كتاب الاستسقاء
 البسملة وسقط ما قبل باب من رواية الحموي والكشميهني وللاصيلى كتاب الاستسقاء فقط وثبتت البسملة في رواية بن شبويه والاستسقاء لغة طلب سقى الماء من الغير للنفس أو الغير وشرعا طلبه من الله عند حصول الجدب على وجه مخصوص

[ 960 ] قوله عن عبد الله بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة وسيأتي في باب تحويل الرداء التصريح بسماع عبد الله له من عباد قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم كما سيأتي صريحا في الباب المذكور وسياقه أتم قوله خرج النبي صلى الله عليه وسلم أي إلى المصلى كما سيأتي التصريح به أيضا فيه ويأتي الكلام فيه على كيفية تحويل الرداء وزاد فيه وصلى ركعتين وقد اتفق فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء وأنها ركعتان إلا ما روى عن أبي حنيفة أنه قال يبرزون للدعاء والتضرع وان خطب لهم فحسن ولم يعرف الصلاة هذا هو المشهور عنه ونقل أبو بكر الرازي عنه التخيير بين الفعل والترك وحكى بن عبد البر الإجماع على استحباب الخروج إلى الاستسقاء والبروز إلى ظاهر المصر لكن حكى القرطبي عن أبي حنيفة أيضا أنه لا يستحب الخروج وكأنه اشتبه عليه بقوله في الصلاة

قوله باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اجعلها سنين كسني يوسف أورد فيه حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت للمؤمنين والدعاء على الكافرين وفيه معنى الترجمة ووجه إدخاله في أبواب الاستسقاء التنبيه على أنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء للمؤمنين كذلك شرع الدعاء بالقحط على الكافرين لما فيه من نفع الفريقين باضعاف عدو المؤمنين ورقة قلوبهم ليذلوا للمؤمنين وقد ظهر من ثمرة ذلك التجاؤهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم برفع القحط كما في الحديث الثاني ويمكن أن يقال إن المراد أن مشروعية الدعاء على الكافرين في الصلاة تقتضي مشروعية الدعاء للمؤمنين فيها فثبت بذلك صلاة الاستسقاء خلافا لمن أنكرها والمراد بسنى يوسف ما وقع في زمانه عليه السلام من القحط في السنين السبع كما وقع في التنزيل وقد بين ذلك في الحديث الثاني حيث قال سبعا كسبع يوسف وأضيفت إليه لكونه الذي أنذر بها أو لكونه الذي قام بأمور الناس فيها

[ 961 ] قوله حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن هو الحزامي بالمهملة والزاي لا المخزوى وهما مدنيان من طبقة واحدة لكن الحزامي معروف بالرواية عن أبي الزناد دون المخزومي وقد بينه بن معين والنسائي لكنه لم ينفرد بهذا الحديث فسيأتى في الجهاد من رواية الثوري وفي أحاديث الأنبياء من رواية شعيب وأخرجه الإسماعيلي من رواية موسى بن عقبة كلهم عن أبي الزناد قوله اللهم اجعلها سنين فىالرواية الماضية في باب يهوى بالتكبير من صفة الصلاة اللهم اجعلها عليهم والضمير في قوله اجعلها يعود على المدة التي تقع فيها الشدة المعبر عنها بالوطأة وزاد بعد قوله فيها كسني يوسف وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى قوله وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال غفار غفر الله لها الخ هذا حديث آخر وهو عند المصنف بالإسناد المذكور وكأنه سمعه هكذا فأورده كما سمعه وقد أخرجه أحمد عن قتيبة كما أخرجه البخاري ويحتمل أن يكون له تعلق بالترجمة من جهة أن الدعاء على المشركين بالقحط ينبغي أن يخص بمن كان محاربا دون من كان مسالما قوله غفار غفر الله لها فيه الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقول لأحمد احمد الله عاقبتك ولعلى أعلاك الله وهو من جناس الاشتقاق ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر ومنه قوله تعالى وأسلمت مع سليمان وسيأتي في المغازي حديث عصية عصت الله ورسوله وإنما اختصت القبيلتان بهذا الدعاء لأن غفارا أسلموا قديما وأسلم سالموا النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى قوله قال بن أبي الزناد عن أبيه هذا كله في الصبح يعني أن عبد الرحمن بن أبي الزناد روى هذا الحديث عن أبيه بهذه الإسناد فبين أن الدعاء المذكور كان في الصبح وقد تقدم بعض بيان الاختلاف في ذلك في أثناء صفة الصلاة

[ 962 ] قوله كنا عند عبد الله يعني بن مسعود وسيأتي في تفسير الدخان سبب تحديث عبد الله بن مسعود بهذا الحديث قوله لما رأى من الناس إدبارا أي عن الإسلام وسيأتي في تفسير الدخان أن قريشا لما أبطئوا عن الإسلام قوله فأخذتهم سنة بفتح المهملة بعدها نون خفيفة أي أصابهم القحط وقوله حصت بفتح الحاء والصاد المهملتين أي استأصلت النبات حتى خلت الأرض منه قوله حتى أكلنا في رواية المستملى والحموي حتى أكلوا وهو الوجه وكذا قوله ينظر أحدكم عند الأكثر ينظر أحدهم وهو الصواب وسيأتي بقية الكلام عليه بعد تسعة أبواب

قوله باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا قال بن رشيد لو أدخل تحت هذه الترجمة حديث بن مسعود الذي قبله لكان أوضح مما ذكر انتهى ويظهر لي أنه لما كان من سأل قد يكون مسلما وقد يكون مشركا وقد يكون من الفريقين وكان في حديث بن مسعود المذكور أن الذي سأل كان مشركا ناسب أن يذكر في الذي بعده ما يدل على ما إذا كان الطلب من الفريقين كما سأبينه ولذلك ذكر لفظ الترجمة عاما لقوله سؤال الناس وذلك أن المصنف أورد في هذا الباب تمثل بن عمر بشعر أبي طالب وقول أنس إن عمر كان إذا قحطوا استسقى بالعباس وقد اعترضه الإسماعيلي فقال حديث بن عمر خارج عن الترجمة إذ ليس فيه أن أحدا سأله أن يستسقى له ولا في قصة العباس التي أوردها أيضا وأجاب بن المنير عن حديث بن عمر بان المناسبة تؤخذ من قوله فيه يستسقى الغمام لأن فاعله محذوف وهم الناس وعن حديث أنس بأن في قول عمر كنا نتوسل إليك بنبيك دلالة على أن للأمام مدخلا في الاستسقاء وتعقب بأنه لا يلزم من كون فاعل يستسقى هو الناس أن يكونوا سألوا الإمام أن يستسقى لهم كما في الترجمة وكذا ليس في قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقى لهم إذ يحتمل أن يكونوا في الحالين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه وسلم وقال بن رشيد يحتمل أن يكون أراد بالترجمة الاستدلال بطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال انتهى هو حسن ويمكن أن يكون أراد من حديث بن عمر سياق الطريق الثانية عنه وأن يبين أن الطريق الأولى مختصرة منها وذلك أن لفظ الثانية ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى فدل ذلك على أنه هو الذي باشر الطلب صلى الله عليه وسلم وأن بن عمر أشار إلى قصة وقعت في الإسلام حضرها هو لا مجرد ما دل عليه شعر أبي طالب وقد علم من بقية الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما استسقى إجابة لسؤال من سأله في ذلك كما في حديث بن مسعود الماضي وفي حديث أنس الاتى وغيرهما من الأحاديث وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقي في الدلائل من رواية مسلم الملائي عن أنس قال جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أتيناك وما لنا بعير يئط ولا صبي يغط ثم أنشده شعرا يقول فيه وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال اللهم اسقنا الحديث وفيه ثم قال صلى الله عليه وسلم لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله فقام على فقال يا رسول الله كأنك أردت قوله وأبيض يستسقى الغمام بوجهه الأبيات فظهرت بذلك مناسبة حديث بن عمر للترجمة وإسناد حديث أنس وان كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة وقد ذكره بن هشام في زوائده في السيرة تعليقا عمن يثق به وقوله يئط بفتح أوله وكسر الهمزة وكذا يغط بالمعجمة والأطيط صوت البعير المثقل والغطيط صوت النائم كذلك وكنى بذلك عن شدة الجوع لأنهما إنما يقعان غالبا عند الشبع وأما حديث أنس عن عمر فأشار به أيضا إلى ما ورد في بعض طرقه وهو عند الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن الأنصاري بإسناد البخاري إلى أنس قال كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به فيستسقى لهم فيسقون فلما كان في إمارة عمر فذكر الحديث وقد أشار إلى ذلك الإسماعيلي فقال هذا الذي رويته يحتمل المعنى الذي ترجمه بخلاف ما أورده هو قلت وليس ذلك بمبتدع لما عرف بالاستقراء من عادته من الاكتفاء بالإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده وقد روى عبد الرزاق من حديث بن عباس أن عمر استسقى بالمصلى فقال للعباس قم فاستسق فقام العباس فذكر الحديث فتبين بهذا أن في القصة المذكورة أن العباس كان مسئولا وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام بذلك وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري وكان خازن عمر قال أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال العلامة بن باز حفظه الله هذا الأثر على فرض صحته كما قال الشارح ليس بحجة على جواز الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لأن السائل مجهول ولأن عمل الصحابة رضي الله عنهم على خلافه وهم أعلم الناس ولم يأت أحد منهم إلى قبره يسأله السقيا ولا غيرها بل عدل عمر عنه لما وقع في الجدب إلى الاستسقاء بالعباس ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة فعلم أن ذلك هو الحق وأن ما فعله هذا الرجل منكر ووسيلة إلى الشرك بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك وأما تسمية السائل في رواية سيف المذكورة بلالا بن الحارث ففي صحة ذلك نظر لم يذكر الشارح سند سيف في ذلك وعلى تقدير صحته عنه لا حجة فيه لأن عمل كبار الصحابة يخالفه وهم أعلم بالرسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته من غيرهم والله أعلم فقال يا رسول الله استسق لامتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له ائت عمر الحديث وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة وظهر بهذا كله مناسبة الترجمة لأصل هذه القصة أيضا والله الموفق قوله يتمثل أي ينشد شعر غيره قوله وأبيض بفتح الضاد وهو مجرور برب مقدرة أو منصوب بإضمار أعنى أو أخص والراجح أنه بالنصب عطفا على قوله سيدا في البيت الذي قبله قوله ثمال بكسر المثلثة وتخفيف الميم هو العماد والملجأ والمطعم والمغيث والمعين والكافى قد أطلق على كل من ذلك وقوله عصمة للأرامل أي يمنعهم مما يضرهم والأرامل جمع أرملة وهي الفقيرة التي لا زوج لها وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا ومن ثم لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب ذكرها بن إسحاق في السيرة بطولها وهي أكثر من ثمانين بيتا قالها لما تمالأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ونفروا عنه من يريد الإسلام أولها ولما رأيت القوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العرا والوسائل وقد جاهرونا بالعداوة والأذى وقد طاوعوا أمر العدو المزايل يقول فيها أعبد مناف أنتم خير قومكم فلا تشركوا في أمركم كل واغل فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم تكونوا كما كانت أحاديث وائل يقول فيها أعوذ برب الناس من كل طاعن علينا بسوء أو ملح بباطل وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وراق لبر في حراء ونازل وبالبيت حق البيت من بطن مكة وبالله أن الله ليس بغافل يقول فيها كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ولما نطاعن حوله ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل يقول فيها وما ترك قوم لا أبا لك سيدا يحوط الذمار بين بكر بن وائل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل قال السهيلي فإن قيل كيف قال أبو طالب يستسقى الغمام بوجهه ولم يره قط استسقى إنما كان ذلك منه بعد الهجرة وأجاب بما حاصله أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام انتهى ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه وسيأتي في الكلام على حديث بن مسعود ما يشعر بأن سؤال أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وقع بمكة وذكر بن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا أو غيره من شأنه وفيه نظر لما تقدم عن بن إسحاق أن إنشاء أبي طالب لهذا الشعر كان بعد المبعث ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءا جمع فيه شعر أبي طالب وزعم في أوله أنه كان مسلما وأنه مات على الإسلام وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر وأنهم لذلك يستجيزون لعنه ثم بالغ في سبهم والرد عليهم واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه وقد بينت فساد ذلك كله في ترجمة أبى طالب من كتاب الإصابة وسيأتي بعضه في ترجمة أبي طالب من كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

