أبواب التهجد
 بسم الله الرحمن الرحيم

قوله باب التهجد بالليل في رواية الكشميهني من الليل وهو أوفق للفظ الآية وسقطت البسملة من رواية أبي ذر وقصد البخاري إثبات مشروعية قيام الليل مع عدم التعرض لحكمه وقد أجمعوا إلا شذوذا من القدماء على أن صلاة الليل ليست مفروضة على الأمة واختلفوا في كونها من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي تصريح المصنف بعدم وجوبه على الأمة قريبا قوله وقوله عز وجل ومن الليل فتهجد به زاد أبو ذر في روايته اسهر به وحكاه الطبري أيضا وفي المجاز لأبي عبيدة قوله فتهجد به أي اسهر بصلاة وتفسير التهجد بالسهر معروف في اللغة وهو من الأضداد يقال تهجد إذا سهروا تهجد إذا نام حكاه الجوهري وغيره ومنهم من فرق بينهما فقال هجدت نمت وتهجدت سهرت حكاه أبو عبيدة وصاحب العين فعلى هذا أصل الهجود النوم ومعنى تهجدت طرحت عنى النوم وقال الطبري التهجد السهر بعد نومة ثم ساقه عن جماعة من السلف وقال بن فارس المتهجد المصلي ليلا وقال كراع التهجد صلاة الليل خاصة قوله نافلة لك النافلة في اللغة الزيادة فقيل معناه عبادة زائدة في فرائضك وروى الطبري عن بن عباس أن النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة لأنه أمر بقيام الليل وكتب عليه دون أمته وإسناده ضعيف وقيل معناه وزيادة لك خالصة لأن تطوع غيره يكفر ما على صاحبه من ذنب وتطوعه هو صلى الله عليه وسلم يقع خالصا له لكونه لا ذنب عليه وروى معنى ذلك الطبري وابن أبي حاتم عن مجاهد بإسناد حسن وعن قتادة كذلك ورجح الطبري الأول وليس الثاني ببعيد من الصواب

[ 1069 ] قوله إذا قام من الليل يتهجد في رواية مالك عن أبي الزبير عن طاوس إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل وظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة وترجم عليه بن خزيمة الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا التحميد بعد أن يكبر ثم ساقه من طريق قيس بن سعد عن طاوس عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد قال بعد ما يكبر اللهم لك الحمد وسيأتي هذا في الدعوات من طريق كريب عن بن عباس في حديث مبيته عند النبي صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة وفي آخره وكان في دعائه اللهم اجعل في قلبي نورا الحديث وهذا قاله لما أراد أن يخرج إلى صلاة الصبح كما بينه مسلم من رواية على بن عبد الله بن عباس عن أبيه قوله قيم السماوات في رواية أبي الزبير المذكورة قيام السماوات وسيأتي الكلام عليه في التوحيد قال قتادة القيام القائم بنفسه بتدبير خلقه المقيم لغيره قوله أنت نور السماوات والأرض أي منورهما وبك يهتدى من فيهما وقيل المعنى أنت المنزه عن كل عيب يقال فلان منور أي مبرأ من كل عيب ويقال هو اسم مدح تقول فلان نور البلد أي مزينه قوله أنت ملك السماوات كذا للأكثر وللكشميهني لك ملك السماوات والأول أشبه بالسياق قوله أنت الحق أي المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه قال القرطبي هذا الوصف له سبحانه وتعالى بالحقيقة خاص به لا ينبغي لغيره إذ وجوده لنفسه فلم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره وقال بن التين يحتمل أن يكون معناه أنت الحق بالنسبة إلى من يدعى فيه أنه إله أو بمعنى ان من سماك إلها فقد قال الحق قوله ووعدك الحق أي الثابت وعرفه ونكر ما بعده لأن وعده مختص بالنجاز دون وعد غيره والتنكير في البواقي للتعظيم قاله الطيبي واللقاء وما ذكر بعده داخل تحت الوعد لكن الوعد مصدر وما ذكر بعده هو الموعود به ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام كما أن ذكر القول بعد الوعد من العام بعد الخاص قاله الكرماني قوله ولقاؤك حق فيه الإقرار بالبعث بعد الموت وهو عباره عن مآل الخلق في الدار الاخره بالنسبه إلى الجزاء على الأعمال وقيل معنى لقاؤك حق أي الموت وأبطله النووي قوله وقولك حق تقدم ما فيه قوله والجنة حق والنار حق فيه إشارة إلى إنهما موجودتان وسيأتي البحث فيه في بدء الخلق قوله ومحمد صلى الله عليه وسلم حق خصه بالذكر تعظيما له وعطفه على النبيين إيذانا بالتغاير بأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة وجرده عن ذاته كأنه غيره ووجب عليه الإيمان به وتصديقه مبالغة في إثبات نبوته كما في التشهد قوله والساعه حق أي يوم القيامة وأصل الساعة القطعه من الزمان وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها وإنها مما يجب أن يصدق بها وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد قوله اللهم لك أسلمت أي انقدت وخضعت وبك آمنت أي صدقت وعليك توكلت أي فوضت الأمر إليك تاركا للنظر في الأسباب العاديه قال العلامة بن باز حفظه الله ليس هذا التفسير بجيد والصواب في تفسير التوكل عند أهل التحقيق أنه الاعتماد على الله والثقة والإيمان بأنه مقدر الأشياء ومدبر الأمور كلها مع النظر في الأسباب العادية من العبد وقيامه بها فالتوكل مركب من شيئين أحدهما الاعتماد على الله والثقة والتفويض إليه لكونه قد علم الأشياء وقدرها وله القدرة الشاملة والمشيئة النافذة والثاني النظر من العبد في الأسباب الدينية والدنيوية وقيامه بها والله أعلم وإليك أنبت أي رجعت إليك في تدبير أمري قوله وبك خاصمت أي بما أعطيتني من البرهان وبما لقنتني من الحجة قوله وإليك حاكمت أي كل من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحكم بيننا لا من كانت الجاهلية تتحاكم إليه من كاهن ونحوه وقدم مجموع صلات هذه الأفعال عليها أشعارا بالتخصيص وإفادة للحصر وكذا قوله ولك الحمد وقوله فاغفر لي قال ذلك مع كونه مغفورا له أما على سبيل التواضع والهضم لنفسه وإجلالا وتعظيما لربه أو على سبيل التعليم لأمته لتقتدى به كذا قيل والأولى أنه لمجموع ذلك وإلا لو كان للتعليم فقط لكفى فيه أمرهم بأن يقولوا قوله وما قدمت أي قبل هذا الوقت وما أخرت عنه قوله وما أسررت وما أعلنت أي اخفيت واظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني زاد في التوحيد من طريق بن جريج عن سليمان وما أنت أعلم به مني وهو من العام بعد الخاص أيضا قوله أنت المقدم وأنت المؤخر قال المهلب أشار بذلك إلى نفسه لأنه المقدم في البعث في الآخرة والمؤخر في البعث في الدنيا زاد في رواية بن جريج أيضا في الدعوات أنت الهي لا إله لي غيرك قال الكرماني هذا الحديث من جوامع الكلم لأن لفظ القيم اشاره إلى أن وجود الجواهر وقوامها منه والنور إلى أن الأعراض أيضا منه والملك إلى أنه حاكم عليها ايجادا وإعداما يفعل ما يشاء وكل ذلك من نعم الله على عباده فلهذا قرن كلا منها بالحمد وخصص الحمد به ثم قوله أنت الحق إشاره إلى المبدا والقول ونحوه إلى المعاش والساعه ونحوها إشاره إلى المعاد وفيه الإشاره إلى النبوة وإلى الجزاء ثوابا وعقابا ووجوب الإيمان والإسلام والتوكل والإنابة والتضرع إلى الله والخضوع له انتهى وفيه زيادة معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بعظمة ربه وعظيم قدرته ومواظبته على الذكر والدعاء والثناء على ربه والإعتراف له بحقوقه والإقرار بصدق وعده ووعيده وفيه استحباب تقديم الثناء على المسألة عند كل مطلوب اقتداء به صلى الله عليه وسلم قوله قال سفيان وزاد عبد الكريم أبو أمية هذا موصول بالإسناد الأول ووهم من زعم أنه معلق وقد بين ذلك الحميدي في مسنده عن سفيان قال حدثنا سليمان الأحول خال بن أبي نجيح سمعت طاوسا فذكر الحديث وقال في آخره قال سفيان وزاد فيه عبد الكريم ولا حول ولا قوة الا بك ولم يقلها سليمان وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل القاضي عن علي بن عبد الله بن المديني شيخ البخاري فيه فقال في آخره قال سفيان وكنت إذا قلت لعبد الكريم أبي آخر حديث سليمان ولا إله غيرك قال ولا حول ولا قوة إلا بالله قال سفيان وليس هو في حديث سليمان انتهى ومقتضى ذلك أن عبد الكريم لم يذكر إسناده في هذه الزيادة لكنه على الاحتمال ولا يلزم من عدم سماع سفيان لها من سليمان أن لا يكون سليمان حدث بها وقد وهم بعض أصحاب سفيان فأدرجها في حديث سليمان أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن عبد الله بن نمير عن سفيان فذكرها في آخر الخبر بغير تفصيل وليس لعبد الكريم أبي أمية وهو بن أبي المخارق في صحيح البخاري الا هذا الموضع ولم يقصد البخاري التخريج له فلأجل ذلك لا يعدونه في رجاله وإنما وقعت عنه زيادة في الخبر غير مقصودة لذاتها كما تقدم مثله للمسعودى في الاستسقاء وسيأتي نحوه للحسن بن عمارة في البيوع وعلم المزي على هؤلاء علامه التعليق وليس بجيد لأن الرواية عنهم موصولة إلا أن البخاري لم يقصد التخريج عنهم ومن هنا يعلم أن قول المنذري قد استشهد البخاري بعبد الكريم أبي أمية في كتاب التهجد ليس بجيد لأنه لم يستشهد به إلا أن أراد بالإستشهاد مقابل الاحتجاج فله وجه وأما قول بن طاهر أن البخاري ومسلما اخرجا لعبد الكريم هذا في الحج حديثا واحدا عن مجاهد عن بن أبي ليلى عن علي في القيام على البدن من رواية بن عيينة عن عبد الكريم فهو غلط منه فإن عبد الكريم المذكور هو الجزري والله المستعان قوله قال سفيان هو موصول أيضا وإنما أراد سفيان بذلك بيان سماع سليمان له من طاوس لإيراده له أولا بالعنعنه ووقع في رواية الحميدي التصريح بالسماع كما تقدم ولأبي ذر وحده هنا قال علي بن خشرم قال سفيان الخ ولعل هذه الزياده عن الفربري فإن علي بن خشرم لم يذكروه في شيوخ البخاري وأما الفربري فقد سمع من علي بن خشرم كما سيأتي في أحاديث الأنبياء في قصة موسى والخضر فكأن هذا الحديث أيضا كان عنده عاليا عن علي بن خشرم عن سفيان فذكره لأجل العلو والله أعلم

قوله باب فضل قيام الليل أورد فيه حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في رؤياه وفيه فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا وظاهره أن

[ 1070 ] قوله فكان بعد لا ينام الخ من كلام سالم لكن وقع في التعبير من رواية البخاري عن عبد الله بن محمد شيخه هنا بإسناده هذا قال الزهري فكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل ومقتضاه أن في السياق الأول إدراجا لكن أورده في المناقب من رواية عبد الرزاق وفي آخره قال سالم وكان عبد الله لا ينام من الليل الا قليلا فظهر أن لا إدراج فيه وأيضا فكلام سالم في ذلك مغاير لكلام الزهري فانتفى الادراج عنه أصلا وراسا وشاهد الترجمة قوله نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فمقتضاه أن من كان يصلي من الليل يوصف بكونه نعم الرجل وفي رواية نافع عن بن عمر في التعبير أن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل وهو أبين في المقصود وكان المصنف لم يصح عنده حديث صريح في هذا الباب فاكتفى بحديث بن عمر وقد أخرج فيه مسلم حديث أبي هريرة أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل وكأن البخاري توقف فيه للإختلاف في وصله وإرساله وفي رفعه ووقفه قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي وهشام هو بن يوسف الصنعاني ومحمود هو بن غيلان قوله كان الرجل اللام للجنس ولا مفهوم له وإنما ذكر للغالب قوله فتمنيت أن أرى في رواية الكشميهني إني أرى وزاد في التعبير من وجه آخر فقلت في نفسي لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء ويؤخذ منه أن الرؤيا الصالحه تدل علي خير رائها قوله كأن ملكين لم اقف على تسميتهما قوله فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطويه في رواية أيوب عن نافع الآتية قريبا كأن اثنين أتياني أرادا أن يذهبا بي إلى النار فتلقاهما ملك فقال لن تراع خليا عنه وظاهر هذا إنهما لم يذهبا به ويجمع بينهما بحمل الثاني على إدخاله فيها فالتقدير أن يذهبا بي إلى النار فيدخلاني فيها فلما نظرتها فإذا هي مطويه ورأيت من فيها واستعذت فلقينا ملك آخر قوله فإذا هي مطويه أي مبنيه والبئر قبل أن تبني تسمى قليبا قوله وإذا لها قرنان هكذا للجمهور وحكى الكرماني أن في نسخه قرنين فأعربها بالجر أو بالنصب على أن فيه شيئا مضافا حذف وترك المضاف إليه على ما كان عليه وتقديره فإذا لها مثل قرنين وهو كقراءة من قرأ تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة بالجر أي يريد عرض الآخرة أو ضمن إذا المفاجأه معنى الوجدان أي فإذا بي وجدت لها قرنين انتهى والمراد بالقرنين هنا خشبتان أو بنا آن تمد عليهما الخشبه العارضه التي تعلق فيها الحديده التي فيها البكره فإن كانا من بناء فهما القرنان وأن كانا من خشب فهما الزرنوقان بزاى منقوطه قبل المهمله ثم نون ثم قاف وقد يطلق على الخشبه أيضا القرنان وسيأتي مزيد لذلك في شرح حديث أبي أيوب في غسل المحرم في باب الاغتسال للمحرم من كتاب الحج قوله وإذا فيها أناس قد عرفتهم لم اقف على تسمية أحد منهم قوله لم ترع بضم أوله وفتح الراء بعدها مهمله ساكنه أي لم تخف والمعنى لا خوف عليك بعد هذا وفي رواية الكشميهني في التعبير لن تراع وهي رواية الجمهور بإثبات الألف ووقع في رواية القابسي لن ترع بحذف الألف قال بن التين وهي لغه قليله أي الجزم بلن حتى قال القزاز لا أعلم له شاهدا وتعقب بقول الشاعر لن يخب الآن من رجائك من حرك من دون بابك الحلقه وبقول الآخر ولن يحل للعينين بعدك منظر وزاد فيه انك رجل صالح وسيأتي بعد بضعة عشر بابا بزيادة فيه ونقصان قال القرطبي إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ما هو ممدوح لأنه عرض على النار ثم عوفي منها وقيل له لا روع عليك وذلك لصلاحه غير أنه لم يكن يقوم من الليل فحصل لعبد الله من ذلك تنبيه على أن قيام الليل مما يتقي به النار والدنو منها فلذلك لم يترك قيام الليل بعل ذلك وأشار المهلب إلى أن السر في ذلك كون عبد الله كان ينام في المسجد ومن حق المسجد أن يتعبد فيه فنبه على ذلك بالتخويف بالنار قوله لو كان لو للتمني لا للشرط ولذلك لم يذكر الجواب وفي هذا الحديث أن قيام الليل يدفع العذاب وفيه تمني الخير والعلم وسيأتي باقي الكلام عليه مستوفى في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى تنبيه سياق هذا المتن على لفظ محمود وأما سياق عبد الله بن محمد فسيأتي في التعبير واغفل المزي في الأطراف طريق محمود هذه وهي وارده عليه

قوله باب طول السجود في قيام الليل أورد فيه حديث عائشة وفيه كان يسجد السجده من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية وهو دال على ما ترجم له وقد تقدم من حديثها في أبواب صفة الصلاة أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي وفي مسند أحمد من طريق محمد بن عباد عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الليل في سجوده سبحانك لا إله الا أنت رجاله ثقات

[ 1071 ] قوله ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يضطجع سيأتي الكلام عليه في آخر أبواب التهجد إن شاء الله تعالى

