كتاب الحج
 قوله باب وجوب الحج وفضله وقول الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين كذا لأبي ذر وسقط لغيره البسملة وباب ولبعضهم قوله وقول الله وفي رواية اللأصيلي كتاب المناسك وقدم المصنف الحج على الصيام لمناسبة لطيفة تقدم ذكرها في المقدمة ورتبه على مقاصد متناسبة فبدأ بما يتعلق بالمواقيت ثم بدخول مكة وما معها ثم بصفة الحج ثم بأحكام العمرة ثم بمحرمات الإحرام ثم بفضل المدينة ومناسبة هذا الترتيب غير خفية على الفطن وأصل الحج في اللغة القصد وقال الخليل كثرة القصد إلى معظم وفي الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة وهو بفتح المهملة وبكسرها لغتان نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد والفتح لغيرهم ونقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم والكسر المصدر وعن غيره عكسه ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة وأجمعوا على أنه لا يتكرر إلا لعارض كالنذر واختلف هل هو على الفور أو التراخي وهو مشهور وفي وقت ابتداء فرضه فقيل قبل الهجرة وهو شاذ وقيل بعدها ثم اختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لأنها نزل فيها قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض ويؤيده قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ وأقيموا أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم وقيل المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس وهذا يدل إن ثبت على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها وسيأتي مزيد بسط في الكلام على هذه المسألة في أول الكلام على العمرة وأما فضله فمشهور ولا سيما في الوعيد على تركه في الآية وسيأتي في باب مفرد ولكن لم يورد المصنف في الباب غير حديث الخثعمية وشاهد الترجمة منه خفي وكأنه أراد اثبات فضله من جهة تأكيد الأمر به بحيث أن العاجز عن الحركة إليه يلزمه أن يستنيب غيره ولا يعذر بترك ذلك وسيأتي الكلام على حديث الخثعمية والاختلاف في إسناده على الزهري في أواخر محرمات الإحرام والمراد منه هنا تفسير الاستطاعة المذكورة في الآية وأنها لا تختص بالزاد والراحلة بل تتعلق بالمال والبدن لأنها لو اختصت للزم المعضوب أن يشد على الراحلة ولو شق عليه قال بن المنذر لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة والآية الكريمة عامة ليست مجملة فلا تفتقر إلى بيان وكأنه كلف كل مستطيع قدر بمال أو ببدن وسيأتي بيان الاختلاف في ذلك في الكلام على الحديث المذكور إن شاء الله تعالى تقسيم الناس قسمان من يجب عليه الحج ومن لا يجب الثاني العبد وغير المكلف وغير المستطيع ومن لا يجب عليه إما أن يجزئه المأتي به أو لا الثاني العبد وغير المكلف والمستطيع إما أن تصح مباشرته منه أو لا الثاني غير المميز ومن لا تصح مباشرته إما أن يباشر عنه غيره أو لا الثاني الكافر فتبين أنه لا يشترط لصحة الحج إلا الإسلام

قوله باب قول الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق قيل أن المصنف أراد أن الراحلة ليست شرطا للوجوب وقال بن القصار في الآية دليل قاطع لمالك أن الراحلة ليست من شرط السبيل فإن المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل وهو خلاف الآية انتهى وفيه نظر وقد روى الطبري من طريق عمر بن ذر قال قال مجاهد كانوا لا يركبون فأنزل الله يأتوك رجالا وعلى كل ضامر فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر وروى بن أبي حاتم من طريق محمد بن كعب عن بن عباس ما فاتني شيء أشد علي أن لا أكون حججت ماشيا لأن الله بقول يأتوك رجالا وعلى كل ضامر فبدأ بالرجال قبل الركبان قوله فجاجا الطرق الواسعة قال يحيى الفراء في المعاني في سورة نوح قوله فجاجا واحدها فج وهي الطرق الواسعة واعترضه الإسماعيلي فقال يقال الفج الطريق بين الجبلين فإذا لم يكن كذلك لم يسم الطريق فجا كذا قال وهو قول بعض أهل اللغة وجزم أبو عبيد ثم الأزهري بأن الفج الطريق الواسع وقد نقل صاحب المحكم أن الفج الطريق الواسع في جبل أو في قبل جبل وهو أوسع من الشعب وروى بن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله فجاجا يقول طرقا مختلفة ومن طريق شعبة عن قتادة قال طرقا وأعلاما وقال أبو عبيدة في المجاز فج عميق أي بعيد القعر وهذا تفسير العميق يقال بئر عميقة القعر أي بعيدة القعر ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته وحديث جابر نحوه وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب وغرضه منه الرد على من زعم أن الحج ماشيا أفضل لتقديمه في الذكر على الراكب فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يحرم حتى استوت به راحلته ذكر ذلك بن المنير في الحاشية وقال غيره مناسبة الحديث للآية أن ذا الحليفة فج عميق والركوب مناسب لقوله وعلى كل ضامر وقال الإسماعيلي ليس في الحديثين شيء مما ترجم الباب به ورد بأن فيهما الإشارة إلى أن الركوب أفضل فيؤخذ منه جواز المشي

[ 1444 ] قوله رواه أنس وابن عباس أي اهلاله بعد ما استوت به راحلته وسيأتي حديث أنس موصولا في باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح وحديث بن عباس قبله في باب ما يلبس المحرم من الثياب في أثناء حديث قال بن المنذر اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل فقال الجمهور الركوب أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ولما فيه من المنفعة وقال إسحاق بن راهويه المشي أفضل لما فيه من التعب ويحتمل أن يقال يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فالله أعلم تنبيه أحمد بن عيسى شيخ المصنف في حديث بن عمر وقع هكذا في رواية أبي ذر ووافقه أبو علي الشبوي وأهمله الباقون وإبراهيم شيخه في حديث جابر وقع مهملا للأكثر وفي رواية أبي ذر حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وهو الحافظ المعروف بالفراء الصغير

قوله بال الحج على الرحل فتح الراء وسكون المهملة وهو للبعير كالسرج للفرس أشار بهذا إلى أن التقشف أفضل من الترفه قوله وقال أبان هو بن يزيد العطار والقاسم هو بن محمد بن أبي بكر الصديق وهذه الطريق وصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق حرمي بن حفص عن أبان بن يزيد العطار به وسمعناه بعلو في فوائد أبي العباس بن نجيح ولم يخرج البخاري لمالك بن دينار وهو الزاهد المشهور البصري غير هذا الحديث الواحد المعلق والغرض منه قوله فيه وحملها على قتب وهو بفتح القاف والمثناة بعدها موحدة رحل صغير على قدر السنام وقد ذكره في آخر الباب موصولا بلفظ فأحقبها أي أردفها على الحقيبة وهي الزنار الذي يجعل في مؤخر القتب فقوله في رواية أبان على قتب أي حملها على مؤخر قتب والحاصل أنه أردفها وكان هو على قتب فإن القصة واحدة وسيأتي بسط القول في اعتمار عائشة من التنعيم في أبواب العمرة قوله وقال عمر شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي عن عابس بن ربيعة وهو بموحدة ومهملة أنه سمع عمر يقول وهو يخطب إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال إلى الحج والعمرة فإنه أحد الجهادين ومعناه إذا فرغتم من الغزو فحجوا واعتمروا وتسمية الحج جهادا إما من باب التغليب أو على الحقيقة والمراد جهاد النفس لما فيه من إدخال المشقة على البدن والمال وسيأتي في ثاني أحاديث الباب الذي بعده ما يؤيده قوله حدثنا محمد بن أبي بكر هو المقدمي كذا وقع في رواية أبي ذر ولغيره وقال محمد بن أبي بكر وقد وصله الإسماعيلي قال حدثنا أبو يعلى والحسن بن سفيان وغيرهما قالوا حدثنا محمد بن أبي بكر به وعزرة بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها وراء تأنيث عزر وهو المنع ومنه قوله تعالى ويعزروه ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون وقد أنكره علي بن المديني لما سئل عنه فقال ليس هذا من حديث يزيد بن زريع والله أعلم

[ 1445 ] قوله وكانت زاملته أي الراحلة التي ركبها وهي وإن لم يجر لها ذكر لكن دل عليها ذكر الرحل والزاملة البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع من الزمل وهو الحمل والمراد أنه لم تكن معه زاملة تحمل طعامه ومتاعه بل كان ذلك محمولا معه على راحلته وكانت هي الراحلة والزاملة وروى سعيد بن منصور من طريق هشام بن عروة قال كان الناس يحجون وتحتهم أزودتهم وكان أول من حج على رحل وليس تحته شيء عثمان بن عفان وقوله فيه ولم يكن شحيحا إشارة إلى أنه فعل ذلك تواضعا واتباعا لا عن قلة وبخل وقد روى بن ماجة هذا الحديث بلفظ آخر لكن إسناده ضعيف فذكر بعد قوله على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم ثم قال اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة

[ 1446 ] قوله حدثنا عمرو هو بن علي الفلاس وأبو عاصم هو النبيل شيخ البخاري وروى عنه هنا بواسطة ونابل والد أيمن بنون وموحدة قوله فأحقبها على ناقة في رواية الكشميهني ناقته وسيأتي الكلام عليه

قوله باب فضل الحج المبرور قال بن خالويه المبرور المقبول وقال غيره الذي لا يخالطه شيء من الإثم ورجحه النووي وقال القرطبي الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل والله أعلم وقد تقدم في ذلك أقوال أخر مع مباحث الحديث الأول في باب من قال أن الإيمان هو العمل من كتاب الإيمان منها أنه يظهر بآخره فإن رجع خيرا مما كان عرف أنه مبرور ولأحمد والحاكم من حديث جابر قالوا يا رسول الله ما بر الحج قال إطعام الطعام وإفشاء السلام وفي إسناده ضعف فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره الحديث الثاني

[ 1448 ] قوله حدثنا عبد الرحمن بن المبارك هو العيشي بالتحتانية والشين المعجمة بصري وليس أخا لعبد الله بن المبارك المروزي الفقيه المشهور وشيخه خالد هو بن عبد الله الواسطي قوله نرى الجهاد أفضل العمل وهو بفتح النون أي نعتقد ونعلم وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب والسنة وقد رواه جرير عن صهيب عند النسائي بلفظ فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد قوله لكن أفضل الجهاد اختلف في ضبط لكن فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة قال القابسي وهو الذي تميل إليه نفسي وفي رواية الحموي لكن بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على اثبات فضل الحج وعلى وجوب سؤالها عن الجهاد وسماه جهادا لما فيه من مجاهدة النفس وسيأتي بقية الكلام في أواخر كتاب الحج في باب حج النساء إن شاء الله تعالى والمحتاج إليه هنا كونه جعل الحج أفضل الجهاد الحديث الثالث

[ 1449 ] قوله سمعت أبا حازم هو سلمان وأما أبو حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد فلم يسمع من أبي هريرة وسيار أبو الحكم الراوي عنه بتقديم المهملة وتشديد التحتانية قوله من حج لله في رواية منصور عن أبي حازم الآتية قبيل جزاء الصيد من حج هذا البيت ولمسلم من طريق جريج عن منصور من أتى هذا البيت وهو يشمل الحج والعمرة وقد أخرجه الدارقطني من طريق الأعمش عن أبي حازم بلفظ من حج أو اعتمر لكن في الإسناد إلى الأعمش ضعف قوله فلم يرفث الرفث الجماع ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول وقال الأزهري الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة وكان بن عمر يخصه بما خوطب به النساء وقال عياض هذا من قول الله تعالى فلا رفث ولا فسوق والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع انتهى والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك وإليه نحا القرطبي وهو المراد بقوله في الصيام فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث فائدة فاء الرفث مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح في الماضي والضم في المستقبل والله أعلم قوله ولم يفسق أي لم يأت بسيئة ولا معصية وأغرب بن الأعرابي فقال إن لفظ الفسق لم يسمع في الجاهلية ولا في أشعارهم وإنما هو إسلامي وتعقب بأنه كثر استعماله في القرآن وحكايته عمن قبل الإسلام وقال غيره أصله انفسقت الرطبة إذا خرجت فسمي الخارج من الطاعة فاسقا قوله رجع كيوم ولدته أمه أي بغير ذنب وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك وله شاهد من حديث بن عمر في تفسير الطبري قال الطيبي الفاء في قوله فلم يرفث معطوف على الشرط وجوابه رجع أي صار والجار والمجرور خبر له ويجوز أن يكون حالا أي صار مشابها لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمه اه وقد وقع في رواية الدارقطني المذكورة رجع كهيئته يوم ولدته أمه وذكر لنا بعض الناس أن الطيبي أفاد أن الحديث إنما لم يذكر فيه الجدال كما ذكر في الآية على طريق الاكتفاء بذكر البعض وترك ما دل عليه ما ذكر ويحتمل أن يقال إن ذلك يختلف بالقصد لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج فيما يظهر من الأدلة أو المجادلة بطريق التعميم فلا يؤثر أيضا فإن الفاحش منها داخل في عموم الرفث والحسن منها ظاهر في عدم التأثير والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضا

قوله باب فرض مواقيت الحج والعمرة المواقيت جمع ميقات كمواعيد وميعاد ومعنى فرض قدر أو أوجب وهو ظاهر نص المصنف وأنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة من قبل الميقات ويزيد ذلك وضوحا ما سيأتي بعد قليل حيث قال ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة وقد نقل بن المنذر وغيره الإجماع على الجواز وفيه نظر فقد نقل عن إسحاق وداود وغيرهما عدم الجواز وهو ظاهر جواب بن عمر ويؤيده القياس على الميقات الزماني فقد أجمعوا على أنه لا يجوز التقدم عليه وفرق الجمهور بين الزماني والمكاني فلم يجيزوا التقدم على الزماني وأجازوا في المكاني وذهب طائفة كالحنفية وبعض الشافعية إلى ترجيح التقدم وقال مالك يكره وسيأتي شيء من ذلك في ترجمة الحج أشهر معلومات في قوله وكره عثمان أن يحرم من خراسان قوله حدثنا زهير هو بن معاوية الجعفي ورجال هذا الإسناد سوى بن عمر كوفيون وجبير والد زيد بالجيم والموحدة مصغر ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وفي الرواة زيد بن جبيرة بفتح الجيم وزيادة هاء في آخره لم يخرج له البخاري شيئا قوله وله فسطاط وسرادق الفسطاط معروف وهي الخيمة وأصله عمود الخباء الذي يقوم عليه وقيل لا يقال لها ذلك إلا إذا كانت من قطن وهو أيضا مما يغطى به صحن الدار من الشمس وغيرها وكل ما أحاط بشيء فهو سرادق ومنه أحاط بهم سرادقها قوله فسألته فيه إلتفات لأنه قال أولا إنه أتى بن عمر فكان السياق يقتضي أن يقول فسأله لكن وقع عند الإسماعيلي قال فدخلت عليه فسألته قوله فرضها أي قدرها وعينها ويحتمل أن يكون المراد أوجبها وبه يتم مراد المصنف ويؤيده قرينة قول السائل من أين يجوز لي وسيأتي الكلام على الحديث بعد باب

قوله باب قول الله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال مقاتل بن حيان لما نزلت قام رجل فقال يا رسول الله ما نجد زادا فقال تزود ما تكف به وجهك عن الناس وخير ما تزودتم التقوى أخرجه بن أبي حاتم

[ 1451 ] قوله حدثنا يحيى بن بشر بكسر الموحدة وبالمعجمة وهو البلخي ولم يخرج للجريري الذي أخرج له مسلم وهو من طبقته وجعلهما بن طاهر وأبو علي الجياني رجلا واحدا والصواب التفرقة قوله كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون زاد بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس يقولون نحج بيت الله أفلا يطعمنا قوله فإذا قدموا المدينة في رواية الكشميهني مكة وهو أصوب وكذا أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن عبد الله المخرمي عن شبابة قوله رواه بن عيينة عن عمرو يعني بن دينار عن عكرمة مرسلا يعني لم يذكر فيه بن عباس وهكذا أخرجه سعيد بن منصور عن بن عيينة وكذا أخرجه الطبري عن عمرو بن علي بن أبي حاتم عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري كلاهما عن بن عيينة مرسلا قال بن أبي حاتم وهو أصح من رواية ورقاء قلت وقد اختلف فيه على بن عيينة فأخرجه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه موصولا بذكر بن عباس فيه لكن حكى الإسماعيلي عن بن صاعد أن سعيدا حدثهم به في كتاب المناسك موصولا قال وحدثنا به في حديث عمرو بن دينار فلم يجاوز به عكرمة انتهى والمحفوظ عن بن عيينة ليس فيه بن عباس لكن لم ينفرد شبابة بوصله فقد أخرجه الحاكم في تاريخه من طريق الفرات بن خالد عن سفيان الثوري عن ورقاء موصولا وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس كما سبق قال المهلب في هذا الحديث من الفقه أن ترك السؤال من التقوى ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافا فإن قوله فإن خير الزاد التقوى أي تزودوا واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في ذلك قال وفيه أن التوكل لا يكون مع السؤال وإنما التوكل المحمود أن لا يستعين بأحد في شيء وقيل هو قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئة الأسباب كما قال عليه السلام أعقلها وتوكل

قوله باب مهل أهل مكة للحج والعمرة المهل بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام موضع الإهلال وأصله رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام ثم أطلق على نفس الإحرام إتساعا قال بن الجوزي وإنما يقوله بفتح الميم من لا يعرف وقال أبو البقاء العكبري هو مصدر بمعنى الإهلال كالمدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج و أشار المصنف بالترجمة إلى حديث بن عمر فإنه سيأتي بلفظ مهل وأما حديث الباب فذكره بلفظ وقت أي حدد وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضا قال بن الأثير التوقيت و التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال وقت الشيء بالتشديد يوقته ووقت بالتخفيف يقته إذا بين مدته ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات وقال بن دقيق العيد قيل إن التوقيت في اللغة التحديد والتعيين فعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت وقوله هنا وقت يحتمل أن يريد به التحديد أي حد هذه المواضع للإحرام ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر وقال عياض وقت أي حدد وقد يكون بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا انتهى ويؤيده الرواية الماضية بلفظ فرض

[ 1452 ] قوله وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة أي مدينته عليه الصلاة والسلام قوله ذا الحليفة بالمهملة والفاء مصغرا مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله بن حزم وقال غيره بينهما عشر مراحل وقال النووي بينها وبين المدينة ستة أميال ووهم من قال بينهما ميل واحد وهو بن الصباغ وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وبها بئر يقال لها بئر علي قوله الجحفة بضم الجيم وسكون المهملة وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر وسيأتي في حديث بن عمر أنها مهيعة بوزن علقمة وقيل بوزن لطيفة وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها قال بن الكلبي كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل بفتح المهملة وكسرة الموحدة وهم إخوة عاد حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فاجتحفهم أي إستأصلهم فسميت الجحفة ووقع في حديث عائشة عند النسائي ولأهل الشام ومصر الجحفة والمكان الذي يحرم منه المصريون الآن رابغ بوزن فاعل براء وموحدة وغين معجمة قريب من الجحفة واختصت الجحفة بالحمى فلا ينزلها أحد إلا حم كما سيأتي في فضائل المدينة قوله ولأهل نجد قرن المنازل أما نجد فهو كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق والمنازل بلفظ جمع المنزل والمركب الإضافي هو اسم المكان ويقال له قرن أيضا بلا إضافة وهو بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون وضبطه صاحب الصحاحب فتح الراء وغلط وهو بالغ النووي فحكى الإتفاق على تخطئته في ذلك لكن حكى عياض تعليق القابسي أن من قاله بالإسكان أراد الجبل ومن قاله بالفتح أراد الطريق والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أن المكان الذي يقال له قرن موضعان أحدهما في هبوط وهو الذي يقال له قرن المنازل والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول وفي أخبار مكة للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع وقيل له قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت وقد وقع ذكره في حديث عائشة في إتيان النبي صلى الله عليه وسلم الطائف يدعوهم إلى الإسلام وردهم عليه قال فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب الحديث ذكره بن إسحاق في السيرة النبوية ووقع في مرسل عطاء عند الشافعي ولأهل نجد قرن ولمن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل ووقع في عبارة القاضي حسين في سياقه لحديث بن عباس هذا ولأهل نجد اليمن ونجد الحجاز قرن وهذا لا يوجد في شيء من طرق حديث بن عباس وإنما يوجد ذلك من مرسل عطاء وهو المعتمد فإن لأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقين إحداهما طريق أهل الجبال وهو يصلون إلى قرن أو يحاذونه فهو ميقاتهم كما هو ميقات أهل المشرق والأخرى طريق أهل تهامة فيمرون بيلملم أو يحاذونه فهو ميقاتهم لا يشاركهم فيه إلا من أتى عليه من غيرهم قوله ولأهل اليمن يلملم بفتح التحتانية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا ويقال لها ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها وحكى بن السيد فيه يرمرم براءين بدل اللامين تنبيه أبعد المواقيت من مكة ذو الحليفة ميقات أهل المدينة فقيل الحكمة في ذلك أن تعظم أجور أهل المدينة وقيل رفقا بأهل الآفاق لأن أهل المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي ممن له ميقات معين قوله هن لهم أي المواقيت المذكورة لأهل البلاد المذكورة ووقع في رواية أخرى كما يأتي في باب دخول مكة بغير إحرام بلفظ هن لهن أي المواقيت للجماعات المذكورة أو لأهلهن على حذف المضاف والأول هو الأصل ووقع في باب مهل أهل اليمن بلفظ هن لأهلهن كما شرحته وقوله هن ضمير جماعة المؤنث وأصله لمن يعقل وقد استعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة وقوله ولمن أتى عليهن أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة ويدخل في ذلك من دخل بلدا ذات ميقات ومن لم يدخل فالذي لا يدخل لا إشكال فيه إذا لم يكن له ميقات معين والذي يدخل فيه خلاف كالشامي إذا أراد الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لإجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وأطلق النووي الإتفاق ونفى الخلاف في شرحيه لمسلم والمهذب في هذه المسألة فلعله أراد في مذهب الشافعي وإلا فالمعروف عند المالكية أن للشامي مثلا إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى ميقاته الأصلي وهو الجحفة جاز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قال الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية قال بن دقيق العيد قوله ولأهل الشام الجحفة يشمل من مر من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر وقوله ولمن أتى عليهن من غير أهلهن يشمل الشامي إذا مر بذي الحليفة وغيره فهنا عمومان قد تعارضا انتهى ملخصا ويحصل الإنفكاك عنه بأن قوله هن لهن مفسر لقوله مثلا وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وأن المراد بأهل المدينة ساكنوها ومن سلك طريق سفرهم فمر على ميقاتهم ويؤيده عراقي خرج من المدينة فليس له مجاوزة ميقات المدينة غير محرم ويترجح بهذا قول الجمهور وينتفي التعارض قوله ممن أراد الحج والعمرة فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام وسيأتي في ترجمة مفردة قوله ومن كان دون ذلك أي بين الميقات ومكة قوله فمن حيث أنشأ أي فميقاته من حيث أنشأ الإحرام إذ السفر من مكانه إلى مكة وهذا متفق عليه إلا ما روي عن مجاهد أنه قال ميقات هؤلاء نفس مكة واستدل به بن حزم على أن من ليس له ميقات فميقاته من حيث شاء ولا دلالة فيه لأنه يختص بمن كان دون الميقات أي إلى جهة مكة كما تقدم ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله فمن حيث أنشأ قوله حتى أهل مكة يجوز فيه الرفع والكسر قوله من مكة أي لا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه بل يحرمون من مكة كالآفاقي الذي بين الميقات ومكة فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليحرم منه وهذا خاص بالحاج واختلف في أفضل الأماكن التي يحرم منها كما سيأتي في ترجمة مفردة وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل كما سيأتي بيانه في أبواب العمرة قال المحب الطبري لا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة فتعين حمله على القارن واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة وقال بن الماجشون يجب عليه الخروج إلى أدنى الحل ووجهه أن العمرة إنما تندرج في الحج فيما محله واحد كالطواف والسعي عند من يقول بذلك وأما الإحرام فمحله فيهما مختلف وجواب هذا الإشكال أن المقصود من الخروج إلى الحل في حق المعتمر أن يرد على البيت الحرام من الحل فيصح كونه وافدا عليه وهذا يحصل للقارن لخروجه إلى عرفة وهي من الحل ورجوعه إلى البيت لطواف الإفاضة فحصل المقصود بذلك أيضا واختلف فيمن جاوز الميقات مريدا للنسك فلم يحرم فقال الجمهور يأثم ويلزمه دم فأما لزوم الدم فبدليل غير هذا وأما الإثم فلترك الواجب وقد تقدم الحديث من طريق بن عمر بلفظ فرضها وسيأتي بلفظ يهل وهو خبر بمعنى الأمر والأمر لا يرد بلفظ الخبر إلا إذا أريد تأكيده وتأكيد الأمر للوجوب وسبق في العلم بلفظ من أين تأمرنا أن نهل ولمسلم من طريق عبد الله بن دينار عن بن عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب ومقابله قول سعيد بن جبير لا يصح حجة وبه قال بن حزم وقال الجمهور لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم قال أبو حنيفة بشرط أن يعود ملبيا ومالك بشرط أن لا يبعد وأحمد لا يسقط بشيء تنبيه الأفضل في كل ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة فلو أحرم من طرفه الأقرب جاز

قوله باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة قد تقدمت الإشارة إلى هذا في باب فرض المواقيت واستنبط المصنف من إيراد الخبر بصيغة الخبر مع إرادة الأمر تعين ذلك وأيضا فلم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة ولولا تعين الميقات لبادروا إليه لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجرا وقد تقدم شرح المتن في الذي قبله

[ 1453 ] قوله قال عبد الله هو بن عمر قوله وبلغني إلخ سيأتي من رواية ابنه سالم عنه بعد باب بلفظ زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولم أسمعه وتقدم في العلم من وجه آخر بلفظ لم أفقه هذه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشعر بأن الذي بلغ بن عمر ذلك جماعة وقد ثبت ذلك من حديث بن عباس كما في الباب قبله ومن حديث جابر عند مسلم ومن حديث عائشة عند النسائي ومن حديث الحارث بن عمرو السهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي

قوله باب مهل أهل الشام ئ أورد فيه حديث بن عباس وقد تقدم قبل باب وحماد المذكور في الإسناد هو بن زيد

قوله باب مهل أهل نجد أورد فيه حديث بن عمر من طريقين إلى الزهري فعلي شيخه في الإسناد الأول هو بن المديني وأحمد في الثاني هو بن عيسى كما ثبت في رواية أبي ذر وقد تقدم الكلام عليه قريبا

قوله باب مهل من كان دون المواقيت أي دونها إلى مكة أورد فيه حديث بن عباس من وجه آخر وحماد هو بن زيد وعمرو هو بن دينار

قوله باب مهل أهل اليمن أورد فيه حديث بن عباس وقد سبق ما فيه تكميل حكى الأثرم عن أحمد أنه سئل في أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت فقال عام حج انتهى وقد سبق حديث بن عمر في العلم بلفظ أن رجلا قام في المسجد فقال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل

قوله باب ذات عرق لأهل العراق هي بكسر العين وسكون الراء بعدها قاف سمي بذلك لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء بينها وبين مكة مرحلتان والمسافة اثنان وأربعون ميلا وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة

[ 1458 ] قوله لما فتح هذان المصران كذا للأكثر بضم فتح على البناء لما لم يسم فاعله وفي رواية الكشميهني لما فتح هذين المصرين بفتح الفاء والتاء على حذف الفاعل والتقدير لما فتح الله وكذا ثبت في رواية أبي نعيم في المستخرج وبه جزم عياض وأما بن مالك فقال تنازع فتح و أتوا وهو على إعمال الثاني وإسناد الأول إلى ضمير عمر ووقع عند الإسماعيلي من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله مختصرا وزاد في الإسناد عن عمر أنه حد لأهل العراق ذات عرق والمصران تثنية مصر والمراد بهما الكوفة والبصرة وهما سرتا العراق والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما وإلا فهما من تمصير المسلمين قوله وهو جور بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راء أي ميل والجور الميل عن القصد ومنه قوله تعالى ومنها جائر قوله فانظروا حذوها أي إعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا وظاهره أن عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد منه وقد روى الشافعي من طريق أبي الشعثاء قال لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق وروى أحمد عن هشيم عن يحيى بن سعيد وغيره عن نافع عن بن عمر فذكر حديث المواقيت وزاد فيه قال بن عمر فآثر الناس ذات عرق على قرن وله عن سفيان عن صدقة عن بن عمر فذكر حديث المواقيت قال فقال له قائل فأين العراق فقال بن عمر لم يكن يومئذ عراق وسيأتي في الإعتصام من طريق عبد الله بن دينار عن بن عمر قال لم يكن عراق يومئذ ووقع في غرائب مالك للدارقطني من طريق عبد الرزاق عن مالك عن نافع عن بن عمر قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق قرنا قال عبد الرزاق قال لي بعضهم إن مالكا محاه من كتابه قال الدارقطني تفرد به عبد الرزاق قلت والإسناد إليه ثقات أثبات وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عنه وهو غريب جدا وحديث الباب يرده وروى الشافعي من طريق طاوس قال لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق وقال في الأم لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق وإنما أجمع عليه الناس وهذا كله يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصا وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم وكذا وقع في المدونة لمالك وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب أنه منصوص وقد وقع ذلك في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك في رفعه أخرجه من طريق بن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن المهل فقال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه بلفظ فقال سمعت أحسبه يريد النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه أحمد من رواية بن لهيعة وابن ماجة من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلما يشكا في رفعه ووقع في حديث عائشة وفي حديث الحارث بن عمرو السهمي كلاهما عند أحمد وأبي داود والنسائي وهذا يدل على أن للحديث أصلا فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق لا يخلو عن مقال ولهذا قال بن خزيمة رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت شيء منها عند أهل الحديث وقال بن المنذر لم نجد في ذات عرق حديثا ثابتا انتهى لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا وأما إعلال من أعله بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ فقال بن عبد البر هي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكنه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق انتهى وبهذا أجاب الماوردي وآخرون لكن يظهر لي أن مراد من قال لم يكن العراق يومئذ أي لم يكن في تلك الجهة ناس مسلمون والسبب في قول بن عمر ذلك أنه روى الحديث بلفظ أن رجلا قال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل فأجابه وكل جهة عينها في حديث بن عمر كان من قبلها ناس مسلمون بخلاف المشرق والله أعلم وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة منها أن ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الإستحباب لأنه أبعد من ذات عرق ومنها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن والآخر ميقات لأهل البصرة وقع ذلك في حديث لأنس عند الطبراني وإسناده ضعيف ومنها أن ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد ويتعين الإحرام من العقيق ولم يقل به أحد وإنما قالوا يستحب إحتياطا وحكى بن المنذر عن الحسن بن صالح أنه كان يحرم من الربذة وهو قول القاسم بن عبد الرحمن وخصيف الجزري قال بن المنذر وهو أشبه في النظر إن كانت ذات عرق غير منصوصة وذلك أنها تحاذي ذا الحليفة وذات عرق بعدها والحكم فيمن ليس له ميقات أن يحرم من أول ميقات يحاذيه لكن لما سن عمر ذات عرق وتبعه عليه الصحابة واستمر عليه العمل كان أولى بالاتباع واستدل به على أن من ليس له ميقات أن عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتا من هذه المواقيت الخمسة ولا شك أنها محيطة بالحرم فذو الحليفة شامية ويلملم يمانية فهي مقابلها وإن كانت إحداهما أقرب إلى مكة من الأخرى وقرن شرقية والجحفة غربية فهي مقابلها وإن كانت إحداهما كذلك وذات عرق تحاذي قرنا فعلى هذا فلا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتا من هذه المواقيت فبطل قول من قال من ليس له ميقات ولا يحاذي ميقاتا هل يحرم من مقدار أبعد من المواقيت أو أقربها ثم حكى فيه خلافا والفرض أن هذه الصورة لا تتحقق لما قلته إلا أن يكون قائلة فرضه فيمن لم يطلع على المحاذاة كمن يجهلها وقد نقل النووي في شرح المهذب أنه يلزمه أن يحرم على مرحلتين إعتبارا بقول عمر هذا في توقيته ذات عرق وتعقب بأن عمر إنما حدها لأنها تحاذي قرنا وهذه الصورة إنما هي حيث يجهل المحاذاة فلعل القائل بالمرحلتين أخذ بالأقل لأن ما زاد عليه مشكوك فيه لكن مقتضى الأخذ بالإحتياط أم يعتبر الأكثر الأبعد ويحتمل أن يفرق بين من عن يمين الكعبة وبين من عن شمالها لأن المواقيت التي عن يمينها أقرب من التي عن شمالها فيقدر لليمين الأقرب وللشمال الأبعد والله أعلم ثم أن مشروعية المحاذاة مختصة بمن ليس له أمامه ميقات معين فأما من له ميقات معين كالمصري مثلا يمر ببدر وهي تحاذي ذا الحليفة فليس عليه أن يحرم منها بل له التأخير حتى يأتي الجحفة والله أعلم تنبيه العقيق المذكور هنا واد يتدفق ماؤه في غوري تهامة وهو غير العقيق المذكور بعد بابين كما سيأتي بيانه

قوله باب كذا في الأصول بغير ترجمة وهو بمنزلة الفصل من الأبواب التي قبله ومناسبته لها من جهة دلالة حديثه على إستحباب صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام من الميقات وقد ترجم عليه بعض الشارحين نزول البطحاء والصلاة بذي الحليفة وحكى القطب أنه في بعض النسخ قال وسقط في نسخة سماعنا لفظ باب وفي شرح بن بطال الصلاة بذي الحليفة

[ 1459 ] قوله أناخ بالنون والخاء المعجمة أي أبرك بعيره والمراد أنه نزل بها والبطحاء قد بين أنها التي بذي الحليفة وقوله فصلى بها يحتمل أن يكون للإحرام ويحتمل أن يكون للفريضة وسيأتي من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر بذي الحليفة ركعتين ثم أن هذا النزول يحتمل أن يكون في الذهاب وهو الظاهر من تصرف المصنف ويحتمل أن يكون في الرجوع ويؤيده حديث بن عمر الذي بعده بلفظ وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى أصبح ويمكن الجمع بأنه كان يفعل الأمرين ذهابا وإيابا والله أعلم

قوله باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة قال عياض هو موضع معروف على طريق من أراد الذهاب إلى مكة من المدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى ذي الحليفة فيبيت بها وإذا رجع بات بها أيضا ودخل على طريق المعرس بفتح الراء المثقلة وبالمهملتين وهو مكان معروف أيضا وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة لكن المعرس أقرب وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد بيان في ذلك قال بن بطال كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما يفعل في العيد يذهب من طريق ويرجع من أخرى وقد تقدم القول في حكمة ذلك مبسوطا وقد قال بعضهم إن نزوله هناك لم يكن قصدا وإنما كان اتفاقا حكاه إسماعيل القاضي في أحكامه عن محمد بن الحسن وتعقبه والصحيح أنه كان قصدا لئلا يدخل المدينة ليلا ويدل عليه

[ 1460 ] قوله وبات حتى يصبح ولمعنى فيه وهو التبرك به كما سيأتي في الباب الذي بعده وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من حديث الباب في أواخر أبواب المساجد وسياقه هناك أبسط من هذا

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العقيق واد مبارك أورد فيه حديث عمر في ذلك وليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما حكاه عن الآتي الذي أتاه لكن روى أبو أحمد بن عدي من طريق يعقوب بن إبراهيم الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا تخيموا بالعقيق فإنه مبارك فكأنه أشار إلى هذا وقوله تخيموا بالخاء المعجمة والتحتانية أمر بالتخيم والمراد به النزول هناك وذكر بن الجوزي في الموضوعات عن حمزة الأصبهاني أنه ذكر في كتاب التصحيف أن الرواية بالتحتانية تصحيف وأن الصواب بالمثناة الفوقانية ولما قاله إتجاه لأنه وقع في معظم الطرق ما يدل على أنه من الخاتم وهو من طريق يعقوب بن الوليد عن هشام بلفظه ووقع في حديث عمر تختموا بالعقيق فإن جبريل أتاني به من الجنة الحديث وأسانيده ضعيفة

[ 1461 ] قوله آت من ربي هو جبريل قوله فقال صل في هذا الوادي المبارك يعني وادي العقيق وهو بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال روى الزبير بن بكار في أخبار المدينة أن تبعا لما رجع من المدينة انحدر في مكان فقال هذا عقيق الأرض فسمي العقيق قوله وقل عمرة في حجة برفع عمرة للأكثر وبنصبها لأبي ذر على حكاية اللفظ أي قل جعلتها عمرة وهذا دال على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا وسيأتي بيان ذلك بعد أبواب وأبعد من قال معناه عمرة مدرجة في حجة أي أن عمل العمرة يدخل في عمل الحج فيجزى لهما طواف واحد وقال من معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجه وهذا أبعد من الذي قبله لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك نعم يحتمل أن يكون أمر أن يقول ذلك لأصحابه ليعلمهم مشروعية القرآن وهو كقوله دخلت العمرة في الحج قال الطبري واعترضه بن المنير في الحاشية فقال ليس نظيره لأن قوله دخلت إلخ تأسيس قاعدة وقوله عمرة في حجة بالتنكير يستدعي الوحدة وهو إشارة إلى الفعل الواقع من القرآن إذ ذاك قلت ويؤيده ما يأتي في كتاب الإعتصام بلفظ عمرة وحجة بواو العطف وسيأتي بيان ذلك بعد أبواب وفي الحديث فضل العقيق كفضل المدينة وفضل الصلاة فيه وفيه إستحباب نزول الحاج في منزلة قريبة من البلد ومبيتهم بها ليجتمع إليهم من تأخر عنهم ممن أراد مرافقتهم وليستدرك حاجته من نسيها مثلا فيرجع إليها من قريب قوله في حديث بن عمر

[ 1462 ] أنه أري بضم الهمزة أي في المنام وفي رواية كريمة رؤي بتقديم الراء أي رآه غيره قوله وهو معرس في رواية الكشميهني في معرس بالتنوين وقوله ببطن الوادي تبين من حديث بن عمر الذي قبله أنه وادي العقيق قوله وقد أناخ بنا سالم هو مقول موسى بن عقبة الراوي عنه وقوله يتوخى بالخاء المعجمة أي يقصد والمناخ بضم الميم المبرك قوله وهو أسفل بالنصب ويجوز الرفع والمراد بالمسجد الذي كان هناك في ذلك الزمان وقوله بينه أي بين المعرس وفي رواية الحموي بينهم أي بين النازلين وبين الطريق وقوله وسط من ذلك بفتح المهملة أي متوسط بين بطن الوادي وبين الطريق وعند أبي ذر وسطا من ذلك بالنصب

قوله باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب الخلوق بفتح الخاء المعجمة نوع من الطيب مركب فيه زعفران

[ 1463 ] قوله قال أبو عاصم هو من شيوخ البخاري ولم أره عنه إلا بصيغة التعليق وبذلك جزم الإسماعيلي فقال ذكره عن أبي عاصم بلا خبر وأبو نعيم فقال ذكره بلا رواية وحكى الكرماني أنه وقع في بعض النسخ حدثنا محمد حدثنا أبو عاصم ومحمد هو بن معمر أو بن بشار ويحتمل أن يكون البخاري ولم يقع في المتن ذكر الخلوق وإنما أشار به إلى ما ورد في بعض طرقه وهو في أبواب العمرة بلفظ وعليه أثر الخلوق قوله أن يعلى هو بن أمية التميمي وهو المعروف بابن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتانية وهي أمه وقيل جدته وهو والد صفوان الذي روى عنه وليست رواية صفوان عنه لهذا الحديث بواضحة لأنه قال فيها إن يعلى قال لعمر ولم يقل أن يعلى أخبره أنه قال لعمر فإن يكن صفوان حضر مراجعتهما وإلا فهو منقطع لكن سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر عن صفوان بن يعلى عن أبيه فذكر الحديث قوله جاءه رجل سيأتي بعد أبواب بلفظ جاء أعرابي ولم أقف على اسمه لكن ذكر بن فتحون في الذيل عن تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن منية قال بن فتحون إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى بن منية راوي الخبر ويجوز أن يكون خطأ من سم الرواي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى بن منية عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدا ووقع في شرح شيخنا سراج الدين بن الملقن ما نصه هذا الرجل يجوز أن يكون عمرو بن سواد إذ في كتاب الشفاء للقاضي عياض عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال ورس ورس حط حط وغشيني بقضيب بيده في بطني فأوجعني الحديث فقال شيخنا لكن عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب بن وهب انتهى كلامه وهو معترض من وجهين أما أولا فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها وأما ثانيا ففي الإستدراك غفلة عظيمة لأن من يقول أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لا يتخيل فيه أنه صاحب بن وهب صاحب مالك بل إن ثبت فهو آخر وافق اسمه اسمه واسم أبيه اسم أبيه والفرض أنه لم يثبت لأنه انقلب على شيخنا وإنما الذي في الشفاء سواد بن عمرو وقيل سوادة بن عمرو أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في معجم الصحابة وروى الطحاوي من طريق أبي حفص بن عمرو عن يعلى أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متخلق فقال ألك امرأة قال لا قال اذهب فاغسله فقد يتوهم من لا خبرة له أن يعلى بن أمية هو صاحب القصة وليس كذلك فإن راوي هذا الحديث يعلى بن مرة الثقفي وهي قصة أخرى غير قصة صاحب الإحرام نعم روى الطحاوي في موضع آخر أن يعلى بن أمية صاحب القصة قال حدثنا سليمان بن شعيب حدثنا عبد الرحمن هو بن زياد الوضاحي حدثنا شعبة عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها قال قتادة قلت لعطاء إنما كنا نرى أن نشقها فقال عطاء إن الله لا يحب الفساد قوله قد أظل به بضم أوله وكسر الظاء المعجمة أي جعل عليه كالظلة ووقع عند الطبراني في الأوسط وابن أبي حاتم أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ويستفاد منه أن المأمور به وهو الاتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة قوله يغط بفتح أوله وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي ينفخ والغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى وسبب ذلك شدة ثقل الوحي وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه في تلك الحال أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي كما سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر عنه وكان يقول ذلك لعمر فقال له عمر حينئذ تعالى فانظر وكأنه علم أن ذلك لا يشق على النبي صلى الله عليه وسلم قوله سرى بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف عنه شيئا بعد شيء قوله اغسل الطيب الذي بك هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه وسيأتي البحث فيه قوله واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك في رواية الكشميهني كما تصنع وسيأتي في أبواب العمرة بلفظ كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ولمسلم من طريق قيس بن سعد عن عطاء وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك وهو دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك قال بن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد وقال بن المنير في الحاشية قوله واصنع معناه أترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل قال وأما قول بن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده وقال النووي كما قال بن بطال وزاد ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج وقال الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية كذا قال ولا وجه لهذا الحصر بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع وذلك أن عند مسلم والنسائي من طريق سفيان عن عمرو بن دينار وعن عطاء في هذا الحديث فقال ما كنت صانعا في حجك قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق فقال ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك قوله فقلت لعطاء القائل هو بن جريج وهو دال على أنه فهم من السياق أن قوله ثلاث مرات من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم لكن يحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظه اغسله مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاثا لتفهم عنه نبه عليه عياض قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب كما في الترجمة وإنما فيه أن الرجل كان متضمخا وقوله له اغسل الطيب الذي بك يوضح أن الطيب لم يكن في ثوبه وإنما كان على بدنه ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الإحرام اه والجواب أن البخاري على عادته يشير إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده وسيأتي في محرمات الإحرام من وجه آخر بلفظ عليه قميص فيه أثر صفرة والخلوق في العادة إنما يكون في الثوب ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن قتادة عن عطاء بلفظ رأى رجلا عليه جبة عليها أثر خلوق ولمسلم من طريق رباح بن أبي معروف عن عطاء مثله وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا عبد الملك ومنصور وغيرهما عن عطاء عن يعلى بن أمية أن رجلا قال يا رسول الله أني أحرمت وعلي جبتي هذه وعلى جبته ردغ من خلوق الحديث وفيه فقال اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن وهو قول مالك ومحمد بن الحسن وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث وهي في سنة ثمان بلا خلاف وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها عند إحرامها كما سيأتي في الذي بعده وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم وفي حديث بن عمر الآتي قريبا ولا يلبس أي المحرم من الثياب شيئا مسه زعفران وفي حديث بن عباس الآتي أيضا ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة وسيأتي مزيد في ذلك في الباب الذي بعده واستدل به على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية يجب مطلقا و على أن المحرم إذا صار عليه المخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقه خلافا للنخعي والشعبي حيث قالا لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيا لرأسه أخرجه بن أبي شيبة عنهما وعن علي نحوه وكذا عن الحسن وأبي قلابة وقد وقع عند أبي داود بلفظ اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه وعلى أن المفتي والحاكم إذا لم يعرف الحكم يمسك حتى يتبين له وعلى أن بعض الأحكام ثبت بالوحي وإن لم يكن مما يتلى لكن وقع عند الطبراني في الأوسط أن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي

قوله باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن أراد بهذه الترجمة أن يبين أن الأمر بغسل الخلوق الذي في الحديث قبله إنما هو بالنسبة إلى الثياب لأن المحرم لا يلبس شيئا مسه الزعفران كما سيأتي في الباب الذي بعده وأما الطيب فلا يمنع استدامته على البدن وأضاف إلى التطيب المقتصر عليه في حديث الباب الترجل والادهان لجامع ما بينهما من الترفه فكأنه يقول يلحق بالتطيب سائر الترفهات فلا يحرم على المحرم كذا قال بن المنير والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما سيأتي بعد أربعة أبواب من طريق كريب عن بن عباس قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وأدهن الحديث وقوله ترجل أي سرح شعره وكأنه يؤخذ من قوله في حديث عائشة طيبته في مفرقه لأن فيه نوع ترجيل وسيأتي من وجه آخر بزيادة وفي أصول شعره قوله وقال بن عباس إلخ أما شم الريحان فقال سعيد بن منصور حدثنا بن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم بشم الريحان وروينا في المعجم الأوسط مثله عن عثمان وأخرج بن أبي شيبة عن جابر خلافه واختلف في الريحان فقال إسحاق يباح وتوقف أحمد وقال الشافعي يحرم وكرهه مالك والحنفية ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف وأما غيره فلا وأما النظر في المرآة فقال الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس قال لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم وأخرجه بن أبي شيبة عن بن إدريس عن هشام به ونقل كراهته عن القاسم بن محمد وأما التداوي فقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر وعباد بن العوام عن أشعث عن عطاء عن بن عباس أنه كان يقول يتداوى المحرم بما يأكل وقال أيضا حدثنا أبو الأحوص عن بن أبي إسحاق عن الضحاك عن بن عباس قال إذا شققت يد المحرم أو رجلاه فليدهنهما بالزيت أو بالسمن ووقع في الأصل يتداوى بما يأكل الزيت والسمن وهما بالجر في روايتنا وصحح عليه بن مالك عطفا على ما الموصولة فإنها مجرورة بالباء ووقع في غيرها بالنصب وليس المعنى عليه لأن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول لكن يجوز على الاتساع وفي هذا الأثر رد على مجاهد في قوله أن تداوى بالسمن أو الزيت فعليه دم أخرجه بن أبي شيبة تنبيه قوله يشم بفتح الشين المعجمة على الأشهر وحكى ضمها قوله وقال عطاء يتختم ويلبس الهميان هو بكسر الهاء معرب يشبه تكة السراويل يجعل فيها النفقة ويشد في الوسط وقد روى الدارقطني من طريق الثوري عن بن إسحاق عن عطاء قال لا بأس بالخاتم للمحرم وأخرج أيضا من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء وربما ذكره عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم والأول أصح وأخرجه الطبراني وابن عدي في الكامل من وجه آخر عن بن عباس مرفوعا وإسناده ضعيف قال بن عبد البر أجاز ذلك فقهاء الأمصار وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض ولم ينقل عن أحد كراهته إلا عن بن عمر وعنه جوازه ومنع إسحاق عقده وقيل أنه تفرد بذلك وليس كذلك فقد أخرج بن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال لا بأس بالهميان للمحرم ولكن لا يعقد عليه السير ولكن يلفه لفا وقال بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن إسماعيل بن عبد الملك قال رأيت على سعيد بن جبير خاتما وهو محرم وعلى عطاء قوله وطاف بن عمر وهو محرم وقد حزم على بطنه بثوب وصله الشافعي من طريق طاوس قال رأيت بن عمر يسعى وقد حزم على بطنه بثوب وروى من وجه آخر عن نافع أن بن عمر لم يكن عقد الثوب عليه وإنما غرز طرفه على إزاره وروى بن أبي شيبة من طريق مسلم بن جندب سمعت بن عمر يقول لا تعقد عليك شيئا وأنت محرم قال بن التين هو محمول على أنه شده على بطنه فيكون كالهميان ولم يشده فوق المئزر وإلا فمالك يرى على من فعل ذلك الفدية قوله ولن تر عائشة بالتبان بأسا للذين يرحلون هودجها وقع في نسخة الصغاني بعد قوله بأسا قال أبو عبد الله يعني الذين الخ التبان بضم المثناة وتشديد الموحدة سراويل قصير بغير أكمام والهودج بفتح الهاء وبالجيم معروف ويرحلون بفتح أوله وسكون الراء وفتح الحاء المهملة قال الجوهري رحلت البعير أرحله بفتح أوله رحلا إذا شددت على ظهره الرحل قال الأعشى رحلت أميمة غدوة أجمالها وسيأتي في التفسير استشهاد البخاري بقول الشاعر إذا ما قمت أرحلها بليل وعلى هذا فوهم من ضبطه هنا بتشديد الحاء المهملة وكسرها وقد وصل أثر عائشة سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها حجت ومعها غلمان لها وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء فأمرتهم أن يتخذوا التبابين فيلبسونها وهم محرمون وأخرجه من وجه آخر مختصرا بلفظ يشدون هودجها وفي هذا رد على بن التين في قوله أرادت النساء لأنهن يلبسن المخيط بخلاف الرجال وكأن هذا رأي رأته عائشة وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم

[ 1464 ] قوله سفيان هو الثوري ومنصور هو بن المعتمر والإسناد إلى بن عمر كوفيون وكذا إلى عائشة قوله يدهن بالزيت أي عند الإحرام بشرط أن لا يكون مطيبا كما أخرجه الترمذي من وجه آخر عنه مرفوعا والموقوف عنه أخرجه بن أبي شيبة وهو أصح ويؤيده ما تقدم في كتاب الغسل من طريق محمد بن المنتشر أن بن عمر قال لأن أطلى بقطران أحب إلي من أن أتطيب ثم أصبح محرما وفيه إنكار عائشة عليه وكان بن عمر يتبع في ذلك أباه فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإحرام كما سيأتي وكانت عائشة تنكر عليه ذلك وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول لا بأس بأن يمس الطيب عند الإحرام قال فدعوت رجلا وأنا جالس بجنب بن عمر فأرسلته إليها وقد علمت قولها ولكن أحببت أن يسمعه أبي فجاءني رسولي فقال إن عائشة تقول لا بأس بالطيب عند الإحرام فأصب ما بدا لك قال فسكت بن عمر وكذا كان سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك لحديث عائشة قال بن عيينة أخبرنا عمرو بن دينار عن سالم أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال قالت عائشة فذكر الحديث قال سالم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع قوله فذكرته لإبراهيم هو مقول منصور وإبراهيم هو النخعي قوله فقال ما تصنع بقوله يشير إلى ما بينته وإن كان لم يتقدم إلا ذكر الفعل ويؤخذ منه أن المفزع في النوازل إلى السنن وأنه مستغني بها عن آراء الرجال وفيها المقنع قوله كأني أنظر أرادت بذلك قوة تحققها لذلك بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه قوله وبيص بالموحدة المكسورة وآخره صاد مهملة هو البريق وقد تقدم في الغسل قول الإسماعيلي أن الوبيص زيادة على البريق وأن المراد به التلألؤ وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط قوله في مفارق جمع مفرق وهو المكان الذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس قيل ذكرته بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر

[ 1465 ] قوله لاحرامه أي لأجل إحرامه وللنسائي حين أراد أن يحرم ولمسلم نحوه كما سيأتي قريبا قوله ولحله أي بعد أن يرمي ويحلق واستدل بقولها كنت أطيب على أن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم يقع منها ذلك إلا مرة واحدة وقد صرحت في رواية عروة عنها بأن ذلك كان في حجة الوداع كما سيأتي في كتاب اللباس كذا استدل به النووي في شرح مسلم وتعقب بأن المدعي تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام ولا مانع من أن يتكرر التطيب لأجل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه وقال النووي في موضع آخر المختار أنها لا تقتضي تكرارا ولا استمرارا وكذا قال الفخر في المحصول وجزم بن الحاجب بأنها تقتضيه قال ولهذا استفدنا من قولهم كان حاتم يقري الضيف إن ذلك كان يتكرر منه وقال جماعة من المحققين أنها تقتضي التكرار ظهورا وقد تقع قرينة تدل على عدمه لكن يستفاد من سياقه لذلك المبالغة في اثبات ذلك والمعنى أنها كانت تكرر فعل التطيب لو تكرر منه فعل الإحرام لما اطلعت عليه من استحبابه لذلك على أن هذه اللفظة لم تتفق الرواة عنها عليها فسيأتي للبخاري من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم شيخ مالك فيه هنا بلفظ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الطرق ليس فيها صيغة كان والله أعلم واستدل به على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعد الإحرام وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهو قول الجمهور وعن مالك يحرم ولكن لا فديه وفي رواية عنه تجب وقال محمد بن الحسن يكره أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقي عينه بعده واحتج المالكية بأمور منها أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بعد أن تطيب لقوله في رواية بن المنتشر المتقدمة في الغسل ثم طاف بنسائه ثم أصبح محرما فإن المراد بالطواف الجماع وكان من عادته أن يغتسل عند كل واحدة ومن ضرورة ذلك أن لا يبقى للطيب أثر ويرده قوله في الرواية الماضية أيضا ثم أصبح محرما ينضح طيبا فهو ظاهر في أن نضح الطيب وهو ظهور رائحته كان في حال إحرامه ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا والتقدير طاف على نسائه ينضح طيبا ثم أصبح محرما خلاف الظاهر ويرده قوله في رواية الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عند مسلم كان إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك وللنسائي وابن حبان رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم وقال بعضهم إن الوبيص كان بقايا الدهن المطيب الذي تطيب به فزال وبقي أثره من غير رائحة ويرده قول عائشة ينضح طيبا وقال بعضهم بقي أثره لا عينه قال بن العربي ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت انتهى وقد روى أبو داود وابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت كنا نضمخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا فهذا صريح في بقاء عين الطيب ولا يقال إن ذلك خاص بالنساء لأنهم أجمعوا على أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين وقال بعضهم كان ذلك طيبا لا رائحة له تمسكا برواية الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة بطيب لا يشبه طيبكم قال بعض رواته يعني لا بقاء له أخرجه النسائي ويرد هذا التأويل ما في الذي قبله ولمسلم من رواية منصور بن زاذان عن عبد الرحمن بن القاسم بطيب فيه مسك وله من طريق الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم كأني انظر إلى وبيص المسك وللشيخين من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه بأطيب ما أجد وللطحاوي والدارقطني من طريق نافع عن بن عمر عن عائشة بالغالية الجيدة وهذا يدل على أن قولها بطيب لا يشبه طيبكم أي أطيب منه لا كما فهمه القائل يعني ليس له بقاء وادعى بعضهم أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم قاله المهلب وأبو الحسن القصار وأبو الفرج من المالكية قال بعضهم لأن الطيب من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لأربه ففعله ورجحه بن العربي بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح وقد ثبت عنه أنه قال حبب إلي النساء والطيب أخرجه النسائي من حديث أنس وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس وقال المهلب إنما خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي وتعقب بأنه فرع ثبوت الخصوصية وكيف بها ويردها حديث عائشة بنت طلحة المتقدم وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عائشة قالت طيبت أبي بالمسك لإحرامه حين أحرم وبقولها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين أخرجه الشيخان من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عنها وسيأتي من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ وأشارت بيديها واعتذر بعض المالكية بأن عمل أهل المدينة على خلافه وتعقب بما رواه النسائي من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم منهم القاسم بن محمد وخارجة بن زيد وسالم وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث فسألهم عن التطيب قبل الإفاضة فكلهم أمر به فهؤلاء فقهاء أهل المدينة من التابعين قد اتفقوا على ذلك فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه قوله ولحله قبل أن يطوف بالبيت أي لأجل إحلاله من إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة وسيأتي في اللباس من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ قبل أن يفيض وللنسائي من هذا الوجه وحين يريد أن يزور البيت ولمسلم نحوه من طريق عمرة عن عائشة وللنسائي من طريق بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة ولحله بعد ما يرمي جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت واستدل به على حل الطيب وغيره من محرمات الإحرام بعد رمي جمرة العقبة ويستمر امتناع الجماع ومتعلقاته على الطواف بالبيت وهو دال على أن للحج تحللين فمن قال أن الحلق نسك كما هو قول الجمهور وهو الصحيح عند الشافعية يوقف استعمال الطيب وغيره من المحرمات المذكورة عليه ويؤخذ ذلك من كونه صلى الله عليه وسلم في حجته رمى ثم حلق ثم طاف فلولا أن الطيب بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها قبل أن يطوف بالبيت قال النووي في شرح المهذب ظاهر كلام بن المنذر وغيره أنه لم يقل بأن الحلق ليس بنسك إلا الشافعي وهو في رواية عن أحمد وحكى عن أبي يوسف واستدل به على جواز استدامة الطيب بعد الإحرام وخالف الحنفية فأوجبوا فيه الفدية قياسا على اللبس وتعقب بأن استدامة اللبس لبس واستدامة الطيب ليس بطيب ويظهر ذلك بما لو حلف وقد تقدم التعقب على من زعم أن المراد بريق الدهن أو أثر الطيب الذي لا رائحة له بما فيه كفاية

قوله باب من أهل ملبدا أي أحرم وقد لبد شعر رأسه أي جعل فيه شيئا نحو الصمغ ليجتمع شعره لئلا يتشعث في الإحرام أو يقع فيه القمل ثم أورد حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في ذلك وهو مطابق للترجمة وقوله

[ 1466 ] سمعته يهل ملبدا أي سمعته يهل في حال كونه ملبدا ولأبي داود والحاكم من طريق نافع عن بن عمر أنه عليه الصلاة والسلام لبد رأسه بالعسل قال بن عبد السلام يحتمل أنه بفتح المهملتين ويحتمل أنه بكسر المعجمة وسكون المهملة وهو ما يغسل به الرأس من خطمي أو غيره قلت ضبطناه في روايتنا في سنن أبي داود بالمهملتين

قوله باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة أي لمن حج من المدينة أورد فيه حديث سالم أيضا عن أبيه في ذلك من وجهين وساقه بلفظ مالك وأما لفظ سفيان فأخرجه الحميدي في مسنده بلفظ هذه البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد مسجد ذي الحليفة وأخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عقبة بلفظ كان بن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء قال البيداء التي تكذبون فيها الخ إلا أنه قال من عند الشجرة حين قام به بعيره وسيأتي للمصنف بعد أبواب ترجمة من أهل حين استوت به راحلته وأخرج فيه من طريق صالح بن كيسان عن نافع عن بن عمر قال أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة وكان بن عمر ينكر على رواية بن عباس الآتية بعد بابين بلفظ ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل وقد أزال الاشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فذكر الحديث وفيه فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب من مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منها فسمع منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل أحد ما سمع وإنما كان اهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيا وثالثا وأخرجه الحاكم من وجه آخر من طريق عطاء عن بن عباس نحوه دون القصة فعلى هذا فكان إنكار بن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل فائدة البيداء هذه فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره

قوله باب ما لا يلبس المحرم من الثياب المراد بالمحرم من أحرم بحج أو عمرة أو قرن وحكى أين دقيق العيد أن بن عبد السلام كان يستشكل معرفة حقيقة الإحرام يعني على مذهب الشافعي ويرد على من يقول إنه النية لأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه وشرط الشيء غيره ويعترض على من يقول إنه التلبية بأنها ليست ركنا وكأنه يحوم على تعيين فعل تتعلق به النية في الابتداء انتهى والذي يظهر أنه مجموع الصفة الحاصلة من تجرد وتلبية ونحو ذلك وسيأتي في آخر باب التلبية ما يتعلق بشيء من هذا الغرض

[ 1468 ] قوله ان رجلا قال يا رسول الله لم أقف على اسمه في شيء من الطرق وسيأتي في باب ما ينهى من الطيب للمحرم ومن طريق الليث عن نافع بلفظ ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام وعند النسائي من طريق عمر بن نافع عن أبيه ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا وهو مشعر بأن السؤال عن ذلك كان قبل الإحرام وقد حكى الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أن في رواية بن جريج والليث عن نافع أن ذلك كان في المسجد ولم أر ذلك في شيء من الطرق عنهما نعم أخرج البيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن عبد الله بن عون كلاهما عن نافع عن بن عمر قال نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بذلك المكان وأشار نافع إلى مقدم المسجد فذكر الحديث وظهر أن ذلك كان بالمدينة ووقع في حديث بن عباس الآتي في أواخر الحج أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات فيحمل على التعدد ويؤيده أن حديث بن عمر أجاب به السائل وحديث بن عباس ابتدأ به في الخطبة قوله ما يلبس المحرم من الثياب قال لا يلبس القمص الخ قال النووي قال العلماء هذا الجواب من بديع الكلام وجزله لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح وبه وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال لا يلبس كذا أي ويلبس ما سواه انتهى وقال البيضاوي سئل عما يلبس فأجاب بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن الجواب لأنه أخصر وأحصر وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج لبيانه إذ الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فكان الأليق السؤال عما لا يلبس وقال غيره هذا يشبه أسلوب الحكيم ويقرب منه قوله تعالى يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين الآية فعدل عن جنس المنفق وهو المسئول عنه إلى ذكر المنفق عليه لأنه أهم وقال بن دقيق العيد يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل منه المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة ولا تشترط المطابقة انتهى وهذا كله بناء على سياق هذه الرواية وهي المشهورة عن نافع وقد رواه أبو عوانة من طريق بن جريج عن نافع بلفظ ما يترك المحرم وهي شاذة والاختلاف فيها على بن جريج لا على نافع ورواه سالم عن بن عمر بلفظ أن رجلا قال ما يجتنب المحرم من الثياب أخرجه أحمد وابن خزيمة وأبو عوانة في صحيحيهما من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهدي عنه وأخرجه أحمد عن بن عيينة عن الزهري فقال مرة ما يترك ومرة ما يلبس وأخرجه المصنف في أواخر الحج من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ نافع فالاختلاف فيه على الزهري يشعر بأن بعضهم رواه بالمعنى فاستقامت رواية نافع لعدم الاختلاف فيها واتجه البحث المتقدم وطعن بعضهم في قول من قال من الشراح أن هذا من أسلوب الحكيم بأنه كان يمكن الجواب بما يحصر أنواع ما لا يلبس كأن يقال ما ليس بمخيط ولا على قدر البدن كالقميص أو بعضه كالسراويل أو الخف ولا يستر الرأس أصلا ولا يلبس ما مسه طيب كالورس والزعفران ولعل المراد من الجواب المذكور ذكر المهم وهو ما يحرم لبسه ويوجب الفدية قوله المحرم أجمعوا على أن المراد به هنا الرجل ولا يلتحق به المرأة في ذلك قال بن المنذر أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ما ذكر وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس ويؤيده قوله في آخر حديث الليث الآتي في آخر الحج لا تنتقب المرأة كما سيأتي البحث فيه وقوله لا تلبس بالرفع على الخبر وهو في معنى النهي وروى بالجزم على أنه نهي قال عياض أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم وأنه نبه بالقميص والسراويل على كل مخيط وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطا أو غيره وبالخفاف على كل ما يستر الرجل انتهى وخص بن دقيق العيد الإجماع الثاني بأهل القياس وهو واضح والمراد بتحريم المخيط ما يلبس على الموضع الذي جعل له ولو في بعض البدن فأما لو ارتدى بالقميص مثلا فلا بأس وقال الخطابي ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر قال ومن النادر المكتل يحمله على رأسه قلت إن أراد أنه يجعله على رأسه كلابس القبع صح ما قال وإلا فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل لحاجته لا يضر على مذهبه ومما لا يضر أيضا الانغماس في الماء فإنه لا يسمى لابسا وكذا ستر الرأس باليد قوله إلا أحد قال بن المنير في الحاشية يستفاد منه جواز استعمال أحد في الاثبات خلافا لمن خصه بضرورة الشعر قال والذي يظهر لي بالاستقراء أنه لا يستعمل في الاثبات إلا إن كان يعقبه نفي قوله لا يجد نعلين زاد معمر في روايته عن الزهري عن سالم في هذا الموضع زيادة حسنة تفيد ارتباط ذكر النعلين بما سبق وهي قوله وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين واستبدل بقوله فإن لم يجد على أن وأجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين وهو قول الجمهور وعن بعض الشافعية جوازه وكذا عند الحنفية وقال بن العربي إن صارا كالنعلين جاز وإلا متى سترا من ظاهر الرجل شيئا لم يجز إلا للفاقد والمراد بعدم الوجدان أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده أو ترك بذل المالك له وعجزه عن الثمن أن وجد من يبيعه أو الأجرة ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه أو وهب له لم يجب قبوله إلا إن أعير له قوله فليلبس ظاهر الأمر للوجوب لكنه لما شرع للتسهيل لم يناسب التثقيل وإنما هو للرخصة قوله وليقطعهما أسفل من الكعبين في رواية بن أبي ذئب الماضية في آخر كتاب العلم حتى يكونا تحت الكعبين والمراد كشف الكعبين في الإحرام وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم ويؤيده ما روى بن أبي شيبة عن جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال إذ اضطر المحرم إلى الخفين خرق ظهورهما وترك فيهما قدر ما يستمسك رجلاه وقال محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية الكعب هنا هو العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشراك وقيل أن ذلك لا يعرف عند أهل اللغة وقيل إنه لا يثبت عن محمد وأن السبب في نقله عنه أن هشام بن عبيد الله الرازي سمعه يقول في مسئله المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه فأشار محمد بيده إلى موضع القطع ونقله هشام إلى غسل الرجلين في الطهارة وبهذا يتعقب على من نقل عن أبي حنيفة كان بطال أنه قال إن الكعب هو الشاخص في ظهر القدم فإنه لا يلزم من نقل ذلك عن محمد بن الحسن على تقدير صحته عنه أن يكون قول أبي حنيفة ونقل عن الأصمعي وهو قول الإمامية أن الكعب عظم مستدير تحت عظم الساق حيث مفصل الساق والقدم وجمهور أهل اللغة على أن في كل قدم كعبين وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين وعن الحنفية تجب وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة واستدل به على اشتراط القطع خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع لإطلاق حديث بن عباس الآتي في أواخر الحج بلفظ ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد فينبغي أن يقول بها هنا وأجاب الحنابلة بأشياء منها دعوى ا لنسخ في حديث بن عمر فقد روى الدارقطني من طريق عمرو بن دينار أنه روى عن بن عمر حديثه وعن جابر بن زيد عن بن عباس حديثه وقال انظروا أي الحديثين قبل ثم حكى الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أنه قال حديث بن عمر قبل لأنه كان بالمدينة قبل الإحرام وحديث بن عباس بعرفات وأجاب الشافعي عن هذا في الأم فقال كلاهما صادق حافظ وزيادة بن عمر لا تخالف بن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه أو شك أو قالها فلم يقلها عنه بعض رواته انتهى وسلك بعضهم الترجيح بين الحديثين قال بن الجوزي حديث بن عمر اختلف في وقفه ورفعه وحديث بن عباس لم يختلف في رفعه انتهى وهو تعليل مردود بل لم يختلف على بن عمر في رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة على أنه اختلف في حديث بن عباس أيضا فرواه بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن بن عباس موقوفا ولا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث بن عمر أصح من حديث بن عباس لأن حديث بن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أصح الأسانيد واتفق عليه عن بن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث بن عباس فلم يأت مرفوعا إلا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصيلي إنه شيخ بصري لا يعرف كذا قال وهو معروف موصوف بالفقه عند الأئمة واستدل بعضهم بالقياس على السراويل كما سيأتي البحث فيه في حديث بن عباس إن شاء الله تعالى وأجيب بأن القياس مع وجود النص فاسد الاعتبار واحتج بعضهم بقول عطاء أم القطع فساد والله لا يحب الفساد وأجيب بأن الفساد إنما يكون فيما نهى الشرع عنه لا فيما أذن فيه وقال بن الجوزي يحمل الأمر بالقطع على الإباحة لا على الاشتراط عملا بالحديثين ولا يخفى تكلفه قال العلماء والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه والاتصاف بصفة الخاشع وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات قوله ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس قيل عدل عن طريقه ما تقدم ذكره إشارة إلى اشتراك الرجال والنساء في ذلك وفيه نظر بل الظاهر أن نكتة العدول أن الذي يخالطه الزعفران والورس لا يجوز لبسه سواء كان مما يلبسه المحرم أو لا يلبسه والورس بفتح الواو وسكون الراء بعدها مهملة نبت أصفر طيب الريح يصبغ به قال بن العربي ليس الورس بطيب ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشم فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب واستدل بقوله مسه على تحريم ما صبغ كله أو بعضه ولو خفيت رائحته قال مالك في الموطأ إنما يكره لبس المصبغات لأنها تنفض وقال الشافعية إذا صار الثوب بحيث لو أصابه الماء لم تفح له رائحة لم يمنع والحجة فيه حديث بن عباس الآتي في الباب الذي تقدم بلفظ ولم ينه عن شيء من الثياب إلا المزعفرة التي تردع الجلد وأما المغسول فقال الجمهور إذا ذهبت الرائحة جاز خلافا لمالك واستدل لهم بما روى أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث إلا أن يكون غسيلا أخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عنه وروى الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران أن يحيى بن معين أنكره على الحماني فقال له عبد الرحمن بن صالح الأزدي قد كتبته عن أبي معاوية وقام في الحال فأخرج له أصله فكتبه عنه يحيى بن معين انتهى وهي زيادة شاذة لأن أبا معاوية وإن كان متقنا لكن في حديثه عن غير الأعمش مقال قال أحمد أبو معاوية مضطرب الحديث في عبيد الله ولم يجيء بهذه الزيادة غيره قلت والحماني ضعيف وعبد الرحمن الذي تابعه فيه مقال واستدل به المهلب على منع استدامة الطيب وفيه نظر واستنبط من منع لبس الثوب المزعفر منع أكل الطعام الذي فيه الزعفران وهذا قول الشافعية وعن المالكية خلاف وقال الحنفية لا يحرم لأن المراد اللبس والتطيب والآكل لا يعد متطيبا تنبيه زاد الثوري في روايته عن أيوب عن نافع في هذا الحديث ولا القباء أخرجه عبد الرزاق عنه ورواه الطبراني من وجه آخر عن الثوري وأخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع أيضا والقباء بالقاف والموحدة معروف ويطلق على كل ثوب مفرج ومنع لبسه على المحرم متفق عليه إلا أن أبا حنيفة قال يشترط أن يدخل يديه في كميه لا إذا ألقاه على كتفيه ووافقه أبو ثور والخرقي من الحنابلة وحكى الماوردي نظيره إن كان كمه ضيقا فإن كان واسعا فلا

قوله باب الركوب والارتداف في الحج أورد فيه حديث بن عباس في اردافه صلى الله عليه وسلم أسامة ثم الفضل وسيأتي الكلام عليه في باب التلبية والتكبير غداة النحر والقصة وأن كانت وردت في حالة الدفع من عرفات إلى منى لكن يلحق بها ما تضمنته الترجمة في جميع حالات الحج قال بن المنير والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قصد باردافه من ذكر ليحدث عنه بما يتفق له في تلك الحال من التشريع

قوله باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر هذه الترجمة مغايرة للسابقة التي قبلها من حيث أن تلك معقودة لما لا يلبس من أجناس الثياب وهذه لما يلبس من أنواعها والأزر بضم الهمزة والزاي جمع إزار قوله ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهي محرمة وصله سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال كانت عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة إسناده صحيح وأخرجه البيهقي من طريق بن أبي مليكة أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر الخفيف وهي محرمة وأجاز الجمهور لبس المعصفر للمحرم وعن أبي حنيفة العصفر طيب وفيه الفدية واحتج بأن عمر كان ينهى عن الثياب المصبغة وتعقبه بن المنذر بأن عمر كره ذلك لئلا يقتدي به الجاهل فيظن جواز لبس المورس والمزعفر ثم ساق له قصة مع طلحة فيها بيان ذلك قوله وقالت أي عائشة لا تلثم بمثناة واحدة وتشديد المثلثة وهو على حذف إحدى التاءين وفي رواية أبي ذر تلتثم بسكون اللام وزيادة مثناة بعدها أي لا تغطي شفتها بثوب وقد وصله البيهقي وسقط من رواية الحموي من الأصل وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها وفي مصنف بن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن وعطاء قالا لا تلبس المحرمة القفازين والسراويل ولا تبرقع ولا تلثم وتلبس ما شاءت من الثياب إلا ثوبا ينفض عليها ورسا أو زعفرانا وهذا يشبه ما ذكر في الأصل عن عائشة قوله وقال جابر أي بن عبد الله الصحابي قوله لا أرى المعصفر طيبا أي تطيبا وصله الشافعي ومسدد بلفظ لا تلبس المرأة ثياب الطيب ولا أرى المعصفر طيبا وقد تقدم الخلاف في ذلك قوله ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة وصله البيهقي من طريق بن باباه المكي أن امرأة سألت عائشة ما تلبس المرأة في إحرامها قالت عائشة تلبس من خزها وبزها وأصباغها وحليها وأما المورد والمراد ما صبغ على لون الورد فسيأتي موصولا في باب طواف النساء في آخر حديث عطاء عن عائشة وأما الخف فوصله بن أبي شيبة عن بن عمر والقاسم بن محمد والحسن وغيرهم قال بن المنذر أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجال ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر تعني جدتها قال ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلا كما جاء عن عائشة قالت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه انتهى وهذا الحديث أخرجه هو من طريق مجاهد عنها وفي إسناده ضعف قوله وقال إبراهيم أي النخعي قوله لا بأس أن يبدل ثيابه وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة كلاهما عن هشيم عن مغيرة وعبد الملك ويونس أما مغيرة فعن إبراهيم وأما عبد الملك فعن عطاء وأما يونس فعن الحسن قالوا يغير المحرم ثيابه ما شاء لفظ سعيد وفي رواية بن أبي شيبة إنهم لم يروا بأسا أن يبدل المحرم ثيابه قال سعيد وحدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال كان أصحابنا إذا أتوا بئر ميمون اغتسلوا ولبسوا أحسن ثيابهم فدخلوا فيها مكة