[ 963 ] قوله وقال عمر بن حمزة أي بن عبد الله بن عمر وسالم شيخه هو عمه وعمر مختلف في الاحتجاج به وكذلك عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المذكور في الطريق الموصولة فاعتضدت إحدى الطريقين بالأخرى وهو من أمثلة أحد قسمى الصحيح كما تقرر في علوم الحديث وطريق عمر المعلقة وصلها أحمد وابن ماجة والإسماعيلي من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عنه وعقيل فيهما بفتح العين قوله يستسقى بفتح أوله زاد بن ماجة في روايته على المنبر وفي روايته أيضا في المدينة قوله يجيش بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة يقال جاش الوادي إذا زخر بالماء وجاشت القدر إذا غلت وجاش الشيء إذا تحرك وهو كناية عن كثرة المطر قوله كل ميزاب بكسر الميم وبالزاى معروف وهو ما يسيل منه الماء من موضع عال ووقع في رواية الحموي حتى يجيش لك بتقديم اللام على الكاف وهو تصحيف

[ 964 ] قوله حدثني الحسن بن محمد هو الزعفراني والأنصاري شيخه يروي عنه البخاري كثيرا وربما أدخل بينهما واسطة كهذا الموضع ووهم من زعم أن البخاري أخرج هذا الحديث عن الأنصاري نفسه قوله أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا بضم القاف وكسر المهملة أي أصابهم القحط وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذا الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكانى من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس وأخرج أيضا من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن بن عمر قال استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فذكر الحديث وفيه فخطب الناس عمر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله وفيه فما برحوا حتى سقاهم الله وأخرجه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال عن أبيه بدل بن عمر فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان وذكر بن سعد وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثمان عشرة وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها ودام تسعة أشهر والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جدا من عدم المطر وقد تقدم من رواية الإسماعيلي رفع حديث أنس المذكور في قصة عمر والعباس وكذلك أخرجه بن حبان في صحيحه من طريق محمد بن المثنى بالإسناد المذكور ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه

قوله باب تحويل الرداء في الاستسقاء ترجم لمشروعيته خلافا لمن نفاه ثم ترجم بعد ذلك لكيفيته كما سيأتي

[ 965 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وأخرجه من طريقه قوله عن محمد بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم وهو أخو عبد الله بن أبي بكر المذكور في الطريق الثانية من هذا الباب وقد حدث به عن عباد أبوهما أبو بكر بن محمد بن عمرو كما سيأتي بعد خمسة عشر بابا قوله استسقى فقلب رداءه ذكر الواقدي أن طول ردائه صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع وطول إزاره أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر كان يلبسهما في الجمعة والعيدين ووقع في شرح الأحكام لابن بزيزة ذرع الرداء كالذي ذكره الواقدي في ذرع الإزار والأول أولى قال الزين بن المنير ترجم بلفظ التحويل والذي وقع في الطريقين اللذين ساقهما لفظ القلب وكأنه أراد أنهما بمعنى واحد انتهى ولم تتفق الرواة في الطريق الثانية على لفظ القلب فإن رواية أبي ذر حول وكذا هو في أول حديث في الاستسقاء وكذلك أخرجه مسلم من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر وقد وقع بيان المراد من ذلك في باب الاستسقاء بالمصلى في زيادة سفيان عن المسعودي عن أبي بكر بن محمد ولفظه قلب رداءه جعل اليمين على الشمال وزاد فيه بن ماجة وابن خزيمة من هذا الوجه والشمال على اليمين والمسعودي ليس من شرط الكتاب وإنما ذكر زيادته استطرادا وسيأتي بيان كون زيادته موصولة أو معلقة في الباب المذكور إن شاء الله تعالى وله شاهد أخرجه أبو داود من طريق الزبيدي عن الزهري عن عباد بلفظ فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وعطافه الأيسر على عاتقة الأيمن وله من طريق عمارة بن غزية عن عباد استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه وقد استحب الشافعي في الجديد فعل ما هم به صلى الله عليه وسلم من تنكيس الرداء مع التحويل الموصوف وزعم القرطبي كغيره أن الشافعي اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله والذي في الأم ما ذكرته والجمهور على استحباب التحويل فقط ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط وعن أبي حنيفة وبعض المالكية لا يستحب شيء من ذلك واستحب الجمهور أيضا أن يحول الناس بتحويل الإمام ويشهد له ما رواه أحمد من طريق أخرى عن عباد في هذا الحديث بلفظ وحول الناس معه وقال الليث وأبو يوسف يحول الإمام وحده واستثنى بن الماجشون النساء فقال لا يستحب في حقهن ثم أن ظاهر قوله فقلب رداءه أن التحويل وقع بعد فراغ الاستسقاء وليس كذلك بل المعنى فقلب رداءه في أثناء الاستسقاء وقد بينه مالك في روايته المذكورة ولفظه حول رداءه حين استقبل القبلة ولمسلم من رواية يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد وإنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه وأصله للمصنف كما سيأتي بعد أبواب وله من رواية الزهري عن عباد فقام فدعا الله قائما ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه فعرف بذلك أن التحويل وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء واختلف في حكمة هذا التحويل فجزم المهلب بأنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه وتعقبه بن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه قال وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه قيل له حول رداءك ليتحول حالك وتعقب بان الذي جزم به يحتاج إلى نقل والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن على عن أبيه عن جابر ورجح الدارقطني إرساله وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن وقال بعضهم إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضى الثبوت على العاتق فالحمل على المعنى الأول أولى فإن الأتباع أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص والله أعلم

[ 966 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة قوله قال عبد الله بن أبي بكر أي قال قال ويجوز أن يكون بن عيينة حذف الصيغة مرة وجرت عادتهم بحذف إحداهما من الخط وفي حذفها من اللفظ بحث ووقع عند الحموي والمستملى بلفظ عن عبد الله وصرح بن خزيمة فىروايته بتحديث عبد الله به لابن عيينة قوله أنه سمع عباد بن تميم يحدث أباه الضمير في قوله أباه يعود على عبد الله بن أبي بكر لا على عباد وضبطه الكرماني بضم الهمزة وراء بدل الموحدة أي أظنه ولم أر ذلك في شيء من الروايات التي اتصلت لنا ومقتضاه أن الراوي لم يجزم بأن رواية عباد له عن عمه ووقع في بعض النسخ من بن ماجة عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن أبيه عن عبد الله بن زيد وقوله عن أبيه زيادة وهي وهم والصواب ما وقع في النسخ المعتمدة من بن ماجة عن محمد بن الصباح وكذا لابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء كلاهما عن سفيان قال حدثنا المسعودي ويحيى هو بن سعيد عن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم قال سفيان فقلت لعبد الله أي بن أبي بكر حديث حدثناه يحيى والمسعودي عن أبيك عن عباد بن تميم فقال عبد الله بن أبي بكر سمعته أنا من عباد يحدث أبي عن عبد الله بن زيد بن أبي بكر فذكر الحديث قوله خرج إلى المصلى فاستسقى في رواية الزهري المذكورة بالناس يستسقى ولم أقف في شيء من طرق حديث عبد الله بن زيد على سبب ذلك ولا صفته صلى الله عليه وسلم حال الذهاب إلى المصلى وعلى وقت ذهابه وقد وقع ذلك في حديث عائشة عند أبي داود وابن حبان قالت شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر الحديث وفي حديث بن عباس عند أحمد وأصحاب السنن خرج النبي صلى الله عليه وسلم متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر وفي حديث أبي الدرداء عند البزار والطبراني قحط المطر فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقى لنا فغدا نبي الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقد حكى بن المنذر الاختلاف في وقتها والراجح أنه لا وقت لها معين وإن كان أكثر أحكامها كالعيد لكنها تخالفه بأنها لا تختص بيوم معين وهل تصنع بالليل استنبط بعضهم من كونه صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة فيها بالنهار أنها نهارية كالعيد وإلا فلو كانت تصلي بالليل لأسر فيها بالنهار وجهر بالليل كمطلق النوافل ونقل بن قدامة الإجماع على أنها لا تصلي في وقت الكراهة وأفاد بن حبان أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المصلى للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة قوله فاستقبل القبلة وحول رداءه تقدم ما فيه قريبا قوله وصلى ركعتين في رواية يحيى بن سعيد المذكورة عند بن خزيمة وصلى بالناس ركعتين وفي رواية الزهري الآتية في باب كيف حول ظهره ثم صلى الناس ركعتين واستدل به على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة وهو مقتضى حديث عائشة وابن عباس المذكورين لكن وقع عند أحمد في حديث عبد الله بن زيد التصريح بأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة وكذا في حديث أبي هريرة عند بن ماجة حيث قال فصلى بنا ركعتين بغير أذان ولا إقامة والمرجح عند الشافعية والمالكية الثاني وعن أحمد رواية كذلك ورواية يخير ولم يقع في شيء من طرق حديث عبد الله بن زيد صفة الصلاة مذكورة ولا ما يقرأ فيها وقد أخرج الدارقطني من حديث بن عباس أنه يكبر فيهما سبعا وخمسا كالعيد وأنه يقرأ فيهما بسبح وهل أتاك وفي إسناده مقال لكن أصله في السنن بلفظ ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد فأخذ بظاهره الشافعي فقال يكبر فيهما ونقل الفاكهي شيخ شيوخنا عن الشافعي استحباب التكبير حال الخروج إليها كما في العيد وهو غلط منه عليه ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب فاقتصر بعض الرواة على شيء وبعضهم على شيء وعبر بعضهم عن الدعاء بالخطبة وقع الاختلاف وأما قول بن بطال إن رواية أبي بكر بن محمد دالة على تقديم الصلاة على الخطبة وهو أضبط من ولديه عبد الله ومحمد فليس ذلك بالبين من سياق البخاري ولا مسلم والله أعلم وقال القرطبي يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة لمشابهتها بالعيد وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة وقد ترجم المصنف لهذا الحديث أيضا الدعاء في الاستسقاء قائما واستقبال القبلة فيه وحمله بن العربي على حال الصلاة ثم قال يحتمل أن يكون ذلك خاصا بدعاء الاستسقاء ولا يخفى ما فيه وقد ترجم له المصنف في الدعوات بالدعاء مستقبل القبلة من غير قيد بالاستسقاء وكأنه ألحقه به لأن الأصل عدم الاختصاص وترجم أيضا لكونها ركعتين وهو إجماع عند من قال بها ولكونها في المصلى وقد استثنى الخفاف من الشافعية مسجد مكة كالعيد وبالجهر بالقراءة في الاستسقاء وبتحويل الظهر إلى الناس عند الدعاء وهو من لازم استقبال القبلة قوله قال أبو عبد الله هو المصنف وقوله كان بن عيينة الخ يحتمل أن يكون تعليقا ويحتمل أن يكون سمع ذلك من شيخه على بن عبد الله المذكور ويرجح الثاني أن الإسماعيلي أخرجه عن جعفر الفريابي عن على بن عبد الله بهذا الإسناد فقال عن عبد الله بن زيد الذي أرى النداء وكذا أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان وتعقبه بأن بن عيينة غلط فيه قوله لأن هذا يعني راوي حديث الاستسقاء عبد الله أي هو عبد الله بن زيد بن عاصم فالتقدير لأن هذا أي عبد الله بن زيد هو عبد الله بن زيد بن عاصم قوله مازن الأنصار احتراز عن مازن تميم وهو مازن بن مالك بن عمرو بن تميم أو مازن قيس وهو مازن بن منصور بن الحارث بن خصفة بمعجمة ثم مهملة مفتوحتين بن قيس بن عيلان ومازن بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ومازن ضبة وهو مازن بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة ومازن شيبان وهو مازن بن ذهل بن ثعلبة بن شيبان وغيرهم قال الرشاطي مازن في القبائل كثير والمازن في اللغة بيض النمل وقد حذف البخاري مقابله والتقدير وذاك أي عبد الله بن زيد رائي الأذان عبد الله بن زيد بن عبد ربه وقد اتفقا في الاسم واسم الأب والنسبة إلى الأنصاري ثم إلى الخزرج والصحبة والرواية وافترقا في الجد والبطن الذي من الخزرج لأن حفيد عاصم من مازن وحفيد عبد ربه من بلحارث بن الخزرج والله أعلم

