كتاب الكسوف
 بسم الله الرحمن الرحيم

أبواب الكسوف ثبتت البسملة في رواية كريمة والترجمة في رواية المستملى وفي بعض النسخ كتاب بدل أبواب والكسوف لغة التغير إلى سواد ومنه كسف وجهه وحاله وكسفت الشمس اسودت وذهب شعاعها واختلف في الكسوف هل هما مترادفان أو لا كما سيأتي قريبا

قوله باب الصلاة في كسوف الشمس أي مشروعيتها وهو أمر متفق عليه لكن اختلف في الحكم وفي الصفة فالجمهور على أنها سنة مؤكدة وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها ولم أره لغيره إلا ما حكى عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها وكذا نقل بعض مصطفى الحنفية أنها واجبة وسيأتي الكلام على الصفة قريبا قوله حدثنا خالد هو بن عبد الله الطحان ويونس هو بن عبيد والإسناد كله بصريون وترجمة الحسن عن أبي بكرة متصلة عند البخاري منقطعة عند أبي حاتم والدارقطني وسيأتي التصريح بالأخبار فيه بعد أربعة أبواب وهو يؤيد صنيع البخاري قوله فانكسفت يقال كسفت الشمس بفتح الكاف وانكسفت بمعنى وأنكر القزاز انكسفت وكذا الجوهري حيث نسبه للعامة والحديث يرد عليه وحكى كسفت بضم الكاف وهو نادر قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه زاد في اللباس من وجه آخر عن يونس مستعجلا وللنسائي من رواية يزيد بن زريع عن يونس من العجلة ولمسلم من حديث أسماء كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع فاخطأ بدرع حتى أدرك بردائه يعني أنه أراد لبس ردائه فلبس الدرع من شغل خاطره بذلك واستدل به على أن جر الثوب لا يذم إلا ممن قصد به الخيلاء ووقع في حديث أبي موسى بيان السبب في الفزع كما سيأتي

[ 993 ] قوله فصلى بنا ركعتين زاد النسائي كما تصلون واستدل به من قال أن صلاة الكسوف كصلاة النافلة وحمله بن حبان والبيهقي على أن المعنى كما تصلون في الكسوف لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة وقد كان بن عباس علمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان كما روى ذلك الشافعي وابن أبي شيبة وغيرهما ويؤيد ذلك أن في رواية عبد الوارث عن يونس الآتية في أواخر الكسوف أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله وقال فيه ان في كل ركعة ركوعين فدل ذلك على اتحاد القصة وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع والأخذ بها أولى ووقع في أكثر الطرق عن عائشة أيضا أن في كل ركعة ركوعين وعند بن خزيمة من حديثها أيضا أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام قوله حتى انجلت استدل به على إطالة الصلاة حتى يقع الانجلاء وأجاب الطحاوي بأنه قال فيه فصلوا وادعوا فدل على أنه إن سلم من الصلاة قبل الانجلاء يتشاغل بالدعاء حتى تنجلي وقرره بن دقيق العيد بأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين ولا يلزم من ذلك أن يكون غاية لكل منهما على انفراده فجاز أن يكون الدعاء ممتدا إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة فيصير غاية للمجموع ولا يلزم منه تطويل الصلاة ولا تكريرها وأما ما وقع عند النسائي من حديث النعمان بن بشير قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت فإن كان محفوظا احتمل أن يكون معنى قوله ركعتين أي ركوعين وقد وقع التعبير عن الركوع بالركعة في حديث الحسن خسف القمر وابن عباس بالبصرة فصلى ركعتين في كل ركعة ركعتان الحديث أخرجه الشافعي وأن يكون السؤال وقع بالإشارة فلا يلزم التكرار وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة أنه صلى الله عليه وسلم كان كلما ركع ركعة أرسل رجلا ينظر هل انجلت فتعين الاحتمال المذكور وإن ثبت تعدد القصة زال الإشكال أصلا قوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشمس زاد في رواية بن خزيمة فلما كشف عنا خطبنا فقال واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة كما سيأتي قوله لموت أحد في رواية عبد الوارث الآتية بيان سبب هذا القول ولفظه وذلك أن أبنا للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له إبراهيم مات فقال الناس في ذلك وفي رواية مبارك بن فضالة عند بن حبان فقال الناس إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم ولأحمد وللنسائي وابن ماجة وصححه بن خزيمة وابن حبان من رواية أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا يجر ثوبه حتى أتى المسجد فلم يزل يصلي حتى انجلت فلما انجلت قال إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك الحديث وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض وهو نحو قوله في الحديث الماضي في الاستسقاء يقولون مطرنا بنوء كذا قال الخطابي كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته وشدة الخوف من ربه وسيأتي لذلك مزيد بيان قوله فإذا رأيتموها في رواية كريمة رأيتموهما بالتثنية وسيأتي القول فيه إن شاء الله تعالى

[ 994 ] قوله حدثنا شهاب بن عباد هو العبدي الكوفي من شيوخ البخاري ومسلم ولهم شيخ آخر يقال له شهاب بن عباد العبدي لكنه بصري وهو أقدم من الكوفي يكون في طبقة شيوخ شيوخه أخرج له البخاري وحده في الأدب المفرد وإبراهيم بن حميد شيخه هو بن عبد الرحمن الرؤاسي بضم الراء بعدها همزة خفيفة وفي طبقته إبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ولم يخرجوا له وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وهذا الإسناد كله كوفيون قوله آيتان أي علامتان من آيات الله أي الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته ويؤيده قوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم يخوف الله بهما عباده في باب مفرد قوله فإذا رأيتموها أي الآية وللكشميهني رأيتموهما بالتثنية وكذا في رواية الإسماعيلي والمعنى إذا رأيتم كسوف كل منهما لاستحالة وقوع ذلك فيهما معا في حالة واحدة عادة وإن كان ذلك جائزا في القدرة الإلهية واستدل به على مشروعية الصلاة في كسوف القمر وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد إن شاء الله تعالى ووقع في رواية بن المنذر حتى ينجلي كسوف أيهما انكسف وهو أصرح في المراد وأفاد أبو عوانة أن في بعض الطرق أن ذلك كان يوم مات إبراهيم وهو كذلك في مسند الشافعي وهو يؤيد ما قدمناه من اتحاد القصة قوله فقوموا فصلوا استدل به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معين لأن الصلاة علقت برؤيته وهي ممكنة في كل وقت من النهار وبهذا قال الشافعي ومن تبعه واستثنى الحنفية أوقات الكراهة وهو مشهور مذهب أحمد وعن المالكية وقتها من وقت حل النافلة إلى الزوال وفي رواية إلى صلاة العصر ورجح الأول بأن المقصود إيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعد الانجلاء فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود ولم أقف في شيء من الطرق مع كثرتها على أنه صلى الله عليه وسلم صلاها الأضحى لكن ذلك وقع اتفاقا ولا يدل على منع ما عداه واتفقت الطرق على أنه بادر إليها

[ 995 ] قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث المصري وعبد الرحمن بن القاسم هو بن أبي بكر الصديق ونصف رجال هذا الإسناد الأعلى مدنيون ونصفه الأدنى مصريون قوله لا يخسفان بفتح أوله ويجوز الضم وحكى بن الصلاح منعه وروى بن خزيمة والبزار من طريق نافع عن بن عمر قال خسفت الشمس يوم مات إبراهيم الحديث وفيه فافزعوا إلى الصلاة وإلى ذكر الله وادعوا وتصدقوا قوله ولا لحياته استشكلت هذه الزيادة لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول لا يلزم من نفى كونه سببا للفقد أن لا يكون سببا للايجاد فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم

[ 996 ] قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو المسندي وهاشم هو أبو النضر وشيبان هو النحوي قوله يوم مات إبراهيم يعني بن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة فقيل في ربيع الأول وقيل في رمضان وقيل في ذي الحجة والأكثر على أنها وقعت في عاشر الشهر وقيل في رابعه وقيل في رابع عشره ولا يصح شيء منها على قول ذي الحجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذ ذاك بمكة في الحج وقد ثبت أنه شهد وفاته وكانت بالمدينة بلا خلاف نعم قيل إنه مات سنة تسع فإن ثبت يصح وجزم النووي بأنها كانت سنة الحديبية ويجاب بأنه كان يومئذ بالحديبية ورجع منها في آخر الشهر وفيه رد على أهل الهيئة لأنهم يزعمون أنه لا يقع في الأوقات المذكورة وقد فرض الشافعي وقوع العيد والكسوف معا واعترضه بعض من اعتمد على قول أهل الهيئة وانتدب أصحاب الشافعي لدفع قول المعترض فأصابوا قوله فإذا رأيتم أي شيئا من ذلك وفي رواية الإسماعيلي فإذا رأيتم ذلك وسيأتي من وجه آخر بعد أبواب فإذا رأيتموها تنبيه ابتدأ البخاري أبواب الكسوف بالأحاديث المطلقة في الصلاة بغير تقييد بصفة إشارة منه إلى أن ذلك يعطي أصل الامتثال وإن كان إيقاعها على الصفة المخصوصة عنده أفضل وبهذا قال أكثر العلماء ووقع لبعض الشافعية كالبندنيجى أن صلاتها ركعتين كالنافلة لا يجزئ والله أعلم

قوله باب الصدقة في الكسوف أورد فيه حديث عائشة من رواية هشام بن عروة عن أبيه أثم عنها ورده بعد باب من رواية بن شهاب عن عروة ثم بعد بابين من رواية عمرة عن عائشة وعند كل منهم ما ليس عند الآخر وورد الأمر في الأحاديث التي أوردها في الكسوف بالصلاة والصدقة والذكر والدعاء وغير ذلك وقد قدم منها الأهم فالأهم ووقع الأمر بالصدقة في رواية هشام دون غيرها فناسب أن يترجم بها ولأن الصدقة تالية للصلاة فلذلك جعلها تلو ترجمة الصلاة في الكسوف

[ 997 ] قوله خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى استدل به على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوضوء فلهذا لم يحتج إلى الوضوء في تلك الحال وفيه نظر لأن في السياق حذفا سيأتي في رواية بن شهاب خسفت الشمس فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه وفي رواية عمرة فخسفت فرجع ضحى فمر بين الحجر ثم قام يصلي وإذا ثبتت هذه الأفعال جاز أن يكون حذف أيضا فتوضأ ثم قام يصلي فلا يكون نصا في أنه كان على وضوء قوله فأطال القيام في رواية بن شهاب فاقترأ قراءة طويلة وفي أواخر الصلاة من وجه آخر عنه فقرأ بسورة طويلة وفي حديث بن عباس بعد أربعة أبواب فقرأ نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى ونحوه لأبي داود من طريق سليمان بن يسار عن عروة وزاد فيه أنه قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحوا من آل عمران قوله ثم قام فأطال القيام في رواية بن شهاب ثم قال سمع الله لمن حمده وزاد من وجه آخر عنه في أواخر الكسوف ربنا ولك الحمد واستدل به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى واستشكله بعض متأخرى الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال بدليل اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه وإن كان محمد بن مسلمة المالكي خالف فيه والجواب أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها بل كل ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعله فيها كان مشروعا لأنها أصل برأسه وبهذا المعنى رد الجمهور على من قاسها على صلاة النافلة حتى منع من زيادة الركوع فيها وقد أشار الطحاوي إلى أن قول أصحابه جرى على القياس في صلاة النوافل لكن اعترض بأن القياس مع وجود النص يضحل وبأن صلاة الكسوف أشبه بصلاة العيد ونحوها مما يجمع فيه من مطلق النوافل فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود وصلاة العيدين بزيادة التكبيرات وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة واستدبار القبلة فكذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع فالأخذ به جامع بين العمل بالنص والقياس بخلاف من لم يعمل به قوله فأطال الركوع لم أر في شيء من الطرق بيان ما قال فيه إلا أن العلماء اتفقوا على أنه لا قراءة فيه وإنما فيه الذكر من تسبيح وتكبير ونحوهما ولم يقع في هذه الرواية ذكر تطويل الاعتدال الذي يقع فيه السجود بعده ولا تطويل الجلوس بين السجدتين وسيأتي البحث فيه في باب طول السجود قوله ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى وقع ذلك مفسرا في رواية عمرة الآتية قوله ثم انصرف أي من الصلاة وقد تجلت الشمس في رواية بن شهاب انجلت الشمس قبل أن ينصرف وللنسائي ثم تشهد وسلم قوله فخطب الناس فيه مشروعية الخطبة للكسوف والعجب أن مالكا روى حديث هشام هذا وفيه التصريح بالخطبة ولم يقل به أصحابه وسيأتي البحث فيه بعد باب واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة بخلاف ما لو انجلت قبل أن يشرع في الصلاة فإنه يسقط الصلاة والخطبة فلو انجلت في أثناء الصلاة أتمها على الهيئة المذكورة عند من قال بها وسيأتي ذكر دليله وعن أصبغ يتمها على هيئة النوافل المعتادة قوله فحمد الله وأثنى عليه زاد النسائي في حديث سمرة وشهد أنه عبد الله ورسوله قوله فاذكروا الله في رواية الكشميهني فادعوا الله قوله والله ما من أحد فيه القسم لتأكيد الخبر وإن كان الثاني غير شاك فيه قوله ما من أحد أغير بالنصب على أنه الخبر وعلى أن من زائدة ويجوز فيه الرفع على لغة تميم أو أغير مخفوض صفة لأحد والخبر محذوف تقديره موجود قوله أغير أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة وهي في اللغة تغير يحصل من الحمية والأنفة وأصلها في الزوجين والأهلين وكل ذلك محال على الله تعالى قال العلامة بن باز حفظه الله المحال عليه سبحانه وتعالى وصفه بالغيرة المشابهة لغيرة المخلوق وأما الغيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى فلا يستحيل وصفه بها كما دل عليه هذا الحديث وما جاء في معناه فهو سبحانه يوصف بالغيرة عند أهل السنة على وجه لا يماثل فيه صفة المخلوقين ولايعلم كنهها وكيفيتها إلا هو سبحانه كالقول في الاستواء والنزول والرضا والغضب وغير ذلك من صفاته سبحانه والله أعلم لأنه منزه عن كل تغير ونقص فيتعين حمله على المجاز فقيل لما كانت ثمرة الغيرة صون الحريم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم أطلق عليه ذلك لكونه منع من فعل ذلك وزجر فاعله وتوعده فهو من باب تسمية الشيء بما يترتب عليه وقال بن فورك المعنى ما أحد أكثر زجرا عن الفواحش من الله وقال غيرة الله ما يغير من حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما ومنه قوله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وقال بن دقيق العيد أهل التنزيه في مثل هذا على قولين إما ساكت وإما مؤول على أن المراد بالغيرة شدة المنع والحماية فهو من مجاز الملازمة وقال الطيبي وغيره وجه أتصال هذا المعنى بما قبله من قوله فاذكروا الله الخ من جهة أنهم لما أمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء وخص منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك وقيل لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرا في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة رب الغيرة وخالقها سبحانه وتعالى وقوله يا أمة محمد فيه معنى الإشفاق كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه بقوله يا بني كذا قيل وكان قضية ذلك أن يقول يا أمتي لكن لعدوله عن المضمر إلى المظهر حكمة وكأنه بسبب كون المقام مقام تحذير وتخويف لما فى الإضافة إلى الضمير من الإشعار بالتكريم ومثله يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا الحديث وصدر صلى الله عليه وسلم كلامه باليمين لإرادة التأكيد للخبر وإن كان لا يرتاب في صدقه ولعل تخصيص العيد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله تعالى لتنزهه عن الزوجة والأهل ممن يتعلق بهم الغيرة غالبا ويؤخذ من قوله يا أمة محمد أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه قوله لو تعلمون ما أعلم أي من عظيم قدرة الله وانتقامه من أهل الاجرام وقيل معناه لو دام علمكم كما دام علمي لأن علمه متواصل بخلاف غيره وقيل معناه لو علمتم من سعة رحمة الله وحلمه وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك قوله لضحكتم قليلا قيل معنى القلة هنا العدم والتقدير لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادرا لغلبة الخوف واستيلاء الحزن وحكى بن بطال عن المهلب أن سبب ذلك ما كان عليه الأنصار من محبة اللهو والغناء وأطال في تقرير ذلك بما لا طائل فيه ولا دليل عليه ومن أين له أن المخاطب بذلك الأنصار دون غيرهم والقصة كانت في أواخر زمنه صلى الله عليه وسلم حيث امتلأت المدينة بأهل مكة ووفود العرب وقد بالغ الزين بن المنير في الرد عليه والتشنيع بما يستغنى عن حكايته وفي الحديث ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع في الترخيص لما في ذكر الرخص من ملاءمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها لا بما يزيدها واستدل به على أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها من التطويل الزائد على العادة في القيام وغيره ومن زيادة ركوع في كل ركعة وقد وافق عائشة على رواية ذلك عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو متفق عليهما ومثله عن أسماء بنت أبي بكر كما تقدم في صفة الصلاة وعن جابر عند مسلم وعن على عند أحمد وعن أبي هريرة عند النسائي وعن بن عمر عند البزار وعن أم سفيان عند الطبراني وفي رواياتهم زيادة رواها الحفاظ الثقات فالأخذ بها أولى من إلغائها وبذلك قال جمهور أهل العلم من أهل الفتيا وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى فعند مسلم من وجه آخر عن عائشة وآخر عن جابر أن في كل ركعة ثلاث ركوعات وعنده من وجه آخر عن بن عباس أن فى كل ركعة أربع ركوعات ولأبي داود من حديث أبي بن كعب والبزار من حديث على أن في كل ركعة خمس ركوعات ولا يخلو إسناد منها عن علة وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر ونقل صاحب الهدى عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح وجمع بعضهم بين هذه الأحاديث بتعدد الواقعة وأن الكسوف وقع مرارا فيكون كل من هذه الأوجه جائزا وإلى ذلك نحا إسحاق لكن لم تثبت عنده الزيادة على أربع ركوعات وقال بن خزيمة وابن المنذر والخطابى وغيرهم من الشافعية يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك وهو من الاختلاف المباح وقواه النووي في شرح مسلم وأبدى بعضهم أن حكمة الزيادة في الركوع والنقص كان بحسب سرعة الانجلاء وبطئه فحين وقع الانجلاء في أول ركوع اقتصر على مثل النافلة وحيث أبطأ زاد ركوعا وحين زاد في الابطاء زاد ثالثا وهكذا إلى غاية ما ورد في ذلك وتعقبه النووي وغيره بأن إبطاء الانجلاء وعدمه لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوى من أول الحال وأجيب باحتمال أن يكون الاعتماد على الركعة الأولى وأما الثانية فهي تبع لها فمهما اتفق وقوعه في الأولى بسبب بطء الانجلاء يقع مثله في الثانية ليساوى بينهما ومن ثم قال أصبغ كما تقدم إذا وقع الانجلاء في أثنائها يصلي الثانية كالعادة وعلى هذا فيدخل المصلي فيها على نية مطلق الصلاة ويزيد في الركوع بحسب الكسوف ولا مانع من ذلك وأجاب بعض الحنفية عن زيادة الركوع بحمله على رفع الرأس لرؤية الشمس هل انجلت أم لا فإذا لم يرها انجلت رجع إلى ركوعه ففعل ذلك مرة أو مرارا فظن بعض من رآه يفعل ذلك ركوعا زائدا وتعقب بالأحاديث الصحيحة الصريحة في أنه أطال القيام بين الركوعين ولو كان الرفع لرؤية الشمس فقط لم يحتج إلى تطويل ولا سيما الأخبار الصريحة بأنه ذكر ذلك الاعتدال ثم شرع في القراءة فكل ذلك يرد هذا الحمل ولو كان كما زعم هذا القائل لكان فيه إخراج لفعل الرسول عن العبادة المشروعة أو لزم منه اثبات هيئة في الصلاة لا عهد بها وهو ما فر منه وفي حديث عائشة من الفوائد غير ما تقدم المبادرة بالصلاة وسائر ما ذكر عند الكسوف والزجر عن كثرة الضحك والحث على كثرة البكاء والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله وفيه الرد على من زعم أن للكواكب تأثيرا في الأرض لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر فكيف بما دونهما وفيه تقديم الإمام في الموقف وتعديل الصفوف والتكبير بعد الوقوف في موضع الصلاة وبيان ما يخشى اعتقاده على غير الصواب واهتمام الصحابة بنقل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدى به فيها ومن حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيامة وصورة عقاب من لم يذنب والتنبيه على سلوك طريق الخوف مع الرجاء لوقوع الكسوف بالكوكب ثم كشف ذلك عنه ليكون المؤمن من ربه على خوف ورجاء وفي الكسوف إشارة إلى تقبيح رأى من يعبد الشمس أو القمر وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن على صلاة الكسوف لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما لما يظهر فيهما من التغيير والنقص المنزه عنه المعبود جل وعلا سبحانه وتعالى

