كتاب الزكاة
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الزكاة البسملة ثابتة في الأصل ولأكثر الرواة باب بدل كتاب وسقط ذلك لأبي ذر فلم يقل باب ولا كتاب وفي بعض النسخ كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة والزكاة في اللغة النماء يقال زكا الزرع إذا نما وترد أيضا في المال وترد أيضا بمعنى التطهير وشرعا بالإعتبارين معا أما بالأول فلأن إخراجها سبب للنماء في المال أو بمعنى أن الأجر بسببها يكثر أو بمعنى أن متعلقها الأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة ودليل الأول ما نقص مال من صدقة ولأنها يضاعف ثوابها كما جاء أن الله يربي الصدقة وأما بالثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل وتطهير من الذنوب وهي الركن الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها كما تقدم في كتاب الإيمان وقال بن العربي تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو وتعريفها بالشرع إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ونحوه غير هاشمي ولا مطلبي ثم لها ركن وهو الإخلاص وشرط هو السبب وهو ملك النصاب الحولي وشرط من تجب عليه وهو العقل والبلوغ والحرية ولها حكم وهو سقوط الواجب في الدنيا وحصول الثواب في الأخرى وحكمة وهي التطهير من الأدناس ورفع الدرجة وإسترقاق الأحرار انتهى وهو جيد لكن في شرط من تجب عليه اختلاف والزكاة أمر مقطوع به في الشرع يستغني عن تكلف الاحتجاج له وإنما وقع الاختلاف في بعض فروعه وأما أصل فرضية الزكاة فمن جحدها كفر وإنما ترجم المصنف بذلك على عادته في إيراد الأدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف فيها قوله وقول الله هو بالرفع قال الزين بن المنير مبتدأ وخبره محذوف أي هو دليل على ما قلناه من الوجوب ثم أورد المصنف في الباب ستة أحاديث أولها حديث أبي سفيان هو بن حرب الطويل في قصة هرقل أورده هنا معلقا واقتصر منه على قوله يأمر بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف ودلالته على الوجوب ظاهرة ثانيها حديث بن عباس في بعث معاذ إلى اليمن ودلالته على وجوب الزكاة أوضح من الذي قبله ثالثها حديث أبي أيوب في سؤال الرجل عن العمل الذي يدخل به الجنة وأجيب بأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم وفي دلالته على الوجوب غموض وقد أجيب عنه بأجوبة أحدها أن سؤاله عن العمل الذي يدخل الجنة يقتضي أن لا يجاب بالنوافل قبل الفرائض فتحمل على الزكاة الواجبة ثاني الأجوبة أن الزكاة قرينة الصلاة كما سيأتي في الباب من قول أبي بكر الصديق وقد قرن بينهما في الذكر هنا ثالثها أنه وقف دخول الجنة على أعمال من جملتها أداء الزكاة فيلزم أن من لم يعملها لم يدخل ومن لم يدخل الجنة دخل النار وذلك يقتضي الوجوب رابعها أنه أشار إلى القصة التي في حديث أبي أيوب والقصة التي في حديث أبي هريرة الذي يعقبه واحدة فأراد أن يفسر الأول بالثاني لقوله فيه وتؤدي الزكاة المفروضة وهذا أحسن الأجوبة وقد أكثر المصنف من استعمال هذه الطريقة رابع الأحاديث حديث أبي هريرة وقد أوضحناه خامسها حديث بن عباس في وفد عبد القيس وهو ظاهر أيضا سادسها حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة وإحتجاجه في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم أن عصمة النفس والمال تتوقف على أداء الحق وحق المال الزكاة فأما حديث أبي سفيان فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في بدء الوحي وأما حديث بن عباس في بعث معاذ فسيأتي الكلام عليه في أواخر كتاب الزكاة قبل أبواب صدقة الفطر بستة أبواب وقوله في أوله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال إدعهم هكذا أورده في التوحيد مختصرا في أوله واختصر أيضا في آخره وأورده في التوحيد عن أبي عاصم مثله لكنه قارنه برواية غيره وقد أخرجه الدارمي في مسنده عن أبي عاصم ولفظه في أوله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال إنك ستأتي قوما أهل كتاب فادعهم وفي آخره بعد

[ 1331 ] قوله فقرائهم فإن هم أطاعوا لك في ذلك فإياك وكرائم أموالهم وإياك ودعوة المظلوم فإنها ليس لها من دون الله حجاب وكذا قال في المواضع كلها فإن أطاعوا لك في ذلك والذي عند البخاري هنا فإن هم أطاعوا لذلك وستأتي هذه الزيادة من وجه آخر مع شرحها إن شاء الله تعالى وأما حديث أبي أيوب فقوله فيه عن بن عثمان الإبهام فيه من الراوي عن شعبة وذلك أن اسم هذا الرجل عمرو وكان شعبة يسميه محمدا وكان الحذاق من أصحابه يبهمونه كما وقع في رواية حفص بن عمرو كما سيأتي في الأدب عن أبي الوليد عن شعبة وكان بعضهم يقول محمد كما قال شعبة وبيان ذلك في طريق بهز التي علقها المصنف هنا ووصله في كتاب الأدب الآتي عن عبد الرحمن بن بشير عن بهز بن أسد وكذا أخرجه مسلم والنسائي من طريق بهز

[ 1332 ] قوله عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب هو الأنصاري ووقع في رواية مسلم الآتي ذكرها حدثنا موسى بن طلحة حدثني أبو أيوب قوله أن رجلا هذا الرجل حكى بن قتيبة في غريب الحديث له أنه أبو أيوب الراوي وغلطه بعضهم في ذلك فقال إنما هو راوي الحديث وفي التغليط نظر إذ لا مانع أن يبهم الراوي نفسه لغرض له ولا يقال يبعد لوصفه في رواية أبي هريرة التي بعد هذه بكونه أعرابيا لأنا نقول لا مانع من تعدد القصة فيكون السائل في حديث أبي أيوب هو نفسه لقوله إن رجلا والسائل في حديث أبي هريرة أعرابي آخر قد سمي فيما رواه البغوي وابن السكن والطبراني في الكبير وأبو مسلم الكجي في السنن من طريق محمد بن جحادة وغيره عن المغيرة بن عبد الله اليشكري أن أباه حدثه قال انطلقت إلى الكوفة فدخلت المسجد فإذا رجل من قيس يقال له بن المنتفق وهو يقول وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبته فلقيته بعرفات فزاحمت عليه فقيل لي إليك عنه فقال دعوا الرجل أرب ما له قال فزاحمت عليه حتى خلصت إليه فأخذت بخطام راحلته فما غير علي قال شيئين أسألك عنهما ما ينجيني من النار وما يدخلني الجنة قال فنظر إلى السماء ثم أقبل علي بوجهه الكريم فقال لئن كنت أوجزت المسألة لقد أعظمت وطولت فاعقل علي إعبد الله لا تشرك به شيئا وأقم الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة وصم رمضان وأخرجه البخاري في التاريخ من طريق يونس بن أبي إسحاق عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن أبيه قال غدوت فإذا رجل يحدثهم قال وقال جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن عبد الله قال سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الاختلاف فيه عن الأعمش وأن بعضهم قال فيه عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه والصواب المغيرة بن عبد الله اليشكري وزعم الصيرفي أن اسم بن المنتفق هذا لقيط بن صبرة وافد بني المنتفق فالله أعلم وقد يؤخذ من هذه الرواية أن السائل في حديث أبي هريرة هو السائل في حديث أبي أيوب لأن سياقه شبيه بالقصة التي ذكرها أبو هريرة لكن قوله في هذه الرواية أرب ما له في رواية أبي أيوب دون أبي هريرة وكذا حديث أبي أيوب وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن نمير عن عمرو بن عثمان بلفظ أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته ثم قال يا رسول الله أخبرني فذكره وهذا شبيه بقصة سؤال بن المنتفق وأيضا فأبو أيوب لا يقول عن نفسه إن أعرابيا والله أعلم وقد وقع نحو هذا السؤال لصخر بن القعقاع الباهلي ففي حديث الطبراني أيضا من طريق قزعة بن سويد الباهلي حدثني أبي حدثني خالي واسمه صخر بن القعقاع قال لقيت النبي صلى الله عليه وسلم بين عرفة ومزدلفة فأخذت بخطام ناقته فقلت يا رسول الله ما يقربني من الجنة ويباعدني من النار فذكر الحديث وإسناده حسن قوله قال ما له ما له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرب ما له كذا في هذه الرواية لم يذكر فاعل قال ما له ما له وفي رواية بهز المعلقة هنا الموصولة في كتاب الأدب قال القوم ما له ما له قال بن بطال هو إستفهام والتكرار للتأكيد وقوله أرب بفتح الهمزة والراء منونا أي حاجة وهو مبتدأ وخبره محذوف إستفهم أولا ثم رجع إلى نفسه فقال له أرب انتهى وهذا بناء على أن فاعل قال النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك لما بيناه بل المستفهم الصحابة والمجيب النبي صلى الله عليه وسلم وما زائدة كأنه قال له حاجة ما وقال بن الجوزي المعنى له حاجة مهمة مفيدة جاءت به لأنه قد علم بالسؤال أن له حاجة وروى بكسر الراء وفتح الموحدة بلفظ الفعل الماضي وظاهره الدعاء والمعنى التعجب من السائل وقال النضر بن شميل يقال أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده وقال الأصمعي أرب في الشيء صار ماهرا فيه فهو أريب وكأنه تعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته ويؤيده قوله في رواية مسلم المشار إليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد وفق أو لقد هدي وقال بن قتيبة قوله أرب من الآراب وهي الأعضاء أي سقطت أعضاؤه وأصيب بها كما يقال تربت يمينك وهو مما جاء بصيغة الدعاء ولا يراد حقيقته وقيل لما رأى الرجل يزاحمه دعا عليه لكن دعاؤه على المؤمن طهر له كما ثبت في الصحيح وروى بفتح أوله وكسر الراء والتنوين أي هو أرب أي حاذق فطن ولم أقف على صحة هذه الرواية وجزم الكرماني بأنها ليست محفوظة وحكى القاضي عن رواية لأبي ذر أرب بفتح الجميع وقال لا وجه له قلت وقعت في الأدب من طريق الكشميهني وحده وقوله يدخلني الجنة بضم اللام والجملة في موضع جر صفة لقوله بعمل ويجوز الجزم جوابا للأمر ورده بعض شراح المصابيح لأن قوله بعمل يصير غير موصوف مع أنه نكرة فلا يفيد وأجيب بأنه موصوف تقديرا لأن التنكير للتعظيم فأفاد ولأن جزاء الشرط محذوف والتقدير إن عملته يدخلني قوله وتصل الرحم أي تواسى ذوي القرابة في الخيرات وقال النووي معناه أن تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة أو طاعة أو غير ذلك وخص هذه الخصلة من بين خلال الخير نظرا إلى حال السائل كأنه كان لا يصل رحمه فأمره به لأنه المهم بالنسبة إليه ويؤخذ منه تخصيص بعض الأعمال بالحض عليها بحسب حال المخاطب وإفتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها إما لمشقتها عليه وإما لتسهيله في أمرها قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله أخشى أن يكون محمد غير محفوظ إنما هو عمرو وجزم في التاريخ بذلك وكذا قال مسلم في شيوخ شعبة والدارقطني في العلل وآخرون المحفوظ عمرو بن عثمان وقال النووي اتفقوا على أنه وهم من شعبة وأن الصواب عمرو والله أعلم وأما حديث أبي هريرة فقد تقدم الكلام عليه في كون الأعرابي السائل فيه هل هو السائل في حديث أبي أيوب أولا والأعرابي بفتح الهمزة من سكن البادية كما تقدم

[ 1333 ] قوله عن يحيى بن سعيد بن حيان عن أبي زرعة قال أبو علي وقع عند الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني هنا عن يحيى بن سعيد بن أبي حيان أو عن يحيى بن سعيد عن أبي حيان وهو خطأ إنما هو يحيى بن سعيد بن حيان كما لغيره من الرواة قوله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة قيل فرق بين القيدين كراهية لتكرير اللفظ الواحد وقيل عبر في الزكاة بالمفروضة للإحتراز عن صدقة التطوع فإنها زكاة لغوية وقيل إحترز من الزكاة المعجلة قبل الحول فإنها زكاة وليست مفروضة قوله فيه وتصوم رمضان لم يذكر الحج لأنه كان حينئذ حاجا ولعله ذكره له فاختصره قوله قال والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا زاد مسلم عن أبي بكر بن إسحاق عن عفان بهذا السند شيئا أبدا ولا أنقص منه وباقي الحديث مثله وظاهر قوله من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا إما أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم أطلع على ذلك فأخبر به أو في الكلام حذف تقديره إن دام على فعل الذي أمر به ويؤيده قوله في الحديث أبي أيوب عند مسلم أيضا إن تمسك بما أمر به دخل الجنة قال القرطبي في هذا الحديث وكذا حديث طلحة في قصة الأعرابي وغيرهما دلالة على جواز ترك التطوعات لكن من داوم على ترك السنن كان نقصا في دينه فإن كان تركها تهاونا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقا يعني لورود الوعيد عليه حيث قال صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس مني وقد كان صدر الصحابة ومن تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض ولا يفرقون بينهما في إغتنام ثوابهما وإنما إحتاج الفقهاء إلى التفرقة لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها ووجوب العقاب على الترك ونفيه ولعل أصحاب هذه القصص كانوا حديثي عهد بالإسلام فاكتفي منهم بفعل ما وجب عليهم في تلك الحال لئلا يثقل ذلك عليهم فيملوا حتى إذا انشرحت صدورهم للفهم عنه والحرص على تحصيل ثواب المندوبات سهلت عليهم انتهى وقد تقدم الكلام على شيء من هذا في شرح حديث طلحة في كتاب الإيمان قوله حدثنا مسدد عن يحيى هو القطان قوله عن أبي حيان هو يحيى بن سعيد بن حيان المذكور في الإسناد الذي قبله وأفادت هذه الرواية تصريح أبي حيان بسماعه له من أبي زرعة وبطل التردد الذي وقع عند الجرجاني لكن لم يذكر يحيى القطان في هذا الإسناد أبا هريرة كما هو في رواية أبي ذر وغيرها من الروايات المعتمدة وثبت ذكره في بعض الروايات وهو خطأ فقد ذكر الدارقطني في التتبع أن رواية القطان مرسلة كما تقدم ذلك في المقدمة و أما حديث بن عباس في قصة وفد عبد القيس فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أواخر كتاب الإيمان و حجاج شيخ البخاري هنا هو بن منهال

[ 1334 ] قوله وقال سليمان وأبو النعمان عن حماد يعني بن زيد بالإسناد المذكور في طريق حجاج الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله أي وافقا حجاجا على سياقه إلا في إثبات الواو في قوله وشهادة أن لا إله إلا الله فحذفاها وهو أصوب فأما سليمان فهو بن حرب وقد وصل المصنف حديثه هذا عنه في الغازي وأما أبو النعمان فهو محمد بن الفضل وقد وصل المصنف حديثه هذا عنه في الخمس وأما حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة فقد تقدم الكلام عليه في شرح حديث بن عمر في باب قوله فإن تابوا وأقاموا الصلاة ويأتي الكلام على بقية ما يختص به في كتاب أحكام المرتدين إن شاء الله وقوله في هذه الرواية

[ 1335 ] لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر كان تامة بمعنى حصل والمراد به قام مقامه تكميل اختلف في أول وقت فرض الزكاة فذهب الأكثر إلى أنه وقع بعد الهجرة فقيل كان في السنة الثانية قبل فرض رمضان أشار إليه النووي في باب السير من الروضة وجزم بن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة وفيه نظر فقد تقدم في حديث ضمام بن ثعلبة وفي حديث وفد عبد القيس وفي عدة أحاديث ذكر الزكاة وكذا مخاطبة أبي سفيان مع هرقل وكانت في أول السابعة وقال فيها يأمرنا بالزكاة لكن يمكن تأويل كل ذلك كما سيأتي في آخر الكلام وقوى بعضهم ما ذهب إليه بن الأثير بما وقع في قصة ثعلبة بن حاطب المطولة ففيها لما أنزلت آية الصدقة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عاملا فقال ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية والجزية إنما وجبت في التاسعة فتكون الزكاة في التاسعة لكنه حديث ضعيف لا يحتج به وادعى بن خزيمة في صحيحه أن فرضها كان قبل الهجرة واحتج بما أخرجه من حديث أم سلمة في قصة هجرتهم إلى الحبشة وفيها أن جعفر بن أبي طالب قال للنجاشي في جملة ما أخبره به عن النبي صلى الله عليه وسلم ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام انتهى وفي استدلاله بذلك نظر لأن الصلوات الخمس لم تكن فرضت بعد ولا صيام رمضان فيحتمل أن تكون مراجعة جعفر لم تكن في أول ما قدم على النجاشي وإنما أخبره بذلك بعد مدة قد وقع فيها ما ذكر من قصة الصلاة والصيام وبلغ ذلك جعفرا فقال يأمرنا بمعنى يأمر به أمته وهو بعيد جدا وأولى ما حمل عليه حديث أم سلمة هذا إن سلم من قدح في إسناده أن المراد بقوله يأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام أي في الجملة ولا يلزم من ذلك أن يكون المراد بالصلاة الصلوات الخمس ولا بالصيام صيام رمضان ولا بالزكاة هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول والله أعلم ومما يدل على أن فرض الزكاة كان قبل التاسعة حديث أنس المتقدم في العلم في قصة ضمام بن ثعلبة وقوله أنشدك الله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا وكان قدوم ضمام سنة خمس كما تقدم وإنما الذي وقع في التاسعة بعث العمال لأخذ الصدقات وذلك يستدعي تقدم فريضة الزكاة قبل ذلك ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف وثبت عند أحمد وابن خزيمة أيضا والنسائي وابن ماجة والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح إلا أبا عمار الراوي له عن قيس بن سعد وهو كوفي اسمه عريب بالمهملة المفتوحه بن حميد وقد وثقه أحمد وابن معين وهو دال على أن فرض صدقة الفطر كان قبل فرض الزكاة فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان وذلك بعد الهجرة وهو المطلوب ووقع في تاريخ الإسلام في السنة الأولى فرضت الزكاة وقد أخرج البيهقي في الدلائل حديث أم سلمة المذكور من طريق المغازي لابن إسحاق من رواية يونس بن بكير عنه وليس فيه ذكر الزكاة وابن خزيمة أخرجه من حديث بن إسحاق لكن من طريق سلمة بن الفضل عنه وفي سلمة مقال والله أعلم

قوله باب البيعة على إيتاء الزكاة قال الزين بن المنير هذه الترجمة أخص من التي قبلها لتضمنها أن بيعة الإسلام لا تتم إلا بالتزام إيتاء الزكاة وأن مانعها ناقض لعهده مبطل لبيعته فهو أخص من الإيجاب لأن كل ما تضمنته بيعة النبي صلى الله عليه وسلم واجب وليس كل واجب تضمنته بيعته وموضوع التخصيص الإهتمام والاعتناء بالذكر حال البيعة قال وأتبع المصنف الترجمة بالآية معتضدا بحكمها لأنها تضمنت أنه لا يدخل في التوبة من الكفر وينال أخوة المؤمنين في الدين إلا من أقام الصلاة وآتى الزكاة انتهى وقد تقدم الكلام على حديث جرير مستوفى في آخر كتاب الإيمان

قوله باب إثم مانع الزكاة قال الزين بن المنير هذه الترجمة أخص من التي قبلها لتضمن حديثها تعظيم إثم مانع الزكاة والتنصيص على عظيم عقوبته في الدار الآخرة وتبري نبيه منه بقوله له لا أملك لك من الله شيئا وذلك مؤذن بانقطاع رجائه وإنما تتفاوت الواجبات بتفاوت المثوبات والعقوبات فما شددت عقوبته كان إيجابه آكد مما جاء فيه مطلق العقوبة وعبر المصنف بالإثم ليشمل من تركها جحدا أو بخلا والله أعلم قوله وقول الله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة الآية فيه تلميح إلى تقوية قول من قال من الصحابة و غيرهم إن الآية عامة في حق الكفار والمؤمنين خلافا لمن زعم أنها خاصة بالكفار وسيأتي ذكر ذلك في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى وذلك مأخوذ من قوله في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب أنا مالك أنا كنزك وقد وقع نحو ذلك أيضا في الحديث الأول عند النسائي والطبراني في مسند الشاميين من طريق شعيب أيضا في آخر الحديث وأفرد البخاري الجملة المحذوفة فذكرها في تفسير براءة بهذا الإسناد باختصار تنبيه المراد بسبيل الله في الآية المعنى الأعم لا خصوص أحد السهام الثمانية التي هي مصارف الزكاة وإلا لاختص بالصرف إليه بمقتضى هذه الآية

[ 1337 ] قوله تأتي الإبل على صاحبها يعني يوم القيامة كما سيأتي قوله على خير ما كانت أي من العظم والسمن ومن الكثرة لأنها تكون عنده على حالات مختلفة فتأتى على أكملها ليكون ذلك أنكى له لشدة ثقلها قوله إذا هو لم يعط فيها حقها أي لم يؤد زكاتها وقد رواه مسلم من حديث أبي ذر بهذا اللفظ قوله تطؤه بأخفافها في رواية همام عن أبي هريرة في ترك الحيل فتخبط وجهه بأخفافها ولمسلم من طريق أبي صالح عنه ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مرت عليه أولاها ردت عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين العباد ويرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وللمصنف من حديث أبي ذر إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنبيه كذا في أصل مسلم كلما مرت عليه أولاها ردت عليه أخراها قال عياض قالوا هو تغيير وتصحيف وصوابه ما في الرواية التي بعده من طريق سهيل عن أبيه كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها وبهذا ينتظم الكلام وكذا وقع عند مسلم من حديث أبي ذر أيضا وأقره النووي على هذا وحكاه القرطبي وأوضح وجه الرد بأنه إنما يرد الأول الذي قد مر قبل وأما الآخر فلم يمر بعد فلا يقال فيه رد ثم أجاب بأنه يحتمل أن المعنى أن أول الماشية إذا وصلت إلى آخرها تمشي عليه تلاحقت بها أخراها ثم إذا أرادت الأولى الرجوع بدأت الأخرى بالرجوع فجاءت الأخرى أول حتى تنتهي إلى آخر الأولى وكذا وجهه الطيبي فقال إن المعنى أن أولاها إذا مرت على التتابع إلى أن تنتهي إلى الأخرى ثم ردت الأخرى من هذه الغاية وتبعها ما يليها إلى أن تنتهي أيضا إلى الأولى والله أعلم قوله في الغنم تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها بكسر الطاء من تنطحه ويجوز الفتح زاد في رواية أبي صالح المذكورة ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وزاد فيه ذكر البقر أيضا وذكر في البقر والغنم ما ذكر في الإبل وسيأتي ذكر البقر في حديث أبي ذر أيضا في باب مفرد قوله قال ومن حقها أن تحلب على الماء بحاء مهملة أي لمن يحضرها من المساكين وإنما خص الحلب بموضع الماء ليكون أسهل على المحتاج من قصد المنازل وأرفق بالماشية وذكره الداودي بالجيم وفسره بالإحضار إلى المصدق وتعقبه بن دحية وجزم بأنه تصحيف ووقع عند أبي داود من طريق أبي عمر الغداني عن أبي هريرة ما يوهم أن هذه الجملة مرفوعة ولفظه قلنا يا رسول الله ما حقها قال إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله وسيأتي في أواخر الشرب هذه القطعة وحدها مرفوعة من وجه آخر عن أبي هريرة قوله ولا يأتي أحدكم في رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب ألا لا يأتين أحدكم وهذا حديث آخر متعلق بالغلول من الغنائم وقد أخرجه المصنف مفردا من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ويأتي الكلام عليه في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى وقوله في هذه الرواية لها يعار بتحتانية مضمومة ثم مهملة صوت المعز وفي رواية المستملي والكشميهني هنا ثغاء بضم المثلثة ثم معجمة بغير راء ورجحه بن التين وهو صياح الغنم وحكى بن التين عن القزاز أنه رواه تعار بمثناة ومهملة وليس بشيء وقوله رغاء بضم الراء ومعجمة صوت الإبل وفي الحديث إن الله يحيى البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة وفي ذلك معاملة له بنقيض قصده لأنه قصد منع حق الله منها وهو الإرتفاق والإنتفاع بما يمنعه منها فكان ما قصد الإنتفاع به أضر الأشياء عليه والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حق الله فيها إنما هو في بعضها لأن الحق في جميع المال غير متميز ولأن المال لما لم تخرج زكاته غير مطهر وفيه أن في المال حقا سوى الزكاة وأجاب العلماء عنه بجوابين أحدهما أن هذا الوعيد كان قبل فرض الزكاة ويؤيده ما سيأتي من حديث بن عمر في الكنز لكن يعكر عليه أن فرض الزكاة متقدم على إسلام أبي هريرة كما تقدم تقريره ثاني الأجوبة أن المراد بالحق القدر الزائد على الواجب ولا عقاب بتركه وإنما ذكر استطرادا لما ذكر حقها بين الكمال فيه وإن كان له أصل يزول الذم بفعله وهو الزكاة ويحتمل أن يراد ما إذا كان هناك مضطر إلى شرب لبنها فيحمل الحديث على هذه الصورة وقال بن بطال في المال حقان فرض عين وغيره فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق تنبيه زاد النسائي في آخر هذا الحديث قال ويكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه صاحبه ويطلبه أنا كنزك فلا يزال حتى يلقمه إصبعه وهذه الزيادة قد أفرد البخاري بعضها كما قدمنا إلى قوله أقرع ولم يذكر بقيته وكأنه استغنى عنه بطريق أبي صالح عن أبي هريرة وهو ثاني حديثي الباب

[ 1338 ] قوله عن أبي صالح كذا رواه عبد الرحمن وتابعه زيد بن أسلم عن أبي صالح عند مسلم وساقه مطولا وكذا رواه مالك عن عبد الله بن دينار ورواه بن حبان من طريق بن عجلان عن القعقاع بن حلية عن أبي صالح لكنه وقفه على أبي هريرة وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة فرواه عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أخرجه النسائي ورجحه لكن قال بن عبد البر رواية عبد العزيز خطأ بين لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن بن عمر ما رواه عن أبي صالح أصلا انتهى وفي هذا التعليل نظر وما المانع أن يكون له فيه شيخان نعم الذي يجري على طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة لأنه سلك الجادة ومن عدل عنها دل على مزيد حفظه قوله مثل له أي صور أو ضمن مثل معنى التصيير أي صير ماله على صورة شجاع والمراد بالمال الناض كما أشرت إليه في تفسير براءة ووقع في رواية زيد بن أسلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ولا تنافي بين الروايتين لاحتمال اجتماع الأمرين معا فرواية بن دينار توافق الآية التي ذكرها وهي سيطوقون ورواية زيد بن أسلم توافق قوله تعالى يوم يحمى عليها في نار جهنم الآية قال البيضاوي خص الجنب والجبين والظهر لأنه جمع المال ولم يصرفه في حقه لتحصيل الجاه والتنعم بالمطاعم والملابس أو لأنه أعرض عن الفقير وولاه ظهره أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة وقيل المراد بها الجهات الأربع التي هي مقدم البدن ومؤخره وجنباه نسأل الله السلامة والمراد بالشجاع وهو بضم المعجمة ثم جيم الحية الذكر وقيل الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس والأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط لكثرة سمه وفي كتاب أبي عبيد سمي أقرع لأن شعر رأسه يتمعط لجمعه السم فيه وتعقبه القزاز بأن الحية لا شعر برأسها فلعله يذهب جلد رأسه وفي تهذيب الأزهري سمي أقرع لأنه يقري السم ويجمعه في رأسه حتى تتمعط فروة رأسه قال ذو الرمة قري السم حتى أنمار فروة رأسه عن العظم صل قاتل اللسع ما رده وقال القرطبي الأقرع من الحيات الذي أبيض رأسه من السم ومن الناس الذي لا شعر برأسه قوله له زبيبتان تثنيه زبيبة بفتح الزاي وموحدتين وهما الزبدتان اللتان في الشدقين يقال تكلم حتى زبد شدقاه أي خرج الزبد منهما وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه وقيل نقطتان يكتنفان فاه وقيل هما في حلقه بمنزلة زنمتي العنز وقيل لحمتان على رأسه مثل القرنين وقيل نابان يخرجان من فيه قوله يطوقه بضم أوله وفتح الواو الثقيلة أي يصير له ذلك الثعبان طوقا قوله ثم يأخذ بلهزمتيه فاعل يأخذ هو الشجاع والمأخوذ يد صاحب المال كما وقع مبينا في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في ترك الحيل بلفظ لا يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه قوله بلهزمتيه بكسر اللام وسكون الهاء بعدها زاي مكسورة وقد فسر في الحديث بالشدقين وفي الصحاح هما العظمان الناتئان في اللحيين تحت الأذنين وفي الجامع هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان قوله ثم يقول أنا مالك أنا كنزك وفائدة هذا القول الحسرة والزيادة في التعذيب حيث لا ينفعه الندم وفيه نوع من التهكم وزاد في ترك الحيل من طريق همام عن أبي هريرة يفر منه صاحبه ويطلبه وفي حديث ثوبان عند بن حبان يتبعه فيقول أنا كنزك الذي تركته بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيمضغها ثم يتبعه سائر جسده ولمسلم في حديث جابر يتبع صاحبه حيث ذهب وهو يفر منه فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل وللطبراني في حديث بن مسعود ينقر رأسه وظاهر الحديث أن الله يصير نفس المال بهذه الصفة وفي حديث جابر عند مسلم إلا مثل له كما هنا قال القرطبي أي صور أو نصب وأقيم من قولهم مثل قائما أي منتصبا قوله ثم تلا ولا يحسبن الذين يبخلون الآية في حديث بن مسعود عند الشافعي والحميدي ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الآية ونحوه في رواية الترمذي قرأ مصداقه سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وفي هذين الحديثين تقوية لقول من قال المراد بالتطويق في الآية الحقيقة خلافا لمن قال إن معناه سيطوقون الإثم وفي تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم الآية دلالة على أنها نزلت في مانعي الزكاة وهو قول أكثر أهل العلم بالتفسير وقيل أنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقيل نزلت فيمن له قرابة لا يصلهم قاله مسروق

قوله باب ما أدى زكاته فليس بكنز لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق صدقة قال بن بطال وغيره وجه استدلال البخاري بهذا الحديث للترجمة أن الكنز المنفي هو المتوعد عليه الموجب لصاحبه النار لا مطلق الكنز الذي هو أعم من ذلك وإذا تقرر ذلك فحديث لا صدقة فيما دون خمس أواق مفهومه أن ما زاد على الخمس ففيه الصدقة ومقتضاه أن كل مال أخرجت منه صدقة فلا وعيد على صاحبه فلا يسمى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزا وقال بن رشيد وجه التمسك به أن ما دون الخمس وهو الذي لا تجب فيه الزكاة قد عفى عن الحق فيه فليس بكنز قطعا والله قد أثنى على فاعل الزكاة ومن أثني عليه في واجب حق المال لم يلحقه ذم من جهة ما أثنى عليه فيه وهو المال انتهى ويتلخص أن يقال ما لم تجب فيه الصدقة لا يسمى كنزا لأنه معفو عنه فليكن ما أخرجت منه الزكاة كذلك لأنه عفي عنه بإخراج ما وجب منه فلا يسمى كنزا ثم إن لفظ الترجمة لفظ حديث روي مرفوعا وموقوفا عن بن عمر أخرجه مالك عن عبد الله بن دينار عنه موقوفا وكذا أخرجه الشافعي عنه ووصله البيهقي والطبراني من طريق الثوري عن عبد الله بن دينار وقال إنه ليس بمحظوظ وأخرجه البيهقي أيضا من رواية عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر بلفظ كل ما أديت زكاته وأن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز وكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز وأن كان ظاهرا على وجه الأرض أورده مرفوعا ثم قال ليس بمحظوظ والمشهور وقفه وهذا يؤيد ما تقدم من أن المراد بالكنز معناه الشرعي وفي الباب عن جابر أخرجه الحاكم بلفظ إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره ورجح أبي زرعة والبيهقي وغيرهما وقفه كما عند البزار وعن أبي هريرة أخرجه الترمذي بلفظ إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك وقال حسن غريب وصححه الحاكم وهو على شرط بن حبان وعن أم سلمة عند الحاكم وصححه بن القطان أيضا وأخرجه أبو داود وقال بن عبد البر في سنده مقال وذكر شيخنا

في شرح الترمذي أن سنده جيد وعن بن عباس أخرجه بن أبي شيبة موقوفا بلفظ الترجمة وأخرجه أبو داود مرفوعا بلفظ أن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم وفيه قصة قال بن عبد البر والجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تؤد زكاته ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك فذكر بعض ما تقدم من الطرق ثم قال ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من أهل الزهد كأبي ذر وسيأتي شرح ما ذهب إليه من ذلك في هذا الباب

[ 1339 ] قوله وقال أحمد بن شبيب كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر حدثنا أحمد وقد وصله أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ عن محمد بن يحيى وهو الذهلي عن أحمد بن شبيب بإسناده ووقع لنا بعلو في جزء الذهلي وسياقه أتم مما في البخاري وزاد فيه سؤال الأعرابي أترث العمة قال بن عمر لا أدري فلما أدبر قبل بن عمر يديه ثم قال نعم ما قال أبو عبد الرحمن يعني نفسه سئل عما لا يدري فقال لا أدري وزاد في آخره بعد قوله طهرة للأموال ثم ألتفت إلي فقال ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده أزكيه وأعمل فيه بطاعة الله تعالى وهو عند بن ماجة من طريق عقيل عن الزهري قوله من كنزها فلم يؤد زكاتها أفرد الضمير إما على سبيل تأويل الأموال أو عودا إلى الفضة لأن الانتفاع بها أكثر أو كان وجودها في زمنهم أكثر من الذهب أو على الاكتفاء ببيان حالها عن بيان حال الذهب والحامل على ذلك رعاية لفظ القرآن حيث قال ينفقونها قال صاحب الكشاف أفرد ذهابا إلى المعنى دون اللفظ لأن كل واحد منهما جملة وافية وقيل المعنى ولا ينفقونها والذهب كذلك وهو كقول الشاعر وإني وقيار بها لغريب أي وقيار كذلك قوله انما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة هذا مشعر بأن الوعيد على الاكتناز وهو حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساة به كان في أول الإسلام ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة لما فتح الله الفتوح وقدرت نصب الزكاة فعلى هذا المراد بنزول الزكاة بيان نصبها ومقاديرها لا إنزال أصلها والله أعلم وقول بن عمر لا أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا كأنه يشير إلى قول أبي ذر الآتي آخر الباب والجمع بين كلام بن عمر وحديث أبي ذر أن يحمل حديث أبي ذر على مال تحت يد الشخص لغيره فلا يجب أن يحبسه عنه أو يكون له لكنه ممن يرجى فضله وتطلب عائدته كالإمام الأعظم فلا يجب أن يدخر عن المحتاجين من رعيته شيئا ويحمل حديث بن عمر على مال يملكه قد أدى زكاته فهو يحب أن يكون عنده ليصل به قرابته ويستغني به عن مسألة الناس وكان أبو ذر يحمل الحديث على إطلاقه فلا يرى بادخار شيء أصلا قال بن عبد البر وردت عن أبي ذر آثار كثير تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله وأن آية الوعيد نزلت في ذلك وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع انتهى والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر كما تقدم عن بن عمر وقد استدل له بن بطال بقوله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو أي ما فضل عن الكفاية فكان ذلك واجبا في أول الأمر ثم نسخ والله أعلم وفي المسند من طريق يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة ثم يخرج إلى قومه ثم يرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمع الرخصة ويتعلق بالأمر الأول ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث أبي سعيد في تقدير نصب زكاة الورق وغيره

[ 1340 ] قوله أخبرني يحيى بن أبي كثير تعقبه الدارقطني وأبو مسعود بأن عبد الوهاب بن نجدة خالف إسحاق بن يزيد شيخ البخاري فيه فقال عن شعيب عن الأوزاعي حدثني يحيى بن سعيد وحماد ورواه داود بن رشيد وهشام بن خالد جميعا عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى غير منسوب وقال الوليد بن مسلم رواه عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن اليمان عن يحيى بن سعيد وقال الإسماعيلي هذا الحديث مشهور عن يحيى بن سعيد رواه عنه الخلق وقد رواه داود بن رشيد عن شعيب فقال عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد انتهى وقد تابع إسحاق بن يزيد سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن شعيب بن إسحاق أخرجه أبو عوانة والإسماعيلي من طريقه وذلك دال على أنه عند شعيب عن الأوزاعي على الوجهين لكن دلت رواية الوليد بن مسلم على أن رواية الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بغير واسطة موهومة أو مدلسة ولذلك عدل عنها البخاري واقتصر على طريق يحيى بن أبي كثير والله أعلم قوله عن أبيه يحيى بن عمارة في رواية يحيى بن سعيد عن عمرو أنه سمع أباه وسيأتي الكلام عليه مستوفى بعد بضعة وعشرين بابا ثانيها حديث أبي ذر مع معاوية