قوله باب ترك القيام أي قيام المريض

[ 1072 ] قوله عن الأسود هو بن قيس وجندب هو بن عبد الله البجلي كما في الإسناد الذي بعده وسفيان هو الثوري فيهما ووهم من زعم أنه بن عيينة ووقع التصريح بسماع الأسود له من جندب في طريق زهير عنه في التفسير قوله اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم اى مرض ووقع في رواية قيس بن الربيع التي سيأتي التنبيه عليها بلفظ مرض ولم اقف في شيء من طرق هذا الحديث على تفسير هذه الشكاية لكن وقع في الترمذي منطريق بن عيينة عن الأسود في أول هذا الحديث عن جندب قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار فدميت أصبعه فقال هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت قال وأبطأ عليه جبريل فقال المشركون قد ودع محمد فأنزل الله ما ودعك ربك انتهى فظن بعض الشراح أن هذا بيان للشكايه المجمله في الصحيح وليس كما ظن فإن في طريق عبد الله بن شداد التي يأتي التنبيه عليها أن نزول هذه السورة كان في أوائل البعثة وجندب لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم الا متأخرا كما حكاه البغوي في معجم الصحابة عن الإمام أحمد فعلى هذا هما قضيتان حكاهما جندب إحداهما مرسلة والأخرى موصوله لأن الأولى لم يحضرها فروايته لها مرسله من مراسيل الصحابة والثانيه شهدها كما ذكر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من عطف إحداهما على الأخرى في رواية سفيان اتحادهما والله أعلم قوله فلم يقم ليله أو ليلتين هكذا اختصره المصنف وقد ساقه في فضائل القرآن تاما أخرجه عن أبي نعيم شيخه فيه هنا بإسناده المذكور فزاد فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك الا قد تركك فأنزل الله والضحى إلى

[ 1073 ] قوله وما قلى ثم أخرجه المصنف هنا عن محمد بن كثير عن سفيان بلفظ آخر وهو احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت امرأة من قريش الحديث وقد وافق أبا نعيم أبو أسامة عند أبي عوانة ووافق محمد بن كثير وكيع عند الإسماعيلي ورواية زهير التي أشرنا إليها في التفسير كرواية أبي نعيم لكن قال فيها فلم يقم ليله أو ليلتين أو ثلاثا ورواية بن عيينة عن الأسود عند مسلم كرواية محمد بن كثير فالظاهر أن الأسود حدث به على الوجهين فحمل عنه كل واحد ما لم يحمله الآخر وحمل عنه سفيان الثوري الأمرين فحدث به مرة هكذا ومرة هكذا وقد رواه شعبة عن الأسود على لفظ آخر أخرجه المصنف في التفسير قال قالت امرأة يا رسول الله ما أرى صاحبك الا أبطأ عنك وزاد النسائي في أوله أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت امرأة الحديث وهذه المرأة فيما ظهر لي غير المرأة المذكورة في حديث سفيان لأن هذه المرأة عبرت بقولها صاحبك وتلك عبرت بقولها شيطانك وهذه عبرت بقولها يا رسول الله وتلك عبرت بقولها يا محمد وسياق الأولى يشعر بأنها قالته تأسفا وتوجعا وسياق الثانية يشعر بأنها قالته تهكما وشماته وقد حكى بن بطال عن تفسير بقي بن مخلد قال قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم حين أبطأ عنه الوحي أن ربك قد قلاك فنزلت والضحى وقد تعقبه بن المنير ومن تبعه بالإنكار لأن خديجة قوية الإيمان لا يليق نسبة هذا القول إليها لكن إسناد ذلك قوي أخرجه إسماعيل القاضي في احكامه والطبري في تفسيره وأبو داود في أعلام النبوة له كلهم من طريق عبد الله بن شداد بن الهاد وهو من صغار الصحابة والإسناد إليه صحيح أخرجه أبو داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة لكن ليس عند أحد منهم أنها عبرت بقولها شيطانك وهذه هي اللفظه المستنكره في الخبر وفي رواية إسماعيل وغيره ما أرى صاحبك بدل ربك والظاهر أنها عنت بذلك جبريل وأغرب سنيد بن داود فيما حكاه بن يشكوال فروى في تفسيره عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك وغلط سنيد في ذلك فقد رواه الطبري عن أبي كريب عن وكيع فقال فيه قالت خديجة وكذلك أخرجه بن أبي حاتم من طريق أبي معاوية عن هشام وأما المراه المذكورة في حديث سفيان التي عبرت بقولها شيطانك فهي أم جميل العوراء بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهي أخت أبي سفيان بن حرب وامرأة أبي لهب كما روى الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم قال قالت امرأة أبي لهب لما مكث النبي صلى الله عليه وسلم أياما لم ينزل عليه الوحي يا محمد ما أرى شيطانك الا قد قلاك فنزلت والضحى رجاله ثقات وفي تفسير الطبري من طريق المفضل بن صالح عن الأسود في حديث الباب فقالت امرأة من أهله ومن قومه ولا شك أن أم جميل من قومه لأنها من بني عبد مناف وعند بن عساكر أنها إحدى عماته وقد وقفت على مستنده في ذلك وهو ما أخرجه قيس بن الربيع في مسنده عن الأسود بن قيس راوية وأخرجه الفريابي شيخ البخاري في تفسيره عنه ولفظه فأتته إحدى عماته أو بنات عمه فقالت إني لأرجو أن يكون شيطانك قد ودعك تنبيه استشكل أبو القاسم بن الورد مطابقة حديث جندب للترجمة وتبعه بن التين فقال احتباس جبريل ليس ذكره في هذا الباب في موضعه انتهى وقد ظهر بسياق تكملة المتن وجه المطابقة وذلك أنه أراد أن ينبه على أن الحديث واحد لإتحاد مخرجه وأن كان السبب مختلفا لكنه في قصه واحدة كما اوضحناه وسيأتي بقية الكلام على حديث جندب في التفسير إن شاء الله تعالى وقد وقع في رواية قيس بن الربيع التي ذكرتها فلم يطق القيام وكان يحب التهجد

قوله باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم يعني أمته أو المؤمنين على قيام الليل في رواية الأصيلي وكريمة صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب قال بن المنير اشتملت الترجمة على أمرين التحريض ونفي الإيجاب فحديث أم سلمة وعلى للأول وحديث عائشة للثاني قلت بل يؤخذ من الأحاديث الاربعه نفي الإيجاب ويؤخذ التحريض من حديثي عائشة من قولها كان يدع العمل وهو يحبه لأن كل شيء أحبه استلزم التحريض عليه لولا ما عارضه من خشية الإفتراض كما سيأتي تقريره وقد تقدم حديث أم سلمة والكلام عليه في كتاب العلم قال بن رشيد كأن البخاري فهم أن المراد بالايقاظ الايقاظ للصلاة لا لمجرد الاخبار بما انزل لأنه لو كان لمجرد الأخبار لكان يمكن تاخيره إلى النهار لأنه لا يفوت قال ويحتمل أن يقال أن لمشاهدة حال المخبر حينئذ أثرا لا يكون عند التأخير فيكون الايقاظ في الحال أبلغ لوعيهن ما يخبرهن به ولسمعهن ما يعظهن به ويحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله قيام الليل ما هو أعم من الصلاة والقراءة والذكر وسماع الموعظة والتفكر في الملكوت وغير ذلك ويكون قوله والنوافل من عطف الخاص على العام قلت وهذا على رواية الأكثر كما بينته لا على رواية الأصيلي وكريمة وما نسبه إلى فهم البخاري أولا هو المعتمد فإنه وقع في رواية شعيب عن الزهري عند المصنف في الأدب وغيره في هذا الحديث من يوقظ صواحب الحجر يريد أزواجه حتى يصلين فظهرت مطابقة الحديث للترجمة وأن فيه التحريض على صلاة الليل وعدم الإيجاب يؤخذ من ترك الزامهن بذلك وجرى البخاري على عادته في الحوالة على ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده وستاتي بقية فوائد حديث أم سلمة في الفتن وعبد الله المذكور في إسناده هو بن المبارك وأما حديث على فعلي بن الحسين المذكور في إسناده هو زين العابدين وهذا من أصح الأسانيد ومن أشرف التراجم الواردة فيمن روى عن أبيه عن جده وحكى الدارقطني أن كاتب الليث رواه عن الليث عن عقيل عن الزهري فقال عن علي بن الحسين عن الحسن بن علي وكذا وقع في رواية حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري في تفسير بن مردويه وهو وهم والصواب عن الحسين ويؤيده رواية حكيم بن حكيم عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه أخرجها النسائي والطبري

[ 1075 ] قوله طرقه وفاطمه بالنصب عطفا على الضمير والطروق الإتيان بالليل وعلى هذا فقوله ليلة للتاكيد وحكى بن فارس أن معنى طرق أتى فعلى هذا يكون قوله ليلة لبيان وقت المجيء ويحتمل أن يكون المراد بقوله ليلة أي مرة واحدة قوله الا تصليان قال بن بطال فيه فضيلة صلاة الليل وايقاظ النائمين من الأهل والقرابه لذلك ووقع في رواية حكيم بن حكيم المذكورة ودخل النبي صلى الله عليه وسلم علي وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاه ثم رجع إلى بيته فصلى هويا من الليل فلم يسمع لن حسا فرجع إلينا فأيقظنا الحديث قال الطبري لولا ما علم النبي صلى الله عليه وسلم من عظم فضل الصلاة في الليل ما كان يزعج ابنته وابن عمه في وقت جعله الله لخلقه سكنا لكنه أختار لهما احراز تلك الفضيلة على الدعة والسكون امتثالا لقوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة الآية قوله أنفسنا بيد الله أقتبس علي ذلك من قوله تعال الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية ووقع في رواية حكيم المذكورة قال علي فجلست وأنا أعرك عيني وأنا أقول والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا إنما أنفسنا بيد الله وفيه اثبات المشيئه لله وأن العبد لا يفعل شيئا الا بإرادة الله قوله بعثنا بالمثلثة أي ايقظنا وأصله اثارة الشيء من موضعه قوله حين قلت في رواية كريمة حين قلنا قوله ولم يرجع بفتح أوله أي لم يجبني وفيه أن السكوت يكون جوابا والاعراض عن القول الذي لا يطابق المراد وأن كان حقا في نفسه قوله يضرب فخده فيه جواز ضرب الفخذ عند التأسف وقال بن التين كره احتجاجه بالآيه المذكورة وأراد منه أن ينسب التقصير إلى نفسه وفيه جواز الانتزاع من القرآن وترجيح قول من قال أن اللام في قوله وكان الإنسان للعموم لا لخصوص الكفار وفيه منقبة لعلي حيث لم يكتم ما فيه عليه أدنى غضاضه فقدم مصلحة نشر العلم وتبليغه على كتمه ونقل بن بطال عن المهلب قال فيه أنه ليس للإمام أن يشدد في النوافل حيث قنع صلى الله عليه وسلم بقول على رضي الله عنه أنفسنا بيد الله لأنه كلام صحيح في العذر عن التنفل ولو كان فرضا ما عذره قال وأما ضربه فخذه وقراءته الآية فدال على أنه ظن أنه احرجهم فندم على انباههم كذا قال وأقره بن بطال وليس بواضح وما تقدم أولى وقال النووي المختار أنه ضرب فخذه تعجبا من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار بما اعتذر به والله أعلم وأما حديث عائشة الأول فيشتمل على حديثين أحدهما ترك العمل خشية افتراضه ثانيهما ذكر صلاة الضحى وهذا الثاني سيأتي الكلام عليه في باب من لم يصل الضحى وقوله

[ 1076 ] في الأول أن بكسر الهمزة وهي المخففه من الثقيلة وفيها ضمير الشأن وقوله ليدع بفتح اللام أي يترك وقوله خشية بالنصب متعلق بقوله ليدع وقوله فيفرض بالنصب عطفا على يعمل وسيأتي الكلام على فوائده في الحديث الذي بعده وزاد فيه مالك في الموطأ قالت وكان يحب ما خف على الناس وأما حديث عائشة الثاني فهو بإسناد الذي قبله وقوله

[ 1077 ] صلى ذات ليلة في المسجد تقدم قبيل صفة الصلاة من رواية عمرة عن عائشة أنه صلى في حجرته وليس المراد بها بيته وإنما المراد الحصير التي كان يحتجرها بالليل في المسجد فيجعلها على باب بيت عائشة فيصلى فيه ويجلس عليه بالنهار وقد ورد ذلك مبينا من طريق سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة وهو عند المصنف في كتاب اللباس ولفظه كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلى عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه ولأحمد من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة فأمرني أن انصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت فخرج فذكر الحديث قال النووي معنى يحتجر يحوط موضعا من المسجد بحصير يستره ليصلي فيه ولا يمر بين يديه مار ليتوفر خشوعه ويتفرغ قلبه وتعقبه الكرماني بأن لفظ الحديث لا يدل على أن احتجاره كان في المسجد قال ولو كان كذلك للزم منه أن يكون تاركا للأفضل الذي أمر الناس به حيث قال فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة ثم أجاب بأنه أن صح أنه كان في المسجد فهو إذا أحتجر صار كأنه بيت بخصوصيته أو أن السبب في كون صلاة التطوع في البيت أفضل عدم شوبه بالرياء غالبا والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن الرياء في بيته وفي غير بيته قوله ثم صلى من القابلة أي من الليلة المقبلة وهو لفظ معمر عن بن شهاب عند أحمد وفي رواية المستملي ثم صلى من القابل أي الوقت قوله ثم اجتمعوا من الليله الثالثة أو الرابعة كذا رواه مالك بالشك وفي رواية عقيل عن بن شهاب كما تقدم في الجمعة فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا ولمسلم من رواية يونس عن بن شهاب يتحدثون بذلك ونحوه في رواية عمرة عن عائشة الماضية قبل صفة الصلاة ولأحمد من رواية بن جريج عن بن شهاب فلما أصبح تحدثوا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد من جوف الليل فاجتمع أكثر منهم زاد يونس فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في الليله الثانية فصلوا معه فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليله الثالثة فخرج فصلوا بصلاته فلما كانت الليله الرابعة عجز المسجد عن أهله ولابن جريج حتى كان المسجد يعجز عن أهله ولأحمد من رواية معمر عن بن شهاب امتلأ المسجد حتى اغتص بأهله وله من رواية سفيان بن حسين عنه فلما كانت الليله الرابعة غص المسجد بأهله قوله فلم يخرج زاد أحمد في رواية بن جريج حتى سمعت ناسا منهم يقولون الصلاة وفي رواية سفيان بن حسين فقالوا ما شأنه وفي حديث زيد بن ثابت كما سيأتي في الاعتصام ففقدوا صوته وظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم وفي حديثه في الأدب فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب قوله فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم في رواية عقيل فلما قضي صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم وفي رواية يونس وابن جريج لم يخف على شأنكم وزاد في رواية أبي سلمة اكلفوا من العمل ما تطيقون وفي رواية معمر أن الذي سأله عن ذلك بعد أن أصبح عمر بن الخطاب ولم أر في شيء من طرقه بيان عدد صلاته في تلك الليالي لكن روى بن خزيمة وابن حبان من حديث جابر قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ثمان ركعات ثم أوتر فلما كانت القابله اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا حتى أصبحنا ثم دخلنا فقلنا يا رسول الله الحديث فإن كانت القصه واحدة احتمل أن يكون جابر ممن جاء في الليله الثالثة فلذلك اقتصر على وصف ليلتين وكذا ما وقع عند مسلم من حديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه فجاء رجل فقام حتى كنا رهطا فلما أحس بنا تجوز ثم دخل رحله الحديث والظاهر أن هذا كان في قصه أخرى قوله الا أني خشيت أن تفرض عليكم ظاهر في أن عدم خروجه إليهم كان لهذه الخشيه لا لكون المسجد امتلأ وضاق على المصلين قوله أن تفرض عليكم في رواية عقيل وابن جريج فتعجزوا عنها وفي رواية يونس ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها وكذا في رواية أبي سلمة المذكورة قبيل صفة الصلاة خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل وقوله فتعجزوا عنها أي تشق عليكم فتتركوها مع القدره عليها وليس المراد العجز الكلي لأنه يسقط التكليف من أصله ثم أن ظاهر هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم توقع ترتب افتراض الصلاة بالليل جماعة على وجود المواظبة عليها وفي ذلك اشكال وقد بناه بعض المالكية على قاعدتهم في أن الشروع ملزم وفيه نظر وأجاب المحب الطبري بأنه يحتمل أن يكون الله عز وجل أوحى إليه انك أن واظبت على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم فأحب التخفيف عنهم فترك المواظبه قال ويحتمل أن يكون ذلك وقع في نفسه كما اتفق في بعض القرب التي داوم عليها فافترضت وقيل خشي أن يظن أحد من الأمة من مداومته عليها الوجوب وإلى هذا الأخير نحا القرطبي فقال قوله فتفرض عليكم أي تظنونه فرضا فيجب على من ظن ذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه فإنه يجب عليه العمل به قال وقيل كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا واظب على شيء من أعمال البر واقتدى الناس به فيه أنه يفرض عليهم انتهى ولا يخفى بعد هذا الأخير فقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم على رواتب الفرائض وتابعه أصحابه ولم تفرض وقال بن بطال يحتمل أن يكون هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم لما كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته فخشي أن خرج إليهم والتزموا معه قيام الليل أن يسوي الله بينه وبينهم في حكمه لأن الأصل في الشرع المساواه بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته في العبادة قال ويحتمل أن يكون خشي من مواظبتهم عليها أن يضعفوا عنها فيعصي من تركها بترك أتباعه صلى الله عليه وسلم وقد استشكل الخطابي أصل هذه الخشيه مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن الله تعالى قال هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي فإذا أمن التبديل فكيف يقع الخوف من الزياده وهذا يدفع في صدور الاجوبه التي تقدمت وقد أجاب عنه الخطابي بأن صلاة الليل كانت واجبه عليه صلى الله عليه وسلم وافعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها يعني عند المواظبه فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك في الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فتجب عليه ولا يلزم من ذلك زيادة فرض في أصل الشرع قال وفيه احتمال آخر وهو أن الله فرض الصلاة خمسين ثم حط معظمها بشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم منه لم يستنكر أن يثبت ذلك فرضا عليهم كما التزم ناس الرهبانيه من قبل أنفسهم ثم عاب الله عليهم التقصير فيها فقال فما رعوها حق رعايتها فخشي صلى الله عليه وسلم أن يكون سبيلهم سبيل أولئك فقطع العمل شفقة عليهم من ذلك وقد تلقى هذين الجوابين من الخطابي جماعة من الشراح كابن الجوزي وهو مبني على أن قيام الليل كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى وجوب الاقتداء بافعاله وفي كل من الامرين نزاع وأجاب الكرماني بان حديث الإسراء يدل على أن المراد بقوله تعالى لا يبدل القول لدى الأمن من نقص شيء من الخمس ولم يتعرض للزيادة انتهى لكن في ذكر التضعيف بقوله هن خمس وخمسون إشارة إلى عدم الزياده أيضا لأن التضعيف لا ينقص عن العشر ودفع بعضهم في أصل السؤال بأن الزمان كان قابلا للنسخ فلا مانع من خشية الافتراض وفيه نظر لأن قوله لا يبدل القوي لدى خبر والنسخ لا يدخله على الراجح وليس هو كقوله مثلا لهم صوموا الدهر أبدا فإنه يجوز فيه النسخ وقد فتح الباري بثلاثة أجوبه أخرى أحدها يحتمل أن يكون المخوف إفتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في صحة التنفل بالليل ويوميء إليه قوله في حديث زيد بن ثابت حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فمنعهم من التجميع في المسجد اشفاقا عليهم من اشتراطه وامن مع إذنه في المواظبه على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم ثانيها يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفايه لا على الأعيان فلا يكون ذلك زائدا على الخمس بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها ثالثها يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصه فقد وقع في حديث الباب أن ذلك كان في رمضان وفي رواية سفيان بن حسين خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر فعلى هذا يرتفع الاشكال لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم في السنة فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس وأقوى هذه الاجوبه الثلاثه في نظرى الأول والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم ندب قيام الليل ولا سيما في رمضان جماعة لأن الخشيه المذكورة أمنت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب كما سيأتي في الصيام إن شاء الله تعالى وفيه جواز الفرار من قدر الله إلى قدر الله قاله المهلب وفيه أن الكبير إذا فعل شيئا خلاف ما اعتاده أتباعه أن يذكر لهم عذره وحكمه والحكمة فيه وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الزهادة في الدنيا والاكتفاء بما قل منها والشفقه على أمته والرأفة بهم وفيه ترك بعض المصالح لخوف المفسده وتقديم أهم المصلحتين وفيه جواز الاقتداء بمن لم ينو الامامه كما تقدم وفيه نظر لأن نفي النية لم ينقل ولا يطلع عليه بالظن وفيه ترك الأذان والاقامه للنوافل إذا صليت جماعة