قوله باب انتقام الرب عز وجل من خلقه بالقحط إذا انتهكت محارمه هكذا وقعت هذه الترجمة في رواية الحموي وحدث خالية من حديث ومن أثر قال بن رشيد كأنها كانت في رقعة مفردة فاهملها الباقون وكأنه وضعها ليدخل تحتها حديث وأليق شيء بها حديث عبد الله بن مسعود يعنى المذكور في ثاني باب من الاستسقاء وأخر ذلك ليقع له التغيير في بعض سنده كما جرت به عادته غالبا فعاقه عن ذلك عائق والله أعلم قوله باب انتقام الرب عز وجل من خلقه بالقحط إذا انتهكت محارمه هكذا وقعت هذه الترجمة في رواية الحموي وحده خالية من حديث ومن أثر قال بن رشيد كأنها كانت في رقعة مفردة فاهملها الباقون وكأنه وضعها ليدخل تحتها حديثا وأليق شيء بها حديث عبد الله بن مسعود يعني المذكور في ثاني باب من الاستسقاء وأخر ذلك ليقع له التغيير في بعض سنده كما جرت به عادته غالبا فعاقه عن ذلك عائق والله أعلم

قوله باب الاستسقاء في المسجد الجامع أشار بهذه الترجمة إلى أن الخروج إلى المصلى ليس بشرط في الاستسقاء لأن الملحوظ في الخروج المبالغة في اجتماع الناس وذلك حاصل في المسجد الأعظم بناء على المعهود في ذلك الزمان من عدم تعدد الجامع بخلاف ما حدث في هذه الإعصار في بلاد مصر والشام والله المستعان وقد ترجم له المصنف بعد ذلك من اكتفى بصلاة الجمعة في خطبة الاستسقاء وترجم له أيضا الاستسقاء في خطبة فأشار بذلك إلى أنه إن اتفق وقوع ذلك يوم الجمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة ومدار الطرق الثلاثة على شريك فالأولى عن أبي ضمرة والثانية عن مالك والثالثة عن إسماعيل بن جعفر ثلاثتهم عن شريك وأخرجه أيضا من طرق أخرى عن أنس سنشير إليها عند النقل لزوائدها إن شاء الله تعالى