[ 1341 ] قوله حدثنا علي سمع هشيما كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر عن مشايخه حدثنا علي بن أبي هاشم وهو المعروف بابن طبراخ بكسر المهملة وسكون الموحدة وآخره معجمة ووقع في أطراف المزي عن علي بن عبد الله المديني وهو خطأ قوله عن زيد بن وهب هو التابعي الكبير الكوفي أحد المخضرمين قوله بالربذة بفتح الراء والموحدة والمعجمة مكان معروف بين مكة والمدينة نزل به أبو ذر في عهد عثمان ومات به وقد ذكر في هذا الحديث سبب نزوله وإنما سأله زيد بن وهب عن ذلك لأن مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر وقد بين أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان كان باختياره نعم أمره عثمان بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه المذكور فاختار الربذة وقد كان يعدوا إليها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أصحاب السنن من وجه آخر عنه وفيه قصه له في التيمم وروينا في فوائد أبي الحسن بن جذلم بإسناده إلى عبد الله بن الصامت قال دخلت مع أبي ذر على عثمان فحسر عن رأسه فقال والله ما أنا منهم يعني الخوارج فقال إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة فقال لا حاجة لي في ذلك ائذن لي بالربذة قال نعم ورواه أبو داود الطيالسي من هذا الوجه دون آخره وقال بعد قوله ما أنا منهم ولا أدركهم سيماهم التحليق يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت وفي طبقات بن سعد من وجه آخر إن ناسا من أهل الكوفة قالوا لأبي ذر وهو بالربذة أن هذا الرجل فعل بك وفعل هل أنت ناصب لنا راية يعني فنقاتله فقال لا لو أن عثمان سيرني بن من المشرق إلى المغرب لسمعت وأطعت قوله كنت بالشام يعني بدمشق ومعاوية إذ ذاك عامل عثمان عليها وقد بين السبب في سكناه الشام ما أخرجه أبو يعلى من طريق أخرى عن زيد بن وهب حدثني أبو ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ البناء أي بالمدينة سلعا فارتحل إلى الشام فلما بلغ البناء سلعا قدمت الشام فسكنت بها فذكر الحديث نحوه وعنده أيضا بإسناد فيه ضعف عن بن عباس قال إستأذن أبو ذر على عثمان فقال إنه يؤذينا فلما دخل قال له عثمان أنت الذي تزعم إنك خير من أبي بكر وعمر قال لا ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أحبكم إلي وأقربكم مني من بقي على العهد الذي عاهدته عليه وأنا باق على عهده قال فأمره أن يلحق بالشام وكان يحدثهم ويقول لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم إلا ما ينفقه في سبيل الله أو يعده لغريم فكتب معاوية إلى عثمان إن كان لك بالشام حاجة فابعث إلى أبي ذر فكتب إليه عثمان أن أقدم علي فقدم قوله في والذين يكنزون الذهب والفضة سيأتي في تفسير براءة من طريق جرير عن حصين بلفظ فقرأت والذين يكنزون الذهب والفضة إلى آخر الآية قوله نزلت في أهل الكتاب في رواية جرير ما هذه فينا قوله فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني في رواية الطبري أنهم كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام قال فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام قوله إن شئت تنحيت في رواية الطبري فقال له تنح قريبا قال والله لن أدع ما كنت أقوله وكذا لابن مردويه من طريق ورقاء عن حصين بلفظ والله لا أدع ما قلت قوله حبشيا في رواية ورقاء عبدا حبشيا ولأحمد وأبي يعلى من طريق أبي حرب بن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له كيف تصنع إذا أخرجت منه أي المسجد النبوي قال آتي الشام قال كيف تصنع إذا أخرجت منها قال أعود إليه أي المسجد قال كيف تصنع إذا أخرجت منه قال أضرب بسيفي قال أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا قال تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك وعند أحمد أيضا من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد عن أبي ذر نحوه والصحيح أن إنكار أبي ذر كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه وتعقبه النووي بالابطال لأن السلاطين حينئذ كانوا مثل أبي بكر وعمر وعثمان وهؤلاء لم يخونوا قلت لقوله محمل وهو أنه أراد من يفعل ذلك وإن لم يوجد حينئذ من يفعله وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لاتفاق أبي ذر ومعاوية على أن الآية نزلت في أهل الكتاب وفيه ملاطفة الأئمة للعلماء فإن معاوية لم يجسر على الإنكار عليه حتى كاتب من هو أعلى منه في أمره وعثمان لم يحنق على أبي ذر مع كونه كان مخالفا له في تأويله وفيه التحذير من الشقاق والخروج على الأئمة والترغيب في الطاعة لأولي الأمر وأمر الأفضل بطاعة المفضول خشية المفسدة وجواز الاختلاف في الاجتهاد والأخذ بالشده في الأمر بالمعروف وإن أدى ذلك إلى فراق الوطن وتقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة لأن في بقاء أبي ذر بالمدينة مصلحة كبيرة في بث علمه في طالب العلم ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من الأخذ بمذهبه الشديد في هذه المسألة ولم يأمره بعد ذلك بالرجوع عنه لأن كلا منهما كان مجتهدا الحديث الثالث

[ 1342 ] قوله حدثنا عياش هو بن الوليد الرقام وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى والجريري بضم الجيم هو سعيد وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير وأردف المصنف هذا الإسناد بالإسناد الذي بعده وإن كان أنزل منه لتصريح عبد الصمد وهو بن عبد الوارث فيه بتحديث أبي العلاء للجريري والأحنف لأبي العلاء وقد روى الأسود بن شيبان عن أبي العلاء يزيد المذكور عن أخيه مطرف عن أبي ذر طرفا من آخر هذا الحديث أيضا وأخرجه أحمد وليس ذلك بعلة لحديث الأحنف لأن حديث الأحنف أتم سياقا وأكثر فوائد ولا مانع أن يكون ليزيد فيه شيخان قوله جلست إلى ملأ في رواية مسلم والإسماعيلي من طريق إسماعيل بن علية عن الجريري قدمت المدينة فبينما أنا في حلقة من قريش قوله خشن الشعر الخ كذا للأكثر بمعجمتين من الخشونة وللقابسي بمهملتين من الحسن والأول أصح ووقع في رواية مسلم أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم وليعقوب بن سفيان من طريق حميد بن هلال عن الأحنف قدمت المدينة فدخلت مسجدها إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية يشبه بعضه بعضا فقالوا هذا أبو ذر قوله بشر الكانزين في رواية الإسماعيلي بشر الكنازين قوله برضف بفتح الراء وسكون المعجمة بعدها فاء هي الحجارة المحماة وأحدها رضفة قوله نغض بضم النون وسكون المعجمة بعدها ضاد معجمة العظم الدقيق الذي على طرف الكتف أو على أعلى الكتف قال الخطابي هو الشاخص منه وأصل النغض الحركة فسمي ذلك الموضع نغضا لأنه يتحرك بحركة الإنسان قوله يتزلزل أي يضطرب ويتحرك في رواية الإسماعيلي فيتجلجل بجيمين وزاد إسماعيل في هذه الرواية فوضع القوم رءوسهم فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا قال فأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية قوله وأنا لا أدري من هو زاد مسلم من طريق خليد العصري عن الأحنف فقلت من هذا قالوا هذا أبو ذر فقمت إليه فقلت ما شيء سمعتك تقوله قال ما قلت الا شيئا سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم وفي هذه الزيادة رد لقول من قال أنه موقوف على أبي ذر فلا يكون حجة على غيره ولأحمد من طريق يزيد الباهلي عن الأحنف كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفر منه الناس حين يرونه قلت من أنت قال أبو ذر قلت ما نفر الناس عنك قال إني أنهاهم عن الكنوز التي كان ينهاهم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله انهم لا يعقلون شيئا بين وجه ذلك في آخر الحديث حيث قال إنما يجمعون الدنيا وقوله لا أسألهم دنيا في رواية إسماعيل المذكورة فقلت ما لك ولإخوانك من قريش لا تعتريهم ولا تصيب منهم قال وربك لا أسألهم دنيا الخ قوله قلت ومن خليلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاعل قال هو أبو ذر والنبي صلى الله عليه وسلم خبر المبتدأ كأنه قال خليلي النبي صلى الله عليه وسلم وسقط بعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال فقط وكأن بعض الرواة ظنها مكررة فحذفها ولا بد من إثباتها قوله يا أبا ذر أتبصر أحدا وهو حديث مستقل سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الرقاق وعلى ما وقع في هذه الرواية من قوله إلا ثلاثة دنانير إن شاء الله تعالى وإنما أورده أبو ذر للأحنف لتقوية ما ذهب إليه من ذم إكتناز المال وهو ظاهر في ذلك إلا أنه ليس على الوجوب ومن ثم عقبة المصنف بالترجمة التي تليه فقال

قوله وان هؤلاء لا يعقلون هو من كلام أبي ذر كرره تأكيدا لكلامه ولربط ما بعده عليه

قوله باب الرياء في الصدقة قال الزين بن المنير يحتمل أن يكون مراده إبطال الرياء للصدقة فيحمل على ما تمحض منها لحب المحمدة والثناء من الخلق بحيث لولا ذلك لم يتصدق بها قوله لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى إلى قوله والله لا يهدي القوم الكافرين قال الزين بن المنير وجه الاستدلال من الآية أن الله تعالى شبه مقارنة المن والأذى للصدقة أو إتباعها بذلك بإنفاق الكافر المرائي الذي لا يجد بين يديه شيئا منه ومقارنة الرياء من المسلم لصدقته أقبح من مقارنة الإيذاء وأولى أن يشبه بإنفاق الكافر المرائي في إبطال إنفاقه اه وقال بن رشيد إقتصر البخاري في هذه الترجمة على الآية ومراده أن المشبه بالشيء يكون أخفى من المشبه به لأن الخفي ربما شبه بالظاهر ليخرج من حيز الخفاء إلى الظهور ولما كان الإنفاق رياء من غير المؤمن ظاهرا في إبطال الصدقة شبه به الإبطال بالمن والأذى أي حالة هؤلاء في الإبطال كحالة هؤلاء هذا من حيث الجملة ولا يبعد أن يراعى حال التفصيل أيضا لأن حال المان شبيه بحال المرائي لأنه لما من ظهر أنه لم يقصد وجه الله وحال المؤذي يشبه حال الفاقد للإيمان من المنافقين لأن من يعلم أن للمؤذي ناصرا ينصره لم يؤذه فعلم بهذا أن حالة المرائي أشد من حالة المان والمؤذي انتهى ويتلخص أن يقال لما كان المشبه به أقوى من المشبه وابطال الصدقة بالمن والأذى قد شبه بإبطالها بالرياء فيها كان أمر الرياء أشد قوله وقال بن عباس صلدا ليس عليه شيء وصله بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس هكذا في قوله فتركه صلدا أي ليس عليه شيء وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه الآية قال هذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة يقول لا يقدرون على شيء مما كسبوا يومئذ كما ترك هذا المطر الصفا نقيا ليس عليه شيء ومن طريق أسباط عن السدي نحوه قوله وقال عكرمة وابل مطر شديد والطل الندى وصله عبد بن حميد عن روح بن عبادة عن عثمان بن غياث سمعت عكرمة قال في قوله وابل قال مطر شديد والطل الندى

قوله باب لا تقبل صدقة من غلول كذا للأكثر على البناء للمجهول وفي رواية المستملى لا يقبل الله وهذا طرف من حديث أخرجه مسلم باللفظ الأول وقد سبق باقيه في ترجمته في كتاب الطهارة وأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن أبي كامل أحد مشايخ مسلم فيه بلفظ لا يقبل الله صلاة إلا بطهور ولا صدقة من غلول ولأبي داود من حديث أبي المليح عن أبيه مرفوعا لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور وإسناده صحيح قوله ولا يقبل إلا من كسب طيب هذا للمستملي وحده وهو طرف من حديث أبي هريرة الآتي بعده قوله لقوله قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى إلى قوله حليم قال بن المنير جرى المصنف على عادته في إيثار الخفي على الجلي وذلك أن في الآية أن الصدقة لما تبعتها سيئة الأذى بطلت والغلول أذى إن قارن الصدقة أبطلها بطريق الأولى أو لأنه جعل المعصية اللاحقة للطاعة بعد تقررها تبطل الطاعة فكيف إذا كانت الصدقة بعين المعصية لأن الغال في دفعه المال إلى الفقير غاصب متصرف في ملك الغير فكيف تقع المعصية طاعة معتبرة وقد أبطلت المعصية الطاعة المحققة من أول أمرها وتعقبه بن رشيد بأنه ينبني على أن الأذى أعم من أن يكون من جهة المتصدق للمتصدق عليه أو إيذائه لغيره كما في الغلول فيكون من باب الأولى وقد لا يسلم هذا في معنى الآية لبعده فإن الظاهر أن المراد بالأذى في الآية إنما هو ما يكون من جهة المسئول للسائل فإنه عطف على المن وجمع معه بالواو والذي يظهر أن البخاري قصد أن المتصدق عليه إذا علم أن المتصدق به غلول أو غصب أو نحوه تأذى بذلك ولم يرضى به كما قاء أبو بكر اللبن لما علم أنه من وجه غير طيب وقد صدق على المتصدق أنه مؤذ له بتعريضه لكل ما لو علمه لم يقبله والله أعلم قوله قول معروف فسره بالرد الجميل وقوله ومغفرة أي عفو عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسئول وقيل المراد عفو من الله بسبب الرد الجميل وقيل عفو من جهة السائل أي معذرة منه للمسئول لكونه رده ردا جميلا والثاني أظهر وظاهر الآية أن الصدقة تحبط بالمن والأذى بعد أن تقع سالمة لكن يمكن أن يقال لعل قبولها موقوف على سلامتها من المن والأذى فإن وقع ذلك عدم الشرط فعدم المشروط فعبر عن ذلك بالإبطال والله أعلم تنبيهان الأول دل قوله لا تقبل صدقة من غلول أن الغال لا تبرأ ذمته إلا برد الغلول إلى أصحابه بأن يتصدق به إذا جهلهم مثلا والسبب فيه أنه من حق الغانمين فلو جهلت أعيانهم لم يكن له أن يتصرف فيه بالصدقة على غيرهم الثاني وقع هنا للمستملي والكشميهني وابن شبويه باب الصدقة من كسب طيب لقوله تعالى ويربي الصدقات إلى قوله ولا هم يحزنون وعلى هذا فتخلو الترجمة التي قبل هذا من الحديث وتكون كالتي قبلها في الإقتصار على الآية لكن تزيد عليها بالإشارة إلى لفظ الحديث الذي في الترجمة ومناسبة الحديث لهذه الترجمة ظاهرة ومناسبته للتي قبلها من جهة مفهوم المخالفة لأنه دل بمنطوقه على أن الله لا يقبل إلا ما كان من كسب طيب فمفهومه أن ما ليس بطيب لا يقبل والغلول فرد من أفراد غير الطيب فلا يقبل والله أعلم ثم إن هذه الترجمة إن كان باب بغير تنوين فالجملة خبر المبتدأ والتقدير هذا باب فضل الصدقة من كسب طيب وإن كان منونا فما بعده مبتدأ والخبر محذوف تقديره الصدقة من كسب طيب مقبولة أو يكثر الله ثوابها ومعنى الكسب المكسوب والمراد به ما هو أعم من تعاطي التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث وكأنه ذكر الكسب لكونه الغالب في تحصيل المال والمراد بالطيب الحلال لأنه صفة الكسب قال القرطبي أصل الطيب المستلذ بالطبع ثم أطلق على المطلق بالشرع وهو الحلال وأما قول المصنف لقوله تعالى ويربي الصدقات بعد قوله الصدقة من كسب طيب فقد إعترضه بن التين وغيره بأن تكثير أجر الصدقة ليس علة لكون الصدقة من كسب طيب بل الأمر على عكس ذلك فإن الصدقة من الكسب الطيب سبب لتكثير الأجر قال بن التين وكان الأبين أن يستدل بقوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم وقال بن بطال لما كانت الآية مشتملة على أن الربا يمحقه الله لأنه حرام دل ذلك على أن الصدقة التي تتقبل لا تكون من جنس الممحوق وقال الكرماني لفظ الصدقات وإن كان أعم من أن يكون من الكسب الطيب ومن غيره ولكنه مقيد بالصدقات التي من الكسب الطيب بقرينة السياق نحو ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون قوله بعدل تمرة أي بقيمتها لأنه بالفتح المثل وبالكسر الحمل بكسر المهملة هذا قول الجمهور وقال الفراء بالفتح المثل من غير جنسه وبالكسر من جنسه وقيل بالفتح مثله في القيمة وبالكسر في النظر وأنكر البصريون هذه التفرقة وقال الكسائي هما بمعنى كما أن لفظ المثل لا يختلف وضبط في هذه الرواية للأكثر بالفتح قوله ولا يقبل الله إلا الطيب في رواية سليمان بن بلال الآتي ذكرها ولا يصعد إلى الله إلا الطيب وهذه جملة معترضة بين الشرط والجزاء لتقرير ما قبله زاد سهيل في روايته الآتي ذكرها فيضعها في حقها قال القرطبي وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام لأنه غير مملوك للمتصدق وهو ممنوع من التصرف فيه والمتصدق به متصرف فيه فلو قبل منه لزم أن يكون الشيء مأمورا منهيا من وجه واحد وهو محال قوله يتقبلها بيمينه في رواية سهيل إلا أخذها بيمينه وفي رواية مسلم بن أبي مريم الآتي ذكرها فيقبضها وفي حديث عائشة عند البزار فيتلقاها الرحمن بيده قوله فلوه بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو وهو المهر لأنه يفلي أي يفطم وقيل هو كل فطيم من ذات حافر والجمع أفلاء كعدو وأعداء وقال أبو زيد إذا فتحت الفاء شددت الواو وإذا كسرتها سكنت اللام كجرو وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيما فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال وكذلك عمل بن آدم لا سيما الصدقة فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل ووقع في رواية القاسم عن أبي هريرة عند الترمذي فلوه أو مهره ولعبد الرزاق من وجه آخر عن القاسم مهره أو نصيله وفي رواية له عند البزار مهره أو رضيعه أو فصيله ولإبن خزيمة من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة فلوه أو قال فصيله وهذا يشعر بأن أو للشك قال المازري هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما إعتادوا في خطابهم ليفهموا عنه فكنى عن قبول الصدقة باليمين وعن تضعيف أجرها بالتربية وقال عياض لما كان الشيء الذي يرتضى يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول لقول القائل تلقاها عرابة باليمين أي هو مؤهل للمجد والشرف وليس المراد بها الجارحة قال العلامة بن باز حفظه الله هذه التأويلات ليس لها وجه والصواب إجراء الحديث على ظاهره وليس في ذلك بحمد الله محذور عند أهل السنة والجماعة لأن عقيدتهم الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة من أسماء الله سبحانه وصفاته وإثبات ذلك لله على وجه الكمال مع تنزيهه تعالى عن مشابهة المخلوقات وهذا هو الحق الذي لا يجوز العدول عنه وفي هذا الحديث دلالة على إثبات اليمين لله سبحانه وعلى أنه يقبل الصدقة عن الكسب الطيب ويضاعفها وانظر ما يأتي من كلام الإمام الترمذي يتضح لك ما ذكرته آنفا والله الموفق وقيل عبر باليمين عن جهة القبول إذ الشمال بضده وقيل المراد يمين الذي تدفع إليه الصدقة وأضافها إلى الله تعالى إضاقة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة في يمين الآخذ لله تعالى وقيل المراد سرعة القبول وقيل حسنه وقال الزين بن المنير الكناية عن الرضا والقبول بالتلقي باليمين لتثبيت المعاني المعقولة من الأذهان وتحقيقها في النفوس تحقيق المحسوسات أي لا يتشكك في القبول كما لا يتشكك من عاين التلقي للشيء بيمينه لا أن التناول كالتناول المعهود ولا أن المتناول به جارحة وقال الترمذي في جامعه قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة نؤمن بهذه الأحاديث ولا نتوهم فيها تشبيها ولا نقول كيف هكذا روي عن مالك وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم وأنكرت الجهمية هذه الروايات انتهى وسيأتي الرد عليهم مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قوله حتى تكون مثل الجبل ولمسلم من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة حتى تكون أعظم من الجبل ولإبن جرير من وجه آخر عن القاسم حتى يوافى بها يوم القيامة وهي أعظم من أحد يعني التمرة وهي في رواية القاسم عن الترمذي بلفظ حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد قال وتصديق ذلك في كتاب الله يمحق الله الربى ويربي الصدقات وفي رواية بن جرير التصريح بأن تلاوة الآية من كلام أبي هريرة وزاد عبد الرزاق في روايته من طريق القاسم أيضا فتصدقوا والظاهر أن المراد بعظمها أن عينها تعظم لتثقل في الميزان ويحتمل أن يكون ذلك معبرا به عن ثوابها قوله تابعه سليمان هو بن بلال عن بن دينار أي عن أبي صالح عن أبي هريرة وهذه المتابعة ذكرها المصنف في التوحيد فقال وقال خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال فساق مثله إلا أن فيه مخالفة في اللفظ يسيرة وقد وصله أبو عوانة والجوزقي من طريق محمد بن معاذ بن يوسف عن خالد بن مخلد بهذا الإسناد ووقع في صحيح مسلم حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان عن سهيل عن أبي صالح ولم يسق لفظه كله وهذا إن كان أحمد بن عثمان حفظه فلسليمان فيه شيخان عبد الله بن دينار وسهيل عن أبي صالح وقد غفل صاحب الأطراف فسوى بين روايتي الصحيحين في هذا وليس بجيد قوله وقال ورقاء هو بن عمر عن بن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة يعني أن ورقاء خالف عبد الرحمن وسليمان فجعل شيخ بن دينار فيه سعيد بن يسار بدل أبي صالح ولم أقف على رواية ورقاء هذه موصولة وقد أشار الداودي إلى أنها وهم لتوارد الرواة عن أبي صالح دون سعيد بن يسار وليس ما قال بجيد لأنه محظوظ عن سعيد بن يسار من وجه آخر كما أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما نعم رواية ورقاء شاذة بالنسبة إلى مخالفة سليمان وعبد الرحمن والله أعلم تنبيه وقفت على رواية ورقاء موصولة وقد بينت ذلك في كتاب التوحيد قوله ورواه مسلم بن أبي مريم وزيد بن أسلم وسهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة أما رواية مسلم فرويناها موصولة في كتاب الزكاة ليوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا سعيد بن سلمة هو بن أبي الحسام عنه به وأما رواية زيد بن أسلم وسهيل فوصلهما مسلم وقد قدمت ما في سياق الثلاثة من فائدة وزيادة

قوله باب الصدقة قبل الرد قال الزين بن المنير ما ملخصه مقصوده بهذه الترجمة الحث على التحذير من التسويف بالصدقة لما في المسارعة إليها من تحصيل النمو المذكور قيل لأن التسويف بها قد يكون ذريعة إلى عدم القابل لها إذ لا يتم مقصود الصدقة إلا بمصادفة المحتاج إليها وقد أخبر الصادق أنه سيقع فقد الفقراء المحتاجين إلى الصدقة بأن يخرج الغني صدقته فلا يجد من يقبلها فإن قيل إن من أخرج صدقته مثاب على نيته ولو لم يجد من يقبلها فالجواب أن الواجد يثاب ثواب المجازاة والفضل والناوي يثاب ثواب الفضل فقط والأول أربح والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث في كل منها الإنذار بوقوع فقدان من يقبل الصدقة أولها حديث حارثة بن وهب وهو الخزاعي

[ 1345 ] قوله فإنه يأتي عليكم زمان سيأتي بعد سبعة أبواب من وجه آخر بلفظ فسيأتي قوله يقول الرجل أي الذي يريد المتصدق أن يعطيه إياها قوله فأما اليوم فلا حاجة لي بها في رواية الكشميهيني فيها والظاهر أن ذلك يقع في زمن كثرة المال وفيضه قرب الساعة كما قال بن بطال ومن ثم أورده المصنف في كتاب الفتن كما سيأتي وهو بين من سياق حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب وقد ساقه في الفتن بالإسناد المذكور هنا مطولا ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى وقوله

[ 1346 ] حتى يهم بفتح أوله وضم الهاء و رب المال منصوب على المفعولية وفاعله

[ 1347 ] قوله من يقبله يقال همه الشيء أحزنه ويروى بضم أوله يقال أهمه الأمر أقلقه وقال النووي في شرح مسلم ضبطوه بوجهين أشهرهما بضم أوله وكسر الهاء ورب المال مفعول والفاعل من يقبل أي يحزنه والثاني بفتح أوله وضم الهاء ورب المال فاعل ومن مفعول أي يقصد والله أعلم قوله لا أرب لي زاد في الفتن به أي لا حاجة لي به لاستغنائي عنه ثالثها حديث عدي بن حاتم وقد أورده المصنف بأتم من هذا السياق ويأتي الكلام عليه مستوفى وشاهده هنا قوله فيه فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه وهو موافق لحديث أبي هريرة الذي قبله ومشعر بأن ذلك يكون في آخر الزمان وحديث أبي موسى الآتي بعده مشعر بذلك أيضا وقد أشار عدي بن حاتم كما سيأتي في علامات النبوة إلى أن ذلك لم يقع في زمانه وكانت وفاته في خلافة معاوية بعد إستقرار أمر الفتوح فانتفى قول من زعم أن ذلك وقع في ذلك الزمان قال بن التين إنما يقع ذلك بعد نزول عيسى حين تخرج الأرض بركاتها حتى تشبع الرمانة أهل البيت ولا يبقى في الأرض كافر ويأتي الكلام على اتقاء النار ولو بشق تمرة في الباب الذي يليه رابعها حديث أبي موسى

[ 1348 ] قوله من الذهب خصه بالذكر مبالغة في عدم من يقبل الصدقة وكذا قوله يطوف ثم لا يجد من يقبلها وقوله ويرى الرجل الخ تقدم الكلام عليه مستوفى في باب رفع العلم من كتاب العلم

قوله من كل الثمرات

قوله باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة ومثل الذين ينفقون أموالهم إلى قوله فيها من كل الثمرات قال الزين بن المنير وغيره جمع المصنف بين لفظ الخبر والآية لإشتمال ذلك كله على الحث على الصدقة قليلها وكثيرها فإن قوله تعالى أموالهم يشمل قليل النفقة وكثيرها ويشهد له قوله لا يحل مال إمرىء مسلم إلا عن طيب نفس فإنه يتناول القليل والكثير إذ لا قائل بحل القليل دون الكثير وقوله اتقوا النار ولو بشق تمرة يتناول الكثير والقليل أيضا والآية أيضا مشتملة على قليل الصدقة وكثيرها من جهة التمثيل المذكور فيها بالطل والوابل فشبهت الصدقة بالقليل بإصابة الطل والصدقة بالكثير بإصابة الوابل وأما ذكر القليل من الصدقة بعد ذكر شق التمرة فهو من عطف العام على الخاص ولهذا أورد في الباب حديث أبي مسعود الذي كان سببا لنزول قوله تعالى

[ 1349 ] والذين لا يجدون إلا جهدهم وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام تقدير الآية مثل تضعيف أجور الذين ينفقون كمثل تضعيف ثمار الجنة بالمطر إن قليلا فقليل وإن كثيرا فكثير وكأن البخاري أتبع الآية الأولى التي ضربت مثلا بالربوة بالآية الثانية التي تضمنت ضرب المثل لمن عمل عملا يفقده أحوج ما كان إليه للإشارة إلى إجتناب الرياء في الصدقة ولأن قوله تعالى والله بما تعملون بصير يشعر بالوعيد بعد الوعد فأوضحه بذكر الآية الثانية وكأن هذا هو السر في إقتصاره على بعضها اختصارا ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديت أحدها حديث أبي مسعود من وجهين تاما ومختصرا قوله عن سليمان هو الأعمش وأبو مسعود هو الأنصاري البدري قوله لما نزلت آية الصدقة كأنه يشير إلى قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة الآية قوله كنا نحامل أي نحمل على ظهورنا بالأجرة يقال حاملت بمعنى حملت كسافرت وقال الخطابي يريد نتكلف الحمل بالأجرة لنكتسب ما نتصدق به ويؤيده قوله في الرواية الثانية التي بعد هذه حيث قال انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل أي يطلب الحمل بالأجرة قوله فجاء رجل فتصدق بشيء كثير هو عبد الرحمن بن عوف كما سيأتي في التفسير و الشيء المذكور كان ثمانية آلاف أو أربعة آلاف قوله وجاء رجل هو أبو عقيل بفتح العين كما سيأتي في التفسير ونذكر هناك إن شاء الله تعالى الاختلاف في اسمه واسم أبيه ومن وقع له ذلك أيضا من الصحابة كأبي خيثمة و أن الصاع إنما حصل لأبي عقيل لكونه أجر نفسه على النزح من البئر بالحبل قوله فقالوا سمي من اللامزين في مغازي الواقدي معتب بن قشير وعبد الرحمن بن نبتل بنون ومثناة مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة ثم لام قوله يلمزون أي يعيبون وشاهد الترجمة قوله والذين لا يجدون إلا جهدهم قوله سعيد بن يحيى أي بن سعيد الأموي

[ 1350 ] قوله فيحامل بضم التحتانية واللام مضمومة بلفظ المضارع من المفاعلة ويروي بفتح المثناة و فتح اللام أيضا ويؤيده قوله في رواية زائدة الآتية في التفسير فيحتال أحدنا حتى يجيء بالمد قوله فيصيب المد أي في مقابلة أجرته فيتصدق به قوله وإن لبعضهم اليوم لمائة ألف زاد في التفسير كأنه يعرض بنفسه وأشار بذلك إلى ما كانوا عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من قلة الشيء وإلى ما صاروا إليه بعده من التوسع لكثرة الفتوح ومع ذلك فكانوا في العهد الأول يتصدقون بما يجدون ولو جهدوا والذين أشار إليهم آخرا بخلاف ذلك تنبيه وقع بخط مغلطاي في شرحه وإن لبعضهم اليوم ثمانية آلاف وهو تصحيف ثانيها حديث عدي بن حاتم وهو بلفظ الترجمة وهو طرف من حديثه المذكور في الباب الذي قبله وبشق بكسر المعجمة نصفها أو جانبها أي ولو كان الإتقاء بالتصدق بشق تمرة واحدة فإنه يفيد وفي الطبراني من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا اجعلوا بينكم وبين النار حجابا ولو بشق تمرة ولأحمد من حديث بن مسعود مرفوعا بإسناد صحيح ليتق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة وله من حديث عائشة بإسناد حسن يا عائشة إستتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان ولأبي يعلى من حديث أبي بكر الصديق نحوه وأتم منه بلفظ تقع من الجائع موقعها من الشبعان وكأن الجامع بينهما في ذلك حلاوتها وفي الحديث الحث على الصدقة بما قل وما جل وأن لا يحتقر ما يتصدق به وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار ثالثها حديث عائشة وسيأتي في الأدب من وجه آخر عن الزهري بسنده وفيه التقييد بالإحسان ولفظه من إبتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى ومناسبته للترجمة من جهة أن الأم المذكورة لما قسمت التمرة بين ابنتيها صار لكل واحدة منهما شق تمرة وقد دخلت في عموم خبر الصادق أنها ممن ستر من النار لأنها ممن إبتلي بشيء من البنات فأحسن ومناسبة فعل عائشة للترجمة من قوله والقليل من الصدقة وللآية من قوله والذين لا يجدون إلا جهدهم لقولها في الحديث فلم تجد عندي غير تمرة وفيه شدة حرص عائشة على الصدقة إمتثالا لوصيته صلى الله عليه وسلم لها حيث قال لا يرجع من عندك سائل ولو بشق تمرة رواه البزار من حديث أبي هريرة

قوله باب فضل صدقة الشحيح الصحيح كذا لأبي ذر ولغيره أي الصدقة أفضل وصدقة الشحيح الصحيح لقوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت الآية فعلى الأول المراد فضل من كان كذلك على غيره وهو واضح وعلى الثاني كأنه تردد في إطلاق أفضلية من كان كذلك فأورد الترجمة بصيغة الإستفهام قال زين بن المنير ما ملخصه مناسبة الآية للترجمة أن معنى الآية التحذير من التسويف بالإنفاق إستبعاد الحلول الأجل وإشتغالا بطول الأمل والترغيب بالمبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية والمراد بالصحة في الحديث من لم يدخل في مرض مخوف فيتصدق عند انقطاع أمله من الحياة كما أشار إليه في آخره بقوله ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ولما كانت مجاهدة النفس على إخراج المال مع قيام مانع الشح دالا على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة كان ذلك أفضل من غيره وليس المراد أن نفس الشح هو السبب في هذه الأفضلية والله أعلم تنبيه وقع في رواية غير أبي ذر تقديم آية المنافقين على آية البقرة وفي رواية أبي ذر بالعكس

[ 1353 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد قوله جاء رجل لم أقف على تسميته ويحتمل أن يكون أبا ذر ففي مسند أحمد عنه أنه سأل أي الصدقة أفضل لكن في الجواب جهد من مقل أو سر إلى فقير وكذا روى الطبراني من حديث أبي أمامة أن أبا ذر سأل فأجيب قوله أي الصدقة أعظم أجرا في الوصايا من وجه آخر عن عمارة بن القعقاع أي الصدقة أفضل قوله أن تصدق بتشديد الصاد وأصله تتصدق فأدغمت إحدى التاءين قوله وأنت صحيح شحيح في الوصايا وأنت صحيح حريص قال صاحب المنتهى الشح بخل مع حرص وقال صاحب المحكم الشح مثلث الشين والضم أعلى وقال صاحب الجامع كأن الفتح في المصدر والضم في الاسم وقال الخطابي فيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه وأن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سيمة البخل فلذلك شرط صحة البدن في الشح بالمال لأنه في الحالتين يجد للمال وقعا في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر معه الفقر وأحد الأمرين للموصي والثالث للوارث لأنه إذا شاء أبطله قال الكرماني ويحتمل أن يكون الثالث للموصي أيضا لخروجه عن الإستقلال بالتصرف فيما يشاء فلذلك نقص ثوابه عن حال الصحة قال بن بطال وغيره لما كان الشح غالبا في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره قوله وتأمل بضم الميم أي تطمع قوله إذا بلغت أي الروح والمراد قاربت بلوغه إذ لو بلغته حقيقة لم يصح شيء من تصرفاته ولم يجر للروح ذكر إغتناء بدلالة السياق والحلقوم مجرى النفس قاله أبو عبيدة وقد تقدم في أواخر كتاب العلم وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى

قوله باب كذا للأكثر وبه جزم الإسماعيلي وسقط لأبي ذر فعلى روايته هو من ترجمة فضل صدقة الصحيح وعلى رواية غيره فهو بمنزلة الفصل منه وأورد فيه المصنف قصة سؤال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منه أيتهن أسرع لحوقا به وفيه قوله لهن أطولكن يدا الحديث ووجه تعلقه بما قبله أن هذا الحديث تضمن أن الإيثار والاستكثار من الصدقة في زمن القدرة على العمل سبب للحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك الغاية في الفضيلة أشار إلى هذا الزين بن المنير وقال بن رشيد وجه المناسبة أنه تبين في الحديث أن المراد بطول اليد المقتضي للحاق به الطول وذلك إنما يتأتى للصحيح لأنه إنما يحصل بالمداومة في حال الصحة وبذلك يتم المراد والله أعلم