قوله باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل كذا للكشميهني من طريقين عنه وزاد في رواية كريمة حتى ترم قدماه وللباقين قيام الليل للنبي صلى الله عليه وسلم قوله وقالت عائشة كان يقوم كذا للكشميهني ولغيره قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله حتى تفطر بتاء واحدة وفي رواية الأصيلي تتفظر بمثناتين قوله والفطور الشقوق كذا ذكره أبو عبيدة في المجاز قوله انفطرت انشقت هذا التفسير رواه بن أبي حاتم موصولا عن الضحاك قال وروى عن مجاهد والحسن وغيرهما ذلك وكذا حكاه إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن بن عباس وحديث عائشة وصله المصنف في تفسير سورة الفتح قوله عن زياد هو بن علاقة وللمصنف في الرقاق عن خلاد بن يحيى عن مسعر حدثنا زياد بن علاقة تنبيه هكذا رواه الحفاظ من أصحاب مسعر عنه وخالفهم محمد بن بشر وحده فرواه عن مسعر عن قتادة عن أنس أخرجه البزار وقال الصواب عن مسعر عن زياد وأخرجه الطبراني في الكبير من رواية أبي قتادة الحراني عن مسعر عن علي بن الأقمر عن مسعر عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة وأخطأ فيه أيضا والصواب مسعر عن زياد بن علاقة

[ 1078 ] قوله أن كان ليقوم أو ليصلي أن مخففه من الثقيله وليقوم بفتح اللام وفي رواية كريمة ليقوم يصلي وفي حديث عائشة كان يقوم من الليل قوله حتى ترم بفتح المثناة وكسر الراء وتخفيف الميم بلفظ المضارع من الورم هكذا سمع وهو نادر وفي رواية خلاد بن يحيى حتى ترم أو تنتفخ قدماه وفي رواية أبي عوانة عن زياد عند الترمذي حتى انتفخت قدماه قوله قدماه أو ساقاه وفي رواية خلاد قدماه ولم يشك وللمصنف في تفسير الفتح حتى تورمت وللنسائي من حديث أبي هريرة حتى تزلع قدماه بزاي وعين مهمله ولا اختلاف بين هذه الروايات فإنه إذا حصل الانتفاخ أو الورم حصل الزلع والتشقق والله أعلم قوله فيقال له لم يذكر المقول ولم يسم القائل وفي تفسير الفتح فقيل له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وفي رواية أبي عوانة فقيل له اتتكلف هذا وفي حديث عائشة فقالت له عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك وفي حديث أبي هريرة عند البزار فقيل له تفعل هذا وقد جاءك من الله أن قد غفر لك قوله أفلا أكون في حديث عائشة أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا وزادت فيه فلما كثر لحمه صلى جالسا الحديث والفاء في قوله أفلا أكون للسببيه وهي عن محذوف تقديره أأترك تهجدى فلا أكون عبدا شكورا والمعنى أن المغفره سبب لكون التهجد شكرا فكيف اتركه قال بن بطال في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشده في العبادة وأن أضر ذلك ببدنه لأنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف بمن لم يعلم بذلك فضلا عمن لم يأمن أنه استحق النار انتهى ومحل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال لأن حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال فكان لا يمل من عبادة ربه وأن أضر ذلك ببدنه بل صح أنه قال وجعلت قرة عيني في الصلاة كما أخرجه النسائي من حديث أنس فأما غيره صلى الله عليه وسلم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وفيه مشروعيه الصلاة للشكر وفيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان كما قال الله تعالى اعملوا آل داود شكرا وقال القرطبي ظن من سأله عن سبب تحمله المشقه في العبادة أنه إنما يعبد الله خوفا من الذنوب وطلبا للمغفره والرحمه فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج الى ذلك فأفادهم أن هناك طريقا آخر للعباده وهو الشكر على المغفره وإيصال النعمه لمن لا يستحق عليه فيها شيئا فيتعين كثرة الشكر على ذلك والشكر الاعتراف بالنعمه والقيام بالخدمه فمن كثر ذلك منه سمي شكورا ومن ثم قال سبحانه وتعالى وقليل من عبادي الشكور وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الاجتهاد في العبادة والخشيه من ربه قال العلماء إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة الخوف لعلمهم بعظيم نعمة الله تعالى عليهم وأنه ابتداهم بها قبل استحقاقها فبذلوا مجهودهم في عبادته ليؤدوا بعض شكره مع أن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد والله أعلم تكملة قيل أخرج البخاري هذا الحديث لينبه على أن قيام جميع الليل غير مكروه ولا تعارضه الأحاديث الآتيه بخلافه لأنه يجمع بينها بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على قيام جميع الليل بل كان يقوم وينام كما أخبر عن نفسه وأخبرت عنه عائشة أيضا وسيأتي نقل الخلاف في إيجاب قيام الليل في باب عقد الشيطان إن شاء الله تعالى

قوله باب من نام عند السحر في رواية الأصيلي والكشميهني السحور ولكل منهما وجه والأول أوجه وأورد المصنف فيه ثلاثة أحاديث أحدها لعبد الله بن عمرو والآخران لعائشه

[ 1079 ] قوله في حديث عبد الله بن عمرو أن عمرو بن أوس أخبره أي أبن أبي أوس الثقفي الطائفي وهو تابعي كبير ووهم من ذكره في الصحابة وإنما الصحبه لأبيه قوله أحب الصلاة إلى الله صلاة داود قال المهلب كان داود عليه السلام يجم نفسه بنوم أول الليل ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه هل من سائل فأعطيه سؤله ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل وهذا هو النوم عند السحر كما ترجم به المصنف وإنما صارت هذه الطريقة أحب من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يخشى منه السآمه وقد قال صلى الله عليه وسلم أن الله لا يمل حتى تملوا والله يحب أن يديم فضله ويوالى إحسانه وانما كان ذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح البدن ويذهب ضرر السهر وذبول الجسم بخلاف السهر إلى الصباح وفيه من المصلحه أيضا استقبال صلاة الصبح واذكار النهار بنشاط وإقبال وأنه أقرب إلى عدم الرياء لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى فهو أقرب إلى أن يخفى عمله الماضي على من يراه أشار إلى ذلك بن دقيق العيد وحكى عن قوم أن معنى قوله أحب الصلاة هو بالنسبه إلى من حاله مثل حال المخاطب بذلك وهو من يشق عليه قيام أكثر الليل قال وعمدة هذا القائل اقتضاء القاعده زيادة الأجر بسبب زيادة العمل لكن يعارضه هنا اقتضاء العادة والجبلة التقصير في حقوق يعارضها طول القيام ومقدار ذلك الفائت مع مقدار الحاصل من القيام غير معلوم لنا فالأولى أن يجري الحديث على ظاهره وعمومه وإذا تعارضت المصلحه والمفسدة فمقدار تأثير كل واحد منهما في الحث أو المنع غير محقق لنا فالطريق أننا نفوض الأمر إلى صاحب الشرع ونجرى على ما دل عليه اللفظ مع ما ذكرناه من قوة الظاهر هنا والله أعلم تنبيه قال بن التين هذا المذكور إذا أجريناه على ظاهره فهو في حق الأمة وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد أمره الله تعالى بقيام أكثر الليل فقال يا أيها المزمل قم الليل الا قليلا انتهى وفيه نظر لأن هذا الأمر قد نسخ كما سيأتي وقد تقدم في حديث بن عباس فلما كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل وهو نحو المذكور هنا نعم سيأتي بعد ثلاثة أبواب أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يجري الأمر في ذلك على وتيره واحدة والله أعلم قوله وأحب الصيام إلى الله صيام داود يأتي فيه ما تقدم في الصلاة وستأتي بقية مباحثه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى قوله كان ينام نصف الليل الخ في رواية بن جريج عن عمرو بن دينار عند مسلم كان يرقد شطر الليل ثم يقوم ثلث الليل بعد شطره قال بن جريج قلت لعمرو بن دينار عمرو بن أوس هو الذي يقول يقوم ثلث الليل قال نعم انتهى وظاهره أن تقدير القيام بالثلث من تفسير الراوي فيكون في الرواية الأولى إدراج ويحتمل أن يكون قوله عمرو بن أوس ذكره أي بسنده فلا يكون مدرجا وفي رواية بن جريج من الفائدة ترتيب ذلك بثم ففيه رد على من أجاز في حديث الباب أن تحصل السنة بنوم السدس الأول مثلا وقيام الثلث ونوم النصف الأخير والسبب في ذلك أن الواو لا ترتب تنبيه قال بن رشيد الظاهر من سياق حديث عبد الله بن عمرو مطابقة ما ترجم له إلا أنه ليس نصا فيه فبينه بالحديث الثالث وهو قول عائشة ما الفاه السحر عندي الا نائما وأما حديث عائشة الأول فوالد عبدان اسمه عثمان بن جبلة بفتح الجيم والموحدة وقوله

[ 1080 ] عن أشعث هو بن أبي الشعثاء المحاربي وقوله الدائم أي المواظبة العرفية وقوله الصارخ أي الديك ووقع في مسند الطيالسي في هذا الحديث الصارخ الديك والصرخة الصيحة الشديدة وجرت العادة بان الديك يصيح عند نصف الليل غالبا قاله محمد بن ناصر قال بن التين وهو موافق لقول بن عباس نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل وقال بن بطال الصارخ يصرخ عند ثلث الليل وكان داود يتحرى الوقت الذي ينادي الله فيه هل من سائل كذا قال والمراد بالدوام قيامه كل ليلة في ذلك الوقت لا الدوام المطلق

[ 1081 ] قوله حدثنا محمد زاد أبو ذر في رواية بن سلام وكذا نسبه أبو علي بن السكن وذكر الجياني أنه وقع في رواية أبي ذر عن أبي محمد السرخسي محمد بن سالم بتقديم الألف على اللام قال أبو الوليد الباجي سألت أبا ذر فقال له أراه أبن سلام وسها فيه أبو محمد قلت وليس في شيوخ البخاري أحد يقال له محمد بن سالم قوله عن الأشعث يعني بإسناده المذكور وظن بعضهم أنه موقوف على أشعث فاخطا فقد أخرجه مسلم عن هناد بن السري وأبو داود عن إبراهيم بن موسى الرازي كلاهما عن أبي الأحوص بهذا الإسناد بلفظ سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لها أي حين كان يصلي قالت إذا سمع الصارخ قام فصلى لفظ إبراهيم وزاد مسلم في أوله كان يحب الدائم وللإسماعيلي من رواية خلف بن هشام عن أبي الأحوص بالإسناد سألت عائشة أي العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أدومه قال الإسماعيلي لم يذكر البخاري في رواية أبي الأحوص بعد الأشعث أحدا وافادت هذه الرواية ما كان يصنع إذا قام وهو قوله قام فصلى بخلاف رواية شعبة فإنها مجملة وفي هذا الحديث الحث على المداومة على العمل إن قل وفيه الاقتصاد في العبادة وترك التعمق فيها لأن ذلك انشط والقلب به أشد انشراحا وأما حديث عائشة الثاني فوالد إبراهيم بن سعد هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وعبر موسى عن إبراهيم بقوله ذكر أبي وقد رواه أبو داود عن أبي توبة فقال حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن جمعه بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن به

[ 1082 ] قوله ما الفاه بالفاء أي وجده والسحر مرفوع بأنه فاعله والمراد نومه بعد القيام الذي مبدؤه عند سماع الصارخ جمعا بينه وبين رواية مسروق التي قبلها قوله تعني النبي صلى الله عليه وسلم في رواية محمد بن بشر عن سعد بن إبراهيم عند مسلم ما ألفى رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر على فراشي أو عندي الا نائما وأخرجه الإسماعيلي عن محمود الواسطي عن زكريا بن يحيى عن إبراهيم بن سعد بلفظ ما ألفى النبي صلى الله عليه وسلم عندي بالأسحار الا وهو نائم وفي هذا التصريح برفع الحديث تنبيه قال بن التين قولها الا نائما تعني مضطجعا على جنبه لأنها قالت في حديث آخر فان كنت يقظانة حدثني وإلا اضطجع انتهى وتعقبه بن رشيد بأنه لا ضرورة لحمل هذا التأويل لأن السياق ظاهر في النوم حقيقة وظاهر في المداومة على ذلك ولا يلزم من أنه كان ربما لم ينم وقت السحر هذا التأويل فدار الأمر بين حمل النوم على مجاز التشبيه أو حمل التعميم على إرادة التخصيص والثاني أرجح واليه ميل البخاري لأنه ترجم بقوله من نام عند السحر ثم ترجم عقبه بقوله من تسحر فلم ينم فأوما إلى تخصيص رمضان من غيره فكان العادة جرت في جميع السنة أنه كان ينام عند السحر الا في رمضان فإنه كان يتشاغل بالسحور في آخر الليل ثم يخرج إلى صلاة الصبح عقبه وقال بن بطال النوم وقت السحر كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي الطوال وفي غير رمضان كذا قال ويحتاج في إخراج الليالي القصار إلى دليل

