أبواب تقصير الصلاة
 بسم الله الرحمن الرحيم قوله أبواب التقصير ثبتت هذه الترجمة للمستملي وفي رواية أبي الوقت أبواب تقصير الصلاة وثبتت البسملة في رواية كريمة والأصيلي

قوله باب ما جاء في التقصير تقول قصرت الصلاة بفتحتين مخففا قصرا وقصرتها بالتشديد تقصيرا وأقصرتها إقصارا والأول أشهر في الاستعمال والمراد به تخفيف الرباعية إلى ركعتين ونقل بن المنذر وغيره الإجماع على أن لا تقصير في صلاة الصبح ولا في صلاة المغرب وقال النووي ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وذهب بعض السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد وبعضهم كونه سفر طاعة وعن أبي حنيفة والثوري في كل سفر سواء كان طاعة أو معصية قوله وكم يقيم حتى يقصر في هذه الترجمة إشكال لأن الإقامة ليست سببا للقصر ولا القصر غاية للاقامة قاله الكرماني وأجاب بأن عدد الأيام المذكورة سبب لمعرفة جواز القصر فيها ومنع الزيادة عليها وأجاب غيره بأن المعنى وكم إقامته المغياة بالقصر وحاصلة كم يقيم مقصر وقيل المراد كم يقصر حتى يقيم أي حتى يسمى مقيما فانقلب اللفظ أو حتى هنا بمعنى حين أي كم يقيم حين يقصر وقيل فاعل يقيم هو المسافر والمراد إقامته في بلد ما غايتها التي إذا حصلت يقصر

[ 1030 ] قوله عن عاصم هو بن سليمان وحصين بالضم هو بن عبد الرحمن قوله تسعة عشر أي يوما بليلته زاد في المغازي من وجه آخر عن عاصم وحده بمكة وكذا رواه بن المنذر من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة وأخرجه أبو داود من هذا الوجه بلفظ سبعة عشر بتقديم السين وكذا أخرجه من طريق حفص بن غياث عن عاصم قال وقال عباد بن منصور عن عكرمة تسع عشرة كذا ذكرها معلقة وقد وصلها البيهقي ولأبي داود أيضا من حديث عمران بن حصين غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين وله من طريق بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمسة عشر يقصر الصلاة وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عد يومى الدخول والخروج ومن قال سبع عشرة حذفهما ومن قال ثماني عشر عد أحدهما وأما رواية خمسة عشر فضعفها النووي في الخلاصة وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها بن أسحق فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك عن عبيد الله كذلك وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر فحذف منها يومى الدخول والخروج فذكر أنها خمسة عشر واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر أرجح الروايات وبهذا أخذ أسحق بن راهويه ويرجحها أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة وأخذ الثوري وأهل الكوفة برواية خمسة عشر لكونها أقل ما ورد فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقا وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين لكن محله عنده فيمن لم يزمع الإقامة فإنه إذا مضت عليه المدة المذكورة وجب عليه الإتمام فإن أزمع الإقامة في أول الحال على أربعة أيام أتم على خلاف بين أصحابه في دخول يومى الدخول والخروج فيها أولا وحجته حديث أنس الذي يليه قوله فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرن وإن زدنا أتممنا ظاهره أن السفر إذا زاد على تسعة عشر لزم الاتمام وليس ذلك المراد وقد صرح أبو يعلى عن شيبان عن أبي عوانة في هذا الحديث بالمراد ولفظه إذا سافرنا فأقمنا في موضع تسعة عشر ويؤيده صدر الحديث وهو قوله أقام وللترمذي من وجه آخر عن عاصم فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا

[ 1031 ] قوله في حديث أنس خرجنا من المدينة في رواية شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق عند مسلم إلى الحج قوله فكان يصلي ركعتين ركعتين في رواية البيهقي من طريق على بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس إلا في المغرب قوله أقمنا بها عشرا لا يعارض ذلك حديث بن عباس المذكور لأن حديث بن عباس كان في فتح مكة وحديث أنس في حجة الوداع وسيأتي بعد باب من حديث بن عباس قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة الحديث ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى ومن ثم قال الشافعي إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام وقال أحمد إحدى وعشرين صلاة وأما قول بن رشيد أراد البخاري أن يبين أن حديث أنس داخل في حديث بن عباس لأن إقامة عشر داخل في إقامة تسع عشرة فأشار بذلك إلى أن الأخذ بالزائد متعين ففيه نظر لأن ذلك إنما يجيء على اتحاد القصتين والحق أنهما مختلفان فالمدة التي في حديث بن عباس يسوغ الاستدلال بها على من لم ينو الإقامة بل كان مترددا متى يتهيا له فراغ حاجته يرحل والمدة التي في حديث أنس يستدل بها على من نوى الإقامة لأنه صلى الله عليه وسلم في أيام الحج كان جازما بالإقامة تلك المدة ووجه الدلالة من حديث بن عباس لما كان الأصل في المقيم الإتمام فلما لم يجيء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام في حال السفر أكثر من تلك المدة جعلها غاية للقصر وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة كما سيأتي وفيه أن الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامة وإطلاق اسم البلد على ما جاورها وقرب منها لأن منى وعرفة ليسا من مكة أما عرفة فلأنها خارج الحرم فليست من مكة قطعا وأما منى ففيها احتمال والظاهر أنها ليست من مكة إلا إن قلنا إن اسم مكة يشمل جميع الحرم قال أحمد بن حنبل ليس لحديث أنس وجه إلا أنه حسب أيام إقامته صلى الله عليه وسلم في حجته منذ دخل مكة إلى أن خرج منها لا وجه له إلا هذا وقال المحب الطبري أطلق على ذلك إقامة بمكة لأن هذه المواضع مواضع النسك وهي في حكم التابع لمكة لأنها المقصود بالأصالة لا يتجه سوى ذلك كما قال الإمام أحمد والله أعلم وزعم الطحاوي أن الشافعي لم يسبق إلى أن المسافر يصير بنية إقامته أربعة أيام مقيما وقد قال أحمد نحو ما قال الشافعي وهي رواية عن مالك

قوله باب الصلاة بمنى أي في أيام الرمي ولم يذكر المصنف حكم المسألة لقوة الخلاف فيها وخص منى بالذكر لأنها المحل الذي وقع فيها ذلك قديما واختلف السلف في المقيم بمنى هل يقصر أو يتم بناء على أن القصر بها للسفر أو للنسك واختار الثاني مالك وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان كذلك لكان أهل منى يتمون ولا قائل بذلك وقال بعض المالكية لو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا وليس بين مكة ومنى مسافة القصر فدل على أنهم قصروا للنسك وأجيب بأن الترمذي روى من حديث عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة ركعتين ويقول يا أهل مكة أتموا فأنا قوم سفر وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة قلت وهذا ضعيف لأن الحديث من رواية على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ولو صح فالقصة كانت في الفتح وقصه منى في حجة الوداع وكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد ولا يخفى أن أصل البحث مبنى على تسليم أن المسافة التي بين مكة ومنى لا يقصر فيها وهو من محال الخلاف كما سيأتي بعد باب

[ 1032 ] قوله بمنى زاد مسلم في رواية سالم عن أبيه بمنى وغيره قوله ثم أتمها في رواية أبي أسامة عن عبيد الله عند مسلم ثم إن عثمان صلى أربعا فكان بن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا وإذا صلى وحده صلى ركعتين وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بمنى في باب يقصر إذا خرج من موضعه قوله أنبأنا أبو إسحاق كذا هو بلفظ الإنباء وهو في عرف المتقدمين بمعنى الإخبار والتحديث وهذا منه

[ 1033 ] قوله سمعت حارثة بن وهب زاد البرقاني في مستخرجه رجلا من خزاعة أخرجه من طريق أبي الوليد شيخ البخاري فيه قوله آمن أفعل تفضيل من الأمن قوله ما كان في رواية الكشميهني والحموي كانت أي حالة كونها آمن أوقاته وفي رواية مسلم والناس أكثر ما كانوا وله شاهد من حديث بن عباس عند الترمذي وصححه النسائي بلفظ خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله يصلي ركعتين قال الطيبي ما مصدرية ومعناه الجمع لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعا والمعنى صلى بنا والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا وسيأتي في باب الصلاة بمنى من كتاب الحج عن آدم عن شعبة بلفظ عن أبي إسحاق وقال في روايته ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه وكلمة قط متعلقة بمحذوف تقديره ونحن ما كنا أكثر منا في ذلك الوقت ولا أكثر أمنا وهذا يستدرك به على بن مالك حيث قال استعمال قط غير مسبوقة بالنفى مما يخفى على كثير من النحويين وقد جاء في هذا الحديث بدون النفي وقال الكرماني قوله وآمنه بالرفع ويجوز النصب بأن يكون فعلا ماضيا وفاعله الله وضمير المفعول النبي صلى الله عليه وسلم والتقدير وآمن الله نبيه حينئذ ولا يخفى بعد هذا الأعراب وفيه رد على من زعم أن القصر مختص بالخوف والذي قال ذلك تمسك بقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ولم يأخذ الجمهور بهذا المفهوم فقيل لأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يكون خرج مخرج الغالب وقيل هو من الأشياء التي شرع الحكم فيها بسبب ثم زال السبب وبقي الحكم كالرمل وقيل المراد بالقصر في الآية قصر الصلاة في الخوف إلى ركعة وفيه نظر لما رواه مسلم من طريق يعلى بن أمية وله صحبة أنه سأل عمر عن قصر الصلاة في السفر فقال إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فهذا ظاهر في أن الصحابة فهموا من ذلك قصر الصلاة في السفر مطلقا لا قصرها في الخوف خاصة وفي جواب عمر إشارة إلى القول الثاني وروى السراج من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة وهو الحذاء لا يعرف اسمه قال سألت بن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتان فقلت إن الله عز وجل قال إن خفتم ونحن آمنون فقال سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يرجح القول الثاني أيضا