[ 1470 ] قوله حدثنا فضيل هو بالتصغير قوله ترجل أي سرح شعره قوله وادهن قال بن المنذر أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته وأجمعوا أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه ففرقوا بين الطيب والزيت في هذا فقياس كون المحرم ممنوعا من استعمال الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه وقد تقدمت الإشار إلى الخلاف في ذلك قبل بأبواب قوله التي تردع بالمهملة أي تلطخ يقال ردع إذا التطخ والردع أثر الطيب وردع به الطيب إذا لزق بجلده قال بن بطال وقد روى بالمعجمة من قولهم أردغت الأرض إذا كثرت مناقع المياه فيها والردغ بالغين المعجمة الطين انتهى ولم أر في شيء من الطرق ضبط هذه اللفظة بالغين المعجمة ولا تعرض لها عياض ولا بن قرقول والله أعلم ووقع في الأصل تردع على الجلد قال بن الجوزي الصواب حذف على كذا قال واثباتها موجه أيضا كما تقدم قوله فأصبح بذي الحليفة أي وصل إليها نهارا ثم بات بها كما سيأتي صريحا في الباب الذي بعده من حديث أنس قوله حتى استوى على البيداء أهل تقدم نقل الخلاف في ذلك وطريق الجمع بين المختلف فيه قوله وذلك لخمس بقين من ذي القعدة أخرج مسلم مثله من حديث عائشة احتج به بن حزم في كتاب حجة الوداع له على أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم الخميس قال لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا شك لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف وظاهر قول بن عباس لخمس يقتضي أن يكون خروجه من المدينة يوم الجمعة بناء على ترك عد يوم الخروج وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا كما سيأتي قريبا من حديث أنس فتبين أنه لم يكن يوم الجمعة فتعين أنه يوم الخميس وتعقبه بن القيم بأن المتعين أن يكون يوم السبت بناء على عد يوم الخروج أو على ترك عده ويكون ذو القعدة تسعا وعشرين يوما انتهى ويؤيده ما رواه بن سعد والحاكم في الإكليل أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة وفيه رد على من منع إطلاق القول في التاريخ لئلا يكون الشهر ناقصا فلا يصح الكلام فيقول مثلا لخمس إن بقين بزيادة أداة الشرط وحجة المجيز أن الإطلاق يكون على الغالب ومقتضى قوله أنه دخل مكة لأربع خلون من ذي الحجة أن يكون دخلها صبح يوم الأحد وبه صرح الواقدي قوله والطيب والثياب أي كذلك وقوله الحجون بفتح المهملة بعدها جيم مضمومة هو الجبل المطل على المسجد بأعلى مكة على يمين المصعد وهناك مقبرة أهل مكة وسيأتي بقية شرح ما اشتمل عليه حديث بن عباس هذا مفرقا في الأبواب

قوله باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح يعني إذا كان حجه من المدينة والمراد من هذه الترجمة مشروعية المبيت بالقرب من البلد التي يسافر منها ليكون أمكن من التوصل إلى مهماته التي ينساها مثلا قال بن بطال ليس ذلك من سنن الحج وإنما هو من جهة الرفق ليلحق به من تأخر عنه قال بن المنير لعله أراد أن يدفع توهم من يتوهم أن الإقامة بالميقات وتأخير الإحرام شبيه بمن تعداه بغير إحرام فبين أن ذلك غير لازم حتى ينفصل عنه قوله قاله بن عمر يشير إلى حديثه المتقدم في باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة

[ 1471 ] قوله حدثني بن المنكدر كذا رواه الحفاظ من أصحاب بن جريج عنه وخالفهم عيسى بن يونس فقال عن بن جريج عن الزهري عن أنس وهي رواية شاذة قوله وبذي الحليفة ركعتين فيه مشروعية قصر الصلاة لمن خرج من بيوت البلد وبات خارجا عنها ولو لم يستمر سفره واحتج به أهل الظاهر في قصر الصلاة في السفر القصير ولا حجة فيه لأنه كابتداء سفر لا المنتهى وقد تقدم البحث في ذلك في أبواب قصر الصلاة وتقدم الخلاف في ابتداء إهلاله صلى الله عليه وسلم قريبا قوله في الرواية الثانية حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي قوله وأحسبه الشك فيه من أبي قلابة وقد تقدم في طريق بن المنكدر التي قبلها بغير شك وسيأتي بعد بابين من طريق أخرى عن أيوب بأتم من هذا السياق

قوله باب رفع الصوت بالإهلال قال الطبري الإهلال هنا رفع الصوت بالتلبية وكل رافع صوته بشيء فهو مهل به وأما أهل القوم الهلال فأرى أنه من هذا لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم عند رؤيته انتهى وسيأتي اختيار البخاري خلاف ذلك بعد أبواب

[ 1473 ] قوله وسمعتهم يصرخون بهما جميعا أي بالحج والعمرة ومراد أنس بذلك من نوى منهم القران ويحتمل أن يكون على سبيل التوزيع أي بعضهم بالحج وبعضهم بالعمرة قاله الكرماني ويشكل عليه قوله في الطريق الأخرى يقول لبيك بحجة وعمرة معا وسيأتي إنكار بن عمر على أنس ذلك وسيأتي ما فيه في باب التمتع والقران وفيه حجة للجمهور في استحباب رفع الأصوات بالتلبية وقد روى مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاد بن السائب عن أبيه مرفوعا جاءني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالإهلال ورجاله ثقات إلا أنه اختلف على التابعي في صحابيه وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال كنت مع بن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين وأخرج أيضا بإسناد صحيح من طريق المطلب بن عبد الله قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم واختلف الرواة عن مالك فقال بن القاسم عنه لا يرفع صوته بالتلبية إلا في المسجد الحرام ومسجد منى وقال في الموطأ لا يرفع صوته بالتلبية في مسجد الجماعات ولم يستثن شيئا ووجه الاستثناء أن المسجد الحرام جعل للحاج والمعتمر وغيرهما وكان الملبي إنما يقصد إليه فكان ذلك وجه الخصوصية وكذلك مسجد منى

قوله باب التلبية هي مصدر لبى أي قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرا

[ 1474 ] قوله لبيك هو لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى وعلى ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء هو منصوب على المصدر وأصله لبا لك فثنى على التأكيد أي إلبابا بعد إلباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير أو المبالغة ومعناه إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة قال بن الأنباري ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن وقيل معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها وقيل معناه محبتي لك مأخوذ من قولهم امرأة لبة أي محبة وقيل إخلاصي لك من قولهم حب لباب أي خالص وقيل أنا مقيم على طاعتك من قولهم لب الرجل بالمكان إذا أقام وقيل قربا منك من الإلباب وهو القرب وقيل خاضعا لك والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته ولهذا من دعى فقال لبيك فقد استجاب وقال بن عبد البر قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج انتهى وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن بن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد والأسانيد إليهم قوية وأقوى ما فيه عن بن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه قال لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ قال فنادى إبراهيم يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون ومن طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ قال بن المنير في الحاشية وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان بإستدعاء منه سبحانه وتعالى قوله ان الحمد روى بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل والكسر أجود عند الجمهور وقال ثعلب لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن فتح قال معناه لبيك لهذا السبب وقال الخطابي لهج العامة بالفتح وحكاه الزمخشري عن الشافعي قال بن عبد البر المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال وتعقب بأن التقييد ليس في الحمد وإنما هو في التلبية قال بن دقيق العيد الكسر أجود لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة وأن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على التعليل فكأنه يقول أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة ولما حكى الرافعي الوجهين من غير ترجيح رجح النووي الكسر وهذا خلاف ما نقله الزمخشري أن الشافعي أختار الفتح وأن أبا حنيفة أختار الكسر قوله والنعمة لك المشهور فيه النصب قال عياض ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخبر محذوفا والتقدير أن الحمد لك والنعمة مستقرة لك قاله بن الأنباري وقال بن المنير في الحاشية قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال لا حمد إلا لك لأنه لا نعمة إلا لك وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك قوله والمالك بالنصب أيضا على المشهور ويجوز الرفع وتقديره والملك كذلك ووقع عند مسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع وغيره عن بن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال لبيك الحديث وللمصنف في اللباس من طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا يقول لبيك اللهم لبيك الحديث وقال في آخره لا يزيد على هذه الكلمات زاد مسلم من هذا الوجه قال بن عمر كان عمر يهل بهذا ويزيد لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل وهذا القدر في رواية مالك أيضا عنده عن نافع عن بن عمر أنه كان يزيد فيها فذكر نحوه فعرف أن بن عمر اقتدي في ذلك بأبيه وأخرج بن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قال الطحاوي بعد أن أخرجه من حديث بن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب أجمع المسلمون جميعا على هذه التلبية غير أن قوما قالوا لا بأس أن يزيد فيها من الذكر لله ما أحب وهو قول محمد والثوري والأوزاعي واحتجوا بحديث أبي هريرة يعني الذي أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه بن حبان والحاكم قال كان من تليبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك وبزيادة بن عمر المذكورة وخالفهم آخرون فقالوا لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كما في حديث عمرو بن معد يكرب ثم فعله هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فكذا لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئا مما علمه ثم أخرج حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمع رجلا يقول لبيك ذا المعارج فقال أنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فهذا سعد قد كره الزيادة في التلبية وبه نأخذ انتهى ويدل على الجواز ما وقع عند النسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن بن مسعود قال كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ففيه دلالة على أنه قد كان يلبي بغير ذلك وما تقدم عن عمر وابن عمر وروى سعيد بن منصور من طريق الأسود بن يزيد أنه كان يقول لبيك غفار الذنوب وفي حديث جابر الطويل في صفة الحج حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك الخ قال وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم شيئا منه ولزم تلبيته وأخرجه أبو داود من الوجه الذي أخرجه منه مسلم قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا وفي رواية البيهقي ذا المعارج وذا الفواضل وهذا يدل على أن الاقتصار عل التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردها عليهم وأقرهم عليها وهو قول الجمهور وبه صرح أشهب وحكى بن عبد البر عن مالك الكراهة قال وهو أحد قولي الشافعي وقال الشيخ أبو حامد حكى أهل العراق عن الشافعي يعني في القديم أنه كره الزيادة على المرفوع وغلطوا بل لا يكره ولا يستحب وحكى الترمذي عن الشافعي قال فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس وأحب إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن بن عمر حفظ التلبية عنه ثم زاد من قبله زيادة ونصب البيهقي الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي فقال الاقتصار على المرفوع أحب ولا ضيق أن يزيد عليها قال وقال أبو حنيفة أن زاد فحسن وحكى في المعرفة عن الشافعي قال ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن بن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك انتهى وهذا أعدل الوجوه فيفرد ما جاء مرفوعا وإذا أختار قول ما جاء موقوفا أو أنشأه هو من قبل نفسه ممل يليق قاله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد فإنه قال فيه ثم ليتخير من المسألة والثناء ما شاء أي بعد أن يفرغ من المرفوع كما تقدم ذلك في موضعه تكميل لم يتعرض المصنف لحكم التلبية وفيها مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة الأول أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء وهو قول الشافعي وأحمد ثانيها واجبة ويجب بتركها دم حكاه الماوردي عن أبن هريرة من الشافعية وقال إنه وجد للشافعي نصا يدل عليه وحكاه بن قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة وأغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ويجب بتركها دم ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن بن الجلاب قال التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة وقال بن التين يريد أنها ليست من أركان الحج وإلا فهي واجبة ولذلك يجب بتركها الدم ولو لم تكن واجبة لم يجب وحكى بن العربي أنه يجب عندهم بترك تكرارها دم وهذا قدر زائد على أصل الوجوب ثالثها واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجه على الطريق وبهذا صدر بن شاس من المالكية كلامه في الجواهر له وحكى صاحب الهداية من الحنفية مثله لكن زاد القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين وقال بن المنذر قال أصحاب الرأي إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام فهو محرم رابعها أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها حكاه بن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر قالوا هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة ويقويه ما تقدم من بحث بن عبد السلام عن حقيقة الإحرام وهو قول عطاء أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه قال التلبية فرض الحج وحكاه بن المنذر عن بن عمر وطاوس وعكرمة وحكى النووي عن داود أنه لا بد من رفع الصوت بها وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنا قوله عن أبي عطية هو مالك بن عامر وسيأتي الخلاف في اسمه في تفسير سورة البقرة ورجال هذا الإسناد إلى عائشة كوفيون إلا شيخ البخاري وأردف المصنف حديث بن عمر بحديث عائشة لما فيه من الدلالة على أنه كان يديم ذلك وقد تقدم أن في حديث جابر عند مسلم التصريح بالمداومة قوله تابعه أبو معاوية يعني تابع سفيان وهو الثوري عن الأعمش وروايته وصلها مسدد في مسنده عنه وكذلك أخرجها الجوزقي من طريق عبد الله بن هشام عنه قوله وقال شعبة الخ وصله أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة ولفظه مثل لفظ سفيان إلا أنه زاد فيه ثم سمعتها تلبي وليس فيه قوله لا شريك لك وهذا أخرجه أحمد عن غندر عن شعبة وسليمان شيخ شعبة فيه هو الأعمش والطريقان جميعا محفوظان وهو محمول على أن للأعمش فيه شيخين ورجح أبو حاتم في العلل رواية الثوري ومن تبعه على رواية شعبة فقال أنها وهم وخيثمة هو بن عبد الرحمن الجعفي وأفادت هذه الطريق بيان سماع أبي عطية له من عائشة والله أعلم

قوله باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال سقط من رواية المستملي لفظ التحميد والمراد بالإهلال هنا التلبية وقوله عند الركوب أي بعد الإستواء على الدابة لا حال وضع الرجل مثلا في الركاب وهذا الحكم وهو استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال قل من تعرض لذكره مع ثبوته وقيل أراد المصنف الرد على من زعم أنه يكتفى بالتسبيح وغيره عن التلبية ووجه ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالتسبيح وغيره ثم لم يكتف به حتى لبى ثم أورد المصنف حديث أنس وهو مشتمل على أحكام فتقدم منها ما يتعلق بقصر الصلاة وبالإحرام وسيأتي ما يتعلق بالقرآن قريبا قوله ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب ظاهره أن إهلاله كان بعد صلاة الصبح لكن عند مسلم من طريق أبي حسان عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج وللنسائي من طريق الحسن عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالبيداء ثم ركب ويجمع بينهما بأنه صلاها في آخر ذي الحليفة وأول البيداء والله أعلم قوله ثم أهل بحج وعمرة يأتي الكلام عليه في باب التمتع و القرآن قريبا إن شاء الله تعالى قوله حتى كان يوم التروية بضم يوم لأن كان تامة قوله ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنات بيده قياما وذبح بالمدينة كبشين أملحين قال أبو عبد الله هو المصنف قال بعضهم هذا عن أيوب عن رجل عن أنس هكذا وقع عند الكشميهني والبعض المبهم هنا ليس هو إسماعيل بن علية كما زعم بعضهم فقد أخرجه المصنف عن مسدد عنه في باب نحر البدن قائمة بدون هذه الزيادة ويحتمل أن يكون حماد بن سلمة فقد أخرجه الإسماعيلي من طريقه عن أيوب لكن صرح بذكر أبي قلابة ووهيب أيضا ثقة حجة فقد جعله من رواية أيوب عن أبي قلابة عن أنس فعرف أنه المبهم وقد تابعه عبد الوهاب الثقفي على حديث ذبح الكبشين الأملحين عن أيوب عن أبي قلابة كما سيأتي في الأضاحي إن شاء الله تعالى

قوله باب من أهل حين استوت به راحلته قائمة أورد فيه حديث بن عمر مختصرا وقد تقدم الكلام عليه قريبا ورواية صالح بن كيسان عن نافع من الأقران وقد سمع بن جريج من نافع كثيرا وروى هذا عنه بواسطة وهو دال على قلة تدليسه والله أعلم

قوله باب الإهلال مستقبل القبلة زاد المستملي الغداة بذي الحليفة وسيأتي شرحه

[ 1478 ] قوله وقال أبو معمر هو عبد الله بن عمرو لا إسماعيل القطيعي وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق عباس الدوري عن أبي معمر وقال ذكره البخاري بلا رواية قوله إذا صلى بالغداة أي صلى الصبح بوقت الغداة وللكشميهني إذا صلى الغداة أي الصبح قوله فرحلت بتخفيف الحاء قوله استقبل القبلة قائما أي مستويا على ناقته أو وصفه بالقيام لقيام ناقته وقد وقع في الرواية الثانية بلفظ فإذا استوات به راحلته قائمة وفهم الداودي من قوله استقبل القبلة قائما أي في الصلاة فقال في السياق تقديم وتأخير فكأنه قال أمر براحلته فرحلت ثم استقبل القبلة قائما أي فصلى صلاة الإحرام ثم ركب حكاه بن التين قال وإن كان ما في الأصل محفوظا فلعله لقرب إهلاله من الصلاة انتهى ولا حاجة إلى دعوى التقديم والتأخير بل صلاة الإحرام لم تذكر هنا والاستقبلال إنما وقع بعد الركوب وقد رواه بن ماجة وأبو عوانة في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائما أهل قوله ثم يمسك الظاهر أنه أراد يمسك عن التلبية وكأنه أراد بالحرم المسجد والمراد بالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره لا تركها أصلا وسيأتي نقل الخلاف في ذلك وأن بن عمر كان لا يلبي في طوافه كما رواه بن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء قال كان بن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم ويراجعها بعد ما يقضي طوافه بين الصفا والمروة وأخرج نحوه من طريق القاسم بن محمد عن بن عمر قال الكرماني ويحتمل أن يكون مراده بالحرم منى يعني فيوافق الجمهور في استمرار التلبية حتى يرمي جمرة العقبة لكن يشكل عليه قوله في رواية إسماعيل بن علية إذا دخل أدنى الحرم والأولى أن المراد بالحرم ظاهره لقوله بعد ذلك حتى إذا جاء ذا طوى فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى والظاهر أيضا أن المراد بالإمساك ترك تكرار التلبية ومواظبتها ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإحرام لا ترك التلبية رأسا والله أعلم قوله ذا طوى بضم الطاء وبفتحها وقيدها الأصيلي بكسرها واد معروف بقرب مكة ويعرف اليوم ببئر الزاهر وهو مقصور منون وقد لا ينون ونقل الكرماني أن في بعض الروايات حتى إذا حاذى طوى بحاء مهملة بغير همز وفتح الذال قال والأول هو الصحيح لأن اسم الموضع ذو طوى لا طوى فقط قوله وزعم هو من إطلاق الزعم على القول الصحيح وسيأتي من رواية بن علية عن أيوب بلفظ ويحدث قوله تابعه إسماعيل هو بن علية قوله عن أيوب في الغسل أي وغيره لكن من غير مقصود الترجمة لأن هذه المتابعة وصلها المصنف كما سيأتي بعد أبواب عن يعقوب بن إبراهيم حدثنا بن علية به ولم يقتصر فيه على الغسل بل ذكره كله إلا القصة الأولى وأوله كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية والباقي مثله ولهذه النكتة أورد المصنف طريق فليح عن نافع المقتصرة على القصة الأولى بزيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة ولم يقع في رواية فليح التصريح باستقبال القبلة لكنه من لازم الموجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى وهما حديث واحد وإنما أحتاج إلى رواية فليح للنكتة التي بينتها والله أعلم وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي عليه في إيراده حديث فليح وأنه ليس فيه للاستقبال ذكر قال المهلب استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب لأنها إجابة لدعوة إبراهيم ولأن المجيب لا يصلح له أن يولي المجاب ظهره بل يستقبله قال وإنما كان بن عمر يدهن ليمنع بذلك القمل عن شعره ويجتنب ما له رائحة طيبة صيانة للاحرام

قوله باب التلبية إذا انحدر في الوادي أورد فيه حديث بن عباس أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر إلى الوادي يلبي وفيه قصة وسيأتي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق في كتاب اللباس وقوله

[ 1480 ] أما موسى كأني أنظر إليه قال المهلب هذا وهم من بعض رواته لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى حي وأنه سيحج وإنما أتى ذلك عن عيسى فاشتبه على الراوي ويدل عليه قوله في الحديث الآخر ليهلن بن مريم بفج الروحاء انتهى وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم فسيأتي في اللباس بالإسناد المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه أفيقال أن الراوي غلط فزاده وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن بن عباس بلفظ كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا أصبعيه في أذنيه مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية قاله لما مر بوادي الأزرق واستفيد منه تسمية الوادي وهو خلف أمج بينه وبين مكة ميل واحد وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم قرية ذات مزارع هناك وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس أفيقال أن الراوي الآخر غلط فزاد يونس وقد اختلف أهل التحقيق في معنى قوله كأني أنظر على أوجه الأول هو على الحقيقة والأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون فلا مانع أن يحجوا في هذا الحال كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى قائما في قبره يصلي قال القرطبي حببت إليهم العبادة فهم يتعبدون بما يجدونه من دواعي أنفسهم لا بما يلزمون به كما يلهم أهل الجنة الذكر ويؤيده أن عمل الآخرة ذكر ودعاء لقوله تعالى دعواهم فيها سبحانك اللهم الآية لكن تمام هذا التوجيه أن يقال أن المنظور إليه هي أرواحهم فلعلها مثلت له صلى الله عليه وسلم في الدنيا كما مثلت له ليلة الإسراء وأما أجسادهم فهي في القبور قال بن المنير وغيره يجعل الله لروحه مثالا فيرى في اليقظة كما يرى في النوم ثانيها كأنه مثلت له أحوالهم التي كانت في الحياة الدنيا كيف تعبدوا وكيف حجوا وكيف لبوا ولهذا قال كأني ثالثها كأنه أخبر بالوحي عن ذلك فلشدة قطعه به قال كأني أنظر إليه رابعها كأنها رؤية منام تقدمت له فأخبر عنها لما حج عند ما تذكر ذلك ورؤيا الأنبياء وحي وهذا هو المعتمد عندي لما سيأتي في أحاديث الأنبياء من التصريح بنحو ذلك في أحاديث أخر وكون ذلك كان في المنام والذي قبله أيضا ليس ببعيد والله أعلم قال بن المنير في الحاشية توهيم المهلب للراوي وهم منه وإلا فأي فرق بين موسى وعيسى لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض وإنما ثبت أنه سينزل قلت أراد المهلب بأن عيسى لما ثبت أنه سينزل كان كالمحقق فقال كأني أنظر إليه ولهذا استدل المهلب بحديث أبي هريرة الذي فيه ليهلن بن مريم بالحج والله أعلم قوله إذا انحدر كذا في الأصول وحكى عياض أن بعض العلماء انظر اثبات الألف وغلط رواته قال وهو غلط منه إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا لأنه وصفه حالة انحداره فيما مضى وفي الحديث أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود تنبيه لم يصرح أحد ممن روى هذا الحديث عن بن عون بذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاله الإسماعيلي ولا شك أنه مراد لأن ذلك لا يقوله بن عباس من قبل نفسه ولا عن غير النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم

قوله باب كيف تهل الحائض والنفساء أي كيف تحرم قوله أهل تكلم به الخ هكذا في رواية المستملي والكشميهني وليس هذا مخالفا لما قدمناه من أن أصل الإهلال رفع الصوت لأن رفع الصوت يقع بذكر الشيء عند ظهوره قوله وما أهل لغير الله به وهو من استهلال الصبي أي أنه من رفع الصوت بذلك فاستهل الصبي أي رفع صوته بالصياح إذا خرج من بطن أمه وأهل به لغير الله أي رفع الصوت به عند الذبح للأصنام ومنه استهلال المطر والدمع وهو صوت وقعه بالأرض ومن لازم ذلك الظهور غالبا

[ 1481 ] قوله فأهللنا بعمرة قال عياض اختلفت الروايات في إحرام عائشة اختلافا كثيرا قلت وسيأتي بسط القول فيه بعد بابين في باب التمتع والقران قوله فقال انقضى رأسك هو بالقاف وبالمعجمة قوله وامتشطي وأهلي بالحج وهو شاهد الترجمة وقد سبق في كتاب الحيض بلفظ وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت وسيأتي بقية الكلام عليه بعد هذا قوله ثم طافوا طوافا آخر كذا للكشميهني والجرجاني ولغيرهما طوافا واحدا والأول هو الصواب قاله عياض قال الخطابي استشكل بعض أهل العلم أمره لها بنقض رأسها ثم بالامتشاط وكان الشافعي يتأوله على أنه أمرها أن تدع العمرة وتدخل عليها الحج فتصير قارنة قال وهذا لا يشاكل القصة وقيل أن مذهبها أن المعتمر إذا دخل مكة استباح ما يستبيحه الحاج إذا رمى الجمرة قال وهذا لا يعلم وجهه وقيل كانت مضطرة إلى ذلك قال ويحتمل أن يكون نقض رأسها كان لأجل الغسل لتهل بالحج لا سيما إن كانت ملبدة فنحتاج إلى نقض الضفر وأما الامتشاط فلعل المراد به تسريحها شعرها بأصابعها برفق حتى لا يسقط منه شيء ثم تضفره كما كان

قوله باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم أي فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فجاز الإحرام على الإبهام لكن لا يلزم منه جواز تعليقه إلا على فعل من يتحقق أنه يعرفه كما وقع في حديثي الباب وأما مطلق الإحرام على الإبهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم لما شاء لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك وهذا قول الجمهور وعن المالكية لا يصح الإحرام على الإبهام وهو قول الكوفيين قال بن المنير وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار بالترجمة إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن لأن عليا وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالاه على النبي صلى الله عليه وسلم وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الإحرام فلا يصح ذلك والله أعلم وكأنه أخذ الإشارة من تقييده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم قوله قاله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى ما أخرجه موصولا في باب بعث علي إلى اليمن من كتاب المغازي من طريق بكر بن عبد الله المزني عن بن عمر فذكر فيه حديثا فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بما أهللت فإن معنا أهلك قال أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وإنما قال له فإن معنا أهلك لأن فاطمة كانت قد تمتعت بالعمرة وأحلت كما بينه مسلم من حديث جابر

[ 1483 ] قوله حدثنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد ومروان الأصفر يقال اسم أبيه خاقان وهو أبو خلف البصري وروى أيضا عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما من الصحابة وليس له في البخاري عن أنس سوى هذا الحديث وهو من أفراد الصحيح قال الترمذي حسن غريب وقال الدارقطني في الأفراد لا أعلم رواه عن سليم بن حيان غير عبد الصمد بن عبد الوارث قوله قدم علي من اليمن سيأتي في المغازي ذكر سبب بعث علي إلى اليمن وأن ذلك قبل حجة الوداع وبيان ذلك من حديث البراء بن عازب ومن حديث بريدة قوله وزاد محمد بن بكر عن بن جريج يعني عن عطاء عن جابر ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار وأبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء كلاهما عن محمد بن بكر به وسيأتي معلقا أيضا في المغازي من هذا الوجه مقرونا بطريق مكي بن إبراهيم أيضا هناك أتم والمذكور في كل من الموضعين قطعة من الحديث وأورد بقيته بهذين السندين معلقا وموصولا في كتاب الاعتصام والمراد بقوله في طريق مكي وذكر قول سراقة أي سؤاله أعمرتنا لعامنا هذا أو للأبد قال بل للأبد وسيأتي موصولا في أبواب العمرة من وجه آخر عن عطاء عن جابر قوله وامكث حراما كما أنت في حديث بن عمر المشار إليه فأمسك فإن معنا هديا

[ 1484 ] قوله عن طارق بن شهاب في رواية أيوب بن عائذ الآتية في المغازي عن قيس بن مسلم سمعت طارق بن شهاب قوله عن أبي موسى هو الأشعري وفي رواية أيوب المذكورة حدثني أبو موسى قوله بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي باليمن سيأتي تحرير وقت ذلك وسببه في كتاب المغازي قوله وهو بالبطحاء زاد في رواية شعبة عن قيس الآتية في باب متى يحل المعتمر منيخ أي نازل بها وذلك في ابتداء قدومه قوله بما أهللت في رواية شعبة فقال أحججت قلت نعم قال بما أهللت قوله قلت أهللت في رواية شعبة قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال أحسنت قوله فأمرني فطفت في رواية شعبة طف بالبيت وبالصفا والمروة قوله فأتيت امرأة من قومي في رواية شعبة امرأة من قيس والمتبادر إلى الذهن من هذا الإطلاق أنها من قيس عيلان وليس بينهم وبين الأشعريين نسبة لكن في رواية أيوب بن عائذ امرأة من نساء بني قيس وظهر لي من ذلك أن المراد بقيس قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري وأن المرأة زوج بعض أخوته وكان لأبي موسى من الأخوة أبو رهم وأبو بردة قيل ومحمد قوله أو غسلت رأسي كذا فيه بالشك وأخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بلفظ وغسلت رأسي بواو العطف قوله فقدم عمر ظاهر سياقه أن قدوم عمر كان في تلك الحجة وليس كذلك بل البخاري اختصره وقد أخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي أيضا بعد قوله وغسلت رأسي فكنت أفتي الناس بذاك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك فذكر القصة وفيه فلما قدم قلت يا أمير المؤمنين ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك فذكر جوابه وقد اختصره المصنف أيضا من طريق شعبة لكنه أبين من هذا ولفظه فكنت أفتي به حتى كانت خلافة عمر فقال إن أخذنا الحديث ولمسلم أيضا من طريق إبراهيم بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل رويدك ببعض فتياك الحديث وفي هذه الرواية تبين عمر العلة التي لأجلها كره التمتع وهي قوله قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن أي بالنساء ثم يروحوا في الحج تقطر رءوسهم انتهى وكان من رأي عمر عدم الترفه للحج بكل طريق فكره لهم قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر الميل إلى ذلك بخلاف من بعد عهده به ومن يفطم ينفطم وقد أخرج مسلم من حديث جابر أن عمر قال افصلوا حجكم عن عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم وفي رواية أن الله يحل لرسول ما شاء فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله قوله أن نأخذ بكتاب الله إلخ محصل جواب عمر في منعه الناس من التحلل بالعمرة أن كتاب الله دال على منع التحلل لأمره بالإتمام فيقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج وأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا دالة على ذلك لأنه لم يحل حتى بلغ الهدي محله لكن الجواب عن ذلك ما أجاب به هو صلى الله عليه وسلم حيث قال ولولا أن معي الهدي لأحللت فدل على جواز الإحلال لمن لم يكن معه هدي وتبين من مجموع ما جاء عن عمر في ذلك أنه منع منه سدا للذريعة وقال المازري قيل أن المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة وقيل العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه وعلى الثاني إنما نهى عنها ترغيبا في الإفراد الذي هو أفضل لا أنه يعتقد بطلانها وتحريمها وقال عياض الظاهر أنه نهى عن الفسخ ولهذا كان يضرب الناس عليها كما رواه مسلم بناء على معتقده أن الفسخ كان خاصا بتلك السنة قال النووي والمختار أنه نهى عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه وهو على التنزيه للترغيب في الأفراد كما يظهر من كلامه ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة ونفي الاختلاف في الأفضل كما سيأتي في الباب الذي بعده ويمكن أن يتمسك من يقول بأنه إنما نهى عن الفسخ بقوله في الحديث الذي أشرنا إليه قريبا من مسلم أن الله يحل لرسوله ما شاء والله أعلم وفي قصة أبي موسى وعلي دلالة على جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير مع اختلاف آخر الحديثين في التحلل وذلك أن أبا موسى لم يكن معه هدي فصار له حكم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يكن معه هدي وقد قال لولا الهدي لأحللت أي وفسخت الحج إلى العمرة كما فعله أصحابه بأمره كما سيأتي وأما علي فكان معه هدي فلذلك أمره بالبقاء على إحرامه وصار مثله قارنا قال النووي هذا هو الصواب وقد تأوله الخطابي وعياض بتأويلين غير مرضيين انتهى فأما تأويل الخطابي فإنه قال فعل أبى موسى يخالف فعل علي وكأنه أراد بقوله أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم أي كما يبينه لي ويعينه لي من أنواع ما يحرم به فأمره أن يحل بعمل عمرة لأنه لم يكن معه هدي وأما تأويل عياض فقال المراد بقوله فكنت أفتي الناس بالمتعة أي بفسخ الحج إلى العمرة والحامل لهما على ذلك اعتقادهما أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا مع قوله لولا أن معي الهدي لأحللت أي فسخت الحج وجعلته عمرة فلهذا أمر أبا موسى بالتحلل لأنه لم يكن معه هدي بخلاف علي قال عياض وجمهور الأئمة على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بالصحابة انتهى وقال بن المنير في الحاشية ظاهر كلام عمر التفريق بين ما دل عليه الكتاب ودلت عليه السنة وهذا التأويل يقتضي أنهما يرجعان إلى معنى واحد ثم أجاب بأنه لعله أراد إبطال وهم من توهم أنه خالف السنة حيث منع من الفسخ فبين أن الكتاب والسنة متوافقان على الأمر بالإتمام وأن الفسخ كان خاصا بتلك السنة لإبطال اعتقاد الجاهلية أن العمرة لا تصح في أشهر الحج انتهى وأما إذا قلنا كان قارنا على ما هو الصحيح المختار فالمعتمد ما ذكر النووي والله أعلم وسيأتي بيان اختلاف الصحابة في كيفية التمتع في باب التمتع والقران إن شاء الله تعالى واستدل به على جواز الإحرام المبهم وأن المحرم به يصرفه لما شاء وهو قول الشافعي وأصحاب الحديث ومحل ذلك ما إذا كان الوقت قابلا بناء على أن الحج لا ينعقد في غير أشهره كما سيأتي في الباب الذي يليه

قوله باب قول الله تعالى الحج أشهر معلومات إلى قوله في الحج وقوله يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج قال العلماء تقدير قوله الحج أشهر معلومات أي الحج حج أشهر معلومات أو أشهر الحج أو وقت الحج أشهر معلومات فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقال الواحدي يمكن حمله على غير إضمار وهو أن الأشهر جعلت نفس الحج اتساعا لكون الحج يقع فيها كقولهم ليل نائم وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب المراد وقت إحرام الحج لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر فدل على أن المراد وقت الإحرام به وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال ولكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكاملها وهو قول مالك ونقل عن الإملاء للشافعي أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين ثم اختلفوا فقال بن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل يوم النحر أو لا قال أبو حنيفة وأحمد نعم وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ واختلف العلماء أيضا في إعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الإستحباب فقال بن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي وسيأتي إستدلال بن عباس لذلك في هذا الباب واستدل بعضهم بالقياس على الوقوف وبالقياس على إحرام الصلاة وليس بواضح لأن الصحيح عند الشافعية أن من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض وأما الصلاة فإن أحرم قبل الوقت انقلب نفلا بشرط أن يكون ظانا دخول الوقت لا عالما فاختلفا من وجهين قوله وقال بن عمر رضي الله عنهما أشهر الحج إلخ وصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه قال الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وروى البيهقي من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر مثله والإسنادان صحيحان وأما ما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال من اعتمر في أشهر الحج شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة قبل الحج فقد استمتع فلعله تجوز في إطلاق ذي الحجة جمعا بين الروايتين والله أعلم قوله وقال بن عباس إلخ وصله بن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحاكم عن مقسم عنه قال لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج ورواه بن جرير من وجه آخر عن بن عباس قال لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج قوله وكره عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان وصله سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا يونس بن عبيد أخبرنا الحسن هو البصري أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين قال أحرم عبد الله بن عامر من خراسان فقدم على عثمان فلامه وقال غزوت وهان عليك نسكك وروى أحمد بن سيار في تاريخ مرو من طريق داود بن أبي هند قال لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرما فأحرم من نيسابور فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضا وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق محمد بن إسحاق أن ذلك كان في السنة التي قتل فيها عثمان ومناسبة هذا الأثر للذي قبله أن بين خراسان ومكة أكثر من مسافة أشهر الحج فيستلزم أن يكون أحرم في غير أشهر الحج فكره ذلك عثمان وإلا فظاهره يتعلق بكراهة الإحرام قبل الميقات فيكون من متعلق الميقات المكاني لا الزماني ثم أورد المصنف في الباب حديث عائشة في قصة عمرتها وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب الذي بعده وشاهد الترجمة منه قولها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج وليالي الحج وحرم الحج فإن هذا كله يدل على أن ذلك كان مشهورا عندهم معلوما وقوله

[ 1485 ] فيه وحرم الحج بضم الحاء المهملة والراء أي أزمنته وأمكنته وحالاته وروى بفتح الراء وهو جمع حرمة أي ممنوعات الحج وقوله يا هنتاه بفتح الهاء والنون وقد تسكن النون بعدها مثناة وآخرها هاء ساكنة كناية عن شيء لا يذكره باسمه تقول في النداء للمذكر يا هن وقد تزاد الهاء في آخره للسكت فتقول يا هنة وأن تشبع الحركة في النون فتقول يا هناه وتزاد في جميع ذلك للمؤنث مثناة وقال بعضهم الألف والهاء في آخره كهما في الندبة وقوله قلت لا أصلي كناية عن أنها حاضت قال بن المنير كنت عن الحيض بالحكم الخاص به أدبا منها وقد ظهر أثر ذلك في بناتها المؤمنات فكلهن يكنين عن الحيض بحرمان الصلاة أو غير ذلك وقوله فلا يضرك في رواية الكشميهني فلا يضيرك بكسر الضاد وتخفيف التحتانية من الضير وقوله النفر الثاني هو رابع أيام منى وقوله فإني أنظركما في رواية الكشميهني انتظركما بزيادة مثناة وقوله حتى إذا فرغت أي من الإعتمار وفرغت من الطواف وحذف الأول للعلم به

قوله باب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي أما التمتع فالمعروف أنه الإعتمار في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والإهلال بالحج في تلك السنة قال الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ويطلق التمتع في عرف السلف على القران أيضا قال بن عبد البر لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أنه الإعتمار في أشهر الحج قبل الحج قال ومن التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفر للنسك الآخر من بلده ومن التمتع فسخ الحج أيضا إلى العمرة انتهى وأما القران فوقع في رواية أبي ذر الإقران بالألف وهو خطأ من حيث اللغة كما قاله عياض وغيره وصورته الإهلال بالحج والعمرة معا وهذا لا خلاف في جوازه أو الإهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه وأما الإفراد فالإهلال بالحج وحده في أشهره عند الجميع وفي غير أشهره أيضا عند من يجيزه والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء وأما فسخ الحج فالإحرام بالحج ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعا وفي جوازه اختلاف آخر وظاهر تصرف المصنف إجازته فإن تقدير الترجمة باب مشروعية التمتع إلخ ويحتمل أن يكون التقدير باب حكم التمتع إلخ فلا يكون فيه دلالة على أنه يجيزه ثم أورد المصنف في الباب سبعة أحاديث الأول حديث عائشة من وجهين

[ 1486 ] قوله خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في الباب قبله بيان الوقت الذي خرجوا فيه قوله ولا نرى إلا أنه الحج ولأبي الأسود عن عروة عنها كما سيأتي مهلين بالحج ولمسلم من طريق القاسم عنها لا نذكر إلا الحج وله من هذا الوجه لبينا بالحج وظاهره أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا أولا محرمين بالحج لكن في رواية عروة عنها هنا فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بالحج فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الإعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجوز لهم الإعتمار في أشهر الحج وسيأتي في باب الإعتمار بعد الحج من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها فقال من أحب أن يهل بعمرة فليهل ومن أحب أن يهل بحج فليهل ولأحمد من طريق بن شهاب عن عروة فقال من شاء فليهل بعمرة ومن شاء فليهل بحج ولهذه النكتة أورد المصنف في الباب حديث بن عباس كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فأشار إلى الجمع بين ما اختلف عن عائشة في ذلك وأما عائشة نفسها فسيأتي في أبواب العمرة وفي حجة الوداع ومن المغازي من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها في أثناء هذا الحديث قالت وكنت ممن أهل بعمرة وسبق في كتاب الحيض من طريق بن شهاب نحوه عن عروة زاد أحمد من وجه آخر عن الزهري ولم أسق هديا فادعى إسماعيل القاضي وغيره أن هذا غلط من عروة وأن الصواب رواية الأسود والقاسم وعروة عنها أنها أهلت بالحج مفردا وتعقب بأن قول عروة عنها أنها أهلت بعمرة صريح وأما قول الأسود وغيره عنها لا نرى إلا الحج فليس صريحا في إهلالها بحج مفرد فالجمع بينهما ما تقدم من غير تغليط عروة وهو أعلم الناس بحديثها وقد وافقه جابر بن عبد الله الصحابي كما أخرجه مسلم عنه وكذا رواه طاوس ومجاهد عن عائشة ويحتمل في الجمع أيضا أن يقال أهلت عائشة بالحج مفردا كما فعل غيرها من الصحابة وعلى هذا ينزل حديث الأسود ومن تبعه ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة ففعلت عائشة ما صنعوا فصارت متمتعة وعلى هذا يتنزل حديث عروة ثم لما دخلت مكة وهي حائض فلم تقدر على الطواف لأجل الحيض أمرها أن تحرم بالحج على ما سيأتي من الاختلاف في ذلك والله أعلم قوله فلما قدمنا تطوفنا بالبيت أي غيرها لقولها بعده فلم أطف فإنه تبين به أن قولها تطوفنا من العام الذي أريد به الخاص قوله فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل أي من الحج بعمل العمرة وهذا هو فسخ الحج المترجم به قوله ونساؤه لم يسقن أي الهدي قوله فأحللن أي وهي منهن لكن منعها من التحلل كونها حاضت ليلة دخولهم مكة وقد مضى في الباب قبله بيان ذلك وأنها بكت وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها كوني في حجك فظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تجعل عمرتها حجا ولهذا قالت يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج فأعمرها لأجل ذلك من التنعيم وقال مالك ليس العمل على حديث عروة قديما ولا حديثا قال بن عبد البر يريد ليس عليه العمل في رفض العمرة وجعلها حجا بخلاف جعل الحج عمرة فإنه وقع للصحابة واختلف في جوازه من بعدهم لكن أجاب جماعة من العلماء عن ذلك باحتمال أن يكون معنى قوله أرفضي عمرتك أي اتركي التحلل منها وادخلي عليها الحج فتصير قارنة ويؤيده قوله في رواية لمسلم وأمسكي عن العمرة أي عن أعمالها وإنما قالت عائشة وأرجع بحج لإعتقادها أن إفراد العمرة بالعمل أفضل كما وقع لغيرها من أمهات المؤمنين واستبعد هذا التأويل لقولها في رواية عطاء عنها وأرجع أنا بحجة وليس معها عمرة أخرجه أحمد وهذا يقوي قول الكوفيين إن عائشة تركت العمرة وحجت مفردة وتمسكوا في ذلك بقولها في الرواية المتقدمة دعي عمرتك وفي رواية أرفضي عمرتك ونحو ذلك واستدلوا به على أن للمرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف أن تترك العمرة وتهل بالحج مفردا كما فعلت عائشة لكن في رواية عطاء عنها ضعف والرافع للإشكال في ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر أن عائشة أهلت بعمرة حتى إذا كانت بسرف حاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أهلي بالحج حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال قد حللت من حجك وعمرتك قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت قال فأعمرها من التنعيم ولمسلم من طريق طاوس عنها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم طوافك يسعك لحجك وعمرتك فهذا صريح في أنها كانت قارنة لقوله قد حللت من حجك وعمرتك وإنما أعمرها من التنعيم تطييبا لقلبها لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة وقد وقع في رواية لمسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه وسيأتي الكلام على قصة صفية في أواخر الحج وعلى ما في قصة إعتمار عائشة من الفوائد في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى قوله وأرجع أنا بحجة في رواية الكشميهني وأرجع لي بحجة قوله في الطريق الثانية فأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة لم يحلوا حتى كان يوم النحر كذا فيه هنا وسيأتي في حجة الوداع بلفظ فلم يحلوا بزيادة فاء وهو الوجه الحديث الثاني قوله عن الحكم هو بن عتيبة بالمثناة والموحدة مصغرا الفقيه الكوفي وعلي بن الحسين هو زين العابدين

[ 1488 ] قوله شهدت عثمان وعليا سيأتي في آخر الباب من طريق سعيد بن المسيب أن ذلك كان بعسفان قوله وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما أي بين الحج والعمرة فلما رأى علي في رواية سعيد بن المسيب فقال علي ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية الكشميهني إلا أن تنهى بحرف الإستثناء زاد مسلم من هذا الوجه فقال عثمان دعنا عنك قال إني لا أستطيع أن أدعك وقوله وأن يجمع بينهما يحتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون نهى عن التمتع القران معا ويحتمل أن يكون عطفا تفسيريا وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا ووجهه أن القارن يتمتع بترك النصب بالسفر مرتين فيكون المراد أن يجمع بينهما قرانا أو إيقاعا لهما في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحج وقد رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب بلفظ نهى عثمان عن التمتع وزاد فيه فلبي علي أصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان فقال له علي ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع قال بلى وله من وجه آخر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا زاد مسلم من طريق عبد الله بن شقيق عن عثمان قال أجل ولكنا كنا خائفين قال النووي لعله أشار إلى عمرة القضية سنة سبع لكن لم يكن في تلك السنة حقيقة تمتع إنما كان عمرة وحدها قلت هي رواية شاذة فقد روى الحديث مروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وهما أعلم من عبد الله بن شقيق فلم يقولا ذلك والتمتع إنما كان في حجة الوداع وقد قال بن مسعود كما ثبت عنه في الصحيحين كنا آمن ما يكون الناس وقال القرطبي قوله خائفين أي من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتع كذا قال وهو جمع حسن ولكن لا يخفى بعده ويحتمل أن يكون عثمان أشار إلى أن الأصل في اختياره صلى الله عليه وسلم فسخ إلى العمرة في حجة الوداع دفع اعتقاد قريش منع العمرة في أشهر الحج وكان ابتداء ذلك بالحديبية لأن إحرامهم بالعمرة كان في ذي القعدة وهو من أشهر الحج وهناك يصح إطلاق كونهم خائفين أي من وقوع القتال بينهم وبين المشركين وكان المشركون صدوهم عن الوصول إلى البيت فتحللوا من عمرتهم وكانت أول عمرة وقعت في أشهر الحج ثم جاءت عمرة القضية في ذي القعدة أيضا ثم أراد صلى الله عليه وسلم تأكيد ذلك بالمبالغة فيه حتى أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة قوله ما كنت لأدع إلخ زاد النسائي والإسماعيلي فقال عثمان تراني أنهى الناس وأنت تفعله فقال ما كنت أدع وفي قصة عثمان وعلي من الفوائد إشاعة العالم ما عنده من العلم وإظهاره ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه لمن قوي على ذلك لقصد مناصحة المسلمين والبيان بالفعل مع القول وجواز الإستنباط من النص لأن عثمان لم يخف عليه أن التمتع والقران جائزان وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل كما وقع لعمر لكن خشي علي أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع جواز ذلك وكل منهما مجتهد مأجور تنبيه ذكر بن الحاجب حديث عثمان في التمتع دليلا لمسألة إتفاق أهل العصر الثاني بعد اختلاف أهل العصر الأول فقال وفي الصحيح أن عثمان كان نهى عن المتعة قال البغوي ثم صار إجماعا وتعقب بأن نهى عثمان عن المتعة إن كان المراد به الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج فلم يستقر الإجماع عليه لأن الحنفية يخالفون فيه وإن كان المراد به فسخ الحج إلى العمرة فكذلك لأن الحنابلة يخالفون فيه ثم وراء ذلك أن رواية النسائي السابقة مشعرة بأن عثمان رجع عن النهي فلا يصح التمسك به ولفظ البغوي بعد أن ساق حديث عثمان في شرح السنة هذا خلاف علي وأكثر الصحابة على الجواز واتفقت عليه الأئمة بعد فحمله على أن عثمان نهى عن التمتع المعهود والظاهر أن عثمان ما كان يبطله وإنما كان يرى أن الإفراد أفضل منه وإذا كان كذلك فلم تتفق الأئمة على ذلك فإن الخلاف في أي الأمور الثلاثة أفضل باق والله أعلم وفيه أن المجتهد لا يلزم مجتهدا آخر بتقليده لعدم إنكار عثمان على علي ذلك مع كون عثمان الإمام إذ ذاك والله أعلم الحديث الثالث عن بن عباس قال

[ 1489 ] كانوا يرون أن العمرة بفتح أوله أي يعتقدون والمراد أهل الجاهلية ولابن حبان من طريق أخرى عن بن عباس قال والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون فذكر نحوه فعرف بهذا تعيين القائلين قوله من أفجر الفجور هذا من تحكماتهم الباطلة المأخوذة عن غير أصل قوله ويجعلون المحرم صفر كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين قال النووي كان ينبغي أن يكتب بالألف لكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبا لأنه مصروف بلا خلاف يعني والمشهور عن اللغة الربيعية كتابة المنصوب بغير ألف فلا يلزم من كتابته بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ بالألف وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه لكن في المحكم كان أبو عبيدة لا يصرفه فقيل له إنه لا يمتنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما قال المعرفة والساعة وفسره المطرزي بأن مراده بالساعة أن الأزمنة ساعات والساعة مؤنثة انتهى وحديث بن عباس هذا حجة قوية لأبي عبيدة ونقل بعضهم أن في صحيح مسلم صفرا بالألف وأما جعلهم ذلك فقال النووي قال العلماء المراد الإخبار عن النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية فكانوا يسمون المحرم صفرا ويحلونه ويؤخرون تحريم المحرم إلى نفس صفر لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم فيها ما اعتادوه من المقاتلة والغارة بعضهم على بعض فضللهم الله في ذلك فقال إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا الآية قوله ويقولون إذا برأ الدبر بفتح المهملة والموحدة أي ما كان يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ بعد إنصرافهم من الحج وقوله وعفا الأثر أي اندرس أثر الإبل وغيرها في سيرها ويحتمل أثر الدبر المذكور وفي سنن أبي داود وعفا الوبر أي كثر وبر الإبل الذي حلق بالرحال وهذه الألفاظ تقرأ ساكنة الراء لإرادة السجع ووجه تعلق جواز الاعتمار بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الحج وكذلك المحرم إنهم لما جعلوا المحرم صفرا ولا يستقرون ببلادهم في الغالب ويبرأ دبر إبلهم إلا عند إنسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية وجعلوا أول أشهر الاعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر والعمرة عندهم في غير أشهر الحج وأما تسمية الشهر صفرا فقال رؤية أصلها أنهم كانوا يغيرون فيه بعضهم على بعض فيتركون منازلهم صفرا أي خالية من المتاع وقيل لإصفار أماكنهم من أهلها قوله قدم النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الأصول من رواية موسى بن إسماعيل عن وهيب وقد أخرجه المصنف في أيام الجاهلية عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب بلفظ فقدم بزيادة فاء وهو الوجه وكذا أخرجه مسلم من طريق بهز بن أسد والإسماعيلي من طريق إبراهيم بن الحجاج كلاهما عن وهيب قوله صبيحة رابعة أي يوم الأحد قوله مهلين بالحج في رواية إبراهيم بن الحجاج وهم يلبون بالحج وهي مفسرة لقوله مهلين واحتج به من قال كان حج النبي صلى الله عليه وسلم مفردا وأجاب من قال كان قارنا بأنه لا يلزم من إهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة قوله أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم أي لما كانوا يعتقدونه أولا وفي رواية إبراهيم بن الحجاج فكبر ذلك عندهم قوله أي الحل كأنهم كانوا يعرفون أن للحج تحللين فأرادوا بيان ذلك فبين لهم أنهم يتحللون الحل كله لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد ووقع في رواية الطحاوي أي الحل نحل قال الحل كله الحديث الرابع حديث أبي موسى قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني بالحل هكذا أورده مختصرا وقد تقدم تاما مشروحا قبل بباب ووقع للكشميهني فأمره بالحل على الالتفات الحديث الخامس حديث حفصة أنها قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة الحديث لم يقع في رواية مسلم قبله بعمرة وذكر بن عبد البر أن أصحاب مالك ذكرها بعضهم وحذفها بعضهم واستشكل كيف حلوا بعمرة مع قولها ولم تحل من عمرتك والجواب أن المراد بقولها بعمرة أي أن احرامهم بعمرة كان سببا لسرعة حلهم واستدل به على أن من ساق الهدي لا يتحلل من عمل العمرة حتى يحل بالحج ويفرغ منه لأنه جعل العلة في بقائه على إحرامه كونه أهدى وكذا وقع في حديث جابر سابع أحاديث الباب وأخبر أنه لا يحل حتى ينحر الهدي وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومن وافقهما ويؤيده قوله في حديث عائشة أول حديث الباب فأمر من لم يكن ساق الهدي أن يحل والأحاديث بذلك متضافرة وأجاب بعض المالكية والشافعية عن ذلك بأن السبب في عدم تحلله من العمرة كونه أدخلها على الحج وهو مشكل عليه لأنه يقول أن حجه كان مفردا وقال بعض العلماء ليس لمن قال كان مفردا عن هذا الحديث انفصال لأنه إن قال به استشكل عليه كونه علل عدم التحلل بسوق الهدي لأن عدم التحلل لا يمتنع على من كان قارنا عنده وجنح الأصيلي وغيره إلى توهيم مالك في قوله ولم تحل أنت من عمرتك وأنه لم يقله أحد في حديث حفصة غيره وتعقبه بن عبد البر على تقدير تسليم انفراده بأنها زيادة حافظ فيجب قبولها على أنه لم ينفرد فقد تابعه أيوب وعبيد الله بن عمر وهما مع ذلك حفاظ أصحاب نافع انتهى ورواية عبيد الله بن عمر عند مسلم وقد أخرجه مسلم من رواية بن جريج والبخاري من رواية موسى بن عقبة والبيهقي من رواية شعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن نافع بدونها ووقع في رواية عبيد الله بن عمر عند الشيخين فلا أحل حتى أحل من الحج ولا تنافي هذه رواية مالك لأن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر فلا حجة فيه لمن تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا كما سيأتي لأن قول حفصة ولم تحل من عمرتك وقوله هو حتى أحل من الحج ظاهر في أنه كان قارنا وأجاب من قال كان مفردا عن قوله ولم تحل من عمرتك بأجوبة أحدها قاله الشافعي معناه ولم تحل أنت من إحرامك الذي ابتدأته معهم بنية واحدة بدليل قوله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة وقيل معناه ولم تحل من حجك بعمرة كما أمرت أصحابك قالوا وقد تأتي من بمعنى الباء كقوله عز وجل يحفظونه من أمر الله أي بأمر الله والتقدير ولم تحل أنت بعمرة من إحرامك وقيل ظنت أنه فسخ حجه بعمرة كما فعل أصحابه بأمره فقالت لم لم تحل أنت أيضا من عمرتك ولا يخفى ما في بعض هذه التأويلات من التعسف والذي تجتمع به الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا بمعنى أنه ادخل العمرة على الحج بعد أن أهل به مفردا لا أنه أول ما أهل أحرم بالحج والعمرة معا وقد تقدم حديث عمر مرفوعا وقل عمرة في حجة وحديث أنس ثم أهل بحج وعمرة ولمسلم من حديث عمران بن حصين جمع بين حج وعمرة ولأبي داود والنسائي من حديث البراء مرفوعا أني سقت الهدي وقرنت وللنسائي من حديث علي مثله ولأحمد من حديث سراقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع وله من حديث أبي طلحة جمع بين الحج والعمرة وللدارقطني من حديث أبي سعيد وأبي قتادة والبزار من حديث بن أبي أوفى ثلاثتهم مرفوعا مثله وأجاب البيهقي عن هذه الأحاديث وغيرها نصرة لمن قال إنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا فنقل عن سليمان بن حرب أن رواية أبي قلابة عن أنس أنه سمعهم يصرخون بهما جميعا أثبت من رواية من روى عنه أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة ثم تعقبه بأن قتادة وغيره من الحفاظ رووه عن أنس كذلك فالاختلاف فيه على أنس نفسه قال فلعله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران فظن أنه أهل على نفسه وأجاب عن حديث حفصة بما نقل عن الشافعي أن معنى قولها ولم تحل أنت من عمرتك أي من إحرامك كما تقدم وعن حديث عمر بأن جماعة رووه بلفظ صلي في هذا الوادي وقال عمرة في حجة قال وهؤلاء أكثر عددا ممن رواه وقل عمرة في حجة فيكون أذنا في القران لا أمرا للنبي صلى الله عليه وسلم في حال نفسه وعن حديث عمران بأن المراد بذلك إذنه لأصحابه في القران بدليل روايته الأخرى أنه صلى الله عليه وسلم أعمر بعض أهله في العشر وروايته الأخرى أنه صلى الله عليه وسلم تمتع فإن مراده بكل ذلك إذنه في ذلك وعن حديث البراء بأنه ساقه في قصة علي وقد رواها أنس يعني كما تقدم في هذا الباب وجابر كما أخرجه مسلم وليس فيها لفظ وقرنت وأخرج حديث مجاهد عن عائشة قالت لقد علم بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها في حجته أخرجه أبو داود وقال البيهقي تفرد أبو إسحاق عن مجاهد بهذا وقد رواه منصور عن مجاهد بلفظ فقالت ما اعتمر في رجب قط وقال هذا هو المحفوظ يعني كما سيأتي في أبواب العمرة ثم أشار إلى أنه اختلف فيه علي أبي إسحاق فرواه زهير بن معاوية عنه هكذا وقال زكريا عن أبي إسحاق عن البراء ثم روى حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم حج حجتين قبل أن يهاجر وحجة قرن معها عمرة يعني بعد ما هاجر وحكى عن البخاري أنه أعله لأنه من رواية زيد بن الحباب عن الثوري عن جعفر عن أبيه عنه وزيد ربما يهم في الشيء والمحفوظ عن الثوري مرسل والمعروف عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج خالصا ثم روى حديث بن عباس نحو حديث مجاهد عن عائشة وأعله بداود العطار وقال إنه تفرد بوصله عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس ورواه بن عيينة عن عمرو فأرسله لم يذكر بن عباس ثم روي حديث الصبي بن معبد أنه أهل بالحج والعمرة معا فأنكر عليه فقال له عمر هديت لسنة نبيك الحديث وهو في السنن وفيه قصة وأجاب عنه بأنه يدل على جواز القران لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا ولا يخفى ما في هذه الأجوبة من التعسف وقال النووي الصواب الذي نعتقده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في تلك السنة بعد الحج ولا شك أن القران أفضل من الإفراد الذي لا يعتمر في سنته عندنا ولم ينقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران كذا قال والخلاف ثابت قديما وحديثا أما قديما فالثابت عن عمر أنه قال إن أتم لحجكم وعمرتكم أن تنشئوا لكل منهما سفرا وعن بن مسعود نحوه أخرجه بن أبي شيبة وغيره وأما حديثا فقد صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الأفراد ولو لم يعتمر في تلك السنة وقال صاحب الهداية من الحنفية الخلاف بيننا وبين الشافعي مبني على أن القارن يطوف طوافا واحدا وسعيا واحدا فبهذا قال إن الإفراد أفضل ونحن عندنا أن القارن يطوف طوافين وسعيين فهو أفضل لكونه أكثر عملا وقال الخطابي اختلفت الرواية فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم به محرما والجواب عن ذلك بأن كل راو أضاف إليه ما أمر به اتساعا ثم رجح بأنه كان أفرد الحج وهذا هو المشهور عند المالكية والشافعية وقد بسط الشافعي القول فيه في اختلاف الحديث وغيره ورجح أنه صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما مطلقا ينتظر ما يؤمر به فنزل عليه الحكم بذلك وهو على الصفا ورجحوا الإفراد أيضا بأن الخلفاء الراشدين واظبوا عليه ولا يظن بهم المواظبة على ترك الأفضل وبأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه كره الإفراد وقد نقل عنهم كراهية التمتع والجمع بينهما حتى فعله على لبيان الجواز وبأن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع بخلاف التمتع والقران انتهى وهذا ينبني على أن دم القرآن دم جبران وقد منعه من رجح القران وقال إنه دم فضل وثواب كالأضحية ولو كان دم نقص لما قام الصيام مقامه ولأنه يؤكل منه ودم النقص لا يؤكل منه كدم الجزاء قاله الطحاوي وقال عياض نحو ما قال الخطابي وزاد وأما إحرامه هو فقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما رواية من روى متمتعا فمعناه أمر به لأنه صرح بقوله ولولا أن معي الهدي لاحللت فصح أنه لم يتحلل وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي وقيل له قل عمرة في حجة انتهى وهذا الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما بن المنذر وبينه بن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله أن كل من روى عنه الإفراد حمل على ما أهل به في أول الحال وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه وكل من روى عنه القران أراد ما استقر عليه أمره ويترجح رواية من روى القرآن بأمور منها أن معه زيادة علم على من روى الإفراد وغيره وبأن من روى الإفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك فأشهر من روي عنه الإفراد عائشة وقد ثبت عنها أنه اعتمر مع حجته كما تقدم وابن عمر وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة ثم أهل بالحج كما سيأتي في أبواب الهدي وثبت أنه جمع بين حج وعمرة ثم حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وسيأتي أيضا وجابر وقد تقدم قوله إنه اعتمر مع حجته أيضا وروى القران عنه جماعة من الصحابة لم يختلف عليهم فيه وبأنه لم يقع في شيء من الروايات النقل عنه من لفظه أنه قال أفردت ولا تمتعت بل صح عنه أنه قال قرنت وصح عنه أنه قال لولا أن معي الهدي لأحللت وأيضا فإن من روي عنه القران لا يحتمل حديثه التأويل إلا بتعسف بخلاف من روى الإفراد فإنه محمول على أول الحال وينتفي التعارض ويؤيده أن من جاء عنه الإفراد جاء عنه صورة القران كما تقدم ومن روى عنه التمتع فإنه محمول على الإقتصار على سفر واحد للنسكين ويؤيده أن ما جاء عنه التمتع لما وصفه وصفه بصورة القران لأنهم اتفقوا على أنه لم يحل من عمرته حتى أتم عمل جميع الحج وهذه إحدى صور القران وأيضا فإن رواية القران جاءت عن بضعة عشر صحابيا بأسانيد جياد بخلاف روايتي الإفراد والتمتع وهذا يقتضي رفع الشك عن ذلك والمصير إلى أنه كان قارنا ومقتضى ذلك أن يكون القران أفضل من الإفراد ومن التمتع وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وبه قال الثوري وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه واختاره من الشافعية المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي ومن المتأخرين تقي الدين السبكي وبحث مع النووي في اختياره أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا وأن الإفراد مع ذلك أفضل مستندا إلى أنه صلى الله عليه وسلم أختار الإفراد أولا ثم ادخل عليه العمرة لبيان جواز الإعتمار في أشهر الحج لكونهم كانوا يعتقدونه من أفجر الفجور كما في ثالث أحاديث الباب وملخص ما يتعقب عليه كلامه أن البيان قد سبق منه صلى الله عليه وسلم في عمره الثلاث فإنه أحرم بكل منها في ذي القعدة عمرة الحديبية التي صد عن البيت فيها وعمرة القضية التي بعدها وعمرة الجعرانة ولو كان أراد باعتماره مع حجته بيان الجواز فقط مع أن الأفضل خلافه لاكتفى في ذلك بأمره أصحابه أن يفسخوا حجهم إلى العمرة وذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن التمتع أفضل لكونه صلى الله عليه وسلم تمناه فقال لولا أني سقت الهدي لأحللت ولا يتمنى إلا الأفضل وهو قول أحمد بن حنبل في المشهور عنه وأجيب بأنه إنما تمناه تطييبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته وإلا فالأفضل ما اختاره الله له واستمر عليه وقال بن قدامة يترجح التمتع بأن الذي يفرد إن اعتمر بعدها فهي عمرة مختلف في اجزائها عن حجة الإسلام بخلاف عمرة التمتع فهي مجزئة بلا خلاف فيترجح التمتع على الإفراد ويليه القران وقال من رجح القران هو أشق من التمتع وعمرته مجزئة بلا خلاف فيكون أفضل منهما وحكى عياض عن بعض العلماء أن الصور الثلاث في الفضل سواء وهو مقتضى تصرف بن خزيمة في صحيحه وعن أبي يوسف القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الإفراد وعن أحمد من ساق الهدي فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه زاد بعض أتباعه ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلده سفرا فالإفراد أفضل له قال وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة فمن قال الإفراد أفضل فعلى هذا يتنزل لأن أعمال سفرين للنسكين أكثر مشقة فيكون أعظم أجرا و لتجزيء عنه عمرته من غير نقص ولا اختلاف ومن العلماء من جمع بين الأحاديث على نمط آخر مع موافقته على أنه كان قارنا كالطحاوي وابن حبان وغيرهما فقيل أهل أولا بعمرة ثم لم يتحلل منها إلى أن أدخل عليها الحج يوم التروية ومستند هذا القائل حديث بن عمر الآتي في أبواب الهدي بلفظ فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة ثم أهل بالحج وهذا لا ينافي إنكار بن عمر على أنس كونه نقل أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج والعمرة كما سيأتي في حجة الوداع من المغازي لاحتمال أن يكون محل إنكاره كونه نقل أنه أهل بهما معا و إنما المعروف عنده أنه أدخل أحد النسكين على الآخر لكن جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة مخالف لما عليه أكثر الأحاديث فهو مرجوح وقيل أهل أولا بالحج مفردا ثم استمر على ذلك إلى أن أمر أصحابه بأن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرة وفسخ معهم ومنعه من التحلل من عمرته المذكورة ما ذكره في حديث الباب وغيره من سوق الهدي فاستمر معتمرا إلى أن أدخل عليها الحج حتى تحلل منهما جميعا وهذا يستلزم أنه أحرم بالحج أولا وآخرا وهو محتمل لكن الجمع الأول أولى وقيل إنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا واستمر عليه إلى أن تحلل منه بمنى ولم يعتمر في تلك السنة وهو مقتضى من رجح أنه كان مفردا والذي يظهر لي أن من أنكر القران من الصحابة نفى أن يكون أهل بهما جميعا في أول الحال ولا ينفي أن يكون أهل بالحج مفردا ثم أدخل عليه العمرة فيجتمع القولان كما تقدم والله أعلم

[ 1491 ] قوله ولم تحلل بكسر اللام الأولى أي لم تحل وإظهار التضعيف لغة معروفة قوله لبدت بتشديد الموحدة أي شعر رأسي وقد تقدم بيان التلبيد وهو أن يجعل فيه شيء ليلتصق به ويؤخذ منه استحباب ذلك للمحرم قوله فلا أحل حتى أنحر يأتي الكلام عليه في الحديث السابع الحديث السادس

[ 1492 ] قوله أبو جمرة بالجيم والراء قوله تمتعت فنهاني ناس لم أقف على أسمائهم وكان ذلك في زمن بن الزبير وكان ينهى عن المتعة كما رواه مسلم من حديث أبي الزبير عنه وعن جابر ونقل بن أبي حاتم عن بن الزبير أنه كان لا يرى التمتع الا للمحصر ووافقه علقمة وإبراهيم وقال الجمهور لا اختصاص بذلك للحصر قوله فأمرني أي أن أستمر على عمرتي ولأحمد ومسلم من طريق غندر عن شعبة فأتيت بن عباس فسألته عن ذلك فأمرني بها ثم انطلقت إلى البيت فنمت فأتاني آت في منامي قوله وعمرة متقبلة في رواية النضر عن شعبة كما سيأتي في أبواب الهدي متعة متقبلة وهو خبر مبتدأ محذوف أي هذه عمرة متقبلة وقد تقدم تفسير المبرور في أوائل الحج قوله فقال سنة أبي القاسم هو خبر مبتدأ محذوف أي هذه سنة ويجوز فيه النصب أي وافقت سنة أبي القاسم أو على الاختصاص وفي رواية النضر فقال الله أكبر سنة أبي القاسم وزاد فيه زيادة يأتي الكلام عليها هناك إن شاء الله تعالى قوله ثم قال لي أي بن عباس أقم عندي وأجعل لك سهما من مالي أي نصيبا قال شعبة فقلت يعني لأبي جمرة ولم أي استفهمه عن سبب ذلك فقال للرؤيا أي لأجل الرؤيا المذكورة ويؤخذ منه إكرام من أخبر المرء بما يسره وفرح العالم بموافقته الحق والإستئناس بالرؤيا لموافقة الدليل الشرعي وعرض الرؤيا على العالم والتكبير عند المسرة والعمل بالأدلة الظاهرة والتنبيه على اختلاف أهل العلم ليعمل بالراجح منه الموافق للدليل الحديث السابع

[ 1493 ] قوله حدثنا أبو شهاب هو الأكبر واسمه موسى بن نافع قوله حجك مكيا في رواية الكشميهني حجتك مكية يعني قليلة الثواب لقلة مشقتها وقال بن بطال معناه إنك تنشيء حجك من مكة كما ينشئ أهل مكة منها فيفوتك فضل الإحرام من الميقات قوله فدخلت على عطاء أي بن أبي رباح قوله يوم ساق البدن معه بضم الموحدة وإسكان الدال جمع بدنة وذلك في حجة الوداع وقد رواه مسلم عن بن نمير عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ عام ساق الهدي قوله فقال لهم أحلوا من إحرامكم الخ أي اجعلوا حجكم عمرة وتحللوا منها بالطواف والسعي قوله وقصروا إنما أمرهم بذلك لأنهم يهلون بعد قليل بالحج فأخر الحلق لأن بين دخولهم وبين يوم التروية أربعة أيام فقط قوله واجعلوا التي قدمتم بها متعة أي اجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة تتحللوا منها فتصيروا متمتعين فأطلق على العمرة متعة مجازا والعلاقة بينهما ظاهرة ووقع في رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عند مسلم فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة ونحوه في رواية الباقر عن جابر في الخبر الطويل عند مسلم قوله فقال افعلوا ما امرتكم فلولا أني سقت الهدي الخ فيه ما كان عليه عليه السلام من تطييب قلوب أصحابه وتلطفه بهم وحلمه عنهم قوله لا يحل منى حرام بكسر حاء يحل أي شيء حرام والمعنى لا يحل منى ما حرم علي ووقع في رواية مسلم لا يحل منى حراما بالنصب على المفعولية وعلى هذا فيقرأ يحل بضم أوله والفاعل محذوف تقديره لا يحل طول المكث ونحو ذلك منى شيئا حراما حتى يبلغ الهدي محله أي إذا نحر يوم من واستدل به على أن من اعتمر فساق هديا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر وقد تقدم حديث حفصة نحوه ويأتي حديث عائشة من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عنها بلفظ من أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى ينحر وتأول ذلك المالكية والشافعية على أن معناه ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهل بالحج ولا يحل حتى ينحر هديه ولا يخفى ما فيه قلت فإنه خلاف ظاهر الأحاديث المذكورة وبالله التوفيق قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله أبو شهاب ليس له حديث مسند إلا هذا أي لم يرو حديثا مرفوعا إلا هذا الحديث قال مغلطاي كأنه يقول من كان هكذا لا يجعل حديثه أصلا من أصول العلم قلت إذا كان موصوفا بصفة من يصحح حديثه لم يضره ذلك مع أنه قد توبع عليه ثم كلام مغلطاي محمول على ظاهر الإطلاق وقد أجاب غيره بأنه مقيد بالرواية عن عطاء فإن حديثه هذا طرف من حديث جابر الطويل الذي انفرد مسلم بسياقه من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر وفي هذا الطرف زيادة بيان لصفة التحلل من العمرة ليس في الحديث الطويل حيث قال فيه أحلوا من احرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالا إلى يوم التروية وأهلوا بالحج ويستفاد منه جواز جواب المفتي لمن سأله عن حكم خاص بأن يذكر له قصة مسندة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتمل على جواب سؤاله ويكون ما اشتملت عليه من الفوائد الزائدة على ذلك زيادة خير وينبغي أن يكون محل ذلك لائقا بحال السائل ثم ذكر المصنف حديث اختلاف عثمان وعلي في التمتع وقد تقدم من وجه آخر وهو ثاني أحاديث هذا الباب فاشتملت أحاديث الباب على ما ترجم به فحديث عائشة من طريق يؤخذ منه الفسخ والإفراد وحديث علي من طريقه يؤخذ منه التمتع والقران وحديث بن عباس يؤخذ منه الفسخ وكذا حديث أبي موسى وجابر وحديث حفصة يؤخذ منه أن من تمتع بالعمرة إلى الحج لا يحل من عمرته إن كان ساق الهدي وكذا حديث جابر وحديث بن عباس الثاني يؤخذ منه مشروعية التمتع وكذا حديث جابر أيضا والله أعلم

قوله باب من لبى بالحج وسماه أورد فيه حديث جابر مختصرا من طريق مجاهد عنه وهو بين فيما ترجم له ويؤخذ منه فسخ الجح إلى العمرة وقد ذهب الجمهور إلى أنه منسوخ وذهب بن عباس على أنه محكم وبه قال أحمد وطائفة يسيرة

قوله باب التمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في رواية أبي ذر وسقط لغيره على عهد الخ ولبعضهم باب بغير ترجمة وكذا ذكره الإسماعيلي والأول أولى وفي الترجمة إشارة إلى الخلاف في ذلك وإن كان الأمر استقر بعد على الجواز

[ 1496 ] قوله حدثني مطرف هو بن عبد الله بن الشخير ورجال الإسناد كلهم بصريون قوله عن عمران هو بن حصين الخزاعي ولمسلم من طريق شعبة عن قتادة عن مطرف بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال أني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك فذكر الحديث قوله ونزل القرآن أي بجوازه يشير إلى قوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية ورواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن همام بلفظ ولم ينزل فيه القرآن أي بمنعه وتوضحه رواية مسلم الأخرى من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة بلفظ ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله وزاد من طريق شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف ولم ينزل فيه قرآن بحرمة وله من طريق أبي العلاء عن مطرف فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم تنه عنه حتى مضى لوجهه وللإسماعيلي من طريق عفان بن همام تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسخها شيء وقد أخرجه المصنف في تفسير البقرة من طريق أبي رجاء العطاردي عن عمران بلفظ أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن بحرمة فلم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء قوله قال رجل برأيه ما شاء وفي رواية أبي العلاء ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي قائل ذلك هو عمران بن حصين ووهم من زعم أنه مطرف الراوي عنه لثبوت ذلك في رواية أبي رجاء عن عمران كما ذكرته قبل وحكي الحميدي أنه وقع في البخاري في رواية أبي رجاء عن عمران قال البخاري يقال أنه عمر أي الرجل الذي عناه عمران بن حصين ولم أر هذا في شيء من الطرق التي اتصلت لنا من البخاري لكن نقله الإسماعيلي عن البخاري كذلك فهو عمدة الحميدي في ذلك وبهذا جزم القرطبي والنووي وغيرهما وكأن البخاري أشار بذلك إلى رواية الجريري عن مطرف فقال في آخره ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر كذا في الأصل أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم عن وكيع عن الثوري عنه وقال بن التين يحتمل أن يريد عمر أو عثمان وأغرب الكرماني فقال ظاهر سياق كتاب البخاري أن المراد به عثمان وكأنه لقرب عهده بقصة عثمان مع علي جزم بذلك وذلك غير لازم فقد سبقت قصة عمر مع أبي موسى في ذلك ووقعت لمعاوية أيضا مع سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم قصة في ذلك والأولى أن يفسر بعمر فإنه أول من نهى عنها وكأن من بعده كان تابعا له في ذلك ففي مسلم أيضا أن بن الزبير كان ينهى عنها وابن عباس يأمر بها فسألوا جابرا فأشار إلى أن أول من نهى عنها عمر ثم في حديث عمران هذا ما يعكر على عياض وغيره في جزمهم أن المتعة التي نهى عنها عمر وعثمان هي فسخ الحج إلى العمرة لا العمرة التي يحج بعدها فإن في بعض طرقه عند مسلم التصريح بكونها متعة الحج وفي رواية له أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمر بعض أهله في العشر وفي رواية له جمع بين حج وعمرة ومراده التمتع المذكور وهو الجمع بينهما في عام واحد كما سيأتي صريحا في الباب بعده في حديث بن عباس وقد تقدم البحث فيه في حديث أبي موسى وفيه من الفوائد أيضا جواز نسخ القرآن بالقرآن ولا خلاف فيه وجواز نسخه بالسنة وفيه اختلاف شهير ووجه الدلالة منه قوله ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مفهومه أنه لو نهى عنها لامتنعت ويستلزم رفع الحكم ومقتضاه جواز النسخ وقد يؤخذ منه أن الإجماع لا ينسخ به لكونه حصر وجوه المنع في نزول آية أو نهي من النبي صلى الله عليه وسلم وفيه وقوع الاجتهاد في الأحكام بين الصحابة وإنكار بعض المجتهدين على بعض بالنص

