أبواب السهو
 بسم الله الرحمن الرحيم

قوله بسم الله الرحمن الرحيم باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة وللكشميهني والأصيلي وأبي الوقت ركعتي الفرض وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر والسهو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب إلى غيره وفرق بعضهم بين السهو والنسيان وليس بشيء واختلف في حكمه فقال الشافعية مسنون كله وعن المالكية السجود للنقص واجب دون الزيادة وعن الحنابلة التفصيل بين الواجبات غير الأركان فيجب لتركها سهوا وبين السنن القوليه فلا يجب وكذا يجب إذا سها بزيادة فعل أو قول يبطلها عمده وعن الحنفية واجب كله وحجتهم قوله في حديث بن مسعود الماضي في أبواب القبلة ثم ليسجد سجدتين ومثله لمسلم من حديث أبي سعيد والأمر للوجوب وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم وافعاله في الصلاة محمولة على البيان وبيان الواجب واجب ولا سيما مع قوله صلوا كما رايتموني أصلي قوله عن عبد الرحمن الأعرج كذا في رواية كريمة ولم يسم في رواية الباقين

[ 1166 ] قوله عن عبد الله بن بحينة تقدم في التشهد أن بحينة اسم أمه أو أم أبيه وعلى هذا فينبغي أن يكتب بن بحينة بألف قوله صلى لنا أي بنا أو لاجلنا وقد تقدم في أبواب التشهد من رواية شعيب عن بن شهاب بلفظ صلي بهم ويأتي في الإيمان والنذور من رواية بن أبي ذئب عن بن شهاب بلفظ صلى بنا قوله من بعض الصلوات بين في الرواية التي تليها أنها الظهر قوله ثم قام زاد الضحاك بن عثمان عن الأعرج فسبحوا به فمضى حتى فرغ من صلاته أخرجه بن خزيمة وفي حديث معاوية عند النسائي وعقبة بن عامر عند الحاكم جميعا نحو هذه القصة بهذه الزيادة قوله فلما قضى صلاته أي فرغ منها كذا رواه مالك عن شيخه وقد استدل به لمن زعم أن السلام ليس من الصلاة حتى لو أحدث بعد أن جلس وقبل أن يسلم تمت صلاته وهو قول بعض الصحابة والتابعين وبه قال أبو حنيفة وتعقب بان السلام لما كان للتحليل من الصلاة كان المصلي إذا انتهى إليه كمن فرغ من صلاته ويدل على ذلك قوله في رواية بن ماجة من طريق جماعة من الثقات عن يحيى بن سعيد عن الأعرج حتى إذا فرغ من الصلاة الا أن يسلم فدل على أن بعض الرواة حذف الاستثناء لوضوحه والزيادة من الحافظ مقبولة قوله ونظرنا تسليمه أي انتظرنا وتقدم في رواية شعيب بلفظ وانتظر الناس تسليمه وفي هذه الجملة رد على من زعم أنه صلى الله عليه وسلم سجد في قصة بن بحينة قبل السلام سهوا أو أن المراد بالسجدتين سجدتا الصلاة أو المراد بالتسليم التسليمة الثانية ولا يخفى ضعف ذلك وبعده قوله كبر قبل التسليم فسجد سجدتين فيه مشروعيه سجود السهو وأنه سجدتان فلو اقتصر على سجدة واحدة ساهيا لم يلزمه شيء أو عامدا بطلت صلاته لأنه تعمد الإتيان بسجدة زائدة ليست مشروعة وأنه يكبر لهما كما يكبر في غيرهما من السجود وفي رواية الليث عن بن شهاب كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب يكبر في كل سجدة وفي رواية الأوزاعي فكبر ثم سجد ثم كبر فرفع رأسه ثم كبر فسجد ثم كبر فرفع رأسه ثم سلم أخرجه بن ماجة ونحوه في ورواية بن جريج كما سيأتي بيانه عقب حديث الليث واستدل به على مشروعية التكبير فيهما والجهر به كما في الصلاة وأن بينهما جلسة فاصلة واستدل به بعض الشافعية على الاكتفاء بالسجدتين للسهو في الصلاة ولو تكرر من جهة أن الذي فات في هذه القصة الجلوس والتشهد فيه وكل منهما لو سها المصلي عنه على انفراده سجد لأجله ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم سجد في هذه الحالة غير سجدتين وتعقب بأنه ينبني على ثبوت مشروعية السجود لترك ما ذكر ولم يستدلوا على مشروعية ذلك بغير هذا الحديث فيسلتزم اثبات الشيء بنفسه وفيه ما فيه وقد صرح في بقية الحديث بان السجود مكان ما نسي من الجلوس كما سيأتي من رواية الليث نعم حديث ذي اليدين دال لذلك كما سيأتي قوله وهو جالس جملة حالية متعلقة بقوله سجد أي أنشأ السجود جالسا قوله ثم سلم زاد في رواية يحيى بن سعيد ثم سلم بعد ذلك وزاد في رواية الليث الآتية وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس واستدل به على أن سجود السهو قبل السلام ولا حجة فيه في كون جميعه كذلك نعم يرد على من زعم أن جميعه بعد السلام كالحنفية وسيأتي ذكر مستندهم في الباب الذي بعده واستدل بزيادة الليث المذكورة على أن السجود خاص بالسهو فلو تعمد ترك شيء مما يجبر بسجود السهو لا يسجد وهو قول الجمهور ورجحه الغزالي وناس من الشافعية واستدل به أيضا على أن الماموم يسجد مع الإمام إذا سها الإمام وإن لم يسه الماموم ونقل بن حزم فيه الإجماع لكن استثنى غيره ما إذا ظن الإمام أنه سها فسجد وتحقق الماموم أن الإمام لم يسه فيما سجد له وفي تصويرها عسر وما إذا تبين أن الإمام محدث ونقل أبو الطيب الطبري أن بن سيرين استثنى المسبوق أيضا وفي هذا الحديث أن سجود السهو لا تشهد بعده إذا كان قبل السلام وقد ترجم له المصنف قريبا وأن التشهد الأول غير واجب وقد تقدم في أواخر صفة الصلاة وأن من سها عن التشهد الأول حتى قام إلى الركعة ثم ذكر لا يرجع فقد سبحوا به صلى الله عليه وسلم فلم يرجع فلو تعمد المصلي الرجوع بعد تلبسه بالركن بطلت صلاته عند الشافعي خلافا للجمهور وأن السهو والنسيان جائزان على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما طريقة التشريع وأن محل سجود السهو آخر الصلاة فلو سجد للسهو قبل أن يتشهد ساهيا أعاد عند من يوجب التشهد الأخير وهم الجمهور