[ 1354 ] قوله إن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم أقف على تعيين السائلة منهن عن ذلك إلا عند بن حبان من طريق يحيى بن حماد عن أبي عوانة بهذا الإسناد قالت فقلت بالمثناة وقد أخرجه النسائي من هذا الوجه بلفظ فقلن بالنون فالله أعلم قوله أسرع بك لحوقا منصوب على التمييز وكذا قوله يدا وأطولكن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف قوله فأخذوا قصبة يذرعونها أي يقدرونها بذراع كل واحدة منهن وإنما ذكره بلفظ جمع المذكر بالنظر إلى لفظ الجمع لا بلفظ جماعة النساء وقد قيل في قول الشاعر وإن شئت حرمت النساء سواكم أنه ذكره بلفظ جمع المذكر تعظيما وقوله أطولكن يناسب ذلك وإلا لقال طولاكن قوله فكانت سودة زاد بن سعد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد بنت زمعة بن قيس قوله أطولهن يدا في رواية عفان ذراعا وهي تعين أنهن فهمن من لفظ اليد الجارحة قوله فعلمنا بعد أي لما ماتت أول نسائه به لحوقا قوله إنما بالفتح والصدقة بالرفع وطول يدها بالنصب لأنه الخبر قوله وكانت أسرعنا كذا وقع في الصحيح بغير تعيين ووقع في التاريخ الصغير للمصنف عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد فكانت سودة أسرعنا الخ وكذا أخرجه البيهقي في الدلائل وابن حبان في صحيحه من طريق العباس الدوري عن موسى وكذا في رواية عفان عند أحمد وابن سعد عنه قال بن سعد قال لنا محمد بن عمر يعني الواقدي هذا الحديث وهل في سودة وإنما هو في زينب بنت جحش فهي أول نسائه به لحوقا وتوفيت في خلافة عمر وبقيت سودة إلى أن توفيت في خلافة معاوية في شوال سنة أربع وخمسين قال بن بطال هذا الحديث سقط منه ذكر زينب لاتفاق أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعني أن الصواب وكانت زينب أسرعنا الخ ولكن يعكر على هذا التأويل تلك الروايات المتقدمة المصرح فيها بأن الضمير لسودة وقرأت بخط الحافظ أبي علي الصدفي ظاهر هذا اللفظ أن سودة كانت أسرع وهو خلاف المعروف عند أهل العلم أن زينب أول من مات من الأزواج ثم نقله عن مالك من روايته عن الواقدي قال ويقويه رواية عائشة بنت طلحة وقال بن الجوزي هذا الحديث غلط من بعض الرواة والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا أصحاب التعاليق ولا علم بفساد ذلك الخطابي فإنه فسره وقال لحوق سودة به من أعلام النبوة وكل ذلك وهم وإنما هي زينب فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء كما رواه مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل وتتصدق انتهى وتلقى مغلطاي كلام بن الجوزي فجزم به ولم ينسبه له وقد جمع بعضهم بين الروايتين فقال الطيبي يمكن أن يقال فيما رواه البخاري المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب وكانت سودة أولهن موتا قلت وقد وقع نحوه في كلام مغلطاي لكن يعكر على هذا أن في رواية يحيى بن حماد عند بن حبان أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم إجتمعن عنده لم تغادر منهن واحدة ثم هو مع ذلك إنما يتأتى على أحد القولين في وفاة سودة فقد روى البخاري في تاريخه بإسناد صحيح إلى سعيد بن هلال أنه قال ماتت سودة في خلافة عمر وجزم الذهبي في التاريخ الكبير بأنها ماتت في آخر خلافة عمر وقال بن سيد الناس إنه المشهور وهذا يخالف ما أطلقه الشيخ محيي الدين حيث قال أجمع أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواجه وسبقه إلى نقل الإتفاق بن بطال كما تقدم ويمكن الجواب بأن النقل مقيد بأهل السير فلا يرد نقل قول من خالفهم من أهل النقل ممن لا يدخل في زمرة أهل السير وأما على قول الواقدي الذي تقدم فلا يصح وقد تقدم عن بن بطال أن الضمير في قوله فكانت لزينب وذكرت ما يعكر عليه لكن يمكن أن يكون تفسيره بسودة من بعض الرواة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر فلما لم يطلع على قصة زينب وكونها أول الأزواج لحوقا به جعل الضمائر كلها لسودة وهذا عندي من أبي عوانة فقد خالفه في ذلك بن عيينة عن فراس كما قرأت بخط بن رشيد أنه قرأه بخط أبي القاسم بن الورد ولم أقف إلى الآن على رواية بن عيينة هذه لكن روى يونس بن بكير في زيادات المغازي والبيهقي في الدلائل بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك لزينب لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقا ولا عائشة ولفظه قلن النسوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أينا أسرع بك لحوقا قال أطولكن يدا فأخذن يتذار عن أيتهن أطول يدا فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة ويؤيده أيضا ما روى الحاكم في المناقب من مستدركه من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة وكانت زينب امرأة صناعة باليد وكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله قال الحاكم على شرط مسلم انتهى وهي رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب قال بن رشيد والدليل على أن عائشة لا تعني سودة قولها فعلمنا بعد إذ قد أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي ولم تذكر سبب الرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت فإذا طلب السامع سبب العدول لم يجد إلا الإضمار مع أنه يصلح أن يكون المعنى فعلمنا بعد أن المخبر عنها إنما هي الموصوفة بالصدقة لموتها قبل الباقيات فينظر السامع ويبحث فلا يجد إلا زينب فيتعين الحمل عليه وهو من باب إضمار ما لا يصلح غيره كقوله تعالى حتى توارت بالحجاب قال الزين بن المنير وجه الجمع أن قولها فعلمنا بعد يشعر إشعارا قويا أنهن حملن طول اليد على ظاهره ثم علمن بعد ذلك خلافه وأنه كناية عن كثرة الصدقة والذي علمنه آخرا خلاف ما إعتقدنه أولا وقد انحصر الثاني في زينب للإتفاق على أنها أولهن موتا فتعين أن تكون هي المرادة وكذلك بقية الضمائر بعد قوله فكانت واستغنى عن تسميتها لشهرتها بذلك انتهى وقال الكرماني يحتمل أن يقال إن في الحديث إختصارا أو إكتفاء بشهرة القصة لزينب ويؤول الكلام بأن الضمير رجع إلى المرأةالتي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أول من يلحق به وكانت كثيرة الصدقة قلت الأول هو المعتمد وكأن هذا هو السر في كون البخاري حذف لفظ سودة من سياق الحديث لما أخرجه في الصحيح لعلمه بالوهم فيه وإنه لما ساقه في التاريخ بإثبات ذكرها ذكر ما يرد عليه من طريق الشعبي أيضا عن عبد الرحمن بن أبزي قال صليت مع عمر على أم المؤمنين زينب بنت جحش وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به وقد تقدم الكلام على تاريخ وفاتها في كتاب الجنائز وأنه سنة عشرين وروى بن سعد من طريق برزة بنت رافع قالت لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها فتعجبت وسترته بثوب وأمرت بتفرقته إلى أن كشف الثوب فوجدت تحته خمسة وثمانين درهما ثم قالت اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا فماتت فكانت أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به وروى بن أبي خيثمة من طريق القاسم بن معن قال كانت زينب أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به فهذه روايات يعضد بعضها بعضا ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانة وهما وقد ساقه يحيى بن حماد عنه مختصرا ولفظه فأخذن قصبة يتذارعنها فماتت سودة بنت زمعة وكانت كثيرة الصدقة فعلمنا أنه قال أطولكن يدا بالصدقة هذا لفظه عند بن حبان من طريق الحسن بن مدرك عنه ولفظه عند النسائي عن أبي داود وهو الحراني عنه فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها فكانت سودة أسرعهن به لحوقا وكانت أطولهن يدا وكأن ذلك من كثرة الصدقة وهذا السياق لا يحتمل التأويل إلا أنه محمول على ما تقدم ذكره من دخول الوهم على الراوي في التسمية خاصة والله أعلم وفي الحديث علم من أعلام النبوة ظاهر وفيه جواز إطلاق اللفظ المشترك بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة وهو لفظ أطولكن إذا لم يكن محذور قال الزين بن المنير لما كان السؤال عن آجال مقدرة لا تعلم إلا بالوحي أجابهن بلفظ غير صريح وأحالهن على ما لا يتبين إلا بآخر وساغ ذلك لكونه ليس في الأحكام التكليفية وفيه أن من حمل الكلام على ظاهره وحقيقته لم يلم وإن كان مراد المتكلم مجازه لأن نسوة النبي صلى الله عليه وسلم حملن طول اليد على الحقيقة فلم ينكر عليهن وأما ما رواه الطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن الأصم عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن ليس ذلك أعني إنما أعني أصنعكن يدا فهو ضعيف جدا ولو كان ثابتا لم يحتجن بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذرع أيديهن كما تقدم في رواية عمرة عن عائشة وقال المهلب في الحديث دلالة على أن الحكم للمعاني لا للألفاظ لأن النسوة فهمن من طول اليد الجارحة وإنما المراد بالطول كثرة الصدقة وما قاله لا يمكن إطراده في جميع الأحوال والله أعلم

قوله تعالى

وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم الآية قوله باب صدقة العلانية وقوله عز وجل الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية إلى قوله ولا هم يحزنون سقطت هذه الترجمة للمستملي وثبتت للباقين وبه جزم الإسماعيلي ولم يثبت فيها لمن ثبتها حديث وكأنه أشار إلى أنه لم يصح فيها شيء على شرطه وقد أختلف في سبب نزول الآية المذكورة فعند عبد الرزاق بإسناد فيه ضعف إلى بن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحدا وبالنهار واحدا وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا وذكره الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن بن عباس أيضا وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أما إن ذلك لك وقيل نزلت في أصحاب الخيل الذين يربطونها في سبيل الله أخرجه بن أبي حاتم في حديث أبي أمامة وعن قتادة وغيره نزلت في قوم أنفقوا في سبيل الله من غير إسراف ولا تقتير ذكره الطبري وغيره وقال الماوردي يحتمل أن يكون في إباحة الارتفاق بالزروع والثمار لأنه يرتفق بها كل مار في ليل أو نهار في سر وعلانية وكانت أعم قوله باب صدقة السر وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه وقوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم الآية وإذا تصدق على غني وهو لا يعلم ثم ساق حديث أبي هريرة في قصة الذي خرج بصدقته فوضعها في يد سارق ثم زانية ثم غني كذا وقع في رواية أبي ذر ووقع في رواية غيره باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم وكذا هو عند الإسماعيلي ثم ساق الحديث ومناسبته ظاهرة ويكون قد اقتصر في ترجمة صدقة السر على الحديث المعلق على الآية وعلى ما في رواية أبي ذر فيحتاج إلى مناسبة بين ترجمة صدقة السر وحديث المتصدق ووجهها أن الصدقة المذكورة وقعت بالليل لقوله في الحديث فأصبحوا يتحدثون بل وقع في صحيح مسلم التصريح بذلك لقوله فيه لأتصدقن الليلة كما سيأتي فدل على أن صدقته كانت سرا إذ لو كانت بالجهر نهارا لما خفي عنه حال الغني لأنها في الغالب لا تخفى بخلاف الزانية والسارق ولذلك خص الغني بالترجمة دونهما وحديث أبي هريرة المعلق طرف من حديث سيأتي بعد باب بتمامه وقد تقدم مع الكلام عليه مستوفي في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وهو أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة وأما الآية فظاهرة في تفضيل صدقة السر أيضا ولكن ذهب الجمهور إلى أنها نزلت في صدقة التطوع ونقل الطبري وغيره الإجماع على أن الاعلان في صدقة الفرض أفضل من الإخفاء وصدقة التطوع على العكس من ذلك وخالف يزيد بن أبي حبيب فقال إن الآية نزلت في الصدقة على اليهود والنصارى قال فالمعنى إن تؤتوها أهل الكتابين ظاهرة فلكم فضل وإن تؤتوها فقراءكم سرا فهو خير لكم قال وكان يأمر باخفاء الصدقة مطلقا ونقل أبو إسحاق الزجاج أن إخفاء الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل فأما بعده فإن الظن يساء بمن أخفاها فلهذا كان إظهار الزكاة المفروضة أفضل قال بن عطية ويشبه في زماننا أن يكون الإخفاء بصدقة الفرض أفضل فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء انتهى وأيضا فكان السلف يعطون زكاتهم للسعاة وكان من أخفاها أتهم بعدم الإخراج وأما اليوم فصار كل أحد يخرج زكاته بنفسه فصار اخفاؤها أفضل والله أعلم وقال الزين بن المنير لو قيل أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال لما كان بعيدا فإذا كان الإمام مثلا جائرا ومال من وجبت عليه مخفيا فالإسرار أولى وإن كان المتطوع ممن يقتدي به ويتبع وتنبعث الهمم على التطوع بالإنفاق وسلم قصده فالاظهار أولى والله أعلم

قوله باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم أي فصدقته مقبولة

[ 1355 ] قوله عن الأعرج عن أبي هريرة في رواية مالك في الغرائب للدارقطني عن أبي الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره أنه سمع أبا هريرة قوله قال رجل لم أقف على اسمه ووقع عند أحمد من طريق بن لهيعة عن الأعرج في هذا الحديث أنه كان من بني إسرائيل قوله لأتصدقن بصدقة في رواية أبي عوانة عن أبي أمية عن أبي اليمان بهذا الإسناد لأتصدقن الليلة وكرر كذلك في المواضع الثلاثة وكذا أخرجه أحمد من طريق ورقاء ومسلم من طريق موسى بن عقبة والدارقطني في غرائب مالك كلهم عن أبي الزناد وقوله لأتصدقن من باب الالتزام كالنذر مثلا والقسم فيه مقدر كأنه قال والله لأتصدقن قوله فوضعها في يد سارق أي وهو لا يعلم أنه سارق قوله فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق في رواية أبي أمية تصدق الليلة على سارق وفي رواية بن لهيعة تصدق الليلة على فلان السارق ولم أر في شيء من الطرق تسمية أحد من الثلاثة المتصدق عليهم وقوله تصدق بضم أوله على البناء للمفعول قوله فقال اللهم لك الحمد أي لا لي لأن صدقتي وقعت بيد من لا يستحقها فلك الحمد حيث كان ذلك بإرادتك أي لا بإرادتي فإن إرادة الله كلها جميلة قال الطيبي لما عزم على أن يتصدق على مستحق فوضعها بيد زانية حمد الله على أنه لم يقدر أن يتصدق على من هو أسوأ حالا منها أو أجرى الحمد مجرى التسبيح في استعماله عند مشاهدة ما يتعجب منه تعظيما لله فلما تعجبوا من فعله تعجب هو أيضا فقال اللهم لك الحمد على زانية أي التي تصدقت عليها فهو متعلق بمحذوف انتهى ولا يخفى بعد هذا الوجه وأما الذي قبله فأبعد منه والذي يظهر الأول وأنه سلم وفوض ورضي بقضاء الله فحمد الله على تلك الحال لأنه المحمود على جميع الحال لا يحمد على المكروه سواه وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما لا يعجبه قال اللهم لك الحمد على كل حال قوله فأتى فقيل له في رواية الطبراني في مسند الشاميين عن أحمد بن عبد الوهاب عن أبي اليمان بهذا الإسناد فساءه ذلك فأتى في منامه وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عنه وكذا الإسماعيلي من طريق علي بن عياش عن شعيب وفيه تعيين أحد الإحتمالات التي ذكرها بن التين وغيره قال الكرماني قوله أتى أي أرى في المنام أو سمع هاتفا ملكا أو غيره أو أخبره نبي أو أفتاه عالم وقال غيره أو أتاه ملك فكلمه فقد كانت الملائكة تكلم بعضهم في بعض الأمور وقد ظهر بالنقل الصحيح أنها كلها لم تقع إلا النقل الأول قوله أما صدقتك على سارق زاد أبو أمية فقد قبلت وفي رواية موسى بن عقبة وابن لهيعة أما صدقتك فقد قبلت وفي رواية الطبراني أن الله قد قبل صدقتك وفي الحديث دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير ولهذا تعجبوا من الصدقة على الأصناف الثلاثة وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض ولا دلالة في الحديث على الإجزاء ولا على المنع ومن ثم أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم فإن قيل إن الخبر إنما تضمن قصة خاصة وقع الاطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة اتفاقية فمن أين يقع تعميم الحكم فالجواب أن التنصيص في هذا الخبر على رجاء الإستعفاف هو الدال على تعدية الحكم فيقتضي إرتباط القبول بهذه الأسباب وفيه فضل صدقة السر وفضل الإخلاص واستحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع وأن الحكم للظاهر حتى يتبين سواه وبركة التسليم والرضا وذم التضجر بالقضاء كما قال بعض السلف لا تقطع الخدمة ولو ظهر لك عدم القبول

قوله باب إذا تصدق أي الشخص على ابنه وهو لا يشعر قال الزين بن المنير لم يذكر جواب الشرط اختصارا وتقديره جاز لأنه يصير لعدم شعوره كالأجنبي ومناسبة الترجمة للخبر من جهة أن يزيد أعطى من يتصدق عنه ولم يحجر عليه وكان هو السبب في وقوع الصدقة في يد ولده قال وعبر في هذه الترجمة بنفي الشعور وفي التي قبلها بنفي العلم لأن المتصدق في السابقة بذل وسعه في طلب إعطاء الفقير فأخطأ إجتهاده فناسب أن ينفي عنه العلم وأما هذا فباشر التصدق غيره فناسب أن ينفي عن صاحب الصدقة الشعور

[ 1356 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وأبو الجويرية بالجيم مصغرا اسمه حطان بكسر المهملة وكان سماعه من معن ومعن أمير على غزاة بالروم في خلافة معاوية كما رواه أبو داود من طريق أبي الجويرية قوله أنا وأبي وجدي اسم جده الأخنس بن حبيب السلمي كما جزم به بن حبان وغير واحد ووقع في الصحابة لمطين وتبعه البارودي والطبراني وابن منده وأبو نعيم أن اسم جد معن بن يزيد ثور فترجموا في كتبهم بثور وساقوا حديث الباب من طريق الجراح والد وكيع عن أبي الجويرية عن معن بن يزيد بن ثور السلمي أخرجه مطين عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن جده ورواه البارودي والطبراني عن مطين ورواه بن منده عن البارودي وأبو نعيم عن الطبراني وجمهور الرواة عن أبي الجويرية لم يسموا جد معن بل تفرد سفيان بن وكيع بذلك وهو ضعيف وأظنه كان فيه عن معن بن يزيد أبي ثور السلمي فتصحفت أداة الكنية بابن فإن معنا كان يكنى أبا ثور فقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن معن بن يزيد وابنه ثورا قتلا يوم مرج راهط مع الضحاك بن قيس وجمع بن حبان بين القولين بوجه آخر فقال في الصحابة ثور السلمي جد معن بن يزيد بن الأخنس السلمي لأمه فإن كان ضبطه فقد زال الإشكال والله أعلم وروي عن يزيد بن أبي حبيب أن معن بن يزيد شهد بدرا هو وأبوه وجده ولم يتابع على ذلك فقد روى أحمد والطبراني من طريق صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن يزيد بن الأخنس السلمي أنه أسلم فأسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تسلم فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تمسكوا بعصم الكوافر فهذا دال على أن إسلامه كان متأخرا لأن الآية متأخرة الإنزال عن بدر قطعا وقد فرق البغوي وغيره في الصحابة بين يزيد بن الأخنس وبين يزيد والد معن والجمهور على أنه هو قوله وخطب على فأنكحني أي طلب لي النكاح فأجيب يقال خطب المرأة إلى وليها إذا أرادها الخاطب لنفسه وعلى فلان إذا أرادها لغيره والفاعل النبي صلى الله عليه وسلم لأن مقصود الراوي بيان أنواع علاقاته به من المبايعة وغيرها ولم أقف على اسم المخطوبة ولو ورد أنها ولدت منه لضاهى بيت الصديق في الصحبة من جهة كونهم أربعة في نسق وقد وقع ذلك لأسامة بن زيد بن حارثة فروى الحاكم في المستدرك أن حارثة قدم فأسلم وذكر الواقدي في المغازي أن أسامة ولد له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تتبعت نظائر لذلك أكثرها فيه مقال ذكرتها في النكت على علوم الحديث لابن الصلاح قوله وكان أبى يزيد بالرفع على البدلية قوله فوضعها عند رجل لم أقف على اسمه وفي السياق حذف تقديره وأذن له أن يتصدق بها على محتاج إليها إذنا مطلقا قوله فجئت فأخذتها أي من المأذون له في التصدق بها بإذنه لا بطريق الإعتداء ووقع عند البيهقي من طريق أبي حمزة السكري عن أبي الجويرية في هذا الحديث قلت ما كانت خصومتك قال كان رجل يغشى المسجد فيتصدق على رجال يعرفهم فظن أني بعض من يعرف فذكر الحديث قوله فأتيته الضمير لأبيه أي فأتيت أبي بالدنانير المذكورة قوله والله ما إياك أردت يعني لو أردت انك تأخذها لناولتها لك ولم أوكل فيها أو كأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ أو يرى أن الصدقة على الأجنبي أفضل قوله فخاصمته تفسير لقوله أولا وخاصمت إليه قوله لك ما نويت أي إنك نويت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك يحتاج إليها فوقعت الموقع وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها قوله ولك ما أخذت يا معن أي لأنك أخذتها محتاجا إليها قال بن رشيد الظاهر أنه لم يرد بقوله والله ما إياك أردت أي أني أخرجتك بنيتي وإنما أطلقت لمن تجزئ عني الصدقة عليه ولم تخطر أنت ببالي فأمضى النبي صلى الله عليه وسلم الإطلاق لأنه فوض للوكيل بلفظ مطلق فنفذ فعله وفيه دليل على العمل بالمطلقات على إطلاقها وإن احتمل أن المطلق لو خطر بباله فرد من الأفراد لقيد اللفظ به والله أعلم واستدل به على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فإحتمل أن يكون معن كان مستقلا لا يلزم أباه يزيد نفقته وسيأتي الكلام على هذه المسألة مبسوطا في باب الزكاة على الزوج بعد ثلاثين بابا إن شاء الله تعالى وفيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث بنعم الله وفيه جواز التحاكم بين الأب والإبن وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا وجواز الاستخلاف في الصدقة ولا سيما صدقة التطوع لأن فيه نوع إسرار وفيه أن للمتصدق أجر ما نواه سواء صادف المستحق أولا وأن الأب لا رجوع له في الصدقة على ولده خلاف الهبة والله أعلم

قوله باب الصدقة باليمين أي حكم أو باب بالتنوين والتقدير أي فاضلة أو يرغب فيها ثم أورد فيه حديث أبي هريرة سبعة يظلهم الله في ظله وفي

[ 1357 ] قوله حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وقد تقدم الكلام عليه مستوفي كما بينته قريبا ثم أورد فيه أيضا حديث حارثة بن وهب الذي تقدم في باب الصدقة قبل الرد وفيه يمشي الرجل بصدقته فيقول الرجل لو جئت بها أمس لقبلتها منك قال بن رشيد مطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه اشترك مع الذي قبله في كون كل منهما حاملا لصدقته لأنه إذا كان حاملا لها بنفسه كان أخفى لها فكان في معنى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ويحمل المطلق في هذا على المقيد في هذا أي المناولة باليمين قال ويقوي أن ذلك مقصده اتباعه بالترجمة التي بعدها حيث قال من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه وكأنه قصد في هذا من حملها بنفسه

قوله باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه قال الزين بن المنير فائدة قوله ولم يناول بنفسه التنبيه على أن ذلك مما يغتفر وأن قوله في الباب قبله الصدقة باليمين لا يلزم منه المنع من إعطائها بيد الغير وإن كانت المباشرة أولى قوله وقال أبو موسى هو الأشعري قوله هو أحد المتصدقين ضبط في جميع روايات الصحيحين بفتح القاف على التثنية قال القرطبي ويجوز الكسر على الجمع أي هو متصدق من المتصدقين وهذا التعليق طرف من حديث وصله بعد ستة أبواب بلفظ الخازن والخازن خادم المالك في الخزن وإن لم يكن خادمه حقيقة ثم أورد المصنف هنا حديث عائشة إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها الحديث قال بن رشيد نبه بالترجمة على أن هذا الحديث مفسر بها لأن كلا من الخازن والخادم والمرأة أمين ليس له أن يتصرف إلا بإذن المالك نصا أو عرفا إجمالا أو تفصيلا انتهى وسيأتي البحث في ذلك بعد سبعة أبواب

قوله باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى أورد في الباب حديث أبي هريرة بلفظ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وهو مشعر بأن النفي في اللفظ الأول للكمال لا للحقيقة فالمعنى لا صدقة كاملة إلا عن ظهر غنى وقد أورده أحمد من طريق أبي صالح بلفظ إنما الصدقة ما كان عن ظهر غنى وهو أقرب إلى لفظ الترجمة وأخرجه أيضا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة بلفظ الترجمة قال لا صدقة إلا عن ظهر غنى الحديث وكذا ذكره المصنف تعليقا في الوصايا وساقه مغلطاي بإسناد له إلى أبي هريرة بلفظه وليس هو باللفظ المذكور في الكتاب الذي ساقه منه فلا يغتر به ولا بمن تبعه على ذلك قوله ومن تصدق وهو محتاج إلى آخر الترجمة كأنه أراد تفسير الحديث المذكور بأن شرط المتصدق أن لا يكون محتاجا لنفسه أو لمن تلزمه نفقته ويلتحق بالتصدق سائر التبرعات وأما قوله فهو رد عليه فمقتضاه أن ذا الدين المستغرق لا يصح منه التبرع لكن محل هذا عند الفقهاء إذا حجر عليه الحاكم بالفلس وقد نقل فيه صاحب المغني وغيره الإجماع فيحمل إطلاق المصنف عليه واستدل له المصنف بالأحاديث التي علقها وأما قوله إلا أن يكون معروفا بالصبر فهو من كلام المصنف وكلام بن التين يوهم أنه بقية الحديث فلا يغتر به وكأن المصنف أراد أن يخص به عموم الحديث الأول والظاهر أنه يختص بالمحتاج ويحتمل أن يكون عاما ويكون التقدير إلا أن يكون كل من المحتاج أو من تلزمه النفقة أو صاحب الدين معروفا بالصبر ويقوي الأول التمثيل الذي مثل به من فعل أبي بكر والأنصار قال بن بطال أجمعوا على أن المديان لا يجوز له أن يتصدق بماله ويترك قضاء الدين فتعين حمل ذلك على المحتاج وحكى بن رشيد عن بعضهم أنه يتصور في المديان فيما إذا عامله الغرماء على أن يأكل من المال فلو آثر بقوته وكان صبورا جاز له ذلك وإلا كان إيثاره سببا في أن يرجع لاحتياجه فيأكل فيتلف أموالهم فيمنع وإذا تقرر ذلك فقد اشتملت الترجمة على خمسة أحاديث معلقة وفي الباب أربعة أحاديث موصولة فأما المعلقة فأولها قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ أموال الناس وهو طرف من حديث لأبي هريرة موصول عنده في الاستقراض ثانيها قوله كفعل أبي بكر حين تصدق بماله هذا مشهور في السير وورد في حديث مرفوع أخرجه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم من طريق زيد بن أسلم عن أبيه سمعت عمر يقول أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبي بكر ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله الحديث تفرد به هشام بن سعد عن زيد وهشام صدوق فيه مقال من جهة حفظه قال الطبري وغيره قال الجمهور من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دين عليه وكان صبورا على الإضاقة ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضا فهو جائز فإن فقد شيء من هذه الشروط كره وقال بعضهم هو مردود وروي عن عمر حيث رد على غيلان الثقفي قسمة ماله ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر الآتي ذكره فإنه صلى الله عليه وسلم باعه وأرسل ثمنه إلى الذي دبره لكونه كان محتاجا وقال آخرون يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثان وهو قول الأوزاعي ومكحول وعن مكحول أيضا يرد ما زاد على النصف قال الطبري والصواب عندنا الأول من حيث الجواز والمختار من حيث الإستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعا بين قصة أبي بكر وحديث كعب والله أعلم ثالثها قوله وكذلك آثر الأنصار المهاجرين هو مشهور أيضا في السير وفيه أحاديث مرفوعة منها حديث أنس قدم المهاجرون المدينة وليس بأيديهم شيء فقاسمهم الأنصار وسيأتي موصولا في الهبة وحديث أبي هريرة في قصة الأنصاري الذي آثر ضيفه بعشائه وعشاء أهله وسيأتي موصولا في تفسير سورة الحشر رابعها قوله ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال هو طرف من حديث المغيرة وقد تقدم بتمامه في آخر صفة الصلاة خامسها قوله وقال كعب يعني بن مالك الخ وهو طرف من حديثه الطويل في قصة توبته وسيأتي بتمامه في تفسير صورة التوبة وأما الموصوله فأولها حديث أبي هريرة خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى فعبد الله المذكور في الإسناد هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد ومعنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه أو لمن تلزمه نفقته قال الخطابي لفظ الظهر يرد في مثل هذا إشباعا للكلام والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية و لذلك قال بعده وإبدأ بمن تعول وقال البغوي المراد غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه و نحوه قولهم ركب متن السلامة والتنكير في قوله غنى للتعظيم هذا هو المعتمد في معنى الحديث و قيل المراد خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة وقيل عن للسبيبة والظهر زائد أي خير الصدقة ما كان سببها غنى في المتصدق وقال النووي مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دين عليه و لا له عيال لا يصبرون و يكون هو ممن يصبر على الإضاقة و الفقر فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه وقال القرطبي في المفهم يرد على تأويل الخطابي بالآيات و الأحاديث الواردة في فضل المؤثرين على أنفسهم ومنها حديث أبي ذر أفضل الصدقة جهد من مقل والمختار أن معنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدق محتاجا بعد صدقته إلى أحد فمعنى الغنى في هذا الحديث حصول ما تدفع به الحاجة الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه ستر العورة والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى وما هذا سبيله فلا يجوز الإيثار به بل يحرم وذلك أنه إذا آثر غيره به أدى إلى إهلاك نفسه أو الاضرار بها أو كشف عورته فمراعاة حقه أولى على كل حال فإذا سقطت هذه الواجبات صح الايثار وكانت صدقته هي الأفضل لأجل ما يتحمل من مضض الفقر و شدة مشقته فبهذا يندفع التعارض بين الأدلة إن شاء الله قوله و إبدأ بمن تعول فيه تقديم نفقة نفسه و عياله لأنها منحصرة فيه بخلاف نفقة غيرهم وسيأتي شرحه في النفقات إن شاء الله تعالى ثانيها حديث حكيم بن حزام اليد العليا خير من اليد السفلى الحديث وشاهد الترجمة منه قوله فيه وخير الصدقة عن ظهر غنى وهشام المذكور في الإسناد هو بن عروة بن الزبير وقوله فيه ومن يستعف يعفه الله يأتي الكلام عليه في حديث أبي سعيد بعد أبواب ثالثها حديث أبي هريرة قال بهذا أي بحديث حكيم أورده معطوفا على إسناد حديث حكيم بلفظ وعن وهيب والظاهر أنه حمله عن موسى بن إسماعيل عنه بالطريقين معا وكأن هشاما حدث به وهيبا تارة عن أبيه عن حكيم وتارة عن أبيه عن أبي هريرة أو حدثه به عنهما مجموعا ففرقه وهيب أو الراوي عنه وقد وصل حديث أبي هريرة من طريق وهيب الإسماعيلي قال أخبرني بن ياسين حدثنا محمد بن سفيان حدثنا حبان هو بن هلال حدثنا وهيب حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة قال مثل حديث حكيم رابعها حديث بن عمر من وجهين في ذكر اليد العليا وإنما أورده ليفسر به ما أجمل في حديث حكيم قال بن رشيد والذي يظهر أن حديث حكيم بن حزام لما اشتمل على شيئين حديث اليد العليا وحديث لا صدقة الا عن ظهر غنى ذكر معه حديث بن عمر المشتمل على الشيء الأول تكثيرا لطرقه ويحتمل أن يكون مناسبة حديث اليد العليا للترجمة من جهة أن إطلاق كون اليد العليا هي المنفقه محله ما إذا كان الإنفاق لا يمنع منه بالشرع كالمديان المحجور عليه فعمومه مخصوص بقوله لا صدقة الا عن ظهر غنى والله أعلم تنبيه لم يسق البخاري متن طريق حماد عن أيوب وعطف عليه طريق مالك فربما أوهم إنهما سواء وليس كذلك لما سنذكره عن أبي داود وقال بن عبد البر في التمهيد لم تختلف الرواة عن مالك أي في سياقه كذا قال و فيه نظر كما سيأتي وقال القرطبي وقع تفسير اليد العليا والسفلى في حديث بن عمر هذا وهو نص يرفع الخلاف ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك انتهى لكن ادعى أبو العباس الداني في أطراف الموطأ أن التفسير المذكور مدرج في الحديث ولم يذكر مستندا لذلك ثم وجدت في كتاب العسكري في الصحابة بإسناد له فيه انقطاع عن أبن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اليد العليا خير من اليد السفلى ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة ولا العليا إلا المعطية فهذا يشعر بأن التفسير من كلام بن عمر ويؤيده ما رواه بن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن بن عمر قال كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة

[ 1362 ] قوله وذكر الصدقة والتعفف والمسألة كذا للبخاري بالواو قبل المسألة وفي رواية مسلم عن قتيبة عن مالك والتعفف عن المسألة ولأبي داود والتعفف منها أي من أخذ الصدقة والمعنى أنه كان يحض الغني على الصدقة والفقير على التعفف عن المسألة أو يحضه على التعفف ويذم المسألة قوله فاليد العليا هي المنفقة قال أبو داود قال الأكثر عن حماد بن زيد المنفقة وقال واحد عنه المتعففة وكذا قال عبد الوارث عن أيوب انتهى فأما الذي قال عن حماد المتعففة بالعين وفاءين فهو مسدد كذلك رويناه عنه في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه ومن طريقه أخرجه بن عبد البر في التمهيد وقد تابعه على ذلك أبو الربيع الزهراني كما رويناه في كتاب الزكاة ليوسف بن يعقوب القاضي حدثنا أبو الربيع وأما رواية عبد الوارث فلم أقف عليها موصولة وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ واليد العليا يد المعطي وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ المتعففة فقد صحف قال بن عبد البر ورواه موسى بن عقبة عن نافع فاختلف عليه أيضا فقال حفص بن ميسرة عنه المنفقة كما قال مالك قلت وكذلك قال فضيل بن سليمان عنه أخرجه بن حبان من طريقه قال ورواه إبراهيم بن طهمان عن موسى فقال المنفقة قال بن عبد البر رواية مالك أولى وأشبه بالأصول ويؤيده حديث طارق المحاربي عند النسائي قال قدمنا المدينة فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول يد المعطي العليا انتهى ولابن أبي شيبة والبزار من طريق ثعلبة بن زهدم مثله وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعا يد الله فوق يد المعطي ويد المعطي فوق يد المعطى ويد المعطى أسفل الأيدي وللطبراني من حديث عدي الجذامي مرفوعا مثله ولأبي داود وابن خزيمة من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك عن أبيه مرفوعا الأيدي ثلاثة فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى ولأحمد والبزار من حديث عطية السعدي اليد المعطية هي العليا والسائلة هي السفلى فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية وأن السفلى هي السائلة وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور وقيل اليد السفلى الآخذة سواء كان بسؤال أم بغير سؤال وهذا أباه قوم واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه قال بن العربي التحقيق أن السفلى يد السائل وأما يد الآخذ فلا لأن يد الله هي المعطية ويد الله هي الآخذة وكلتاهما عليا وكلتاهما يمين انتهى وفيه نظر لأن البحث إنما هو في أيدي الآدميين وأما يد الله تعالى فباعتبار كونه مالك كل شيء نسبت يده إلى الإعطاء وباعتبار قبوله للصدقة ورضاه بها نسبت يده إلى الأخذ ويده العليا على كل حال وأما يد الآدمي فهي أربعة يد المعطي وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا ثانيها يد السائل وقد تضافرت بأنها سفلى سواء أخذت أم لا وهذا موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالبا وللمقابلة بين العلو والسفل المشتق منهما ثالثها يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلا وهذه توصف بكونها عليا علوا معنويا رابعها يد الآخذ بغير سؤال وهذه قد أختلف فيها فذهب جمع إلى أنها سفلى وهذا بالنظر إلى الأمر المحسوس وأما المعنوي فلا يطرد فقد تكون عليا في بعض الصور وعليه يحمل كلام من أطلق كونها عليا قال بن حبان اليد المتصدقة أفضل من السائلة لا الآخذة بغير سؤال إذ محال أن تكون اليد التي أبيح لها استعمال فعل باستعماله دون من فرض عليه إتيان شيء فأتى به أو تقرب إلى ربه متنفلا فربما كان الآخذ لما أبيح له أفضل وأورع من الذي يعطى انتهى وعن الحسن البصري اليد العليا المعطية والسفلى المانعة ولم يوافق عليه وأطلق آخرون من المتصوفة أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقا وقد حكى بن قتيبة في غريب الحديث ذلك عن قوم ثم قال وما أرى هؤلاء إلا قوما استطابوا السؤال فهم يحتجون للدناءة ولو جاز هذا لكان المولى من فوق هو الذي كان رقيقا فأعتق والمولى من أسفل هو السيد الذي أعتقه انتهى وقرأت في مطلع الفوائد للعلامة جمال الدين بن نباتة في تأويل الحديث المذكور معنى آخر فقال اليد هنا هي النعمة وكأن المعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة قال وهذا حث على المكارم بأوجز لفظ ويشهد له أحد التأويلين في قوله ما أبقت غنى أي ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله كمن أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى بخلاف ما لو أعطاها لرجل واحد قال وهو أولى من حمل اليد على الجارحة لأن ذلك لا يستمر إذ فيمن يأخذ من هو خير عند الله ممن يعطي قلت التفاضل هنا يرجع إلى الإعطاء والأخذ ولا يلزم منه أن يكون المعطي أفضل من الآخذ على الإطلاق وقد روى إسحاق في مسنده من طريق عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير إن حكيم بن حزام قال يا رسول الله ما اليد العليا قال التي تعطي ولا تأخذ فقوله ولا تأخذ صريح في أن الآخذة ليست بعليا والله أعلم وكل هذه التأويلات المتعسفة تضمحل عند الأحاديث المتقدمة المصرحة بالمراد فأولى ما فسر الحديث بالحديث ومحصل ما في الآثار المتقدمة أن أعلى الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بغير سؤال وأسفل الأيدي السائلة والمانعة والله أعلم قال بن عبد البر وفي الحديث إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح من موعظة وعلم وقربة وفيه الحث على الإنفاق في وجوه الطاعة وفيه تفضيل الغنى مع القيام بحقوقه على الفقر لأن العطاء إنما يكون مع الغنى وقد تقدم الخلاف في ذلك في حديث ذهب أهل الدثور في أواخر صفة الصلاة وفيه كراهة السؤال والتنفير عنه ومحله إذا لم تدع إليه ضرورة من خوف هلاك ونحوه وقد روى الطبراني من حديث بن عمر بإسناد فيه مقال مرفوعا ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا وسيأتي حديث حكيم مطولا في باب الإستعفاف عن المسألة وفيه بيان سببه إن شاء الله تعالى

قوله باب المنان بما أعطى لقوله تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى الآية هذه الترجمة ثبتت في رواية الكشميهني وحده بغير حديث وكأنه أشار إلى ما رواه مسلم من حديث أبي ذر مرفوعا ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة المنان الذي لا يعطي شيئا إلا من به الحديث ولما لم يكن على شرطه اقتصر على الإشاره اليه ومناسبة الآية للترجمة واضحة من جهة أن النفقة في سبيل الله لما كان المان بها مذموما كان ذم المعطي في غيرها من باب الأولى قال القرطبي المن غالبا يقع من البخيل والمعجب فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله على المعطى كان أفضل منه في نفس الأمر وموجب ذلك كله الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد

قوله باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها ذكر فيه حديث عقبة بن الحارث صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العصر فأسرع ثم دخل البيت الحديث وفيه كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته قال بن بطال فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود زاد غيره وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد عن المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب وقد تقدمت بقية فوائده في أواخر صفة الصلاة وقال الزين بن المنير ترجم المصنف بالإستحباب وكان يمكن أن يقول كراهة تبييت الصدقة لأن الكراهة صريحة في الخبر واستحباب التعجيل مستنبط من قرائن سياق الخبر حيث أسرع في الدخول والقسمة فجرى على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى

[ 1363 ] أن أبيته أي أتركه حتى يدخل عليه الليل يقال بات الرجل دخل في الليل وبيته تركه حتى دخل الليل

قوله باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها قال الزين بن المنير يجتمع التحريض والشفاعة في أن كلا منهما إيصال الراحة للمحتاج ويفترقان في أن التحريض معناه الترغيب بذكر ما في الصدقة من الأجر والشفاعة فيها معنى السؤال والتقاضي للإجابة آنتهى ويفترقان بأن الشفاعة لا تكون إلا في خير بخلاف التحريض وبأنها قد تكون بغير تحريض وذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أولها حديث بن عباس في تحريض النساء على الصدقة وقد تقدم مبسوطا في العيدين وقوله

