أبواب الإحصار وجزاء الصيد
 قوله باب المحصر وجزاء الصيد ثبتت البسمله للجميع وذكر أبو ذر أبواب بلفظ الجمع وللباقين باب بالافراد قوله وقول الله تعالى فإن احصرتم أي وتفسير المراد من قوله فان احصرتم وأما قوله ولا تحلقوا رءوسكم فسياتي في الباب الذي يليه وفي اقتصاره على تفسير عطاء اشاره إلى أنه أختار القول بتعميم الإحصار وهي مسألة اختلاف بين الصحابة وغيرهم فقال كثير منهم الإحصار من كل باب حابس حبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك حتى أفتى بن مسعود رجلا لدغ بأنه محصر أخرجه بن جرير بإسناد صحيح عنه وقال النخعي والكوفيون الحصر الكسر والمرض والخوف واحتجوا بحديث حجاج بن عمرو الذي سنذكره في آخر الباب وأثر عطاء المشار إليه وصله عبد بن حميد عن أبي نعيم عن الثوري عن بن جريج عنه قال في قوله تعالى فان احصرتم فما استيسر من الهدي قال الإحصار من كل شيء يحبسه وكذا رويناه في تفسير الثوري رواية أبي حذيفة عنه وروى بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس نحوه ولفظه فإن احصرتم قال من أحرم بحج أو عمره ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدى فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها وأن كانت حجة بعد الفريضه فلا قضاء عليه وقال آخرون لا حصر الا بالعدو وصح ذلك عن بن عباس أخرجه عبد الرزاق عن معمر وأخرجه الشافعي عن بن عيينة كلاهما عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس قال لا حصر الا من حبسه عدو فيحل بعمرة وليس عليه حج ولا عمرة وروى مالك في الموطأ والشافعي عنه عن بن شهاب عن سالم عن أبيه قال من حبس دون البيت بالمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وروى مالك عن أيوب عن رجل من أهل البصرة قال خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء تسعة أشهر ثم حللت بعمرة أخرجه بن جرير من طرق وسمي الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير وبه قال مالك والشافعي وأحمد قال الشافعي جعل الله على الناس إتمام الحج والعمرة وجعل التحلل للحصر رخصة وكانت الآية في شان منع العدو فلم نعد بالرخصة موضعها وفي المسألة قول ثالث حكاه بن جرير وغيره وهو أنه لا حصر بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى مالك في الموطأ عن بن شهاب عن سالم عن أبيه المحرم لا يحل حتى يطوف أخرجه في باب ما يفعل من احصر بغير عدو وأخرج بن جرير عن عائشة بإسناد صحيح قالت لا أعلم المحرم يحل بشيء دون البيت وعن بن عباس بإسناد ضعيف قال لا احصار اليوم وروى ذلك عن عبد الله بن الزبير والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في تفسير الإحصار فالمشهور عن أكثر أهل اللغة منهم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيدة وأبو عبيد وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم أن الإحصار إنما يكون بالمرض وأما بالعدو فهو الحصر وبهذا قطع النحاس وأثبت بعضهم أن احصر وحصر بمعنى واحد يقال في جميع ما يمنع الإنسان من التصرف قال تعالى للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض وإنما كانوا لا يستطيعون من منع العدو وإياهم وأما الشافعي ومن تابعه فحجتهم في أن لا احصار الا بالعدو اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في قصة الحديبية حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت فسمى الله صد العدو احصارا وحجة الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى فان احصرتم قوله قال أبو عبد الله حصورا لا يأتي النساء هكذا ثبت هذا التفسير هنا في رواية المستملى خاصة ونقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وقد حكاه أبو عبيدة في المجاز وقال أن له معاني أخرى فذكرها وهو بمعنى محصور لأنه منع مما يكون من الرجال وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرا وكأن البخاري أراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى أن المادة واحدة والجامع بين معانيها المنع والله أعلم باب إذا احصر المعتمر

قوله باب إذا احصر المعتمر قيل غرض المصنف بهذه الترجمة الرد على من قال التحلل بالإحصار خاص بالحاج بخلاف المعتمر فلا يتحلل بذلك بل يستمر على إحرامه حتى يطوف بالبيت لأن السنة كلها وقت للعمرة فلا يخشى فواتها بخلاف الحج وهو محكي عن مالك واحتج له إسماعيل القاضي بما أخرجه بإسناد صحيح عن أبي قلابة قال خرجت معتمرا فوقعت عن راحلتي فانكسرت فأرسلت إلى بن عباس وابن عمر فقالا ليس لها وقت كالحج يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت

[ 1712 ] قوله أن عبد الله بن عمر حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة هذا السياق يشعر بأنه عن نافع عن بن عمر بغير واسطة لكن رواية جويرية التي بعده تقتضي أن نافعا حمل ذلك عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما حيث قال فيها عن جويرية عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه إنهما كلما عبد الله بن عمر فذكر القصة والحديث هكذا قال البخاري عن عبد الله بن محمد بن أسماء ووافقه الحسن بن سفيان وأبو يعلى كلاهما عن عبد الله أخرجه الإسماعيلي عنهما وتابعهم معاذ بن المثنى عن عبد الله بن محمد بن أسماء أخرجه البيهقي لكن في رواية موسى بن إسماعيل عن جويرية عن نافع أن بعض بني عبد الله بن عمر قال له فذكر الحديث وظاهره أنه لنافع عن بن عمر بغير واسطة وقد عقب البخاري رواية عبد الله برواية موسى لينبه على الاختلاف في ذلك واقتصر في رواية موسى هنا على الإسناد وساقه في المغازي بتمامه وقد روى يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع كذلك ولفظه أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله فذكر الحديث أخرجه مسلم وقد أخرجه البخاري في المغازي عن مسدد عن يحيى مختصرا قال فيه عن نافع عن بن عمر أنه أهل فذكر بعض الحديث وفي قوله عن نافع عن بن عمر دلالة على أنه لا واسطة بين نافع وابن عمر فيه كما هو ظاهر سياق مسلم أخرجه البخاري كما سيأتي بعد باب من طريق عمر بن محمد عن نافع مثل سياق يحيى بن عبيد الله سواء وأخرجه في المغازي من طريق فليح وفيما مضى من الحج من طريق أيوب والليث كلهم عن نافع واعرض مسلم عن تخريج طريق جويرية ووافق على طريق تخريج الليث وأيوب عن عبيد الله بن عمر وكذا أخرجه النسائي من طريق أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية كلهم نافع عن بن عمر بغير واسطة والذي يترجح في نقدى أن ابني عبد الله اخبرا نافعا بما كلما به أباهما واشارا عليه به من التاخير ذلك العام وأما بقية القصة فشاهدها نافع وسمعها من بن عمر لملازمته إياه فالمقصود من الحديث موصول وعلى تقدير أن يكون نافع لم يسمع شيئا من ذلك من بن عمر فقد عرف الواسطة بينهما وهي ولدا عبد الله بن عمر سالم وعبد الله هما ثقتان لا مطعن فيهما ولم أر من نبه على ذلك من شراح البخاري ووقع في رواية جويرية المذكورة عبيد الله بن عبد الله بالتصغير وفي رواية يحيى القطان المذكورة عبد الله بالتكبير وكذا في رواية عمر بن محمد عن نافع قال البيهقي عبد الله يعني مكبرا أصح قلت وليس بمستبعد أن يكون كل منهما كلم أباه في ذلك ولعل نافعا حضر كلام عبد الله المكبر مع أخيه سالم ولم يحضر كلام عبيد الله المصغر مع أخيه سالم أيضا بل أخبراه بذلك فقص عن كل ما انتهى إليه علمه قوله معتمرا في الموطأ من هذا الوجه خرج إلى مكة يريد الحج فقال أن صددت فذكره ولا اختلاف فإنه خرج أو لا يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال ما شأنهما الا واحدا فاضاف إليها الحج فصار قارنا قوله في الفتنة بينه في رواية جويرية فقال ليالي نزل الجيش بابن الزبير وقد مضى في باب طواف القارن من طريق الليث عن نافع بلفظ حين نزل الحجاح بابن الزبير والمسلم رواية في يحيى القطان المذكورة حين نزل الحجاج لقتال بن الزبير وقد تقدم في باب من اشترى هدية من الطريق من رواية موسى بن عقبة عن نافع أراد بن عمر الحج عام حج الحرورية وتقدم طريق الجمع بينه وبين رواية الباب قوله أن صددت عن البيت هذا الكلام قال جوابا لقول من قال له أنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت كما اوضحته الرواية التي بعد هذه قوله كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية موسى به عقبة فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذن أصنع كما صنع زاد في رواية الليث عن نافع في باب طواف القارن وكما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه في رواية أيوب عن نافع في باب طواف القارن قوله فأهل يعني بن عمر والمراد أنه رفع صوته بالإهلال والتلبية زاد في رواية جويرية التي بعد هذه فقال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه قوله من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية قال النووي معناه أن أراد أن صددت عن البيت واحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي صلى الله عليه وسلم من العمرة وقال عياض يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة ويحتمل أنه أراد الامرين أي من الإهلال والاحلال وهو الأظهر وتعقبه النووي وليس هو بمردود قوله بعمرة زاد في رواية جويرية من ذي الحليفة وفي رواية أيوب الماضية فأهل بالعمرة من الدار والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة ويحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة ويجمع بأنه أهل بالعمرة من داخل بيته ثم أعلن بها واظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة قوله عام الحديبية سيأتي بيان ذلك وشرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وأورده المصنف بعد بابين عن إسماعيل وهو بن أويس عن مالك فزاد فيه ثم أن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقالت ما امرهما الا واحد أي الحج والعمرة فيما يتعلق بالإحصار والاحلال فالتفت إلى أصحابه فذكر القصة وبين في رواية جويرية أن ذلك وقع بعد أن سار ساعة وهو يؤيد الاحتمال الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة ووقع في رواية الليث اشهدكم إني قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة الا واحد ولو كان ايجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة

[ 1713 ] قوله في رواية جويرية فلم يحل منهما حتى دخل يوم النحر زاد في رواية الليث فنحر وحلق ورأى أن قد مضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول وهذا ظاهرا أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة وهو مشكل ووقع في رواية إسماعيل المذكورة ثم طاف لهما طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزى عنه وقد تقدم البحث في ذلك في آخر باب طواف القارن قوله في رواية جويرية اشهدكم أن قد أوجبت أي الزمت نفسي ذلك وكأنه أراد تعليم من يريد الاقتداء به وإلا فالتلفظ ليس بشرط قوله وأن حيل بيني وبينه أي البيت أي منعت من الوصول إليه لأطوف تحللت بعمل العمرة وهذا يبين أن المراد بقوله وما امرهما الا واحد يعني الحج والعمرة في جواز التحلل منهما بالإحصار أو في إمكان الإحصار عن كل منهما ويؤيد الثاني قوله في رواية يحيى القطان المذكورة بعد قوله ما امرهما الا واحد أن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج فكأنه رأى أولا أن الإحصار عن الحج أشد من الإحصار عن العمرة لطول زمن الحج وكثرة اعماله فاختار الإهلال بالعمرة ثم رأى أن الإحصار بالحج يفيد التحلل عنه بعمل العمرة فقال ما امرهما الا واحد وفيه أن الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به وفي هذا الحديث من الفوائد أن من احصر بالعدو بان منعه عن المضي في نسكه حجا كان أو عمرة جاز له التحلل بان ينوي ذلك وينحر هديه ويحلق رأسه أو يقصر منه وفيه جواز إدخال الحج على العمرة وهو قول الجمهور لكن شرطه عند الأكثر أن يكون قبل الشروع في طواف العمرة وقيل أن كان قبل مضى أربعة أشواط صح وهو قول الحنفية وقيل بعد تمام الطواف وهو قول المالكية ونقل بن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسا على منع إدخال العمرة على الحج وفيه أن القارن يقتصر على طواف واحد وقد تقدم البحث فيه في بابه وفيه أن القارن يهدى وشذ بن حزم فقال لا هدى على القارن وفيه جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجا السلامة قاله بن عبد البر قوله في رواية موسى بن إسماعيل أن بعض بني عبد الله قد تقدم اسمه في الرواية التي قبلها وأنه سالم بن عبد الله أو أخوه عبيد الله أو عبد الله ولم يظهر لي من الذي تولى مخاطبته منهم تنبيه وقع في رواية القعنبي عن مالك في أول أحاديث الباب في آخر قصة بن عمر زيادة وهي وأهدى شاة قال بن عبد البر هي زيادة غير محفوظة لأن بن عمر كان يفسر ما استيسر من الهدى بأنه بدنه دون بدنه أو بقرة دون بقرة فكيف يهدى شاة

[ 1714 ] قوله في حديث بن عباس في آخر الباب حدثنا محمد كذا في جميع الروايات غير منسوب فجزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي وأبو مسعود بأنه محمد بن مسلم بن وارة وذكر الكلاباذي عن بن أبي سعيد أنه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي وذكر أنه رآه في أصل عتيق ويؤيده ان الحديث وجد من حديثه عن يحيى بن صالح المذكور كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجهما من طريق أبي حاتم ورواية البخاري عنه في باب الذبح فإنه روى عنه البخاري قلت ويحتمل أن يكون هو محمد بن إسحاق الصغائي فقد وجدت الحديث من روايته عن يحيى بن صالح كما ساذكره قوله عن عكرمة قال فقال بن عباس هكذا رايته في جميع النسخ وهو يقتضى سبق كلام يعقبه قوله فقال بن عباس ولم ينبه عليه أحد من شرائح هذا الكتاب ولا بينه الإسماعيلي ولا أبو نعيم لأنهما اقتصرا من الحديث على ما أخرجه البخاري وقد بحثت عنه إلى أن يسر الله بالوقوف عليه فقرات في كتاب الصحابة لابن السكن قال حدثني هارون بن عيسى حدثنا الصغائي هو محمد بن إسحاق أحد شيوخ مسلم حدثنا يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال سألت عكرمة فقال قال عبد الله بن رافع مولى أم سلمة أنها سألت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس وهو محرم فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرج أو كسر أو حبس فليجزى مثلها وهو في حل قال فحدثت به أبا هريرة فقال صدق وحدثته بن عباس فقال قد احصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق ونحر هديه وجامع نساءه حتى اعتمر عاما قابلا فعرف بهذا السياق القدر الذي حذفه البخاري من هذا الحديث والسبب في حذفه أن الزائد ليس على شرطه لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو على يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري فأخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طرق عن الحجاج الصواف عن يحيى عن عكرمة عن الحجاج به وقال في آخره قال عكرمة فسالت أبا هريرة وابن عباس فقالا صدق ووقع في رواية يحيى القطان وغيره في سياقه سمعت الحجاج أخرجه أبو داود والترمذي من طريق معمر عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج قال الترمذي وتابع معمرا على زيادة عبد الله بن رافع معاوية بن سلام وسمعت محمدا يعني البخاري يقول رواية معمر ومعاوية أصح انتهى فاقتصر البخاري على ما هو من شرط كتابه مع أن الذي حذفه ليس بعيدا من الصحة فإنه أن كان عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك وإلا فالواسطة بينهما وهو عبد الله بن رافع ثقة وأن كان البخاري لم يخرج له وبهذا الحديث احتج من قال لا فرق بين الإحصار بالعدو وبغيره كما تقدمت الإشارة إليه واستدل به على أن من تحلل بالإحصار وجب عليه قضاء ما تحلل منه وهو ظاهر الحديث وقال الجمهور لا يجب وبه قال الحنفية وعن أحمد روايتان وسيأتي البحث فيه بعد بابين إن شاء الله تعالى

قوله باب الإحصار في الحج قال بن المنير في الحاشية أشار البخاري إلى أن الإحصار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقع في العمرة فقاس العلماء الحج على ذلك وهو من الإلحاق بنفى الفارق وهو من أقوى الأقيسة قلت وهذا ينبني على أن مراد بن عمر بقوله سنة نبيكم قياس من يحصل له الإحصار وهو حاج على من يحصل له في الاعتمار لأن الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم هو الإحصار عن العمرة ويحتمل أن يكون بن عمر أراد بقوله سنة نبيكم وبما بينه بعد ذلك شيئا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في حق من لم يحصل له ذلك وهو حاج والله أعلم

[ 1715 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد وقد عقب المصنف هذا الحديث بان قال وعن عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري نحوه وهو معطوف على الإسناد الأول فكان بن المبارك كان يحدث به تارة عن يونس وتارة عن معمر وليس هو بمعلق كما ادعاه بعضهم وقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن بن المبارك عن معمر ولفظه أنه كان ينكر الاشتراط ويقول أليس حسبكم سنة نبيكم وهكذا أخرجه الدار قطني من طريق الحسن بن عرفة والإسماعيلي من طريقه ومن طريق أحمد بن منيع وغيره كلهم عن بن المبارك وكذا أخرجه عبد الرزاق وأحمد عنه عن معمر مقتصرا على هذا القدر وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن عبد الرزاق بتمامه وكذا أخرجه النسائي وأما إنكار بن عمر الاشتراط فثابت في رواية يونس أيضا الا أنه حذف في رواية البخاري هذه فأخرجه البيهقي من طريق السراج عن أبي كريب عن بن المبارك عن يونس أخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق بن وهب عن يونس وأشار بن عمر بانكار الاشتراط إلى ما كان يفتي به بن عباس قال البيهقي لو بلغ بن عمر حديث ضباعة في الاشتراط لقال به وقد وأخرجه الشافعي عن بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال أما تريدين الحج فقالت إني شاكية فقال لها حجي واشترطي أن محلى حيث حبستني قال الشافعي لو ثبت حديث عروة لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيهقي قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساقه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن بن عيينة موصولا بذكر عائشة فيه وقال وقد وصله عبد الجبار وهو ثقة قال وقد وصله أبو أسامة ومعمر كلاهما عن هشام ثم ساقه من طريق أبي أسامة وقال أخرجه الشيخان من طريق أبي أسامة قلت وطريق أبي أسامة أخرجها البخاري في كتاب النكاح ولم يخرجها في الحج بل حذف منه ذكر الاشتراط أصلا اثباتا كما في حديث عائشة ونفيا كما في حديث بن عمر وأما رواية معمر التي أشار إليها البيهقي فأخرجها أحمد عن عبد الرزاق ومسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن هشام والزهري فرقهما كلاهما عن عروة عن عائشة ولقصة ضباعة شواهد منها حديث بن عباس أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة أي في الضعف وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلى حيث تحبسنى قال فأدركت أخرجه مسلم وأصحاب السنن والبهيقى من طرق عن بن عباس قال الترمذي وفي الباب عن جابر وأسماء بنت أبي بكر قلت وعن ضباعة نفسها وعن سعدى بنت عوف واسانيدها كلها قوية وصح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة وغيرهم من الصحابة ولم يصح إنكاره عن أحد من الصحابة الا عن بن عمر ووافقه جماعة من التابعين ومن بعدهم من الحنفية والمالكية وحكى عياض عن الأصيلي قال لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح قال عياض وقد قال النسائي لا أعلم اسنده عن الزهري غير معمر وتعقبه النووي بان الذي قاله غلط فاحش لأن الحديث مشهور صحيح من طرق متعددة انتهى وقول النسائي لا يلزم منه تضعيف طريق الزهري التي تفرد بها معمر فضلا عن بقية الطرق لأن معمرا ثقة حافظ فلا يضره التفرد كيف وقد وجد لما رواه شواهد كثيرة قوله أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حبس أحدكم عن الحج طاف قال عياض ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص أو على إضمار فعل أي تمسكوا وشبه وخبر حسبكم في قوله طاف بالبيت ويصح الرفع على أن سنة خبر حسبكم أو الفاعل بمعنى الفعل فيه ويكون ما بعدها تفسيرا للسنة وقال السهيلي من نصب سنة فإنه بإضمار الأمر كأنه قال الزموا سنة نبيكم وقد قدمت البحث فيه قوله طاف بالبيت أي إذا أمكنه ذلك وقد وقع في رواية عبد الرازق أن حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل إليه طاف به الحديث والذي تحصل من الاشتراط في الحج والعمرة أقوال أحدها مشروعيته ثم اختلف من قال به فقيل واجب لظاهر الأمر وهو قول الظاهرية وقيل مستحب وهو قول أحمد وغلط من حكى عنه إنكاره وقيل جائز وهو المشهور عند الشافعية وقطع به الشيخ أبو حامد والحق أن الشافعي نص عليه في القديم وعلق القول بصحته في الجديد فصار الصحيح عنه القول به وبذلك جزم الترمذي عنه وهو أحد المواضع التي علق القول بها على صحة الحديث وقد جمعتها في كتاب مفرد مع الكلام على تلك الأحاديث والذين أنكروا مشروعية الاشتراط أجابوا عن حديث ضباعة بأجوبة منها أنه خاص بضباعة حكاه الخطابي ثم الروياني من الشافعية قال النووي وهو تأويل باطل وقيل معناه محلى حيث حبسني الموت إذا ادركتني الوفاة انقطع صاحرامى حكاه إمام الحرمين وأنكره النووي وقال أنه ظاهر الفساد وقيل أن الشرط خاص بالتحلل من العمرة لا من الحج حكاه المحب الطبري وقصة ضباعة ترده كما تقدم من سياق مسلم وقد أطنب بن حزم في التعقب على من أنكر الاشتراط بما لا مزيد عليه وسيأتي الكلام على بقية حديث ضباعة في الاشتراط حيث ذكره المصنف في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى

