد رواها أبو داود من وجه آخر عن الحكم وفيه فصلى سبعا أو خمسا أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن وقد ظهر لي من رواية أخرى عن سعيد بن جبير ما يرفع هذا الاشكال ويوضح أن رواية الحكم وقع فيها تقصير فعند النسائي من طريق يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمان ركعات ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن فبهذا يجمع بين رواية سعيد ورواية كريب وأما ما وقع في رواية عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عند أبي داود فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر فهو نظير ما تقدم من الاختلاف في رواية كريب وأما ما في روايتهما من الفصل والوصل فرواية سعيد صريحة في الوصل ورواية كريب محتملة فتحمل على رواية سعيد وأما قوله في رواية طلحة بن نافع يسلم من كل ركعتين فيحتمل تخصيصه بالثمان فيوافق رواية سعيد ويؤيده رواية يحيى بن الجزار الآتية ولم أر في شيء من طرق حديث بن عباس ما يخالف ذلك لأن أكثر الرواة عنه لم يذكروا عددا ومن ذكر العدد منهم لم يزد على ثلاث عشرة ولم ينقص عن إحدى عشرة إلا أن في رواية علي بن عبد الله بن عباس عند مسلم ما يخالفهم فإن فيه فصلى ركعتين أطال فيهما ثم انصرف فنام حتى نفخ ففعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات يعني آخر آل عمران ثم أوتر بثلاث فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة انتهى فزاد على الرواة تكرار الوضوء وما معه أو نقص عنهم ركعتين أو أربعا ولم يذكر ركعتي الفجر أيضا وأظن ذلك من الراوي عنه حبيب بن أبي ثابت فإن فيه مقالا وقد اختلف عليه فيه في إسناده ومتنه اختلافا تقدم ذكر بعضه ويحتمل أن يكون لم يذكر الأربع الأول كما لم يذكر الحكم الثمان كما تقدم وأما سنة الفجر فقد ثبت ذكرها في طريق أخرى عن على بن عبد الله عند أبي داود والحاصل أن قصة مبيت بن عباس يغلب على الظن عدم تعددها فلهذا ينبغي الاعتناء بالجمع بين مختلف الروايات فيها ولا شك أن الأخذ بما اتفق عليه الأكثر والأحفظ أولى مما خالفهم فيه من هو دونهم ولا سيما أن زاد أو نقص والمحقق من عدد صلاته في تلك الليلة إحدى عشرة وأما رواية ثلاث عشرة فيحتمل أن يكون منها سنة العشاء ويوافق ذلك رواية أبي جمرة عن بن عباس الآتية في صلاة الليل بلفظ كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة يعني بالليل ولم يبين هل سنة الفجر منها أو لا وبينها يحيى بن الجزار عن بن عباس عند النسائي بلفظ كان يصلى ثمان ركعات ويوتر بثلاث ويصلي ركعتين قبل صلاة الصبح و لا يعكر على هذا الجمع إلا ظاهر سياق الباب فيمكن أن يحمل قوله صلى ركعتين ثم ركعتين أي قبل أن ينام ويكون منها سنة العشاء وقوله ثم ركعتين الخ أي بعد أن قام وسيأتي نحو هذا الجمع في حديث عائشة في أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى وجمع الكرماني بين ما اختلف من روايات قصة بن عباس هذه باحتمال أن يكون بعض رواته ذكر القدر الذي اقتدى بن عباس به فيه وفصله عما لم يقتد به فيه وبعضهم ذكر الجميع مجملا والله أعلم قوله ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين تقدمت تسمية المؤذن قريبا وسيأتي بيان الاختلاف في الاضطجاع هل كان قبل ركعتي الفجر أو بعدهما في أوائل أبواب التطوع قوله ثم خرج أي إلى المسجد فصلى الصبح أي بالجماعة وزاد سلمة بن كهيل عن كريب هنا كما سيأتي في الدعوات وكان من دعائه اللهم اجعل في قلبي نورا الحديث وسيأتي الكلام عليه في أول أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى وفي حديث بن عباس من الفوائد غير ما تقدم جواز إعطاء بني هاشم من الصدقة وهو محمول على التطوع ويحتمل أن يكون إعطاؤه العباس ليتولى صرفه في مصالح غيره ممن يحل له أخذ ذلك وفيه جواز تقاضى الوعد وإن كان من وعد به مقطوعا بوفائه وفيه الملاطفة بالصغير والقريب والضيف وحسن المعاشرة للاهل والرد على من يؤثر دوام الانقباض وفيه مبيت الصغير عند محرمه وان كان زوجها عندها وجواز الاضطجاع مع المرأة الحائض وترك الاحتشام في ذلك بحضرة الصغير وان كان مميزا بل مراهقا وفيه صحة صلاة الصبي وجواز فتل أذنه لتأنيسه وايقاظه وقد قيل إن المتعلم إذا تعوهد بفتل أذانه كان أذكى لفهمه وفيه حمل أفعاله صلى الله عليه وسلم على الاقتداء به ومشروعية التنفل بين المغرب والعشاء وفضل صلاة الليل ولا سيما في النصف الثاني والبداءة بالسواك واستحبابه عند كل وضوء وعند كل صلاة وتلاوة آخر آل عمران عند القيام إلى صلاة الليل واستحباب غسل الوجه واليدين لمن أراد النوم وهو محدث ولعله المراد بالوضوء للجنب وفيه جواز الاغتراف من الماء القليل لأن الإناء المذكور كان قصعة أو صحفة واستحباب التقليل من الماء في التطهير مع حصول الإسباغ وجواز التصغير والذكر بالصفة كما تقدم في باب السمر في العلم حيث قال نام الغليم وبيان فضل بن عباس وقوة فهمه وحرصه على تعلم أمر الدين وحسن تأتيه في ذلك وفيه اتخاذ مؤذن راتب للمسجد وإعلام المؤذن الإمام بحضور وقت الصلاة واستدعاؤه لها والاستعانة باليد في الصلاة وتكرار ذلك كما سيأتي البحث فيه في أواخر كتاب الصلاة وفيه مشروعية الجماعة في النافلة والائتمام بمن لم ينو الإمامة وبيان موقف الإمام والمأموم وقد تقدم كل ذلك في أبواب الإمامة والله المستعان واستدل به على أن الأحاديث الواردة في كراهية القرآن على غير وضوء ليست على العموم في جميع الأحوال وأجيب بأن نومه كان لا ينقض وضوئه فلا يتم الاستدلال به إلا أن يثبت أنه قرأ الآيات بين قضاء الحاجة والوضوء والله أعلم انتهى الكلام على حديث بن عباس وأما طريق بن عمر الثانية فالقاسم المذكور في إسناده هو بن محمد بن أبي بكر الصديق وقوله فيه فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة فيه دفع لقول من ادعى أن الوتر بواحدة مختص بمن خشي طلوع الفجر لأنه علقه بإرادة الانصراف وهو أعم من أن يكون لخشية طلوع الفجر أو غير ذلك وقوله فيه قال القاسم هو بالإسناد المذكور كذلك أخرجه أبو نعيم في مستخرجه ووهم من زعم أنه معلق وقوله فيه منذ أدركنا أي بلغنا الحلم أو عقلنا وقوله يوترون بثلاث وأن كلا لواسع يقتضى أن القاسم فهم من