قوله باب النداء بالصلاة جامعة هو بالنصب فيهما على الحكاية ونصب الصلاة في الأصل على الإغراء وجامعة على الحال أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة وقيل برفعهما على أن الصلاة مبتدأ وجامعة خبره ومعناه ذات جماعة وقيل جامعة صفة والخبر محذوف تقديره فاحضروها

[ 998 ] قوله حدثني إسحاق هو بن منصور على رأى الجياني أو بن راهويه على رأى أبي نعيم ويحيى بن صالح من شيوخ البخاري وربما أخرج عنه بواسطة كهذا قوله الحبشي بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة ووهم من ضبطه بضم أوله وسكون ثانيه قوله أخبرني أبو سلمة عن عبد الله في رواية حجاج الصواف عن يحيى حدثنا أبو سلمة حدثني عبد الله أخرجه بن خزيمة قوله نودي كذا فيه بلفظ البناء للمفعول وصرح الشيخان في حديث عائشة بان النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا فنادى بذلك قال بن دقيق العيد هذا الحديث حجة لمن استحب ذلك وقد اتفقوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام قوله أن الصلاة بفتح الهمزة وتخفيف النون وهي المفسرة وروى بتشديد النون والخبر محذوف تقديره أن الصلاة ذات جماعة حاضرة ويروي برفع جامعة على أنه الخبر وفي رواية الكشميهني نودي بالصلاة جامعة وفيه ما تقدم في لفظ الترجمة وعن بعض العلماء يجوز في الصلاة جامعة النصب فيهما والرفع فيهما ويجوز رفع الأول ونصب الثاني وبالعكس

قوله باب خطبة الإمام في الكسوف اختلف في الخطبة فيه فاستحبها الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث قال بن قدامة لم يبلغنا عن أحمد ذلك وقال صاحب الهداية من الحنفية ليس في الكسوف خطبة لأنه لم ينقل وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه وهي ذات كثرة والمشهور عند المالكية أن لا خطبة لها مع أن مالكا روى الحديث وفيه ذكر الخطبة وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها خطبة بخصوصها وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف والأصل مشروعية الاتباع والخصائص لا تثبت إلا بدليل وقد استضعف بن دقيق العيد التأويل المذكور وقال إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره هو من مقاصد خطبة الكسوف فينبغي التأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف نعم نازع بن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتى الجمعة والعيدين إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضى ذلك وإلى ذلك نحا بن المنير في حاشيته ورد على من أنكر أصل الخطبة لثبوت ذلك صريحا في الأحاديث وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أنه صعد المنبر ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطا ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع قوله وقالت عائشة وأسماء خطب النبي صلى الله عليه وسلم أما حديث عائشة فقد مضى قبل بباب في رواية هشام صريحا وأورد المصنف في هذا الباب حديثها من طريق بن شهاب وليس فيه التصريح بالخطبة لكنه أراد أن يبين أن الحديث واحد وأن الثناء المذكور في طريق بن شهاب كان في الخطبة وأما حديث أسماء وهي بنت أبي بكر أخت عائشة لأبيها فسيأتى الكلام عليه بعد أحد عشر بابا