[ 1364 ] هنا عن عدي هو بن ثابت وقوله القلب بضم القاف وسكون اللام آخرها موحدة هو السوار وقيل هو مخصوص بما كان من عظم والخرص بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة هي الحلقة ثانيها حديث أبي موسى اشفعوا تؤجروا وقد أورد في باب الشفاعة من كتاب الأدب ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى وعبد الواحد في الإسناد هو بن زياد قال بن بطال المعنى اشفعوا يحصل لكم الأجر مطلقا سواء قضيت الحاجة أو لا ثالثها حديث أسماء وهي بنت أبي بكر الصديق لا توكى فيوكى عليك كذا عنده بفتح الكاف ولم يذكر الفاعل و في رواية له لا تحصي فيحصى الله عليك فأبرز الفاعل و كلاهما بالنصب لكونه جواب النهي و بالفاء قوله عبدة هو بن سليمان وهشام هو بن عروة وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير وهي زوج هشام و أسماء جدتهما لأبويهما وقوله حدثنا عثمان عن عبدة أي بإسناده المذكور ويحتمل أن يكون الحديث كان عند عبدة عن هشام باللفظين فحدث به تارة هكذا وتارة هكذا وقد رواه النسائي والإسماعيلي من طريق أبي معاوية عن هشام باللفظين معا وسيأتي في الهبة عند المصنف من طريق بن نمير عن هشام باللفظين لكن بعين مهملة بدل الكاف وهو بمعناه يقال أوعيت المتاع في الوعاء أوعيه إذا جعلته فيه ووعيت الشيء حفظته وإسناد الوعي إلى الله مجاز عن الإمساك والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط الذي يربط به والإحصاء معرفة قدر الشيء وزنا أو عددا وهو من باب المقابلة والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاد فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي و لا يحسب وقيل المراد بالإحصاء عد الشيء لأن يدخر ولا ينفق منه وأحصاه الله قطع البركة عنه أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة وسيأتي ذكر سبب هذا الحديث في كتاب الهبة مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى قال بن رشيد قد تخفي مناسبة حديث أسماء لهذه الترجمة وليس بخاف على الفطن ما فيه من معنى التحريض و الشفاعة معا فإنه يصلح أن يقال في كل منهما وهذه هي النكتة في ختم الباب به

قوله باب الصدقة فيما استطاع أورد فيه حديث أسماء المذكور من وجه آخر عنها من وجهين وساقه هنا على لفظ حجاج بن محمد لخلو طريق أبي عاصم من التقييد بالاستطاعة وسيأتي في الهبة بلفظ أبي عاصم وسياقه أتم وقوله

[ 1367 ] ارضخي بكسر الهمزة من الرضخ بمعجمتين وهو العطاء اليسير فالمعنى أنفقى بغير إجحاف ما دمت قادرة مستطيعة

قوله باب الصدقة تكفر الخطيئة أورد فيه حديث حذيفة فتنة الرجل في أهله وولده تكفرها الصلاة و الصدقة الحديث و قد تقدم في باب الصلاة و سيأتي الكلام عليه مبسوطا في علامات النبوة إن شاء الله تعالى

قوله باب من تصدق في الشرك ثم أسلم أي هل يعتد له بثواب ذلك أو لا قال الزين بن المنير لم يبت الحكم من أجل قوة الاختلاف فيه قلت وقد تقدم البحث في ذلك مستوفي في كتاب الإيمان في الكلام على حديث إذا أسلم العبد فحسن إسلامه وأنه لا مانع من أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه في الكفر تفضلا وإحسانا

[ 1369 ] قوله أتحنث بالمثلثة أي أتقرب والحنث في الأصل الإثم وكأنه أراد ألقى عني الإثم ولما أخرج البخاري هذا الحديث في الأدب عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري قال في آخره ويقال أيضا عن أبي اليمان أتحنت يعني بالمثنى ونقل عن أبي إسحاق أن التحنت التبرر قال وتابعه هشام بن عروة عن أبيه وحديث هشام أورده في العتق بلفظ كنت أتحنت بها يعني أتبرر بها قال عياض رواه جماعة من الرواة في البخاري بالمثلثة وبالمثناة وبالمثلثة أصح رواية ومعنى قوله من صدقة أو عتاقة أو صلة كذا هنا بلفظ أو وفي رواية شعيب المذكورة بالواو في الموضعين وسقط لفظ الصدقة من رواية عبد الرزاق عن معمر وفي رواية هشام المذكورة أنه أعتق في الجاهلية مائتي رقبة وحمل على مائتي بعير وزاد في آخره فوالله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله قوله أسلمت على ما سلف من خير قال المازري ظاهره أن الخير الذي أسلفه كتب له والتقدير أسلمت على قبول ما سلف لك من خير وقال الحربي معناه ما تقدم لك من الخير الذي عملته هو لك كما تقول أسلمت على أن أحوز لنفسي ألف درهم وأما من قال إن الكافر لا يثاب فحمل معنى الحديث على وجوه أخرى منها قال العلامة بن باز حفظه الله هذه المحامل ضعيفة والصواب ما قاله المازري والحربي في معنى الحديث وهو دليل على أن ما فعله الكافر من الحسنات يقبل منه إذا مات على الإسلام والله أعلم أن يكون المعنى إنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام وتكون تلك العادة قد مهدت لك معونة على فعل الخير أو أنك اكتسبت بذلك ثناء جميلا فهو باق لك في الإسلام أو أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادئ عنوان الغايات أو أنك بتلك الأفعال رزقت الرزق الواسع قال بن الجوزي قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم وري عن جوابه فأنه سأل هل لي فيها من أجر فقال أسلمت على ما سلف من خير والعتق فعل خير وكأنه أراد إنك فعلت الخير والخير يمدح فاعله ويجازى عليه في الدنيا فقد روى مسلم من حديث أنس مرفوعا أن الكافر يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة

قوله باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد قال بن العربي اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال وهو اختيار البخاري ولذلك قيد الترجمة بالأمر به ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على العادة وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه ومنهم من قال المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه وليس ذلك بأن يفتئتوا على رب البيت بالإنفاق على القفراء بغير إذن ومنهم من فرق بين المرأة والخادم فقال المرأة لها حق في مال الزوج والنظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه فيشترط الإذن فيه وهو متعقب بأن المرأة إذا استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت والله أعلم ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث عائشة وسيأتي في الباب الذي بعده ثانيهما حديث أبي موسى وقد قيد الخازن فيه بكونه مسلما فأخرج الكافر لأنه لا نيه له وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه مأزور ورتب الأجر على إعطائه ما يؤمر به غير ناقص لكونه خائنا أيضا وبكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها

[ 1371 ] قوله الذي ينفذ بفاء مكسورة مثقلة ومخففة

قوله باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة قد تقدمت مباحثه في الذي قبله ولم يقيده بالأمر كما قيد الذي قبله فقيل إنه فدق بين المرأة والخادم بأن المرأة لها أن تتصرف في بيت زوجها بما ليس فيه إفساد للرضا بذلك في الغالب بخلاف الخادم والخازن ويدل على ذلك ما رواه المصنف من حديث همام عن أبي هريرة بلفظ إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره وسيأتي في البيوع وأورد فيه المصنف حديث عائشة المذكور من ثلاثة طرق تدور على أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عنها أولها شعبة عن منصور والأعمش عنه ولم يسق لفظه بتمامه ثانيها حفص بن غياث عن الأعمش وحده ثالثها جرير عن منصور وحده ولفظ الأعمش إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها ولفظ منصور إذا أنفقت من طعام بيتها وقد أورده الإسماعيلي من حديث شعبة ولفظه إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كتب لها أجر ولزوجها مثل ذلك وللخازن مثل ذلك لا ينقص كل واحد منهم من أجر صاحبه شيئا وللزوج بما اكتسب ولها بما أنفقت غير مفسدة ولشعبة فيه إسناد آخر أورده الإسماعيلي أيضا من روايته عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عائشة ليس فيه مسروق وقد أخرجه الترمذي بالإسنادين وقال إن رواية منصور والأعمش بذكر مسروق فيه أصح قوله في هذه الرواية

[ 1372 ] وله مثله أي مثل أجرها وللخازن مثل ذلك أي بالشروط المذكورة في حديث أبي موسى وظاهره يقتضي تساويهم في الأجر ويحتمل أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة وإن كان أجر الكاسب أوفر لكن التعبير في حديث أبي هريرة الذي ذكرته بقوله فلها نصف أجره يشعر بالتساوي وقد سبق قبل بستة أبواب عن طريق جرير أيضا وزاد في آخره لا ينقص بعضهم أجر بعض والمراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر ويحتمل أن يراد مساواة بعضهم بعضا والله أعلم وفي الحديث فضل الأمانة وسخاوة النفس وطيب النفس في فعل الخير والإعانة على فعل الخير

قوله باب قول الله تعالى فأما من أعطى واتقى الآية قال الزين بن المنير أدخل هذه الترجمة بين أبواب الترغيب في الصدقة ليفهم أن المقصود الخاص بها الترغيب في الإنفاق في وجوه البر وأن ذلك موعود عليه بالخلف في العاجل زيادة على الثواب الآجل قوله اللهم أعط منفق مال خلفا قال الكرماني هو معطوف على الآية وحذف أداة العطف كثير وهو مذكور على سبيل البيان للحسنى أي تيسير الحسني له إعطاء الخلف قلت قد أخرج الطبري من طرق متعددة عن بن عباس في هذه الآية قال أعطى مما عنده واتقى ربه وصدق بالخلف من الله تعالى ثم حكى عن غيره أقوالا أخرى قال وأشبهها بالصواب قول بن عباس والذي يظهر لي أن البخاري أشار بذلك إلى سبب نزول الآية المذكورة وهو بين فيما أخرجه بن أبي حاتم من طريق قتادة حدثني خالد العصري عن أبي الدرداء مرفوعا نحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب وزاد في آخره فأنزل الله في ذلك فأما من أعطى واتقى إلى قوله للعسرى وهو عند أحمد من هذا الوجه لكن ليس فيه آخره وقوله منفق مال بالإضافة ولبعضهم منفقا مالا خلفا ومالا مفعول منفق بدليل رواية الإضافة ولولاها إحتمل أن يكون مفعول أعطى والأول أولى من جهة أخرى وهي أن سياق الحديث للحض على إنفاق المال فناسب أن يكون مفعول منفق وأما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال والثواب وغيرهما وكم من متق مات قبل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفه الثواب المعد له في الآخرة أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك

[ 1374 ] قوله حدثنا إسماعيل حدثني أخي هو أبو بكر بن أبي أويس وسليمان هو بن بلال وأبو الحباب بضم المهملة وموحدتين الأولى خفيفة وسماه مسلم في روايته سعيد بن يسار وهو عم معاوية الراوي عنه ومزرد بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء الثقيلة واسم أبي مزرد عبد الرحمن وهذا الإسناد كله مدنيون قوله ما من يوم في حديث أبي الدرداء ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا غربت شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان فذكر مثل حديث أبي هريرة قوله إلا ملكان في حديث أبي الدرداء إلا وبجنبتيها ملكان والجنبة بسكون النون الناحية وقوله خلفا أي عوضا قوله أعط ممسكا تلفا التعبير بالعطية في هذا للمشاكلة لأن التلف ليس بعطية وأفاد حديث أبي هريرة أن الكلام المذكور موزع بينهما فنسب إليهما في حديث أبي الدرداء نسبة المجموع إلى المجموع وتضمنت الآية الوعد بالتيسير لمن ينفق في وجوه البر والوعيد بالتعسير لعكسه والتيسير المذكور أعم من أن يكون لأحوال الدنيا أو لأحوال الآخرة وكذا دعاء الملك بالخلف يحتمل الأمرين وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها قال النووي الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات وقال القرطبي وهو يعم الواجبات والمندوبات لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في قوله في حديث أبي موسى طيبة بها نفسه والله أعلم

قوله باب مثل المتصدق والبخيل قال الزين بن المنير قام التمثيل في خبر الباب مقام الدليل على تفضيل المتصدق على البخيل فاكتفى المصنف بذلك على أن يضمن الترجمة مقاصد الخبر على التفصيل

[ 1375 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي وابن طاوس أسمه عبد الله ولم يسق المتن من هذه الطريق الأولى هنا وقد أورده في الجهاد عن موسى بهذا الإسناد فساقه بتمامه قوله أن عبد الرحمن هو بن هرمز الأعرج قوله مثل البخيل والمنفق وقع عند مسلم من طريق سفيان عن أبي الزناد مثل المنفق والتصدق قال عياض وهو وهم ويمكن أن يكون حذف مقابله لدلالة السياق عليه قلت قد رواه الحميدي وأحمد وابن أبي عمر وغيرهم في مسانيدهم عن بن عيينة فقالوا في روايتهم مثل المنفق والبخيل كما في رواية شعيب عن أبي الزناد وهو الصواب ووقع في رواية الحسن بن مسلم عن طاوس ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق أخرجها المصنف في اللباس قوله عليهما جبتان من حديد كذا في هذه الرواية بضم الجيم بعدها موحدة ومن رواه فيها بالنون فقد صحف وكذا رواية الحسن بن مسلم ورواه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاوس بالنون ورجحت لقوله من حديد والجنة في الأصل الحصن وسميت بها الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه والجبة بالموحدة ثوب مخصوص ولا مانع من إطلاقه على الدرع واختلف في رواية الأعرج والأكثر على أنها بالموحدة أيضا قوله من ثديهما بضم المثلثة جمع ثدي و تراقيهما بمثناة وقاف جمع ترقوة قوله سبغت أي إمتدت وغطت قوله أو وفرت شك في الراوي وهو بتخفيف الفاء من الوفور ووقع في رواية الحسن بن مسلم إنبسطت وفي رواية الأعرج إتسعت عليه وكلها متقاربة قوله حتى تخفي بنانه أي تستر أصابعه وفو رواية الحميدي حتى تجن بكسر الجيم وتشديد النون وهي بمعنى تخفي وذكرها الخطابي في شرحه للبخاري كرواية الحميدي وبنانه بفتح الموحدة ونونين الأولى خفيفة الإصبع ورواه بعضهم ثيابه بمثلثة وبعد الألف موحدة وهو تصحيف وقد وقع في رواية الحسن بن مسلم حتى تغشى بمعجمتين أنامله قوله وتعفو أثره بالنصب أي تستر أثره يقال عفى الشيء وعفوته أنا لازم ومتعد ويقال عفت الدار إذا غطاها التراب والمعنى أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطي الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه إذا مشى بمرور الذيل عليه قوله لزقت في رواية مسلم إنقبضت وفي رواية همام غاصت كل حلقة مكانها وفي رواية سفيان عند مسلم قلصت وكذا في رواية الحسن بن مسلم عند المصنف والمفاد واحد لكن الأولى نظر فيها إلى صورة الضيق والأخيرة نظر فيها إلى سبب الضيق وزعم بن التين أن فيه إشارة إلى أن البخيل يكوى بالنار يوم القيامة قال الخطابي وغيره وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للبخيل والمتصدق فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعا يستتر به من سلاح عدوه فصبها على رأسه ليلبسها والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها فجعل المنفق كمن لبس درعا سابغة فإسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه وهو معنى قوله حتى تعفو أثره أي تستر جميع بدنه وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه كلما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته وهو معنى قوله قلصت أي تضامت واجتمعت والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة إنفسح لها صدره وطابت نفسه فتوسعت في الإنفاق والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه ومن يوق شح نفسه فؤلئك هم المفلحون وقال المهلب المراد أن الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة بخلاف البخيل فإنه يفضحه ومعنى تعفو أثره تمحو خطاياه وتعقبه عياض بأن الخبر جاء على التمثيل لا على الإخبار عن كائن قال وقيل هو تمثيل لنماء المال بالصدقة والبخل بضده وقيل تمثيل لكثرة الجود والبخل وأن المعطي إذا أعطى إنبسطت يداه بالعطاء وتعود ذلك وإذا أمسك صار ذلك عادة وقال الطيبي قيد المشبه به بالحديد إعلاما بأن القبض والشدة من جبلة الإنسان وأوقع المتصدق موقع السخي لكونه جعله في مقابلة البخيل إشعارا بأن السخاء هو ما أمر به الشارع وندب إليه من الإنفاق لا ما يتعاناه المسرفون قوله فهو يوسعها ولا تتسع وقع في رواية سفيان عند مسلم قال أبو هريرة فهو يوسعها فلا تتسع وهذا يوهم أن يكون مدرجا وليس كذلك وقد وقع التصريح برفع هذه الجملة في طريق طاوس عن أبي هريرة ففي رواية بن طاوس عند المصنف في الجهاد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيجتهد أن يوسعها ولا تتسع وفي رواية مسلم فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وفي رواية الحسن بن مسلم عندهما فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتسع ووقع عند أحمد من طريق بن إسحاق عن أبي الزناد في هذا الحديث وأما البخيل فإنها لا تزداد عليه إلا إستحكاما وهذا بالمعنى قوله تابعه الحسن بن مسلم عن طاوس وصله المصنف في اللباس من طريقه قوله وقال حنظلة عن طاوس ذكره في اللباس أيضا تعليقا بلفظ وقال حنظلة سمعت طاوسا سمعت أبا هريرة وقد وصله الإسماعيلي من طريق إسحاق الأزرق عن حنظلة قوله وقال الليث حدثني جعفر هو بن ربيعة وابن هرمز هو عبد الرحمن الأعرج ولم تقع لي رواية الليث موصولة إلى الآن وقد رأيته عنه بإسناد آخر أخرجه بن حبان من طريق عيسى بن حماد عن الليث عن بن عجلان عن أبي الزناد بسنده

لقوله تعالى

قوله باب صدقة الكسب والتجارة لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم الآية إلى قوله حميد هكذا أورد هذه الترجمة مقتصرا على الآية بغير حديث وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم قال من التجارة الحلال أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق آدم عنه وأخرجه الطبري من طريق هشيم عن شعبة ولفظه من طيبات ما كسبتم قال من التجارة ومما أخرجنا لكم من الأرض قال من الثمار ومن طريق أبي بكر الهذلي عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي قال في قوله ومما أخرجنا لكم من الأرض قال يعني من الحب والثمر كل شيء عليه زكاة قال الزين بن المنير لم يقيد الكسب في الترجمة بالطيب كما في الآية إستغناء عن ذلك بما قدم في ترجمة باب الصدقة من كسب طيب

قوله باب على كل مسلم صدقة فمن لم يجد فليعمل بالمعروف قال الزين بن المنير نصب هذه الترجمة علما على الخبر مقتصرا على بعض ما فيه إيجازا

[ 1376 ] قوله سعيد بن أبي بردة أي بن أبي موسى الأشعري ووقع التصريح به عند أبي عوانة في صحيحه قوله على كل مسلم صدقة أي على سبيل الإستحباب المتأكد أو على ما هو أعم من ذلك والعبارة صالحة للإيجاب والإستحباب كقوله عليه الصلاة والسلام على المسلم ست خصال فذكر منها ما هو مستحب اتفاقا وزاد أبو هريرة في حديثه تقييد ذلك بكل يوم كما سيأتي في الصلح من طريق همام عنه ولمسلم من حديث أبي ذر مرفوعا يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة والسلامى بضم المهملة وتخفيف اللام المفصل وله في حديث عائشة خلق الله كل إنسان من بني آدم على ستين وثلثمائة مفصل قوله فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شيء فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوع التي تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخل به فيه نظر الذي يظهر أنها غيرها لم تبين من حديث عائشة المذكور أنها شرعت بسبب عتق المفاصل حيث قال في آخر هذا الحديث فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار قوله الملهوف أي المستغيث وهو أعم من أن يكون مظلوما أو عاجزا قوله فليعمل بالمعروف في رواية المصنف في الأدب من وجه آخر عن شعبة فليأمر بالخير أو بالمعروف زاد أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وينهى عن المنكر قوله وليمسك في روايته في الأدب قالوا فإن لم يفعل قال فليمسك عن الشر وكذا لمسلم من طريق أبي أسامة عن شعبة وهو أصح سياقا فظاهر سياق الباب أن الأمر بالمعروف والإمساك عن الشر رتبة واحدة وليس كذلك بل الإمساك هو الرتبة الأخيرة قوله فانها كذا وقع هنا بضمير المؤنث وهو باعتبار الخصلة من الخير وهو الإمساك ووقع في رواية الأدب فإنه أي الإمساك له أي للممسك قال الزين بن المنير إنما يحصل ذلك للممسك عن الشر إذا نوى بالإمساك القربة بخلاف محض الترك والإمساك أعم من أن يكون عن غيره فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه فإن كان شره لا يتعدى نفسه فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم قال وليس ما تضمنه الخبر من قوله فإن لم يجد ترتيبا وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه يمكنه خصلة أخرى فمن أمكنه أن يعمل بيده فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع ومقصود هذا الباب أن أعمال الخير تنزل منزلة الصدقات في الأجر ولا سيما في حق من لا يقدر عليها ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة ومحصل ما ذكر في حديث الباب أنه لا بد من الشفقة على خلق الله وهي إما بالمال أو غيره والمال إما حاصل أو مكتسب وغير المال إما فعل وهو الإغاثة وإما ترك وهو الإمساك انتهى وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ترتيب هذا الحديث أنه ندب إلى الصدقة وعند العجز عنها ندب إلى ما يقرب منها أو يقوم مقامها وهو العمل والإنتفاع وعند العجز عن ذلك ندب إلى ما يقوم مقامه وهو الإغاثة وعند عدم ذلك ندب إلى فعل المعروف أي من سوى ما تقدم كإماطة الأذى وعند عدم ذلك ندب إلى الصلاة فإن لم يطق فترك الشر وذلك آخر المراتب قال ومعنى الشر هنا ما منعه الشرع ففيه تسلية للعاجز عن فعل المندوبات إذا كان عجزه عن ذلك عن غير اختيار قلت وأشار بالصلاة إلى ما وقع في آخر حديث أبي ذر عند مسلم ويجزئ عن ذلك كله ركعتا الضحى وهو يؤيد ما قدمناه أن هذه الصدقة لا يكمل منها ما يختل من الفرض لأن الزكاة لا تكمل الصلاة ولا العكس فدل على إفتراق الصدقتين واستشكل الحديث مع تقدم ذكر الأمر بالمعروف وهو من فروض الكفاية فكيف تجزئ عنه صلاة الضحى وهي من التطوعات وأجيب بحمل الأمر هنا على ما إذا حصل من غيره فسقط به الفرض وكأن في كلامه هو زيادة في تأكيد ذلك فلو تركه أجزأت عنه صلاة الضحى كذا قيل وفيه نظر والذي يظهر أن المراد أن صلاة الضحى تقوم مقام الثلثمائة وستين حسنة التي يستحب للمرء أن يسعى في تحصيلها كل يوم ليعتق مفاصله التي هي بعددها لا أن المراد أن صلاة الضحى تغني عن الأمر بالمعروف وما ذكر معه وإنما كان كذلك لأن الصلاة عمل بجميع الجسد فتتحرك المفاصل كلها فيها بالعبادة ويحتمل أن يكون ذلك لكون الركعتين تشتملان على ثلاثمائة وستين ما بين قول وفعل إذا جعلت كل حرف من القراءة مثلا صدقة وكأن صلاة الضحى خصت بالذكر لكونها أول تطوعات النهار بعد الفرض وراتبته وقد أشار في حديث أبي ذر إلى أن صدقة السلامى نهارية لقوله يصبح على كل سلامى من أحدكم وفي حديث أبي هريرة كل يوم تطلع فيه الشمس وفي حديث عائشة فيمسي وقد زحزح نفسه عن النار وفي الحديث أن الأحكام تجري على الغالب لأن في المسلمين من يأخذ الصدقة المأمور بصرفها وقد قال على كل مسلم صدقة وفيه مراجعة العالم في تفسير المجمل وتخصيص العام وفيه فضل التكسب لما فيه من الإعانة وتقديم النفس على الغير والمراد بالنفس ذات الشخص وما يلزمه والله أعلم

قوله باب قدر كم يعطي من الزكاة والصدقة ومن أعطى شاة أورد فيه حديث أم عطية في إهدائها الشاة التي تصدق بها عليها قال الزين بن المنير عطف الصدقة على الزكاة من عطف العام على الخاص إذ لو اقتصر على الزكاة لأفهم أن غيرها بخلافها وحذف مفعول يعطى إختصارا لكونهم ثمانية أصناف وأشار بذلك إلى الرد على من كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النصاب وهو محكي عن أبي حنيفة وقال محمد بن الحسن لا بأس به انتهى وقال غيره لفظ الصدقة يعم الفرض والنفل والزكاة كذلك لكنها لا تطلق غالبا إلا على المفروض دون التطوع فهي أخص من الصدقة من هذا الوجه ولفظ الصدقة من حيث الإطلاق على الفرض مرادف الزكاة لا من حيث الإطلاق على النفل وقد تكرر في الأحاديث لفظ الصدقة على المفروضة ولكن الأغلب التفرقة والله أعلم

[ 1377 ] قوله بعث إلى نسيبة الأنصارية هي أم عطية كذا وقع في رواية بن السكن عن الفربري عن البخاري في آخر هذا الحديث وكان السياق يقتضي أن يقول بعث إلي بلفظ ضمير المتكلم الجرور كما وقع عند مسلم من طريق بن علية عن خالد لكنه في هذا السياق وضع الظاهر موضع المضمر إما تجريدا و إما إلتفاتا وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في باب إذا حولت الصدقة في أواخر كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى

قوله باب زكاة الورق أي الفضة يقال ورق بفتح الواو وبكسرها وبكسر الراء وسكونها قال بن المنير لما كانت الفضة هي المال الذي يكثر دورانه في أيدي الناس ويروج بكل مكان كان أولى بأن يقدم على ذكر تفاصيل الأموال الزكوية

[ 1378 ] قوله عن عمرو بن يحيى المازني في موطأ بن وهب عن مالك أن عمرو بن يحيى حدثه قوله عن أبيه في مسند الحميدي عن سفيان سألت عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني فحدثني عن أبيه وفي رواية يحيى بن سعيد وهو الأنصاري التي ذكرها المصنف عقب هذا الإسناد التصريح بسماع عمرو وهو بن يحيى المذكور له من أبيه وهذا هو السر في إيراده للإسناد خاصة وقد حكى بن عبد البر عن بعض أهل العلم أن حديث الباب لم يأت إلا من حديث أبي سعيد الخدري قال وهذا هو الأغلب إلا أنني وجدته من رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ومن طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر انتهى ورواية سهيل في الأموال لأبي عبيد ورواية مسلم في المستدرك وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن جابر وجاء أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص و عائشة و أبي رافع و محمد بن عبد الله بن جحش أخرج أحاديث الأربعة الدارقطني ومن حديث بن عمر أخرجه بن أبي شيبة وأبو عبيد أيضا قوله خمس ذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد قوله خمس أواق زاد مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد خمس أواق من الورق صدقة وهو مطابق للفظ الترجمة وكأن المصنف أراد أن يبين بالترجمة ما أبهم في لفظ الحديث إعتمادا على الطريق الأخرى وأواق بالتنوين وبإثبات التحتانية مشددا و مخففا جمع أوقية بضم الهمزة و تشديد التحتانية وحكى اللحياني وقية بحذف الألف وفتح الواو ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالإتفاق و المراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبا أو غير مضروب قال عياض قال أبو عبيد إن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل قال وهذا يلزم منه أن يكون صلى الله عليه و سلم أحال بنصاب الزكاة على أمر مجهول وهو مشكل والصواب أن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة في الوزن بالنسبة إلى العدد فعشرة مثلا وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية فاتفق الرأي على أن تنقش بكتابة عربية و يصير وزنها وزنا واحد أو قال غيره لم يتغير المثقال في جاهلية ولا إسلام وأما الدرهم فأجمعوا على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم ولم يخالف في أن نصاب الزكاة مائتا درهم يبلغ مائة وأربعين مثقالا من الفضة الخالصة إلا بن حبيب الأندلسي فإنه إنفرد بقوله إن كل أهل بلد يتعاملون بدراهمهم وذكر بن عبد البر اختلافا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس و غيرها من دراهم البلاد وكذا خرق المريسي الإجماع فاعتبر النصاب بالعدد لا الوزن وإنفرد السرخسي من الشافعية بحكاية وجه في المذهب أن الدراهم المغشوشة إذا بلغت قدرا لو ضم إليه قيمة الغش من نحاس مثلا لبلغ نصابا فإن الزكاة تجب فيه كما نقل عن أبي حنيقة واستدل بهذا الحديث على عدم الوجوب فيما إذا نقص من النصاب ولو حبة واحدة خلافا لمن سامح بنقص يسير كما نقل عن بعض المالكية قوله أوسق جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب المحكم وجمعه حينئذ أوساق كحمل و أحمال وقد وقع كذلك في رواية لمسلم وهو ستون صاعا بالإتفاق ووقع في رواية بن ماجة من طريق أبي البختري عن أبي سعيد نحو هذا الحديث وفيه والوسق ستون صاعا وأخرجها أبو داود أيضا لكن قال ستون مختوما والدارقطني من حديث عائشة أيضا والوسق ستون صاعا ولم يقع في الحديث بيان المكيل بالأوسق لكن في رواية مسلم ليس فيما دون خمس أوسق من تمر ولا حب صدقة و في رواية له ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ولفظ دون في المواضع الثلاثة بمعنى أقل لا أنه نفي عن غير الخمس الصدقة كما زعم بعض من لا يعتد بقوله واستدل بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الأمور الثلاثة واستدل به على أن الزروع لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق وعن أبي حنيفة تجب في قليله وكثيره لقوله صلى الله عليه و سلم فيما سقت السماء العشر و سيأتي البحث في ذلك في باب مفرد إن شاء الله تعالى و لم يتعرض الحديث للقدر الزائد على المحدود و قد أجمعوا في الأوساق على أنه لا وقص فيها وأما الفضة فقال الجمهور هو كذلك وعن أبي حنيفة لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ النصاب وهو أربعون فجعل لها وقصا كالماشية واحتج عليه الطبراني بالقياس على الثمار و الحبوب والجامع كون الذهب والفضة مستخرجين من الأرض بكلفة ومؤنة وقد أجمعوا على ذلك في خمسة أوسق فما زاد فائدة أجمع العلماء على إشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات والله أعلم

قوله باب العرض في الزكاة أي جواز أخذ العرض وهو بفتح المهملة وسكون الراء بعدها معجمة والمراد به ما عدا النقدين قال بن رشيد وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل وقد أجاب الجمهور عن قصة معاذ وعن الأحاديث كما سيأتي عقب كل منها قوله وقال طاوس قال معاذ لأهل اليمن هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه وأما باقي الإسناد فلا إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده وكأنه عضده عنده الأحاديث التي ذكرها في الباب وقد روينا أثر طاوس المذكور في كتاب الخراج ليحيى بن آدم من رواية بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار فرقهما كلاهما عن طاوس وقوله خميص قال الداودي والجوهري وغيرهما ثوب خميس بسين مهملة هو ثوب طوله خمسة أذرع و قيل سمي بذلك لأن أول من عمله الخميس ملك من ملوك اليمن وقال عياض ذكره البخاري بالصاد و أما أبو عبيدة فذكره بالسين قال أبو عبيدة كأن معاذا عنى الصفيق من الثياب و قال عياض قد يكون المراد ثوب خميص أي خميصة لكن ذكره على إرادة الثوب وقوله لبيس أي ملبوس فعيل بمعنى مفعول وقوله في الصدقة يرد قول من قال إن ذلك كان قي الخراج وحكى البيهقي أن بعضهم قال فيه من الجزية بدل الصدقة فإن ثبت ذلك سقط الاستدلال لكن المشهور الأول وقد رواه بن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس أن معاذا كان يأخذ العروض في الصدقة وأجاب الإسماعيلي بإحتمال أن يكون المعنى إئتوني به آخذه منكم مكان الشعير والذرة الذي آخذه شراء بما آخذه فيكون بقبضه قد بلغ محله ثم يأخذ مكانه ما يشتريه مما هو أوسع عندهم وأنفع للآخذ قال و يؤيده أنها لو كانت من الزكاة لم تكن مردودة على الصحابة و قد أمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم وأجيب بأنه لا مانع من أنه كان يحمل الزكاة إلى الإمام ليتولى قسمتها وقد احتج به من يجيز نقل الزكاة من بلد إلى بلد وهي مسألة خلافية أيضا وقيل في الجواب عن قصة معاذ أنها إجتهاد منه فلا حجة فيها وفيها نظر لأنه كان أعلم الناس بالحلال والحرام وقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن ما يصنع وقيل كانت تلك واقعة حال لا دلالة فيها لاحتمال أن يكون علم بأهل المدينة حاجة لذلك وقد قام الدليل على خلاف عمله ذلك وقال القاضي عبد الوهاب المالكي كانوا يطلقون على الجزية اسم الصدقة فلعل هذا منها وتعقب بقوله مكان الشعير والذرة ومما كانت الجزية حينئذ من أولئك من شعير ولا ذرة إلا من النقدين وقوله أهون عليكم أراد معنى تسلط السهولة عليهم فلم يقل أهون لكم وقوله وخير لأصحاب محمد أي أرفق بهم لأن مؤنة النقل ثقيلة فرأى الأخف في ذلك خيرا من الأثقل قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم وأما خالد هو طرف من حديث لأبي هريرة أوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فقيل منع بن جميل الحديث وسيأتي موصولا في باب قول الله وفي الرقاب مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدقن ولو من حليكن فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها ولم يخص الذهب والفضة من العروض أما الحديث فطرف من حديث لابن عباس أخرجه المصنف بمعناه وقد تقدم في العيدين وهو عند مسلم بلفظه من طريق عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عباس وأوله خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى الحديث وفيه فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها والخرص بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة الحلقة التي تجعل في الأذن وقد ذكره المصنف موصولا في آخر الباب لكن لفظه فجعلت المرأة تلقي وأشار أيوب إلى أذنه وحلقه وقد وقع تفسير ذلك بما ذكره في الترجمة من قوله تلقي خرصها وسخابها لأن الخرص من الأذن والسخاب من الحلق والسخاب بكسر المهملة بعدها معجمة وآخره موحدة القلادة وقوله فلم يستثن وقوله فلم يخص كل من الكلامين للبخاري ذكرهما بيانا لكيفية الاستدلال على أداء العرض في الزكاة وهو مصير منه إلى أن مصارف الصدقة الواجبة كمصارف صدقة التطوع بجامع ما فيهما من قصد القربة والمصروف إليهم بجامع الفقر واللإحتياج إلا ما إستثناه الدليل وأما من وجهه فقال لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة في ذلك اليوم وأمره على الوجوب صارت صدقة واجبة ففيه نظر لأنه لو كان للإيجاب هنا لكان مقدرا وكانت المجازفة فيه وقبول ما تيسر غير جائز ويمكن أن يكون تمسك بقوله تصدقن فأنه مطلق يصلح لجميع أنواع الصدقات واجبها ونفلها وجميع أنواع المتصدق به عينا وعرضا ويكون قوله ولو من حليكن للمبالغة أي ولو لم تجدن إلا ذلك وموضع الاستدلال منه للعرض قوله وسخابها لأنه قلادة تتخذ من مسك وقرنفل ونحوها تجعل في العنق والبخاري فيما عرف بالإستقراء من طريقته يتمسك بالمطلقات تمسك غيره بالعمومات ثم ذكر المصنف في الباب حديث أنس أن أبا بكر كتب له فذكر طرفا من حديث الصدقات وسيأتي معظمه في باب زكاة الغنم وموضع الدلالة منه قبول ما هو أنفس مما يجب على المتصدق وإعطاؤه التفاوت من جنس غير الجنس الواجب وكذا العكس لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأنه لو كان كذلك لكان ينظر إلى ما بين الشيئين في القيمة فكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لإختلاف ذلك في الأمكنة والأزمنة فلما قدر الشارع التفاوت بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في الأصل في مثل ذلك ولولا تقدير الشارع بذلك لتعينت بنت المخاض مثلا ولم يجز أن تبدل بنت لبون مع التفاوت والله أعلم

قوله باب لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع في رواية الكشميهني متفرق بتقديم التاء وتشديد الراء قال الزين بن المنير لم يقيد المصنف الترجمة بقوله خشية الصدقة لإختلاف نظر العلماء في المراد بذلك كما سيأتي قوله ويذكر عن سالم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أي مثل لفظ هذه الترجمة وهو طرف من حديث أخرجه أبو داود وأحمد والترمذي والحاكم وغيرهم من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عنه موصولا وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري وقد خالفه من هو أحفظ منه في الزهري فأخرجه الحاكم من طريق يونس بن يزيد عن الزهري وقال إن فيه تقوية لرواية سفيان بن حسين لأنه قال عن الزهري قال أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها فذكر الحديث ولم يقل إن بن عمر حدثه به ولهذه العلة لم يجزم به البخاري لكن أورده شاهدا لحديث أنس الذي وصله البخاري في الباب ولفظه ولا يجمع بين متفرق بتقديم التاء أيضا وزاد خشية الصدقة واختلف في المراد بالخشية كما سنذكره وفي الباب عن علي عند أصحاب السنن وعن سويد بن غفلة قال أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فقرأت في عهده فذكر مثله أخرجه النسائي وعن سعد بن أبي وقاص أخرجه البيهقي قال مالك في الموطأ معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة وقال الشافعي هو خطاب لرب المال من جهة وللساعي من جهة فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر فمعنى

[ 1382 ] قوله خشية الصدقة أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة فلما كان محتملا للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر فحمل عليهما معا لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر والله أعلم واستدل به على أن من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب مثلا أنه لا يجب ضم بعضه إلى بعض حتى يصير نصابا كاملا فتجب فيه الزكاة خلافا لمن قال يضم على الأجزاء كالمالكية أو على القيم كالحنفية واستدل به لأحمد على أن من كان له ماشية ببلد لا تبلغ النصاب كعشرين شاة مثلا بالكوفة ومثلها بالبصرة أنها لا تضم باعتبار كونها ملك رجل واحد وتؤخذ منها الزكاة لبلوغها النصاب قاله بن المنذر وخالفه الجمهور فقالوا يجمع على صاحب المال أمواله ولو كانت في بلدان شتى ويخرج منها الزكاة واستدل به على إبطال الحيل والعمل على المقاصد المدلول عليها بالقرائن وأن زكاة العين لا تسقط بالهبة مثلا والله أعلم