قوله باب النحر قبل الحلق في الحصر ذكر فيه حديث المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك وهذا طرف من الحديث الطويل الذي أخرجه المصنف في الشروط من الوجه المذكور هنا ولفظه في أواخر الحديث فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فذكر بقية الحديث وفيه قول أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك فخرج فنحر بدنه ودعا حالقه فحلقه وعرف بهذا أن المصنف أورد القدر المذكور هنا بالمعنى وأشار بقوله في الترجمة في الحصر إلى أن هذا الترتيب يختص بحال من احصر وقد تقدم أنه لا يجب في حال الاختيار في باب إذا رمى بعدما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ولم يتعرض المصنف لما يجب على من حلق قبل أن ينحر وقد روى بن أبي شيبة من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال عليه دم قال إبراهيم وحدثني سعيد بن جبير عن بن عباس مثله ثم أورد المصنف حديث بن عمر الماضي قبل بباب مختصرا وفيه فنحر بدنه وحلق رأسه وقد أورده البيهقي من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه بإسناده المذكور ولفظه أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الحجاج بابن الزبير وقالا لا يضرك أن لا تحج العام أنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت فقال خرجنا فذكر مثل سياق البخاري وزاد في آخره ثم رجع وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أبي بدر الا أنه لم يذكر القصة التي في أوله وساقه من طريق أخرى عن أبي بدر أيضا فقال فيها عن بن عمر أنه قال أن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه فأهل بالعمرة الحديث قال بن التيمي ذهب مالك إلى أنه لا هدى على المحصر والحجة عليه هذا الحديث لأنه نقل فيه حكم وسبب فالسبب الحصر والحكم النحر فاقتضى الظاهر تعلق الحكم بذلك السبب والله أعلم

قوله باب من قال ليس على المحصر بدل بفتح الموحدة والمهملة أي قضاء لما احصر فيه من حج أو عمرة وهذا هو قول الجمهور كما تقدم قريبا قوله وقال روح يعني أبن عبادة وهذا التعليق وصلة إسحاق بن راهويه في تفسيره عن روح بهذا الإسناد وهو موقوف على بن عباس ومراده بالتلذذ وهو بمعجمتين الجماع وقوله حبسه عذر كذا للأكثر بضم المهملة وسكون المعجمة بعدها راء ولأبي ذر حبسه عدو بفتح أوله وفي آخره واو وقوله أو غير ذلك أي من مرض أو نفاد نفقة وقد ورد عن بن عباس نحو هذا بإسناد آخر أخرجه بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه وفيه فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها وأن كانت غير الفريضة فلا قضاء عليه وقوله وأن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدى محله هذه مسألة اختلاف بين الصحابة ومن بعدهم فقال الجمهور يذبح المحصر الهدى حيث يحل سواء كان في الحل أو في الحرم وقال أبو حنيفة لا يذبحه الا في الحرم وفصل آخرون كما قاله بن عباس هنا وهو المعتمد وسبب اختلافهم في ذلك هل نحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدى بالحديبية في الحل أو في الحرم وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية الا في الحرم ووافقه بن إسحاق وقال غيره من أهل المغازي إنما نحر في الحل وروى يعقوب بن سفيان من طريق مجمع بن يعقوب عن أبيه قال لما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا وبعث الله ريحا فحملت شعورهم فالقتها في الحرم قال بن عبد البر في الاستذكار فهذا يدل على إنهم حلقوا في الحل قلت ولا يخفى ما فيه فإنه لا يلزم من كونهم ما حلقوا في الحرم لمنعهم من دخوله أن لا يكونوا أرسلوا الهدى مع من نحره في الحرم وقد ورد ذلك في حديث ناجيه بن جندب الأسلمي قلت يا رسول الله ابعث معي بالهدي حتى انحره في الحرم ففعل أخرجه النسائي من طريق إسرائيل عن مجزاة بن زاهر عن ناجية أخرجه الطحاوي من وجه آخر عن إسرائيل لكن قال عن ناجيه عن أبيه لكن لا يلزم من وقوع هذا وجوبه بل ظاهر القصة أن أكثرهم نحر في مكانه وكانوا في الحل وذلك دال على الجواز والله أعلم قوله وقال مالك وغيره هو مذكور في الموطأ ولفظه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدى وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدى ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء وسئل مالك عن احصر بعدو فقال يحل من كل شيء وينحر هديه ويحلق رأسه حيث حبس وليس عليه قضاء وأما قول البخاري وغيره فالذي يظهر لي أنه عنى به الشافعي لأن قوله في آخره والحديبية خارج الحرم هو من كلام الشافعي في الأم وعنه أن بعضها في الحل وبعضها في الحرم لكن إنما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحل استدلالا بقوله تعالى وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله قال ومحل الهدى عند أهل العلم الحرم وقد أخبر الله تعالى إنهم صدوهم عن ذلك قال فحيث ما احصر ذبح وحل ولا قضاء عليه من قبل أن الله تعالى لم يذكر قضاء والذي اعقله في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت لأنا علمنا من متواطىء أحاديثهم أنه كان معه عام الحديبية رجال معروفون ثم اعتمر عمرة القضية فتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال ولو لزمهم القضاء لأمرهم بان لا يتخلفوا عنه وقال في موضع آخر إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش لا على إنهم وجب عليهم قضاء تلك العمرة انتهى وقد روى الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم الا من قتل بخيبر أو مات وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهد الحديبية وكانت عدتهم ألفين ويمكن الجمع بين هذا أن صح وبين الذي قبله بان الأمر كان على طريق الاستحباب لأن الشافعي جازم بان جماعة تخلفوا بغير عذر وقد روى الواقدي أيضا من حديث بن عمر قال لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن كان شرطا على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه

[ 1718 ] قوله ثم طاف لهما أي للحج والعمرة وهذا يخالف قول الكوفيين أنه يجب لهما طوافان قوله ورأى أن ذلك مجزى عنه كذا لأبي ذر وغيره بالرفع على أنه خبر أن ووقع في رواية كريمة مجزيا فقيل هو على لغة من ينصب بان المبتدأ والخبر أو هي خبر كان المحذوف والذي عندي أنه من خطا الكاتب فإن أصحاب الموطأ اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب

قوله باب قول الله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وهو مخير فأما الصوم فثلاثة أيام أي باب تفسير قوله تعالى كذا وقوله مخير من كلام المصنف استفاده من أو المكررة وقد أشار إلى ذلك في أول باب كفارات الإيمان فقال وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبا في الفدية ويذكر عن بن عباس وعطاء وعكرمة ما كان في القرآن أو فصاحبه بالخيار وسيأتي ذكر من وصل هذه الآثار هناك وأقرب ما وقفت عليه من طرق حديث الباب إلى التصريح ما أخرجه أبو داود من طريق الشعبي عن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أن شئت فانسك نسيكة وأن شئت فصم ثلاثة أيام وأن شئت فأطعم الحديث وفي رواية مالك في الموطأ عن عبد الكريم بإسناده في آخر الحديث أي ذلك فعلت اجزا وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى وقوله فأما الصوم في رواية الكشميهني الصيام والصيام المطلق في الآية مقيد بما ثبت في الحديث بالثلاث قال بن التين وغيره جعل الشارع هنا صوم يوم معادلا بصاع وفي الفطر من رمضان عدل مد وكذا في الظهار والجماع في رمضان وفي كفارة اليمين بثلاثة إمداد وثلث وفي ذلك أقوى دليل على القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات وقسيم قوله فأما الصوم فمحذوف تقديره وأما الصدقة فهي إطعام ستة مساكين وقد أفرد ذلك بترجمة

[ 1719 ] قوله عن حميد بن قيس في رواية أشهب عن مالك أن حميد بن قيس حدثه أخرجها الدارقطني في الموطات قوله مجاهد عبد الرحمن صرح سيف عن مجاهد بسماعه من عبد الرحمن وبأن كعبا حدث عبد الرحمن كما في الباب الذي يليه قال بن عبد البر في رواية حميد بن قيس هذه كذا رواه الأكثر عن مالك ورواه بن وهب وابن القاسم وابن عفير عن مالك بإسقاط عبد الرحمن بن مجاهد وكعب بن عجرة قلت ولمالك فيه اسنادان اخران في الموطأ أحدهما عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد وفي سياقه ما ليس في سياق حميد بن قيس وقد اختلف فيه عن مالك أيضا على العكس مما اختلف فيه عن طريق حميد بن قيس قال الدار قطني رواه أصحاب الموطأ عن مالك بن عبد الكريم عن عبد الرحمن لم يذكروا مجاهدا حتى قال الشافعي أن مالكا وهم فيه وأجاب بن عبد البر بان بن القاسم وابن وهب في الموطأ وتابعهما جماعة عن مالك خارج الموطأ منهم بشر بن عمر الزهراني وعبد الرحمن بن مهدي وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم اثبتوا مجاهدا بينهما وهذا الجواب لا يرد على الشافعي وطريق بن القاسم المشار إليها عند النسائي وطريق بن وهب عند الطبري وطريق عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد وسائرها عند الدار قطني في الغرائب والإسناد الثالث لمالك فيه عن عطاء الخراساني عن رجل من أهل الكوفة عن كعب بن عجرة قال بن عبد البر يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى أو عبد الله بن معقل ونقل بن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري قال حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره ولا رواها عنه الا بن أبي ليلى وابن معقل قال وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة قال الزهري سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين قلت فيما أطلقه بن صالح نظر فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة غير كعب منهم عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبري والطبراني وأبو هريرة عند سعيد بن منصور وابن عمر عند الطبري وفضالة الأنصاري عمن لا يتهم من قومه عند الطبري أيضا ورواه عن كعب بن عجرة غير المذكورين أبو وائل عند النسائي ومحمد بن كعب القرظي عند بن ماجة ويحية بن جعدة عند أحمد وعطاء عند الطبري وجاء عن أبي قلابة والشعبي أيضا عن كعب وروايتهما عند أحمد لكن الصواب أن بينهما واسطة وهو بن أبي ليلى على الصحيح وقد أورد البخاري حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية وأورده أيضا في المغازي والطب وكفارات الإيمان من طرق أخرى مدار الجميع على بن أبي ليلى وابن معقل فيقيد إطلاق أحمد بن صالح بالصحة فإن بقية الطرق التي ذكرتها لا تخلو عن مقال الا طريق أبي وائل وسأذكر ما في هذه الطرق من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى قوله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلك في رواية أشهب المقدم ذكرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في رواية عبد الكريم أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم فآذاه القمل وفي رواية سيف في الباب الذي يليه وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وراسى يتهافت قملا فقال ايؤذيك هو أمك قلت نعم قال فاحلق رأسك الحديث وفيه قال في نزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه زاد في رواية أبي الزبير عن مجاهد عند الطبراني أنه أهل في ذي القعدة وفي رواية مغيرة عن مجاهد عند الطبري أنه لقيه عند الشجرة وهو محرم وفي رواية أيوب عن مجاهد في المغازي أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا اوقد تحت برمة والقمل يتناثر على رأسي زاد في رواية بن عون عن مجاهد في الكفارات فقال ادن فدنوت فقال ايؤذيك وفي رواية بن بشر عن مجاهد فيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تتساقط على وجهي فقال ايؤذيك هوام رأسك قلت نعم فأنزلت هذه الآية وفي رواية أبي وائل عن كعب أحرمت فكثر قمل رأسي فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني وأنا اطبخ قدرا لأصحابي وفي رواية بن أبي نجيح عن مجاهد بعد بابين رآه وأنه ليسقط القمل على وجهه فقال ايؤذيك هوامك قال نعم فأمره أن يحلق وهم بالحديبية ولم يبين لهم إنهم يحلون وهم على طمع أن يدخلوا مكة فانزل الله الفدية وأخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد بهذه الزيادة ولأحمد وسعيد بن منصور في رواية أبي قلابة قمات حتى ظننت ان كل شعرة من رأسي فيها القمل من أصلها الى فرعها زاد سعيد وكنت حسن الشعر وأول رواية عبد الله بن معقل بعد باب جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية فقال نزلت في خاصة وهي لكم عامة حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى زاد مسلم من هذا الوجه فسألته عن هذه الآية ففدية من صيام الآية ولأحمد من وجه آخر في هذه الطريق وقع القمل في رأسي ولحيتى حتى حاجبى وشاربى فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى فدعاني فلما رآني قال لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر أدع إلى الحجام فحلقنى ولأبي داود من طريق الحكم بن عتيبة عن بن أبي ليلى عن كعب اصابتنى هوام حتى تخوفت على بصري وفي رواية أبي وائل عن كعب عند الطبري فحك رأسي بأصبعه فانتثر منه القمل زاد الطبري من طريق الحكم أن هذا لأذى قلت شديد يا رسول الله والجمع بين هذا الاختلاف في قول بن أبي ليلى عن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به فراه وفي قول عبد الله بن معقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إليه فراه أن يقال مر به أو لا فراه على تلك الصورة فاستدعى به إليه فخاطبه وحلق رأسه بحضرته فنقل كل واحد منهما ما لم ينقله الآخر ويوضحه قوله في رواية يا هو بن عون السابقة حيث قال فيها فقال ادن فدنوت فالظاهر أن هذا الاستدناء كان عقب رؤيته إياه إذ مر به وهو يوقد تحت القدر قوله لعلك أذاك هوامك قال القرطبي هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم فلما أخبره بالمشقة التي نالته خفف عنه والهوام بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الاخشاش والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف وقد عين في كثير من الروايات أنها القمل واستدل به على أن الفدية مرتبة على قتل القمل وتعقب بذكر الحلق فالظاهر أن الفدية مرتبة عليه وهما وجهان عند الشافعية يظهر أثر الخلاف فيما لو حلق ولم يقتل قملا قوله احلق رأسك وصم قال بن قدامة لا نعلم خلافا في الحاق الازالة بالحلق سواء كان بموس أو مقص أو نوره أو غير ذلك وأغرب بن حزم فأخرج النتف عن ذلك فقال يلحق جميع الازالات بالحلق الا النتف قوله أو أطعم ليس في هذه الرواية بيان قدر الإطعام وسيأتي البحث فيه بعد باب وهو ظاهر في التخيير بين الصوم والاطعام وكذا قوله أو انسك بشاة ووقع في رواية الكشميهني شاة بغير موحدة والأول تقديره تقرب بشاة ولذلك عداه بالباء والثاني تقديره أذبح شاة والنسك يطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص وسياق رواية الباب موافق للاية وقد تقدم أن كعبا قال أنها نزلت بهذا السبب وقد قدمت في أول الباب أن رواية عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال أي ذلك فعلت اجزا وكذا رواية أبي داود التي فيها أن شئت وأن شئت ووافقتها رواية عبد الوارث عن بن أبي نجيح أخرجها مسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني لكن رواية عبد الله بن معقل الآتية بعد باب تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك ولفظه قال أتجد شاة قال لا قال فصم أو أطعم ولأبي داود في رواية أخرى امعك دم قال لا قال فإن شئت فصم ونحوه للطبرانى من طريق عطاء عن كعب ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني وزاد بعد قوله ما أجد هديا قال فأطعم قال ما أجد قال صم ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم يعني ولا يطعم لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء الا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد بن جبير قال النسك شاة فإن لم يجد قومت الشاة دراهم والدراهم طعاما فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يوما أخرجه من طريق الأعمش عنه قال فذكرته لإبراهيم فقال سمعت علقمة مثله فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين وقد جمع بينهما باوجه منها ما قال بن عبد البر أن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لايجابه ومنها ما قال النووي ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ الا لفاقد الهدى بل المراد أنه استخبره هل معه هدى أو لا فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والاطعام وأن لم يجده أعلمه أنه مخير بينهما ومحصله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لاخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام والصوم ومنها ما قال غيرهما يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما إذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بان يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بوحى غير متلو فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والاطعام والصيام فخيره حينئذ بين الصيام والاطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل المذكور حيث قال أتجد شاة قلت لا فنزلت هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فقال صم ثلاثة أيام أو أطعم وفي رواية عطاء الخراساني قال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين قال وكان قد علم أنه ليس عندي ما انسك به ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظي عن كعب وسياق الآية يشعر بتقديم الصيام على غيره وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والاطعام وعرف من رواية أبي الزبير ان كعبا افتدى بالصيام ووقع في رواية بن إسحاق ما يشعربانه افتدى بالذبح لأن لفظه صم أو أطعم أو انسك شاة قال فحلقت رأسي ونسكت وروى الطبراني من طريق ضعيفة عن عطاء عن كعب في آخر هذا الحديث فقلت يا رسول الله خر لي قال أطعم ستة مساكين وسيأتي البحث فيه في الباب الأخير وفيه بقية مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى

قوله باب قول الله عز وجل أو صدقة وهي إطعام ستة مساكين يشير بها إلى أن الصدقة في الآية مبهمة فسرتها السنة وبهذا قال جمهور العلماء وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الحسن قال الصوم عشرة أيام والصدقة على عشرة مساكين وروى الطبري عن عكرمة ونافع نحوه قال بن عبد البر لم يقل بذلك أحد من فقهاء الأمصار

[ 1720 ] قوله حدثنا سيف هو بن سليمان أو بن أبي سليمان قوله يتهافت بالفاء أي يتساقط شيئا فشيئا قوله فاحلق رأسك أو احلق بحذف المفعول وهو شك من الراوي قوله بفرق بفتح الفاء والراء وقد تسكن قاله بن فارس وقال الأزهري كلام العرب بالفتح والمحدثون قد يسكنونه وآخره قاف مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا ووقع في رواية بن عيينة عن بن أبي نجيح عند أحمد وغيره والفرق ثلاث اصع لمسلم من طريق أبي قلابة عن بن أبي ليلى أو أطعم ثلاثة اصع من تمر على ستة مساكين وإذا ثبت أن الفرق ثلاثة اصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث خلافا لمن قال أن الصاع ثمانية أرطال قوله أو نسك مما تيسر كذا لأبي ذر والأكثر وفي رواية كريمة أو انسك بما تيسر بصيغه الأمر وبالموحدة وهي المناسبة لما قبلها وتقدير الأول أو انسك بنسك والمراد به الذبح

قوله باب الإطعام في الفدية نصف صاع أي لكل مسكين من كل شيء يشير بذلك إلى الرد على من فرق في ذلك بين القمح وغيره قال بن عبد البر قال أبو حنيفة والكوفيون نصف صاع من قمح وصاع من تمر وغيره وعن أحمد رواية تضاهى قولهم قال عياض وهذا الحديث يرد عليهم

[ 1721 ] قوله عن عبد الرحمن بن الأصبهاني هو بن عبد الله مر في الجنائز وأنه كوفي ثقة ولشعبة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق حفص بن عمر عنه عن أبي بشر عن مجاهد عن بن أبي ليلى عن كعب قوله عن عبد الله بن معقل وفي رواية أحمد سمعت عبد الله بن معقل أخرجه عن عفان وعن بهز فرقهما عن شعبة حدثنا عبد الرحمن وهو بفتح الميم وسكون المهلة وكسر القاف هو بن مقرن بالقاف وزن محمد ولكن بكسر الراء لأبيه صحبه وهو من ثقات التابعين بالكوفة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وأخر عن عدي بن حاتم مات سنة ثمان وثمانين من الهجرة يلتبس بعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة وزن محمد ويجتمعان في أن كلا منهما مزنى لكن يفترقان بان الراوي عن كعب تابعي والآخر صحابي وفي التابعين من اتفق مع الراوي عن كعب في اسمه واسم أبيه ثلاثة أحدهم يروي عن عائشة وهو محاربى والآخر يروي عن أنس في المسح على العمامة وحديثه عند أبي داود والثالث أصغر منهما أخرج له بن ماجة قوله جلست إلى كعب بن عجرة زاد مسلم في روايته من طريق غندر عن شعبة وهو في المسجد ولأحمد عن بهز قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد وزاد في رواية سليمان بن قرم عن بن الأصبهاني يعني مسجد الكوفة وفيه الجلوس في المسجد ومذاكرة العلم والاعتناء بسبب النزول لما يترتب عليه من معرفة الحكم وتفسير القرآن قوله ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى في رواية المستملى والحموي يبلغ بك وأرى الأول بضم الهمزة أي أظن وأرى الثانية بفتح الهمزة من الرؤية وكذا في قوله أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك وهو شك من الراوي هل قال الوجع أو الجهد والجهد بالفتح المشقة قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا وكذا حكاه عياض عن بن دريد وقال صاحب العين بالضم الطاقة وبالفتح المشقة فيتعين الفتح هنا بخلاف لفظ الجهد الماضي في حديث بدء الوحي حيث قال حتى بلغ مني الجهد فإنه محتمل للمعنيين قوله فقلت لا زاد مسلم وأحمد فنزلت هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال صوم ثلاث أيام الحديث قوله لكل مسكين نصف صاع كررها مرتين وللطبرانى عن أحمد بن محمد الخزاعي عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه لكل مسكين نصف صاع تمر ولأحمد عن بهز عن شعبة نصف صاع طعام ولبشر بن عمر عن شعبة نصف صاع حنطة ورواية الحكم عن بن أبي ليلى تقتضي أنه نصف صاع من زبيب فإنه قال يطعم فرقا من زبيب بين ستة مساكين قال بن حزم لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد قلت المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث نصف صاع من طعام والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة وأما الزبيب فلم أره الا في رواية الحكم وقد أخرجها أبو داود وفي إسنادها بن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف والمحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة كما تقدم ولم يختلف فيه على أبي قلابة وكذا أخرجه الطبري من طريق الشعبي وعن كعب وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن بن الأصبهاني ومن طريق أشعث وداود عن الشعبي عن كعب وكذا في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وأن الواجب ثلاثة اصع لكل مسكين نصف صاع ولمسلم عن بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح وغيره عن مجاهد في هذا الحديث وأطعم فرقا بين ستة مساكين والفرق ثلاثة اصع أخرجه الطبري من طريق يحيى بن آدم عن بن عيينة فقال فيه قال سفيان والفرق ثلاثة اصع فاشعر بان تفسير الفرق مدرج لكنه مقتضى الروايات الآخر ففي رواية سليمان بن قرم عن بن الأصبهاني عند أحمد لكل مسكين نصف صاع وفي رواية يحيى بن جعدة عند الاحمد أيضا أو أطعم ستة مساكين مدين مدين وأما ما وقع في بعض النسخ عند مسلم من رواية زكريا عن بن الأصبهاني أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع فهو تحريف ممن دون مسلم والصواب ما في النسخ الصحيحة لكل مسكينين بالتثنية وكذا أخرجه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن بن الأصبهاني على الصواب