قوله باب من تسحر فلم ينم حتى صلى الصبح كذا للأكثر وللحموي والمستملي من تسحر ثم قام إلى الصلاة قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي وروح هو بن عبادة

[ 1083 ] قوله فلما فرغا من سحورهما قام إلى الصلاة فصلى هو ظاهر لما ترجم له والمراد بالصلاة صلاة الصبح وقبلها صلاة الفجر وقد تقدم توجيهه ويأتي الكلام على بقية فوائد الحديث في كتاب الصيام ان شاء الله تعالى

قوله باب طول القيام في صلاة الليل كذا للأكثر وللحموي والمستملي طول الصلاة في قيام الليل وحديث الباب موافق لهذا لأنه دال على طول الصلاة لا على طول القيام بخصوصه الا أن طول الصلاة يستلزم طول القيام لأن غير القيام كالركوع مثلا لا يكون أطول من القيام كما عرف بالاستقراء من صنيعه صلى الله عليه وسلم ففي حديث الكسوف فركع نحوا من قيامه وفي حديث حذيفة الذي ساذكره نحوه ومضى حديث عائشة قريبا أن السجدة تكون قريبا من خمسين آية ومن المعلوم في غير هذه الرواية أنه كان يقرأ بما يزيد على ذلك

[ 1084 ] قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله بأمر سوء بإضافة أمر إلى سوء وفي الحديث دليل إلى اختيار النبي صلى الله عليه وسلم تطويل صلاة الليل وقد كان بن مسعود قويا محافظا على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وما هم بالقعود الا بعد طول كثير ما اعتاده وأخرج مسلم من حديث جابر أفضل الصلاة طول القنوت فاستدل به على ذلك ويحتمل أن يراد بالقنوت في حديث جابر الخشوع وذهب كثير من الصحابة وغيرهم إلى أن كثرة الركوع والسجود أفضل ولمسلم من حديث ثوبان أفضل الأعمال كثرة السجود والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والاحوال وفي الحديث أن مخالفة الإمام في أفعاله معدودة في العمل السيء وفيه تنبيه على فائدة معرفة ما بينهم من الأحوال وغيرها لأن أصحاب بن مسعود ما عرفوا مراده من قوله هممت بأمر سوء حتى استفهموه عنه ولم ينكر عليهم استفهامهم عن ذلك وروى مسلم من حديث حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقرا البقرة وآل عمران والنساء في ركعه وكان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح أو سؤال سأل أو تعوذ تعوذ ثم ركع نحوا مما قام ثم قام نحوا مما ركع ثم سجد نحوا مما قام وهذا إنما يتأتى في نحو من ساعتين فلعله صلى الله عليه وسلم أحيا تلك الليلة كلها وأما ما يقتضيه حاله في غير هذه الليلة فإن في أخبار عائشة أنه كان يقوم قدر ثلث الليل وفيها أنه كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة فيقتضي ذلك تطويل الصلاة والله أعلم تنبيه ذكر الدارقطني أن سليمان بن حرب تفرد برواية هذا الحد عن شعبة حكاه عنه البرقاني وهو من الأفراد المقيدة فإن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق أخرى عن الأعمش قوله عن خالد بن عبد الله هو الواسطي وحصين هو بن عبد الرحمن الواسطي أيضا وقد تقدم حديث حذيفة في الطهارة واستشكل بن بطال دخوله في هذا الباب فقال لا مدخل له هنا لأن التسوك في صلاة الليل لا يدل على طول الصلاة قال ويمكن أن يكون ذلك من غلط الناسخ فكتبه في غير موضعه أو أن البخاري اعجلته المنية قبل تهذيب كتابه فإن فيه مواضع مثل هذا تدل على ذلك وقال بن المنير يحتمل أن يكون أشار إلى أن استعمال السواك يدل على ما يناسبه من إكمال الهيئة والتاهب وهو دليل طول القيام إذ التخفيف لا يتهيا له هذا التهيؤ الكامل وقد قال بن رشيد الذي عندي أن البخاري إنما أدخله لقوله إذا قام للتهجد أي إذا قام لعادته وقد تبينت عادته في الحديث الآخر ولفظ التهجد مع ذلك مشعر بالسهر ولا شك أن في التسوك عونا على دفع النوم فهو مشعر بالاستعداد للإطالة وقال البدر بن جماعة يظهر لي أن البخاري أراد بهذا الحديث استحضار حديث حذيفة الذي أخرجه مسلم يعني المشار إليه قريبا قال وإنما لم يخرجه لكونه على غير شرطه فأما أن يكون أشار إلى أن الليلة واحدة أو نبه بأحد حديثي حذيفة على الآخر وأقر بها توجيه بن رشيد ويحتمل أن يكون بيض الترجمة لحديث حذيفة فضم الكاتب الحديث إلى الحديث الذي قبله وحذف البياض

قوله باب كيف صلاة الليل وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل أورد فيه أربعة أحاديث أولها حديث بن عمر صلاة الليل مثنى مثنى الحديث وقد تقدم الكلام عليه في أول أبواب الوتر وأنه الأفضل في حق الأمة لكونه أجاب به السائل وأنه صلى الله عليه وسلم صح عنه فعل الفصل والوصل ثانيها حديث أبي جمرة عن بن عباس كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة يعني بالليل وأخرجه مسلم والترمذي بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أول أبواب الوتر أيضا وتقدم أيضا بيان الجمع بين مختلف الروايات في ذلك ثالثها حديث عائشة من رواية مسروق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر رابعها حديثها من طريق القاسم عنها كان يصلي من الليل ثلاث عشرة منها الوتر وركعتا الفجر وفي رواية مسلم من هذا الوجه كانت صلاته عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة فأما ما اجابت به مسروقا فمرادها أن ذلك وقع منه في أوقات مختلفة فتارة كان يصلي سبعا وتارة تسعا وتارة إحدى عشرة وأما حديث القاسم عنها فمحمول على أن ذلك كان غالب حاله وسيأتي بعد خمسة أبواب من رواية أبي سلمة عنها أن ذلك كان أكثر ما يصليه في الليل ولفظه ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة الحديث وفيه ما يدل على أن ركعتي الفجر من غيرها فهو مطابق لرواية القاسم وأما ما رواه الزهري عن عروة عنها كما سيأتي في باب ما يقرأ في ركعتي الفجر بلفظ كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين فظاهره يخالف ما تقدم فيحتمل أن تكون اضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء لكونه كان يصليها في بيته أو ما كان يفتتح به صلاة الليل فقد ثبت عند مسلم من طريق سعد بن هشام عنها أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين وهذا أرجح في نظري لأن رواية أبي سلمة التي دلت على الحصر في إحدى عشرة جاء في صفتها عند المصنف وغيره يصلي أربعا ثم ثلاثا فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين وتعرضت لهما في رواية الزهري والزيادة من الحافظ مقبولة وبهذا يجمع بين الروايات وينبغي أن يستحضر هنا ما تقدم في أبواب الوتر من ذكر الركعتين بعد الوتر والاختلاف هل هما الركعتان بعد الفجر أو صلاة مفردة بعد الوتر ويؤيده ما وقع عند أحمد وأبي داود من رواية عبد الله بن أبي قيس عن عائشة بلفظ كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشر وثلاث ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة ولا انقص من سبع وهذا أصح ما وقفت عليه من ذلك وبه يجمع بين ما اختلف عن عائشة من ذلك والله أعلم قال القرطبي اشكلت روايات عائشة على كثير من أهل العلم حتى نسب بعضهم حديثها إلى الاضطراب وهذا إنما يتم لو كان الراوي عنها واحدا أو أخبرت عن وقت واحد والصواب أن كل شيء ذكرته من ذلك محمول على أوقات متعددة وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز والله أعلم وظهر لي أن الحكمة في عدم الزياده على إحدى عشرة أن التهجد والوتر مختص بصلاة الليل وفرائض النهار الظهر وهي أربع والعصر وهي أربع والمغرب وهي ثلاث وتر النهار فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار في العدد جملة وتفصيلا وأما مناسبة ثلاث عشرة فبضم صلاة الصبح لكونها نهارية إلى ما بعدها تنبيه إسحاق المذكور في أول حديثي عائشة هو بن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وعبيد الله المذكور في ثاني حديثيها هو بن موسى وقد روى البخاري عنه في هذين الحديثين المتواليين بواسطة وبغير واسطة وهو من كبار شيوخه وكان اولهما لم يقع له سماعه منه والله أعلم

قوله باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل من نومه وما نسخ من قيام الليل وقوله تعالى يا أيها المزمل قم الليل كأنه يشير إلى ما أخرجه مسلم من طريق سعد بن هشام عن عائشة قالت أن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة يعني يا أيها المزمل فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضيته واستغنى البخاري عن إيراد هذا الحديث لكونه على غير شرطه بما أخرجه عن أنس فإن فيه ولا تشاء أن تراه من الليل نائما الا رايته فإنه يدل على أنه كان ربما نام كل الليل وهذا سبيل التطوع فلو استمر الوجوب لما أخل بالقيام وبهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة وقد روى محمد بن نصر في قيام الليل من طريق سماك الحنفي عن بن عباس شاهدا لحديث عائشة في أن بين الإيجاب والنسخ سنة وكذا أخرجه عن أبي عبد الرحمن السلمي والحسن وعكرمة وقتادة بأسانيد صحيحة عنهم ومقتضى ذلك أن النسخ وقع بمكة لأن الإيجاب متقدم على فرض الخمس ليلة الإسراء وكانت قبل الهجرة بأكثر من سنة على الصحيح وحكى الشافعي عن بعض أهل العلم أن آخر السورة نسخ افتراض قيام الليل الا ما تيسر منه لقوله فاقرؤوا ما تيسر منه ثم نسخ فرض ذلك بالصلوات الخمس واستشكل محمد بن نصر ذلك كما تقدم ذكره والتعقب عليه في أول كتاب الصلاة وتضمن كلامه أن الآية التي نسخت الوجوب مدنية وهو مخالف لما عليه الأكثر من أن السورة كلها مكية نعم ذكر أبو جعفر النحاس أنها مكية الا الآية الأخيرة وقوى محمد بن نصر هذا القول بما أخرجه من حديث جابر أن نسخ قيام الليل وقع لما توجهوا مع أبي عبيدة في جيش الخبط وكان ذلك بعد الهجرة لكن في إسناده على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وأما ما رواه الطبري من طريق محمد بن طحلاء عن أبي سلمة عن عائشة قالت أحتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا فذكر الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه قبل خمسة أبواب وفيه اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن خير العمل أدومه وأن قل ونزلت عليه يا أيها المزمل فكتب عليهم قيام الليل وأنزلت منزلة الفريضة حتى إن كان بعضهم ليربط الحبل فيتعلق به فلما رأى الله تكلفهم ابتغاء رضاه وضع ذلك عنهم فردهم إلى الفريضة ووضع عنهم قيام الليل الا ما تطوعوا به فإنه يقتضي أن السورة كلها مدنية لكن فيه موسى بن عبيدة وهو شديد الضعف فلا حجة فيما تفرد به ولو صح ما رواه لاقتضى ذلك وقوع ما خشي منه صلى الله عليه وسلم حيث ترك قيام الليل بهم خشية أن يفرض عليهم والأحاديث الصحيحية دالة على أن ذلك لم يقع والله أعلم قوله يا أيها المزمل أي المتلفف في ثيابه وروى بن أبي حاتم عن عكرمة عن بن عباس قال يا أيها المزمل أي يا محمد قد زملت القرآن فكان الأصل يا أيها المتزمل قوله قم الليل الا قليلا أي منه وروى بن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه قال القليل ما دون المعشار والسدس وفيه نظر لما سيأتي قوله نصفه يحتمل أن يكون بدلا من قليلا فكان في الآية تخييرا بين قيام النصف بتمامه أو قيام انقص منه أو ازيد ويحتمل أن يكون قوله نصفه بدلا من الليل والا قليلا استثناء من النصف حكاه الزمخشري وبالاول جزم الطبري وأسند بن أبي حاتم معناه عن عطاء الخراساني قوله ورتل القرآن ترتيلا أي اقرأه مترسلا بتبيين الحروف واشباع الحركات روى مسلم من حديث حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها قوله قولا ثقيلا أي القرآن وعن الحسن العمل به أخرجه بن أبي حاتم وأخرج أيضا من طريق أخرى عنه قال ثقيلا في الميزان يوم القيامة وتاوله غيره على ثقل الوحي حين ينزل كما تقدم في بدء الوحي قوله إن ناشئة الليل قال بن عباس نشا قام بالحبشية يعني فيكون معنى قوله تعالى ناشئة الليل أي قيام الليل وهذا التعليق وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عنه قال إن ناشئة الليل هو كلام الحبشة نشأ قام وأخرج عن أبي ميسرة وأبي مالك نحوه ووصله بن أبي حاتم من طريق أبي ميسرة عن بن مسعود أيضا وذهب الجمهور إلى أنه ليس في القرآن شيء بغير العربية وقالوا ما ورد من ذلك فهو من توافق اللغتين وعلى هذا فناشئة الليل مصدر بوزن فاعلة من نشا إذا قام أو اسم فاعل أي النفس الناشئة بالليل أي التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي تنهض وحكى أبو عبيد في الغريبين أن كل ما حدث بالليل وبدا فهو ناشىء وقد نشا وفي المجاز لأبي عبيدة ناشئه الليل آناء الليل ناشئة بعد ناشئة قال بن التين والمعنى أن الساعات الناشئة من الليل أي المقبلة بعضها في أثر بعض هي أشد قوله وطاء قال مواطاة للقرآن أشد موافقة لسمعه وبصره وقلبه وهذا وصله عبد بن حميد من طريق مجاهد قال أشد وطاء أي يوافق سمعك وبصرك وقلبك بعضه بعضا قال الطبري هذه القراءة على أنه مصدر من قولك واطا اللسان القلب مواطاة ووطاء قال وقرا الأكثر وطئا بفتح الواو وسكون الطاء ثم حكى عن العرب وطئنا الليل وطئا أي سرنا فيه وروى من طريق قتادة أشد وطئا أثبت في الخير وأقوم قيلا أبلغ في الحفظ وقال الأخفش أشد وطئا أي قياما واصل الوطء في اللغة الثقل كما في الحديث اشدد وطأتك على مضر قوله ليواطئوا ليوافقوا هذه الكلمة من تفسير براءه وإنما أوردها هنا تاييدا للتفسير الأول وقد وصله الطبري عن بن عباس لكن بلفظ ليشابهوا قوله سبحا طويلا أي فراغا وصله بن أبي حاتم عن بن عباس وأبي العالية ومجاهد وغيرهم وعن السدي سبحا طويلا أي تطوعا كثيرا كأنه جعله من السبحة وهي النافلة

[ 1090 ] قوله حدثني محمد بن جعفر أي بن أبي كثير المدني وحميد هو الطويل قوله أن لا يصوم منه زاد أبو ذر والأصيلي شيئا قوله وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا الخ أي أن صلاته ونومه كان يختلف بالليل ولا يرتب وقتا معينا بل بحسب ما تيسر له القيام ولا يعارضه قول عائشة كان إذا سمع الصارخ قام فإن عائشة تخبر عما لها عليه اطلاع وذلك أن صلاة الليل كانت تقع منه غالبا في البيت فخبر أنس محمول على ما وراء ذلك وقد مضى في حديثها في أبواب الوتر من كل الليل قد أوتر فدل على أنه لم يكن يخص الوتر بوقت بعينه قوله تابعه سليمان وأبو خالد الأحمر عن حميد كذا ثبتت الواو في جميع الروايات التي اتصلت لنا فعلى هذا يحتمل أن يكون سليمان هو بن بلال كما جزم به خلف ويحتمل أن تكون الواو زائدة من الناسخ فإن أبا خالد الأحمر اسمه سليمان وحديثه في هذا سيأتي موصولا في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى

قوله باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل قال بن التين وغيره قوله إذا لم يصل مخالف لظاهر حديث الباب لأنه دال على أنه يعقد على رأس من صلى ومن لم يصل لكن من صلى بعد ذلك تنحل عقده بخلاف من لم يصل وأجاب بن رشيد بان مراد البخاري باب بقاء عقد الشيطان الخ وعلى هذا فيجوز أن يقرأ قوله عقد بلفظ الفعل وبلفظ الجمع ثم رأيت الإيراد بعينه للمازرى ثم قال وقد يعتذر عنه بأنه إنما قصد من يستدام العقد على رأسه بترك الصلاة وكأنه قدر من انحلت عقده كان لم تعقد عليه انتهى ويحتمل أن تكون الصلاة المنفية في الترجمة صلاة العشاء فيكون التقدير إذا لم يصل العشاء فكأنه يرى ان الشيطان انما يفعل ذلك بمن نام قبل صلاة العشاء بخلاف من صلاها ولا سيما في الجماعة وكأن هذا هو السر في إيراده لحديث سمرة عقب هذا الحديث لأنه قال فيه وينام عن الصلاة المكتوبة ولا يعكر على هذا كونه أورد هذه الترجمة في تضاعيف صلاة الليل لأنه يمكن أن يجاب عنه بأنه أراد دفع توهم من يحمل الحديثين على صلاة الليل لأنه ورد في بعض طرق حديث سمرة مطلقا غير مقيد بالمكتوبة والوعيد علامة الوجوب وكأنه أشار الى خطأ من احتج به على وجوب صلاة الليل حملا للمطلق على المقيد ثم وجدت معنى هذا الإحتمال للشيخ ولي الدين الملوي وقواه بما ذكرته من حديث سمرة فحمدت الله على التوفيق لذلك ويقويه ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن من صلى العشاء في جماعة كان كمن قام نصف ليلة لأن مسمى قيام الليل يحصل للمؤمن بقيام بعضه فحينئذ يصدق على من صلى العشاء في جماعة أنه قام الليل والعقد المذكورة تنحل بقيام الليل فصار من صلى العشاء في جماعة كمن قام الليل في حل عقد الشيطان وخفيت المناسبة على الإسماعيلي فقال ورفض القرآن ليس هو ترك الصلاة بالليل ويتعجب من اغفاله آخر الحديث حيث قال فيه وينام عن الصلاة المكتوبة والله أعلم

[ 1091 ] قوله الشيطان كان المراد به الجنس وفاعل ذلك هو القرين أو غيره ويحتمل أن يراد به رأس الشياطين وهو إبليس وتجوز نسبة ذلك إليه لكونه الآمر به الداعي إليه ولذلك أورده المصنف في باب صفة إبليس من بدء الخلق قوله قافية رأس أحدكم أي مؤخر عنقه وقافية كل شيء مؤخره ومنه قافية القصيده وفي النهاية القافية القفا وقيل مؤخر الرأس وقيل وسطه وظاهر قوله أحدكم التعميم في المخاطبين ومن في معناهم ويمكن أن يخص منه من تقدم ذكره ومن ورد في حقه أنه يحفظ من الشيطان كالأنبياء ومن تناوله قوله أن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكمن قرا آية الكرسي عند نومه فقد ثبت أنه يحفظ من الشيطان حتى يصبح وفيه بحث ساذكره في آخر مشرح هذا الحديث إن شاء الله تعالى قوله إذا هو نام كذا للأكثر وللحموي والمستملي إذا هو نائم بوزن فاعل والأول أصوب وهو الذي في الموطأ قوله يضرب على مكان كل عقدة كذا للمستملي ولبعضهم بحذف على وللكشميهني بلفظ عند مكان وقوله يضرب أي بيده على العقدة تاكيدا واحكاما لها قائلا ذلك وقيل معنى يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ ومنه قوله تعالى فضربنا على آذانهم أي حجبنا الحس أن يلج في اذانهم فينتبهوا وفي حديث أبي سعيد ما أحد ينام الا ضرب على سماخه بجرير معقود أخرجه المخلص في فوائده والسماخ بكسر المهملة وآخره معجمة ويقال بالصاد المهمله بدل السين وعند سعيد بن منصور بسند جيد عن بن عمر ما أصبح رجل على غير وتر الا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعا قوله عليك ليل طويل كذا في جميع الطرق عن البخاري بالرفع ووقع في رواية أبي مصعب في الموطأ عن مالك عليك ليلا طويلا وهي رواية بن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم قال عياض رواية الأكثر عن مسلم بالنصب على الإغراء ومن رفع فعلى الابتداء أي باق عليك أو بإضمار فعل أي بقي وقال القرطبي الرفع أولى من جهة المعنى لأنه الامكن في الغرور من حيث أنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد بقول فارقد وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه الا الأمر بملازمة طول الرقاد وحينئذ يكون قوله فارقد ضائعا ومقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام والالباس عليه وقد اختلف في هذه العقد فقيل هو على الحقيقه وأنه كما يعقد الساحر من يسحره وأكثر من يفعله النساء تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدة وتتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك ومنه قوله تعالى ومن شر النفاثات في العقد وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها وهل العقد في شعر الرأس أو في غيره الأقرب الثاني إذ ليس لكل أحد شعر ويؤيده ما ورد في بعض طرفه أن على رأس كل ادمي حبلا ففي رواية بن ماجة ومحمد بن نصر من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد ولأحمد من طريق الحسن عن أبي هريرة بلفظ إذا نام أحدكم عقد على رأسه بجرير ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر مرفوعا ما من ذكر ولا أنثى الا على رأسه جرير معقود حين يرقد الحديث وفي الثواب لادم بن أبي إياس من مرسل الحسن نحوه والجرير بفتح الجيم هو الحبل وفهم بعضهم من هذا أن العقد لازمة ويرده التصريح بأنها تنحل بالصلاة فيلزم إعادة عقدها فابهم فاعله في حديث جابر وفسر في حديث غيره وقيل هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم وقيل المراد به عقد القلب وتصميمه على الشيء كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليلة قطعة طويلة فيتأخر عن القيام وانحلال العقد كناية عن نعلمه بكذبه فيما وسوس به وقيل العقد كناية عن تثبيط الشيطان للنائم بالقول المذكور ومنه عقدت فلانا عن امرأته أي منعته عنها أو عن تثقيله عليه النور كأنه قد شد عليه شدادا وقال بعضهم المراد بالعقد الثلاث الأكل والشرب والنوم لأن من أكثر الأكل والشرب كثر نومه واستبعده المحب الطبري لأن الحديث يقتضي أن العقد تقع عند النوم فهي غيره قال القرطبي الحكمة في الاقتصار على الثلاث أن أغلب ما يكون انتباه الإنسان في السحر فإن اتفق له أن يرجع إلى النوم ثلاث مرات لم تنقض النومة الثالثة الا وقد ذهب الليل وقال البيضاوي التقييد بالثلاث أما للتاكيد أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء الذكر والوضوء والصلاة فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه وكان تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم ومجال تصرفه وهو اطوع القوي للشيطان واسرعها اجابه لدعوته وفي كلام الشيخ الملوى أن العقد يقع على خزانة الالهيات من الحافظه وهي الكنز المحصل من القوي ومنها يتناول القلب ما يريد التذكر به قوله انحل عقده بلفظ الجمع بغير اختلاف في البخاري ووقع لبعض رواة الموطأ بالافراد ويؤيده رواية أحمد المشار إليها قبل فإن فيها فإن ذكر الله انحلت عقدة واحدة وأن قام فتوضأ أطلقت الثانية فإن صلى أطلقت الثالثة وكأنه محمول على الغالب وهو من ينام مضطجعا فيحتاج إلى الوضوء إذا انتبه فيكون لكل فعل عقدة يحلها ويؤيد الأول ما سيأتي في بدء الخلق من وجه آخر بلفظ عقده كلها ولمسلم من رواية بن عيينة عن أبي الزناد انحلت العقد وظاهره أن العقد تنحل كلها بالصلاة خاصة وهو كذلك في حق من لم يحتج إلى الطهارة كمن نام متمكنا مثلا ثم انتبه فصلى من قبل أن يذكر أو يتطهر فإن الصلاة تجزئه في حل العقد كلها لأنها تستلزم الطهاره وتتضمن الذكر وعلى هذا فيكون معنى قوله فإذا صلى انحلت عقده كلها أن كان المراد به من لا يحتاج إلى الوضوء فظاهر على ما قررناه وأن كان من يحتاج إليه فالمعنى انحلت بكل عقدة أو انحلت عقده كلها بانحلال الأخيرة التي بها يتم انحلال العقد وفي رواية أحمد المذكورة قبل فإن قام فذكر الله انحلت واحدة فإن قام فتوضأ أطلقت الثانية فإن صلى أطلقت الثالثة وهذا محمول على الغالب وهو من ينام مضطجعا فيحتاج إلى تجديد الطهاره عند استيقاظه فيكون لكل فعل عقده يحلها قوله طيب النفس أي لسروره بما وفقه الله له من الطاعه وبما وعده من الثواب وبما زال عنه من عقد الشيطان كذا قيل والذي يظهر أن في صلاة الليل سرا في طيب النفس وأن لم يستحضر المصلي شيئا مما ذكر وكذا عكسه وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا وقد استنبط بعضهم منه أن من فعل ذلك مرة ثم عاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثانيا واستثنى بعضهم ممن يقوم ويذكر ويتوضأ ويصلي من لم ينهه ذلك عن الفحشاء بل يفعل ذلك من غير أن يقلع والذي يظهر فيه التفصيل بين من يفعل ذلك مع الندم والتوبة والعزم على الاقلاع وبين المصر قوله وإلا أصبح خبيث النفس أي بتركه ما كان اعتاده أو أراده من فعل الخير كذا قيل وقد تقدم ما فيه وقوله كسلان غير مصروف للوصف ولزيادة الألف والنون ومتقضى قوله وإلا أصبح أنه أن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثا كسلان وأن أتى ببعضها وهو كذلك لكن يختلف ذلك بالقوة والخفة فمن ذكر الله مثلا كان في ذلك أخف ممن لم يذكر أصلا وروينا في الجزء الثالث من الأول من حديث المخلص في حديث أبي سعيد الذي تقدمت الإشارة إليه فإن قام فصلى انحلت العقد كلهن وأن استيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العقد كلها كهيئتها وقال بن عبد البر هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو إلى النافلة بالليل فغلبته عينه فنام فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة وقال أيضا زعم قوم أن هذا الحديث يعارض قوله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم خبثت نفسي وليس كذلك لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهة لتلك الكلمة وهذا الحديث وقع ذما لفعله ولكل من الحديثين وجه وقال الباجي ليس بين الحديثين اختلاف لأنه نهى عن إضافة ذلك إلى النفس لكون الخبث بمعنى فساد الدين ووصف بعض الأفعال بذلك تحذيرا منها وتنفيرا قلت تقرير الاشكال أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضافة ذلك إلى النفس فكل ما نهى المؤمن أن يضيفه إلى نفسه نهى أن يضيفه إلى أخيه المؤمن وقد وصف صلى الله عليه وسلم هذا المرء بهذه الصفة فيلزم جواز وصفنا له بذلك لمحل التاسي ويحصل الانفصال فيما يظهر بان النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك كالتنفير والتحذير تنبيهات الأول ذكر الليل في قوله عليك ليل ظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل وهو كذلك لكن لا يبعد أن يجيء مثله في نوم النهار كالنوم حالة الابراد مثلا ولا سيما على تفسير البخاري من أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة ثانيها ادعى بن العربي أن البخاري أومأ هنا إلى وجوب صلاة الليل لقوله يعقد الشيطان وفيه نظر فقد صرح البخاري في خامس ترجمة من أبواب التهجد بخلافه حيث قال من غير إيجاب وأيضا فما تقدم تقريره من أنه حمل الصلاة هنا على المكتوبة يدفع ما قاله بن العربي أيضا ولم أر النقل في القول بإيجابه الا عن بعض التابعين قال بن عبد البر شذ بعض التابعين فاوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه ونقله غيره عن الحسن وابن سيرين والذي وجدناه عن الحسن ما أخرجه محمد بن نصر وغيره عنه أنه قيل له ما تقول في رجل استظهر القرآن كله لا يقوم به إنما يصلي المكتوبة فقال لعن الله هذا إنما يتوسد القرآن فقيل له قال الله تعالى فاقرؤا ما تيسر منه قال نعم ولو قدر خمسين آية وكان هذا هو مستند من نقل عن الحسن الوجوب ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أنه قال إنما قيام الليل على أصحاب القرآن وهذا يخصص ما نقل عن الحسن وهو أقرب وليس تصريح بالوجوب أيضا ثالثها قد يظن أن بين هذا الحديث والحديث الاتي في الوكاله من حديث أبي هريرة الذي فيه أن قارئ آية الكرسي عند نومه لا يقربه الشيطان معارضة وليس كذلك لأن العقد أن حمل على الأمر المعنوى والقرب على الأمر الحسي وكذا العكس فلا اشكال إذ لا يلزم من سحره إياه مثلا أن يماسه كما لا يلزم من مماسته أن يقربه بسرقة أو أذى في جسده ونحو ذلك وأن حملا على المعنويين أو العكس فيجاب بادعاء الخصوص في عموم أحدهما والاقرب أن المخصوص حديث الباب كما تقدم تخصيصه عن بن عبد البر بمن لم ينو القيام فكذا يمكن أن يقال يختص بمن لم يقرأ آية الكرسي لطرد الشيطان والله أعلم رابعها ذكر شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أن السر في استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين المبادرة إلى حل عقد الشيطان وبناه على أن الحل لا يتم الا بتمام الصلاة وهو واضح لأنه لو شرع في صلاة ثم افسدها لم يساو من أتمها وكذا الوضوء وكان الشروع في حل العقد يحصل بالشروع في العبادة وينتهي بانتهائها وقد ورد الأمر بصلاة الركعتين الخفيفتين عند مسلم من حديث أبي هريرة فاندفع إيراد من أورد أن الركعتين الخفيفتين إنما وردتا من فعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم من حديث عائشة وهو منزه عن عقد الشيطان حتى ولو لم يرد الأمر بذلك لامكن أن يقال يحمل فعله ذلك على تعليم أمته وارشادهم إلى ما يحفظهم من الشيطان وقد وقع عند بن خزيمة من وجه آخر عن أبي هريرة في آخر الحديث فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين خامسها أنما خص الوضوء بالذكر لأنه الغالب وإلا فالجنب لا يحل عقدته الا الاغتسال وهل يقوم التيمم مقام الوضوء أو الغسل لمن ساغ له ذلك محل بحث والذي يظهر اجزاؤه ولا شك أن في معاناة الوضوء عونا كبيرا على طرد النوم لا يظهر مثله في التيمم سادسها لا يتعين للذكر شيء مخصوص لا يجزئ غيره بل كل ما صدق عليه ذكر الله أجزأ ويدخل فيه تلاوة القرآن وقراءة الحديث النبوي والاشتغال بالعلم الشرعي واولى ما يذكر به ما سيأتي بعد ثمانية أبواب في باب فضل من تعار من الليل ويؤيده ما عند بن خزيمة من الطريق المذكورة فإن تعار من الليل فذكر الله

[ 1092 ] قوله حدثنا عوف هو الأعرابي وأبو رجاء هو العطاردي والإسناد كله بصريون وسيأتي حديث سمرة مطولا في أواخر كتاب الجنائز وقوله هنا على الصلاة المكتوبة الظاهر ان المراد بها العشاء الآخرة وهو اللائق بما تقدم من مناسبة الحديث الذي قبله وقوله يثلغ بمثلثة ساكنة ولام مفتوحة بعدها معجمة أي يشق أو يخدش وقوله فيرفضة بكسر الفاء وضمها

قوله باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في إذنه هذه الترجمة للمستملي وحده وللباقين باب فقظ وهو بمنزلة الفصل من الباب وتعلقه بالذي قبله ظاهر لما سنوضحه