[ 948 ] قوله فاركع ركعة أي منفردة منفصلة ودل ذلك على أنه لا فرق عنده بين الوصل والفصل في الوتر والله أعلم وأما حديث عائشة فقد أعاده المصنف إسنادا ومتنا في كتاب صلاة الليل ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى وكأنه أراد بإيراده هنا أن لا معارضة بينه وبين حديث بن عباس إذا ظاهر حديث بن عباس فصل الوتر وهذا محتمل الأمرين وقد بين القاسم أن كلا من الأمرين واسع فشمل الفصل والوصل والاقتصار على واحدة وأكثر قال الكرماني قوله وان كلا أي وان كل واحدة من الركعة والثلاث والخمس والسبع وغيرها جائز وأما تعيين الثلاث موصولة ومفصولة فلم يشمله كلامه لأن المخالف من الحنفية يحمل كل ما ورد من الثلاث على الوصل مع أن كثيرا من الأحاديث ظاهر في الفصل كحديث عائشة يسلم من كل ركعتين فإنه يدخل فيه الركعتان اللتان قبل الأخيرة فهو كالنص في موضع النزاع وحمل الطحاوي هذا ومثله على أن الركعة مضمومة إلى الركعتين قبلها ولم يتمسك في دعوى ذلك إلا بالنهى عن البتيراء مع احتمال أن يكون المراد بالبتيراء أن يوتر بواحدة فردة ليس قبلها شيء وهو أعم من أن يكون مع الوصل أو الفصل وصرح كثير منهم أن الفصل يقطعهما عن أن يكونا من جملة الوتر ومن خالفهم يقول إنهما منه بالنية وبالله التوفيق والله أعلم