قوله باب النسك شاة أي النسك المذكور في الآية حيث قال أو نسك وروى الطبري من طريق مغيرة عن مجاهد في آخر هذا الحديث فانزل الله ففدية من صيام أو صدقة أو نسك والنسك شاة ومن طريق محمد بن كعب القرظي عن كعب أمرني بأن احلق وافتدى بشاة قال عياض ومن تبعه لأبي عمر كل ما ذكر النسك في هذا الحديث مفسرا فإنما ذكروا شاة وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء قلت يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق نافع عن رجل من الأنصار عن كعب بن عجرة أنه أصابه أذى فحلق فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدى بقرة وللطبرانى من طريق عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن بن عمر قال حلق كعب بن عجرة رأسه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتدى فافتدى ببقرة ولعبد بن حميد من طريق أبي معشر عن نافع عن بن عمر قال افتدى كعب من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها واشعرها ولسعيد بن منصور من طريق بن أبي ليلى عن نافع عن سليمان بن يسار قيل لابن كعب بن عجرة ما صنع أبوك حين أصابه الأذى في رأسه قال ذبح بقرة فهذه الطرق كلها تدور على نافع وقد اختلف عليه في الواسطة الذي بينه وبين كعب وقد عارضها ما هو أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق المقبري عن أبي هريرة أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه وهذا أصوب من الذي قبله واعتمد بن بطال على رواية نافع عن سليمان بن يسار فقال أخذ كعب بارفع الكفارات ولم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره به من ذبح الشاة بل وافق وزاد ففيه أن من أفتي بايسر الأشياء فله أن يأخذ بأرفعها كما فعل كعب قلت هو فرع ثبوت الحديث ولم يثبت لما قدمته والله أعلم

[ 1722 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن إبراهيم المعروف بابن راهويه كما جزم به أبو نعيم وروح هو بن عبادة وشبل هو بن عباد المكي قوله رآه وأنه يسقط كذا للأكثر ولابن السكن وأبي ذر ليسقط بزيادة لام والفاعل محذوف والمراد القمل وثبت كذلك في بعض الروايات ورواه بن خزيمة عن محمد بن معمر عن روح بلفظ رآه وقمله يسقط على وجهه وللاسماعيلى من طريق أبي حذيفة عن شبل رأى قملة يتساقط على وجهه قوله فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ولم يتبين لهم إنهم يحلون الخ هذه الزيادة ذكرها الراوي لبيان أن الحلق كان استباحة محظور بسبب الأذى لا لقصد التحلل بالحصر وهو واضح قال بن المنذر يؤخذ منه أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت ان عليه أن يقيم حتى ييأس من الوصول فيحل واتفقوا على ان من يئس من الوصول وجاز له أن يحل فتمادى على إحرامه ثم أمكنه أن يصل أن عليه أن يمضى إلى البيت ليتم نسكه وقال المهلب وغيره ما معناه يستفاد من قوله ولم يتبين لهم إنهم يحلون أن المرأة التي تعرف أو أن حيضها والمريض الذي يعرف أو أن حماه بالعادة فيهما إذا افطرا في رمضان مثلا أو في النهار ثم ينكشف الأمر بالحيض والحمى في ذلك النهار أن عليهما قضاء ذلك اليوم لأن الذي كان في علم الله إنهم يحلون بالحديبية لم يسقط عن كعب الكفارة التي وجبت عليه بالحلق قبل أن ينكشف الأمر لهم وذلك لأنه يجوز أن يتخلف ما عرفناه بالعادة فيجب القضاء عليهما لذلك قوله فانزل الله الفدية قال عياض ظاهرة أن نزول بعد الحكم وفي رواية عبد الله بن معقل أن النزول قبل الحكم قال فيحتمل أن يكون حكم عليه بالكفارة بوحى لا يتلى ثم نزل القرآن ببيان ذلك قلت وهو يؤيد الجمع المتقدم قوله وعن محمد بن يوسف الظاهر انه عطف على حدثنا روح فيكون إسحاق قد رواه عن روح بإسناده وعن محمد بن يوسف وهو الفريابي بإسناده وكذا هو في تفسير إسحاق ويحتمل أن تكون العنعنة للبخاري فيكون أورده عن شيخه الفريابي بالعنعنة كما يروي تارة بالتحديث وبلفظ قال وغير ذلك وعلى هذا فيكون شبيها بالتعليق وقد أورده الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق هاشم بن سعيد عن محمد بن يوسف الفريابي ولفظه مثل سياق روح في أكثره وكذا هو في تفسير الفريابي بهذا الإسناد وفي حديث كعب بن عجرة من الفوائد وغير ما تقدم أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لإطلاق الفدية في القرآن وتقييدها بالسنة وتحريم حلق الرأس على المحرم والرخصة له في حلقها إذا اذاه القمل أو غيره من الاوجاع وفيه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته باحوالهم وتفقده لهم وإذا رأى ببعض أتباعه ضررا سأل عنه وارشده إلى المخرج منه واستنبط منه بعض المالكية إيجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر فإن ايجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره ومن قال الشافعي والجمهور لا يتخير العامد بل يلزمه الدم وخالف في ذلك أكثر المالكية واحتج لهم القرطبي بقوله في حديث كعب أو أذبح نسكا قال فهذا يدل على أنه ليس بهدى قال فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء قلت لا دلالة فيه إذا لا يلزم من تسميتها نسكا أو نسيكة أن لا تسمى هديا أو لا تعطى حكم الهدى وقد وقع تسميتها هديا في الباب الأخير حيث قال أو تهدى شاة وفي رواية مسلم واهد هديا وفي رواية للطبرى هل لك هدى قلت لا أجد فظهر أن ذلك من تصرف الرواة ويؤيده قوله في رواية مسلم أو اذبح شاة واستدل به على أن الفدية لا يتعين لها مكان وبه قال أكثر التابعين وقال الحسن تتعين مكة وقال مجاهد النسك بمكة ومنى والاطعام بمكة والصيام حيث شاء وقريب منه قول الشافعي وأبي حنيفة الدم والاطعام لأهل الحرم والصيام حيث شاء إذ لا منفعة فيه لأهل الحرم والحق بعض أصحاب أبي حنيفة وأبو بكر بن الجهم من المالكية والاطعام بالصيام واستدل به على أن الحج على التراخي لأن حديث كعب دل على أن نزول قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله كان بالحديبية وهي في سنة ست وفيه بحث والله أعلم

صقوله باب قول الله عز وجل فلا رفث ذكر فيه حديث أبي هريرة من حج البيت فلم يرفث أورده من طريق شعبة عن منصور عن أبي حازم عنه ثم قال باب قول الله عز وجل ولا فسوق ولا جدال في الحج وذكر الحديث بعينه لكن من طريق سفيان وهو الثوري عن منصور بهذا السند وليس بين السياقين اختلاف الا في

[ 1723 ] قوله في رواية شعبة كما ولدته أمه وفي رواية سفيان كيوم ولدته أمه وأبو حازم المذكور في الموضعين هو سلمان مولى عزة الاشجعية وصرح منصور بسماعه له في رواية أبي حازم من شعبة فانتفى بذلك تعليل من اعله بالاختلاف على منصور لأن البهيقى أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلا فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله منصور عن هلال ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة أيضا عن يسار عن أبي حازم وقوله كما ولدته أمه أي عاريا من الذنوب وللترمذي من طريق بن عيينة عن منصور غفر له ما تقدم من ذنبه ولمسلم من رواية جرير عن منصور من أتى هذا البيت وهو أعم من قوله في بقية الروايات من حج ويجوز حمل لفظ حج على ما هو أعلم من الحج والعمرة فتتساوى رواية من أتى من حيث أن الغالب أن إتيانه إنما هو للحج أو للعمرة وقد تقدمت بقية مباحثه في باب فضل الحج المبرور في أوائل كتاب الحج وتقدم تفسير الرفث وما ذكر معه في آخر حديث بن عباس المذكور في باب قول الله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام

قوله باب جزاء الصيد ونحوه وقول الله تعالى ولا تقتلوا الصيد كذا في رواية أبي ذر وأثبت قبل ذلك البسملة ولغيره باب قول الله تعالى الخ بحذف ما قبله قيل السبب في نزول هذه الآية أن أبا اليسر بفتح التحتانية والمهملة قتل حمار وحش وهو محرم في عمرة الحديبية فنزلت حكاه مقاتل في تفسيره ولم يذكر المصنف في رواية أبي ذر في هذه الترجمة حديثا ولعله أشار إلى أنه لم يثبت على شرطه في جزاء الصيد حديث مرفوع قال بن بطال اتفق أئمة الفتوى من أهل الحجاز والعراق وغيرهم على أن المحرم إذا قتل الصيد عمدا أو خطا فعليه الجزاء وخالف أهل الظاهر وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية في الخطا وتمسكوا بقوله تعالى متعمدا فإن مفهومه أن المخطىء بخلافه وهو إحدى الروايتين عن أحمد وعكس الحسن ومجاهد فقالا يجب الجزاء في الخطا دون العمد فيختص الجزاء بالخطا والنقمة بالعمد وعنهما يجب الجزاء على العامد أول مرة فإن عاد كان أعظم لإثمه وعليه النقمة لا الجزاء قال الموفق في المغني لا نعلم أحدا خالف في وجوب الجزاء على العامد غيرهما واختلفوا في الكفارة فقال الأكثر هو مخير كما هو ظاهر الآية وقال الثوري يقدم المثل فإن لم يجد أطعم فإن لم يجد صام وقال سعيد بن جبير إنما الطعام والصيام فيما لا يبلغ ثمن الصيد واتفق الأكثر على تحريم أكل ما صاده المحرم وقال الحسن والثوري وأبو ثور وطائفة يجوز أكله وهو كذبيحة السارق وهو وجه للشافعية وقال الأكثر أيضا أن الحكم في ذلك ما حكم به السلف لا يتجاوز ذلك وما لم يحكموا فيه يستانف فيه الحكم وما اختلفوا فيه يجتهد فيه وقال الثوري الاختيار في ذلك للحكمين في كل زمن وقال مالك يستانف الحكم والخيار إلى المحكوم عليه وله أن يقول للحكمين لا تحكما علي لا بالإطعام وقال الأكثر الواجب في الجزاء نظير الصيد من النعم وقال أبو حنيفة الواجب القيمة ويجوز صرفها في المثل وقال الأكثر في الكبير كبير وفي الصغير صغير وفي الصحيح صحيح وفي الكسير كسير وخالف مالك فقال في الكبير والصغير كبير وفي الصحيح والمعيب صحيح واتفقوا على أن المراد بالصيد ما يجوز أكله للحلال من الحيوان الوحشى وأن لا شيء فيما يجوز قتله واختلفوا في المتولد فألحقه الأكثر بالمأكول ومسائل هذا الباب وفروعه كثيرة جدا فلنقتصر على هذا القدر هنا

قوله باب إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد أكله كذا ثبت لأبي ذر وسقط للباقين فجعلوه من جملة الباب الذي قبله قوله ولم ير بن عباس وأنس بالذبح بأسا وهو في غير الصيد نحو الإبل والغنم والبقر والدجاج والخيل المراد بالذبح ما يذبحه المحرم والأمر ظاهره العموم لكن المصنف خصصه بما ذكر تفقها فإن الصحيح أن حكم ما ذبحه المحرم من الصيد حكم الميتة وقيل يصح مع الحرمة حتى يجوز لغير المحرم أكله وبه قال الحسن البصري وأثر بن عباس وصله عبد الرزاق من طريق عكرمة أن بن عباس أمره أن يذبح جزورا وهو محرم وأما أثر أنس فوصله بن أبي شيبة من طريق الصباح البجلي سألت أنس بن مالك عن المحرم يذبح قال نعم وقوله وهو أي المذبوح الخ من كلام المصنف قاله تفقها وهو متفق عليه فيما عدا الخيل فإنه مخصوص بمن يبيح أكلها قوله يقال عدل مثل فإذا كسرت عدل فهو زنة ذلك وأما تفسير العدل بالفتح بالمثل والكسر بالزنة فهو قول أبي عبيدة في المجاز وغيره وقال الطبري العدل في كلام العرب بالفتح وهو قدر الشيء من غير جنسه والعدل بالكسر قدره من جنسه قال وذهب بعض أهل العلم بكلام العرب إلى أن العدل مصدر من قول القائل عدلت هذا بهذا وقال بعضهم العدل هو القسط في الحق والعدل بالكسر المثل انتهى وقد تقدم شيء من هذا في الزكاة قوله قياما قواما هو قول أبي عبيدة أيضا وقال الطبري أصله الواو فحولت عين الفعل ياء كما قالوا في الصوم صمت صياما وأصله صواما قال الشاعر قيام دنيا وقوام دين فرده إلى أصله قال الطبري فالمعنى جعل الله الكعبة بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر أتباعه يقال فلان قيام البيت وقوامه الذي يقيم شانهم قوله يعدلون يجعلون له عدلا هو متفق عليه بين أهل التفسير ومناسبة إيراده هنا ذكر لفظ العدل في قوله أو عدل ذلك صياما وفي قوله يعدلون فأشار إلى إنهما من مادة واحدة وقوله يجعلون له عدلا أي مثلا تعالى الله عن

[ 1725 ] قولهم قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله عند عبد الله بن أبي قتادة في رواية معاوية بن سلام عن يحيى عند مسلم أخبرني عبد الله بن أبي قتادة قوله انطلق أبي عام الحديبية هكذا ساقه مرسلا وكذا أخرجه مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه أخرجه أحمد عن بن علية عن هشام لكن أخرجه أبو داود الطيالسي عن هشام عن يحيى فقال عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية على بن المبارك عن يحيى المذكورة في الباب الذي يليه أن أباه حدثه وقوله بالحديبية أصح من رواية الواقدي من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة أن ذلك كان في عمرة القضية قوله فاحرم أصحابه ولم يحرم الضمير لأبي قتادة بينه مسلم أحرم أصحابي ولم أحرم وفي رواية على بن المبارك وانبئنا بعدو بغيقة فتوجهنا نحوهم وفي هذا السياق حذف بينته رواية عثمان بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة وهي بعد بابين بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال خذوا ساحل البحر حتى نلتقى فاخذوا ساحل البحر فلما انصرفوا احرموا كلهم الا أبا قتادة وسيأتي الجمع هناك بين قوله في هذه الرواية خرج حاجا وبين قوله في حديث الباب عام الحديبية إن شاء الله تعالى وبين المطلب عن أبي قتادة عن سعيد بن منصور مكان صرفهم ولفظه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغنا الروحاء قوله وحدث بضم أوله على البناء للمجهول وقوله بغيقة أي في غيقة وهو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء قال السكوني هو ماء لبني غفار بين مكة والمدينة وقال يعقوب هو قليب لبني ثعلبة يصب فيه ماء رضوى ويصب هو في البحر وحاصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في عمرة الحديبية فبلغ الروحاء وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلا اخبروه بان عدوا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم أن يقصدوا غرته فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرهم فلما آمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه النبي صلى الله عليه وسلم فأحرموا الا هو فاستمر هو حلالا لأنه إما لم يجاوز الميقات وأما لم يقصد العمرة وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم قال كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم ولا يدرون ما وجهه قال حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه الحديث قال فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة قلت وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وليس كذلك لما بيناه ثم وجدت في صحيح بن حبان والبزار من طريق غياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان فهذا سبب آخر ويحتمل جمعهما والذي يظهر أن أبا قتادة إنما آخر الإحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة فساغ له التاخير وقد استدل بقصة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجا ولا عمرة وقيل كانت هذه القصة قبل أن يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت وأما قول عياض ومن تبعه أن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمونه أن بعض العرب قصدوا الاغارة على المدينة فهو ضعيف مخالف لما ثبت في هذه الطريق الصحيحة طريق عثمان بن موهب الآتية بعد بابين كما أشرت إليها قبل قوله فبينا أبي مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض في رواية علي بن المبارك فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك إلى بعض زاد في رواية أبي حازم وأحبوا لو إني أبصرته هكذا في جميع الطرق والروايات ووقع في رواية العذري في مسلم فجعل بعضهم يضحك إلى فشددت الياء من إلى قال عياض وهو خطأ وتصحيف وإنما سقط عليه لفظة بعض ثم احتج لضعفها بأنهم لو ضحكوا إليه لكانت أكبر إشارة وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه قالوا لا وإذا دل المحرم الحلال على الصيد لم يأكل منه اتفاقا وإنما اختلفوا في وجوب الجزاء انتهى وتعقبه النووي بأنه لا يمكن رد هذه الرواية لصحتها وصحة الرواية الأخرى وليس في واحدة منها دلالة ولا إشارة فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة قال بعض العلماء وإنما ضحكوا تعجبا من عروض الصيد لهم ولا قدرة لهم عليه قلت قوله فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة صحيح ولكن لا يكفي رد دعوى القاضي فإن قوله يضحك بعضهم إلى بعض هو مجرد ضحك وقوله يضحك بعضهم إلى فيه مزيد أمر على مجرد الضحك والفرق بين الموضعين إنهم اشتركوا في رؤيته فاستووا في ضحك بعضهم إلى بعض وأبو قتادة لم يكن رآه فيكون ضحك بعضهم إليه بغير سبب باعثا له على التفطن إلى رؤيته ويؤيد ما قال القاضي ما وقع في رواية أبي النضر عن مولى أبي قتادة كما سيأتي في الصيد بلفظ إذ رأيت الناس متشوقين لشيء فذهبت انظر فإذا هو حمار وحش فقلت ما هذا فقالوا لا ندري فقلت هو حمار وحش فقالوا هو ما رأيت ووقع في حديث أبي سعيد عند البزار والطحاوي وابن حبان في هذه القصة وجاء أبو قتادة وهو حل فنكسوا رءوسهم كراهية أن يحدوا أبصارهم له فيفطن فيراه أه فكيف يظن بهم مع ذلك إنهم ضحكوا إليه فتبين أن الصواب ما قال القاضي وفي قول الشيخ قد صحت الرواية نظر لأن الاختلاف في اثبات هذه اللفظة وحذفها لم يقع في طريقين مختلفين وإنما وقع في سياق إسناد واحد مما عند مسلم فكان مع من أثبت لفظ بعض زيادة علم سالمة من الاشكال فهي مقدمة وبين محمد بن جعفر في روايته عن أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما سيأتي في الهبة أن قصة صيده للحمار كانت بعد أن اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونزلوا في بعض المنازل ولفظه كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرومون وأنا غير محرم وبين في هذه الرواية السبب الموجب لرؤيتهم إياه دون أبي قتادة بقوله فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول اخصف نعلى فلم يؤذنونى به وأحبوا لو أني أبصرته والتفت فأبصرته ووقع في حديث أبي سعيد المذكور أن ذلك وقع وهم بعسفان وفيه نظر والصحيح ما سيأتي بعد باب من طريق صالح بن كيسان عن بن محمد مولى أبي قتادة عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة ومنا المحرم وغير محرم فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش الحديث والقاحة بقاف ومهملة خفيفة بعد الألف موضع قريب من السقيا كما سيأتي قوله فنظرت هذا فيه التفات فان السياق الماضي يقتضي أن يقول فنظر لقوله فبينا أبي مع أصحابه فالتقدير قال أبي فنظرت وهذا يؤيد الرواية الموصولة قوله فإذا أنا بحمار وحش قد تقدم أن رؤيته له كانت متاخرة عن رؤية أصحابه وصرح بذلك فضيل بن سليمان في روايته عن أبي حازم كما سيأتي في الجهاد ولفظه فرأوا حمارا وحشيا قبل أن يراه أبو قتادة فلما رأوه تركوه حتى رآه فركب قوله فحملت عليه في رواية محمد بن جعفر فقمت إلى الفرس فاسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح فقالوا لا والله لا نعينك عليه بشيء فغضبت فنزلت فاخذتهما ثم ركبت وفي رواية فضيل بن سليمان فركب فرسا له يقال له الجرادة فسألهم أن يناولوه سوطه فأبوا فتناوله وفي رواية أبي النضر وكنت نسيت سوطي فقلت لهم ناولوني سوطي فقالوا لا نعينك عليه فنزلت فأخذته ووقع عند النسائي من طريق شعبة بن عثمان بن موهب وعند بن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع وأخرج مسلم اسنادهما كلاهما عن أبي قتادة فاختلس من بعضهم سوطا والرواية الأولى أقوى ويمكن أن يجمع بينهما بأنه رأى في سوط نفسه تقصيرا فأخذ سوط غيره واحتاج إلى اختلاسه لأنه لو طلبه منه اختيارا لامتنع قوله فطعنته فأثبته بالمثلثة ثم الموحدة ثم المثناة أي جعلته ثابتا في مكانه لا حراك به وفي رواية أبي حازم فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات وفي رواية أبي النضر حتى عقرته فأتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا فقالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به قوله فأكلنا من لحمه في رواية فضيل عن أبي حازم فأكلوا فندموا وفي رواية محمد بن جعفر عن أبي حازم فوقعوا يأكلون منه ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبات العضد معي وفي رواية مالك عن أبي النضر فأكل منهم بعضهم وأبي بعضهم وفي حديث أبي سعيد فجعلوا يشوون منه وفي رواية المطلب عن أبي قتادة عن سعيد بن منصور فظللنا نأكل منه ما شئنا طبيخا وشواء ثم تزودنا منه قوله وخشينا أن نقتطع أي نصير مقطوعين عن النبي صلى الله عليه وسلم منفصلين عنه لكونه سبقهم وكذا قوله بعد هذا وخشوا أن يقتطعوا دونك وبين ذلك رواية على بن المبارك عن يحيى عند أبي عوانة بلفظ وخشينا أن يقتطعنا العدو وفيها عند المصنف وإنهم خشوا أن يقتطعهم العدو دونك وهذا يشعر بان سبب اسراع أبي قتادة لادراك النبي صلى الله عليه وسلم خشية على أصحابه أن ينالهم بعض اعدائهم وفي رواية أبي النضر الآتية في الصيد فأبى بعضهم أن يأكل فقلت أنا استوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث ففي هذا سبب أن سبب ادراكه أن يستفتيه عن قصة أكل الحمار ويمكن الجمع بان يكون ذلك بسبب الامرين قوله أرفع بالتخفيف والتشديد أي اكلفه السير وشأوا بالشين المعجمة بعدها همزة ساكنة أي تارة والمراد أنه يركضه تارة ويسير بسهولة أخرى قوله فلقيت رجلا من بني غفار لم اقف على اسمه قوله تركته بتعهن وهو قائل السقيا السقيا بضم المهملة واسكان القاف بعدها تحتانية مقصورة قرية جامعة بين مكة والمدينة وتعهن بكسر المثناة وبفتحها بعدها عين مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون ورواية الأكثر بالكسر وبه قيدها البكري في معجم البلاد ووقع عند الكشميهني بكسر أوله وثالثه ولغيره بفتحهما وحكى أبو ذر الهروي أنه سمعها من العرب بذلك المكان بفتح الهاء ومنهم من يضم التاء ويفتح العين ويكسر الهاء قيل وهو من تغييراتهم والصواب الأول وأغرب أبو موسى المديني فضبطه بضم أوله وثانيه وبتشديد الهاء قال ومنهم من يكسر التاء وأصحاب الحديث يسكنون العين ووقع في رواية الإسماعيلي بدعهن بالدال المهملة بدل المثناة وقوله قائل قال النووي روى بوجهين أصحهما واشهرهما بهمزة بين الألف واللام من القيلولة أي تركته في الليل بتعهن وعزمه أن يقيل بالسقيا فمعنى قوله وهو قائل أي سيقيل والوجه الثاني أنه قابل بالباء الموحدة وهو غريب وكأنه تصحيف فإن صح فمعناه أن تعهن موضع مقابل للسقيا فعلى الأول الضمير في قوله وهو للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني الضمير للموضع وهو تعهن ولا شك أن الأول أصوب وأكثر فائدة وأغرب القرطبي فقال قوله وهو قائل اسم فاعل من القول أو من القائلة والأول هو المراد هنا والسقيا مفعول بفعل مضمر وكأنه كان بتعهن وهو يقول لأصحابه اقصدوا السقيا ووقع عند الإسماعيلي من طريق بن علية عن هشام وهو قائم بالسقيا فأبدل اللام في قائل ميما وزاد الباء في السقيا قال الإسماعيلي الصحيح قائل باللام قلت وزيادة الباء توهى الاحتمال الأخير المذكور قوله فقلت في السياق حذف تقديره فسرت فأدركته فقلت ويوضحه رواية على بن المبارك في الباب الذي يليه بلفظ فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيته فقلت يا رسول الله قوله أن أهلك يقرأون عليك السلام المراد بالأهل هنا الأصحاب بدليل رواية مسلم وأحمد وغيرهما من هذا الوجه بلفظ أن أصحابك قوله فانتظرهم بصيغة فعل الأمر من الانتظار زاد مسلم من هذا الوجه فانتظرهم بصيغة الفعل الماضي منه ومثله لأحمد عن بن علية وفي رواية على بن المبارك فانتظرهم ففعل قوله أصبت حمار وحش وعندي منه فاضلة كذا للأكثر بضاد معجمة أي فضلة قال الخطابي قطعه فضلت منه فهي فاضلة أي باقية قوله فقال للقوم كلوا سيأتي الكلام عليه وعلى ما في الحديث من الفوائد بعد بابين