قوله باب إذا صلى خمسا قيل أراد البخاري التفرقه بين ما إذا كان السهو بالنقصان أو الزيادة ففي الأول يسجد قبل السلام كما في الترجمة الماضية وفي الزيادة يسجد بعده وبالتفرقه هكذا قال مالك والمزني وأبو ثور من الشافعية وزعم بن عبد البر أنه أولي من قول غيره للجمع بين الخبرين قال وهو موافق للنظر لأنه في النقص جبر فينبغي أن يكون من أصل الصلاة وفي الزيادة ترغيم للشيطان فيكون خارجها وقال بن دقيق العيد لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ ويترجح الجمع المذكور بالمناسبة المذكورة وإذا كانت المناسبة ظاهرة وكان الحكم على وفقها كانت علة فيعم الحكم جميع محالها فلا تخصص الا بنص وتعقب بان كون السجود في الزيادة ترغيما للشيطان فقط ممنوع بل هو جبر أيضا لما وقع من الخلل فإنه وأن كان زيادة فهو نقص في المعنى وإنما سمى النبي صلى الله عليه وسلم سجود السهو ترغيما للشيطان في حالة الشك كما في حديث أبي سعيد عند مسلم وقال الخطابي لم يرجع من فرق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح وأيضا فقصة ذي اليدين وقع السجود فيها بعد السلام وهي عن نقصان وأما قول النووي أقوى المذاهب فيها قول مالك ثم أحمد فقد قال غيره بل طريق أحمد أقوى لأنه قال يستعمل كل حديث فيما ورد فيه وما لم يرد فيه شيء يسجد قبل السلام قال ولولا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لرأيته كله قبل السلام لأنه من شان الصلاة فيفعله قبل السلام وقال إسحاق مثله الا أنه قال ما لم يرد فيه شيء يفرق فيه بين الزيادة والنقصان فحرر مذهبه من قولي أحمد ومالك وهو أعدل المذاهب فيما يظهر وأما داود فجرى على ظاهريه فقال لا يشرع سجود السهو الا في المواضع التي سجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقط وعند الشافعي سجود السهو كله قبل السلام وعند الحنفية كله بعد السلام واعتمد الحنفية على حديث الباب وتعقب بأنه لم يعلم بزيادة الركعة الا بعد السلام حين سألوه هل زيد في الصلاة وقد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود السهو بعد السلام لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو وإنما تابعه الصحابة لتجويزهم الزيادة في الصلاة لأنه كان زمان توقع النسخ وأجاب بعضهم بما وقع في حديث بن مسعود من الزيادة وهي إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين وقد تقدم في أبواب القبلة وأجيب بأنه معارض بحديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم وبه تمسك الشافعية وجمع بعضهم بينهما بحمل الصورتين على حالتين ورجح البيهقي طريقة التخيير في سجود السهو قبل السلام أو بعده ونقل الماوردي وغيره الإجماع على الجواز وإنما الخلاف في الأفضل وكذا أطلق النووي وتعقب بان إمام الحرمين نقل في النهاية الخلاف في الأجزاء عن المذهب واستبعد القول بالجواز وكذا نقل القرطبي الخلاف في مذهبهم وهو مخالف لما قاله بن عبد البر إنه لا خلاف عن مالك أنه لو سجد للسهو كله قبل السلام أو بعده أن لا شيء عليه فيجمع بان الخلاف بين أصحابه والخلاف عند الحنفية قال القدوري لو سجد للسهو قبل السلام روى عن بعض أصحابنا لا يجوز لأنه أداء قبل وقته وصرح صاحب الهداية بان الخلاف عندهم في الاولوية وقال بن قدامة في المقنع من ترك سجود السهو الذي قبل السلام بطلت صلاته إن تعمد وإلا فيتداركه ما لم يطل الفصل ويمكن أن يقال الإجماع الذي نقله الماوردي وغيره قبل هذه الاراء في المذاهب المذكورة وقال بن خزيمة لا حجة للعراقيين في حديث بن مسعود لأنهم خالفوه فقالوا إن جلس المصلي في الرابعة مقدار التشهد أضاف إلى الخامسة سادسه ثم سلم وسجد للسهو وأن لم يجلس في الرابعة لم تصح صلاته ولم ينقل في حديث بن مسعود إضافة سادسه ولا إعادة ولا بد من أحدهما عندهم قال ويحرم على العالم أن يخالف السنة بعد علمه بها