[ 1034 ] قوله حدثنا إبراهيم هو النخعي لا التيمي قوله صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات كان ذلك بعد رجوعه من أعمال الحج في حال إقامته بمنى للرمى كما سيأتي ذلك في رواية عباد بن عبد الله بن الزبير في قصة معاوية بعد بابين قوله فقيل ذلك في رواية أبي ذر والأصيلي فقيل في ذلك قوله فاسترجع أي فقال انا لله وإنا إليه راجعون قوله ومع عمر ركعتين زاد الثوري عن الأعمش ثم تفرقت بكم الطرق أخرجه المصنف في الحج من طريقه قوله فليت حظى من أربع ركعات ركعتان لم يقل الأصيلي ركعات ومن للبدلية مثل قوله تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وهذا يدل على أنه كان يرى الإتمام جائزا وإلا لما كان له حظ من الأربع ولا من غيرها فإنها كانت تكون فاسدة كلها وإنما استرجع بن مسعود لما وقع عنده من مخالفة الأولى ويؤيده ما روى أبو داود أن بن مسعود صلى أربعا فقيل له عبت على عثمان ثم صليت أربعا فقال الخلاف شر وفي رواية البيهقي إني لأكره الخلاف ولأحمد من حديث أبي ذر مثل الأول وهذا يدل على أنه لم يكن يعتقد أن القصر واجب كما قال الحنفية ووافقهم القاضي إسماعيل من المالكية وهي رواية عن مالك وعن أحمد قال بن قدامة المشهور عن أحمد أنه على الاختيار والقصر عنده أفضل وهو قول جمهور الصحابة والتابعين واحتج الشافعي على عدم الوجوب بأن المسافر إذ دخل في صلاة المقيم صلى أربعا باتفاقهم ولو كان فرضه القصر لم يأتم مسافر بمقيم وقال الطحاوي لما كان الفرض لا بد لمن هو عليه أن يأتي به ولا يتخير في الإتيان ببعضه وكان التخيير مختصا بالتطوع دل على أن المصلي لا يتخير في الاثنتين والأربع وتعقبه بن بطال بأنا وجدنا واجبا يتخير بين الإتيان بجميعه أو ببعضه وهو الإقامة بمنى أه ونقل الداودي عن بن مسعود أنه كان يرى القصر فرضا وفيه نظر لما ذكرته ولو كان كذلك لما تعمد ترك الفرض حيث صلى أربعا وقال أن الخلاف شر ويظهر أثر الخلاف فيما إذا قام إلى الثالثة عمدا فصلاته عند الجمهور صحيحة وعند الحنفية فاسدة ما لم يكن جلس للتشهد وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بعد بابين إن شاء الله تعالى

قوله باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته أي من يوم قدومه إلى أن خرج منها وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله والمقصود بهذه الترجمة بيان ما تقدم من أن المحقق فيه نية الإقامة هي مدة المقام بمكة قبل الخروج إلى منى ثم إلى عرفة وهي أربعة أيام ملفقة لأنه قدم في الرابع وخرج في الثامن فصلى بها إحدى وعشرين صلاة من أول ظهر الرابع إلى آخر ظهر الثامن وقيل أراد مدة إقامته إلى أن توجه إلى المدينة وهي عشرة كما في حديث أنس وان كان لم يصرح في حديث بن عباس بغايتها فإنها تعرف من الواقع فإن بين دخوله وخروجه يوم النفر الثاني من منى إلى الأبطح عشرة أيام سواء

[ 1035 ] قوله عن أبي العالية البراء هو بتشديد الراء كان يبري النبل واسمه زياد وقيل غير ذلك وهو غير أبي العالية الرياحي وقد اشتركا في الرواية عن بن عباس وسيأتي الكلام على هذا الحديث وعلى متابعة عطاء عن جابر في كتاب الحج إن شاء الله تعالى

قوله باب في كم يقصر الصلاة يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر ولا يسوغ له في أقل منها وهي من المواضع التي انتشر فيها الخلاف جدا فحكى بن المنذر وغيره فيها نحوا من عشرين قولا فأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة وأكثره ما دام غائبا عن بلده وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام وأورد ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا في رواية أبي ذر السفر يوما وليلة وفي كل منهما تجوز والمعنى سمى مدة اليوم والليلة سفرا وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب وقد تعقب بأن في بعض طرقه ثلاثة أيام كما أورده هو من حديث بن عمر وفي بعضها يوم وليلة وفي بعضها يوم وفي بعضها ليلة وفي بعضها بريد فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل أي يوم بليلته أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يوما وليلة لكن يعكر عليه رواية بريد ويجاب عنه بما سيأتي قريبا قوله وكان بن عمر وابن عباس الخ وصله بن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح أن بن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك وروى السراج من طريق عمرو بن دينار عن بن عمر نحوه وروى الشافعي عن مالك عن بن شهاب عن سالم أن بن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة قال مالك وبينها وبين المدينة أربعة برد ورواه عبد الرزاق عن مالك هذا فقال بين المدينة وذات النصب ثمانية عشر ميلا وفي الموطأ عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقصر في مسيرة اليوم التام ومن طريق عطاء أن بن عباس سئل أنقصر الصلاة إلى عرفة قال لا ولكن إلى عسفان أو إلى جدة أو الطائف وقد روى عن بن عباس مرفوعا أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطاء عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الوهاب وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس قال لا تقصروا الصلاة إلى في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن سيرها في يوم وليلة وأما حديث بن عمر الدال على اعتبار الثلاث فأما أن يجمع بينه وبين اختياره بأن المسافة واحدة ولكن السير يختلف أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة القصر بل لنهى المرأة عن الخروج وحدها ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك ويؤيد ذلك أن الحكم في نهى المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلا في يوم تام لتعلق بها النهى بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلا في يومين لم يقصر فافترقا والله أعلم وأقل ما ورد في ذلك لفظ بريد ان كانت محفوظة وسنذكرها في آخر هذا الباب وعلى هذا ففي تمسك الحنفية بحديث بن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسيرة اليوم التام وقد اختلف عن بن عمر في تحديد ذلك اختلافا غير ما ذكر فروى عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني نافع أن بن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلا وروى وكيع من وجه آخر عن بن عمر أنه قال يقصر من المدينة إلى السويداء وبينهما اثنان وسبعون ميلا وروى عبد الرزاق عن مالك عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه سافر إلى ريم فقصر الصلاة قال عبد الرزاق وهي على ثلاثين ميلا من المدينة وروى بن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر عن محارب سمعت بن عمر يقول إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر وقال الثوري سمعت جبلة بن سحيم سمعت بن عمر يقول لو خرجت ميلا قصرت الصلاة إسناد كل منهما صحيح وهذه أقوال متغايرة جدا فالله أعلم قوله وهي أي الأربعة برد ستة عشر فرسخا ذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب وهو ثلاثة أميال والميل من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه وبذلك جزم الجوهري وقيل حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة أو هو ذاهب أو آت قال النووي الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة أه وهذا الذي قاله هو الأشهر ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم يقدم الإنسان وقيل وهو أربعة آلاف ذراع وقيل بل ثلاثة آلاف ذراع نقله صاحب البيان وقيل وخمسمائة صححه بن عبد البر وقيل هو ألفا ذراع ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا وهذا فائدة نفيسة قل من نبه عليها وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه ثم ان الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإن الثلاثة أميال مدرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطا وقد روى بن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال قلت لسعيد بن المسيب أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة قال نعم والله أعلم تنبيه اختلف في معنى الفرسخ فقيل السكون ذكره بن سيده وقيل السعة وقيل المكان الذي لا فرجة فيه وقيل الشيء الطويل

[ 1036 ] قوله حدثنا إسحاق قال أبو على الجياني حيث قال البخاري حدثنا إسحاق فهو إما بن راهويه وإما بن نصر السعدي وإما بن منصور الكوسج لأن الثلاثة أخرج عنهم عن أبي أسامة قلت لكن إسحاق هنا هو بن راهويه لأنه ساق هذا الحديث في مسنده بهذه الألفاظ سندا ومتنا ومن عادته الإتيان بهذه العبارة دون الأخيرين قوله حدثكم عبيد الله هو بن عمر العمري واستدل به على أنه لا يشترط في صحة التحمل قول الشيخ نعم في جواب من قال له حدثكم فلان بكذا وفيه نظر لأن في مسند إسحاق في آخره فأقر به أبو أسامة وقال نعم قوله لا تسافر المرأة ثلاثة أيام في رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع مسيرة ثلاثة ليال والجمع بينهما أن المراد ثلاثة أيام بلياليها أو ثلاث ليال بأيامها قوله إلا مع ذي محرم في رواية أبي ذر والأصيلى إلا معها ذو محرم والمحرم بفتح الميم الحرام والمراد به من لا يحل له نكاحها ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم وأبي داود إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها أخرجاه من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه قوله تابعه أحمد هو بن محمد المروزي أحد شيوخ البخاري ووهم من زعم أنه أحمد بن حنبل لأنه لم يسمع من عبد الله بن المبارك ونقل الدارقطني في العلل عن يحيى القطان قال ما أنكرت على عبيد الله بن عمر إلا هذا الحديث ورواه أخوه عبد الله موقوفا قلت وعبد الله ضعيف وقد تابع عبيد الله الضحاك كما تقدم فاعتمد البخاري لذلك