قوله باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا ففطن الحلال أي لا يكون ذلك منهم إشارة له إلى الصيد فيحل لهم أكل الصيد ويجوز كسر الطاء من فطن وفتحها

[ 1726 ] قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله وأنبئنا بضم أوله أي وأخبرنا قوله فبصر بفتح الموحدة وضم المهملة وفي رواية الكشميهني فنظر بنون وظاء مشالة وعلى هذا فدخول الباء في قوله بحمار وحش مشكل الا أن يقال ضمن نظر معنى بصر أو الباء بمعنى إلى على مذهب من يقول أنها تتناوب قوله أنا اصدنا بتشديد المهملة والدال للأكثر بالادغام وأصله اصطدنا فأبدلت الطاء مثناة ثم ادغمت ولبعضهم بتخفيف الصاد وسكون الدال أي اثرنا من الاصاد وهو الاثارة ولبعضهم صدنا بغير ألف

قوله باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد أي بفعل ولا قول قيل أراد بهذه الترجمة الرد على من فرق من أهل الراى بين الإعانة التي لا يتم الصيد الا بها فتحرم وبين الإعانة التي يتم الصيد بدونها فلا تحرم

[ 1727 ] قوله حدثنا عبد الله هو بن محمد الجعفي المسندي وسفيان هو بن عيينة قوله عن صالح في رواية كريمة وغيرها حدثنا صالح قوله بالقاحة بالقاف والمهملة واد على نحو ميل من السقيا إلى جهة المدينة ويقال لواديها وادي العباديد وقد بين المصنف في الطريق الأولى أنها من المدينة على ثلاث أي ثلاث مراحل قال عياض رواه الناس بالقاف الا القابسي فضبطوه عنه بالفاء وهو تصحيف قلت ووقع عند الجوز في من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان بالصفاح بدل القاحة والصفاح بكسر المهملة بعدها فاء وآخره مهملة وهو تصحيف فإن الصفاح موضع بالروحاء وبين الروحاء وبين السقيا مسافة طويلة وقد تقدم أن الروحاء هو المكان الذي ذهب أبو قتادة وأصحابه منه إلى جهة البحر ثم التقوا بالقاحة وبها وقع له الصيد المذكور وكأنه تاخر هو ورفقته للراحة أو غيرها وتقدمهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى السقيا حتى لحقوه قوله وحدثنا على بن عبد الله هو بن المديني هكذا حول المصنف الإسناد إلى رواية علي للتصريح فيه عن سفيان بقوله حدثنا صالح بن كيسان وقد اعتبرته فوجدته ساق المتن على لفظ على خاصة وهذه عادة المصنف غالبا إذا تحول إلى إسناد ساق المتن على لفظ الثاني قوله عن أبي محمد هو نافع مولى أبي قتادة الذي روى عنه أبو النضر وسيأتي في كتاب الصيد من طريق مالك وغيره عنه ووقع عند مسلم عن بن عمر عن سفيان عن صالح سمعت أبا محمد مولى أبي قتادة وكذا وقع هنا في رواية كريمة ولأحمد من طريق سعد بن إبراهيم سمعت رجلا كان يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولى أي لأبي قتادة وفي رواية بن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة أن نافعا مولى بني غفار فتحصل من ذلك أنه لم يكن مولى لأبي قتادة حقيقة وقد صرح بذلك بن حبان فقال هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية وكان يقال له مولى أبي قتادة نسب إليه ولم يكن مولاه قلت فيحتمل أنه نسب إليه لكونه كان زوج مولاته أو للزومه إياه أو نحو ذلك كما وقع لمقسم مولى بن عباس وغيره والله أعلم قوله يتراءون يتفاعلون من الرؤية قوله فإذا حمار وحسن يعني وقع سوطه فقالوا لا نعينك كذا وقع هنا والشك فيه من البخاري فقد رواه أبو عوانة عن أبي داود الحراني عن على بن المديني بلفظ فإذا حمار وحش فركبت فرسي وأخذت الرمح والسوط فسقط مني السوط فقلت ناولوني فقالوا ليس نعينك عليه بشيء أنا محرمون وفي قولهم أنا محرمون دلالة على أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد قوله فتناولته زاد أبو عوانة بشيء وبهذا يندفع اشكال من قال ذكر التناول بعد الأخذ تكرار أو معناه تكلفت الأخذ فآخذته قوله من وراء أكمة بفتحات هن التل من حجر واحد وقد تقدم ذكرها في الاستسقاء قوله فقال بعضهم كلوا قد تقدم من عدة أوجه أنهم أكلوا والظاهر أنهم أكلوا أول ما أتاهم به ثم طرا عليهم الشك كما في لفظ عثمان بن موهب في الباب الذي يليه فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل من لحم صيد ونحن محرمون وأصرح من ذلك رواية أبي حازم في الهبة بلفظ ثم جئت به فوقعوا فيه يأكلون ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم وفي حديث أبي سعيد فجعلوا يشوون منه ثم قالوا رسول الله بين اظهرنا وكان تقدمهم فلحقوه فسألوه قوله وهو أمامنا بفتح أوله قوله فقال كلوه حلال كذا وقع بحذف المبتدأ وبين ذلك أبو عوانة فقال كلوه فهو حلال وفي رواية مسلم فقال هو حلال فكلوه قوله قال لنا عمرو أي بن دينار وصرح به أبو عوانة في روايته والقائل سفيان والغرض بذلك تاكيد ضبطه له وسماعه له من صالح وهو بن كيسان وقوله ههنا يعني مكة والحاصل أن صالح بن كيسان كان مدنيا فقدم مكة فدل عمرو بن دينار أصحابه عليه ليسمعوا منه وقرأت بخط بعض من تكلم على هذا الحديث ما نصه في قول سفيان قال لنا عمرو الخ اشكال فإن سفيان روى ذلك عن صالح فكيف يقول له عمرو ولمن معه اذهبوا إلى صالح فيحتمل أنه قال ذلك تاكيدا في تجديد سماع سفيان ذلك منه مرة بعد أخرى ويؤخذ منه أن سفيان حدث بذلك عن صالح في حال حياته انتهى وهو احتمال بعيد جدا وزعم أن عمرو بن دينار قال لهم ذلك حين قدم عليهم بالكوفة قال وكأنه سمع سفيان يحدث به عن صالح فصدقه وأكده بما قال وقوله اذهبوا إليه أي إلى صالح بالمدينة الله وهذا أبعد من الأول وما سمعه سفيان من صالح الا بمكة ولم يقدم عمرو الكوفة وإنما قال ذلك لسفيان وهما بمكة وما حدث به سفيان لعلي الا بعد موت صالح وعمرو بمدة طويلة وأراد بقوله قال لنا عمرو اذهبوا الخ كيفية تحمله له من صالح وأنه بدلالة عمرو والله أعلم

قوله باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال أشار المصنف إلى تحريم ذلك ولم يتعرض لوجوب الجزاء في ذلك وهي مسألة خلاف فاتفقوا كما تقدم على تحريم الإشارة إلى الصيد ليصطاد وعلى سائر وجوه الدلالات على المحرم لكن قيده أبو حنيفة بما إذا لم يمكن الاصطياد بدونها واختلفوا في وجوب الجزاء على المحرم إذا الحلال على الصيد بإشارة أو غيرها أو أعان عليه فقال الكوفيون وأحمد وإسحاق يضمن المحرم ذلك وقال مالك والشافعي لا ضمان عليه كما لو دل الحلال حلالا على قتل صيد في الحرم قالوا ولا حجة في حديث الباب لأن السؤال عن الإعانة والإشارة إنما وقع ليبين لهم هل يحل لهم أكله أو لا ولم يتعرض لذكر الجزاء واحتج الموفق بأنه قول علي وابن عباس ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة وأجيب بأنه اختلف فيه على بن عباس وفي ثبوته عن على نظر ولان القاتل انفرد بقتله باختياره مع انفصال الدال عنه فصار كمن دل محرما أو صائما على امرأة فوطئها فإنه يأثم بالدلالة ولا يلزمه كفارة ولا يفطر بذلك

[ 1728 ] قوله حدثنا عثمان هو بن موهب بفتح الهاء وموهب جده وهو عثمان بن عبد الله التيمي مدني تابعي ثقة روى هنا عن تابعي أكبر منه قليلا قوله خرج حاجا قال الإسماعيلي هذا غلط فإن القصة كانت في عمرة وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر ولعل الراوي أراد خرج محرما فعبر عن الإحرام بالحج غلطا قلت لا غلط في ذلك بل هو من المجاز السائغ وأيضا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال خرج قاصدا للبيت ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ خرج حاجا أو معتمرا أخرجه البيهقي فتبين أن الشك فيه من أبي عوانة وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية وهذا هو المعتمد قوله الا أبا قتادة كذا الكشميهني ولغيره الا أبو قتادة بالرفع ووقع بالنصب عند مسلم وغيره من هذا الوجه قال بن مالك في التوضيح حق المستثنى بالا من كلام تام موجب أن ينصب مفردا كان أو مكملا معناه بما بعده فالمفرد نحو قوله تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين والمكمل نحو أنا لمنجوهم أجمعين الا امرأته قدرنا أنها لمن الغابرين ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع الا النصب وقد اغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء مع ثبوت الخبر ومع حذفه فمن أمثلة الثابت الخبر قول أبي قتادة احرموا كلهم الا أبو قتادة لم يحرم فالا بمعنى لكن وأبو قتادة مبتدأ ولم يحرم خبره ونظيره من كتاب الله تعالى ولا يلتفت منكم أحد الا امرأتك أنه مصيبها ما أصابهم فإنه لا يصح أن يجعل امرأتك بدلا من أحد لأنها لم تسر معهم فيتضمنها ضمير المخاطبين وتكلف بعضهم بأنه وأن لم يسر بها لكنها شعرت بالعذاب فتبعتهم ثم التفتت فهلكت قال وهذا على تقدير صحته لا يوجب دخولها في المخاطبين ومن أمثلة المحذوف الخبر قوله صلى الله عليه وسلم كل أمتي معافى الا المجاهرون أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون ومنه من كتاب الله تعالى قوله تعالى فشربوا منه الا قليل منهم أي لكن قليل منهم لم يشربوا قال وللكوفيين في هذا الثاني مذهب آخر وهو أن يجعلوا الا حرف عطف وما بعدها معطوف على ما قبلها أه وفي نسبة الكلام المذكور لابن أبي قتادة دون أبي قتادة نظر فإن سياق الحديث ظاهر في أن قوله قول أبي قتادة حيث قال أن أباه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة إلى أن قال احرموا كلهم الا أبو قتادة وقول أبي قتادة فيهم أبو قتادة من باب التجريد وكذا قوله الا أبو قتادة ولا حاجة إلى جعله من قول ابنه لأنه يستلزم أن يكون الحديث مرسلا ومن توجيه الرواية المذكورة وهي قوله الا أبو قتادة أن يكون على مذهب من يقول على بن أبو طالب قوله فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا في هذا السياق زيادة على جميع الروايات لأنها متفقة على افراد الحمار بالرؤية وافادت هذه الرواية أنه من جملة الحمر وأن المقتول كان أتانا أي أنثى فعلى هذا في إطلاق الحمار عليها تجوز قوله فحملنا ما بقي من لحم الأتان وفي رواية أبي حازم الآتية للصنف في الهبة فرحنا وخبات العضد معي وفيه معكم منه شيء فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وله في الجهاد قال معنا رجله فأخذها فأكلها وفي رواية المطلب قد رفعنا لك الذراع فأكل منها قوله قال امنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا وفي رواية مسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء وله من طريق شعبة عن عثمان هل أشرتم أو أعنتم أو اصطدتم ولأبي عوانة من هذا الوجه أشرتم أو اصطدتم أو قتلتم قوله قال فكلوا ما بقي من لحمها صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال ولم يذكر في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها وذكره في روايتي أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما تراه ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد الله بن أبي قتادة غيره ووافقه صالح بن حسان عند أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة ولفظه فقال كلوا واطعمونى وكذا لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي قتادة نفسه الا المطلب عن سعيد بن منصور ووقع لنا من رواية أبي محمد وعطاء بن يسار وأبي صالح كما سيأتي في الصيد ومن رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن إسحاق ومن رواية عبادة بن تميم وسعد بن إبراهيم عند أحمد وتفرد معمر عن يحيى بن أبي كثير بزيادة مضادة لروايتى أبي حازم كما أخرجه إسحاق وابن خزيمة والدارقطني من طريقه وقال في آخره فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت إنما اصطدته لك فأمر أصحابه فاكلوه ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له قال بن خزيمة وأبو بكر النيسابوري والدارقطني والجوزقي تفرد بهذه الزيادة معمر قال بن خزيمة أن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله فلما أعلمه امتنع أه وفيه نظر لأنه لو كان حراما ما أقر النبي صلى الله عليه وسلم على الأكل منه الى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز فان الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله وأما إذا أتى بلحم لا يدري ألحم صيد أو لا فحمله على أصل الإباحة فأكل منه لم يكن ذلك حراما على الآكل وعندي بعد ذلك فيه وقفة فإن الروايات المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد وأنه صلى الله عليه وسلم أكلها حتى تعرقها أي لم يبق منها إلى العظم ووقع عند البخاري في الهبة حتى نفدها أي فرغها فأي شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله لكن رواية أبي محمد الآتية في الصيد أبقى معكم شيء منه قلت نعم قال كلوا فهو طعمه اطعمكموها الله فاشعر بأنه بقي منها غير العضد والله أعلم وسيأتي البحث في حكم ما يصيده الحلال بالنسبة إلى المحرم في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى وفي حديث أبي قتادة من الفوائد أن تمنى المحرم أن يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه لا يقدح في إحرامه وأن الحلال إذا صاد لنفسه جاز للمحرم الأكل من صيده وهذا يقوي من حمل الصيد في قوله تعالى وحرم عليكم صيد البر على الاصطياد وفيه الاستيهاب من الاصدقاء وقبول الهدية من الصديق وقال عياض عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي قتادة ذلك تطييبا لقلب من أكل منه بيانا للجواز بالقول والفعل لإزالة الشبهة التي حصلت لهم وفيه تسمية الفرس والحق المصنف به الحمار فترجم له في الجهاد وقال بن العربي قالوا تجوز التسمية لما لا يعقل وأن كان لا يتفطن له ولا يجيب إذا نودي مع أن بعض الحيوانات ربما ادمن على ذلك بحيث يصير يميز اسمه إذا دعي به وفيه إمساك نصيب الرفيق الغائب ممن يتعين احترامه أو ترجى بركته أو يتوقع منه ظهور حكم تلك المسألة بخصوصها وفيه تفريق الإمام أصحابه للمصلحة واستعمال الطليعة في الغزو وتبليغ السلام عن قرب وعن بعد وليس فيه دلالة على جواز ترك رد السلام ممن بلغه لأنه يحتمل أن يكون وقع ليس في الخبر ما ينفيه وفيه أن عقر الصيد ذكاته وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال بن العربي هو اجتهاد بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضرته وفيه العمل بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان ولا يعاب واحد منهما على ذلك لقوله فلم يعب ذلك علينا وكان الأكل تمسك بأصل الإباحة والممتنع نظر إلى الأمر الطارىء وفيه الرجوع إلى النص عند تعارض الأدلة وركض الفرس في الاصطياد والتصيد في الأماكن الوعرة والاستعانة بالفارس وحمل الزاد في السفر والرفق بالاصحاب والرفقاء في السير واستعمال الكناية في الفعل كما تستعمل في القول لأنهم استعملوا الضحك في موضع الإشارة لما اعتقدوه من أن الإشارة لا تحل وفيه جواز سوق الفرس للحاجة والرفق به مع ذلك لقوله وأسير شأوا ونزول المسافر وقت القائلة وفيه ذكر الحكم صح الحكمة في قوله إنما هي طعمة اطعمكموها الله تكملة لا يجوز للمحرم قتل الصيد الا أن صال عليه فقتله دفعا فيجوز ولا ضمان عليه والله أعلم

قوله باب إذا أهدي أي الحلال للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل كذا قيده في الترجمة بكونه حيا وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل على أنه كان مذبوحا موهمة وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى

[ 1729 ] قوله عن بن شهاب الخ لم يختلف على مالك في سياقه معنعنا وأنه من مسند الصعب الا ما وقع في الموطأ بن وهب فإنه قال في روايته عن بن عباس أن الصعب بن جثامة أهدى فجعله من مسند بن عباس نبه على ذلك الدارقطني في الموطآت وكذا أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال أهدى الصعب والمحفوظ في حديث مالك الأول وسيأتي للصنف في الهبة من طريق شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله أن بن عباس أخبره أنه سمع الصعب وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أنه أهدى والصعب بفتح الصاد وسكون العين والمهملتين بعدها موحدة وأبو جثامة بفتح الجيم وتثقيل المثلثة وهو من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وكان بن أخت أبي سفيان بن حرب أمه زينب بنت حرب بن أمية وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عوف بن مالك قوله حمارا وحشيا لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك وتابعه عامة الرواة عن الزهري وخالفهم بن عيينة عن الزهري فقال لحم حمار وحش أخرجه مسلم لكن بين الحميدي صاحب سفيان أنه كان يقول في هذا الحديث حمار وحش ثم صار يقول لحم حمار وحش فدل على اضطرابه فيه وقد توبع على قوله لحم حمار وحش من أوجه فيها مقال منها ما أخرجه الطبراني من طريق عمرو بن دينار عن الزهري لكن إسناده ضعيف وقال إسحاق في مسنده أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري فقال لحم حمار وقد خالفه خالد الواسطي عن محمد بن عمرو فقال حمار وحش كالأكثر أخرجه الطبراني من طريق بن إسحاق عن الزهري فقال رجل حمار وحش وابن إسحاق حسن الحديث الا أنه لا يحتج به إذا خولف ويدل على وهم من قال فيه عن الزهري ذلك بن جريج قال قلت للزهري الحمار عقير قال لا أدري أخرجه بن خزيمة وابن عوانة في صحيحيهما وقد جاء عن بن عباس من وجه آخر أن الذي اهداه الصعب لحم حمار فأخرجه مسلم من طريق الحاكم عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أهدى الصعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار وفي رواية عنده عجز حمار وحش يقطر دما أخرجه أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد قال تارة حمار وحش وتارة شق حمار ويقوى ذلك ما أخرجه مسلم أيضا من طريق طاوس عن بن عباس قال قدم زيد بن أرقم فقال له عبد الله بن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام قال أهدى له عضو من لحم صيد فرده وقال أنا لا نأكله أنا حرم أخرجه أبو داود وابن حبان من طريق عطاء عن بن عباس أنه قال يا زيد بن أرقم هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره واتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه الا ما رواه بن وهب والبهيقى من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم قال البهيقى أن كان هذا محفوظا فلعله رد الحي وقبل اللحم قلت وفي هذا الجمع نظر لما بينته فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله وقد قال الشافعي في الأم أن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي وأن كان أهدي له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر وهو حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان وقال القرطبي يحتمل أن يكون الصعب احضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا لا حيا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم وقال ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا قال ويحتمل أنه اهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزاء من الصيد حكم الكل قال والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات وقال النووي ترجم البخاري بكون الحمار حيا وليس في سياق الحديث تصريح بذلك وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك وهو باطل لأن الروايات التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح انتهى وإذا تأملت ما تقدم لم يحسن إطلاقه بطلان التأويل المذكور ولا سيما في رواية الزهري التي هي عمدة هذا الباب وقد قال الشافعي في الأم حديث مالك أن الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار وقال الترمذي روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش وهو غير محفوظ قوله بالأبواء بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد جبل من عمل الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهلمة قيل سمي الأبواء لوبائه على القلب وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحمله قوله أو بوادان شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال وآخرها نون موضع بقرب الجحفة وقد سبق في حديث عمرو بن أمية أنه كان بالجحفة وودان أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتى من المدينة ثلاثة وعشرين ميلا ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال وبالشك جزم أكثر الرواة وجزم بن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمرو بالأبواء والذي يظهر لي أن الشك فيه من بن عباس لأن الطبراني أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشك أيضا قوله فلما رأى ما في وجهه في رواية شعيب فلما عرف في وجهي رده هديتي وفي رواية الليث عن الزهري عند الترمذي فلما رأى ما في وجهه من الكراهية وكذا لابن خزيمة من طريق بن جريج المذكورة قوله أنا لم نرده عليك في رواية شعيب وابن جريج ليس بنا رد عليك وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند الطبراني أنا لم نرده عليك كراهية له ولكنا حرم قال عياض ضبطناه في الروايات لم نرده بفتح الدال وأبى ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف من المجزوم يراعى فيه الواو التي توجبها له ضمة الهاء بعدها قال وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف واوهم صنيعه أنه فصيح واجازوا أيضا الكسر وهو أضعف الأوجه قلت ووقع في رواية الكشميهني بفك الإدغام لم نردده بضم الأولى وسكون الثانية ولا اشكال فيه قوله الا أنا حرم زاد صالح بن كيسان عند النسائي لا نأكل الصيد وفي رواية سعيد عن بن عباس لولا أنا محرمون لقبلناه منك واستدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة وهو قول على وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب هذا ولما أخرجه أبو داود وغيره من حديث على أنه قال لناس من أشجع أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله قالوا نعم لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم أيضا من حديث طلحة أنه أهدى له لحم طير وهو محرم فوقف من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله وحديث عمير بن سلمة أن البهزي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ظبيا وهو محرم فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وغيره وبالجواز مطلقا قال الكوفيون وطائفة من السلف وجمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدى منه للمحرم وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم قالوا والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له الا إذا كان محرما فبين الشرط الاصلى وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه وقد بينه في الأحاديث الآخر ويؤيد هذا الجمع حديث جابر مرفوعا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة قلت وقد تقدم أن عند النسائي من رواية صالح بن كيسان أنا حرم لا نأكل الصيد فبين العلتين جميعا وجاء عن مالك تفصيل آخر بين ما صيد للمحرم قبل إحرامه يجوز له الأكل منه أو بعد إحرامه فلا وعن عثمان التفصيل بين ما يصاد لأجله من المحرمين فيمتنع عليه ولا يمتنع على محرم آخر وقال بن المنير في الحاشية حديث الصعب يشكل على مالك لأنه يقول ما صيد من أجل المحرم يحرم على المحرم وعلى غير المحرم فيمكن أن يقال قوله فرده عليه لا يستلزم أنه أباح له أكله بل يجوز أن يكون أمره بإرساله أن كان حيا وطرحه أن كان مذبوحا فإن السكوت عن الحكم لا يدل على الحكم بضده وتعقب بأنه وقت البيان فلو لم يجز له الانتفاع به لم يرده عليه أصلا اذلا اختصاص له به وفي حديث الصعب الحكم بالعلامة لقوله فلما رأى ما في وجهي وفيه جواز رد الهدية لعلة وترجم له المصنف من رد الهدية لعلة وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبا لقلب المهدي وأن الهبة لا تدخل في الملك الا بالقبول وأن قدرته على تملكها لا تصيره مالكا لها وأن على المحرم أن يرسل ما في يده من الصيد الممتنع عليه اصطياده

قوله باب ما يقتل المحرم من الدواب أي مما لا يجب عليه فيه الجزاء وذكر المصنف فيه ثلاثة أحاديث الأول منها اختلف فيه على بن عمر فساقه المصنف على الاختلاف كما سابينه

[ 1730 ] قوله خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح كذا أورده مختصرا وأحال به على طريق سالم وهو في الموطأ وتمامه الغراب والحداة والعقرب والفارة والكلب العقور قوله وعن عبد الله بن دينار هو معطوف على الطريق الأولى وهو في الموطأ كذلك عن نافع عن بن عمر وعن عبد الله بن دينار عن بن عمر وقد أورده المصنف في بدء الخلق عن القعنبي عن مالك وساق لفظه مثله سواء وكذا أخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار أخرجه أحمد من طريق شعبة عن عبد الله بن دينار فقال الحية بدل العقرب قوله عن زيد بن جبير هو الطائي الكوفي ليس له في الصحيح رواية عن غير بن عمر ولا له فيه الا هذا الحديث وآخر تقدم في المواقيت وقد خالف نافعا وعبد الله بن دينار في إدخال الواسطة بين بن عمر وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ووافق سالما الا أن زيدا ابهمها وسالما سماها قوله حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقتل المحرم كذا ساق منه هذا القدر وأحال به على الطريق التي بعده وفيه إشارة منه إلى تفسير المبهمة فيه بأنها المسماة في الرواية الأخرى فقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي خليفة عن مسدد بإسناد البخاري وبقيته كرواية حفصة الا أن فيه تقديما وتاخيرا في بعض الأسماء أخرجه مسلم عن شيبان عن أبي عوانة فزاد فيه أشياء ولفظه سأل رجل بن عمر ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم فقال حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفارة والعقرب والحداة والغراب والحية قال وفي الصلاة أيضا فلم يقل في أوله خمسا وزاد الحية وزاد في آخره ذكر الصلاة لينبه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال وسأذكر البحث في ذلك ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق فقد أخرجه مسلم من طريق زهير بن معاوية والإسماعيلي من طريق إسرائيل كلاهما عن زيد بن جبير بدونها

[ 1731 ] قوله عن يونس هو بن يزيد قوله عن سالم في رواية مسلم أخبرني سالم أخرجه عن حرملة عن بن وهب قوله قال عبد الله في رواية مسلم قال لي عبد الله وفي رواية الإسماعيلي عن سالم عن أبيه أخرجه من طريق إبراهيم بن المنذر عن بن وهب قوله قالت حفصة في رواية الإسماعيلي عن حفصة وهذا والذي قبله قد يوهم أن عبد الله بن عمر ما سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن وقع في بعض طرق نافع عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم من طريق بن جريج قال أخبرني نافع وقال مسلم بعده لم يقل أحد عن نافع عن بن عمر سمعت الا بن جريج وتابعه محمد بن إسحاق ثم ساقه من طريق بن إسحاق عن نافع كذلك فالظاهر أن بن عمر سمعه من أخته حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه أيضا من النبي صلى الله عليه وسلم يحدث به حين سئل عن فقد وقع عند أحمد من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر قال نادى رجل ولأبي عوانة في المستخرج من هذا الوجه أن أعرابيا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقتل من الدواب إذا احرمنا والظاهر أن المبهمة في رواية زيد بن جبير هي حفصة ويحتمل أن تكون عائشة وقد رواه بن عيينة عن بن شهاب فأسقط حفصة من الإسناد والصواب إثباتها في رواية سالم والله أعلم الحديث الثاني حديث عائشة في المعنى

[ 1732 ] قوله أخبرني يونس هو بن يزيد أيضا وظهر بهذا أن لابن وهب عنه عن الزهري فيه اسنادين سالم عن أبيه عن حفصة وعروة عن عائشة وقد كان بن عيينة ينكر طريق الزهري عن عروة قال الحميدي عن سفيان حدثنا والله الزهري عن سالم عن أبيه فقيل له إن معمرا يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة فقال حدثنا والله الزهري لم يذكر عروة قلت وطريق معمر المشار إليها أوردها المصنف في بدء الخلق من طريق يزيد بن زريع عنه ورواها النسائي من طريق عبد الرزاق قال عبد الرزاق ذكر بعض أصحابنا أن معمرا كان يذكره عن الزهري عن سالم عن أبيه وعن عروة عن عائشة وطريق الزهري عن عروة رواها أيضا شعيب بن أبي حمزة عند أحمد وأبان بن صالح عند النسائي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وقد تابع الزهري عن عروة هشام بن عروة أخرجه مسلم أيضا قوله خمس التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد وليس بحجة عند الأكثر وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم فقد ورد في بعض طرق عائشة بلفظ أربع وفي بعض طرقها بلفظ ست فأما طريق أربع فأخرجها مسلم من طريق القاسم عنها فاسقط العقرب وأما طريق ست فأخرجها أبو عوانة في المستخرج من طريق المحاربي عن هشام عن أبيه عنها فاثبتها وزاد الحية ويشهد لها طريق شيبان التي تقدمت من عند مسلم وإن كانت خالية عن العدد وأغرب عياض فقال وفي غير كتاب مسلم ذكر الأفعى فصارت سبعا وتعقب بان الأفعى داخلة في مسمى الحية والحديث الذي ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة في المستخرج من طريق بن عون عن نافع في آخر حديث الباب قال قلت لنافع فالافعى قال ومن يشك في الأفعى أه وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان وزاد السبع العادي فصارت سبعا وفي حديث أبي هريرة عند بن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة فتصير بهذا الاعتبار تسعا لكن أفاد بن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي الكلب العقور ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه بن أبي شيبة وسعيد بن المنصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقتل المحرم الحية والذئب ورجاله ثقات وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطاة عن وبرة عن بن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم وحجاج ضعيف وخالفه مسعر عن وبرة فرواه موقوفا أخرجه بن أبي شيبة فهذا جميع ما وقفت عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة ولا يخلو شيء من ذلك من مقال والله أعلم قوله من الدواب بتشديد الموحدة جمع دابة وهو ما دب من الحيوان وقد أخرج بعضهم منها الطير لقوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الآية وهذا الحديث يرد عليه فإنه ذكر في الدواب الخمس والغراب والحداة ويدل على دخول الطير أيضا عموم قوله تعالى وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها وقوله تعالى وكأين من دابة لا تحمل رزقها الآية وفي حديث أبي هريرة عند مسلم في صفة بدء الخلق وخلق الدواب يوم الخميس ولم يفرد الطير بذكر وقد تصرف أهل العرف في الدابة فمنهم من يخصها بالحمار ومنهم من يخصها بالفرس وفائدة ذلك تظهر في الحلف قوله كلهن فاسق يقتلن قيل فاسق صفة لكل وفي يقتلن ضمير راجع إلى معنى كل ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه كلها فواسق وفي رواية معمر التي في بدء الخلق خمس فواسق قال النووي هو بإضافة خمس لا بتنوينه وجوز بن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني فإنه قال رواية الإضافة تشعر بالتخصيص فيخالفها غيرها في الحكم من طريق المفهوم ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى فيشعر بان الحكم المرتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفا وهو الفسق فيدخل فيه كل فاسق من الدواب ويؤيده رواية يونس التي في حديث الباب قال النووي وغيره تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة فإن أصل الفسق لغة الخروج ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها وقوله تعالى ففسق عن أمر ربه أي خرج وسمي الرجل فاسقا لخروجه عن طاعة ربه فهو خروج مخصوص وزعم بن الأعرابي أنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا شعرهم فاسق يعني بالمعنى الشرعى وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله وقيل في حل أكله لقوله تعالى أو فسقا أهل لغير الله به وقوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وقيل لخروجها عن حكم غيرها بالايذاء والافساد وعدم الانتفاع ومن ثم اختلف أهل الفتوى فمن قال بالأول الحق بالخمس كل ما جاز قتله للحلال في الحرم وفي الحل ومن قال بالثاني الحق ما لا يؤكل الا ما نهى عن قتله وهذا قد يجامع الأول ومن قال بالثالث يخص الإلحاق بما يحصل منه الافساد ووقع في حديث أبي سعيد عند بن ماجة قيل له لم قيل للفارة فويسقة فقال لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفساق وهو يرجع لقول الأخير والله أعلم قوله يقتلن في الحرم تقدم في رواية نافع بلفظ ليس على المحرم في قتلهن جناح وعرف بذلك أن لا إثم في قتلها على المحرم ولا في الحرم ويؤحذ منه جواز ذلك للحلال وفي الحل من باب الأولى وقد وقع ذكر الحل صريحا عند مسلم من طريق معمر عن الزهري عن عروة بلفظ يقتلن في الحل والحرم ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع وهو الإحرام فهو بالجواز أولى ثم إنه ليس في نفى الجناح وكذا الحرج في طريق سالم دلالة على ارجحية الفعل على الترك لكن ورد في طريق زيد بن جبير عند مسلم بلفظ أمر وكذا في طريق معمر ولأبي عوانة من طريق بن نمير عن هشام عن أبيه بلفظ ليقتل المحرم وظاهر الأمر الوجوب ويحتمل الندب والاباحة وروى البزار من طريق أبي رافع قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته إذ ضرب شيئا فإذا هي عقرب فقتلها وأمر بقتل العقرب والحية والفأرة والحدأة للمحرم لكن هذا الأمر ورد بعد الحظر لعموم نهى المحرم عن القتل فلا يكون للوجوب ولا للندب ويؤيد ذلك رواية الليث عن نافع بلفظ أذن أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة لكن لم يسق مسلم لفظه وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره خمس قتلهن حلال للمحرم قوله الغراب زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة عند مسلم الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث كما حكاه بن المنذر وغيره ثم وجدت بن خزيمة قد صرح باختياره وهو قضية حمل المطلق على المقيد وأجاب بن بطال بان هذه الزيادة لا تصح لأنها من رواية قتادة عن سعيد وهو مدلس وقد شذ بذلك وقال بن عبد البر لا تثبت هذه الزيادة وقال بن قدامة الروايات المطلقة أصح وفي جميع هذا التعليل نظر أما دعوى التدليس فمردودة بان شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين الا ما هو مسموع لهم وهذا من رواية شعبة بل صرح النسائي في روايته من طريق النضر بن شميل عن شعبة بسماع قتادة وأما نفى الثبوت فمردود بإخراج مسلم وأما الترجيح فليس من شرط قبول الزيادة بل الزيادة مقبولة من الثقة الحافظ وهو كذلك هنا نعم قال بن قدامة يلتحق بالابقع ما شاركه في الايذاء وتحريم الأكل وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع ويقال له الزاغ وأفتوا بجواز أكله فبقي ما عداه من الغربان ملتحقا بالابقع ومنها الغداف على الصحيح في الروضة بخلاف تصحيح الرافعي وسمى بن قدامة الغداف غراب البين والمعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع قيل سمي غراب البين لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض فلقى جيفة فوقع عليها ولم يرجع إلى نوح وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به فكانوا إذا نعب مرتين قالوا آذن بشر وإذا نعب ثلاثا قالوا آذن بخير فأبطل الإسلام ذلك وكان بن عباس إذا سمع الغراب قال اللهم لا طير الا طيرك ولا خير الا خيرك ولا إله غيرك وقال صاحب الهداية المراد بالغراب في الحديث الغداف والابقع لأنهما يأكلان الجيف وأما غراب الزرع فلا وكذا استثناه بن قدامة وما أظن فيه خلافا وعليه يحمل ما جاء في حديث أبي سعيد عند أبي داود إن صح حيث قال فيه ويرمى الغراب ولا يقتله وروى بن المنذر وغيره نحوه عن على ومجاهد قال بن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام الا ما جاء عن عطاء قال في محرم كسر قرن غراب فقال إن أدماه فعليه الجزاء وقال الخطابي لم يتابع أحد عطاء على هذا انتهى ويحتمل أن يكون مراده غراب الزرع وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحداة هل يتقيد جواز قتلهما بان يبتدئا بالأذى وهل يختص ذلك بكبارها والمشهور عنهم كما قال بن شاس لا فرق وفاقا للجمهور ومن أنواع الغربان الاعصم وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة وله ذكر في قصة حفر عبد المطلب لزمزم وحكمه حكم الأبقع ومنها العقعق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب قيل سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم وبهذا يظهر أنه نوع من الغربان والعرب تتشاءم به أيضا ووقع في فتاوى قاضيخان الحنفي من خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع كفر وحكمه حكم الأبقع على الصحيح وقيل حكم غراب الزرع وقال أحمد إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به قوله والحدأ بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد وحكى صاحب المحكم المد فيه ندورا ووقع في رواية الكشميهني في حديث عائشة الحدأة بزيادة هاء بلفظ الواحدة وليست للتأنيث بل هي كالهاء في الثمرة وحكى الأزهري فيها حدوة بواو بدل الهمزة وسيأتى في بدء الخلق من حديثها بلفظ الحديا بضم أوله وتشديد التحتانية مقصور ومثله لمسلم في رواية هشام بن عروة عن أبيه قال قال قاسم بن ثابت الوجه فيه الهمزة وكأنه سهل ثم ادغم وقيل هي لغة حجازية وغيرهم يقول حدية وقد تقدم ذكرها في الكلام على الغراب ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران ويقال إنها لا تختطف الا من جهة اليمن وقد مضى لها ذكر في الصلاة في قصة صاحبة الوشاح تنبيه يلتبس بالحد الحدأة بفتح أوله فاس له راسان قوله والعقرب هذا اللفظ للذكر والأنثى وقد يقال عقربة وعقرباء وليس منها العقربان بل هي دويبة طويلة كثيرة القوائم قال صاحب المحكم ويقال إن عينها في ظهرها وإنها لا تضر ميتا ولا نائما حتى يتحرك ويقال لدغته العقرب بالغين المعجمة ولسعته بالمهملتين وقد تقدم اختلاف الرواة في ذكر الحية بدلها في حديث الباب ومن جمعهما والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبه باحداهما على الأخرى عند الاقتصار وبين حكمهما معا حيث جمع قال بن المنذر لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب وقال نافع لما قيل له فالحية قال لا يختلف فيها وفي رواية ومن يشك فيها وتعقبه بن عبد البر بما أخرجه بن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحمادا فقالا لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب قال ومن حجتهما أنهما من هوام الأرض فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام وهذا اعتلال لا معنى له نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى قوله والفأر بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم الا ما حكى عن إبراهيم النخعي فإنه قال فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه بن المنذر وقال هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم وروى البيهقي بإسناد صحيح عن حماد بن زيد قال لما ذكروا له هذا القول ما كان بالكوفة افحش ردا للاثار من إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها ولا أحسن أتباعا لها من الشعبي لكثرة ما سمع ونقل بن شاس عن المالكية خلافا في جواز قتل الصغير منها الذي لا يتمكن من الأذى والفار أنواع منها الجرذ بالجيم بوزن عمر والخلد بضم المعجمة وسكون اللام وفارة الإبل وفارة المسك وفارة الغيط وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء وسيأتي في الأدب إطلاق الفويسقة عليها من حديث جابر وتقدم سبب تسميتها بذلك من حديث أبي سعيد وقيل إنما سميت بذلك لأنها قطعت حبال سفينة نوح والله أعلم قوله والكلب العقور الكلب معروف والأنثى كلبة والجمع اكلب و كلاب وكليب بالفتح كأعبد وعباد وعبيد وفي الكلب بهيمية سبعية كأنه مركب وفيه منافع للحراسة والصيد كما سيأتي في بابه وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره وقيل إن أول من اتخذه للحراسة نوح عليه السلام وقد سبق البحث في نجاسته في كتاب الطهارة ويأتي في بدء الخلق جملة من خصاله واختلف العلماء في المراد به هنا وهل لوصفه بكونه عقورا مفهوم أو لا فروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أبي هريرة قال الكلب العقور الأسد وعن سفيان عن زيد بن أسلم أنهم سألوه عن الكلب العقور فقال وأي كلب اعقر من الحية وقال زفر المراد بالكلب العقور هنا الذئب خاصة وقال مالك في الموطأ كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو العقور وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وهو قول الجمهور وقال أبو حنيفة المراد بالكلب هنا الكلب خاصة ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب واحتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فقتله الأسد وهو حديث حسن أخرجه الحاكم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه واحتج بقوله تعالى وما علمتم من الجوارح مكلبين فاشتقها من اسم الكلب فلهذا قيل لكل جارح عقور واحتج الطحاوي للحنفية بان العلماء اتفقوا على تحريم قتل البازي والصقر وهما من سباع الطير فدل ذلك على اختصاص التحريم بالغراب والحداة وكذلك يختص التحريم بالكلب وما شاركه في صفته وهو الذئب وتعقب برد الاتفاق فإن مخالفيهم اجازوا قتل كل ما عدا وافترس فيدخل فيه الصقر وغيره بل معظمهم قال يلتحق بالخمس كل ما نهى عن أكله الا ما نهى عن قتله واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه فصرح بتحريم قتله القاضيان حسين والماوردى وغيرهما ووقع في الأم للشافعي الجواز واختلف كلام النووي فقال في البيع من شرح المهذب لا خلاف بين أصحابنا في أنه محترم لا يجوز قتله وقال في التيمم والغصب أنه غير محترم وقال في الحج يكره قتله كراهة تنزيه وهذا اختلاف شديد وعلى كراهة قتله اقتصر الرافعي وتبعه في الروضة وزاد أنها كراهة تنزيه والله أعلم وذهب الجمهور كما تقدم إلى الحاق غير الخمس بها في هذا الحكم الا أنهم اختلفوا في المعنى فقيل لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ وهذا قضية مذهب مالك وقيل لكونها مما لا يؤكل فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على المحرم فيه وهذا قضية مذهب الشافعي وقد قسم هو وأصحابه الحيوان بالنسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام قسم يستحب كالخمس وما في معناها مما يوذى وقسم يجوز كسائر ما لا يؤكل لحمه وهو قسمان ما يحصل منه نفع وضرر فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد ولا يكره لما فيه من العدوان وقسم ليس فيه نفع ولا ضرر فيكره قتله ولا يحرم والقسم الثالث ما ابيح أكله أو نهى عن قتله فلا يجوز ففيه الجزاء إذا قتله المحرم وخالف الحنفية فاقتصروا على الخمس الا أنهم الحقوا بها الحية لثبوة الخبر والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية والحقوا بذلك من ابتدا بالعدوان والأذى من غيرها وتعقب بظهور المعنى في الخمس وهو الأذى الطبيعى والعدوان المركب والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدى الحكم إلى كل ما وجد فيه ذلك المعنى كما وافقوا عليه في مسائل الربا قال بن دقيق العيد والتعدية بمعنى الأذى إلى كل مؤذ قوي بالإضافة إلى تصرف أهل القياس فإنه ظاهر من جهة الإيماء بالتعليل بالفسق وهو الخروج عن الحد وأما التعليل بحرمة الأكل ففيه إبطال لما دل عليه إيماء النص من التعليل بالفسق انتهى وقال غيره هو راجع إلى تفسير الفسق فمن فسره بأنه الخروج عن بقية الحيوان بالأذى علل به ومن قال بجواز القتل وتحريم الأكل علل به وقال من علل بالأذى أنواع الأذى مختلفة وكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السموم كالحية والزنبور وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن عرس وبالغراب والحدأ على ما يشاركهما بالاختطاف كالصقر وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر كالاسد والفهد وقال من علل بتحريم الأكل وجواز القتل إنما اقتصر على الخمس لكثرة ملابستها للناس بحيث يعم اذاها والتخصيص بالغلبة لامفهوم له تكملة نقل الرافعي عن الإمام أن هذه الفواسق لا ملك فيها لأحد ولا اختصاص ولا يجب ردها على صاحبها ولم يذكر مثل ذلك في غير الخمس مما يلتحق بها في المعنى فليتأمل واستدل به على جواز قتل من لجا إلى الحرم ممن وجب عليه القتل لأن إباحة قتل هذه الأشياء معلل بالفسق والقاتل فاسق فيقتل بل هو أولى لأن فسق المذكورات طبيعي والمكلفة إذا ارتكب الفسق هاتك لحرمة نفسه فهو أولى بإقامة مقتضى الفسق عليه وأشار بن دقيق العيد إلى أنه بحث قابل للنزاع وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى الحديث الثالث حديث بن مسعود