[ 967 ] قوله أن رجلا لم أقف على تسميته في حديث أنس وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مرة ما يمكن أن يفسر هذا المبهم بأنه كعب المذكور وسأذكر بعض سياقه بعد قليل وروى البيهقي في الدلائل من طريق مرسلة ما يمكن أن يفسر بأنه خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ولكن رواه بن ماجة من طريق شرحبيل بن السمط أنه قال لكعب بن مرة يا كعب حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذر قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق الله عز وجل فرفع يديه فقال اللهم اسقنا الحديث ففي هذا أنه غير كعب وسيأتي بعد أبواب في هذه القصة فأتاه أبو سفيان ومن ثم زعم بعضهم أنه أبو سفيان بن حرب وهو وهم لأنه جاء في واقعة أخرى كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين وقد تقدم فى الجمعة من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أصاب الناس سنة أي جدب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قام أعرابي وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد عن أنس أتى رجل أعرابي من أهل البدو وأما قوله في رواية ثابت الآتية في باب الدعاء إذا كثر المطر عن أنس فقام الناس فصاحوا فلا يعارض ذلك لأنه يحتمل أن يكونوا سألوه بعد أن سأل ويحتمل أنه نسب ذلك إليهم لموافقة سؤال السائل ما كانوا يريدونه من طلب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم وقد وقع في رواية ثابت أيضا عند أحمد إذ قال بعض أهل المسجد وهي ترجح الاحتمال الأول قوله من باب كان وجاه المنبر بكسر واو وجاه ويجوز ضمها أي مواجهة ووقع في شرح بن التين أن معناه مستدبر القبلة وهو وهم وكأنه ظن أن الباب المذكور كان مقابل ظهر المنبر وليس الأمر كذلك ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر من باب كان نحو دار القضاء وفسر بعضهم دار القضاء بأنها دار الإمارة وليس كذلك وإنما هي دار عمر بن الخطاب وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها دار قضاء دين عمر ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء ذكره الزبير بن بكار بسنده إلى بن عمر وذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان المدني سمعت بن أبي فديك عن عمه كانت دار القضاء لعمر فأمر عبد الله وحفصة أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه فباعوها من معاوية وكانت تسمى دار القضاء قال بن أبي فديك سمعت عمي يقول إن كانت لتسمى دار قضاء الدين قال وأخبرني عمي أن الخوخة الشارعة في دار القضاء غربى المسجد هي خوخة أبي بكر الصديق التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقى في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر وقد صارت بعد ذلك إلى مروان وهو أمير المدينة فلعلها شبهة من قال إنها دار الإمارة فلا يكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره وجاء في تسميتها دار القضاء قول آخر رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان المدني أيضا عن عبد العزيز بن عمران عن راشد بن حفص عن أم الحكم بنت عبد الله عن عمتها سهلة بنت عاصم قالت كانت دار القضاء لعبد الرحمن بن عوف وإنما سميت دار القضاء لأن عبد الرحمن بن عوف اعتزل فيها ليالي الشورى حتى قضى الأمر فيها فباعها بنو عبد الرحمن من معاوية بن أبي سفيان قال عبد العزيز فكانت فيها الدواوين وبيت المال ثم صيرها السفاح رحبة للمسجد وزاد أحمد في رواية ثابت عن أنس إني لقائم عند المنبر فأفاد بذلك قوة بذلك قوة ضبطه للقصة لقربه ومن ثم لم يرد هذا الحديث بهذا السياق كله إلا من روايته قوله قائم يخطب زاد في رواية قتادة في الأدب بالمدينة قوله فقال يا رسول الله هذا يدل على أن السائل كان مسلما فانتفى أن يكون أبا سفيان فإنه حين سؤاله لذلك كان لم يسلم كما سيأتي في حديث عبد الله بن مسعود قريبا قوله هلكت الأموال في رواية كريمة وأبي ذر جميعا عن الكشميهني المواشي وهو المراد بالأموال هنا لا الصامت وقد تقدم في كتاب الجمعة بلفظ هلك الكراع وهو بضم الكاف يطلق على الخيل وغيرها وفي رواية يحيى بن سعيد الآتية هلكت الماشية هلك العيال هلك الناس وهو من ذكر العام بعد الخاص والمراد بهلاكهم عدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر قوله وانقطعت السبل في رواية الأصيلي وتقطعت بمثناة وتشديد الطاء والمراد بذلك أن الإبل ضعفت لقله القوت عن السفر أو لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيم أودها وقيل المراد نفاد ما عند الناس من الطعام أو قلته فلا يجدون ما يحملونه يجلبونه إلى الأسواق ووقع في رواية قتادة الآتية عن أنس قحط المطر أي قل وهو بفتح القاف والطاء وحكي بضم ثم كسر وزاد في رواية ثابت الآتية عن أنس واحمرت الشجر واحمرارها كناية عن يبس ورقها لعدم شربها الماء أو لانتثاره فتصير الشجر أعوادا بغير ورق ووقع لأحمد في رواية قتادة وأمحلت الأرض وهذه الألفاظ يحتمل أن يكون الرجل قال كلها ويحتمل أن يكون بعض الرواة روى شيئا مما قاله بالمعنى لأنها متقاربة فلا تكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره قوله فادع الله يغيثنا أي فهو يغيثنا وهذه رواية الأكثر ولأبي ذر أن يغيثنا وفي رواية إسماعيل بن جعفر الآتية للكشميهنى يغثنا بالجزم ويجوز الضم في يغيثنا على أنه من الإغاثه وبالفتح على أنه من الغيث ويرجح الأول قوله في رواية إسماعيل بن جعفر فقال اللهم أغثنا ووقع في رواية قتادة فادع الله أن يسقينا وله في الأدب فاستسق ربك قال قاسم بن ثابت رواه لنا موسى بن هارون اللهم أغثنا وجائز أن يكون من الغوث أو من الغيث والمعروف في كلام العرب غثنا لأنه من الغوث وقال بن القطاع غاث الله عباده غيثا وغياثا سقاهم المطر وأغاثهم أجاب دعاءهم ويقال غاث واغاث بمعنى والرباعى أعلى وقال بن دريد الأصل غاثه الله يغوثه غوثا فأغيث واستعمل أغاثه ومن فتح أوله فمن الغيث ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثا وغيثا قوله فرفع يديه زاد النسائي في رواية سعيد عن يحيى بن سعيد ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون وزاد في رواية شريك حذاء وجهه ولابن خزيمة من رواية حميد عن أنس حتى رأيت بياض إبطيه وتقدم في الجمعة بلفظ فمد يديه ودعا زاد في رواية قتادة في الأدب فنظر إلى السماء قوله فقال اللهم اسقنا أعاده ثلاثا في هذه الرواية ووقع في رواية ثابت الآتية عن أنس اللهم اسقنا مرتين والأخذ بالزيادة أولى ويرجحها ما تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثا قوله ولا والله كذا للأكثر بالواو ولأبي ذر بالفاء وفي رواية ثابت المذكورة وأيم الله قوله من سحاب أي مجتمع ولا قزعة بفتح القاف والزاي بعدها مهملة أي سحاب متفرق قال بن سيده القزع قطع من السحاب رقاق زاد أبو عبيد وأكثر ما يجيء في الخريف قوله ولا شيئا بالنصب عطفا على موضع الجار والمجرور أي ما نرى شيئا والمراد نفى علامات المطر من ريح وغيره قوله وما بيننا وبين سلع بفتح المهملة وسكون اللام جبل معروف بالمدينة وقد حكى أنه بفتح اللام قوله من بيت ولا دار أي يحجبنا عن رؤيته وأشار بذلك إلى أن السحاب كان مفقودا لا مستترا ببيت ولا غيره ووقع في رواية ثابت في علامات النبوة قال قال أنس وإن السماء لفي مثل الزجاجة أي لشدة صفائها وذلك مشعر بعدم السحاب أيضا قوله فطلعت أي ظهرت من ورائه أي سلع وكأنها نشأت من جهة البحر لأن وضع سلع يقتضى ذلك قوله مثل الترس أي مستديرة ولم يرد أنها مثله في القدر لأن في رواية حفص بن عبيد الله عند أبي عوانة فنشأت سحابة مثل رجل الطائر وأنا أنظر إليها فهذا يشعر بأنها كانت صغيرة وفي رواية ثابت المذكورة فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمع وفي رواية قتادة في الأدب فنشأ السحاب بعضه إلى بعض وفي رواية إسحاق الآتية حتى ثار السحاب أمثال الجبال أي لكثرته وفيه ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته وهذا يدل على أن السقف وكف لكونه كان من جريد النخل قوله فلما توسطت السماء انتشرت هذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق فانبسطت حينئذ وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر قوله ما رأينا الشمس سبتا كناية عن استمرار الغيم الماطر وهذا في الغالب وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية وقد تحجب الشمس بغير مطر وأصرح من ذلك رواية إسحاق الآتية بلفظ فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وأما قوله سبتا فوقع للأكثر بلفظ السبت يعني أحد الأيام والمراد به الأسبوع وهو من تسمية الشيء باسم بعضه كما يقال جمعة قاله صاحب النهاية قال ويقال أراد قطعة من الزمان وقال الزين بن المنير قوله سبتا أي من السبت إلى السبت أي جمعة وقال المحب الطبري مثله وزاد أن فيه تجوزا لأن السبت لم يكن مبدأ ولا الثاني منتهى وإنما عبر أنس بذلك لأنه كان من الأنصار وكانوا قد جاوروا اليهود فأخذوا بكثير من اصطلاحهم وإنما سموا الأسبوع سبتا لأنه أعظم الأيام عند اليهود كما أن الجمعة عند المسلمين كذلك وحكى النووي تبعا لغيره كثابت في الدلائل أن المراد بقوله سبتا قطعة من الزمان ولفظ ثابت الناس يقولون معناه من سبت إلى سبت وإنما السبت قطعة من الزمان وأن الداودي رواه بلفظ ستا وهو تصحيف وتعقب بأن الداودي لم ينفرد بذلك فقد وقع في رواية الحموي والمستملى هنا ستا وكذا رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن شريك ووافقه أحمد من رواية ثابت عن أنس وكأن من ادعى أنه تصحيف استبعد اجتماع قوله ستا مع قوله في رواية إسماعيل بن جعفر الآتية سبعا وليس بمستبعد لأن من قال ستا أراد ستة أيام تامة ومن قال سبعا أضاف أيضا يوما ملفقا من الجمعتين وقد وقع في رواية مالك عن شريك فمطرنا من جمعة إلى جمعة وفي رواية للنسفى فدامت جمعة وفي رواية عبدوس والقابسى فيما حكاه عياض سبتنا كما يقال جمعتنا ووهم من عزا هذه الرواية لأبي ذر وفي رواية قتادة الآتية فمطرنا فما كدنا نصل إلى منازلنا أي من كثرة المطر وقد تقدم للمصنف في الجمعة من وجه آخر بلفظ فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا ولمسلم في رواية ثابت فأمطرنا حتى رأيت الرجل تهمه نفسه أن يأتي أهله ولأبن خزيمة في رواية حميد حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع إلى أهله وللمصنف في الأدب من طريق قتادة حتى سألت مثاعب المدينة ومثاعب جمع مثعب بالمثلثة وآخره موحدة مسيل الماء قوله ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ظاهره أنه غير الأول لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد وقد قال شريك في آخر هذا الحديث هنا سألت أنسا أهو الرجل الأول قال لا أدرى وهذا يقتضى أنه لم يجزم بالتغاير فالظاهر أن القاعدة المذكورة محمولة على الغالب لأن أنسا من أهل اللسان وقد تعددت وسيأتي في رواية إسحاق عن أنس فقام ذلك الرجل أو غيره وكذا لقتادة في الأدب وتقدم في الجمعة من وجه آخر كذلك وهذا يقتضى أنه كان يشك فيه وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد فأتى الرجل فقال يا رسول الله ومثله لأبي عوانة من طريق حفص عن أنس بلفظ فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الأعرابي في الجمعة الأخرى وأصله في مسلم وهذا يقتضى الجزم بكونه واحدا فلعل أنسا تذكره بعد أن نسيه أو نسيه بعد أن كان تذكره ويؤيد ذلك رواية البيهقى في الدلائل من طريق يزيد أن عبيدا السلمي قال لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة وفيه خارجة بن حصن أخو عيينة قدموا على إبل عجاف فقالوا يا رسول الله أدع لنا ربك أن يغيثنا فذكر الحديث وفيه فقال اللهم أسق بلدك وبهيمك وانشر بركتك اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء وفيه قال فلا والله ما نرى في السماء من قزعة ولا سحاب وما بين المسجد وسلع من بناء فذكر نحو حديث أنس بتمامه وفيه قال الرجل يعني الذي سأله أن يستسقى لهم هكلت الأموال الحديث كذا في الأصل والظاهر أن السائل هو خارجة المذكور لكونه كان كبير الوفد ولذلك سمي من بينهم والله أعلم وأفادت هذه الرواية صفة الدعاء المذكور والوقت الذي وقع فيه قوله هلكت الأموال وانقطعت السبل أي بسبب غير السبب الأول والمراد أن كثرة الماء انقطع المرعى بسببها فهلكت المواشي من عدم الرعى أو لعدم ما يكنها من المطر ويدل على ذلك قوله في رواية سعيد عن شريك عند النسائي من كثرة الماء وأما انقطاع السبل فلتعذر سلوك الطرق من كثرة الماء وفي رواية حميد عند بن خزيمة واحتبس الركبان وفي رواية مالك عن شريك تهدمت البيوت وفي رواية إسحاق الآتية هدم البناء وغرق المال قوله فادع الله يمسكها يجوز في يمكسها الضم والسكون وللكشميهني هنا أن يمسكها والضمير يعود على الأمطار أو على السحاب أو على السماء والعرب تطلق على المطر سماء ووقع في رواية سعيد عن شريك أن يمسك عنا الماء وفي رواية أحمد من طريق ثابت أن يرفعها عنا وفي رواية قتادة في الأدب فادع ربك أن يحبسها عنا فضحك وفي رواية ثابت فتبسم زاد في رواية حميد لسرعة ملال بن آدم قوله فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه تقدم الكلام عليه قريبا قوله اللهم حوالينا بفتح اللام وفيه حذف تقديره اجعل أو أمطر والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور قوله ولا علينا فيه بيان للمراد بقوله حوالينا لأنها تشمل الطرق التي حولهم فاراد إخراجها بقوله ولا علينا قال الطيبي في إدخال الواو هنا معنى لطيف وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط ودخول الواو يقتضى أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون وقاية من أذى المطر فليست الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل وهو كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فإن الجوع ليس مقصودا لعينه ولكن لكونه مانعا عن الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك أنفا أه قوله اللهم على الآكام فيه بيان للمراد بقوله حوالينا والإكام بكسر الهمزة وقد تفتح وتمد جمع أكمة بفتحات قال بن البرقي هو التراب المجتمع وقال الداودي هي أكبر من الكدية وقال القزاز هي التي من حجر واحد وهو قول الخليل وقال الخطابي هي الهضبة الضخمة وقيل الجبل الصغير وقيل ما ارتفع من الأرض وقال الثعالبي الأكمة أعلى من الرابية وقيل دونها قوله والظراب بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن وقال القزاز هو الجبل المنبسط ليس بالعالى وقال الجوهري الرابية الصغيرة قوله والأودية في رواية مالك بطون الأودية والمراد بها ما يتحصل فيه الماء لينتفع به قالوا ولم تسمع أفعلة جمع فاعل إلا الأودية جمع واد وفيه نظر وزاد مالك في روايته ورءوس الجبال قوله فانقطعت أي السماء أو السحابة الماطرة والمعنى أنها أمسكت عن المطر على المدينة وفي رواية مالك فانجابت عن المدينة أنجياب الثوب أي خرجت عنها كما يخرج الثوب عن لابسه وفي رواية سعيد عن شريك فما هو إلا أن تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئا والمراد بقوله ما نرى منه شيئا أي في المدينة ولمسلم في رواية حفص فلقد رأيت السحاب يتمزق كأنه الملاحين تطوى والملا بضم الميم والقصر وقد يمد جمع ملاءة وهو ثوب معروف وفي رواية قتادة عند المصنف فلقد رأيت السحاب ينقطع يمينا وشمالا يمطرون أي أهل النواحى ولا يمطر أهل المدينة وله في الأدب فجعل السحاب يتصدع عن المدينة وزاد فيه يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته وله في رواية ثابت عن أنس فتكشطت أي تكشفت فجعلت تمطر حول المدينة ولا تمطر بالمدينة قطرة فنظرت إلى المدينة وأنها لمثل الإكليل ولأحمد من هذا الوجه فتقور ما فوق رؤوسنا من السحاب حتى كأنا في إكليل والإكليل بكسر الهمزة وسكون الكاف كل شيء دار من جوانبه واشتهر لما يوضع على الرأس فيحيط به وهو من ملابس الملوك كالتاج وفي رواية أسحق عن أنس فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة والجوبة بفتح الجيم ثم الموحدة وهي الحفرة المستديرة الواسعة والمراد بها هنا الفرجة في السحاب وقال الخطابي المراد بالجوبة هنا الترس وضبطها الزين بن المنير تبعا لغيره بنون بدل الموحدة ثم فسره بالشمس إذا ظهرت في خلال السحاب لكن جزم عياض بأن من قاله بالنون فقد صحف وفي رواية إسحاق من الزيادة أيضا وسال الوادي وادي قناة شهرا وقناة بفتح القاف والنون الخفيفة علم على أرض ذات مزارع بناحية أحد وواديها أحد أودية المدينة المشهورة قاله الحازمي وذكر محمد بن الحسن المخزومي في أخبار المدينة بإسناد له أن أول من سماه وادي قناة تبع اليماني لما قدم يثرب قبل الإسلام وفي رواية له أن تبعا بعث رائدا ينظر إلى مزارع المدينة فقال نظرت فإذا قناة حب ولا تبن والجرف حب وتبن والحرار يعني جمع حرة بمهملتين لا حب ولا تبن أه وتقدم في الجمعة من هذا الوجه وسال الوادي قناة وأعرب بالضم على البدل على أن قناة اسم الوادي ولعله من تسمية الشيء باسم ما جاوره وقرأت بخط الرضي الشاطبى قال الفقهاء تقوله بالنصب والتنوين يتوهمونه قناة من القنوات وليس كذلك أه وهذا الذي ذكره قد جزم به بعض الشراح وقال هو على التشبيه أي سأل مثل القناة وقوله في الرواية المذكورة الا حدث بالجود هو بفتح الجيم المطر الغزير وهذا يدل على أن المطر استمر فيما سوى المدينة فقد يشكل بأنه يستلزم أن قول السائل هلكت الأموال وانقطعت السبل لم يرتفع الاهلاك ولا القطع وهو خلاف مطلوبه ويمكن الجواب بأن المراد أن المطر استمر حول المدينة من الإكام والظراب وبطون الأودية لا في الطرق المسلوكة ووقوع المطر في بقعة دون بقعة كثير ولو كانت تجاورها وإذا جاز ذلك جاز أن يوجد للماشية أماكن تكنها وترعى فيها بحيث لا يضرها ذلك المطر فيزول الإشكال وفي هذا الحديث من الفوائد غيرما تقدم جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة وفيه القيام في الخطبة وأنها لا تنقطع بالكلام ولا تنقطع بالمطر وفيه قيام الواحد بأمر الجماعة وإنما لم يباشر ذلك بعض أكابر الصحابة لأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم وترك الابتداء بالسؤال ومنه قول أنس كان يعجبنا أن يجيء الرجل من البادية فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول واجابتهم لذلك ومن أدبه بث الحال لهم قبل الطلب لتحصيل الرقة المقتضية لصحة التوجه فترجى الإجابة عنده وفيه تكرار الدعاء ثلاثا وإدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر ولا تحويل فيه ولا استقبال والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء وليس في السياق ما يدل على أنه نواها مع الجمعة وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقبه أو معه ابتداء في الاستسقاء وانتهاء في الاستصحاء وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة وفيه الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره فاحترز فيه بما يقتضي رفع الضرر وإبقاء النفع ويستنبط منه أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة وفيه أن الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكل وإن كان مقام الأفضل التفويض قال العلامة بن باز حفظه الله في هذا نظر والصواب أن ألأخذ بالأسباب والبدار بالدعاء والاستغانة عند الحاجة أولى وأفضل من التفويض وسيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضي الله عنهم تدل على ذلك ولعله إنما أخر الدعاء لأسباب اقتضت ذلك غير التفويض فلما سأله هذا السائل بادر بإجابته وذلك عن إذن الله سبحانه وتشريعه لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى والله أعلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بما وقع لهم من الجدب وأخر السؤال في ذلك تفويضا لربه ثم أجابهم إلى الدعاء لما سألوه في ذلك بيانا للجواز وتقرير السنة في هذه العبادة الخاصة أشار إلى ذلك بن أبي جمرة نفع الله به وفيه جواز تبسم الخطيب على المنبر تعجبا من أحوال الناس وجواز الصياح في المسجد بسبب الحاجة المقتضية لذلك وفيه اليمين لتأكيد الكلام ويحتمل أن يكون ذلك جرى على لسان أنس بغير قصد اليمين واستدل به على جواز الاستسقاء بغير صلاة مخصوصة وعلى أن الاستسقاء لا تشرع فيه صلاة فأما الأول فقال به الشافعي وكرهه سفيان الثوري وأما الثاني فقال به أبو حنيفة كما تقدم وتعقب بأن الذي وقع في هذه القصة مجرد دعاء لا ينافي مشروعية الصلاة لها وقد بينت في واقعة أخرى كما تقدم واستدل به على الاكتفاء بدعاء الإمام في الاستسقاء قاله بن بطال وتعقب بما سيأتي في رواية يحيى بن سعيد ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون وقد استدل به المصنف في الدعوات على رفع اليدين في كل دعاء وفي الباب عدة أحاديث جمعها المنذري في جزء مفرد وأورد منها النووي في صفة الصلاة في شرح المهذب قدر ثلاثين حديثا وسنذكر وجه الجمع بينها وبين قول أنس كان لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء بعد أربعة عشر بابا إن شاء الله تعالى وفيه جواز الدعاء بالاستصحاء للحاجة وقد ترجم له البخاري بعد ذلك