قوله باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية اختلف في المراد بالخليط كما سيأتي فعند أبي حنيفة أنه الشريك قال ولا يجب على أحد منهم فيما يملك إلا مثل الذي كان يجب عليه لو لم يكن خلط وتعقبه بن جرير بأنه لو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم لبطلت فائدة الحديث وإنما نهى عن أمر لو فعله لكانت فيه فائدة قبل النهي ولو كان كما قال لما كان لتراجع الخليطين بينهما بالسوية معنى قوله يتراجعان قال الخطابي معناه أن يكون بينهما أربعون شاة مثلا لكل واحد منهما عشرون قد عرف كل منهما عين ماله فيأخذ المصدق من أحدهما شاة فيرجع المأخوذ من ماله على خليطه بقيمة نصف شاة وهذه تسمى خلطة الجوار قوله وقال طاوس وعطاء الخ هذا التعليق وصله أبو عبيده في كتاب الأموال قال حدثنا حجاج عن بن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن طاوس قال إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما لم يجمع مالهما في الصدقة قال يعني بن جريج فذكرته لعطاء فقال ما أراه إلا حقا وهكذا رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن شيخه وقال أيضا عن بن جريج قلت لعطاء ناس خلطاء لهم أربعون شاة قال عليهم شاة قلت فلواحد تسعة وثلاثون شاة ولآخر شاة قال عليهما شاة قوله وقال سفيان لا تجب حتى يتم لهذا أربعون شاة ولهذا أربهون شاة قال عبد الرزاق عن الثوري قولنا لا يجب على الخليطين شيء إلا أن يتم لهذا أربعون ولهذا أربعون انتهى وبهذا قال مالك وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث إذا بلغت ماشيتهما النصاب زكيا والخلطة عندهم أن يجتمعا في المسرح والمبيت والحوض والفحل والشركة أخص منها وفي جامع سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن عمر ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية قلت لعبيد الله ما يعني بالخليطين قال إذا كان المراح واحدا والراعي واحدا والدلو واحدا ثم أورد المصنف طرفا من حديث أنس المذكور وفيه لفظ الترجمة واختلف في المراد بالخليط فقال أبو حنيفة هو الشريك واعترض عليه بأن الشريك قد لا يعرف عين ماله وقد قال إنهما يتراجعان بينهما بالسوية ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى وإن كثيرا من الخلطاء وقد بينه قبل ذلك بقوله إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة واعتذر بعضهم عن الحنفية بأنهم لم يبلغهم هذا الحديث أو رأوا أن الأصل قوله ليس فيما دون خمس ذود صدقة وحكم الخلطة بغير هذا الأصل فلم يقولوا به

قوله باب زكاة الإبل سقط لفظ باب من رواية الكشميهني والحموي

[ 1383 ] قوله ذكره أبو بكر وأبو ذر وأبو هريرة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أما حديث أبي بكر فقد ذكره مطولا كما سيأتي بعد باب من رواية أنس عنه ولأبي بكر حديث آخر تقدم أيضا فيما يتعلق بقتال مانعي الزكاة وأما حديث أبي ذر فسيأتي بعد ستة أبواب من رواية المعرور بن سويد عنه في وعيد من لا يؤدي زكاة إبله وغيرها ويأتي معه حديث أبي هريرة أيضا في ذلك إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف حديث الأعرابي الذي سأل عن شأن الهجرة وموضع الحاجة منه

[ 1384 ] قوله فهل لك من إبل تؤدي صدقتها قال نعم وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الهجرة إن شاء الله تعالى قال الزين بن المنير في هذه الأحاديث أحكام متعددة تتعلق بهذه الترجمة منها إيجاب الزكاة والتسوية بينها وبين الصلاة في قتال مانعيها حتى لو منعوا عقالا وهو الذي تربط به الإبل وتسميتها فريضة وذلك أعلى الواجبات وتوعد من لم يؤدها بالعقوبة في الدار الآخرة كما في حديثي أبي ذر وأبي هريرة وفي حديث أبي سعيد فضل أداء زكاة الإبل ومعادلة إخراج حق الله منها لفضل الهجرة فإن في الحديث إشارة إلى أن إستقراره بوطنه إذا أدى زكاة إبله يقوم له مقام ثواب هجرته وإقامته بالمدينة

قوله باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده أورد فيه طرفا من حديث أنس المذكور وليس فيه ما ترجم به وقد أورد الحكم الذي ترجم به في باب العرض في الزكاة وحذفه هنا فقال بن بطال هذه غفلة منه وتعقبه بن رشيد وقال بل هي غفلة ممن ظن به الغفلة وإنما مقصده أن يستدل على من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده هي ولا بن لبون لكن عنده مثلا حقه وهي أرفع من بنت مخاض لأن بينهما بنت لبون وقد تقرر أن بين بنت اللبون وبنت المخاض عشرين درهما أو شاتين وكذلك سائر ما وقع ذكره في الحديث من سن يزيد أو ينقص إنما ذكر فيه ما يليها لا ما يقع بينهما بتفاوت درجة فأشار البخاري الى أنه يستنبط من الزائد والناقص والمنفصل ما يكون منفصلا بحساب ذلك فعلى هذا من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده إلا حقه أن يرد عليه المصدق أربعين درهما أو أربع شياه جبرانا أو بالعكس فلو ذكر اللفظ الذي ترجم به لما أفهم هذا الغرض فتدبره انتهى قال الزين بن المنير من أمعن النظر في تراجم هذا الكتاب وما أودعه فيها من أسرار المقاصد إستبعد أن يغفل أم يهمل أو يضع لفظا بغير معنى أو يرسم في الباب خبرا يكون غيره به أقعد وأولى وإنما قصد بذكر ما لم يترجم به أن يقرر أن المفقود إذا وجد الأكمل منه أو الأنقص شرع الجبران كما شرع ذلك فيما تضمنه هذا الخبر من ذكر الأسنان فإنه لا فرق بين فقد بنت المخاض ووجود الأكمل منها قال ولو جعل العمدة في هذا الباب الخبر المشتمل على ذكر فقد بنت المخاض لكان نصا في الترجمة ظاهرا فلما تركه واستدل بنظيره أفهم ما ذكرناه من الإلحاق بنفي الفرق وتسويته بين فقد بنت المخاض ووجود الأكمل منها وبين فقد الحقة ووجود الأكمل منها والله أعلم

قوله باب زكاة الغنم قال الزين بن المنير حذف وصف الغنم بالسائمة وهو ثابت في الخبر إما لأنه لم يعتبر هذا المفهوم أو لتردده من جهة تعارض وجوه النظر فيه عنده وهي مسألة خلافية شهيرة والراجح في مفهوم الصفة أنها إن كانت تناسب الحكم مناسبة العلة لمعلولها إعتبرت وإلا فلا ولا شك أن السوم يشعر بخفة المؤنة ودرء المشقة بخلاف العلف فالراجح إعتباره هنا والله أعلم

[ 1385 ] قوله حدثني ثمامة هو عم الراوي عنه لأنه عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك وهذا الإسناد مسلسل بالبصريين من آل أنس بن مالك وعبد الله بن المثنى اختلف فيه قول بن معين فقال مرة صالح ومرة ليس بشيء وقواه أبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وأما النسائي فقال ليس بالقوي وقال العقيلي لا يتابع في أكثر حديثه انتهى وقد تابعه على حديثه هذا حماد بن سلمة فرواه عن ثمامة أنه أعطاه كتابا زعم أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث بعثه مصدقا فذكر الحديث هكذا أخرجه أبو داود عن أبي سلمة عنه ورواه أحمد في مسنده قال حدثنا أبو كامل حدثنا حماد قال أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس أن أبا بكر فذكره وقال إسحاق بن راهويه في مسنده أخبرنا النضر بن شميل حدثنا حماد بن سلمة أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يحدثه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره فوضح أن حمادا سمعه من ثمامة وأقرأه الكتاب فانتفى تعليل من أعله بكونه مكاتبة وانتفى تعليل من أعله بكون عبد الله بن المثنى لم يتابع عليه

[ 1386 ] قوله أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين أي عاملا عليها وهي اسم لإقليم مشهور يشتمل على مدن معروفة قاعدتها هجر وهكذا ينطق به بلفظ التثنية والنسبة إليه بحراني قوله بسم الله الرحمن الرحيم هده قال الماوردي يستدل به على إثبات البسملة في ابتداء الكتب وعلى أن الإبتداء بالحمد ليس بشرط قوله هذه فريضة الصدقة أي نسخة فريضة فحذف المضاف للعلم به وفيه أن اسم الصدقة يقع على الزكاة خلافا لمن منع ذلك من الحنفية قوله التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ظاهر في رفع الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ليس موقوفا على أبي بكر وقد صرح برفعه في رواية إسحاق المقدم ذكرها ومعنى فرض هنا أوجب أو شرع يعني بأمر الله تعالى وقيل معناه قدر لأن إيجابها ثابت في الكتاب ففرض النبي صلى الله عليه وسلم لها بيانه للمجمل من الكتاب بتقدير الأنواع والأجناس وأصل الفرض قطع الشيء الصلب ثم استعمل في التقدير لكونه مقتطعا من الشيء الذي يقدر منه ويرد بمعنى البيان كقوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وبمعنى الإنزال كقوله تعالى إن الذي فرض عليك القرآن وبمعنى الحل كقوله تعالى ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له وكل ذلك لا يخرج من معنى التقدير ووقع استعمال الفرض بمعنى اللزوم حتى كاد يغلب عليه وهو لا يخرج أيضا من معنى التقدير وقد قال الراغب كل شيء ورد في القرآن فرض على فلان فهو بمعنى الإلزام وكل شيء فرض له فهو بمعنى لم يحرمه عليه وذكر أن معنى قوله تعالى إن الذي فرض عليك القرآن أي أوجب عليك العمل به وهذا يؤيد قول الجمهور إن الفرض مرادف للوجوب وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثبتان به لا مشاحة فيه وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك لأن اللفظ السابق لا يحمل على الإصطلاح الحادث والله أعلم قوله على المسلمين إستدل به على أن الكافر ليس مخاطبا بذلك وتعقب بأن المراد بذلك كونها لا تصح منه لا أنه لا يعاقب عليها وهو محل النزاع قوله والتي أمر الله بها رسوله كذا في كثير من نسخ البخاري ووقع في كثير منها بحذف بها وأنكرها النووي في شرح المهذب ووقع في رواية أبي داود المقدم ذكرها التي أمر بغير واو على أنها بدل من الأولى قوله فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها أي على هذه الكيفية المبينة في هذا الحديث وفيه دلالة على دفع الأموال الظاهرة إلى الإمام قوله ومن سئل فوقها فلا يعط أي من سئل زائدا على ذلك في سن أو عدد فله المنع ونقل الرافعي الإتفاق على ترجيحه وقيل معناه فليمنع الساعي وليتول هو إخراجه بنفسه أو بساع آخر فإن الساعي الذي طلب الزيادة يكون بذلك متعديا وشرطه أن يكون أمينا لكن محل هذا إذا طلب الزيادة بغير تأويل قوله في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها أي إلى خمس قوله من الغنم كذا للأكثر وفي رواية بن السكن بإسقاط من وصوبها بعضهم وقال عياض من أثبتها فمعناه زكاتها أي الإبل من الغنم و من للبيان لا للتعبيض ومن حذفها فالغنم مبتدأ والخبر مضمر في قوله في كل أربع وعشرين وما بعده وإنما قدم الخبر لأن الغرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب فحسن التقديم واستدل به على تعين إخراج الغنم في مثل ذلك وهو قول مالك وأحمد فلو أخرج بعيرا عن الأربع والعشرين لم يجزه وقال الشافعي والجمهور يجزئه لأنه يجزئ عن خمس وعشرين فما دونها أولى ولأن الأصل أن يجب من جنس المال وإنما عدل عنه رفقا بالمالك فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه فإن كان قيمة البعير مثلا دون قيمة أربع شياة ففيه خلاف عند الشافعية وغيرهم والأقيس أنه لا يجزئ واستدل بقوله في كل أربع وعشرين على أن الأربع مأخوذة عن الجمع وإن كانت الأربع الزائدة على العشرين وقصا وهو قول الشافعي في البويطي وقال في غيره إنه عفو ويظهر أثر الخلاف فيمن له مثلا تسع من الإبل فتلف منها أربعة بعد الحول وقبل التمكن حيث قلنا إنه شرط في الوجوب وجبت عليه شاة بلا خلاف وكذا إن قلنا التمكن شرط في الضمان وقلنا الوقص عفو وإن قلنا يتعلق به الفرض وجب خمسة أتساع شاة والأول قول الجمهور كما نقله بن المنذر وعن مالك رواية كالأول تنبيه الوقص بفتح الواو والقاف ويجوز إسكانها وبالسين المهملة بدل الصاد هو ما بين الفرضين عند الجمهور واستعمله الشافعي فيما دون النصاب الأول أيضا والله أعلم قوله فإذا بلغت خمسا وعشرين فيه أن في هذا القدر بنت مخاض وهو قول الجمهور إلا ما جاء عن علي أن في خمس وعشرين خمس شياه فإذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت مخاض أخرجه بن أبي شيبة وغيره عنه موقوفا ومرفوعا وإسناد المرفوع ضعيف قوله إلى خمس وثلاثين إستدل به على أنه لا يجب فيما بين العددين شيء غير بنت مخاض خلافا لمن قال كالحنفية تستأنف الفريضة فيجب في كل خمس من الإبل شاة مضافة إلى بنت المخاض قوله ففيها بنت مخاض أنثى زاد حماد بن سلمة في روايته فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر وقوله أنثى وكذا وقوله ذكر للتأكيد أو لتنبيه رب المال ليطيب نفسا بالزيادة وقيل إحترز بذلك من الخنثى وفيه بعد وبنت المخاض بفتح الميم والمعجمة الخفيفة وآخره معجمة هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها والماخض الحامل أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل وابن اللبون الذي دخل في ثالث سنة فصارت أمه لبونا بوضع الحمل قوله إلى خمس وأربعين إلى للغاية وهو يقتضي أن ما قبل الغاية يشتمل عليه الحكم المقصود بيانه بخلاف ما بعدها فلا يدخل إلا بدليل وقد دخلت هنا بدليل قوله بعد ذلك فإذا بلغت ستا وأربعين فعلم أن حكمها حكم ما قبلها قوله حقة طروقة الجمل حقة بكسر المهملة وتشديد القاف والجمع حقاق بالكسر والتخفيف وطروقة بفتح أوله أي مطروقة وهي فعولة بمعنى مفعولة كحلوبة بمعنى محلوبة والمراد أنها بلغت أن يطرقها الفحل وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة قوله جذعة بفتح الجيم والمعجمة وهي التي أتت عليها أربع ودخلت في الخامسة قوله فإذا بلغت يعني ستا وسبعين كذا في الأصل بزيادة يعني وكأن العدد حذف من الأصل إكتفاء بدلالة الكلام عليه فذكره بعض رواته وأتى بلفظ يعني لينبه على أنه مزيد أو شك أحد رواته فيه وقد ثبت بغير لفظ يعني في رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن الأنصاري شيخ البخاري فيه فيحتمل أن يكون الشك فيه من البخاري وقد وقع في رواية حماد بن سلمة بإثباته أيضا قوله فإذا زادت على عشرين ومائة أي واحدة فصاعدا وهذا قول الجمهور وعن الأصطخري من الشافعية تجب ثلاث بنات لبون لزيادة بعض واحدة لصدق الزيادة ونتصور المسألة في الشركة ويرده ما في كتاب عمر المذكور إذا كان إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة ومقتضاه أن ما زاد على ذلك فزكاته بالإبل خاصة وعن أبي حنيفة إذا زادت على عشرين ومائة رجعت إلى فريضة الغنم فيكون في خمس وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون وشاة قوله فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة وفي صدقة الغنم الخ تنبيه إقتطع البخاري من بين هاتين الجملتين قوله ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة إلى آخر ما ذكره في الباب الذي قبله وقد ذكر آخره في باب العرض في الزكاة وزاد بعد قوله فيه يقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده بن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء وهذا الحكم متفق عليه فلو لم يجد واحدا منهما فله أن يشتري أيهما شاء على الأصح عند الشافعية وقيل يتعين شراء بنت مخاض وهو قول مالك وأحمد وقوله ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين هو قول الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث وعن الثوري عشرة وهي رواية عن إسحاق وعن مالك يلزم رب المال بشراء ذلك السن بغير جبران قال الخطابي يشبه أن يكون الشارع جعل الشاتين أو العشرين درهما تقديرا في الجبران لئلا يكل الأمر إلى اجتهاد الساعي لأنه يأخذها على المياه حيث لا حاكم ولا مقوم غالبا فضبطه بشيء يرفع التنازع كالصاع في المصراة والغرة في الجنين والله أعلم وبين هاتين الجملتين قوله وفي صدقة الغنم وسيأتي التنبيه على ما حذفه منه أيضا في موضع آخر قريبا قوله إذا كانت في رواية الكشميهني إذا بلغت قوله فإذا زادت على عشرين ومائة في كتاب عمر فإذا كانت إحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين ففيها شاتان وقد تقدم قول الأصطخري في ذلك والتعقب عليه قوله فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة مقتضاه أنه لا تجب الشاة الرابعة حتى توفي أربعمائة وهو قول الجمهور قالوا فائدة ذكر الثلثمائة لبيان النصاب الذي بعده لكون ما قبله مختلفا وعن بعض الكوفيين كالحسن بن صالح ورواية عن أحمد إذا زادت على الثلثمائة واحدة وجب الأربع قوله ففي كل مائة شاة شاة فإذا كانت سائمة الرجل تنبيه إقتطع البخاري أيضا من بين هاتين الجملتين قوله ولا يخرج في الصدقة هرمة إلى آخر ما ذكره في الباب الذي يليه وإقتطع منه أيضا قوله ولا يجمع بين متفرق إلى آخر ما ذكره في بابه وكذا قوله وما كان من خليطين إلى آخر ما ذكره في بابه ويلي هذا قوله هنا فإذا كانت سائمة الرجل الخ وهذا حديث واحد يشتمل على هذه الأحكام التي فرقها المصنف في هذه الأبواب غير مراع للترتيب فيها بل بحسب ما ظهر له من مناسبة إيراد التراجم المذكورة قوله وفي الرقة بكسر الراء و تخفيف القاف الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة قيل أصلها الورق فحذفت الواو و عوضت الهاء وقيل يطلق على الذهب والفضة بخلاف الورق فعلى هذا فقيل أن الأصل في زكاة النقدين نصاب الفضة فإذا بلغ الذهب ما قيمته مائتا درهم فضة خالصة وجبت فيه الزكاة وهو ربع العشر وهذا قول الزهري وخالفه الجمهور قوله فإن لم تكن أي الفضة إلا تسعين ومائة يوهم أنها إذا زادت على التسعين ومائة قبل بلوغ المائتين أن فيها صدقة وليس كذلك وإنما ذكر التسعين لأنه آخر عقد قبل المائة والحساب إذا جاوز الآحاد كان تركيبه بالعقود كالعشرات والمئين و الألوف فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن المائتين ويدل عليه قوله الماضي ليس فيما دون خمس أواق صدقة قوله إلا أن يشاء ربها في المواضع الثلاثة أي إلا أن يتبرع متطوعا

قوله باب لا يؤخذ في الصدقة هرمة إلى قوله ما شاء المصدق اختلف في ضبطه فالأكثر على أنه بالتشديد و المراد المالك وهذا اختيار أبي عبيد وتقدير الحديث لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب أصلا ولا يؤخذ التيس وهو فحل الغنم إلا برضا المالك لكونه يحتاج إليه ففي أخذه بغير اختياره إضرار به والله أعلم وعلى هذا فالإستثناء مختص بالثالث ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي وكأنه يشير بذلك إلى التفويض إليه في إجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل فلا يتصرف بغير المصلحة فيتقيد بما تقتضيه القواعد وهذا قول الشافعي في البويطي ولفظه و لا تؤخذ ذات عوار ولا تيس ولا هرمة إلا أن يرى المصدق أن ذلك أفضل للمساكين فيأخذه على النظر انتهى وهذا أشبه بقاعدة الشافعي في تناول الإستثناء جميع ما ذكر قبله فلو كانت الغنم كلها معيبة مثلا أو تيوسا أجزأه أن يخرج منها وعن المالكية يلزم المالك أن يشتري شاة مجزئة تمسكا بظاهر هذا الحديث وفي رواية أخرى عندهم كالأول

[ 1387 ] قوله هرمة بفتح الهاء وكسر الراء الكبيرة التي سقطت أسنانها قوله ذات عوار بفتح العين المهملة وبضمها أي معيبة وقيل بالفتح العيب وبالضم العور وأختلف في ضبطها فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع و قيل ما يمنع الإجزاء في الأضحية ويدخل في المعيب المريض والذكورة بالنسبة إلى الأنوثة والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه

قوله باب أخذ العناق بفتح المهملة أورد فيه طرفا من قصة عمر مع أبي بكر في قتال مانع الزكاة وفيه

[ 1388 ] قوله لو منعوني عناقا وكأن البخاري أشار بهذه الترجمة السابقة إلى جواز أخذ الصغيرة من الغنم في الصدقة لأن الصغيرة لا عيب فيها سوى صغر السن فهي أولي أن تؤخذ من الهرمة إذا رأى الساعي ذلك وهذا هو السر في اختيار لفظ الأخذ في الترجمة دون الإعطاء وخالف في ذلك المالكية فقالوا معناه كانوا يؤدون عنها ما يلزم أداؤه وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن لا يؤدي عنها إلا من غيرها وقيل المراد بالعناق في هذا الحديث الجذعة من الغنم وهو خلاف الظاهر والله أعلم قوله في أثناء الإسناد و قال الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد الخ وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عن الليث و لليث فيه إسناد من طريق أخرى ستأتي في كتاب المرتدين عن عقيل عن بن شهاب

قوله لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة هذه الترجمة مقيدة لمطلق الحديث لأن فيه وتوق كرائم أموال الناس بغير تقييد بالصدقة وأموال الناس يستوي التوقي لها بين الكرائم وغيرها فقيدها في الترجمة بالصدقة وهو بين من سياق الحديث لأنه ورد في شأن الصدقة و الكرائم جمع كريمة يقال ناقة كريمة أي غزيرة اللبن والمراد نفائس الأموال من أي صنف كان و قيل له نفيس لأن نفس صاحبه تتعلق به وأصل الكريمة كثيرة الخير وقيل للمال النفيس كريم لكثرة منفعته و سيأتي الكلام على بقية الحديث قبيل أبواب زكاة الفطر إن شاء الله تعالى

قوله باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة الذود بفتح المعجمة و سكون الواو بعدها مهملة قال الزين بن المنير أضاف خمس إلى ذود وهو مذكر لأنه يقع على المذكر و المؤنث و أضافه إلى الجمع لأنه يقع على المفرد والجمع وأما قول بن قتيبة إنه يقع على الواحد فقط فلا يدفع ما نقله غيره أنه يقع على الجمع انتهى والأكثر على أن الذود من الثلاثة إلى العشرة وأنه لا واحد له من لفظه وقال أبو عبيد من الثنتين إلى العشرة قال وهو يختص بالإناث وقال سيبويه تقول ثلاث ذود لأن الذود مؤنث وليس باسم كسر عليه مذكر وقال القرطبي أصله ذاد يذود إذا دفع شيئا فهو مصدر وكأن من كان عنده دفع عن نفسه معرة الفقر وشدة الفاقة والحاجة وقوله

[ 1390 ] من الإبل بيان للذود وأنكر بن قتيبة أن يراد بالذود الجمع وقال لا يصح أن يقال خمس ذود كما لا يصح أن يقال خمس ثوب و غلطه العلماء في ذلك لكن قال أبو حاتم السجستاني تركوا القياس في الجمع فقالوا خمس ذود لخمس من الإبل كما قالوا ثلاثمائة على غير قياس قال القرطبي وهذا صريح في أن الذود واحد في لفظه والأشهر ما قاله المتقدمون إنه لا يقصر على الواحد قال الزين بن المنير أيضا هذه الترجمة تتعلق بزكاة الإبل وإنما إقتطعها من ثم لأن الترجمة المتقدمة مسوقة للإيجاب وهذه للنفي فلذلك فصل بينهما بزكاة الغنم و توابعه كذا قال ولا يخفى تكلفه و الذي يظهر لي أن لها تعلقا بالغنم التي تعطى في الزكاة من جهة أن الواجب في الخمس شاة وتعلقها بزكاة الإبل ظاهر فلها تعلق بهما كالتي قبلها قوله عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني كذا وقع في رواية مالك والمعروف أنه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة نسب إلى جده ونسب جده إلى جده قوله عن أبيه كذا رواه مالك وروى إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد هذا عن عمرو بن يحيى و عباد بن تميم كلاهما عن أبي سعيد ونقل البيهقي عن محمد بن يحيى الذهلي أن محمدا سمعه من ثلاثة أنفس وأن الطريقين محفوظان و قد سبق باقي الكلام على حديث الباب في باب زكاة الورق

قوله باب زكاة البقر البقر اسم جنس يكون للمذكر والمؤنث إشتق من بقرت الشيء إذا شققته لأنها تبقر الأرض بالحراثة قال الزين بن المنير أخر زكاة البقر لأنها أقل النعم وجودا ونصبا ولم يذكر في الباب شيئا مما يتعلق بنصابها لكون ذلك لم يقع على شرطه فتقدير الترجمة إيجاب زكاة البقر لأن جملة ما ذكره في الباب يدل على ذلك من جهة الوعيد على تركها إذ لا يتوعد على ترك غير الواجب قال بن رشيد وهذا الدليل يحتاج إلى مقدمة وهو أنه ليس في البقر حق واجب سوى الزكاة و قد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الزكاة حيث قال باب إثم مانع الزكاة وذكر فيه حديث أبي هريرة لكن ليس فيه ذكر البقر ومن ثم أورد في هذا الباب حديث أبي ذر وأشار إلى أن ذكر البقر وقع أيضا في طريق أخرى في حديث أبي هريرة و الله أعلم وزعم بن بطال أن حديث معاذ المرفوع إن في كل ثلاثين بقرة تبيعا وفي كل أربعين مسنة متصل صحيح وإن مثله في كتاب الصدقات لأبي بكر وعمر وفي كلامه نظر أما حديث معاذ فأخرجه أصحاب السنن وقال الترمذي حسن وأخرجه الحاكم في المستدرك وفي الحكم بصحته نظر لأن مسروقا لم يلق معاذا وإنما حسنه الترمذي لشواهده ففي الموطأ من طريق طاوس عن معاذ نحوه وطاوس عن معاذ منقطع أيضا وفي الباب عن علي عند أبي داود و أما قوله إن مثله في كتاب الصدقة لأبي بكر فوهم منه لأن ذكر البقر لم يقع في شيء من طرق حديث أبي بكر نعم هو في كتاب عمر والله أعلم قوله وقال أبو حميد هو الساعدي و هذا طرف من حديث أورده المصنف موصولا من طرق وهذا القدر وقع عنده موصولا في كتاب ترك الحيل في أثناء الحديث المذكور قوله لأعرفن أي لأعرفنكم غدا هذه الحالة وفي رواية الكشميهني لا أعرفن بحرف النفي أي ما ينبغي أن تكونوا على هذه الحال فأعرفكم بها قوله ما جاء الله رجل ما مصدرية أي مجيء رجل إلى الله قوله لها خوار بضم المعجمة وتخفيف الواو صوت البقر قوله ويقال جؤار هذا كلام البخاري يريد بذلك أن هذا الحرف جاء بالخاء المعجمة وتخفيف الواو و بالجيم و الواو المهموزة ثم فسره فقال تجأرون ترفعون أصواتكم وهذه عادة البخاري إذا مرت به لفظة غريبة توافق كلمة في القرآن نقل تفسير تلك الكلمة التي من القرآن والتفسير المذكور رواه بن أبي حاتم عن السدي وروى من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله يجأرون قال يستغيثون وقال القزاز الخوار بالمعجمة والجؤار بالجيم بمعنى واحد في البقر وقال بن سيده خار الرجل رفع صوته بتضرع

[ 1391 ] قوله عن المعرور بن سويد هو بالعين المهملة قوله قال انتهيت إليه هو مقول المعرور والضمير يعود على أبي ذر وهو الحالف و قوله أو كما حلف يشير بذلك إلى أنه لم يضبط اللفظ الذي حلف به وقوله أعظم بالنصب على الحال وأسمنه عطف عليه وقوله جازت أي مرت و ردت أي أعيدت قوله لا يؤدي حقها في رواية مسلم من طريق وكيع وأبي معاوية كلاهما عن الأعمش لا يؤدي زكاتها وهو أصرح في مقصود الترجمة وقد تقدم الكلام على بقية المتن في أوائل الزكاة و استدل بقوله يكون له إبل أو بقر على إستواء زكاة البقر والإبل في النصاب ولا دلالة فيه لأنه قرن معه الغنم وليس نصابها مثل نصاب الإبل اتفاقا تنبيه أخرج مسلم في أول هذا الحديث قصة فيها هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا وقد أفرد البخاري هذه القطعة فأخرجها في كتاب الأيمان والنذور بهذا الإسناد ولم يذكر هناك القدر الذي ذكره هنا قوله رواه بكير يعني بن عبد الله بن الأشج ومراد البخاري بذلك موافقة هذه الرواية لحديث أبي ذر في ذكر البقر لأن الحديثين مستويان في جميع ما وردا فيه وقد أخرجه مسلم موصولا من طريق بكير بهذا الإسناد مطولا

قوله باب الزكاة على الأقارب قال الزين بن المنير وجه إستدلاله لذلك بأحاديث الباب أن صدقة التطوع على الأقارب لما لم ينقص أجرها بوقوعها موقع الصدقة والصلة معا كانت صدقة الواجب كذلك لكن لا يلزم من جواز صدقة التطوع على من يلزم المرء نفقته أن تكون الصدقة الواجبة كذلك وقد اعترضه الإسماعيلي بأن الذي في الأحاديث التي ذكرها مطلق الصدقة لا الصدقة الواجبة فلا يتم استدلاله إلا إن أراد الاستدلال على أن الأقارب في الزكاة أحق بها إذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم صرف الصدقة المتطوع بها إلى الأقارب أفضل فذلك حينئذ له وجه وقال بن رشيد قد يؤخذ ما اختاره المصنف من حديث أبي طلحة فيما فهمه من الآية وذلك أن النفقة في

[ 1392 ] قوله حتى تنفقوا أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا فعمل بها أبو طلحة في فرد من أفراده فيجوز أن يعمل بها في بقية مفرداته ولا يعارضها قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء الآية لأنها تدل على حصر الصدقة الواجبة في المذكورين وأما صنيع أبي طلحة فيدل على تقديم ذوي القربى إذا اتصفوا بصفة من صفات أهل الصدقة على غيرهم وسيأتي ذكر من يستثنى من الأقارب في الصدقة الواجبة بعد بابين قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم له أجران أجر القرابة وأجر الصدقة هذا طرف من حديث فيه قصة لامرأة بن مسعود وسيأتي موصولا بعد ثلاثة أبواب ثم ذكر المصنف في الباب حديثين حديث أنس في تصدق أبي طلحة بأرضه وحديث أبي سعيد في قصة امرأة بن مسعود وغير ذلك فأما حديث أنس فسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الوقف وقوله فيه بير حاء بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح الراء وبالمهملة والمد وجاء في ضبطه أوجه كثيرة جمعها بن الأثير في النهاية فقال يروى بفتح الباء وبكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد والقصر فهذه ثمان لغات وفي رواية حماد بن سلمة بريحا بفتح أوله وكسر الراء وتقديمها على التحتانية وفي سنن أبي داود باريحا مثله لكن بزيادة ألف وقال الباجي أفصحها بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء مقصور وكذا جزم به الصغاني وقال إنه فيعلى من البراح قال ومن ذكره بكسر الموحدة وظن أنها بئر من آبار المدينة فقد صحف قوله تابعه روح يعني عن مالك في قوله رابح بالموحدة وسيأتي من طريقه موصولا في البيوع قوله وقال يحيى بن يحيى وإسماعيل عن مالك رائح يعني بالتحتانية أما رواية يحيى فستأتي موصولة في الوكالة وعزاها مغلطاي لتخريج الدارقطني فأبعد وأما رواية إسماعيل وهو بن أبي أويس فوصلها المصنف في التفسير وقد وهم صاحب المطالع فقال رواية يحيى بن يحيى بالموحدة وكأنه إشتبه عليه الأندلسي بالنيسابوري فالذي عناه هو الأندلسي والذي عناه البخاري النيسابوري قال الداني في أطرافه رواه يحيى بن يحيى الأندلسي بالموحدة وتابعه جماعة ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري بالمثناة وتابعه إسماعيل وابن وهب ورواه القعنبي بالشك أو ورواية القعنبي وصلها البخاري في الأشربة بالشك كما قال والرواية الأولى واضحة من الربح أي ذو ربح وقيل هو فاعل بمعنى مفعول أي هو مال مربوح فيه وأما الثانية فمعناها رائح عليه أجره قال بن بطال والمعنى أن مسافته قريبة وذلك أنفس الأموال وقيل معناه يروح بالأجر ويغدو به و اكتفى بالرواح عن الغدو وادعى الإسماعيلي أن من رواها بالتحتانية فقد صحف والله أعلم وأما حديث أبي سعيد فقد تقدم الكلام على صدره مستوفى في كتاب الحيض وبقية ما فيه من قصة امرأة بن مسعود يأتي الكلام عليه بعد بابين مستوفى إن شاء الله تعالى وقوله فيه فقيل يا رسول الله هذه زينب القائل هو بلال كما سيأتي وقوله ائذنوا لها فأذن لها فقالت يا رسول الله الخ لم يبين أبو سعيد ممن سمع ذلك فإن يكن حاضرا عند النبي صلى الله عليه وسلم حال المراجعة المذكورة فهو من مسنده وإلا فيحتمل أن يكون حمله عن زينب صاحبة القصة والله أعلم

قوله باب ليس على المسلم في فرسه صدقة وقال في الذي يليه ليس على المسلم في عبده صدقة ثم أورد حديث أبي هريرة بلفظ الترجمتين مجموعا من طريقين لكن في الأولى بلفظ غلامه بدل عبده قال بن رشيد أراد بذلك الجنس في الفرس والعبد لا الفرد الواحد إذ لا خلاف في ذلك في العبد المتصرف و الفرس المعد للركوب ولا خلاف أيضا أنها لا تؤخذ من الرقاب وإنما قال بعض الكوفيين يؤخذ منها بالقيمة ولعل البخاري أشار إلى حديث علي مرفوعا قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة الحديث أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن والخلاف في ذلك عن أبي حنيفة إذا كانت الخيل ذكرانا وإناثا نظرا إلى النسل فإذا انفردت فعنه روايتان ثم عنده أن المالك يتخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارا أو يقوم ويخرج ربع العشر واستدل عليه بهذا الحديث وأجيب بحمل النفي فيه على الرقبة لا على القيمة واستدل به من قال من أهل الظاهر بعدم وجوب الزكاة فيهما مطلقا ولو كانا للتجارة وأجيبوا بأن زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله بن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث والله أعلم

قوله باب الصدقة على اليتامى قال الزين بن المنير عبر بالصدقة دون الزكاة لتردد الخبر بين صدقة الفرض والتطوع لكون ذكر اليتيم جاء متوسطا بين المسكين وابن السبيل وهما من مصارف الزكاة وقال بن رشيد لما قال باب ليس على المسلم في فرسه صدقة علم أنه يريد الواجبة إذ لا خلاف في التطوع فلما قال الصدقة على اليتامى أحال على معهود

[ 1396 ] قوله حدثنا هشام هو الدستوائي عن يحيى هو بن أبي كثير و سيأتي الكلام على المتن مستوفى في الرقاق وقوله في هذه الطريق ان مما أخاف في رواية الحموي أني مما أخاف وقوله فرأينا أنه ينزل عليه في رواية الكشميهني فأرينا بتقديم الهمزة وقوله إلا آكلة الخضر في رواية الكشميهني الخضراء بزيادة ألف وقوله أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم شك من يحيى و سيأتي في الجهاد من طريق فليح عن هلال بلفظ فجعله في سبيل الله واليتامى و المساكين و بن السبيل