قوله باب قول الله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أي تفسير قوله وذلك في الآية إشارة إلى التمتع لأنه سبق فيها فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي إلى أن قال ذلك واختلف السلف في المراد بحاضري المسجد فقال نافع والأعرج هم أهل مكة بعينها وهو قول مالك واختاره الطحاوي ورجحه وقال طاوس وطائفة هم أهل الحرم وهو الظاهر وقال مكحول من كان منزله دون المواقيت وهو قول الشافعي في القديم وقال في الجديد من كان من مكة على دون مسافة القصر ووافقه أحمد وقال مالك أهل مكة ومن حولها سوى أهل المناهل كعسفان وسوى أهل منى وعرفة

[ 1497 ] قوله وقال أبو كامل وصله الإسماعيلي قال حدثنا القاسم المطرز حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو كامل فذكره بطوله لكنه قال عثمان بن سعد بدل عثمان بن غياث وكلاهما بصري وله رواية عن عكرمة لكن عثمان بن غياث ثقة وعثمان بن سعد ضعيف وقد أشار الإسماعيلي إلى أن شيخه القاسم وهم في قوله عثمان بن سعد ويؤيده أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في الأطراف أنه وجده من رواية مسلم بن الحجاج عن أبي كامل كما ساقه البخاري قال فأظن البخاري أخذه عن مسلم لأنني لم أجده إلا من رواية مسلم كذا قال وتعقب باحتمال أن يكون البخاري أخذه عن أحمد بن سنان فإنه أحد مشايخه ويحتمل أيضا أن يكون أخذه عن أبي كامل نفسه فإنه أدركه وهو من الطبقة الوسطى من شيوخه ولم نجد له ذكرا في كتابه غير هذا الموضع وأبو معشر البراء اسمه يوسف بن يزيد والبراء بالتشديد نسبة له إلى بري السهام قوله فلما قدمنا مكة أي قربها لأن ذلك كان بسرف كما تقدم عن عائشة قوله اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة الخطاب بذلك لمن كان أهل بالحج مفردا كما تقدم واضحا عن عائشة أنهم كانوا ثلاث فرق قوله طفنا في رواية الأصيلي فطفنا بزيادة فاء وهو الوجه ووجه الأول بالحمل على الاستئناف أو هو جواب لما وقال جملة حالية وقد مقدرة فيها قوله ونسكنا المناسك أي من الوقوف والمبيت وغير ذلك قوله وأتينا النساء المراد به غير المتكلم لأن بن عباس لم يكن إذ ذاك بالغا قوله عشية التروية أي بعد الظهر ثامن ذي الحجة وفيه حجة على من استحب تقديمه على يوم التروية كما نقل عن الحنفية وعن الشافعية يختص استحباب يوم التروية بعد الزوال بمن ساق الهدي قوله فقد تم حجنا للكشميهني وقد بالواو ومن هنا إلى آخر الحديث موقوف على بن عباس ومن هنا إلى أوله مرفوع قوله فصيام ثلاثة أيام في الحج سيأتي عن بن عمر وعائشة موقوفا أن آخرها يوم عرفة فإن لم يفعل صام أيام منى أي الثلاثة التي بعد يوم النحر وهي أيام التشريق وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي في القديم ثم رجع عنه وأخذ بعموم النهي عن صيام أيام التشريق قوله وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم كذا أورده بن عباس وهو تفسير منه للرجوع في قوله تعالى إذا رجعتم ويوافقه حديث بن عمر الآتي في باب من ساق البدن معه من طريق عقيل عن الزهري عن سالم عن بن عمر مرفوعا قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل إلى أن قال فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وهذا قول الجمهور وعن الشافعي معناه الرجوع إلى مكة وعبر عنه مرة بالفراغ من أعمال الحج ومعنى الرجوع التوجه من مكة فيصومها في الطريق إن شاء وبه قال إسحاق بن راهويه قوله الشاة تجزى أي عن الهدي وهي جملة حالية وقعت بدون واو وسيأتي في أبواب الهدي بيان ذلك قوله بين الحج والعمرة بيان للمراد بقوله فجمعوا النسكين وهو بإسكان السين قال الجوهري النسك بالإسكان العبادة وبالضم الذبيحة قوله فإن الله أنزله أي الجمع بين الحج والعمرة وأخذ بقوله فمن تمتع بالعمرة إلى الحج قوله وسنة نبيه أي شرعه حيث أمر أصحابه به قوله غير أهل مكة بنصب غير ويجوز كسره وذلك إشارة إلى التمتع وهذا مبني على مذهبه بأن أهل مكة لا متعة لهم وهو قول الحنفية وعند غيرهم أن الإشارة إلى حكم التمتع وهو الفدية فلا يجب على أهل مكة بالتمتع دم إذا أحرموا من الحل بالعمرة وأجاب الكرماني بجواب ليس طائلا قوله التي ذكر الله أي بعد آية التمتع حيث قال الحج أشهر معلومات وقد تقدم نقل الخلاف في ذي الحجة هل هو بكماله أو بعضه قوله فمن تمتع في هذه الأشهر ليس لهذا القيد مفهوم لأن الذي يعتمر في غير أشهر الحج لا يسمى متمتعا ولا دم عليه وكذلك المكي عند الجمهور وخالفه فيه أبو حنيفة كما تقدم والله أعلم ويدخل في عموم قوله فمن تمتع من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج منها وبه قال الحسن البصري وهو مبني على أن التمتع إيقاع العمرة في أشهر الحج فقط والذي ذهب إليه الجمهور أن التمتع أن يجمع الشخص الواحد بينهما في سفر واحد في أشهر الحج في عام واحد وأن يقدم العمرة وأن لا يكون مكيا فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم يكن متمتعا قوله والجدال المراء روى بن أبي نسيبة من طريق مقسم عن بن عباس قال ولا جدال في الحج تماري صاحبك حتى تغضبه وكذا أخرجه عن بن عمر مثله ومن طريق عكرمة وإبراهيم النخعي وعطاء بن يسار وغيرهم نحو قول بن عباس وأخرج من طريق عبد العزيز بن رفيع عن مجاهد قال قوله ولا جدال في الحج قال قد استقام أمر الحج ومن طريق بن نجيح عن مجاهد قال قد صار الحج في ذي الحجة لا شهر ينسأ ولا شك في الحج لأن أهل الجاهلية كانوا يحجون في غير ذي الحجة

قوله باب الاغتسال عند دخول مكة قال بن المنذر الإغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه عندهم فدية وقال أكثرهم يجزئ منه الوضوء وفي الموطأ أن بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسد دون رأسه وقال الشافعية إن عجز عن الغسل تيمم وقال بن التين لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة وإنما ذكروه للطواف والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف

[ 1498 ] قوله ثم يبيت بذي طوى بضم الطاء وبفتحها قوله ويغتسل أي به قوله كان يفعل ذلك يحتمل أن الإشارة به الى الفعل الأخير وهو الغسل وهو مقصود الترجمة ويحتمل أنها إلى الجميع وهو الأظهر فسيأتي في الباب الذي يليه ذكر المبيت فقط مرفوعا من رواية أخرى عن بن عمر وتقدم الحديث بأتم من هذا في باب الإهلال مستقبل القبلة

قوله باب دخول مكة نهارا أو ليلا أورد فيه حديث بن عمر في المبيت بذي طوى حتى يصبح وهو ظاهر في الدخول نهارا وقد أخرجه مسلم من طريق أيوب عن نافع بلفظ كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا وأما الدخول ليلا فلم يقع منه النبي صلى الله عليه وسلم إلا في عمرة الجعرانة فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ودخل مكة ليلا فقضى أمر العمرة ثم رجع ليلا فأصبح بالجعرانة كبائت كما رواه أصحاب السنن الثلاثة من حديث محرش الكعبي وترجم عليه النسائي دخول مكة ليلا وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال كانوا يستحبون يدخلوا مكة نهارا ويخرجوا منها ليلا وأخرج عن عطاءإن شئتم فادخلوا ليلا إنكم لستم كرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان إماما فأحب أن يدخلها نهارا ليراه الناس انتهى وقضية هذا أن من كان إماما يقتدى به استحب له أن يدخلها نهارا

قوله باب من أين يدخل مكة أورد فيه حديث مالك عن نافع عن بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى أخرجه عن إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى عنه وليس هو في الموطأ ولا رأيته في غرائب مالك للدارقطني ولم أقف عليه إلا من رواية معن بن عيسى وقد تابع إبراهيم بن المنذر عليه عبد الله بن جعفر البرمكي وقد عز علي الإسماعيلي استخراجه فأخرجه عن بن ناجية عن البخاري مثله وزاد في آخره يعني ثنيتي مكة وهذه الزيادة قد أخرجها أيضا أبو داود حيث أخرج الحديث عن عبد الله بن جعفر البرمكي عن معن بن عيسى مثله وقد ذكره المصنف في الباب الذي بعده من طريق أخرى عن نافع وسياقه أبين من سياق مالك

قوله

[ 1501 ] من كداء بفتح الكاف والمد قال أبو عبيد لا يصرف وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلى مقبرة أهل مكة وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ثم سهل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة وكل عقبة في جبل أو طريق عال فيه تسمى ثنية قوله الثنية السفلى ذكر في ثاني حديثي الباب وخرج من كدا وهو بضم الكاف مقصور وهي عند باب شبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع قوله من أعلى مكة كذا رواه أبو أسامة فقبله والصواب ما رواه عمرو وحاتم عن هشام دخل من كداء من أعلى مكة ثم ظهر لي أن الوهم فيه ممن دون أبي أسامة فقد رواه أحمد عن أبي أسامة على الصواب

[ 1503 ] قوله قال هشام هو بن عروة بالإسناد المذكور قوله وكان عروة يدخل من كلتيهما في رواية الكشميهني على بدل من قوله وأكثر ما يدخل من كدا بالضم والقصر للجميع وكذا في رواية حاتم ووهيب وهي الطريقة الرابعة لحديث عائشة قوله وكانت أقربهما إلى منزله فيه اعتذار هشام لأبيه لكونه روى الحديث وخالفه لأنه رأى أن ذلك ليس بحتم لازم وكان ربما فعله وكثيرا ما يفعل غيره بقصد التيسير قال عياض والقرطبي وغيرهما اختلف في ضبط كداء وكدا فالأكثر على أن العليا بالفتح والمد والسفلى بالضم والقصر وقيل بالعكس قال النووي وهو غلط قالوا واختلف في المعنى الذي لأجله خالف صلى الله عليه وسلم بين طريقيه فقيل ليتبرك به كل من في طريقه فذكر شيئا مما تقدم في العيد وقد استوعبت ما قيل فيه هناك وبعضه لا يتأتى اعتباره هنا والله أعلم وقيل الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلو عند الدخول لما فيه من تعظيم المكان وعكسه الإشارة إلى فراقه وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم خرج منها مختفيا في الهجرة فأراد أن يدخلها ظاهرا عاليا وقيل لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلا للبيت ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك والسبب في ذلك قول أبي سفيان بن حرب للعباس لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء فقلت ما هذا قال شيء طلع بقلبي وأن الله لا يطلع الخيل هناك أبدا قال العباس فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل وللبيهقي من حديث بن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر كيف قال حسان فأنشده عدمت بنيتي أن لم تروها تثير النقع مطلعها كداء فتبسم وقال أدخلوها من حيث قال حسان تنبيه حكى الحميدي عن أبي العباس العذري أن بمكة موضعا ثالثا يقال له كدي وهو بالضم والتصغير يخرج منه إلى جهة اليمن قال المحب الطبري حققه العذري عن أهل المعرفة بمكة قال وقد بني عليها باب مكة الذي يدخل منه أهل اليمن تنبيهات أولها محمود في الطريق الثانية من حديث عائشة هو بن غيلان وعمرو في الطريق الثالثة هو بن الحارث وأحمد في أول الإسناد لم أره منسوبا في شيء من الروايات وقد تقدم في أوائل الحج أحمد عن بن وهب وأنه أحمد بن عيسى فيشبه أن يكون هو المذكور هنا وحاتم في الطريق الثالثة هو بن إسماعيل التنبيه الثاني اختلف على هشام بن عروة في وصل هذا الحديث و إرساله وأورد البخاري الوجهين مشيرا إلى أن رواية الإرسال لا تقدح في رواية الوصل لأن الذي وصله حافظ وهو بن عيينة وقد تابعه ثقتان ولعله إنما أورد الطريقين المرسلين ليستظهر بهما على وهم أبي أسامة الذي أشرت إليه أولا الثالث وقع في رواية المستملي وحده في آخر الباب قال أبو عبد الله كداء وكدا موضعان والمراد بأبي عبد الله المصنف وهذا تفسير غير مفيد فمعلوم أنهما موضعان بمجرد السياق وقد يسر الله بنقل ما فيها من ضبط وتعيين جهة كل منهما



قوله باب فضل مكة وبنيانها وقوله تعالى وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا فساق الآيات إلى قوله التواب الرحيم كذا في رواية كريمة وساق الباقون بعض الآية الأولى ولأبي ذر كلها ثم قال إلى قوله التواب الرحيم ثم ساق المصنف في الباب حديث جابر في بناء الكعبة وحديث عائشة في ذلك من أربعة طرق وليس في الآيات ولا الحديث ذكر لبنيان مكة لكن بنيان الكعبة كان سبب بنيان مكة وعمارتها فاكتفى به واختلف في أول من بني الكعبة كما سيأتي في أحاديث الأنبياء في الكلام على حديث أبي ذر أي مسجد وضع في الأرض أول وكذا قصة بناء إبراهيم وإسماعيل لها يأتي في أحاديث الأنبياء ويقتصر هنا على قصة بناء قريش لها وعلى قصة بناء بن الزبير وما غيره الحجاج بعده لتعلق ذلك بحديثي الباب والبيت اسم غالب للكعبة كالنجم للثريا وقوله تعالى مثابة أي مرجعا للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يعودون إليه روى عبد بن حميد بإسناد جيد عن مجاهد قال يحجون ثم يعودون وهو مصدر وصف به الموضع وقوله وأمنا أي موضع أمن وهو كقوله أولم يروا أنا جعلنا حرم آمنا والمراد ترك القتال فيه كما سيأتي شرحه في الكلام على حديث الباب الذي بعده وقوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى أي وقلنا اتخذوا منه موضع ويجوز أن يكون معطوفا على اذكروا نعمتي أو على معنى مثابة أي ثوبوا إليه واتخذوا والأمر فيه للإستحباب بالاتفاق وقرأ نافع وابن عامر واتخذوا بلفظ الماضي عطفا على جعلنا أو على تقدير إذ أي وإذ جعلنا وإذ اتخذوا ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه على الأصح وسيأتي شرحه في قصة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وعن عطاء مقام إبراهيم عرفة وغيرها من المناسك لأنه قام فيها ودعا وعن النخعي الحرم كله وكذا رواه الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في أوائل كتاب الصلاة وقوله والركع السجود استدل به على جواز صلاة الفرض والنفل داخل البيت وخالف مالك في الفرض قوله اجعل هذا بلدا آمنا يأتي الكلام عليه في حديث إن إبراهيم حرم الكعبة وأنه لا يعارض حديث إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السماوات والأرض لأن معنى الأول أن إبراهيم أعلم الناس بذلك والثاني ما سبق من تقدير الله وقوله من آمن بدل من أهله أي وارزق المؤمنين من أهله خاصة ومن كفر عطف على من آمن قيل قاس إبراهيم الرزق على الإمامة فعرف الفرق بينهما وأن الرزق قد يكون استدراجا وإلزاما للحجة وسيأتي الكلام على القواعد في تفسير البقرة وأنها الأساس وظاهره أنه كان مؤسسا قبل إبراهيم ويحتمل أن يكون المراد بالرفع نقلها من مكانها إلى مكان البيت كما سيأتي عند نقل الاختلاف في ذلك إن شاء الله تعالى وقوله ربنا تقبل منا أي يقولان ربنا تقبل منا وقد أظهره بن مسعود في قراءته وقوله وأرنا مناسكنا قال عبد بن حميد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز قال لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل فأراه الطواف بالبيت سبعا قال وأحسبه وبين الصفا والمروة ثم أتى به عرفة فقال أعرفت قال نعم قال فمن ثم سميت عرفات ثم أتى به جمعا فقال ههنا يجمع الناس الصلاة ثم أتى به منى فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات فقال ارمه بها وكبر مع كل حصاة قوله وتب علينا قيل طلبا الثبات على الإيمان لأنهما معصومان وقيل أراد أن يعرف الناس أن ذلك الموقف مكان التوبة وقيل المعنى وتب على من اتبعنا قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي وهذا أحد الأحاديث التي أخرجها البخاري عن شيخه أبي عاصم النبيل بواسطة قوله

[ 1505 ] لما بنيت الكعبة هذا من مرسل الصحابي لأن جابرا لم يدرك هذه القصة فيحتمل أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن حضرها من الصحابة وقد روى الطبراني و أبو نعيم في الدلائل من طريق بن لهيعة عن أبي الزبير قال سألت جابرا هل يقوم الرجل عريانا فقال أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما انهدمت الكعبة نقل كل بطن من قريش وأن النبي صلى الله عليه وسلم نقل مع العباس وكانوا يضعون ثيابهم على العواتق يتقوون بها أي على حمل الحجارة فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاعتقلت رجلي فخررت وسقط ثوبي فقلت للعباس هلم ثوبي فلست أتعرى بعدها إلا إلى الغسيل لكن بن لهيعة ضعيف وقد تابعه عبد العزيز بن سليمان عن أبي الزبير ذكره أبو نعيم فإن كان محفوظا وإلا فقد حضره من الصحابة العباس كما في حديث الباب فلعل جابرا حمله عنه وروى الطبراني أيضا والبيهقي في الدلائل من طريق عمرو بن أبي قيس والطبري في التهذيب من طريق هارون بن المغيرة أبو نعيم في المعرفة من طريق قيس بن الربيع وفي الدلائل من طريق شعيب بن خالد كلهم عن سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس حدثني أبي العباس بن عبد المطلب قال لما بنت قريش الكعبة انفردت رجلين رجلين ينقلون الحجارة فكنت أنا وابن أخي فجعلنا نأخذ أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة فإذا دنونا من الناس لبسنا أزرنا فبينما هو أمامي إذ صرع فسعيت وهو شاخص ببصره إلى السماء قال فقلت لابن أخي ما شأنك قال نهيت أن أمشي عريانا قال فكتمته حتى أظهر الله نبوته تابعه الحكم بن أبان عن عكرمة أخرجه أبو نعيم أيضا وروى ذلك أيضا من طريق النضر أبي عمر عن عكرمة عن بن عباس ليس فيه العباس وقال في آخره فكان أول شيء رأى من النبوة والنضر ضعيف وقد خبط في إسناده وفي متنه فإنه جعل القصة في معالجة زمزم بأمر أبي طالب وهو غلام وكذا روى بن إسحاق في السيرة عن أبيه عمن حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لمع غلمان هم أسناني قد جعلنا أزرنا على أعناقنا لحجارة ننقلها إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال اشدد عليك إزارك فكأن هذه قصة أخرى واغتر بذلك الأزرقي فحكى قولا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بنيت الكعبة كان غلاما ولعل عمدته في ذلك ما سيأتي عن معمر عن الزهري ولحديث معمر شاهد من حديث أبي الطفيل أخرجه عبد الرزاق ومن طريقه الحاكم والطبراني قال كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدر وكانت قدر ما يقتحهما العناق وكانت ثيابها توضع عليها تسدل سدلا وكانت ذات ركنين كهيئة هذه الحلقة هنك رسمه فأقبلت سفينة من الروم حتى إذا كانوا قريبا من جدة انكسرت فخرجت قريش لتأخذ خشبها فوجدوا الرومي الذي فيها نجارا فقدموا به وبالخشب ليبنوا به البيت فكانوا كلما أرادوا القرب منه لهدمه بدت لهم حية فاتحة فاها فبعث الله طيرا أعظم من النسر فغرز مخالبه فيها فألقاها نحو أجياد فهدمت قريش الكعبة وبنوها بحجارة الوادي فرفعوها في السماء عشرين ذراعا فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضعها على عاتقه فبدت عورته من صغرها فنودي يا محمد خمر عورتك فلم ير عريانا بعد ذلك وكان بين ذلك وبين المبعث خمس سنين قال معمر وأما الزهري فقال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت فتشاورت قريش في هدمها وهابوه فقال الوليد إن الله لا يهلك من يريد الإصلاح فارتقى على ظاهر البيت ومعه العباس فقال اللهم لا نريد إلا الإصلاح ثم هدم فلما رأوه سالما تابعوه قال عبد الرزاق وأخبرنا بن جريج قال قال مجاهد كان ذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة وكذا رواه بن عبد البر من طريق محمد بن جبير بن مطعم بإسناد له وبه جزم موسى بن عقبة في مغازيه والأول أشهر وبه جزم بن إسحاق ويمكن الجمع بينهما بأن يكون الحريق تقدم وقته على الشروع في البناء وذكر بن إسحاق أن السيل كان يأتي فيصيب الكعبة فيتساقط من بنائها وكان رضما فوق القامة فأرادت قريش رفعها وتسقيفها وذلك أن نفرا سرقوا كنز الكعبة فذكر القصة مطولة في بنائهم الكعبة وفي اختلافهم فيمن يضع الحجر الأسود حتى رضوا بأول داخل فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحكموه في ذلك فوضعه بيده قال وكانت الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر ذراعا ووقع عند الطبراني من طريق أخرى عن بن خثيم عن أبي الطفيل أن اسم النجار المذكور بأقوم وللفاكهي من طريق بن جريج مثله قال وكان يتجر إلى بندر وراء ساحل عدن فانكسرت سفينته بالشعيبة فقال لقريش إن أجريتم عيري مع عيركم إلى الشام أعطيتكم الخشب ففعلوا وروى سفيان بن عيينة في جامعه عن عمرو بن دينار أنه سمع عبيد بن عمير يقول اسم الذي بنى الكعبة لقريش بأقوم وكان روميا وقال الأزرقي كان طولها سبعة وعشرين ذراعا فاقتصرت قريش منها على ثمانية عشر ونقصوا من عرضها أذرعا أدخلوها في الحجر قوله فخر إلى الأرض في رواية زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار الماضية في باب كراهية التعري من أوائل الصلاة فجعله على منكبه فسقط مغشيا عليه قوله فطمحت عيناه بفتح المهملة والميم أي ارتفعتا والمعنى أنه صار ينظر إلى فوق وفي رواية عبد الرزاق عن بن جريج في أوائل السيرة النبوية ثم أفاق فقال قوله أرني إزاري أي أعطني وحكى بن التين كسر الراء وسكونها وقد قرئ بهما وفي رواية عبد الرزاق الآتية إزاري إزاري بالتكرير قوله فشده عليه زاد زكريا بن إسحاق فما رؤى بعد ذلك عريانا وقد تقدم شاهدها من حديث أبي الطفيل الحديث الثاني ساقه من أربعة طرق قوله في الطريق الأولى عن سالم بن عبد الله أي بن عمر قوله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أي الصديق ووقع في رواية مسلم أبي بكر بن أبي قحافة وعبد الله هذا هو أخو القاسم بن محمد قوله أخبر عبد الله بن عمر بنصب عبد الله على المفعولية وظاهره أن سالما كان حاضرا لذلك فيكون من روايته عن عبد الله بن محمد وقد صرح بذلك أبو أويس عن بن شهاب لكنه سماه عبد الرحمن بن محمد فوهم أخرجه أحمد وأغرب إبراهيم بن طهمان فرواه عن مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أخرجه الدار قطني في غرائب مالك والمحفوظ الأول وقد رواه معمر عن بن شهاب عن سالم لكنه اختصره وأخرجه مسلم من طريق نافع عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة فتابع سالما فيه وزاد في المتنول أنفقت كنز الكعبة ولم أر هذه الزيادة إلا من هذا الوجه ومن طريق أخرى أخرجها أبو عوانة من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير عن عائشة وسيأتي البحث فيها في باب كسوة الكعبة قوله قومك أي قريش قوله اقتصروا عن قواعد إبراهيم سيأتي بيان ذلك في الطريق التي تلي هذه قوله لولا حدثان بكسر المهملة وسكون الدال بعدها مثلثة بمعنى الحدوث أي قرب عهدهم قوله لفعلت أي لرددتها على قواعد إبراهيم قوله فقال عبد الله أي بن عمر بالإسناد المذكور وقد رواه معمر عن بن شهاب عن سالم عن أبيه بهذه القصة مجردة قوله لئن كانت ليس هذا شكا من بن عمر في صدق عائشة لكن يقع في كلام العرب كثيرا صورة التشكيك والمراد التقرير واليقين قوله ما أرى بضم الهمزة أي أظن وهي رواية معمر وزاد في آخر الحديث ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك ونحوه في رواية أبي أويس المذكورة قوله استلام افتعال من السلام والمراد هنا لمس الركن بالقبلة أو اليد قوله يليان أي يقربان من الحجر بكسر المهملة وسمون الجيم وهو معروف على صفة نصف الدائرة وقدرها تسع وثلاثون ذراعا والقدر الذي أخرج من الكعبة سيأتي قريبا قوله في الطريقة الثانية

[ 1507 ] حدثنا الأشعث هو بن أبي الشعثاء المحاربي وقد تقدم في العلم من وجه آخر عن الأسود بزيادة نبهنا على ما فيها هناك قوله عن الجدر بفتح الجيم وسكون المهملة كذا للأكثر وكذا هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه وفي رواية المستملي الجدار قال الخليل الجدر لغة في الجدار انتهى ووهم من ضبطه بضمها لأن المراد الحجر ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن أبي الأحوص شيخ مسدد فيه الجدر أو الحجر بالشك ولأبي عوانة من طريق شيبان عن الأشعث الحجر بغير شك قوله أمن البيت هو قال نعم هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت وكذا قوله في الطريق الثانية أن ادخل الجدر في البيت وبذلك كان يفتي بن عباس كما رواه عبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل قال سمعت بن عباس يقول لو وليت من البيت ما ولى بن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت فلم يطاف به إن لم يكن من البيت وروى الترمذي والنسائي من طريق علقمة عن أمه عن عائشة قالت كنت أحب أن أصلي في البيت فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر فقال صلي فيه فإنما هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت ونحوه لأبي داود من طريق صفية بنت شيبة عن عائشة ولأبي عوانة من طريق قتادة عن عروة عن عائشة ولأحمد من طريق سعيد بن جبير عن عائشة وفيه أنها أرسلت إلى شيبة الحجبي ليفتح لها البيت بالليل فقال ما فتحناه في جاهلية ولا إسلام بليل وهذه الروايات كلها مطلقة وقد جاءت روايات أصح منها مقيدة منها لمسلم من طريق أبي قزعة عن الحارث بن عبد الله عن عائشة في حديث الباب حتى أزيد فيه من الحجر وله من وجه آخر عن الحارث عنها فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع وله من طريق سعيد بن ميناء عن عبد الله بن الزبير عن عائشة في هذا الحديث وزدت فيها من الحجر ستة أذرع وسيأتي في آخر الطريق الرابعة قول يزيد بن رومان الذي رواه عن عروة أنه أراه لجرير بن حازم فحزره ستة أذرع أو نحوها ولسفيان بن عيينة في جامعه عن داود بن شابور عن مجاهد أن بن الزبير زاد فيها ستة أذرع مما يلي الحجر وله عن عبيد الله بن أبي يزيد عن بن الزبير ستة أذرع وشبر وهكذا ذكر الشافعي عن عدد لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه البيهقي في المعرفة عنه وهذه الروايات كلها تجتمع على أنها فوق الستة ودون السبعة وأما رواية عطاء عند مسلم عن عائشة مرفوعا لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع فهي شاذة والرواية السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه وهو أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر فتجتمع مع الروايات الأخرى فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء ولهذا وقع عند الفاكهي من حديث أبي عمرو بن عدي بن الحمراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في هذه القصة ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع فيحمل هذا على إلغاء الكسر ورواية عطاء على جبره ويجمع بين الروايات كلها بذلك ولم أر من سبقني إلى ذلك وسأذكر ثمرة هذا البحث في آخر الكلام على هذا الحديث وله ألم تري أي ألم تعرفي قوله قصرت بهم النفقة بتشديد الصاد أي النفقة الطيبة التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره ويوضحه ما ذكر بن إسحاق في السيرة عن عبد الله بن أبي نجيح أنه أخبر عن عبد الله بن صفوان بن أمية أن أبا وهب بن عابد بن عمران بن مخزوم وهو جد جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي قال لقريش لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا الطيب ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس وروى سفيان بن عيينة في جامعه عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه أنه شهد عمر بن الخطاب أرسل إلى شيخ من بني زهرة أدرك ذلك فسأله عمر عن بناء الكعبة فقال إن قريشا تقربت لبناء الكعبة أي بالنفقة الطيبة فعجزت فتركوا بعض البيت في الحجر فقال عمر صدقت قوله ليدخلوا في رواية المستملي يدخلوا بغير لام زاد مسلم من طريق الحارث بن عبد الله عن عائشة فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط قوله حديث عهدهم بتنوين حديث قوله بجاهلية في رواية الكشميهني بالجاهلية وقد تقدم في العلم من طريق الأسود حديث عهد بكفر ولأبي عوانة من طريق قتادة عن عروة عن عائشة حديث عهد بشرك قوله فأخاف أن تنكر قلوبهم في رواية شيبان عن أشعث تنفر بالفاء بدل الكاف ونقل بن بطال عن بعض علمائهم أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم قوله أن أدخالي الجدر كذا وقع هنا وهو مؤول بمعنى المصدر أي أخاف إنكار قلوبهم إدخال الحجر وجواب لولا محذوف وقد رواه مسلم عن سعيد بن منصور عن أبي الأحوص بلفظ فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل فأثبت جواب لولا وكذا أثبته الإسماعيلي من طريق شيبان عن أشعث ولفظه لنظرت فأدخلته قوله في الطريق الثالثة عن هشام هو بن عروة قوله عن عائشة كذا رواه مسلم من طريق أبي معاوية والنسائي من طريق عبدة بن سليمان وأبو عوانة من طريق علي بن مسهر وأحمد عن عبد الله بن نمير كلهم عن هشام وخالفهم القاسم بن معن فرواه عن هشام عن أبيه عن أخيه عبد الله بن الزبير عن عائشة أخرجه أبو عوانة ورواية الجماعة أرجح فإن رواية عروة عن عائشة لهذا الحديث مشهورة من غير هذا الوجه فسيأتي في الطريق الرابعة من طريق يزيد بن رومان عنه وكذا لأبي عوانة من طريق قتادة وأبي النضر كلاهما عن عروة عن عائشة بغير واسطة ويحتمل أن يكون عروة حمل عن أخيه عن عائشة منه شيئا زائدا على روايته عنها كما وقع للأسود بن يزيد مع بن الزبير فيما تقدم شرحه في كتاب العلم قوله وجعلت له خلفا بفتح المعجمة وسكون اللام بعدها فاء وقد فسره في الرواية المعلقة وضبطه الحربي في الغريب بكسر الخاء المعجمة قال والخالفة عمود في مؤخر البيت والصواب الأول وبينه قوله في الرواية الرابعة وجعلت لها بابين تنبيه قوله وجعلت بسكون اللام وضم التاء عطفا على قوله لبنيته وضبطها القابسي بفتح اللام وسكون المثناة عطفا على استقصرت وهو وهم فإن قريشا لم تجعل له بابا من خلف وإنما هم النبي صلى الله عليه وسلم بجعله فلا يغتر بمن حفظ هذه الكلمة بفتح ثم سكون قوله قال أبو معاوية حدثنا هشام يعني بن عروة بسنده هذا خلفا يعني بابا والتفسير المذكور من قول هشام بينه أبو عوانة من طريق علي بن مسهر عن هشام قال الخلف الباب وطريق أبي معاوية وصلها مسلم والنسائي ولم يقع في روايتهما التفسير المذكور وأخرجه بن خزيمة عن أبي كريب عن أبي أسامة وأدرج التفسير ولفظه وجعلت لها خلفا يعني بابا آخر من خلف يقابل الباب المقدم قوله في الطريق الرابعة

[ 1509 ] حدثنا يزيد هو بن هارون كما جزم به أبو نعيم في المستخرج قوله عن عروة كذا رواه الحفاظ من أصحاب يزيد بن هارون عنه فأخرجه أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان وأحمد بن منيع في مسانيدهم عنه هكذا والنسائي عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام والإسماعيلي من طريق هارون الجمال والزعفراني كلهم عن يزيد بن هارون وخالفهم الحارث بن أبي أسامة فرواه عن يزيد بن هارون فقال عن عبد الله بن الزبير بدل عروة بن الزبير وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي الأزهر عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال الإسماعيلي إن كان أبو الأزهر ضبطه فكأن يزيد بن رومان سمعه من الأخوين قلت قد تابعه محمد بن مشكان كما أخرجه الجوزقي عن الدغولي عنه عن وهب بن جرير ويزيد قد حمله عن الأخوين لكن رواية الجماعة أوضح فهي أصح قوله حديث عهد كذا لجميع الرواة بالإضافة وقال المطرزي لا يجوز حذف الواو في مثل هذا والصواب حديثو عهد والله أعلم قوله فذلك الذي حمل بن الزبير على هدمه زاد وهب بن جرير في روايته وبنائه قوله قال يزيد هو بن رومان بالإسناد المذكور قوله وشهدت بن الزبير حين هدمه وبناه إلى قوله كأسنمة الإبل هكذا ذكره يزيد بن رومان مختصرا وقد ذكره مسلم وغيره واضحا فروى مسلم من طريق عطاء بن أبي رباح قال لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاه أهل الشام فكان من أمره ما كان وللفاكهي في كتاب مكة من طريق أبي أويس عن يزيد بن رومان وغيره قالوا لما احرق أهل الشام الكعبة ورموها بالمنجنيق وهت الكعبة ولابن سعد في الطبقات من طريق أبي الحارث بن زمعة قال ارتحل الحصين بن نمير يعني الأمير الذي كان يقاتل بن الزبير من قبل يزيد بن معاوية لما أتاهم موت يزيد بن معاوية في ربيع الآخر سنة أربع وستين قال فأمر بن الزبير بالخصاص التي كانت حول الكعبة فهدمت فإذا الكعبة تنفض أي تتحرك متوهنة ترتج من أعلاها إلى أسفلها فيها أمثال جيوب النساء من حجارة المنجنيق وللفاكهي من طريق عثمان بن ساج بلغني أنه لما قدم جيش الحصين بن نمير أحرق بعض أهل الشام على باب بني جمح وفي المسجد يومئذ خيام فمشى الحريق حتى أخذ في البيت فظن الفريقان أنهم هالكون وضعف بناء البيت حتى أن الطير ليقع عليه فتتناثر حجارته ولعبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل أنه حضر ذلك قال كانت الكعبة قد وهت من حريق أهل الشام قال فهدمها بن الزبير فتركه بن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يحزبهم على أهل الشام فلما صدر الناس قال أشيروا علي في الكعبة الحديث ولابن سعد من طريق بن أبي مليكة قال لم يبن بن الزبير الكعبة حتى حج الناس سنة أربع وستين ثم بناها حين استقبل سنة خمس وستين وحكى عن الواقدي أنه رد ذلك وقال لأثبت عندي أنه ابتدأ بناءها بعد رحيل الجيش بسبعين يوما وجزم الأزرقي بأن ذلك كان في نصف جمادي الآخرة سنة أربع وستين قلت ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون ابتداء البناء في ذلك الوقت وامتد امده إلى الموسم ليراه أهل الآفاق ليشنع بذلك على بني أمية ويؤيده أن في تاريخ المسبحي أن الفراغ من بناء الكعبة كان في سنة خمس وستين وزاد المحب الطبري أنه كان في شهر رجب والله أعلم وأن لم يكن هذا الجمع مقبولا فالذي في الصحيح مقدم على غيره وذكر مسلم في رواية عطاء إشارة بن عباس عليه بأن لا يفعل وقول بن الزبير لو أن أحدكم احترق بيته بناه حتى يجدده وأنه استخار الله ثلاثا ثم عزم على أن ينقضها قال فتحاماه الناس حتى صعد رجل فألقى منه حجارة فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض وجعل بن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه وقال بن عيينة في جامعه عن داود بن سابور عن مجاهد قال خرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثا ننتظر العذاب وارتقى بن الزبير على جدار الكعبة هو بنفسه فهدم وفي رواية أبي أويس المذكورة ثم عزل ما كان يصلح أن يعاد في البيت فبنوا به فنظروا إلى ما كان لا يصلح منها أن يبني به فأمر به أن يحفر له في جوف الكعبة فيدفن واتبعوا قواعد إبراهيم من نحو الحجر فلم يصيبوا شيئا حتى شق على بن الزبير ثم أدركوها بعد ما أمعنوا فنزل عبد الله بن الزبير فكشفوا له عن قواعد إبراهيم وهي صخر أمثال الخلف من الإبل فأنفضوا له أي حركوا تلك القواعد بالعتل فنفضت قواعد البيت ورأوه بنيانا مربوطا بعضه ببعض فحمد الله وكبره ثم أحضر الناس فأمر بوجوههم وأشرافهم فنزلوا حتى شاهدوا ما شاهدوه ورأوا بنيانا متصلا فأشهدهم على ذلك وفي رواية عطاء وكان طول الكعبة ثمان عشرة ذراعا فزاد بن الزبير في طولها عشرة أذرع وقد تقدم من وجه آخر أنه كان طولها عشرين ذراعا فلعل رواية جبر الكسر وجزم الأزرقي بأن الزيادة تسعة أذرع فلعل عطاء جبر الكسر أيضا وروى عبد الرزاق من طريق بن سابط عن زيد أنهم كشفوا عن القواعد فإذا الحجر مثل الخلفة والحجارة مشبكة بعضها ببعض وللفاكهي من وجه آخر عن عطاء قال كنت في الأمناء الذين جمعوا على حفره فحفروا قامة ونصفا فهجموا على حجارة لها عروق تتصل بزرد عرق المروة فضربوه فارتجت قواعد البيت فكبر الناس فبنى عليه وفي رواية مرثد عن عبد الرزاق فكشف عن ربض في الحجر آخذ بعضه ببعض فتركه مكشوفا ثمانية أيام ليشهدوا عليه فرأيت ذلك الربض مثل خلف الإبل وجه حجر ووجه حجران ورأيت الرجل يأخذ العتلة فيضرب بها من ناحية الركن فيهتز الركن الآخر قال مسلم في رواية عطاء وجعل له بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه وفي رواية الأسود التي في العلم ففعله عبد الله بن الزبير وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند الإسماعيلي فنقضه عبد الله بن الزبير فجعل له بابين في الأرض ونحوه للترمذي من طريق شعبة عن أبي إسحاق وللفاكهي من طريق أبي أويس عن موسى بن ميسرة أنه دخل الكعبة بعد ما بناها بن الزبير فكان الناس لا يزدحمون فيها يدخلون من باب ويخرجون من آخر فصل لم يذكر المصنف رحمه الله قصة تغيير الحجاج لما صنعه بن الزبير وقد ذكرها مسلم في رواية عطاء قال فلما قتل بن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره أن بن الزبير قد وضعه على أس نظر العدول من أهل مكة إليه فكتب إليه عبد الملك إنا لسنا من تلطيخ بن الزبير في شيء أما ما زاد في طوله فأقره وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه وسد بابه الذي فتحه فنقضه وأعاده إلى بنائه وللفاكهي من طريق أبي أويس عن هشام بن عروة فبادر يعني الحجاج فهدمها وبنى شقها الذي يلي الحجر ورفع بابها وسد الباب الغربي قال أبو أويس فأخبرني غير واحد من أهل العلم أن عبد الملك ندم على إذنه للحجاج في هدمها ولعن الحجاج ولابن عيينة عن داود بن سابور عن مجاهد فرد الذي كان بن الزبير أدخل فيها من الحجر قال فقال عبد الملك وددنا أنا تركنا أبا خبيب وما تولى من ذلك وقد أخرج قصة ندم عبد الملك على ذلك مسلم من وجه آخر فعنده من طريق الوليد بن عطاء أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك في خلافته فقال ما أظن أبا خبيب يعني بن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمع منها فقال الحارث بلى أنا سمعته منها زاد عبد الرزاق عن بن جريج فيه وكان الحارث مصدقا لا يكذب فقال عبد الملك أنت سمعتها تقول ذلك قال نعم فنكت ساعة بعصاه وقال وددت أني تركته وما تحمل وأخرجها أيضا من طريق أبي قزعة قال بينما عبد الملك يطوف بالبيت إذ قال قاتل الله بن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين فذكر الحديث فقال له الحارث لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث بهذا فقال لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على بناء بن الزبير تنبيه جميع الروايات التي جمعتها هذه القصة متفقة على ان الزبير جعل الباب بالأرض ومقتضاه أن يكون الباب الذي زاده على سمته وقد ذكر الأزرقي أن جملة ما غيره الحجاج الجدار الذي من جهة الحجر والباب المسدود الذي في الجانب الغربي عن يمين الركن اليماني وما تحت عتبة الباب الأصلي وهو أربعة أذرع وشبر وهذا موافق لما في الروايات المذكورة لكن المشاهد الآن في ظهر الكعبة باب مسدود يقابل الباب الأصلي وهو في الإرتفاع مثله ومقتضاه أن يكون الباب الذي كان على عهد بن الزبير لم يكن لاصقا بالأرض فيحتمل أن يكون لاصقا كما صرحت به الروايات لكن الحجاج لما غيره رفعه ورفع الباب الذي يقابله أيضا ثم بدا له فسد الباب المجدد لكن لم أر النقل بذلك صريحا وذكر الفاكهي في أخبار مكة أنه شاهد هذا الباب المسدود من داخل الكعبة في سنة ثلاث وستين ومائتين فإذا هو مقابل باب الكعبة وهو بقدره في الطول والعرض وإذا في أعلاه كلاليب ثلاثة كما في الباب الموجود سواء فالله أعلم قوله فحزرت بتقديم الزاي على الراء أي قدرت قوله ستة أذرع أو نحوها قد ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الطريق الثانية وأنها أرجح الروايات وأن الجمع بين المختلف منها ممكن كما تقدم وهو أولى من دعوى الاضطراب والطعن في الروايات المقيدة لأجل الاضطراب كما جنح إليه بن الصلاح وتبعه النووي لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح أو الجمع ولم يتعذر ذلك هنا فيتعين حمل المطلق على المقيد كما هي قاعدة مذهبهما ويؤيده أن الأحاديث المطلقة والمقيدة متواردة على سبب واحد وهو أن قريشا قصروا عن بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأن بن الزبير أعاده على بناء إبراهيم وأن الحجاج أعاده على بناء قريش ولم تأت رواية قط صريحة أن جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت قال المحب الطبري في شرح التنبيه له والأصح أن القدر الذي في الحجر من البيت قدر سبعة أذرع والرواية التي جاء فيها أن الحجر من البيت مطلقة فيحمل المطلق على المقيد فإن إطلاق اسم الكل على البعض سائغ مجازا وإنما قال النووي ذلك نصرة لما رجحه من أن جميع الحجر من البيت وعمدته في ذلك أن الشافعي نص على إيجاب الطواف خارج الحجر ونقل بن عبد البر الإتفاق عليه ونقل غيره أنه لا يعرف في الأحاديث المرفوعة ولا عن أحد من الصحابة ومن بعدهم أنه طاف من داخل الحجر وكان عملا مستمرا ومقتضاه أن يكون جميع الحجر من البيت وهذا متعقب فإنه لا يلزم من إيجاب الطواف من ورائه أن يكون كله من البيت فقد نص الشافعي أيضا كما ذكره البيهقي في المعرفة أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع ونقله عن عدة من أهل العلم من قريش لقيهم كما تقدم فعلى هذا فلعله رأى إيجاب الطواف من وراء الحجر احتياطا وأما العمل فلا حجة فيه على الإيجاب فلعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده فعلوه استحبابا للراحة من تسور الحجر لا سيما والرجال والنساء يطوفون جميعا فلا يؤمن من المرأة التكشف فلعلهم أرادوا حسم هذه المادة وأما ما نقله المهلب عن بن أبي زيد أن حائط الحجر لم يكن مبنيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى كان عمر فبناه ووسعه قطعا للشك وأن الطواف قبل ذلك كان حول البيت ففيه نظر وقد أشار المهلب إلى أن عمدته في ذلك ما سيأتي في باب بنيان الكعبة في أوائل السيرة النبوية بلفظ لم يكن حول البيت حائط كانوا يصلون حول البيت حتى كان عمر فبنى حوله حائطا جدره قصيرة فبناه بن الزبير انتهى وهذا إنما هو في حائط المسجد لا في الحجر فدخل الوهم على قائله من هنا ولم يزل الحجر موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به كثير من الأحاديث الصحيحة نعم في الحكم بفساد طواف من دخل الحجر وخلى بينه وبين البيت سبعة أذرع نظر وقد قال بصحته جماعة من الشافعية كإمام الحرمين ومن المالكية كأبي الحسن اللخمي وذكر الأزرقي أن عرض ما بين الميزاب ومنتهى الحجر سبعة عشر ذراعا وثلث ذراع منها عرض جدار الحجر ذراعان وثلث وفي بطن الحجر خمسة عشر ذراعا فعلى هذا فنصف الحجر ليس من البيت فلا يفسد طواف من طاف دونه والله أعلم وأما قول المهلب إن الفضاء لا يسمى بيتا وإنما البيت البنيان لأن شخصا لو حلف لا يدخل بيتا فانهدم ذلك البيت فلا يحنث بدخوله فليس بواضح فإن المشروع من الطواف ما شرع للخليل بالاتفاق فعلينا أن نطوف حيث طاف ولا يسقط ذلك بانهدام حرم البيت لأن العبادات لا يسقط المقدور عليها منها بفوات المعجوز عنه فحرمة البقعة ثابتة ولو فقد الجدار وأما اليمين فمتعلقة بالعرف ويؤيده ما قلناه أنه لو انهدم مسجد فنقلت حجارته إلى موضع آخر بقيت حرمة المسجد بالبقعة التي كان بها ولا حرمة لتلك الحجارة المنقولة إلى غير مسجد فدل على أن البقعة أصل للجدار بخلاف العكس أشار إلى ذلك بن المنير في الحاشية وفي حديث بناء الكعبة من الفوائد غير ما تقدم ما ترجم عليه المصنف في العلم وهو ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر عنه فهم بعض الناس والمراد بالاختيار في عبارته المستحب وفيه اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة وإنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة وحديث الرجل مع أهله في الأمور العامة وحرص الصحابة على امتثال أوامر النبي صلى الله عليه وسلم تكميل حكى بن عبد البر وتبعه عياض وغيره عن الرشيد أو المهدي أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله بن الزبير فناشده مالك في ذلك وقال أخشى أن يصير ملعبة للملوك فتركه قلت وهذا بعينه خشية جدهم الأعلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأشار على بن الزبير لما أراد أم يهدم الكعبة ويجدد بناءها بأن يرم ما وهي منها ولا يتعرض لها بزيادة ولا نقص وقال له لا آمن أن يجيء من بعدك أمير فيغير الذي صنعت أخرجه الفاكهي من طريق عطاء عنه وذكر الأزرقي أن سليمان بن عبد الملك هم بنقض ما فعله الحجاج تم ترك ذلك لما ظهر له أنه فعله بأمر أبيه عبد الملك ولم أقف في شيء من التواريخ على أن أحدا من الخلفاء ولا من دونهم غير من الكعبة شيئا مما صنعه الحجاج إلى الآن إلا في الميزاب والباب وعتبته وكذا وقع الترميم في جدارها غير مرة وفي سقفها وفي سلم سطحها وجدد فيها الرخام فذكر الأزرقي عن بن جريج أن أول من فرشها بالرخام الوليد بن عبد الملك ووقع في جدارها الشامي ترميم في شهور سنة سبعين ومائتين ثم في شهور سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ثم في شهور سنة تسع عشرة وستمائة ثم في سنة ثمانين وستمائة ثم في سنة أربع عشرة وثمانمائة وقد ترادفت الأخبار الآن في وقتنا هذا في سنة اثنتين وعشرين أن جهة الميزاب فيها ما يحتاج إلى ترميم فاهتم بذلك سلطان الإسلام الملك المؤيد وأرجو من الله تعالى أن يسهل له ذلك ثم حججت سنة أربع وعشرين وتأملت المكان الذي قيل عنه فلم أجده في تلك البشاعة وقد رمم ما تشعث من الحرم في أثناء سنة خمس وعشرين إلى أن نقض سقفها في سنة سبع وعشرين على يدي بعض الجند فجدد لها سقفا ورخم السطح فلما كان سنة ثلاث وأربعين صار المطر إذا نزل ينزل إلى داخل الكعبة أشد مما كان أولا فأداه رأيه الفاسد إلى نقض السقف مرة أخرى وسد ما كان في السطح من الطاقات التي كان يدخل منها الضوء إلى الكعبة ولزم من ذلك امتهان الكعبة بل صار العمال يصعدون فيها بغير أدب فغار بعض المجاورين فكتب إلى القاهرة يشكو ذلك فبلغ السلطان الظاهر فأنكر أن يكون أمر بذلك وجهز بعض الجند لكشف ذلك فتعضب للأول بعض من جاور واجتمع الباقون رغبة ورهبة فكتبوا محضرا بأنه ما فعل شيئا إلا عن ملأ منهم وأن كل ما فعله مصلحة فسكن غضب السلطان وغطى عنه الأمر وقد جاء عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وهو بالتحتانية قبل الألف وبعدها معجمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذه الأمة لا تزال بخير ما عظموا هذه الحرمة يعني الكعبة حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا أخرجه أحمد وابن ماجة وعمر بن شبة في كتاب مكة وسنده حسن فنسأل الله تعالى الأمن من الفتن بحلمه وكرمه ومما يتعجب منه أنه لم يتفق الاحتياج في الكعبة إلى الإصلاح إلا فيما صنعه الحجاج إما من الجدار الذي بناه في الجهة الشامية وإما في السلم الذي جدده للسطح والعتبة وما عدا ذلك مما وقع فإنما هو لزيادة محضة كالرخام أو لتحسين كالباب والميزاب وكذا ما حكاه الفاكهي عن الحسن بن مكرم عن عبد الله بن بكر السهمي عن أبيه قال جاورت بمكة فعابت أي بالعين المهملة والباء الموحدة أسطوانة من أساطين البيت فأخرجت وجيء بأخرى ليدخلوها مكانها فطالت عن الموضع وأدركهم الليل والكعبة لا تفتح ليلا فتركوها ليعودوا من غد ليصلحوها فجاءوا من غد فأصابوها أقدم من قدح أي بكسر القاف وهو السهم وهذا إسناد قوي رجاله ثقات وبكر هو بن حبيب من كبار أتباع التابعين وكأن القصة كانت في أوائل دولة بني العباس وكانت الأسطوانة من خشب والله سبحانه وتعالى أعلم

قوله باب فضل الحرم أي المكي الذي سيأتي ذكر حدوده في باب لا يعضد شجر الحرم قوله وقوله تعالى إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها الآية وجه تعلقها بالترجمة من جهة إضافة الربوبية إلى البلدة فإنه على سبيل التشريف لها وهي أصل الحرم قوله أولم نمكن لهم حرما آمنا الآية روى النسائي في التفسير أن الحارث بن مر بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا فأنزل الله عز وجل ردا عليه أولم نمكن لهم حرما آمنا الآية أي أن الله جعلهم في بلد أمين وهم منه في أمان في حال كفرهم فكيف لا يكون أمنا لهم بعد أن أسلموا وتابعوا الحق وأورد المصنف في الباب حديث بن عباس أن هذا البلد حرمه الله أخرجه مختصرا وسيأتي بأتم من هذا السياق في باب لا يحل القتال بمكة ويأتي الكلام عليه مستوفى قريبا هناك إن شاء الله تعالى



قوله باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها وأن الناس في المسجد الحرام سواء خاصة لقوله تعالى إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء الآية أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف حديث علقمة بن نضلة قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من أحتاج سكن أخرجه بن ماجة وفي إسناده انقطاع وارسال وقال بظاهره بن عمر ومجاهد وعطاء قال عبد الرزاق عن بن جريج كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم فأخبرني أن عمر نهى أن تبوب دور مكة لأنها ينزل الحاج في عرصتها فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو واعتذر عن ذلك لعمر وروى الطحاوي من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد أنه قال مكة مباح لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها وروى عبد الرزاق من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن بن عمر لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها وبه قال الثوري وأبي حنيفة وخالفه صاحبه أبو يوسف واختلف عن محمد وبالجواز قال الجمهور واختاره الطحاوي ويجاب عن حديث علقمة على تقدير صحته بحمله على ما سيجمع به ما اختلف عن عمر في ذلك واحتج الشافعي بحديث أسامة الذي أورده البخاري في هذا الباب قال الشافعي فأضاف الملك إليه وإلى من إبتاعها منه وبقوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من دخل درا أبي سفيان فهو آمن فأضاف الدار إليه واحتج بن خزيمة بقوله تعالى للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم فنسب الله الديار إليهم كما نسب الأموال إليهم ولو كانت الديار ليست بملك لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج من دور ليست بملك لهم قال ولو كانت الدور التي باعها عقيل لا تملك لكان جعفر وعلي أولى بها إذ كانا مسلمين دونه وسيأتي في البيوع أثر عمر أنه اشترى دارا للسجن بمكة ولا يعارض ما جاء عن نافع عن بن عمر عن عمر أنه كان ينهى أن تغلق دور مكة في زمن الحاج أخرجه عبد بن حميد وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد أن عمر قال يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء وقد تقدم من وجه آخر عن عمر فيجمع بينهما بكراهة الكراء رفقا بالوفود ولا يلزم من ذلك منع البيع والشراء وإلى هذا جنح الإمام أحمد وأخرون واختلف عن مالك في ذلك قال القاضي إسماعيل ظاهر القران يدل على أن المراد به المسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة وقال الأبهري لم يختلف قول مالك وأصحابه في أن مكة فتحت عنوة واختلفوا هل من بها على أهلها لعظم حرمتها أو أقرت للمسلمين ومن ثم جاء الاختلاف في بيع دورها والكراء والراجح عند من قال أنها فتحت عنوة أن النبي صلى الله عليه وسلم من بها على أهلها فخالفت حكم غيرها من البلاد في ذلك ذكره السهيلي وغيره وليس الاختلاف في ذلك ناشئا عن هذه المسألة فقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله هنا المسجد الحرام هل هو الحرم كله أو مكان الصلاة فقط واختلفوا أيضا هل المراد بقوله سواء في الأمن والاحترام أو فيما هو أعم من ذلك وبواسطة ذلك نشأ الاختلاف المذكور أيضا قال بن خزيمة لو كان المراد بقوله تعالى سواء العاكف فيه والباد جميع الحرم وأن اسم المسجد الحرام واقع على جميع الحرم لما جاز حفر بئر ولا قبر ولا التغوط ولا البول ولا إلقاء الجيف والنتن قال ولا نعلم عالما منع من ذلك ولا كره لحائض ولا لجنب دخول الحرم ولا الجماع فيه ولو كان كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها ولا يقول بذلك أحد والله أعلم قلت والقول بأن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ورد عن بن عباس وعطاء ومجاهد أخرجه بن أبي حاتم وغيره عنهم والأسانيد بذلك كلها إليهم ضعيفة وسنذكر في باب فتح مكة من المغازي الراجح من الخلاف في فتحها صلحا أو عنوة إن شاء الله تعالى قوله البادي الطاري هو تفسير منه بالمعنى وهو مقتضى ما جاء عن بن عباس وغيره كما رواه عبد بن حميد وغيره وقال الإسماعيلي البادي الذي يكون في البدو وكذا من كان ظاهر البلد فهو باد ومعنى الآية أن المقيم والطارئ سيان وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة سواء العاكف فيه والباد قال سواء فيه أهل مكة وغيرهم قوله معكوفا محبوسا كذا وقع هنا وليست هذه الكلمة في الآية المذكورة وإنما هي في آية الفتح ولكن مناسبة ذكرها هنا قوله في هذه الآية العاكف والتفسير المذكور قاله أبو عبيدة في المجاز والمراد بالعاكف المقيم وروى الطحاوي من طريق سفيان عن أبي حصين قال أردت أن أعتكف وأنا بمكة فسألت سعيد بن جبير فقال أنت عاكف ثم قرأ هذه الآية

[ 1511 ] قوله عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان في رواية مسلم عن حرملة وغيره عن بن وهب أن علي بن الحسين أخبره أن عمرو بن عثمان أخبره قوله أين تنزل في دارك حذف أداة الاستفهام من قوله في دارك بدليل رواية بن خزيمة والطحاوي عن يونس عن عبد الأعلى عن بن وهب بلفظ أتنزل في دارك وكذا أخرجه الجوزقي من وجه آخر عن أصبغ شيخ البخاري فيه وللمصنف في المغازي من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري أين تنزل غدا فكأنه استفهمه أولا عن مكان نزوله ثم ظن أنه ينزل في داره فاستفهمه عن ذلك وظاهر هذه القصة أن ذلك كان حين أراد دخول مكة ويزيده وضوحا رواية زمعة بن صالح عن الزهري بلفظ لما كان يوم الفتح قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة قيل أين تنزل أفي بيوتكم الحديث وروى علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن حسين قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أين تنزل قال وهل ترك لنا عقيل من طل قال علي بن المديني ماأشك أن محمد بن علي بن الحسين أخذ هذا الحديث عن أبيه لكن في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك حين أراد أن ينفر من منى فيحمل على تعدد القصة قوله وهل ترك عقيل في رواية مسلم وغيره وهل ترك لنا قوله من رباع أو دور الرباع جمع ربع بفتح الراء وسكون الموحدة وهو المنزل المشتمل على أبيات وقيل هو الدار فعلى هذا فقوله أو دور إما للتأكيد أو من شك الرواي وفي رواية محمد بن أبي حفصة من منزل وأخرج هذا الحديث الفاكهي من طريق محمد بن أبي حفصة وقال في آخره ويقال أن الدار التي أشار إليها كانت دار هاشم بن عبد مناف ثم صارت لعبد المطلب ابنه فقسمها بين ولده حين عمر فمن ثم صار للنبي صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم قوله وكان عقيل الخ محصل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة وفقد طالب ببدر فباع عقيل الدار كلها وحكى الفاكهي أن الدار لم تزل بأولاد عقيل إلى أن باعوها لمحمد بن يوسف أخى الحجاج بمائة ألف دينار وزاد في روايته من طريق محمد بن أبي حفصة فكان علي بن الحسين يقول من أجل ذلك تركنا نصيبنا من الشعب أي حصة جدهم علي من أبيه أبي طالب وقال الداودي وغيره كان من هاجر من المؤمنين باع قريبه الكافر داره وأمضى النبي صلى الله عليه وسلم تصرفات الجاهلية تأليفا لقلوب من أسلم منهم وسيأتي في الجهاد مزيد بسط في هذه المسألة إن شاء الله تعالى وقال الخطابي وعندي أن تلك الدار إن كانت قائمة على ملك عقيل فإنما لم ينزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها دور هجروها في الله تعالى فلم يرجعوا فيما تركوه وتعقب بأن سياق الحديث يقتضي أن عقيلا باعها ومفهومه أنه لو تركها لنزلها قوله فكان عمر في رواية أحمد بن صالح عن بن وهب عند الإسماعيلي فمن أجل ذلك كان عمر يقول وهذا القدر الموقوف على عمر قد ثبت مرفوعا بهذا الإسناد وهو عند المصنف في المغازي من طريق محمد بن أبي حفصة ومعمر عن الزهري وأخرجه مفردا في الفرائض من طريق بن جريج عنه وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى ويختلج في خاطري أن القائل وكان عمر الخ هو بن شهاب فيكون منقطعا عن عمر قوله قال بن شهاب وكانوا يتأولون الخ أي كانوا يفسرون قوله تعالى بعضهم أولياء بعض بولاية الميراث أي يتولى بعضهم بعضا في الميراث وغيره

قوله باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة أي موضع نزوله ووقع هنا في نسخة الصغاني قال أبو عبد الله نسبت الدور إلى عقيل وتورث الدور وتباع وتشترى قلت والمحل اللائق بهذه الزيادة الباب الذي قبله لما تقدم تقريره والله أعلم

[ 1512 ] قوله حين أراد قدوم مكة بين في الرواية التي بعدها أن ذلك كان حين رجوعه من منى قوله إن شاء الله تعالى هو على سبيل التبرك والامتثال للآية قوله في الطريق الثانية عن أبي سلمة في رواية مسلم عن زهير بن حرب عن الوليد بن مسلم بسنده حدثني أبو سلمة حدثنا أبو هريرة قوله يعني بذلك المحصب في رواية المستملي يعني ذلك والأول أصح ويختلج في خاطري أن جميع ما بعد قوله يعني المحصب إلى آخر الحديث من قول الزهري أدرج في الخبر فقد رواه شعيب كما في هذا الباب وإبراهيم بن سعد كما سيأتي في السيرة ويونس كما سيأتي في التوحيد كلهم عن بن شهاب مقتصرين على الموصول منه إلى قوله على الكفر ومن ثم لم يذكر مسلم في روايته شيئا من ذلك قوله وذلك أن قريشا وكنانة فيه إشعار بأن في كنانة من ليس قرشيا إذ العطف يقتضي المغايرة فيترجح القول بأن قريشا من ولد فهر بن مالك على القول بأنهم ولد كنانة نعم لم يعقب النضر غير مالك ولا مالك غير فهر فقريش ولد النضر بن كنانة وأما كنانة فأعقب من غير النضر فلهذا وقعت المغايرة قوله تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب كذا وقع عنده بالشك ووقع عند البيهقي من طريق أخرى عن الوليد وبني المطلب بغير شك فكأن الوهم منه فسيأتي على الصواب ويأتي شرحه في أواخر الباب قوله أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم في رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي عند أحمد أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم وفي رواية داود بن رشيد عن الوليد عند الإسماعيلي وأن لا يكون بينهم وبينهم شيء وهي أعم وهذا هو المراد بقوله في الحديث على الكفر قوله حتى يسلموا بضم أوله واسكان المهملة وكسر اللام قوله وقال سلامة عن عقيل وصله بن خزيمة في صحيحه من طريقه قوله ويحيى بن الضحاك عن الأوزاعي وقع في رواية أبي ذر وكريمة ويحيى عن الضحاك وهو وهم وهو يحيى بن عبد الله بن الضحاك نسب لجده البابلتي بموحدتين وبعد اللام المضمومة مثناة مشددة نزيل حران وليس له في البخاري إلا هذا الموضع ويقال أنه لم يسمع من الأوزاعي ويقال إن الأوزاعي كان زوج أمه وطريقه هذه وصلها أبو عوانة في صحيحه والخطيب في المدرج وقد تابعه على الجزم بقوله بني هاشم وبني المطلب محمد بن مصعب عن الأوزاعي أخرجه أحمد وأبو عوانة أيضا وسيأتي شرح هذه القصة في السيرة النبوية إن شاء الله تعالى

قوله باب قول الله عز وجل وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني إلى قوله لعلهم يشكرون لم يذكر في هذه الترجمة حديثا وكأنه أشار إلى حديث بن عباس في قصة اسكان إبراهيم لهاجر وابنها في مكان مكة وسيأتي مبسوطا في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى ووقع في شرح بن بطال ضم هذا الباب إلى الذي بعده فقال بعد قوله يشكرون وقول الله جعل الله الكعبة البيت الحرام الخ ثم قال فيه أبو هريرة فذكر أحاديث الباب الثاني

قوله باب قول الله تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس إلى قوله عليم كأنه يشير إلى أن المراد بقوله قياما أي قواما وأنها ما دامت موجودة فالدين قائم ولهذه النكتة أورد في الباب قصة هدم الكعبة في آخر الزمان وقد روى بن أبي حاتم بإسناد صحيح عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية فقال لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة وعن عطاء قال قياما للناس لو تركوه عاما لم ينظروا أن يهلكوا ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أولها حديث أبي هريرة يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده ثانيها حديث عائشة في صيام عاشوراء قبل نزول فرض رمضان وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد في آخر كتاب الصيام والمقصود منه هنا قوله في هذه الطريق وكان يوما تستر فيه الكعبة فإنه يفيد أن الجاهلية كانوا يعظمون الكعبة قديما بالستور ويقومون بها وعرف بهذا جواب الإسماعيلي في قوله ليس في الحديث مما ترجم به شيء سوى بيان اسم الكعبة المذكورة في الآية ويستفاد من الحديث أيضا معرفة الوقت الذي كانت الكعبة تكسى فيه من كل سنة وهو يوم عاشوراء وكذا ذكر الواقدي بإسناده عن أبي جعفر الباقر أن الأمر استمر على ذلك في زمانهم وقد تغير ذلك بعد فصارت تكسى في يوم النحر وصاروا يعمدون إليه في ذي القعدة فيعلقون كسوته إلى نحو نصفه ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم فإذا حل الناس يوم النحر كسوه الكسوة الجديدة تنبيه قال الإسماعيلي جمع البخاري بين رواية عقيل وابن أبي حفصة في المتن وليس في رواية عقيل ذكر الستر ثم ساقه بدونه من طريق عقيل وهو كما قال وعادة البخاري التجوز في مثل هذا وقد رواه الفاكهي من طريق بن أبي حفصة فصرح بسماع الزهري له عن عروة ثالثها حديث أبي سعيد الخدري في حج البيت بعد يأجوج ومأجوج أورده موصولا من طريق إبراهيم وهو بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج وهو الباهلي البصري عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عنه وقال بعده سمع قتادة عبد الله بن أبي عتبة وعبد الله سمع أبا سعيد الخدري وغرضه بهذا أنه لم يقع فيه تدليس وهل أراد بهذا أن كلا منهما سمع هذا الحديث بخصوصه أو في الجملة فيه احتمال وقد وجدته من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة مصرحا بسماع قتادة من عبد الله بن أبي عتبة في حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها وهو عند أحمد وعند أبي عوانة في مستخرجه من وجه آخر

[ 1516 ] قوله ليحجن بضم أوله وفتح المهملة والجيم قوله تابعه أبان وعمران عن قتادة أي على لفظ المتن فأما متابعة أبان وهو بن يزيد العطار فوصلها الإمام أحمد عن عفان وسويد بن عمرو الكلبي وعبد الصمد بن عبد الوارث ثلاثتهم عن أبان فذكر مثله وأما متابعة عمران وهو القطان فوصلها أحمد أيضا عن سليمان بن داود وهو الطيالسي عنه وكذا أخرجه بن خزيمة وأبو يعلى من طريق الطيالسي وقد تابع هؤلاء سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أخرجه عبد بن حميد عن روح بن عبادة عنه ولفظه أن الناس ليحجون ويعتمرون ويغرسون النخل بعد خروج يأجوج ومأجوج قوله فقال عبد الرحمن يعني بن مهدي قوله عن شعبة يعني عن قتادة بهذا السند قوله لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت وصله الحاكم من طريق أحمد بن حنبل عنه قال البخاري والأول أكثر أي لإتفاق من تقدم ذكره على هذا اللفظ وانفراد شعبة بما يخالفهم وإنما قال ذلك لأن ظاهرهما التعارض لأن المفهوم من الأول أن البيت يحج بعد أشراط الساعة ومن الثاني أنه لا يحج بعدها ولكن يمكن الجمع بين الحديثين فإنه لا يلزم من حج الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة ويظهر والله أعلم أن المراد بقوله ليحجن البيت أي مكان البيت لما سيأتي بعد باب أن الحبشة إذا خربوه لم يعمر بعد ذلك