قوله باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة أورد فيه حديث أنس المذكور من طريق إسماعيل بن جعفر عن شريك المذكور وقد تقدمت فوائده في الذي قبله وقوله

[ 968 ] فيه يوم الجمعة في رواية كريمة يوم جمعة بالتنكير

قوله باب الاستسقاء على المنبر أورد فيه الحديث المذكور أيضا من رواية قتادة عن أنس وقد تقدمت فوائده أيضا

قوله باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق مالك عن شريك وقد تقدم ما فيه أيضا وقوله

[ 970 ] فيه فدعا فمطرنا في رواية الأصيلي فادع الله بدل فدعا وكل من اللفظين مقدر فيما لم يذكر فيه وفيه تعقب على من استدل به لمن يقول لا تشرع الصلاة للاستسقاء لأن الظاهر ما تضمنته الترجمة

قوله باب الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق أخرى عن مالك وقد تقدم ما فيه ومراده بقوله من كثرة المطر أي وسائر ما ذ كر في الحديث مما يشرع الاستصحاء عند وجوده وظاهره أن الدعاء بذلك متوقف على سبق السقيا وكلام الشافعي في الأم يوافقه وزاد أنه لا يسن الخروج للاستصحاء ولا الصلاة ولا تحويل الرداء بل يدعى بذلك في خطبة الجمعة أو في أعقاب الصلاة وفي هذا تعقب على من قال من الشافعية إنه ليس قول الدعاء المذكور في أثناء خطبة الاستسقاء لأنه لم ترد به السنة

قوله باب ما قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحول رداءه الخ إنما عبر عنه بلفظ قيل مع صحة الخبر لأن الذي قال في الحديث ولم يذكر أنه حول رداءه يحتمل أن يكون هو الراوي عن أنس أو من دونه فلأجل هذا التردد لم يجزم بالحكم وأيضا فسكوت الراوي عن ذلك لا يقتضى نفى الوقوع وأما تقييده بقوله يوم الجمعة فليبين أن قوله فيما مضى باب تحويل الرداء في الاستسقاء أي الذي يقام في المصلى وهذا السياق الذي أورده المصنف لهذا الحديث في هذا الباب مختصر جدا وسيأتي مطولا من الوجه المذكور بعد أثنى عشر بابا وفيه يخطب على المنبر يوم الجمعة

قوله باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقى لهم لم يردهم أورد فيه الحديث المذكور من وجه آخر عن مالك أيضا قال الزين بن المنير تقدم له باب سؤال الناس الإمام إذا قحطوا والفرق بين الترجمتين أن الأولى لبيان ما على الناس أن يفعلوه إذا احتاجوا إلى الاستسقاء والثانية لبيان ما على الإمام من إجابة سؤالهم

قوله باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط قال الزين بن المنير ظاهر هذه الترجمة منع أهل الذمة من الاستبداد بالاستسقاء كذا قال ولا يظهر وجه المنع من هذا اللفظ واستشكل بعض شيوخنا مطابقة حديث بن مسعود للترجمة لأن الاستشفاع إنما وقع عقب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالقحط ثم سئل أن يدعو برفع ذلك ففعل فنظيره أن يكون إمام المسلمين هو الذي دعا على الكفار بالجدب فأجيب فجاءه الكفار يسألونه الدعاء بالسقيا انتهى ومحصله أن الترجمة أعم من الحديث ويمكن أن يقال هي مطابقة لما وردت فيه ويلحق بها بقية الصور إذ لا يظهر الفرق بين ما إذا استشفعوا بسبب دعائه أو بابتلاء الله لهم بذلك فإن الجامع بينهما ظهور الخضوع منهم والذلة للمؤمنين في التماسهم منهم الدعاء لهم وذلك من مطالب الشرع ويحتمل أن يكون ما ذكره شيخنا هو السبب في حذف المصنف جواب إذا من الترجمة ويكون التقدير في الجواب مثلا أجابهم مطلقا أو أجابهم بشرط أن يكون هو الذي دعا عليهم أو لم يجبهم إلى ذلك أصلا ولا دلالة فيما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة على مشروعية ذلك لغيره إذ الظاهر أن ذلك من خصائصه لاطلاعه على المصلحة في ذلك بخلاف من بعده من الأئمة ولعله حذف جواب إذا لوجود هذه الاحتمالات ويمكن أن يقال إذا رجا إمام المسلمين رجوعهم عن الباطل أو وجود نفع عام للمسلمين شرع دعاؤه لهم والله أعلم

[ 974 ] قوله عن مسروق قال أتيت بن مسعود سيأتي في تفسير الروم بالإسناد المذكور في أوله بينما رجل يحدث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فذكر القصة وفيها ففزعنا فأتيت بن مسعود الحديث قوله فقال إن قريشا أبطئوا سيأتي في الطريق المذكورة إنكار بن مسعود لما قاله القاص المذكور وسنذكر في تفسير سورة الدخان ما وقع لنا في تسمية القاص المذكور وأقوال العلماء في المراد بقوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين مع بقية شرح هذا الحديث ونقتصر في هذا الباب على ما يتعلق بالاستسقاء ابتداء وانتهاء قوله فدعا عليهم تقدم في أوائل الاستسقاء صفة ما دعا به عليهم وهو قوله اللهم سبعا كسبع يوسف وهو منصوب بفعل تقديره أسألك أو سلط عليهم وسيأتي في تفسير سورة يوسف بلفظ اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف وفي سورة الدخان اللهم أعنى عليهم الخ وأفاد الدمياطي أن ابتداء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بذلك كان عقب طرحهم على ظهره سلى الجزور الذي تقدمت قصته في الطهارة وكان ذلك بمكة قبل الهجرة وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بذلك بعدها بالمدينة في القنوت كما تقدم أوائل الاستسقاء من حديث أبي هريرة ولا يلزم من ذلك اتحاد هذا القصص إذ لا مانع أن يدعو بذلك عليهم مرارا والله أعلم قوله فجاءه أبو سفيان يعني الأموي والد معاوية والظاهر أن مجيئه كان قبل الهجرة لقول بن مسعود ثم عادوا فذلك قوله يوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر ولم ينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو طالب كان حاضرا ذلك فلذلك قال وأبيض يستسقى الغمام بوجهه البيت لكن سيأتي بعد هذا بقليل ما يدل على أن القصة المذكورة وقعت بالمدينة فإن لم يحمل على التعدد وإلا فهو مشكل جدا والله المستعان قوله جئت تأمر بصلة الرحم يعني والذين هلكوا بدعائك من ذوي رحمك فينبغي أن تصل رحمك بالدعاء لهم ولم يقع في هذا السياق التصريح بأنه دعا لهم وسيأتي هذا الحديث في تفسير سورة ص بلفظ فكشف عنهم ثم عادوا وفي سورة الدخان من وجه آخر بلفظ فاستسقى لهم فسقوا ونحوه في رواية أسباط المعلقة قوله بدخان مبين الآية سقط قوله الآية لغير أبي ذر وسيأتي ذكر بقية اختلاف الرواية في تفسير سورة الدخان قوله يوم نبطش البطشة الكبرى زاد الأصيلي بقية الآية قوله وزاد أسباط هو بن نصر ووهم من زعم أنه أسباط بن محمد قوله عن منصور يعني بإسناده المذكور قبله إلى بن مسعود وقد وصله الجوزقي والبيهقي من رواية على بن ثابت عن أسباط بن نصر عن منصور وهو بن المعتمر عن أبي الضحى عن مسروق عن بن مسعود قال لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدبارا فذكر نحو الذي قبله وزاد فجاءه أبو سفيان وناس من أهل مكة فقالوا يا محمد إنك تزعم إنك بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث الحديث وقد أشاروا بقولهم بعثت رحمة إلى قوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين قوله فسقوا الناس حولهم كذا في جميع الروايات في الصحيح بضم السين والقاف وهو على لغة بني الحارث وفي رواية البيهقي المذكورة فأسقى الناس حولهم وزاد بعد هذا فقال يعني بن مسعود لقد مرت آية الدخان وهو الجوع الخ وقد تعقب الداودي وغيره هذه الزيادة ونسبوا أسباط بن نصر إلى الغلط في قوله وشكا الناس كثرة المطر الخ وزعموا أنه أدخل حديثا في حديث وأن الحديث الذي فيه شكوى كثرة المطر وقوله اللهم حوالينا ولا علينا لم يكن في قصة قريش وإنما هو في القصة التي رواها أنس وليس هذا التعقب عندي بجيد إذ لا مانع أن يقع ذلك مرتين والدليل على أن أسباط بن نصر لم يغلط ما سيأتي في تفسير الدخان من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى في هذا الحديث فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت قال لمضر إنك لجرئ فاستسقى فسقوا أه والقائل فقيل يظهر لي أنه أبو سفيان لما ثبت في كثير من طرق هذا الحديث في الصحيحين فجاءه أبو سفيان ثم وجدت في الدلائل للبيهقى من طريق شبابة عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم عن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط عن كعب بن مرة أو مرة بن كعب قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتاه أبو سفيان فقال أدع الله لقومك فإنهم قد هلكوا ورواه أحمد وابن ماجة من رواية الأعمش عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد عن كعب بن مرة ولم يشك فأبهم أبا سفيان قال جاءه رجل فقال استسق الله لمضر فقال انك لجرئ ألمضر قال يا رسول الله استنصرت الله فنصرك ودعوت الله فأجابك فرفع يديه فقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار قال فأجيبوا فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر فقالوا قد تهدمت البيوت فرفع يديه وقال اللهم حوالينا ولا علينا فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا فظهر بذلك أن هذا الرجل المبهم المقول له إنك لجرئ هو أبو سفيان لكن يظهر لي أن فاعل قال يا رسول الله استنصرت الله الخ هو كعب بن مرة راوي هذا الخبر لما أخرجه أحمد أيضا والحاكم من طريق شعبة أيضا عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد إلى كعب قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتيته فقلت يا رسول الله إن الله قد نصرك وأعطاك واستجاب لك وإن قومك قد هلكوا الحديث فعلى هذا كأن أبا سفيان وكعبا حضرا جميعا فكلمه أبو سفيان بشيء وكعب بشيء فدل ذلك على اتحاد قصتهما وقد ثبت في هذه ما ثبت في تلك من قوله انك لجرئ ومن قوله فقال اللهم حوالينا ولا علينا وغير ذلك وظهر بذلك أن أسباط بن نصر لم يغلط في الزيادة المذكورة ولم ينتقل من حديث إلى حديث وسياق كعب بن مرة يشعر بأن ذلك وقع في المدينة بقوله استنصرت الله فنصرك لأن كلا منهما كان بالمدينة بعد الهجرة لكن لا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصة مع قصة أنس بل قصة أنس واقعة أخرى لأن في رواية أنس فلم يزل على المنبر حتى مطروا وفي هذه فما كان الا جمعة أو نحوها حتى مطروا والسائل في هذه القصة غير السائل في تلك فهما قصتان وقع في كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء ثم طلب الدعاء بالاستصحاء وإن ثبت أن كعب بن مرة أسلم قبل الهجرة حمل قوله استنصرت الله فنصرك على النصر بإجابة دعائه عليهم وزال الاشكال المتقدم والله أعلم وإني ليكثر تعجبى من كثرة إقدام الدمياطي على تغليط ما في الصحيح بمجرد التوهم مع إمكان التصويب بمزيد التامل والتنقيب عن الطرق وجميع ما ورد في الباب من اختلاف الألفاظ فلله الحمد على ما علم وأنعم