[ 1038 ] قوله لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر مفهمومه أن النهى المذكور يختص بالمؤمنات فتخرج الكافرات كتابية كانت أو حربية وقد قال به بعض أهل العلم وأجيب بأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشارع فينتفع به وينقاد له فلذلك قيد به أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يقصد به إخراج ما سواه والله أعلم قوله مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة أي محرم واستدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم وهو إجماع في غير الحج والعمرة والخروج من دار الشرك ومنهم من جعل ذلك من شرائط الحج كما سيأتي البحث فيه في موضعه إن شاء الله تعالى تنبيه قال شيخنا بن الملقن تبعا لشيخه مغلطاي الهاء في قوله مسيرة يوم وليلة للمرة الواحدة والتقدير أن تسافر مرة واحدة مخصوصة بيوم وليلة ولا سلف له في هذا الإعراب ومسيرة إنما هي مصدر سار كقوله سيرا مثل عاش معيشة وعيشا قوله تابعه يحيى بن أبى كثير وسهيل ومالك عن المقبري يعني سعيدا عن أبي هريرة يعني لم يقولوا عن أبيه فعلى هذا فهي متابعة في المتن لا في الإسناد على أنه قد اختلف على سهيل وعلى مالك فيه وكأن الرواية التي جزم بها المصنف أرجح عنده عنهم ورجح الدارقطني أنه عن سعيد عن أبي هريرة ليس فيه عن أبيه كما رواه معظم رواه الموطأ لكن الزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا وقد وافق بن أبي ذئب على قوله عن أبيه الليث بن سعد عند أبي داود والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد فأما رواية يحيى فأخرجها أحمد عن الحسن بن موسى عن شيبان النحوي عنه ولم أجد عنه فيه اختلافا إلا أن لفظة أن تسافر يوما إلا مع ذي محرم ويحمل قوله يوما على أن المراد به اليوم بليلته فيوافق رواية بن أبي ذئب وأما رواية سهيل فذكر بن عبد البر أنه اضطرب في أسنادها ومتنها وأخرجه بن خزيمة من طريق خالد الواسطي وحماد بن سلمة وأخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من طريق جرير كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد عن أبي هريرة كما علقه البخاري إلا أن جريرا قال في روايته بريدا بدل يوما وقال بشر بن المفضل عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أبدل سعيدا بأبي صالح وخالف في اللفظ أيضا فقال تسافر ثلاثا أخرجه مسلم ويحتمل أن يكون الحديثان معا عند سهيل ومن ثم صحح أبن حبان الطريقين عنه لكن المحفوظ عن أبي صالح عن أبي سعيد كما تقدمت الإشارة إليه وأما رواية مالك فهي في الموطأ كما قال البخاري وأخرجها مسلم وأبو داود وغيرهما وهو المشهور عنه ورواها بشر بن عمر الزهراني عنه فقال عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه أبو داود والترمذي وأبو عوانة وابن خزيمة من طريقه وقال بن خزيمة إنه تفرد به عن مالك وفيه نظر لأن الدارقطني أخرجه في الغرائب من رواية إسحاق بن محمد الفروي عن مالك كذلك وأخرجه الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن مالك والمحفوظ عن مالك ليس فيه قوله عن أبيه والله أعلم

قوله باب يقصر إذا خرج من موضعه يعني إذا قصد سفرا تقصر في مثله الصلاة وهي من المسائل المختلف فيها أيضا قال بن المنذر أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت فذهب الجمهور إلى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله ومنهم من قال إذا ركب قصر إن شاء ورجح بن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت واختلفوا فيما قبل ذلك فعليه الاتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر قال ولا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة قوله وخرج على فقصر وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخل وصله الحاكم من رواية الثوري عن وقاء بن إياس وهو بكسر الواو بعدها قاف ثم مدة عن على بن ربيعة قال خرجنا مع على بن أبي طالب فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت وأخرجه البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن وقاء بن إياس بلفظ خرجنا مع على متوجهين ههنا وأشار بيده إلى الشام فصلى ركعتين ركعتين حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة قالوا يا أمير المؤمنين هذه الكوفة أتم الصلاة قال لا حتى ندخلها وفهم بن بطال من قوله في التعليق لا حتى ندخلها أنه أمتنع من الصلاة حتى يدخل الكوفة قال لأنه لو صلى فقصر ساغ له ذلك لكنه أختار أن يتم لاتساع الوقت أه وقد تبين من سياق أثر على أن الأمر على خلاف ما فهمه بن بطال وأن المراد بقولهم هذه الكوفة أي فأتم الصلاة فقال لا حتى ندخلها أي لا نزال نقصر حتى ندخلها في حكم المسافرين

[ 1039 ] قوله في حديث أنس صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذى الحليفة ركعتين في رواية الكشميهني والعصر بذي الحليفة ركعتين وهي ثابتة في رواية مسلم وكذا في رواية أبي قلابة عن أنس عند المصنف في الحج واستدل به على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر وإنما خرج إليها حيث كان قاصدا إلى مكة فاتفق نزوله بها وكانت أول صلاة حضرت بها العصر فقصرها واستمر يقصر إلى أن رجع ومناسبة أثر على لحديث أنس ثم لحديث عائشة أن حديث على دال على أن القصر يشرع بفراق الحضر وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقصر حتى رأى ذا الحليفة إنما هو لكونه أول منزل نزله ولم يحضر قبله وقت صلاة ويؤيده حديث عائشة ففيه تعليق الحكم بالسفر والحضر فحيث وجد السفر شرع القصر وحيث وجد الحضر شرع الإتمام واستدل به على أن من أراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد خلافا لمن قال من السلف يقصر ولو في بيته وفيه حجة على مجاهد في قوله لا يقصر حتى يدخل الليل قوله في حديث عائشة الصلاة أول ما فرضت في رواية الكشميهني الصلوات بصيغة الجمع وأول بالرفع على أنه بدل من الصلاة أو مبتدأ ثان ويجوز النصب على أنه ظرف أي في أول

[ 1040 ] قوله ركعتين في رواية كريمة ركعتين ركعتين قوله فأقرت صلاة السفر تقدم الكلام عليه في أول الصلاة واستدل بقوله فرضت ركعتين على أن صلاة المسافر لا تجوز إلا مقصورة ورد بأنه معارض بقوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ولأنه دال على أن الأصل الإتمام ومنهم من حمل قوله عائشة فرضت أي قدرت وقال الطبري معناه أن المسافر إذا اختار القصر فهو فرضه ومن أدل دليل على تعين تأويل حديث عائشة هذا كونها كانت تتم في السفر ولذلك أورده الزهري عن عروة قوله تأولت ما تأول عثمان هذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لكونه تأهل بمكة أو لأنه أمير المؤمنين وكل موضع له دار أو لأنه عزم على الإقامة بمكة أو لأنه استجد له أرضا بمنى أو لأنه كان يسبق الناس إلى مكة لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها ويرد الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي تقريره في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي في كتاب المغازي والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي التخرص في ذلك والأول وإن كان نقل وأخرجه أحمد والبيهقي من حديث عثمان وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر الناس عليه فقال إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تأهل ببلدة فإنه يصلي صلاة مقيم فهذا الحديث لا يصح لأنه منقطع وفي رواته من لا يحتج به ويرده قول عروة إن عائشة تأولت ما تأول عثمان ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلا فدل على وهن ذلك الخبر ثم ظهر لي أنه يمكن أن يكون مراد عروة بقوله كما تأول عثمان التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأويل عثمان فتكاثرت بخلاف تأويل عائشة وقد أخرج بن جرير في تفسير سورة النساء إن عائشة كانت تصلي في السفر أربعا فإذا احتجوا عليها تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف فهل تخافون أنتم وقد قيل في تأويل عائشة إنما أتمت في سفرها إلى البصرة إلى قتال على والقصر عندها إنما يكون في سفر طاعة وهذان القولان باطلان لا سيما الثاني ولعل قول عائشة هذا هو السبب في حديث حارثة بن وهب الماضي قبل ببابين والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال لما قدم علينا معاوية حاجا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة ثم انصرف إلى دار الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا لقد عبت أمر بن عمك أنه كان قد أتم الصلاة قال وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعا أربعا ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة وقال بن بطال الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كان يريان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته فأخذا لأنفسهما بالشدة أه وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبي لكن الوجه الذي قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان إنما أتم الصلاة لأنه نوى الإقامة بعد الحج فهو مرسل وفيه نظر لأن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي في المغازي وصح عن عثمان أنه كان لا يودع النساء إلا على ظهر راحلته ويسرع الخروج خشية أن يرجع في هجرته وثبت عن عثمان أنه قال لما حاصروه وقال له المغيرة اركب رواحلك إلى مكة قال لن أفارق دار هجرتي ومع هذا النظر في رواية معمر عن الزهري فقد روى أيوب عن الزهري ما يخالفه فروى الطحاوي وغيره من هذا الوجه عن الزهري قال إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع وروى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال ان القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكنه حدث طغام يعني بفتح الطاء والمعجمة فخفت أن يستنوا وعن بن جريج أن أعرابيا ناداه في منى يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين وهذه طرق يقوي بعضها بعضا ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام وليس بمعارض للوجه الذي اخترته بل يقويه من حيث أن حالة الإقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان وأما عائشة فقد جاء عنها سبب الإتمام صريحا وهو فيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها لو صليت ركعتين فقالت يا بن أختي إنه لا يشق على إسناده صحيح وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل ويدل على اختيار الجمهور ما رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد عن أبي هريرة أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر فكلهم كان يصلي ركعتين من حين يخرج من المدينة إلى مكة حتى يرجع إلى المدينة في السير وفي المقام بمكة قال الكرماني ما ملخصه تمسك الحنفية بحديث عائشة في أن الفرض في السفر أن يصلي الرباعية ركعتين وتعقب بأنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة وعندهم العبرة بما رأى الراوي إذا عارض ما روى ثم ظاهر الحديث مخالف لظاهر القرآن لأنه يدل على أنها فرضت في الأصل ركعتين واستمرت في السفر وظاهر القراآن أنها كانت أربعا فنقصت ثم إن قولها الصلاة تعم الخمس وهو مخصوص بخروج المغرب مطلقا والصبح بعدم الزيادة فيها فى الحضر قال والعام إذا خص ضعفت دلالته حتى اختلف في بقاء الاحتجاج به