[ 999 ] قوله فصف الناس بالرفع أي اصطفوا يقال صف القوم إذا صاروا صفا ويجوز النصب والفاعل محذوف والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم قوله ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك فيه إطلاق القول على الفعل فقد ذكره من هذا الوجه في الباب الذي يليه بلفظ ثم فعل قوله فافزعوا بفتح الزاي أي التجئوا وتوجهوا وفيه إشارة إلى المبادرة إلى المأمور به وأن الالتجاء إلى الله عند المخاوف بالدعاء والاستغفار سبب لمحو ما فرط من العصيان يرجى به زوال المخاوف وأن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة والآجلة نسأل الله تعالى رحمته وعفوه وغفرانه قوله إلى الصلاة أي المعهودة الخاصة وهي التي تقدم فعلها منه صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة ولم يصب من استدل به على مطلق الصلاة ويستنبط منه أن الجماعة ليست شرطا في صحتها لأن فيه إشعارا بالمبادرة إلى الصلاة والمسارعة إليها وانتظار الجماعة قد يؤدي إلى فواتها وإلى إخلاء بعض الوقت من الصلاة قوله وكان يحدث كثير بن عباس هو بتقديم الخبر على الاسم وقد وقع في مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري بلفظ وأخبرني كثير بن العباس صرح برفعه وأخرجه مسلم أيضا والنسائي من طريق عبد الرحمن بن نمر عن الزهري كذلك وساق المتن بلفظ صلى يوم كسفت الشمس أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وطوله الإسماعيلي من هذا الوجه قوله فقلت لعروة هو مقول الزهري أيضا قوله أن أخاك يعني عبد الله بن الزبير وصرح به المصنف من وجه آخر كما سيأتي في أواخر الكسوف وللاسماعيلى فقلت لعروة والله ما فعل ذلك أخوك عبد الله بن الزبير انخسفت الشمس وهو بالمدينة زمن أراد أن يسير إلى الشام فما صلى إلا مثل الصبح قوله قال أجل لأنه أخطأ السنة في رواية بن حبان فقال أجل كذلك صنع وأخطأ السنة واستدل به على أن السنة أن يصلي صلاة الكسوف في كل ركعة ركوعان وتعقب بأن عروة تابعي وعبد الله صحابي فالأخذ بفعله أولى وأجيب بأن قول عروة وهو تابعي السنة كذا وان قلنا أنه مرسل على الصحيح لكن قد ذكر عروة مستنده في ذلك وهو خبر عائشة المرفوع فانتفى عنه احتمال كونه موقوفا أو منقطعا فيرجح المرفوع على الموقوف فلذلك حكم على صنيع أخيه بالخطأ وهو أمر نسبى وإلا فما صنعه عبد الله يتأدى به أصل السنة وان كان فيه تقصير بالنسبة إلى كمال السنة ويحتمل أن يكون عبد الله أخطأ السنة عن غير قصد لأنها لم تبلغه والله أعلم

قوله باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت قال الزين بن المنير أتى بلفظ الاستفهام إشعارا منه بأنه لم يترجح عنده في ذلك شيء قلت ولعله أشار إلى ما رواه بن عيينة عن الزهري عن عروة قال لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا خسفت وهذا موقوف صحيح رواه سعيد بن منصور عنه وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عنه لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق كثيرة والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر واختاره ثعلب وذكر الجوهري أنه أفصح وقيل يتعين ذلك وحكى عياض عن بعضهم عكسه وغلطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن وكأن هذا هو السر في استشهاد المؤلف به في الترجمة وقيل يقال بهما في كل منهما وبه جاءت الأحاديث ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف لأن الكسوف التغير إلى سواد والخسوف النقصان أو الذل فإذا قيل في الشمس كسفت أو خسفت لأنه تتغير ويلحقها النقص ساغ وكذلك القمر ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان وقيل بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء وقيل بالكاف لذهاب جميع الضوء وبالخاء لبعضه وقيل بالخاء لذهاب كل اللون وبالكاف لتغيره قوله وقال الله عز وجل وخسف القمر في إيراده لهذه الآية احتمالان أحدهما أن يكون أراد أن يقال خسف القمر كما جاء في القرآن ولا يقال كسف وإذا اختص القمر بالخسوف أشعر باختصاص الشمس بالكسوف والثاني أن يكون أراد أن الذي يتفق للشمس كالذي يتفق للقمر وقد سمي في القرآن بالخاء في القمر فليكن الذي للشمس كذلك ثم ساق المؤلف حديث بن شهاب عن عروة عن عائشة بلفظ خسفت الشمس وهذا موافق لما قال عروة لكن روايات غيره بلفظ كسفت كثيرة جدا

[ 1000 ] قوله فيه ثم سجد سجودا طويلا فيه رد على من زعم أنه لا يسن تطويل السجود في الكسوف وسيأتي ذكره في باب مفرد

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يخوف الله عباده بالكسوف قاله أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي حديثه موصولا بعد سبعة أبواب ثم أورد المصنف حديث أبي بكرة من رواية حماد بن زيد عن يونس وفيه ولكن يخوف الله بهما عباده وفي رواية الكشميهني ولكن الله يخوف وقد تقدم الكلام عليه في أول الكسوف

[ 1001 ] قوله لم يذكر عبد الوارث وشعبة وخالد بن عبد الله وحماد بن سلمة عن يونس يخوف الله بهما عباده أما رواية عبد الوارث فأوردها المصنف بعد عشرة أبواب عن أبي معمر عنه وليس فيها ذلك لكنه ثبت من رواية عبد الوارث من وجه آخر أخرجه النسائي عن عمران بن موسى عن عبد الوارث وذكر فيه يخوف الله بهما عباده وقال البيهقي لم يذكره أبو معمر وذكره غيره عن عبد الوارث وأما رواية شعبة فوصلها المصنف في الباب المذكور وليس فيها ذلك وأما رواية خالد بن عبد الله فسبقت في أول الكسوف وما رواية حماد بن سلمة فوصلها الطبراني من رواية حجاج بن منهال عنه بلفظ رواية خالد ومعناه وقال فيه فإذا كسف واحد منهما فصلوا وادعوا قوله وتابعه أشعث يعني بن عبد الملك الحمراني عن الحسن يعني في حذف قوله يخوف الله بهما عباده وقد وصل النسائي هذه الطريق وابن حبان وغيرهما من طرق عن أشعث عن الحسن وليس فيها ذلك قوله وتابعه موسى عن مبارك عن الحسن قال أخبرني أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يخوف الله بهما عباده في رواية غير أبي ذر أن الله تعالى وموسى هو بن إسماعيل التبوذكي كما جزم به المزي وقال الدمياطي ومن تبعه هو بن داود الضبي والأول أرجح لأن بن إسماعيل معروف في رجال البخاري دون بن داود ولم تقع لي هذه الرواية إلى الآن من طريق واحد منهما وقد أخرجه الطبراني من رواية أبى الوليد وابن حبان من رواية هدبة وقاسم بن أصبغ من رواية سليمان بن حرب كلهم عن مبارك وساق الحديث بتمامه إلا أن رواية هدبة ليس فيها يخوف الله بهما عباده تنبيه وقع قوله تابعه أشعث في رواية كريمة عقب متابعة موسى والصواب تقديمه لما بيناه من خلو رواية أشعث من قوله يخوف الله بهما عباده قوله يخوف فيه رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادى لا يتأخر ولا يتقدم إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر وقد رد ذلك عليهم بن العربي وغير واحد من أهل العلم بما في حديث أبي موسى الآتي حيث قال فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة قالوا فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف ومما نقض بن العربي وغيره أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة وإنما يحول القمر بينها وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين فقال هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله أم كيف يظلم الكثير بالقليل ولا سيما وهو من جنسه وكيف تحجب الأرض نور الشمس وهي في زاوية منها لأنهم يزعمون أن الشمس أكبر من الأرض بتسعين ضعفا وقد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعمه أهل الهيئة وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه بن خزيمة والحاكم بلفظ أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله وان الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة وقال أنها لم تثبت فيجب تكذيب ناقلها قال ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلا من أصول الشريعة قال بن بزيزة هذا عجب منه كيف يسلم دعوى الفلاسفة ويزعم أنها لا تصادم الشريعة مع أنها مبنية على أن العالم كرى الشكل وظاهر الشرع يعطي خلاف ذلك والثابت من قواعد الشريعة أن الكسوف أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء والظلمة متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتراب والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم وهو ثابت من حيث المعنى أيضا لأن النورية والاضاءة من عالم الجمال الحسى فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته ويؤيده قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا الله ويؤيد هذا الحديث ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت وقال هي أخوف لله منا وقال بن دقيق العيد ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله يخوف الله بهما عباده وليس بشيء لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة عن ذلك وقدرته حاكمة على كل سبب فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان حقا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالى

قوله باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف قال بن المنير في الحاشية مناسبة التعوذ عند الكسوف أن ظلمة النهار بالكسوف تشابه ظلمة القبر وإن كان نهارا والشيء بالشيء يذكر فيخاف من هذا كما يخاف من هذا فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجى من غائلة الآخرة ثم ساق المصنف حديث عائشة من رواية عمرة عنها وإسناده كله مدنيون

[ 1002 ] قوله عائذا بالله من ذلك قال بن السيد هو منصوب على المصدر الذي يجيء على مثال فاعل كقولهم عوفي عافية أو على الحال المؤكدة النائبة مناب المصدر والعامل فيه محذوف كأنه قال أعوذ بالله عائذا ولم يذكر الفعل لأن الحال نائبة عنه وروى بالرفع أى أنا عائذ وكأن ذلك كان قبل أن يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على عذاب القبر كما سيأتي البحث فيه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قوله بين ظهراني بفتح الظاء المعجمة والنون على التثنية والحجر بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة بسكون الجيم قيل المراد بين ظهر الحجر والنون والياء زائدتان وقيل بل الكلمة كلها زائدة والمراد بالحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قوله وانصرف فقال ما شاء الله أن يقول تقدم بيانه في رواية عروة وأنه خطب وأمر بالصلاة والصدقة والذكر وغير ذلك

قوله باب طول السجود في الكسوف أشار بهذه الترجمة إلى الرد على ما أنكره واستدل بعض المالكية على ترك إطالته بان الذي شرع فيه الطويل شرع تكراره كالقيام والركوع ولم تشرع الزيادة في السجود فلا يشرع تطويله وهو قياس في مقابلة النص كما سيأتي بيانه فهو فاسد الاعتبار وأبدى بعضهم في مناسبة التطويل في القيام والركوع دون السجود أن القائم والراكع يمكنه رؤية الانجلاء بخلاف الساجد فإن الآية علوية فناسب طول القيام لها بخلاف السجود ولأن في تطويل السجود استرخاء الأعضاء فقد يفضى إلى النوم وكل هذا مردود بثبوت الأحاديث الصحيحة في تطويله ثم أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه وقد تقدم من وجه آخر مختصرا ووقع في رواية الكشميهني عبد الله بن عمر بضم أوله وفتح الميم بلا واو وهو وهم

[ 1003 ] قوله ركعتين في سجدة المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها وبالركعتين الركوعان وهو موافق لروايتى عائشة وابن عباس المتقدمتين في أن في كل ركعة ركوعين وسجودين ولو ترك على ظاهره لاستلزم تثنية الركوع وإفراد السجود ولم يصر اليه أحد فتعين تأويله قوله ثم جلس ثم جلى عن الشمس أي بين جلوسه في التشهد والسلام فتبين قوله في حديث عائشة ثم انصرف وقد تجلت الشمس قوله قال وقالت عائشة القائل هو أبو سلمة في نقدى ويحتمل أن يكون عبد الله بن عمر فيكون من رواية صحابي عن صحابية ووهم من زعم أنه معلق فقد أخرجه مسلم وابن خزيمة وغيرهما من رواية أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو وفيه قول عائشة هذا قوله ما سجدت سجودا قط كان أطول منها كذا فيه وفي رواية غيره منه أي من السجود المذكور زاد مسلم فيه ولا ركعت ركوعا قط كان أطول منه وتقدم في رواية عروة عن عائشة بلفظ ثم سجد فأطال السجود وفي أوائل صفة الصلاة من حديث أسماء بنت أبي بكر مثله وللنسائي من وجه آخر عن عبيد الله بن عمرو بلفظ ثم رفع رأسه فسجد وأطال السجود ونحوه عنده عن أبي هريرة وللشيخين من حديث أبي موسى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط ولأبي داود والنسائي من حديث سمرة كأطول ما سجد بنا في صلاة قط وكل هذه الأحاديث ظاهرة في أن السجود في الكسوف يطول كما يطول القيام والركوع وأبدى بعض المالكية فيه بحثا فقال لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حد الاطالة في الركوع وكأنه غفل عما رواه مسلم في حديث جابر بلفظ وسجوده نحو من ركوعه وهذا مذهب أحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره بن سريج ثم النووي وتعقبه صاحب المهذب بأنه لم ينقل فى خبر ولم يقل به الشافعي اه ورد عليه في الأمرين معا فإن الشافعي نص عليه في البويطي ولفظه ثم يسجد سجدتين طويلتين يقيم في كل سجدة نحوا مما قام في ركوعه تنبيه وقع في حديث جابر الذي أشرت إليه عند مسلم تطويل الاعتدال الذي يليه السجود ولفظه ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم سجد وقال النووي هي رواية شاذة مخالفة فلا يعمل بها أو المراد زيادة الطمانينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع وتعقب بما رواه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو أيضا ففيه ثم ركع فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فأطال حتى قيل لا يسجد ثم سجد فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد ثم سجد لفظ بن خزيمة من طريق الثوري عن عطاء بن السائب عن أبيه عنه والثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط فالحديث صحيح ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام وإلا فهو محجوج بهذه الرواية

قوله باب صلاة الكسوف جماعة أي وإن لم يحضر الإمام الراتب فيؤم لهم بعضهم وبه قال الجمهور وعن الثوري إن لم يحضر الإمام صلوا فرادى قوله وصلى لهم بن عباس في صفة زمزم وصله الشافعي وسعيد بن منصور جميعا عن سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول سمعت طاوسا يقول كسفت الشمس فصلى بنا بن عباس في صفة زمزم ست ركعات في أربع سجدات وهذا موقوف صحيح إلا أن بن عيينة خولف فيه رواه بن جريج عن سليمان فقال ركعتين في كل ركعة أربع ركعات أخرجه عبد الرزاق عنه وكذا أخرجه بن أبي شيبة عن غندر عن بن جريج لكن قال سجدات بدل ركعات وهو وهم من غندر وروى عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال رأيت بن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين قوله في صفة زمزم كذا للأكثر بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء وهي معروفة وقال الأزهري الصفة موضع بهو مظلل وفي نسخة الصغاني بضاد معجمة مفتوحة ومكسورة وهي جانب النهر ولا معنى لها هنا إلا بطريق التجوز قوله وجمع على بن عبد الله بن عباس لم أقف على أثره هذا موصولا قوله وصلى بن عمر يحتمل أن يكون بقية أثر على المذكور وقد أخرج بن أبي شيبة معناه عن بن عمر قوله عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس كذا في الموطآ وفي جميع من أخرجه من طريق مالك ووقع في رواية اللؤلؤي في سنن أبي داود عن أبي هريرة بدل بن عباس وهو غلط قوله ثم سجد أي سجدتين