قوله باب الدعاء إذا كثر المطر حوالينا ولا علينا كان التقدير أن يقول حوالينا وتكلف له الكرماني إعرابا آخر وأورد فيه حديث أنس من طريق ثابت عنه وقد تقدم الكلام عليه مستوفى وإنما أختار لهذه الترجمة رواية ثابت لقوله فيها وما تمطر بالمدينة قطرة لأن ذلك أبلغ في انكشاف المطر وهذه اللفظة لم تقع إلا في هذه الرواية وقوله

[ 975 ] فيها وانكشطت كذا للأكثر ولكريمة فكشطت على البناء للمجهول

قوله باب الدعاء في الاستسقاء قائما أي في الخطبة وغيرها قال بن بطال الحكمة فيه كونه حال خشوع وإنابة فيناسبه القيام وقال غيره القيام شعار الاعتناء والاهتمام والدعاء أهم أعمال الاستسقاء فناسبه القيام ويحتمل أن يكون قام ليراه الناس فيقتدوا بما يصنع قوله وقال لنا أبو نعيم قال الكرماني تبعا لغيره الفرق بين قال لنا وحدثنا أن القول يستعمل فيما يسمع من الشيخ في مقام المذاكرة والتحديث فيما يسمع في مقام التحمل أه لكن ليس استعمال البخاري لذلك منحصرا في المذاكرة فإنه يستعمله فيما يكون ظاهره الوقف وفيما يصلح للمتابعات لتخلص صيغة التحديث لما وضع الكتاب لأجله من الأصول المرفوعة والدليل على ذلك وجود كثير من الأحاديث التي عبر فيها في الجامع بصيغة القول معبرا فيها بصيغة التحديث في تصانيفه الخارجة عن الجامع قوله عن زهير هو بن معاوية أبو خيثمة الجعفي وأبو إسحاق هو السبيعي قوله خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري يعني إلى الصحراء يستسقى وذلك حيث كان أميرا على الكوفة من جهة عبد الله بن الزبير في سنة أربع وستين قبل غلبة المختار بن أبي عبيد عليها ذكر ذلك بن سعد وغيره وقد روى هذا الحديث قبيصة عن الثوري عن أبي أسحق قال بعث بن الزبير إلى عبد الله بن يزيد الخطمي أن استسق بالناس فخرج وخرج الناس معه وفيهم زيد بن أرقم والبراء بن عازب أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه وخالفه عبد الرزاق عن الثوري فقال فيه أن بن الزبير خرج يستسقى بالناس الحديث وقوله إن بن الزبير هو الذي فعل ذلك وهم وإنما الذي فعله هو عبد الله بن يزيد بأمر بن الزبير وقد وافق قبيصة عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري على ذلك

[ 976 ] قوله فقام بهم في رواية أبي الوقت وأبي ذر لهم قوله فاستسقى في رواية أبي الوقت فاستغفر فائدة أورد الحميدي في الجمع هذا الحديث فيما انفرد به البخاري ووهم في ذلك وسببه أن رواية مسلم وقعت في المغازي ضمن حديث لزيد بن أرقم قوله ثم صلى ركعتين ظاهره أنه أخر الصلاة عن الخطبة وصرح بذلك الثوري في رواية وخالفه شعبة فقال في روايته عن أبى إسحاق ان عبد الله بن يزيد خرج يستسقى بالناس فصلى ركعتين ثم استسقى أخرجه مسلم وقد تقدم في أوائل الاستسقاء ذكر الاختلاف في ذلك وأن الجمهور ذهبوا إلى تقديم الصلاة وممن أختار تقديم الخطبة بن المنذر وصرح الشيخ أبو حامد وغيره بأن هذا الخلاف في الاستحباب لا في الجواز قوله ولم يؤذن ولم يقم قال بن بطال اجمعوا على أن لا أذان ولا إقامة للاستسقاء والله أعلم قوله قال أبو إسحاق ورأى عبد الله بن يزيد النبي صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر وللحموى وحده وروى عبد الله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدته كذلك في نسخة الصغاني فإن كانت روايته محفوظة احتمل أن يكون المراد أنه روى هذا الحديث بعينه والأظهر أن مراده أنه روي في الجملة فيوافق قوله رأى لأن كلا منهما يثبت له الصحبة أما سماع هذا الحديث فلا وقوله قال أبو إسحاق هو موصول وقد رواه الإسماعيلي من رواية أحمد بن يونس وعلى بن الجعدي عن زهير وصرحا باتصاله إلى أبي إسحاق وكأن السر في إيراد هذا الموقوف هنا كونه يفسر المراد بقوله في الرواية المرفوعة بعده فدعا الله قائما أي كان على رجليه لا على المنبر والله أعلم

قوله باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء أي في صلاتها ونقل بن بطال أيضا الإجماع عليه قوله ثم صلى ركعتين يجهر في رواية كريمة والأصيلي جهر بلفظ الماضي

قوله باب كيف حول النبي صلى الله عليه وسلم ظهره إلى الناس أورد فيه الحديث المذكور وفيه فحول إلى الناس ظهره وقد استشكل لأن الترجمة لكيفية التحويل والحديث دال على وقوع التحويل فقط وأجاب الكرماني بأن معناه حوله حال كونه داعيا وحمل الزين بن المنير قوله كيف على الاستفهام فقال لما كان التحويل المذكور لم يتبين كونه من ناحية اليمين أو اليسار أحتاج إلى الاستفهام عنه أه والظاهر أنه لما لم يتبين من الخبر ذلك كأنه يقول هو على التخيير لكن المستفاد من خارج أنه ألتفت بجانبه الأيمن لما ثبت أنه كان يعجبه التيمن في شأنه كله ثم إن محل هذا التحويل بعد فراغ الموعظة وإرادة الدعاء

[ 979 ] قوله ثم حول رداءه ظاهره أن الاستقبال وقع سابقا لتحويل الرداء وهو ظاهر كلام الشافعي ووقع في كلام كثير من الشافعية أنه يحوله حال الاستقبال والفرق بين تحويل الظهر والاستقبال أنه في ابتداء التحويل وأوسطه يكون منحرفا حتى يبلغ الانحراف غايته فيصير مستقبلا

قوله باب صلاة الاستسقاء ركعتين هو مجرور على البدل من صلاة المجرور بالإضافة والتقدير صلاة ركعتين في الاستسقاء أو هو عطف بيان أو منصوب بمقدر وقد تقدم حديث الباب في باب تحويل الرداء وقوله

[ 980 ] فيه عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي الوقت سمع النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب الاستسقاء في المصلى هذه الترجمة أخص من الترجمة المتقدمة أول الأبواب وهي باب الخروج إلى الاستسقاء لأنه أعم من أن يكون إلى المصلى ووقع في رواية هذا الباب تعيين الخروج إلى الاستسقاء إلى المصلى بخلاف تلك فناسب كل رواية ترجمتها

[ 981 ] قوله قال سفيان هو بن عيينة وهو متصل بالإسناد الأول ووهم من زعم أنه معلق كالمزى حيث علم على المسعودي في التهذيب علامة التعليق فإنه عند بن ماجة من وجه آخر عن سفيان عن المسعودي وكذا قول بن القطان لا ندري عمن أخذه البخاري قال ولهذا لا يعد أحد المسعودي في رجاله وقد تعقبة بن المواق بأن الظاهر أنه أخذه عن عبد الله بن محمد شيخه فيه ولا يلزم من كونهم لم يعدوا المسعودي في رجاله أن لا يكون وصل هذا الموضع عنه لأنه لم يقصد الرواية عنه وإنما ذكر الزيادة التي زادها استطرادا وهو كما قال قوله عن أبي بكر يعني بن محمد بن عمرو بن حزم بإسناده وهو عن عباد بن تميم عن عمه وزعم بن القطان أيضا أنه لا يدري عمن أخذ أبو بكر هذه الزيادة أه وقد بين ذلك ما أخرجه بن ماجة وابن خزيمة من طريق سفيان بن عيينة وفيه بيان كون أبي بكر رواها عن عباد بن تميم عن عمه وكذا أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان بن عيينة مبينا قال بن بطال حديث أبي بكر يدل على أن الصلاة قبل الخطبة لأنه ذكر أنه صلى قبل قلب ردائه قال وهو أضبط للقصة من ولده عبد الله بن أبي بكر حيث ذكر الخطبة قبل الصلاة

قوله باب استقبال القبلة في الاستسقاء أي في أثناء الخطبة التي تقع من أجله في المصلى

[ 982 ] قوله حدثنا محمد بين أبو ذر في روايته أنه بن سلام قوله حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي قوله خرج إلى المصلى يصلي في رواية المستملى يدعو قوله وأنه لما دعا أو أراد أن يدعو الشك من الراوي ويحتمل أنه يحيى بن سعيد فقد رواه السراج من طريق يحيى بن أيوب عنه بالشك أيضا ورواه مسلم من رواية سليمان بن بلال عنه فلم يشك كما تقدم في باب تحويل الرداء وكأنه كان يشك فيه تارة ويجزم به أخرى وتقدم الكلام على بقية فوائده هناك قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله عبد الله بن زيد هذا مازني يعني راوي حديث الاستسقاء والأول كوفي وهو بن يزيد كذا وقعت هذه الزيادة في رواية الكشميهني وحده هنا وأليق المواضع بها باب الدعاء في الاستسقاء قائما فإن فيه عن عبد الله بن يزيد حديثا وعن عبد الله بن زيد حديثا فيحسن بيان تغايرهما حيث ذكرا جميعا وأما هذا الباب فليس فيه لعبد الله بن يزيد ذكر ولعل هذا من تصرف الكشميهني وكأنه رآه في ورقة مفردة فكتبه في هذا الموضع احتياطا ويمكن أن يكون قوله والأول أي الذي مضى في باب الدعاء في الاستسقاء هو بن يزيد بزيادة الياء في أول اسم أبيه

قوله باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء تضمنت هذه الترجمة الرد على من زعم أنه يكتفى بدعاء الإمام في الاستسقاء وقد أشرنا إليه قريبا