قوله باب كسوة الكعبة أي حكمها في التصرف فيها ونحو ذلك

[ 1517 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري في الطريقين وإنما قدم الأولى مع نزولها لتصريح سفيان بالتحديث فيها وأما بن عيينة فلم يسمعه من واصل بل رواه عن الثوري عنه أخرجه بن خزيمة من طريقه قوله جلست مع شيبة هو بن عثمان بن طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن قصي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة نسبة إلى حجب الكعبة يكنى أبا عثمان قوله على الكرسي في رواية عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الشيباني عند بن ماجة والطبراني بهذا السند بعث معي رجل بدراهم هدية إلى البيت فدخلت البيت وشيبة جالس على كرسي فناولته إياها فقال لك هذه فقلت لا ولو كانت لي لم آتك بها قال إما إن قلت ذلك فقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي أنت فيه فذكره قوله فيها أي الكعبة قوله صفراء ولا بيضاء أي ذهبا ولا فضة قال القرطبي غلط من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة وإنما أراد الكنز الذي بها وهو ما كان يهدى إليها فيدخر ما يزيد عن الحاجة وأما الحلي فمحبسة عليها كالقناديل فلا يجوز صرفها في غيرها وقال بن الجوزي كانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال تعظيما لها فيجتمع فيها قوله إلا قسمته أي المال وفي رواية عمر بن شبة في كتاب مكة عن قبيصة شيخ البخاري فيه إلا قسمتها وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند المصنف في الاعتصام إلا قسمتها بين المسلمين وعند الإسماعيل من هذا الوجه لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين ومثله في رواية المحاربي المذكورة قوله قلت إن صاحبيك لم يفعلا في رواية بن المهدي المذكورة قلت ما أنت بفاعل قال لم قلت لم يفعله صاحباك وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه وكذا المحاربي قال ولم ذاك قلت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر وهما أحوج منك الى المال فلم يحركاه قوله هما المرآن تثنية مرء بفتح الميم ويجوز ضمها والراء ساكنة على كل حال بعدها همزة أي الرجلان قوله اقتدى بهما في رواية عمر بن شبة تكرير قوله المرآن اقتدى بهما وفي رواية بن مهدي في الاعتصام يقتدي بهما على البناء للمجهول وفي رواية الإسماعيلي والمحاربي فقام كما هو وخرج ودار نحو هذه القصة بين عمر أيضا وأبي بن كعب أخرجه عبد الرزاق وعمر بن شبة من طريق الحسن إن عمر أراد أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله فقال له أبي بن كعب قد سبقك صاحباك فلو كان فضلا لفعلاه لفظ عمر بن شبة وفي رواية عبد الرزاق فقال له أبي بن كعب والله ما ذاك لك قال ولم قال أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بن بطال أراد عمر لكثرته إنفاقه في منافع المسلمين ثم لما ذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض له أمسك وإنما تركا ذلك والله أعلم لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف فلا يجوز تغييره عن وجهه وفي ذلك تعظيم الإسلام وترهيب العدو قلت أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث بل يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وسلم لذلك رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ويؤيده ما وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشة في بناء الكعبة لأنفقت كنز الكعبة ولفظه لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض الحديث فهذا التعليل هو المعتمد وحكى الفاكهي في كتاب مكة أنه صلى الله عليه وسلم وجد فيها يوم الفتح ستين أوقية فقيل له لو استعنت بها على حربك فلم يحركه وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز لابن الزبير بناؤها على قواعد إبراهيم لزوال سبب الامتناع ولولا قوله في الحديث في سبيل الله لأمكن أن يحمل الإنفاق على ما يتعلق بها فيرجع إلى أن حكمه حكم التحبيس ويمكن أن يحمل قوله في سبيل الله على ذلك لأن عمارة الكعبة يصدق عليه أنه في سبيل الله واستدل التقي السبكي بحديث الباب على جواز تعليق قناديل الذهب والفضة في الكعبة ومسجد المدينة فقال هذا الحديث عمدة في مال الكعبة وهو ما يهدى إليها أو ينذر لها قال وأما قول الرافعي لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة ولا تعليق قناديلها فيها حكى الوجهين في ذلك أحدهما الجواز تعظيما كما في المصحف والآخر المنع إذ لم ينقل من فعل السلف فهذا مشكل لأن للكعبة من التعظيم ما ليس لبقية المساجد بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج وفي جواز الستر المساجد بذلك خلاف ثم تمسك للجواز بما وقع في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي قال ولم ينكر ذلك عمر بن عبد العزيز ولا أزاله في خلافته ثم استدل للجواز بأن تحريم استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما قال وليس في تحلية المساجد بالقناديل الذهب شيء من ذلك وقد قال الغزالي من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن فإنه لم يثبت في الذهب إلا تحريمه على الأمة فيما ينسب للذهب وهذا بخلافه فيبقى على أصل الحل ما لم ينته إلى الإسراف انتهى وتعقب بأن تجويز ستر الكعبة بالديباج قام الإجماع عليه وأما التحلية بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدي به والوليد لا حجة في فعله وترك عمر بن عبد العزيز النكير أو الإزالة يحتمل عدة معان فلعله كان لا يقدر على الإنكار خوفا من سطوة الوليد ولعله لم يزلها لأنه لا يتحصل منها شيء ولا سيما إن كان الوليد جعل في الكعبة صفائح فلعله رأى أن تركها أولى لأنها صارت في حكم المال الموقوف فكأنه أحفظ لها من غيره وربما أدى قلعه إلى إزعاج بناء الكعبة فتركه ومع هذه الاحتمالات لا يصلح الاستدلال بذلك للجواز وقوله أن الحرام من الذهب إنما هو استعماله في الأكل والشرب إلخ هو متعقب بأن استعمال كل شيء بحسبه واستعمال قناديل الذهب هو تعليقها للزينة وأما استعمالها للإيقاد فممكن على بعد وتمسكه بما قاله الغزالي يشكل عليه بأن الغزالي قيده بما لم بنته إلى الإسراف والقنديل الواحد من الذهب يكتب تحلية عدة مصاحف وقد أنكر السبكي على الرافعي تمسكه في المنع بكون ذلك لم ينقل عن السلف وجوابه أن الرافعي تمسك بذلك مضموما إلى شيء آخر وهو أنه قد صح النهي عن استعمال الحرير والذهب فلما استعمل السلف الحرير في الكعبة دون الذهب مع عنايتهم بها وتعظيمها دل على أنه بقي عندهم على عموم النهي وقد نقل الشيخ الموفق الإجماع على تحريم استعمال أواني الذهب والقناديل من الأواني بلا شك واستعمال كل شيء بحسبه والله أعلم تنبيه قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب لكسوة الكعبة ذكر يعني فلا يطابق الترجمة وقال بن بطال معنى الترجمة صحيح ووجهها أنه معلوم أن الملوك في كل زمان كانوا يتفاخرون بكسوة الكعبة برفيع الثياب المنسوجة بالذهب وغيره كما يتفاخرون بتسبيل الأموال لها فأراد البخاري أن عمر لما رأى قسمة الذهب والفضة صوابا كان حكم الكسوة حكم المال تجوز قسمتها بل ما فضل من كسوتها أولى بالقسمة وقال بن المنير في الحاشية يحتمل أن يمكون مقصوده التنبيه على أن كسوة الكعبة مشروع والحجة فيه أنها لم تزل تقصد بالمال يوضع فيها على معنى الزينة إعظاما لها فالكسوة من هذا القبيل قال ويحتمل أن يكون أراد ما في بعض طرق الحديث كعادته ويكون هناك طريق موافقة للترجمة إما لخلل شرطها وإما لتبحر الناظر في ذلك وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون أخذه من قول عمر لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة فالمال يطلق على كل شيء فيدخل فيه الكسوة وقد ثبت في الحديث ليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت قال ويحتمل أيضا فذكر نحو ما قال بن بطال وزاد فأراد التنبيه على أنه موضع اجتهاد وإن رأى عمر جواز التصرف في المصالح وأما الترك الذي احتج به عليه شيبة فليس صريحا في المنع والذي يظهر جواز قسمة الكسوة العتيقة إذ في بقائها تعريض لإتلافها ولا جمال في كسوة عتيقة مطوية قال ويؤخذ من رأي عمر أن صرف المال في المصالح آكد من صرفه في كسوة الكعبة لكن الكسوة في هذه الأزمنة أهم قال واستدلال بن بطال بالترك على إيجاب بقاء الأحباس لا يتم إلا إن كان القصد بمال الكعبة إقامتها وحفظ أصولها إذا احتيج إلى ذلك ويحتمل أن يكون القصد منه منفعة أهل الكعبة وسدنتها أو إرصاده لمصالح الحرم أو لأعم من ذلك وعلى كل تقدير فهو تحبيس لا نظير له فلا يقاس عليه انتهى ولم أر في شيء من طريق حديث شيبة هذا ما يتعلق بالكسوة إلا أن الفاكهي روى في كتاب مكة من طريق علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي شيبة الحجبي فقال يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تجتمع عندنا فتكثر فننزعها ونحفر بئارا فنعمقها وندفنها لكي لا تلبسها الحائض والجنب قالت بئسما صنعت ولكن بعها فاجعل منها في سبيل الله وفي المساكين فإنها إذا نزعت عنها لم يضر من لبسها من حائض أو جنب فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع له فيضعها حيث أمرته وأخرجه البيهقي من هذا الوجه لكن في إسناده راو ضعيف وإسناد الفاكهي سالم منه وأخرج الفاكهي أيضا من طريق بن خيثم حدثني رجل من بني شيبة قال رأيت شيبة بن عثمان يقسم ما سقط من كسوة الكعبة على المساكين وأخرج من طريق بن أبي نجيح عن أبيه أن عمر كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج فلعل البخاري أشار إلى شيء من ذلك فصل في معرفة بدء كسوة البيت روى الفاكهي من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه سمعه يقول زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب أسعد وكان أول من كسا البيت الوصائل ورواه الواقدي عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عنه ومن وجه آخر عن عمر موقوفا وروى عبد الرزاق عن بن جريج قال بلغنا أن تبعا أول من كسا الكعبة الوصائل فسترت بها قال وزعم بعض علمائنا أن أول من كسا الكعبة إسماعيل عليه السلام وحكى الزبير بن بكار عن بعض علمائهم أن عدنان أول من وضع أنصاب الحرم وأول من كسا الكعبة أو كسيت في زمنه وحكى البلاذري أن أول من كساها الأنطاع عدنان بن أد وروى الواقدي أيضا عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال كسى البيت في الجاهلية الأنطاع ثم كساه رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية ثم كساه عمر وعثمان القباطي ثم كساه الحجاج الديباج وروى الفاكهي بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب قال لما كان عام الفتح أتت امرأة تجمر الكعبة فاحترقت ثيابها وكانت كسوة المشركين فكساها المسلمون بعد ذلك وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن حسن هو بن صالح عن ليث هو بن أبي سليم قال كانت كسوة الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم المسوح والإنطاع ليث ضعيف والحديث معضل وقال أبو بكر أيضا حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عجوز من أهل مكة قالت أصيب بن عفان وأنا بنت أربع عشرة سنة قالت ولقد رأيت البيت وما عليه كسوة إلا ما يكسوه الناس الكساء الأحمر يطرح عليه والثوب الأبيض وقال بن إسحاق بلغني أن البيت لم يكسى في عهد أبي بكر ولا عمر يعني لم يجدد له كسوة وروى الفاكهي بإسناد صحيح عن بن عمر أنه كان يكسو بدنه القباطي والحبرات يوم يقلدها فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها على الكعبة زاد في رواية صحيحة أيضا فلما كست الأمراء الكعبة جللها القباطي ثم تصدق بها وهذا يدل على أن الأمر كان مطلقا للناس ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت سألت عائشة أنكسو الكعبة قالت الأمراء يكفونكم وروى عبد الرزاق عن الأسلمي هو إبراهيم بن أبي يحيى عن هشام بن عروة أن أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير وإبراهيم ضعيف وتابعه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف أيضا أخرجه الزبير عنه عن هشام وروى الواقدي عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر الباقر قال كساها يزيد بن معاوية الديباج وإسحاق بن أبي فروة ضعيف وقال عبد الرزاق عن بن جريج أخبرت أن عمر كان يكسوها القباطي وأخبرني غير واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كساها القباطي والحبرات وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من كساها الديباج عبد الملك بن مروان وأن من أدرك ذلك من الفقهاء قالوا أصاب ما نعلم لها من كسوة أوفق منه وروى أبو عروبة في الأوائل له عن الحسن قال أول من لبس الكعبة القباطي النبي صلى الله عليه وسلم وروى الفاكهي في كتاب مكة من طريق مسعر عن جسرة قال أصاب خالد بن جعفر بن كلاب لطيمة في الجاهلية فيها نمط من ديباج فأرسل به إلى الكعبة فنيط عليها فعلى هذا هو أول من كسا الكعبة الديباج وروى الدارقطني في المؤتلف أن أول من كسا الكعبة الديباج نتيلة بنت جناب والدة العباس بن عبد المطلب كانت أضلت العباس صغيرا فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج وذكر الزبير بن بكار أنها أضلت ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت فرده عليها رجل من جذام فكست الكعبة ثيابا بيضا وهذا محمول على تعدد القصة وحكى الأزرقي أن معاوية كساها الديباج والقباطي والحبرات فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء والقباطي في آخر رمضان فحصلنا في أول من كساها مطلقا على ثلاثة أقوال إسماعيل وعدنان وتبع وهو أسعد المذكور في الرواية الأولى ولا تعارض بين ما روي عنه أنه كساها الأنطاع والوصائل لأن الأزرقي حكى في كتاب مكة أي تبعا أرى في المنام أن يكسو الكعبة فكساها الأنطاع ثم أري أن يكسوها فكساها الوصائل وهو ثياب حبرة من عصب اليمن ثم كساها الناس بعده في الجاهلية ويجمع بين الأقوال الثلاثة إن كانت ثابتة بأن إسماعيل أول من كساها مطلقا وأما تبع فأول من كساها ما ذكر وأما عدنان فلعله أول من كساها بعد إسماعيل وسيأتي في أوائل غزوة الفتح ما يشعر أنها كانت تكسى في رمضان وحصلنا في أول من كساها الديباج على ستة أقوال خالد أو نتيلة أو معاوية أو يزيد أو بن الزبير أو الحجاج ويجمع بينها بأن كسوة خالد ونتيلة لم تشملها كلها وإنما كان فيما كساها شيء من الديباج وأما معاوية فلعله كساها في آخر خلافته فصادف ذلك خلافة ابنه يزيد وأما بن الزبير فكأنه كساها ذلك بعد تجديد عمارتها فأوليته بذلك الاعتبار لكن لم يداوم على كسوتها الديباج فلما كساها الحجاج بأمر عبد الملك استمر ذلك فكأنه أول من داوم على كسوتها الديباج في كل سنة وقول بن جريج أو من كساها ذلك عبد الملك يوافق القول الأخير فإن الحجاج إنما كساها بأمر عبد الملك وقول بن إسحاق إن أبا بكر وعمر لم يكسيا الكعبة فيه نظر لما تقدم عن بن أبي نجيح عن أبيه أن عمر كان ينزعها كل سنة لكن يعارض ذلك ما حكاه الفاكهي عن بعض المكيين أن شيبة بن عثمان استأذن معاوية في تجريد الكعبة فأذن له فكان أول من جردها من الخلفاء وكانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئا فوق شيء وقد تقدم سؤال شيبة لعائشة أنها تجتمع عندهم فتكثر وذكر الأزرقي أن أول من ظاهر الكعبة بين كسوتين عثمان بن عفان وذكر الفاكهي أن أول من كساها الديباج الأبيض المأمون بن الرشيد واستمر بعده وكسيت في أيام الفاطميين الديباج الأبيض وكساها محمد بن سبكتكين ديباجا أصفر وكساها الناصر العباسي ديباجا أخضر ثم كساها ديباجا أسود فاستمر إلى الآن ولم تزل الملوك يتداولون كسوتها إلى أن وقف عليها الصالح إسماعيل بن الناصر في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة قرية من نواحي القاهرة يقال لها بياسوس كان اشترى الثلثين منها من وكيل بيت المال ثم وقفها كلها على هذه الجهة فاستمر ولم تزل تكسى من هذا الوقف إلى سلطنة الملك المؤيد شيخ سلطان العصر فكساها من عنده سنة لضعف وقفها ثم فوض أمرها إلى بعض أمنائه وهو القاضي زين الدين عبد الباسط بسط الله له في رزقه وعمره فبالغ في تحسينها بحيث يعجز الواصف عن صفة حسنها جزاه الله على ذلك أفضل المجازاة وحاول ملك الشرق شاه روخ في سلطنة الأشرف برسباي أن يأذن له في كسوة الكعبة فامتنع فعاد راسله أن يأذن له أن يكسوها من داخلها فقط فأبى فعاد راسله أن يرسل الكسوة إليه ويرسلها إلى الكعبة ويكسوها ولو يوما واحدا واعتذر بأنه نذر أن يكسوها ويريد الوفاء بنذره فاستفتى أهل العصر فتوقفت عن الجواب وأشرت إلى أنه إن خشي منه الفتنة فيجاب دفعا للضرر وتسرع جماعة إلى عدم الجواز ولم يستندوا إلى طائل بل إلى موافقة هوى السلطان ومات الأشرف على ذلك

قوله باب هدم الكعبة أي في آخر الزمان قوله وقالت عائشة في رواية غير أبي ذر قالت بحذف الواو وهذا طرف من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع بن جبير عنها بلفظ يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم وسيأتي الكلام عليه هناك ومناسبته لهذه الترجمة من جهة أن فيه إشارة إلى أن غزو الكعبة سيقع فمرة يهلكهم الله قبل الوصول إليها وأخرى يمكنهم والظاهر أن غزو الذين يخربونه متأخر عن الأولين

[ 1518 ] قوله عبيد الله بن الأخنس بمعجمه ونون ثم مهملة وزن الأحمر وعبيد الله بالتصغير كوفي يكنى أبا مالك قوله كأني به كذا في جميع الروايات عن بن عباس في هذا الحديث والذي يظهر أن في الحديث شيئا حذف ويحتمل أن يكون هو ما وقع في حديث علي عند أبي عبيد في غريب الحديث من طريق أبي العالية عن علي قال استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه فكأني برجل من الحبشة أصلع أو قال أصمع حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم ورواه الفاكهي من هذا الوجه ولفظه أصعل بدل أصلع وقال قائما عليها يهدمها بمسحاته ورواه يحيى الحماني في مسنده من وجه آخر عن علي مرفوعا قوله كأني به أسود أفحج بوزن أفعل بفاء ثم حاء ثم جيم والفحج تباعد ما بين الساقين قال الطيبي وفي إعرابه أوجه قيل هو حال من خبر كان وهو باعتبار المعنى الذي أشبه بالفعل وقيل هما حالان من خبر كان وذو الحال إما المستقر المرفوع أو المجرور والثاني أشبه أو هما بدلان من الضمير المجرور وعلى كل حال يلزم إضمار قبل الذكر وهو مبهم يفسره ما بعده كقولك رأيته رجلا وقيل هما منصوبان على التمييز وقوله حجرا حجرا حال كقولك بوبتة بابا بابا وقوله في حديث علي أصلع أو أصعل أو أصمع الأصلع من ذهب شعر مقدم رأسه والأصلع الصغير الرأس والأصمع الصغير الأذنين وقوله حمش الساقين بحاء مهملة وميم ساكنة ثم معجمة أي دقيق الساقين وهو موافق لقوله في رواية أبي هريرة ذو السويقتين كما سيأتي في الحديث الذي بعده قوله يقلعها حجرا حجرا زاد الإسماعيلي والفاكهي في آخره يعني الكعبة

[ 1519 ] قوله عن بن شهاب كذا رواه الليث عن يونس وتابعه عبد الله بن وهب عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج وخالفهما بن المبارك فرواه عن يونس عن الزهري فقال عن سحيم مولى بني زهرة عن أبي هريرة رواه الفاكهي نم طريق نعيم بن حماد عن بن المبارك فإن كان محفوظا فيكون للزهري فيه شيخان عن أبي هريرة قوله ذو السويقتين تثنية سويقة وهي تصغير ساق أي له ساقان دقيقتان قوله من الحبشة أي رجل من الحبشة ووقع هذا الحديث عند أحمد من طريق سعيد بن سمعان عن أبي هريرة بأتم من هذا السياق ولفظه يبايع للرجل بين الركن والمقام ولن يستحل هذا البيت إلا أهله فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب ثم يجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا وهم الذين يستخرجون كنزه ولأبي قرة في السنن من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة ونحوه لأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وزاد أحمد والطبراني من طريق مجاهد عنه فيسلبها حليتها ويجردها من كسوتها كأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته أو بمعوله وللفاكهي من طريق مجاهد نحوه وزاد قال مجاهد فلما هدم بن الزبير الكعبة جئت أنظر إليه هل أرى الصفة التي قال عبد الله بن عمرو فلم أرها قيل هذا الحديث يخالف قوله تعالى أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ولأن الله حبس عن مكة الفيل ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ولم تكن إذ ذاك قبلة فكيف يسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلة للمسلمين وأجيب بأن ذلك محمول على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة حيث لا يبقى في الأرض أحد يقول الله الله كما ثبت في صحيح مسلم لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان لا يعمر بعده أبدا وقد وقع قبل ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية ثم من بعده في وقائع كثيرة من أعظمها وقعة القرامطة بعد الثلاثمائة فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرة وقلعوا الحجر الأسود فحولوه إلى بلادهم ثم أعادوه بعد مدة طويلة ثم غزى مرارا بعد ذلك وكل ذلك لا يعارض قوله تعالى أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين فهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم ولن يستحل هذا البيت إلا أهله فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو من علامات نبوته وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها والله أعلم

قوله باب ما ذكر في الحجر الأسود أورد فيه حديث عمر في تقبيل الحجر وقوله

[ 1520 ] لا تضر ولا تنفع وكأنه لم يثبت عنده فيه على شرطه شيء غير ذلك وقد وردت فيه أحاديث منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس آله نورهما ولولا ذلك لأضاء ما بين المشرق والمغرب أخرجه أحمد والترمذي وصححه بن حبان وفي إسناده رجاء أبو يحيى وهو ضعيف قال الترمذي حديث غريب ويروي عن عبد الله بن عمرو موقوفا وقال بن أبي حاتم عن أبيه وقفه أشبه والذي رفعه ليس بقوي ومنها حديث بن عباس مرفوعا نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم أخرجه الترمذي وصححه وفيه عطاء بن السائب وهو صدوق لكنه اختلط وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه لكن له طريق أخرى في صحيح بن خزيمة فيقوى بها وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصرا ولفظه الحجر الأسود من الجنة وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط وفي صحيح بن خزيمة أيضا عن أبن عباس مرفوعا أن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق وصححه أيضا بن حبان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضا قوله عن إبراهيم هو بن يزيد النخعي وقد رواه سفيان وهو الثوري بإسناد آخر عن إبراهيم وهو بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة عن عمر أخرجه مسلم قوله اني أعلم إنك حجر في رواية أسلم الآتية بعد باب عن عمر أنه قال أما والله إني لأعلم أنك قوله لا تضر ولا تنفع أي إلا بإذن الله وقد روى الحاكم من حديث أبي سعيد أن عمر لما قال هذا قال له علي بن أبي طالب إنه يضر وينفع وذكر أن الله لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر قال وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد وفي إسناده أبو هارون العبدي وهو ضعيف جدا وقد روى النسائي من وجه آخر ما يشعر بأن عمر رفع قوله ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه من طريق طاوس عن بن عباس قال رأيت عمر قبل الحجر ثلاثا ثم قال إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك قال الطبري إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه أتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان وقال المهلب حديث عمر هذا يرد على من قال أن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده ومعاذ الله أن يكون لله جارحة وإنما شرع تقبيله اختيارا ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لآدم وقال الخطابي معنى أنه يمين الله في الأرض أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد وجرت العادة بأن العهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به فخاطبهم بما يعهدونه وقال المحب الطبري معناه أن كل ملك إذا قدم عليه الوافد قبل يمينه فلما كان الحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله نزل منزلة يمين الملك ولله المثل الأعلى وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الأتباع فيما لم يكشف عن معانيها وهو قاعدة عظيمة في أتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته وفيه بيان السنن بالقول والفعل وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك وسيأتي بقية الكلام على التقبيل والاستلام بعد تسعة أبواب قال شيخنا في شرح الترمذي فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله وأما قول الشافعي ومهما قبل من البيت فحسن فلم يرد به الاستحباب لأن المباح من جملة الحسن عند الأصوليين تكميل اعترض بعض الملحدين على الحديث الماضي فقال كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد وأجيب بما قال بن قتيبة لو شاء الله لكان كذلك وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ على العكس من البياض وقال المحب الطبري في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد قال وروى عن بن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة فإن ثبت فهذا هو الجواب قلت أخرجه الحميدي في فضائل مكة بإسناد ضعيف والله أعلم

قوله باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء أورد فيه حديث بن عمر عن بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين العمودين وتعقب بأنه يغاير الترجمة من جهة أنها تدل على التخيير والفعل المذكور يدل على التعيين وأجيب بأنه حمل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع بعينه على سبيل الاتفاق لا على سبيل القصد لزيادة فضل في ذلك المكان على غيره ويحتمل أن يكون مراده أن ذلك الفعل ليس حتما وإن كانت الصلاة في تلك البقعة التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من غيرها ويؤيده ما سيأتي في الباب الذي يليه من تصريح بن عمر بنص الترجمة مع كونه كان يقصد المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه لفضله وكأن المصنف أشار بهذه الترجمة الى الحكمة في إغلاق الباب حينئذ وهو أولى من دعوى بن بطال الحكمة فيه لئلا يظن الناس أن ذلك سنة وهو مع ضعفه منتقض بأنه لو أراد إخفاء ذلك ما اطلع عليه بلال ومن كان معه وإثبات الحكم بذلك يكفي فيه فعل الواحد وقد تقدم بسط هذا في باب الغلق للكعبة من كتاب الصلاة وظاهر الترجمة أنه يشترط للصلاة في جميع الجوانب إغلاق الباب ليصير مستقبلا في حال الصلاة غير الفضاء والمحكي عن الحنيفة الجواز مطلقا وعن الشافعية وجه مثله لكن يشترط أن يكون للباب عتبة بأي قدر كانت ووجه يشترط أن يكون قدر قامة المصلي ووجه يشترط أن يكون قدر مؤخر الرجل وهو المصحح عندهم وفي الصلاة فوق ظهر الكعبة نظير هذا الخلاف والله أعلم وأما قول بعض الشارحين إن قوله ويصلي في أي نواحي البيت شاء يعكر على الشافعية فيما إذا كان البيت مفتوحا ففيه نظر لأنه جعله حيث يغلق الباب وبعد الغلق لا توقف عندهم في الصحة

[ 1521 ] قوله دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت كان ذلك في عام الفتح كما وقع مبينا من رواية يونس بن يزيد عن نافع عند المصنف في كتاب الجهاد بزيادة فوائد ولفظه أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته وفي رواية فليح عن نافع الآتية في المغازي وهو مردف أسامة يعني بن زيد على القصواء ثم اتفقا ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتى أناخ في المسجد وفي رواية فليح عند البيت وقال لعثمان ائتنا بالمفتاح فجاءه بالمفتاح ففتح له الباب فدخل ولمسلم وعبد الرزاق من رواية أيوب عن نافع ثم دعا عثمان بن طلحة بالمفتاح فذهب إلى أمه فأبت أن تعطيه فقال والله لتعطينه أو لأخرجن هذا السيف من صلبي فلما رأت ذلك أعطته فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الباب فظهر من رواية فليح أن فاعل فتح هو عثمان المذكور لكن روى الفاكهي من طريق ضعيفة عن بن عمر قال كان بنو أبي طلحة يزعمون أنه لا يستطيع أحد فتح الكعبة غيرهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده وعثمان المذكور هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي بن كلاب ويقال له الحجبي بفتح المهملة والجيم ولآل بيته الحجبة لحجبهم الكعبة ويعرفون الآن بالشيبيين نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو بن عم عثمان هذا لا ولده وله أيضا صحبة ورواية واسم أم عثمان المذكورة سلافة بضم المهملة والتخفيف والفاء قوله هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان زاد مسلم من طريق أخرى ولم يدخلها معهم أحد ووقع عند النسائي من طريق بن عون عن نافع ومعه الفضل بن عباس وأسامة وبلال وعثمان زاد الفضل ولأحمد من حديث بن عباس حدثني أخي الفضل وكان معه حين دخلها أنه لم يصل في الكعبة وسيأتي البحث فيه بعد بابين قوله فأغلقوا عليهم زاد في رواية حسان بن عطية عن نافع عند أبي عوانة من داخل وزاد يونس فمكث نهارا طويلا وفي رواية فليح زمانا بدل نهارا وفي رواية جويرية عن نافع التي مضت في أوائل الصلاة فأطال ولمسلم من رواية بن عون عن نافع فمكث فيها مليا وله من رواية عبيد الله عن نافع فأجافوا عليهم الباب طويلا ومن رواية أيوب عن نافع فمكث فيها ساعة وللنسائي من طريق بن أبي مليكة فوجدت شيئا فذهبت ثم جئت سريعا فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم خارجا منها ووقع في الموطأ بلفظ فأعلقها عليه والضمير لعثمان وبلال ولمسلم من طريق بن عون عن نافع فأجاف عليهم عثمان الباب والجمع بينهما أن عثمان هو المباشر لذلك لأنه من وظيفته ولعل بلالا ساعده في ذلك ورواية الجمع يدخل فيها الآمر بذلك والراضي به قوله فلما فتحوا كنت أول من ولج وفي رواية فليح ثم خرج فابتدر الناس الدخول فسبقتهم وفي رواية أيوب وكنت رجلا شابا قويا فبادرت الناس فبدرتهم وفي رواية جويرية كنت أول الناس ولج على أثره وفي رواية بن عون فرقيت الدرجة فدخلت البيت وفي رواية مجاهد الماضية في أوائل الصلاة عن بن عمر وأجد بلالا قائما بين البابين وأفاد الأزرقي في كتاب مكة أن خالد بن الوليد كان على الباب يذب عنه الناس وكأنه جاء بعد ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأغلق قوله فلقيت بلالا فسألته زاد في رواية مالك عن نافع الماضية في أوائل الصلاة ما صنع وفي رواية جويرية ويونس وجمهور أصحاب نافع فسألت بلالا أين صلى اختصروا أول السؤال وثبت في رواية سالم هذه حيث قال هل صلى فيه قال نعم وكذا في رواية مجاهد وابن أبي مليكة عن بن عمر فقلت أصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة قال نعم فظهر أنه استثبت أولا هل صلى أو لا ثم سأل عن موضع صلاته من البيت ووقع في رواية يونس عن بن شهاب عند مسلم فأخبرني بلال أو عثمان بن طلحة على الشك والمحفوظ أنه سأل بلالا كما في رواية الجمهور ووقع عند أبي عوانة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن بن عمر أنه سأل بلالا وأسامة بن زيد حين خرجا أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه فقالا على جهته وكذا أخرجه البزار نحوه ولأحمد والطبراني من طريق أبي الشعثاء عن بن عمر قال أخبرني أسامة أنه صلى فيه ههنا ولمسلم والطبراني من وجه آخر فقلت أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا فإن كان محفوظا حمل على أنه ابتدأ بلالا بالسؤال كما تقدم تفصيله ثم أراد زيادة الاستثبات في مكان الصلاة فسأل عثمان أيضا وأسامة ويؤيد ذلك قوله في رواية بن عون عند مسلم ونسيت أن أسألهم كم صلى بصيغة الجمع وهذا أولى من جزم عياض بوهم الرواية التي أشرنا إليها من عند مسلم وكأنه لم يقف على بقية الروايات ولا يعارض قصته مع قصة أسامة ما أخرجه مسلم أيضا من حديث بن عباس أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه ولكنه كبر في نواحيه فإنه يمكن الجمع بينهما بأن أسامة حيث أثبتها اعتمد في ذلك على غيره وحيث نفاها أراد ما في علمه لكونه لم يره صلى الله عليه وسلم حين صلى وسيأتي مزيد بسط فيه بعد بابين في الكلام على حديث بن عباس إن شاء الله تعالى قوله بين العمودين اليمانيين في رواية جويرية بين العمودين المقدمين وفي رواية مالك عن نافع جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره وفي روايه عنه عمودين عن يمينه وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في باب الصلاة بين السواري بما يغني عن إعادته لكن نذكر هنا ما لم يتقدم ذكره فوقع في رواية فليح الآتية في المغازي بين ذينك العمودين المقدمين وكان البيت على ستة أعمدة سطرين صلى بين العمودين من السطر المقدم وجعل باب البيت خلف ظهره وقال في آخر روايته وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء وكل هذا أخبار عما كان عليه البيت قبل أن يهدم ويبنى في زمن بن الزبير فأما الآن فقد بين موسى بن عقبة في روايته عن نافع كما في الباب الذي يليه أن بين موقفه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذي استقبله قريبا من ثلاثة أذرع وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع فيما أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن مهدي والدارقطني في الغرائب من طريقه وطريق عبد الله بن وهب وغيرهما عنه ولفظه وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وكذا أخرجها أبو عوانة من طريق هشام بن سعد عن نافع وهذا فيه الجزم بثلاثة أذرع لكن رواه النسائي من طريق بن القاسم عن مالك بلفظ نحو من ثلاثة أذرع وهي موافقة لرواية موسى بن عقبة وفي كتاب مكة للأزرقي والفاكهي من وجه آخر أن معاوية سأل بن عمر أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة فعلى هذا ينبغي لمن أراد الأتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه تقع قدماه في مكان قدميه صلى الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة أذرع سواء وتقع ركبتاه أو يداه ووجهه إن كان أقل من ثلاثة والله أعلم وأما مقدار صلاته حينئذ فقد تقدم البحث فيه في أوائل الصلاة وأشرت إلى الجمع بين رواية مجاهد عن بن عمر أنه صلى ركعتين وبين رواية من روى عن نافع أن بن عمر قال نسيت أن أسأله كم صلى وإلى الرد على من زعم أن رواية مجاهد غلط بما فيه مقنع بحمد الله تعالى وفي هذا الحديث من الفوائد رواية الصاحب عن الصاحب وسؤال المفضول مع وجود الأفضل والاكتفاء به والحجة بخبر الواحد ولا يقال هو أيضا خبر واحد فكيف يحتج للشيء بنفسه لأنا نقول هو فرد ينضم إلى نظائر مثله يوجب العلم بذلك وفيه اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة وفيه السؤال عن العلم والحرص فيه وفضيلة بن عمر لشدة حرصه على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لم يشاركوهم في ذلك واستدل به المصنف فيما مضى على أن الصلاة إلى المقام غير واجبة وعلى جواز الصلاة بين السواري في غير الجماعة وعلى مشروعية الأبواب والغلق للمساجد وفيه أن السترة إنما تشرع حيث يخشى المرور فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين ولم يصل إلى أحدهما والذي يظهر أنه ترك ذلك للاكتفاء بالقرب من الجدار كما تقدم أنه كان بين مصلاه والجدار نحو ثلاثة أذرع وبذلك ترجم له النسائي على أن حد الدنو من السترة أن لا يكون بينهما أكثر من ثلاثة أذرع ويستفاد منه أن قول العلماء تحية المسجد الحرام الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكونه صلى الله عليه وسلم جاء فأناخ عند البيت فدخله فصلى فيه ركعتين فكانت تلك الصلاة إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل أو هو تحية المسجد العام والله أعلم وفيه استحباب دخول الكعبة وقد روى بن خزيمة والبيهقي من حديث بن عباس مرفوعا من دخل البيت دخل في حسنة وخرج مغفورا له قال البيهقي تفرد به عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحدا بدخوله وروى بن أبي شيبة من قول بن عباس أن دخول البيت ليس من الحج في شيء وحكى القرطبي عن بعض العلماء أن دخول البيت من مناسك الحج ورده بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دخله عام الفتح ولم يكن حينئذ محرما وأما ما رواه أبو داود والترمذي وصححه هو وابن خزيمة والحاكم عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو قرير العين ثم رجع وهو كئيب فقال دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شققت على أمتي فقد يتمسك به لصاحب هذا القول المحكي لكون عائشة لم تكن معه في الفتح ولا في عمرته بل سيأتي بعد بابين أنه لم يدخل في الكعبة في عمرته فتعين أن القصة كانت في حجته وهو المطلوب وبذلك جزم البيهقي وإنما لم يدخل في عمرته لما كان في البيت من الأصنام والصور كما سيأتي وكان إذ ذاك لا يتمكن من إزالتها بخلاف عام الفتح ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه فليس في السياق ما يمنع ذلك وسيأتي النقل عن جماعة من أهل العلم أنه لم يدخل الكعبة في حجته وفيه استحباب الصلاة في الكعبة وهو ظاهر في النقل ويلتحق فيه الفرض إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال للمقيم وهو قول الجمهور وعن بن عباس لا تصح الصلاة داخلها مطلقا وعلله بأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها وقال به بعض المالكية والظاهرية والطبري وقال المازري المشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة وعن بن عبد الحكم الإجزاء وصححه بن عبد البر وابن العربي وعن بن حبيب يعيد أبدا وعن أصبغ ان كان معتمدا وأطلق الترمذي عن مالك جواز النوافل وقيده بعض أصحابه بغير الرواتب وما تشرع فيه الجماعة وفي شرح العمدة لابن دقيق العيد كره مالك الفرض أو منعه فكأنه أشار إلى اختلاف النقل عنه في ذلك ويلتحق بهذه المسألة الصلاة في الحجر ويأتي فيها الخلاف السابق في أول الباب في الصلاة إلى جهة الباب نعم إذا استدبر الكعبة واستقبل الحجر لم يصح على القول بأن تلك الجهة منه ليست من الكعبة ومن المشكل ما نقله النووي في زوائد الروضة عن الأصحاب أن صلاة الفرض داخل الكعبة إن لم يرج جماعة أفضل منها خارجها ووجه الإشكال أن الصلاة خارجها متفق على صحتها بين العلماء بخلاف داخلها فكيف يكون المختلف في صحته أفضل من المتفق

قوله باب الصلاة في الكعبة أورد فيه حديث بن عمر في ذلك من طريق عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع

[ 1522 ] قوله قبل بكسر الكاف وفتح الموحدة أي مقابل قوله يتوخى بتشديد الخاء المعجمة أي يقصد قوله وليس على أحد بأس الخ الظاهر أنه من كلام بن عمر مع احتمال أن يكون من كلام غيره وقد تقدم الحديث المرفوع في كتاب الصلاة في باب الصلاة بين السواري

قوله باب من لم يدخل الكعبة كأنه أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من زعم أن دخولها من مناسك الحج وقد تقدم البحث فيه قبل بباب واقتصر المصنف على الاحتجاج بفعل بن عمر لأنه أشهر من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم دخول الكعبة فلو كان دخولها عنده من المناسك لما أخل به مع كثرة أتباعه قوله وكان بن عمر الخ وصله سفيان الثوري في جامعه من رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن حنظلة عن طاوس قال كان بن عمر يحج كثيرا ولا يدخل البيت وأخرجه الفاكهي في كتاب مكة من هذا الوجه

[ 1523 ] قوله خالد بن عبد الله هو الطحان البصري وهذا الإسناد نصفه بصري ونصفه كوفي قوله اعتمر أي في سنة سبع عام القضية قوله أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة الهمزة للاستفهام أي في تلك العمرة قوله قال لا قال النووي قال العلماء سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام والصور ولم يكن المشركون يتركونه ليغيرها فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها يعني كما في حديث بن عباس الذي بعده انتهى ويحتمل أن يكون دخول البيت لم يقع في الشرط فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة زيادة على الثلاث فلم يقصد دخوله لئلا يمنعوه وفي السيرة عن علي أنه دخلها قبل الهجرة فأزال شيئا من الأصنام وفي الطبقات عن عثمان بن طلحة نحو ذلك فإن ثبت ذلك لم يشكل على الوجه الأول لأن ذلك الدخول كان لإزالة شيء من المنكرات لا لقصد العبادة والازالة في الهدنة كانت غير ممكنة بخلاف يوم الفتح تنبيه استدل المحب الطبري به على أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في حجته وفي فتح مكة ولا دلالة فيه على ذلك لأنه لا يلزم من نفي كونه دخلها في عمرته أنه دخلها في جميع أسفاره والله أعلم

قوله باب من كبر في نواحي الكعبة أورد فيه حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كبر في البيت ولم يصل فيه وصححه المصنف واحتج به مع كونه يرى تقديم حديث بلال في إثباته الصلاة فيه عليه ولا معارضة في ذلك بالنسبة إلى الترجمة لأن بن عباس أثبت التكبير ولم يتعرض له بلال وبلال أثبت الصلاة ونفاها بن عباس فاحتج المصنف بزيادة بن عباس وقد يقدم اثبات بلال على نفي غيره لأمرين أحدهما أنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وإنما أسند نفيه تارة لأسامة وتارة لأخيه الفضل مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة وقد روى أحمد من طريق بن عباس عن أخيه الفضل نفي الصلاة فيها فيحتمل أن يكون تلقاه عن أسامة فإنه كان معه كما تقدم وقد مضى في كتاب الصلاة أن بن عباس روى عنه نفي الصلاة فيها عند مسلم وقد وقع اثبات صلاته فيها عن أسامة من رواية بن عمر عن أسامة عند أحمد وغيره فتعارضت الرواية في ذلك عنه فتترجح رواية بلال من جهة أنه مثبت وغيره ناف ومن جهة أنه لم يختلف عليه في الإثبات واختلف على من نفى وقال النووي وغيره يجمع بين اثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أن يحجبه عنه بعض الأعمدة فنفاها عملا بظنه وقال المحب الطبري يحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته وانتهى ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن بن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى بن عباس عن أسامة قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرأى صورا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فضرب به الصور فهذا الإسناد جيد قال القرطبي فلعله إستصحب النفي لسرعة عوده انتهى وهو مفرع على أن هذه القصة وقعت عام الفتح فإن لم يكن فقد روى عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق علي بن بذيمة وهو تابعي وأبوه بفتح الموحدة ثم معجمة وزن عظيمة قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ودخل معه بلال وجلس أسامة على الباب فلما خرج وجد أسامة قد احتبى فأخذ بحبوته فحلها الحديث فلعله احتبى فاستراح فنعس فلم يشهد صلاته فلما سئل عنها نفاها مستصحبا للنفي لقصر زمن احتبائه وفي كل ذلك إنما نفي رؤيته لا ما في نفس الأمر ومنهم من جمع بين الحديثين بغير ترجيح أحدهما على الآخر وذلك من أوجه أحدها حمل الصلاة المثبتة على اللغوية والمنفية على الشرعية وهذه طريقة من يكره الصلاة داخل الكعبة فرضا ونفلا وقد تقدم البحث فيه ويرد هذا الحمل ما تقدم في بعض طرقه من تعيين قدر الصلاة فظهر أن المراد بها الشرعية لا مجرد الدعاء ثانيها قال القرطبي يمكن حمل الاثبات على التطوع والنفي على الفرض وهذه طريقة المشهور من مذهب مالك وقد تقدم البحث فيها ثالثها قال المهلب شارح البخاري يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرتين صلى في إحداهما ولم يصل في الأخرى وقال بن حبان الأشبه عندي في الجمع أن يجعل الخبران في وقتين فيقال لما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه بن عمر عن بلال ويجعل نفي بن عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها لأن بن عباس نفاها وأسنده إلى أسامة وابن عمر أثبتها وأسند إثباته إلى بلال وإلى أسامة أيضا فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض وهذا جمع حسن لكن تعقبه النووي بأنه لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل في يوم الفتح لا في حجة الوداع ويشهد له ما روى الأزرقي في كتاب مكة عن سفيان عن غير واحد من أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح ثم حج فلم يدخلها وإذا كان الأمر كذلك فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرتين ويكون المراد بالواحدة التي في خبر بن عيينة وحدة السفر لا الدخول وقد وقع عند الدارقطني من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع والله أعلم ويؤيد الجمع الأول ما أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق حماد عن أبي حمزة عن بن عباس قال قلت له كيف أصلي في الكعبة قال كما تصلي في الجنازة تسبح وتكبر ولا تركع ولا تسجد ثم عند أركان البيت سبح وكبر وتضرع واستغفر ولا تركع ولا تسجد وسنده صحيح

[ 1524 ] قوله وفيه الآلهة أي الأصنام وأطلق عليها الآلهة باعتبار ما كانوا يزعمون وفي جواز إطلاق ذلك وقفة والذي يظهر كراهته وكانت تماثيل على صور شتى فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول البيت وهي فيه لأنه لا يقر على باطل ولأنه لا يحب فراق الملائكة وهي لا تدخل ما فيه صورة قوله الأزلام سيأتي شرحها مبينا حيث ذكرها المصنف في تفسير المائدة قوله أم والله كذا للأكثر ولبعضهم أما بإثبات الألف قوله لقد علموا قيل وجه ذلك أنهم كانوا يعلمون اسم أول من أحدث الاستقسام بها وهو عمرو بن لحي وكانت نسبتهم إلى إبراهيم وولده الاستقسام بها إفتراء عليهما لتقدمهما على عمرو

قوله باب كيف كان بدء الرمل أي ابتداء مشروعيته وهو بفتح الراء والميم هو الإسراع وقال بن دريد هو شبيه بالهرولة وأصله أن يحرك الماشي منكبيه في مشيه وذكر حديث بن عباس في قصة الرمل في عمرة القضية وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي وعلى ما يتعلق بحكم الرمل بعد باب وقوله

[ 1525 ] أن يرملوا بضم الميم وهو في موضع مفعول يأمرهم تقول أمرته كذا وأمرته بكذا و الأشواط بفتح الهمزة بعدها معجمة جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرة إلى الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة و الإبقاء بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق والشفقة وهو بالرفع على أنه فاعل لم يمنعه ويجوز النصب وفي الحديث جواز تسمية الطوفة شوطا ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته ويؤخذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابا لهم ولا يعد ذلك من الرياء المذموم وفيه جواز المعاريض بالفعل كما يجوز بالقول وربما كانت بالفعل أولى

قوله باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثا أورد فيه حديث بن عمر في ذلك وهو مطابق للترجمة من غير مزيد وقوله بخب بفتح أوله وضم الخاء المعجمة بعدها موحدة أي يسرع في مشيه والخبب بفتح المعجمة والموحدة بعدها موحدة أخرى العدو السريع يقال خبت الدابة إذا أسرعت وراوحت بين قدميها وهذا يشعر بترادف الرمل والخبب عند هذا القائل وقوله أول منصوب على الظرف وقوله

[ 1526 ] من السبع بفتح أوله أي السبع طوفات وظاهره أن الرمل يستوعب الطوفة فهو مغاير لحديث بن عباس الذي قبله لأنه صريح في عدم الاستيعاب وسيأتي القول فيه في الباب الذي بعده في الكلام على حديث عمر إن شاء الله تعالى

قوله باب الرمل في الحج والعمرة أي في بعض الطواف والقصد إثبات بقاء مشروعيته وهو الذي عليه الجمهور وقال بن عباس ليس هو بسنة من شاء رمل ومن شاء لم يرمل

[ 1527 ] قوله حدثني محمد هو بن سلام كذا لأبي ذر وللباقين سوى بن السكن غير منسوب وأما أبو نعيم فقال بعد أن أخرج الحديث من طريق محمد بن عبد الله بن نمير عن شريح أخرجه البخاري عن محمد ويقال هو بن نمير ورجح أبو علي الجيابي أنه محمد بن رافع لكونه روى في موضع آخر عنه عن شريح ويحتمل أن يكون بن يحيى الذهلي وهو قول الحاكم والصواب أنه بن سلام كما نسبه أبو ذر وجزم بذلك أبو علي بن السكن في روايته على أن شريحا شيخ محمد فيه قد أخرج عنه البخاري بغير واسطة في الجمعة وغيرها فيحتمل أن يكون محمد هو البخاري نفسه والله أعلم قوله سعى أي أسرع المشي في الطوفات الثلاث الأول وقوله في الحج والعمرة أي حجة الوداع وعمرة القضية لأن الحديبية لم يمكن فيها من الطواف والجعرانة لم يكن بن عمر معه فيها ولهذا أنكرها والتي مع حجته اندرجت أفعالها في الحج فلم يبق إلا عمرة القضية نعم عند الحاكم من حديث أبي سعيد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته وعمره كلها وأبو بكر وعمر والخلفاء قوله تابعه الليث قال حدثني كثير الخ وصلها النسائي من طريق شعيب بن الليث عن أبيه والبيهقي من طريق يحيى بن بكير عن الليث قال حدثني فذكره بلفظ أن عبد الله بن عمر كان يخب في طوافه حين يقدم في حج أو عمرة ثلاثا ويمشي أربعا قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك

[ 1528 ] قوله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للركن أي للأسود وظاهره أنه خاطبه بذلك وإنما فعل ذلك ليسمع الحاضرين قوله ثم قال أي بعد استلامه قوله ما لنا وللرمل في رواية بعضهم والرمل بغير لام وهو بالنصب على الأفصح وزاد أبو داود من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فيم الرمل والكشف عن المناكب الحديث والمراد به الاضطباع وهي هيئة تعين على إسراع المشي بأن يدخل رداءه تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على منكبه الأيسر فيبدي منكبه الأيمن ويستر الأيسر وهو مستحب عند الجمهور سوى مالك قاله بن المنذر قوله إنما كنا راءينا بوزن فاعلنا من الرؤية أي أريناهم بذلك أنا أقوياء قاله عياض وقال بن مالك من الرياء أي أظهرنا لهم القوة ونحن ضعفاء ولهذا روى رأيينا بياءين حملا له على الرياء وإن كان أصله الرئاء بهمزتين ومحصله أن عمر كان هم بترك الرمل في الطواف لأنه عرف سببه وقد انقضى فهم أن يتركه لفقد سببه ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن تكون له حكمة ما اطلع عليها فرأى أن الأتباع أولى من طريق المعنى وأيضا أن فاعل ذلك إذا فعله تذكر السبب الباعث على ذلك فيتذكر نعمة الله على إعزاز الإسلام وأهله قوله فلا نحب أن نتركه زاد يعقوب بن سفيان عن سعيد شيخ البخاري فيه في آخره ثم رمل أخرجه الإسماعيلي من طريقه ويؤيده أنهم اقتصروا عند مراآة المشركين على الإسراع إذا مروا من جهة الركنين الشاميين لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية فإذا مروا بين الركنين اليمانيين مشوا على هينتهم كما هو بين في حديث بن عباس ولما رملوا في حجة الوداع أسرعوا في جميع كل طوفة فكانت سنة مستقلة ولهذه النكتة سأل عبيد الله بن عمر نافعا كما في الحديث الذي بعده عن مشي عبد الله بن عمر بين الركنين اليمانيين فأعلمه أنه إنما كان يفعله ليكون أسهل عليه في استلام الركن أي كان يرفق بنفسه ليتمكن من استلام الركن عند الازدحام وهذا الذي قاله نافع إن كان استند فيه إلى فهمه فلا يدفع احتمال أن يكون بن عمر فعل ذلك أتباعا للصفة الأولى من الرمل لما عرف من مذهبه في الأتباع تكميل لا يشرع تدارك الرمل فلو تركه في الثلاث لم يقضه في الأربع لأن هيئتها السكينة فلا تغير ويختص بالرجال فلا رمل على النساء ويختص بطواف يعقبه سعي على المشهور ولا فرق في استحبابه بين ماش وراكب ولا دم بتركه عند الجمهور واختلف عند المالكية وقال الطبري قد ثبت أن الشارع رمل ولا مشرك يومئذ بمكة يعني في حجة الوداع فعلم أنه من مناسك الحج إلا أن تاركه ليس تاركا لعمل بل لهيئة مخصوصة فكان كرفع الصوت بالتلبية فمن لبى خافضا صوته لم يكن تاركا للتلبية بل لصفتها ولا شيء عليه تنبيه قال الإسماعيلي بعد أن خرج الحديث الثالث مقتصرا على المرفوع منه وزاد فيه قال نافع ورأيت عبد الله يعني بن عمر يزاحم على الحجر حتى يدمى قال الإسماعيلي ليس هذا الحديث من هذا الباب في شيء يعني باب الرمل وأجيب بأن القدر المتعلق بهذه الترجمة منه ثابت عند البخاري ووجهه أن معنى

[ 1529 ] قوله كان بن عمر يمشي بين الركنين أي دون غيرهما وكان يرمل ومن ثم سأل الراوي نافعا عن السبب في كونه كان يمشي في بعض دون بعض والله أعلم تنبيه آخر استشكل قول عمر راءينا مع أن الرياء بالعمل مذموم والجواب أن صورته وإن كانت صورة الرياء لكنها ليست مذمومة لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال إنه عامل ولا يعمله بغيبة إذا لم يره أحد وأما الذي وقع في هذه القصة فإنما هو من قبيل المخادعة في الحرب لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم وثبت أن الحرب خدعة

قوله باب استلام الركن بالمحجن بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون هو عصا محنية الرأس والحجن الإعوجاج وبذلك سمي الحجون والاستلام افتعال من السلام بالفتح أي التحية قاله الأزهري وقيل من السلام بالكسر أي الحجارة والمعنى أنه يومئ بعصاه إلى الركن حتى يصيبه

[ 1530 ] قوله عن عبيد الله كذا قال يونس وخالفه الليث وأسامة بن زيد وزمعة بن صالح فرووه عن الزهري قال بلغني عن بن عباس ولهذه النكتة استظهر البخاري بطريق بن أخي الزهري فقال تابعه الدراوردي عن بن أخي الزهري وهذه المتابعة أخرجها الإسماعيلي عن الحسين بن سفيان عن محمد بن عباد عن عبد العزيز الدراوردي فذكره ولم يقل في حجة الوداع ولا على بعير وسيأتي البحث في مسألة الطواف راكبا بعد خمسة عشر بابا قوله يستلم الركن بمحجن زاد مسلم من حديث أبي الطفيل ويقبل المحجن وله من حديث بن عمر أنه استلم الحجر بيده ثم قبله ورفع ذلك ولسعيد بن المنصور من طريق عطاء قال رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابرا إذا استلموا الحجر قبلوا أيديهم قيل وابن عباس قال وابن عباس أحسبه قال كثيرا وبهذا قال الجمهور أن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك وعن مالك في رواية لا يقبل يده وكذا قال القاسم وفي رواية عند المالكية يضع يده على فمه من غير تقبيل

قوله باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين أي دون الركنين الشاميين واليماني بتخفيف الياء على المشهور لأن الألف عوض عن ياء النسب فلو شددت لكان جمعا بين العوض والمعوض وجوز سيبويه التشديد وقال إن الألف زائدة قوله وقال محمد بن بكر أخبرنا بن جريج لم أره من طريق محمد بن بكر وقد أخرجه الجوزقي من طريق عثمان بن الهيثم به و من في قوله ومن يتقي استفهامية على سبيل الإنكار قوله وكان معاوية يستلم الأركان وصله أحمد والترمذي والحاكم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل قال كنت مع بن عباس ومعاوية فكان معاوية لا يمر بركن إلا استلمه فقال بن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الحجر واليماني فقال معاوية ليس شيء من البيت مهجورا وأخرج مسلم المرفوع فقط من وجه آخر عن بن عباس وروى أحمد أيضا من طريق شعبة عن قتادة عن أبي الطفيل قال حج معاوية وابن عباس فجعل بن عباس يستلم الأركان كلها فقال معاوية إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الركنين اليمانيين فقال بن عباس ليس من أركانه شيء مهجور قال عبد الله بن أحمد في العلل سألت أبي عنه فقال قلبه شعبة وقد كان شعبة يقول الناس يخالفونني في هذا ولكنني سمعته من قتادة هكذا انتهى وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة على الصواب أخرجه أحمد أيضا وكذا أخرجه من طريق مجاهد عن بن عباس نحوه وروى الشافعي من طريق محمد بن كعب القرظي إن بن عباس كان يمسح الركن اليماني والحجر وكان بن الزبير يمسح الأركان كلها ويقول ليس شيء من البيت مهجورا فيقول بن عباس لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ولفظ رواية مجاهد المذكورة عن بن عباس أنه طاف مع معاوية فقال معاوية ليس شيء من البيت مهجورا فقال له بن عباس لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فقال معاوية صدقت وبهذا يتبين ضعف من حمله على التعدد وأن اجتهاد كل منهما تغير إلى ما أنكره على الآخر وإنما قلت ذلك لأن مخرج الحديثين واحد وهو قتادة عن أبي الطفيل وقد جزم أحمد بأن شعبة قلبه فسقط التجويز العقلي قوله إنه الهاء للشأن قوله لا يستلم هذان الركنان كذا للأكثر على البناء للمجهول وللحموي والمستملي لا نستلم هذين الركنين بفتح النون ونصب هذين الركنين على المفعولية قوله وكان بن الزبير يستلمهن كلهن وصله بن أبي شيبة من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير أنه رأى أباه يستلم الأركان كلها وقال أنه ليس شيء منه مهجورا وأخرج الشافعي نحوه عنه من وجه آخر كما تقدم وفي الموطأ عن هشام بن عروة بن الزبير أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها وأخرجه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام بلفظ إذا بدأ استلم الأركان كلها وإذا ختم ثم أورد المصنف حديث بن عمر قال لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين وقد تقدم قول بن عمر إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الشاميين لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم وعلى هذا المعنى حمل بن التين تبعا لابن القصار استلام بن الزبير لهما لأنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم انتهى وتعقب ذلك بعض الشراح بأن بن الزبير طاف مع معاوية واستلم الكل ولم يقف على هذا الأثر وإنما وقع ذلك لمعاوية مع بن عباس وأما بن الزبير فقد أخرج الأزرقي في كتاب مكة فقال إن بن الزبير لما فرغ من بناء البيت وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة فلم يزل البيت على بناء بن الزبير إذا طاف الطائف استلم الأركان جميعها حتى قتل بن الزبير وأخرج من طريق بن إسحاق قال بلغني أن آدم لما حج استلم الأركان كلها وأن إبراهيم وإسماعيل لما فرغا من بناء البيت طافا به سبعا يستلمان الأركان وقال الداودي ظن معاوية أنهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول وليس كذلك لما سبق من حديث عائشة والجمهور على ما دل عليه حديث بن عمر وروى بن المنذر وغيره استلام جميع الأركان أيضا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين وقد يشعر ما تقدم في أوائل الطهارة من حديث عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها فذكر منها ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين الحديث بأن الذين رآهم عبيد بن جريج من الصحابة والتابعين كانوا لا يقتصرون في الإستلام على الركنين اليمانيين وقال بعض أهل العلم اختصاص الركنين مبين بالسنة ومستند التعميم القياس وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورا بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا ولو كان ترك استلامهما هجرا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرا لها ولا قائل به ويؤخذ منه حفظ المراتب وإعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل أحد منزلته فائدة في البيت أربعة أركان الأول له فضيلتان كون الحجر الأسود فيه وكونه على قواعد إبراهيم وللثاني الثانية فقط وليس للآخرين شيء منهما فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان هذا على رأي الجمهور واستحب بعضهم تقبيل الركن اليماني أيضا فائدة أخرى استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره فأما تقبيل يد الآدمي فيأتي في كتاب الأدب وأما غيره فنقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسا واستبعد بعض أتباعه صحة ذلك ونقل عن بن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين قال العلامة بن باز حفظه الله الأحكام التي تنسب إلى الدين لا بد من ثبوتها في نصوص الدين وكل ما لم يكن عليه الأمر في زمن التشريع وفي نصوص التشريع فهو مردود على من يزعمه وتقدم قول الإمام الشافعي ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا وهو مقتضى قول أمير المؤمنين عمر فيما خاطب به الحجر الأسود برقم 1597 و 161 هذه النصوص وسيأتي قول الحافظ عن بن عمر في جوابه لمن سأله عن استلام الحجر أمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي والخروج عن هذه الطريقة تغيير الدين وخروج به إلى غير ما أراده الله وبالله التوفيق



قوله باب تقبيل الحجر بفتح المهملة والجيم أي الأسود أورد فيه حديث عمر مختصرا وقد تقدم الكلام عليه قبل أبواب ثم أورد فيه حديث بن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله ولابن المنذر من طريق أبي خالد عن عبيد الله عن نافع رأيت بن عمر استلم الحجر وقبل يده قال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ويستفاد منه استحباب الجمع بين التسليم والتقبيل بخلاف الركن اليماني فيستلمه فقط والاستلام المسح باليد والتقبيل بالفم وروى الشافعي من وجه آخر عن بن عمر قال استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه طويلا الحديث واختص الحجر الأسود بذلك لاجتماع الفضيلتين له كما تقدم

[ 1533 ] قوله حدثنا حماد في رواية أبي الوقت بن زيد قوله عن الزبير بن عربي في رواية أبي داود الطيالسي عن حماد حدثنا الزبير قوله سأل رجل هو الزبير الراوي كذلك وقع عند أبي داود الطيالسي عن حماد حدثنا الزبير سألت بن عمر قوله أرأيت إن زحمت أي أخبرني ما أصنع إذا زحمت وزحمت بضم الزاي بغير اشباع وفي بعض الروايات بزيادة واو قوله اجعل أرأيت باليمن يشعر بأن الرجل يماني وقد وقع في رواية أبي داود المذكورة اجعل أرأيت عند ذلك الكوكب وإنما قال له ذلك لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك وأمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي والظاهر أن بن عمر لم ير الزحام عذرا في ترك الاستلام وقد روى سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال رأيت بن عمر يزاحم على الركن حتى يدمى ومن طريق أخرى أنه قيل له في ذلك فقال هوت الأفئدة إليه فأريد أن يكون فؤادي معهم وروى الفاكهي من طرق عن بن عباس كراهة المزاحمة وقال لا يؤذى ولا يؤذى فائدة المستحب في التقبيل أن لا يرفع به صوته وروى الفاكهي عن سعيد بن جبير قال إذا قبلت الركن فلا ترفع بها صوتك كقبلة النساء تنبيه قال أبو علي الجياني وقع عند الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني الزبير بن عدي بدال مهملة بعدها ياء مشددة وهو وهم وصوابه عربي براء مهملة مفتوحة بعدها موحدة ثم ياء مشددة كذلك رواه سائر الرواة عن الفربري انتهى وكأن البخاري استشعر هذا التصحيف فأشار إلى التحذير منه فحكى الفربري أنه وجد في كتاب أبي جعفر يعني محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال قال أبو عبد الله يعني البخاري الزبير بن عربي هذا بصري والزبير بن عدي كوفي انتهى هكذا وقع عند أبي ذر عن شيوخه عن الفربري وعند الترمذي من غير رواية الكرخي وعقب هذا الحديث الزبير هذا هو بن عربي وأما الزبير بن عدي فهو كوفي ويؤيده أن في رواية أبي داود المقدم ذكرها الزبير بن العربي بزيادة ألف ولام وذلك مما يرفع الاشكال والله أعلم

قوله باب من أشار إلى الركن أي الأسود قوله إذا أتى عليه أورد فيه حديث بن عباس طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه وقد تقدم قبل بابين بزيادة شرح فيه قال بن التين تقدم أنه كان يستلمه بالمحجن فيدل على قربه من البيت لكن من طاف راكبا يستحب له أن يبعد إن خاف أن يؤذي أحدا فيحمل فعله صلى الله عليه وسلم على الأمن من ذلك انتهى ويحتمل أن يكون في حال استلامه قريبا حيث أمن ذلك وأن يكون في حال إشارته بعيدا حيث خاف ذلك

قوله باب التكبير عند الركن أورد فيه حديث بن عباس المذكور وزاد أشار إليه بشيء كان عنده وكبر والمراد بالشيء المحجن الذي تقدم في الرواية الماضية قبل بابين وفيه استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة

[ 1535 ] قوله تابعه إبراهيم بن طهمان عن خالد يعني في التكبير وأشار بذلك إلى أن رواية عبد الوهاب عن خالد المذكورة في الباب الذي قبله الخالية عن التكبير لا تقدح في زيادة خالد بن عبد الله لمتابعة إبراهيم وقد وصل طريق إبراهيم في كتاب الطلاق وسيأتي الكلام في طواف المريض راكبا في بابه إن شاء الله تعالى

قوله باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته الخ قال بن بطال غرضه بهذه الترجمة الرد على من زعم أن المعتمر إذا طاف حل قبل أن يسعى بين الصفا والمروة فأراد أن يبين أن قول عروة فلما مسحوا الركن حلوا محمول على أن المراد لما استلموا الحجر الأسود وطافوا وسعوا حلوا بدليل حديث بن عمر الذي أردفه به في هذا الباب وزعم بن التين أن معنى قول عروة مسحوا الركن أي ركن المروة أي عند ختم السعي وهو متعقب برواية بن الأسود عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء قالت اعتمرت أنا وعائشة والزبير وفلان وفلان فلما مسحنا البيت أحللنا أخرجه المصنف وسيأتي في أبواب العمرة وقال النووي لا بد من تأويل قوله مسحوا الركن لأن المراد به الحجر الأسود ومسحه يكون في أول الطواف ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بالإجماع فتقديره فلما مسحوا الركن وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا حلوا وحذفت هذه المقدرات للعلم بها لظهورها وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل تمام الطواف ثم مذهب الجمهور أنه لا بد من السعي بعده ثم الحلق وتعقب بأن المراد بمسح الركن الكناية عن تمام الطواف لا سيما واستلام الركن يكون في كل طوفة فالمعنى فلما فرغوا من الطواف حلوا وأما السعي والحلق فمختلف فيهما كما قال ويحتمل أن يكون المعنى فلما فرغوا من الطواف وما يتبعه حلوا قلت وأراد بمسح الركن هنا استلامه بعد فراغ الطواف والركعتين كما وقع في حديث جابر فحينئذ لا يبقى إلا تقدير وسعوا لأن السعي شرط عند عروة بخلاف ما نقل عن بن عباس وأما تقدير حلقوا فينظر في رأي عروة فإن كان الحلق عنده نسكا فيقدر في كلامه وإلا فلا

[ 1536 ] قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث كما سيأتي بعد أربعة عشر بابا من وجه آخر عن بن وهب قوله عن محمد بن عبد الرحمن هو أبو الأسود النوفلي المدني المعروف بيتيم عروة قوله ذكرت لعروة قال فأخبرتني عائشة حذف البخاري صورة السؤال وجوابه واقتصر على المرفوع منه وقد ذكره مسلم من هذا الوجه ولفظه أن رجلا من أهل العراق قال له سل لي عروة بن الزبير عن رجل يهل بالحج فإذا طاف أيحل أم لا فإن قال لك لا يحل فقل له إن رجلا يقول ذلك قال فسألته قال لا يحل من أهل بالحج إلا بالحج فتصدى لي الرجل فحدثته فقال فقل له فإن رجلا كان يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك وما شأن أسماء والزبير فعلا ذلك قال فجئته أي عروة فذكرت له ذلك فقال من هذا فقلت لا أدري أي لا أعرف اسمه قال فما باله لا يأتيني بنفسه يسألني أظنه عراقيا يعني وهم يتعنتون في المسائل قال قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ فذكر الحديث والرجل الذي سأل لم أقف على اسمه وقوله فإن رجلا كان يخبر عني به بن عباس فإنه كان يذهب إلى أن من لم يسق الهدي وأهل بالحج إذا طاف يحل من حجه وأن من أراد أن يستمر على حجه لا يقرب البيت حتى يرجع من عرفة وكان يأخذ ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يسق الهدي من أصحابه أن يجعلوها عمرة وقد أخرج المصنف ذلك في باب حجة الوداع في أواخر المغازي من طريق بن جريج حدثني عطاء عن بن عباس قال إذا طاف بالبيت فقد حل فقلت من أين قال هذا بن عباس قال من قوله سبحانه ثم محلها إلى البيت العتيق ومن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع قلت إنما كان ذلك بعد ذلك المعرف قال كان بن عباس يراه قبل وبعد وأخرجه مسلم من وجه آخر عن بن جريج بلفظ كان بن عباس يقول لا يطوف بالبيت حاج ولا غيره إلا حل قلت لعطاء من أين تقول ذلك فذكره ولمسلم من طريق قتادة سمعت أبا حسان الأعرج قال قال رجل لابن عباس ما هذه الفتيا أن من طاف بالبيت فقد حل فقال سنة نبيكم وإن رغمتم وله من طريق وبرة بن عبد الرحمن قال كنت جالسا عند بن عمر فجاءه رجل فقال أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف فقال نعم فقال فإن بن عباس يقول لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف فقال بن عمر قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف فبقول رسول الله أحق أن نأخذ أو بقول بن عباس إن كنت صادقا وإذا تقرر ذلك فمعنى قوله في حديث أبي الأسود قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أي أمر به وعرف أن هذا مذهب لابن عباس خالفه فيه الجمهور ووافقه فيه ناس قليل منهم إسحاق بن راهويه وعرف أن مأخذه فيه ما ذكر وجواب الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرة ثم اختلفوا فذهب الأكثر إلى أن ذلك كان خاصا بهم وذهب طائفة إلى أن ذلك جائز لمن بعدهم واتفقوا كلهم أن من أهل بالحج مفردا لا يضره الطواف بالبيت وبذلك احتج عروة في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف ولم يحل من حجه ولا صار عمرة وكذا أبو بكر وعمر فمعنى قوله ثم لم تكن عمرة أي لم تكن الفعلة عمرة هذا إن كان بالنصب على أنه خبر كان ويحتمل أن تكون كان تامة والمعنى ثم لم تحصل عمرة وهي على هذا بالرفع وقد وقع في رواية مسلم بدل عمرة غيره بغين معجمة وياء ساكنة وآخره هاء قال عياض وهو تصحيف وقال النووي لها وجه أي لم يكن غير الحج وكذا وجهه القرطبي قوله ثم حججت مع أبي الزبير كذا للأكثر والزبير بالكسر بدل من أبي ووقع في رواية الكشميهني مع بن الزبير يعني أخاه عبد الله قال عياض وهو تصحيف وسيأتي في الطريق الآتية بعد أربعة عشر بابا مع أبي الزبير بن العوام وكأن سبب هذا التصحيف أنه وقع في تلك الطريق من الزيادة بعد ذكر أبي بكر وعمر ذكر عثمان ثم معاوية وعبد الله بن عمر قال ثم حججت مع أبي الزبير فذكره وقد عرف أن قتل الزبير كان قبل معاوية وابن عمر لكن لا مانع أن يحجا قبل قتل الزبير فرآهما عروة أو لم يقصد بقوله ثم الترتيب فإن فيها أيضا ثم آخر من رأيت فعل ذلك بن عمر فأعاد ذكره مرة أخرى وأغرب بعض الشارحين فرجح رواية الكشميهني موجها لها بما ذكرته وقد أوضحت جوابه بحمد الله قوله وقد أخبرتني أمي هي أسماء بنت أبي بكر وأختها هي عائشة واستشكل من حيث أن عائشة في تلك الحجة لم تطف لأجل حيضها وأجيب بالحمل على أنه أراد حجة أخرى غير حجة الوداع فقد كانت عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم تحج كثيرا وسيأتي الإلمام بشيء من هذا في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى قوله فلما مسحوا الركن حلوا أي صاروا حلالا وقد تقدم في أول الباب ما فيه من الإشكال وجوابه وفي هذا الحديث استحباب الابتداء بالطواف للقادم لأنه تحية المسجد الحرام واستثنى بعض الشافعية ومن وافقه المرأة الجميلة أو الشريفة التي لا تبرز فيستحب لها تأخير الطواف إلى الليل إن دخلت نهارا وكذا من خاف فوت مكتوبة أو جماعة مكتوبة أو مؤكدة أو فائتة فإن ذلك كله يقدم على الطواف وذهب الجمهور إلى أن من ترك طواف القدوم لا شيء عليه وعن مالك وأبي ثور من الشافعية عليه دم وهل يتداركه من تعمد تأخيره لغير عذر وجهان كتحية المسجد وفيه الوضوء للطواف وسيأتي حيث ترجم له المصنف بعد أربعة عشر بابا الحديث الثاني حديث بن عمر أخرجه من وجهين كلاهما من رواية نافع عنه أحدهما أن رواية موسى بن عقبة والآخر من رواية عبيد الله والراوي عنهما واحد وهو أبو ضمرة أنس بن عياض زاد في رواية موسى ثم سجد سجدتين والمراد بهما ركعتا الطواف ثم سعى بين الصفا والمروة وزاد في رواية عبيد الله أنه كان يسعى ببطن المسيل وقد تقدم ما يتعلق بالرمل قبل خمسة أبواب وأما السعي بين الصفا والمروة فسيأتي الكلام عليه حيث ترجم له المصنف بعد خمسة عشر بابا إن شاء الله تعالى والمراد ببطن المسيل الوادي لأنه موضع السيل

قوله باب طواف النساء مع الرجال أي هل يختلطن بهم أو يطفن معهم على حدة بغير اختلاط أو ينفردن

[ 1539 ] قوله وقال لي عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم هذا أحد الأحاديث التي أخرجها عن شيخه عن أبي عاصم النبيل بواسطة وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه أولا من طريق البخاري ثم أخرجه هكذا وكذا البيهقي وأما أبو نعيم فأخرجه أولا من طريق البخاري ثم أخرجه من طريق أبي قرة موسى بن طارق عن بن جريج قال مثله غير قصة عطاء مع عبيد بن عمير قال أبو نعيم هذا حديث عزيز ضيق المخرج قلت قد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن بن جريج بتمامه وكذا وجدته من وجه آخر أخرجه الفاكهي في كتاب مكة عن ميمون بن الحكم الصنعاني عن محمد بن جعشم وهو بجيم ومعجمة مضمومتين بينهما عين مهملة قال أخبرني بن جريج فذكره بتمامه أيضا قوله إذ منع بن هشام هو إبراهيم أو أخوه محمد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي وكانا خالي هشام بن عبد الملك فولى محمدا إمرة مكة وولي أخاه إبراهيم بن هشام إمرة المدينة وفوض هشام لإبراهيم إمرة الحج بالناس في خلافته فلهذا قلت يحتمل أن يكون المراد ثم عذبهما يوسف بن عمر الثقفي حتى ماتا في محنته في أول ولاية الوليد بن يزيد بن عدالملك بأمره سنة خمس وعشرين ومائة قاله خليفة بن خياط في تاريخه وظاهر هذا أن بن هشام أول من منع ذلك لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة وهذا إن صح لم يعارض الأول لأن بن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقا فلهذا أنكر عليه عطاء واحتج بصنيع عائشة وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر قال الفاكهي ويذكر عن بن عيينة أن أول من فرق بين الرجال والنساء في الطواف خالد بن عبد الله القسري انتهى وهذا إن ثبت فلعله منع ذلك وقتا ثم تركه فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان وذلك قبل أين هشام بمدة طويلة قوله كيف يمنعهن معناه أخبرني بن جريج بزمان المنع قائلا فيه كيف يمنعهن قوله وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال أي غير مختلطات بهن قوله بعد الحجاب في رواية المستملي أبعد بإثبات همزة الاستفهام وكذا هو للفاكهي قوله إي لعمري هو بكسر الهمزة بمعنى نعم قوله لقد أدركته بعد الحجاب ذكر عطاء هذا لرفع توهم من يتوهم أنه حمل ذلك عن غيره ودل على أنه رأى ذلك منهن والمراد بالحجاب نزول آية الحجاب وهي قوله تعالى وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب وكان ذلك في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش كما سيأتي في مكانه ولم يدرك ذلك عطاء قطعا قوله يخالطن في رواية المستملي يخالطهن في الموضعين والرجال بالرفع على الفاعلية قوله حجرة بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها راء أي ناحية قال القزاز هو مأخوذ من قولهم نزل فلان حجرة من الناس أي معتزلا وفي رواية الكشميهني حجزة بالزاي وهي رواية عبد الرزاق فإنه فسره في آخره فقال يعني محجوزا بينها وبين الرجال بثوب وأنكر بن قرقول حجرة بضم أوله وبالراء وليس بمنكر فقد حكاه بن عديس وابن سيده فقالا يقال قعد حجرة بالفتح والضم أي ناحية قوله فقالت امرأة زاد الفاكهي معها ولم أقف على اسم هذه المرأة ويحتمل أن تكون دقرة بكسر المهملة وسكون القاف امرأة روى عنها يحيى بن أبي كثير أنها كانت تطوف مع عائشة بالليل فذكر قصة أخرجها الفاكهي قوله انطلقي عنك أي عن جهة نفسك قوله يخرجن زاد الفاكهي وكن يخرجن الخ قوله متنكرات في رواية عبد الرزاق مستترات واستنبط منه الداودي جواز النقاب للنساء في الإحرام وهو في غاية البعد قوله إذا دخلن البيت قمن في رواية الفاكهي سترن قوله حين يدخلن في رواية الكشميهني حتى يدخلن وكذا هو للفاكهي والمعنى إذا أردن دخول البيت وقفن حتى يدخلن حال كون الرجال مخرجين منه قوله وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير أي الليثي والقائل ذلك عطاء وسيأتي في أول الهجرة من طريق الأوزاعي عن عطاء قال زرت عائشة مع عبيد بن عمير قوله وهي مجاورة في جوف ثبير أي مقيمة فيه واستنبط منه بن بطال الاعتكاف في غير المسجد لأن ثبيرا خارج عن مكة وهو في طريق منى انتهى وهذا مبني على أن المراد بثبير الجبل المشهور الذي كانوا في الجاهلية يقولون له أشرق ثبير كيما نغير وسيأتي ذلك بعد قليل وهذا هو الظاهر وهو جبل المزدلفة لكن بمكة خمسة جبال أخرى يقال لكل منها ثبير ذكرها أبو عبيد البكري وياقوت وغيرهما فيحتمل أن يكون المراد لأحدها لكن يلزم من إقامة عائشة هناك أنها أرادت الاعتكاف سلمنا لكن لعلها اتخذت في المكان الذي جاورت فيه مسجدا اعتكفت فيه وكأنها لم يتيسر لها مكان في المسجد الحرام تعتكف فيه فاتخذت ذلك قوله وما حجابها زاد الفاكهي حينئذ قوله تركية قال عبد الرزاق هي قبة صغيرة من لبود تضرب في الأرض قوله درعا موردا أي قميصا لونه لون الورد ولعبد الرزاق درعا معصفرا وأنا صبي فبين بذلك سبب رؤيته إياها ويحتمل أن يكون رأي ما عليها اتفاقا وزاد الفاكهي في آخره قال عطاء وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تطوف راكبة في خدرها من وراء المصلين في جوف المسجد وأفرد عبد الرزاق هذا وكأن البخاري حذفه لكونه مرسلا فاغتنى عنه بطريق مالك الموصولة فأخرجها عقبة

[ 1540 ] قوله عن محمد بن عبد الرحمن هو أبو الأسود يتيم عروة قوله عن أم سلمة هي والدة زينب الراوية عنها قوله أني أشتكي أي أنها ضعيفة وقد بين المصنف من طريق هشام بن عروة عن أبيه سبب طواف أم سلمة وأنه طواف الوداع وسيأتي بعد ستة أبواب قوله وأنت راكبة في رواية هشام على بعيرك قوله والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رواية هشام والناس يصلون وبين فيه أنها صلاة الصبح وقد تقدم البحث في ذلك في صفة الصلاة وفيه جواز الطواف للراكب إذا كان لعذر وإنما أمرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها ولا تقطع صفوفهم أيضا ولا يتأذون بدابتها فأما طواف الراكب من غير عذر فسيأتي البحث فيه بعد أبواب ويلتحق بالراكب المحمول إذا كان له عذر وهل يجزئ هذا الطواف عن الحامل والمحمول فيه بحث واحتج به بعض المالكية لطهارة بول ما يؤكل لحمه وقد تقدم توجيه ذلك والتعقب عليه في باب إدخال البعير المسجد للعلة

قوله باب الكلام في الطواف أي إباحته وإنما لم يصرح بذلك لأن الخبر ورد في كلام يتعلق بأمر بمعروف لا بمطلق الكلام ولعله أشار إلى الحديث المشهور عن بن عباس موقوفا ومرفوعا الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فمن نطق فلا ينطق إلا بخير أخرجه أصحاب السنن وصححه بن خزيمة وابن حبان وقد استنبط منه بن عبد السلام أن الطواف أفضل أعمال الحج لأن الصلاة أفضل من الحج فيكون ما اشتملت عليه أفضل قال وأما حديث الحج عرفة فلا يتعين التقدير معظم الحج عرفة بل يجوز إدراك الحج بالوقوف بعرفة قلت وفيه نظر ولو سلم فما لا يتقوم الحج إلا به أفضل مما ينجبر والوقوف والطواف سواء بذلك فلا تفضيل

[ 1541 ] قوله بإنسان ربط يده إلى إنسان زاد أحمد عن عبد الرزاق عن بن جريج إلى إنسان آخر وفي رواية النسائي من طريق حجاج عن بن جريج بإنسان قد ربط يده بإنسان قوله بسير بمهملة مفتوحة وياء ساكنة معروف وهو ما يقد من الجلد وهو الشراك قوله أو بشيء غير ذلك كأن الراوي لم يضبط ما كان مربوطا به وقد روى أحمد والفاكهي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك رجلين وهما مقترنان فقال ما بال القران قالا إنا نذرنا لنقترنن حتى نأتي الكعبة فقال أطلقا أنفسكما ليس هذا نذرا إنما النذر ما يبتغى به وجه الله وإسناده إلى عمرو حسن ولم أقف على تسمية هذين الرجلين صريحا إلا أن في الطبراني من طريق فاطمة بنت مسلم حدثني خليفة بن بشر عن أبيه أنه أسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ماله وولده ثم لقيه هو وابنه طلق بن بشر مقترنين بحبل فقال ما هذا فقال حلفت لئن رد الله علي مالي وولدي لأحجن ببيت الله مقرونا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحبل فقطعه وقال لهما حجا إن هذا من عمل الشيطان فيمكن أن يكون بشر وابنه طلق صاحبي هذه القصة وأغرب الكرماني فقال قيل اسم الرجل المقود هو ثواب ضد العقاب انتهى ولم أر ذلك لغيره ولا أدري من أين أخذه قوله قد بضم القاف وسكون الدال فعل أمر وفي رواية أحمد والنسائي قده بإثبات هاء الضمير وهو للرجل المقود قال النووي وقطعه عليه الصلاة والسلام السير محمول على أنه لم يمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه أو أنه دل على صاحبه فتصرف فيه وقال غيره كان أهل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل قلت وهو بين من سياق حديثي عمرو بن شعيب وخليفة بن بشر وقال بن بطال في هذا الحديث إنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المنكر وفيه الكلام في الأمور الواجبة والمستحبة والمباحة قال بن المنذر أولى ما شغل المرء به نفسه في الطواف ذكر الله وقراءة القرآن ولا يحرم الكلام المباح إلا أن الذكر أسلم وحكى بن التين خلافا في كراهة الكلام المباح وعن مالك تقييد الكراهة بالطواف الواجب قال بن المنذر واختلفوا في القراءة فكان بن المبارك يقول ليس شيء أفضل من قراءة القرآن وفعله مجاهد واستحبه الشافعي وأبو ثور وقيده الكوفيون بالسر وروي عن عروة والحسن كراهته وعن عطاء ومالك أنه محدث وعن مالك لا بأس به إذا أخفاه ولم يكثر منه قال بن المنذر من أباح القراءة في البوادي والطرق ومنعه من الطواف لا حجة له ونقل بن التين عن الداودي أن في هذا الحديث من نذر ما لا طاعة لله تعالى فيه لا يلزمه وتعقبه بأنه ليس في هذا الحديث شيء من ذلك وإنما ظاهر الحديث أنه كان ضرير البصر ولهذا قال له قده بيده انتهى ولا يلزم من أمره له بأن يقوده أنه كان ضريرا بل يحتمل أن يكون بمعنى آخر غير ذلك وأما ما أنكره من النذر فمتعقب بما في النسائي من طريق خالد بن الحارث عن بن جريج في هذا الحديث أنه قال إنه نذر ولهذا أخرجه البخاري في أبواب النذر كما سيأتي الكلام عليه مشروحا هناك إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا رأى سيرا أو شيئا يكره في الطواف قطعه أورد فيه حديث بن عباس من وجه آخر عن بن جريج بإسناده ولفظه رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه وهذا مختصر من الحديث الذي قبله وقد تقدم الكلام عليه في الذي قبله قال بن بطال إنما قطعه لأن القود بالأزمة إنما يفعل بالبهائم وهو مثلة