قوله باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر أي ولا يدخل القصر فيها ونقل بن المنذر وغيره فيه الإجماع وأراد المصنف أن الأحاديث المطلقة في قول الراوي كان يصلي في السفر ركعتين محمولة على المقيدة بأن المغرب بخلاف ذلك وروى أحمد من طريق ثمامة بن شرحبيل قال خرجت إلى بن عمر فقلت ما صلاة المسافر قال ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثا

[ 1041 ] قوله إذا أعجله السير في السفر يخرج ما إذا أعجله السير في الحضر كأن يكون خارج البلد في بستان مثلا قوله وزاد الليث حدثني يونس وصله الإسماعيلي بطوله عن القاسم بن زكريا عن بن زنجويه عن إبراهيم بن هانئ عن الرمادي كلاهما عن أبي صالح عن الليث به قوله وأخر بن عمر المغرب وكان استصرخ على صفية بنت أبي عبيد هي أخت المختار الثقفي وقوله استصرخ بالضم أي استغيث بصوت مرتفع وهو من الصراخ بالخاء المعجمة والمصرخ المغيث قال الله تعالى ما أنا بمصرخكم قوله فقلت له الصلاة بالنصب على الإغراء قوله فقلت له الصلاة فيه ما كانوا عليه من مراعاة أوقات العبادة وفي قوله سر جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب تنبيه ظاهر سياق المؤلف أن جميع ما بعد قوله زاد الليث ليس داخلا في رواية شعيب وليس كذلك فإنه أخرج رواية شعيب بعد ثمانية أبواب وفيها أكثر من ذلك وإنما الزيادة في قصة صفية وصنيع بن عمر خاصة وفي التصريح بقوله قال عبد الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط قوله حتى سار ميلين أو ثلاثة أخرجه المصنف في باب السرعة في السير من كتاب الجهاد من رواية أسلم مولى عمر قال كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع بينهما فأفادت هذه الرواية تعيين السفر المذكور ووقت انتهاء السير والتصريح بالجمع بين الصلاتين وأفاد النسائي في رواية أنها كتبت إليه تعلمه بذلك ولمسلم نحوه من رواية نافع عن بن عمر وفي رواية لأبي داود من هذا الوجه فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جميعا وللنسائي من هذا الوجه حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا فهذا محمول على أنها قصة أخرى ويدل عليه أن في أوله خرجت مع بن عمر في سفر يريد أرضا له وفي الأول أن ذلك كان بعد رجوعه من مكة فدل على التعدد قوله وقال عبد الله أي بن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير يؤخذ منه تقييد جواز التأخير بمن كان على ظهر سير وسيأتي الكلام عليه بعد ستة أبواب قوله يقيم المغرب كذا للحموى والأكثر بالقاف وهي موافقة للرواية الآتية وللمستملى والكشميهني يعتم بعين مهلمة ساكنة بعدها مثناة فوقانية مكسورة أي يدخل في العتمة ولكريمة يؤخر وفي الباب عن عمران بن حصين قال ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صلى ركعتين إلا المغرب صححه الترمذي وعن على صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة السفر ركعتين إلا المغرب ثلاثا أخرجه البزار وفيه أيضا عن خزيمة بن ثابت وجابر وغيرهما وعن عائشة كما تقدم في أول الصلاة

قوله باب صلاة التطوع على الدابة في رواية كريمة وأبي الوقت على الدواب بصيغة الجمع قال بن رشيد أورد فيه الصلاة على الراحلة فيمكن أن يكون ترجم بأعم ليلحق الحكم بالقياس ويمكن أن يستفاد ذلك من أطلاق حديث جابر المذكور في الباب أه وقد تقدم في أبواب الوتر قول الزين بن المنير أنه ترجم بالدابة تنبيها على أن لا فرق بينها وبين البعير في الحكم إلى آخر كلامه وأشرنا هناك إلى ما ورد هنا بعد باب بلفظ الدابة قوله حدثنا عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى

[ 1042 ] قوله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه هو العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاى حليف آل الخطاب كان من المهاجرين الأولين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجنائز وآخر علقه في الصيام وفي رواية عقيل عن بن شهاب الآتية بعد باب أن عامر بن ربيعة أخبره قوله يصلي على راحلته بين في رواية عقيل أن ذلك في غير المكتوبة وسيأتي بعد باب وكذا لمسلم من رواية يونس عن بن شهاب بلفظ السبحة قوله حيث توجهت به هو أعم من قول جابر في غير القبلة قال بن التين قوله حيث توجهت به مفهومه أنه يجلس عليها على هيئته التي يركبها عليها ويستقبل بوجهه ما استقبلته الراحلة فتقديره يصلي على راحلته التي له حيث توجهت به فعلى هذا يتعلق قوله توجهت به بقوله يصلي ويحتمل أن يتعلق بقوله على راحلته لكن يؤيد الأول الرواية الآتية يعني رواية عقيل عن بن شهاب بلفظ وهو على الراحلة يسبح قبل أي وجه توجهت

[ 1043 ] قوله حدثنا شيبان هو النحوي ويحيى هو بن أبي كثير ومحمد بن عبد الرحمن هو بن ثوبان كما سنبينه بعد باب قوله وهو راكب في الرواية الآتية على راحلته نحو المشرق وزاد وإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة وبين في المغازي من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر أن ذلك كان في غزوة أنمار وكانت أرضهم قبل المشرق لمن يخرج من المدينة فتكون القبلة على يسار القاصد إليهم وزاد الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع

[ 1044 ] قوله كان بن عمر يصلي على راحلته يعني في السفر وصرح به في حديث الباب الذي بعده قوله ويوتر عليها لا يعارض ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير أن بن عمر كان يصلي على الراحلة تطوعا فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض لأنه محمول على أنه فعل كلا من الأمرين ويؤيد رواية الباب ما تقدم في أبواب الوتر أنه أنكر على سعيد بن يسار نزوله الأرض ليوتر وإنما أنكر عليه مع كونه كان يفعله لأنه أراد أن يبين له أن النزول ليس بحتم ويحتمل أن يتنزل فعل بن عمر على حالين فحيث أوتر على الراحلة كان مجدا في السير وحيث نزل فأوتر على الأرض كان بخلاف ذلك

قوله باب الإيماء على الدابة أي للركوع والسجود لمن لم يتمكن من ذلك وبهذا قال الجمهور وروى أشهب عن مالك أن الذي يصلي على الدابة لا يسجد بل يومئ

[ 1045 ] قوله حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد العزيز تقدم هذا الحديث في أبواب الوتر في باب الوتر في السفر عن موسى هذا عن جويرية بن أسماء فكأن لموسى فيه شيخين فإن الراوي عن بن عمر في ذلك مغاير لهذا وزاد في رواية جويرية يومئ إيماء إلا الفرائض قال بن دقيق العيد الحديث يدل على الإيماء مطلقا في الركوع والسجود معا والفقهاء قالوا يكون الإيماء في السجود أخفض من الركوع ليكون البدل على وفق الأصل وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه قلت إلا أنه وقع في حديث جابر عند الترمذي كما تقدم

قوله باب ينزل للمكتوبة أي لاجلها قال بن بطال أجمع العلماء على اشتراط ذلك وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة على الدابة من غير عذر حاشا ما ذكر في صلاة شدة الخوف وذكر فيه حديث عامر بن ربيعة وقد تقدم قريبا

[ 1046 ] قوله يسبح أي يصلي النافلة وقد تكرر في الحديث كثيرا وسيأتي قريبا حديث عائشة سبحة الضحى والتسبيح حقيقة في قول سبحان الله فإذا أطلق على الصلاة فهو من باب إطلاق اسم البعض على الكل أو لأن المصلي منزه لله سبحانه وتعالى بإخلاص العبادة والتسبيح التنزيه فيكون من باب الملازمة وأما اختصاص ذلك بالنافلة فهو عرف شرعى والله أعلم

[ 1047 ] قوله وقال الليث وصله الإسماعيلي بالإسنادين المذكورين قيل ببابين

[ 1048 ] قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قال المهلب هذه الأحاديث تخص قوله تعالى وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وتبين أن قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله في النافلة وقد أخذ بمضمون هذه الأحاديث فقهاء الأمصار إلا أن أحمد وأبا ثور كانا يستحبان ان يستقل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة والحجة لذلك حديث الجارود بن أبي سبرة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتطوع في السفر استقبل بناقته القبلة ثم صلى حيث وجهت ركابه أخرجه أبو داود وأحمد والدارقطني واختلفوا في الصلاة على الدواب في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة فذهب الجمهور إلى جواز ذلك في كل سفر غير مالك فخصه بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة قال الطبري لا أعلم أحدا وافقه على ذلك قلت ولم يتفق على ذلك عنه وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه أنه سافر قصيرا فصنع ذلك وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك واحتج الطبري للجمهور من طريق النظر أن الله تعالى جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى السفر آخر ولم يجد ماء أنه يجوز له التيمم وقال فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له التنفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة أه وكأن السر فيما ذكر تيسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها تعظيما لأجورهم رحمة من الله بهم وقد طرد أبو يوسف ومن وافقه التوسعة في ذلك فجوزه في الحضر أيضا وقال به من الشافعية أبو سعيد الإصطخري واستدل بقوله حيث كان وجهه على أن جهة الطريق تكون بدلا عن القبلة حتى لا يجوز الانحراف عنها عامدا قاصدا لغير حاجة المسير إلا إن كان سائرا في غير جهة القبلة فانحرف الى جهة القبلة فإن ذلك لا يضره على الصحيح واستدل به على أن الوتر غير واجب عليه صلى الله عليه وسلم لايقاعه إياه على الراحلة كما تقدم البحث فيه في باب الوتر في السفر من أبواب الوتر واستنبط من دليل التنفل للراكب جواز التنفل للماشى ومنعه مالك مع أنه أجازه لراكب السفينة