[ 1733 ] قوله حدثني إبراهيم هو بن يزيد النخعي والأسود هو النخعي خاله وعبد الله هو بن مسعود وقد اختلف على الأعمش في إسناد هذا الحديث كما سيأتي بيانه في بدء الخلق قوله في غار بمنى وقع عند الإسماعيلي من طريق بن نمير عن حفص بن غياث أن ذلك كان ليلة عرفة وبذلك يتم الاحتجاج به على مقصود الباب من جواز قتل الحية للمحرم كما دل قوله بمنى على أن ذلك كان في الحرم وعرف بذلك الرد على ما قال ليس في حديث عبد الله ما يدل على أنه أمر بقتل الحية في حال الإحرام لاحتمال أن يكون ذلك بعد طواف الإفاضة وقد رواه مسلم وابن خزيمة واللفظ له عن أبي كريب عن حفص بن غياث مختصرا ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرما بقتل حية في الحرم بمنى ووقع في رواية أبي الوقت عقب حديث الباب قال أبو عبد الله وهو المصنف إنما أردنا بهذا أن منى من الحرم وأنهم لم يروا بقتل الحية يعني فيه بأسا ووقع هذا الكلام عند أبي ذر في آخر الباب ومحله عقب حديث بن مسعود قوله رطبة أي لم يجف ريقه بها قوله كما وقيتم شرها بالنصب لأنه مفعول ثان وكذلك قوله وقيت شركم أي أن الله سلمها منكم كما سلمكم منها وهو مجاز المقابلة قال بن المنذر أجمع من يحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم قتل الحية وتعقب بما تقدم عن الحكم وحماد وبما عند المالكية من استثناء ما صغر منها بحيث لا يتمكن من الأذى الحديث الرابع

[ 1734 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله قال للوزغ فويسق اللام بمعنى عن والمعنى أنه سماه فويسقا وهو تصغير تحقير مبالغة في الذم قوله ولم أسمعه أمر بقتله وهو مقول عن عائشة والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وقضية تسميته إياه فويسقا أن يكون قتله مباحا وكونها لم تسمعه لا يدل على منع ذلك فقد سمعه غيرها كما سيأتي في بدء الخلق عن سعد بن أبي وقاص وغيره ونقل بن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم لكن نقل بن عبد الحكم وغيره عن مالك لا يقتل المحرم الوزغ زاد بن القاسم وإن قتله يتصدق لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها وروى بن أبي شيبة أن عطاء سئل عن قتل الوزغ في الحرم فقال إذا آذاك فلا بأس بقتله وهذا يفهم توقف قتله على اذاه

قوله باب لا يعضد شجر الحرم بضم أوله وفتح الضاد المعجمة أي لا يقطع قوله وقال بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعضد شوكه سيأتي موصولا بعد باب ويأتي البحث فيه هناك

[ 1735 ] قوله عن سعيد في رواية عبد الله بن يوسف عن الليث حدثني سعيد كما تقدم في العلم قوله عن أبي شريح العدوي كذا وقع هنا وفيه نظر لأنه خزاعي من بني كعب بن ربيعة بن لحي بطن من خزاعة ولهذا يقال له الكعبي أيضا وليس هو من بني عدي لا عدى قريش ولا عدي مضر فلعله كان حليفا لبني عدي بن كعب من قريش وقيل في خزاعة بطن يقال لهم بنو عدي وقد وقع في رواية بن أبي ذئب عن سعيد سمعت أبا شريح أخرجه أحمد واختلف في اسمه فالمشهور أنه خويلد بن عمرو وقيل بن صخر وقيل هانئ بن عمرو وقيل عبد الرحمن وقيل كعب وقيل عمرو بن خويلد وقيل مطر أسلم قبل الفتح وحمل بعض الوية قومه وسكن المدينة ومات بها سنة ثمان وستين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين آخرين قوله لعمرو بن سعيد أي بن أبي العاص بن سعيد بن العاص بن أمية المعروف بالأشدق وقد تقدم ذلك مع شرح بعض الحديث في باب تبليغ العلم من كتاب العلم ووقع عند أحمد من طريق بن إسحاق عن سعيد المقبري زيادة في أوله توضح المقصود وهي لما بعث عمرو بن سعيد إلى مكة بعثه لغزو بن الزبير أتاه أبو شريح فكلمه وأخبره بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى نادى قومه فجلس فيه فقمت إليه فجلست معه فحدث قومه قال قلت له يا هذا إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر الحديث وأخرج أحمد أيضا من طريق الزهري عن مسلم بن يزيد الليثي عن أبي شريح الخزاعي أنه سمعه يقول أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في قتال بني بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع السيف فلقى الغد رهط منا رجلا من هذيل في الحرم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان وترهم في الجاهلية وكانوا يطلبونه فقتلوه فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا ما رايته غضب غضبا أشد منه فلما صلى قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن الله حرم مكة انتهى وقد ذكر أبو هريرة في حديثه هذه القصة مختصرة وتقدم الكلام عليها في باب كتابة العلم من كتاب العلم وذكرنا أن عمرو بن سعيد كان أميرا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية وأنه جهز إلى مكة جيشا لغزو عبد الله بن الزبير بمكة وقد ذكر الطبري القصة عن مشايخه فقالوا كان قدوم عمرو بن سعيد واليا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين وقيل قدمها في رمضان منها وهي السنة التي ولي فيها يزيد الخلافة فامتنع بن الزبير من بيعته وأقام بمكة فجهز إليه عمرو بن سعيد جيشا وأمر عليهم عمرو بن الزبير وكان معاديا لأخيه عبد الله وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شرطته ثم أرسله إلى قتال أخيه فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه فامتنع وجاء أبو شريح فذكر القصة فلما نزل الجيش ذا طوى خرج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم وأسر عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارم وكان عمرو بن الزبير قد ضرب جماعة من أهل المدينة ممن اتهم بالميل إلى أخيه فأقادهم عبد الله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب تنبيه ووقع في السيرة لابن إسحاق ومغازى الواقدي أن المراجعة المذكورة وقعت بين أبي شريح وبين عمرو بن الزبير فإن كان محفوظا احتمل أن يكون أبو شريح راجع الباعث والمبعوث والله أعلم قوله وهو يبعث البعوث هي جمع بعث بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر والمراد به الجيش المجهز للقتال قوله ايذن أصله ائذن بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قوله أيها الأمير الأصل فيه يا أيها الأمير فحذف حرف النداء ويستفاد منه حسن التلطف في مخاطبة السلطان ليكون ادعى لقبولهم النصيحة وأن السلطان لا يخاطب الا بعد استئذانه ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه فترك ذلك والغلظة له قد يكون سببا لاثارة نفسه ومعاندة من يخاطبه وسيأتى في الحدود قول والد العسيف وأئذن لي قوله قام به صفة للقول والمقول هو حمد الله تعالى الخ وقوله الغد بالنصب أي ثاني يوم الفتح وقد تقدم بيانه قوله سمعته أذناي الخ فيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه فقوله سمعته أي حملته عنه بغير واسطة وذكر الأذنين للتاكيد وقوله ووعاه قلبي تحقيق لفهمه وتثبته وقوله وأبصرته عيناي زيادة في تحقيق ذلك وأن سماعه منه ليس اعتمادا على الصوت فقط بل مع المشاهدة وقوله حين تكلم به أي بالقول المذكور ويؤخذ من قوله ووعاه قلبي أن العقل محله القلب قوله إنه حمد الله هو بيان لقوله تكلم ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم وتبيين الأحكام والخطبة في الأمور المهمة وقد تقدم من رواية بن إسحاق أنه قال فيها أما بعد قوله إن الله حرم مكة أي حكم بتحريمها وقضاه وظاهره أن حكم الله تعالى في مكة أن لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى ومن دخل كان آمنا قوله أو لم يروا أنا جعلنا حرما امنا وسيأتى بعد باب في حديث بن عباس بلفظ هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ولا معارضة بين هذا وبين قوله الآتي في الجهاد وغيره من حديث أنس أن إبراهيم حرم مكة لأن المعنى أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة أو المعنى أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس وكانت قبل ذلك عند الله حراما أو أول من اظهره بعد الطوفان وقال القرطبي معناه أن الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد ولا لأحد فيه مدخل قال ولاجل هذا أكد المعنى بقوله ولم يحرمها الناس والمراد بقوله ولم يحرمها الناس أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه أو المراد أنها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك وليس من محرمات الناس يعني في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم فلا يسوغ الاجتهاد في تركه وقيل معناه أن حرمتها مستمرة من أول الخلق وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم قوله فلا يحل الخ فيه تنبيه على الامتثال لأن من آمن بالله لزمته طاعته ومن أمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه خوف الحساب عليه وقد تعلق به من قال إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة والصحيح عند الأكثر خلافه وجوابهم بأن المؤمن هو الذي ينقاد للاحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه وليس فيه نفي ذلك عن غيره وقال بن دقيق العيد الذي أراه أنه من خطاب التهييج نحو قوله تعالى وعلى الله فتوكلوا أن كنتم مؤمنين فالمعنى أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه فهذا هو المقتضى لذكر هذا الوصف ولو قيل لا يحل لأحد مطلقا لم يحصل منه هذا الغرض وإن أفاد التحريم قوله أن يسفك دما تقدم ضبطه في العلم واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة وسيأتي البحث فيه بعد باب في الكلام على حديث بن عباس قوله ولا يعضد بها شجرة أي لا يقطع قال بن الجوزي أصحاب الحديث يقولون يعضد بضم الضاد وقال لنا بن الخشاب هو بكسرها والمعضد بكسر أوله الالة التي يقطع بها قال الخليل المعضد الممتهن من السيوف في قطع الشجر وقال الطبري أصله من عضد الرجل إذا أصابه بسوء في عضده ووقع في رواية لعمر بن شبة بلفظ لا يخضد بالخاء المعجمة بدل العين المهملة وهو راجع إلى معناه فإن أصل الخضد الكسر ويستعمل في القطع قال القرطبي خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبته الله تعالى من غير صنع ادمي فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه والجمهور على الجواز وقال الشافعي في الجميع الجزاء ورجحه بن قدامة واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول فقال مالك لا جزاء فيه بل ياثم وقال عطاء يستغفر وقال أبو حنيفة يؤخذ بقيمته هدي وقال الشافعي في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة واحتج الطبري بالقياس على جزاء الصيد وتعقبه بن القصار بأنه كان يلزمه أن يجعل الجزاء على المحرم إذا قطع شيئا من شجر الحل ولا قائل به وقال بن العربي اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم الا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة كذا نقله أبو ثور عنه وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذى بطبعه فأشبه الفواسق ومنعه الجمهور كما سيأتي في حديث بن عباس بعد باب بلفظ ولا يعضد شوكه وصححه المتولى من الشافعية وأجابوا بأن القياس المذكور في مقابلة النص فلا يعتبر به حتى ولو لم يرد النص على تحريم الشوك لكان في تحريم قطع الشجر دليل على تحريم قطع الشوك لأن غالب شجر الحرم كذلك ولقيام الفارق أيضا فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر قال بن قدامة ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر بغير صنع آدمى ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا قوله فإن أحد هو فاعل بفعل مضمر يفسره ما بعده وقوله ترخص مشتق من الرخصة وفي رواية بن أبي ذئب عند أحمد فإن ترخص مترخص فقال أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس وفي مرسل عطاء بن يزيد عند سعيد بن منصور فلا يستن بي أحد فيقول قتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وإنما أذن لي بفتح أوله والفاعل الله ويروي بضمه على البناء للمفعول قوله ساعة من نهار تقدم في العلم أن مقدارها ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر ولفظ الحديث عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لما فتحت مكة قال كفو السلاح الا خزاعة عن بني بكر فأذن لهم حتى صلى العصر ثم قال كفوا السلاح فلقى رجل من خزاعة رجلا من بني بكر من غد بالمزدلفة فقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خطيبا فقال ورأيته مسندا ظهره إلى الكعبة فذكر الحديث ويستفاد منه أن قتل من أذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتلهم كابن خطل وقع في الوقت الذي ابيح للنبي صلى الله عليه وسلم فيه القتال خلافا لمن حمل قوله ساعة من النهار على ظاهره فاحتاج إلى الجواب عن قصة بن خطل قوله وقد عادت حرمتها أي الحكم الذي في مقابلة إباحة القتال المستفاد من لفظ الإذن وقوله اليوم المراد به الزمن الحاضر وقد بين غايته في رواية بن أبي ذئب المذكورة بقوله ثم هي حرام إلى يوم القيامة وكذا في حديث بن عباس الآتي بعد باب بقوله فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة قوله فليبلغ الشاهد الغائب قال بن جرير فيه دليل على جواز قبول خبر الواحد لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة قد لزمه الابلاغ وأنه لم يأمرهم بالإبلاغ الغائب عنهم الا وهو لازم له فرض العمل بما ابلغه كالذي لزم السامع سواء وإلا لم يكن للأمر بالتبليغ فائدة قوله فقيل لأبي شريح لم أعرف اسم القائل وظاهر رواية بن إسحاق أنه بعض قومه من خزاعة قوله لا يعيذ بالذال المعجمة أي لا يجير ولا يعصم قوله ولا فارا بالفاء وتثقيل الراء أي هاربا والمراد من وجب عليه حد القتل فهرب إلى مكة مستجيرا بالحرم وهي مسألة خلاف بين العلماء وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل وفي تخصيصه العموم بلا مستند قوله بخربة تقدم تفسيره في العلم وأشار بن العربي إلى ضبطه بكسر أوله وبالزاى بدل الراء والتحتانية بدل الموحدة جعله من الخزى والمعنى صحيح لكن لا تساعد عليه الرواية وأغرب الكرماني لما حكى هذا الوجه فأبدل الخاء المعجمة جيما جعله من الجزية وذكر الجزية وكذا الذم بعد ذكر العصيان من الخاص بعد العام قوله خربة بلية هو تفسير من الراوي والظاهر أنه المصنف فقد وقع في المغازي في آخره قال أبو عبد الله الخربة البلية وسبق في العلم في آخره يعني السرقة وهي أحد ما قيل في تأويلها وأصلها سرقة الإبل ثم استعملت في كل سرقة وعن الخليل الخربة الفساد في الإبل وقيل العيب وقيل بضم أوله العورة وقيل الفساد وبفتحه الفعلة الواحدة من الخرابة وهي السرقة وقد وهم من عد كلام عمرو بن سعيد هذا حديثا واحتج بما تضمنه كلامه قال بن حزم لا كرامة للطيم الشيطان يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغرب بن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره قال أبو شريح فقلت لعمرو قد كنت شاهدا وكنت غائبا وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد بلغتك فهذا يشعر بأنه لم يوافقه وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوة الشوكة وقال بن بطال أيضا ليس قول عمرو جوابا لأبي شريح لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدا في غير الحرم ثم لجأ اليه أنه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم فان أبا شريح أنكر بعث عمرو الجيش الى مكة ونصب الحرب عليها فأحسن في استدلاله بالحديث وحاد عمرو عن جوابه وأجابه عن غير سؤاله وتعقبه الطيبي بأنه لم يحد في جوابه وإنما أجاب بما يقتضى القول بالموجب كأنه قال له صح سماعك وحفظك لكن المعنى المراد من الحديث الذي ذكرته خلاف ما فهمته منه فإن ذلك الترخص كان بسبب الفتح وليس بسبب قتل من استحق القتل خارج الحرم ثم استجار بالحرم والذي أنا فيه من القبيل الثاني قلت لكنها دعوى من عمرو بغير دليل لأن بن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارا منه حتى يصح جواب عمرو نعم كان عمرو يرى وجوب طاعة يزيد الذي استنابه وكان يزيد أمر بن الزبير أن يبايع له بالخلافة ويحضر إليه في جامعة يعنى مغلولا فامتنع بن الزبير وعاذ بالحرم فكان يقال له بذلك عائذ الله وكان عمرو يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد ولهذا صدر كلامه بقوله إن الحرام لا يعيذ عاصيا ثم ذكر بقية ما ذكر استطرادا فهذه شبهة عمرو وهي واهية وهذه المسألة التي وقع فيها الاختلاف بين أبي شريح وعمرو فيها اختلاف بين العلماء أيضا كما سيأتي بعد باب في الكلام على حديث بن عباس وفي حديث أبي شريح من الفوائد غير ما تقدم جواز إخبار المرء عن نفسه بما يقتضى ثقته وضبطه لما سمعه ونحو ذلك وانكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدريج والاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد ووقوع التاكيد في الكلام البليغ وجواز المجادلة في الأمور الدينية وجواز النسخ وأن مسائل الاجتهاد لا يكون فيها مجتهد حجة على مجتهد وفيه الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره لمن لا يستطيع بدا من ذلك وتمسك به من قال أن مكة فتحت عنوة قال النووي تأول من قال فتحت صلحا بأن القتال كان جائزا له لو فعله لكن لم يحتج إليه وتعقب بأنه خلاف الواقع وسيأتي البحث فيه في المغازي وقد تقدمت تسمية القاتل والمقتول في قصة أبي شريح في الكلام على حديث أبي هريرة