قوله باب لا يطوف بالبيت عريان أورد فيه حديث أبي هريرة في ذلك وفيه حجة لاشتراط ستر العورة في الطواف كما يشترط في الصلاة وقد تقدم طرف من ذلك في أوائل الصلاة والمخالف في ذلك الحنفية قالوا ستر العورة في الطواف ليس بشرط فمن طاف عريانا أعاد ما دام بمكة فإن خرج لزمه دم وذكر بن إسحاق في سبب هذا الحديث أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم فإن لم يجد طاف عريانا فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها فجاء الإسلام فهدم ذلك كله

[ 1543 ] قوله أن لا يحج بالنصب وفي رواية صالح بن كيسان عن الزهري عند المؤلف في التفسير أن لا يحجن وهو يعين ذلك للنهي وقوله ولا يطوف يجوز فيه النصب والتقدير وأن لا يطوف والرفع على أن أن مخففة من الثقيلة ويجوز أن يقرأ بفتح الطاء وتشديد الواو وسكون الفاء عطفا على الذي قبله وسيأتي الكلام على بقية شرح هذا الحديث في تفسير براءة إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا وقف في الطواف أي هل ينقطع طوافه أو لا وكأنه أشار بذلك إلى ما روي عن الحسن أن من أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف فقطعه أن يستأنفه ولا يبني على ما مضى وخالفه الجمهور فقالوا يبني وقيده مالك بصلاة الفريضة وهو قول الشافعي وفي غيرها إتمام الطواف أولى فإن خرج بنى وقال أبو حنيفة وأشهب يقطعه ويبني واختار الجمهور قطعه للحاجة وقال نافع طول القيام في الطواف بدعة قوله وقال عطاء الخ وصل نحوه عبد الرزاق عن بن جريج قلت لعطاء الطواف الذي يقطعه علي الصلاة وأعتد به أيجزىء قال نعم وأحب إلي أن لايعتد به قال فأردت أن اركع قبل أن أتم سبعي قال لا أوف سبعك إلا أن تمنع من الطواف وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا عبد الملك عن عطاء أنه كان يقول في الرجل يطوف بعض طوافه ثم تحضر الجنازة يخرج فيصلي عليها ثم يرجع فيقضي ما بقي عليه من طوافه قوله ويذكر نحوه عن بن عمر وصل نحوه سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن جميل بن زيد قال رأيت بن عمر طاف بالبيت فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم ثم قام فبنى على ما مضى من طوافه قوله وعبد الرحمن بن أبي بكر وصله عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء أن عبد الرحمن بن أبي بكر طاف في إمارة عمرو بن سعيد على مكة يعني في خلافة معاوية فخرج عمرو إلى الصلاة فقال له عبد الرحمن انظرني حتى انصرف على وتر فانصرف على ثلاثة أطواف يعني ثم صلى ثم أتم ما بقي وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن بن عباس قال من بدت له حاجة وخرج إليها فليخرج على وتر من طوافه ويركع ركعتين ففهم بعضهم منه أنه يجزئ عن ذلك ولا يلزمه الإتمام ويؤيده ما رواه عبد الرزاق أيضا عن بن جريج عن عطاءإن كان الطواف تطوعا وخرج في وتر فإنه يجزئ عنه ومن طريق أبي الشعثاء أنه أقيمت الصلاة وقد طاف خمسة أطواف فلم يتم ما بقي تنبيه لم يذكر البخاري في الباب حديثا مرفوعا إشارة إلى أنه لم يجد فيه حديثا على شرطه وقد اسقط بن بطال من شرحه ترجمة الباب الذي يليه فصارت أحاديثه لترجمة إذا وقف في الطواف ثم استشكل إيراد كونه عليه الصلاة والسلام طاف أسبوعا وصلى ركعتين في هذا الباب وأجاب بأنه يستفاد منه أنه عليه الصلاة والسلام لم يقف ولا جلس في طوافه فكانت السنة فيه الموالاة

قوله باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين السبوع بضم المهملة والموحدة لغة قليلة في الأسبوع قال بن التين هو جمع سبع بالضم ثم السكون كبرد وبرود ووقع في حاشية الصحاح مضبوطا بفتح أوله قوله وقال نافع الخ وصله عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن بن عمر أنه كان يطوف بالبيت سبعا ثم يصلي ركعتين وعن معمر عن أيوب عن نافع أن بن عمر كان يكره قرن الطواف ويقول على كل سبع صلاة ركعتين وكان لا يقرن قوله وقال إسماعيل بن أمية وصله بن أبي شيبة مختصرا قال حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال مضت السنة أن مع كل أسبوع ركعتين ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بتمامه وأراد الزهري أن يستدل على أن المكتوبة لا تجزىء عن ركعتي الطواف بما ذكره من أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعا قط إلا صلى ركعتين وفي الاستدلال بذلك نظر لأن قوله إلا صلى ركعتين أعم من أن يكون نفلا أو فرضا لأن الصبح ركعتان فيدخل في ذلك لكن الحيثية مرعية والزهري لا يخفى عليه هذا القدر فلم يرد بقوله إلا صلى ركعتين أي من غير المكتوبة ثم أورد المصنف حديث بن عمر قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام ركعتين الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى قوله وطاف بين الصفا والمروة فيه تجوز لأنه يسمى سعيا لا طوافا إذ حقيقة الطواف الشرعية فيه غير موجودة أو هي حقيقة لغوية

[ 1544 ] قوله قال وسألت القائل هو عمرو بن دينار الراوي عن بن عمر ووجه الدلالة منه لمقصود الترجمة وهو أن القران بين الأسابيع خلاف الأولى من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله وقد قال خذوا عني مناسككم وهذا قول أكثر الشافعية وأبي يوسف وعن أبي حنيفة ومحمد يكره وأجازه الجمهور بغير كراهة وروى بن أبي شيبة بإسناد جيد عن المسور بن مخرمة أنه كان يقرن بين الأسابيع إذا طاف بعد الصبح والعصر فإذا طلعت الشمس أو غربت صلى لكل أسبوع ركعتين وقال بعض الشافعية إن قلنا إن ركعتي الطواف واجبتان كقول أبي حنيفة والمالكية فلا بد من ركعتين لكل طواف وقال الرافعي ركعتا الطواف وإن قلنا بوجوبهما فليستا بشرط في صحة الطواف لكن في تعليل بعض أصحابنا ما يقتضي اشتراطهما وإذا قلنا بوجوبهما هل يجوز فعلهما عن قعود مع القدرة فيه وجهان أصحهما لا ولا يسقط بفعل فريضة كالظهر إذا قلنا بالوجوب والأصح أنهما سنة كقول الجمهور

قوله باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة أي لم يطف تطوعا ويقرب بضم الراء ويجوز كسرها أورد فيه حديث بن عباس في ذلك وهو ظاهر فيما ترجم له وهذا لا يدل على أن الحاج منع من الطواف قبل الوقوف فلعله صلى الله عليه وسلم ترك الطواف تطوعا خشية أن يظن أحد أنه واجب وكان يحب التخفيف على أمته واجتزأ عن ذلك بما أخبرهم به من فضل الطواف بالبيت ونقل عن مالك أن الحاج لا يتنفل بطواف حتى يتم حجه وعنه الطواف بالبيت أفضل من صلاة النافلة لمن كان من أهل البلاد البعيدة وهو المعتمد تنبيه نقل بن التين عن الداودي أن الطواف الذي طافه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة من فروض الحج ولا يكون إلا وبعده السعي ثم ذكر ما يتعلق بالمتمتع قال بن التين وقوله من فروض الحج ليس بصحيح لأنه كان مفردا والمفرد لا يجب عليه طواف القدوم لقدومه وليس طواف القدوم للحج ولا هو فرض من فروضه وهو كما قال

قوله باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد هذه الترجمة معقودة لبيان إجزاء صلاة ركعتي الطواف في أي موضع أراد الطائف وإن كان ذلك خلف المقام أفضل وهو متفق عليه إلا في الكعبة أو الحجر ولذلك عقبها بترجمة من صلى ركعتي الطواف خلف المقام قوله وصلى عمر خارجا من الحرم سيأتي شرحه في الباب الذي يلي الباب بعده قوله عن أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثني محمد بن حرب الخ هكذا عطف هذه على التي قبلها وساقه هنا على لفظ الرواية الثانية وتجوز في ذلك فإن اللفظين مختلفان وقد تقدم لفظ الرواية الأولى في باب طواف النساء مع الرجال ويأتي بعد بابين أيضا قوله يحيى بن أبي زكريا الغساني هو يحيى بن يحيى اشتهر باسمه واشتهر أبوه بكنيته والغساني بغين معجمة وسين مهملة مشددة نسبة إلى بني غسان قال أبو علي الجياني وقع لأبي الحسن القابسي في هذا الإسناد تصحيف في نسب يحيى فضبطه بعين مهملة ثم شين معجمة وقال بن التين قيل هو العشاني بعين مهملة ثم معجمة خفيفة نسبة إلى بني عشانة وقيل هو بالهاء يعني بلا نون نسبة إلى بني عشاه قلت وكل ذلك تصحيف والأول هو المعتمد قال بن قرقول رواه القابسي بمهملة ثم معجمة خفيفة وهو وهم قوله عن هشام هو بن عروة قوله عن عروة عن أم سلمة كذا للأكثر ووقع للأصيلي عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة وقوله

[ 1546 ] عن زينب زيادة في هذه الطريق فقد أخرجه أبو علي بن السكن عن علي بن عبد الله بن مبشر عن محمد بن حرب شيخ البخاري فيه ليس فيه زينب وقال الدارقطني في كتاب التتبع في طريق يحيى بن أبي زكريا هذه هذا منقطع فقد رواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة ولم يسمعه عروة عن أم سلمة انتهى ويحتمل أن يكون ذلك حديثا آخر فإن حديثها هذا في طواف الوداع كما بيناه قبل قليل وأما هذه الرواية فذكرها الأثرم قال قال لي أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة قال أبو عبد الله هذا خطأ فقد قال وكيع عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة قال وهذا أيضا عجيب ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمكة وقد سألت يحيى بن سعيد يعني القطان عن هذا فحدثني به عن هشام بلفظ أمرها أن توافى ليس فيه هاء قال أحمد وبين هذين فرق فإذا عرف ذلك تبين التغاير بين القصتين فإن إحداهما صلاة الصبح يوم النحر والأخرى صلاة صبح يوم الرحيل من مكة وقد أخرج الإسماعيلي حديث الباب من طريق حسان بن إبراهيم وعلي بن هاشم ومحاضر بن المورع وعبدة بن سليمان وهو عند النسائي أيضا من طريق عبدة كلهم عن هشام عن أبيه عن أم سلمة وهذا هو المحفوظ وسماع عروة من أم سلمة ممكن فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة وهو معها في بلد واحد وقد تقدم الكلام على حديث أم سلمة في باب طواف النساء مع الرجال وموضع الحاجة منه هنا قوله في آخره فلم يصل حتى خرجت أي من المسجد أو من مكة فدل على جواز صلاة الطواف خارجا من المسجد إذ لو كان ذلك شرطا لازما لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وفي رواية حسان عند الإسماعيلي إذا قامت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وهم يصلون قالت ففعلت ذلك ولم أصل حتى خرجت أي فصليت وبهذا ينطبق الحديث مع الترجمة وفيه رد على من قال يحتمل أن تكون أكملت طوافها قبل فراغ صلاة الصبح ثم أدركتهم في الصلاة فصلت معهم صلاة الصبح ورأت أنها تجزئها عن ركعتي الطواف وإنما لم يبت البخاري الحكم في هذه المسألة لاحتمال كون ذلك يختص بمن كان له عذر لكون أم سلمة كانت شاكية ولكون عمر إنما فعل ذلك لكونه طاف بعد الصبح وكان لا يرى التنفل بعده مطلقا حتى تطلع الشمس كما سيأتي واضحا بعد باب واستدل به على أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم وهو قول الجمهور وعن الثوري يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم وعن مالك إن لم يركعهما حتى تباعد ورجع إلى بلده فعليه دم قال بن المنذر ليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة وليس على من تركها غير قضائها حيث ذكرها

قوله باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام أورد فيه حديث بن عمر الماضي قبل بابين وسيأتي الكلام عليه في أبواب العمرة وهو ظاهر فيما ترجم له وفي حديث جابر الطويل في صفة حجة الوداع عند مسلم طاف ثم تلا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى عند المقام ركعتين قال بن المنذر احتملت قراءته أن تكون صلاة الركعتين خلف المقام فرضا لكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئه ركعتا الطواف حيث شاء إلا شيئا ذكر عن مالك في أن من صلى ركتي الطواف الواجب في الحجر يعيد وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بذلك مستوفى في أوائل كتاب الصلاة في باب قول الله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى

قوله باب الطواف بعد الصبح والعصر أي ما حكم صلاة الطواف حينئذ وقد ذكر فيه آثارا مختلفة ويظهر من صنيعه أنه يختار فيه التوسعة وكأنه أشار إلى ما رواه الشافعي وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار وإنما لم يخرجه لأنه ليس على شرطه وقد أورد المصنف أحاديث تتعلق بصلاة الطواف ووجه تعلقها بالترجمة إما من جهة أن الطواف صلاة فحكمهما واحد أو من جهة أن الطواف مستلزم للصلاة التي تشرع بعده وهو أظهر وأشار به الى الخلاف المشهور في المسألة قال بن عبد البر كره الثوري والكوفيون الطواف بعد العصر والصبح قالوا فإن فعل فليؤخر الصلاة ولعل هذا عند بعض الكوفيين وإلا فالمشهور عند الحنفية أن الطواف لا يكره وإنما تكره الصلاة قال بن المنذر رخص في الصلاة بعد الطواف في كل وقت جمهور الصحابة ومن بعدهم ومنهم من كره ذلك أخذا بعموم النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر وهو قول عمر والثوري وطائفة وذهب إليه مالك وأبو حنيفة وقال أبو الزبير رأيت البيت يخلوا بعد هاتين الصلاتين ما يطوف به أحد وروى أحمد بإسناد حسن عن أبي الزبير عن جابر قال كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة ولم نكن نطوف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تطلع الشمس بين قرني شيطان قوله وكان بن عمر رضي الله عنهما يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس وصله سعيد بن منصور من طريق عطاء أنهم صلوا الصبح بغلس وطاف بن عمر بعد الصبح سبعا ثم التفت إلى أفق السماء فرأى أن عليه غلسا قال فأتبعته حتى انظر أي شيء يصنع فصلى ركعتين قال وحدثنا داود العطار عن عمرو بن دينار رأيت بن عمر طاف سبعا بعد الفجر وصلى ركعتين وراء المقام هذا إسناد صحيح وهذا جار على مذهب بن عمر في اختصاص الكراهة بحال طلوع الشمس وحال غروبها وقد تقدم ذلك عنه صريحا في أبواب المواقيت وروى الطحاوي من طريق مجاهد قال كان بن عمر يطوف بعد العصر ويصلي ما كانت الشمس بيضاء حية نقية فإذا اصفرت وتغيرت طاف طوافا واحدا حتى يصلي المغرب ثم يصلي ركعتين وفي الصبح نحو ذلك وقد جاء عن بن عمر أنه كان لايطوف بعد هاتين الصلاتين قال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع ان بن عمر كان لايطوف بعد صلاة العصر ولا بعد صلاة الصبح وأخرجه بن المنذر من طريق حماد عن أيوب أيضا ومن طريق أخرى عن نافع كان بن عمر إذا طاف بعد الصبح لا يصلي حتى تطلع الشمس وإذا طاف بعد العصر لا يصلي حتى تغرب الشمس ويجمع بين ما اختلف عنه في ذلك بأنه كان في الأغلب يفعل ذلك والذي يعتمد من رأيه عليه التفصيل السابق قوله وطاف عمر بعد الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى وصله مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر به وروى الأثرم عن أحمد عن سفيان عن الزهري مثله إلا أنه قال عن عروة بدل حميد قال أحمد أخطأ فيه سفيان قال الأثرم وقد حدثني به نوح بن يزيد من أصله عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري كما قال سفيان انتهى وقد رويناه بعلو في أمالي بن منده من طريق سفيان ولفظه ان عمر طاف بعد الصبح سبعا ثم خرج إلى المدينة فلما كان بذي طوى وطلعت الشمس صلى ركعتين

[ 1548 ] قوله عن حبيب هو المعلم كما جزم به المزي في الأطراف وقد ضاق على الإسماعيلي وأبي نعيم مخرجه فتركه الإسماعيلي وأخرجه أبو نعيم من طريق البخاري هذه والحسن بن عمر البصري شيخه جزم المزي بأنه الحسن بن عمر بن شقيق وهو من أهل البصرة وكان يتجر إلى بلخ فكان يقال له البلخي وسيأتي له ذكر في كتاب اللباس قوله ثم قعدوا إلى المذكر بالمعجمة وتشديد الكاف أي الواعظ وضبطه بن الأثير في النهاية بالتخفيف بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه قال وأرادت موضع الذكر إما الحجر وإما الحجر قوله الساعة التي تكره فيها الصلاة أي التي عند طلوع الشمس وكأن المذكورين كانوا يتحرون ذلك الوقت فأخروا الصلاة إليه قصدا فلذلك أنكرت عليهم عائشة هذا أن كانت ترى أن الطواف سبب لا تكره مع وجوده الصلاة في الأوقات المنهية ويحتمل أنها كانت تحمل النهي على عمومه ويدل لذلك ما رواه بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن عبد الملك عن عطاء عن عائشة أنها قالت إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى تطلع فصل لكل أسبوع ركعتين وهذا إسناد حسن

[ 1550 ] قوله قال عبد العزيز يعني بالإسناد المذكور وليس بمعلق وكأن عبد الله بن الزبير استنبط جواز الصلاة بعد الصبح من جواز الصلاة بعد العصر فكان يفعل ذلك بناء على اعتقاده أن ذلك على عمومه وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في أواخر المواقيت قبيل الأذان وبينا هناك أن عائشة أخبرت أنه صلى الله عليه وسلم لم يتركهما وأن ذلك من خصائصه أعني المواظبة على ما يفعله من النوافل لا صلاة الراتبة في وقت الكراهة فأغنى ذلك عن اعادته هنا والذي يظهر أن ركعتي الطواف تلتحق بالرواتب والله أعلم

قوله باب المريض يطوف راكبا أورد فيه حديث بن عباس وحديث أم سلمة والثاني ظاهر فيما ترجم له لقولها فيه إني أشتكي وقد تقدم الكلام عليهما في باب إدخال البعير المسجد للعلة في أواخر أبواب المساجد وأن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا على أنه كان عن شكوى وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث بن عباس أيضا بلفظ قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته ووقع في حديث جابر عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد ووقع في حديث أم سلمة طوفي من وراء الناس وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف وإذا حوط المسجد أمتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها واحتمل أيضا أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له فلا يقاس غيره عليه وأبعد من استدل به على طهارة بول البعير وبعره وقد تقدم حديث بن عباس قبل أبواب وزاد أبو داود في آخر حديثه فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين واستدل به للتكبير عند الركن وتقدم الكلام على حديث أم سلمة أيضا تنبيه خالد هو الطحان وخالد شيخه هو الحذاء

قوله باب سقاية الحاج قال الفاكهي حدثنا أحمد بن محمد حدثنا الحسن بن محمد بن عبيد الله حدثنا بن جريج عن عطاء قال سقاية الحاج زمزم وقال الأزرقي كان عبد مناف يحمل الماء في الروايا والقرب إلى مكة ويسكبه في حياض من أدم بفناء الكعبة للحجاج ثم فعله ابنه هاشم بعده ثم عبد المطلب فلما حفر زمزم كان يشتري الزبيب فينبذه في ماء زمزم ويسقي الناس قال بن إسحاق لما ولي قصي بن كلاب أمر الكعبة كان إليه الحجابة والسقاية واللواء والرفادة ودار الندوة ثم تصالح بنوه على أن لعبد مناف السقاية والرفادة والبقية للأخوين ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد ثم ولي السقاية من بعد عبد المطلب ولده العباس وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا فلم تزل بيده حتى قام الإسلام وهي بيده فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه فهي اليوم إلى بني العباس وروى الفاكهي من طريق الشعبي قال تكلم العباس وعلي وشيبة بن عثمان في السقاية والحجابة فأنزل الله عز وجل أجعلتم سقاية الحاج الآية إلى قوله حتى يأتي الله بأمره قال حتى تفتح مكة ومن طريق بن أبي مليكة عن بن عباس أن العباس لما مات أراد علي أن يأخذ السقاية فقال له طلحة أشهد لرأيت أباه يقوم عليها وأن أباك أبا طالب لنازل في إبله بالأراك بعرفة قال فكف علي عن السقاية ومن طريق بن جريج قال قال العباس يا رسول الله لو جمعت لنا الحجابة والسقاية فقال إنما أعطيتكم ما ترزءون ولم أعطكم ما ترزءون الأول بضم أوله وسكون الراء وفتح الزاي والثاني بفتح أوله وضم الزاي أي أعطيتكم ما ينقصكم لا ما تنقصون به الناس وروى الطبراني والفاكهي حديث السائب المخزومي أنه كان يقول اشربوا من سقاية العباس فإنه من السنة ثم ذكر البخاري في الباب حديثين أحدهما حديث بن عمر في الإذن للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى وسيأتي الكلام عليه في أواخر صفة الحج ثانيهما حديث بن عباس في قصة شربه صلى الله عليه وسلم من شراب السقاية

[ 1554 ] قوله حدثنا إسحاق هو الواسطي وقد مضى هذا الإسناد بعينه في أول الباب الذي قبله قوله فاستسقى أي طلب الشرب والفضل هو بن العباس أخو عبد الله وأمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية وهي والدة عبد الله أيضا قوله انهم يجعلون أيديهم فيه في رواية الطبراني من طريق يزيد بن أبي زياد عن عكرمة في هذا الحديث أن العباس قال له إن هذا قد مرث أفلا أسقيك من بيوتنا قال لا ولكن اسقني مما يشرب منه الناس قوله قال اسقني زاد أبو علي بن السكن في روايته فناوله العباس الدلو قوله فشرب منه في رواية يزيد المذكورة فأتى به فذاقه فقطب ثم دعا بماء فكسره قال وتقطيبه إنما كان لحموضته وكسره بالماء ليهون عليه شربه وعرف بهذا جنس المطلوب شربه إذ ذاك وقد أخرج مسلم من طريق بكر بن عبد الله المزني قال كنت جالسا مع بن عباس فقال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال أحسنتم كذا فاصنعوا قوله لولا أن تغلبوا بضم أوله على البناء للمجهول قال الداودي أي إنكم لا تتركوني أستقي ولا أحب أن أفعل بكم ما تكرهون فتغلبوا كذا قال وقال غيره معناه لولا أن تقع لكم الغلبة بأن يجب عليكم ذلك بسبب فعلي وقيل معناه لولا أن يغلبكم الولاة عليها حرصا على حيازة هذه المكرمة والذي يظهر أن معناه لولا أن تغلبكم الناس على هذا العمل إذا رأوني قد عملته لرغبتهم في الاقتداء بي فيغلبوكم بالمكاثرة لفعلت ويؤيد هذا ما أخرج مسلم من حديث جابر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم واستدل بهذا على أن سقاية الحاج خاصة ببني العباس وأما الرخصة في المبيت ففيها أقوال للعلماء من أوجه الشافعية أصحها لا يختص بهم ولا بسقايتهم واستدل به الخطابي على أن أفعاله للوجوب وفيه نظر وقال بن بزيزة أراد بقوله لولا أن تغلبوا قصر السقاية عليهم وأن لا يشاركوا فيها واستدل به على أن الذي أرصد للمصالح العامة لا يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على آله تناوله لأن العباس أرصد سقاية زمزم لذلك وقد شرب منها النبي صلى الله عليه وسلم قال بن المنير في الحاشية يحمل الأمر في مثل هذا على أنها مرصدة للنفع العام فتكون للغني في معنى الهدية وللفقير صدقة وفيه أنه لا يكره طلب السقي من الغير ولا رد ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضته مصلحة أولى منه لأن رده لما عرض عليه العباس مما يؤتى به من نبيذ لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس وفيه الترغيب في سقي الماء خصوصا ماء زمزم وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحرص أصحابه على الاقتداء به وكراهة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات قال بن المنير في الحاشية وفيه أن الأصل في الأشياء الطهارة لتناوله صلى الله عليه وسلم من الشراب الذي غمست فيه الأيدي

قوله باب ما جاء في زمزم كأنه لم يثبت عنده في فضلها حديث على شرطه صريحا وقد وقع في مسلم من حديث أبي ذر أنها طعام طعم زاد الطيالسي من الوجه الذي أخرجه منه مسلم وشفاء سقم وفي المستدرك من حديث بن عباس مرفوعا ماء زمزم لما شرب له رجاله موثقون إلا أنه اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصح وله شاهد من حديث جابر وهو أشهر منه أخرجه الشافعي وابن ماجة ورجاله ثقات إلا عبد الله بن المؤمل المكي فذكر العقيلي أنه تفرد به لكن ورد من رواية غيره عند البيهقي من طريق إبراهيم بن طهمان ومن طريق حمزة الزيات كلاهما عن أبي الزبير بن سعيد عن جابر ووقع في فوائد بن المقري من طريق سويد بن سعيد عن بن المبارك عن بن أبي الموالي عن بن المنكدر عن جابر وزعم الدمياطي أنه على رسم الصحيح وهو كما قال من حيث الرجال إلا أن سويدا وإن خرج له مسلم فإنه خلط وطعنوا فيه وقد شذ بإسناده والمحفوظ عن بن مبارك عن بن المؤمل وقد جمعت في ذلك جزءا والله أعلم وسميت زمزم لكثرتها يقال ماء زمزم أي كثير وقيل لاجتماعها نقل عن بن هشام وقال أبو زيد الزمزمة من الناس خمسون ونحوهم وعن مجاهد إنما سميت زمزم لأنها مشتقة من الهزمة والهزمة الغمز بالعقب في الأرض أخرجه الفاكهي بإسناد صحيح عنه وقيل لحركتها قاله الحربي وقيل لأنها زمت بالميزان لئلا تأخذ يمينا وشمالا وستأتي قصتها في شأن إسماعيل وهاجر في أحاديث الأنبياء وقصة حفر عبد المطلب لها في أيام الجاهلية إن شاء الله تعالى

[ 1555 ] قوله وقال عبدان سيأتي في أحاديث الأنبياء أتم منه بلفظ وقال لي عبدان وأورده هنا مختصرا وقد وصله الجوزقي بتمامه عن الدغولي عن محمد بن الليث عن عبدان بطوله وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الصلاة والمقصود منه هنا قوله ثم غسله بماء زمزم

[ 1556 ] قوله حدثنا محمد في رواية أبي ذر هو بن سلام والفزاري هو مروان بن معاوية وغلط من قال هو أبو إسحاق وعاصم هو بن سليمان الأحول قال بن بطال وغيره أراد البخاري أن الشرب من ماء زمزم من سنن الحج وفي المصنف عن طاوس قال شرب نبيذ السقاية من تمام الحج وعن عطاء لقد أدركته وأن الرجل ليشربه فتلزق شفتاه من حلاوته وعن بن جريج عن نافع أن بن عمر لم يكن يشرب من النبيذ في الحج فكأنه لم يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منه لأنه كان كثير الإتباع للآثار أو خشي أن يظن الناس أن ذلك من تمام الحج كما نقل عن طاوس قوله فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير عند بن ماجة من هذا الوجه قال عاصم فذكرت ذلك لعكرمة فحلف بالله ما فعل أي ما شرب قائما لأنه كان حينئذ راكبا انتهى وقد تقدم أن عند أبي داود من رواية عكرمة عن بن عباس أنه أناخ فصلى ركعتين فلعل شربه من زمزم كان بعد ذلك ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائما لنهيه عنه لكن ثبت عن علي عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما فيحمل على بيان الجواز

قوله باب طواف القارن أي هل يكتفي بطواف واحد أو لا بد من طوافين أورد فيه حديث عائشة في حجة الوداع وفيه وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا وحديث بن عمر في حجة عام نزل الحجاج بابن الزبير أورده من وجهين في كل منهما أنه جمع بين الحج والعمرة أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج وطاف لهما طوافا واحدا كما في الطريق الأولى وفي الطريق الثانية ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول وفي هذه الرواية رفع احتمال قد يؤخذ من الرواية الأولى أن المراد بقوله طوافا واحدا أي طاف لكل منهما طوافا يشبه الطواف الذي للآخر والحديثان ظاهران في أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد كالمفرد وقد رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن نافع عن بن عمر أصرح من سياق حديثي الباب في الرفع ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى بن عقبة وغير واحد عن نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع لابن عمر وأنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لا أنه روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم اه وهو تعليل مردود فالدراوردي صدوق وليس ما رواه مخالفا لما رواه غيره فلا مانع من أن يكون الحديث عند نافع على الوجهين واحتج الحنيفة بما روي عن علي أنه جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل وطرقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة وكذا أخرج من حديث بن مسعود بإسناد ضعيف نحوه وأخرج من حديث بن عمر نحو ذلك وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك والمخرج في الصحيحين وفي السنن عنه من طرق كثيرة الإكتفاء بطواف واحد وقال البيهقي أن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة وأما السعي مرتين فلم يثبت وقال بن حزم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه في ذلك شيء أصلا قلت لكن روى الطحاوي وغيره مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها إذا اجتمعت ولم أر في الباب أصح من حديثي بن عمر وعائشة المذكورين في هذا الباب وقد أجاب الطحاوي عن حديث بن عمر بأنه اختلف عليه في كيفية إحرام النبي صلى الله عليه وسلم وأن الذي يظهر من مجموع الروايات عنه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بحجة ثم فسخها فصيرها عمرة ثم تمتع بها إلى الحج كذا قال الطحاوي مع جزمه قبل ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا وهب أن ذلك كما قال فلم لا يكون قول بن عمر هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أمر من كان قارنا أن يقتصر على طواف واحد وحديث بن عمر المذكور ناطق بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا فإنه مع قوله فيه تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف فعل القران حيث قال بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وهذا من صور القران وغايته أنه سماه تمتعا لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعا ثم أجاب عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافا واحدا يعني الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج لأن حجتهم كانت مكية والحجة المكية لا يطاف لها إلا بعد عرفة قال والمراد بقولها جمعوا بين الحج والعمرة جمع متعة لا جمع قران انتهى وإني لكثير التعجب منه في هذا الموضع كيف ساغ له هذا التأويل وحديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم من قرن حيث قالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى فهؤلاء أهل التمتع ثم قالت وأما الذين جمعوا الخ فهؤلاء أهل القران وهذا أبين من أن يحتاج إلى إيضاح والله المستعان وقد روى مسلم من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ومن طريق طاوس عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يسعك طوافك لحجك وعمرتك وهذا صريح في الإجزاء وإن كان العلماء اختلفوا فيما كانت عائشة محرمة به قال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال حلف طاوس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا وهذا إسناد صحيح وفيه بيان ضعف ما روى عن علي وابن مسعود من ذلك وقد روى آل بيت علي عنه مثل الجماعة قال جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أنه كان يحفظ عن علي للقارن طواف واحد خلاف ما يقول أهل العراق ومما يضعف ما روى عن علي من ذلك أن أمثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن بن أدينة عنه وقد ذكر فيها أنه يمتنع على من ابتدأ الإهلال بالحج أن يدخل عليه العمرة وأن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع إدخال العمرة على الحج فإن كانت الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه وإلا فلا حجة فيها وقال بن المنذر احتج أبو أيوب من طريق النضر بأنا أجزنا جميعا للحج والعمرة سفرا واحدا وإحراما واحدا وتلبية واحدة فكذلك يجزي عنهما طواف واحد وسعي واحد لأنهما خالفا في ذلك سائر العبادات وفي هذا القياس مباحث كثيرة لانطيل بها واحتج غيره بقوله صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وهو صحيح كما سلف فدل على أنها لا تحتاج بعد أن دخلت فيه إلى عمل آخر غير عمله والحق أن المتبع في ذلك السنة الصحيحة وهي مستغنية عن غيرها وقد تقدم الكلام على بقية حديث عائشة وسيأتي الكلام على حديث بن عمر في أبواب المحصر إن شاء الله تعالى وننبه هناك على اختلاف الرواية فيه

[ 1558 ] قوله لا آمن كذا للأكثر بالمد وفتح الميم الخفيفة أي أخاف وللمستملي لا أيمن بياء ساكنة بين الهمزة والميم فقيل إنها إمالة وقيل لغة تميمية وهي عندهم بكسر الهمزة قوله فإن حيل كذا للأكثر وللكشميهني وأن يحل بضم الياء وفتح المهملة واللام ساكنة وقوله في الطريق الثانية بطوافه الأول أي الذي طافه يوم النحر للإفاضة وتوهم بعضهم أنه أراد طواف القدوم فحمله على السعي وقال بن عبد البر فيه حجة لمالك في قوله أن طواف القدوم إذا وصل بالسعي يجزيء عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلا أو نسيه حتى رجع إلى بلده وعليه الهدي قال ولا أعلم أحدا قال به غيره وغير أصحابه وتعقب بأنه إن حمل

[ 1559 ] قوله طوافه الأول على طواف القدوم فإنه أجزأ عن طواف الإفاضة كان ذلك دالا على الإجزاء مطلقا ولو تعمده لا بقيد الجهل والنسيان لا إذا حملنا قوله طوافه الأول على طواف الإفاضة يوم النحر أو على السعي ويؤيد التأويل الثاني حديث جابر عند مسلم لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول وهو محمول على ما حمل عليه حديث بن عمر المذكور والله أعلم تنبيه وقع هنا عقب الطريق الثانية لحديث بن عمر المذكور في نسخة الصغاني تعلية السند المذكور لبعض الرواة ولفظه قال أبو إسحاق حدثنا قتيبة ومحمد بن رمح قالا حدثنا الليث مثله وأبو إسحاق هذا إن كان هو المستملى فقد سقط بينه وبين قتيبة وابن رمح رجل وإن كان غيره فيحتمل أن يكون إبراهيم بن معقل النسفي الراوي عن البخاري والله أعلم

قوله باب الطواف على وضوء أورد فيه حديث عائشة أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف الحديث بطوله وليس فيه دلالة على الاشتراط إلا إذا انضم إليه قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم وباشتراط الوضوء للطواف قال الجمهور وخالف فيه بعض الكوفيين ومن الحجة عليهم قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري وسيأتي بيان الدلالة منه بعد بابين

[ 1560 ] قوله ما كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم من الطواف بالبيت قال بن بطال لا بد من زيادة لفظ أول بعد لفظ أقدامهم وأجاب الكرماني بأن معناه ما كانوا يبدءون بشيء آخر حين يضعون أقدامهم في المسجد لأجل الطواف انتهى وحاصله أنه لم يتعين حذف لفظ أول بل يجوز أن يكون الحذف في موضع آخر لكن الأول أولى لأن الثاني يحتاج إلى جعل من بمعنى من أجل وهو قليل وأيضا فلفظ أول قد ثبت في بعض الروايات وثبت أيضا في مكان آخر من الحديث نفسه ووقع في رواية الكشميهني حتى يضعوا بدل حين يضعون وتوجيهه واضح قوله ثم إنهما لا تحلان أي سواء كان إحرامهما بالحج وحده أو بالقران خلافا لمن قال أن من حج مفردا فطاف حل بذلك كما تقدم عن بن عباس وقوله أمي يعني أسماء بنت أبي بكر وخالته هي عائشة وقد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في باب من طاف إذا قدم تنبيه قال الداودي ما ذكر من حج عثمان هو من كلام عروة وما قبله من كلام عائشة وقال أبو عبد الملك منتهى حديث عائشة عند قوله ثم لم تكن عمرة ومن قوله ثم حج أبو بكر الخ من كلام عروة انتهى فعلى هذا يكون بعض هذا منقطعا لأن عروة لم يدرك أبا بكر ولا عمر نعم أدرك عثمان وعلي قول الداودي يكون الجميع متصلا وهو الأظهر

قوله باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله أي وجوب السعي بينهما مستفاد من كونهما جعلا من شعائر الله قاله بن المنير في الحاشية وتمام هذا نقل أهل اللغة في تفسير الشعائر قال الأزهري الشعائر المقالة التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها وقال الجوهري الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله ويمكن أن يكون الوجوب مستفادا من قول عائشة ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة وهو في بعض طرق حديثها المذكور في هذا الباب عند مسلم واحتج بن المنذر للوجوب بحديث صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراه بكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم ألف ساكنة ثم هاء وهي إحدى نساء بني عبد الدار قالت دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي وسمعته يقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي أخرجه الشافعي وأحمد وغيرهما وفي إسناد هذا الحديث عبد الله بن المؤمل وفيه ضعف ومن ثم قال بن المنذر إن ثبت فهو حجة في الوجوب قلت له طريق أخرى في صحيح بن خزيمة مختصرة وعند الطبراني عن بن عباس كالأولى إذا انضمت إلى الأولى قويت واختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها به ويجوز أن تكون أخذته عن جماعة فقد وقع عند الدارقطني عنها أخبرتني نسوة من بني عبد الدار فلا يضره الاختلاف والعمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم واستدل بعضهم بحديث أبي موسى في إهلاله وقد تقدم في أبواب المواقيت وفيه طف بالبيت وبين الصفا والمروة واختلف أهل العلم في هذا فالجمهور قالوا هو ركن لا يتم الحج بدونه وعن أبي حنيفة واجب يجبر بالدم وبه قال الثوري في الناسي لا في العامد وبه قال عطاء وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شيء وبه قال أنس فيما نقله بن المنذر واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة وعند الحنفية تفصيل فيما إذا ترك بعض السعي كما هو عندهم في الطواف بالبيت وأغرب بن العربي فحكى الإجماع على أن السعي ركن في العمرة وإنما الاختلاف في الحج وأغرب الطحاوي فقال في كلام له على المشعر الحرام قد ذكر الله أشياء في الحج لم يرد بذكرها إيجابها في قول أحد من الأمة من ذلك

[ 1561 ] قوله إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية وكل أجمع على أنه لو حج ولم يطوف بهما أن حجه قد تم وعليه دم وقد أطنب بن المنير في الرد عليه في حاشيته على بن بطال قوله فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة الخ الجواب محصله أن عروة احتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح فلو كان واجبا لما اكتفى بذلك لأن رفع الإثم علامة المباح ويزداد المستحب بإثبات الأجر ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك ومحل جواب عائشة أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه مصرحة برفع الإثم عن الفاعل وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم عن التارك والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمر في الإسلام فخرج الجواب مطابقا لسؤالهم وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر ولا مانع أن يكون الفعل واجبا ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة فيقال له لا جناح عليك في ذلك ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك وقد وقع في بعض الشواذ باللفظ الذي قالت عائشة أنها لو كانت للإباحة لكانت كذلك حكاه الطبري وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وغيرهم عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وأجاب الطبري بأنها محمولة على القراءة المشهورة ولا زائدة وكذا قال الطحاوي وقال غيره لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهور وقال الطحاوي أيضا لا حجة لمن قال إن السعي مستحب بقوله فمن تطوع خيرا لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع والله أعلم قوله يهلون أي يحجون قوله لمناة بفتح الميم والنون الخفيفة صنم كان في الجاهلية وقال بن الكلبي كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي لهذيل وكانوا يعبدونها والطاغية صفة لها اسلامية قوله بالمشلل بضم أوله وفتح المعجمة ولامين الأولى مفتوحة مثقلة هي الثنية المشرفة على قديد زاد سفيان عن الزهري بالمشلل من قديد أخرجه مسلم وأصله للمصنف كما سيأتي في تفسير النجم وله في تفسير البقرة من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن فذكر الحديث وفيه كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد أي مقابله وقديد بقاف مصغر قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه قاله أبو عبيد البكري قوله فكان من أهل يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة وقوله بعد ذلك إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة ظاهره أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة ويقتصرون على الطواف بمناة فسألوا عن حكم الإسلام في ذلك ويصرح بذلك رواية سفيان المذكورة بلفظ إنما كان من أهل بمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة وفي رواية معمر عن الزهري إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة أخرجه البخاري تعليقا ووصله أحمد وغيره وفي رواية يونس عن الزهري عند مسلم إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة فطرق الزهري متفقة وقد اختلف فيه على هشام بن عروة عن أبيه فرواه مالك عنه بنحو رواية شعيب عن الزهري ورواه أبو أسامة عنه بلفظ إنما أنزل الله هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة أخرجه مسلم وظاهره يوافق رواية الزهري وبذلك جزم محمد بن إسحاق فيما رواه الفاكهي من طريق عثمان بن ساج عنه أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديد فكانت الأزد وغسان يحجونها ويعظمونها إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى أتوا مناة فأهلوا لها فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة قال وكانت مناة للأوس والخزرج والأزد من غسان ومن دان دينهم من أهل يثرب فهذا يوافق رواية الزهري وأخرج مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام هذا الحديث فخالف جميع ما تقدم ولفظه إنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما أساف ونائلة فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلون فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية فهذه الرواية تقتضي أن تحرجهم إنما كان لئلا يفعلوا في الإسلام شيئا كانوا يفعلونه في الجاهلية لأن الإسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع فخشوا أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع فهذه الرواية توجيهها ظاهر بخلاف رواية أبي أسامة فإنها تقتضي أن التحرج عن الطواف بين الصفا والمروة لكونهم كانوا لا يفعلونه في الجاهلية ولا يلزم من تركهم فعل شيء في الجاهلية أن يتحرجوا من فعله في الإسلام ولولا الزيادة التي في طريق يونس حيث قال وكانت سنة في آبائهم الخ لكان الجمع بين الروايتين ممكنا بأن نقول وقع في رواية الزهري حذف تقديره أنهم كانوا يهلون في الجاهلية لمناة ثم يطوفون بين الصفا والمروة فكان من أهل أي بعد ذلك في الإسلام يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة لئلا يضاهي فعل الجاهلية ويمكن أيضا أن يكون في رواية أبي أسامة حذف تقديره كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية فجاء الإسلام فظنوا أنه أبطل ذلك فلا يحل لهم ويبين ذلك رواية أبي معاوية المذكورة حيث قال فيها فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية إلا أنه وقع فيها وهم غير هذا نبه عليه عياض فقال قوله لصنمين على شط البحر وهم فإنهما ما كانا قط على شط البحر وإنما كانا على الصفا والمروة إنما كانت مناة مما يلي جهة البحر انتهى وسقط من روايته أيضا إهلالهم أولا لمناة فكأنهم كانوا يهلون لمناة فيبدءون بها ثم يطوفون بين الصفا والمروة لأجل أساف ونائلة فمن ثم تحرجوا من الطواف بينهما في الإسلام ويؤيد ما ذكرناه حديث أنس المذكور في الباب الذي بعده بلفظ أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة فقال نعم لأنها كانت من شعار الجاهلية وروى النسائي بإسناد قوي عن زيد بن حارثة قال كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس يقال لهما أساف ونائلة كان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما الحديث وروى الطبراني وابن أبي حاتم في التفسير بإسناد حسن من حديث بن عباس قال قالت الأنصار إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية وروى الفاكهي وإسماعيل في الأحكام بإسناد صحيح عن الشعبي قال كان صنم بالصفا يدعى أساف ووثن بالمروة يدعى نائلة فكان أهل الجاهلية يسعون بينهما فلما جاء الإسلام رمى بهما وقالوا إنما كان ذلك يصنعه أهل الجاهلية من أجل أوثانهم فأمسكوا عن السعي بينهما قال فأنزل الله تعالى إنما الصفا والمروة من شعائر الله الآية وذكر الواحدي في أسبابه عن بن عباس نحو هذا وزاد فيه يزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما فلما طالت المدة عبدا والباقي نحوه وروى الفاكهي بإسناد صحيح إلى أبي مجلز نحوه وفي كتاب مكة لعمر بن شبة بإسناد قوي عن مجاهد في هذه الآية قال قالت الأنصار إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية فنزلت ومن طريق الكلبي قال كان الناس أول ما أسلموا كرهوا الطواف بينهما لأنه كان على كل واحد منهما صنم فنزلت فهذا كله يوضح قوة رواية أبي معاوية وتقدمها على رواية غيره ويحتمل أن يكون الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين منهم من كان يطوف بينهما على ما اقتضته رواية أبي معاوية ومنهم من كان لا يقربهما على ما اقتضته رواية الزهري واشترك الفريقان في الإسلام على التوقف عن الطواف بينهما لكونه كان عندهم جميعا من أفعال الجاهلية فيجمع بين الروايتين بهذا وقد أشار إلى نحو هذا الجمع البيهقي والله أعلم تنبيه قول عائشة سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا والمروة أي فرضه بالسنة وليس مرادها نفي فرضيتها ويؤيده قولها لم يتم الله حج أحدكم ولا عمرته ما لم يطف بينهما قوله ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن القائل هو الزهري ووقع في رواية سفيان عن الزهري عند مسلم قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك قوله ان هذا العلم كذا للأكثر أي أن هذا هو العلم المتين وللكشميهني أن هذا لعلم بفتح اللام وهي المؤكدة وبالتنوين على أنه الخبر قوله أن الناس إلا من ذكرت عائشة إنما ساغ له هذا الاستثناء مع أن الرجال الذين أخبروه أطلقوا ذلك لبيان الخبر عنده من رواية الزهري له عن عروة عنها ومحصل ما أخبر به أبو بكر بن عبد الرحمن أن المانع لهم من التطوف بينهما أنهم كانوا يطوفون بالبيت وبين الصفا والمروة في الجاهلية فلما أنزل الله الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بينهما ظنوا رفع ذلك الحكم فسألوا هل عليهم من حرج إن فعلوا ذلك بناء على ما ظنوه من أن التطوف بينهما من فعل الجاهلية ووقع في رواية سفيان المذكورة إنما كان من لا يطوف بينهما من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وهو يؤيد ما شرحناه أولا قوله فاسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كذا في معظم الروايات بإثبات الهمزة وضم العين بصيغة المضارعة للمتكلم وضبطه الدمياطي في نسخته بالوصل وسكون العين بصيغة الأمر والأول أصوب فقد وقع في رواية سفيان المذكورة فأراها نزلت وهو بضم الهمزة أي أظنها وحاصله أن سبب نزول الآية على هذا الأسلوب كان للرد على الفريقين الذين تحرجوا أن يطوفوا بينهما لكونه عندهم من أفعال الجاهلية والذين امتنعوا من الطواف بينهما لكونهما لم يذكرا قوله حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت يعني تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن آية الحج وهي قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق ووقع في رواية المستملي وغيره حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت وفي توجيهه عسر وكأن قوله الطواف بالبيت بدل من قوله ما ذكر بتقدير الأول إنما امتنعوا من السعي بين الصفا والمروة لأن قوله وليطوفوا بالبيت العتيق دل على الطواف بالبيت ولا ذكر للصفا والمروة فيه حتى نزل إن الصفا والمروة من شعائر الله بعد نزول وليطوفوا بالبيت وأما الثاني فيجوز أن تكون ما مصدرية أي بعد ذلك الطواف بالبيت الطواف بين الصفا والمروة والله أعلم

قوله باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة أي في كيفيته قوله وقال بن عمر الخ وصله الفاكهي من طريق بن جريج أخبرني نافع قال نزل بن عمر من الصفا حتى إذا حاذى باب بني عباد سعى حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار بنت قرظة ومن طريق عبيد الله بن أبي يزيد قال رأيت بن عمر يسعى من مجلس أبي عباد إلى زقاق بن أبي حسين قال سفيان هو بين هذين العلمين وروى بن أبي شيبة من طريق عثمان بن الأسود عن مجاهد وعطاء قال رأيتهما يسعيان من خوخة بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين قال فقلت لمجاهد فقال هذا بطن المسيل الأول اه والعلمان اللذان أشار إليهما معروفان إلى الآن وروى بن خزيمة والفاكهي من طريق أبي الطفيل قال سألت بن عباس عن السعي فقال لما بعث الله جبريل إلى إبراهيم ليريه المناسك عرض له الشيطان بين الصفا والمروة فأمر الله أن يجيز الوادي قال بن عباس فكانت سنة وسيأتي في أحاديث الأنبياء أن ابتداء ذلك كان من هاجر وروى الفاكهي بإسناد حسن عن بن عباس قال هذا ما أورثتكموه أم إسماعيل وسيأتي حديثه في آخر الباب في سبب فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثم أورد المصنف في الباب أربعة أحاديث أولها حديث بن عمر

[ 1562 ] قوله حدثنا محمد بن عبيد زاد أبو ذر في روايته هو بن أبي حاتم ولغيره محمد بن عبيد بن ميمون وهو الصواب وبه جزم أبو نعيم ولعل حاتما اسم جد له إن كانت رواية أبي ذر فيه مضبوطة وقد ذكر أبو علي الحياني أنه رآه بخط أبي محمد الأصيلي في نسخته حدثنا محمد بن عبيد بن حاتم قوله كان إذا طاف الطواف الأول أي طواف القدوم قوله خب بفتح المعجمة وتشديد الموحدة وقد تقدم في باب من طاف إذا قدم مكة قوله وكان يسعى بطن المسيل أي المكان الذي يجتمع فيه السيل وقوله بطن منصوب على الظرف وهذا مرفوع عن بن عمر وكأن المصنف بدأ بالموقوف عنه في الترجمة لكونه مفسرا لحد السعي والمراد به شدة المشي وأن كان جميع ذلك يسمى سعيا قوله فقلت لنافع القائل عبيد الله بن عمر المذكور وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالاستلام قبل بأبواب الثاني حديث بن عمر أيضا في طواف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة أورده من وجهين وقد تقدم في باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين قال شيخنا بن الملقن هنا قال صاحب المحيط من الحنفية لو بدأ بالمروة وختم بالصفا أعاد شوطا فإن البداءة واجبة ولا أصل لما قال الكرماني أن الترتيب ليس بشرط ولكن تركه مكروه لترك السنة فيستحب إعادة الشوط قلت الكرماني المذكور عالم من الحنفية وليس هو شمس الدين شارح البخاري وإنما نبهت على ذلك لئلا يتوهم أن شيخنا وقف على شرحه ونقل منه فإن هذا الكلام ما هو في شرح شمس الدين وشمس الدين شافعي المذهب يرى الترتيب شرطا في صحة السعي الثالث حديث أنس في نزول قوله تعالى

[ 1565 ] إن الصفا والمروة من شعائر الله وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله الرابع حديث بن عباس إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته والمراد بالسعي هنا شدة المشي وقد تقدم القول فيه في باب بدء الرمل

[ 1566 ] قوله زاد الحميدي الخ أي زاد التصريح بالتحديث من عمرو لسفيان ومن عطاء لعمرو هكذا رويناه في مسند الحميدي رواية بشر بن موسى عنه ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج وأخرج مسلم في هذا الباب حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الركعتين بعد طوافه خرج إلى الصفا فقال أبدأ بما بدأ الله به واستدل به على اشتراط البداءة بالصفا ورواه النسائي بلفظ الأمر فقال ابدؤا بما بدأ الله به تكميل قال بن عبد السلام المروة أفضل من الصفا لأنها تقصد بالذكر والدعاء أربع مرات بخلاف الصفا فإنما يقصد ثلاثا قال وأما البداءة بالصفا فليس بوارد لأنه وسيلة قلت وفيه نظر لأن الصفا تقصد أربعا أيضا أولها عند البداءة فكل منها مقصود بذلك ويمتاز بالابتداء وعند التنزل يتعادلان ثم ما ثمرة هذا التفضيل مع أن العبادة المتعلقة بهما لا تتم إلا بهما معا

قوله باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة جزم بالحكم الأول لتصريح الأخبار التي ذكرها في الباب بذلك وأورد المسألة الثانية مورد الاستفهام للاحتمال وكأنه أشار إلى ما روي عن مالك في حديث الباب بزيادة ولا بين الصفا والمروة قال بن عبد البر لم يقله أحد عن مالك إلا يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري قلت فإن كان يحيى حفظه فلا يدل على اشتراط الوضوء للسعي لأن السعي يتوقف على تقدم طواف قبله فإذا كان الطواف ممتنعا أمتنع لذلك لا لاشتراط الطهارة له وقد روي عن بن عمر أيضا قال تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة أخرجه بن أبي شيبة بإسناد صحيح قال وحدثنا بن فضيل عن عاصم قلت لأبي العالية تقرأ الحائض قال لا ولا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ولم يذكر بن المنذر عن أحد من السلف اشتراط الطهارة للسعي إلا عن الحسن البصري وقد حكى المجد بن تيمية من الحنابلة رواية عندهم مثله وأما ما رواه بن أبي شيبة عن بن عمر بإسناد صحيح إذا طافت ثم حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة فلتسع وعن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن مثله وهذا إسناد صحيح عن الحسن فلعله يفرق بين الحائض والمحدث كما سيأتي وقال بن بطال كأن البخاري فهم أن

[ 1567 ] قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت أن لها أن تسعى ولهذا قال وإذا سعى على غير وضوء اه وهو توجيه جيد لا يخالف التوجيه الذي قدمته وهو قول الجمهور وحكى بن المنذر عن عطاء قولين فيمن بدأ بالسعي قبل الطواف بالبيت وبالاجزاء قال بعض أهل الحديث واحتج بحديث أسامة بن شريك أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال سعيت قبل أن أطوف قال طف ولا حرج وقال الجمهور لا يجزئه وأولوا حديث أسامة على من سعى بعد طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عائشة وفيه افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري وهو بفتح التاء والطاء المهملة المشددة وتشديد الهاء أيضا أو هو على حذف إحدى التاءين وأصله تتطهري ويؤيده قوله في رواية مسلم حتى تغتسلي والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور وذهب جمع من الكوفيين إلى عدم الاشتراط قال بن أبي شيبة حدثنا غندر حدثنا شعبة سألت الحكم وحمادا ومنصورا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأسا وروي عن عطاء إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها وفي هذا تعقب على النووي حيث قال في شرح المهذب انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف واختلف أصحابه في وجوبها وجبرانه بالدم إن فعله اه ولم ينفردوا بذلك كما ترى فلعله أراد انفرادهم عن الأئمة الثلاثة لكن عند أحمد رواية أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم وعند المالكية قول يوافق هذا الحديث الثاني حديث جابر في الإهلال بالحج وفيه قصة قدوم علي ومعه الهدي وقصة عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفي في باب عمرة التنعيم من أبواب العمرة والاحتياج منه لقوله غير أنها لم تطف بالبيت تنبيه ساقه المؤلف هنا رحمه الله بلفظ خليفة وسيأتي لفظ محمد بن المثنى في باب عمرة التنعيم الحديث الثالث حديث حفصة كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف وفيه ويعتزل الحيض المصلى وقد تقدم في الحيض وفي العيدين وتقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الحيض والمحتاج إليه هنا قولها في آخره أوليس تشهد عرفة وتشهد كذا وتشهد كذا فهو المطابق لقول جابر فنسكت المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وكذا قولها ويعتزل الحيض المصلى فإنه يناسب قوله أن الحائض لا تطوف بالبيت لأنها إذا أمرت باعتزال المصلى كان اعتزالها للمسجد بل للمسجد الحرام بل للكعبة من باب الأولى

قوله باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي والحاج إذا خرج من منى كذا في معظم الروايات وفي نسخة معتمدة من طريق أبي الوقت إلى منى وكذا ذكره بن بطال في شرحه والإسماعيلي في مستخرجه ولا إشكال فيها وعلى الأول فلعله أشار إلى الخلاف في ميقات المكي قال النووي ميقات من بمكة من أهلها أو غيرهم نفس مكة على الصحيح وقيل مكة وسائر الحرم اه والثاني مذهب الحنفية واختلف في الأفضل فاتفق المذهبان على أنه من باب المنزل وفي قول للشافعي من المسجد وحجة الصحيح ما تقدم في أول كتاب الحج من حديث بن عباس حتى أهل مكة يهلون منها وقال مالك وأحمد وإسحاق يهل من جوف مكة ولا يخرج إلى الحل إلا محرما واختلفوا في الوقت الذي يهل فيه فذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يكون يوم التروية وروى مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل عن عمر أنه قال لأهل مكة ما لكم يقدم الناس عليكم شعثا وأنتم تنضحون طيبا مدهنين إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج وهو قول بن الزبير ومن أشار إليهم عبيد بن جريج بقوله لابن عمر أهل الناس إذا رأوا الهلال وقيل أن ذلك محمول على الاستحباب وبه قال مالك وأبو ثور وقال بن المنذر الأفضل أن يهل يوم التروية إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم فيعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم واحتج الجمهور بحديث أبي الزبير عن جابر وهو الذي علقه المصنف في هذا الباب وقوله في الترجمة للمكي أي إذا أراد الحج وقوله الحاج أي الآفاقي إذا كان قد دخل مكة متمتعا قوله وسئل عطاء الخ وصله سعيد بن منصور من طريقه بلفظ رأيت بن عمر في المسجد فقيل له قد رؤي الهلال فذكر قصة فيها فأمسك حتى كان يوم التروية فأتى البطحاء فلما استوت به راحلته أحرم وروى مالك في الموطأ أن بن عمر أهل لهلال ذي الحجة وذلك أنه كان يرى التوسعة في ذلك قوله وقال عبد الملك الخ الظاهر أن عبد الملك هو بن أبي سليمان وقد وصله مسلم من طريقه عن عطاء عن جابر قال أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا الحديث وفيه أيها الناس أحلوا فأحللنا حتى كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج وقد روى عبد الملك بن جريج نحو هذه القصة وسيأتي في أثناء حديث تنبيه قوله بظهر أي وراء ظهورنا وقوله أهللنا بالحج أي جعلنا مكة من ورائنا في يوم التروية حال كوننا مهلين بالحج فعلم أنهم حين الخروج من مكة كانوا محرمين ويوضح ذلك ما بعده قوله وقال أبو الزبير عن جابر أهللنا من البطحاء وصله أحمد ومسلم من طريق بن جريج عنه عن جابر قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى قال فأهللنا من الأبطح وأخرجه مسلم مطولا من طريق الليث عن أبي الزبير فذكر قصة فسخهم الحج إلى العمرة وقصة عائشة لما حاضت وفيه ثم أهللنا يوم التروية وزاد من طريق زهير عن أبي الزبير أهللنا بالحج وفي حديثه الطويل عنده نحوه تنبيه يوم التروية سيأتي الكلام عليه في الترجمة التي بعد هذه قوله وقال عبيد بن جريج لابن عمر الخ وصله المؤلف في أوائل الطهارة في اللباس بأتم من سياقه هنا قال بن بطال وغيره وجه احتجاج بن عمر على ما ذهب إليه أنه يهل يوم التروية إذا كان بمكة بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهو إنما أهل حين انبعثت به راحلته بذي الحليفة ولم يكن بمكة ولا كان ذلك يوم التروية من جهة أنه صلى الله عليه وسلم أهل من ميقاته من حين ابتدائه في عمل حجته واتصل له عمله ولم يكن بينهما مكث ربما انقطع به العمل فكذلك المكي إذا أهل يوم التروية اتصل عمله بخلاف ما لو أهل من أول الشهر وقد قال بن عباس لا يهل أحد من مكة بالحج حتى يريد الرواح إلى منى

قوله باب أين يصلي الظهر يوم التروية أي يوم الثامن من ذي الحجة وسمي التروية بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية لأنهم كانوا يروون فيها إبلهم ويرتوون من الماء لأن تلك الأماكن لم تكن إذ ذاك فيها آبار ولا عيون وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء وقد روى الفاكهي في كتاب مكة من طريق مجاهد قال قال عبد الله بن عمر يا مجاهد إذا رأيت الماء بطريق مكة ورأيت البناء يعلو أخاشبها فخذ حذرك وفي رواية فاعلم أن الأمر قد أظلك وقيل في تسميته التروية أقوال أخرى شاذة منها أن آدم رأى فيه حواء واجتمع بها ومنها أن إبراهيم رأى في ليلته أنه يذبح ابنه فأصبح متفكرا يتروى ومنها أن جبريل عليه السلام أرى فيه إبراهيم مناسك الحج ومنها أن الإمام يعلم الناس فيه مناسك الحج ووجه شذوذها أنه لو كان من الأول لكان يوم الرؤية أو الثاني لكان يوم التروي بتشديد الواو أو من الثالث لكان من الرؤيا أو من الرابع لكان من الرواية

[ 1570 ] قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي وإسحاق الأزرق هو بن يوسف وسفيان هو الثوري قال الترمذي بعد أن أخرجه صحيح يستغرب من حديث إسحاق الأزرق عن الثوري يعني أن إسحاق تفرد به وأظن أن لهذه النكتة أردفه البخاري بطريق أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز ورواية أبي بكر وإن كان قصر فيها كما سنوضحه لكنها متابعة قوية لطريق إسحاق وقد وجدنا له شواهد منها ما وقع في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر الحديث وروى أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم من حديث بن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى خمس صلوات وله عن بن عمر أنه كان يحب إذا استطاع أن يصلي الظهر بمنى يوم التروية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى وحديث بن عمر في الموطأ عن نافع عنه موقوفا ولابن خزيمة والحاكم من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير قال من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة قوله يوم النفر بفتح النون وسكون الفاء يأتي الكلام عليه في أواخر أبواب الحج

[ 1571 ] قوله حدثنا علي لم أره منسوبا في شيء من الروايات والذي يظهر لي أنه بن المديني وقد ساق المصنف الحديث على لفظ إسماعيل بن أبان وإنما قدم طريق علي لتصريحه فيها بالتحديث بين أبي بكر وهو بن عياش وعبد العزيز وهو بن رفيع قوله فلقيت أنسا ذاهبا في رواية الكشميهني راكبا قوله انظر حيث يصلي أمراؤك فصل هذا فيه اختصار يوضحه رواية سفيان وذلك أنه في رواية سفيان بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية وهو منى كما تقدم ثم خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فقال له صل مع الأمراء حيث يصلون وفيه إشعار بأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن كان الإتباع أفضل ولما خلت رواية أبي بكر بن عياش عن القدر المرفوع وقع في بعض الطرق عنه وهم فرواه الإسماعيلي من رواية عبد الحميد بن بيان عنه بلفظ أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر هذا اليوم قال صلي حيث يصلي أمراؤك قال الإسماعيلي قوله صلي غلط قلت ويحتمل أن يكون كانت صل بصيغة الأمر كغيرها من الروايات فأشبع الناسخ اللام فكتب بعدها ياء فقرأها الراوي بفتح اللام وأغرب الحميدي في جمعه فحذف لفظ فصل من آخر رواية أبي بكر بن عياش فصار ظاهره أن أنسا أخبر أنه صلى حيث يصلي الأمراء وليس كذلك فهذا بعينه الذي أطلق الإسماعيلي أنه غلط وقال بن مسعود في الأطراف جود إسحاق عن سفيان هذا الحديث ولم يجوده أبو بكر بن عياش قلت وهو كما قال وقد قدمت عذر البخاري في تخريجه وأنه أراد به دفع من يتوقف في تصحيحه لتفرد إسحاق به عن سفيان ووقع في رواية عبد الله بن محمد في هذا الباب زيادة لفظة لم يتابعه عليها سائر الرواة عن إسحاق وهي قوله أين صلى الظهر والعصر فإن لفظ العصر لم يذكره غيره فسيأتي في أواخر صفة الحج عن أبي موسى محمد بن المثنى عند المصنف وكذا أخرجه بن خزيمة عن أبي موسى وأخرجه أحمد في مسنده عن إسحاق نفسه وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب وأبو داود عن أحمد بن إبراهيم والترمذي عن أحمد بن منيع ومحمد بن وزير والنسائي عن محمد بن إسماعيل بن علية وعبد الرحمن بن محمد بن سلام والدارمي عن أحمد بن حنبل ومحمد بن أحمد وأبو عوانة في صحيحه عن سعدان بن يزيد وابن الجارود في المنتقي عن محمد بن وزير وسمويه في فوائده عن محمد بن بشار بندار وأخرجه بن المنذر والإسماعيلي من طريق بندار زاد الإسماعيلي وزهير بن حرب وعبد الحميد بن بيان وأحمد بن منيع كلهم وهم اثنا عشر نفسا عن إسحاق الأزرق ولم يقل أحد منهم في روايته والعصر وادعى الداودي أن ذكر العصر هنا وهم وإنما ذكر العصر في النفر وتعقب بأن العصر مذكور في هذه الرواية في الموضعين وقد تقدم التصريح في حديث جابر عند مسلم بأنه صلى الظهر والعصر وما بعد ذلك إلى صبح يوم عرفة بمنى فالزيادة في نفس الأمر صحيحة إلا أن عبد الله بن محمد تفرد بذكرها عن إسحاق دون بقية أصحابه والله أعلم تكميل ليس لعبد العزيز بن رفيع عن أنس في الصحيحين إلا هذا الحديث الواحد وله من غير أنس أحاديث تقدم بعضها في باب من طاف بعد الصبح والمراد بالنفر الرجوع من منى بعد انقضاء أعمال الحج والمراد بالأبطح المحصب كما سيأتي في مكانه وفي الحديث أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور وروى الثوري في جامعه عن عمرو بن دينار قال رأيت بن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة وقد تقدمت رواية القاسم عنه أن السنة أن يصليها بمنى فلعله فعل ما نقله عمرو عنه لضرورة أو لبيان الجواز وروى بن المنذر من طريق بن عباس قال إذا زاغت الشمس فليرح إلى مني قال بن المنذر في حديث بن الزبير أن من السنة أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى قال به علماء الأمصار قال ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه قال بن المنذر والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا أن الحسن وعطاء قالا لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين وكرهه مالك وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج وفي الحديث أيضا الإشارة إلى متابعة أولي الأمر والإحتزار عن مخالفة الجماعة

قوله باب الصلاة بمنى أي هل يقصر الرباعية أم لا وقد تقدم البحث في ذلك في أبواب قصر الصلاة في الكلام على نظير هذه الترجمة وأورد فيها أحاديث الباب الثلاثة لكن غاير في بعض أسانيدها فإنه أورد حديث بن عمر هناك من طريق نافع عنه وهنا من طريق ولده عبيد الله عنه

[ 1572 ] قوله وعثمان صدرا من خلافته زاد في رواية نافع المذكورة ثم أتمها وأورد حديث حارثة هناك عن أبي الوليد وهنا عن آدم كلاهما عن شعبة وحديث بن مسعود هناك من رواية عبد الواحد وهنا من رواية سفيان كلاهما عن الأعمش

[ 1574 ] قوله فليت حظي من أربع ركعتان قال الداودي خشي بن مسعود أن لا يجزئ الأربع فاعلها وتبع عثمان كراهة لخلافه وأخبر بما يعتقده وقال غيره يريد أنه لو صلى أربعا تكلفها فليتها تقبل كما تقبل الركعتان انتهى والذي يظهر أنه قال ذلك على سبيل التفويض إلى الله لعدم إطلاعه على الغيب وهل يقبل الله صلاته أم لا فتمنى أن يقبل منه من الأربع التي يصليها ركعتان ولو لم يقبل الزائد وهو يشعر بأن المسافر عنده مخير بين القصر والإتمام والركعتان لا بد منهما ومع ذلك فكان يخاف أن لا يقبل منه شيء فحاصله أنه قال إنما أتم متابعة لعثمان وليت الله قبل مني ركعتان من الأربع وقد تقدم الكلام على بقية فوائد هذه الأحاديث في أبواب القصر وعلى السبب في إتمام عثمان بمنى ولله الحمد

قوله باب صوم يوم عرفة يعني بعرفة أورد فيه حديث أم الفضل وسيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام مستوفى إن شاء الله تعالى وترجم له بنظير هذه الترجمة سواء

قوله باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة أي مشروعيتهما وغرضه بهذه الترجمة الرد على من قال يقطع المحرم التلبية إذا راح إلى عرفة وسيأتي البحث فيه بعد أربعة عشر بابا إن شاء الله تعالى

[ 1576 ] قوله عن محمد بن أبي بكر الثقفي تقدم في العيدين من وجه آخر عن مالك حدثني محمد وليس لمحمد المذكور في الصحيح عن أنس ولا غيره غير هذا الحديث الواحد وقد وافق أنسا على روايته عبد الله بن عمر أخرجه مسلم قوله وهما غاديان أي ذاهبان غدوة قوله كيف كنتم تصنعون أي من الذكر ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن أبي بكر قلت لأنس غداة عرفة ما تقول في التلبية في هذا اليوم قوله فلا ينكر عليه بضم أوله على البناء للمجهول في رواية موسى بن عقبة لا يعيب أحدنا على صاحبه وفي حديث بن عمر المشار إليه من طريق عبد الله بن أبي سلمة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر وفي رواية له قال يعني عبد الله بن أبي سلمة فقلت له يعني لعبيد الله عجبا لكم كيف لم تسألوه ماذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع وأراد عبد الله بن أبي سلمة بذلك الوقوف على الأفضل لأن الحديث يدل على التخيير بين التكبير والتلبية من تقريره لهم صلى الله عليه وسلم على ذلك فأراد أن يعرف ما كان يصنع هو ليعرف الأفضل من الأمرين وسيأتي من حديث بن مسعود بيان ذلك إن شاء الله تعالى

قوله باب التهجير بالرواح يوم عرفة أي من نمرة لحديث بن عمر أيضا غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل نمرة وهو منزل الإمام الذي ينزل فيه بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف أخرجه أحمد وأبو داود وظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها لكن في حديث جابر الطويل عند مسلم أن توجهه صلى الله عليه وسلم منها كان بعد طلوع الشمس ولفظه فضربت له قبة بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت فأتى بطن الوادي انتهى ونمرة بفتح النون وكسر الميم موضع بقرب عرفات خارج الحرم بين الحرم وطرف عرفات

[ 1577 ] قوله عن سالم هو بن عبد الله بن عمر قوله كتب عبد الملك يعني بن مروان قوله الى الحجاج يعني بن يوسف الثقفي حين أرسله إلى قتال بن الزبير كما سيأتي مبينا بعد باب قوله في الحج أي في أحكام الحج وللنسائي من طريق أشهب عن مالك في أمر الحج وكان بن الزبير لم يمكن الحجاج وعسكره من دخول مكة فوقف قبل الطواف قوله فجاء بن عمر رضي الله عنهما وأنا معه القائل هو سالم ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فركب هو وسالم وأنا معهما وفي روايته قال بن شهاب وكنت يومئذ صائما فلقيت من الحر شدة واختلف الحفاظ في رواية معمر هذه فقال يحيى بن معين هي وهم وابن شهاب لم ير بن عمر ولا سمع منه وقال الذهلي لست أدفع رواية معمر لأن بن وهب روى عن العمري عن بن شهاب نحو رواية معمر وروى عنبسة بن خالد عن يونس عن بن شهاب قال وفدت إلى مروان وأنا محتلم قال الذهلي ومروان مات سنة خمس وستين وهذه القصة كانت سنة ثلاث وسبعين انتهى وقال غيره إن رواية عنبسة هذه أيضا وهم وإنما قال الزهري وفدت على عبد الملك ولو كان الزهري وفد على مروان لأدرك جلة الصحابة ممن ليست له عنهم رواية إلا بواسطة وقد أدخل مالك وعقيل واليهما المرجع في حديث الزهري بينه وبين بن عمر في هذه القصة سالما فهذا هو المعتمد قوله فصاح عند سرادق الحجاج أي خيمته زاد الإسماعيلي من هذا الوجه أين هذا أي الحجاج ومثله يأتي بعد باب من رواية القعنبي قوله وعليه ملحفة بكسر الميم أي إزار كبير والمعصفر المصبوغ بالعصفر وقوله يا أبا عبد الرحمن هي كنية بن عمر وقوله الرواح بالنصب أي عجل أو رح قوله ان كنت تريد السنة في رواية بن وهب أن كنت تريد أن تصيب السنة قوله فأنظرني بالهمزة وكسر الظاء المعجمة أي أخرني وللكشميهني بألف وصل وضم الظاء أي انتظرني قوله فنزل يعني بن عمر كما صرح به بعد بابين قوله فاقصر بألف موصولة ومهملة ومكسورة قال بن عبد البر هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن المراد بالسنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها كسنة العمرين قلت وهي مسألة خلاف عند أهل الحديث والأصول وجمهورهم على ما قال بن عبد البر وهي طريقة البخاري ومسلم ويقويه قول سالم لابن شهاب إذ قال له أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهل يتبعون في ذلك إلا سنته وسيأتي بعد باب قوله وعجل الوقوف قال بن عبد البر كذا رواه القعنبي وأشهب وهو عندي غلط لأن أكثر الرواة عن مالك قالوا وعجل الصلاة قال ورواية القعنبي لها وجه لأن تعجيل الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة قلت قد وافق القعنبي عبد الله بن يوسف كما ترى ورواية أشهب التي أشار إليها عند النسائي فهؤلاء ثلاثة رووه هكذا فالظاهر أن الاختلاف فيه من مالك وكأنه ذكره باللازم لأن الغرض بتعجيل الصلاة حينئذ تعجيل الوقوف قال بن بطال وفي هذا الحديث الغسل للوقوف بعرفة لقول الحجاج لعبد الله أنظرني فانتظره وأهل العلم يستحبونه انتهى ويحتمل أن يكون بن عمر إنما انتظره لحمله على أن اغتساله عن ضرورة نعم روى مالك في الموطأ عن نافع أن بن عمر كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة وقال الطحاوي فيه حجة لمن أجاز المعصفر للمحرم وتعقبه بن المنير في الحاشية بأن الحجاج لم يكن يتقي المنكر الأعظم من سفك الدماء وغيره حتى يتقي المعصفر وإنما لم ينهه بن عمر لعلمه بأنه لا ينجح فيه النهي ولعلمه بأن الناس لا يقتدون بالحجاج انتهى ملخصا وفيه نظر لأن الاحتجاج إنما هو بعدم إنكار بن عمر فبعدم إنكاره يتمسك الناس فس اعتقاد الجواز وقد تقدم الكلام على مسألة المعصفر في بابه وقال المهلب فيه جواز تأمير الأدون على الأفضل وتعقبه بن المنير أيضا بأن صاحب الأمر في ذلك هو عبد الملك وليس بحجة ولا سيما في تأمير الحجاج وأما بن عمر فإنما أطاع لذلك فرارا من الفتنة قال وفيه أن إقامة الحج إلى الخلفاء وأن الأمير يعمل في الدين بقول أهل العلم ويصير إلى رأيهم وفيه مداخلة العلماء السلاطين وأنه لا نقيصة عليهم في ذلك وفيه فتوى التلميذ بحضرة معلمه عند السلطان وغيره وابتداء العالم بالفتوى قبل أن يسأل عنه وتعقبه بن المنير بأن بن عمر إنما ابتدأ بذلك لمسألة عبد الملك له في ذلك فإن الظاهر أنه كتب إليه بذلك كما كتب إلى الحجاج قال وفيه الفهم بالإشارة والنظر لقول سالم فجعل الحجاج ينظر إلى عبد الله فلما رأى ذلك قال صدق انتهى وفيه طلب العلو في العلم لتشوف الحجاج إلى سماع ما أخبره به سالم من أبيه بن عمر ولم ينكر ذلك بن عمر وفيه تعليم الفاجر السنن لمنفعة الناس وفيه احتمال المفسدة الخفيفة لتحصيل المصلحة الكبيرة يؤخذ ذلك من مضي بن عمر إلى الحجاج وتعليمه وفيه الحرص على نشر العلم لانتفاع الناس به وفيه صحة الصلاة خلف الفاسق وأن التوجه إلى المسجد الذي بعرفة حين تزول الشمس للجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر سنة ولا يضر التأخر بقدر ما يشتغل به المرء من متعلقات الصلاة كالغسل ونحوه وسيأتي بقية ما فيه في الذي يليه