[ 1004 ] قوله ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول فيه أن الركعة الثانية أقصر من الأولى وسيأتي ذلك في باب مفرد قوله قالوا يا رسول الله في حديث جابر عند أحمد بإسناد حسن فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب شيئا صنعته في الصلاة لم تكن تصنعه فذكر نحو حديث بن عباس إلا أن في حديث جابر أن ذلك كان في الظهر أو العصر فإن كان محفوظا فهي قصة أخرى ولعلها القصة التي حكاها أنس وذكر أنها وقعت في صلاة الظهر وقد تقدم سياقه في باب وقت الظهر إذا زالت الشمس من كتاب المواقيت لكن فيه عرضت على الجنة والنار في عرض هذا الحائط حسب وأما حديث جابر فهو شبيه بسياق بن عباس في ذكر العنقود وذكر النساء والله أعلم قوله رأيناك تناولت كذا للأكثر بصيغة الماضي وفي رواية الكشميهني تناول بصيغة المضارع بضم اللام وبحذف إحدى التاءين وأصله تتناول قوله ثم رأيناك كعكعت في رواية الكشميهني تكعكعت بزيادة تاء في أوله ومعناه تأخرت يقال كع الرجل إذا نكص على عقبيه قال الخطابي أصله تكععت فاستثقلوا اجتماع ثلاث عينات فأبدلوا من إحدها حرفا مكررا ووقع في رواية مسلم ثم رأيناك كففت بفاءين خفيفتين قوله أني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ظاهره أنها رؤية عين فمنهم من حمله على أن الحجب كشفت له دونها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها وهذا أشبه بظاهر هذا الخبر ويؤيده حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة بلفظ دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطف من قطافها ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط كما تنطبع الصورة في المرآة فرأى جميع ما فيها ويؤيده حديث أنس الاتى في التوحيد لقد عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلى وفي رواية لقد مثلت ولمسلم لقد صورت ولا يرد على هذا أن الانطباع إنما هو في الأجسام الثقيلة لأنا نقول هو شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصا للنبي صلى الله عليه وسلم لكن هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر ولا مانع أن يرى الجنة والنار مرتين بل مرارا على صور مختلفة وأبعد من قال إن المراد بالرؤية رؤية العلم قال القرطبي لا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكا خاصا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما قوله ولو أصبته في رواية مسلم ولو أخذته واستشكل مع قوله تناولت وأجيب بحمل التناول على تكلف الأخذ لا حقيقة الأخذ وقيل المراد تناولت لنفسي ولو أخذته لكم حكاه الكرماني وليس بجيد وقيل المراد بقوله تناولت أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرا على تحويله لكن لم يقدر لي قطفه ولو أصبته أي لو تمكنت من قطفه ويدل عليه قوله في حديث عقبة بن عامر عند بن خزيمة أهوى بيده ليتناول شيئا وللمصنف في حديث أسماء في أوائل الصلاة حتى لو اجترأت عليها وكأنه لم يؤذن له في ذلك فلم يجترئ عليه وقيل الإرادة مقدرة أي أردت أن اتناول ثم لم أفعل ويؤيده حديث جابر عند مسلم ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل ومثله للمصنف من حديث عائشة كما سيأتي في آخر الصلاة بلفظ حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم ولعبد الرزاق من طريق مرسلة أردت أن آخذ منها قطفا لاريكموه فلم يقدر ولأحمد من حديث جابر فحيل بيني وبينه قال بن بطال لم يأخذ العنقود لأنه من طعام الجنة وهو لا يفنى والدنيا فانية لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى وقيل لأنه لو رآه الناس لكان من إيمانهم بالشهادة لا بالغيب فيخشى أن يقع رفع التوبة فلا ينفع نفسا إيمانها وقيل لأن الجنة جزاء الأعمال والجزاء بها لا يقع إلا في الآخرة وحكى بن العربي في قانون التأويل عن بعض شيوخه أنه قال معنى قوله لأكلتم منه الخ أن يخلق في نفس الآكل مثل الذي أكل دائما بحيث لا يغيب عن ذوقه وتعقب بأنه رأي فلسفى مبنى على أن دار الآخرة لا حقائق لها وإنما هي أمثال والحق أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة وإذا قطعت خلقت في الحال فلا مانع أن يخلق الله مثل ذلك في الدنيا إذا شاء والفرق بين الدارين في وجوب الدوام وجوازه فائدة بين سعيد بن منصور في روايته من وجه آخر عن زيد بن أسلم أن التناول المذكور كان حين قيامه الثاني من الركعة الثانية قوله وأريت النار في رواية غير أبي ذر ورأيت ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة أن رؤيته النار كانت قبل رؤيته الجنة وذلك أنه قال فيه عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم النار فتأخر عن مصلاه حتى أن الناس ليركب بعضهم بعضا وإذا رجع عرضت عليه الجنة فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه ولمسلم من حديث جابر لقد جيء بالنار حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبنى من لفحها وفيه ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي وزاد فيه ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه وفي حديث سمرة عند بن خزيمة لقد رأيت منذ قمت أصلى ما أنتم لاقون في دنياكم وآخرتكم قوله فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع المراد باليوم الوقت الذي هو فيه أي لم أر منظرا مثل منظر رأيته اليوم فحذف المرئى وأدخل التشبيه على اليوم لبشاعة ما رأى فيه وبعده عن المنظر المألوف وقيل الكاف اسم والتقدير ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرا ووقع في رواية المستملى والحموي فلم أنظر كاليوم قط أفظع قوله ورأيت أكثر أهلها النساء هذا يفسر وقت الرؤية في قوله لهن في خطبة العيد تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار وقد مضى ذلك في حديث أبي سعيد في كتاب الحيض وقد تقدم في العيد الإلمام بتسمية القائل أيكفرن قوله يكفرن بالله قال يكفرن العشير كذا للجمهور عن مالك وكذا أخرجه مسلم من رواية حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم ووقع في موطآ يحيى بن يحيى الأندلسي قال ويكفرون العشير بزيادة واو واتفقوا على أن زيادة الواو غلط منه فإن كان المراد من تغليطه كونه خالف غيره من الرواة فهو كذلك وأطلق على الشذوذ غلطا وإن كان المراد من تغليطه فساد المعنى فليس كذلك لأن الجواب طابق السؤال وزاد وذلك أنه أطلق لفظ النساء فعم المؤمنة منهن والكافرة فلما قيل يكفرن بالله فأجاب ويكفرن العشير الخ وكأنه قال نعم يقع منهن الكفر بالله وغيره لأن منهن من يكفر بالله ومنهن من يكفر الإحسان وقال بن عبد البر وجه رواية يحيى أن يكون الجواب لم يقع على وفق سؤال السائل لإحاطة العلم بأن من النساء من يكفر بالله فلم يحتج إلى جوابه لأن المقصود في الحديث خلافه قوله يكفرن العشير قال الكرماني لم يعد كفر العشير بالباء كما عدي الكفر بالله لأن كفر العشير لا يتضمن معنى الاعتراف قوله ويكفرن الإحسان كأنه بيان لقوله يكفرن العشير لأن المقصود كفر أحسان العشير لا كفر ذاته وتقدم تفسير العشير في كتاب الإيمان والمراد بكفر الإحسان تغطيته أو جحده ويدل عليه آخر الحديث قوله لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله بيان للتغطية المذكورة ولو هنا شرطية لا امتناعية قال الكرماني ويحتمل أن تكون امتناعية بأن يكون الحكم ثابتا على النقيضين والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور والدهر منصوب على الظرفية والمراد منه مدة عمر الرجل أو الزمان كله مبالغة في كفرانهن وليس المراد بقوله أحسنت مخاطبة رجل بعينه بل كل من يتأتى منه أن يكون مخاطبا فهو خاص لفظا عام معنى قوله شيئا التنوين فيه للتقليل أي شيئا قليلا لا يوافق غرضها من أي نوع كان ووقع في حديث جابر ما يدل على أن المرئي في النار من النساء من اتصف بصفات ذميمة ذكرت ولفظه وأكثر من رأيت فيها من النساء اللاتي إن ائتمن أفشين وإن سئلن بخلن وإن سألن ألحفن وإن أعطين لم يشكرن الحديث وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم المبادرة إلى الطاعة عند رؤية ما يحذر منه واستدفاع البلاء بذكر الله وأنواع طاعته ومعجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من نصح أمته وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم ومراجعة المتعلم للعالم فيما لا يدركه فهمه وجواز الاستفهام عن علة الحكم وبيان العالم ما يحتاج إليه تلميذه وتحريم كفران الحقوق ووجوب شكر المنعم وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم وجواز إطلاق الكفر على ما لا يخرج من الملة وتعذيب أهل التوحيد على المعاصي وجواز العمل في الصلاة إذا لم يكثر