[ 1168 ] قوله عن الحكم هو بن عتيبة الفقيه الكوفي قوله عن إبراهيم هو بن يزيد النخعي قوله صلى الظهر خمسا كذا جزم به الحكم وقد تقدم في أبواب القبلة من رواية منصور عن إبراهيم أتم من هذا السياق وفيه قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص قوله فقيل له ازيد في الصلاة فقال وما ذاك أخرجه مسلم وأبو داود من طريق إبراهيم بن سويد النخعي عن بن مسعود بلفظ فلما انفتل توشوش القوم بينهم فقال ما شانكم قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة قال لا فتبين أن سؤالهم لذلك كان بعد استفساره لهم عن مساررتهم وهو دال على عظيم ادبهم معه صلى الله عليه وسلم وقولهم هل زيد في الصلاة يفسر الرواية الماضية في أبواب القبلة بلفظ هل حدث في الصلاة شيء تنبيه روى الأعمش عن إبراهيم هذا الحديث مختصرا ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم قال بن خزيمة أن كان المراد بالكلام قوله وما ذاك في جواب قولهم ازيد في الصلاة فهذا نظير ما وقع في قصة ذي اليدين وسيأتي البحث فيه فيها وأن كان المراد به قوله إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فقد اختلف الرواة في الموضع الذي قالها فيه ففي رواية منصور أن ذلك كان بعد سلامه من سجدتي السهو وفي رواية غيره أن ذلك كان قبل رواية منصور أرجح والله أعلم قوله فسجد سجدتين بعد ما سلم يأتي في خبر الواحد من طريق شعبة أيضا بلفظ فثنى رجليه وسجد سجدتين وتقدم في رواية منصور واستقبل القبلة وفيه الزيادة المشار إليها وهي إذا شك أحدكم في صلاة فليتحر الصواب فليتم عليه ولمسلم من طريق مسعر عن منصور فأيكم شك في صلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب وله من طريق شعبة عن منصور فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب وله من طريق فضيل بن عياض عن منصور فليتحر الذي يرى أنه الصواب زاد بن حبان من طريق مسعر فليتم عليه واختلف في المراد بالتحري فقال الشافعية هو البناء على اليقين لا على الأغلب لأن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط الا بيقين وقال بن حزم التحري في حديث بن مسعود يفسره حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ وإذا لم يدر أصلى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن وروى سفيان في جامعه عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخ حتى يعلم أنه قد أتم انتهى وفي كلام الشافعي نحوه ولفظه قوله فلتحر أي في الذي يظن أنه نقصه فليتمه فيكون التحري أن يعيد ما شك فيه ويبني على ما استيقن وهو كلام عربي مطابق لحديث أبي سعيد الا أن الألفاظ تختلف وقيل التحري الأخذ بغالب الظن وهو ظاهر الروايات التي عند مسلم وقال بن حبان في صحيحه البناء غير التحري فالبناء أن يشك في الثلاث أو الأربع مثلا فعليه أن يلغي الشك والتحرى أن يشك في صلاته فلا يدري ما صلى فعليه أن يبني على الأغلب عنده وقال غيره التحري لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى فيبني على غلبة ظنه وبه قال مالك وأحمد وعن أحمد في المشهور التحري يتعلق بالامام فهو الذي يبني على ما غلب على ظنه وأما المنفرد فيبنى على اليقين دائما وعن أحمد رواية أخرى كالشافعيه وأخرى كالحنفية وقال أبو حنيفة أن طرا الشك أولا استانف وأن كثر بنى على غالب ظنه وإلا فعلى اليقين ونقل النووي أن الجمهور مع الشافعي وأن التحري هو القصد قال الله تعالى فأولئك تحروا رشدا وحكى الأثرم عن أحمد في معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا غرار في صلاة قال أن لا يخرج منها الا على يقين فهذا يقوي قول الشافعي وأبعد من زعم أن لفظ التحري في الخبر مدرج من كلام بن مسعود أو ممن دونه لتفرد منصور بذلك عن إبراهيم دون رفقته لأن الادراج لا يثبت بالاحتمال واستدل به على أن من صلى خمسا ساهيا ولم يجلس في الرابعة أن صلاته لا تفسد خلافا للكوفيين وقولهم يحمل على أنه قعد في الرابعة يحتاج إلى دليل بل السياق يرشد إلى خلافه وعلى أن الزيادة في الصلاة على سبيل السهو لا تبطلها خلافا لبعض المالكية إذا كثرت وقيد بعضهم الزيادة بما يزيد على نصف الصلاة وعلى أن من لم يعلم بسهوه الا بعد السلام يسجد للسهو فإن طال الفصل فالاصح عند الشافعية أنه يفوت محله واحتج له بعضهم من هذا الحديث بتعقيب اعلامهم لذلك بالفاء وتعقيبه السجود أيضا بالفاء وفيه نظر لا يخفى وعلى أن الكلام العمد فيما يصلح به الصلاة لا يفسدها وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده وأن من تحول عن القبلة ساهيا لا إعادة عليه وفيه إقبال الإمام على الجماعة بعد الصلاة واستدل البيهقي على أن عزوب النية بعد الإحرام بالصلاة لا يبطلها وقد تقدمت بقية مباحثه في أبواب القبلة

قوله باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث سجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول في رواية لغير أبي ذر فسجد والأول أوجه وعلى الثاني يكون الجواب محذوفا تقديره ما يكون الحكم في نظائره أورد فيه حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وليس في شيء من طرقه الا التسليم في ثنتين نعم ورد التسليم في ثلاث في حديث عمران بن حصين عند مسلم وسيأتي البحث في كونهما قصتين أولا في الكلام على تسمية ذي اليدين وأما قوله مثل سجود الصلاة أو أطول فهو في بعض طرق حديث أبي هريرة كما في الباب الذي بعده

[ 1169 ] قوله صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر في أن أبا هريرة حضر القصة وحمله الطحاوي على المجاز فقال أن المراد به صلى بالمسلمين وسبب ذلك قول الزهري أن صاحب القصة استشهد ببدر فإن مقتضاه أن تكون القصة وقعت قبل بدر وهي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين لكن اتفق أئمة الحديث كما نقله بن عبد البر وغيره على أن الزهري وهم في ذلك وسببه أنه جعل القصة لذي الشمالين وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر وهو خزاعي واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة وأما ذو اليدين فتاخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة لأنه حدث بهذا الحديث بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه الطبراني وغيره وهو سلمى واسمه الخرباق على ما سيأتي البحث فيه وقد وقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فقام رجل من بني سليم فلما وقع عند الزهري بلفظ فقام ذو الشمالين وهو يعرف أنه قتل ببدر قال لأجل ذلك أن القصة وقعت قبل بدر وقد جوز بعض الأئمة أن تكون القصة وقعت لكل من ذي الشمالين وذي اليدين وأن أبا هريرة روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة ذي الشمالين وشاهد الآخر وهي قصة ذي اليدين وهذا محتمل من طريق الجمع وقيل يحمل على أن ذا الشمالين كان يقال له أيضا ذو اليدين وبالعكس فكان ذلك سببا للاشتباه ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين ونص على ذلك الشافعي رحمه الله في اختلاف الحديث قوله الظهر أو العصر كذا في هذه الطريق عن آدم عن شعبة بالشك وتقدم في أبواب الامامه عن أبي الوليد عن شعبة بلفظ الظهر بغير شك ولمسلم من طريق أبي سلمة المذكور صلاة الظهر وله من طريق أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة العصر بغير شك وسيأتي بعد باب للمصنف من طريق بن سيرين أنه قال وأكثر ظني أنها العصر وقد تقدم في باب تشبيك الأصابع في المسجد من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ إحدى صلاتي العشي قال بن سيرين سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا ولمسلم إحدى صلاتي العشي أما الظهر وأما العصر والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة وأبعد من قال يحمل على أن القصة وقعت مرتين بل روى النسائي من طريق بن عون عن بن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة ولفظه صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي قال أبو هريرة ولكني نسيتها فالظاهر ان أبا هريرة رواه كثيرا على الشك وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها وطرا الشك في تعيينها أيضا على بن سيرين وكان السبب في ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعيه ولم تختلف الرواة في حديث عمران في قصة الخرباق أنها العصر فإن قلنا إنهما قصة واحدة فيترجح رواية من عين العصر في حديث أبي هريرة قوله فسلم زاد أبو داود من طريق معاذ عن شعبة في الركعتين وسيأتي في الباب الذي بعده من طريق أيوب عن بن سيرين وفي الذي يليه من طريق أخرى عن بن سيرين بأتم من هذا السياق ونستوفي الكلام عليه ثم قوله قال سعد يعني بن إبراهيم رواي الحديث وهو بالإسناد المصدر به الحديث وقد أخرجه بن أبي شيبة عن غندر عن شعبة مفردا وهذا الأثر يقوي قول من قال ان الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها لكن لا يحتمل ان يكون عروة تكلم ساهيا أو ظانا أن الصلاة تمت ومرسل عروة هذا مما يقوي طريق أبي سلمة الموصوله ويحتمل أن يكون عروة حمله عن أبي هريرة فقد رواه عن أبي هريرة جماعة من رفقه عروة من أهل المدينة كابن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيرهم من الفقهاء