قوله باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر قاله أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه السابق موصولا في باب الزكاة على الأقارب وسنذكر ما فيه في هذا الحديث قال بن رشيد أعاد الأيتام في هذه الترجمة لعموم الأولى و خصوص الثانية و مجمل الحديثين في وجه الاستدلال بهما على العموم لأن الإعطاء أعم من كونه واجبا أو مندوبا قوله عن عمرو بن الحارث هو بن أبي ضرار بكسر المعجمة الخزاعي ثم المصطلقي أخو جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم له صحبة وروى هنا عن صحابية ففي الإسناد تابعي عن تابعي الأعمش عن شقيق و صحابي عن صحابي عمرو عن زينب وهي بنت معاوية ويقال بنت عبد الله بن معاوية بن عتاب الثقفية ويقال لها أيضا رائطة وقع ذلك في صحيح بن حبان في نحو هذه القصة ويقال هما ثنتان عند الأكثر وممن جزم به بن سعد وقال الكلاباذي رائطة هي المعروفة بزينب وبهذا جزم الطحاوي فقال رائطة هي زينب لا يعلم أن لعبد الله امرأة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرها ووقع عند الترمذي عن هناد عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن الحارث بن المصطلق عن بن أخي زينب امرأة عبد الله عن امرأة عبد الله فزاد في الإسناد رجلا والموصوف بكونه بن أخي زينب هو عمرو بن الحارث نفسه وكأن أباه كان أخا زينب لأمها لأنها ثقفية وهو خزاعي ووقع عند الترمذي أيضا من طريق شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن عمرو بن الحارث بن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب فجعله عبد الله بن عمرو هكذا جزم به المزي وعقد لعبد الله بن عمرو في الأطراف ترجمة لم يزد فيها على ما في هذا الحديث ولم أقف على ذلك في الترمذي بل وقفت على عدة نسخ منه ليس فيها إلا عمرو بن الحارث وقد حكى بن القطان الخلاف فيه على أبي معاوية وشعبة وخالف الترمذي في ترجيح رواية شعبة في قوله عن عمرو بن الحارث عن بن أخي زينب لانفراد أبي معاوية بذلك قال بن القطان لا يضره الانفراد لأنه حافظ وقد وافقه حفص بن غياث في رواية عنه وقد زاد في الإسناد رجلا لكن يلزم من ذلك أن يتوقف في صحة الإسناد لأن بن أخي زينب حينئذ لا يعرف حاله وقد حكى الترمذي في العلل المفردات أنه سأل البخاري عنه فحكم على رواية أبي معاوية بالوهم وأن الصواب رواية الجماعة عن الأعمش عن شقيق عن عمرو بن الحارث بن أخي زينب قلت ووافقه منصور عن شقيق أخرجه أحمد فإن كان محفوظا فلعل أبا وائل حمله عن الأب والإبن وإلا فالمحفوظ عن عمرو بن الحارث وقد أخرجه النسائي من طريق شعبة على الصواب فقال عمرو بن الحارث

[ 1397 ] قوله قال فذكرته لإبراهيم القائل هو الأعمش وإبراهيم هو بن يزيد النخعي وأبو عبيدة هو بن عبد الله بن مسعود ففي هذه الطريق ثلاثة من التابعين ورجال الطريقين كلهم كوفيون قوله كنت في المسجد فرأيت إلخ في هذا زيادة على ما في حديث أبي سعيد المتقدم وبيان السبب في سؤالها ذلك ولم أقف على تسمية الأيتام الذين كانوا في حجرها قوله فوجدت امرأة من الأنصار في رواية الطيالسي المذكورة فإذا امرأة من الأنصار يقال لها زينب وكذا أخرجه النسائي من طريق أبي معاوية عن الأعمش وزاد من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله قال انطلقت امرأة عبد الله يعني بن مسعود وامرأة أبي مسعود يعني عقبة بن عمرو الأنصاري قلت لم يذكر بن سعد لأبي مسعود امرأة أنصارية سوى هزيلة بنت ثابت بن ثعلبة الخزرجية فلعل لها إسمين أو وهم من سماها زينب انتقالا من اسم امرأة عبد الله إلى اسمها قوله وأيتام لي في حجري في رواية النسائي المذكورة على أزواجنا وأيتام في جحورنا وفي رواية الطيالسي المذكورة أنهم بنو أخيها وبنو أختها وللنسائي من طريق علقمة لإحداهما فضل مال وفي حجرها بنو أخ لها أيتام وللأخرى فضل مال وزوج خفيف ذات اليد وهذا القول كناية عن الفقر قوله ولها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة أي أجر صلة الرحم وأجر منفعة الصدقة وهذا ظاهره أنها لم تشافهه بالسؤال ولا شافهها بالجواب وحديث أبي سعيد السابق ببابين يدل على أنها شافهته وشافهها لقولها فيه يا نبي الله إنك أمرت وقوله فيه صدق زوجك فيحتمل أن يكونا قصتين ويحتمل في الجمع بينهما أن يقال تحمل هذه المراجعة على المجاز وإنما كانت على لسان بلال والله أعلم واستدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها وهو قول الشافعي والثوري وصاحبي أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وعن أحمد كذا أطلق بعضهم ورواية المنع عنه مقيدة بالوارث وعبارة الجوزقي ولا لمن تلزمه مؤنته فشرحه بن قدامة بما قيدته قال والأظهر الجواز مطلقا إلا للأبوين والولد وحملوا الصدقة في الحديث على الواجبة لقولها أتجزئ عني وبه جزم المازري وتعقبه عياض بأن قوله ولو من حليكن وكون صدقتها كانت من صناعتها يدلان على التطوع وبه جزم النووي وتأولوا قوله أتجزئ عني أي في الوقاية من النار كأنها خافت أن صدقتها على زوجها لا تحصل لها المقصود وما أشار إليه من الصناعة احتج به الطحاوي لقول أبي حنيفة فأخرج من طريق رائطة امرأة بن مسعود أنها كانت امرأة صنعاء اليدين فكانت تنفق عليه وعلى ولده قال فهذا يدل على أنها صدقة تطوع وأما الحلي فإنما يحتج به على من لا يوجب فيه الزكاة وأما من يوجب فلا وقد روى الثوري عن حماد عن إبراهيم عن علقمة قال قال بن مسعود لامرأته في حليها إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة فكيف يحتج على الطحاوي بما لا يقول به لكن تمسك الطحاوي بقولها في حديث أبي سعيد السابق وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به لأن الحلي ولو قيل بوجوب الزكاة فيه إلا أنها لا تجب في جميعه كذا قال وهو متعقب لأنها وإن لم تجب في عينه فقد تجب فيه بمعنى أنه قدر النصاب الذي وجب عليها إخراجه واحتجوا أيضا بأن ظاهر قوله في حديث أبي سعيد المذكور زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم دال على أنها صدقة تطوع لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع كما نقله بن المنذر وغيره وفي هذا الاحتجاج نظر لأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من يلزم المعطي نفقته والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه وقال بن التيمي قوله وولدك محمول على أن الإضافة للتربية لا للولادة فكأنه ولده من غيرها وقال بن المنير أعتل من منعها من إعطائها زكاتها لزوجها بأنها تعود إليها في النفقة فكأنها ما خرجت عنها وجوابه أن احتمال رجوع الصدقة إليها واقع في التطوع أيضا ويؤيد المذهب الأول أن ترك الإستفصال ينزل منزلة العموم فلما ذكرت الصدقة ولم يستفصلها عن تطوع ولا واجب فكأنه قال تجزئ عنك فرضا كان أو تطوعا وأما ولدها فليس في الحديث تصريح بأنها تعطي ولدها من زكاتها بل معناه أنها إذا أعطت زوجها فأنفقه على ولدها كانوا أحق من الأجانب فالإجزاء يقع بإعطاء للزوج والوصول إلى الولد بعد بلوغ الزكاة محلها والذي يظهر لي أنهما قضيتان إحداهما في سؤالها عن تصدقها بحليها على زوجها وولده والأخرى في سؤالها عن النفقة والله أعلم وفي الحديث الحث على الصدقة على الأقارب وهو محمول في الواجبة على من لا يلزم المعطى نفقته منهم واختلف في علة المنع فقيل لأن أخذهم لها يصيرهم أغنياء فيسقط بذلك نفقتهم عن المعطي أو لأنهم أغنياء بإنفاقه عليهم والزكاة لا تصرف لغني وعن الحسن وطاوس لا يعطي قرابته من الزكاة شيئا وهو رواية عن مالك وقال بن المنذر أجمعوا على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن الزكاة وأما إعطاؤها للزوج فاختلف فيه كما سبق وفيه الحث على صلة الرحم وجواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها وفيه عظة النساء وترغيب ولي الأمر في أفعال الخير للرجال والنساء والتحدث مع النساء الأجانب عند أمن الفتنة والتخويف من المؤاخذة بالذنوب وما يتوقع بسببها من العذاب وفيه فتيا العالم مع وجود من هو أعلم منه وطلب الترقي في تحمل العلم قال القرطبي ليس إخبار بلال باسم المرأتين بعد أن استكتمتاه بإذاعة سر ولا كشف أمانة لوجهين أحدهما أنهما لم تلزماه بذلك وإنما علم أنهما رأتا أن لا ضرورة تحوج إلى كتمانهما ثانيهما أنه أخبر بذلك جوابا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم لكون إجابته أوجب من التمسك بما أمرتاه به من الكتمان وهذا كله بناء على أنه إلتزم لهما بذلك ويحتمل أن تكونا سألتاه ولا يجب إسعاف كل سائل

[ 1398 ] قوله حدثنا عبدة هو بن سليمان وهشام هو بن عروة في الإسناد تابعي عن تابعي هشام عن أبيه وصحابية عن صحابية زينب عن أمها قوله على بني أبي سلمة أي بن عبد الأسد وكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولها من أبي سلمة عمر ومحمد وزينب ودرة وليس في حديث أم سلمة تصريح بأن الذي كانت تنفقه عليهم من الزكاة فكان القدر المشترك من الحديث حصول الإنفاق على الأيتام والله أعلم قوله فلك أجر ما أنفقت عليهم رواه الأكثر بالإضافة على أن تكون ما موصولة وجوز أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب تنوين أجر على أن تكون ما ظرفيه ذكر ذلك لنا عنه الشيخ برهان الدين المحدث بحلب

قوله باب قول الله تعالى وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله قال الزين بن المنير اقتطع البخاري هذه الآية من التفسير للإحتياج إليها في بيان مصاريف الزكاة قوله ويذكر عن بن عباس يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج وصله أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق حسان بن أبي الأشرس عن مجاهد عنه أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق منه الرقبة أخرجه عن أبي معاوية عن الأعمش عنه وأخرج عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس قال أعتق من زكاة مالك وتابع أبا معاوية عبدة بن سليمان رويناه في فوائد يحيى بن معين رواية أبي بكر بن علي الروزي عنه عن عبدة عن الأعمش عن بن أبي الأشرس ولفظه كان يخرج زكاته ثم يقول جهزوا منها إلى الحج وقال الميموني قلت لأبي عبد الله يشتري الرجل من زكاة ماله الرقاب فيعتق ويجعل في بن السبيل قال نعم بن عباس يقول ذلك ولا أعلم شيئا يدفعه وقال الخلال أخبرنا أحمد بن هاشم قال قال أحمد كنت أرى أن يعتق من الزكاة ثم كففت عن ذلك لأني لم أره يصح قال حرب فاحتج عليه بحديث بن عباس فقال هو مضطرب انتهى وإنما وصفه بالاضطراب للإختلاف في إسناده على الأعمش كما ترى ولهذا لم يجزم به البخاري وقد اختلف السلف في تفسير قوله تعالى وفي الرقاب فقيل المراد شراء الرقبة لتعتق وهو رواية بن القاسم عن مالك واختيار أبي عبيد وأبي ثور وقول إسحاق وإليه مال البخاري وابن المنذر وقال أبو عبيد أعلى ما جاء فيه قول بن عباس وهو أولى بالاتباع وأعلم بالتأويل وروى بن وهب عن مالك أنها في المكاتب وهو قول الشافعي والليث والكوفيين وأكثر أهل العلم ورجحه الطبري وفيه قول ثالث أن سهم الرقاب يجعل نصفين نصف لكل مكاتب يدعي الإسلام ونصف يشتري بها رقاب ممن صلى وصام أخرجه بن أبي حاتم وأبو عبيد في الأموال بإسناد صحيح عن الزهدي أنه كتب ذلك لعمر بن عبد العزيز واحتج للأول بأنها لو إختصت بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين لأنه غارم وبأن شراء الرقيق ليعتق أولى من إعانة المكاتب لأنه قد يعان ولا يعتق ولأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والزكاة لا تصرف للعبد ولأن الشراء يتيسر في كل وقت بخلاف الكتابة ولأن ولاءه يرجع للسيد فيأخذ المال والولاء بخلاف ذلك فإن عتقه يتنجز ويصير ولاؤه للمسلمين وهذا الأخير على طريقة مالك في ذلك وقال أحمد وإسحاق يرد ولاؤه في شراء الرقاب للعتق أيضا وعن مالك الولاء للمعتق تمسكا بالعموم وقال عبيد الله العنبري يجعل في بيت المال وأما سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنيا كان أو فقيرا إلا أن أبا حنيفة قال يختص بالغازي المحتاج وعن أحمد وإسحاق الحج من سبيل الله وقد تقدم أثر بن عباس وقال بن عمر أما أن الحج من سبيل الله أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه وقال بن المنذر إن ثبت حديث أبي لاس يعني الآتي في هذا الباب قلت بذلك وتعقب بأنه يحتمل أنهم كانوا فقراء وحملوا عليها خاصة ولم يتملكوها قوله وقال الحسن إلخ هذا صحيح عنه أخرج أوله بن أبي شيبة من طريقه وهو مصير منه إلى القول بالمسألتين معا الإعتاق من الزكاة والصرف منها في الحج إلا أن تنصيصه على شراء الأب لم يوافقه عليه الباقون لأنه يعتق عليه ولا يصير ولاؤه للمسلمين فيستعيد المنفعة ويوفر ما كان يخرجه من خالص ماله لدفع عار استرقاق أبيه وقوله في أيها أعطيت جزت كذا في الأصل بغير همز أي قضت وفيه مصير منه إلى أن اللام في قوله للفقراء لبيان المصرف لا للتمليك فلو صرف الزكاة في صنف واحد كفى قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خالدا إلخ سيأتي موصولا في هذا الباب قوله ويذكر عن أبي لاس بسين مهملة خزاعي أختلف في اسمه فقيل زياد وقيل عبد الله بن عنمة بمهملة ونون مفتوحتين وقيل غير ذلك له صحبة وحديثان هذا أحدهما وقد وصله أحمد وابن خزيمة والحاكم وغيرهم من طريقه ولفظ أحمد على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج فقلنا يا رسول الله ما نرى أن تحمل هذه فقال إنما يحمل الله الحديث ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة بن إسحاق ولهذا توقف بن المنذر في ثبوته

[ 1399 ] قوله عن الأعرج في رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يقول قال قال عمر فذكره صرح بالتحديث في الإسناد وزاد فيه عمر والمحفوظ أنه في مسند أبي هريرة وإنما جرى لعمر فيه ذكر فقط قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة في رواية مسلم من طريق ورقاء عن أبي الزناد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ساعيا على الصدقة وهو مشعر بأنها صدقة الفرض لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة وقال بن القصار المالكي الأليق أنها صدقة التطوع لأنه لا يظن بهؤلاء الصحابة أنهم منعوا الفرض وتعقب بأنهم ما منعوه كلهم جحدا ولا عنادا أما بن جميل فقد قيل إنه كان منافقا ثم تاب بعد ذلك كذا حكاه المهلب وجزم القاضي حسين في تعليقه أن فيه نزلت ومنهم من عاهد الله الآية انتهى والمشهور أنها نزلت في ثعلبة وأما خالد فكان متأولا بأجزاء ما حبسه عن الزكاة وكذلك العباس لاعتقاده ما سيأتي التصريح به ولهذا عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالدا والعباس ولم يعذر بن جميل قوله فقيل منع بن جميل قائل ذلك عمر كما سيأتي في حديث بن عباس في الكلام على قصة العباس ووقع في رواية بن أبي الزناد عند أبي عبيد فقال بعض من يلمز أي يعيب وابن جميل لم أقف على اسمه في كتب الحديث لكن وقع في تعليق القاضي الحسين المروزي الشافعي وتبعه الروياني أن اسمه عبد الله ووقع في شرح الشيخ سراج الدين بن الملقن أن بن بزيزة سماه حميدا ولم أر ذلك في كتاب بن بزيزة ووقع في رواية بن جريج أبو جهم بن حذيفة بدل بن جميل وهو خطأ لإطباق الجميع على بن جميل وقول الأكثر أنه كان أنصاريا وأما أبو جهم بن حذيفة فهو قرشي فافترقا وذكر بعض المتأخرين أن أبا عبيد البكري ذكر في شرح الأمثال له أنه أبو جهم بن جميل قوله والعباس زاد بن أبي الزناد عن أبيه عند أبي عبيد أن يعطوا الصدقة قال فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذب عن اثنين العباس وخالد قوله ما ينقم بكسر القاف أي ما ينكر أو يكره وقوله فأغناه الله ورسوله إنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه لأنه كان سببا لدخوله في الإسلام فأصبح غنيا بعد فقره بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم لأنه إذا لم يكن له عذر إلا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذر له وفيه التعريض بكفران أن النعم وتقريع بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان قوله إحتبس أي حبس قوله وأعتده بضم المثناة جمع عتد بفتحتين ووقع في رواية مسلم أعتاده وهو جمعه أيضا قيل هو ما يعده الرجل من الدواب والسلاح وقيل الخيل خاصة يقال فرس عتيد أي صلب أو معد للركوب أو سريع الوثوب أقوال وقيل أن لبعض رواة البخاري وأعبده بالموحدة جمع عبد حكاه عياض والأول هو المشهور قوله فهي عليه صدقة ومثلها معها كذا في رواية شعيب ولم يقل ورقاء ولا موسى بن عقبة صدقة فعلى الرواية الأولى يكون صلى الله عليه وسلم ألزمه بتضعيف صدقته ليكون أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذم عنه فالمعنى فهي صدقة ثابتة عليه سيصدق بها ويضيف إليها مثلها كرما ودلت رواية مسلم على أنه صلى الله عليه وسلم إلتزم بإخراج ذلك عنه لقوله فهي على وفيه تنبيه على سبب ذلك وهو قوله إن العم صنو الأب تفضيلا له وتشريفا ويحتمل أن يكون تحمل عنه بها فيستفاد منه أن الزكاة تتعلق بالذمة كما هو أحد قولي الشافعي وجمع بعضهم بين رواية علي ورواية عليه بأن الأصل رواية علي ورواية عليه مثلها إلا أن فيها زيادة هاه السكت حكاه بن الجوزي عن بن ناصر وقيل معنى قوله علي أي هي عندي قرض لأنني استسلفت منه صدقة عامين وقد ورد ذلك صريحا فيما أخرجه الترمذي وغيره من حديث علي وفي إسناده مقال وفي الدارقطني من طريق موسى بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنا كنا احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين وهذا مرسل وروى الدارقطني أيضا موصولا بذكر طلحة فيه وإسناد المرسل أصح وفي الدارقطني أيضا من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر ساعيا فأتى العباس فأغلظ له فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل وفي إسناده ضعف وأخرجه أيضا هو والطبراني من حديث أبي رافع نحو هذا وإسناده ضعيف أيضا ومن حديث بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقته سنتين وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف ولو ثبت لكان رافعا للاشكال ولرجح به سياق رواية مسلم على بقية الروايات وفيه رد لقول من قال إن قصة التعجيل إنما وردت في وقت غير الوقت الذي بعث فيه عمر لأخذ الصدقة وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق والله أعلم وقيل المعنى استسلف منه قدر صدقة عامين فأمر أن يقاص به من ذلك واستبعد ذلك بأنه لو كان وقع لكان صلى الله عليه وسلم أعلم عمر بأنه لا يطالب العباس وليس ببعيد ومعنى عليه على التأويل الأول أي لازمة له وليس معناه أنه يقبضها لأن الصدقة عليه حرام لكونه من بني هاشم ومنهم من حمل رواية الباب على ظاهرها فقال كان ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم ويؤيده رواية موسى بن عقبة عن أبي الزناد عن بن خزيمة بلفظ فهي له يدل عليه وقال البيهقي اللام هنا بمعنى على لتتفق الروايات وهذا أولى لأن المخرج واحد وإليه مال بن حبان وقيل معناها فهي له أي القدر الذي كان يراد منه أن يخرجه لأنني التزمت عنه بإخراجه وقيل إنه أخرها عنه ذلك العام إلى عام قابل فيكون عليه صدقة عامين قاله أبو عبيد وقيل أنه كان استدان حين فادى عقيلا وغيره فصار من جملة الغارمين فساغ له أخذ الزكاة بهذا الإعتبار وأبعد الأقوال كلها قول من قال كان هذا في الوقت الذي كان فيه التأديب بالمال فألزم العباس بامتناعه من أداء الزكاة بأن يؤدي ضعف ما وجب عليه لعظمة قدره وجلالته كما في قوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم يضاعف لها العذاب ضعفين الآية وقد تقدم بعضه في أول الكلام واستدل بقصة خالد على جواز إخراج مال الزكاة في شراء السلاح وغيره من آلات الحرب والإعانة بها في سبيل الله بناء على أنه عليه الصلاة والسلام أجاز لخالد أن يحاسب نفسه بما حبسه فيما يجب عليه كما سبق وهي طريقة البخاري وأجاب الجمهور بأجوبة أحدها أن المعنى أنه صلى الله عليه وسلم لم يقبل إخبار من أخبره بمنع خالد حملا على أنه لم يصرح بالمنع وإنما نقلوه عنه بناء على ما فهموه ويكون قوله تظلمونه أي بنسبتكم إياه إلى المنع وهو لا يمنع وكيف يمنع الفرض وقد تطوع بتحبيس سلاحه وخيله ثانيها أنهم ظنوا أنها للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها فأعلمهم عليه الصلاة والسلام بأنه لا زكاة عليه فيما حبس وهذا يحتاج لنقل خاص فيكون فيه حجة لمن أسقط الزكاة عن الأموال المحبسة ولمن أوجبها في عروض التجارة ثالثها أنه كان نوى بإخراجها عن ملكه الزكاة عن ماله لأن أحد الأصناف سبيل الله وهم المجاهدون وهذا يتموله من يجيز إخراج القيم في الزكاة كالحنفية ومن يجيز التعجيل كالشافعية وقد تقدم استدلال البخاري به على إخراج العروض في الزكاة واستدل بقصة خالد على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح وأن الوقف يجوز بقاؤه تحت يد محتبسة وعلى جواز إخراج العروض في الزكاة وقد سبق ما فيه وعلى صرف الزكاة إلى صنف واحد من الثمانية وتعقب بن دقيق العيد جميع ذلك بأن القصة واقعة عين محتملة لما ذكر ولغيره فلا ينهض الاستدلال بها على شيء مما ذكر قال ويحتمل أن يكون تحبيس خالد إرصادا وعدم تصرف ولا يبعد أن يطلق على ذلك التحبيس فلا يتعين الاستدلال بذلك لما ذكر وفي الحديث بعث الإمام العمال لجباية الزكاة وتنبيه الغافل على ما أنعم الله به من نعمة الغني بعد الفقر ليقوم بحق الله عليه والعتب على من منع الواجب وجواز ذكره في غيبته بذلك وتحمل الإمام عن بعض رعيته ما يجب عليه والإعتذار عن بعض الرعية بما يسوع الإعتذار به والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

قوله باب الإستعفاف عن المسألة أي في شيء من غير المصالح الدينية وذكر في الباب ثلاثة آحاديث أحدها حديث أبي سعيد

[ 1400 ] قوله أن ناسا من الأنصار لم يتعين لي أسماؤهم إلا أن النسائي روى من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ما يدل على أن أبا سعيد راوي هذا الحديث خوطب بشيء من ذلك ولفظه ففي حديثه سرحتني أمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني لأسأله من حاجة شديدة فأتيته وقعدت فاستقبلني فقال من إستغنى أغناه الله الحديث وزاد فيه ومن سأل وله أوقية فقد ألحف فقلت ناقتي خير من أوقية فرجعت ولم أسأله وعند الطبراني من حديث حكيم بن حزام أنه ممن خوطب ببعض ذلك ولكنه ليس أنصاريا إلا بالمعنى الأعم قوله حتى نفد بكسر الفاء أي فرغ قوله فلن أدخره عنكم أي أحبسه و أخبؤه و أمنعكم إياه منفردا به عنكم وفيه ما كان عليه من السخاء وإنفاذ أمر الله وفيه إعطاء السائل مرتين والإعتذار إلى السائل والحض على التعفف وفيه جواز السؤال للحاجة وإن كان الأولى توكه والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسألة وقوله ومن يستعفف في رواية الكشميهني يستعف ثانيها حديث أبي هريرة والزبير بن العوام بمعناه وفي رواية الزبير زيادة فيبيعها فيكف الله بها وجهه وذلك مراد في حديث أبي هريرة وحذف لدلالة السياق عليه وفي رواية أبي هريرة يأتي رجلا وفي حديث الزبير يسأل الناس والمعنى واحد وزاد في أول حديث أبي هريرة

[ 1401 ] قوله والذي نفسي بيده ففيه القسم على الشيء المقطوع بصدقة لتأكيده في نفس السامع وفيه الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو أمتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن ذل الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤل من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل وأما قوله خير له فليست بمعنى أفعل التفضيل إذ لاخير في السؤال مع القدرة على الإكتساب والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرام ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسميته الذي يعطاه خيرا وهو في الحقيقة شر والله أعلم ثالثها حديث حكيم بن حزام قوله أن هذا المال خضرة أنث الخبر لأن المراد الدنيا

[ 1403 ] قوله خضرة حلوة شبهه بالرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة فإن الأخضر مرغوب فيه على إنفراده بالنسبة إلى اليابس والحلو مرغوب فيه على إنفراده بالنسبة للحامض فالاعجاب بهما إذا اجتمعا أشد قوله بسخاوة نفس أي بغير شره ولا إلحاح أي من أخذه بغير سؤال وهذا بالنسبة إلى الآخذ ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطي أي بسخاوة نفس المعطي أي انشراحه بما يعطيه قوله كالذي يأكل ولا يشبع أي الذي يسمى جوعه كذابا لأنه من علة به وسقم فكلما أكل إزداد سقما ولم يجد شبع قوله اليد العليا تقدم الكلام عليه مستوفى في باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى قوله لا أرزأ بفتح الهمزة وإسكان الراء وفتح الزاي بعدها همزة أي لا أنقص ماله بالطلب منه وفي رواية لإسحاق قلت فوالله لا تكون يدي بعدك تحت يد من أيدي العرب وإنما إمتنع حكيم من أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يربيه وإنما أشهد عليه عمر لأنه أراد أن لا ينسبه أحد لم يعرف باطن الأمر إلى منع حكيم من حقه قوله حتى توفي زاد إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق عمر بن عبد الله بن عروة مرسلا أنه ما أخذ من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا معاوية ديوانا ولا غيره حتى مات لعشر سنين مع إمارة معاوية قال بن أبي جمرة في حديث حكيم فوائد منها أنه قد يقع الزهد مع الأخذ فإن سخاوة النفس هو زهدها تقول سخت بكذا أي جادت وسخت عن كذا أي لم تلتفت إليه ومنها أن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد و البركة في الرزق فيتبين أن الزهد يحصل خيري الدنيا و الآخرة وفيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى وضرب لهم المثل بما يعهدون فالأكل إنما يأكل ليشبع فإذا أكل ولم يشبع كان عناء في حقه بغير فائدة وكذلك المال ليست الفائدة في عينه وإنما هي لما يتحصل به من المنافع فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته لتقع موعظته له الموقع لئلا يتخيل أن ذلك سبب لمنعه من حاجته وفيه جواز تكرار السؤال ثلاثا وجواز المنع في الربعة والله أعلم وفي الحديث أيضا أن سؤال الإعلى ليس بعار و أن رد السائل بعد ثلاث ليس بمكروه وأن الإجمال في الطلب مقرون في بالبركة وقد زاد إسحاق بن راهويه في مسنده عن طريق معمر عن الزهري في آخره فمات حين مات وإنه لمن أكثر قريش مالا وفيه أيضا سبب ذلك وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى حكيم بن حزام دون ما أعطى أصحابه فقال حكيم يا رسول الله ما كنت أظن أن تقصر بي دون أحد من الناس فزاده ثم استزاده حتى رضي فذكر نحو الحديث

قوله باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس وفي أموالهم حق للسائل والمحروم في رواية المستملي تقديم الآية سقطت للأكثر ومطابقتها لحديث الباب من جهة دلالتها على مدح من يعطي السائل وغير السائل وإذا كان المعطي ممدوحا فعطيته مقبولة وآخذها غير ملوم وقد اختلف أهل العلم بالتفسير في المراد بالمحروم فروى الطبري من طريق بن شهاب أنه المتعفف الذي لا يسأل وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن شهاب أنه بلغه فذكر مثله و أخجه الطبري عن قتادة مثله وأخرج فيه أقوالا أخر وعلى التفسير المذكور تنطبق الترجمة والإشراف بالمعجمة التعرض للشيء و الحرص عليه من قولهم أشرف على كذا إذا تطاول له وقيل للمكان المرتفع شرف لذلك وتقدير جواب الشرط فليقبل أي من أعطاه الله مع انتفاء القيدين المذكورين فليقبل وإنما حذفه للعلم به وأوردها بلفظ العموم و إن كان الخبر ورد في الإعطاء من بيت المال لأن الصدقة للفقير في معنى العطاء للغني إذا انتفى الشرطان قال أبو داود سألت أحمد عن إشراف النفس فقال بالقلب وقال يعقوب بن محمد سألت أحمد عنه فقال هو أن يقول مع نفسه يبعث إلي فلان بكذا وقال الأثرم يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك قوله فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني زاد في رواية شعيب عن الزهري الآتيه في الأحكام حتى أعطاني مرة مالا فقلت أعطه من هو أفقر إليه مني فقال خذه فتموله وتصدق به وذكر شعيب فيه عن الزهري إسنادا آخر قال أخبرني السائب بن يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته فذكر قصة فيها هذا الحديث والسائب فمن فوقه صحابة ففيه أربعة من الصحابة في نسق وقد أخرجه مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن الزهري بالإسنادين لكن قال فيه عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعطي عمر فذكره جعله من مسند بن عمر و أخرجه مسلم أيضا من وجه آخر عن بن السعدي عن عمر لكن قال فيه بن الساعدي وزاد فيه إن عطية النبي صلى الله عليه و سلم لعمر بسبب العمالة و لهذا قال الطحاوي ليس معنى هذا الحديث في الصدقات و إنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام و ليست هي من جهة الفقر و لكن من الحقوق فلما قال عمر أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر قال ويؤيده قوله في رواية شعيب خذه فتموله فدل ذلك على أنه ليس من الصدقات وقال الطبري اختلفوا في

[ 1404 ] قوله فخذه بعد إجماعهم على أنه أمر ندب فقيل هو ندب لكل من أعطى عطية أبى قبولها كائنا من كان وهذا هو الراجح يعني بالشرطين المتقدمين وقيل هو مخصوص بالسلطان و يؤيده حديث سمرة في السنن إلا أن يسأل ذا سلطان وكان بعضهم يقول يحرم قبول العطية من السلطان و بعضهم يقول يكره وهو محمول على ما إذا كانت العطية من السلطان الجائر والكراهة محمولة على الورع وهو المشهور من تصرف السلف و الله أعلم والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلال أفلا ترد عطيته و من علم كون ماله حراما فتحرم عطيته ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع ومن إباحه أخذ بالأصل قال بن المنذر واحتج من رخص فيه بأن الله تعالى قال في اليهود سماعون للكذب أكالون للسحت وقد رهن الشارع درعه عند يهودي مع علمه بذلك وكذلك أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر و الخنزير و المعاملات الفاسدة وفي حديث الباب أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجها وإن كان غيره أحوج إليه منه و أن رد عطية الإمام ليس من الأدب ولا سيما من الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه الآية

قوله باب من سأل الناس تكثرا أي فهو مذموم قال بن رشيد حديث المغيرة في النهي عن كثرة السؤال الذي أورده في الباب الذي يليه أصرح في مقصود الترجمة من حديث الباب وإنما آثره عليه لأنه من عادته أن يترجم بالأخفى أو لاحتمال أن يكون المراد بالسؤال في حديث المغيرة النهي عن المسائل المشكلة كالأغلوطات أو السؤال عما لا يعني أو عما لم يقع مما يكره وقوعه قال وأشار مع ذلك إلى حديث ليس على شرطه وهو ما أخرجه الترمذي من طريق حبشي بن جنادة في أثناء حديث مرفوع وفيه ومن سأل الناس ليثرى ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر انتهى وفي صحيح مسلم من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ما هو مطابق للفظ الترجمة فاحتمال كونه أشار إليه أولى ولفظه من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا الحديث والمعنى أنه يسأل ليجمع الكثير من غير احتياج إليه

[ 1405 ] قوله عن عبيد الله بن أبي جعفر في رواية أبي صالح الآتية حدثنا عبيد الله قوله مزعة لحم مزعة بضم الميم وحكى كسرها وسكون الزاي بعدها مهملة أي قطعة وقال بن التين ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي والذي أحفظه عن المحدثين الضم قال الخطابي يحتمل أن يكون المراد أنه يأتي ساقطا لا قدر له ولا جاه أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال أو أنه يبعث ووجهه عظم كله فيكون ذلك شعاره الذي يعرف به انتهى والأول صرف للحديث عن ظاهره وقد يؤيده ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعا لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه وقال بن أبي جمرة معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء لأن حسن الوجه هو بما فيه من اللحم ومال المهلب إلى حمله على ظاهره وإلى أن السر فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره قال والمراد به من سأل تكثرا وهو غني لا تحل له الصدقة وأما من سأل وهو مضطر فذلك مباح له فلا يعاقب عليه انتهى وبهذا تظهر مناسبة إيراد هذا الطرف من حديث الشفاعة عقب هذا الحديث قال بن المنير في الحاشية لفظ الحديث دال على ذم تكثير السؤال والترجمة لمن سأل تكثرا والفرق بينهما ظاهر لكن لما كان المتوعد عليه على ما تشهد به القواعد هو السائل عن غنى وأن سؤال ذي الحاجة مباح نزل البخاري الحديث على من يسأل ليكثر ماله قوله بآدم ثم بموسى هذا فيه اختصار وسيأتي في الرقاق في حديث الشفاعة الطويل ذكر من يقصدونه بين آدم وموسى وبين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وكذا الكلام على بقية ما في حديث الشفاعة مما يحتاج إلى الشرح قوله وزاد عبد الله بن صالح كذا عند أبي ذر وسقط قوله بن صالح من رواية الأكثر ولهذا جزم خلف وأبو نعيم بأنه بن صالح وقد رويناه في الإيمان لابن منده من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير وعبد الله بن صالح جميعا عن الليث وساقه بلفظ عبد الله بن صالح وقد رواه موصولا من طريق عبد الله بن صالح وحده البزار عن محمد بن إسحاق الصغاني والطبراني في الأوسط عن مطلب بن شعيب وابن منده في كتاب الإيمان من طريق يحيى بن عثمان ثلاثتهم عن عبد الله بن صالح فذكره وزاد بعد قوله استغاثوا بآدم فيقول لست بصاحب ذلك وتابع عبد الله بن صالح على هذه الزيادة عبد الله بن عبد الحكم غن الليث أخرجه بن منده أيضا قوله بحلقة الباب أي باب الجنة أو هو مجاز عن القرب إلى الله تعالى والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى التي اختص بها وهي إراحة أهل الموقف من أهوال القضاء بينهم والفراغ من حسابهم والمراد بأهل الجمع أهل الحشر لأنه يوم يجمع فيه الناس كلهم وسيأتي بقية الكلام على المقام المحمود في تفسير سورة سبحان إن شاء الله تعالى قوله وقال معلي بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام المفتوحة وهو بن أسد وقد وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه ومن طريقه البيهقي وآخر حديثه مزعة لحم وفيه قصة لحمزة بن عبد الله بن عمر مع أبيه في ذلك ولهذا قيده المصنف بقوله في المسألة أي في الشق الأول من الحديث دون الزيادة ورويناه أيضا في معجم أبي سعيد بن الأعرابي قال حدثنا حمدان بن علي عن معلى بن أسد به وفي هذا الحديث أن هذا الوعيد يختص بمن أكثر السؤال لا من ندر ذلك منه ويؤخذ منه جواز سؤال غير المسلم لأن لفظ الناس يعم قاله بن أبي جمرة وحكى عن بعض الصالحين أنه كان إذا أحتاج سأل ذميا لئلا يعاقب المسلم بسببه لو رده

قوله فإن الله به عليم



قوله باب قول الله عز وجل لا يسألون الناس إلحافا وكم الغنى وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يجد غنى يغنيه لقول الله عز وجل للفقراء الذي أحصروا الآية هذه اللام التي في قوله لقول الله لام التعليل لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة وكم الغنى وكأنه يقول وقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجد غنى يغنيه مبين لقدر الغنى لأن الله تعالى جعل الصدقة للفقراء الموصوفين بهذه الصفة أي من كان كذلك فليس بغني ومن كان بخلافها فهو غني فحاصله أن شرط السؤال عدم وجدان الغنى لوصف الله الفقراء بقوله لا يستطيعون ضربا في الأرض إذ من استطاع ضربا فيها فهو وأجد لنوع من الغنى والمراد بالذين أحصروا الذين حصرهم الجهاد أي منعهم الاشتغال به من الضرب في الأرض أي التجارة لاشتغالهم به عن التكسب قال بن علية كل محيط يحصر بفتح أوله وضم الصاد والأعذار المانعة تحصر بضم المثناة وكسر الصاد أي تجعل المرء كالمحاط به وللفقراء يتعلق بمحذوف تقديره الإنفاق المقدم ذكره لهؤلاء انتهى وأما قول المصنف في الترجمة وكم الغنى فلم يذكر فيه حديثا صريحا فيحتمل أنه أشار إلى أنه لم يرد فيه شيء على شرطه ويحتمل أن يستفاد المراد من قوله في حديث أبي هريرة الذي لا يجد غنى يغنيه فإن معناه لا يجد شيئا يقع موقعا من حاجته فمن وجد ذلك كان غنيا وقد ورد فيه ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث بن مسعود مرفوعا من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف وقد تكلم فيه شعبة من أجل هذا الحديث وحدث به سفيان الثوري عن حكيم فقيل له إن شعبة لا يحدث عنه قال لقد حدثني به زبيد أبو عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد يعني شيخ حكيم أخرجه الترمذي أيضا ونص أحمد فيه علل الخلال وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة وقد تقدم حديث أبي سعيد قريبا من عند النسائي في باب الاستعفاف وفيه من سأل وله أوقية فقد ألحف وقد أخرجه بن حبان في صحيحه بلفظ فهو ملحف وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند النسائي بلفظ فهو الملحف وعن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد له صحبة في أثناء حديث مرفوع قال فيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا أخرجه أبو داود وعن سهل بن الحنظلية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار فقالوا يا رسول الله وما يغنيه قال قدر ما يغديه ويعشيه أخرجه أبو داود أيضا وصححه بن حبان قال الترمذي في حديث بن مسعود والعمل على هذا عند بعض أصحابنا كالثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق قال ووسع قوم في ذلك فقالوا إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة وهو قول الشافعي وغيره من أهل العلم انتهى وقال الشافعي قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله وفي المسألة مذاهب أخرى أحدهما قول أبي حنيفة إن الغني من ملك نصابا فيحرم عليه أخذ الزكاة واحتج بحديث بن عباس في بعث معاذ إلى اليمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم له تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغني وقد قال لا تحل الصدقة لغني ثانيها أن حده من وجد ما يغديه ويعشيه على ظاهر حديث سهل بن الحنظلية حكاه الخطابي عن بعضهم ومنهم من قال وجهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات ثالثها أن حده أربعون درهما وهو قول أبي عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد وهو الظاهر من تصرف البخاري لأنه اتبع ذلك قوله لا يسألون الناس إلحافا وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر فقد سأل إلحافا ثم أورد المصنف في الباب أربعة أحاديث أولها حديث أبي هريرة في ذكر المسكين أورده من طريقين والمسكين مفعيل من السكون قاله القرطبي قال فكأنه من قلة المال سكنت حركاته ولذا قال تعالى أو مسكينا ذا متربة أي لاصق بالتراب