قوله باب صلاة التطوع على الحمار قال بن رشيد مقصوده أنه لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون الدابة طاهرة الفضلات بل الباب في المركوبات واحد بشرط أن لا يماس النجاسة وقال بن دقيق العيد يؤخذ من هذا الحديث طهارة عرق الحمار لأن ملابسته مع التحرز منه متعذر لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه واحتمل العرق

[ 1049 ] قوله حدثنا حبان بفتح المهملة وبالموحدة هو بن هلال قوله استقبلنا أنس بن مالك بسكون اللام قوله حين قدم من الشام كان أنس قد توجه إلى الشام يشكو من الحجاج وقد ذكرت طرفا من ذلك في أوائل كتاب الصلاة ووقع في رواية مسلم حين قدم الشام وغلطوه لأن أنس بن سيرين إنما تلقاه لما رجع من الشام فخرج بن سيرين من البصرة ليتلقاه ويمكن توجيهه بأن يكون المراد بقوله حين قدم الشام مجرد ذكر الوقت الذي وقع له فيه ذلك كما تقول فعلت كذا لما حججت قال النووي رواية مسلم صحيحة ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام قوله فلقيناه بعين التمر هو موضع بطريق العراق مما يلي الشام وكانت به وقعة شهيرة في آخر خلافة أبي بكر بين خالد بن الوليد والأعاجم ووجد بها غلمانا من العرب كانوا رهنا تحت يد كسرى منهم جد الكلبي المفسر وحمران مولى عثمان وسيرين مولى أنس قوله رأيتك تصلي لغير القبلة فيه إشعار بأنه لم ينكر الصلاة على الحمار ولا غير ذلك من هيئة أنس في ذلك وإنما أنكر عدم استقبال القبلة فقط وفي قول أنس لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله يعني ترك استقبال القبلة للمتنفل على الدابة وهل يؤخذ منه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار فيه احتمال وقد نازع في ذلك الإسماعيلي فقال خبر أنس إنما هو في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راكبا تطوعا لغير القبلة فافراد الترجمة في الحمار من جهة السنة لا وجه له عندي أه وقد روى السراج من طريق يحيى بن سعيد عن أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو ذاهب إلى خيبر إسناده حسن وله شاهد عند مسلم من طريق عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن بن عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر فهذا يرجح الاحتمال الذي أشار إليه البخاري فائدة لم يبين في هذه الرواية كيفية صلاة أنس وذكره في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال رأيت أنسا وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع جبهته على شيء قوله ورواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج يعني بن حجاج الباهلي ولم يسق المصنف المتن ولا وقفنا عليه موصولا من طريق إبراهيم نعم وقع عند السراج من طريق عمرو بن عامر عن الحجاج بن الحجاج بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على ناقته حيث توجهت به فعلى هذا كأن أنسا قاس الصلاة على الراحلة بالصلاة على الحمار وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى أن من صلى على موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشيء منه أن صلاته صحيحة لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها وفيه الرجوع إلى أفعاله كالرجوع إلى أقواله من غير عرضة للاعتراض عليه وفيه تلقى المسافر وسؤال التلميذ شيخه عن مستند فعله والجواب بالدليل وفيه التلطف في السؤال والعمل بالإشارة لقوله من ذا الجانب

قوله باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة زاد الحموي في روايته وقبلها والارجح رواية الأكثر لما سيأتي في الباب الذي بعده وقد تقدم شيء من مباحث هذا الباب في أبواب الوتر والمقصود هنا بيان أن مطلق قول بن عمر صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر أي يتنفل الرواتب التي قبل الفريضة وبعدها وذلك مستفاد من قوله في الرواية الثانية وكان لا يزيد في السفر على ركعتين قال بن دقيق العيد وهذا اللفظ يحتمل أن يريد أن لا يزيد في عدد ركعات الفرض فيكون كناية عن نفى الإتمام والمراد به الإخبار عن المداومة على القصر ويحتمل أن يريد لا يزيد نفلا ويمكن أن يريد ما هو أعم من ذلك قلت ويدل على هذا الثاني رواية مسلم من الوجه الثاني الذي أخرجه المصنف ولفظه صحبت بن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلسنا معه فحانت منه التفاتة فرأى ناسا قياما فقال ما يصنع هؤلاء قلت يسبحون قال لو كنت مسبحا لاتممت فذكر المرفوع كما ساقه المصنف قال النووي أجابوا عن قول بن عمر هذا بأن الفريضة محتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها وأما النافلة فهي إلى خيرة المصلى فطريق الرفق به أن تكون مشروعة ويخير فيها أه وتعقب بأن مراد بن عمر بقوله لو كنت مسبحا لاتممت يعني أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه لكنه فهم من القصر التخفيف فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم

[ 1050 ] قوله حدثني عمر بن محمد هو بن زيد بن عبد الله بن عمر وحفص هو بن عاصم أي بن عمر بن الخطاب

[ 1051 ] ويحيى شيخ مسدد هو القطان قوله وأبا بكر معطوف على قوله صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وعمر وعثمان أي أنه كذلك صحبهم وكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين وفي ذكر عثمان إشكال لأنه كان في آخر أمره يتم الصلاة كما تقدم قريبا فيحمل على الغالب أو المراد به أنه كان لا يتنفل في أول أمره ولا في آخره وأنه إنما كان يتم إذا كان نازلا وأما إذا كان سائرا فيقصر فلذلك قيده في هذه الرواية بالسفر وهذا أولى لما تقدم تقريره في الكلام على تأويل عثمان

قوله باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلاة هذا مشعر بأن نفى التطوع في السفر محمول على ما بعد الصلاة خاصة فلا يتناول ما قبلها ولا ما لا تعلق له بها من النوافل المطلقة كالتهجد والوتر والضحى وغير ذلك والفرق بين ما قبلها وما بعدها أن التطوع قبلها لا يظن أنه منها لأنه ينفصل عنها بالإقامة وانتظار الإمام غالبا ونحو ذلك بخلاف ما بعدها فإنه في الغالب يتصل بها فقد يظن أنه منها فائدة نقل النووي تبعا لغيره أن العلماء اختلفوا في التنفل في السفر على ثلاثة أقوال المنع مطلقا والجواز مطلقا والفرق بين الرواتب والمطلقة وهو مذهب بن عمر كما أخرجه بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال صحبت بن عمر من المدينة إلى مكة وكان يصلي تطوعا على دابته حيثما توجهت به فإذا كانت الفريضة نزل فصلى وأغفلوا قولا رابعا وهو الفرق بين الليل والنهار في المطلقة وخامسا وهو ما فرغنا من تقريره قوله وركع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتي الفجر قلت ورد ذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن صلاة الصبح ففيه ثم صلى ركعتين قبل الصبح ثم صلى الصبح كما كان يصلي وله من حديث أبي هريرة في هذه القصة أيضا ثم دعا بماء فتوضأ ثم صلى سجدتين أي ركعتين ثم أقيمت الصلاة فصلى صلاة الغداة الحديث ولابن خزيمة والدارقطني من طريق سعيد بن المسيب عن بلال في هذه القصة فأمر بلالا فأذن ثم توضأ فصلوا ركعتين ثم صلوا الغداة ونحوه للدارقطني من طريق الحسن عن عمران بن حصين قال صاحب الهدى لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر إلا ما كان من سنة الفجر قلت ويرد على إطلاقه ما رواه أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر وكأنه لم يثبت عنده لكن الترمذي استغربه ونقل عن البخاري أنه رآه حسنا وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة قبل الظهر والله أعلم

[ 1052 ] قوله ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غير أم هانئ هذا لا يدل على نفى الوقوع لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما نفى ذلك عن نفسه وأما قول بن بطال لا حجة في قول بن أبي ليلى وترد عليه الأحاديث الواردة في أنه صلى الضحى وأمر بها ثم ذكر منها جملة فلا يرد على بن أبي ليلى شيء منها وسيأتي الكلام على صلاة الضحى في باب مفرد في أبواب التطوع والمقصود هنا أنه صلى الله عليه وسلم صلاها يوم فتح مكة وقد تقدم في حديث بن عباس أنه كان حينئذ يقصر الصلاة المكتوبة وكان حكمه حكم المسافر

[ 1053 ] قوله وقال الليث حدثني يونس قد تقدم قبل ببابين موصولا من رواية الليث عن عقيل ولكن لفظ الروايتين مختلف ورواية يونس هذه وصلها الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عنه

[ 1054 ] قوله يومئ برأسه هو تفسير لقوله يسبح أي يصلي إيماء وقد تقدم في باب الإيماء على الدابة من وجه آخر عن بن عمر لكن هناك ذكره موقوفا ثم عقبه بالمرفوع وهذا ذكره مرفوعا ثم عقبه بالموقوف وفائدة ذلك مع أن الحجة قائمة بالمرفوع أن يبين أن العمل استمر على ذلك ولم يتطرق إليه نسخ ولا معارض ولا راجح وقد اشتملت أحاديث الباب على أنواع ما يتطوع به سوى الراتبة التي بعد المكتوبة فالأول لما قبل المكتوبة والثاني لما له وقت مخصوص من النوافل كالضحى والثالث لصلاة الليل والرابع لمطلق النوافل وقد جمع بن بطال بين ما أختلف عن بن عمر في ذلك بأنه كان يمنع التنفل على الأرض ويقول به على الدابة وقال النووي تبعا لغيره لعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه بن عمر أو لعله تركها في بعض الأوقات لبيان الجواز أه وما جمعنا به تبعا للبخاري فيما يظهر أظهر والله أعلم