[ 1093 ] قوله ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم رجل لم اقف على اسمه لكن أخرج سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن بن مسعود ما يؤخذ منه أنه هو ولفظه بعد سياق الحديث بنحوه وأيم الله لقد بال في إذن صاحبكم ليلة يعني نفسه قوله فقيل ما زال نائما حتى أصبح في رواية جرير عن منصور في بدء الخلق رجل نام ليلة حتى أصبح قوله ما قام إلى الصلاة المراد الجنس ويحتمل العهد ويراد به صلاة الليل أو المكتوبة ويؤيده رواية سفيان هذا عندنا نام عن الفريضة أخرجه بن حبان في صحيحه وبهذا يتبين مناسبة الحديث لما قبله وفي حديث أبي سعيد الذي قدمت ذكره من فوائد المخلص أصبحت العقد كلها كهيئتها وبال الشيطان في إذنه فيستفاد منه وقت بول الشيطان ومناسبة هذا الحديث للذي قبله قوله في اذنه في رواية جرير في اذنه بالتثنيه واختلف في بول الشيطان فقيل هو على حقيقته قال القرطبي وغيره لا مانع من ذلك إذ لا احالة فيه لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح فلا مانع من أن يبول وقيل هو كناية عن سد الشيطان إذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر وقيل معناه أن الشيطان ملئ سمعه بالأباطيل فحجب سمعه عن الذكر وقيل هو كناية عن ازدراء الشيطان به وقيل معناه أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول إذ من عادة المستخف بالشيء أن يبول عليه وقيل هو مثل مضروب للغافل عن القيام بثقل النوم كمن وقع البول في إذنه فثقل إذنه وافسد حسه والعرب تكني عن الفساد بالبول قال الراجز بال سهيل في الفضيخ ففسد وكنى بذلك عن طلوعه لأنه وقت افساد الفضيخ فعبر عنه بالبول ووقع في رواية الحسن عن أبي هريرة في هذا الحديث عند أحمد قال الحسن أن بوله والله لثقيل وروى محمد بن نصر من طريق قيس بن أبي حازم عن بن مسعود حسب الرجل من الخيبه والشر أن ينام حتى يصبح وقد بال الشيطان في إذنه وهو موقوف صحيح الإسناد وقال الطيبي خص الإذن بالذكر وأن كانت العين انسب بالنوم إشارة إلى ثقل النوم فإن المسامع هي موارد الانتباه وخص البول لأنه أسهل مدخلا في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الأعضاء

قوله باب الدعاء والصلاة من آخر الليل في رواية أبي ذر الدعاء في الصلاة قوله وقال الله عز وجل في رواية الأصيلي وقول الله قوله ما يهجعون زاد الأصيلي أي ينامون وقد ذكر الطبري وغيره الخلاف عن أهل التفسير في ذلك فنقل ذلك عن الحسن والأحنف وإبراهيم النخعي وغيرهم ونقل عن قتادة ومجاهد وغيرهما أن معناه كانوا لا ينامون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون ومن طريق المنهال عن سعيد عن بن عباس قال معناه لم تكن تمضى عليهم ليلة الا يأخذون منها ولو شيئا ثم ذكر اقوالا آخر ورجح الأول لأن الله تعالى وصفهم بذلك مادحا لهم بكثرة العمل قال بن التين وعلى هذا تكون ما زائدة أو مصدرية وهو أبين الأقوال واقعدها بكلام أهل اللغه وعلى الآخر تكون ما نافية وقال الخليل هجع يهجع هجوعا وهو النوم بالليل دون النهار ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة في النزول من طريق الأغر أبي عبد الله وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة وقد اختلف فيه على الزهري فرواه عنه مالك وحفاظ أصحابه كما هنا واقتصر بعضهم عنه على أحد الرجلين وقال بعض أصحاب مالك عنه عن سعيد بن المسيب بدلهما ورواه أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري فقال الأعرج بدل الأغر فصحفه وقيل عن الزهري عن عطاء بن يزيد بدل أبي سلمة قال الدارقطني وهو وهم والأغر المذكور لقب واسمه سلمان ويكنى أبا عبد الله وهو مدني ولهم راو آخر يقال له الأغر أيضا لكنه اسمه وكنيته أبو مسلم وهو كوفي وقد جاء هذا الحديث من طريقه أيضا أخرجه مسلم من رواية أبي إسحاق السبيعي عنه عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا مرفوعا وغلط من جعلهما واحدا ورواه عن أبي هريرة أيضا سعيد بن مرجانة وأبو صالح عند مسلم وسعيد المقبري وعطاء مولى أم صبية بالمهلة مصغرا وأبو جعفر المدني ونافع بن جبير بن مطعم كلهم عند النسائي وفي الباب عن علي وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص وعمرو بن عبسة عند أحمد وعن جبير بن مطعم ورفاعة الجهني عند النسائي وعن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وأبي الخطاب غير منسوب عند الطبراني وعن عقبة بن عامر وجابر وجد عبد الحميد بن سلمة عند الدارقطني في كتاب السنة وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة قوله عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو عبد الله الاغر صاحب أبي هريرة أن أبا هريرة أخبرهما

[ 1094 ] قوله ينزل ربنا إلى السماء الدنيا استدل به من أثبت الجهة وقال هي جهة العلو وأنكر ذلك الجمهور قال العلامة بن باز حفظه الله مراده بالجمهور أهل الكلام وأما أهل السنة وهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان فإنهم يثبتون لله الجهة وهي جهة العلو ويؤمنون بأنه سبحانه فوق العرش بلا تمثيل ولاتكييف والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر فتنبه واحذر والله أعلم لأن القول بذلك يفضى إلى التحيز تعالى الله عن ذلك وقد اختلف في معنى النزول على أقوال فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبة تعالى الله عن قولهم ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزله وهو مكابرة والعجب إنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك وانكروا ما في الحديث أما جهلا وأما عنادا ومنهم من اجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق الإجمال منزها الله تعالى عن الكيفيه والتشبيه وهم جمهور السلف ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريبا مستعملا في كلام العرب وبين ما يكون بعيدا مهجورا فأول في بعض وفوض في بعض وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين بن دقيق العيد قال البيهقي واسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد الا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه ومن الدليل على ذلك اتفاقهم معلى أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم وسيأتي مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقال بن العربي حكى عن المبتدعة رد هذه الأحاديث وعن السلف امرارها وعن قوم تأويلها وبه أقول قال العلامة بن باز حفظه الله هذا خطأ ظاهر مصادم لصريح النصوص الواردة بإثبات النزول وهكذا ما قاله البيضاوي بعده باطل والصواب ما قاله السلف الصالح من الإيمان بالنزول وإمرار النصوص كما وردت من إثبات النزول لله سبحانه على الوجه الذي يليق به من غير تكييف ولا تمثيل كسائر صفاته وهذا هو الطريق الأسلم والأقوم والأعلم والأحكم فتمسك به وعض عليه بالنواجذ واحذر ما خالفه تفز بالسلامة والله أعلم فأما قوله ينزل فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عباره عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك وأن حملته على المعنوى بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة انتهى والحاصل أنه تأوله بوجهين أما بان المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره وأما بأنه استعاره بمعني التلطف بالداعين والاجابة لهم ونحوه وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ملكا ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له الحديث وفي حديث عثمان بن أبي العاص ينادي مناد هل من داع يستجاب له الحديث قال القرطبي وبهذا يرتفع الاشكال ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول لا يسأل عن عبادي غيري لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور وقال البيضاوي ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز أمتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه فالمراد نور رحمته أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرافة والرحمة قوله حين يبقي ثلث الليل الآخر يرفع الآخر لأنه صفة الثلث ولم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت واختلفت الروايات عن أبي هريرة وغيره قال الترمذي رواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك ويقوى ذلك أن الروايات المخالفه اختلف فيها على رواتها وسلك بعضهم طريق الجمع وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء أولها هذه ثانيها إذا مضى الثلث الأول ثالثها الثلث الأول أو النصف رابعها النصف خامسها النصف أو الثلث الأخير سادسها الإطلاق فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة وأما التي بأو فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه وأن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بان ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عن قوم وقال بعضهم يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول والقول يقع في النصف وفي الثلث الثاني وقيل يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار ويحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به فنقل الصحابة ذلك عنه والله أعلم قوله من يدعوني الخ لم تختلف الروايات على الزهري في الاقتصار على الثلاثه المذكورة وهي الدعاء والسؤال والاستغفار والفرق بين الثلاثه أن المطلوب أما لدفع المضار أو جلب المسار وذلك أما ديني وأما دنيوى ففي الاستغفار اشاره إلى الأول وفي السؤال إشارة إلى الثاني وفي الدعاء اشاره إلى الثالث وقال الكرماني يحتمل أن يقال الدعاء ما لا طلب فيه نحو يا الله والسؤال الطلب وأن يقال المقصود واحد وأن اختلف اللفظ انتهى وزاد سعيد عن أبي هريرة هل من تائب فأتوب عليه وزاد أبو جعفر عنه من ذا الذي يسترزقني فارزقه من ذا الذي يستكشف الضر فاكشف عنه وزاد عطاء مولى أم صبية عنه الا سقيم يستشفى فيشفى ومعانيها داخله فيما تقدم وزاد سعيد بن مرجانه عنه من يقرض غير عديم ولا ظلوم وفيه تحريض على عمل الطاعه واشارة إلى جزيل الثواب عليها وزاد حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري عند الدارقطني في آخر الحديث حتى الفحر وفي رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عند مسلم حتى ينفجر الفجر وفي رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة حتى يطلع الفجر وكذا اتفق معظم الرواة على ذلك الا أن في رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند النسائي حتى ترجل الشمس وهي شاذه وزاد يونس في روايته عن الزهري في آخره أيضا ولذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله أخرجها الدارقطني أيضا وله من رواية بن سمعان عن الزهري ما يشير إلى أن قائل ذلك هو الزهري وبهذه الزياده تظهر مناسبة ذكر الصلاة في الترجمة ومناسبة الترجمة التي بعد هذه لهذه قوله فاستجيب بالنصب على جواب الاستفهام وبالرفع على الاستئناف وكذا قوله فأعطيه واغفر له وقد قرئ بهما في قوله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له الآية وليست السين في قوله تعالى فاستجيب للطلب بل استجيب بمعنى أجيب وفي حديث الباب من الفوائد تفضيل صلاة آخر الليل على أوله وتفضيل تأخير الوتر لكن ذلك في حق من طمع أن ينتبه وأن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار ويشهد له قوله تعالى والمستغفرين بالأسحار وأن الدعاء في ذلك الوقت مجاب ولا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس أو لاستعجال الداعي أو بان يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو تحصل الاجابه ويتاخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله

قوله باب من نام أول الليل واحيا آخره تقدم في الذي قبله ذكر مناسبته قوله وقال سلمان أي الفارسي لأبي الدرداء نم الخ هو مختصر من حديث طويل أورده المصنف في كتاب الأدب من حديث أبي جحيفة قال آخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وبين أبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فذكر القصة وفي آخرها فقال أن لنفسك عليك حقا الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم صدق سلمان أي في جميع ما ذكر وفيه منقبة ظاهرة لسلمان

[ 1095 ] قوله حدثنا أبو الوليد في رواية أبي ذر قال أبو الوليد وقد وصله الإسماعيلي عن أبي خليفه عن أبي الوليد وتبين من سياقه أن البخاري ساق الحديث على لفظ سليمان وهو بن حرب وفي رواية أبي خليفه فإذا كان من السحر أوتر وزاد فيه فإن كانت له حاجة إلى أهله وقال فيه فإن كان جنبا أفاض عليه من الماء وإلا توضأ وبمعناه أخرجه مسلم من طريق زهير عن أبي إسحاق قال الإسماعيلي هذا الحديث يغلط في معناه الأسود والاخبار الجياد فيها كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ قلت لم يرد الإسماعيلي بهذا أن حديث الباب غلط وإنما أشار إلى أن أبا إسحاق حدث به عن الأسود بلفظ آخر غلط فيه والذي أنكره الحفاظ على أبي إسحاق في هذا الحديث هو ما رواه الثوري عنه بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء قال الترمذي يرون هذا غلطا من أبي إسحاق وكذا قال مسلم في التمييز وقال أبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد عنه ليس بصحيح ثم روى عن يزيد بن هارون أنه قال هو وهم انتهى وأظن أبا إسحاق اختصره من حديث الباب هذا الذي رواه عنه شعبة وزهير لكن لا يلزم من قولها فإذا كان جنبا أفاض عليه الماء أن لا يكون توضأ قبل أن ينام كما دلت عليه الأخبار الآخر فمن ثم غلطوه في ذلك ويستفاد من الحديث أنه كان ربما نام جنبا قبل أن يغتسل والله أعلم وقد تقدم باقي الكلام على حديث عائشة قريبا وقوله فيه فإن كانت به حاجة اغتسل يعكر عليه ما في رواية مسلم أفاض عليه الماء وما قالت اغتسل ويجاب بان بعض الرواة ذكره بالمعنى وحافظ بعضهم على اللفظ والله أعلم

قوله باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره سقط قوله بالليل من نسخة الصغاني ذكر فيه حديث أبي سلمة أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت الإشارة إليه في باب كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وفي الحديث دلاله على أن صلاته كانت متساويه في جميع السنة وفيه كراهة النوم قبل الوتر لاستفهام عائشة عن ذلك كأنه تقرر عندها منع ذلك فاجابها بأنه صلى الله عليه وسلم ليس في ذلك كغيره وسيأتي هذا الحديث من هذه الطريق في أواخر الصيام أيضا ونذكر فيه إن شاء الله تعالى ما بقي من فوائده

[ 1097 ] قوله عن هشام هو بن عروة قوله حتى إذا كبر بينت حفصة أن ذلك كان قبل موته بعام وقد تقدم بيان ذلك مع كثير من فوائده في آخر باب من أبواب التقصير قوله فإذا بقي عليه من السوره ثلاثون أو أربعون آية قام فقراهن ثم ركع فيه رد على من اشترط على من افتتح النافله قاعدا أن يركع قاعدا أو قائما أن يركع قائما وهو محكي عن أشهب وبعض الحنفية والحجه فيه ما رواه مسلم وغيره من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة في سؤاله لها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه كان إذا قرا قائما ركع قائما وإذا قرا قاعدا ركع قاعدا وهذا صحيح ولكن لا يلزم منه منع ما رواه عروة عنها فيجمع بينهما بأنه كان يفعل كلا من ذلك بحسب النشاط و عدمه والله أعلم وقد أنكر هشام بن عروة على عبد الله بن شقيق هذه الرواية واحتج بما رواه عن أبيه أخرج ذلك بن خزيمة في صحيحه ثم قال ولا مخالفه عندي بين الخبرين لأن رواية عبد الله بن شقيق محمولة على ما إذا قرا جميع القراءة قاعدا أو قائما ورواية هشام بن عروة محمولة على ما إذا قرا بعضها جالسا وبعضها قائما والله أعلم

قوله باب فضل الطهور بالليل والنهار وفضل الصلاة عند الطهور بالليل والنهار كذا ثبت في رواية الكشميهني ولغيره بعد الوضوء واقتصر بعضهم على الشق الثاني من الترجمة وعليه اقتصر الإسماعيلي وأكثر الشراح والشق الأول ليس بظاهر في حديث الباب الا أن حمل على أنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كما سنذكره من حديث بريده