قوله باب من لم يتشهد في سجدتي السهو أي إذا سجدهما بعد السلام من الصلاة وأما قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد وحكى بن عبد البر عن الليث أنه يعيده وعن البويطي عن الشافعي مثله وخطئوه في هذا النقل فإنه لا يعرف وعن عطاء يتخير واختلف فيه عند المالكية وأما من سجد بعد السلام فحكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنه يتشهد وهو قول بعض المالكية والشافعيه ونقله أبو حامد الاسفرايني عن القديم لكن وقع في مختصر المزني سمعت الشافعي يقول إذا سجد بعد السلام تشهد أو قبل السلام أجزأه التشهد الأول وتاول بعضهم هذا النص على أنه تفريع على القول القديم وفيه ما لا يخفى قوله وسلم أنس والحسن ولم يتشهدا وصله بن أبي شيبة وغيره من طريق قتادة عنهما قوله وقال قتادة لا يتشهد كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاري وفيه نظر فقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال يتشهد في سجدتي السهو ويسلم فلعل لا في الترجمة زائدة ويكون قتادة اختلف عليه في ذلك

[ 1170 ] قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين لم يقع في غير هذه الرواية لفظ القيام وقد استشكل لأنه صلى الله عليه وسلم كان قائما وأجيب بان المراد بقوله فقام أي اعتدل لأنه كان مستندا إلى الخشبة كما سيأتي أو هو كناية عن الدخول في الصلاة وقال بن المنير في الحاشية فيه إيماء إلى أنه أحرم ثم جلس ثم قام كذا قال وهو بعيد جدا قوله في آخره ثم رفع زاد في باب خبر الواحد من هذا الوجه ثم كبر ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده ثم رفع وسيأتي الكلام على التكبير في الباب الذي يليه

[ 1171 ] قوله حدثنا حماد هو بن زيد وكذا ثبت في رواية الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب قوله عن سلمة بن علقمة هو التميمي أبو بشر وربما اشتبه بمسلمة بن علقمة المزني وكنيته أبو محمد لكونهما بصريين متقاربي الطبقة لكن الثاني بزيادة ميم في أوله ولم يخرج له البخاري شيئا قوله قلت لمحمد هو بن سيرين وفي رواية أبي نعيم في المستخرج سألت محمد بن سيرين قوله قال ليس في حديث أبي هريرة في رواية أبي نعيم فقال لم أحفظ فيه عن أبي هريرة شيئا وأحب إلى أن يتشهد وقد يفهم من قوله ليس في حديث أبي هريرة أنه ورد في حديث غيره وهو كذلك فقد رواه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم من طريق أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابه عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهما فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وقال بن حبان ما روى بن سيرين عن خالد غير هذا الحديث انتهى وهو من رواية الأكابر عن الاصاغر وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن أبي سيرين فإن المحفوظ عن بن سيرين في حديث عمران ليس في ذكر التشهد وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة أيضا في هذه القصة قلت لابن سيرين فالتشهد قال لم أسمع في التشهد شيئا وقد تقدم في باب تشبيك الأصابع من طريق بن عون عن بن سيرين قال نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد في حديث عمران ليسد فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم فصارت زيادة أشعث شاذة ولهذا قال بن المنذر لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن بن مسعود عند أبي داود والنسائي وعن المغيرة عند البيهقي وفي اسنادهما ضعف فقد يقال أن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن قال العلائي وليس ذلك ببعيد وقد صح ذلك عن بن مسعود من قوله أخرجه بن أبي شيبة

قوله باب يكبر في سجدتي السهو اختلف في سجود السهو بعد السلام هل يشترط له تكبيرة إحرام أو يكتفى بتكبير السجود فالجمهور على الاكتفاء وهو ظاهر غالب الأحاديث وحكى القرطبي أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو قال وما يتحلل منه بسلام لا بد له من تكبيرة إحرام ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن بن سيرين في هذا الحديث قال فكبر ثم كبر وسجد للسهو قال أبو داود لم يقل أحد فكبر ثم كبر الا حماد بن زيد فأشار إلى شذوذ هذه الزيادة وقال القرطبي أيضا قوله يعني في رواية مالك الماضية فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر ثم سجد يدل على أن التكبيرة للاحرام لأنه أتى بثم التي تقتضي التراخي فلو كان التكبير للسجود لكان معه وتعقب بان ذلك من تصرف الرواة فقد تقدم من طريق بن عون عن بن سيرين بلفظ فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد فأتى بوار المصاحبة التي تقتضي المعيه والله أعلم