قوله باب الوقوف على الدابة بعرفة أورد فيه حديث أم الفضل في فطره صلى الله عليه وسلم يوم عرفة بها وقد تقدم قريبا ويأتي الكلام عليه في كتاب الصيام وموضع الحاجة منه

[ 1578 ] قوله فيه وهو واقف على بعيره وأصرح منه حديث جابر الطويل عند مسلم ففيه ثم ركب إلى الموقف فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس واختلف أهل العلم في أيهما أفضل الركوب أم تركه بعرفة فذهب الجمهور إلى أن الأفضل الركوب لكونه صلى الله عليه وسلم وقف راكبا ومن حيث النظر فإن في الركوب عونا على الاجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب حينئذ كما ذكروا مثله في الفطر وذهب آخرون إلى أن استحباب الركوب يختص بمن يحتاج الناس إلى التعليم منه وعن الشافعي قول أنهما سواء واستدل به على أن الوقوف على ظهر الدواب مباح وأن النهي الوارد في ذلك محمول على ما إذا أجحف بالدابة

قوله باب الجمع بين الصلاتين بعرفة لم يبين حكم ذلك وقد ذهب الجمهور إلى أن ذلك الجمع المذكور يختص بمن يكون مسافرا بشرطه وعن مالك والأوزاعي وهو وجه للشافعية أن الجمع بعرفة جمع للنسك فيجوز لكل أحد وروى بن المنذر بإسناد صحيح عن القاسم بن محمد سمعت بن الزبير يقول إن من سنة الحج أن الإمام يروح إذا زالت الشمس يخطب فيخطب الناس فإذا فرغ من خطبته نزل فصلى الظهر والعصر جميعا واختلف فيمن صلى وحده كما سيأتي قوله وكان بن عمر الخ وصله إبراهيم الحربي في المناسك له قال حدثنا الحوضي عن همام أن نافعا حدثه أن بن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله وأخرج الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع مثله وأخرجه بن المنذر من هذا الوجه وبهذا قال الجمهور وخالفهم في ذلك النخعي والثوري وأبو حنيفة فقالوا يختص الجمع بمن صلى مع الإمام وخالف أبا حنيفة في ذلك صاحباه والطحاوي ومن أقوى الأدلة لهم صنيع بن عمر هذا وقد روى حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين وكان مع ذلك يجمع وحده فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص بالامام ومن قواعدهم أن الصحابي إذا خالف ما روى دل على أن عنده علما بأن مخالفه أرجح تحسينا للظن به فينبغي أن يقال هذا هنا وهذا في الصلاة بعرفة وأما صلاة المغرب فعند أبي حنيفة وزفر ومحمد يجب تأخيرها إلى العشاء فلو صلاها في الطريق أعاد وعن مالك يجوز لمن به أو بدابته عذر فيصليها لكن بعد مغيب الشفق الأحمر وعن المدونة يعيد من صلى المغرب قبل أن يأتي جمعا وكذا من جمع بينها وبين العشاء بعد مغيب الشفق فيعيد العشاء وعن أشهب إن جاء جمعا قبل الشفق جمع وقال بن القاسم حتى يغيب وعند الشافعية وجمهور أهل العلم لو جمع تقديما أو تأخيرا قبل جمع أو بعد أن نزلها أو أفرد أجزأ وفاتت السنة واختلافهم مبني على أن الجمع بعرفة وبالمزدلفة للنسك أو للسفر

[ 1579 ] قوله وقال الليث الخ وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح جميعا عن الليث قوله سأل عبد الله يعني بن عمر قوله فهجر الصلاة أي صلى بالهاجرة وهي شدة الحر قوله إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة بضم المهملة وتشديد النون أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكأن بن عمر فهم من قول ولده سالم فهجر بالصلاة أي الظهر والعصر معا فأجاب بذلك فطابق كلام ولده وقال الطيبي قوله في السنة هو حال من فاعل يجمعون أي متوغلين في السنة قاله تعريضا بالحجاج قوله فقلت لسالم القائل هو بن شهاب وقوله أفعل بهمزة استفهام وقوله وهل يتبعون بذلك بتشديد المثناة وكسر الموحدة بعدها مهملة كذا للأكثر من الإتباع وللكشميهني يبتغون في ذلك بسكون الموحدة وفتح المثناة بعدها غين معجمة من الإبتغاء أي لا يطلبون في ذلك الفعل إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية الحموي بحذف في وهي مقدرة

قوله باب قصر الخطبة بعرفة أورد فيه حديث بن عمر الماضي قريبا وفيه قول سالم إن كنت تريد السنة اليوم فاقصر الخطبة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى وقيد المصنف قصر الخطبة بعرفة اتباعا للفظ الحديث وقد أخرج مسلم الأمر باقتصار الخطبة في أثناء حديث لعمار أخرجه في الجمعة قال بن التين أطلق أصحابنا العراقيون أن الإمام لا يخطب يوم عرفة وقال المدنيون والمغاربة يخطب وهو قول الجمهور ويحمل قول العراقيين على معنى أنه ليس لما يأتي به من الخطبة تعلق بالصلاة كخطبة الجمعة وكأنهم أخذوه من قول مالك كل صلاة يخطب لها يجهر فيها بالقراءة فقيل له فعرفة يخطب فيها ولا يجهر بالقراءة فقال إنما تلك للتعليم

قوله باب التعجيل إلى الموقف كذا للأكثر هذه الترجمة بغير حديث وسقط من رواية أبي ذر أصلا ووقع في نسخة الصغاني هنا ما لفظه يدخل في الباب حديث مالك عن بن شهاب يعني الذي رواه عن سالم وهو المذكور في الباب الذي قبل هذا ولكني أريد أن أدخل فيه غير معاد يعني حديثا لا يكون تكرر كله سندا ومتنا قلت وهو يقتضي أن أصل قصده أن لا يكرر فيحمل على أن كل ما وقع فيه من تكرار الأحاديث إنما هو حيث يكون هناك مغايرة إما في السند وإما في المتن حتى أنه لو أخرج الحديث في الموضعين عن شيخين حدثاه به عن مالك لا يكون عنده معادا ولا مكررا وكذا لو أخرجه في موضعين بسند واحد لكن اختصر من المتن شيئا أو أورده في موضع موصولا وفي موضع معلقا وهذه الطريق لم يخالفها إلا في مواضع يسيرة مع طول الكتاب إذا بعد ما بين البابين بعدا شديدا ونقل الكرماني أنه رأى في بعض النسخ عقب هذه الترجمة قال أبو عبد الله يعني المصنف يزاد في هذا الباب هم حديث مالك عن بن شهاب ولكني لا أريد أن أدخل فيه معادا أي مكررا قلت كأنه لم يحضره حينئذ طريق للحديث المذكور عن مالك غير الطريقين اللتين ذكرهما وهذا يدل على أنه لا يعيد حديثا إلا لفائدة إسناديه أو متنية كما قدمته وأما قوله في هذه الزيادة التي نقلها الكرماني هم فهي بفتح الهاء وسكون الميم قال الكرماني قيل إنها فارسية وقيل عربية ومعناها قريب من معنى أيضا قلت صرح غير واحد من علماء العربية ببغداد بأنها لفظة اصطلح عليها أهل بغداد وليست بفارسية ولا هي عربية قطعا وقد دل كلام الصغاني في نسخته التي أتقنها وحررها وهو من أئمة اللغة خلو كلام البخاري عن هذه اللفظة

قوله باب الوقوف بعرفة أي دون غيرها فيما دونها أو فوقها وأورد المصنف في ذلك حديثين الأول

[ 1581 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة وعمرو هو بن دينار قوله أضللت بعيرا كذا للأكثر في الطريق الثانية وفي رواية الكشميهني لي كما في الأولى قوله فذهبت أطلبه يوم عرفة في رواية الحميدي في مسنده ومن طريقه أخرجه أبو نعيم أضللت بعيرا لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة فعلى هذا فقوله يوم عرفة يتعلق بأضللت فإن جبيرا إنما جاء إلى عرفة ليطلب بعيره لا ليقف بها قوله من الحمس بضم المهملة وسكون الميم بعدها مهملة سيأتي تفسيره قوله فما شأنه ههنا في رواية الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وابن أبي عمر جميعا عن سفيان فما له خرج من الحرم وزاد مسلم في روايته عن عمرو الناقد وأبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بعد قوله فما شأنه ههنا وكانت قريش تعد من الحمس وهذه الزيادة توهم أنها من أصل الحديث وليس كذلك بل هي من قول سفيان بينه الحميدي في مسنده عنه ولفظه متصلا بقوله ما شأنه ههنا قال سفيان والأحمس الشديد على دينه وكانت قريش تسمى الحمس وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم ووقع عند الإسماعيلي من طريقيه بعد قوله فما له خرج من الحرم قال سفيان الحمس يعني قريشا وكانت تسمى الحمس وكانت لا تجاوز الحرم ويقولون نحن أهل الله لا نخرج من الحرم وكان سائر الناس يقف بعرفة وذلك قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس انتهى وعرف بهاتين الزيادتين معنى حديث جبير وكأن البخاري حذفهما إستغناء بالرواية عن عروة لكن في سياق سفيان فوائد زائدة وقد روى بعض ذلك بن خزيمة وإسحاق بن راهويه في مسنده موصولا من طريق بن إسحاق حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن عمه نافع بن جبير عن أبيه قال كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولون نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف بعرفة قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم ويدفع إذا دفعوا ولفظ يونس بن بكير عن بن إسحاق في المغازي مختصرا وفيه توفيقا من الله له وأخرجه إسحاق أيضا عن الفضل بن موسى عن عثمان بن الأسود عن عطاء أن جبير بن مطعم قال أضللت حمارا لي في الجاهلية فوجدته بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات مع الناس فلما أسلمت علمت أن الله وفقه لذلك وأما تفسير الحمس فروى إبراهيم الحربي في غريب الحديث من طريق بن جريج عن مجاهد قال الحمس قريش ومن كان يأخذ مأخذها من القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف وغزوان وبني عامر وبني صعصعة وبني كنانة إلا بني بكر والأحمس في كلام العرب الشديد وسموا بذلك لما شددوا على أنفسهم وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لحما ولا يضربون وبرا ولا شعرا وإذا قدموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم وروى إبراهيم أيضا من طريق عبد العزيز بن عمران المدني قال سموا حمسا بالكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد انتهى والأول أشهر وأكثر وأنه من التحمس وهو التشدد قال أبو عبيدة معمر بن المثنى تحمس تشدد ومنه حمس الوغى إذا أشتد وسيأتي مزيد لذلك في الكلام على الحديث الذي بعده وأفادت هذه الرواية أن رواية جبير له لذلك كانت قبل الهجرة وذلك قبل أن يسلم جبير وهو نظير روايته أنه سمعه يقرأ في المغرب بالطور وذلك قبل أن يسلم جبير أيضا كما تقدم وتضمن ذلك التعقب على السهيلي حيث ظن أن رواية جبير لذلك كانت في الإسلام في حجة الوداع فقال انظر كيف أنكر جبير هذا وقد حج بالناس عتاب سنة ثمان وأبو بكر سنة تسع ثم قال إما أن يكونا وقفا بجمع كما كانت قريش تصنع وإما أن يكون جبير لم يشهد معهما الموسم وقال الكرماني وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة كانت سنة عشر وكان جبير حينئذ مسلما لأنه أسلم يوم الفتح فإن كان سؤاله عن ذلك إنكارا أو تعجبا فلعله لم يبلغه نزول قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وإن كان للإستفهام عن حكمة المخالفة عما كانت عليه الحمس فلا إشكال ويحتمل أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة بعرفة قبل الهجرة انتهى ملخصا وهذا الأخير هو المعتمد كما بينته قبل بدلائله وكأنه تبع السهيلي في ظنه أنها حجة الوداع أو وقع له اتفاقا ودل هذا الحديث على أن المراد بقوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس الإفاضة من عرفة وظاهر سياق الآية أنها الإفاضة من مزدلفة لأنها ذكرت بلفظة ثم بعد ذكر الأمر بالذكر عند المشعر الحرام وأجاب بعض المفسرين بأن الأمر بالذكر عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفات التي سيقت بلفظ الخبر لما ورد منه على المكان الذي تشرع الإفاضة منه فالتقدير فإذا أفضتم اذكروا ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس لا من حيث كان الحمس يفيضون أو التقدير فإذا أفضتم من عرفات إلى المشعر الحرام فاذكروا الله عنده ولتكن إفاضتكم من المكان الذي يفيض فيه الناس غير الحمس الحديث الثاني قوله قال عروة في رواية عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه فذكره قوله والحمس قريش وما ولدت زاد معمر وكان ممن ولدت قريش خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة وقد تقدم في أثر مجاهد أن منهم أيضا غزوان وغيرهم وذكر إبراهيم الحربي في غريبه عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال كانت قريش إذا خطب إليهم الغريب اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم فدخل في الحمس من غير قريش ثقيف وليث وخزاعة وبنو عامر بن صعصعة يعني وغيرهم وعرف بهذا أن المراد بهذه القبائل من كانت له من أمهاته قريشية لا جميع القبائل المذكورة

[ 1582 ] قوله فأخبرني أبي القائل هو هشام بن عروة والموصول من الحديث هذا القدر في سبب نزول هذه الآية وسيأتي في تفسير البقرة من وجه آخر أتم من هذا وقوله فدفعوا إلى عرفات في رواية الكشميهني فرفعوا بالراء ولمسلم من طريق أبي أسامة عن هشام رجعوا إلى عرفات والمعنى أنهم أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها ثم يفيضوا منها وقد تقدم في طريق جبير سبب امتناعهم من ذلك وتقدم الكلام على قصة الطواف عريانا في أوائل الصلاة وعرف برواية عائشة أن المخاطب بقوله تعالى أفيضوا النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به من كان لايقف بعرفة من قريش وغيرهم وروى بن أبي حاتم وغيره عن الضحاك أن المراد بالناس هنا إبراهيم الخليل عليه السلام وعنه المراد به الإمام وعن غيره آدم وقرئ في الشواذ الناسي بكسر السين بوزن القاضي والأول أصح نعم الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره من طريق يزيد بن شيبان قال كنا وقوفا بعرفة فأتانا بن مريع فقال إني رسول رسول الله إليكم يقول لكم كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم الحديث ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد خاصة بقوله من حيث أفاض الناس بل هو الأعم من ذلك والسبب فيه ما حكته عائشة رضي الله عنها وأما الإتيان في الآية بقوله ثم فقيل هي بمعنى الواو وهذا اختيار الطحاوي وقيل لقصد التأكيد لا لمحض الترتيب والمعنى فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم اجعلوا الإفاضة التي تفيضونها من حيث أفاض الناس لا من حيث كنتم تفيضون قال الزمخشري وموقع ثم هنا موقعها من قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم فتأتى ثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات بين لهم مكان الإفاضة فقال ثم أفيضوا لتفاوت ما بين الإفاضتين وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ قال الخطابي تضمن قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس الأمر بالوقوف بعرفة لأن الإفاضة إنما تكون عند اجتماع قبله وكذا قال بن بطال وزاد وبين الشارع مبتدأ الوقوف بعرفة ومنتهاه

قوله باب السير إذا دفع من عرفة أي صفته

[ 1583 ] قوله عن أبيه في رواية بن خزيمة من طريق سفيان عن هشام سمعت أبي قوله سئل أسامة وأنا جالس في رواية النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك وأنا جالس معه وفي رواية مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام عن أبيه سئل أسامة وأنا شاهده وقال سألت أسامة بن زيد قوله حين دفع في رواية يحيى بن يحيى الليثي وغيره عن مالك في الموطأ حين دفع من عرفة قوله العنق بفتح المهملة والنون هو السير الذي بين الإبطاء والإسراع قال في المشارق هو سير سهل في سرعة وقال القزاز العنق سير سريع وقيل المشي الذي يتحرك به عنق الدابة وفي الفائق العنق الخطو الفسيح وانتصب العنق على المصدر المؤكد من لفظ الفعل قوله نص أي أسرع قال أبو عبيد النص تحريك الدابة حتى يستخرج به أقصى ما عندها وأصل النص غاية المشي ومنه نصصت الشيء رفعته ثم استعمل في ضرب سريع من السير قوله قال هشام يعني بن عروة الراوي وكذا بين مسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن وأبو عوانة من طريق أنس بن عياض كلاهما عن هشام أن التفسير من كلامه وأدرجه يحيى القطان فيما أخرجه المصنف في الجهاد وسفيان فيما أخرجه النسائي وعبد الرحيم بن سليمان ووكيع فيما أخرجه بن خزيمة كلهم عن هشام وقد رواه إسحاق في مسنده عن وكيع ففصله وجعل التفسير من كلام وكيع وقد رواه بن خزيمة من طريق سفيان ففصله وجعل التفسير من كلام سفيان وسفيان ووكيع إنما أخذا التفسير المذكور عن هشام فرجع التفسير إليه وقد رواه أكثر رواة الموطأ عن مالك فلم يذكروا التفسير وكذلك رواه أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة ومسلم من طريق حماد بن زيد كلاهما عن هشام قال بن خزيمة في هذا الحديث دليل على أن الحديث الذي رواه بن عباس عن أسامة أنه قال فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى جمعا أنه محمول على حال الزحام دون غيره اه وأشار بذلك إلى ما أخرجه حفص من طريق الحكم عن مقسم عن بن عباس عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه حين أفاض من عرفة وقال أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيجاف قال فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى جمعا الحديث وأخرجه أبو داود وسيأتي للمصنف بعد باب من حديث بن عباس ليس فيه أسامة ويأتي الكلام عليه هناك وأخرج مسلم من طريق عطاء عن بن عباس عن أسامة في أثناء حديث قال فما زال يسير على هينته حتى أتى جمعا وهذا يشعر بأن بن عباس إنما أخذه عن أسامة كما ستأتي الحجة لذلك وقال بن عبد البر في هذا الحديث كيفية السير في الدفع عن عرفة إلى مزدلفة لأجل الإستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة ومن الإسراع عند عدم الزحام وفيه أن السلف كانوا يحرصون على السؤال عن كيفية أحواله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته وسكونه ليقتدوا به في ذلك قوله فجوة بفتح الفاء وسكون الجيم المكان المتسع كما سيأتي تفسيره في آخر الباب ورواه أبو مصعب ويحيى بن بكير وغيرهما عن مالك بلفظ فرجة بضم الفاء وسكون الراء وهو بمعنى الفجوة قوله في رواية المستملي وحده قال أبو عبد الله هو المصنف فجوة متسع والجمع فجوات أي بفتحتين وفجاء أي بكسر الفاء والمد وكذلك ركوة وركاء وركوات قوله مناص ليس حين فرار أي هرب أي تفسير قوله تعالى ولات حين مناص وإنما ذكر هذا الحرف هنا لقوله نص ولا تعلق له به إلا لدفع وهم من يتوهم أن أحدهما مشتق من الآخر وإلا فمادة نص غير مادة ناص قال أبو عبيدة في المجاز المناص مصدر من قوله ناص ينوص

قوله باب النزول بين عرفة وجمع أي لقضاء الحاجة ونحوها وليس من المناسك

[ 1584 ] قوله عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري وروايته عن موسى بن عقبة من رواية الأقران لأنهما تابعيان صغيران وقد حمله موسى عن كريب فصار في الإسناد ثلاثة من التابعين قوله حيث أفاض في رواية أبي الوقت حين وهي أولى لأنها ظرف زمان وحيث ظرف مكان نكتة في حيث ست لغات ضم آخرها وفتحه وكسره وبالواو بدل الياء مع الحركات قوله مال إلى الشعب بين محمد بن أبي حرملة في روايته الآتية بعد حديث عن كريب أنه قرب المزدلفة وأردف المصنف بهذا الحديث حديث بن عمر أنه كان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك في كونه يقضي الحاجة بالشعب ويتوضأ لكنه لا يصلي إلا بالمزدلفة وقوله

[ 1585 ] فينتفض بفاء وضاد معجمة أي يستجمر وقد سبق بيانه في كتاب الطهارة وأخرجه الفاكهي من وجه آخر عن بن عمر من طريق سعيد بن جبير قال دفعت مع بن عمر من عرفة حتى إذا وازينا الشعب الذي يصلي فيه الخلفاء المغرب دخله بن عمر فتنفض فيه ثم توضأ وكبر فانطلق حتى جاء جمعا فأقام فصلى المغرب فلما سلم قال الصلاة ثم صلى العشاء وأصله في الجمع بجمع عند مسلم وأصحاب السنن وروى الفاكهي أيضا من طريق بن جريج قال قال عطاء أردف النبي صلى الله عليه وسلم أسامة فلما جاء الشعب الذي يصلي فيه الخلفاء الآن المغرب نزل فإهراق الماء ثم توضأ وظاهر هذين الطريقين أن الخلفاء كانوا يصلون المغرب عند الشعب المذكور قبل دخول وقت العشاء وهو خلاف السنة في الجمع بين الصلاتين بمزدلفة ووقع عند مسلم من طريق محمد بن عقبة عن كريب لما أتى الشعب الذي ينزله الأمراء وله من طريق إبراهيم بن عقبة عن كريب الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمغرب والمراد بالخلفاء والأمراء في هذا الحديث بنو أمية فلم يوافقهم بن عمر على ذلك وقد جاء عن عكرمة إنكار ذلك وروى الفاكهي أيضا من طريق بن أبي نجيح سمعت عكرمة يقول اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالا واتخذتموه مصلى وكأنه أنكر بذلك على من ترك الجمع بين الصلاتين لمخالفته السنة في ذلك وكان جابر يقول لا صلاة إلا بجمع أخرجه بن المنذر بإسناد صحيح ونقل عن الكوفيين وعند بن القاسم صاحب مالك وجوب الإعادة وعن أحمد إن صلى أجزأه وهو قول أبي يوسف والجمهور

[ 1586 ] قوله عن محمد بن أبي حرملة هو المدني مولى آل حويطب ولا يعرف اسم أبيه وكان خصيف يروي عنه فيقول حدثني محمد بن حويطب فذكر بن حبان أن خصيفا كان ينسبه إلى جد مواليه والإسناد من شيخ قتيبة ألخ كلهم مدنيون قوله ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر الدال أي ركبت وراءه وفيه الركوب حال الدفع من عرفة والإرتداف على الدابة ومحله إذا كانت مطيقة وارتداف أهل الفضل ويعد ذلك من إكرامهم للرديف لا من سوء أدبه قوله فصببت عليه الوضوء بفتح الواو أي الماء الذي يتوضأ به ويؤخذ منه الاستعانة في الوضوء وللفقهاء فيها تفصيل لأنها إما أن تكون في إحضار الماء مثلا أو في صبه على المتوضىء أو مباشرة غسل أعضائه فالأول جائز والثالث مكروه إلا إن كان لعذر واختلف في الثاني والأصح أنه لا يكره بل هو خلاف الأولى فأما وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فهو إما لبيان الجواز وهو حينئذ أفضل في حقه أو للضرورة قوله وضوءا خفيفا أي خففه بأن توضأ مرة مرة وخفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته وهو معنى قوله في رواية مالك الآتية بعد باب بلفظ فلم يسبغ الوضوء وأغرب بن عبد البر فقال معنى قوله فلم يسبغ الوضوء أي استنجى به وأطلق عليه اسم الوضوء اللغوي لأنه من الوضاءة وهي النظافة ومعنى الإسباغ الإكمال أي لم يكمل وضوءه فيتوضأ للصلاة قال وقد قيل إنه توضأ وضوءا خفيفا ولكن الأصول تدفع هذا لأنه لا يشرع الوضوء لصلاة واحدة مرتين وليس ذلك في رواية مالك ثم قال وقد قيل إن معنى قوله لم يسبغ الوضوء أي لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء بل اقتصر على بعضها واستضعفه أه وحكى بن بطال أن عيسى بن دينار من قدماء أصحابهم سبق بن عبد البر إلى ما اختاره أولا وهو متعقب بهذه الرواية الصريحة وقد تابع محمد بن أبي حرملة عليها محمد بن عقبة أخو موسى أخرجه مسلم بمثل لفظه وتابعهما إبراهيم بن عقبة أخو موسى أيضا أخرجه مسلم أيضا بلفظ فتوضأ وضوءا ليس بالبالغ وقد تقدم في الطهارة من طريق يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن موسى بن عقبة بلفظ فجعلت أصب عليه ويتوضأ ولم تكن عادته صلى الله عليه وسلم أن يباشر ذلك أحد منه حال الاستنجاء ويوضحه ما أخرجه مسلم أيضا من طريق عطاء مولى بن سباع عن أسامة في هذه القصة قال فيها أيضا ذهب إلى الغائط فلما رجع صببت عليه من الإداوة قال القرطبي اختلف الشراح في قوله ولم يسبغ الوضوء هل المراد به اقتصر به على بعض الأعضاء فيكون وضوءا لغويا أو اقتصر على بعض العدد فيكون وضوءا شرعيا قال وكلاهما محتمل لكن يعضد من قال بالثاني قوله في الرواية الأخرى وضوءا خفيفا لأنه لا يقال في الناقص خفيف ومن موضحات ذلك أيضا قول أسامة له الصلاة فإنه يدل على أنه رآه يتوضأ وضوءه للصلاة ولذلك قال له أتصلي كذا قال بن بطال وفيه نظر لأنه لا مانع أي يقول له ذلك لاحتمال أن يكون مراده أتريد الصلاة فلم لم تتوضأ وضوءها وجوابه بأن الصلاة أمامك معناه أن المغرب لا تصلى هنا فلا تحتاج إلى وضوء الصلاة وكأن أسامة ظن أنه صلى الله عليه وسلم نسي صلاة المغرب ورأى وقتها قد كاد أن يخرج أو خرج فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنها في تلك الليلة يشرع تأخيرها لتجمع مع العشاء بالمزدلفة ولم يكن أسامة يعرف تلك السنة قبل ذلك وأما اعتلال بن عبد البر بأن الوضوء لا يشرع مرتين لصلاة واحدة فليس بلازم لاحتمال أنه توضأ ثانيا عن حدث طارئ وليس الشرط بأنه لا يشرع تجديد الوضوء إلا لمن أدى به صلاة فرضا أو نفلا متفق عليه بل ذهب جماعة إلى جوازه وإن كان الأصح خلافه وإنما توضأ أولا ليستديم الطهارة ولا سيما في تلك الحالة لكثرة الاحتياج إلى ذكر الله حينئذ وخفف الوضوء لقلة الماء حينئذ وقد تقدم شيء من هذا في أوائل الطهارة وقال الخطابي إنما ترك إسباغه حين نزل الشعب ليكون مستصحبا للطهارة في طريقه وتجوز فيه لأنه لم يرد أن يصلي به فلما نزل وأرادها أسبغه وقول أسامة الصلاة بالنصب على إضمار الفعل أي تذكر الصلاة أو صل ويجوز الرفع على تقدير حضرت الصلاة مثلا وقوله الصلاة أمامك بالرفع وأمامك بفتح الهمزة بالنصب على الظرفية أي الصلاة ستصلى بين يديك أو أطلق الصلاة على مكانها أي المصلى بين يديك أو معنى أمامك لا تفوتك وستدركها وفيه تذكير التابع بما تركه متبوعه ليفعله أو يعتذر عنه أو يبين له وجه صوابه قوله حتى أتى المزدلفة فصلى أي لم يبدأ بشيء قبل الصلاة ووقع في رواية إبراهيم بن عقبة عند مسلم ثم سار حتى بلغ جمعا فصلى المغرب والعشاء وقد بينه في رواية مالك بعد باب بلفظ حتى جاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما وبين مسلم من وجه آخر عن إبراهيم بن عقبة عن كريب أنهم لم يزيدوا بين الصلاتين على الإناخة ولفظه فأقام المغرب ثم أناخ الناس ولم يحلوا حتى أقام العشاء فصلوا ثم حلوا وكأنهم صنعوا ذلك رفقا بالدواب أو للأمن من تشويشهم بها وفيه إشعار بأنه خفف القراءة في الصلاتين وفيه أنه لا بأس بالعمل اليسير بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما ولا يقطع ذلك الجمع وسيأتي البحث في ذلك بعد ثلاثة أبواب وقوله في رواية مالك ولم يصل بينهما أي لم يتنفل وسيأتي حديث بن عمر في ذلك بعد بابين قوله ثم ردف الفضل أي ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الفضل بن العباس بن عبد المطلب ووقع في رواية إبراهيم بن عقبة عند مسلم قال كريب فقلت لأسامة كيف فعلتم حين أصبحتم قال ردفه الفضل بن العباس وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي يعني إلى منى وسيأتي الكلام على التلبية بعد سبعة أبواب واستدل بالحديث على جمع التأخير وهو إجماع بمزدلفة لكنه عند الشافعية وطائفة بسبب السفر وعند الحنفية والمالكية بسبب النسك وأغرب الخطابي فقال فيه دليل على أنه لا يجوز أن يصلي الحاج المغرب إذا أفاض من عرفة حتى يبلغ المزدلفة ولو أجزأته في غيرها لما أخرها النبي صلى الله عليه وسلم عن وقتها المؤقت لها في سائر الأيام

قوله باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة أي من عرفة

[ 1587 ] قوله حدثنا إبراهيم بن سويد هو المدني وهو ثقة لكن قال بن حبان في حديثه مناكير انتهى وهذا الحديث قد تابعه عليه سليمان بن بلال عند الإسماعيلي والراوي عند إبراهيم بن سويد مدني أيضا واسم جده حبان ووهم الأصيلي فسماه مولى حكاه الجياني وخطئوه فيه قوله مولى المطلب أي بن عبد الله بن حنطب قوله مولى والبة بكسر اللام بعدها موحدة خفيفة بطن من بني أسد قوله أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة أي من عرفة قوله زجرا بفتح الزاي وسكون الجيم بعدها راء أي صياحا لحث الإبل قوله وضربا زاد في رواية كريمة وصوتا وكأنها تصحيف من قوله وضربا فظنت معطوفة قوله عليكم بالسكينة أي في السير والمراد السير بالرفق وعدم المزاحمة قوله فإن البر ليس بالإيضاع أي السير السريع ويقال هو سير مثل الخبب فبين صلى الله عليه وسلم أن تكلف الإسراع في السير ليس من البر أي مما يتقرب به ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لما خطب بعرفة ليس السابق من سبق بعيره وفرسه ولكن السابق من غفر له وقال المهلب إنما نهاهم عن الإسراع إبقاء عليهم لئلا يجحفوا بأنفسهم مع بعد المسافة قوله أوضعوا أسرعوا هو من كلام المصنف وهو قول أبو عبيدة في المجاز قوله خلالكم من التخلل بينكم هو أيضا من قول أبي عبيدة ولفظه ولأوضعوا أي لأسرعوا خلالكم أي بينكم وأصله من التخلل وقال غيره المعنى وليسعوا بينكم بالنميمة يقال أوضع البعير أسرعه وخص الراكب لأنه أسرع من الماشي وقوله وفجرنا خلالهما بينهما هو قول أبي عبيدة أيضا ولفظه وفجرنا خلالهما أي وسطهما وبينهما وإنما ذكر البخاري هذا التفسير لمناسبة أوضعوا للفظ الإيضاع ولما كان متعلق أوضعوا الخلال ذكر تفسيره تكثيرا للفائدة

قوله باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة أي المغرب والعشاء ذكر فيه حديث أسامة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل باب

[ 1588 ] قوله عن كريب عن أسامة قال بن عبد البر رواه أصحاب مالك عنه هكذا إلا أشهب وابن الماجشون فإنهما أدخلا بين كريب وأسامة عبد الله بن عباس أخرجه النسائي

قوله باب من جمع بينهما أي بين الصلاتين المذكورتين قوله ولم يتطوع أي لم يتنفل بينهما

[ 1589 ] قوله جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء كذا لأبي ذر ولغيره بين المغرب والعشاء قوله بجمع بفتح الجيم وسكون الميم أي المزدلفة وسميت جمعا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها أي دنا منها وروى عن قتادة أنها سميت جمعا لأنها يجمع فيها بين الصلاتين وقيل وصفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله أي يتقربون إليه بالوقوف فيها وسميت المزدلفة إما لاجتماع الناس بها أو لإقترابهم إلى منى أو لازدلاف الناس منها جميعا أو للنزول بها في كل زلفة من الليل أو لأنها منزلة وقربة إلى الله أو لازدلاف آدم إلى حواء بها قوله بإقامة لم يذكر الأذان وسيأتي البحث فيه بعد باب قوله ولم يسبح بينهما أي لم يتنفل وقوله ولا على إثر كل واحدة منهما أي عقبها ويستفاد منه أنه ترك التنفل عقب المغرب وعقب العشاء ولما لم يكن بين المغرب والعشاء مهلة صرح بأنه لم يتنفل بينهما بخلاف العشاء فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم يتنفل عقبها لكنه تنفل بعد ذلك في أثناء الليل ومن ثم قال الفقهاء تؤخر سنة العشاءين عنهما ونقل بن المنذر الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما انتهى ويعكر على نقل الإتفاق فعل بن مسعود الآتي في الباب الذي بعده قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد الأنصاري وفي روايته عن عدي بن ثابت رواية تابعي عن تابعي وفي رواية عبد الله بن يزيد شيخ عدي فيه رواية صحابي عن صحابي والإسناد كله دائر بين مدني وكوفي وزاد مسلم من رواية الليث عن يحيى عن عدي عن عبد الله بن يزيد وكان أميرا على الكوفة على عهد بن الزبير قوله بالمزدلفة مبين لقوله في رواية مالك عن يحيى بن سعيد التي أخرجها المصنف في المغازي بلفظ أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جحة الوداع المغرب والعشاء جميعا وللطبراني من طريق جابر الجعفي عن عدي بهذا الإسناد صلى بجمع المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة وفيه رد على قول بن حزم أن حديث أبي أيوب ليس فيه ذكر أذان ولا إقامة لأن جابرا وإن كان ضعيفا فقد تابعه محمد بن أبي ليلى عن عدي على ذكر الإقامة فيه عند الطبراني أيضا فيقوي كل واحد منهما بالآخر

قوله باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما أي من المغرب والعشاء بالمزدلفة

[ 1591 ] قوله زهير هو الجعفي وأبو إسحاق هو السبيعي وشيخه هو النخعي وعبد الله هو بن مسعود قوله حج عبد الله في رواية أحمد عن حسن بن موسى وللنسائي من طريق حسين بن عياش كلاهما عن زهير بالإسناد حج عبد الله بن مسعود فأمرني علقمة أن ألزمه فلزمته فكنت معه وفي رواية إسرائيل الآتية بعد باب خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا قوله حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك أي من مغيب الشفق قوله فأمر رجلا لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو عبد الرحمن بن يزيد فإن في رواية حسن وحسين المذكورتين فكنت معه فأتينا المزدلفة فلما كان حين طلع الفجر قال قم فقلت له إن هذه الساعة ما رأيتك صليت فيها قوله ثم أمر أرى رجلا فأذن وأقام قال عمرو ولا أعلم الشك إلا من زهير أرى بضم الهمزة أي أظن وقد بين عمرو وهو بن خالد شيخ البخاري فيه أنه من شيخه زهير وأخرجه الإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن زهير مثل ما رواه عنه عمرو ولم يقل ما قال عمرو وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عمرو عن زهير وقال فيه ثم أمر قال زهير أرى فأذن وأقام وسيأتي بعد باب رواية إسرائيل عن أبي إسحاق بأصرح مما قال زهير ولفظه ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما والعشاء بفتح العين ورواه بن خزيمة وأحمد من طريق بن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ فأذن وأقام ثم صلى المغرب ثم تعشى ثم قام فأذن وأقام وصلى العشاء ثم بات بجمع حتى إذا طلع الفجر فأذن وأقام ولأحمد من طريق جرير بن حازم عن أبي إسحاق فصلى بنا المغرب ثم دعا بعشاء فتعشى ثم قام فصلى العشاء ثم رقد ووقع عند الإسماعيلي من رواية شبابة عن بن أبي ذئب في هذا الحديث ولم يتطوع قبل كل واحدة منهما ولا بعدها ولأحمد من رواية زهير فقلت له أن هذه لساعة ما رأيتك صليت فيها قوله فلما طلع الفجر في رواية المستملي والكشميهني فلما حين طلع الفجر وفي رواية الحسين بن عياش عن زهير فلما كان حين طلع الفجر قوله قال عبد الله هو بن مسعود قوله عن وقتهما كذا للأكثر وفي رواية السرخسي عن وقتها بالإفراد وسيأتي في رواية إسرائيل بعد باب رفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله حين يبزغ بزاي مضمومة وغين معجمة أي يطلع وفي هذا الحديث مشروعية الأذان والإقامة لكل من الصلاتين إذا جمع بينهما قال بن حزم لم نجده مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو ثبت عنه لقلت به ثم أخرج من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق في هذا الحديث قال أبو إسحاق فذكرته لأبي جعفر محمد بن علي فقال أما نحن أهل البيت فهكذا نصنع قال بن حزم وقد روى عن عمر من فعله قلت أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح عنه ثم تأوله بأنه محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم ولا يخفى تكلفه ولو تأتي له ذلك في حق عمر لكونه كان الإمام الذي يقيم للناس حجهم لم يتأت له في حق بن مسعود لأنه إن كان معه ناس من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذن لهم وقد أخذ بظاهره مالك وهو اختيار البخاري وروى بن عبد البر عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث بن مسعود وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفا ومع كونه لم يروه ويترك ما روى عن أهل المدينة وهو مرفوع قال بن عبد البر وأعجب أنا من الكوفيين حتن أخذوا بما رواه أهل المدينة وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة وتركوا ما رووا في ذلك عن بن مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحدا قلت الجواب عن ذلك أن مالكا اعتمد على صنيع عمر في ذلك وإن كان لم يروه في الموطأ واختار الطحاوي ما جاء عن جابر يعني في حديثه الطويل الذي أخرجه مسلم أنه جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وهذا قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد وبه قال بن الماجشون وابن حزم وقواه الطحاوي بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وقال الشافعي في الجديد والثوري وهو رواية عن أحمد يجمع بينهما بإقامتين فقط وهو ظاهر حديث أسامة الماضي قريبا حيث قال فأقام المغرب ثم أناخ الناس ولم يحلوا حتى أقام العشاء وقد جاء عن بن عمر كل واحد من هذه الصفات أخرجه الطحاوي وغيره وكأنه كان يراه من الأمر الذي يتخير فيه الإنسان وهو المشهور عن أحمد واستدل بحديث بن مسعود على جواز التنفل بين الصلاتين لمن أراد الجمع بينهما لكون بن مسعود تعشى بين الصلاتين ولا حجة فيه لأنه لم يرفعه ويحتمل أن لا يكون قصد الجمع وظاهر صنيعه يدل على ذلك لقوله إن المغرب تحول عن وقتها فرأى أنه وقت هذه المغرب خاصة ويحتمل أن يكون قصد الجمع وكان يرى أن العمل بين الصلاتين لا يقطعه إذا كان ناويا للجمع ويحتمل قوله تحول عن وقتها أي المعتاد وأما إطلاقه على صلاة الصبح أنها تحول عن وقتها فليس معناه أنه أوقع الفجر قبل طلوعها وإنما أراد أنها وقعت قبل الوقت المعتاد فلعلها فيه في الحضر ولا حجة فيه لمن منع التغليس بصلاة الصبح لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم في المواقيت التغليس بها بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج فصلى الصبح مع ذلك بغلس وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى أن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه وهو بين في رواية إسرائيل الآتية حيث قال ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع واستدل الحنفية بحديث بن مسعود هذا على ترك الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وجمع لقول بن مسعود ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين وأجاب المجوزون بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ وقد ثبت الجمع بين الصلاتين من حديث بن عمر وأنس وابن عباس وغيرهم وتقدم في موضعه بما فيه كفاية وأيضا فالإستدلال به إنما هو من طريق المفهوم وهم لا يقولون به وأما من قال به فشرطه أن لا يعارضه منطوق وأيضا فالحصر فيه ليس على ظاهره لإجماعهم على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة

قوله باب من قدم ضعفة أهله أي من نساء وغيرهم قوله بليل أي من منزله بجمع قوله فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم ضبطه الكرماني بفتح القاف وكسر الدال قال وحذف الفاعل للعلم به وهو من ذكر أولا وبفتح الدال على البناء المجهول وقوله إذا غاب القمر بيان للمراد من قوله في أول الترجمة بليل ومغيب القمر تلك الليلة يقع عند أوائل الثلث الأخير ومن ثم قيده الشافعي ومن تبعه بالنصف الثاني قال صاحب المغني لا نعلم خلافا في جواز تقديم الضعفة بليل من جمع إلى منى ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الأول حديث بن عمر

[ 1592 ] قوله قال سالم في رواية بن وهب عند مسلم عن يونس عن بن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره قوله المشعر بفتح الميم والعين وحكى الجوهري كسر الميم وقيل إنه لغة أكثر العرب وقال بن قرقول كسر الميم لغة الرواية وقال بن قتيبة لم يقرأ بها في الشواذ وقيل بل قرئ حكاه الهذلي وسمي المشعر لأنه معلم للعبادة والحرام لأنه من الحرم أو لحرمته وقوله ما بدا لهم بغير همز أي ظهر لهم وأشعر ذلك بأنه لا توقيف لهم فيه قوله ثم يرجعون في رواية مسلم ثم يدفعون وهو أوضح ومعنى الأول أنهم يرجعون عن الوقوف إلى الدفع ثم يقدمون منى على ما فصل في الخبر وقوله لصلاة الفجر أي عند صلاة الفجر قوله وكان بن عمر يقول أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقع فيه أرخص وفي بعض الروايات رخص بالتشديد وهو أظهر من حيث المعنى لأنه من الترخيص لامن الرخص واحتج به بن المنذر لقول من أوجب المبيت بمزدلفة على غير الضعفة لأن حكم من لم يرخص له ليس كحكم من رخص له قال ومن زعم أنهما سواء لزمه أن يجيز المبيت على منى لسائر الناس لكونه صلى الله عليه وسلم أرخص لأصحاب السقاية وللرعاء أن لا يبيتوا بمنى قال فإن قال لا تعدوا بالرخص مواضعها فليستعمل ذلك هنا ولا يأذن لأحد أن يتقدم من جمع إلا لمن رخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وقد اختلف السلف في هذه المسألة فقال علقمة والنخعي والشعبي من ترك المبيت بمزدلفة فاته الحج وقال عطاء والزهري وقتادة والشافعي والكوفيون وإسحاق عليه دم قالوا ومن بات بها لم يجز له الدفع قبل النصف وقال مالك إن مر بها فلم ينزل فعليه دم وإن نزل فلا دم عليه متى دفع وفي حديث بن عمر دلالة على جواز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس لقوله أن من يقدم عند صلاة الفجر إذا قدم رمى الجمرة وسيأتي ذلك صريحا من صنيع أسماء بنت أبي بكر في الحديث الثالث من هذا الباب ويأتي الكلام عليه فيه إن شاء الله تعالى الحديث الثاني حديث بن عباس وفائدته تعيين من أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم من أهله في ذلك وأورده من وجهين في الثاني منهما أنه ليس البعث المذكور خاصا له لأن اللفظ الأول وهو

[ 1593 ] قوله بعثني قد يوهم اختصاصه بذلك وفي الثاني أنا ممن قدم فأفهم أنه لم يختص وقوله في الثاني في ضعفة أهله قد أخرجه المصنف في باب حج الصبيان من طريق حماد عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ في الثقل زاد مسلم من هذا الوجه وقال في الضعفة ولسفيان فيه إسناد آخر أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه عن عمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس مثله وقد أخرج طريق عطاء هذه مطولة الطحاوي من رواية إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفير عن عطاء قال أخبرني بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ليلة المزدلفة اذهب بضعفائنا ونسائنا فليصلوا الصبح بمنى وليرموا جمرة العقبة قبل أن تصيبهم دفعة الناس قال فكان عطاء يفعله بعد ما كبر وضعف ولأبي داود من طريق حبيب عن عطاء عن بن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغسل ولأبي عوانة في صحيحه من طريق أبي الزبير عن بن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم العيال والضعفة إلى منى من المزدلفة

[ 1595 ] الحديث الثالث حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق قوله حدثني عبد الله مولى أسماء هو بن كيسان المدني يكنى أبا عمر ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سيأتي في أبواب العمرة وقد صرح بن جريج بتحديث عبد الله له هكذا في رواية مسدد هذه عن يحيى وكذا رواه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي وابن خزيمة عن بندار وكذا أخرجه أحمد في مسنده كلهم عن يحيى وأخرجه مسلم من طريق عيسى بن يوسف وأخرجه الإسماعيلي من طريق داود العطار والطبراني من طريق بن عيينة والطحاوي من طريق سعيد بن سالم وأبو نعيم من طريق محمد بن بكير كلهم عن بن جريج وأخرجه أبو داود عن محمد بن خلاد عن يحيى القطان عن بن جريج عن عطاء أخبرني مخبر عن أسماء وأخرجه مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء أن مولى أسماء أخبره وكذا أخرجه الطبراني من طريق أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد فالظاهر أن بن جريج سمعه عن عطاء ثم لقي عبد الله فأخذه عنه ويحتمل أن يكون مولى أسماء شيخ عطاء غير عبد الله قوله قالت فارتحلوا في رواية مسلم قالت ارتحل بي قوله فمضينا حتى رمت الجمرة في رواية بن عيينة فمضينا بها قوله يا هنتاه أي يا هذه وقد سبق ضبطه في باب الحج أشهر معلومات قوله ما أرانا بضم الهمزة أي أظن وفي رواية مسلم بالجزم فقلت لها لقد غلسنا وفي رواية مالك لقد جئنا منى بغلس وفي رواية داود العطار لقد ارتحلنا بليل وفي رواية أبي داود فقلت أنا رمينا الجمرة بليل وغلسنا أي جئنا بغلس قوله أذن للظعن بضم الظاء المعجمة جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج ثم أطلق على المرأة مطلقا وفي رواية أبي داود المذكورة إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية مالك لقد كنا نفعل ذلك مع من هو خير منك تعني النبي صلى الله عليه وسلم واستدل بهذا الحديث على جواز الرمي قبل طلوع الشمس عند من خص التعجيل بالضعفة وعند من لم يخصص وخالف في ذلك الحنفية فقالوا لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز وإن رماها قبل الفجر أعادها وبهذا قال أحمد وإسحاق والجمهور وزاد إسحاق ولا يرميها قبل طلوع الشمس وبه قال النخعي ومجاهد والثوري وأبو ثور ورأى جواز ذلك قبل طلوع الفجر عطاء وطاوس والشعبي والشافعي واحتج الجمهور بحديث بن عمر الماضي قبل هذا واحتج إسحاق بحديث بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لغلمان بني عبد المطلب لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وابن حبان من طريق الحسن العرني وهو بضم المهملة وفتح الراء بعدها نون عن بن عباس وأخرجه الترمذي والطحاوي من طرق عن الحكم عن مقسم عنه وأخرجه أبو داود من طريق حبيب عن عطاء وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا ومن ثم صححه الترمذي وابن حبان وإذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى واحتج الشافعي بحديث أسماء هذا ويجمع بينه وبين حديث بن عباس بحمل الأمر في حديث بن عباس على الندب ويؤيده ما أخرجه الطحاوي من طريق شعبة مولى بن عباس عنه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر وقال بن المنذر السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة ومن رمى حينئذ فلا إعادة عليه إذ لا أعلم أحدا قال لا يجزئه واستدل به أيضا على إسقاط الوقوف بالمشعر الحرام عن الضعفة ولا دلالة فيه لأن رواية أسماء ساكتة على الوقوف وقد بينته رواية بن عمر التي قبلها وقد اختلف السلف في هذه المسألة فكان بعضهم يقول من مر بمزدلفة فلم ينزل بها فعليه دم ومن نزل بها ثم دفع منها في أي وقت كان من الليل فلا دم عليه ولو لم يقف مع الإمام وقال مجاهد وقتادة والزهري والثوري من لم يقف بها فقد ضيع نسكا وعليه دم وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور وروى عن عطاء وبه قال الأوزاعي لا دم عليه مطلقا وإنما هو منزل من شاء نزل به ومن شاء لم ينزل به وروى الطبري بسند فيه ضعف عن عبد الله بن عمرو مرفوعا إنما جمع منزل لدلج المسلمين وذهب بن بنت الشافعي وابن خزيمة إلى أن الوقوف بها ركن لا يتم الحج إلا به وأشار بن المنذر إلى ترجيحه ونقله بن المنذر عن علقمة والنخعي والعجب أنهم قالوا من لم يقف بها فاته الحج ويجعل إحرامه عمرة واحتج الطحاوي بأن الله لم يذكر الوقوف وإنما قال فاذكروا الله عند المشعر الحرام وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صلب الحج فالموطن الذي يكون الذكر فيه أحرى أن لا يكون فرضا قال وما احتجوا به من حديث عروة بن مضرس وهو بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها مهملة رفعه قال من شهد معنا صلاة الفجر بالمزدلفة وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حهة لاجماعهم أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تام انتهى وحديث عروة أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان والدارقطني والحاكم ولفظ أبي داود عنه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف يعني بجمع قلت جئت يا رسول الله من جبل طيئ فأكللت مطيتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه وللنسائي من أدرك جمعا مع الإمام والناس حتى يفيضوا فقد أدرك الحج ومن لم يدرك مع الإمام والناس فلم يدرك ولأبي يعلى ومن لم يدرك جمعا فلا حج له وقد صنف أبو جعفر العقيلي جزءا في إنكار هذه الزيادة وبين أنها من رواية مطرف عن الشعبي عن عروة وأن مطرفا كان يهم في المتون وقد إرتكب بن جزم الشطط فزعم أنه من لم يصل صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام أن الحج يفوته التزاما لما ألزمه به الطحاوي ولم يعتبر بن قدامة مخالفته هذه فحكى الإجماع على الإجزاء كما حكاه الطحاوي وعند الحنفية يجب بترك الوقوف بها دم لمن ليس به عذر ومن جملة الأعذار عندهم الزحام الحديث الرابع حديث عائشة أورده من طريقين

[ 1596 ] قوله عن القاسم هو بن محمد بن أبي بكر والد عبد الرحمن الراوي عنه قوله استأذنت سودة أي بنت زمعة أم المؤمنين قوله ثقيلة أي من عظم جسمها قوله ثبطة بفتح المثلثة وكسر الموحدة بعدها مهملة خفيفة أي بطيئة الحركة كأنها تثبط بالأرض أي تشبث بها ولم يذكر محمد بن كثير شيخ البخاري فيه عن سفيان وهو الثوري ما استأذنته سودة فيه فلذلك عقبه بطريق أفلح عن القاسم المبينة لذلك وقد أخرجه بن ماجة من طريق وكيع عن الثوري فبين ذلك ولفظه أن سودة بنت زمعة كانت امرأة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدفع من جمع قبل دفعة الناس فأذن لها ولأبي عوانة من طريق قبيصة عن الثوري قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة ليلة جمع وأخرجه مسلم من طريق وكيع فلم يسق لفظه ومن طريق عبيد الله بن عمر العمري عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ وددت أني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بمنى فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس فذكر بقية الحديث مثل سياق محمد بن كثير وله نحوه من طريق أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم وفيه من الزيادة وكانت عائشة لا تفيض إلا مع الإمام

[ 1597 ] قوله حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم في رواية الإسماعيلي من طريق بن المبارك عن أفلح أخبرنا القاسم وله من طريق أبي بكر الحنفي عن أفلح سمعت القاسم قوله أن تدفع قبل حطمة الناس في رواية مسلم عن القعنبي عن أفلح أن تدفع قبله وقبل حطمة الناس والحطمة بفتح الحاء وسكون الطاء المهملتين الزحمة قوله فلأن أكون بفتح اللام فهو مبتدأ وخبره أحب وقولها مفروح أي ما يفرح به من كل شيء تنبيه وقع عند مسلم عن القعنبي عن أفلح بن حميد ما يشعر بأن تفسير الثبطة بالثقيلة من القاسم راوي الخبر ولفظه وكانت امرأة ثبطة يقول القاسم والثبطة الثقيلة ولأبي عوانة من طريق بن أبي فديك عن أفلح بعد أن ساق الحديث بلفظ وكانت امرأة ثبطة قال الثبطة الثقيلة وله من طريق أبي عامر العقدي عن أفلح وكانت امرأة ثبطة يعني ثقيلة فعلى هذا فقوله في رواية محمد بن كثير عند المصنف وكانت امرأة ثقيلة ثبطة من الإدراج الواقع قبل ما أدرج عليه وأمثلته قليلة جدا وسببه أن الراوي أدرج التفسير بعد الأصل فظن الراوي الآخر أن اللفظين ثابتان في أصل المتن فقدم وأخر والله أعلم

قوله باب متى يصلي الفجر بجمع ذكر فيه حديث بن مسعود مختصرا ومطولا

[ 1598 ] قوله حدثني عمارة هو بن عمير وعبد الرحمن هو بن يزيد النخعي والإسناد كله كوفيون قوله لغير ميقاتها في رواية غير أبي ذر بغير بالموحدة بدل اللام والمراد في غير وقتها المعتاد كما بيناه في الكلام عليه قبل باب قوله في الطريق الثانية خرجت في رواية غير أبي ذر

[ 1599 ] خرجنا قوله والعشاء بينهما بفتح المهملة لا بكسرها أي الأكل وقد تقدم إيضاحه قوله فلا يقدم بفتح الدال قوله حتى يعتموا أي يدخلوا في العتمة وهو وقت العشاء الآخرة كما تقدم بيانه في المواقيت قوله لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن يعني عثمان كما بين في آخر الكلام وقوله فما أدري هو كلام عبد الرحمن بن يزيد الراوي عن بن مسعود وأخطأ من قال أنه كلام بن مسعود والمراد أن السنة الدفع من المشعر الحرام عند الإسفار قبل طلوع الشمس خلافا لما كان عليه أهل الجاهلية كما في حديث عمر الذي بعده فائدة وقع في رواية جرير بن حازم عن أبي إسحاق عند أحمد من الزيادة في هذا الحديث أن نظير هذا القول صدر من بن مسعود عن الدفع من عرفة أيضا ولفظه لما وقفنا بعرفة غابت الشمس فقال لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن كان قد أصاب قال فما أدري أكلام بن مسعود أسرع أو إفاضة عثمان قال فأوضع الناس ولم يزد بن مسعود على العنق حتى أتى جمعا وله من طريق زكريا عن أبي إسحاق في هذا الحديث أفاض بن مسعود من عرفة على هينته لا يضرب بعيره حتى أتى جمعا وقال سعيد بن منصور حدثنا سفيان وأبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد أن بن مسعود أوضع بعيره في وادي محسر وهذه الزيادة مرفوعة في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم قوله فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى

قوله باب متى يدفع من جمع أي بعد الوقوف بالمشعر الحرام

[ 1600 ] قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي قوله لا يفيضون زاد يحيى القطان عن شعبة من جمع أخرجه الإسماعيلي وكذا هو للمصنف في أيام الجاهلية من رواية سفيان الثوري عن أبي إسحاق وزاد الطبراني من رواية عبيد الله بن موسى عن سفيان حتى يروا الشمس على ثبير قوله ويقولون أشرق ثبير أشرق بفتح أوله فعل أمر من الإشراق أي أدخل في الشروق وقال بن التين وضبطه بعضهم بكسر الهمزة كأنه ثلاثي من شرق وليس ببين والمشهور أن المعنى لتطلع عليك الشمس وقيل معناه أضيء يا جبل وليس ببين أيضا وثبير بفتح المثلثة وكسر الموحدة جبل معروف هناك وهو على يسار الذاهب إلى منى وهو أعظم جبال مكة عرف برجل من هذيل اسمه ثبير دفن فيه زاد أبو الوليد عن شعبة كيما نغير أخرجه الإسماعيلي ومثله لابن ماجة من طريق حجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق وللطبري من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق أشرق ثبير لعلنا نغير قال الطبري معناه كيما ندفع للنحر وهو من قولهم أغار الفرس إذا أسرع في عدوه قال بن التين وضبطه بعضهم بسكون الراء في ثبير وفي نغير لإرادة السجع قوله ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس الإفاضة الدفعة قاله الأصمعي ومنه أفاض القوم في الحديث إذا دفعوا فيه ويحتمل أن يكون فاعل أفاض عمر فيكون انتهاء حديثه ما قبل هذا ويحتمل أن يكون فاعل أفاض النبي صلى الله عليه وسلم لعطفه على قوله خالفهم وهذا هو المعتمد وقد وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عند الترمذي فأفاض وفي رواية الثوري فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فأفاض وللطبري من طريق زكريا عن أبي إسحاق بسنده كان المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك فنفر قبل طلوع الشمس وله من رواية إسرائيل فدفع لقدر صلاة القوم المسفرين لصلاة الغداة وأوضح من ذلك ما وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله تعالى وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى اسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وقد تقدم حديث بن مسعود في ذلك وصنيع عثمان بما يوافقه وروى بن المنذر من طريق الثوري عن أبي إسحاق سألت عبد الرحمن بن يزيد متى دفع عبد الله من جمع قال كانصراف القوم المسفرين من صلاة الغداة وروى الطبري من حديث علي قال لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة غدا فوقف على قزح وأردف الفضل ثم قال هذا الموقف وكل المزدلفة موقف حتى إذا أسفر دفع وأصله في الترمذي دون قوله حتى إذا أسفر ولابن خزيمة والطبري من طريق عكرمة عن بن عباس كان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رءوس الجبال كأنها العمائم على رءوس الرجال دفعوا فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس وللبيهقي من حديث المسور بن مخرمة نحوه وفي هذا الحديث فضل الدفع من الموقف بالمزدلفة عند الأسفار وقد تقدم بيان الاختلاف فيمن دفع قبل الفجر ونقل الطبري الإجماع على أن من لم يقف فيه حتى طلعت الشمس فاته الوقوف قال بن المنذر وكان الشافعي وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذه الأخبار وكان مالك يرى أن يدفع قبل الإسفار واحتج له بعض أصحابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعجل الصلاة مغلسا إلا ليدفع قبل الشمس فكل من بعد دفعه من طلوع الشمس كان أولى

قوله باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي في رواية الكشميهني حين يرمي وهو أصوب قال الكرماني ليس في الحديث ذكر التكبير فيحتمل أن يكون أشار إلى الذكر الذي في خلال التلبية وأراد أن يستدل على أن التكبير غير مشروع حينئذ لأن

[ 1601 ] قوله لم يزل يدل على إدامة التلبية وإدامتها تدل على ترك ما عداها أو هو مختصر من حديث فيه ذكر التكبير انتهى والمعتمد أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما جرت به عادته فعند أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي من طريق مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتكبير قوله فأخبر الفضل في رواية مسلم من طريق عيسى بن يونس عن بن جريج عن عطاء فأخبرني بن عباس أن الفضل أخبره قوله في الطريق الثانية فكلاهما أي الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وفي ذكر أسامة إشكال لما تقدم في باب النزول بين عرفة وجمع أن عند مسلم في رواية إبراهيم بن عقبة عن كريب أن أسامة قال وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي لأن مقتضاه أن يكون أسامة سبق إلى رمي الجمرة فيكون إخباره بمثل ما أخبر به الفضل من التلبية مرسلا لكن لا مانع أنه يرجع مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجمرة أو يقيم بها حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرج مسلم أيضا من حديث أم الحصين قالت فرأيت أسامة بن زيد وبلالا في حجة الوداع وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة تنبيه زاد بن أبي شيبة من طريق علي بن الحسين عن بن عباس عن الفضل في هذا الحديث فرماها سبع حصيات يكبر مع كل حصاة وسيأتي هذا الحكم بعد نيف وثلاثين بابا وفي هذا الحديث أن التلبية تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر وبعدها يشرع الحاج في التحلل وروى بن المنذر بإسناد صحيح عن بن عباس أنه كان يقول التلبية شعار الحج فإن كنت حاجا فلب حتى بدء حلك وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة وروى سعيد بن منصور من طريق بن عباس قال حججت مع عمر إحدى عشرة حجة وكان يلبي حتى يرمي الجمرة وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم وقالت طائفة يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب بن عمر لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة وقالت طائفة يقطعها إذا راح إلى الموقف رواه بن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث وعن الحسن البصري مثله لكن قال إذا صلى الغداة يوم عرفة وهو بمعنى الأول وقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يزيد قال حججت مع عبد الله فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي فقال رجل أعرابي هذا فقال عبد الله أنسي الناس أم ضلوا وأشار الطحاوي إلى أن كل من روى عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها للاشتغل بغيرها من الذكر لا على أنها لا تشرع وجمع في ذلك بين ما اختلف من الآثار والله أعلم واختلفوا أيضا هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي فذهب إلى الأول الجمهور وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي ويدل لهم ما روى بن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن بن عباس عن الفضل قال أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة قال بن خزيمة هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة أي أتم رميها

قوله باب فمن تمتع العمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي إلى قوله تعالى حاضري المسجد الحرام كذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت وساق في طريق كريمة ما بين قوله الهدي وقوله حاضري المسجد الحرام وغرض المصنف بذلك تفسير الهدي وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر لأن ذلك يكون غالبا بمنى والمراد بقوله فمن تمتع أي في حال الأمن لقوله فإذا أمنتم فمن تمتع وفيه حجة للجمهور في أن التمتع لا يختص بالمحصر وروى الطبري عن عروة قال في قوله فإذا أمنتم أي من الوجع ونحوه قال الطبري والأشبه بتأويل الآية أن المراد بها الأمن من الخوف لأنها نزلت وهم خائفون بالحديبية فبينت لهم ما يعملون حال الحصر وما يعملون حال الأمن

[ 1603 ] قوله أخبرنا النضر هو بن شميل صاحب العربية قوله أبو جمرة بالجيم والراء وقد تقدم لهذا الحديث طريق في آخر باب التمتع والقرآن وقد تقدم الكلام عليه هناك والغرض منه هنا بيان الهدي قوله وسألته أي بن عباس قوله عن الهدي فقال فيها أي المتعة يعني يجب على من تمتع دم قوله جزور بفتح الجيم وضم الزاي أي بعير ذكرا كان أو أنثى وهو مأخوذ من الجزر أي القطع ولفظها مؤنث تقول هذه الجزور قوله أو شرك بكسر الشين المعجمة وسكون الراء أي مشاركة في دم أي حيث يجزئ الشيء الواحد عن جماعة وهذا موافق لما رواه مسلم عن جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة وبهذا قال الشافعي والجمهور سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك أو كان بعضهم يريد التقرب وبعضهم يريد اللحم وعن أبي حنيفة يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين بالهدي وعن زفر مثله بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة وعن داود وبعض المالكية يجوز في هدي التطوع دون الواجب وعن مالك لا يجوز مطلقا واحتج له إسماعيل القاضي بأن حديث جابر إنما كان بالحديبية حيث كانوا محصرين وأما حديث بن عباس فخالف أبا جمرة عنه ثقات أصحابه فرووا عنه أن ما استيسر من الهدي شاة ثم ساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم عن بن عباس قال وقد روى ليث عن طاوس عن بن عباس مثل رواية أبي جمرة وليث ضعيف قال وحدثنا سليمان عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن بن عباس قال ما كنت أرى أن دما واحدا يقضي عن أكثر من واحد انتهى وليس بين روية أبي جمرة ورواية غيره منافاة لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك ووافقهم على ذكر الشاة وإنما أراد بن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا وأما رواية محمد عن بن عباس فمنقطعة ومع ذلك لو كانت متصلة احتمل أن يكون بن عباس أخبر أنه كان لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد حتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك فأفتى به أبا جمرة وبهذا تجتمع الأخبار وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه والاحتجاج بروايته وهو أبو جمرة الضبعي وقد روى عن بن عمر أنه كان لا يرى التشريك ثم رجع عن ذلك لما بلغته السنة قال أحمد حدثنا عبد الوهاب حدثنا مجاهد عن الشعبي قال سألت بن عمر قلت الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة قال يا شعبي ولها سبعة أنفس قال قلت فإن أصحاب محمد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة قال فقال بن عمر لرجل أكذلك يا فلان قال نعم قال ما شعرت بهذا وأما تأويل إسماعيل لحديث جابر بأنه كان بالحديبية فلا يدفع الاحتجاج بالحديث بل روى مسلم من طريق أخرى عن جابر في أثناء حديث قال فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نهدي ونجمع النفر منا في الهدية وهذا يدل على صحة أصل الاشتراك واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة إلا إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب فقال تجزئ عن عشرة وبه قال إسحاق بن راهويه وابن خزيمة من الشافعية واحتج لذلك في صحيحه وقواه واحتج له بن خزيمة بحديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير الحديث وهو في الصحيحين وأجمعوا على أن الشاة لا يصح الاشتراك فيها وقوله أو شاة هو قول الجمهور ورواه الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة عنهم ورويا بإسناد قوي عن القاسم بن محمد عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر ووافقهما القاسم وطائفة قال إسماعيل القاضي في الأحكام له أظنهم ذهبوا إلى ذلك لقوله تعالى والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فذهبوا إلى تخصيص ما يقع عليه اسم البدن قال ويرد هذا قوله تعالى هديا بالغ الكعبة وأجمع المسلمون أن في الظبي شاة فوقع عليها اسم هدي قلت قد احتج بذلك بن عباس فأخرج الطبري بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال بن عباس الهدي شاة فقيل له في ذلك فقال أنا قرأ عليكم من كتاب الله ما تقون به ما في الظبي قالوا شاة قال فإن الله تعالى يقول هديا بالغ الكعبة قوله ومتعة متقبلة قال الإسماعيلي وغيره تفرد النضر بقوله متعة ولا أعلم أحدا من أصحاب شعبة رواه عنه إلا قال عمرة وقال أبو نعيم قال أصحاب شهبة كلهم عمرة إلا النضر فقال متعة قلت وقد أشار المصنف إلى هذا بما علقه بعد قوله وقال آدم ووهب بن جرير وغندر عن شعبة عمرة الخ أما طريق آدم فوصلها عنه في باب التمتع والقرآن وأما طريق وهب بن جرير فوصلها البيهقي من طريق إبراهيم بن مرزوق عن وهب وأما طريق غندر فوصلها أحمد عنه وأخرجها مسلم عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر

قوله باب ركوب البدن لقوله تعالى والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها إلى قوه تعالى وبشر المحسنين هكذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت وساق في رواية كريمة الآيتين واستدل المصنف لجواز ركوب البدن بعموم قوله تعالى لكم فيها خير وأشار إلى قول إبراهيم النخعي لكم فيها خير من شاء ركب ومن شاء حلب أخرجه بن أبي حاتم وغيره عنه بإسناد جيد والبدن بسكون الدال في قراءة الجمهور وقرأ الأعرج وهي رواية عن عاصم بضمها وأصلها من الإبل وألحقت بها البقر شرعا قوله قال مجاهد سميت البدن لبدنها هو بفتح الموحدة والمهملة للأكثر وبضمها وسكون الدال لبعضهم وفي رواية الكشميهني لبدانتها أي سمنها وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما سميت البدن من قبل السمانة قوله والقانع السائل والمعتر الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير أي يطيف بها متعرضا لها وهذا التعليق أخرجه أيضا عبد بن حميد من طريق عثمان بن الأسود قلت لمجاهد ما القانع قال جارك الذي ينتظر ما دخل بيتك والمعتر الذي يعتر ببابك ويريك نفسه ولا يسألك شيئا وأخرج بن أبي حاتم من طريق سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال القانع هو الطامع وقال مرة هو السائل ومن طريق الثوري عن فرات عن سعيد بن جبير المعتر الذي يعتريك يزورك ولا يسألك ومن طريق بن جريج عن مجاهد المعتر الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير وقال الخليل في العين القنوع المتذلل للمسألة قنع إليه مال وخضع وهو السائل والمعتر الذي يعترض ولا يسأل ويقال قنع بكسر النون إذا رضي وقنع بفتحها إذا سأل وقرأ الحسن المعتري وهو بمعنى المعتر قوله وشعائر الله استعظام البدن واستحسانها أخرجه عبد بن حميد أيضا من طريق ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن يعظم شعائر الله قال استعظام البدن استحسانها واستسمانها ورواه بن أبي شيبة من وجه آخر عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس ونحوه لكن فيه بن أبي ليلى وهو سيء الحفظ قوله والعتيق عتقه من الجبابرة أخرج عبد بن حميد أيضا من طريق سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما سمي العتيق لأنه أعتق من الجبابرة وقد جاء هذا مرفوعا أخرجه البزار من حديث عبد الله بن الزبير قوله ويقال وجبت سقطت إلى الأرض ومنه وجبت الشمس هو قول بن عباس وأخرج بن أبي حاتم من طريق مقسم عن بن عباس قال فإذا وجبت أي سقطت وكذا أخرجه الطبري من طريقين عن مجاهد

[ 1604 ] قوله عن الأعرج لم تختلف الرواة عن مالك عن أبي الزناد فيه ورواه بن عيينة عن أبي الزناد فقال عن الأعرج عن أبي هريرة أو عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه سعيد بن منصور عنه وقد رواه الثوري عن أبي الزناد بالإسنادين مفرقا قوله رأى رجلا لم أقف على اسمه بعد طول البحث قوله يسوق بدنة كذا في معظم الأحاديث ووقع لمسلم من طريق بكير بن الأخنس عن أنس مر ببدنة أو هدية ولأبي عوانة من هذا الوجه أو هدي وهو مما يوضح أنه ليس المراد بالبدنة مجرد مدلولها اللغوي ولمسلم من طريق المغيرة عن أبي الزناد بينا رجل يسوق بدنة مقلدة وكذا من طريق همام عن أبي هريرة وسيأتي للمصنف في باب تقليد البدن أنها كانت مقلدة نعلا قوله فقال اركبها زاد النسائي من طريق سعيد عن قتادة والجوزقي من طريق حميد عن ثابت كلاهما عن أنس وقد جهده المشي ولأبي يعلى من طريق الحسن عن أنس حافيا لكنها ضعيفة قوله ويلك في الثانية أو في الثالثة وقع في رواية همام عند مسلم ويلك اركبها ويلك اركبها ولأحمد من رواية عبد الرحمن بن إسحاق والثوري كلاهما عن أبي الزناد من طريق عجلان عن أبي هريرة قال اركبها ويحك قال أنها بدنة قال اركبها ويحك زاد أبو يعلى من رواية الحسن فركبها وقد قلنا أنها ضعيفة ولكن سيأتي للمصنف من طريق عكرمة عن أبي هريرة فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها وتبين بهذه الطرق أنه أطلق البدنة على الواحدة من الإبل المهداة إلى البيت الحرام ولو كان المراد مدلولها اللغوي لم يحصل الجواب بقوله أنها بدنة لأن كونها من الإبل معلوم فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي كونها هديا فلذلك قال أنها بدنة والحق أنه لم يخف ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت مقلدة ولهذا قال له لما زاد في مراجعته ويلك واستدل به على جواز ركوب الهدي سواء كان واجبا أو متطوعا به لكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك وأصرح من هذا ما أخرجه أحمد من حديث علي أنه سئل هل يركب الرجل هديه فقال لا بأس قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم يركبون هديه أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم إسناده صالح وبالجواز مطلقا قال عروة بن الزبير ونسبه بن المنذر لأحمد وإسحاق وبه قال هل الظاهر وهو الذي جزم به النووي في الروضة تبعا لأصله في الضحايا ونقله في شرح المهذب عن القفال والماوردي ونقل فيه عن أبي حامد والبندنيجي وغيرهما تقييده بالحاجة وقال الروياني تجويزه بغير حاجة يخالف النص وهو الذي حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأطلق بن عبد البر كراهة ركوبها بغير حاجة عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء وقيده صاحب الهداية من الحنفية بالاضطرار إلى ذلك وهو المنقول عن الشعبي عند بن أبي شيبة ولفظه لا يركب الهدي إلا من لا يجد منه بدا ولفظ الشافعي الذي نقله بن المنذر وترجم له البيهقي يركب إذا اضطر ركوبا غير فادح وقال بن العربي عن مالك يركب للضرورة فإذا استراح نزل ومقتضى من قيده بالضرورة أن من انتهت ضرورته لا يعود إلى ركوبها إلا من ضرورة أخرى والدليل على اعتبار هذه القيود الثلاثة وهي الاضطرار والركوب بالمعروف وانتهاء الركوب بانتهاء الضرورة ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا بلفظ اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا فإن مفهومه أنه إذا وجد غيرها تركها وروى سعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي قال يركبها إذا أعيا قدر ما يستريح على ظهرها وفي المسألة مذهب خامس وهو المنع مطلقا نقله بن العربي عن أبي حنيفة وشنع عليه ولكن الذي نقله الطحاوي وغيره الجواز بقدر الحاجة إلا أنه قال ومع ذلك يضمن ما نقص منها بركوبه وضمان النقص وافق عليه الشافعية في الهدي الواجب كالنذر ومذهب سادس وهو وجوب ذلك نقله بن عبد البر عن بعض أهل الظاهر تمسكا بظاهر الأمر ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا كثيرا ولم يأمر أحدا منهم بذلك انتهى وفيه نظر لما تقدم من حديث علي وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح رواه أبو داود في المراسيل عن عطاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالبدنة إذا أحتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركبها غير منهكها قلت ماذا قال الراجل والمتيع اليسير فإن نتجت حمل عليها ولدها ولا يمتنع القول بوجوبه إذا تعين طريقا إلى انقاذ مهجة إنسان من الهلاك واختلف الجيزون هل يحمل عليها متاعه فمنعه مالك وأجازه الجمهور وهل يحمل عليها غيره أجازه الجمهور أيضا على التفصيل المتقدم ونقل عياض الإجماع على أنه لا يؤجرها وقال الطحاوي في اختلاف العلماء قال أصحابنا والشافعي أن احتلب منها شيئا تصدق به فإن أكله تصدق بثمنه ويركب إذا أحتاج فإن نقصه ذلك ضمن وقال مالك لا يشرب من لبنه فإن شرب لم يغرم ولا يركب إلا عند الحاجة فإن ركب لم يغرم وقال الثوري لا يركب إلا إذا اضطر قوله ويلك قال القرطبي قالها له تأديبا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه وبهذا جزم بن عبد البر وابن العربي وبالغ حتى قال الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا قال ولولا أنه صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه ما اشترط لهلك ذلك الرجل لا محالة قال القرطبي ويحتمل أن يكون فهم عنه أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها فزجره عن ذلك فعلى الحالتين هي إنشاء ورجحه عياض وغيره قالوا والأمر هنا وإن قلنا إنه للارشاد لكنه استحق الذم بتوقفه على امتثال الأمر والذي يظهر أنه ما ترك الامتثال عنادا ويحتمل أن يكون ظن أنه يلزمه غرم بركوبها أو إثم وأن الإذن الصادر له بركوبها إنما هو للشفقة عليه فتوقف فلما أغلظ له بادر إلى الامتثال وقيل لأنه كان أشرف على هلكة من الجهد وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب فعلى هذا هي إخبار وقيل هي كلمة تدعم بها العرب كلامها ولا نقصد معناها كقوله لا أم لك ويقويه ما تقدم في بعض الروايات بلفظ ويحك بدل ويلك قال الهروي ويل يقال لمن وقع في هلكة يستحقها وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها وفي الحديث تكرير الفتوى والندب إلى المبادرة إلى امتثال الأمر وزجر من لم يبادر إلى ذلك وتوبيخه وجواز مسايرة الكبار في السفر وأن الكبير إذا رأى مصلحة للصغير لا يأنف عن إرشاده إليها واستنبط منه المصنف جواز انتفاع الواقف بوقفه وهو موافق للجمهور في الأوقاف العامة أما الخاصة فالوقف على النفس لا يصح عند الشافعية ومن وافقهم كما سيأتي بيانه في مكانه إن شاء الله تعالى