قوله باب ساعات الوتر أي أوقاته ومحصل ما ذكره أن الليل كله وقت للوتر لكن أجمعوا على أن ابتداءه مغيب الشفق بعد صلاة العشاء كذا نقله بن المنذر لكن أطلق بعضهم أنه يدخل بدخول العشاء قالوا ويظهر أثر الخلاف فيمن صلى العشاء وبان أنه كان بغير طهارة ثم صلى الوتر متطهرا أو ظن أنه صلى العشاء فصلى الوتر فإنه يجزئ على هذا القول دون الأول ولا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة وانتهى وتره إلى السحر لأن الأول لإرادة الاحتياط والآخر لمن علم من نفسه قوة كما ورد في حديث جابر عند مسلم ولفظه من طمع منكم أن يقوم آخر الليل فليوتر من آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل ومن خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله قوله وقال أبو هريرة هو طرف من حديث أورده المصنف من طريق أبي عثمان عن أبي هريرة بلفظ وأن أوتر قبل أن أنام وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من هذا الوجه بلفظ التعليق وكذا أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي هريرة قوله أرأيت أي أخبرني قوله نطيل كذا للأكثر بنون الجمع وللكشميهني أطيل بالإفراد وجوز الكرماني في أطيل أن يكون بلفظ مجهول الماضي ومعروف المضارع وفي الأول بعد

[ 950 ] قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى استدل به على فضل الفصل لكونه أمر بذلك وفعله وأما الوصل فورد من فعله فقط قوله ويوتر بركعة لم يعين وقتها وبينت عائشة أنه فعل ذلك في جميع أجزاء الليل والسبب في ذلك ما سنذكر في الباب الذي بعده قوله وكأن بتشديد النون قوله بأذنيه أي لقرب صلاته من الأذان والمراد به هنا الإقامة فالمعنى أنه كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت ومقتضى ذلك تخفيف القراءة فيهما فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما ووقع في رواية مسلم أن أنسا قال لابن عمر إني لست عن هذا أسألك قال إنك لضخم ألا تدعنى أستقرئ لك الحديث ويستفاد من هذا جواب السائل بأكثر مما سأل عنه إذا كان مما يحتاج إليه ومن قوله انك لضخم أن السمين في الغالب يكون قليل الفهم قوله قال حماد أي بن زيد الراوي وهو بالإسناد المذكور قوله بسرعة كذا لأبي ذر وأبي الوقت وابن شبويه ولغيرهم سرعة بغير موحدة وهو تفسير من الراوي لقوله كان الأذان بأذنيه وهو موافق لما تقدم