[ 1172 ] قوله حدثنا يزيد بن إبراهيم هو التستري ومحمد هو بن سيرين والإسناد كله بصريون قوله وأكثر ظني أنها العصر هو قول بن سيرين بالإسناد المذكور وإنما رجح ذلك عنده لأن في حديث عمران الجزم بأنها العصر كما تقدمت الإشارة إليه قبل قوله ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد أي في جهة القبلة قوله فوضع يده عليها تقدم في رواية بن عون عن بن سيرين بلفظ فقام إلى خشبة معروضة في المسجد أي موضوعة بالعرض ولمسلم من طريق بن عيينة عن أيوب ثم أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليها مغضبا ولا تنافى بين هذه الروايات لأنها تحمل على أن الجذع قبل اتخاذ المنبر كان ممتدا بالعرض وكأنه الجذع الذي كان صلى الله عليه وسلم يستند إليه قبل اتخاذ المنبر وبذلك جزم بعض الشراح قوله فهابا أن يكلماه في رواية بن عون فهاباه بزيادة الضمير والمعنى إنهما غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم قوله وخرج سرعان بفتح المهملات ومنهم من سكن الراء وحكى عياض أن الأصيلي ضبطه بضم ثم اسكان كأنه جمع سريع ككثيب وكثبان والمراد بهم أوائل الناس خروجا من المسجد وهم أصحاب الحاجات غالبا قوله فقالوا أقصرت الصلاة كذا هنا بهمزة الاستفهام وتقدم في رواية بن عون بحذفها فتحمل تلك على هذه وفيه دليل على ورعهم إذ لم يجزموا بوقوع شيء بغير علم وهابوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوه وإنما استفهموه لأن الزمان زمان النسخ وقصرت بضم القاف وكسر المهملة على البناء للمفعول أي أن الله قصرها وبفتح ثم ضم على البناء للفاعل أي صارت قصيره قال النووي هذا أكثر وارجح قوله ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم أي يسميه ذا اليدين والتقدير وهناك رجل وفي رواية بن عون وفي القوم رجل في يده طول يقال له ذو اليدين وهو محمول على الحقيقه ويحتمل أن يكون كناية عن طولها بالعمل أو بالبذل قاله القرطبي وجزم بن قتيبة بأنه كان يعمل بيديه جميعا وحكى عن بعض شراح التنبيه أنه قال كان قصير اليدين فكأنه ظن أنه حميد الطويل فهو الذي فيه الخلاف وقد تقدم أن الصواب التفرقه بين ذي اليدين وذي الشمالين وذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمه وسكون الراء بعدها موحده وآخره قاف اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم ولفظه فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول وهذا صنيع من يوحد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظرى وأن كان بن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين وأنه صلى الله عليه وسلم قام إلي خشبة في المسجد وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده ولكن طريق الجمع يكتفى فيها بأدنى مناسبة وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبه كانت في جهة منزله فإن كان كذلك وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة بن عمر له على سياقه كما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة ولموافقة ذي اليدين نفسه له على سياقه كما أخرجه أبو بكر الأثرم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند وأبو بكر بن أبي خيثمة وغيرهم وقد تقدم في باب تشبيك الأصابع ما يدل على أن محمد بن سيرين راوي الحديث عن أبي هريرة كان يرى التوحيد بينهما وذلك أنه قال في آخر حديث أبي هريرة نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم قوله فقال لم أنس ولم تقصر كذا في أكثر الطرق وهو صريح في نفي النسيان ونفي القصر وفيه تفسير للمراد بقوله في رواية أبي سفيان عن أبي هريرة عند مسلم كل ذلك لم يكن وتأييد لما قاله أصحاب المعاني أن لفظ كل إذا تقدم وعقبها النفي كان نفيا لكل فرد لا للمجموع بخلاف ما إذا تأخرت كان يقول لم يكن كل ذلك ولهذا أجاب ذو اليدين في رواية أبي سفيان بقوله قد كان بعض ذلك وأجابة في هذه الرواية بقوله بلى قد نسيت لأنه لما نفى الامرين وكان مقررا عند الصحابي أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغيه جزم بوقوع النسيان لا بالقصر وهو حجة لمن قال أن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع وأن كان عياض نقل الإجماع إلى عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغيه وخص الخلاف بالأفعال لكنهم تعقبوه نعم اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك أما متصلا بالفعل أو بعده كما وقع في هذا الحديث من قوله لم أنس ولم تقصر ثم تبين أنه نسي ومعنى قوله لم أنس أي في اعتقادي لا في نفس الأمر ويستفاد منه أن الاعتقاد عند اليقين يقوم مقام اليقين وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره وأما من منع السهو مطقا فاجابوا عن هذا الحديث باجوبه فقيل قوله لم أنس نفي للنسيان ولا يلزم نفي السهو وهذا قول من فرق بينهما وقد تقدم رده ويكفي فيه قوله في هذه الرواية بلى قد نسيت وأقره على ذلك وقيل قوله لم أنس على ظاهره وحقيقته وكان يتعمد ما يقع منه من ذلك ليقع التشريع منه بالفعل لكونه أبلغ من القول وتعقب بحديث بن مسعود الماضي في باب التوجه نحو القبلة ففيه إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فاثبت العلة قبل الحكم وقيد الحكم بقوله إنما أنا بشر ولم يكتف بإثبات وصف النسيان حتى دفع قول من عساه يقول ليس نسيانه كنسياننا فقال كما تنسون وبهذا الحديث يرد أيضا قول من قال معنى قوله لم أنس إنكار اللفظ الذي نفاه عن نفسه حيث قال إني لا أنسى ولكن أنسى وانكار اللفظ الذي أنكره على غيره حيث قال بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا وكذا وقد تعقبوا هذا أيضا بان حديث إني لا أنسى لا أصل له فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصوله بعد البحث الشديد وأما الآخر فلا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شيء فإن الفرق بينهما واضح جدا وقيل أن قوله لم أنس راجع إلى السلام أي سلمت قصدا بانيا على ما في اعتقادي أني صليت أربعا وهذا جيد وكأن ذا اليدين فهم العموم فقال بلى قد نسيت وكان هذا القول أوقع شكا أحتاج معه إلى استثبات الحاضرين وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل كون ذي اليدين عدلا ولم يقبل خبره بمفرده فسبب التوقف فيه كونه أخبر عن أمر يتعلق بفعل المسئول مغاير لما في اعتقاده وبهذا يجاب من قال أن من أخبر بأمر حسي بحضرة جمع لا يخفى