قوله باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال يصلين فرادى وهو منقول عن الثوري وبعض الكوفيين وفي المدونة تصلي المرأة في بيتها وتخرج المتجالة وعن الشافعي يخرج الجميع إلا من كانت بارعة الجمال وقال القرطبي روى عن مالك أن الكسوف إنما يخاطب به من يخاطب بالجمعة والمشهور عنه خلاف ذلك وهو إلحاق المصلي في حقهن بحكم المسجد

[ 1005 ] قوله عن أسماء بنت أبي بكر هي جدة فاطمة وهشام لأبويهما قوله فأشارت أي نعم وفي رواية الكشميهني أن نعم بنون بدل التحتانية وقد تقدمت فوائده في باب من أجاب الفتيا بالإشارة من كتاب العلم وفي باب من لم يتوضأ الا من الغشى المثقل من كتاب الطهارة ويأتي الكلام على ما يتعلق بالقبر في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قال الزين بن المنير استدل به بن بطال على جواز خروج النساء إلى المسجد لصلاة الكسوف وفيه نظر لأن أسماء إنما صلت في حجرة عائشة لكن يمكنه أن يتمسك بما ورد في بعض طرقه أن نساء غير أسماء كن بعيدات عنها فعلى هذا فقد كن في مؤخر المسجد كما جرت عادتهن في سائر الصلوات

قوله باب من أحب العتاقة بفتح العين المهملة في كسوف الشمس قيده أتباعا للسبب الذي ورد فيه لأن أسماء إنما روت قصة كسوف الشمس وهذا طرف منه إما أن يكون هشام حدث به هكذا فسمعه منه زائدة أو يكون زائدة اختصره والأول أرجح فسيأتى في كتاب العتق من طريق عثام بن على عن هشام بلفظ كنا نؤمر عند الخسوف بالعتاقة

[ 1006 ] قوله لقد أمر في رواية معاوية بن عمرو عن زائدة عند الإسماعيلي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم

قوله باب صلاة الكسوف في المسجد أورد فيه حديث عائشة من رواية عمرة عنها وقد تقدم قبل أربعة أبواب من هذا الوجه ولم يقع فيه التصريح بكونها في المسجد لكنه يؤخذ من قولها فيه فمر بين ظهراني الحجر لأن الحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لاصقة بالمسجد وقد وقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عند مسلم ولفظه فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من مركبه حتى أتى إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه الحديث والمركب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه بسبب موت ابنه إبراهيم كما تقدم في الباب الأول فلما رجع صلى الله عليه وسلم أتى المسجد ولم يصلها ظاهرا وصح أن السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية الإنجلاء والله أعلم

قوله باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في الباب الأول قوله رواه أبو بكرة والمغيرة تقدم حديثهما فيه قوله وأبو موسى سيأتي حديثه في الباب الذي يليه قوله وابن عباس تقدم حديثه قبل ثلاثة أبواب قوله وابن عمر تقدم حديثه في الباب الأول وقد ذكر المصنف في الباب أيضا حديث بن مسعود وفيه ذلك وقد تقدم في الباب الأول أيضا من وجه آخر وكذا حديث عائشة وفي الباب مما لم يذكره عن جابر عند مسلم وعن عبد الله بن عمرو والنعمان بن بشير وقبيصة وأبي هريرة كلها عند النسائي وغيره وعن بن مسعود وسمرة بن جندب ومحمود بن لبيد كلها عند أحمد وغيره وعن عقبة بن عامر وبلال عند الطبراني وغيره فهذه عدة طرق غالبها على شرط الصحة وهي تفيد القطع عند من اطلع عليها من أهل الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيجب تكذيب من زعم أن الكسوف علامة على موت أحد أو حياة أحد

[ 1009 ] قوله معمر عن الزهري وهشام ساقه على لفظ الزهري وقد تقدمت رواية هشام مفردة في الباب الثاني وتقدم الكلام عليه هناك وبين عبد الرزاق عن معمر أن في رواية هشام من الزيادة فتصدقوا وقد تقدم ذلك أيضا

قوله باب الذكر في الكسوف رواه بن عباس أي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم حديثه بلفظ فاذكروا الله

[ 1010 ] قوله فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا بكسر الزاي صفة مشبهة ويجوز الفتح على أنه مصدر بمعنى الصفة قوله يخشى أن تكون الساعة بالضم على أن كان تامة أي يخشى أن تحضر الساعة أو ناقصة والساعة اسمها والخبر محذوف أو العكس قيل وفيه جواز الإخبار بما يوجبه الظن من شاهد الحال لأن سبب الفزع يخفى عن المشاهد لصورة الفزع فيحتمل أن يكون الفزع لغير ما ذكر فعلى هذا فيشكل هذا الحديث من حيث أن للساعة مقدمات كثيرة لم تكن وقعت كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج ثم الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك ويجاب عن هذا باحتمال أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك وكانت لغيره كعقوبة تحدث كما كان يخشى عند هبوب الريح هذا حاصل ما ذكره النووي تبعا لغيره وزاد بعضهم أن المراد بالساعة غير يوم القيامة أي الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور كموته صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك وفي الأول نظر لأن قصة الكسوف متأخرة جدا فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك وأما الثالث فتحسين الظن بالصحابى يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف وأما الرابع فلا يخفى بعده واقربها الثاني فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يخرج على مسألة دخول النسخ في الأخبار فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال وقيل لعله قدر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط تعظيما منه لأمر الكسوف ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها وقيل لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط لم يتقدم ذكره فيقع المخوف بغير أشراط لفقد الشرط والله سبحانه وتعالى أعلم قوله هذه الآيات التي يرسل الله ثم قال ولكن يخوف الله بها عباده موافق لقوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا وموافق لما تقدم تقريره في الباب الأول واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك وقد تقدم القول في ذلك في أواخر الاستسقاء ولم يقع في الرواية ذكر الصلاة فلا حجة فيه لمن استحبها عند كل آية قوله إلى ذكر الله في رواية الكشميهني إلى ذكره والضمير يعود على الله في قوله يخوف الله بها عباده وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء

قوله باب الدعاء في الكسوف في رواية كريمة وأبي الوقت في الخسوف قوله قاله أبو موسى وعائشة يشير إلى حديث أبي موسى الذي قبله وأما حديث عائشة فوقع الأمر فيه بالدعاء من طريق هشام عن أبيه وهو في الباب الثاني وورد الأمر بالدعاء أيضا من حديث أبي بكرة وغيره ومنهم من حمل الذكر والدعاء على الصلاة لكونهما من أجزائها والأول أولى لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة حيث قال فصلوا وادعوا ووقع في حديث بن عباس عند سعيد بن منصور فاذكروا الله وكبروه وسبحوه وهللوه وهو من عطف الخاص على العام وقد تقدم الكلام على حديث المغيرة في الباب الأول

قوله باب قول الإمام في خطبة الكسوف أما بعد ذكر فيه حديث أسماء مختصرا معلقا فقال وقال أبو أسامة وقد تقدم مطولا من هذا الوجه في كتاب الجمعة ووقع فيه هنا في رواية أبي على بن السكن وهم نبه عليه أبو على الجياني وذلك أنه أدخل بين هشام وفاطمة بنت المنذر عروة بن الزبير والصواب حذفه قلت لعله كان عنده هشام بن عروة بن الزبير فتصحفت بن فصارت عن وذلك من الناسخ وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار وفيه تأييد لمن استحب لصلاة الكسوف خطبة كما تقدم في بابه

قوله باب الصلاة في كسوف القمر أورد فيه حديث أبي بكرة من وجهين مختصرا ومطولا واعترض عليه بأن المختصر ليس فيه ذكر القمر لا بالتنصيص ولا بالاحتمال والجواب أنه أراد أن يبين أن المختصر بعض الحديث المطول وأما المطول فيؤخذ المقصود من