[ 1098 ] قوله عن أبي حيان هو يحيى بن سعيد التيمي وصرح به في رواية مسلم من هذا الوجه وأبو زرعة هو بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي قوله قال لبلال أي بن رباح المؤذن وقوله عند صلاة الفجر فيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام لأن عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يقص ما رآه ويعبر ما رآه أصحابه كما سيأتي في كتاب التعبير بعد صلاة الفجر قوله بأرجي عمل بلفظ أفعل التفضيل المبني من المفعول واضافة العمل إلى الرجاء لأنه السبب الداعي إليه قوله في الإسلام زاد مسلم في روايته منفعة عندك قوله أني بفتح الهمزه ومن مقدرة قبلها صلة لأفعل التفضيل وثبتت في رواية مسلم ووقع في رواية الكشميهني أن بنون خفيفه بدل أني قوله فإني سمعت زاد مسلم الليلة وفيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام قوله دف نعليك بفتح المهمله وضبطها المحب الطبري بالإعجام والفاء مثقله وقد فسره المصنف في رواية كريمة بالتحريك وقال الخليل دف الطائر إذا حرك جناحيه وهو قائم على رجليه وقال الحميدي الدف الحركه الخفيفه والسير اللين ووقع في رواية مسلم خشف بفتح الخاء وسكون الشين المعجمتين وتخفيف الفاء قال أبو عبيد وغيره الخشف الحركه الخفيفه ويؤيده ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر سمعت خشفه ووقع في حديث بريدة عند أحمد والترمذي وغيرهما خشخشة بمعجمتين مكررتين وهو بمعنى الحركه أيضا قوله طهورا زاد مسلم تاما والذي يظهر أنه لا مفهوم لها ويحتمل أن يخرج بذلك الوضوء اللغوي فقد يفعل ذلك لطرد النوم مثلا قوله في ساعة ليل أو نهار بتنوين ساعة وخفض ليل على البدل وفي رواية مسلم في ساعة من ليل أو نهار قوله الا صليت زاد الإسماعيلي لربي قوله ما كتب لي أي قدر وهو أعم من الفريضة والنافلة قال بن التين إنما اعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة أفضل الأعمال وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر وبهذا التقرير يندفع إيراد من أورد عليه غير ما ذكر من الأعمال الصالحه والذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن ارجائها الأعمال المتطوع بها وإلا فالمفروضة أفضل قطعا ويستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة لأن بلالا توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط فصوبه النبي صلى الله عليه وسلم وقال بن الجوزي فيه الحث على الصلاة عقب الوضوء لئلا يبقى الوضوء خاليا عن مقصوده وقال المهلب فيه أن الله يعظم المجازاة على ما يسره العبد من عمله وفيه سؤال الصالحين عما يهديهم الله له من الأعمال الصالحه ليقتدي بها غيرهم في ذلك وفيه أيضا سؤال الشيخ عن عمل تلميذه ليحضه عليه ويرغبه فيه أن كان حسنا وإلا فينهاه واستدل به على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة لعموم قوله في كل ساعة وتعقب بان الأخذ بعمومه ليس باولى من الأخذ بعموم النهي وتعقبه بن التين بأنه ليس فيه ما يقتضي الفوريه فيحمل على تأخير الصلاة قليلا ليخرج وقت الكراهة أو أنه كان يؤخر الطهور إلى آخر وقت الكراهة لتقع صلاته في غير وقت الكراهة لكن عند الترمذي وابن خزيمة من حديث بريده في نحو هذه القصه ما اصابني حدث قط الا توضأت عندها ولأحمد من حديثه ما أحدثت الا توضأت وصليت ركعتين فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء والوضوء بالصلاة في أي وقت كان وقال الكرماني ظاهر الحديث أن السماع المذكور وقع في النوم لأن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت ويحتمل ان يكون في اليقظة لان النبي صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة المعراج واما بلال فلا يلزم من هذه القصة انه دخلها لأن قوله في الجنة ظرف للسماع ويكون الدف بين يديه خارجا عنها انتهى ولا يخفى بعد هذا الاحتمال لأن السياق مشعر بإثبات فضيلة بلال لكونه جعل السبب الذي بلغه إلى ذلك ما ذكره من ملازمة التطهر والصلاة وإنما ثبتت له الفضيلة بان يكون رؤى داخل الجنة لا خارجا عنها وقد وقع في حديث بريده المذكور يا بلال بم سبقتني إلى الجنة وهذا ظاهر في كونه رآه داخل الجنة ويؤيد كونه وقع في المنام ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر مرفوعا رأيتني دخلت الجنة فسمعت خشفة فقيل هذا بلال ورأيت قصرا بفنائه جاريه فقيل هذا لعمر الحديث وبعده من حديث أبي هريرة مرفوعا بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضا إلى جانب قصر فقيل هذا لعمر الحديث فعرف أن ذلك وقع في المنام وثبتت الفضيلة بذلك لبلال لأن رؤيا الأنبياء وحي ولذلك جزم النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ومشيه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته في اليقظه فاتفق مثله في المنام ولا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قبل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في مقام التابع وكأنه أشار صلى الله عليه وسلم إلى بقاء بلال على ما كان عليه في حال حياته واستمراره على قرب منزلته وفيه منقبه عظيمة لبلال وفي الحديث استحباب ادامة الظهارة ومناسبة المجازاة على ذلك بدخول الجنة لأن من لازم الدوام على الطهارة أن يبيت المرء طاهرا ومن بات طاهرا عرجت روحه فسجدت تحت العرش كما رواه البيهقي في الشعب من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص والعرش سقف الجنة كما سيأتي في هذا الكتاب وزاد بريده في آخر حديثه فقال النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وظاهره أن هذا الثواب وقع بسبب ذلك العمل ولا معارضه بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل أحدكم الجنة عمله لأن أحد الاجوبه المشهوره بالجمع بينه وبين قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون أن أصل الدخول إنما يقع برحمة الله واقتسام الدرجات بحسب الأعمال فيأتي مثله في هذا قال العلامة بن باز حفظه الله وأحسن من هذا الجواب أن الأعمال الصالحة هي سبب دخول الجنة ودخولها يكون برحمة الله وفضله لا بمجرد العلم كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لن يدخل الجنة أحدكم منكم يعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل انتهى وفيه أن الجنة موجودة الآن خلافا لم أنكر ذلك من المعتزلة تنبيه قول الكرماني لا يدخل أحد الجنة الا بعد موته مع قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة المعراج وكان المعراج في اليقظة على الصحيح ظاهرهما التناقض ويمكن حمل النفي أن كان ثابتا على غير الأنبياء أو يخص في الدنيا بمن خرج عن عالم الدنيا ودخل في عالم الملكوت وهو قريب مما أجاب به السهيلي عن استعمال طست الذهب ليلة المعراج

قوله باب ما يكره من التشديد في العبادة قال بن بطال إنما يكره ذلك خشية الملال المفضى إلى ترك العبادة

[ 1099 ] قوله حدثنا عبد الوارث هو بن سعيد والإسناد كله بصريون قوله دخل النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم في روايته المسجد قوله بين الساريتين أي اللتين في جانب المسجد وكانهما كانتا معهودتين للمخاطب لكن في رواية مسلم بين ساريتين بالتنكير قوله قالوا هذا حبل لزينب جزم كثير من الشراح تبعا للخطيب في مبهماته بأنها بنت جحش أم المؤمنين ولم أر ذلك في شيء من الطرق صريحا ووقع في شرح الشيخ سراج الدين بن الملقن أن بن أبي شيبة رواه كذلك لكني لم أر في مسنده ومصنفه زيادة على قوله قالوا لزينب أخرجه عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز وكذا أخرجه مسلم عنه وأبو نعيم في المستخرج من طريقه وكذلك رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل وأخرجه أبو داود عن شيخين له عن إسماعيل فقال عن أحدهما زينب ولم ينسبها وقال عن آخر حمنة بن جحش فهذه قرينة في كون زينب هي بنت جحش وروى أحمد من طريق حماد عن حميد عن أنس انها حمنة بنت جحش أيضا فلعل نسبة الحبل إليهما باعتبار أنه ملك لإحداهما والأخرى المتعلقه به وقد تقدم في كتاب الحيض أن بنات جحش كانت كل واحدة منهن تدعي زينب فيما قيل فعلى هذا فالحبل لحمنة وأطلق عليها زينب باعتبار اسمها الآخر ووقع في صحيح بن خزيمة من طريق شعبة عن عبد العزيز فقالوا لميمونه بنت الحارث وهي رواية شاذه وقيل يحتمل تعدد القصه ووهم من فسرها بجويريه بنت الحارث فإن لتلك قصه أخرى تقدمت في أوائل الكتاب والله أعلم وزاد مسلم فقالوا لزينب تصلي قوله فإذا فترت بفتح المثناه أي كسلت عن القيام في الصلاة ووقع عند مسلم بالشك فإذا فترت أو كسلت قوله فقال صلى الله عليه وسلم لا يحتمل النفي أي لا يكون هذا الحبل أو لا يحمد ويحتمل النهي أي لا تفعلوه وسقطت هذه الكلمة في رواية مسلم قوله نشاطه بفتح النون أي مدة نشاطه قوله فليقعد يحتمل أن يكون أمرا بالقعود عن القيام فسيتدل به على جواز افتتاح الصلاة قائما والقعود في اثنائها وقد تقدم نقل الخلاف فيه ويحتمل أن يكون أمرا بالقعود عن الصلاة أي بترك ما كان عزم عليه من التنفل ويمكن أن يستدل به على جواز قطع النافلة بعد الدخول فيه وقد تقدم في باب الوضوء من النوم في كتاب الطهارة حديث إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ وهو من حديث أنس أيضا ولعله طرف من هذه القصة وفيه حديث عائشة أيضا إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم وفيه لئلا يستغفر فيسب نفسه وهو لا يشعر هذا أو معناه ويجيء من الاحتمال ما تقدم في حديث الباب وفيه الحث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق فيها والأمر بالاقبال عليها بنشاط وفيه إزالة المنكر باليد واللسان وجواز تنفل النساء في المسجد واستدل به على كراهة التعلق في الحبل في الصلاة وسيأتي ما فيه في باب استعانة اليد في الصلاة بعد الفراغ من أبواب التطوع

[ 1100 ] قوله وقال عبد الله بن مسلمة يعني القعنبي كذا للأكثر وفي رواية الحموي والمستملي حدثنا عبد الله وكذا رويناه في الموطأ رواية القعنبي قال بن عبد البر تفرد القعنبي بروايته عن مالك في الموطأ دون بقية رواته فإنهم اقتصروا منه على طرف مختصر قوله تذكر للمستملي بفتح أوله بلفظ المضارع المؤنث وللحموى بضمه على البناء للمفعول بالتذكير وللكشميهني فذكر بفاء وضم المعجمه وكسر الكاف ولكل وجه وعلى الأول يكون ذلك قول عروة أو من دونه وعلى الثاني والثالث يحتمل أن يكون من كلام عائشة وهو على كل حال تفسير لقولها لا تنام الليل ووصفها بذلك خرج مخرج الغالب وسئل الشافعي عن قيام جميع الليل فقال لا أكرهه الا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح وفي قوله صلى الله عليه وسلم في جواب ذلك مه إشارة إلى كراهة ذلك خشية الفتور والملال على فاعله لئلا ينقطع عن عبادة التزمها فيكون رجوعا عما بذل لربه من نفسه وقوله عليكم ما تطيقون من الأعمال هو عام في الصلاة وفي غيرها ووقع في الرواية المتقدمة في الإيمان بدون قوله من الأعمال فحمله الباجي وغيره على الصلاة خاصة لأن الحديث ورد فيها وحمله على جميع العبادات أولي وقد تقدمت بقية فوائد حديث عائشة والكلام على قوله أن الله لا يمل حتى تملوا في باب أحب الدين إلى الله أدومه من كتاب الإيمان ومما يلحق هنا إني وجدت بعض ما ذكر هناك من تأويل الحديث احتمالا في بعض طرق الحديث وهو قوله أن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه الطبري في تفسير سورة المزمل وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك مدرج من قول بعض رواة الحديث والله أعلم

قوله باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه أي إذا أشعر ذلك بالاعراض عن العبادة

[ 1101 ] قوله حدثنا عباس بن حسين هو بموحده ومهملة بغدادي يقال له القنطري أخرجه عنه البخارة هنا وفي الجهاد فقط ومبشر بوزن مؤذن من البشاره وعبد الله المذكور في الإسناد الثاني هو بن المبارك وقد صرح في سياقه بالتحديث في جميع الإسناد فأمن تدليس الأوزاعي وشيخه قوله مثل فلان لم اقف على تسميته في شيء من الطرق وكان إبهام مثل هذا لقصد الستره عليه كالذي تقدم قريبا في الذي نام حتى أصبح ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد شخصا معينا وإنما أراد تنفير عبد الله بن عمرو من الصنيع المذكور قوله من الليل أي بعض الليل وسقط لفظ من رواية الأكثر وهي مراده قال بن العربي في هذا الحديث دليل على أن قيام الليل ليس بواجب إذ لو كان واجبا لم يكتف لتاركه بهذا القدر بل كان يذمه أبلغ الذم وقال بن حبان فيه جواز ذكر الشخص بما فيه من عيب إذا قصد بذلك التحذير من صنيعه وفيه استحباب الدوام على ما اعتاده المرء من الخير من غير تفريط ويستنبط منه كراهة قطع العبادة وأن لم تكن واجبه وما أحسن ما عقب المصنف هذه الترجمة بالتي قبلها لأن الحاصل منهما الترغيب في ملازمة العبادة والطريق الموصل إلى ذلك الاقتصاد فيها لأن التشديد فيها قد يؤدي إلى تركها وهو مذموم قوله وقال هشام هو بن عمار وابن أبي العشرين بلفظ العدد وهو عبد الحميد بن حبيب كاتب الأوزاعي وأراد المصنف بإيراد هذا التعليق التنبيه على أن زيادة عمر بن الحكم أي بن ثوبان بين يحيى وأبي سلمة من المزيد في متصل الأسانيد لأن يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة ولو كان بينهما واسطه لم يصرح بالتحديث ورواية هشام المذكورة وصلها الإسماعيلي وغيره قوله بهذا في رواية كريمة والأصيلي مثله قوله وتابعه عمرو بن أبي سلمة أي تابع بن أبي العشرين على زيادة عمر بن الحكم ورواية عمر المذكورة وصلها مسلم عن أحمد بن يونس عنه وظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يحيى عن أبي سلمة بغير واسطة وظاهر صنيع مسلم يخالفه لأنه اقتصر على الرواية الزائده والراجح عند أبي حاتم والدارقطني وغيرهما صنيع البخاري وقد تابع كلا من الروايتين جماعة من أصحاب الأوزاعي فالاختلاف منه وكأنه كان يحدث به على الوجهين فيحمل على أن يحيى حمله عن أبي سلمة بواسطة ثم لقيه فحدثه به فكان يرويه عنه على الوجهين والله أعلم

قوله باب كذا في الأصل بغير ترجمه وهو كالفصل من الذي قبله وتعلقه به ظاهر وكأنه أومأ إلى أن المتن الذي قبله طرف من قصة عبد الله بن عمرو في مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم له في قيام الليل وصيام النهار

[ 1102 ] قوله عن عمرو عن أبي العباس في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا عمرو سمعت أبا العباس وعمرو هو بن دينار وأبو العباس هو السائب بن فروخ ويعرف بالشاعر قوله ألم أخبر فيه أن الحكم لا ينبغي الا بعد التثبت لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكتف بما نقل له عن عبد الله حتى لقيه واستثبته فيه لاحتمال أن يكون قال ذلك بغير عزم أو علقه بشرط لم يطلع عليه الناقل ونحو ذلك قوله هجمت عينك بفتح الجيم أي غارت أو ضعفت لكثرة السهر قوله نفهت بنون ثم فاء مكسوره أي كلت وحكى الإسماعيلي أن أبا يعلى رواه له تفهمت بالتاء بدل النون واستضعفه قوله وأن لنفسك عليك حقا أي تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة البشريه مما اباحه الله للإنسان من الأكل والشرب والراحه التي يقوم بها بدنه ليكون اعون على عبادة ربه ومن حقوق النفس قطعها عما سوى الله تعالى لكن ذلك يختص بالتعلقات القلبيه قوله ولاهلك عليك حقا أي تنظر لهم فيما لا بد لهم منه من أمور الدنيا والاخره والمراد بالأهل الزوجه أو أعم من ذلك ممن تلزمه نفقته وسيأتي بيان سبب ذكر ذلك له في الصيام تنبيه قوله حقا في الموضعين للأكثر بالنصب على أنه اسم أن وفي رواية كريمة بالرفع فيهما على أنه الخبر والاسم ضمير الشأن قوله فصم أي فإذا عرفت ذلك فصم تارة وأفطر تارة لتجمع بين المصلحتين وفيه إيماء إلى ما تقدم في أوائل أبواب التهجد أنه ذكر له صوم داود وقد تقدم الكلام على قوله قم ونم وسيأتي في الصيام فيه زيادة من وجه آخر نحو قوله وأن لعينك عليك حقا وفي رواية فان لزورك عليك حقا أي للضيف وفي الحديث جواز تحدث المرء بما عزم عليه من فعل الخير وتفقد الإمام لامور رعيته كلياتها وجزئياتها وتعليمهم ما يصلحهم وفيه تعليل الحكم لمن فيه اهلية ذلك وأن الأولى في العبادة تقديم الواجبات على المندوبات وأن من تكلف الزيادة على ما طبع عليه يقع له الخلل في الغالب وفيه الحض على ملازمة العبادة لأنه صلى الله عليه وسلم مع كراهته له التشديد على نفسه حضه على الاقتصاد كأنه قال له ولا يمنعك اشتغالك بحقوق من ذكر أن تضيع حق العبادة وتترك المندوب جملة ولكن أجمع بينهما