قوله باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء أورد فيه ثلاثة أحاديث حديث بن عمر وهو مقيد بما إذا جد السير وحديث بن عباس وهو مقيد بما إذا كان سائرا وحديث أنس وهو مطلق واستعمل المصنف الترجمة مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق لأن المقيد فرد من أفراده وكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائرا أم لا وسواء كان سيره مجدا أم لا وهذا مما وقع فيه الاختلاف بين أهل العلم فقال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين ومن الفقهاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأشهب وقال قوم لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه ووقع عند النووي أن الصاحبين خالفا شيخهما ورد عليه السروجي في شرح الهداية وهو أعرف بمذهبه وسيأتي الكلام على الجمع بعرفة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى وأجابوا عما ورد من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صورى وهو أنه أخر المغرب مثلا إلى آخر وقتها وعجل العشاء في أول وقتها وتعقبه الخطابي وغيره بأن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول بن عباس أراد أن لا يحرج أمته أخرجه مسلم وأيضا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين كما سيأتي في الباب الذي يليه وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع ومما يرد الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم الآتي ذكره بعد باب وقيل يختص الجمع بمن يجد في السير قاله الليث وهو القول المشهور عن مالك وقيل يختص بالمسافر دون النازل وهو قول بن حبيب وقيل يختص بمن له عذر حكى عن الأوزاعي وقيل يجوز جمع التأخير دون التقديم وهو مروي عن مالك وأحمد واختاره بن حزم تنبيه أورد المصنف في أبواب التقصير أبواب الجمع لأنه تقصير بالنسبة إلى الزمان ثم أبواب صلاة المعذور قاعدا لأنه تقصير بالنسبة إلى بعض صور الأفعال ويجمع الجميع الرخصة للمعذور

[ 1055 ] قوله في حديث بن عمر جد به السير أي اشتد قاله صاحب المحكم وقال عياض جد به السير أسرع كذا قال وكأنه نسب الإسراع إلى السير توسعا

[ 1056 ] قوله وقال إبراهيم بن طهمان وصله البيهقي من طريق محمد بن عبدوس عن أحمد بن حفص النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم المذكور بسنده المذكور إلى بن عباس بلفظه قوله على ظهر سير كذا للأكثر بالإضافة وفي رواية الكشميهني على ظهر بالتنوين يسير بلفظ المضارع بتحتانية مفتوحة في أوله قال الطيبي الظهر في قوله ظهر سير للتأكيد كقوله الصدقة عن ظهر غنى ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعا للكلام كأن السير كان مستندا إلى ظهر قوي من المطى مثل وقال غيره جعل للسير ظهر لأن الراكب ما دام سائرا فكأنه راكب ظهر قلت وفيه جناس التحريف بين الظهر والظهر واستدل به على جواز جمع التأخير وأما جمع التقديم فسيأتى الكلام عليه بعد باب

[ 1057 ] قوله وعن حسين هو معطوف على الذي قبله والتقدير وقال إبراهيم بن طهمان عن حسين عن يحيى عن حفص وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج ويحتمل أن يكون علقه عن حسين لا بقيد كونه من رواية إبراهيم بن طهمان عنه قوله تابعه على بن المبارك وحرب أي بن شداد عن يحيى هو بن أبي كثير عن حفص أي تابعا حسينا فأما متابعة حرب فوصلها المصنف في آخر الباب الذي بعده وقد تابعهم معمر عند أحمد وأبان بن يزيد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير

قوله باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء قال بن رشيد ليس في حديثي الباب تنصيص على الأذان لكن في حديث بن عمر منهما يقيم المغرب فيصليها ولم يرد بالإقامة نفس الأذان وإنما أراد يقيم للمغرب فعلى هذا فكأن مراده بالترجمة هل يؤذن أو يقتصر على الإقامة وجعل حديث أنس مفسرا بحديث بن عمر لأن في حديث بن عمر حكما زائدا أه ه ولعل المصنف أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق حديث بن عمر ففي الدارقطني من طريق عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن بن عمر في قصة جمعه بين المغرب والعشاء فنزل فأقام الصلاة وكان لا ينادي بشيء من الصلاة في السفر فقام فجمع بين المغرب والعشاء ثم رفع الحديث وقال الكرماني لعل الراوي لما أطلق لفظ الصلاة استفيد منه أن المراد بها التامة بأركانها وشرائطها وسننها ومن جملتها الأذان والإقامة وسبقه بن بطال إلى نحو ذلك

[ 1058 ] قوله يؤخر صلاة المغرب لم يعين غاية التأخير وبينه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر بأنه بعد أن يغيب الشفق وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وموسى بن عقبة عن نافع فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل وللمصنف في الجهاد من طريق أسلم مولى عمر عن بن عمر في هذه القصة حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمعا بينهما ولأبي داود من طريق ربيعة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر في هذه القصة فصار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جمعا وجاءت عن بن عمر روايات أخرى أنه صلى المغرب في آخر الشفق ثم أقام الصلاة وقد توارى الشفق فصلى العشاء أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن نافع ولا تعارض بينه وبين ما سبق لأنه كان في واقعة أخرى قوله ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء فيه اثبات للبث قليل وذلك على نحو ما وقع في الجمع بمزدلفة من إناخة الرواحل ويدل عليه ما تقدم من الطرق التي فيها جمع بينهما وصلاهما جميعا وفيه حجة على من حمل أحاديث الجمع على الجمع الصوري قال إمام الحرمين ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل ودليله من حيث المعنى الاستنباط من الجمع بعرفة ومزدلفة فإن سببه احتياج الحاج إليه لاشتغالهم بمناسكهم وهذا المعنى موجود في كل الأسفار ولم تتقيد الرخص كالقصر والفطر بالنسك إلى أن قال ولا يخفى على منصف أن الجمع أرفق من القصر فإن القائم إلى الصلاة لا يشق عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه ورفق الجمع واضح لمشقة النزول على المسافر واحتج به من قال باختصاص الجمع لمن جد به السير وسيأتي ذلك في الباب الذي بعده قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج ومال أبو على الجياني إلى أنه إسحاق بن منصور وقد تقدم الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله

قوله باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا أرتحل قبل أن تزيغ الشمس في هذا إشارة إلى أن جمع التأخير عند المصنف يختص بمن ارتحل قبل أن يدخل وقت الظهر قوله فيه بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه الماضي قبل باب فإنه قيد الجمع فيه بما إذا كان على ظهر السير ولا قائل بأنه يصليهما وهو راكب فتعين أن المراد به جمع التأخير ويؤيده رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من طريق مقسم عن بن عباس ففيها التصريح بذلك وإن كان في إسناده مقال لكنه يصلح للمتابعة

[ 1060 ] قوله حدثنا حسان الواسطي هو بن عبد الله بن سهل الكندي المصري كان أبوه واسطيا فقدم مصر فولد بها حسان المذكور واستمر بها إلى أن مات قوله حدثنا المفضل بن فضالة بفتح الفاء بعدها معجمة خفيفة من ثقات المصريين وفي الرواة حسان الواسطي آخر لكنه حسان بن حسان يروي عن شعبة وغيره ضعفه الدارقطني ووهم بعض الناس فزعم أنه شيخ البخاري هنا وليس كذلك فإنه ليست له رواية عن المصريين قوله تزيغ بزاى ومعجمة أي تميل وزاغت مالت وذلك إذا قام الفيء قوله ثم يجمع بينهما أي في وقت العصر وفي رواية قتيبة عن المفضل في الباب الذي بعده ثم نزل فجمع بينهما ولمسلم من رواية جابر بن إسماعيل عن عقيل يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق وله من رواية شبابة عن عقيل حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما قوله وإذا زاغت أي قبل أن يرتحل كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده

قوله باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب أورد فيه حديث أنس المذكور قبله وفيه فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب كذا فيه الظهر فقط وهو المحفوظ عن عقيل في الكتب المشهورة ومقتضاه أنه كان لا يجمع بين الصلاتين إلا في وقت الثانية منهما وبه احتج من أبى جمع التقديم كما تقدم ولكن روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم أرتحل أخرجه الإسماعيلي وأعل بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان حافظان وقد وقع نظيره في الأربعين للحاكم قال حدثنا محمد بن يعقوب هو الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني هو أحد شيوخ مسلم قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي فذكر الحديث وفيه فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب قال الحافظ صلاح الدين العلائي هكذا وجدته بعد التتبع في نسخ كثيرة من الأربعين بزيادة العصر وسند هذه الزيادة جيد انتهى قلت وهي متابعة قوية لرواية إسحاق بن راهويه إن كانت ثابتة لكن في ثبوتها نظر لأن البيهقي أخرج هذا الحديث عن الحاكم بهذا الإسناد مقرونا برواية أبي داود عن قتيبة وقال إن لفظهما سواء إلا أن في رواية قتيبة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية حسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشهور في جمع التقديم ما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل وقد أعله جماعة من أئمة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة حكاه الحاكم في علوم الحديث وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل وهشام مختلف فيه وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم وورد في جمع التقديم حديث آخر عن بن عباس أخرجه أحمد وذكره أبو داود تعليقا والترمذي في بعض الروايات عنه وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف لكن له شواهد من طريق حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن بن عباس لا أعلمه إلا مرفوعا أنه كان إذا نزل منزلا في السفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل فإذا لم يتهيأ له المنزل مد في السير فسار حتى ينزل فيجمع بين الظهر والعصر أخرجه البيهقي ورجاله ثقات إلا أنه مشكوك في رفعه والمحفوظ أنه موقوف وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزوما بوقفه على بن عباس ولفظه إذا كنتم سائرين فذكر نحوه وفي حديث أنس استحباب التفرقة في حال الجمع بين ما إذا كان سائرا أو نازلا وقد استدل به على اختصاص الجمع بمن جد به السير لكن وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في الموطأ ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جمعا قال الشافعي في الأم قوله دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا وقال بن عبد البر في هذا أوضح دليل على الرد على من قال لا يجمع إلا من جد به السير وهو قاطع للالتباس انتهى وحكى عياض أن بعضهم أول قوله ثم دخل أي في الطريق مسافرا ثم خرج أي عن الطريق للصلاة ثم أستبعده ولا شك في بعده وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر عادته ما دل عليه حديث أنس والله أعلم ومن ثم قال الشافعية ترك الجمع أفضل وعن مالك رواية أنه مكروه وفي هذه الأحاديث تخصيص لحديث الأوقات التي بينها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وبينها النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث قال في آخرها الوقت ما بين هذين وقد تقدمت الإشارة إليه في المواقيت تنبيه تقدم الكلام على الجمع بين الصلاتين بعذر المطر أو المرض أو الحاجة في الحضر في المواقيت في باب وقت الظهر وفي باب وقت المغرب