[ 951 ] قوله حدثنا أبي هو حفص بن غياث ومسلم هو أبو الضحى لا بن كيسان قوله كل الليل بنصب كل على الظرفية وبالرفع على أنه مبتدأ والجملة خبره والتقدير أوتر فيه ولمسلم من طريق يحيى بن وثاب عن مسروق من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر والمراد بأوله بعد صلاة العشاء كما تقدم قوله إلى السحر زاد أبو داود والترمذي حين مات ويحتمل أن يكون اختلاف وقت الوتر باختلاف الأحوال فحيث أوتر في أوله لعله كان وجعا وحيث أوتر وسطه لعله كان مسافرا وأما وتره في آخره فكأنه كان غالب أحواله لما عرف من مواظبته على الصلاة في أكثر الليل والله أعلم والسحر قبيل الصبح وحكى الماوردي أنه السدس الأخير وقيل أوله الفجر الأول وفي رواية طلحة بن نافع عن بن عباس عند بن خزيمة فلما انفجر الفجر قام فأوتر بركعة قال بن خزيمة المراد به الفجر الأول وروى أحمد من حديث معاذ مرفوعا زادني ربي صلاة وهي الوتر وقتها من العشاء إلى طلوع الفجر وفي إسناده ضعف وكذا في حديث خارجة بن حذافة فى السنن وهو الذي احتج به من قال بوجوب الوتر وليس صريحا في الوجوب والله أعلم وأما حديث بريدة رفعه الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا وأعاد ذلك ثلاثا ففي سنده أبو المنيب وفيه ضعف وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ حق بمعنى واجب في عرف الشارع وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الاحاد

قوله باب أيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم أهله بالوتر في رواية الكشميهني للوتر

[ 952 ] قوله حدثنا يحيى هو القطان وهشام هو بن عروة قوله وأنا راقدة معترضة تقدم الكلام عليه في سترة المصلي قوله أيقظني فأوترت أي فقمت فتوضأت فأوترت واستدل به على استحباب جعل الوتر آخر الليل سواء المتهجد وغيره ومحله إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بأيقاظ غيره واستدل به على وجوب الوتر لكونه صلى الله عليه وسلم سلك به مسلك الواجب حيث لم يدعها نائمة للوتر وأبقاها للتهجد وتعقب بأنه لا يلزم من ذلك الوجوب نعم يدل على تأكد أمر الوتر وأنه فوق غيره من النوافل الليلية وفيه استحباب إيقاظ النائم لادراك الصلاة ولا يختص ذلك بالمفروضة ولا بخشية خروج الوقت بل يشرع ذلك لإدراك الجماعة وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات قال القرطبي ولا يبعد أن يقال إنه واجب في الواجب مندوب فى المندوب لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال فهو كالغافل وتنبيه الغافل واجب

قوله باب ليجعل آخر صلاته وترا أي بالليل وقد تقدم الكلام على حديث الباب في اثناء الحديث الأول وقد استدل به بعض من قال بوجوبه وتعقب بأن صلاة الليل ليست واجبة فكذا آخره وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليله

قوله باب الوتر على الدابة لما كان حديث عائشة في إيقاظها للوتر وحديث بن عمر في الأمر بالوتر آخر الليل قد تمسك بهما بعض من ادعى وجوب الوتر عقبهما المصنف بحديث بن عمر الدال على أنه ليس بواجب فذكره في ترجمتين إحداهما تدل على كونه نفلا والثانية تدل على أنه آكد من غيره