[ 1406 ] قوله الأكلة والأكلتان بالضم فيهما ويؤيده ما في رواية الأعرج آتية آخر الباب اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان وزاد فيه الذي يطوف على الناس قال أهل اللغة الأكلة بالضم واللقمة وبالفتح المرة من الغداء والعشاء قوله ليس له غنى زاد في رواية الأعرج غنى يغنيه وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر وكأن المعنى نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار وهذا كقوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا قوله ويستحي زاد في رواية الأعرج ولا يفطن به وفي رواية الكشميهني له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس وهو بنصب يتصدق ويسأل وموضع الترجمة منه قوله ليس له غنى وقد أورده المصنف في التفسير من طريق أخرى عن أبي هريرة يظهر تعلقها بهذه الترجمة أكثر من هذه الطريق ولفظه هناك إنما المسكين الذي يتعفف اقرؤا إن شئتم يعني قوله لا يسألون الناس إلحافا كذا وقع فيه بزيادة يعني وقد أخرجه مسلم وأحمد من هذا الوجه بدونها وكذلك وقع فيه بزيادة بن أبي حاتم في تفسيره ثانيها حديث المغيرة وابن أشوع بالشين المعجمة وزاد أحمد في رواية الكشميهني بن الأشوع وهو سعيد بن عمرو بن الأشوع نسب لجده وكاتب المغيرة هو وراد

[ 1407 ] قوله وإضاعة الأموال في رواية الكشميهني المال وموضع الترجمة منه قوله وكثرة السؤال قال بن التين فهم منه البخاري سؤال الناس ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات أو عما لا حاجة للسائل به ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ذروني ما تركتكم قلت وحمله على المعنى الأعم أولى ويستقيم مراد البخاري مع ذلك وقد مضى بعض شرحه في كتاب الصلاة ويأتي في كتاب الأدب وفي الرقاق مستوفي إن شاء الله تعالى ثالثها حديث سعد بن أبي وقاص أورده بإسنادين وموضع الترجمة منه قوله في الرواية الثانية فجمع بين عنقي وكتفي ثم قال أقبل أي سعد وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الإيمان وأنه أمر بالاقبال أو بالقبول ووقع عند مسلم اقبالا أي سعد على أنه مصدر أي أتقابلني قبالا بهذه المعارضة وسياقه يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كره منه الحاحه عليه في المسألة ويحتمل أن يكون من جهة أن المشفوع له ترك السؤال فمدح

[ 1408 ] قوله وعن أبيه عن صالح هو معطوف على الإسناد الأول وكذا أخرجه مسلم عن الحسن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد قوله أبو عبد الله هو المصنف قوله فكبكبوا الخ تقدمت الإشارة إليه في الإيمان وجرى المصنف على عادته في إيراد تفسير اللفظة الغريبة إذا وافق ما في الحديث ما في القرآن وقوله غير واقع أي لازما و إذا وقع أي إذا كان متعديا والغرض أن هذه الكلمة من النوادر حيث كان الثلاثي متعديا والمزيد فيه لازما عكس القاعدة التصريفية قيل ويجوز أن يكون ألف أكب للصيرورة قوله صالح بن كيسان يعني المذكور في الإسنادين قوله أكبر من الزهري يعني في السن ومثل هذا جاء عن أحمد وابن معين وقال علي بن المديني كان أسن من الزهري فإن مولده سنة خمسين وقيل بعدها ومات سنة ثلاث وعشرين ومائة وقيل سنة أربع وأما صالح بن كيسان فمات سنة أربعين ومائة وقيل قبلها وذكر الحاكم في مقدار عمره سنا تعقبوه عليه وقوله أدرك بن عمر يعني أدرك السماع منه وأما الزهري فمختلف في لقيه له والصحيح أنه لم يلقه وإنما يروي عن ابنه سالم عنه والحديثان اللذان وقع في رواية معمر عنه أنه سمعهما من بن عمر ثبت ذكر سالم بينهما في رواية غيره والله أعلم رابعها حديث أبي هريرة الدال على ذم السؤال ومدح الاكتساب وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب الاستعفاف عن المسألة وفي الحديث الأول أن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال وحسن الإرشاد لوضع الصدقة وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الالحاح وفيه دلالة لمن يقول إن الفقير أسوأ حالا من المسكين وأن المسكين الذي له شيء لكنه لا يكفيه والفقير الذي لا شيء له كما تقدم توجيهه ويؤيده قوله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها وهذا قول الشافعي وجمهور أهل الحديث والفقه وعكس آخرون فقالوا المسكين أسوأ حالا من الفقير وقال آخرون هما سواء وهذا قول بن القاسم وأصحاب مالك وقيل الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل حكاه بن بطال وظاهره أيضا أن المسكين من اتصف بالتعفف وعدم الإلحاف في السؤال لكن قال بن بطال معناه المسكين الكامل وليس المراد نفي أصل المسكنة عن الطواف بل هي كقوله أتدرون من المفلس الحديث وقوله تعالى ليس البر الآية وكذا قرره القرطبي وغير واحد والله أعلم

قوله باب خرص التمر أي مشروعيته والخرص بفتح المعجمة وحكى كسرها وبسكون الراء بعدها مهملة هو حزر ما على النخل من الرطب تمرا حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة بعث السلطان خارصا ينظر فيقول يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا وكذا وكذا تمرا فيحصيه وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم ويخلي بينهم وبين الثمار فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر انتهى وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء لأن في منعهم منها تضييقا لا يخفى وقال الخطابي أنكر أصحاب الرأي الخرص وقال بعضهم إنما كان يفعل تخويفا للمزارعين لئلا يخونوا لا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار وتعقبه الخطابي بأن تحريم الربا والميسر متقدم والخرص عمل به في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي قال وأما قولهم أنه تخمين وغرور فليس كذلك بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وادراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يسدد لما كان يسدد له سواء أن تثبت بذلك الخصوصية ولو كان المرء لا يجب عليه الأتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه كتسديد الأنبياء لسقط الأتباع وترد هذه الحجة أيضا بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم الخراص في زمانه والله أعلم واعتل الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذا بدلا مما لم يسلم له وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص قال بن المنذر أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان

[ 1411 ] قوله عن عمرو بن يحيى هو المازني ولمسلم من وجه آخر عن وهيب حدثنا عمرو بن يحيى قوله عن عباس الساعدي هو بن سهل بن سعد ووقع في رواية أبي داود عن سهل بن بكار شيخ البخاري فيه عن العباس الساعدي يعني بن سهل بن سعد وفي رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن وهيب حدثنا عمرو بن يحيى حدثنا عباس بن سهل الساعدي قوله غزوة تبوك سيأتي شرحها في المغازي قوله فلما جاء وادي القرى هي مدينة قديمة بين المدينة والشام سيأتي ذكرها في البيوع وأغرب بن قرقول فقال إنها من أعمال المدينة قوله إذا امرأة في حديقة لها استدل به على جواز الابتداء بالنكرة لكن بشرط الإفادة قال بن مالك لا يمتنع الابتداء بالنكرة المحضة على الإطلاق بل إذا لم تحصل فائدة فلو اقترن بالنكرة المحضة قرينة يتحصل بها الفائدة جاز الابتداء بها نحو انطلقت فإذا سبع في الطريق الخ ووقع في رواية سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عند مسلم فأتينا على حديقة امرأة ولم أقف على اسمها في شيء من الطرق قوله أخرصوا بضم الراء زاد سليمان فخرصنا ولم أقف على أسماء من خرص منهم قوله وخرص في رواية سليمان وخرصها قوله أحصي أي احفظي عدد كيلها وفي رواية سليمان أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى وأصل الإحصاء العدد بالحصى لأنهم كانوا لا يحسنون الكتابة فكانوا يضبطون العدد بالحصى قوله ستهب الليلة زاد سليمان عليكم قوله فلا يقومن أحد في رواية سليمان فلا يقم فيها أحد منكم قوله فليعقله أي يشده بالعقال وهو الحبل وفي رواية سليمان فليشد عقاله وفي رواية بن إسحاق في المغازي عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عباس بن سهل ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له قوله فقام رجل فالقته بجبل طي وفي رواية الكشميهني بجبلي طي وفي رواية الإسماعيلي من طريق عفان عن وهيب ولم يقم فيها أحد غير رجلين ألقتهما بجبل طي وفيه نظر بينته رواية بن إسحاق ولفظه ففعل الناس ما أمرهم إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج آخر في طلب بعير له فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبل طي فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك والمراد بجبلي طي المكان الذي كانت القبيلة المذكورة تنزله واسم الجبلين المذكورين أجأ بهمزة وجيم مفتوحتين بعدهما همزة بوزن قمر وقد لا تهمز فيكون بوزن عصا و سلمى وهما مشهوران ويقال إنهما سميا باسم رجل وامرأة من العماليق ولم أقف على اسم الرجلين المذكورين وأظن ترك ذكرهما وقع عمدا فقد وقع في آخر حديث بن إسحاق أن عبد الله بن أبي بكر حدثه أن العباس بن سهل سمى الرجلين ولكنه استكتمني أياهما قال وأبى عبد الله أن يسميهما لنا قوله وأهدى ملك أيلة بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام مفتوحة بلدة قديمة بساحل البحر تقدم ذكرها في باب الجمعة في القرى والمدن ووقع في رواية سليمان عند مسلم وجاء رسول بن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء وفي مغازي بن إسحاق ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يوحنا بن روبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية وكذا رواه إبراهيم الحربي في الهدايا من حديث علي فأستفيد من ذلك اسمه واسم أبيه فلعل العلماء اسم أمه ويوحنا بضم التحتانية وفتح المهملة وتشديد النون وروبة بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة واسم البغلة المذكورة دلدل هكذا جزم به النووي ونقل عن العلماء أنه لا يعرف له بغلة سواها وتعقب بأن الحاكم أخرج في المستدرك عن بن عباس أن كسرى أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه الحديث وهذه غير دلدل ويقال أن النجاشي أهدى له بغلة وأن صاحب دومة الجندل أهدى له بغلة وأن دلدل إنما أهداها له المقوقس وذكر السهيلي أن التي كانت تحته يوم حنين تسمى فضة وكانت شهباء ووقع عند مسلم في هذه البغلة أن فروة أهداها له قوله وكتب له ببحرهم أي ببلدهم أو المراد بأهل بحرهم لأنهم كانوا سكانا بساحل البحر أي أنه أقره عليهم بما التزموه من الجزية وفي بعض الروايات ببحرتهم أي بلدتهم وقيل البحرة الأرض وذكر بن إسحاق الكتاب وهو بعد البسملة هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة و أهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي وساق بقية الكتاب قوله كم جاء حديقتك أي تمر حديقتك وفي رواية مسلم فسأل المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها وقوله عشرة بالنصب على نزع الخافض أو على الحال وقوله خرص بالنصب أيضا إما بدلا و إما بيانا و يجوز الرفع فيهما وتقديره الحاصل عشرة أوسق وهو خرص رسول الله قوله فلما قال بن بكار كلمة معناها أشرف على المدينة بن بكار هو سهل شيخ البخاري فكأن البخاري شك في هذه اللفظة فقال هذا وقد رواه أبو نعيم في المستخرج عن فاروق عن أبي مسلم وغيره عن سهل فذكرها بهذا اللفظ سواء وسيأتي الكلام على بقية الحديث وما يتعلق بالمدينة في فضل المدينة وما يتعلق بالأنصار في مناقب الأنصار فإنه ساق ذلك هناك أتم مما هنا وقوله طابة هو من أسماء المدينة كطيبة قوله وقال سليمان بن بلال حدثني عمرو يعني بن يحيى بالإسناد المذكور وهذه الطريق موصولة في فضائل الأنصار قوله وقال سليمان هو بن بلال المذكور وسعد بن سعيد هو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد وعباس هو بن سهل بن سعد وهي موصولة في فوائد علي بن خزيمة قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان أي بن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال فذكره و أوله أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من المدينة أخذ طريق غراب لأنها أقرب إلى المدينة وترك الأخرى فساق الحديث ولم يذكر أوله واستفيد منه بيان قوله أني متعجل إلى المدينة فمن أحب فليتعجل معي أي أني سالك الطريق القريبة فمن أراد فليأت معي يعني ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش وظهر أن عمارة بن غزية خالف عمرو بن يحيى في إسناد الحديث فقال عمرو عن عباس عن أبي حميد وقال عمارة عن عباس عن أبيه فيحتمل أن يسلك طريق الجمع بأن يكون عباس أخذ القدر المذكور وهو أحد جبل يحبنا ونحبه عن أبيه وعن أبي حميد معا أو حمل الحديث عنهما معا أو كله عن أبي حميد ومعظمه عن أبيه وكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا ولذلك كان لا يجمعهما وقد وقع في رواية بن إسحاق المذكورة عباس بن سهل بن سعد أو عباس عن سهل فتردد فيه هل هو مرسل أو رواه عن أبيه فيوافق قول عمارة لكن سياق عمرو بن يحيى أتم من سياق غيره والله أعلم وفي هذا الحديث مشروعية الخرص وقد تقدم ذكر الخلاف فيه أول الباب واختلف القائلون به هل هو واجب أو مستحب فحكى الصيمري من الشافعية وجها بوجوبه وقال الجمهور هو مستحب إلا إن تعلق به حق لمحجور مثلا أو كان شركاؤه غير مؤتمنين فيجب لحفظ مال الغير واختلف أيضا هل يختص بالنخل أو يلحق به العنب أو يعم كل ما ينتفع به رطبا وجافا وبالأول قال شريح القاضي وبعض أهل الظاهر و الثاني قول الجمهور وإلى الثالث نحا البخاري وهل يمضي قول الخارص أو يرجع إلى ما آل إليه الحال بعد الجفاف الأول قول مالك وطائفة والثاني قول الشافعي ومن تبعه وهل يكفي خارص واحد عارف ثقة أو لا بد من اثنين وهما قولان للشافعي والجمهور على الأول واختلف أيضا هل هو إعتبار أو تضمين وهما قولان للشافعي أظهرهما الثاني وفائدته جواز التصرف في جميع الثمرة ولو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص وفيه أشياء من أعلام النبوة كالإخبار عن الريح وما ذكر في تلك القصة وفيه تدريب الأتباع وتعليمهم وأخذ الحذر مما يتوقع الخوف منه وفضل المدينة والأنصار ومشروعية المفاضلة بين الفضلاء بالإجمال والتعيين ومشروعية الهدية والمكافأة عليها تكميل في السنن وصحيح بن حبان من حديث سهيل بن أبي حثمة مرفوعا إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع وقال بظاهرة الليث وأحمد وإسحاق وغيرهم وفهم منه أبو عبيد في كتاب الأموال أنه القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه فقال يترك قدر احتياجهم وقال مالك وسفيان لا يترك لهم شيء وهو المشهور عن الشافعي قال بن العربي و المتحصل من صحيح النظر أن يعمل بالحديث وهو قدر المؤنة ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطب اقوله قال أبو عبيد هو القاسم بن سلام الإمام المشهور صاحب الغريب وكلامه هذا في غريب الحديث له وقال صاحب المحكم هو من الرياض كل أرض استدارت وقيل كل أرض ذات شجر مثمر ونخل وقيل كل حفرة تكون في الوادي يحتبس فيها الماء فإذا لم يكن فيه ماء فهو حديقة ويقال الحديقة أعمق من الغدير والحديقة القطعة من الزرع يعني أنه من المشترك

قوله باب العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء الجاري قال الزين بن المنير عدل عن لفظ العيون الواقع في الخبر إلى الماء الجاري ليجريه مجرى التفسير للمقصود من ماء العيون وأنه الماء الذي يجري بنفسه من غير نضح وليبين أن الذي يجري بنفسه من نهر أو غدير حكمه حكم ما يجري من العيون انتهى وكأنه أشار إلى ما في بعض طرقه فعند أبي داود فيما سقت السماء و الأنهار والعيون الحديث قوله ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا أي زكاة وصله مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى لا تأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة وأخرج بن أبي شيبة وعبد الرزاق بإسناد صحيح إلى نافع مولى بن عمر قال بعثني عمر بن عبد العزيز على اليمن فأردت أن آخذ من العسل العشر فقال مغيرة بن حكيم الصنعاني ليس فيه شيء فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز فقال صدق هو عدل رضا ليس فيه شيء وجاء عن عمر بن عبد العزيز ما يخالفه أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج عن كتاب إبراهيم بن ميسرة قال ذكر لي بعض من لا أتهم من أهلي أنه تذاكر هو وعروة بن محمد السعدي فزعم عروة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل فزعم عروة أنه كتب إليه إنا قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف فخذ منه العشر انتهى وهذا إسناد ضعيف لجهالة الواسطة والأول أثبت وكأن البخاري أشار إلى تضعيف ما روى أن في العسل العشر وهو ما أخرجه عبد الرزاق بسنده عن أبي هريرة قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو بمهملات وزن محمد قال البخاري في تاريخه عبد الله متروك ولا يصح في زكاة العسل شيء قال الترمذي لا يصح في هذا الباب شيء قال الشافعي في القديم حديث أن في العسل العشر ضعيف وفي أن لا يؤخذ منه العشر ضعيف إلا عن عمر بن عبد العزيز انتهى وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق طاوس أن معاذا لما أتى اليمن قال لم أؤمر فيهما بشيء يعني العسل وأوقاص البقر وهذا منقطع وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء هلال أحد بني متعان أي بضم الميم وسكون المثناة بعدها مهملة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي له واديا فحماه له فلما ولي عمر كتب إلى عامله إن أدى إليك عشور نحله فاحم له سلبه وإلا فلا وإسناده صحيح إلى عمرو وترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض وقد ورد ما يدل على أن هلالا أعطى ذلك تطوعا فعند عبد الرزاق عن صالح بن دينار أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا أن هلال بن سعد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعسل فقال ما هذا قال صدقة فأمر برفعها ولم يذكر عاشوراء لكن الإسناد الأول أقوى إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب وقال بن المنذر ليس في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه وهو قول الجمهور وعن أبي حنيفة وأحمد وإسحاق يجب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج وما نقله عن الجمهور مقابله قول الترمذي بعد أن أخرج حديث بن عمر فيه والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وقال بعض أهل العلم ليس في العسل شيء وأشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله بن المنذر أقوى قال بن المنير مناسبة أثر عمر في العسل للترجمة من جهة أن الحديث يدل على أن لا عشر فيه لأنه خص العشر أو نصفه بما يسقى فأفهم أن ما لا يسقى لا يعشر زاد بن رشيد فإن قيل المفهوم إنما ينفى العشر أو نصفه لا مطلق الزكاة فالجواب أن الناس قائلان مثبت للعشر وناف للزكاة أصلا فتم المراد قال ووجه إدخاله العسل أيضا للتنبيه على الخلاف فيه وأنه لا يرى فيه زكاة وإن كانت النحل تتغذى مما يسقى من السماء لكن المتولد بالمباشرة كالزرع ليس كالمتولد بواسطة حيوان كاللبن فإنه متولد عن الرعي و لا زكاة فيه

[ 1412 ] قوله عثريا بفتح المهملة والمثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية وحكى عن بن الأعرابي تشديد المثلثة ورده ثعلب وحكى بن عديس في المثلث فيه ضم أوله وإسكان ثانيه قال الخطابي هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي زاد بن قدامة عن القاضي أبي يعلى وهو المستنقع في بركة ونحوها يصب إليه من ماء المطر في سواق تشق له قال واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لأن الماشي يعثر فيها قال ومنه الذي يشرب من الأنهار بغير مؤنة أو يشرب بعروقه كأن يغرس في أرض يكون الماء قريبا من وجهها فيصل إليه عروق الشجر فيستغني عن السقي وهذا التفسير أولى من إطلاق أبي عبيد أن العثري ما سقته السماء لان سياق الحديث يدل على المغايرة وكذا قول من فسر العثري بأنه الذي لا حمل له لأنه لا زكاة فيه قال بن قدامة لا نعلم في هذه التفرقة التي ذكرناها خلافا قوله بالنضح بفتح النون و سكون المعجمة بعدها مهملة أي بالسانية وهي رواية مسلم والمراد بها الإبل التي يستقى عليها وذكر الإبل كالمثال وإلا فالبقر وغيرها كذلك في الحكم قوله قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول الخ هكذا وقع في رواية أبي ذر هذا الكلام عقب حديث بن عمر في العثري ووقع في رواية غيره عقب حديث أبي سعيد المذكور في الباب الذي بعده وهو الذي وقع عند الإسماعيلي أيضا وجزم أبو علي الصدفي بأن ذكره عقب حديث بن عمر من قبل بعض نساخ الكتاب انتهى ولم يقف الصغاني على اختلاف الروايات فجزم بأنه وقع هنا في جميعها قال وحقه أن يذكر في الباب الذي يليه قلت ولذكره عقب كل من الحديثين وجه لكن تعبيره بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد لأنه هو المفسر للذي قبله وهو حديث بن عمر فحديث بن عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة ولكنه عند الجمهور مختص بالمعنى الذي سيق لأجله وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر بخلاف حديث أبي سعيد فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره فأخذ به الجمهور عملا بالدليلين كما سيأتي بسط القول فيه بعد إن شاء الله تعالى وقد جزم الإسماعيلي بأن كلام البخاري وقع عقب حديث أبي سعيد ودل حديث الباب على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى بنضح أو بغير نضح فإن وجد ما يسقى بهما فظاهره أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر إذا تساوى ذلك وهو قول أهل العلم قال بن قدامة لا نعلم فيه خلافا وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعا للأكثر نص عليه أحمد وهو قول الثوري وأبي حنيفة واحد قولي الشافعي والثاني يؤخذ بالقسط ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه وعن بن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع وانتهى ولو كان أقل قاله بن التين عن حكاية أبي محمد بن أبي زيد عنه والله أعلم تنبيه قال النسائي عقب تخريج هذا الحديث رواه نافع عن بن عمر عن عمر قال وسالم أجل من نافع وقول نافع أولى بالصواب وقوله بعده هذا تفسير الأول لأنه لم يوقت في الأول أي لم يذكر حدا للنصاب وقوله وبين في هذا يعني في حديث أبي سعيد قوله والزيادة مقبولة أي من الحافظ والثبت بتحريك الموحدة الثبات والحجة قوله والمفسر يقضي على المبهم أي الخاص يقضي على العام لأن فيما سقت عام يشمل النصاب ودونه وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة خاص بقدر النصاب وأجاب بعض الحنفية بأن محل ذلك ما إذا كان البيان وفق المبين لا زئدا عليه ولا ناقصا عنه أما إذا انتفى شيء من أفراد العام مثلا فيمكن التمسك به كحديث أبي سعيد هذا فإنه دل على النصاب فيما يقبل التوسيق وسكت عما لا يقبل التوسيق فيمكن التمسك بعموم قوله فيما سقت السماء العشر أي مما لا يمكن التوسيق فيه عملا بالدليلين وأجاب الجمهور بما روي مرفوعا لا زكاة في الخضراوات رواه الدارقطني من طريق علي وطلحة ومعاذ مرفوعا وقال الترمذي لا يصح فيه شيء إلا مرسل موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو دال على أن الزكاة إنما هي فيما يكال مما يدخر للاقتيات في حال الاختيار وهذا قول مالك والشافعي وعن أحمد يخرج من جميع ذلك ولو كان لايقتات وهو قول محمد وأبي يوسف وحكى بن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض إلا أن أبا حنيفة قال تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش والشجر الذي ليس له ثمر انتهى وحكى عياض عن داود أن كل ما يدخل فيه الكيل يراعى فيه النصاب وما لا يدخل فيه الكيل ففي قليله وكثيره الزكاة وهو نوع من الجمع بين الحديثين المذكورين والله أعلم قال بن العربي أقوى المذاهب وأحوطها للمساكين قول أبي حنيفة وهو التمسك بالعموم قال وقد زعم الجويني أن الحديث إنما جاء لتفصيل ما تقل مما تكثر مؤنته قال بن العربي لا مانع أن يكون الحديث يقتضي الوجهين والله أعلم قوله كما روى الخ أي كما أن المثبت مقدم على النافي في حديثي الفضل وبلال وحديث الفضل أخرجه أحمد وغيره وحديث بلال سيأتي موصولا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى تكميل اختلف في هذا النصاب هل هو تحديد أو تقريب وبالأول جزم أحمد وهو أصح الوجهين للشافعية إلا إن كان نقصا يسيرا جدا مما لا ينضبط فلا يضر قاله بن دقيق العيد وصحح النووي في شرح مسلم أنه تقريب واتفقوا على وجوب الزكاة فيما زاد على الخمسة أوسق بحسابه ولا وقص فيها

قوله باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة أورد فيه حديث أبي سعيد وقد تقدم ذكره في باب زكاة الورق وذكر فيه قدر الوسق وقوله هنا ليس فيما أقل ما زائدة وأقل في موضع جر بفي وقد ذكره بعده بلفظ وليس في أقل

قوله باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة الصرام بكسر المهملة الجداد والقطاف وزنا ومعنى وقد اشتمل هذا الباب على ترجمتين أما الأولى فلها تعلق بقوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده واختلفوا في المراد بالحق فيها فقال بن عباس هي الواجبة وأخرجه بن جرير عن أنس وقال بن عمر هو شيء سوى الزكاة أخرجه بن مردويه وبه قال عطاء وغيره وحديث الباب يشعر بأنه غير الزكاة وكأنه المراد بما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين وقد تقدم ذكره في باب القسمة وتعليق القنو في المسجد من كتاب الصلاة وأما الترجمة الثانية فربطها بالترك إشارة منه إلى أن الصبا وإن كان مانعا من توجيه الخطاب إلى الصبي فليس مانعا من توجيه الخطاب إلى الولي بتأديبه وتعليمه وأوردها بلفظ الاستفهام لاحتمال أن يكون النهي خاصا بمن لا يحل له تناول الصدقة

[ 1414 ] قوله كوم بفتح الكاف وسكون الواو معروف وأصله القطعة العظيمة من الشيء والمراد به هنا ما اجتمع من التمر كالعرمة ويروي كوما بالنصب أي حتى يصير التمر عنده كوما قوله فأخذ أحدهما سيأتي بعد بابين من رواية شعبة عن محمد بن زياد بلفظ فأخذ الحسن بن علي قوله فجعله أي المأخوذ وفي رواية الكشميهني فجعلها أي التمرة وسيأتي بقية الكلام عليه قريبا قال الإسماعيلي قوله عند صرام النخل أي بعد أن يصير تمرا لأن النخل قد يصرم وهو رطب فيتمر في المربد ولكن ذلك لا يتطاول فحسن أن ينسب إلى الصرام كما في قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده فإن المراد بعد أن يداس وينقى والله أعلم

قوله باب من باع ثماره أو أرضه أو نخله أو زرعة وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة الخ ظاهر سياق هذه الترجمة أن المصنف يرى جواز بيع الثمرة بعد بدو الصلاح ولو وجبت فيها الزكاة بالخرص مثلا لعموم قوله حتى يبدو صلاحها وهو أحد قولي العلماء والثاني لا يجوز بيعها بعد الخرص لتعلق حق المساكين بها وهو أحد قولي الشافعي وقائل هذا حمل الحديث على الجواز بعد الصلاح وقبل الخرص جمعا بين الحديثين وأما قوله العشر أو الصدقة فمن العام بعد الخاص وفيه إشارة إلى الرد على من جعل من الثمار العشر مطلقا من غير اعتبار نصاب ولم يرد أن الصدقة تسقط بالبيع وأما قوله فأدى الزكاة من غيره فلأنه إذا باع بعد وجوب الزكاة فقد فعل أمرا جائزا كما تقدم فتعلقت الزكاة بذمته فله أن يعطيها من غيره أو يخرج قيمتها على رأي من يجيزه وهو اختيار البخاري كما سبق وأما قوله ولم يخص من وجبت عليه الزكاة ممن لم تجب فيتوقف على مقدمة أخرى وهي أن الحق يتعلق بالصلاح وظاهر القرآن يقتضي أن وجوب الإيتاء إنما هو يوم الحصاد على رأي من جعلها في الزكاة إلا أن يقال إنما تعرضت الآية لبيان زمن الإيتاء لا لبيان زمان الوجوب والظاهر أن المصنف اعتمد في تصحيح هذه المقدمة استعمال الخرص عند الصلاح لتعلق حق المساكين فطواها بتقديمه حكم الخرص فيما سبق أشار إلى ذلك بن رشيد وقال بن بطال أراد البخاري الرد على أحد قولي الشافعي بفساد البيع كما تقدم وقال أبو حنيفة المشتري بالخيار ويؤخذ العشر منه ويرجع هو على البائع وعن مالك العشر على البائع إلا أن يشترطه على المشتري وهو قول الليث وعن أحمد الصدقة على البائع مطلقا وهو قول الثوري والأوزاعي والله أعلم قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الثمرة أسنده في الباب بمعناه وأما هذا اللفظ فمذكور عنده في موضعين من كتاب البيع من حديث بن عمر وسيأتي الكلام هناك على حديثه وعلى حديث أنس أيضا وقوله

[ 1415 ] وكان إذا سئل عن صلاحها قال حتى تذهب عاهته أي الثمر وفي رواية الكشميهني عاهتها وهو مقول بن عمر بينه مسلم في روايته من طريق محمد بن جعفر عن شعبة ولفظه فقيل لابن عمر ما صلاحه قال تذهب عاهته

قوله باب هل يشتري الرجل صدقته قال الزين بن المنير أورد الترجمة بالاستفهام لأن تنزيل حديث الباب على سببه يضعف معه تعميم المنع لاحتمال تخصيصه بالشراء بدون القيمة لقوله وظننت أنه يبيعه برخص وكذا إطلاق الشارع العود عليه بمعنى أنه في معنى رجوع بعضها إليه بغير عوض قال وقصد بهذه الترجمة التنبيه على أن الذي تضمنته الترجمة التي قبلها من جواز بيع الثمرة قبل إخراج الزكاة ليس من جنس شراء الرجل صدقته والفرق بينهما دقيق وقال بن المنذر ليس لأحد أن يتصدق ثم يشتريها للنهي الثابت ويلزم من ذلك فساد البيع إلا إن ثبت الإجماع على جوازه قوله ولا بأس أن يشتري صدقة غيره قد أستدل له بما ذكر ومراده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث لا تعد وقوله العائد في صدقته ولو كان المراد تعميم المنع لقال لا تشتروا الصدقة مثلا وسيأتي لذلك مزيد بيان في باب إذا حولت الصدقة ثم أورد المصنف حديث عمر في تصدقه بالفرس واستئذانه في شرائه بعد ذلك من طريقين فسياق الأولى يقتضي أنه من حديث بن عمر والثانية أنه من مسند عمر ورجح الدارقطني الأولى لكن حيث جاء من طريق سالم وغيره من الرواة عن بن عمر فهو من مسنده وأما رواية أسلم مولى عمر فهي عن عمر نفسه والله أعلم

[ 1418 ] قوله تصدق بفرس أي حمل عليه رجلا في سبيل الله كما في الطريق الثانية والمعنى أنه ملكه له ولذلك ساغ له بيعه ومنهم من قال كان عمر قد حبسه وإنما ساغ للرجل بيعه لأنه حصل فيه هزال عجز لأجله عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك وانتهى إلى حالة عدم الانتفاع به وأجاز ذلك بن القاسم ويدل على أنه حمل تمليك

[ 1419 ] قوله ولا تعد في صدقتك ولو كان حبسا لعلله به وقوله فيها فأضاعه الذي كان عنده أي بترك القيام عليه بالخدمة والعلف ونحوهما وقال في الأولى فوجده يباع قوله وإن أعطاكه بدرهم هو مبالغة في رخصه وهو الحامل له على شرائه قوله ولا تعد في رواية أحمد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ولا تعودن وسمي شراءه برخص عودا في الصدقة من حيث أن الغرض منها ثواب الآخرة فإذا اشتراها برخص فكأنه أختار عرض الدنيا على الآخرة مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق فكيف بالمتصدق فيصير راجعا في ذلك المقدار الذي سومح فيه فائدة أفاد بن سعد في الطبقات أن اسم هذا الفرس الورد وأنه كان لتميم الداري فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه لعمر ولم أقف على اسم الرجل الذي حمله عليه قوله كالعائد في قيئه استدل به على تحريم ذلك لأن القيء حرام قال القرطبي وهذا هو الظاهر من سياق الحديث ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصة لكون القيء مما يستقذر وهو قول الأكثر ويلتحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات وأما إذا ورثه فلا كراهة وأبعد من قال يتصدق به قوله في الطريق الأولى ولهذا كان بن عمر لا يترك أن يبتاع شيئا تصدق به إلا جعله صدقة كذا في رواية أبي ذر وعلى حرف لا تضبيب ولا أدري ما وجهه وبإثبات النفي يتم المعنى أي كان إذا اتفق له أن يشتري شيئا مما تصدق به لا يتركه في ملكه حتى يتصدق به وكأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها لا لمن يردها صدقة وفي الحديث كراهة الرجوع في الصدقة وفصل الحمل في سبيل الله والاعانة على الغزو بكل شيء وأن الحمل في سبيل الله تمليك وأن للمحمول بيعه والانتفاع بثمنه وسيأتي تكميل الكلام على هذا الحديث في أبوب الهبة إن شاء الله تعالى

قوله باب ما يذكر من الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وآله لم يعين الحكم لشهرة الاختلاف فيه والنظر فيه في ثلاثة مواضع أولها المراد بالآل هنا بنو هاشم وبنو المطلب على الأرجح من أقوال العلماء وسيأتي دليله في أبواب الخمس في آخر الجهاد قال الشافعي أشركهم النبي صلى الله عليه وسلم في سهم ذوي القربى ولم يعط أحدا من قبائل قريش غيرهم وتلك العطية عوض عوضوه بدلا عما حرموه من الصدقة وعن أبي حنيفة ومالك بنو هاشم فقط وعن أحمد في بني المطلب روايتان وعن المالكية فيما بين هاشم وغالب بن فهر قولان فعن أصبغ منهم هم بنو قصي وعن غيره بنو غالب بن فهر ثانيها كان يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفرض والتطوع كما نقل فيه غير واحد منهم الخطابي الإجماع لكن حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولا وكذا في رواية عن أحمد ولفظه في رواية الميموني لا يحل للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته صدقة الفطر وزكاة الأموال والصدقة يصرفها الرجل على محتاج يريد بها وجه الله فأما غير ذلك فلا أليس يقال كل معروف صدقة قال بن قدامة ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة وإنما أراد أن ما ليس من صدقة الأموال كالقرض والهدية وفعل المعروف كان غير محرم قال الماوردي يحرم عليه كل ما كان من الأموال متقوما وقال غيره لا تحرم عليه الصدقة العامة كمياه الآبار وكالمساجد وسيأتي دليل تحريم الصدقة مطلقا في اللقطة واختلف هل كان تحريم الصدقة من خصائصه دون الأنبياء أو كلهم سواء في ذلك ثالثها هل يلتحق به آله في ذلك أم لا قال بن قدامة لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة كذا قال وقد نقل الطبري الجواز أيضا عن أبي حنيفة وقيل عنه يجوز لهم إذا حرموا سهم ذوي القربى حكاه الطحاوي ونقله بعض المالكية عن الأبهري منهم وهو وجه لبعض الشافعية وعن أبي يوسف يحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم وعند المالكية في ذلك أربعة أقوال مشهورة الجواز المنع جواز التطوع دون الفرض عكسه وأدلة المنع ظاهرة من حديث الباب ومن غيره ولقوله تعالى قل ما أسألكم عليه من أجر ولو أحلها لآله لأوشك أن يطعنوا فيه ولقوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة أوساخ الناس كما رواه مسلم ويؤخذ من هذا جواز التطوع دون الفرض وهو قول أكثر الحنفية والمصحح عند الشافعية والحنابلة وأما عكسه فقالوا أن الواجب حق لازم لا يلحق بأخذه ذلة بخلاف التطوع ووجه التفرقة بين بني هاشم وغيرهم أن موجب المنع رفع يد الأدنى على الأعلى فأما الأعلى على مثله فلا ولم أر لمن أجاز مطلقا دليلا إلا ما تقدم عن أبي حنيفة