[ 983 ] قوله وقال أيوب بن سليمان أي بن بلال وهو من شيوخ البخاري إلا أنه ذكر هذه الطريق عنه بصيغة التعليق وقد وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق أبي إسماعيل الترمذي عن أيوب وقد تقدم الكلام على بقية المتن في باب تحويل الرداء قوله فأتى الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بشق المسافر كذا للأكثر بفتح الموحدة وكسر المعجمة بعدها قاف واختلف في معناه فوقع في البخاري بشق أي مل وحكى الخطابي أنه وقع فيه بشق اشتد أي اشتد عليه الضرر وقال الخطابي بشق ليس بشيء وإنما هو لثق يعني بلام ومثلثة بدل الموحدة والشين يقال لثق الطريق أي صار ذا وحل ولثق الثوب إذا أصابه ندى المطر قلت وهو رواية أبي إسماعيل التي ذكرناها قال الخطابي ويحتمل أن يكون مشق بالميم بدل الموحدة أي صارت الطريق زلقة ومنه مشق الخط والميم والباء متقاربتان وقال بن بطال لم أجد لبشق في اللغة معنى وفي نوادر اللحيانى نشق بالنون أي نشب انتهى وفي النون والقاف من مجمل اللغة لابن فارس وكذا في الصحاح نشق الظبي في الحبالة أي علق فيها ورجل نشق إذا كان ممن يدخل في أمور لا يتخلص منها ومقتضى كلام هؤلاء أن الذي وقع في رواية البخاري تصحيف وليس كذلك بل له وجه في اللغة لا كما قالوا ففي المنضد لكراع بشق بفتح الموحدة تأخر ولم يتقدم فعلى هذا فمعنى بشق هنا ضعف عن السفر وعجز عنه كضعف الباشق وعجزه عن الصيد لأنه ينفر الصيد ولا يصيد وقال أبو موسى في ذيل الغريبين الباشق طائر معروف فلو اشتق منه فعل فقيل بشق لما أمتنع قال ويقال بشق الثوب وبشكه قطعه في خفة فعلى هذا يكون معنى بشق أي قطع به من السير انتهى كلامه وأما ما وقع في بعض الروايات بثق بموحدة ومثلثة فلم أره في شيء مما اتصل بنا وهو تصحيف فإن البثق الانفجار ولا معنى له هنا قوله وقال الأويسي هو عبد العزيز بن عبد الله ومحمد بن جعفر هو بن أبي كثير المدني أخو إسماعيل وهذا التعليق ثبت هنا للمستملي وثبت لأبي الوقت وكريمة في آخر الباب الذي بعده وسقط للباقين رأسا لأنه مذكور عند الجميع في كتاب الدعوات وقد وصله أبو نعيم في المستخرج كما سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى

قوله باب رفع الإمام يده في الاستسقاء ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والمستملى قال بن رشيد مقصوده بتكرير رفع الإمام يده وإن كانت الترجمة التي قبلها تضمنته لتفيد فائدة زائدة وهي أنه لم يكن يفعل ذلك إلا في الاستسقاء قال ويحتمل أن يكون قصد التنصيص بالقصد الأول على رفع الإمام يده كما قصد التنصيص في الترجمة الأولى بالقصد الأول على رفع الناس وإن اندرج معه رفع الإمام قال ويجوز أن يكون قصد بهذه كيفية رفع الإمام يده لقوله حتى يرى بياض إبطيه انتهى وقال الزين بن المنير ما محصله لا تكرار في هاتين الترجمتين لأن الأولى لبيان اتباع المأمومين الإمام في رفع اليدين والثانية لإثبات رفع اليدين للأمام في الاستسقاء

[ 984 ] قوله عن سعيد هو بن أبي عروبة قوله عن قتادة عن أنس في رواية يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم كما سيأتي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله إلا في الاستسقاء ظاهره نفى الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء وقد تقدم أنها كثيرة وقد أفردها المصنف بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى وحمل حديث أنس علىنفى رؤيته وذلك لا يستلزم نفى رؤية غيره وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة إما الرفع البليغ فيدل عليه قوله حتى يرى بياض إبطيه ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه وأما صفة اليدين في ذلك فلما رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء ولأبي داود من حديث أنس أيضا كان يستسقى هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه قال النووي قال العلماء السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهور كفيه إلى السماء وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء انتهى وقال غيره الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهرا لبطن كما قيل في تحويل الرداء أو هو إشارة إلى صفة المسئول وهو نزول السحاب إلى الأرض

قوله باب ما يقال يحتمل أن تكون ما موصولة أو موصوفة أو استفهامية قوله إذا مطرت كذا لأبي ذر من الثلاثى وللباقين أمطرت من الرباعي وهما بمعنى عند الجمهور وقيل يقال مطر في الخير وأمطر في الشر قوله وقال بن عباس كصيب المطر وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عنه بذلك وهو قول الجمهور وقال بعضهم الصيب السحاب ولعله أطلق ذلك مجازا قال بن المنير مناسبة أثر بن عباس لحديث عائشة لما وقع في حديث الباب المرفوع قوله صيبا قدم المصنف تفسيره في الترجمة وهذا يقع له كثيرا وقال أخوه الزين وجه المناسبة أن الصيب لما جرى ذكره في القرآن قرن بأحوال مكروهة ولما ذكر في الحديث وصف بالنفع فأراد أن يبين بقول بن عباس أنه المطر وأنه ينقسم إلى نافع وضار قوله وقال غيره صاب وأصاب يصوب كذا وقع في جميع الروايات وقد استشكل من حيث أن يصوب مضارع صاب وأما أصاب فمضارعه يصيب قال أبو عبيدة الصيب تقديره من الفعل سيد وهو من صاب يصوب فلعله كان في الأصل وانصاب كما حكاه صاحب المحكم فسقطت النون كما سقطت ينصاب بعد يصوب أو المراد ما حكاه صاحب الأفعال صاب المطر يصوب إذا نزل فأصاب الأرض فوقع فيه تقديم وتأخير

[ 985 ] قوله حدثنا محمد هو بن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك وعبيد الله هو بن عمر العمري ونافع مولى بن عمر والقاسم بن محمد أي بن أبي بكر الصديق وقد سمع نافع من عائشة ونزل في هذه الرواية عنها وكذا سمع عبيد الله من القاسم ونزل في هذه الرواية عنه مع أن معمرا قد رواه عن عبيد الله بن عمر عن القاسم نفسه بإسقاط نافع من السند أخرجه عبد الرزاق عنه قوله اللهم صيبا نافعا كذا في رواية المستملى وسقط اللهم لغيرهما وصيبا منصوب بفعل مقدر أي اجعله ونافعا صفة للصيب وكأنه احترز بها عن الصيب الضار وهذا الحديث من هذا الوجه مختصر وقد أخرجه مسلم من رواية عطاء عن عائشة تاما ولفظه كان إذا كان يوم ريح عرف ذلك في وجهه ويقول إذا رأى المطر رحمة وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق شريح بن هانئ عن عائشة أوضح منه ولفظه كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل فإن كشف حمد الله فإن أمطرت قال اللهم صيبا نافعا وسيأتي للمصنف في أوائل بدء الخلق من رواية عطاء أيضا عن عائشة مقتصرا على معنى الشق الأول وفيه أقبل وأدبر وتغير وجهه وفيه وما أدري لعله كما قال قوم عاد هذا عارض الآية وعرف برواية شريح أن الدعاء المذكور يستحب بعد نزول المطر للازدياد من الخير والبركة مقيدا بدفع ما يحذر من ضرر قوله تابعه القاسم بن يحيى أي بن عطاء بن مقدم المقدمي عن عبيد الله بن عمر المذكور بإسناده ولم أقف على هذه الرواية موصولة وقد أخرج البخاري في التوحيد عن مقدم بن محمد عن عمه القاسم بن يحيى بهذا الإسناد حديثا غير هذا وزعم مغلطاي أن الدارقطني وصل هذه المتابعة في غرائب الأفراد من رواية يحيى عن عبيد الله قلت ليس ذلك مطابقا إلا إن كان نسخته سقط منها من متن البخاري لفظ القاسم بن يحيى قوله ورواه الأوزاعي وعقيل عن نافع يعني كذلك فأما رواية الأوزاعي فأخرجها النسائي في عمل يوم وليلة عن محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بهذا ولفظه هنيئا بدل نافعا ورويناها في الغيلانيات من طريق دحيم عن الوليد وشعيب هو بن إسحاق قالا حدثنا الأوزاعي حدثني نافع فذكره وكذلك وقع في رواية بن أبي العشرين عن الأوزاعي حدثني نافع أخرجه بن ماجة وزال بهذا ما كان يخشى من تدليس الوليد وتسويته وقد اختلف فيه على الأوزاعي اختلافا كثيرا ذكره الدارقطني في العلل وأرجحها هذه الرواية ويستفاد من رواية دحيم صحة سماع الأوزاعي عن نافع خلافا لمن نفاه وأما رواية عقيل فذكرها الدارقطني أيضا قال الكرماني قال أولا تابعه القاسم ثم قال ورواه الأوزاعي فكان تغير الاسلوب لإفادة العموم في الثاني لأن الرواية أعم من أن تكون على سبيل المتابعة أم لا فيحتمل أن يكونا روياه عن نافع كما رواه عبيد الله ويحتمل أن يكونا روياه على صفة أخرى انتهى وما أدرى لم ترك احتمال أنه صنع ذلك للتفنن في العبارة مع أنه الواقع في نفس الأمر لما بينا من أن رواية الجميع متفقة لأن الخلاف الذي ذكره الدارقطني إنما يرجع إلى إدخال واسطة بين الأوزاعي ونافع أو لا والبخاري قد قيد رواية الأوزاعي بكونها عن نافع والرواة لم يختلفوا في أن نافعا رواه عن القاسم عن عائشة فظهر بهذا كونها متابعة لا مخالفة وكذلك رواية عقيل لكن لما كانت متابعة القاسم أقرب من متابعتهما لأنه تابع في عبيد الله وهما تابعا في شيخه حسن أن يفردها منهما ولما أفردها تفنن في العبارة

قوله باب من تمطر بتشديد الطاء أي تعرض لوقوع المطر وتفعل يأتي لمعان أليقها هنا أنه بمعنى مواصلة العمل في مهملة نحو تفكر ولعله أشار إلى ما أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال حسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر وقال لأنه حديث عهد بربه قال العلماء معناه قريب العهد بتكوين ربه وكأن المصنف أراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته صلى الله عليه وسلم لم يكن اتفاقا وإنما كان قصدا فلذلك ترجم بقوله من تمطر أي قصد نزول المطر عليه لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم وقد مضى الكلام على حديث أنس مستوفى في باب تحويل الرداء

قوله باب إذا هبت الريح أي ما يصنع من قول أو فعل قيل وجه دخول هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن المطلوب بالاستسقاء نزول المطر والريح في الغالب تعقبه وقد سبق قريبا التنبيه على أيضاح ما يصنع عند هبوبها ووقع في حديث عائشة الآتي في بدء الخلق ووقع عند أبي يعلى بإسناد صحيح عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هاجت ريح شديدة قال اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به وأعوذ بك من شر ما أمرت به وهذه زيادة على رواية حميد يجب قبولها لثقة رواتها وفي الباب عن عائشة عند الترمذي وعن أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وعن بن عباس عند الطبراني وعن غيرهم والتعبير في هذه الرواية في وصف الريح بالشديدة يخرج الريح الخفيفة والله أعلم وفيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا قال الزين بن المنير في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص حديث أنس الذي قبله بما سوى الصبا من جميع أنواع الريح لأن قضية نصرها له أن يكون مما يسر بها دون غيرها ويحتمل أن يكون حديث أنس على عمومه إما بأن يكون نصرها له متأخرا عن ذلك لأن ذلك وقع في غزوة الأحزاب وهو المراد بقوله تعالى فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها كما جزم به مجاهد وغيره وإما بأن يكون نصرها له بسبب إهلاك أعدائه فيخشى من هبوبها أن تهلك أحدا من عصاة أمته وهو كان بهم رءوفا رحيما صلى الله عليه وسلم وأيضا فالصبا تؤلف للسحاب وتجمعه فالمطر في الغالب يقع حينئذ وقد وقع في الخبر الماضي أنه كان إذا أمطرت سري عنه وذلك يقتضى أن تكون الصبا أيضا مما يقع التخوف عند هبوبها فيعكر ذلك على التخصيص المذكور والله أعلم