[ 954 ] قوله عن أبي بكر بن عمر لا يعرف اسمه وهو ثقة ليس له في الصحيحين غير هذا الحديث الواحد قوله أما لك في رسول الله أسوة فيه إرشاد العالم لرفيقه ما قد يخفى عليه من السنن قوله بلى والله فيه الحلف على الأمر الذي يراد تأكيده قوله كان يوتر على البعير قال الزين بن المنير ترجم بالدابة تنبيها على أن لا فرق بينها وبين البعير في الحكم والجامع بينهما أن الفرض لا يجزئ على واحدة منهما انتهى ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقة فسيأتى في أبواب تقصير الصلاة من طريق سالم عن أبيه أنه كان يصلي من الليل على دابته وهو مسافر وروى محمد بن نصر من طريق بن جريج قال حدثنا نافع أن بن عمر كان يوتر على دابته قال بن جريج وأخبرني موسى بن عقبة عن نافع أن بن عمر كان يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك فائدة قال الطحاوي ذكر عن الكوفيين أن الوتر لا يصلي على الراحلة وهو خلاف السنة الثابتة واستدل بعضهم برواية مجاهد أنه رأى بن عمر نزل فأوتر وليس ذلك بمعارض لكونه أوتر على الراحلة لأنه لا نزاع أن صلاته على الأرض أفضل وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن بن عمر أنه كان يوتر على راحلته وربما نزل فأوتر بالأرض

قوله باب الوتر في السفر أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال إنه لا يسن في السفر وهو منقول عن الضحاك وأما قول بن عمر لو كنت مسبحا في السفر لأتممت كما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق حفص بن عاصم عنه فإنما أراد به راتبه المكتوبة لا النافلة المقصودة كالوتر وذلك بين من سياق الحديث المذكور فقد رواه الترمذي من وجه آخر بلفظ سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين لا يصلون قبلها ولا بعدها فلو كنت مصليا قبلها أو بعدها لاتممت ويحتمل أن تكون التفرقة بين نوافل النهار ونوافل الليل فإن بن عمر كان يتنفل على راحلته وعلى دابته في الليل وهو مسافر وقد قال مع ذلك ما قال

[ 955 ] قوله إلا الفرائض أي لكن الفرائض بخلاف ذلك فكان لا يصليها على الراحلة واستدل به على أن الوتر ليس بفرض وعلى أنه ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه لكونه أوقعه على الراحلة وأما قول بعضهم إنه كان من خصائصه أيضا أن يوقعه على الراحلة مع كونه واجبا عليه فهي دعوى لا دليل عليها لأنه لم يثبت دليل وجوبه عليه حتى يحتاج إلى تكلف هذا الجمع واستدل به على أن الفريضة لا تصلي على الراحلة قال بن دقيق العيد وليس ذلك بقوي لأن الترك لا يدل على المنع إلا أن يقال إن دخول وقت الفريضة مما يكثر على المسافر فترك الصلاة لها على الراحلة دائما يشعر بالفرق بينها وبين النافلة في الجواز وعدمه وأجاب من ادعى وجوب الوتر من الحنفية بأن الفرض عندهم غير الواجب فلا يلزم من نفى الفرض نفى الواجب وهذا يتوقف على أن بن عمر كان يفرق بين الفرض والواجب وقد بالغ الشيخ أبو حامد فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر ولم يوافقه صاحباه مع أن بن أبي شيبة أخرج عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود والضحاك ما يدل على وجوبه عندهم وعنده عن مجاهد الوتر واجب ولم يثبت ونقله بن العربي عن أصبغ من المالكية ووافقه سحنون وكأنه أخذه من قول مالك من تركه أدب وكان جرحة في شهادته

قوله باب القنوت قبل الركوع وبعده القنوت يطلق على معان والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام قال الزين بن المنير أثبت بهذه الترجمة مشروعية القنوت إشارة إلى الرد على من روى عنه أنه بدعة كابن عمر وفي الموطأ عنه أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات ووجه الرد عليه ثبوته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرتفع عن درجة المباح قال ولم يقيده في الترجمة بصبح ولا غيره مع كونه مقيدا في بعض الأحاديث بالصبح وأوردها في أبواب الوتر أخذا من إطلاق أنس في بعض الأحاديث كذا قال ويظهر لي أنه أشار بذلك إلى قوله في الطريق الرابعة كان القنوت في الفجر والمغرب لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية مع أنه قد ورد الأمر به صريحا في الوتر فروى أصحاب السنن من حديث الحسن بن على قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر اللهم أهدني فيمن هديت الحديث وقد صححه الترمذي وغيره لكن ليس على شرط البخاري