عليهم ولا يجوز عليهم التواطؤ ولا حامل لهم على السكوت عنه ثم لم يكذبوه أنه لا يقطع بصدقة فإن سبب عدم القطع كون خبره معارضا باعتقاد المسئول خلاف ما أخبر به وفيه أن الثقة إذا انفرد بزيادة خبر وكان المجلس متحدا أو منعت العادة غفلتهم عن ذلك أن لا يقبل خبره وفيه العلم بالاستصحاب لأن ذا اليدين استصحب حكم الاتمام فسال مع كون افعال النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع والأصل عدم السهو والوقت قابل للنسخ وبقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب وتجويز النسخ فسكتوا والسرعان هم الذين بنوا على النسخ فجزموا بان الصلاة قصرت فيؤخذ منه جواز الاجتهاد في الأحكام وفيه جواز البناء على الصلاة لمن أتى بالمنافي سهوا قال سحنون إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة ذي اليدين لأن ذلك وقع غير القياس فيقتصر به على مورد النص والزم بقصر ذلك على إحدى صلاتي العشي فيمنعه مثلا في الصبح والذين قالوا يجوز البناء مطلقا قيدوه بما إذا لم يطل الفصل واختلفوا في قدر الطول فحده الشافعي في الأم بالعرف وفي البويطي بقدر ركعه وعن أبي هريرة قدر الصلاة التي يقع السهو فيها وفيه أن الباني لا يحتاج إلى تكبيرة الإحرام وأن السلام ونية الخروج من الصلاة سهوا لا يقطع الصلاة وأن سجود السهو بعد السلام وقد تقدم البحث فيه وأن الكلام سهوا لا يقطع الصلاة خلافا للحنفيه وأما قول بعضهم أن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ الكلام في الصلاة فضعيف لأنه اعتمد على قول الزهري أنها كانت قبل بدر وقد قدمنا أنه أما وهم في ذلك أو تعددت القصة لذي الشمالين المقتول ببدر ولذي اليدين الذي تأخرت وفاته بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت شهود أبي هريرة للقصه كما تقدم وشهدها عمران بن حصين واسلامه متاخر أيضا وروى معاوية بن حديج بمهملة وجيم مصغرا قصة أخرى في السهو ووقع فيها الكلام ثم البناء أخرجها أبو داود وابن خزيمة وغيرهما وكان إسلامه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين وقال بن بطال يحتمل أن يكون قول زيد بن أرقم ونهينا عن الكلام أي الا إذا وقع سهوا أو عمدا لمصلحة الصلاة فلا يعارض قصة ذي اليدين انتهى وسيأتي البحث في الكلام العمد لمصلحة الصلاة بعد هذا واستدل به على أن المقدر في حديث رفع عن أمتي الخطا والنسيان أي اثمهما وحكمهما خلافا لمن قصره على الإثم واستدل به على أن تعمد الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم الا ناسيا وأما قول ذي اليدين له بلى قد نسيت وقول الصحابة له صدق ذو اليدين فإنهم تكلموا معتقدين النسخ في وقت يمكن وقوعه فيه فتكلموا ظنا إنهم ليسوا في صلاة كذا قيل وهو فاسد لأنهم كلموه بعد قوله صلى الله عليه وسلم لم تقصر وأجيب بأنهم لم ينطقوا وإنما اومئوا كما عند أبي داود في رواية ساق مسلم إسنادها وهذا اعتمده الخطابي وقال حمل القول على الإشارة مجاز سائغ بخلاف عكسه فينبغي رد الروايات التي فيها التصريح بالقول إلى هذه وهو قوي وهو أقوى من قول غيره يحمل على أن بعضهم قال بالنطق وبعضهم بالإشارة لكن يبقى قول ذي اليدين بلى قد نسيت ويجاب عنه وعن البقية على تقدير ترجيح إنهم نطقوا بان كلامهم كان جوابا للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابه لا يقطع الصلاة كما سيأتي البحث فيه في تفسير سورة الأنفال وتعقب بأنه لا يلزم من وجوب الاجابه عدم قطع الصلاة وأجيب بأنه ثبت مخاطبته في التشهد وهو حي بقولهم السلام عليك أيها النبي ولم تفسد الصلاة والظاهر أن ذلك من خصائصه ويحتمل أن يقال ما دام النبي صلى الله عليه وسلم يراجع المصلي فجائز له جوابه حتى تنقضي المراجعه فلا يختص الجواز بالجواب لقول ذي اليدين بلى قد نسيت ولم تبطل صلاته والله أعلم وفيه أن سجود السهو لا يتكرر بتكرر السهو ولو اختلف الجنس خلافا للأوزاعي وروى بن أبي شيبة عن النخعي والشعبي أن لكل سهو سجدتين وورد على وفقه حديث ثوبان عند أحمد وإسناده منقطع وحمل على أن معناه أن من سها بأي سهو كان شرع له السجود أي لا يختص بما سجد فيه الشارع وروى البيهقي من حديث عائشة سجدتا السهو تجزئان من كل زيادة ونقصان وفيه أن اليقين لا يترك الا باليقين لأن ذا اليدين كان على يقين أن فرضهم الأربع فلما اقتصر فيها على اثنتين سأل عن ذلك ولم ينكر عليه سؤاله وفيه أن الظن قد يصير يقينا بخبر أهل الصدق وهذا مبنى على أنه صلى الله عليه وسلم رجع لخبر الجماعة واستدل به على أن الإمام يرجع لقول المامومين في افعال الصلاة ولو لم يتذكر وبه قال مالك وأحمد وغيرهما ومنهم من قيده بما إذا كان الإمام مجوزا لوقوع السهو منه بخلاف ما إذا كان متحققا لخلاف ذلك أخذا من ترك رجوعه صلى الله عليه وسلم لذي اليدين ورجوعه للصحابة ومن حجتهم قوله في حديث بن مسعود الماضي فإذا نسيت فذكروني وقال الشافعي معنى قوله فذكروني أي لأتذكر ولا يلزم منه أن يرجع لمجرد أخبارهم واحتمال كونه تذكر عند أخبارهم لا يدفع وقد تقدم في باب هل يأخذ الإمام بقول الناس من أبواب الامامه ما يقوي ذلك وفرق بعض المالكية والشافعيه أيضا بين ما إذا كان المخبرون ممن يحصل العلم بخبرهم فيقبل ويقدم على ظن الإمام أنه قد كمل الصلاة بخلاف غيرهم واستنبط منه بعض العلماء القائلين بالرجوع اشتراط العدد في مثل هذا والحقوه بالشهادة وفرعوا عليه أن الحاكم إذا نسي حكمه وشهد به شاهدان أنه يعتمد عليهما واستدل به الحنفية على أن الهلال لا يقبل بشهادة الاحاد إذا كانت السماء مصحيه بل لابد فيه من عدد الاستفاضه وتعقب بان سبب الاستثبات كونه أخبر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف رؤية الهلال فإن الإبصار ليست متساوية في رؤيته بل متفاوته قطعا وعلى أن من سلم معتقدا أنه أتم ثم طرا عليه شك هل أتم أو نقص أنه يكتفي باعتقاده الأول ولا يجب عليه الأخذ باليقين ووجهه أن ذا اليدين لما أخبر آثار خبره شكا ومع ذلك لم يرجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى استثبت واستدل به البخاري على جواز تشبيك الأصابع في المسجد وقد تقدم في أبواب المساجد وعلى أن الإمام يرجع لقول المامومين إذا شك وقد تقدم في الامامه وعلى جواز التعريف باللقب وسيأتي في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى وعلى الترجيح بكثرة الرواة وتعقبه بن دقيق العيد بأن المقصود كان تقوية الأمر المسئول عنه لا ترجيح خبر على خبر