[ 1420 ] سمعت أبا هريرة قال أخذ الحسن في رواية معمر عن محمد بن زياد أنه سمع أبا هريرة قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم تمرا من تمر الصدقة والحسن في حجره أخرجه أحمد قوله فجعلها في فيه زاد أبو مسلم الكجي من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد فلم يفطن له النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام ولعابه يسيل فضرب النبي صلى الله عليه وسلم شدقه وفي رواية معمر فلما فرغ حمله على عاتقه فسال لعابه فرفع رأسه فإذا تمرة في فيه قوله كخ بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلا ومخففا وبكسر الخاء منونة وغير منونة فيخرج من ذلك ست لغات والثانية توكيد للأولى وهي كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يستقذر قيل عربية وقيل أعجمية وزعم الداودي أنها معربة وقد أوردها البخاري في باب من تكلم بالفارسية قوله ليطرحها زاد مسلم إرم بها وفي رواية حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عند أحمد فنظر إليه فإذا هو يلوك تمرة فحرك خده وقال ألقها يا بني ألقها يا بني ويجمع بين هذا وبين قوله كخ كخ بأنه كلمه أولا بهذا فلما تمادى قال له كخ كخ إشارة إلى استقذار ذلك له ويحتمل العكس بأن يكون كلمه أولا بذلك فلما تمادى نزعها من فيه قوله إنا لا نأكل الصدقة في رواية مسلم إنا لا تحل لنا الصدقة وفي رواية معمر إن الصدقة لا تحل لآل محمد وكذا عند أحمد الطحاوي من حديث الحسن بن علي نفسه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذت منه تمرة فألقيتها في في فأخذها بلعابها فقال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وإسناده قوي وللطبراني والطحاوي من حديث أبي ليلى الأنصاري نحوه وفي الحديث دفع الصدقات إلى الإمام والانتفاع بالمسجد في الأمور العامة وجواز إدخال الأطفال المساجد وتأديبهم بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن تناول المحرمات وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك واستنبط بعضهم منه منع ولي الصغيرة إذا اعتدت من الزينة وفيه الإعلام بسبب النهي ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع من يميز لأن الحسن إذ ذاك كان طفلا وأما قوله أما شعرت وفي رواية البخاري في الجهاد أما تعرف ولمسلم أما علمت فهو شيء يقال عند الأمر الواضح وإن لم يكن المخاطب بذلك عالما أي كيف خفي عليك هذا مع ظهوره وهو أبلغ من الزجر من قوله لا تفعل وقد تقدم ذكر بعض فوائده قبل بابين

قوله باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يترجم لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا لموالي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يثبت عنده فيه شيء وقد نقل بن بطال أنهن أي الأزواج لا يدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء وفيه نظر فقد ذكر بن قدامة أن الخلال أخرج من طريق بن أبي مليكة عن عائشة قالت إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة قال وهذا يدل على تحريمها قلت وإسناده إلى عائشة حسن وأخرجه بن أبي شيبة أيضا وهذا لا يقدح فيما نقله بن بطال وروى أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان وغيره عن أبي رافع مرفوعا إنا لا تحل لنا الصدقة وإن موالي القوم من أنفسهم وبه قال أحمد وأبو حنيفة وبعض المالكية كإبن الماجشون وهو الصحيح عند الشافعية وقال الجمهور يجوز لهم لأنهم ليسوا منهم حقيقة ولذلك لم يعوضوا بخمس الخمس ومنشأ الخلاف قوله منهم أو من أنفسهم هل يتناول المساواة في حكم تحريم الصدقة أو لا وحجة الجمهور أنه لا يتناول جميع الأحكام فلا دليل فيه على تحريم الصدقة لكنه ورد على سبب الصدقة وقد اتفقوا على أنه لا يخرج السبب وإن اختلفوا هل يخص به أو لا ويمكن أن يستدل لهم بحديث الباب لأنه يدل على جوازها لموالي الأزواج وقد تقدم أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة الآل فمواليهم أحرى بذلك قال بن المنير في الحاشية إنما أورد البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لا يدخل مواليهن في الخلاف ولا يحرم عليهن الصدقة قولا واحدا لئلا يظن الظان أنه لما قال بعض الناس بدخول الأزواج في الآل أنه يطرد في مواليهن فبين أنه لا يطرد ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث بن عباس في الانتفاع بجلد الشاة لقوله فيه أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الذبائح إن شاء الله تعالى ولم أقف على اسم هذه المولاة ثانيهما حديث عائشة في قصة بريرة وفيه

[ 1422 ] قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به عليها هو لها صدقة ولنا هدية وسيأتي الكلام عليه مستوفى في العتق إن شاء الله تعالى تنبيه قال الإسماعيلي هذه الترجمة مستغنى عنها فإن تسمية المولى لغير فائدة وإنما هو لسوق الحديث على وجهه فقط كذا قال وقد علمت ما فيها من الفائدة

قوله باب إذا تحولت الصدقة في رواية أبي ذر إذا حولت بضم أوله أي فقد جاز للهاشمي تناولها

[ 1423 ] قوله حدثنا خالد هو الحذاء والإسناد كله بصريون قوله هل عندكم شيء أي من الطعام وقوله نسيبة بالنون المهملة والموحدة مصغر اسم أم عطية قوله من الشاة التي بعثت بفتح المثناة أي بعثت بها أنت قوله بلغت محلها أي أنها لما تصرفت فيها بالهدية لصحة ملكها لها انتقلت عن حكم الصدقة فحلت محل الهدية وكانت تحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف الصدقة كما سيأتي في الهبة وهذا تقرير بن بطال بعد أن ضبط محلها بفتح الحاء وضبطه بعضهم بكسرها من الحلول أي بلغت مستقرها والأول أولى وعليه عول البخاري في الترجمة وهذا نظير قصة بريرة كما سيأتي بسطه في كتاب الهبة ثم أورد المصنف حديث أنس في قصة بريرة مختصرا وقال بعده وقال أبو داود أنبأنا شعبة فذكر الإسناد دون المتن لتصريح قتادة فيه بالسماع وأبو داود هو الطيالسي وقد أخرجه في مسنده كذلك ورأيته في النسخة التي وقفت عليها منه معنعنا وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة فصرح بسماع قتادة من أنس أيضا واستنبط البخاري من قصة بريرة وأم عطية أن للهاشمي أن يأخذ من سهم العاملين إذا عمل على الزكاة وذلك أنه إنما يأخذ على عمله قال فلما حل للهاشمي أن يأخذ ما يملكه بالهدية مما كان صدقة لا بالصدقة كذلك يحل له أخذ ما يملكه بعمله لا بالصدقة واستدل به أيضا على جواز صدقة التطوع لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم فرقوا بين أنفسهم وبينه صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم ذلك بل أخبرهم أن تلك الهدية بعينها خرجت عن كونها صدقة بتصرف المتصدق عليه فيها كما تقدم تقريره والله أعلم

قوله باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا قال الإسماعيلي ظاهر حديث الباب أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم وقال بن المنير أختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله فترد في فقرائهم لأن الضمير يعود على المسلمين فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أي جهة كان فقد وافق عموم الحديث انتهى والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل وأن الضمير يعود على المخاطبين فيختص بذلك فقراؤهم لكن رجح بن دقيق العيد الأول وقال إنه وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر فلا تعتبر في الزكاة كما لا تعتبر في الصلاة فلا يختص بهم الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة انتهى وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ونقله بن المنذر عن الشافعي واختاره والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها ولا يبعد أنه اختيار البخاري لأن قوله حيث كانوا يشعر بأنه لا ينقلها عن بلد وفيه من هو متصف بصفة الاستحقاق

[ 1425 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وزكريا بن إسحاق مكي كذا من فوقه قوله عن يحيى في رواية وكيع عن زكريا حدثني يحيى أخرجه مسلم قوله عن أبي معبد في رواية إسماعيل بن أمية عن يحيى أنه سمع أبا معبد يقول سمعت بن عباس يقول أخرجه المصنف في التوحيد قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن كذا في جميع الطرق إلا ما أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن وكيع فقال فيه عن بن عباس عن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى هذا فهو من مسند معاذ وظاهر سياق مسلم أن اللفظ مدرج لكن لم أر ذلك في غير رواية أبي بكر بن أبي شيبة وسائر الروايات أنه من مسند بن عباس فقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن وكيع فقال فيه عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وكذا هو في مسند إسحاق بن إبراهيم وهو بن راهويه قال حدثنا وكيع به وكذا رواه عن وكيع أحمد في مسنده أخرجه أبو داود عن أحمد وسيأتي في المظالم عن يحيى بن موسى عن وكيع كذلك وأخرجه بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن عبد الله المخرمي وجعفر بن محمد الثعلبي وللإسماعيلي من طريق أبي خيثمة وموسى بن السدي والدارقطني من طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقي وإسحاق بن إبراهيم البغوي كلهم عن وكيع كذلك فإن ثبتت رواية أبي بكر فهو من مرسل بن عباس لكن ليس حضور بن عباس لذلك ببعيد لأنه كان في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو إذ ذاك مع أبويه بالمدينة وكان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره المصنف في أواخر المغازي وقيل كان ذلك في أواخر سنة تسع عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك وأخرجه بن سعد في الطبقات عنه ثم حكى بن سعد أنه كان في ربيع الآخر سنة عشر وقيل بعثه عام الفتح سنة ثمان واتفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها واختلف هل كان معاذ واليا أو قاضيا فجزم بن عبد البر بالثاني والغساني بالأول قوله ستأتي قوما أهل كتاب هي كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان وليس فيه أن جميع من يقدم عليهم من أهل الكتاب بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم وإنما خصهم بالذكر تفضيلا لهم على غيرهم قوله فإذا جئتهم قيل عبر بلفظ إذا تفاؤلا بحصول الوصول إليهم قوله فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كذا للأكثر وقد تقدم في أول الزكاة بلفظ وأنى رسول الله كذا في رواية زكريا بن إسحاق لم يختلف عليه فيها وأما إسماعيل بن أمية ففي رواية روح بن القاسم عنه فأول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله وفي رواية الفضل بن العلاء عنه إلى أن يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك ويجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين ومن كان موحدا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك أو يستلزمه كمن يقول ببنوة عزير أو يعتقد التشبيه فتكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم واستدل به من قال من العلماء أنه لا يشترط التبري من كل دين يخالف دين الإسلام خلافا لمن قال إن من كان كافرا بشيء وهو مؤمن بغيره لم يدخل في الإسلام إلا بترك اعتقاد ما كفر به والجواب أن اعتقاد الشهادتين يستلزم ترك اعتقاد التشبيه ودعوى بنوة عزير وغيره فيكتفي بذلك واستدل به على أنه لا يكفي في الإسلام الإقتصار على شهادة إن لا إله إلا الله حتى يضيف إليها الشهادة لمحمد بالرسالة وهو قول الجمهور وقال بعضهم يصير بالأولى مسلما ويطالب بالثانية وفائدة الخلاف تظهر بالحكم بالردة تنبيهان أحدهما كان أصل دخول اليهودية في اليمن في زمن أسعد أبي كرب وهو تبع الأصغر كما حكاه بن إسحاق في أوائل السيرة النبوية ثانيهما قال بن العربي في شرح الترمذي تبرأت اليهود في هذه الأزمان من القول بأن العزير بن الله وهذا لا يمنع كونه كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك نزل في زمنه واليهود معه بالمدينة وغيرها فلم ينقل عن أحد منهم أنه رد ذلك ولا تعقبه والظاهر أن القائل بذلك طائفة منهم لا جميعهم بدليل أن القائل من النصارى إن المسيح بن الله طائفة منهم لا جميعهم فيجوز أن تكون تلك الطائفة انقرضت في هذه الأزمان كما انقلب اعتقاد معظم اليهود عن التشبيه إلى التعطيل وتحول معتقد النصارى في الابن والأب إلى أنه من الأمور المعنوية لا الحسية فسبحان مقلب القلوب قوله فإن هم أطاعوا لك بذلك أي شهدوا وانقادوا وفي رواية بن خزيمة فإن هم أجابوا لذلك وفي رواية الفضل بن العلاء كما تقدم فإذا عرفوا ذلك وعدى أطاع باللام وإن كان يتعدى بنفسه لتضمنه معنى انقاد واستدل به على أن أهل الكتاب ليسوا بعارفين وإن كانوا يعبدون الله ويظهرون معرفته لكن قال حذاق المتكلمين ما عرف الله من شبهه بخلقه أو أضاف إليه اليد أو أضاف إليه الولد قال العلامة بن باز حفظه الله لا شك أن من شبه الله بخلقه أو أضاف إليه الولد جاهل به سبحانه ولم يقدره حق قدره لأنه سبحانه لا شبيه له ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأما إضافة اليد إليه سبحانه فمحل تفصيل فمن أضافها إليه سبحانه على أنها من جنس أيدي المخلوقين فهو مشبه ضال وأما من أضافها إليه على الوجه الذي يليق بجلاله من غير أن يشابه خلقه في ذلك فهذا حق واثباتها لله على هذا الوجه واجب كما نطق به القرآن الكريم وصحتبه السنة وهو مذهب أهل السنة فتنبه والله الموفق فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به واستدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع حيث دعوا أولا إلى الإيمان فقط ثم دعوا إلى العمل ورتب ذلك عليها بالفاء وأيضا فإن قوله فإن هم أطاعوا فأخبرهم يفهم منه أنهم لو لم يطيعوا لا يجب عليهم شيء وفيه نظر لأن مفهوم الشرط مختلف في الاحتجاج به وأجاب بعضهم عن الأول بأنه استدلال ضعيف لأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب كما أن الصلاة والزكاة لا ترتيب بينهما في الوجوب وقد قدمت إحداهما على الأخرى في هذا الحديث ورتبت الأخرى عليها بالفاء ولا يلزم من عدم الإتيان بالصلاة إسقاط الزكاة وقيل الحكمة في ترتيب الزكاة على الصلاة أن الذي يقر بالتوحيد ويجحد الصلاة يكفر بذلك فيصير ماله فيئا فلا تنفعه الزكاة وأما قول الخطابي إن ذكر الصدقة أخر عن ذكر الصلاة لأنها إنما تجب على قوم دون قوم وأنها لا تكرر تكرار الصلاة فهو حسن وتمامه أن يقال بدأ بالأهم فالأهم وذلك من التلطف في الخطاب لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة قوله خمس صلوات استدل به على أن الوتر ليس بفرض وقد تقدم البحث فيه في موضعه قوله فإن هم أطاعوا لك بذلك قال بن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد اقرارهم بوجوبها عليهم والتزامهم لها والثاني أن يكون المراد الطاعة بالفعل وقد يرجح الأول بأن المذكور هو الأخبار بالفريضة فتعود الإشارة بذلك إليها ويترجح الثاني بأنهم لو أخبروا بالفريضة فبادروا إلى الامتثال بالفعل لكفي ولم يشترط التلفظ بخلاف الشهادتين فالشرط عدم الإنكار والاذعان للوجوب انتهى والذي يظهر أن المراد القدر المشترك بين الأمرين فمن امتثل بالإقرار أو بالفعل كفاه أو بهما فأولى وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصلاة فإذا صلوا وبعد ذكر الزكاة فإذا أقروا بذلك فخذ منهم قوله صدقة زاد في رواية أبي عاصم عن زكريا في أموالهم كما تقدم في أول الزكاة وفي رواية الفضل بن العلاء افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم قوله تؤخذ من أغنيائهم استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه فمن أمتنع منها أخذت منه قهرا قوله على فقرائهم استدل به لقول مالك وغيره إنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد وفيه بحث كما قال بن دقيق العيد لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء وقال الخطابي وقد يستدل به من لا يرى على المديون زكاة ما في يده إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغنى إذا كان إخراج ماله مستحقا لغرمائه قوله فإياك وكرائم أموالهم كرائم منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره قال بن قتيبة ولا يجوز حذف الواو والكرائم جمع كريمة أي نفيسة ففيه ترك أخذ خيار المال والنكتة فيه أن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء إلا إن رضوا بذلك كما تقدم البحث فيه قوله واتق دعوة المظلوم أي تجنب الظلم لئلا يدعوا عليك المظلوم وفيه تنبيه علىالمنع من جميع أنواع الظلم والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلى أن أخذها ظلم وقال بعضهم عطف واتق على عامل إياك المحذوف وجوبا فالتقدير اتق نفسك أن تتعرض للكرائم وأشار بالعطف إلى أن أخذ الكرائم ظلم ولكنه عمم إشارة إلى التحرز عن الظلم مطلقا قوله حجاب أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه وإسناده حسن وليس المراد أن لله تعالى حجابا يحجبه عن الناس وقال الطيبي قوله اتق دعوة المظلوم تذييل لاشتماله على الظلم الخاص من أخذ الكرائم وعلى غيره وقوله فإنه ليس بينها وبين الله حجاب تعليل للإتقاء وتمثيل للدعاء كمن يقصد دار السلطان متظلما فلا يحجب وسيأتي لهذا مزيد في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قال بن العربي إلا أنه وإن كان مطلقا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي على ثلاث مراتب إما أن يعجل ما طلب وإما أن يدخر له أفضل منه وإما أن يدفع عنه من السوء مثله وهذا كما قيد مطلق قوله تعالى أم من يجيب المضطر إذا دعاه بقوله تعالى فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وفي الحديث أيضا الدعاء إلى التوحيد قبل القتال وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وغيرها وفيه بعث السعاة لأخذ الزكاة وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به وإيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون لعموم قوله من أغنيائهم قاله عياض وفيه بحث وأن الزكاة لا تدفع إلى الكافر لعود الضمير في فقرائهم إلى المسلمين سواء قلنا بخصوص البلد أو العموم وأن الفقير لا زكاة عليه وأن من ملك نصابا لا يعطي من الزكاة من حيث أنه جعل المأخوذ منه غنيا وقابله بالفقير ومن ملك النصاب في فالزكاة مأخوذة منه فهو غني والغني مانع من إعطاء الزكاة إلا من استثنى قال بن دقيق العيد وليس هذا البحث بالشديد القوة وقد تقدم أنه قول الحنفية وقال البغوي فيه أن المال إذا تلف فبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة لإضافة الصدقة إلى المال وفيه نظر أيضا تكميل لم يقع في هذا الحديث ذكر الصوم والحج مع أن بعث معاذ كما تقدم كان في آخر الأمر وأجاب بن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة وتعقب بأنه يفضى إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان وأجاب الكرماني بأن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر و لهذا كررا في القرآن فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام والسر في ذلك أن الصلاة والزكاة إذا وجبا على المكلف لا يسقطان عنه أصلا بخلاف الصوم فأنه قد يسقط بالفدية والحج فإن الغير قد يقوم مقامه فيه كما في المعضوب ويحتمل أنه حينئذ لم يكن شرع انتهى وقال شيخنا شيخ الإسلام إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منه بشيء كحديث بن عمر بني الإسلام على خمس فإذا كان الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج كقوله تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة في موضعين من براءة مع أن نزوله ما بعد فرض الصوم والحج قطعا وحديث بن عمر أيضا أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وغير ذلك من الأحاديث قال والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة إعتقادي وهو الشهادة وبدني وهو الصلاة ومالي وهو الزكاة اقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرع الركنين الأخيرين عليها فإن الصوم بدني محض والحج بدني مالي وأيضا فكلمة الإسلام هي الأصل وهي شاقة على الكفار والصلوات شاقة لتكررها والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال فإذا أذعن المرء لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها والله أعلم

قوله باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة وقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة إلى قوله سكن لهم قال الزين بن المنير عطف الدعاء على الصلاة في الترجمة ليبين أن لفظ الصلاة ليس محتما بل غيره من الدعاء ينزل منزلته انتهى ويؤيد عدم الإنحصار في لفظ الصلاة ما أخرجه النسائي من حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم قال في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة اللهم بارك فيه وفي إبله وأما استدلاله بالآية لذلك فكأنه فهم من سياق الحديث مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فحمله على إمتثال الأمر لقوله تعالى وصل عليهم وروى بن أبي حاتم وغيره بإسناد صحيح عن السدي في قوله تعالى وصل عليهم قال أدع لهم وقال بن المنير في الحاشية عبر المصنف في الترجمة بالإمام ليبطل شبهة أهل الردة في قولهم للصديق إنما قال الله لرسوله وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وهذا خاص بالرسول فأراد أن يبين أن كل إمام داخل في الخطاب قوله عن عمرو هو بن مرة بن عبد الله بن طارق المرادي الكوفي تابعي صغير لم يسمع من الصحابة إلا من بن أبلي أوفى قال شعبة كان لا يدلس قوله عن عبد الله سيأتي في المغازي بلفظ سمعت بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة قوله

[ 1426 ] قال اللهم صل على فلان وفي رواية غير أبي ذر على آل فلان قوله على آل أبي أوفى يريد أبا أوفى نفسه لأن الآل يطلق على ذات الشيء كقوله في قصة أبي موسى لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود وقيل لا يقال ذلك إلا في حق الرجل الجليل القدر واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة و عمر عبد الله إلى أن كان آخر من مات من الصحابة بالكوفة وذلك سنة سبع وثمانين واستدل به على جواز الصلاة على غير الأنبياء وكرهه مالك والجمهور قال بن التين وهذا الحديث يعكر عليه وقد قال جماعة من العلماء يدعو آخذ للمتصدقة للتصدق بهذا الدعاء لهذا الحديث وأجاب الخطابي عنه قديما بأن أصل الصلاة الدعاء إلا أنه يختلف بحسب المدعو له فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته دعاء لهم بالمغفرة وصلاة أمته عليه دعاء له بزيادة القربى والزلفى ولذلك كان لا يليق بغيره انتهى واستدل به على استحباب دعاء آخذ الزكاة لمعطيها وأوجبه بعض أهل الظاهر وحكاه الحناطي وجها لبعض الشافعية وتعقب بأنه لو كان واجبا لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم السعاة و لأن سائر ما يأخذه الإمام من الكفارات والديون وغيرهما لا يجب عليه فيها الدعاء فكذلك الزكاة وأما الآية فيحتمل أن يكون الوجوب خاصا به لكون صلاته سكنا لهم بخلاف غيره

قوله باب ما يستخرج من البحر أي هل تجب فيه الزكاة أو لا وإطلاق الإستخراج أعم من أن يكون بسهولة كما يوجد في الساحل أو بصعوبة كما يوجد بعد الغوص ونحوه قوله وقال بن عباس رضي الله عنهما ليس العنبر بركاز إنما هو شيء دسره البحر أختلف في العنبر فقال الشافعي في كتاب السلم من الأم أخبرني عدد ممن أثق بخبره أنه نبات يخلقه الله في جنبات البحر قال وقيل أنه يأكله حوت فيموت فيلقيه البحر فيؤخذ فيشق بطنه فيخرج منه وحكى بن رستم عن محمد بن الحسن أنه ينبت في البحر بمنزلة الحشيش في البر وقيل هو شجر ينبت في البحر فيتكسر فيلقيه الموج إلى الساحل وقيل يخرج من عين قاله بن سينا قال وما يحكي من أنه روث دابة أو قيؤها أو من زبد البحر بعيد وقال بن البيطار في جامعه هو روث دابة بحرية وقيل هو شيء ينبت في قعر البحر ثم حكى نحو ما تقدم عن الشافعي وأما الركاز فبكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي سيأتي تحقيقه في الباب الذي بعده ودسره أي دفعه ورمى به إلى الساحل وهذا التعليق وصله الشافعي قال أخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة عن بن عباس فذكر مثله وأخرجه البيهقي من طريقه ومن طريق يعقوب بن سفيان حدثنا الحميدي وغيره عن بن عيينة وصرح فيه بسماع أذينة له من بن عباس وأخرجه بن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار مثله وأذينة بمعجمة ونون مصغر تابعي ثقة و قد جاء عن بن عباس التوقف فيه فأخرج بن أبي شيبة من طريق طاوس قال سئل بن عباس عن العنبر فقال إن كان فيه شيء ففيه الخمس ويجمع بين القولين بأنه كان يشك فيه ثم تبين له أن لا زكاة فيه فجزم بذلك قوله وقال الحسن في العنبر و اللؤلؤ الخمس وصله أبو عبيد في كتاب الأموال من طريقه بلفظ أنه كان يقول في العنبر الخمس وكذلك اللؤلؤ قوله فإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الخ سيأتي موصولا في الذي بعده وأراد بذلك الرد على ما قال الحسن لأن الذي يستخرج من البحر لا يسمى في لغة العرب ركازا على ما سيأتي شرحه قال بن القصار ومفهوم الحديث أن غير الركاز لا خمس فيه ولا سيما اللؤلؤ والعنبر لأنهما يتولدان من حيوان البحر فاشبها السمك انتهى قوله وقال الليث الخ هكذا أورده مختصرا وقد أورده ثم وصله في البيوع وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى ووقع هنا في روايتنا من طريق أبي ذر معلقا ووصله أبو ذر فقال حدثنا علي بن وصيف حدثنا محمد بن غسان حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث به وقرأت بخط الحافظ أبي علي الصدفي هذا الحديث رواه عاصم بن علي عن الليث فلعل البخاري إنما لم يسنده عنه لكونه ما سمعه منه أو لأنه تفرد به فلم يوافقه عليه أحد انتهى والأول بعيد سلمنا لكن لم ينفرد به عاصم فقد اعترف أبو علي بذلك فقال في آخر كلامه رواه محمد بن رمح عن الليث قلت وكأنه لم يقف على الموضع الذي وصله فيه البخاري عن عبد الله بن صالح وبالله التوفيق قال الإسماعيلي ليس في هذا الحديث شيء يناسب الترجمة رجل اقترض قرضا فارتجع قرضه وكذا قال الداودي حديث الخشبة ليس من هذا الباب في شيء وأجاب أبو عبد الملك بأنه أشار به إلى أن كل ما ألقاه البحر جاز أخذه ولا خمس فيه وقال بن المنير موضع الإستشهاد منه أخذ الرجل الخشبة على أنها حطب فإذا قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا فيستفاد منه إباحة ما يلفظه البحر من مثل ذلك مما نشأ في البحر أو عطب فانقطع ملك صاحبه وكذلك ما لم يتقدم عليه ملك لأحد من باب الأولى وكذلك ما يحتاج إلى معاناة وتعب في إستخراجه أيضا وقد فرق الأوزاعي بين ما يوجد في الساحل فيخمس أو في البحر بالغوص أو نحوه فلا شيء فيه وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب فيه شيء إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز كما أخرجه بن أبي شيبة وكذا الزهري والحسن كما تقدم وهو قول أبي يوسف ورواية عن أحمد

قوله باب في الركاز الخمس الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي المال المدفون مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه فهو مركوز وهذا متفق عليه واختلف في المعدن كما سيأتي قوله وقال مالك وابن إدريس الركاز دفن الجاهلية الخ أما قول مالك فرواه أبو عبيد في كتاب الأموال حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير عن مالك قال المعدن بمنزلة الزرع تؤخذ منه الزكاة كما تؤخذ من الزرع حتى يحصد قال وهذا ليس بركاز إنما الركاز دفن الجاهلية الذي يؤخذ من غير أن يطلب بمال ولا يتكلف له كثير عمل انتهى وهكذا هو في سماعنا من الموطأ رواية يحيى بن بكير لكن قال فيه عن مالك عن بعض أهل العلم وأما قوله في قليله وكثيره الخمس فنقله بن المنذر عنه كذلك وفيه عند أصحابه عنه اختلاف وقوله دفن الجاهلية بكسر الدال وسكون الفاء الشيء المدفون كذبح بمعنى مذبوح وأما بالفتح فهو المصدر ولا يراد هنا وأما بن إدريس فقال بن التين قال أبو ذر يقال إن بن إدريس هو الشافعي ويقال عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي وهو أشبه كذا قال وقد جزم أبو زيد المروزي أحد الرواة عن الفربري بأنه الشافعي وتابعه البيهقي وجمهور الأئمة ويؤيده أن ذلك وجد في عبارة الشافعي دون الأودي فروى البيهقي في المعرفة من طريق الربيع قال قال الشافعي والركاز الذي فيه الخمس دفن الجاهلية ما وجد في غير ملك لأحد وأما قوله في قليله وكثيره الخمس فهو قوله في القديم كما نقله بن المنذر واختاره وأما الجديد فقال لا يجب فيه الخمس حتى يبلغ نصاب الزكاة والأول قول الجمهور كما نقله بن المنذر أيضا وهو مقتضى ظاهر الحديث قوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المعدن جبار وفي الركاز الخمس أي فغاير بينهما وهذا وصله في آخر الباب من حديث أبي هريرة ويأتي الكلام عليه قوله وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مائتين خمسة وصله أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق الثوري عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم نحوه وروى البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن عمر بن عبد العزيز جعل المعدن بمنزلة الركاز يؤخذ منه الخمس ثم عقب بكتاب آخر فجعل فيه الزكاة قوله وقال الحسن ما كان من ركاز في أرض الحرب ففيه الخمس وما كان في أرض السلم ففيه الزكاة وصله بن أبي شيبة من طريق عاصم الأحول عنه بلفظ إذا وجد الكنز في أرض العدو ففيه الخمس وإذا وجد في أرض العرب ففيه الزكاة قال بن المنذر ولا أعلم أحدا فرق هذه التفرقة غير الحسن قوله وإن وجدت اللقطة في أرض العدو فعرفها وإن كانت من العدو ففيها الخمس لم أقف عليه موصولا وهو بمعنى ما تقدم عنه قوله وقال بعض الناس المعدن ركاز الخ قال بن التين المراد ببعض الناس أبو حنيفة قلت وهذا أول موضع ذكره فيه البخاري بهذه الصيغة ويحتمل أن يريد به أبا حنيفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك قال بن بطال ذهب أبو حنيفة والثوري وغيرهما إلى أن المعدن كالركاز واحتج لهم بقول العرب أركز الرجل إذا أصاب ركازا وهي قطع من الذهب تخرج من المعادن والحجة للجمهور تفرقة النبي صلى الله عليه وسلم بين المعدن والركاز بواو العطف فصح أنه غيره قال وما ألزم به البخاري القائل المذكور قد يقال لمن وهب له الشيء أو ربح ربحا كثيرا أو كثر ثمره أركزت حجة بالغة لأنه لا يلزم من الإشتراك في الأسماء الإشتراك في المعنى إلا إن أوجب ذلك من يجب التسليم له وقد أجمعوا على أن المال الموهوب لا يجب فيه الخمس وإن كان يقال له أركز فكذلك المعدن وأما قوله ثم ناقض الى آخر كلامه فليس كما قال وإنما أجاز له أبو حنيفة أن يكتمه إذا كان محتاجا بمعنى أنه يتأول أن له حقا في بيت المال ونصيبا في الفيء فأجاز له أن يأخذ الخمس لنفسه عوضا عن ذلك لا أنه أسقط الخمس عن المعدن اه وقد نقل الطحاوي المسألة التي ذكرها بن بطال ونقل أيضا أنه لو وجد في داره معدنا فليس عليه شيء وبهذا يتجه إعتراض البخاري والفرق بين المعدن والركاز في الوجوب وعدمه أن المعدن يحتاج إلى عمل ومؤنة ومعالجة لإستخراجه بخلاف الركاز وقد جرت عادة الشرع أن ما غلظت مؤنته خفف عنه في قدر الزكاة وما خفت زيد فيه وقيل إنما جعل في الركاز الخمس لأنه مال كافر فنزل من وجده منزلة الغنائم فكان له أربعة أخماسه وقال الزين بن المنير كأن الركاز مأخوذ من أركزته في الأرض إذا غرزته فيها وأما المعدن فإنه ينبت في الأرض بغير وضع واضع هذه حقيقتهما فإذا إفترقا في أصلهما فكذلك في حكمهما

[ 1428 ] قوله العجماء جبار في رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة العجماء عقلها جبار وسيأتي في الديات مع الكلام عليه إن شاء الله تعالى و سميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم قوله والمعدن جبار أي هدر وليس المراد أنه لا زكاة فيه و إنما المعنى أن من إستأجر رجلا للعمل في معدن مثلا فهلك فهو هدر ولا شيء على من إستأجره وسيأتي بسطه في الديات قوله وفي الركاز الخمس قد تقدم ذكر الاختلاف في الركاز وأن الجمهور ذهبوا إلى أنه المال المدفون لكن حصره الشافعية فيما يوجد في الموات بخلاف ما إذا وجده في طريق مسلوك أو مسجد فهو لقطة وإذا وجده في أرض مملوكة فإن كان المالك الذي وجده فهو له وإن كان غيره فإن دعاه المالك فهو له وإلا فهو لمن تلقاه عنه إلى أن ينتهي الحال إلى من أحيى تلك الأرض قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد من قال من الفقهاء بأن في الركاز الخمس إما مطلقا أو في أكثر الصور فهو أقرب إلى الحديث وخصه الشافعي أيضا بالذهب والفضة وقال الجمهور لا يختص واختاره بن المنذر واختلفوا في مصرفه فقال مالك وأبو حنيفة والجمهور مصرفه مصرف خمس الفيء وهو اختيار المزني وقال الشافعي في أصح قوليه مصرفه مصرف الزكاة وعن أحمد روايتان وينبني على ذلك ما إذا وجده ذمي فعند الجمهور يخرج منه الخمس وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء و اتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحول بل يجب إخراج الخمس في الحال وأغرب بن العربي فيشرح الترمذي فحكى عن الشافعي الإشتراط ولا يعرف ذلك في شيء من كتبه ولا من كتب أصحابه

قوله باب قول الله تعالى والعاملين عليها ومحاسبة المصدقين مع الإمام قال بن بطال اتفق العلماء على أن العاملين عليها السعاة المتولون لقبض الصدقة وقال المهلب حديث الباب أصل في محاسبة المؤتمن وأن المحاسبة تصحيح أمانته وقال بن المنير في الحاشية يحتمل أن يكون العامل المذكور صرف شيئا من الزكاة في مصارفه فحوسب على الحاصل والمصروف قلت والذي يظهر من مجموع الطرق أن سبب مطالبته بالمحاسبة ما وجد معه من جنس مال الصدقة وادعى أنه أهدي إليه ثم أورد المصنف فيه طرفا من حديث أبي حميد في قصة بن اللتبية وفيه فلما جاء حاسبه وسيأتي الكلام عليه حيث ذكره المصنف مستوفى في الأحكام إن شاء الله تعالى وابن اللتبية المذكور اسمه عبد الله فيما ذكر بن سعد وغيره ولم أعرف اسم أمه وقوله

[ 1429 ] على صدقات بني سليم أفاد العسكري بأنه بعث على صدقات بني ذبيان فلعله كان على القبيلتين واللتبية بضم اللام وسكون المثناة بعدها موحدة من بني لتب حي من الأزد قاله بن دريد قيل أنها كانت أمه فعرف بها وقيل اللتبية بفتح اللام والمثناة

قوله باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل قال بن بطال غرض المصنف في هذا الباب إثبات وضع الصدقة في صنف واحد خلافا لمن قال يجب إستيعاب الأصناف الثمانية وفيما قال نظر لاحتمال أن يكون ما أباح لهم من الإنتفاع إلا بما هو قدر حصتهم على أنه ليس في الخبر أيضا أنه ملكهم رقابها وإنما فيه أنه أباح لهم شرب ألبان الإبل للتداويف استنبط منه البخاري جواز إستعمالها في بقية المنافع إذ لا فرق وأما تمليك رقابها فلم يقع وتقدير الترجمة استعمال إبل الصدقة وشرب ألبانها فاكتفى عن التصريح بالشرب لوضوحه فغاية ما يفهم من حديث الباب أن للإمام أن يخص بمنفعة مال الزكاة دون الرقبة صنفا دون صنف بحسب الإحتياج على أنه ليس في الخبر أيضا تصريح بأنه لم يصرف من ذلك شيئا لغير العرنيين فليست الدلالة منه لذلك بظاهرة أصلا بخلاف ما إدعى بن بطال أنه حجة قاطعة

[ 1430 ] قوله تابعه أبو قلابة وحميد وثابت عن أنس أما متابعة أبي قلابة فتقدمت في الطهارة وأما متابعة حميد فوصلها مسلم والنسائي وابن خزيمة وأما متابعة ثابت فوصلها المصنف في الطب وقد سبق الكلام على الحديث مستوفى في كتاب الطهارة

قوله باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده ذكر فيه طرفا من حديث أنس في قصة عبد الله بن أبي طلحة وفيه مقصود الباب وسيأتي في الذبائح من وجه آخر عن أنس أنه رآه يسم غنما في آذانها ويأتي هناك النهي عن الوسم في الوجه قوله في الإسناد حدثنا الوليد هو بن مسلم وأبو عمرو هو الأوزاعي كما ثبت في رواية غير أبي ذر قوله وفي يده الميسم بوزن مفعل مكسور الأول وأصله موسم لأن فاه واو لكنها لما سكنت وكسر ما قبلها قلبت ياء وهي الحديدة التي يوسم بها أي يعلم وهو نظير الخاتم والحكمة فيه تمييزها وليردها من أخذها ومن إلتقطها وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلا لئلا يعود في صدقته ولم أقف على تصريح بما كان مكتوبا على ميسم النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن بن الصباغ من الشافعية نقل إجماع الصحابة على أنه يكتب في ميسم الزكاة زكاة أو صدقة وفي حديث الباب حجة على من كره الوسم من الحنفية بالميسم لدخوله في عموم النهي عن المثلة وقد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه مخصوص من العموم المذكور للحاجة كالختان للآدمي قال المهلب وغيره في هذا الحديث أن للإمام أن يتخذ ميسما وليس للناس أن يتخذوا نظيره وهو كالخاتم وفيه إعتناء الإمام بأموال الصدقة وتوليها بنفسه ويلتحق به جميع أمور المسلمين وفيه جواز إيلام الحيوان للحاجة وفيه قصد أهل الفضل لتحنيك المولود لأجل البركة قال العلامة بن باز حفظه الله سبق غير مرة في الحاشية أن التماس البركة من النبي صلى الله عليه وسلم خاص به لا يقاس عليه غيره لما جعل الله في جسده من البركة بخلاف غيره فلا يجوز التماس البركة منه سدا لذريعة الشرك وتأسيا بالصحابة فإنهم لم يفعلوا ذلك مع غيره وهم أعلم الناس بالسنة وأسبقهم إلى كل خير رضي الله عنهم والله أعلم وفيه جواز تأخير القسمة لأنها لو عجلت لاستغنى عن الوسم وفيه مباشرة أعمال المهنة وترك الإستنابة فيها للرغبة في زيادة الأجر ونفي الكبر والله أعلم