قوله باب لا ينفر صيد الحرم بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة قيل هو كناية عن الاصطياد وقيل هو على ظاهره كما سيأتي قال النووي يحرم التنفير وهو الازعاج عن موضعه فإن نفره عصى سواء تلف أولا فإن تلف في نفاره قبل سكونه ضمن وإلا فلا قال العلماء يستفاد من النهى عن التنفير تحريم الاتلاف بالأولى

[ 1736 ] قوله حدثنا عبد الوهاب هو الثقفي وخالد هو الحذاء قوله إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد بعدي في رواية الكشميهني فلا تحل وهو أليق بقصد الأمر الآتي وقد ذكره في الباب الذي بعده بلفظ وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي وهو عند المصنف في أوائل البيع من طريق خالد الطحان عن خالد الحذاء بلفظ فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ومثله لأحمد من طريق وهيب عن خالد قال بن بطال المراد بقوله ولا تحل لأحد بعدي الإخبار عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره انتهى ومحصله أنه خبر بمعنى النهى بخلاف قوله فلم تحل لأحد قبلي فإنه خبر محض أو معنى قوله ولا تحل لأحد بعدي أي لا يحلها الله بعدي لأن النسخ ينقطع بعده لكونه خاتم النبيين قوله وعن خالد هو بالإسناد المذكور وسيأتى في أوائل البيوع بأوضح مما هنا قوله هل تدري ما لا ينفر صيدها الخ قيل نبه عكرمة بذلك على المنع من الاتلاف وسائر أنواع الأذى تنبيها بالأدنى على الأعلى وقد خالف عكرمة عطاء ومجاهد فقالا لا بأس بطرده ما لم يفض إلى قتله أخرجه بن أبي شيبة وروى بن أبي شيبة أيضا من طريق الحكم عن شيخ من أهل مكة أن حماما كان على البيت فذرق على يد عمر فأشار عمر بيده فطار فوقع على بعض بيوت مكة فجاءت حية فأكلته فحكم عمر على نفسه بشاة وروى من طريق أخرى عن عثمان نحوه

قوله باب لا يحل القتال بمكة هكذا ترجم بلفظ القتال وهو الواقع في حديث الباب ووقع عند مسلم في رواية كذلك وفي أخرى بلفظ القتل بدل القتال وللعلماء في كل منهما اختلاف سنذكره قوله وقال أبو شريح الخ تقدم موصولا قبل باب ووجه الاستدلال به لتحريم القتال من جهة أن القتال يفضى إلى القتل فقد ورد تحريم سفك الدم بها بلفظ النكرة في سياق النفي فيعم

[ 1737 ] قوله عن مجاهد عن طاوس كذا رواه منصور موصولا وخالفه الأعمش فرواه عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عنه أخرجه أيضا عن سفيان عن داود بن شابور عن مجاهد مرسلا ومنصور ثقة حافظ فالحكم لوصله قوله يوم افتتح مكة هو ظرف للقول المذكور قوله لا هجرة أي بعد الفتح وافصح بذلك في رواية على بن المديني عن جرير في كتاب الجهاد قوله ولكن جهاد ونية المعنى أن وجوب الهجرة من مكة انقطع بفتحها إذ صارت دار إسلام ولكن بقي وجوب الجهاد على حاله عند الاحتياج إليه وفسره بقوله فإذا استنفرتم فانفروا أي إذا دعيتم إلى الغزو فأجيبوا قال الطيبي قوله ولكن جهاد عطف على مدخول لا هجرة أي الهجرة إما فرارا من الكفار وإما إلى الجهاد وإما إلى نحو طلب العلم وقد انقطعت الأولى فاغتنموا الاخيرتين وتضمن الحديث بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بأن مكة تستمر دار إسلام وسيأتي البحث في ذلك مستوفى في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى قوله فإن هذا بلد حرم الفاء جواب شرط محذوف تقديره إذا علمتم ذلك فاعلموا أن هذا بلد حرام وكأن وجه المناسبة أنه لما نصب القتال عليه حراما كان التنفير يقع منه لا إليه ولما روى مسلم هذا الحديث عن إسحاق عن جرير فصل الكلام الأول من الثاني بقوله وقال يوم الفتح إن الله حرم الخ فجعله حديثا آخر مستقلا وهو مقتضى صنيع من اقتصر على الكلام الأول كعلى بن المديني عن جرير كما سيأتي في الجهاد قوله حرمه الله سبق مشروحا في حديث أبي شريح ووقع في رواية غير الكشميهني حرم الله بحذف الهاء قوله وهو حرام بحرمة الله أي بتحريمه وقيل الحرمة الحق أي حرام بالحق المانع من تحليله واستدل به على تحريم القتل والقتال بالحرم فأما القتل فنقل بعضهم الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها وخص الخلاف بمن قتل في الحل ثم لجا إلى الحرم وممن نقل الإجماع على ذلك بن الجوزي واحتج بعضهم بقتل بن خطل بها ولا حجة فيه لأن ذلك كان في الوقت الذي أحلت فيه للنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم وزعم بن حزم أن مقتضى قول بن عمر وابن عباس وغيرهما أنه لا يجوز القتل فيها مطلقا ونقل التفصيل عن مجاهد وعطاء وقال أبو حنيفة لا يقتل في الحرم حتى يخرج إلى الحل باختياره لكن لا يجالس ولا يكلم ويوعظ ويذكر حتى يخرج وقال أبو يوسف يخرج مضطرا إلى الحل وفعله بن الزبير وروى بن أبي شيبة من طريق طاوس عن بن عباس من أصاب حدا ثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع وعن مالك والشافعي يجوز إقامة الحد مطلقا فيها لأن العاصي هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الأمن وأما القتال فقال الماوردي من خصائص مكة أن لا يحارب أهلها فلو بغوا على أهل العدل فإن أمكن ردهم بغير قتال لم يجز وإن لم يمكن إلا بالقتال فقال الجمهور يقاتلون لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى فلا يجوز اضاعتها وقال آخرون لا يجوز قتالهم بل يضيق عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة قال النووي والأول نص عليه الشافعي وأجاب أصحابه عن الحديث بحمله على تحريم نصب القتال بما يعم أذاه كالمنجنيق بخلاف ما لو تحصن الكفار في بلد فإنه يجوز قتالهم على كل وجه وعن الشافعي قول آخر بالتحريم اختاره القفال وجزم به في شرح التلخيص وقال به جماعة من علماء الشافعية والمالكية قال الطبري من أتى حدا في الحل واستجار بالحرم فللإمام إلجاؤه إلى الخروج منه وليس للإمام أن ينصب عليه الحرب بل يحاصره ويضيق عليه حتى يذعن للطاعة لقوله صلى الله عليه وسلم وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فعلم أنها لا تحل لأحد بعده بالمعنى الذي حلت له به وهو محاربة أهلها والقتل فيها ومال بن العربي إلى هذا وقال بن المنير قد أكد النبي التحريم بقوله حرمه الله ثم قال فهو حرام بحرمة الله ثم قال ولم تحل لي إلا ساعة من نهار وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشيء ثلاثا قال فهذا نص لا يحتمل التأويل وقال القرطبي ظاهر الحديث يقتضى تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالقتال لاعتذاره عما ابيح له من ذلك مع أن أهل مكة كانوا إذ ذاك مستحقين للقتال والقتل لصدهم عن المسجد الحرام واخراجهم أهله منه وكفرهم وهذا الذي فهمه أبو شريح كما تقدم وقال به غير واحد من أهل العلم وقال بن دقيق العيد يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دال على أن المأذون للنبي صلى الله عليه وسلم فيه لم يؤذن لغيره فيه والذي وقع له إنما هو مطلق القتال لا القتال الخاص بما يعم كالمنجنيق فكيف يسوغ التأويل المذكور وأيضا فسياق الحديث يدل على أن التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم سفك الدماء فيها وذلك لا يختص بما يستأصل واستدل به على اشتراط الإحرام على من دخل الحرم قال القرطبي معنى قوله حرمه الله أي يحرم على غير المحرم دخوله حتى يحرم ويجرى هذا مجرى قوله تعالى حرمت عليكم امهاتكم أي وطؤهن و حرمت عليكم الميتة أي أكلها فعرف الاستعمال يدل على تعيين المحذوف قال وقد دل على صحة هذا المعنى اعتذاره عن دخوله مكة غير محرم مقاتلا بقوله لم تحل لي الا ساعة من نهار الحديث قال وبهذا أخذ مالك والشافعي في أحد قوليهما ومن تبعهما في ذلك فقالوا لا يجوز لأحد أن يدخل مكة الا محرما الا إذا كان ممن يكثر التكرار قلت وسيأتى بسط القول في ذلك بعد سبعة أبواب قوله وأنه لا يحل القتال الهاء في أنه ضمير الشان ووقع في رواية الكشميهني لم يحل بلفظ لم بدل لا وهي أشبه لقوله قبلي قوله لا يعضد شوكه تقدم البحث فيه في حديث أبي شريح قوله ولا يلتقط لقطته الا من عرفها سيأتي البحث فيه في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى قوله ولا يختلى خلاها بالخاء المعجمة والخلا مقصور وذكر بن التين أنه وقع في رواية العابسي بالمد وهو الرطب من النبات واختلاؤه قطعه واحتشاشه واستدل به على تحريم رعية لكونه أشد من الاحتشاش وبه قال مالك والكوفيون واختاره الطبري وقال الشافعي لا بأس بالرعى لمصلحة البهائم وهو عمل الناس بخلاف الاحتشاش فإنه المنهي عنه فلا يتعدى ذلك إلى غيره وفي تخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعى اليابس واختلائه وهو أصح الوجهين للشافعية لأن النبت اليابس كالصيد الميت قال بن قدامة لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش ويدل عليه أن في بعض طرق حديث أبي هريرة ولا يحتش حشيشها قال وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم فلا بأس برعيه واختلائه قوله فقال العباس أي بن عبد المطلب كما وقع مبينا في المغازي من وجه آخر قوله إلا الأذخر يجوز فيه الرفع والنصب أما الرفع فعلى البدل مما قبله وأما النصب فلكونه استثناء واقعا بعد النفي وقال بن مالك المختار النصب لكون الاستثناء وقع متراخيا عن المستثنى منه فبعدت المشاكلة بالبدلية ولكون الاستثناء أيضا عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودا والاذخر نبت معروف عند أهل مكة طيب الريح له أصل مندفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن وبالمغرب صنف منه فيما قاله بن البيطار قال والذي بمكة اجوده وأهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب ويسدون به الخلل بين اللبنات في القبور ويستعملونه بدلا من الحلفاء في الوقود ولهذا قال العباس فإنه لقينهم وهو بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون أي الحداد وقال الطبري القين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه ووقع في رواية المغازي فإنه لا بد منه للقين والبيوت وفي الرواية التي في الباب قبله فإنه لصاغتنا وقبورنا ووقع في مرسل مجاهد عند عمر بن شبة الجمع بين الثلاثة ووقع عنده أيضا فقال العباس يا رسول الله إن أهل مكة لا صبر لهم عن الأذخر لقينهم وبيوتهم وهذا يدل على أن الاستثناء في حديث الباب لم يرد أن يستثنى هو وإنما أراد به أن يلقن النبي صلى الله عليه وسلم الاستثناء وقوله صلى الله عليه وسلم في جوابه الا الأذخر هو استثناء بعض من كل لدخول الأذخر في عموم ما يختلى واستدل به على جواز النسخ قبل الفعل وليس بواضح وعلى جواز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه ومذهب الجمهور اشتراط الاتصال وإما لفظا وإما حكما لجواز الفصل بالتنفس مثلا وقد اشتهر عن بن عباس الجواز مطلقا ويمكن أي يحتج له بظاهر هذه القصة وأجابوا عن ذلك بأن هذا الاستثناء في حكم المتصل لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يقول الا الأذخر فشغله العباس بكلامه فوصل كلامه بكلام نفسه فقال الا الأذخر وقد قال بن مالك يجوز الفصل مع إضمار الاستثناء متصلا بالمستثنى منه واختلفوا هل كان قوله صلى الله عليه وسلم الا الأذخر باجتهاد أو وحي وقيل كان الله فوض له الحكم في هذه المسألة مطلقا وقيل أوحى إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله وقال الطبري ساغ للعباس أن يستثنى الأذخر لأنه احتمل عنده أن يكون المراد بتحريم مكة تحريم القتال دون ما ذكر من تحريم الاختلاء فإنه من تحريم الرسول باجتهاده فساغ له أن يسأله استثناء الأذخر وهذا مبنى على أن الرسول كان له أن يجتهد في الأحكام وليس ما قاله بلازم بل في تقريره صلى الله عليه وسلم للعباس على ذلك دليل على جواز تخصيص العام وحكى بن بطال عن المهلب أن الاستثناء هنا للضرورة كتحليل أكل الميتة عند الضرورة وقد بين العباس ذلك بأن الأذخر لا غنى لأهل مكة عنه وتعقبه بن المنير بأن الذي يباح للضرورة يشترط حصولها فيه فلو كان الأذخر مثل الميتة لامتنع استعماله الا فيمن تحققت ضرورته إليه والإجماع على أنه مباح مطلقا بغير قيد للضرورة انتهى ويحتمل أن يكون مراد المهلب بان أصل إباحته كانت للضرورة وسببها لا أنه يريد أنه مقيد بها قال بن المنير والحق أن سؤال العباس كان على معنى الضراعة وترخيص النبي صلى الله عليه وسلم تبليغا عن الله إما بطريق الالهام أو بطريق الوحي ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم وفي الحديث بيان خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر في الحديث وجواز مرجعية العالم في المصالح الشرعية والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد وعظيم منزلة العباس عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته بأمر مكة لكونه كان بها أصله ومنشؤه وفيه رفع وجوب الهجرة عن مكة إلى المدينة وابقاء حكمها من بلاد الكفر إلى يوم القيامة وأن الجهاد يشترط أن يقصد به الإخلاص ووجوب النفير مع الأئمة

قوله باب الحجامة للمحرم أي أهل يمنع منها أو تباح له مطلقا أو للضرورة والمراد في ذلك كله المحجوم لا الحاجم قوله وكوى بن عمر ابنه وهو محرم هذا الابن اسمه واقد وصل ذلك سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال أصاب واقد بن عبد الله بن عمر برسام في الطريق وهو متوجه إلى مكة فكواه بن عمر فأبان أن ذلك كان للضرورة قوله ويتداوى ما لم يكن فيه طيب هذا من تتمة الترجمة وليس في أثر بن عمر كما ترى وأما قول الكرماني فاعل يتداوى أما المحرم وأما بن عمر فكلام من لم يقف على أثر بن عمر وقد سبق في أوائل الحج في باب الطيب عند الإحرام قول بن عباس ويتداوى بما يأكل وهو موافق لهذا والجامع بين هذا وبين الحجامة عموم التداوى وروى الطبري من طريق الحسن قال أن أصاب المحرم شجة فلا بأس بأن يأخذ ما حولها من الشعر ثم يداويها لما ليس فيه طيب

[ 1738 ] قوله قال لنا عمرو أول شيء أي أول مرة في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو وهو بن دينار أخرجه أبو نعيم وأبو عوانة من طريقه قوله ثم سمعته هو مقول سفيان والضمير لعمرو وكذا فقلت لعله سمعه وقد بين ذلك الحميدي عن سفيان فقال حدثنا بهذا الحديث عمرو مرتين فذكره لكن قال فلا أدري أسمعه منهما أو كانت إحدى الروايتين وهما زاد أبو عوانة قال سفيان ذكر لي أنه سمعه منهما جميعا وأخرجه بن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن بن عيينة نحو رواية على بن عبد الله وقال في آخره فظننت أنه رواه عنهما جميعا وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن أيوب عن سفيان قال عن عمرو عن عطاء فذكره قال ثم حدثنا عمرو عن طاوس به فقلت لعمرو إنما كنت حدثتنا عن عطاء قال اسكت يا صبي لم اغلط كلاهما حدثني قلت فإن كان هذا محفوظا فلعل سفيان تردد في كون عمرو سمعه منهما لما خشي من كون ذلك صدر منه حالة الغضب على أنه قد حدث به فجمعهما قال أحمد في مسنده حدثنا سفيان قال قال عمرو أولا فحفطناه قال طاوس عن بن عباس فذكره فقال أحمد وقد حدثنا به سفيان فقال قال عمرو عن عطاء وطاوس عن بن عباس قلت وكذا جمعهما عن سفيان مسدد عند المصنف في الطب وأبو بكر بن أبي شيبه وأبو خيثمة وإسحاق بن راهويه عند مسلم وقتيبة عند الترمذي والنسائي وتابع سفيان على روايته له عن عمرو لكن عن طاوس وحده زكريا بن إسحاق أخرجه أحمد وأبو عوانة وابن خزيمة والحاكم وله أصل عن عطاء أيضا أخرجه أحمد والنسائي من طريق الليث عن أبي الزبير ومن طريق بن جريج كلاهما عنه تنبيه زعم الكرماني أن مراد البخاري بالسياق المذكور أن عمرا حدث به سفيان أولا عن عطاء عن بن عباس بغير واسطة ثم حدثه به ثانيا عن عطاء بواسطة طاوس قلت وهو كلام من لم يقف على طريق مسدد التي في الكتاب الذي شرح فيه فضلا عن بقية الطرق التي ذكرناها ولا تعرف مع ذلك لعطاء عن طاوس رواية أصلا والله المستعان قوله وهو محرم زاد بن جريج عن عطاء صائم بلحى جمل وزاد زكريا على رأسه وستأتى رواية عكرمة في الصوم وهذه الزيادات موافقة لحديث بن بحينة ثاني حديثي الباب دون ذكر الصيام

[ 1739 ] قوله عن علقمة بن أبي علقمة في رواية النسائي من طريق محمد بن خالد عن سليمان أخبرني علقمة واسم أبي علقمة بلال وهو مدني تابعي صغير سمع أنسا وهو علقمة بن أم علقمة واسمها مرجانة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله عن عبد الرحمن الأعرج عن بن بحينة في رواية المصنف في الطب عن إسماعيل وهو بن أبي أويس عن سليمان عن علقمة أنه سمع عبد الرحمن الأعرج أنه سمع عبد الله بن بحينة قوله بلحى جمل بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وبفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة وقد وقع مبينا في رواية إسماعيل المذكورة بلحى جمل من طريق مكة ذكر البكري في معجمه في رسم العقيق قال هي بئر جمل التي ورد ذكرها في حديث أبي جهم يعني الماضي في التيمم وقال غيره هي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا ووقع في رواية أبي ذر بلحيي جمل بصيغة التثنية ولغيره بالافراد وهم من ظنه فكى الجمل الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم وجزم الحازمي وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع وسيأتي البحث في أنه هل كان صائما في كتاب الصيام قوله في وسط بفتح المهملة أي متوسطة وهو ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين قال الليث كانت هذه الحجامة في فاس الرأس وأما التي في أعلاه فلا لأنها ربما اعمت وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب الطب إن شاء الله تعالى قال النووي إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام لقطع الشعر وأن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك وعن الحسن فيها الفدية وأن لم يقطع شعرا وأن كان لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس وقال الداودي إذا أمكن مسك المحاجم بغير حلق لم يجز الحلق واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وبط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوى إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهى عنه المحرم من تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شيء من ذلك والله أعلم