[ 1173 ] قوله الأسدي بسكون المهملة وقد تقدم الكلام على حديثه في أول أبواب السهو وأنه يشرع التكبير لسجود السهو كتكبير الصلاة وهو مطابق لهذه الترجمة وقد تقدم في باب من لم ير التشهد الأول واجبا أن قول من قال فيه حليف بني عبد المطلب وهم وأن الصواب حليف بني المطلب بإسقاط عبد قوله تابعه بن جريج عن بن شهاب في التكبير وصله عبد الرزاق عنه ومن طريقه الطبراني ولفظه يكبر في كل سجدة أخرجه أحمد عن عبد الرزاق ومحمد بن بكر كلاهما عن بن جريج بلفظ فكبر فسجد ثم كبر فسجد ثم سلم

قوله باب إذا لم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا سجد سجدتين وهو جالس تقدم الكلام على ما يتعلق بأول المتن في أبواب الأذان وأما

[ 1174 ] قوله حتى يظل الرجل أن يدري فقوله أن بكسر الهمزة وهي نافية وقوله فإذا لم يدر أحدكم كم صلى الخ مساو للترجمة من غير مزيد وظاهره أنه لا يبني على اليقين لأنه أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها وقد تقدم الكلام على خارجها في أواخر الباب الذي قبله وأما داخلها فهو معارض بحديث أبي سعيد الذي عند مسلم فإنه صريح في الأمر بطرح الشك والبناء على اليقين فقيل يجمع بينهما بحمل حديث أبي هريرة على من طرا عليه الشك وقد فرغ قبل أن يسلم فإنه لا يلتفت إلى ذلك الشك ويسجد للسهو كمن طرا عليه بعد أن سلم فلو طرا عليه قبل ذلك بني على اليقين كما في حديث أبي سعيد وعلى هذا فقوله فيه وهو جالس يتعلق بقوله إذا شك لا بقوله سجد وهذا أولي من قول من سلك طريق الترجيح فقال حديث أبي سعيد اختلف في وصله وارساله بخلاف حديث أبي هريرة وقد وافقه حديث بن مسعود فهو أرجح لأن لمخالفه أن يقول بل حديث أبي سعيد صححه مسلم والذي وصله حافظ فزيادته مقبوله وقد وافقه حديث أبي هريرة الاتي قريبا فيتعارض الترجيح وقيل يجمع بينهما بحمل حديث أبي هريرة على حكم ما يجبر به الساهي صلاته وحديث أبي سعيد على ما يصنعه من الاتمام وعدمه تنبيه لم يقع في هذه الرواية تعيين محل السجود ولا في رواية الزهري التي في الباب الذي يليه وقد روى الدارقطني من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد مرفوعا إذا سها أحدكم فلم يدر أزاد أو نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ثم يسلم إسناده قوي ولأبي داود من طريق بن أخي الزهري عن عمه نحوه بلفظ وهو جالس قبل التسليم وله من طريق بن إسحاق قال حدثني الزهري بإسناده وقال فيه فليسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم يسلم قال العلائي هذه الزيادة في هذا الحديث بمجموع هذه الطرق لا تنزل عن درجة الحسن المحتج به والله أعلم

قوله باب بالتنوين قوله السهو في الفرض والتطوع أي هل يفترق حكمه أم يتحد إلى الثاني ذهب الجمهور وخالف في ذلك بن سيرين وقتادة ونقل عن عطاء ووجه أخذه من حديث الباب من جهة قوله وإذا صلى أي الصلاة الشرعيه وهو أعم من أن تكون فريضة أو نافلة وقد اختلف في إطلاق الصلاة عليهما هل هو من الاشتراك اللفظي أو المعنوى وإلى الثاني ذهب جمهور أهل الأصول لجامع ما بينهما من الشروط التي لا تنفك ومال الفخر الرازي إلى أنه من الاشتراك اللفظي لما بينهما من التباين في بعض الشروط ولكن طريقة الشافعي ومن تبعه في أعمال المشترك في معانيه عند التجرد تقتضي دخول النافلة أيضا في هذه العبارة فإن قيل أن قوله في الرواية التي قبل هذه إذا نودي للصلاة قرينة في أن المراد الفريضة وكذا قوله إذا ثوب أجيب بان ذلك لا يمنع تناول النافلة لأن الإتيان حينئذ بها مطلوب لقوله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة قوله وسجد بن عباس سجدتين بعد وتره وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي العالية قال رأيت بن عباس يسجد بعد وتره سجدتين وتعلق هذا الأثر بالترجمه من جهة أن بن عباس كان يرى أن الوتر غير واجب ويسجد مع ذلك فيه للسهو وقد تقدم الكلام على المتن في الباب الذي قبله