قوله باب صلاة القاعد قال بن رشيد أطلق الترجمة فيحتمل أن يريد صلاة القاعد للعذر إماما كان أو مأموما أو منفردا ويؤيده أن أحاديث الباب دالة على التقييد بالعذر ويحتمل أن يريد مطلقا لعذر ولغير عذر ليبين أن ذلك جائز إلا ما دل الإجماع على منعه وهو صلاة الفريضة للصحيح قاعدا أه

[ 1062 ] قوله وهو شاك بالتنوين مخففا من الشكاية وقد تقدم الكلام عليه موضحا في أبواب الإمامة وكذا على حديث أنس وفيه بيان سبب الشكاية وهما في صلاة الفرض بلا خلاف وأما حديث عمران ففيه احتمال سنذكره قوله أخبرنا حسين هو المعلم كما صرح به في الباب الذي بعده

[ 1064 ] قوله عن عمران بن حصين في رواية عفان عن عبد الوارث حدثنا عمران أخرجه الإسماعيلي وفيه غنية عن تكلف بن حبان إقامة الدليل على أن بن بريدة عاصر عمران قوله وأخبرنا إسحاق في رواية الكشميهني وزاد إسحاق والمراد به على الحالين إسحاق بن منصور شيخه في الإسناد الذي قبله قوله سمعت أبي هو عبد الوارث بن سعيد التنوري وهذه الطريق أنزل من التي قبلها وكذا من التي بعدها بدرجة لكن استفيد منها تصريح بن بريدة بقوله حدثني عمران قوله وكان مبسورا بسكون الموحدة بعدها مهملة أي كانت به بواسير كما صرح به بعد باب والبواسير جمع باسور يقال بالموحدة وبالنون أو الذي بالموحدة ورم في باطن المقعدة والذي بالنون قرحة فاسدة لا تقبل البرء ما دام فيها ذلك الفساد قوله عن صلاة الرجل قاعدا قال الخطابي كنت تأولت هذا الحديث على أن المراد به صلاة التطوع يعني للقادر لكن قوله من صلى نائما يفسده لأن المضطجع لا يصلي التطوع كما يفعل القاعد لأني لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في ذلك قال فإن صحت هذه اللفظة ولم يكن بعض الرواة أدرجها قياسا منه للمضطجع على القاعد كما يتطوع المسافر على راحلته فالتطوع للقادر على القعود مضطجعا جائز بهذا الحديث قال وفي القياس المتقدم نظر لأن القعود شكل من أشكال الصلاة بخلاف الاضطجاع قال وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبا له في القيام مع جواز قعوده انتهى وهو حمل متجه ويؤيده صنيع البخاري حيث أدخل في الباب حديثي عائشة وأنس وهما في صلاة المفترض قطعا وكأنه أراد أن تكون الترجمة شاملة لأحكام المصلي قاعدا ويتلقى ذلك من الأحاديث التي أوردها في الباب فمن صلى فرضا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء كما دل عليه حديث أنس وعائشة فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال وأما قول الباجي إن الحديث في المفترض والمتنقل معا فإن أراد بالمفترض ما قررناه فذاك وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء وحكى بن التين وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيلي والداودى وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على المتنفل وكذا نقله الترمذي عن الثوري قال وأما المعذور إذا صلى جالسا فله مثل أجر القائم ثم قال وفي هذا الحديث ما يشهد له يشير إلى ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم ولهذا الحديث شواهد كثيرة سيأتي ذكرها في الكلام عليه إن شاء الله تعالى ويؤيد ذلك قاعدة تغليب فضل الله تعالى وقبول عذر من له عذر والله أعلم ولا يلزم من اقتصار العلماء المذكورين في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا ترد الصورة التي ذكرها الخطابي وقد ورد في الحديث ما يشهد لها فعند أحمد من طريق بن جريج عن بن شهاب عن أنس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة فحمى الناس فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال صلاة القاعد نصف صلاة القائم رجاله ثقات وعند النسائي متابع له من وجه آخر وهو وارد في المعذور فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابي وأما نفى الخطابي جواز التنفل مضطجعا فقد تبعه بن بطال على ذلك وزاد لكن الخلاف ثابت فقد نقله الترمذي بإسناده إلى الحسن البصري قال إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا وقال به جماعة من أهل العلم وأحد الوجهين للشافعية وصححه المتأخرون وحكاه عياض وجها عند المالكية أيضا وهو اختيار الأبهري منهم واحتج بهذا الحديث تنبيه سؤال عمران عن الرجل خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له بل الرجل والمرأة في ذلك سواء قوله ومن صلى قاعدا يستثنى من عمومه النبي صلى الله عليه وسلم فان صلاته قاعدا لا ينقص أجرها عن صلاته قائما لحديث عبد الله بن عمرو قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة فأتيته فوجدته يصلى جالسا فوضعت يدي على رأسي فقال مالك يا عبد الله فأخبرته فقال أجل ولكني لست كأحد منكم أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وهذا ينبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه وهو الصحيح وقد عد الشافعية في خصائصه صلى الله عليه وسلم هذه المسألة وقال عياض في الكلام على تنفله صلى الله عليه وسلم قاعدا قد علله في حديث عبد الله بن عمرو بقوله لست كأحد منكم فيكون هذا مما خص به قال ولعله أشار بذلك إلى من لا عذر له فكأنه قال إني ذو عذر وقد رد النووي هذا الاحتمال قال وهو ضعيف أو باطل فائدة لم يبين كيفية القعود فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلى وهو قضية كلام الشافعي في البويطي وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا وقيل يجلس مفترشا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني وصححه الرافعي ومن تبعه وقيل متوركا وفي كل منها أحاديث وسيأتي الكلام على قوله نائما في الباب الذي يليه

قوله باب صلاة القاعد بالإيماء أورد فيه حديث عمران بن حصين أيضا وليس فيه ذكر الإيماء وإنما فيه مثل ما في الذي قبله ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد قال بن رشيد مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن من صلى على جنب فقد أحتاج إلى الإيماء انتهى وليس ذلك بلازم نعم يمكن أن يكون البخاري يختار جواز ذلك ومستنده ترك التفصيل فيه من الشارع وهو أحد الوجهين للشافعية وعليه شرح الكرماني والأصح عند المتأخرين أنه لا يجوز للقادر الإيماء للركوع والسجود وإن جاز التنفل مضطجعا بل لا بد من الإتيان بالركوع والسجود حقيقة وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ترجم بالإيماء ولم يقع في الحديث إلا ذكر النوم فكأنه صحف

[ 1065 ] قوله نائما يعنى بنون على اسم الفاعل من النوم فظنه بايماء يعنى بموحدة مصدر أومأ فلهذا ترجم بذلك انتهى ولم يصب في ظنه أن البخاري صحفه فقد وقع في رواية كريمة وغيرها عقب حديث الباب قال أبو عبد الله يعنى البخاري قوله نائما عندي أي مضطجعا فكأن البخاري كوشف بذلك وهذا التفسير قد وقع مثله في رواية عفان عن عبد الوارث في هذا الحديث قال عبد الوارث النائم المضطجع أخرجه الإسماعيلي قال الإسماعيلي معنى قوله نائما أي على جنب أه وقد وقع في رواية الأصيلي على التصحيف أيضا حكاه بن رشيد ووجهه بأن معناه من صلى قاعدا أومأ الركوع والسجود وهذا موافق للمشهور عند المالكية أنه يجوز له الإيماء إذا صلى نفلا قاعدا مع القدرة على الركوع والسجود وهو الذي يتبين من اختيار البخاري وعلى رواية الأصيلي شرح بن بطال وأنكر على النسائي ترجمته على هذا الحديث فضل صلاة القاعد على النائم وادعى أن النسائي صحفه قال وغلطه فيه ظاهر لأنه ثبت الأمر للمصلي إذا وقع عليه النوم أن يقطع الصلاة وعلل ذلك بأنه لعله يستغفر فيسب نفسه قال فكيف يأمره بقطع الصلاة ثم يثبت أن له عليها نصف أجر القاعد أه وما تقدم من التعقب على الإسماعيلي يرد عليه قال شيخنا في شرح الترمذي بعد أن حكى كلام بن بطال لعله هو الذي صحف وإنما ألجأه إلى ذلك حمل قوله نائما على النوم الحقيقى الذي أمر المصلي إذا وجده بقطع الصلاة وليس ذلك المراد هنا إنما المراد الاضطجاع كما تقدم تقريره وقد ترجم النسائي فضل صلاة القاعد على النائم والصواب من الرواية نائما بالنون على اسم الفاعل من النوم والمراد به الاضطجاع كما تقدم ومن قال غير ذلك فهو الذي صحف والذي غرهم ترجمة البخاري وعسر توجيهها عليهم ولله الحمد على ما وهب