[ 956 ] قوله سئل أنس في رواية إسماعيل عن أيوب عند مسلم قلت لأنس فعرف بذلك أنه أبهم نفسه قوله فقيل أوقنت في رواية الكشميهني بغير واو وللاسماعيلى هل قنت قوله قبل الركوع زاد الإسماعيلي أو بعد الركوع قوله بعد الركوع يسيرا قد بين عاصم في روايته مقدار هذا اليسير حيث قال فيها إنما قنت بعد الركوع شهرا وفي صحيح بن خزيمة من وجه آخر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم وكأنه محمول على ما بعد الركوع بناء على أن المراد بالحصر في قوله إنما قنت شهرا أي متواليا

[ 957 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد وعاصم هو بن سليمان الأحول قوله قد كان القنوت فيه اثبات مشروعيته في الجملة كما تقدم قوله قال فإن فلانا أخبرني عنك إنك قلت بعد الركوع فقال كذب لم أقف على تسمية هذا الرجل صريحا ويحتمل أن يكون محمد بن سيرين بدليل روايته المتقدمة فإن مفهوم قوله بعد الركوع يسيرا يحتمل أن يكون وقبل الركوع كثيرا ويحتمل أن يكون لا قنوت قبله أصلا ومعنى قوله كذب أي أخطأ وهو لغة أهل الحجاز يطلقون الكذب على ما هو أعم من العمد والخطأ ويحتمل أن يكون أراد بقوله كذب أي إن كان حكى أن القنوت دائما بعد الركوع وهذا يرجح الاحتمال الأول ويبينه ما أخرجه بن ماجة من رواية حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت فقال قبل الركوع وبعده إسناده قوي وروى بن المنذر من طريق أخرى عن حميد عن أنس أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع وبعضهم بعد الركوع وروى محمد بن نصر من طريق أخرى عن حميد عن أنس أن أول من جعل القنوت قبل الركوع أى دائما عثمان لكي يدرك الناس الركعة وقد وافق عاصما على روايته هذه عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في المغازي بلفظ سأل رجل أنسا عن القنوت بعد الركوع أو عند الفراغ من القراءة قال لا بل عند الفراغ من القراءة ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك والظاهر أنه من الاختلاف المباح قوله كان بعث قوما يقال لهم القراء سيأتي الكلام عليه مستوفى فى كتاب المغازي وكذا على رواية أبي مجلز والتيمي الراوي عنه هو سليمان وهو يروي عن أنس نفسه ويروي عنه أيضا بواسطة كما في هذا الحديث

[ 959 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن علية وخالد هو الحذاء قوله كان القنوت في المغرب والفجر قد تقدم توجيه إيراد هذه الرواية في أول هذا الباب وتقدم الكلام على بعضها في أثناء صفة الصلاة وقد روى مسلم من حديث البراء نحو حديث أنس هذا وتمسك به الطحاوي في ترك القنوت في الصبح قال لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب فيكون في الصبح كذلك انتهى ولا يخفى ما فيه وقد عارضه بعضهم فقال أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح ثم اختلفوا هل ترك فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام فى الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على أن يجهر به بخلاف القنوت في الصبح فاختلف في محله وفي الجهر به تكملة ذكر بن العربي أن القنوت ورد لعشرة معان فنظمها شيخنا الحافظ زين الدين العراقي فيما أنشدنا لنفسه إجازة غير مرة ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد مزيدا على عشر معاني مرضيه دعاء خشوع والعبادة طاعة إقامتها إقراره بالعبودية سكوت صلاة والقيام وطوله كذاك دوام الطاعة الرابح القنيه خاتمة اشتملت أبواب الوتر من الأحاديث المرفوعة على خمسة عشر حديثا منها واحد معلق المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية أحاديث والخالص سبعة وافقه مسلم على تخريجها وفيه من الآثار ثلاثة موصولة والله أعلم