[ 988 ] قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم قوله بالصبا بفتح المهملة بعدها موحدة مقصورة يقال لها القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس وضدها الدبور وهي التي أهلكت بها قوم عاد ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول وكون الدبور أهلكت أهل الإدبار وأن الدبور أشد من الصبا لما سنذكره في قصة عاد أنها لم يخرج منها إلا قدر يسير ومع ذلك استأصلتهم قال الله تعالى فهل ترى لهم من باقية ولما علم الله رأفة نبيه صلى الله عليه وسلم بقومه رجاء أن يسلموا سلط عليهم الصبا فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين لما أصابهم بسببها من الشدة ومع ذلك فلم تهلك منهم أحدا ولم تستأصلهم ومن الرياح أيضا الجنوب والشمال فهذه الأربع تهب من الجهات الأربع وأي ريح هبت من بين جهتين منها يقال لها النكباء بفتح النون وسكون الكاف بعدها موحدة ومد وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في بدء الخق إن شاء الله تعالى

قوله باب ما قيل في الزلازل والآيات قيل لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخوف المفضى إلى الخشوع والإنابة كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك لا سيما وقد نص في الخبر على أن أكثر الزلازل من أشراط الساعة وقال الزين بن المنير وجه إدخال هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن وجود الزلزلة ونحوها يقع غالبا مع نزول المطر وقد تقدم لنزول المطر دعاء يخصه فأراد المصنف أن يبين أنه لم يثبت على شرطه في القول عند الزلازل ونحوها شيء وهل يصلي عند وجودها حكى بن المنذر فيه الاختلاف وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث عن على وصح ذلك عن بن عباس أخرجه عبد الرزاق وغيره وروى بن حبان في صحيحه من طريق عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعا صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات ثم أورد المصنف في هذا الباب حديثين أحدهما حديث أبي هريرة من طريق أبي الزناد عن عبد الرحمن وهو بن هرمز الأعرج عنه مرفوعا لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الفتن فإنه أخرج هذا الحديث هناك مطولا وذكر منه قطعا هنا وفي الزكاة وفي الرقاق واختلف في

[ 989 ] قوله يتقارب الزمان فقيل على ظاهره فلا يظهر التفاوت في الليل والنهار بالقصر والطول وقيل المراد قرب يوم القيامة وقيل تذهب البركة فيذهب اليوم والليلة بسرعة وقيل المراد يتقارب أهل ذلك الزمان في الشر وعدم الخير وقيل تتقارب صدور الدول وتطول مدة أحد لكثرة الفتن وقال النووي في شرح قوله حتى يقترب الزمان معناه حتى تقرب القيامة ووهاه الكرماني وقال هو من تحصيل الحاصل وليس كما قال بل معناه قرب الزمان العام من الزمان الخاص وهو يوم القيامة وعند قربه يقع ما ذكر من الأمور المنكرة الحديث الثاني حديث بن عمر اللهم بارك لنا في شامنا الحديث وفيه قالوا وفي نجدنا قال هناك الزلازل والفتن هكذا وقع في هذه الروايات التي اتصلت لنا بصورة الموقوف عن بن عمر قال اللهم بارك لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقال القابسي سقط ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من النسخة ولا بد منه لأن مثله لا يقال بالرأي انتهى وهو من رواية الحسين بن الحسن البصري من آل مالك بن يسار عن عبد الله بن عون عن نافع ورواه أزهر السمان عن بن عون مصرحا فيه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في كتاب الفتن ويأتي الكلام عليه أيضا هناك ونذكر فيه من وافق أزهر على التصريح برفعه إن شاء الله تعالى وقوله

[ 990 ] فيه قالوا وفي نجدنا قائل ذلك بعض من حضر من الصحابة كما في الحديث الآخر عند الدعاء للمحلقين قالوا والمقصرين

قوله باب قوله الله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال بن عباس شكركم يحتمل أن يكون مراده أن بن عباس قرأها كذلك ويشهد له ما رواه سعيد بن منصور عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس أنه كان يقرأ وتجعلون شكركم أنكم تكذبون وهذا إسناد صحيح ومن هذا الوجه أخرجه بن مردويه في التفسير المسند وروى مسلم من طريق أبي زميل عن بن عباس قال مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديث زيد بن خالد في الباب وفي آخره فأنزلت هذه الآية فلا أقسم بمواقع النجوم إلى قوله تكذبون وعرف بهذا مناسبة الترجمة وأثر بن عباس لحديث زيد بن خالد وقد روى نحو أثر بن عباس المعلق مرفوعا من حديث على لكن سياقه يدل على القراءة أخرجه عبد بن حميد من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن على مرفوعا وتجعلون رزقكم قال تجعلون شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وقد قيل في القراءة المشهورة حذف تقديره وتجعلون شكر رزقكم وقال الطبري المعنى وتجعلون الرزق الذي وجب عليكم به الشكر تكذيبكم به وقيل بل الرزق بمعنى الشكر في لغة أزد شنوءة نقله الطبري عن الهيثم بن عدي

[ 991 ] قوله عن زيد بن خالد الجهني هكذا يقول صالح بن كيسان لم يختلف عليه في ذلك وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيدلله فقال عن أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين لأن عبيد الله سمع من زيد بن خالد وأبي هريرة جميعا عدة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة إذا زنت فلعله سمع هذا منهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما كما سنشير إليه وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عن أبي عوانة وروى صالح عن عبيد الله بواسطة الزهري عدة أحاديث منها حديث بن عباس في شاة ميمونة كما تقدم في الطهارة وحديثه عنه في قصة هرقل كما تقدم في بدء الوحي قوله صلى لنا أي لأجلنا أو اللام بمعنى الباء أي صلى بنا وفيه جواز إطلاق ذلك مجازا وإنما الصلاة لله تعالى قوله بالحديبية بالمهملة والتصغير وتخفف ياؤها وتثقل يقال سميت بشجرة حدباء هناك قوله على إثر بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشيء قوله سماء أي مطر وأطلق عليه سماء لكونه ينزل من جهة السماء وكل جهة علو تسمى سماء قوله كانت من الليل كذا للأكثر وللمستملى والحموي من الليلة بالإفراد قوله فلما انصرف أي من صلاته أو من مكانه قوله هل تدرون لفظ استفهام معناه التنبيه ووقع في رواية سفيان عن صالح عند النسائي ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة وهذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله بلا واسطة أو بواسطة قوله أصبح من عبادي هذه إضافة عموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان فإنها إضافة تشريف قوله مؤمن بي وكافر يحتمل أن يكون المراد بالكفر هنا كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان ولأحمد من رواية نصر بن عاصم الليثي عن معاوية الليثي مرفوعا يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقا من السماء من رزقه فيصبحون مشركين يقولون مطرنا بنوء كذا ويحتمل أن يكون المراد به كفر النعمة ويرشد إليه قوله في رواية معمر عن صالح عن سفيان فأما من حمدني على سقياى وأثنى على فذلك آمن بي وفي رواية سفيان عند النسائي والإسماعيلى نحوه وقال في آخره وكفر بي أو قال كفر نعمتي وفي رواية أبي هريرة عند مسلم قال الله ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم كافرين بها وله في حديث بن عباس أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر وعلى الأول حمله كثير من أهل العلم وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي قال في الأم من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرا وغيره من الكلام أحب إلى منه يعني حسما للمادة وعلى ذلك يحمل إطلاق الحديث وحكى بن قتيبة في كتاب الأنواء أن العرب كانت في ذلك على مذهبين على نحو ما ذكره الشافعي قال ومعنى النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر قال وهو مأخوذ من ناء إذا سقط وقال آخرون بل النوء طلوع نجم منها وهو مأخوذ من ناء إذا نهض ولا تخالف بين القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في المشرق وقع حال طلوعه آخر في المغرب لا يزال ذلك مستمرا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرون بانتهاء السنة فإن لكل واحد منها ثلاثة عشر يوما تقريبا قال وكانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامته فأبطل الشرع قولهم وجعله كفرا فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعا في ذلك فكفره كفر تشريك وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة فيحمل الكفر فيه على المعنيين لتناول الأمرين والله أعلم ولا يرد الساكت لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر وعلى هذا فالقول في قوله فأما من قال لما هو أعم من النطق والاعتقاد كما أن الكفر فيه لما هو أعم من كفر الشرك وكفر النعمة والله أعلم بالصواب قوله مطرنا بنوء كذا وكذا في حديث أبي سعيد عند النسائي مطرنا بنوء المجدح بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها مهملة ويقال بضم أوله هو الدبران بفتح المهملة والموحدة بعدها وقيل سمي بذلك لاستدباره الثريا وهو نجم أحمر صغير منير قال بن قتيبة كل النجوم المذكورة له نوء غير أن بعضها أحمر وأغزر من بعض ونوء الدبران غير محمود عندهم انتهى وكأن ذلك ورد في الحديث تنبيها على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودا أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة وفي مغازي الواقدي أن الذي قال في ذلك الوقت مطرنا بنوء الشعرى هو عبد الله بن أبي المعروف بابن سلول أخرجه من حديث أبي قتادة وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم طرح الإمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة النظر ويستنبط منه أن للولي المتمكن من النظر في الإشارة أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى كذا قرأت بخط بعض شيوخنا وكأنه أخذه من استنطاق النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عما قال ربهم وحمل الاستفهام فيه على الحقيقة لكنهم رضي الله عنهم فهموا خلاف ذلك ولهذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إلى الله ورسوله

قوله باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله تعالى عقب الترجمة الماضية بهذه لأن تلك تضمنت أن المطر إنما ينزل بقضاء الله وأنه لا تأثير للكواكب في نزوله وقضية ذلك أنه لا يعلم أحد متى يجيء إلا هو قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس لا يعلمهن إلا الله هذا طرف من حديث وصله المؤلف في الإيمان وفي تفسير لقمان من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام لكن لفظه في خمس لا يعلمهن إلا الله ووقع في بعض الروايات في التفسير بلفظ وخمس وروى بن مردويه في التفسير من طريق يحيى بن أيوب البجلي عن جده عن أبي زرعة عن أبي هريرة رفعه خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة الآية

[ 992 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري قوله مفتاح في رواية الكشميهني مفاتح قوله وما يدري أحد متى يجيء المطر زاد الإسماعيلي إلا الله أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري وفيه رد على من زعم أن لنزول المطر وقتا معينا لا يتخلف عنه وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في تفسير لقمان إن شاء الله تعالى خاتمة اشتملت أبواب الاستسقاء من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا المعلق منها تسعة والبقية موصولة المكرر فيها وفيما مضى سبعة وعشرون حديثا والخالص ثلاثة عشر وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث بن عمر الذي فيه شعر أبي طالب وحديث أنس عن عمر في الاستسقاء بالعباس وحديث عبد الله بن زيد في الاستسقاء على رجليه وحديث عبد الله بن زيد في صفة تحويل الرداء وإن كان أخرج أصله وحديث عائشة في قوله صيبا نافعا وأصله أيضا فيه وحديث أنس كان إذا هبت الريح الشديدة وسيأتي بيان ما انفرد به من حديث أبي هريرة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وفه من الآثار عن الصحابة وغيرهم أثران والله أعلم