قوله باب فضل من تعار من الليل فصلى تعار بمهملة وراء مشدده قال في المحكم تعار الظليم معارة صاح والتعار أيضا السهر والتمطي والتقلب على الفراش ليلا مع كلام وقال ثعلب اختلف في تعار فقيل انتبه وقيل تكلم وقيل علم وقيل تمطى وأن انتهى وقال الأكثر التعار اليقظه مع صوت وقال بن التين ظاهر الحديث أن معنى تعار استيقظ لأنه قال من تعار فقال فعطف القول على التعار انتهى ويحتمل ان تكون الفاء تفسيرية لما صوت به المستيقظ لأنه قد يصوت بغير ذكر فخص الفضل المذكور بمن صوت بما ذكر من ذكر الله تعالى وهذا هو السر في اختيار لفظ تعار دون استيقظ أو انتبه وإنما يتفق ذلك لمن تعود الذكر واستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته فاكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته وقبول صلاته

[ 1103 ] قوله حدثنا صدقة هو بن الفضل المروزي وجميع الإسناد كله شاميون وجناده بضم الجيم وتخفيف النون مختلف في صحبته قوله عن الأوزاعي قال حدثنا عمير بن هانئ كذا لمعظم الرواة عن الوليد بن مسلم وأخرجه الطبراني في الدعاء من رواية صفوان بن صالح عن الوليد عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عمير بن هانئ وأخرجه الطبراني فيه أيضا عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وهو الحافظ الذي يقال له دحيم عن أبيه عن الوليد مقرونا برواية صفوان بن صالح وما أظنه الا وهما فإنه أخرجه في المعجم الكبير عن إبراهيم عن أبيه عن الوليد عن الأوزاعي كالجادة وكذا أخرجه أبو داود وابن ماحة وجعفر الفريابي في الذكر عن دحيم وكذا أخرجه بن حبان عن عبد الله بن سليم عن دحيم ورواية صفوان شاذة فإن كان حفظها عن الوليد احتمل ان يكون عند الوليد فيه شيخان ويؤيده ما في آخر الحديث من اختلاف اللفظ حيث جاء في جميع الروايات عن الأوزاعي فإنه قال اللهم اغفر لي الخ ووقع في هذه الرواية كان من خطاياه كيوم ولدته أمه ولم يذكر رب اغفر لي ولا دعاء وقال في أوله ما من عبد يتعار من الليل بدل قوله من تعار لكن تخالف اللفظ في هذه أخف من التي قبلها قوله له الملك وله الحمد زاد على بن المديني عن الوليد يحيى ويميت أخرجه أبو نعيم في ترجمة عمير بن هانئ من الحليه من وجهين عنه قوله الحمد لله وسبحان الله زاد في رواية كريمة ولا إله الا الله وكذا عند الإسماعيلي والنسائي والترمذي وابن ماجة وأبي نعيم في الحليه ولم تختلف الروايات في البخاري على تقديم الحمد على التسبيح لكن عند الإسماعيلي بالعكس والظاهر أنه من تصرف الرواة لأن الواو لا تستلزم الترتيب قوله ولا حول ولا قوة الا بالله زاد النسائي وابن ماجة وابن السني العلي العظيم قوله ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا كذا فيه بالشك ويحتمل أن تكون للتنويع ويؤيد الأول ما عند الإسماعيلي بلفظ ثم قال رب اغفر لي غفر له أو قال فدعا استجيب له شك الوليد وكذا عند أبي داود وابن ماجة بلفظ غفر له قال الوليد أو قال دعا استجيب له وفي رواية علي بن المديني ثم قال رب اغفر لي أو قال ثم دعا واقتصر في رواية النسائي على الشق الأول قوله استجيب زاد الأصيلي له وكذا في الروايات الأخرى قوله فإن توضأ قبلت أي أن صلى وفي رواية أبي ذر أبي الوقت فإن توضأ وصلى وكذا عند الإسماعيلي وزاد في أوله فإن هو عزم فقام وتوضأ وصلى وكذا في رواية علي بن المديني قال بن بطال وعد الله على لسان نبيه أن من استيقظ من نومه لهجا لسانه بتوحيد ربه والاذعان له بالملك والاعتراف بنعمة يحمده عليها وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير والتسليم له بالعجز عن القدره الا بعونه أنه إذا دعاه اجابه وإذا صلى قبلت صلاته فينبغي لمن بلغه هذا الحديث ان يغتنم العمل به ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى قوله قبلت صلاته قال بن المنير في الحاشية وجه ترجمة البخاري بفضل الصلاة وليس في الحديث الا القبول وهو من لوازم الصحة سواء كانت فاضلة أم مفضوله لأن القبول في هذا الموطن أرجى منه في غيره ولولا ذلك لم يكن في الكلام فائده فلاجل قرب الرجاء فيه من اليقين تميز على غيره وثبت له الفضل انتهى والذي يظهر أن المراد بالقبول هنا قدر زائد على الصحة ومن ثم قال الداودي ما محصله من قبل الله له حسنة لم يعذبه قال العلامة بن باز حفظه الله فيما قاله الداودي نظر وظاهر النصوص يخالفه ولا يلزم من قبول بعض الأعمال عدم التعذيب على أعمال أخرى من السيئات مات العبد مصرا عليها فتنبه والله أعلم لأنه يعلم عواقب الأمور فلا يقبل شيئا ثم يحبطه وإذا أمن الاحباط أمن التعذيب ولهذا قال الحسن وددت إني أعلم أن الله قبل لي سجده واحدة فائده قال أبو عبد الله الفربري الراوي عن البخاري أجريت هذا الذكر على لساني عند انتباهي ثم نمت فأتاني آت فقرا وهدوا إلى الطيب من القول الآية

[ 1104 ] قوله الهيثم بفتح الهاء وسكون التحتانية بعدها مثلثة مفتوحة وسنان بكسر المهملة ونونين الأولى خفيفة قوله أنه سمع أبا هريرة وهو يقص في قصصه أي مواعظه التي كان أبو هريرة يذكر أصحابه بها قوله وهو يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخا لكم معناه أن أبا هريرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطرد إلى حكاية ما قيل في وصفه فذكر كلام عبد الله بن رواحه بما وصف به من هذه الأبيات قوله أن أخا لكم هو المسموع للهيثم والرفث الباطل أو الفحش من القول والقائل يعني هو الهيثم ويحتمل أن يكون الزهري قوله إذا انشق كذا للأكثر وفي رواية أبي الوقت كما انشق والمعنى مختلف وكلاهما واضح قوله من الفجر بيان للمعروف الساطع يقال سطع إذا ارتفع قوله العمي أي الضلاله قوله يجافى جنبه أي يرفعه عن الفراش وهو كناية عن صلاته بالليل وفي هذا البيت الأخير معنى الترجمة لان التعار هو السهر والتقلب على الفراش كما تقدم وكان الشاعر أشار إلى قوله تعالى في صفة المؤمنين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا الآية فائده وقعت لعبد الله بن رواحه في هذه الأبيات قصه أخرجها الدارقطني من طريق سلمة بن وهران عن عكرمة قال كان عبد الله بن رواحه مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلي جاريته فذكر القصه في رؤيتها إياه على الجارية وجحده ذلك والتماسها منه القراءة لأن الجنب لا يقرأ فقال هذه الأبيات فقالت أمنت بالله وكذبت بصري فاعلم النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه قال بن بطال أن قوله صلى الله عليه وسلم أن أخا لكم لا يقول الرفث فيه أن حسن الشعر محمود كحسن الكلام انتهى وليس في سياق الحديث ما يفصح بان ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم بل هو ظاهر في أنه من كلام أبي هريرة وبيان ذلك سيأتي في سياق رواية الزبيدي المعلقه وسيأتي بقية ما يتعلق بالشعر في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله تابعه عقيل أي عن بن شهاب فالضمير ليونس ورواية عقيل هذه أخرجها الطبراني في الكبير من طريق سلامه بن روح عن عمه عقيل بن خالد عن بن شهاب فذكر مثل رواية يونس قوله وقال الزبيدي الخ فيه اشاره إلى أنه اختلف عن الزهري في هذا الإسناد فاتفق يونس وعقيل على أن شيخه فيه الهيثم وخالفهما الزبيدي فابدله بسعيد أي بن المسيب والأعرج أي عبد الرحمن بن هرمز ولا يبعد أن يكون الطريقان صحيحين فإنهم حفاظ اثبات والزهري صاحب حديث مكثر ولكن ظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يونس لمتابعة عقيل له بخلاف الزبيدي ورواية الزبيدي هذه المعلقه وصلها البخاري في التاريخ الصغير والطبراني في الكبير أيضا من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه ولفظه أن أبا هريرة كان يقول في قصصه أن أخا لكم كان يقول شعرا ليس بالرفث وهو عبد الله بن رواحه فذكر الأبيات وهو يبين أن قوله في الرواية الأولى من كلام أبي هريرة موقوفا بخلاف ما جزم به بن بطال والله أعلم

[ 1105 ] قوله حدثنا أبو النعمان هو السدوسي قوله الا طارت إليه سيأتي في التعبير بلفظ الا طارت بي إليه ويأتي بقية فوائده هناك إن شاء الله تعالى وقد تقدم في أوائل أبواب التهجد من وجه آخر عن بن عمر دون القصه الأولى قوله وكان عبد الله أي بن عمر يصلي من الليل هو كلام نافع وقد تقدم نحوه عن سالم قوله وكانوا أي الصحابة وقوله أنها أي ليلة القدر قوله فليتحرها في العشر الأواخر كذا للكشميهني ولغيره من العشر الأواخر وسيأتي الكلام عليه مستوفى في أواخر الصيام تنبيه أغفل المزي في الأطراف هذا الحديث المتعلق بليلة القدر فلم يذكره في ترجمة أيوب عن نافع عن أن عمر وهو وارد عليه وبالله التوفيق

قوله باب المداومه على ركعتي الفجر أي سفرا وحضرا قوله حدثنا عبد الله بن يزيد هو المقري

[ 1106 ] قوله عن عراك بن مالك عن أبي سلمة خالفه الليث عن يزيد بن أبي حبيب فرواه عن جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة لم يذكر بينهما أحدا أخرجه أحمد والنسائي وكان جعفرا أخذه عن أبي سلمة بواسطة ثم حمله عنه وليزيد فيه إسناد آخر رواه عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة أخرجه مسلم وكان لعراك فيه شيخين والله أعلم قوله وصلى في رواية الكشميهني ثم صلى وليس فيه ذكر الوتر وهو في رواية الليث ولفظه كان يصلي بثلاث عشرة ركعه تسعا قائما وركعتين وهو جالس قوله وركعتين بن النداءين أي بين الأذان والاقامه وفي رواية الليث ثم يمهل حتى يؤذن بالأولى من الصبح فيركع ركعتين ولمسلم من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والاقامه من صلاة الصبح قوله ولم يكن يدعهما أبدا استدل به لمن قال بالوجوب وهو منقول عن الحسن البصري أخرجه بن أبي شيبة عنه بلفظ كان الحسن يرى الركعتين قبل الفجر واجبتين والمراد بالفجر هنا صلاة الصبح ونقل المرغيناني مثله عن أبي حنيفة وفي جامع المحبوبي عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة لو صلاهما قاعدا من غير عذر لم يجز واستدل به بعض الشافعية للقديم في أن ركعتي الفجر أفضل التطوعات وقال الشافعي في الجديد افضلها الوتر وقال بعض أصحابه افضلها صلاة الليل لما تقدم ذكره في أول أبواب التهجد من حديث أبي هريرة عند مسلم تنبيه قوله أبدا تقرر في كتب العربيه أنها تستعمل للمستقبل وأما الماضي فيؤكد بقط ويجاب عن الحديث المذكور بأنها ذكرت على سبيل المبالغه أجراء للماضي مجرى المستقبل كان ذلك دأبه لا يتركه

قوله باب الضجعة بكسر الضاد المعجمة لأن المراد الهيئة وبفتحها على إرادة المرة قوله أبو الأسود هو النوفلي يتيم عروة قوله على شقه الأيمن قيل الحكمة فيه أن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع عليه لاستغرق نوما لكونه أبلغ في الراحة بخلاف اليمين فيكون القلب معلقا فلا يستغرق وفيه أن الاضطجاع إنما يتم إذا كان على الشق الأيمن وأما إنكار بن مسعود الاضطجاع وقول إبراهيم النخعي هي ضجعة الشيطان كما أخرجهما بن أبي شيبة فهو محمول على أنه لم يبلغهما الأمر بفعله وكلام بن مسعود يدل على أنه انما انكر تحتمه فإنه قال في آخر كلامه إذا سلم فقد فصل وكذا ما حكى عن بن عمر أنه بدعة فإنه شذ بذلك حتى روى عنه أنه أمر بحصب من اضطجع كما تقدم وأخرج بن أبي شيبة عن الحسن انه كان لا يعجبه الاضطجاع وأرجح الأقوال مشروعيته للفصل لكن لا بعينه كما تقدم والله أعلم

قوله باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع أشار بهذه الترجمة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها وبذلك احتج الأئمة على عدم الوجوب وحملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره على الاستحباب وفائدة ذلك الراحه والنشاط لصلاة الصبح وعلى هذا فلا يستحب ذلك الا للمتهجد وبه جزم بن العربي ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق أن عائشة كانت تقول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليلته فيستريح في إسناده راو لم يسم وقيل أن فائدتها الفصل بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح وعلى هذا فلا اختصاص ومن ثم قال الشافعي تتأدى السنة بكل ما يحصل به الفصل من مشى وكلام وغيره حكاه البيهقي وقال النووي المختار أنه سنة لظاهر حديث أبي هريرة وقد قال أبو هريرة رواي الحديث أن الفصل بالمشي إلى المسجد لا يكفي وافرط بن حزم فقال يجب على كل أحد وجعله شرطا لصحة صلاة الصبح ورده عليه العلماء بعده حتى طعن بن تيميه ومن تبعه في صحة الحديث لتفرد عبد الواحد بن زياد به وفي حفظه مقال والحق أنه تقوم به الحجة ومن ذهب إلى أن المراد به الفصل لا يتقيد بالايمن ومن أطلق قال يختص ذلك بالقادر وأما غيره فهل يسقط الطلب أو يومى بالاضطجاع أو يضطجع على الأيسر لم اقف فيه على نقل الا أن بن حزم قال يومى ولا يضطجع على الأيسر أصلا ويحمل الأمر به على الندب كما سيأتي في الباب الذي بعده وذهب بعض السلف إلى استحبابها في البيت دون المسجد وهو محكى عن بن عمر وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد وصح عن بن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد أخرجه بن أبي شيبة

[ 1108 ] قوله كان إذا صلى ركعتي الفجر وسنذكر مستند ذلك في الباب الذي بعده قوله حدثني وإلا اضطجع ظاهره أنه كان يضطجع إذا لم يحدثها وإذا حدثها لم يضطجع وإلى هذا جنح المصنف في الترجمة وكذا ترجم له بن خزيمة الرخصه في ترك الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ويعكر على ذلك ما وقع عند أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن أبي النضر في هذا الحديث كان يصلي من الليل فإذا فرغ من صلاته اضطجع فإن كنت يقظى تحدث معي وأن كنت نائمه نام حتى يأتيه المؤذن فقد يقال أنه كان يضطجع على كل حال فأما أن يحدثها وأما أن ينام لكن المراد بقولها نام أي اضطجع وبينه ما أخرجه المصنف قبل أبواب التهجد من رواية مالك عن أبي النضر وعبد الله بن يزيد جميعا عن أبي سلمة بلفظ فإن كنت يقظى تحدث معي وأن كنت نائمه اضطجع قوله حتى يؤذن بضم أوله وفتح المعجمه الثقيله وفي رواية الكشميهني حتى نودي واستدل به على عدم استحباب الضجعه ورد بأنه لا يلزم من كونه ربما تركها عدم الاستحباب بل يدل تركه لها أحيانا على عدم الوجوب كما تقدم أول الباب تنبيه تقدم في أول أبواب الوتر في حديث بن عباس أن اضطجاعه صلى الله عليه وسلم وقع بعد الوتر قبل صلاة الفجر ولا يعارض ذلك حديث عائشة لأن المراد به نومه صلى الله عليه وسلم بين صلاة الليل وصلاة الفجر وغايته أنه تلك الليلة لم يضطجع بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح فيستفاد منه عدم الوجوب أيضا وأما ما رواه مسلم من طريق مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع بعد الوتر فقد خالفه أصحاب الزهري عن عروة فذكروا الاضطجاع بعد الفجر وهو المحفوظ ولم يصب من احتج به على ترك استحباب الاضطجاع والله أعلم