[ 1605 ] قوله عن أنس في رواية علي بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي سمعت أنس بن مالك قوله قال اركبها ثلاثا كذا في رواية أبي ذر مختصرا وفي رواية غيره قال أنها بدنة قال اركبها قال إنها بدنة قال اركبها ثلاثا وكذا أخرجه أبو مسلم الكجي في السنن عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج وأخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن مسلم كذلك لكن قال في آخره ويلك بدل ثلاثا وللترمذي من طريق أبي عوانة عن قتادة فقال له في الثالثة أو الرابعة اركبها ويحك أو ويلك وللنسائي من طريق سعيد عن قتادة قال في الرابعة اركبها ويلك

قوله باب من ساق البدن معه أي من الحل إلى الحرم قال المهلب أراد المصنف أن يعرف أن السنة في الهدي أن يساق من الحل إلى الحرم فإن اشتراه من الحرم خرج به إذا حج إلى عرفة وهو قول مالك قال فإن لم يفعل فعليه البدل وهو قول الليث وقال الجمهور إن وقف به بعرفة فحسن وإلا فلا بدل عليه وقال أبو حنيفة ليس بسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ساق الهدي من الحل لأن مسكنه كان خارج الحرم وهذا كله في الإبل فأما البقر فقد يضعف عن ذلك والغنم أضعف ومن ثم قال مالك لا يساق إلا من عرفة أو ما قرب منها لأنها تضعف عن قطع طول المسافة

[ 1606 ] قوله عن عقيل في رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث عن أبيه حدثني عقيل قوله تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج قال المهلب معناه أمر بذلك لأنه كان ينكر على أنس قوله أنه قرن ويقول بل كان مفردا وأما قوله وبدأ فأهل بالعمرة فمعناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل الحج قال ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن بن عمر قلت لم يتبين هذا التأويل المتعسف وقد قال بن المنير في الحاشية أن حمل قوله تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات لأن الرجم من وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه وأما أعمال الحج من إفراد و قران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أجاز تأويلا أخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله خذوا عني مناسككم فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه عليه الصلاة والسلام تمتع فأطلق ذلك قلت ولم يتعين هذا أيضا بل يحتمل أن يكون معنى قوله تمتع محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيرها بل قال النووي أن هذا هو المتعين قال وقوله بالعمرة إلى الحج أي بإدخال العمرة على الحج وقد قدمنا في باب التمتع والقرآن تقرير هذا التأويل وإنما المشكل هنا قوله بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقر كما تقدم على أنه بدأ أولا بالحج ثم أدخل عليه العمرة وهذا بالعكس وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال أي لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما فقال لبيك بعمرة وحجة معا وهذا مطابق لحديث أنس المتقدم لكن قد أنكر بن عمر ذلك على أنس فيحتمل أن يحمل إنكار بن عمر عليه كونه أطلق أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما أي في ابتداء الأمر ويعين هذا التأويل قوله في نفس الحديث وتمتع الناس الخ فإن الذين تمتعوا إنما بدءوا بالحج لكن فسخوا حجهم الى العمرة حتى حلوا بعد ذلك بمكة ثم حجوا من عامهم قوله فساق معه الهدي من ذي الحليفة أي من الميقات وفيه الندب إلى سوق الهدي من المواقيت ومن الأماكن البعيدة وهي من السنن التي أغفلها كثير من الناس قوله فإنه لا يحل من شيء تقدم بيانه في حديث حفصة في باب التمتع والقرآن قوله ويقصر كذا لأبي ذر وأما الأكثر فعندهم وليقصر وكذا في رواية مسلم قال النووي معناه أنه يفعل الطواف والسعي والتقصير ويصير حلالا وهذا دليل على أن الحلق أو التقصير نسك وهو الصحيح وقيل استباحة محظور قال وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج قوله وليحلل هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالا فله فعل كل ما كان محظورا عليه في الإحرام ويحتمل أن يكون أمرا على الإباحة لفعل ما كان عليه حراما قبل الإحرام قوله ثم ليهل بالحج أي يحرم وقت خروجه إلى عرفة ولهذا أتى بثم الدالة على التراخي فلم يرد أنه يهل بالحج عقب إهلاله من العمرة قوله وليهد أي هدي التمتع وهو واجب بشروطه قوله فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج أي لم يجد الهدي بذلك المكان ويتحقق ذلك بأن يعدم الهدي أو يعدم ثمنه حينئذ أو يجد ثمنه لكن يحتاج إليه لأهم من ذلك أو يجده لكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يمتنع من بيعه إلا بغلائة فينقل إلى الصوم كما هو نص القرآن والمراد بقوله في الحج أي بعد الإحرام به وقال النووي هذا هو الأفضل فإن صامها قبل الإهلال بالحج أجزأه على الصحيح وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح قاله مالك وجوزه الثوري وأصحاب الرأي وعلى الأول فمن استحب صيام عرفة بعرفة قال يحرم يوم السابع ليصوم السابع والثامن والتاسع وإلا فيحرم يوم السادس ليفطر بعرفة فإن فاته الصوم قضاه وقيل يسقط ويستقر الهدي في ذمته وهو قول الحنفية وفي صوم أيام التشريق لهذا قولان للشافعية أظهرهما لا يجوز قال النووي وأصحهما من حيث الدليل الجواز قوله ثم خب تقدم الكلام عليه في باب استلام الحجر الأسود وتقدم الكلام على السعي في بابه وقوله ثم سلم فانصرف فأتى الصفا ظاهره أنه لم يختلل بينهما عمل آخر لكن في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم ثم رجع إلى الحجر فاستلمه ثم خرج من باب الصفا قوله ثم حل من كل شيء حرم منه تقدم أن سبب عدم إحلاله كونه ساق الهدي وإلا لكان يفسخ الحج إلى العمرة ويتحلل منها كما أمر به أصحابه واستدل به على أن التحلل لا يقع بمجرد طواف القدوم خلافا لابن عباس وهو واضح وقد تقدم البحث فيه وقوله وفعل مثل ما فعل إشارة إلى عدم خصوصيته بذلك وفيه مشروعية طواف القدوم للقارن والرمل فيه إن عقبه بالسعي وتسمية السعي طوافا وطواف الإفاضة يوم النحر واستدل به على أن الحلق ليس بركن وليس بواضح لأنه لا يلزم من ترك ذكره في هذا الحديث أن لا يكون وقع بل هو داخل في عموم قوله حتى قضى حجه تنبيه وقع بين قوله وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قوله من أهدى وساق الهدي من الناس في رواية أبي الوقت لفظ باب وقال فيه عن عروة عن عائشة الخ وهو خطأ شنيع فإن قوله من أهدى فاعل قوله وفعل فالفصل بينهما بلفظ باب خطأ ويصير فاعل فعل محذوفا وأغرب الكرماني فشرحه على أن فاعل فعل هو بن عمر راوي الخبر وأما أبو نعيم في المستخرج فساق الحديث بتمامه الخ ثم أعاد هذا اللفظ بترجمة مستقلة وساق حديث عائشة بالإسناد الذي قبله وقال في كل منهما أخرجه البخاري عن يحيى بن بكير وهذا غريب والأصوب ما رواه الأكثر ووقع في رواية أبي الوليد الباجي عن أبي ذر بعد قوله ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصلة صورتها وبعدها من أهدى وساق الهدي من الناس وعن عروة أن عائشة أخبرته قال أبو الوليد أمرنا أبو ذر أن نضرب على هذه الترجمة يعني قوله من أهدى وساق الهدي من الناس انتهى وهو عجيب من أبي الوليد ومن شيخه فإن قوله من أهدى هو صفة لقوله وفعل ولكنهما ظنا أنها ترجمة فحكما عليها بالوهم وليس كذلك وكذا أخرجه مسلم من رواية شعيب فساق حديث بن عمر إلى قوله من الناس ثم أعاد الإسناد بعينه إلى عائشة قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالحج إلى العمرة وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن عبد الله وقد تعقب المهلب قول الزهري بمثل الذي أخبرني سالم فقال يعني مثله في الوهم لأن أحاديث عائشة كلها شاهدة بأنه حج مفردا قلت وليس وهما إذ لا مانع من الجمع بين الروايتين بمثل ما جمعنا به بين المختلف عن بن عمر بأن يكون المراد بالإفراد في حديثها البداءة بالحج وبالتمتع بالعمرة إدخالها على الحج وهو أولى من توهيم جبل من جبال الحفظ والله أعلم

قوله باب من اشترى الهدي من الطريق أي سواء كان في الحل أو الحرم إذ سوقه معه من بلده ليس بشرط وقال بن بطال أراد أن يبين أن مذهب بن عمر في الهدي أنه ما أدخل من الحل إلى الحرم لأن قديدا من الحل قلت لا يخفى أن الترجمة أعم من فعل بن عمر فكيف تكون بيانا له قوله فإني لا آمنها بالمد وفتح الميم الخفيفة وقد تقدم في باب طواف القارن بلفظ لا آمن والهاء هنا ضمير الفتنة أي لا آمن الفتنة أن تكون سببا في صدك عن البيت وسيأتي بيان ذلك في باب المحصر مع بقية الكلام عليه وفي رواية المستملي والسرخسي هنا لا أيمنها وقد تقدم ضبطه وشرحه في باب طواف القارن قوله أن تصد في رواية السرخسي أن ستصد قوله فأهل بالعمرة زاد في رواية أبي ذر من الدار وكذا أخرجه أبو نعيم من رواية علي بن عبد العزيز عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه ويؤخذ منه جواز الإحرام من قبل الميقات وللعلماء فيه اختلاف فنقل بن المنذر الإجماع على الجواز ثم قيل هو أفضل من الإحرام من الميقات وقيل دونه وقيل مثله وقيل من كان له ميقات معين فهو في حقه أفضل وإلا فمن داره وللشافعية في أرجحية الميقات عن الدار اختلاف وقال الرافعي يؤخذ من تعليلهم أن من آمن على نفسه كان أرجح في حقه وإلا فمن الميقات أفضل وقد تقدم قول المصنف وكره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان في باب قوله تعالى الحج أشهر معلومات قوله فلم يحل حتى حل في رواية السرخسي حتى أحل بزيادة ألف والحاء مفتوحة وهي لغة شهيرة يقال حل وأحل

قوله باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم قال بن بطال غرضه أن يبين أن المستحب أن لا يشعر المحرم ولا يقلد إلا في ميقات بلده انتهى والذي يظهر أن غرضه الإشارة إلى رد قول مجاهد لا يشعر حتى يحرم أخرجه بن أبي شيبة لقوله في الترجمة من أشعر ثم أحرم ووجه الدلالة لذلك من حديث المسور

[ 1608 ] قوله حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم فإن ظاهره البداءة بالتقليد ومن حديث عائشة

[ 1609 ] قوله ثم قلدها وأشعرها وما حرم عليه شيء فإنه يدل على أن تقدم الإحرام ليس شرطا في صحة التقليد والإشعار وأبين من ذلك لتحصيل مقصود الترجمة ما أخرجه مسلم من حديث بن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل الحج وسيأتي الكلام على حديث المسور حيث ساقه المصنف مطولا في كتاب الشروط وعلى حديث عائشة بعد بابين قوله زمن الحديبية وقع عند الكشميهني من المدينة قوله في صدر الباب وقال نافع كان بن عمر الخ وصله مالك في الموطأ قال عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة على ساكنها الصلاة والسلام قلده بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو متوجه إلى القبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به فإذا قدم غداة النحر نحره وعن نافع عن بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال بسم الله والله أكبر وأخرج البيهقي من طريق بن وهب عن مالك وعبد الله بن عمر عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يشعر بدنه من الشق الأيسر إلا أن تكون صعابا فإذا لم يستطع أن يدخل بينها أشعر من الشق الأيمن وإذا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة وتبين بهذا أن بن عمر كان يطعن في الأيمن تارة وفي الأيسر أخرى بحسب ما يتهيأ له ذلك وإلى الإشعار في الجانب الأيمن ذهب الشافعي وصاحبا أبي حنيفة وأحمد في رواية وإلى الأيسر ذهب مالك وأحمد في رواية ولم أر في حديث بن عمر ما يدل على تقدم ذلك على إحرامه وذكر بن عبد البر في الإستذكار عن مالك قال لا يشعر الهدي إلا عند الإهلال يقلده ثم يشعره ثم يصلي ثم يحرم وفي هذا الحديث مشروعية الإشعار وفائدته الإعلام بأنها صارت هديا ليتبعها من يحتاج إلى ذلك وحتى لو اختلطت بغيرها تميزت أو ضلت عرفت أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها مع ما في ذلك من تعظيم شعار الشرع وحث الغير عليه وأبعد من منع الإشعار واعتل باحتمال أنه كان مشروعا قبل النهي عن المثلة فإن النسخ لا يصار إليه بالإحتمال بل وقع الإشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان وسيأتي نقل الخلاف في ذلك بعد باب

قوله باب فتل القلائد للبدن والبقر أورد فيه حديث حفصة ما شأن الناس حلوا وحديث عائشة كان يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه قال بن المنير في الحاشية ليس في الحديثين ذكر البقر إلا أنهما مطلقان وقد صح أنه أهداها جميعا كذا قال وكأنه أراد حديث عائشة دخل علينا يوم النحر بلحم بقر الحديث وسيأتي بعد أبواب ولا دلالة فيه على أنه كان ساق البقر وترجمة البخاري صحيحة لأنه إن كان المراد بالهدي في الحديث الإبل والبقر معا فلا كلام وإن كان المراد الإبل خاصة فالبقر في معناها وقد سبق الكلام على حديث حفصة مستوفى في باب التمتع والقرآن ومناسبته للترجمة من جهة أن التقليد يستلزم تقدم الفتل عليه ويوضح ذلك حديث عائشة المذكور معه ويأتي الكلام عليه بعد باب تنبيه أخذ بعض المتأخرين من اقتصار البخاري في هذه الترجمة على الإبل والبقر أنه موافق لمالك وأبي حنيفة في أن الغنم لا تقلد وغفل هذا المتأخر عن أن البخاري أفرد ترجمة لتقليد الغنم بعد أبواب يسيرة كعادته في تفريق الأحكام في التراجم

قوله باب إشعار البدن ذكر في حديث عروة عن المسور معلقا وقد تقدم موصولا قبل باب وحديث عائشة فتلت قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها الحديث وفيه مشروعية الإشعار وهو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هديا وبذلك قال الجمهور من السلف والخلف وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء كراهته عن أبي حنيفة وذهب غيره إلى استحبابه للاتباع حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا هو حسن قال وقال مالك يختص الإشعار بمن لها سنام قال الطحاوي ثبت عن عائشة وابن عباس التخيير في الإشعار وتركه فدل على أنه ليس بنسك لكنه غير مكروه لثبوت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الخطابي وغيره اعتلال من كره الإشعار بأنه من المثلة مردود بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان ليصير علامة وغير ذلك من الوسم وكالختان والحجامة وشفقة الإنسان على المال عادة فلا يخشى ما توهموه من سريان الجرح حتى يفضي إلى الهلاك ولو كان ذلك هو الملحوظ لقيد الذي كرهه به كأن يقول الإشعار الذي يفضي بالجرح إلى السراية حتى تهلك البدنة مكروه فكان قريبا وقد كثر تشنيع المتقدمين على أبي حنيفة في إطلاقه كراهة الإشعار وانتصر له الطحاوي في المعاني فقال لم يكره أبو حنيفة أصل الإشعار وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاك البدن كسر اية الجرح لا سيما مع الطعن بالشفرة فأراد سد الباب عن العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك وأما من كان عارفا بالسنة في ذلك فلا وفي هذا تعقب على الخطابي حيث قال لا أعلم أحدا كره الإشعار إلا أبا حنيفة وخالفه صاحباه فقالا بقول الجماعة انتهى وروي عن إبراهيم النخعي أيضا أنه كره الإشعار ذكر ذلك الترمذي قال سمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال له رجل روي عن إبراهيم النخعي أنه قال الإشعار مثلة فقال له وكيع أقول لك أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم ما أحقك بأن تحبس انتهى وفيه تعقب على بن حزم في زعمه أنه ليس لأبي حنيفة في ذلك سلف وقد بالغ بن حزم في هذا الموضع ويتعين الرجوع إلى ما قال الطحاوي فإنه أعلم من غيره بأقوال أصحابه تنبيه اتفق من قال بالإشعار بإلحاق البقر في ذلك بالإبل إلا سعيد بن جبير واتفقوا على أن الغنم لا تشعر لضعفها ولكون صوفها أو شعرها يستر موضع الإشعار وأما على ما نقل عن مالك فلكونها ليست ذات أسمة والله أعلم

قوله باب من قلد القلائد بيده أي الهدايا وله حالان إما أن يسوق الهدي ويقصد النسك فإنما يقلدها ويشعرها عند إحرامه وإما أن يسوقه ويقيم فيقلدها من مكانه وهو مقتضى حديث الباب وسيأتي بيان ما يقلد به بعد باب والغرض بهذه الترجمة أنه كان عالما بابتداء التقليد ليترتب عليه ما بعده قال بن التين يحتمل أن يكون قول عائشة ثم قلدها بيده بيانا لحفظها للأمر ومعرفتها به ويحتمل أن تكون أرادت أنه صلى الله عليه وسلم تناول ذلك بنفسه وعلم وقت التقليد ومع ذلك فلم يمتنع من شيء يمتنع منه المحرم لئلا يظن أحد أنه استباح ذلك قبل أن يعلم بتقليد الهدي

[ 1613 ] قوله عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم كذا للأكثر وسقط عمرو من رواية أبي ذر وعمرة هي خالة عبد الله الراوي عنها والإسناد كله مدنيون إلا شيخ البخاري قوله أن زياد بن أبي سفيان كذا وقع في الموطأ وكأن شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد بن أبيه وقيل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وزوج ابنه ابنته وأمر زيادا على العراقين البصرة والكوفة جمعهما له ومات في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين تنبيه وقع عند مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك في هذا الحديث أن بن زياد بدل قوله أن زياد بن أبي سفيان وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه قال النووي وجميع من تكلم على صحيح مسلم والصواب ما وقع في البخاري وهو الموجود عند جميع رواة الموطأ قوله حتى ينحر هديه زاد مسلم في روايته وقد بعثت بهدي فاكتبي إلي بأمرك زاد الطحاوي من رواية بن وهب عن مالك أو مري صاحب الهدي أي الذي معه الهدي أي بما يصنع قوله قالت عمرة هو بالسند المذكور وقد روى الحديث المرفوع عن عائشة القاسم وعروة كما مضى قريبا مختصرا ورواه عنها أيضا مسروق وسيأتي في آخر الباب الذي بعده مختصرا وأورده في الضحايا مطولا وترجم هناك على حكم من أهدى وأقام هل يصير محرما أو لا ولم يترجم به هنا ولفظه هناك عن مسروق أنه قال يا أم المؤمنين أن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر فيوصي أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس فذكر الحديث نحوه ولفظ الطحاوي في حديث مسروق قال قلت لعائشة إن رجالا ههنا يبعثون بالهدي إلى البيت ويأمرون الذي يبعثون معه بمعلم لهم يقلدها في ذلك اليوم فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس الحديث وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا محدث عن عائشة وقيل لها إن زيادا إذا بعث بالهدي أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه فقالت عائشة أوله كعبة يطوف بها قال وحدثنا يعقوب حدثنا هشام عن أبيه بلغ عائشة أن زيادا بعث بالهدي وتجرد فقالت إن كنت لأفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يبعث بها وهو مقيم عندنا ما يجتنب شيئا وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى رجلا متجردا بالعراق فسأل عنه فقالوا أنه أمر بهديه أن يقلد قال ربيعة فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت له ذلك فقال بدعة ورب الكعبة ورواه بن أبي شيبة عن الثقفي عن يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم أن ربيعة أخبره أنه رأى بن عباس وهو أمير على البصرة في زمان علي متجردا على منبر البصرة فذكره فعرف بهذا اسم المبهم في رواية مالك قال بن التين خالف بن عباس في هذا جميع الفقهاء واحتجت عائشة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وما روته في ذلك يجب أن يصار إليه ولعل بن عباس رجع عنه انتهى فيه قصور شديد فإن بن عباس لم ينفرد بذلك بل ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة منهم بن عمر رواه بن أبي شيبة عن بن علية عن أيوب وابن المنذر من طريق بن جريج كلاهما عن نافع أن بن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي ومنهم قيس بن سعد بن عبادة أخرج سعيد بن منصور من طريق سعيد بن المسيب عنه نحو ذلك وروى بن أبي شيبة من طريق محمد بن علي بن الحسين عن عمر وعلى أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنته أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم وهذا منقطع وقال بن المنذر قال عمر وعلي وقيس بن سعد وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم وقال بن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون لا يصير بذلك محرما وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار ومن حجة الأولين ما رواه الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال أني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي الحديث وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده إلا أن نسبة بن عباس إلى التفرد بذلك خطأ وقد ذهب سعيد بن المسيب إلى أنه لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم إلا الجماع ليلة جمع رواه بن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح نعم جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قال بن عباس ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب عنه وأخرجه البيهقي من طريقه قال أول من كشف العمي عن الناس وبين السنة في ذلك عائشة فذكر الحديث عن عروة وعمرة عنها قال فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا به وتركوا فتوى بن عباس وذهب جماعة من فقهاء الفتوى إلى أن من أراد النسك صار بمجرد تقليده الهدي محرما حكاه بن المنذر عن الثوري وأحمد وإسحاق قال وقال أصحاب الرأي من ساق الهدي وأم البيت ثم قلد وجب عليه الإحرام قال وقال الجمهور لا يصير بتقليد الهدي محرما ولا يجب عليه شيء ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول بن عباس وهو خطأ عليهم فالطحاوي أعلم بهم منه ولعل الخطابي ظن التسوية بين المسألتين قوله بيدي فيه رفع مجاز أن تكون أرادت أنها فتلت بأمرها قوله مع أبي بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة تريد بذلك أباها أبا بكر الصديق واستفيد من ذلك وقت البعث وأنه كان في سنة تسع عام حج أبو بكر بالناس قال بن التين أرادت عائشة بذلك علمها بجميع القصة ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ فأرادت إزالة هذا اللبس وأكملت ذلك بقولها فلم يحرم عليه شيء كان له حلا حتى نحر الهدي أي وانقضى أمره ولم يحرم وترك إحرامه بعد ذلك أخرى وأولى لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى وحاصل اعتراض عائشة على بن عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياسا للتولية في أمر الهدي على المباشرة له فبينت عائشة أن هذا القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السنة الظاهرة وفي الحديث من الفوائد تناول الكبير الشيء بنفسه وإن كان له من يكفيه إذا كان مما يهتم به ولا سيما ما كان من إقامة الشرائع وأمور الديانة وفيه تعقب بعض العلماء على بعض ورد الاجتهاد بالنص وأن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم التأسي به حتى تثبت الخصوصية

قوله باب تقليد الغنم قال بن المنذر أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليدها زاد غيره وكأنهم لم يبلغهم الحديث ولم نجد لهم حجة إلا قول بعضهم أنها تضعف عن التقليد وهي حجة ضعيفة لأن المقصود من التقليد العلامة وقد اتفقوا على أنها لا تشعر لأنها تضعف عنه فتقلد بما لا يضعفها والحنفية في الأصل يقولون ليست الغنم من الهدي فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى وقال بن عبد البر احتج من لم ير باهداء الغنم بأنه صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة ولم يهد فيها غنما انتهى وما أدري ما وجه الحجة منه لأن حديث الباب دال على أنه أرسل بها وأقام وكان ذلك قبل حجته قطعا فلا تعارض بين الفعل والترك لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز ثم من الذي صرح من الصحابة بأنه لم يكن في هداياه في حجته غنم حتى يسوغ الاحتجاج بذلك ثم ساق بن المنذر من طريق عطاء وعبيد الله بن أبي يزيد وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهم قالوا رأينا الغنم تقدم مقلدة ولابن أبي شيبة عن بن عباس نحوه والمراد بذلك الرد على من ادعى الإجماع على ترك إهداء الغنم وتقليدها وأعل بعض المخالفين حديث الباب بأن الأسود تفرد عن عائشة بتقليد الغنم دون بقية الرواة عنها من أهل بيتها وغيرهم قال المنذري وغيره وليست هذه بعلة لأنه حافظ ثقة لا يضره التفرد

[ 1615 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد وإنما أردف البخاري بطريقه طريق أبي نعيم مع أن طريق أبي نعيم عنده أعلى درجة لتصريح الأعمش بالتحديث عن إبراهيم في رواية عبد الواحد مع أن في رواية عبد الواحد زيادة التقليد وزيادة إقامته في أهله حلالا ثم أردفه برواية منصور عن إبراهيم استظهارا لرواية عبد الواحد لما في حفظ عبد الواحد عندهم وإن كان هو عنده حجة وأما اردافه برواية مسروق مع أنه لا تصريح فيها بكون القلائد للغنم فلأن لفظ الهدي أعم من أن يكون لغنم أو غيرها فالغنم فرد من أفراد ما يهدى وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أهدى الإبل وأهدى البقر فمن ادعى اختصاص الإبل بالتقليد فعليه البيان وعامر في طريق مسروق هو الشعبي وزكريا الراوي عنه هو بن أبي زائدة وقد ذكرت في الباب الذي قبله أنه أخرج طريق مسروق من وجه آخر عن الشعبي مطولا

قوله باب القلائد من العهن بكسر المهملة وسكون الهاء أي الصوف وقيل هو المصبوغ منه وقيل هو الأحمر خاصة

[ 1618 ] قوله عن أم المؤمنين هي عائشة بينه يحيى بن حكيم عن معاذ أخرجه أبو نعيم في المستخرج وكذا وقعت تسميتها عند الإسماعيلي من وجه آخر عن بن عون قوله فتلت قلائدها أي الهدايا وفي رواية يحيى المذكورة أنا فتلت تلك القلائد ولمسلم من وجه آخر عن بن عون مثله وزاد فأصبح فينا حلالا يأتي ما يأتي الحلال من أهله وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار أن تكون من نبات الأرض وهو منقول عن ربيعة ومالك وقال بن التين لعله أراد أنه الأولى مع القول بجواز كونها من الصوف والله أعلم

قوله باب تقليد النعل يحتمل أن يريد الجنس ويحتمل أن يريد الوحدة أي النعل الواحدة فيكون فيه إشارة إلى من اشترط نعلين وهو قول الثوري وقال غيره تجزئ الواحدة وقال آخرون لا تتعين النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ حتى أذن الإداوة ثم قيل الحكمة في تقليد النعل أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه فعلى هذا يتعين والله أعلم وقال بن المنير في الحاشية الحكمة فيه أن العرب تعتد النعل مركوبة لكونها تقي عن صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق وقد كنى بعض الشعراء عنها بالناقة فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره كما خرج حين أحرم عن ملبوسه ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة وهذا هو الأصل في نذر المشي حافيا إلى مكة قوله حدثنا محمد كذا للأكثر غير منسوب ولابن السكن محمد بن سلام ولأبي ذر محمد هو بن سلام ورجح أبو علي الجياني أنه محمد بن المثنى لأن المصنف روى عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى حديثا غير هذا سيأتي قريبا وأيده غيره بأن الإسماعيلي وأبا نعيم أخرجاه في مستخرجيهما من رواية محمد بن المثنى وليس ذلك بلازم والعمدة على ما قال بن السكن فإنه حافظ قوله عن عكرمة هو مولى بن عباس وأما عكرمة بن عمار فهو تلميذ يحيى بن أبي كثير لا شيخه وقد تقدم الكلام على حديث الباب قبل تسعة أبواب قوله تابعه محمد بن بشار الخ المتابع بالفتح هنا هو معمر والمتابع بالكسر ظاهر السياق أنه محمد بن بشار وفي التحقيق هو علي بن المبارك وإنما أحتاج معمر عنده إلى المتابعة لأن في رواية البصريين عنه مقالا لكونه حدثهم بالبصرة من حفظه وهذا من رواية البصريين ولم تقع لي رواية محمد بن بشار موصولة وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن علي بن المبارك بمتابعة عثمان بن عمرو قال إن حسينا المعلم رواه عن يحيى بن أبي كثير أيضا

قوله باب الجلال للبدن بكسر الجيم وتخفيف اللام جمع جل بضم الجيم وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه قوله وكان بن عمر لا يشق من الجلال إلا موضع السنام فإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها هذا التعليق وصل بعضه مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه وعن نافع أن بن عمر كان يجلل بدنه القباطي والحلل ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها وعن مالك أنه سأل عبد الله بن دينار ما كان بن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة قال كان يتصدق بها وقال البيهقي بعد أن أخرجه من طريق يحيى بن بكير عن مالك زاد فيه غيره عن مالك إلا موضع السنام إلى آخر الأثر المذكور قال المهلب ليس التصدق بجلال البدن فرضا وإنما صنع ذلك بن عمر لأنه أراد أن لا يرجع في شيء أهل به لله ولا في شيء أضيف إليه اه وفائدة شق الجل من موضع السنام ليظهر الإشعار لئلا يستتر ما تحتها وروى بن المنذر من طريق أسامة بن زيد عن نافع أن بن عمر كان يجلل بدنه الأنماط والبرود والحبر حتى يخرج من المدينة ثم ينزعها فيطويها حتى يكون يوم عرفة فيلبسها إياها حتى ينحرها ثم يتصدق بها قال نافع وربما دفعها إلى بني شيبة وأورد المصنف حديث علي في التصدق بجلال البدن مختصرا وسيأتي الكلام عليه مستوفى بعد سبعة أبواب إن شاء الله تعالى تنبيه ما في هذه الأحاديث من استحباب التقليد والإشعار وغير ذلك يقتضي أن إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه والمقرر أن إخفاء العمل الصالح غير الفرض أفضل من إظهاره فأما أن يقال أن أفعال الحج مبنية على الظهور كالإحرام والطوف والوقوف فكان الإشعار والتقليد كذلك فيخص الحج من عموم الإخفاء وإما أن يقال لا يلزم من التقليد والإشعار إظهار العمل الصالح لأن الذي يهديها يمكنه أن يبعثها مع من يقلدها ويشعرها ولا يقول أنها لفلان فتحصل سنة التقليد مع كتمان العمل وأبعد من استدل بذلك على أن العمل إذا شرع فيه صار فرضا وإما أن يقال أن التقليد جعل علما لكونها هديا حتى لا يطمع صاحبها في الرجوع فيها

قوله باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها تقدم قبل ثمانية أبواب من اشترى الهدي من الطريق وأورد فيه حديث بن عمر هذا من وجه آخر وإنما زادت هذه الترجمة التقليد وقد تقدم القول فيه مستوفى في باب من قلد القلائد بيده وحديث بن عمر يأتي الكلام عليه مستوفى في أبواب المحصر إن شاء الله تعالى لكن قوله في هذه الرواية عن حجة الحرورية وفي رواية الكشميهني حج الحرورية في عهد بن الزبير مغاير لقوله في باب طواف القارن من رواية الليث عن نافع عام نزول الحجاج بابن الزبير لأن حجة الحرورية كانت في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية سنة أربع وستين وذلك قبل أن يتسمى بن الزبير بالخلافة ونزول الحجاج بابن الزبير كان في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام بن الزبير فإما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق وإما أن يحمل على تعدد القصة وقد ظهر من رواية أيوب عن نافع أن القائل لابن عمر الكلام المذكور هو ولده عبيد الله كما تقدم في باب من اشترى الهدي من الطريق وسيأتي في أول الإحصار مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى

قوله باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن أما التعبير بالذبح مع أن حديث الباب بلفظ النحر فإشارة ما ورد في بعض طرقه بلفظ الذبح وسيأتي بعد سبعة أبواب من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ونحر البقر جائز عند العلماء إلا أن الذبح مستحب عندهم لقوله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها وأما قوله من غير أمرهن فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دخل به عليها ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام لكن ليس ذلك دافعا للاحتمال فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عنه لذلك

[ 1623 ] قوله عن عمرة في رواية سليمان المذكورة حدثتني عمرة قوله لا نرى بضم النون أي لا نظن وقوله إلا الحج تقدم القول فيه في الكلام على باب التمتع والإفراد والقرآن وقوله فدخل علينا بضم الدال على البناء المجهول قوله بلحم بقر قال بن بطال أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية ولا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحدة بقرة وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة فقد قال إسماعيل القاضي تفرد يونس بذلك وقد خالفه غيره اه ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما ويونس ثقة حافظ وقد تابعه معمر عند النسائي أيضا ولفظه أصرح من لفظ يونس قال ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة وروى النسائي أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن صححه الحاكم وهو شاهد قوي لرواية الزهري وأما ما رواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حججنا بقرة بقرة أخرجه النسائي أيضا فهو شاذ مخالف لما تقدم وقد رواه المصنف في الأضاحي ومسلم أيضا من طريق بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر ولم يذكر ما زاده عمار الدهني وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ أهدى بدل ضحى والظاهر أن التصرف من الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ أهدى وتبين أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله لا ضحايا على أهل منى وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم واستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه وتعقب باحتمال الاستئذان كما تقدم في الكلام على الترجمة وفيه جواز الأكل من الهدي والأضحية وسيأتي نقل الخلاف فيه بعد سبعة أبواب قوله قال يحيى هو بن سعيد الأنصاري بالإسناد المذكور كله إليه قوله فذكرته للقاسم يعني بن محمد بن أبي بكر الصديق قوله فقال أتتك بالحديث على وجهه أي ساقته لك سياقا تاما لم تختصر منه شيئا وكأنه يشير بذلك إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة كما قدمت الإشارة إليها في هذا الباب

قوله باب النحر في منحر النبي صلى الله عليه وسلم بمنى قال بن التين منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد انتهى وكأنه أخذه من أثر أخرجه الفاكهي من طريق بن جريج عن طاوس قال كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار المصلى قال وقال غير طاوس من أشياخنا مثله وزاد وأمر بنسائه أن ينزلن جنب الدار بمنى وأمر الأنصار أن ينزلوا الشعب وراء الدار قلت والشعب هو عند الجمرة المذكورة قال بن التين وللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله صلى الله عليه وسلم هذا المنحر وكل منى منحر انتهى والحديث المذكور أخرجه مسلم من حديث جابر ولفظه نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم وهذا ظاهره أن نحره صلى الله عليه وسلم بذلك المكان وقع عن اتفاق لا لشيء يتعلق بالنسك ولكن بن عمر كان شديد الأتباع وقد روى عمر بن شبة في كتابه من طريق بن جريج عن عطاء قال كان بن عمر لا ينحر إلا بمنى وحكى بن بطال قول مالك في النحر بمنى للحاج والنحر بمكة للمعتمر وأطال في تقرير ذلك وترجيحه ولا خلاف في الجواز وإن اختلف في الأفضل

[ 1624 ] قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه كذلك أخرجه في مسنده وأخرجه من طريقه أبو نعيم قوله قال عبيد الله أي بن عمر بالإسناد المذكور والمعنى أن مراد نافع بإطلاق المنحر منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى المصنف هذا الحديث في الأضاحي أوضح من هذا ولفظه حدثني محمد بن أبي بكر القدمي حدثنا خالد بن الحارث فذكر الحديث قال قال عبيد الله يعني منحر النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا أردفه المصنف هنا بطريق موسى بن عقبة عن نافع الصرحة بإضافة المنحر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الخبر وأفادت رواية موسى زيادة وقت بعث الهدي إلى المنحر وأنها من آخر الليل وقوله

[ 1625 ] مع حجاج بضم المهملة جمع حاج وقوله فيهم الحر والمملوك معناه أنه لا يشترط بعث الهدي مع الأحرار دون الأرقاء وسيأتي في الأضاحي من طريق كثير بن فرقد عن نافع عن بن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى وهذا محمول على الأضحية بالمدينة

قوله باب من نحر هديه بيده أورد فيه حديث أنس مختصرا وفيه نحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن وسيأتي بعد باب واحد بتمامه بالإسناد الذي ساقه هنا سواء وليست هذه الترجمة وحديثها عند أكثر الرواة بل ثبتت لأبي ذر عن المستملي وحده وفي نسخة الصغاني بعد الترجمة ما نصه حديث سهل بن بكار عن وهيب فاكتفى بالإشارة

قوله باب نحر الإبل مقيدة أورد فيه حديث بن عمر وهو مطابق لما ترجم له

[ 1627 ] قوله عن يونس هو بن عبيد في رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن عبد الأعلى عن يزيد بن زريع أخبرنا يونس والإسناد سوى الصحابي كلهم بصريون قوله عن زياد بن جبير بجيم وموحدة مصغر بصري تابعي ثقة ليس له من الصحيحين سوى هذا الحديث وحديث آخر أخرجه المصنف في النذر بهذا الإسناد وأخرجه في الصوم بإسناد آخر إلى يونس بن عبيد وقد سبق في أوائل الحج حديث غير هذا من طريق زيد بن جبير عن بن عمر وهو غير زياد بن جبير هذا وليس أخا له أيضا لأن زيدا طائي كوفي وزياد ثقفي بصري لكنهما اشتركا في الثقة وفي الرواية عن بن عمر قوله أتى على رجل لم أقف على اسمه قوله قد أناخ بدنته ينحرها زاد أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس لينحرها بمنى قوله ابعثها أي أثرها يقال بعثت الناقة أثرتها وقوله قياما أي عن قيام وقياما مصدر بمعنى قائمة وهي حال مقدرة أو قوله ابعثها أي أقمها أو العامل محذوف تقديره انحرها وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي انحرها قائمة قوله مقيدة أي معقولة الرجل قائمة على ما بقي من قوائمها ولأبو داود من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير رأيت بن عمر ينحر بدنته وهي معقولة إحدى يديها قوله سنة محمد بنصب سنة بعامل مضمر كالاختصاص أو التقدير متبعا سنة محمد قلت ويجوز الرفع ويدل عليه رواية الحربي في المناسك بلفظ فقال له انحرها قائمة فإنها سنة محمد وفي هذا الحديث استحباب نحر الإبل على الصفة المذكورة وعن الحنفية يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة وفيه تعليم الجاهل وعدم السكوت على مخالفة السنة وإن كان مباحا وفيه أن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث في صحيحيهما قوله وقال شعبة عن يونس أخبرني زياد هذا التعليق أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده قال أخبرنا النضر بن شميل حدثنا شعبة عن يونس سمعت زياد بن جبير يقول انتهيت مع بن عمر فإذا رجل قد أضجع بدنته وهو يريد أن ينحرها فقال قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم وقد نسب مغلطاي ومن تبعه تعليق شعبة المذكور لتخريج إبراهيم الحربي عن عمرو بن مرزوق عن شعبة فراجعته فوجدته فيه عن يونس عن زياد بالعنعنة وليس فس ذلك وفاء بمقصود البخاري فإنه أخرج طريق شعبة لبيان سماع يونس له من زياد وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة بالعنعنة

قوله باب نحر البدن قائمة في رواية الكشميهني قياما قوله وقال بن عمر سنة محمد يشير إلى حديثه في الباب الذي قبله قوله وقال بن عباس صواف قياما وهكذا ذكره سفيان بن عيينة في تفسيره عن عبيد الله بن أبي يزيد عنه في تفسير قوله تعالى اذكروا اسم الله عليها صواف قال قياما أخرجه سعيد بن منصور عن بن عيينة وأخرجه عبد بن حميد عن أبي نعيم عنه وقوله صواف بالتشديد جمع صافة أي مصطفة في قيامها ووقع في مستدرك الحاكم من وجه آخر عن بن عباس في قوله تعالى صوافن أي قياما على ثلاث قوائم معقولة وهي قراءة بن مسعود صوافن بكسر الفاء بعدها نون جمع صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب

[ 1628 ] قوله حدثنا سهل بن بكار الإسناد إلى آخره بصريون قوله فبات بها فلما أصبح في رواية الكشميهني فبات بها حتى أصبح وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الحج والمراد منه هنا قوله ونحر بيده سبع بدن قياما كذا في رواية أبي ذر وفي رواية كريمة وغيرها سبعة بدن فقيل في توجيهها أراد أبعرة فلذا ألحق بها الهاء والجمع بينه وبين ما قبله واضح وسيأتي بيان ما نحره وعدده في حديث علي إن شاء الله تعالى قريبا ويأتي الكلام على حديث التضحية بالكبشين في كتاب الأضاحي قوله في الطريق الثانية وعن أيوب عن رجل عن أنس المراد به بيان اختلاف إسماعيل بن علية ووهيب على أيوب فيه فساقه وهيب عنه بإسناد واحد وفصل إسماعيل بعضه فقال عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس وقال في بعضه عن أيوب عن رجل عن أنس قال الداودي لو كان كله عند أيوب عن أبي قلابة ما أبهمه وقال بن التين يحتمل أن يكون إسماعيل شك فيه أو نسيه ووهيب ثقة فقد جزم بأن جميع الحديث عنه وقد تقدم الكلام على شيء من هذا في باب التسبيح والتحميد في أوائل الجح تنبيه حكى بن بطال عن المهلب أنه وقع عنده هنا فلما أهل لنا بهما جميعا قال ومعناه أمر من أهل بالقرآن لأنه هو كان مفردا فمعنى أهل لنا أي أباح لنا الإهلال فكان ذلك أمرا وتعليما لهم كيف يهلون وإلا فما معنى لنا في هذا الموضع انتهى ولم أقف في شيء من الروايات التي اتصلت لنا في هذا الحديث ولا في غيره على ما ذكر وإنما الذي في أصولنا فلما علا على البيداء لبى بهما جميعا ولعله وقع في نسخته فلما علا على البيداء أهل وفي أخرى لبى فكتبت لبى بألف فصارت صورتها لنا بنون خفيفة وجمع بينها وبين الرواية الأخرى فصارت أهل لنا ولا وجود لذلك في شيء من الطرق

قوله باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئا فاعل يعطى محذوف أي صاحب الهدي والجزار منصوب على المفعولية وروى بفتح الطاء والجزار بالرفع

[ 1629 ] قوله أخبرنا سفيان هو الثوري قوله عن عبد الرحمن سيأتي في الباب الذي بعده التصريح بالأخبار بين مجاهد وعبد الرحمن وبين عبد الرحمن وعلي قوله وقال سفيان هو المذكور بالإسناد المذكور وليس معلقا وقد وصله النسائي قال أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن هو بن مهدي حدثنا سفيان وعبد الكريم المذكور هو الجزري كما في الرواية التي في الباب بعده قوله فقمت على البدن أي التي أرصدها للهدي وفي الرواية الأخرى أن أقوم على البدن أي عند نحرها أو احتفاه بها ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك أي على مصالحها في علفها ورعيها وسقيها وغير ذلك ولم يقع في هذه الرواية عدد البدن لكن وقع في الرواية الثالثة أنها مائة بدنة ولأبي داود من طريق بن إسحاق عن بن أبي نجيح عن مجاهد نحر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين بدنة وأمرني فنحرت سائرها وأصح منه ما وقع عند مسلم في حديث جابرالطويل فإن فيه ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببعضة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها فعرف بذلك أن البدن كانت مائة بدنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر منها ثلاثا وستين ونحر علي الباقي والجمع بينه وبين رواية بن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثين ثم أمر عليا أن ينحر فنحر سبعا وثلاثين مثلا ثم نحر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وثلاثين فإن ساغ هذا الجمع وإلا فما في الصحيح أصح قوله ولا أعطي عليها شيئا في جزارتها وكذا قوله في الرواية التي في الباب بعده ولا يعطي في جزارتها شيئا ظاهرهما أن لا يعطي الجزار شيئا البتة وليس ذلك المراد بل المراد أن لا يعطي الجزار منها شيئا كما وقع عند مسلم وظاهره مع ذلك غير مراد بل بين النسائي في روايته من طريق شعيب بن إسحاق عن بن جريج أن المراد منع عطية الجزار من الهدي عوضا عن أجرته ولفظه ولا يعطى في جزارتها منها شيئا واختلف في الجزارة فقال بن التين الجزارة بالكسر اسم للفعل وبالضم اسم للسواقط فعلى هذا فينبغي أن يقرأ بالكسر وبه صحت الرواية فإن صحت بالضم جاز أن يكون المراد لا يعطى من بعض الجزور أجرة الجزار وقال بن الجوزي وتبعه المحب الطبري الجزارة بالضم اسم لما يعطي كالعمالة وزنا ومعنى وقيل هو بالكسر كالحجامة والخياطة وجوز غيره الفتح وقال بن الأثير الجزارة بالضم كالعمالة ما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته وأصلها أطراف البعير الرأس واليدان والرجلان سميت بذلك لأن الجزار كان يأخذها عن أجرته

قوله باب يتصدق بجلود الهدي أورد فيه حديث علي من رواية بن جريج عن عبد الكريم الجزري وهو بن مالك والحسن بن مسلم وهو المكي جميعا عن مجاهد وساقه بلفظ الحسن بن مسلم وأما لفظ عبد الكريم فقد أخرجه مسلم من طريق بن أبي خيثمة زهير بن معاوية عنه نحوه وزاد وقال نحن نعطيه من عندنا

[ 1630 ] قوله وأن يقسم بدنه بسكون الدال المهملة ويجوز ضمها قوله لحومها وجلودها وجلالها زاد بن خزيمة من هذا الوجه في روايته على المساكين قوله ولا يعطى في جزارتها شيئا زاد مسلم وابن خزيمة ولا يعطى في جزارتها منها شيئا قال بن خزيمة المراد بقوله يقسمها كلها على المساكين إلا ما أمر به من كل بدنة ببضعة فطبخت كما في حديث جابر يعني الطويل عند مسلم كما تقدم التنبيه عليه قال والنهي عن إعطاء الجزار المراد به أن لا يعطى منها عن أجرته وكذا قال البغوي في شرح السنة قال وأما إذا أعطي أجرته كاملة ثم تصدق عليه إذا كان فقيرا كما يتصدق على الفقراء فلا بأس بذلك وقال غيره إعطاء الجزار على سبيل الأجرة ممنوع لكونه معاوضة وأما إعطاؤه صدقة أو هدية أو زيادة على حقه فالقياس الجواز ولكن إطلاق الشارع ذلك قد يفهم منه منع الصدقة لئلا تقع مسامحة في الأجرة لأجل ما يأخذه فيرجع إلى المعاوضة قال القرطبي ولم يرخص في إعطاء الجزار منها في أجرته إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير واستدل به على منع بيع الجلد قال القرطبي فيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع لعطفها على اللحم وإعطائها حكمه وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا ويصرف ثمنه مصرف الأضحية واستدل أبو ثور على أنهم اتفقوا على جواز الانتفاع به وكل ما جاز الانتفاع به جاز بيعه وعورض باتفاقهم على جواز الأكل من لحم هدي التطوع ولا يلزم من جواز أكله جواز بيعه وسيأتي الكلام على الأكل منها في الباب الذي بعده وأقوى من ذلك في رد قوله ما أخرجه أحمد في حديث قتادة بن النعمان مرفوعا لا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي وتصرفوا وكلوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوا وإن أطعمتم من لحومها فكلوا إن شئتم

قوله باب يتصدق بجلال البدن أورد فيه حديث علي من طريق أخرى عن مجاهد وقد تقدم الكلام عليه قبل أبواب في باب الجلال والبدن وفي حديث علي من الفوائد سوق الهدي والوكالة في نحر الهدي والاستئجار عليه والقيام عليه وتفرقته والاشراك فيه وأن من وجب عليه شيء لله فله تخليصه ونظيره الزرع يعطى عشره ولا يحسب شيئا من نفقته على المساكين

قوله باب وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وقوله الى قوله خير له عند ربه وقع سياق الآيات كلها في رواية كريمة والمراد منها هنا قوله تعالى فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ولذلك عطف عليها في الترجمة وما يأكل من البدن وما يتصدق أي بيان المراد من الآية قوله وقال عبيد الله هو بن عمر العمري أخبرني نافع عن بن عمر لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك وصله بن أبي شيبة عن بن نمير عنه بمعناه قال إذا عطبت البدنة أو كسرت أكل منها صاحبها ولم يبدلها إلا أن تكون نذرا أو جزاء صيد ورواه الطبري من طريق القطان عن عبيد الله بلفظ التعليق المذكور وهذا القول إحدى الروايتين عن أحمد وهو قول مالك وزاد إلا فدية الأذى والرواية الأخرى عن أحمد ولا يؤكل إلا من هدي التطوع والتمتع والقرآن وهو قول الحنفية بناء على أصلهم أن دم التمتع والقرآن دم نسك لا دم جبران قوله وقال عطاء يأكل ويطعم من المتعة هذا التعليق وصله عبد الرزاق عن بن جريج عنه وروى سعيد بن منصور من وجه آخر عن عطاء لا يؤكل من جزاء الصيد ولا مما يجعل للمساكين من النذر وغير ذلك ولا من الفدية ويؤكل مما سوى ذلك وروى عبد بن حميد من وجه آخر عنه إن شاء أكل من الهدي والأضحية وإن شاء لم يأكل ولا تخالف بين هذه الآثار عن عطاء فإن حاصلها ما دل عليه الأثر الثاني وزعم بن القصار المالكي أن الشافعي تفرد بمنع الأكل من دم التمتع تنبيه وقع في رواية كريمة بعد قوله فهو خير له عند ربه وقبل قوله وما يأكل من البدن وما يتصدق لفظ باب وسقط من رواية أبي ذر وهو الصواب قوله كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى بإضافة ثلاث إلى منى وسيأتي الكلام عليه مستوفى إن شاء الله تعالى في أواخر كتاب الأضاحي وهو من الحكم المتفق على نسخه

[ 1633 ] قوله سليمان هو بن بلال ويحيى هو بن سعيد الأنصاري والإسناد كله مدنيون وخالد وإن كان أصله كوفيا فقد سكن المدينة مدة وقد تقدم الكلام على حديث عائشة هذا في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه وقوله في رواية سليمان هذه حتى إذا دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت ثم يحل كذا للأكثر من طريق الفربري وكذا وقع في رواية النسفي لكن جعل على قوله ثم ضبة ووقع في رواية أبي ذر بلفظ أن بدل ثم ولا اشكال فيها وكذا أخرجه مسلم عن القعنبي عن سليمان بن بلال بلفظ أن يحل وزاد قبلها إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة وقد شرحه الكرماني على لفظ ثم فقال جواب إذا محذوف والتقدير يتم عمرته ثم يحل قال ويجوز أن يكون جواب من ثم محذوفا ويجوز أن تكون ثم زائدة كما قال الأخفش في قوله تعالى أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم أن تاب جواب حتى إذا قلت وكله تكلف وقد تبين من رواية مسلم أن التغيير من بعض الرواة ولا سيما وقد وقع مثله في رواية أبي ذر الهروي وتقدمت رواية مالك قريبا ومثلها في الجهاد وكذا للإسماعيلي من وجه آخر عن يحيى بن سعيد وهو الصواب

قوله باب الذبح قبل الحلق أورد فيه حديث السؤال عن الحلق قبل الذبح ووجه الاستدلال به لما ترجم له أن السؤال عن ذلك دال على أن السائل عرف أن الحكم على عكسه وقد أورد حديث بن عباس من طرق ثم حديث أبي موسى فأما الطريق الأولى لحديث بن عباس فمن طريق منصور بن زاذان عن عطاء عنه بلفظ سئل عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه والثانية من طريق أبي بكر وهو بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن بن عباس فذكر فيه الزيارة قبل الرمي والحلق قبل الذبح والذبح قبل الرمي وعرف به المراد بقوله في رواية منصور ونحوه والثالثة من رواية بن خثيم عن عطاء

[ 1635 ] قوله وقال عبد الرحيم بن سليمان عن بن خثيم وهو عبد الله بن عثمان وهذه الرواية المعلقة وصلها الإسماعيلي من طريق الحسن بن حماد عنه ولفظه أن رجلا قال يا رسول الله طفت بالبيت قبل أن أرمي قال إرم ولا حرج وصله الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن محمد بن عمرو الأشعثي عن عبد الرحيم وقال تفرد به عبد الرحيم عن بن خثيم كذا قال والرواية التي تلي هذه ترد عليه وعرف بهذا أن مراد البخاري أصل الحديث لاخصوص ما ترجم به من الذبح قبل الحلق قوله وقال القاسم بن يحيى حدثني بن خثيم لم أقف على طريقه موصولة قوله وقال عفان أراه عن وهيب حدثنا بن خثيم عن سعيد بن جبير عن بن عباس القائل أراه هو البخاري فقد أخرجه أحمد عن عفان بدونها ولفظه جاء رجل فقال يا رسول الله حلقت ولم أنحر قال لا حرج فانحر وجاءه آخر فقال يا رسول الله نحرت قبل أن أرمي قال فارم ولا حرج وزعم خلف أن البخاري قال فيه حدثنا عفان والمراد بهذا التعليق بيان الاختلاف فيه على بن خثيم هل شيخه فيه عطاء أو سعيد بن جبير كما اختلف فيه على عطاء هل شيخه فيه بن عباس أو جابر فالذي يتبين من صنيع البخاري ترجيح كونه عن بن عباس ثم كونه عن عطاء وأن الذي يخالف ذلك شاذ وإنما قصد بإيراده بيان الاختلاف وفي رواية عفان هذه الدلالة على تعدد السائلين عن الأحكام المذكورة قوله وقال حماد يعني بن سلمة الخ هذه الطريق وصلها النسائي والطحاوي والإسماعيلي وابن حبان من طرق عن حماد بن سلمة به نحو سياق عبد العزيز بن رفيع والطريق الرابعة من طريق عكرمة عن بن عباس

[ 1636 ] قوله عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى وخالد هو الحذاء وكأن البخاري استظهر به لما وقع في طريق عطاء من الاختلاف فأراد أن يبين أن لحديث بن عباس أصلا آخر وفي طريق عكرمة هذه زيادة حكم الرمي بعد المساء فإن فيه إشعارا بأن الأصل في الرمي أن يكون نهارا وسيأتي الكلام على حكم هذه المسألة بعد أربعة أبواب وأما حديث أبي موسى فقد تقدم الكلام عليه في باب التمتع والقرآن ومطابقته للترجمة من قول عمر فيه لم يحل حتى بلغ الهدي محله لأن بلوغ الهدي محله يدل على ذبح الهدي فلو تقدم الحلق عليه لصار متحللا قبل بلوغ الهدي محله وهذا هو الأصل وهو تقديم الذبح على الحلق وأما تأخيره فهو رخصة كما سيأتي

[ 1637 ] قوله ففلت بفاء التعقيب بعدها فاء ثم لام خفيفة مفتوحتين ثم مثناة أي تتبعت القمل منه

قوله باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق أي بعد ذلك عند الاحلال قيل أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف فيمن لبد هل يتعين عليه الحلق أو لا فنقل بن بطال عن الجمهور تعين ذلك حتى عن الشافعي وقال أهل الرأي لا يتعين بل إن شاء قصر اه وهذا قول الشافعي في الجديد وليس للأول دليل صريح وأعلى ما فيه ما سيأتي في اللباس عن عمر من ضفر رأسه فليحلق وأورد المصنف في هذا الباب حديث حفصة وفيه أني لبدت رأسي وليس فيه تعرض للحلق إلا أنه معلوم من حاله صلى الله عليه وسلم أنه حلق رأسه في حجه وقد ورد ذلك صريحا في حديث بن عمر كما في أول الباب الذي بعده وأردفه بن بطال بحديث حفصة فجعله من هذا الباب لمناسبته للترجمة وقد قلت غير مرة إنه لا يلزمه أن يأتي بجميع ما اشتمل عليه الحديث في الترجمة بل إذا وجدت واحدة كفت وقد تقدم الكلام على حديث حفصة في باب التمتع والقرآن

قوله باب الحلق والتقصير عند الإحلال قال بن المنير في الحاشية أفهم البخاري بهذه الترجمة أن الحلق نسك لقوله عند الإحلال وما يصنع عند الإحلال وليس هو نفس التحلل وكأنه استدل على ذلك بدعائه صلى الله عليه وسلم لفاعله والدعاء يشعر بالثواب والثواب لا يكون إلا على العبادة لا على المباحات وكذلك تفضيله الحلق على التقصير يشعر بذلك لأن المباحات لا تتفاضل والقول بأن الحلق نسك قول الجمهور إلا رواية مضعفة عن الشافعي أنه استباحة محظور وقد أوهم كلام بن المنذر أن الشافعي تفرد بها لكن حكيت أيضا عن عطاء وعن أبي يوسف وهي رواية عن أحمد وعن بعض المالكية وسيأتي ما فيه بعد بابين ثم ذكر المصنف في الباب لابن عمر ثلاثة أحاديث ولأبي هريرة حديثا ولابن عباس حديثا فالحديث الأول لابن عمر من طريق شعيب بن أبي حمزة قال قال نافع كان بن عمر يقول حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته وهذا طرف من حديث طويل أوله لما نزل الحجاج بابن الزبير الحديث نبه على ذلك الإسماعيلي والحديث الثاني لابن عمر في الدعاء للمحلقين وسيأتي بسطه والحديث الثالث لابن عمر من طريق جويرية بن أسماء عن نافع أن عبد الله وهو بن عمر قال حلق النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم وكأن البخاري لم يقع له على شرطه التصريح بمحل الدعاء للمحلقين فاستنبط من الحديث الأول والثالث أن ذلك كان في حجة الوداع لأن الأول صرح بأن حلاقه وقع في حجته والثالث لم يصرح بذلك إلا أنه بين فيه أن بعض الصحابة حلق وبعضهم قصر وقد أخرجه في المغازي من طريق موسى بن عقبة عن نافع بلفظ حلق في حجة الوداع وأناس من أصحابه وقصر بعضهم وأخرج مسلم من طريق الليث بن سعد عن نافع مثل حديث جويرية سواء وزاد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يرحم الله المحلقين فأشعر ذلك بأن ذلك وقع في حجة الوداع وسنذكر البحث فيه مع بن عبد البر هنا إن شاء الله تعالى تنبيه أفاد بن خزيمة في صحيحه من الوجه الذي أخرجه البخاري منه في المغازي من طريق موسى بن عقبة عن نافع متصلا بالمتن المذكور قال وزعموا أن الذي حلقه معمر بن عبد الله بن نضلة وبين أبو مسعود في الأطراف أن قائل وزعموا بن جريج الراوي له عن موسى بن عقبة

[ 1640 ] قوله قالوا والمقصرين يا رسول الله لم أقف في شيء من الطرق على الذي تولى السؤال في ذلك بعد البحث الشديد والواو في قوله والمقصرين معطوفة على شيء محذوف تقديره قل والمقصرين أو قل وارحم المقصرين وهو يسمى العطف التلقيني وفي قوله صلى الله عليه وسلم والمقصرين إعطاء المعطوف حكم المعطوف عليه ولو تخلل بينهما السكوت لغير عذر قوله قال والمقصرين كذا في معظم الروايات عن مالك إعادة الدعاء للمحلقين مرتين وعطف المقصرين عليهم في المرة الثالثة وانفرد يحيى بن بكير دون رواة الموطأ بإعادة ذلك ثلاث مرات نبه عليه بن عبد البر في التقصي وأغفله في التمهيد بل قال فيه إنهم لم يختلفوا على مالك في ذلك وقد راجعت أصل سماعي من موطأ يحيى بن بكير فوجدته كما قال في التقصي قوله وقال الليث وصله مسلم ولفظه رحم الله المحلقين مرة أو مرتين قالوا والمقصرين قال والمقصرين والشك فيه من الليث وإلا فأكثرهم موافق لما رواه مالك قوله وقال عبيد الله بالتصغير وهو العمري وروايته وصلها مسلم من رواية عبد الوهاب الثقفي عنه باللفظ الذي علقه البخاري وأخرجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه عنه بلفظ رحم الله المحلقين قالوا والمقصرين فذكر مثل رواية مالك سواء وزاد قال رحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصرين وبيان أن كونها في الرابعة أن قوله والمقصرين معطوف على مقدر تقديره يرحم الله المحلقين وإنما قال ذلك بعد أن دعا للمحلقين ثلاث مرات صريحا فيكون دعاؤه للمقصرين في الرابعة وقد رواه أبو عوانة في مستخرجه من طريق الثوري عن عبيد الله بلفظ قال في الثالثة والمقصرين والجمع بينهما واضح بأن من قال في الرابعة فعلى ما شرحناه ومن قال في الثالثة أراد أن قوله والمقصرين معطوف على الدعوة الثالثة أو أراد بالثالثة مسألة السائلين في ذلك وكان صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث كما ثبت ولو لم يدع لهم بعد ثالث مسألة ما سألوه ذلك وأخرجه أحمد من طريق أيوب عن نافع بلفظ اللهم اغفر للمحلقين قالوا وللمقصرين حتى قالها ثلاثا أو أربعا ثم قال والمقصرين ورواية من جزم مقدمة على رواية من شك

[ 1641 ] قوله حدثنا عياش بن الوليد هو الرقام بالتحتانية والمعجمة ووقع في رواية بن السكن بالموحدة والمهملة وقال أبو علي الجياني الأول أرجح بل هو الصواب وكان القابسي يشك عن أبي زيد فيه فيهمل ضبطه فيقول عباس أو عياش قلت لم يخرج البخاري للعباس بالموحدة والمهملة بن الوليد إلا ثلاثة أحاديث نسبه في كل منهما النرسي أحدها في علامات النبوة والآخر في المغازي والثالث في الفتن ذكره معلقا قال وقال عباس النرسي وأما الذي بالتحتانية والمعجمة فأكثر عنه وفي الغالب لا ينسبه والله أعلم قوله قالها ثلاثا أي قوله اللهم اغفر للمحلقين وهذه الرواية شاهدة لأن عبيد الله العمري حفظ الزيادة تنبيه لم أر في حديث أبي هريرة من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عنه إلا من رواية محمد بن فضيل هذه بهذا الإسناد في جميع ما وقفت عليه من السنن والمسانيد فهي من أفراده عن عمارة ومن أفراد عمارة عن أبي زرعة وتابع أبا زرعة عليه عبد الرحمن بن يعقوب أخرجه مسلم من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ولم يسق لفظه وساقه أبو عوانة ورواية أبي زرعة أتم واختلف المتكلمون على هذا الحديث في الوقت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال بن عبد البر لم يذكر أحد من رواة نافع عن بن عمر أن ذلك كان يوم الحديبية وهو تقصير وحذف وإنما جرى ذلك يوم الحديبية حين صد عن البيت وهذا محفوظ مشهور من حديث بن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وحبشي بن جنادة وغيرهم ثم أخرج حديث أبي سعيد بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لأهل الحديبية للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة وحديث بن عباس بلفظ حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله المحلقين الحديث وحديث أبي هريرة من طريق محمد بن فضيل الماضي ولم يسق لفظه بل قال فذكر معناه وتجوز في ذلك فإنه ليس في رواية أبي هريرة تعيين الموضع ولم يقع في شيء من طرقه التصريح بسماعه لذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ولو وقع لقطعنا بأنه كان في حجة الوداع لأنه شهدها ولم يشهد الحديبية ولم يسق بن عبد البر عن بن عمر في هذا شيئا ولم أقف على تعيين الحديبية في شيء من الطرق عنه وقد قدمت في صدر الباب أنه مخرج من مجموع الأحاديث عنه أن ذلك كان في حجة الوداع كما يومئ إليه صنيع البخاري وحديث أبي سعيد الذي أخرجه بن عبد البر أخرجه أيضا الطحاوي من طريق الأوزاعي وأحمد وابن أبي شيبة وأبو داود الطيالسي من طريق هشام الدستوائي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم الأنصاري عن أبي سعيد وزاد فيه أبو داود أن الصحابة حلقوا يوم الحديبية إلا عثمان وأبا قتادة وأما حديث بن عباس فأخرجه بن ماجة من طريق بن إسحاق حدثني بن أبي نجيح عن مجاهد عنه وهو عند بن إسحاق في المغازي بهذا الإسناد وأن ذلك كان بالحديبية وكذلك أخرجه أحمد وغيره من طريقه وأما حديث حبشي بن جنادة فأخرجه بن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق عنه ولم يعين المكان وأخرجه أحمد من هذا الوجه وزاد في سياقه عن حبشي وكان ممن شهد حجة الوداع فذكر هذا الحديث وهذا يشعر بأنه كان في حجة الوداع وأما قول بن عبد البر فوهم فقد ورد تعيين الحديبية من حديث جابر عند أبي قرة في السنن ومن طريق الطبراني في الأوسط ومن حديث المسور بن مخرمة عند بن إسحاق في المغازي وورد تعيين حجة الوداع من حديث أبي مريم السلولي عند أحمد وابن أبي شيبة ومن حديث أم الحصين عند مسلم ومن حديث قارب بن الأسود الثقفي عند أحمد وابن أبي شيبة ومن حديث أم عمارة عند الحارث فالأحاديث التي فيها تعيين حجة الوداع أكثر عددا وأصح إسنادا ولهذا قال النووي عقب أحاديث بن عمر وأبي هريرة وأم الحصين هذه الأحاديث تدل على أن هذه الواقعة كانت في حجة الوداع قال وهو الصحيح المشهور وقيل كان في الحديبية وجزم بأن ذلك كان في الحديبية إمام الحرمين في النهاية ثم قال النووي لا يبعد أن يكون وقع في الموضعين انتهى وقال عياض كان في الموضعين ولذا قال بن دقيق العيد أنه الأقرب قلت بل هو المتعين لتظاهر الروايات بذلك في الموضعين كما قدمناه إلا أن السبب في الموضعين مختلف فالذي في الحديبية كان بسبب توقف من توقف من الصحابة عن الإحلال لما دخل عليهم من الحزن لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وصالح قريشا على أن يرجع من العام المقبل والقصة مشهورة كما ستأتي في مكانها فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإحلال توقفوا فأشارت أم سلمة أن يحل هو صلى الله عليه وسلم قبلهم ففعل فتبعوه فحلق بعضهم وقصر بعض وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن اقتصر على التقصير وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث بن عباس المشار إليه قبل فإن في آخره عند بن ماجة وغيره أنهم قالوا يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالرحمة قال لأنهم لم يشكوا وأما السبب في تكرير الدعاء المحلقين في حجة الوداع فقال بن الأثير في النهاية كان أكثر من حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسق الهدي فلما أمرهم أن يفسخوا الحج إلى العمرة ثم يتحللوا منها ويحلقوا رءوسهم شق عليهم ثم لما لم يكن لهم بد من الطاعة كان التقصير في أنفسهم أخف من الحلق ففعله أكثرهم فرجح النبي صلى الله عليه وسلم فعل من حلق لكونه أبين في امتثال الأمر انتهى وفيما قاله نظر وإن تابعه عليه غير واحد لأن المتمتع يستحب في حقه أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج إذا كان ما بين النسكين متقاربا وقد كان ذلك في حقهم كذلك والأولى ما قاله الخطابي وغيره إن عادة العرب أنها كانت تحب توفير الشعر والتزين به وكان الحلق فيهم قليلا وربما كانوا يرونه من الشهرة ومن زى الأعاجم فلذلك كرهوا الحلق واقتصروا على التقصير وفي حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق وهو مجمع عليه إلا ما روي عن الحسن البصري أن الحلق يتعين في أول حجة حكاه بن المنذر بصيغة التمريض وقد ثبت عن الحسن خلافه قال بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن الحسن في الذي لم يحج قط فإن شاء حلق وإن شاء قصر نعم روى بن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال إذا حج الرجل أول حجة حلق فإن حج أخرى فإن شاء حلق وإن شاء قصر ثم روى عنه أنه قال كانوا يحبون أن يحلقوا في أول حجة وأول عمرة انتهى وهذا يدل على أن ذلك للاستحباب لا للزوم نعم عند المالكية والحنابلة أن محل تعيين الحلق والتقصير أن لا يكون المحرم لبد شعره أو ضفره أو عقصه وهو قول الثوري والشافعي في القديم والجمهور وقال في الجديد وفاقا للحنفية لا يتعين إلا إن نذره أو كان شعره خفيفا لا يمكن تقصيره أو لم يكن له شعر فيمر الموسي على رأسه وأغرب الخطابي فاستدل بهذا الحديث لتعين الحلق لمن لبد ولا حجة فيه وفيه أن الحلق أفضل من التقصير ووجهه أنه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة وأدل على صدق النية والذي يقصر يبقي على نفسه شيئا مما يتزين به بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى وفيه إشارة إلى التجرد ومن ثم استحب الصلحاء إلقاء الشعور عند التوبة والله أعلم وأما قول النووي تبعا لغيره في تعليل ذلك بأن المقصر يبقي على نفسه الشعر الذي هو زينة والحاج مأمور بترك الزينة بل هو أشعث أغبر ففيه نظر لأن الحلق إنما يقع بعد انقضاء زمن الأمر بالتقشف فإنه يحل له عقبه كل شيء إلا النساء في الحج خاصة واستدل بقوله المحلقين على مشروعية حلق جميع الرأس لأنه الذي تقتضيه الصيغة وقال بوجوب حلق جميعه مالك وأحمد واستحبه الكوفيون والشافعي ويجزئ البعض عندهم واختلفوا فيه فعن الحنفية الربع إلا أبا يوسف فقال النصف وقال الشافعي أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة والتقصير كالحلق فالأفضل أن يقصر من جميع شعر رأسه ويستحب أن لا ينقص عن قدر الأنملة وإن اقتصر على دونها أجزأ هذا للشافعية وهو مرتب عند غيرهم على الحلق وهذا كله في حق الرجال وأما النساء فالمشرع في حقهن التقصير بالإجماع وفيه حديث لابن عباس عند أبي داود ولفظه ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير وللترمذي من حديث علي نهى أن تحلق المرأة رأسها وقال جمهور الشافعية لو حلقت أجزأها ويكره وقال القاضيان أبو الطيب وحسين لا يجوز والله أعلم وفي الحديث أيضا مشروعية الدعاء لمن فعل ما شرع له وتكرار الدعاء لمن فعل الراجح من الأمرين المخير فيهما والتنبيه بالتكرار على الرجحان وطلب الدعاء لمن فعل الجائز وإن كان مرجوحا

[ 1643 ] قوله عن الحسن بن مسلم في رواية يحيى بن سعيد عن بن جريج حدثنا الحسن بن مسلم أخرجه مسلم والإسناد سوى أبي عاصم مكيون وفيه رواية صحابي عن صحابي ومعاوية هو بن أبي سفيان الخليفة المشهور قوله عن معاوية في رواية مسلم أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قوله قصرت أي أخذت من شعر رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك إما في حج أو عمرة وقد ثبت أنه حلق في حجته فتعين أن يكون في عمرة ولا سيما وقد روى مسلم في هذا الحديث أن ذلك كان بالمروة ولفظه قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة أو رأيته يقصر عنه بمشقص وهو على المروة وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجعرانة لكن وقع عند مسلم من طريق أخرى عن طاوس بلفظ أما علمت أني قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة فقلت له لا أعلم هذه إلا حجة عليك وبين المراد في ذلك في رواية النسائي فقال بدل قوله فقلت له لا الخ يقول بن عباس وهذه على معاوية أن ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأحمد من وجه آخر عن طاوس عن بن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات الحديث وقال وأول من نهى عنها معاوية قال بن عباس فعجبت منه وقد حدثني أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص انتهى وهذا يدل على أن بن عباس حمل ذلك على وقوعه في حجة الوداع لقوله لمعاوية إن هذه حجة عليك إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم وفي كونه في حجة الوداع نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف يقصر عنه على المروة وقد بالغ النووي هنا في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع فقال هذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا وثبت أنه حلق بمنى وفرق أبو طلحة شعره بين الناس فلا يصح حمل تقصير معاوية على حجة الوداع ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان هذا هو الصحيح المشهور ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا لأن هذا غلط فاحش فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك فقال أني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر قلت ولم يذكر الشيخ هنا ما مر في عمرة القضية والذي رجحه من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند لكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح وقد أخرج بن عساكر في تاريخ دمشق من ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يخفي إسلامه خوفا من أبويه وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل في عمرة القضية مكة خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاه ولا يعارضه أيضا قول سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم وغيره فعلناها يعني العمرة في أشهر الحج وهذا يومئذ كافر بالعرش بضمتين يعني بيوت مكة يشير إلى معاوية لأنه يحمل على أنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يخفيه ويعكر على ما جوزوه أن تقصيره كان في عمرة الجعرانة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب من الجعرانة بعد أن أحرم بعمرة ولم يستصحب أحدا معه إلا بعض أصحابه المهاجرين فقدم مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة فأصبح بها كبائت فخفيت عمرته على كثير من الناس كذا أخرجه الترمذي وغيره ولم يعد معاوية فيمن صحبه حينئذ ولا كان معاوية فيمن تخلف عنه بمكة في غزوة حنين حتى يقال لعله وجده بمكة بل كان مع القوم وأعطاه مثل ما أعطى أباه من الغنيمة مع جملة المؤلفة وأخرج الحاكم في الإكليل في آخر قصة غزوة حنين أن الذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة فإن ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها وهذا مما فتح الله علي به في هذا الفتح ولله الحمد ثم لله الحمد أبدا قال صاحب الهدي الأحاديث الصحيحة المستفيضة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه إلى يوم النحر كما أخبر عن نفسه بقوله فلا أحل حتى أنحر وهو خبر لا يدخله الوهم بخلاف خبر غيره ثم قال ولعل معاوية قصر عنه في عمرة الجعرانة فنسي بعد ذلك وظن أنه كان في حجته انتهى ولا يعكر على هذا إلا رواية قيس بن سعد المتقدمة لتصريحه فيها بكون ذلك في أيام العشر إلا أنها شاذة وقد قال قيس بن سعد عقبها والناس ينكرون ذلك انتهى وأظن قيسا رواها بالمعنى ثم حدث بها فوقع له ذلك وقال بعضهم يحتمل أن يكون في قول معاوية قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص حذف تقديره قصرت أنا شعري عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ويعكر عليه قوله في رواية أحمد قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة أخرجه من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن بن عباس وقال بن حزم يحتمل أن يكون معاوية قصر عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شعر لم يكن الحلاق استوفاه يوم النحر وتعقبه صاحب الهدي بأن الحالق لا يبقي شعرا يقصر منه ولا سيما وقد قسم صلى الله عليه وسلم شعره بين الصحابة الشعرة والشعرتين وأيضا فهو صلى الله عليه وسلم لم يسع بين الصفا والمروة إلا سعيا واحدا في أول ما قدم فماذا يصنع عند المروة في العشر قلت وفي رواية العشر نظر كما تقدم وقد أشار النووي إلى ترجيح كونه في الجعرانة وصوبه المحب الطبري وابن القيم وفيه نظر لأنه جاء أنه حلق في الجعرانة واستبعاد بعضهم أن معاوية قصر عنه في عمرة الحديبية لكونه لم يكن أسلم ليس ببعيد قوله بمشقص بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح القاف وآخره صاد مهملة قال القزاز هو نصل عريض يرمى به الوحش وقال صاحب المحكم هو الطويل من النصال وليس بعريض وكذا أبو عبيد والله أعلم

قوله باب تقصير المتمتع بعد العمرة أي عند الإحلال منها

[ 1644 ] قوله حدثنا محمد بن أبي بكر هو المقدمي وفضيل شيخه بالتصغر قوله ثم يحلوا ويحلقوا أو يقصروا فيه التخيير بين الحلق والتقصير للمتمتع وهو على التفصيل الذي قدمناه إن كان بحيث يطلع شعره فالأولى له الحلق وإلا فالتقصير ليقع له الحلق في الحج والله أعلم