[ 1014 ] قوله وإذا كان ذلك فصلوا بعد قوله أن الشمس والقمر وقد وقع في بعض طرقه ما هو أصرح من ذلك فعند بن حبان من طريق نوح بن قيس عن يونس بن عبيد في هذا الحديث فإذا رأيتم شيئا من ذلك وعنده في حديث عبد الله بن عمرو فإذا انكسف أحدهما وقد تقدم حديث أبي مسعود بلفظ كسوف أيهما انكسف وفي ذلك رد على من قال لا تندب الجماعة في كسوف القمر وفرق بوجود المشقة في الليل غالبا دون النهار ووقع عند بن حبان من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر ولفظه من طريق النضر بن شميل عن أشعث بإسناده في هذا الحديث صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم وأخرجه الدارقطني أيضا وفي هذا رد على من أطلق كابن رشيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه ومنهم من أول قوله صلى أي أمر بالصلاة جمعا بين الروايتين وقال صاحب الهدى لم ينقل أنه صلى في كسوف القمر في جماعة لكن حكى بن حبان في السيرة له أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أول صلاة كسوف في الإسلام وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور وقد جزم به مغلطاي في سيرته المختصرة وتبعه شيخنا فى نظمها تنبيه حكى بن التين أنه وقع في رواية الأصيلي في حديث أبي بكرة هذا انكسف القمر بدل الشمس وهذا تغيير لا معنى له وكأنه عسرت عليه مطابقة الحديث للترجمة فظن أن لفظه مغير فغيره هو إلى ما ظنه صوابا وليس كذلك

قوله باب الركعة الأولى في الكسوف أطول كذا وقع هنا للحموى وللكشميهني ووقع بدله للمستملي باب صب المرأة على رأسها الماء إذا أطال الإمام القيام في الركعة الأولى قال بن رشيد وقع في هذا الموضع تخليط من الرواة وحديث عائشة المذكور مطابق للترجمة الأولى قطعا وأما الثانية فحقها أن تذكر في موضع آخر وكأن المصنف ترجم بها وأخلى بياضا ليذكر لها حديثا أو طريقا كما جرت عادته فلم يحصل غرضه فضم بعض الكتابة إلى بعض فنشأ هذا والأليق بها حديث أسماء المذكور قبل سبعة أبواب فهو نص فيه انتهى ويؤيد ما ذكره ما وقع في رواية أبي على بن شبويه عن الفربري فإنه ذكر باب صب المرأة أولا وقال في الحاشية ليس فيه حديث ثم ذكر باب الركعة الأولى أطول وأورد فيه حديث عائشة وكذا صنع الإسماعيلي فى مستخرجه فعلى هذا فالذي وقع من صنيع شيوخ أبي ذر من اقتصار بعضهم على إحدى الترجمتين ليس بجيد أما من اقتصر على الأولى وهو المستملى فخطأ محض إذ لا تعلق لها بحديث عائشة وأما الآخران فمن حيث أنهما حذفا الترجمة أصلا وكانهما استشكلاها فحذفاها ولهذا حذفت من رواية كريمة أيضا عن الكشميهني وكذا من رواية الأكثر

[ 1015 ] قوله حدثنا أبو أحمد هو الزبيري وسفيان هو الثوري وهذا المتن طرف من الحديث الطويل الماضي في باب صلاة الكسوف في المسجد وكأنه مختصر منه بالمعنى فإنه قال فيه ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول وقال في هذا أربع ركعات في سجدتين الأولى أطول وقد رواه الإسماعيلي بلفظ الأولى فالأولى أطول وفيه دليل لمن قال أن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى وقد قال بن بطال إنه لا خلاف أن الركعة الأولى بقيامها وركوعيها تكون أطول من الركعة الثانية بقيامها وركوعيها وقال النووي اتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه فيهما واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه هل هما أقصر من القيام الثاني من الأولى وركوعه أو يكونان سواء قيل وسبب هذا الخلاف فهم معنى قوله وهو دون القيام الأول هل المراد به الأول من الثانية أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله ورواية الإسماعيلي تعين هذا الثاني ويرجحه أيضا أنه لو كان المراد من قوله القيام الأول أول قيام من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتا عن مقدارهما فالأول أكثر فائدة والله أعلم

قوله باب الجهر بالقراءة في الكسوف أي سواء كان للشمس أو للقمر

[ 1016 ] قوله أخبرنا بن نمر بفتح النون وكسر الميم اسمه عبد الرحمن وهو دمشقي وثقه دحيم والذهلي وابن البرقي وآخرون وضعفه بن معين لأنه لم يرو عنه غير الوليد وليس له في الصحيحين غير هذا الحديث وقد تابعه عليه الأوزاعي وغيره قوله جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته استدل به على الجهر فيها بالنهار وحمله جماعة ممن لم ير بذلك على كسوف القمر وليس بجيد لأن الاسماعيل روى هذا الحديث من وجه آخر عن الوليد بلفظ كسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وكذا رواية الأوزاعي التي بعده صريحة في الشمس قوله وقال الأوزاعي وغيره سمعت الزهري الخ وصله مسلم عن محمد بن مهران عن الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي وغيره فذكره وأعاد الإسناد إلى الوليد قال أخبرنا عبد الرحمن بن نمر فذكره وزاد فيه مسلم طريق كثير بن عباس عن أخيه ولم يذكر قصة عبد الله بن الزبير واستدل بعضهم على ضعف رواية عبد الرحمن بن نمر في الجهر بأن الأوزاعي لم يذكر في روايته الجهر وهذا ضعيف لأن من ذكر حجة على من لم يذكر لا سيما والذى لم يذكره لم يتعرض لنفيه وقد ثبت الجهر في رواية الأوزاعي عند أبي داود والحاكم من طريق الوليد بن مزيد عنه ووافقه سليمان بن كثير وغيره كما ترى قوله قال أجل أي نعم وزنا ومعنى وفي رواية الكشميهني من أجل بسكون الجيم وعلى الأول فقوله أنه أخطأ بكسر همزة إنه وعلى الثاني بفتحها قوله تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري في الجهر يعني بإسناد المذكور ورواية سليمان وصلها أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عنه بلفظ خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكبر ثم كبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة الحديث ورويناه في مسند أبي داود الطيالسي عن سليمان بن كثير بهذا الإسناد مختصرا أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف وأما رواية سفيان بن حسين فوصلها الترمذي والطحاوي بلفظ صلى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها وقد تابعهم على ذكر الجهر عن الزهري عقيل عند الطحاوي وإسحاق بن راشد عند الدارقطني وهذه طرق يعضد بعضها بعضا يفيد مجموعها الجزم بذلك فلا معنى لتعليل من أعله بتضعيف سفيان بن حسين وغيره فلو لم يرد في ذلك إلا رواية الأوزاعي لكانت كافية وقد ورد الجهر فيها عن على مرفوعا وموقوفا أخرجه بن خزيمة وغيره وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق بن خزيمة وابن المنذر وغيرهما من محدثي الشافعية وابن العربي من المالكية وقال الطبري يخير بين الجهر والاسرار وقال الأئمة الثلاثة يسر في الشمس ويجهر في القمر واحتج الشافعي بقول بن عباس قرأ نحوا من سورة البقرة لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير وتعقب باحتمال أن يكون بعيدا منه لكن ذكر الشافعي تعليقا عن بن عباس أنه صلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فلم يسمع منه حرفا ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية وعلى تقدير صحتها فمثبت الجهر معه قدر زائد فالأخذ به أولى وأن ثبت التعدد فيكون فعل ذلك لبيان الجواز وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند بن خزيمة والترمذي لم يسمع له صوتا وأنه إن ثبت لا يدل على نفى الجهر قال بن العربي الجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب فأشبهت العيد والاستسقاء والله أعلم خاتمة اشتملت أبواب الكسوف على أربعين حديثا نصفها موصول ونصفها معلق المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون والخالص ثمانية وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي بكرة وحديث أسماء في العتاقة ورواية عمرة عن عائشة الأولى أطول لكنه أخرج أصله وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار فيها أثر عبد الله بن الزبير وفيها أثر عروة في تخطئته وهما موصولان