قوله باب إذا كلم بضم الكاف في الصلاة واستمع أي المصلي لم تفسد صلاته قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث وبكير بالتصغير هو بن عبد الله بن الأشج ونصف هذا الإسناد المبدا به مصريون والثاني مدنيون قوله وقد بلغنا فيه إشارة إلى إنهم لم يسمعوا ذلك منه صلى الله عليه وسلم فأما بن عباس فقد سمى الواسطة وهو عمر كما تقدم في المواقيت من قوله شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر الحديث وأما المسور وابن أزهر فلم اقف عنهما على تسمية الواسطه وقوله قبل ذلك وأنا أخبرنا بضم الهمزه ولم اقف على تسمية المخبر وكأنه عبد الله بن الزبير فسياتي في الحج من روايته عن عائشة ما يشهد لذلك وروى بن أبي شيبة من طريق عبد الله بن الحارث قال دخلت مع بن عباس على معاوية فأجلسه على السرير ثم قال ما ركعتان يصليهما الناس بعد العصر قال ذلك ما يفتي به الناس بن الزبير فأرسل إلى بن الزبير فسأله فقال أخبرتني بذلك عائشة فأرسل إلى عائشة فقالت أخبرتني أم سلمة فأرسل إلى أم سلمة فانطلقت مع الرسول فذكر القصه واسم الرسول المذكور كثير بن الصلت سماه الطحاوي بإسناد صحيح إلى أبي سلمة أن معاوية قال وهو على المنبر لكثير بن الصلت أذهب إلى عائشة فاسألها فقال أبو سلمة فقمت معه وقال بن عباس لعبد الله بن الحارث أذهب معه فجئناها فسالناها فذكره قوله تصلينهما في رواية الكشميهني تصليهما بحذف النون وهو جائز قوله وقال بن عباس كنت اضرب الناس مع عمر عنها أي لاجلها في رواية الكشميهني عنه وكذا في قوله نهى عنها وكأنه ذكر الضمير على إرادة الفعل وهذا موصول بالإسناد المذكور وقد روى بن أبي شيبة من طريق الزهري عن السائب هو بن يزيد قال رأيت عمر يضرب المنكدر على الصلاة بعد العصر قوله قال كريب هو موصول بالإسناد المذكور قوله فقالت سل أم سلمة زاد مسلم في روايته من هذا الوجه فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة وفي رواية أخرى للطحاوي فقالت عائشة ليس عندي ولكن حدثتني أم سلمة قوله ثم رايته يصليهما حين صلى العصر ثم دخل علي أي فصلاهما حينئذ بعد الدخول وفي رواية مسلم ثم رايته يصليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل عندي فصلاهما قوله من بني حرام بفتح المهملتين قوله فأرسلت إليه الجارية لم اقف على اسمها ويحتمل أن تكون بنتها زينب لكن في رواية المصنف في المغازي فأرسلت إليه الخادم قوله فقال يا ابنة أبي أمية هو والد أم سلمة واسمه حذيفة وقيل سهيل بن المغيرة المخزومي قوله عن الركعتين أي اللتين صليتهما الآن قوله وأنه أتاني ناس من عبد القيس زاد في المغازي بالإسلام من قومهم فشغلوني وللطحاوي من وجه آخر قدم على قلائص من الصدقة فنسيتهما ذكرتهما فكرهت أن اصليهما في المسجد والناس يرون فصليتهما عندك وله من وجه آخر فجاءني مال فشغلني وله من وجه آخر قدم على وفد من بني تميم أو جاءتني صدقة وقوله من بني تميم وهم وإنما هم من عبد القيس ثم وكانهم حضروا معهم بمال المصالحة من أهل البحرين كما سيأتي في الجزيه من طريق عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وأرسل أبا عبيدة فأتاه بجزيتهم ويؤيده أن في رواية عبد الله بن الحارث المتقدم ذكرها أنه كان بعث ساعيا وكان قد اهمه شان المهاجرين وفيه فقلت ما هاتان الركعتان فقال شغلني أمر الساعي قوله فهما هاتان في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم سلمة عند الطحاوي من الزيادة فقلت أمرت بهما فقال لا ولكن كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما فصليتهما الآن وله من وجه آخر عنها لم أره صلاهما قبل ولا بعد لكن هذا لا ينفي الوقوع فقد ثبت في مسلم عن أبي سلمة انه سأل عائشة عنهما فقالت كان يصليهما قبل العصر فشغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها أي داوم عليها ومن طريق عروة عنها ما ترك ركعتين بعد العصر عندي قط ومن ثم اختلف نظر العلماء فقيل تقضى الفوائت في أوقات الكراهة لهذا الحديث وقيل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وقيل هو خاص بمن وقع له نظير ما وقع له وقد تقدم البحث في ذلك مبسوطا في أواخر المواقيت وفي الحديث من الفوائد سوى ما مضى جواز استماع المصلي إلى كلام غيره وفهمه له ولا يقدح ذلك في صلاته وأن الأدب في ذلك أن يقوم المتكلم إلى جنبه لا خلفه ولا امامه لئلا يشوش عليه بان لا تمكنه الإشارة إليه الا بمشقة وجواز الإشارة في الصلاة وسيأتي في باب مفرد وفيه البحث عن علة الحكم وعن دليله والترغيب في علو الإسناد والفحص عن الجمع بين المتعارضين وأن الصحابي إذا عمل بخلاف ما رواه لا يكون كافيا في الحكم بنسخ مرويه وأن الحكم إذا ثبت لا يزيله الا شيء مقطوع به وأن الأصل أتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأن الجليل من الصحابة قد يخفى عليه ما عليه اطلع غيره وأنه لا يعدل إلى الفتوى بالرأي مع وجود النص وأن العالم لا نقص عليه إذا سئل عما لا يدري فوكل الأمر إلى غيرة وفيه قبول أخبار الآحاد والاعتماد عليه في الأحكام ولو كان شخصا واحدا رجلا أو امرأة لاكتفاء أم سلمة بأخبار الجارية وفيه دلالة على فطنة أم سلمة وحسن تأتيها بملاطفة سؤالها واهتمامها بأمر الدين وكأنها لم تباشر السؤال لحال النسوة اللاتي كن عندها فيؤخذ منه إكرام الضيف واحترامه وفيه زيارة النساء المرأة ولو كان زوجها عندها والتنفل في البيت ولو كان فيه من ليس منهم وكراهة القرب من المصلي لغير ضرورة وترك تفويت طلب العلم وأن طرا ما يشغل عنه وجواز الاستنابة في ذلك وأن الوكيل لا يشترط أن يكون مثل موكله في الفضل وتعليم الوكيل التصرف إذا كان ممن يجهل ذلك وفيه الاستفهام بعد التحقق لقولها واراك تصليهما والمبادرة إلى معرفة الحكم المشكل فرارا من الوسوسة وأن النسيان جائز على النبي صلى الله عليه وسلم لأن فائدة استفسار أم سلمة عن ذلك تجويزها أما النسيان وإما النسخ وإما التخصيص به فظهر وقوع الثالث والله أعلم

قوله باب الإشارة في الصلاة قال بن رشيد هذه الترجمة أعم من كونها مرتبة على استدعاء ذلك أو غير مرتبة بخلاف الترجمة التي قبلها فإن الإشارة فيها لزمت من الكلام واستماعه فهي مرتبة قاله كريب عن أم سلمة يشير إلى حديث الباب الذي قبله ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدهما حديث سهل بن سعد في الإصلاح بين بني عمرو بن عوف وفيه إرادة أبي بكر الصلاة بالناس وشاهد الترجمة

[ 1177 ] قوله فيه فأخذ الناس في التصفيق فإنه صلى الله عليه وسلم وأن كان أنكره عليهم لكنه لم يأمرهم بإعادة الصلاة وحركة اليد بالتصفيق كحركتها بالإشارة وأخذه من جهة الالتفات والاصغاء إلى كلام الغير لأنه في معنى الإشارة وأما قوله يا أبا بكر ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك فليس بمطابق للترجمة لأن اشارته صدرت منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم بالصلاة كما تقدم في الكلام على حديث سهل مستوفى في أبواب الامامه ويحتمل أن يكون فهم من قوله قام في الصف الدخول في الصلاة لعدوله صلى الله عليه وسلم عن الكلام الذي هو ادل من الإشارة ولما يفهمه السياق من طول مقامه في الصف قبل أن تقع الإشارة المذكورة ولأنه دخل بنية الائتمام بأبي بكر ولان السنة الدخول مع الإمام على أي حالة وجده لقوله صلى الله عليه وسلم فما أدركتم فصلوا ثانيها حديث أسماء في الصلاة في الكسوف أورده مختصرا جدا وشاهد الترجمة قولها فيه فاشارت برأسها وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الكسوف ثالثها حديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته جالسا وشاهدها قوله فيه فأشار إليهم أن اجلسوا وقد تقدم مستوفى في أبواب الإمامة أيضا وفيه ورد على من منع الإشارة بالسلام وجوز مطلق الإشارة لأنه لا فرق بين أن يشير أمرا بالجلوس أو يشير مخبرا برد السلام والله أعلم خاتمه اشتملت أبواب السهو من الأحاديث المرفوعه على تسعة عشر حديثا منها اثنان معلقان بمقتضى حديث كريب عن أم سلمة وابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أربعة أحاديث لقولهم فيه سوى أم سلمة بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها وجميعها مكررة فيه وفيما مضى سواه الا أنه تكرر منه في المواقيت طرف مختصر عن أم سلمة وسوى حديث أبي هريرة فليسجد سجدتين وهو جالس وقد وافقه مسلم على تخريجها جميعها وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم خمسة آثار منها أثر عروة الموصول في آخر الباب ومنها أثر عمر في ضربه على الصلاة بعد العصر والله الهادي إلى الصواب ومنه المبدأ واليه المآب