قوله باب الزيارة يوم النحر أي زيارة الحاج البيت للطواف به وهو طواف الإفاضة ويسمى أيضا طواف الصدر وطواف الركن قوله وقال أبو الزبير الخ وصله أبو داود والترمذي وأحمد من طريق سفيان وهو الثوري عن أبي الزبير به قال بن القطان الفاسي هذا الحديث مخالف لما رواه بن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف يوم النحر نهارا انتهى فكأن البخاري عقب هذا بطريق أبي حسان ليجمع بين الأحاديث بذلك فيحمل حديث جابر وابن عمر على اليوم الأول وحديث بن عباس هذا على بقية الأيام قوله ويذكر عن أبي حسان عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى وصله الطبراني من طريق قتادة عنه وقال بن المديني في العلل روى قتادة حديثا غريبا لا نحفظه عن أحد من أصحاب قتادة إلا من حديث هشام فنسخته من كتاب ابنه معاذ بن هشام ولم أسمعه منه عن أبيه عن قتادة حدثني أبو حسان عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما أقام بمنى وقال الأثرم قلت لأحمد تحفظ عن قتادة فذكر هذا الحديث فقال كتبوه من كتاب معاذ قلت فإن هنا إنسانا يزعم أنه سمعه من معاذ فأنكر ذلك وأشار الأثرم بذلك إلى إبراهيم بن محمد بن عرعرة فإن من طريقه أخرجه الطبراني بهذا الإسناد وأبو حسان اسمه مسلم بن عبد الله قد أخرج له مسلم حديثا غير هذا عن بن عباس وليس هو من شرط البخاري ولرواية أبي حسان هذه شاهد مرسل أخرجه بن أبي شيبة عن بن عيينة حدثنا بن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة

[ 1645 ] قوله وقال لنا أبو نعيم الخ ثم قال رفعه عبد الرزاق حدثنا عبيد الله وصله بن خزيمة والإسماعيلي من طريق عبد الرزاق بلفظ أبي نعيم وزاد في آخره ويذكر أي بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وفيه التنصيص على الرجوع إلى مني بعد القيلولة في يوم النحر ومقتضاه أن يكون خرج منها إلى مكة لأجل الطواف قبل ذلك ثم ذكر المصنف حديث أبي سلمة أن عائشة قالت حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضنا يوم النحر أي طفنا طواف الإفاضة وهو مطابق للترجمة وذكر فيه قصة صفية وسيأتي الكلام عليه في باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت قريبا

[ 1646 ] قوله ويذكر عن القاسم وعروة والأسود عن عائشة أفاضت صفية يوم النحر وغرضه بهذا أن أبا سلمة لم ينفرد عن عائشة بذلك وإنما لم يجزم به لأن بعضهم أورده بالمعنى كما نبينه أما طريق القاسم فهي عند مسلم من طريق أفلح بن حميد عنه عن عائشة قالت كنا نتخوف أن تحيض صفية قبل أن تفيض فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا صفية قلنا قد أفاضت قال فلا إذا ورواه أحمد من وجه آخر عن القاسم عنها أن صفية حاضت بمنى وكانت قد أفاضت الحديث وأما طريق عروة فرواه المصنف في المغازي من طريق شعيب عن الزهري عنه عن عائشة أن صفية حاضت بعد ما أفاضت وأخرجه الطحاوي عقب رواية الأسود عن عائشة بلفظ أكنت أفضت يوم النحر قالت نعم أخرجه من طريق يونس عن الزهري به وقال نحوه وأما طريق الأسود فوصلها المصنف في باب الإدلاج من المحصب بلفظ حاضت صفية الحديث وفيه أطافت يوم النحر فقيل نعم

قوله باب إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيا أو جاهلا أورد فيه حديث بن عباس في ذلك وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده ولم يبين الحكم في الترجمة إشارة منه إلى أن الحكم برفع الحرج مقيد بالجاهل أو الناسي فيحتمل اختصاصهما بذلك أو إلى أن نفي الحرج لا يستلزم رفع وجوب القضاء أو الكفارة وهذه المسألة مما وقع فيها الاختلاف بين العلماء كما سنبينه إن شاء الله تعالى وكأنه أشار بلفظ النسيان والجهل إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كما يأتي بيانه أيضا في الباب الذي يليه وأما قوله إذا رمى بعد ما أمسى فمنتزع من حديث بن عباس في الباب قال رميت بعد ما أمسيت أي بعد دخول المساء وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتد الظلام فلم يتعين لكون الرمي المذكور كان بالليل

قوله باب الفتيا على الدابة عند الجمرة هذه الترجمة تقدمت في كتاب العلم لكن بلفظ باب الفتيا وهو واقف على الدابة أو غيرها ثم قال بعد أبواب كثيرة باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار وأورد في كل من الترجمتين حديث عبد الله بن عمرو والمذكور في هذا الباب ومثل هذا لا يقع له إلا نادرا وقد اعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في شيء من الروايات عن مالك أنه كان على دابة بل في رواية يحيى القطان عنه أنه جلس في حجة الوداع فقام رجل ثم قال الإسماعيلي فإن ثبت في شيء من الطرق أنه كان على دابة فيحمل قوله جلس على أنه ركبها وجلس عليها قلت وهذا هو المتعين فقد أورد هو رواية صالح بن كيسان بلفظ وقف على راحلته وهي بمعنى جلس والدابة تطلق على المركوب من ناقة وفرس وبغل وحمار فإذا ثبت في الراحلة كان الحكم في البقية كذلك ثم قال الإسماعيلي أن صالح بن كيسان تفرد بقوله وقف على راحلته وليس كما قال فقد ذكر ذلك أيضا يونس عند مسلم ومعمر عند أحمد والنسائي كلاهما عن الزهري وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله تابعه معمر أي في قوله وقف على راحلته ثم أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو وهو بن العاصي كما في الطريق الثانية بخلاف ما وقع في بعض نسخ العمدة وشرح عليه بن دقيق العيد ومن تبعه على أنه بن عمر بضم العين أي بن الخطاب وأورده المصنف من أربعة طرق عن الزهري عن عيسى بن طلحة وطلحة هو بن عبيد الله أحد العشرة عن عبد الله ولم أره من حديثه إلا بهذا الإسناد وقد اختلف أصحاب الزهري عليه في سياقه وأتمهم عنه سياقا صالح بن كيسان وهي الطريق الثالثة ولم يسق المصنف لفظها وهي عند أحمد في مسنده عن يعقوب وفيه زيادة على سياق بن جريج ومالك وقد تابعه يونس عن الزهري عند مسلم بزيادة أيضا سنبينها

[ 1649 ] قوله مالك عن بن شهاب كذا في الموطأ وعند النسائي من طريق يحيى وهو القطان عن مالك حدثني الزهري قوله عن عيسى في رواية صالح حدثني عيسى قوله عن عبد الله في رواية صالح أنه سمع عبد الله وفي رواية بن جريج وهي الثانية أن عبد الله حدثه

[ 1650 ] قوله في الثانية حدثنا سعيد بن يحيى حدثنا أبي هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي الأموي قوله في الطريق الثالثة حدثني إسحاق كذا للأكثر غير منسوب ونسبه أبو علي بن السكن فقال إسحاق بن منصور وأورده أبو نعيم في المستخرج من مسند إسحاق بن راهويه وهو المترجح عندي لتعبيره بقوله أخبرنا يعقوب لأن إسحاق بن راهويه لا يحدث عن مشايخه إلا بلفظ الإخبار بخلاف إسحاق بن منصور فيقول حدثنا قوله وقف في حجة الوداع لم يعين المكان ولا اليوم لكن تقدم في كتاب العلم عن إسماعيل عن مالك بمنى وكذا في رواية معمر وفيه من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عند الجمرة وفي رواية بن جريج وهي الطريق الثانية هنا يخطب يوم النحر وفي رواية صالح ومعمر كما تقدم على راحلته قال عياض جمع بعضهم بين هذه الروايات بأنه موقف واحد على أن معنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين أحدهما عل راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني فإن قيل لا منافاة بين هذا الذي صوبه وبين الذي قبله فإنه ليس في شيء من طرق الحديثين حديث بن عباس وحديث عبد الله بن عمرو بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلت نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية بن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت وهذا يدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء يطلق على ما بعد الزوال وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى فلما أخرها إلى بعد الزوال سأل عن ذلك على أن حديث عبد الله بن عمرو من مخرج واحد لا يعرف له طريق إلا طريق الزهري هذه عن عيسى عنه والاختلاف فيه من أصحاب الزهري وغايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ورواية بن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة وإذا تقرر أن ذلك كان بعد الزوال يوم النحر تعين أنها الخطبة التي شرعت لتعليم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازا عن مجرد التعليم بل حقيقة ولا يلزم من وقوفه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها فسيأتي في آخر الباب الذي يليه من حديث بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى مني قوله فقال رجل لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وسأبين أنهم كانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عن الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه وكأن هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم قوله لم أشعر أي لم أفطن يقال شعرت بالشيء شعورا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وقد بينه يونس عند مسلم ولفظه لم أشعر أن الرمي قبل النحر فنحرت قبل أن أرمي وقال آخر لم أشعر أن النحر قبل الحلق فحلقت قبل أن أنحر وفي رواية بن جريج كنت أحسب أن كذا قبل كذا وقد تبين ذلك في رواية يونس وزاد في رواية بن جريج وأشباه ذلك ووقع في رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم حلقت قبل أن أرمي وقال آخر أفضت الى البيت قبل أن أرمي وفي حديث معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي أيضا فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والحلق قبل الرمي والنحر قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث بن عباس أيضا كما مضى وعند الدارقطني من حديث بن عباس أيضا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وفي حديث أبي سعيد عن الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معا قبل الحلق وفي حديث جابر الذي علقه المصنف فيما مضى ووصله بن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك عند أبي داود السؤال عن السعي قيل الطواف قوله إذبح ولا حرج أي لا ضيق عليك في ذلك وقد تقدم في باب الذبح قبل الحلق تقرير ترتيبه وذلك أن وظائف يوم النحر بالاتفاق أربعة أشياء رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي حديث أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق خذ ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن بن الجهم المالكي استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لاحظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي بالإجماع ونازعه بن دقيق العيد في ذلك واختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض فأجمعوا على الإجزاء في ذلك كما قاله بن قدامة في المغني إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع وقال القرطبي روي عن بن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئا على شيء فعليه دم وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي انتهى وفي نسبة ذلك إلى النخعي وأصحاب الرأي نظر فإنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع كما سيأتي قال وذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم لقوله للسائل لا حرج فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معا لأن اسم الضيق يشملهما قال الطحاوي ظاهر الحديث يدل على التوسعة في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض قال إلا أنه يحتمل أن يكون قوله لا حرج أي لا إثم في ذلك الفعل وهو كذلك لمن كان ناسيا أو جاهلا وأما من تعمد المخالفة فتجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولو كان واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ لأنه وقت الحاجة ولا يجوز تأخيره وقال الطبري لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجزئ لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكم الذي يلزمه في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه جاهلا أو ناسيا لكن يجب عليه الإعادة والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج وأما احتجاج النخعي ومن تبعه في تقديم الحلق على غيره بقوله تعالى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله قال فمن حلق قبل الذبح إهراق دما عنه رواه بن أبي شيبة بسند صحيح فقد أجيب بأن المراد ببلوغ محله وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه فيه وقد حصل وإنما يتم ما أراد أن لو قال ولا تحلقوا حتى نحروا واحتج الطحاوي أيضا بقول بن عباس من قدم شيئا من نسكه أو أخره فليهرق لذلك دما قال وهو أحد من روى أن لا حرج فدل على أن المراد بنفي الحرج نفي الإثم فقط وأجيب بأن الطريق بذلك إلى بن عباس فيها ضعف فإن بن أبي شيبة أخرجها وفيها إبراهيم بن مهاجر وفيه مقال وعلى تقدير الصحة فيلزم من يأخذ بقول بن عباس أن يوجب الدم في كل شيء من الأربعة المذكورة ولا يخصه بالحلق قبل الذبح أو قبل الرمي وقال بن دقيق العيد منع مالك وأبو حنيفة تقديم الحلق على الرمي والذبح لأنه حينئذ يكون حلقا قبل وجود التحليلين وللشافعي قول مثله وقد بني القولان له على أن الحلق نسك أو استباحة محظور فإن قلنا إنه نسك جاز تقديمه على الرمي وغيره لأنه يكون من أسباب التحلل وإن قلنا إنه استباحة محظور فلا قال وفي هذا البناء نظر لأنه لا يلزم من كون الشيء نسكا أن يكون من أسباب التحلل لأن النسك ما يثاب عليه وهذا مالك يرى أن الحلق نسك ويرى أنه لا يقدم على الرمي مع ذلك وقال الأوزاعي أن أفاض قبل الرمي إهراق دما وقال عياض اختلف عن مالك في تقديم الطواف على الرمي وروى بن عبد الحكم عن مالك أنه يجب عليه إعادة الطواف فإن توجه إلى بلده بلا إعادة وجب عليه دم قال بن بطال وهذا يخالف حديث بن عباس وكأنه لم يبلغه انتهى قلت وكذا هو في رواية بن أبي حفصة عن الزهري في حديث عبد الله بن عمرو وكأن مالكا لم يحفظ ذلك عن الزهري قوله فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر في رواية يونس عند مسلم وصالح عند أحمد فما سمعته سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعض أو أشباهها إلا قال افعلوا ذلك ولا حرج واحتج به وبقوله في رواية مالك لم أشعر بأن الرخصة تختص بمن نسي أو جهل لا بمن تعمد قال صاحب المغني قال الأثرم عن أحمد إن كان ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه وإن كان عالما فلا لقوله في الحديث لم أشعر وأجاب بعض الشافعية بأن الترتيب لو كان واجبا لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجب إعادة السعي وأما ما وقع في حديث أسامة بن شريك فمحمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي طواف الركن ولم يقل بظاهر حديث أسامة إلا أحمد وعطاء فقالا لو لم يطف للقدوم ولا لغيره وقدم السعي قبل طواف الإفاضة أجزأه أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج عنه وقال بن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب أتباع الرسول في الحج بقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الأتباع في الحج وأيضا فالحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز اطارحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن اطراحه بالحاق العمد به إذ لا يساويه وأما التمسك بقول الراوي فما سئل عن شيء الخ فإنه يشعر بأن الترتيب مطلقا غير مراعي فجوابه أن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا يبقى حجة في حال العمد والله أعلم قوله في رواية بن جريج فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهن كلهن أفعل ولا حرج قال الكرماني اللام في قوله لهن متعلقة بقال أي قال لأجل هذه الأفعال أو بمحذوف أي قال يوم النحر لأجلهن أو بقوله لا حرج أي لا حرج لأجلهن انتهى ويحتمل أن تكون اللام بمعنى عن أي قال عنهن كلهن تكميل قال بن التين هذا الحديث لا يقتضي رفع الحرج في غير المسألتين المنصوص عليهما يعني المذكورتين في رواية مالك لأنه خرج جوابا للسؤال ولا يدخل فيه غيره انتهى وكأنه غفل عن قوله في بقية الحديث فما سئل عن شيء قدم ولا أخر وكأنه حمل ما أبهم فيه على ما ذكر لكن قوله في رواية بن جريج وأشباه ذلك يرد عليه وقد تقدم فيما حررناه من مجموع الأحاديث عدة صور وبقيت عدة صور لم تذكرها الرواة إما اختصارا وإما لكونها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها والله أعلم وفي الحديث من الفوائد جواز القعود على الراحلة للحاجة ووجوب أتباع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم لكون الذين خالفوها لما علموا سألوه عن حكم ذلك واستدل به البخاري على أن من حلف على شيء ففعله ناسيا أن لا شيء عليه كما سيأتي في الإيمان والنذور إن شاء الله تعالى قوله وقف النبي في رواية بن جريج أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم قوله تابعه معمر عن الزهري قد سبق أن أحمد وصله

قوله باب الخطبة أيام منى أي مشروعيتها خلافا لمن قال أنها لا تشرع وأحاديث الباب صريحة في ذلك إلا حديث جابر بن زيد عن بن عباس وهو ثاني أحاديث الباب فإن فيه التقييد بالخطبة بعرفات وقد أجاب عنه بن المنير كما سيأتي وأيام منى أربعة يوم النحر وثلاثة أيام بعده وليس في شيء من أحاديث الباب التصريح بغير يوم النحر وهو الموجود في أكثر الأحاديث كحديث الهرماس بن زياد وأبي أمامة كلاهما عند أبي داود وحديث جابر بن عبد الله عند أحمد خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال أي يوم أعظم حرمة الحديث وقد تقدم حديث عبد الله بن عمرو وفيه ذكر الخطبة يوم النحر وأما قوله في حديث بن عمر أنه قال ذلك بمنى فهو مطلق فيحمل على المقيد فيتعين يوم النحر فلعل المصنف أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث الباب كما عند أحمد من طريق أبي حرة الرقاشي عن عمه فقال كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس فذكر نحو حديث أبي بكرة فقوله في أوسط أيام التشريق يدل أيضا على وقوع ذلك أيضا في اليوم الثاني أو الثالث وفي حديث سراء بنت نبهان عند أبي داود خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس فقال أي يوم هذا أليس أوسط أيام التشريق وفي الباب عن كعب بن عاصم عند الدارقطني وعن بن أبي نجيح عن رجلين من بني بكر عند أبي داود وعن أبي نضرة عمن سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد قال بن المنير في الحاشية أراد البخاري الرد على من زعم أن يوم النحر لا خطبة فيه للحاج وأن المذكور في هذا الحديث من قبيل الوصايا العامة لا على أنه من شعار الحج فأراد البخاري أن يبين أن الراوي قد سماها خطبة كما سمى التي وقعت في عرفات خطبة وقد اتفقوا على مشروعية الخطبة بعرفات فكأنه ألحق المختلف فيه بالمتفق عليه انتهى والله أعلم وسنذكر نقل الاختلاف في مشروعية الخطبة يوم النحر في آخر الباب وعلي بن عبد الله المذكور في الإسناد الأول هو بن المديني ويحيى بن سعيد هو القطان وفضيل بالتصغير وغزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي

[ 1652 ] قوله فقال يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام كذا في حديث بن عباس هذا وفي حديث أبي بكرة ثالث أحاديث الباب أتدرون أي يوم هذا قالوا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى وحديث بن عمر المذكور بعده نحوه إلا أنه ليس فيه فسكت الخ بل فيه بعد قولهم أعلم قال هذا يوم حرام فقيل في الجمع بين الحديثين لعلهما واقعتان وليس بشيء لأن الخطبة يوم النحر إنما تشرع مرة واحدة وقد قال في كل منهما أن ذلك كان يوم النحر وقيل في الجمع بينهما إن بعضهم بادر بالجواب وبعضهم سكت وقيل في الجمع إنهم فوضوا أولا كلهم بقولهم الله ورسوله أعلم فلما سكت أجاب بعضهم دون بعض وقيل وقع السؤال في الوقت الواحد مرتين بلفظين فلما كان في حديث أبي بكرة فخامة ليست في الأول لقوله فيه أتدرون سكتوا عن الجواب بخلاف حديث بن عباس لخلوه عن ذلك أشار إلى ذلك الكرماني وقيل في حديث بن عباس اختصار بينته رواية أبي بكرة وابن عمر فكأنه أطلق قولهم يوم حرام باعتبار أنهم قرروا ذلك بقولهم بلى وسكت في رواية بن عمر عن ذكر جوابهم وهذا جمع حسن وقد تقدم الكلام في هذا باختصار في كتاب العلم في باب قوله رب مبلغ أوعى من سامع قوله يوم حرام أي يحرم فيه القتال وكذلك الشهر وكذلك البلد وسيأتي الكلام على قوله لا ترجعوا بعدي كفارا في كتاب الفتن مستوعبا إن شاء الله تعالى قوله فأعادها مرارا لم أقف على عددها صريحا ويشبه أن يكون ثلاثا كعادته صلى الله عليه وسلم قوله ثم رفع رأسه زاد الإسماعيلي من هذا الوجه إلى السماء قوله قال بن عباس فوالذي نفسي بيده أنها لوصيته يريد بذلك الكلام الأخير وهو قوله صلى الله عليه وسلم فليبلغ الشاهد الغائب إلى آخر الحديث وقد رواه أحمد بن حنبل عن عبد الله بن نمير عن فضيل بإسناد الباب بلفظ ثم قال ألا فليبلغ الخ وهو يوضح ما قلناه والله أعلم قوله الى أمته في رواية أحمد عن بن نمير أنها لوصيته إلى ربه وكذلك رواه عمرو بن علي الفلاس والمقدمي عن يحيى بن سعيد أخرجه أبو نعيم من طريقهما تنبيه لستة أيام متوالية من أيام ذي الحجة أسماء الثامن يوم التروية والتاسع عرفة والعاشر النحر والحادي عشر القر والثاني عشر النفر الأول والثالث عشر النفر الثاني وذكر مكي بن أبي طالب أن السابع يسمى يوم الزينة وأنكره النووي قوله في الحديث الثاني

[ 1653 ] أخبرنا عمرو هو بن دينار وقوله يخطب بعرفات هو طرف من حديث سيأتي في باب لبس الخفين للمحرم عن أبي الوليد عن شعبة بهذا الإسناد وبعده متصلا يخطب بعرفات بقوله من لم يجد النعلين فليلبس الخفين الحديث وذكره بعده بباب عن آدم عن شعبة بلفظ خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال من لم يجد فذكر الحديث قوله تابعه بن عيينة عن عمرو أي أن سفيان بن عيينة تابع شعبة في رواية هذا الحديث والمراد به أصل الحديث فإن أحمد أخرجه في مسنده عن سفيان بن عيينة ولفظه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول من لم يجد فذكره فلم يعين موضع الخطبة وكذلك رواه الحميدي وابن أبي شيبة وغيرهما عن سفيان وهو عند مسلم وغيره من طريق سفيان كذلك قوله في الحديث الثالث

[ 1654 ] حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي وأبو عامر هو العقدي وقره هو بن خالد وحميد بن عبد الرحمن هو الحميري وإنما كان عند بن سيرين أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة لأنه دخل في الولايات وكان حميد زاهدا قوله أليس يوم النحر بنصب يوم على أنه خبر ليس والتقدير أليس اليوم يوم النحر ويجوز الرفع على أنه اسم ليس والتقدير أليس يوم النحر هذا اليوم الأول أوضح لكن يؤيد هذا الثاني قوله أليس ذو الحجة أي أليس ذو الحجة هذا الشهر قوله بالبلدة الحرام كذا فيه بتأنيث البلد وتذكير الحرام وذلك أن لفظ الحرام اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسما قال الخطابي يقال أن البلدة اسم خاص بمكة وهي المرادة بقوله تعالى إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة وقال الطيبي المطلق محمول على الكامل وهي الجامعة للخير المستجمعة للكمال كما أن الكعبة تسمى البيت ويطلق عليها ذلك وقدد اختصرت ذلك من كلام طويل للتوربشتي قوله الى يوم تلقون بفتح يوم وكسره مع التنوين وعدمه وترك التنوين مع الكسر هو الذي ثبتت به الرواية قوله اللهم اشهد تقدم أنه أعاد ذلك في حديث بن عباس وإنما قال ذلك لأنه كان فرضا عليه أن يبلغ فأشهد الله على أنه أدى ما أوجبه عليه والمبلغ بفتح اللام أي رب شخص بلغه كلامي فكان أحفظ له وأفهم لمعناه من الذي نقله له قال المهلب فيه أنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه إلا أن ذلك يكون في الأقل لأن رب موضوعة للتقليل قلت هي في الأصل كذلك إلا أنها استعملت في التكثير بحيث غلبت على الاستعمال الأول لكن يؤيد أن التقليل هنا مراد أنه وقع في رواية أخرى تقدمت في العلم بلفظ عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه وفي الحديث دلالة على جواز تحمل الحديث لمن لم يفهم معناه ولا فقهه إذا ضبط ما يحدث به ويجوز وصفه بكونه من أهل العلم بذلك وفي الحديث من الفوائد أيضا وجوب تبليغ العلم على الكفاية وقد يتعين في حق بعض الناس وفيه تأكيد التحريم وتغليظه بأبلغ ممكن من تكرار ونحوه وفيه مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد لأن المخاطبين بذلك كانوا لا يرون تلك الأشياء ولا يرون هتك حرمتها ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب وإنما قدم السؤال عنها تذكارا لحرمتها وتقريرا لما ثبت في نفوسهم ليبنى عليه ما أراد تقريره على سبيل التأكيد

[ 1655 ] قوله عن أبيه هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر فروايته عن جده قوله أفتدرون في رواية الإسماعيلي عن القاسم المطرز عن محمد بن المثنى شيخ البخاري قال أو تدرون قوله وقال هشام بن الغاز بالغين المعجمة وآخره زاي خفيفة وقد وصله بن ماجة قال حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا هشام وأخرجه الطبراني عن أحمد بن المعلى والإسماعيلي عن جعفر الفريابي كلاهما عن هشام بن عمار وعن جعفر الفريابي عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن هشام بن الغاز ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود قوله بين الجمرات بفتح الجيم والميم فيه تعيين البقعة التي وقف فيها كما أن في الرواية التي قبلها تعيين المكان كما أن في حديثي بن عباس وأبي بكرة تعيين اليوم ووقع تعيين الوقت من اليوم في رواية رافع بن عمرو المزني عند أبي داود والنسائي ولفظه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى الحديث قوله في الحجة التي حج هذا هو المعروف عند من ذكر أولا ووقع في رواية الكشميهني في حجته التي حج وللطبراني في حجة الوداع قوله بهذا أي بالحديث الذي تقدم من طريق محمد بن زيد عن جده وأراد المصنف بذلك أصل الحديث وأصل معناه لكن السياق مختلف فإن في طريق محمد بن زيد أنهم أجابوا بقولهم الله ورسوله أعلم وفي هذا عند بن ماجة وغيره في أجوبتهم قالوا يوم النحر قالوا بلد حرام قالوا شهر حرام ويجمع بينهما بنحو ما تقدم وهو أنهم أجابوا أولا بالتفويض فلما سكت أجابوا بالمطلوب وأغرب الكرماني فقال قوله بهذا أي وقف متلبسا بهذا الكلام قوله وقال هذا يوم الحج الأكبر فيه دليل لمن يقول إن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر وسيأتي البحث فيه في أول تفسير سورة براءة إن شاء الله تعالى قوله فطفق في رواية بن ماجة وغيره بين قوله يوم الحج الأكبر وبين قوله فطفق من الزيادة ودماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم وقد وقع معنى ذلك في طريق محمد بن زيد أيضا قوله فودع الناس وقع في طريق ضعيفة عند البيهقي من حديث بن عمر سبب ذلك ولفظه أنزلت إذا جاء نصر الله والفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت له فركب فوقف بالعقبة واجتمع الناس إليه فقال يا أيها الناس فذكر الحديث وفي هذه الأحاديث دلالة على مشروعية الخطبة يوم النحر وبه أخذ الشافعي ومن تبعه وخالف ذلك المالكية والحنفية قالوا خطب الحج ثلاثة سابع ذي الحجة ويوم عرفة وثاني يوم النحر بمنى ووافقهم الشافعي إلا أنه قال بدل ثاني النحر ثالثه لأنه أول النفر وزاد خطبة رابعة وهي يوم النحر وقال إن بالناس حاجة إليها ليتعلموا أعمال ذلك اليوم من الرمي والذبح والحلق والطواف وتعقبه الطحاوي بأن الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج لأنه لم يذكر فيها شيئا من أمور الحج وإنما ذكر فيها وصايا عامة ولم ينقل أحد أنه علمهم فيها شيئا من الذي يتعلق بيوم النحر فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج وقال بن القصار إنما فعل ذلك نم أجل تبليغ ما ذكره لكثرة الجمع الذي اجتمع من أقاصي الدنيا فظن الذي رآه أنه خطب قال وأما ما ذكره الشافعي أن بالناس حاجة إلى تعليمهم أسباب التحلل المذكورة فليس بمتعين لأن الإمام يمكنه أن يعلمهم إياها يوم عرفة اه وأجيب بأنه نبه صلى الله عليه وسلم في الخطبة المذكورة على تعظيم يوم النحر وعلى تعظيم شهر ذي الحجة وعلى تعظيم البلد الحرام وقد جزم الصحابة المذكورون بتسميتها خطبة فلا يلتفت لتأويل غيرهم وما ذكره من إمكان تعليم ما ذكر يوم عرفة يعكر عليه في كونه يرى مشروعية الخطبة ثاني يوم النحر وكان يمكن أن يعلموا ذلك يوم عرفة بل كان يمكن أن يعلموا يوم التروية جميع ما يأتي بعده من أعمال الحج لكن لما كان في كل يوم أعمال ليست في غيره شرع تجديد التعليم بحسب تجديد الأسباب وقد بين الزهري وهو عالم أهل زمانه أن الخطبة ثاني يوم النحر نقلت من خطبة يوم النحر وأن ذلك من عمل الأمراء يعني من بني أمية قال بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان هو الثوري عن بن جريج عن الزهري كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر فشغل الأمراء فأخروه إلى الغد وهذا وإن كان مرسلا لكنه يعتضد بما سبق وبأن به أن السنة الخطبة يوم النحر لا ثانية وأما قول الطحاوي إنه لم ينقل أنه علمهم شيئا من أسباب التحلل فلا ينفي وقوع ذلك أو شيئا منه في نفس الأمر بل قد ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما تقدم في الباب قبله أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر وذكر فيه السؤال عن تقدم بعض المناسك على بعض فكيف ساغ للطحاوي هذا النفي المطلق مع روايته هو لحديث عبد الله بن عمرو وثبت أيضا في بعض طرق أحاديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم قال للناس حينئذ خذوا عني مناسككم فكأنه وعظهم بما وعظهم به وأحال في تعليمهم على تلقي ذلك من أفعاله ومما يرد به على تأويل الطحاوي ما أخرجه بن ماجة من حديث بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته بعرفات أتدرون أي يوم هذا الحديث ونحوه للطبراني في الكبير من حديث بن عباس وأخرج أحمد من حديث نبيط بن شريط أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفة على بعير أحمر يخطب فسمعته يقول أي يوم أحرم قالوا هذا اليوم قال فأي بلد أحرم الحديث ونحوه لأحمد من حديث العداء بن خالد فهذا الحديث الذي وقع في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خطب به يوم النحر قد ثبت أنه خطب به قبل ذلك يوم عرفة وأما الأحاديث التي وردت عن الصحابة بتصريحهم أنه صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر غير ما تقدم فمنها حديث الهرماس بن زياد أخرجه أبو داود ولفظه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته الجدعاء يوم الأضحى وحديث أبي أمامة سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر أخرجه عبد الرحمن وحديث معاذ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى أخرجه وحديث رافع بن عمرو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى أخرجه وأخرج من مرسل مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر والله أعلم

قوله باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى مقصوده بالغير من كان له عذر من مرض أو شغل كالحطابين والرعاء

[ 1656 ] قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري قوله رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا اقتصر عليه وأحال به على ما بعده ولفظه عند الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس المذكور في الإسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته

[ 1657 ] قوله في طريق بن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن كذا اقتصر عليه أيضا وأحال به على ما بعده ولفظه عند أحمد في مسنده عن محمد بن بكر المذكور في الإسناد أذن للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية

[ 1658 ] قوله تابعه أبو أسامة أي تابع بن نمير وصله مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله ولفظه مثل رواية بن نمير قوله وعقبة بن خالد وصله عثمان بن أبي شيبة في مسنده عنه قوله وأبو ضمرة يعني أنس بن عياض وقد تقدم في باب سقاية الحج في أثناء أبواب الطواف ولفظه مثل رواية بن نمير والنكتة في استظهار البخاري بهذه المتابعات بعد إيراده له من ثلاثة طرق لشك وقع في رواية يحيى بن سعيد القطان في وصله فقد أخرجه أحمد عن يحيى عن عبيد الله عن نافع قال ولا أعلمه إلا عن بن عمر قال الإسماعيلي وقد وصله أيضا بغير شك موسى بن عقبة والدراوردي وعلي بن مسهر ومحمد بن فليح وغيرهم كلهم عن عبيد الله وأرسله بن المبارك عن عبيد الله قلت الظاهر أن عبيد الله كان ربما شك في وصله بدليل رواية يحيى القطان وكأنه كان في أكثر أحواله يجزم بوصله بدليل رواية الجماعة وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى وأنه من مناسك الحج لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة وأن الإذن وقع للعلة المذكورة وإذا لم توجد أو ما في معناها لم يحصل الإذن وبالوجوب قال الجمهور وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد وهو مذهب الحنفية أنه سنة ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل وهل يختص الإذن بالسقاية وبالعباس أو بغير ذلك من الأوصاف المعتبرة في هذا الحكم فقيل يختص الحكم بالعباس وهو جمود وقيل يدخل معه آله وقيل قومه وهم بنو هاشم وقيل كل من أحتاج إلى السقاية فله ذلك ثم قيل أيضا يختص الحكم بسقاية العباس حتى لو عملت سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها ومنهم من عممه وهو الصحيح في الموضعين والعلة في ذلك إعداد الماء للشاربين وهل يختص ذلك بالماء أو يلتحق به ما في معناه من الأكل وغيره محل احتمال وجزم الشافعية بإلحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يتعاهده بأهل السقاية كما جزم الجمهور بإلحاق الرعاء خاصة وهو قول أحمد واختاره بن المنذر أعني الاختصاص بأهل السقاية والرعاء لإبل والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك وعليه اقتصر صاحب المغني وقال المالكية يجب الدم في المذكورات سوى الرعاء قالوا ومن ترك المبيت بغير عذر وجب عليه دم عن كل ليلة وقال الشافعي عن كل ليلة إطعام مسكين وقيل عنه التصدق بدرهم وعن الثلاث دم وهي رواية عن أحمد والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه وقد تقدم الكلام على سقاية العباس في الباب المشار إليه في أول الكلام على هذا الباب وفي الحديث أيضا استئذان الأمراء والكبراء فيما يطرأ من المصالح والأحكام وبدار من استؤمر إلى الأذن عند ظهور المصلحة والمراد بأيام منى ليلة الحادي عشر واللتين بعده ووقع في رواية روح عن بن جريج عند أحمد أن مبيت تلك الليلة بمنى وكأنه عنى ليلة الحادي عشر لأنها تعقب يوم الإفاضة وأكثر الناس يفيضون يوم النحر ثم في الذي يليه وهو الحادي عشر والله أعلم

قوله باب رمي الجمار أي وقت رميها أو حكم الرمي وقد اختلف فيه فالجمهور على أنه واجب يجبر تركه بدم وعند المالكية سنة مؤكدة فيجبر وعندهم رواية أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه ومقابله قول بعضهم أنها إنما تشرع حفظا للتكبير فإن تركه وكبر أجزأه حكاه بن جرير عن عائشة وغيرها قوله وقال جابر رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى الحديث وصله مسلم وابن خزيمة وابن حبان من طريق بن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة ضحى يوم النحر وحده ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس ورواه الدارمي عن عبيد الله بن موسى عن بن جريج بلفظ التعليق لكن قال وبعد ذلك عند زوال الشمس ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن بن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا فذكره

[ 1659 ] قوله عن وبرة بفتح الواو والموحدة هو بن عبد الرحمن المسلي بضم الميم وسكون المهملة بعدها لام كوفي ثقة ورجال الإسناد إلى بن عمر كوفيون قوله متى أرمي الجمار يعني في غير يوم الأضحى قوله فارمه بهاء ساكنة للسكت وقوله إذا رمى إمامك فارمه يعني الأمير الذي على الحج وكأن بن عمر خاف عليه أن يخالف الأمير فيحصل له منه ضرر فلما أعاد عليه المسألة لم يسعه الكتمان فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه بن عيينة عن مسعر بهذا الإسناد فقال فيه فقلت له أرأيت إن أخر إمامي أي الرمي فذكر له الحديث أخرجه بن أبي عمر في مسنده عنه ومن طريق الإسماعيلي وفيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال وبه قال الجمهور وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا يجوز قبل الزوال مطلقا ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال وقال إسحاق إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه

قوله باب رمي الجمار من بطن الوادي كأنه أشار بذلك إلى رد ما رواه بن أبي شيبة وغيره عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلو إذا رمى الجمرة لكن يمكن الجمع بين هذا وبين حديث الباب فإن التي ترمي من بطن الوادي هي جمرة العقبة لكونها عند الوادي بخلاف الجمرتين الأخريين ويوضح ذلك

[ 1660 ] قوله في حديث بن مسعود في الطريق الآتية بعد باب بلفظ حين رمى جمرة العقبة وكذا روى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون عن عمر أنه رمى جمرة العقبة في السنة التي أصيب فيها وفي غيرها من بطن الوادي ومن طريق الأسود رأيت عمر رمى جمرة العقبة من فوقها وفي إسناد هذا الثاني حجاج بن أرطاة وفيه ضعف وسنذكر بقية الكلام عليه هناك قوله وقال عبد الله بن الوليد هو العدني هكذا رويناه موصولا في جامع سفيان الثوري رواية العدني عنه من طريق عبد الرحمن بن منده بإسناده إلى عبد الله بن الوليد وفائدة هذا التعليق بيان سماع سفيان وهو الثوري له من الأعمش وتمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء اختصاصها بيوم النحر وأن لا يوقف عندها وترمى ضحى ومن أسفلها استحبابا

قوله باب رمي الجمار بسبع حصيات ذكره بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بذلك إلى حديث بن عمر الموصول عنده بعد بابين ويأتي الكلام عليه هناك وأشار في الترجمة إلى رد ما رواه قتادة عن بن عمر قال ما أبالي رميت الجمار بست أو سبع وأن بن عباس أنكر ذلك وقتادة لم يسمع من بن عمر أخرجه بن أبي شيبة من طريق قتادة وروى من طريق مجاهد من رمى بست فلا شيء عليه ومن طريق طاوس يتصدق بشيء وعن مالك والأوزاعي من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم وعن الشافعية في ترك حصاة مد وفي ترك حصاتين مدان وفي ثلاثة فأكثر دم وعن الحنفية إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع وإلا فدم

[ 1662 ] قوله عن إبراهيم هو بن يزيد النخعي ورواية الحكم عنه لهذا الحديث مختصرة وقد ساقها الأعمش عنه أتم من هذا كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه

قوله باب يكبر مع كل حصاة قاله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي الكلام عليه بعد باب

[ 1663 ] قوله عن عبد الواحد هو بن زياد البصري قوله سمعت الحجاج يعني بن يوسف الأمير المشهور ولم يقصد الأعمش الرواية عنه فلم يكن بأهل لذلك وإنما أراد أن يحكي القصة ويوضح خطأ الحجاج فيها بما ثبت عمن يرجع إليه في ذلك بخلاف الحجاج وكان لا يرى إضافة السورة إلى الاسم فرد عليه إبراهيم النخعي بما رواه عن بن مسعود من الجواز قوله جمرة العقبة هي الجمرة الكبرى وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها يقال تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارا فسميت تسمية الشيء بلازمه وقيل لأن آدم أو إبراهيم لما عرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه أي أسرع فسميت بذلك قوله فاستبطن الوادي في رواية أبي معاوية عن الأعمش فقيل له أي لعبد الله بن مسعود إن ناسا يرمونها من فوقها الحديث أخرجه مسلم قوله حاذى بمهملة وبالذال المعجمة من المحاذاة وقوله اعترضها أي الشجرة يدل على أنه كان هناك شجرة عند الجمرة وقد روى بن أبي شيبة عن الثقفي عن أيوب قال رأيت القاسم وسالما ونافعا يرمون من الشجرة ومن طريق عبد الرحمن بن الأسود أنه كان إذا جاوز الشجرة رمى العقبة من تحت غصن من أغصانها وقوله فرمى أي الجمرة وفي رواية الحكم عن إبراهيم في الباب الذي قبله جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ووقع في رواية أبي صخرة عن عبد الرحمن بن يزيد لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة أخرجه الترمذي والذي قبله هو الصحيح وهذا شاذ في إسناده المسعودي وقد اختلط وبالأول قال الجمهور وجزم الرافعي من الشافعية بأنه يستقبل الجمرة ويستدبر القبلة وقيل يستقبل القبلة ويجعل الجمرة عن يمينه وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها والاختلاف في الأفضل قوله مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة قال بن المنير خص عبد الله سورة البقرة بالذكر لأنها التي ذكر الله فيها الرمي فأشار إلى أن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لمراد كتاب الله تعالى قلت ولم أعرف موضع ذكر الرمي من سورة البقرة والظاهر أنه أراد أن يقول أن كثيرا من أفعال الحج مذكور فيها فكأنه قال هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك منبها بذلك على أن أفعال الحج توقيفية وقيل خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام أو أشار بذلك إلى أنه يشرع الوقوف عندها بقدر سورة البقرة والله أعلم واستدل بهذا الحديث على اشتراط رمي الجمرات واحدة واحدة لقوله يكبر مع كل حصاة وقد قال صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة فقالا لو رمى السبع دفعة واحدة أجزأه وفيه ما كان الصحابة عليه من مراعاة حال النبي صلى الله عليه وسلم في كل حركة وهيئة ولا سيما في أعمال الحج وفيه التكبير عند رمي حصى الجمار وأجمعوا على أن من لم يكبر فلا شيء عليه فائدة زاد محمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن أبيه في هذا الحديث عن بن مسعود أنه لما فرغ من رمي جمرة العقبة قال اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا

قوله باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف قاله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي موصولا في الباب الذي بعده وعنه أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه ولا نعرف فيه خلافا

قوله باب إذا رمى الجمرتين يقوم مستقبل القبلة ويسهل المراد بالجمرتين ما سوى جمرة العقبة وهي التي يبدأ بها في الرمي في أول يوم ثم تصير أخيرة في كل يوم بعد ذلك

[ 1664 ] قوله حدثنا طلحة بن يحيى أي بن النعمان بن أبي عياش الزرقي الأنصاري المدني نزيل بغداد وثقه بن معين وقال أحمد مقارب الحديث وقال أبو حاتم ليس بقوي وزعم بن طاهر أنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث قلت لكنه لم يحتج به على انفراده فقد استظهر له بمتابعة سليمان بن بلال في الباب الذي بعده وبمتابعة عثمان بن عمر أيضا كلاهما عن يونس كما سيأتي بعد باب وتابعهم عبد الله بن عمر النميري عن يونس عند الإسماعيلي قوله الجمرة الدنيا بضم الدال وبكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الحنيف وهي أول الجمرات التي ترمى من ثاني يوم النحر قوله يسهل بضم أوله وسكون المهملة أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المصطحب الذي لا ارتفاع فيه قوله ثم يأخذ ذات الشمال أي يمشي إلى جهة شماله فيقوم طويلا في رواية سليمان فيقوم قياما طويلا وسيأتي الكلام فيه بعد باب قوله ويرفع يديه أي في الدعاء قوله ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال أي ليقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي وفي رواية سليمان ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك فيأخذ ذات الشمال وفي رواية عثمان ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل القبلة قوله ثم يرمي جمرة ذات العقبة هو نحو يا نساء المؤمنات أي يأتي الجمرة ذات العقبة وثبت كذلك في رواية سليمان وفي رواية عثمان بن عمر ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة قوله ثم ينصرف في رواية سليمان ولا يقف عندها

قوله باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى قال بن قدامة لا نعلم لما تضمنه حديث بن عمر هذا مخالفا إلا ما روي عن مالك من ترك رفع اليدين عند الدعاء بعد رمي الجمار فقال بن المنذر لا أعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا ما حكاه بن القاسم عن مالك انتهى ورده بن المنير بأن الرفع لو كان هنا سنة ثابتة ما خفي عن أهل المدينة وغفل رحمه الله تعالى عن أن الذي رواه من أعلم أهل المدينة من الصحابة في زمانه وابنه سالم أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة والراوي عنه بن شهاب عالم المدينة ثم الشام في زمانه فمن علماء المدينة أن لم يكونوا هؤلاء والله المستعان

قوله باب الدعاء عند الجمرتين أي وبيان مقداره

[ 1666 ] قوله وقال محمد حدثنا عثمان بن عمر قال أبو علي الجياني اختلف في محمد هذا فنسبه أبو علي بن السكن فقال محمد بن بشار قلت وهو المعتمد وقال الكلاباذي هو محمد بن بشار أو محمد بن المثنى وجزم غيره بأنه الذهلي قوله قال الزهري سمعت الخ هو بالإسناد المصدر به الباب ولا اختلاف بين أهل الحديث أن الإسناد بمثل هذا السياق موصول وغايته أنه من تقديم المتن على بعض السند وإنما اختلفوا في جواز ذلك وأغرب الكرماني فقال هذا الحديث من مراسيل الزهري ولا يصير بما ذكره آخرا مسندا لأنه قال يحدث بمثله لا بنفسه كذا قال وليس مراد المحدث بقوله في هذا بمثله إلا نفسه وهو كما لو ساق المتن بإسناد ثم عقبه بإسناد آخر ولم يعد المتن بل قال بمثله ولا نزاع بين أهل الحديث في الحكم بوصل مثل هذا وكذا عند أكثرهم لو قال بمعناه خلافا لمن يمنع الرواية بالمعنى وقد أخرج الحديث المذكور الإسماعيلي عن بن ناجية عن محمد بن المثنى وغيره عن عثمان بن عمر وقال في آخره قال الزهري سمعت سالما يحدث بهذا عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فعرف أن المراد بقوله مثله نفسه وإذا تكلم المرء في غير فنه أتى بهذه العجائب وفي الحديث مشروعية التكبير عند رمي كل حصاة وقد أجمعوا على أن من تركه لا يلزمه شيء إلا الثوري فقال يطعم وإن جبره بدم أحب إلي وعلى الرمي بسبع وقد تقدم ما فيه وعلى استقبال القبلة بعد الرمي والقيام طويلا وقد وقع تفسيره فيما رواه بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عطاء كان بن عمر يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ سورة البقرة وفيه التباعد من موضع الرمي عند القيام للدعاء حتى لا يصيب رمي غيره وفيه مشروعية رفع اليدين في الدعاء وترك الدعاء والقيام عند جمرة العقبة ولم يذكر المصنف حال الرامي في المشي والركوب وقد روى بن أبي شيبة بإسناد صحيح إن بن عمر كان يمشي إلى الجمار مقبلا ومدبرا وعن جابر أنه كان لا يركب إلا من ضرورة

قوله باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة أورد فيه حديث عائشة طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف الحديث ومطابقته للترجمة من جهة أنه صلى الله عليه وسلم لما أفاض من مزدلفة لم تكن عائشة مسايرته وقد ثبت أنه استمر راكبا إلى أن رمى جمرة العقبة فدل ذلك على أن تطييبها له وقع بعد الرمي وأما الحلق قبل الإفاضة فلأنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه بمنى لما رجع من الرمي وأخذه من حديث الباب من جهة التطيب فإنه لا يقع إلا بعد التحلل والتحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف فلولا أنه حلق بعد أن رمى لم يتطيب وفي هذا الحديث حجة لمن أجاز الطيب وغيره من محظورات الإحرام بعد التحلل الأول ومنعه مالك وروى عن عمر وابن عمر وغيرهما وقد تقدم الكلام على حديث الباب مستوفي في باب الطيب عند الإحرام وأحلت على هذا السياق هناك تنبيه قوله حين أحرم أي حين أراد الإحرام وقوله

[ 1667 ] حين أحل أي لما وقع الإحلال وإنما كان كذلك لأن الطيب بعد وقوع الإحرام لا يجوز والطيب عند إرادة الحل لا يجوز لأن المحرم ممنوع من الطيب والله أعلم

قوله باب طواف الوداع قال النووي طواف الوداع واجب يلزم بتركه دم على الصحيح عندنا وهو قول أكثر العلماء وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شيء في تركه انتهى والذي رأيته في الأوسط لابن المنذر أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء

[ 1668 ] قوله أمر الناس كذا في رواية عبد الله بن طاوس عن أبيه على البناء لما لم يسم فاعله والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وكذا قوله خفف وقد رواه سفيان أيضا عن سليمان الأحول عن طاوس فصرح فيه بالرفع ولفظه عن بن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت أخرجه مسلم هو والذي قبله عن سعيد بن منصور عن سفيان بالإسنادين فرقهما فكأن طاوسا حدث به على الوجهين ولهذا وقع في رواية كل من الراويين عنه ما لم يقع في رواية الآخر وفيه دليل على وجوب طواف الوداع للأمر المؤكد به وللتعبير في حق الحائض بالتخفيف كما تقدم والتخفيف لا يكون إلا من أمر مؤكد واستدل به على أن الطهارة شرط لصحة الطواف وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده

[ 1669 ] قوله عن قتادة سيأتي بعد باب من وجه آخر عن بن وهب التصريح بتحديث قتادة ويأتي الكلام هناك والمقصود منه هنا قوله في آخره ثم ركب إلى البيت فطاف به قوله تابعه الليث أي تابع عمرو بن الحارث في روايته لهذا الحديث عن قتادة بطريق أخرى إلى قتادة وقد وصله البزار والطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث وخالد شيخ الليث هو بن يزيد وذكر البزار والطبراني أنه تفرد بهذا الحديث عن سعيد وأن الليث تفرد به عن خالد وأن سعيد بن أبي هلال لم يرو عن قتادة عن أنس غير هذا الحديث

قوله باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت أي هل يجب عليها طواف الوداع أو يسقط وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا وقد تقدم معنى هذه الترجمة في كتاب الحيض بلفظ باب المرأة تحيض بعد الإفاضة قال بن المنذر قال عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع وكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع عن بن عمر قال طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت قال وقد ثبت رجوع بن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة يشير بذلك إلى ما تضمنته أحاديث هذا الباب وقد روى بن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد كان الصحابة يقولون إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت إلا عمر فإنه كان يقول يكون آخر عهدها بالبيت وقد وافق عمر على رواية ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره فروى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي واللفظ لأبي داود من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي قال أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض قال ليكن آخر عهدها بالبيت فقال الحارث كذلك أفتاني وفي رواية أبي داود هكذا حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم واستدل الطحاوي بحديث عائشة وبحديث أم سليم على نسخ حديث الحارث في حق الحائض

[ 1670 ] قوله حاضت أي بعد أن أفاضت يوم النحر كما تقدم في باب الزيارة يوم النحر قوله فذكر كذا في هذه الرواية بضم الذال على البناء للمجهول وقد تقدم في الباب المذكور من وجه آخر أن عائشة هي التي ذكرت له ذلك قوله أحابستنا أي مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه ظنا منه صلى الله عليه وسلم أنها ما طافت طواف إفاضة وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني قوله قالوا سيأتي في الطريق التي في آخر الباب أن صفية هي قالت بلى وفي رواية الأعرج عن أبي سلمة عن عائشة التي مضت في باب الزيارة يوم النحر حججنا فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت يا رسول الله أنها حائض الحديث وهذا مشكل لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف يقول أحابستنا هي وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني ويجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان بانيا على أنها قد حلت فلما قيل له أنها حائض جوز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن فزال عنه ما خشيه من ذلك والله أعلم وقد سبق في كتاب الحيض من طريق عمرة عن عائشة أنه قال لهم لعلها تحبسنا ألم تكن طافت معكن قالوا بلى وسأذكر بقية اختلاف ألفاظ هذه القصة في آخر الباب إن شاء الله تعالى قوله فلا إذا أي فلا حبس علينا حينئذ أي إذا أفاضت فلا مانع لنا من التوجه لأن الذي يجب عليها قد فعلته

[ 1671 ] قوله حماد هو بن زيد قوله إن أهل المدينة أي بعض أهلها وقد رواه الإسماعيلي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بلفظ أن ناسا من أهل المدينة قوله قال لهم تنفر زاد الثقفي فقالوا لا نبالي أفتيتنا أو لم تفتنا زيد بن ثابت يقول لا تنفر قوله فكان فيمن سألوا أم سليم في رواية الثقفي فسألوا أم سليم وغيرها فذكرت صفية كذا ذكره مختصرا وساقه الثقفي بتمامه قال فأخبرتهم أن عائشة قالت لصفية أفي الخيبة أنت إنك لحابستنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذاك قالت عائشة صفية حاضت قيل أنها قد أفاضت قال فلا إذا فرجعوا إلى بن عباس فقالوا وجدنا الحديث كما حدثتناه قوله رواه خالد يعني الحذاء وقتادة عن عكرمة أما رواية خالد فوصلها البيهقي من طريق معلى بن منصور عن هشيم عنه عن عكرمة عن بن عباس قال إذا طافت يوم النحر ثم حاضت فلتنفر وقال زيد بن ثابت لا تنفر حتى تطهر وتطوف بالبيت ثم أرسل زيد بعد ذلك إلى بن عباس أني وجدت الذي قلت كما قلت وأما رواية قتادة فوصلها أبو داود الطيالسي في مسنده قال حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال اختلف بن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر فقال زيد يكون آخر عهدها بالبيت وقال بن عباس تنفر إن شاءت فقالت الأنصار لا نتابعك يا بن عباس وأنت تخالف زيدا فقال سلوا صاحبتكم أم سليم يعني فسألوها فقالت حضت بعد ما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر ورواه سعيد بن أبي عروبة في كتاب المناسك الذي رويناه من طريق محمد بن يحيى القطعي عن عبد الأعلى عنه قال عن قتادة عن عكرمة نحوه وقال فيه لا نتابعك إذا خالفت زيد بن ثابت وقال فيه وأنبئت أن صفية بنت حيي حاضت بعد ما طافت بالبيت يوم النحر فقالت لها عائشة الخيبة لك حبستنا فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنفر وهكذا أخرجه إسحاق في مسنده عن عبدة عن سعيد وفي آخره وكان ذلك من شأن أم سليم أيضا تنبيه طريق قتادة هذه هي المحفوظة وقد شذ عباد بن العوام فرواه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مختصرا في قصة أم سليم أخرجه الطحاوي من طريقه انتهى ولقد اختصر البخاري حديث عكرمة جدا ولولا تخريج هذه الطرق لما ظهر المراد منه فلله الحمد على ما أنعم به وتفضل وقد روى هذه القصة طاوس عن بن عباس متابعا لعكرمة أخرجه مسلم والنسائي والإسماعيلي من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس كنت مع بن عباس إذ قال له زيد بن ثابت تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت فقال بن عباس أما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي صلى الله عليه وسلم قال فرجع إليه فقال ما أراك إلا قد صدقت لفظ مسلم وللنسائي كنت عند بن عباس فقال له زيد بن ثابت أنت الذي تفتي وقال فيه فسألها ثم رجع وهو يضحك فقال الحديث كما حدثتني وللإسماعيلي بعد قوله أنت الذي الخ قال نعم قال فلا تفت بذلك قال فسل فلانة والباقي نحو سياق مسلم وزاد في إسناده عن بن جريج قال وقال عكرمة بن خالد عن زيد وابن عباس نحوه وزاد فيه فقال بن عباس سل أم سليم وصواحبها هل أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فسألهن فقلن قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقد عرف برواية عكرمة الماضية أن الأنصارية هي أم سليم وأما صواحبها فلم أقف على تسميتهن

[ 1672 ] قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم ووهيب هو بن خالد وابن طاوس هو عبد الله قوله رخص بضم الراء على البناء لما لم يسم فاعله ووقع في رواية يحيى بن حسان عن وهيب عند النسائي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله قال وسمعت بن عمر القائل ذلك هو طاوس بالإسناد المذكور بينه النسائي في روايته المذكورة قوله ثم سمعته يقول بعد سيأتي أن ذلك كان قبل موت بن عمر بعام قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن هذا من مراسيل الصحابة وكذا ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه والحاكم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن بن عمر لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وسنوضح ذلك فعند النسائي من طريق إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن بن عمر أنه كان يقول قريبا من سنتين عن الحائض لا تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت ثم قال بعد أنه رخص للنساء وله وللطحاوي من طريق عقيل عن الزهري عن طاوس أنه سمع بن عمر يسئل عن النساء إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم النحر فقال إن عائشة كانت تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة لهن وذلك قبل موته بعام وفي رواية الطحاوي قبل موت بن عمر بعام وروى بن أبي شيبة أن بن عمر كان يقيم على الحائض سبعة أيام حتى تطوف طواف الوداع قال الشافعي كأن بن عمر سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة أولا ثم بلغته الرخصة فعمل بها وقد تقدم شيء من الكلام على هذا الحديث في أواخر الحيض

[ 1673 ] قوله عن منصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والأسود هو خاله وهو نخعي أيضا وقد سبق الكلام على حديث عائشة فيما يتعلق بطواف الحائض في باب تقضي الحائض المناسك إلا الطواف ويأتي الكلام على حديث عمرتها في أبواب العمرة قوله ليلة الحصبة في رواية المستملي ليلة الحصباء وقوله بعده ليلة النفر عطف بيان لليلة الحصباء والمراد بتلك الليلة التي يتقدم النفر من منى قبلها فهي شبيهة بليلة عرفة وفيه تعقب على من قال كل ليلة تسبق يومها إلا ليلة عرفة فإن يومها يسبقها فقد شاركتها ليلة النفر في ذلك قوله فيه ما كنت تطوفين بالبيت ليالي قدمنا مكة قلت لا كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر عن المستملي قلت بلا وهي محمولة على أن المراد ما كنت أطوف قوله وحاضت صفية أي في أيام منى وسيأتي في أبواب الإدلاج من المحصب أن حيضها كان ليلة النفر زاد الحاكم عن إبراهيم عند مسلم لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة فقال عقري الحديث وهذا يشعر بأن الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله كان بالقرب من وقت النفر من منى واستشكله بعضهم بناء على ما فهمه أن ذلك كان وقت الرحيل وليس ذلك بلازم لاحتمال أن يكون الوقت الذي أراد منها ما أراد سابقا على الوقت الذي رآها فيه على باب خبائها الذي هو وقت الرحيل بل ولو اتحد الوقت لم يكن ذلك مانعا من الإرادة المذكورة قوله عقري حلقي بالفتح فيهما ثم السكون وبالقصر بغير تنوين في الرواية ويجوز في اللغة التنوين وصوبه أبو عبيد لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق كما يقال سقيا ورعيا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها وعلى الأول هو نعت لا دعاء ثم معنى عقري عقرها الله أي جرحها وقيل جعلها عاقرا لا تلد وقيل عقر قومها ومعنى حلقي حلق شعرها وهو زينة المرأة أو أصابها وجع في حلقها أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض فهذا أصل هاتين الكلمتين ثم اتسع العرب في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا قاتله الله وتربت يداه ونحو ذلك قال القرطبي وغيره شتان بين قوله صلى الله عليه وسلم هذا لصفية وبين قوله لعائشة لما حاضت معه في الحج هذا شيء كتبه الله على بنات آدم لما يشعر به من الميل لها والحنو عليها بخلاف صفية قلت وليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده لكن اختلف الكلام باختلاف المقام فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفا على ما فاتها من النسك فسلاها بذلك وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله فأبدت المانع فناسب كل منهما ما خاطبها به في تلك الحالة قوله فلا بأس انفري هو بيان لقوله في الرواية الماضية أول الباب فلا إذا وفي رواية أبي سلمة قال اخرجوا وفي رواية عمرة قال اخرجي وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة في المغازي فلتنفر ومعانيها متقاربة والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة وفي أحاديث الباب أن طواف الإفاضة ركن وأن الطهارة شرط لصحة الطواف وأن طواف الوداع واجب وقد تقدم ذلك واستدل به على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة وتعقب باحتمال أن تكون إرادته صلى الله عليه وسلم تأخير الرحيل إكراما لصفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة وأما الحديث الذي أخرجه البزار من حديث جابر وأخرجه البيهقي في فوائده من طريق أبي هريرة مرفوعا أميران وليسا بأميرين من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل طواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم فلا دلالة فيه على الوجوب إن كان صحيحا فإن في إسناد كل منهما ضعفا شديدا وقد ذكر مالك في الموطأ أنه يلزم الجمال أن يحبس لها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض وكذا على النفساء واستشكله بن المواز بأن فيها تعريضا للفساد كقطع الطريق وأجاب عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق كما أن محله أن يكون مع المرأة محرم قوله وقال مسدد قلت لا وتابعه جرير عن منصور في قوله لا هذا التعليق لم يقع في رواية أبي ذر وثبت لغيره فأما رواية مسدد فرويناها كذلك في مسنده رواية أبي خليفة عنه قال حدثنا أبو عوانة فذكر الحديث بسنده ومتنه وقال فيه ما كنت طفت ليالي قدمنا قلت لا وأما رواية جرير فوصلها المصنف في باب التمتع والقرآن عن عثمان بن أبي شيبة عنه وقال فيه ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة قلت لا وهذا يؤيد صحة ما وقع في رواية المستملي حيث وقع عنده بلى موضع لا كما تقدم وتقدم توجيهه

قوله باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح أي البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة وقد تقدم الكلام على حديث أنس الأول في باب أين يصلي الظهر يوم التروية وهو مطابق لما ترجم به هنا وفي سياق حديث أنس الثاني ما يشعر بأنه صلى بالأبطح وهو المحصب مع ذلك المغرب والعشاء ورقد ثم ركب إلى البيت فطاف به أي طواف الوداع وأما

[ 1675 ] قوله فيه أنه صلى الظهر فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال لأنه رمى فنفر فنزل المحصب فصلى الظهر به

قوله باب المحصب بمهملتين ثم موحدة بوزن محمد أي ما حكم النزول به وقد نقل بن المنذر الاختلاف في استحبابه مع الاتفاق على أنه ليس من المناسك

[ 1676 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري قوله عن هشام هو بن عروة وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان حدثنا هشام قوله إنما كان منزلا في رواية مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله الحديث قوله أسمح أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطيء والمعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة قوله تعني بالأبطح في رواية الكشميهني تعني الأبطح بحذف الموحدة وفي رواية مسلم المذكورة كان أسمح لخروجه إذا خرج

[ 1677 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة قال عمرو هو بن دينار وعطاء هو بن أبي رباح قال الدارقطني هذا الحديث سمعه سفيان من الحسن بن صالح عن عمرو بن دينار يعني أنه دلسه هنا عن عمرو وتعقب بأن الحميدي أخرجه في مسنده عن سفيان قال حدثنا عمرو وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن سفيان فانتفت تهمة تدليسه قوله ليس التحصيب بشيء أي من أمر المناسك الذي يلزم فعله قاله بن المنذر وقد روى أحمد من طريق بن أبي مليكة عن عائشة قالت ثم أرتحل حتى نزل الحصبة قالت والله ما نزلها إلا من أجلي وروى مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق سليمان بن يسار عن أبي رافع قال لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل اه لكن لما نزله النبي صلى الله عليه وسلم كان النزول به مستحبا أتباعا له لتقريره على ذلك وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ينزلون الأبطح وسيأتي للمصنف في الباب الذي يليه لكن ليس فيه ذكر أبي بكر ومن طريق أخرى عن نافع عن بن عمر أنه كان يرى التحصيب سنة قال نافع وقد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده فالحاصل أن من نفي أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الإلزام بذلك ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس ويأتي نحوه من حديث بن عمر في الباب الذي يليه

قوله باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة أي قبل أن يدخل المدينة والمقصود بهذه الترجمة الإشارة إلى أن أتباعه صلى الله عليه وسلم في النزول بمنازله لا يختص بالمحصب وقد تقدم الكلام على مكان الدخول إلى مكة في أوائل الحج والنزول ببطحاء ذي الحليفة صريح في حديث الباب

[ 1678 ] قوله بذي الطوى كذا للمستملي والسرخسي بإثبات الألف واللام ولغيرهما بحذفهما قوله بين الثنيتين أي التي بين الثنيتين قوله لم ينخ ناقته إلا عند باب المسجد أي إذا بات بذي طوى ثم أصبح ركب ناقته فلم ينخها إلا بباب المسجد قوله فيصلي سجدتين وفي رواية الكشميهني ركعتين قوله وكان إذا صدر أي رجع متوجها نحو المدينة

[ 1679 ] قوله سئل عبيد الله يني بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري قوله نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وابن عمر هو عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وعن عمر منقطع وعن بن عمر موصول ويحتمل أن يكون نافع سمع بذلك من بن عمر فيكون الجميع موصولا ويدل عليه رواية عبد الرزاق التي قدمتها في الباب الذي قبله قوله وعن نافع هو معطوف على الإسناد الذي قبله وليس بمعلق وقد رواه البيهقي من طريق حميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث مثله قوله يصلي بها يعني المحصب قيل فسر الضمير المؤنث بلفظ مذكر وأراد البقعة ولأن من أسمائها البطحاء قوله قال خالد هو بن الحارث راوي أصل الإسناد وهو مؤيد للعطف الذي قبله قوله لا أشك في العشاء يريد أنه شك في ذكر المغرب وقد رواه سفيان بن عيينة بغير شك في المغرب ولا غيرها عن أيوب وعن عبيد الله بن عمر جميعا عن نافع أن بن عمر كان يصلي بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعة أخرجه الإسماعيلي وهو عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وعن أيوب عن نافع كلاهما عن بن عمر

قوله باب من نزل بذي طوى إذا رجع مكة تقدم الكلام على النزول بذي طوى والمبيت بها إلى الصبح لمن أراد أن يدخل مكة في أوائل الحج والمقصود بهذه الترجمة مشروعية المبيت بها أيضا للراجع من مكة وغفل الداودي فظن أن هذا المبيت متحد بالمبيت بالمحصب فجعل ذا طوى هو المحصب وهو غلط منه إنما يقع المبيت بالمحصب في الليلة التي تلي يوم النفر من منى فيصبح سائرا إلى أن يصل إلى ذي طوى فينزل بها ويبيت فهذا الذي يدل عليه سياق حديث الباب

[ 1680 ] قوله وقال محمد بن عيسى هو بن الطباع أخو إسحاق البصري حدثنا حماد اختلف في حماد هذا فجزم الإسماعيلي بأنه بن سلمة وجزم المزي بأنه بن زيد فلم يذكر حماد بن سلمة في شيوخ محمد بن عيسى وذكر حماد بن زيد ولم تقع لي رواية محمد بن عيسى موصولة وقد أخرج الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق حماد بن زيد عن أيوب طرفا من الحديث وليس فيه مقصود الترجمة وهذا الطرف تقدم في باب الاغتسال لدخول مكة من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب وأخرجه الإسماعيلي هنا عن الحسن بن سفيان عن محمد بن أبان عن حماد بن سلمة عن أيوب ولم يذكر مقصود الترجمة فلم يتضح لي صحة ما قال أن حمادا في التعليق عن محمد بن عيسى هذا هو بن سلمة بل الظاهر أنه بن زيد والله أعلم وليس لمحمد بن عيسى هذا في البخاري سوى هذا الموضع وآخر في كتاب الأدب سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله تعالى قوله وإذا نفر مر بذي طوى في رواية الكشميهني وإذا نفر مر من ذي طوى الخ قال بن بطال وليس هذا أيضا من مناسك الحج قلت وإنما يؤخذ منه أماكن نزوله صلى الله عليه وسلم ليتأسى به فيها إذ لا يخلو شيء من أفعاله عن حكمة

قوله باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية أي جواز ذلك والموسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر المهملة قال الأزهري سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه الناس مشتق من السمة وهي العلامة وذكر في حديث الباب من أسواق الجاهلية اثنين وترك اثنين سنذكرهما إن شاء الله تعالى

[ 1681 ] قوله قال عمرو بن دينار في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن بن جريج أخبرني عمرو بن دينار قوله عن بن عباس هذا هو المحفوظ ووقع عند الإسماعيلي عن المنيعي عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي زائدة عن بن جريج عن عمرو عن بن الزبير قال الإسماعيلي كذا في كتابي وعليه صح قلت وهو وهم من بعض رواته كأنه دخل عليه حديث في حديث فإن حديث بن الزبير عند بن عيينة وابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عنه وهو أخصر من سياق بن عباس وقد رواه بن عيينة عن عمرو عن بن عباس ثم لم يختلف عليه في ذلك وكذلك رواه الإسماعيلي من وجه آخر عن بن أبي زائدة قوله كان ذو المجاز بفتح الميم وتخفيف الجيم وفي آخره زاي وهو بلفظ ضد الحقيقة وعكاظ بضم المهملة وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء مشاله زاد بن عيينة عن عمرو كما سيأتي في أوائل البيوع وفي تفسير البقرة ومجنة وهي بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون قوله متجر الناس في الجاهلية أي مكان تجارتهم وفي رواية بن عيينة أسواقا في الجاهلية فأما ذو المجاز فذكر الفاكهي من طريق بن إسحاق أنها كانت بناحية عرفة إلى جانبها وعند الأزرقي من طريق هشام بن الكلبي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة ووقع في شرح الكرماني أنه كان بمنى وليس بشيء لما رواه الطبري عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى لكن سيأتي عن تخريج الحاكم خلاف ذلك وأما عكاظ فعن بن إسحاق أنها فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له الفتق بضم الفاء والمثناة بعدها قاف وعن بن الكلبي أنه كانت وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء وكانت لقيس وثقيف وأما مجنة فعن بن إسحاق أنها كانت بمر الظهران إلى جبل يقال له الأصغر وعن بن الكلبي كانت بأسفل مكة على بريد منها غربي البيضاء وكانت لكنانة وذكر من أسواق العرب في الجاهلية أيضا حباشة بضم المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف معجمة وكانت في ديار بارق نحو قنوني بفتح القاف وبضم النون الخفيفة وبعد الألف نون مقصورة من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل قال وإنما لم يذكر هذه السوق في الحديث لأنها لم تكن من مواسم الحج وإنما كانت تقام في شهر رجب قال الفاكهي ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة وآخر ما ترك منها سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة ثم أسند عن بن الكلبي أن كل شريف كان إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ فإنهم كانوا يتوافون بها من كل جهة فكانت أعظم تلك الأسواق وقد وقع ذكرها في أحاديث أخرى منها حديث بن عباس انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ الحديث في قصة الجن وقد مضى في الصلاة ويأتي في التفسير وروى الزبير بن بكار في كتاب النسب من طريق حكيم بن حزام أنها كانت تقام صبح هلال ذي القعدة إلى أن يمضي عشرون يوما قال ثم يقام سوق مجنة عشرة أيام إلى هلال ذي الحجة ثوم يقوم سوق ذي المجاز ثمانية أيام ثم يتوجهون إلى منى للحج وفي حديث بن الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه الحديث أخرجه أحمد وغيره قوله كأنهم أي المسلمين قوله كرهوا ذلك في رواية بن عيينة فكأنهم تأثموا أي خشوا من الوقوع في الإثم للاشتغال في أيام النسك بغير العبادة وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق عطاء عن عبيد بن عمير عن بن عباس أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله تعالى لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج قال فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف ولأبي داود وإسحاق بن راهويه من طريق مجاهد عن بن عباس كانوا لا يتجرون بمنى فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات وقرأ هذه الآية وأخرجه إسحاق في مسنده من هذا الوجه بلفظ كانوا يمنعون البيع والتجارة في أيام الموسم يقولون أنها أيام ذكر فنزلت وله من وجه آخر عن مجاهد عن بن عباس كانوا يكرهون أن يدخلوا في حجهم التجارة حتى نزلت قوله حتى نزلت الخ سيأتي في تفسير البقرة عن بن عمر قول آخر في سبب نزولها قوله في مواسم الحج قال الكرماني هو كلام الراوي ذكره تفسيرا انتهى وفاته ما زاده المصنف في آخر حديث بن عيينة في البيوع قرأها بن عباس ورواه بن عمر في مسنده عن بن عيينة وقال في آخره وكذلك كان بن عباس يقرأها وروى الطبري بإسناد صحيح عن أيوب عن عكرمة أنه كان يقرأها كذلك فهي على هذا من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم التفسير واستدل بهذا الحديث على جواز البيع والشراء للمعتكف قياسا على الحج والجامع بينهما العبادة وهو قول الجمهور وعن مالك كراهة ما زاد على الحاجة كالخبز إذا لم يجد من يكفيه وكذا كرهه عطاء ومجاهد والزهري ولا ريب أنه خلاف الأولى والآية إنما نفت الجناح ولا يلزم من نفيه نفي أولوية مقابله والله أعلم

قوله باب الإدلاج من المحصب وقع في رواية لأبي ذر الإدلاج بسكون الدال والصواب تشديدها فإنه بالسكون سير أول الليل وبالتشديد سير آخره وهو المراد هنا والمقصود الرحيل من مكان المبيت بالمحصب سحرا وهو الواقع في قصة عائشة ويحتمل أن تكون الترجمة لأجل رحيل عائشة مع أخيها للاعتمار فإنها رحلت معه من أول الليل فقصد المصنف التنبيه على أن المبيت ليس بلازم وأن السير من هناك من أول الليل جائز وسيأتي الكلام على حديث عائشة قريبا في أبواب العمرة

[ 1682 ] قوله حدثنا أبي هو حفص بن غياث والإسناد كله إلى عائشة كوفيون وليس في المتن الذي ساقه من طريق حفص مقصود الترجمة وإنما أشار إلى أن القصة التي في روايته وفي رواية محاضر واحدة وقد تقدم الكلام على قصة صفية قريبا قوله وزادني محمد وقع في رواية أبي علي بن السكن محمد بن سلام ومحاضر بضم الميم وحاء مهملة خفيفة وبعد الألف ضاد معجمة لم يخرج عنه البخاري في كتابه إلا تعليقا لكن هذا الموضع ظاهره الوصل ويأتي الكلام على حديث عائشة مستوفى إن شاء الله تعالى وقوله فيه فخرج معها أخوها هو عبد الرحمن بن أبي بكر كما سيأتي وقوله فيه فلقيناه أي أنهما لقيا النبي صلى الله عليه وسلم مدلجا هو بتشديد الدال أي سائرا من آخر الليل فإنهما لما رجعا إلى المنزل بعد أن قضت عائشة العمرة صادفا النبي صلى الله عليه وسلم متوجها إلى طواف الوداع وقوله موعدك كذا وكذا أي موضع المنزلة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى خاتمة اشتمل كتاب الحج من أوله إلى أبواب العمرة على ثلاثمائة وإثني عشر حديثا المعلق منها سبعة وخمسون حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأحد وتسعون حديثا والخالص منها مائة وأحد وعشرون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث جابر في الإهلال إذا استقلت الراحلة وحديث أنس في الحج على رحل رث وحديث عائشة لكن أفضل الجهاد حج مبرور وحديث بن عباس في نزول وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وحديث عمر حد لأهل نجد قرنا وحديثه وقل عمرة في حجة وحديث بن عباس انطلق من المدينة بعد ما ترجل وأدهن وحديثه أنه سئل عن متعة الحج وحديث أبي سعيد ليحجن البيت وليعتمرن بعد يأجوج ومأجوج وحديث بن عباس في هدم الكعبة على يد الأسود وحديثه في ترك دخول الكعبة وفيها الأصنام وحديث بن عمر في استلام الحجر وتقبيله وحديث عائشة في طوافها حجرة من الرجال وحديث بن عباس مر برجل يطوف وقد خزم أنفه وحديث الزهري المرسل لم يطف إلا صلى ركعتين وحديث بن عباس قدم فطاف وسعى وحديث عائشة في كراهة الطواف بعد الصبح وحديث بن عباس في الشرب من سقاية العباس وحديث بن عمر في تعجيل الوقوف وحديث بن عباس ليس البر بالإيضاع وحديثه في تقديم الضعفة وحديث عمر في إفاضة المشركين من مزدلفة وحديث المسور ومروان في الهدي وحديث بن عمر في النحر في المنحر وحديث جابر في السؤال عن الحلق قبل الذبح وحديث بن عمر حلق في حجته وحديث بن عباس أخر الزيارة إلى الليل وحديث عائشة في ذلك وحديث جابر في رمي جمرة العقبة ضحى وبعد ذلك بعد الزوال وحديث بن عمر في هذا المعنى وحديثه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع ويكبر مع كل حصاة وحديثه في نزول المحصب وحديث بن عباس كان ذو المجاز وعكاظ وفيه من الآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين ستون أثرا أكثرها معلق والله أعلم