قوله باب إذا لم يطق أي الإنسان الصلاة في حال القعود صلى على جنبه قوله وقال عطاء إذا لم يقدر في رواية الكشميهني إن لم يقدر الخ وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء بمعناه ومطابقته للترجمة من جهة أن الجامع بينهما أن العاجز عن أداء فرض ينتقل إلى فرض دونه ولا يترك وهو حجة على من زعم أن العاجز عن القعود في الصلاة تسقط عنه الصلاة وقد حكاه الغزالي عن أبي حنيفة وتعقب بأنه لا يوجد في كتب الحنفية

[ 1066 ] قوله عن عبد الله هو بن المبارك وسقط ذكره من رواية أبي زيد المروزي ولا بد منه فإن عبدان لم يسمع من إبراهيم بن طهمان والحسين المكتب هو بن ذكوان المعلم الذي سبق في الباب قبله قال الترمذي لا نعلم أحدا روى هذا عن حسين إلا إبراهيم وروى أبو أسامة وعيسى بن يونس وغيرهما عن حسين على اللفظ السابق أه ولا يؤخذ من ذلك تضعيف رواية إبراهيم كما فهمه بن العربي تبعا لابن بطال ورد على الترمذي بأن رواية إبراهيم توافق الأصول ورواية غيره تخالفها فتكون رواية إبراهيم أرجح لأن ذلك راجع إلى الترجيح من حيث المعنى لا من حيث الإسناد وإلا فاتفاق الأكثر على شيء يقتضى أن رواية من خالفهم تكون شاذة والحق أن الروايتين صحيحتان كما صنع البخاري وكل منهما مشتملة على حكم غير الحكم الذي اشتملت عليه الأخرى والله أعلم قوله عن الصلاة المراد عن صلاة المريض بدليل قوله في أوله كانت بي بواسير وفي رواية وكيع عن إبراهيم بن طهمان سألت عن صلاة المريض أخرجه الترمذي وغيره تنبيه قال الخطابي لعل هذا الكلام كان جواب فتيا استفتاها عمران وإلا فليست علة البواسير بمانعة من القيام في الصلاة على ما فيها من الأذى أه ولا مانع من أن يسأل عن حكم ما لم يعلمه لاحتمال أن يحتاج إليه فيما بعد قوله فإن لم تستطع استدل به من قال لا ينتقل المريض إلى القعود إلا بعد عدم القدرة على القيام وقد حكاه عياض عن الشافعي وعن مالك وأحمد وإسحاق لا يشترط العدم بل وجود المشقة والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفى الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام أو خوف زيادة المرض أو الهلاك ولا يكتفى بأدنى مشقة ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة وخوف الغرق لو صلى قائما فيها وهل يعد في عدم الاستطاعة من كان كامنا في الجهاد ولو صلى قائما لرآه العدو فتجوز له الصلاة قاعدا أو لا فيه وجهان للشافعية الأصح الجواز لكن يقضي لكونه عذرا نادرا واستدل به على تساوى عدم الاستطاعة في القيام والقعود في الانتقال خلافا لمن فرق بينهما كإمام الحرمين ويدل للجمهور أيضا حديث بن عباس عند الطبراني بلفظ يصلي قائما فإن نالته مشقة فجالسا فإن نالته مشقة صلى نائما الحديث فاعتبر في الحالين وجود المشقة ولم يفرق قوله فعلى جنب في حديث على عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه وهو حجة للجمهور في الانتفال من القعود إلى الصلاة على الجنب وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقى على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة ووقع في حديث على أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع واستدل به من قال لا ينتفل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى كالاشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم على القلب لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وقال بعض الشافعية بالترتيب المذكور وجعلوا مناط الصلاة حصول العقل فحيث كان حاضرا العقل لا يسقط عنه التكليف بها فيأتي بما يستطيعه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم هكذا استدل به الغزالي وتعقبه الرافعي بأن الخبر أمر بالإتيان بما يشتمل عليه المأمور والقعود لا يشتمل على القيام وكذا ما بعده إلى آخر ما ذكر وأجاب عنه بن الصلاح بأنا لا نقول إن الآتي بالقعود آت بما استطاعته من القيام مثلا ولكنا نقول يكون آتيا بما استطاعه من الصلاة لأن المذكورات أنواع لجنس الصلاة بعضها أدنى من بعض فإذا عجز عن الأعلى وآتى بالأدنى كان آتيا بما استطاع من الصلاة وتعقب بأن كون هذه المذكورات من الصلاة فرع لمشروعية الصلاة بها وهو محل النزاع فائدة قال بن المنير في الحاشية اتفق لبعض شيوخنا فرع غريب في النقل كثير في الوقوع وهو أن يعجز المريض عن التذكر ويقدر على الفعل فألهمه الله أن يتخذ من يلقنه فكان يقول أحرم بالصلاة قل الله أكبر أقرا الفاتحة قل الله أكبر للركوع إلى آخر الصلاة يلقنه ذلك تلقينا وهو يفعل جميع ما يقول له بالنطق أو بالإيماء رحمه الله

قوله باب إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفه تمم ما بقي في رواية الكشميهني أتم ما بقي أي لا يستأنف بل يبني عليه إتيانا بالوجه الأتم من القيام ونحوه وفي هذه الترجمة إشارة إلى الرد على من قال من افتتح الفريضة قاعدا لعجزه عن القيام ثم أطلق القيام وجب عليه الاستئناف وهو محكى عن محمد بن الحسن وخفي ذلك على بن المنير حتى قال أراد البخاري بهذه الترجمة رفع خيال من تخيل أن الصلاة لا تتبعض فيجب الاستئناف على من صلى قاعدا ثم استطاع القيام قوله وقال الحسن إن شاء المريض أي في الفريضة صلى ركعتين قائما وهذا الأثر وصله بن أبي شيبة بمعناه ووصله الترمذي أيضا بلفظ آخر وتعقبه بن التين بأنه لا وجه للمشيئة هنا لأن القيام لا يسقط عمن قدر عليه إلا إن كان يريد بقوله إن شاء أي بكلفة كثيرة أه ويظهر أن مراده أن من افتتح الصلاة قاعدا ثم استطاع القيام كان له إتمامها قائما إن شاء بأن يبني على ما صلى وإن شاء استأنفها فاقتضى ذلك جواز البناء وهو قول الجمهور ثم أورد المصنف حديث عائشة من رواية مالك بإسنادين له أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قاعدا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثلاثين أو أربعين آية قائما ثم ركع وزاد في الطريق الثانية منهما أنه كان يفعل ذلك في الركعة الثانية وفي الأولى منهما تقييد ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الليل قاعدا إلا بعد أن أسن وسيأتي في اثناء صلاة الليل من هذا الوجه بلفظ حتى إذا كبر وفي رواية عثمان بن أبي سليمان عن أبي سلمة عن عائشة لم يمت حتى كان أكثر صلاته جالسا وفي حديث حفصة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته جالسا حتى إذا كان قبل موته بعام وكان يصلي في سبحته جالسا الحديث أخرجهما مسلم قال بن التين قيدت عائشة ذلك بصلاة الليل لتخرج الفريضة وبقولها حتى أسن لتعلم أنه إنما فعل ذلك إبقاء على نفسه ليستديم الصلاة وأفادت أنه كان يديم القيام وأنه كان لا يجلس عما يطيقه من ذلك وقال بن بطال هذه الترجمة تتعلق بالفريضة وحديث عائشة يتعلق بالنافلة ووجه استنباطه أنه لما جاز في النافلة القعود لغير علة مانعة من القيام وكان عليه الصلاة والسلام يقوم فيها قبل الركوع كانت الفريضة التي لا يجوز القعود فيها إلا بعدم القدرة على القيام أولى أه والذي يظهر لي أن الترجمة ليست مختصة بالفريضة بل قوله ثم صح يتعلق بالفريض وقوله أو وجد خفة يتعلق بالنافلة وهذا الشق مطابق للحديث ويؤخذ ما يتعلق بالشق الآخر بالقياس عليه والجامع بينهما جواز إيقاع بعض الصلاة قاعدا وبعضها قائما ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائما كما يباح له أن يفتتحها قاعدا ثم يقوم إذ لا فرق بين الحالتين ولا سيما مع وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية خلافا لمن أبى ذلك واستدل به على أن من افتتح صلاته مضطجعا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله

[ 1068 ] قوله فإذا بقي من قراءته فيه إشارة إلى أن الذي كان يقرؤه قبل أن يقوم أكثر لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل وفي هذا الحديث أنه لا يشترط لمن افتتح النافلة قاعدا أن يركع قاعدا أو قائما يركع قائما وسيأتي البحث في ذلك في باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل من أبواب التهجد قوله فإذا قضى صلاته نظر الخ يأتي الكلام عليه في أبواب التطوع في الكلام على ركعتي الفجر إن شاء الله تعالى خاتمة اشتملت أبواب التقصير وما معه من الأحاديث المرفوعة على اثنين وخمسين حديثا المعلق منها ستة عشر حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون والبقية موصولة وافقه مسلم على تخرجيها سوى حديث بن عباس في قدر الإقامة بمكة وحديث جابر في التطوع راكبا إلى غير القبلة وحديث أنس في الجمع بين المغرب والعشاء وحديث عمران في صلاة القاعد وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة فمن بعدهم ستة آثار والله أعلم