قوله باب تزويج المحرم أورد فيه حديث بن عباس في تزويج ميمونة وظاهر صنيعه أنه لم يثبت عنده النهى عن ذلك ولا أن ذلك من الخصائص وقد ترجم في النكاح باب نكاح المحرم ولم يزد على إيراد هذا الحديث ومراده بالنكاح التزويج للإجماع على افساد الحج والعمرة بالجماع وقد اختلف في تزويج ميمونة فالمشهور عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم وصح نحوه عن عائشة وأبي هريرة وجاء عن ميمونة نفسها أنه كان حلالا وعن أبي رافع مثله وأنه كان الرسول إليها وسيأتى الكلام على ذلك مستوفى في باب عمرة القضاء من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى واختلف العلماء في هذه المسألة فالجمهور على المنع لحديث عثمان لا ينكح المحرم ولا ينكح أخرجه مسلم وأجابوا عن حديث ميمونة بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت ولا تقوم بها الحجة ولانها تحتمل الخصوصية فكان الحديث في النهى عن ذلك أولي بأن يؤحذ به وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء وتعقب بأنه قياس في معارضة السنة فلا يعتبر به وأما تاويلهم حديث عثمان بان المراد به الوطء فمتعقب بالتصريح فيه بقوله ولا ينكح بضم أوله وبقوله فيه ولا يخطب

قوله باب ما ينهى أي عنه من الطيب للمحرم والمحرمة أي إنهما في ذلك سواء ولم يختلف العلماء في ذلك وإنما اختلفوا في أشياء هل تعد طيبا أو لا والحكمة في منع المحرم من الطيب أنه من دواعي الجماع ومقدماته التي تفسد الإحرام وبأنه ينافي حال المحرم فإن المحرم أشعث أغبر قوله وقالت عائشة لا تلبس المحرمة ثوبا بورس أو زعفران وصلة البيهقي من طريق معاذ عن عائشة قالت المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت الا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها أن شاءت وقد تقدم في أوائل الباب أن المرأة كالرجل في منع الطيب إجماعا وروى أحمد وأبو داود والحاكم أصل حديث الباب من طريق بن إسحاق حدثني نافع عن بن عمر بلفظ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما احبت من الوان الثياب ثم أورد المصنف حديث بن عمر قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس الحديث وقد تقدم في أوائل الحج مع سائر مباحثه في باب ما يلبس المحرم من الثياب وزاد فيه هنا ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين وذكر الاختلاف في رفع هذه الزيادة ووقفها وسابين ما في ذلك إن شاء الله تعالى قوله تابعه موسى بن عقبة وصله النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عنه عن نافع في آخر الزيادة المذكورة قبل

[ 1741 ] قوله وإسماعيل بن إبراهيم أي بن عقبة وهو بن أخي موسى المذكور قبله وقد رويناه من طريق موصولا في فوائد على بن محمد المصري من رواية السلفي عن الثقفي عن بن بشران عنه عن يوسف بن يزيد عن يعقوب بن أبي عباد عن إسماعيل عن نافع به قوله وجويرية أي بن أسماء وصله أبو يعلى عن عبد الله بن محمد بن أسماء عنه عن نافع وفيه الزيادة قوله وابن إسحاق وصلة أحمد وغيره كما تقدم في أول الباب قوله في النقاب والقفازين أي في ذكرهما في الحديث المرفوع والقفاز بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاى ما تلبسه المرأة في يدها فيغطى اصابعها وكفيها عند معاناة الشيء كغزل ونحوه وهو لليد كالخف للرجل والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة ولكن الرجل في القفاز مثلها لكونه في معنى الخف فإن كلا منهما محيط بجزء من البدن وأما النقاب فلا يحرم على الرجل من جهة الإحرام لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه على الراجح كما سيأتي الكلام عليه في حديث بن عباس في هذا الباب قوله وقال عبيد الله يعني بن عمر العمري ولا ورس وكان يقول لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين يعني أن عبيد الله المذكور خالف المذكورين قبل في رواية هذا الحديث عن نافع فوافقهم على رفعه إلى قوله زعفران ولا ورس وفصل بقية الحديث فجعله من قول بن عمر وهذا التعليق عن عبيد الله وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن محمد بن بشر وحماد بن مسعدة وابن خزيمة من طريق بشر بن المفضل ثلاثتهم عن عبيد الله بن عمر عن نافع فساق الحديث إلى قوله ولا ورس قال وكان عبد الله يعني بن عمر يقول ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ورواه يحيى القطان عند النسائي وحفص بن غياث عند الدارقطني كلاهما عن عبيد الله فاقتصر على المتفق على رفعه قوله وقال مالك الخ هو في الموطأ كما قال والغرض أن مالكا اقتصر على الموقوف فقط وفي ذلك تقوية لرواية عبيد الله وظهر الادراج في رواية غيره وقد استشكل بن دقيق العيد الحكم بالادراج في هذا الحديث لورود النهى عن النقاب والقفاز مفردا مرفوعا للابتداء بالنهى عنهما في رواية بن إسحاق المرفوعة المقدم ذكرها وقال في الاقتراح دعوى الادراج في أول المتن ضعيفة وأجيب بأن الثقات إذا اختلفوا وكان مع أحدهم زيادة قدمت ولا سيما أن كان حافظا ولا سيما أن كان أحفظ والأمر هنا كذلك فإن عبيد الله بن عمر في نافع أحفظ من جميع من خالفه وقد فصل المرفوع من الموقوف وأما الذي اقتصر على الموقوف فرفعه فقد شذ بذلك وهو ضعيف وأما الذي ابتدا في المرفوع بالموقوف فإنه من التصرف في الرواية بالمعنى وكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولي أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي وقال الكرماني فإن قلت فلم قال بلفظ قال وثانيا بلفظ كان يقول قلت لعله قال ذلك مرة وهذا كان بقوله دائما مكررا والفرق بين المرويين إما من جهة حذف المرأة وإما من جهة أن الأول بلفظ لا تتنقب من التفعل والثاني من الافتعال وإما من جهة أن الثاني بضم الباء على سبيل النفي لا غير والأول بالضم والكسر نفيا ونهيا انتهى كلامه ولا يخفى تكلفه قوله وتابعه ليث بن أبي سليم أي تابع مالكا في وقفه وكذا أخرجه بن أبي شيبة من طريق فضيل بن غزوان عن نافع موقوفا على بن عمر ومعنى قوله ولا تنتقب أي لا تستر وجهها كما تقدم واختلف العلماء في ذلك فمنعه الجمهور وأجازه الحنفية وهو رواية عند الشافعية والمالكية ولم يختلفوا في منعها من ستر وجهها وكفيها بما سوى النقاب والقفازين قوله مسه ورس الخ مفهومه جواز ما ليس فيه ورس ولا زعفران لكن ألحق العلماء بذلك أنواع الطيب للاشتراك في الحكم واختلفوا في المصبوغ بغير الزعفران والورس وقد تقدم ذلك والورس نبات باليمن قاله جماعة وجزم بذلك بن العربي وغيره وقال بن البيطار في مفرداته الورس يؤتى به من اليمن والهند والصين وليس بنبات بل يشبه زهر العصفر ونبته شيء يشبه البنفسج ويقال إن الكركم عروقه

[ 1742 ] قوله عن منصور هو بن المعتمر والحكم هو أبو عتيبة قوله وقصت بفتح القاف والصاد المهملة تقدم تفسيره في باب كفن المحرم ويأتي في باب المحرم يموت بعرفة بيان اختلاف في هذه اللفظة والمراد هنا قوله ولا تقربوه طيبا وهي بتشديد الراء وسيأتى قريبا بلفظ ولا تحنطوه وهو من الحنوط بالمهملة والنون وهو الطيب الذي يصنع للميت وقوله يبعث ملبيا أي على هيئته التي مات عليها واستدل بذلك على بقاء إحرامه خلافا للمالكية والحنفية وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة اختلف في ثبوتها وهي قوله ولا تخمروا وجهه فقالوا لا يجوز للمحرم تغطية وجهه مع إنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرما وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث وقالوا أن في ثبوت ذكر الوجه مقالا وتردد بن المنذر في صحته وقال البيهقي ذكر الوجه غريب وهو وهم من بعض رواته وفي كل ذلك نظر فإن الحديث ظاهره الصحة ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما عن سعيد بن جبير عن بن عباس فذكر الحديث قال منصور ولا تغطوا وجهه وقال أبو الزبير ولا تكشفوا وجهه وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ ولا تخمروا وجهه ولا رأسه أخرجه مسلم أيضا من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير بلفظ ولا يمس طيبا خارج رأسه قال شعبة ثم حدثني به بعد ذلك فقال خارج رأسه ووجهه انتهى وهذه الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية وشعبة أحفظ من كل من روى هذا الحديث فلعل بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية وقال أهل الظاهر يجوز للمحرم الحي تغطية وجهه ولا يجوز للمحرم الذي يموت عملا بالظاهر في الموضعين وقال آخرون هي واقعة عين لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصا بذلك الرجل ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأمر بقضاء مناسكه وسيأتى ترجمة المصنف بنفى ذلك وقال أبو الحسن بن القصار لو أريد تعميم هذا الحكم في كل محرم لقال فإن المحرم كما جاء أن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة في الأمر المذكور كونه كان في النسك وهو عامة في كل محرم والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص واختلف في الصائم يموت هل يبطل صومه بالموت حتى يجب قضاء صوم ذلك اليوم عنه أو لا يبطل وقال النووي يتاول هذا الحديث على أن النهى عن تغطية وجهه ليس لكون المحرم لا يجوز تغطية وجهه بل هو صيانة للرأس فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطى رأسه اه وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء قال يغطى المحرم من وجهه ما دون الحاجبين أي من أعلى وفي رواية ما دون عينيه وكأنه أراد مزيد الاحتياط لكشف الرأس والله أعلم تكملة كان وقوع المحرم المذكور عند الصخرات من عرفة وفي الحديث إطلاق الواقف على الراكب واستحباب دوام التلبية في الإحرام وأنها لا تنقطع بالتوجه لعرفة وجواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يعد طيبا وحكى المزني عن الشافعي أنه استدل على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث لقوله فيه واغسلوه بماء وسدر والله أعلم تنبيه لم اقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية المحرم المذكور وقد وهم بعض المتأخرين فزعم أن اسمه واقد بن عبد الله وعزاه لابن قتيبة في ترجمة عمر من كتاب المغازي وسبب الوهم أن بن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر ذكر أولاده ومنهم عبد الله بن عمر ثم ذكر أولاد عبد الله بن عمر فذكر فيهم واقد بن عبد الله بن عمر فقال وقع عن بعيره وهو محرم فهلك فظن هذا المتاخر أن لواقد بن عبد الله بن عمر صحبة وأنه صاحب القصة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وليس كما ظن فإن واقدا المذكور لا صحبة له فإن أمه صفية بنت أبي عبيد إنما تزوجها أبوه في خلافة أبيه عمر واختلف في صحبتها وذكرها العجلي وغيره في التابعين ووجدت في الصحابة واقد بن عبد الله آخر لكن لم أر في شيء من الأخبار أنه وقع عن بعيره فهلك بل ذكر غير واحد منهم بن سعد أنه مات في خلافة عمر فبطل تفسير المبهم بأنه واقد بن عبد الله من كل وجه

قوله باب الاغتسال للمحرم أي ترفها وتنظفا وتطهرا من الجنابة قال بن المنذر اجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك وكأن المصنف أشار إلى ما روى عن مالك أنه كره للمحرم أن يغطى رأسه في الماء وروى في الموطأ عن نافع أن بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم الا من احتلام قوله وقال بن عباس يدخل المحرم الحمام وصله الدارقطني والبيهقي من طريق أيوب عن عكرمة عنه قال المحرم يدخل الحمام وينزع ضرسه وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول اميطوا عنكم الأذى فإن الله لا يصنع باذاكم شيئا وروى البيهقي من وجه آخر عن بن عباس أنه دخل حماما بالجحفة وهو محرم وقال أن الله لا يعبأ بأوساخكم شيئا وروى بن أبي شيبة كراهة ذلك عن الحسن وعطاء قوله ولم ير بن عمر وعائشة بالحك بأسا أما أثر بن عمر فوصله البيهقي من طريق أبي مجلز قال رأيت بن عمر يحك رأسه وهو محرم ففطنت له فإذا هو يحك بأطراف انامله وأما أثر عائشة فوصله مالك عن علقمة بن علقمة عن أمة واسمها مرجانة سمعت عائشة تسأل عن المحرم ايحك جسده قال نعم وليشدد وقالت عائشة لو ربطت يداي ولم أجد الا أن احك برجلي لحككت أه ومناسبة أثر بن عمر وعائشة للترجمة بجامع ما بين الغسل والحك من إزالة الأذى

[ 1743 ] قوله عن زيد بن أسلم عن إبراهيم كذا في جميع الموطآت وأغرب يحيى بن يحيى الأندلسي فأدخل بين زيد وإبراهيم نافعا قال بن عبد البر وذلك معدود من خطئه قوله عن إبراهيم في رواية بن عيينة عن زيد أخبرني إبراهيم أخرجه أحمد وإسحاق والحميدي في مسانيدهم عنه وفي رواية بن جريج عند أحمد عن زيد بن أسلم أن إبراهيم بن عبد الله بن حنين مولى بن عباس أخبره كذا قال مولى بن عباس وقد اختلف في ذلك والمشهور أن حنينا كان مولى للعباس وهبه له النبي صلى الله عليه وسلم فاولاده موال له قوله أن بن عباس في رواية بن جريج عند أبي عوانة كنت مع بن عباس والمسور قوله بالأبواء أي وهما نازلان بها وفي رواية بن عيينة بالعرج وهو بفتح أوله واسكان ثانيه قرية جامعة قريبة من الأبواء قوله إلى أبي أيوب زاد بن جريج فقال قل له يقرأ عليك السلام بن أخيك عبد الله بن عباس ويسألك قوله بين القرنين أي قرني البئر وكذا هو لبعض رواة الموطأ وكذا في رواية بن عيينة وهما العمودان أي العمودان المنتصبان لأجل عود البكرة قوله أرسلني إليك عبد الله بن عباس يسالك كيف كان الخ قال بن عبد البر الظاهر أن بن عباس كان عنده في ذلك نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أخذه عن أبي أيوب أو غيره ولهذا قال عبد الله بن حنين لأبي أيوب يسالك كيف كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل رأسه أو لا على حسب ما وقع فيه اختلاف بين المسور وابن عباس قلت ويحتمل أن يكون عبد الله بن حنين تصرف في السؤال لفطنته كأنه لما قال له سله هل يغتسل المحرم أو لا فجاء فوجده يغتسل فهم من ذلك أنه يغتسل فأحب أن لا يرجع الا بفائدة فسأله عن كيفية الغسل وكأنه خص الرأس بالسؤال لأنها موضع الاشكال في هذه المسألة لأنها محل الشعر الذي يخشى انتتافه بخلاف بقية البدن غالبا قوله فطأطاه أي أزاله عن رأسه وفي رواية بن عيينة جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه وفي رواية بن جريج حتى رأيت رأسه ووجهه قوله لإنسان لم أقف على اسمه ثم قال أي أبو أيوب هكذا رأيته أي النبي صلى الله عليه وسلم يفعل زاد بن عيينة فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا اماريك أبدا أي لا اجادلك واصل المراء واستخراج ما عند الإنسان يقال أمر فلان فلانا إذا استخرج ما عنده قاله بن الأنباري وأطلق ذلك في المجادلة لأن كلا المتجادلين يستخرج ما عند الآخر من الحجة وفي هذا الحديث من الفوائد مناظرة الصحابة في الأحكام ورجوعهم إلى النصوص وقبولهم لخبر الواحد ولو كان تابعيا وأن قول بعضهم ليس بحجة على بعض قال بن عبد البر لو كان معنى الاقتداء في قوله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم يراد به الفتوى لما احتاج بن عباس إلى إقامة البينة على دعواه بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت نجم فبأينا اقتدى من بعدنا كفاه ولكن معناه كما قال المزني وغيره من أهل النظر أنه في النقل لأن جميعهم عدول وفيه اعتراف للفاضل بفضله وانصاف الصحابة بعضهم بعضا وفيه استتار الغاسل عند الغسل والاستعانة في الطهارة وجواز الكلام والسلام حالة الطهارة وجواز غسل المحرم وتشريبه شعره بالماء ودلكه بيده إذا أمن تناثره واستدل به القرطبي على وجوب الدلك في الغسل قال لأن الغسل لو كان يتم بدونه لكان المحرم أحق بان يجوز له تركه ولا يخفى ما فيه واستدل به على أن تخليل شعر اللحية في الوضوء باق على استحبابه خلافا لمن قال يكره كالمتولى من الشافعية خشية انتتاف الشعر لأن في الحديث ثم حرك رأسه بيده ولا فرق بين شعر الرأس واللحية الا أن يقال أن شعر الرأس اصلب والتحقيق أنه خلاف الأولى في حق بعض دون بعض قاله السبكي الكبير والله أعلم

قوله باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين أي هل يشترط قطعهما أو لا وأورد فيه حديث بن عمر في ذلك وحديث بن عباس وقد تقدم الكلام عليه في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب ووقع في رواية أبي زيد المروزي عن سالم بن عبد الله بن عمر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجياني الصواب ما رواه بن السكن وغيره فقالوا عن سالم عن بن عمر قلت تصحفت عن فصارت بن وقوله

[ 1744 ] في حديث بن عباس ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل للمحرم أي هذا الحكم للمحرم لا الحلال فلا يتوقف جواز لبسه السراويل على فقد الإزار قال القرطبي أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد فأجاز لبس الخف والسراويل للمحرم الذي لا يجد النعلين والازار على حالهما واشترط الجمهور قطع الخف وفتق السراويل فلو لبس شيئا منهما على حاله لزمته الفدية والدليل لهم

[ 1745 ] قوله في حديث بن عمر وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين فيحمل المطلق على المقيد ويلحق النظير بالنظير لاستوائهما في الحكم وقال بن قدامة الأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف انتهى والأصح عند الشافعية والأكثر جواز ليس السراويل بغير فتق كقول أحمد واشترط الفتق محمد بن الحسن وإمام الحرمين وطائفة وعن أبي حنيفة منع السراويل للمحرم مطلقا ومثله عن مالك وكأن حديث بن عباس لم يبلغه ففي الموطأ أنه سئل عنه فقال لم أسمع بهذا الحديث وقال الرازي من الحنفية يجوز لبسه وعليه الفدية كما قاله أصحابهم في الخفين ومن أجاز لبس السراويل على حاله قيده بأن لا يكون في حالة لو فتقه لكان إزارا لأنه في تلك الحالة يكون واحد الإزار

قوله باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل أورد فيه حديث بن عباس وقد تقدم البحث فيه في الباب الذي قبله وجزم المصنف بالحكم في هذه المسألة دون التي قبلها لقوة دليلها وتصريح المخالف بأن الحديث لم يبلغه فيتعين على من بلغه العمل به

قوله باب لبس السلاح للمحرم أي إذا أحتاج إلى ذلك قوله وقال عكرمة إذا خشي العدو لبس السلاح وافتدى أي وجبت عليه الفدية ولم اقف على أثر عكرمة هذا موصولا وقوله ولم يتابع عليه في الفدية يقتضى أنه توبع على جواز لبس السلاح عند الخشية وخولف في وجوب الفدية وقد نقل بن المنذر عن الحسن أنه كره أن يتقلد المحرم السيف وقد تقدم في العيدين قول بن عمر للحجاج أنت أمرت بحمل السلاح في الحرم وقوله له وأدخلت السلاح في الحرم ولم يكن السلاح يدخل فيه وفي رواية أمرت بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله وتقدم الكلام على ذلك مستوفى في باب من كره حمل السلاح في العيد وذكر من روى ذلك مرفوعا ثم أورد المصنف في الباب حديث البراء في عمرة القضاء مختصرا وسيأتى بتمامه في كتاب الصلح عن عبيد الله بن موسى بإسناده هذا ووهم المزي في الأطراف فزعم أن البخاري أخرجه في الحج بطوله وليس كذلك

قوله باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام هو من عطف الخاص على العام لأن المراد بمكة هنا البلد فيكون الحرم أعم قوله ودخل بن عمر وصله مالك في الموطأ عن نافع قال أقبل عبد الله بن عمر من مكة حتى إذا كان بقديد يعني بضم القاف جاءه خبر عن الفتنة فرجع فدخل مكة بغير إحرام قوله وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة ولم يذكر الحطابين وغيرهم هو من كلام المصنف وحاصله أنه خص الإحرام بمن أراد الحج والعمرة واستدل بمفهوم

[ 1748 ] قوله في حديث بن عباس ممن أراد الحج والعمرة فمفهومه أن المتردد إلى مكة لغير قصد الحج والعمرة لا يلزمه الإحرام وقد اختلف العلماء في هذا فالمشهور من مذهب الشافعي عدم الوجوب مطلقا وفي قول يجب مطلقا وفيمن يتكرر دخوله خلاف مرتب وأولى بعدم الوجوب والمشهور عن الأئمة الثلاثة الوجوب وفي رواية عن كل منهم لا يجب وهو قول بن عمر والزهري والحسن وأهل الظاهر وجزم الحنابلة باستثناء ذوي الحاجات المتكررة واستثنى الحنفية من كان دخل الميقات وزعم بن عبد البر أن أكثر الصحابة والتابعين على القول بالوجوب ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث بن عباس وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت الثاني حديث أنس في المغفر وقد اشتهر عن الزهري عنه ووقع لي من رواية يزيد الرقاشي عن أنس في فوائد أبي الحسن الفراء الموصلي وفي الإسناد إلى يزيد مع ضعفه ضعف وقيل أن مالكا تفرد به عن الزهري وممن جزم بذلك بن الصلاح في علوم الحديث له في الكلام عن الشاذ وتعقبه شيخنا الحافظ أبو الفضل العراقي بأنه ورد من طريق بن أخي الزهري وأبي أويس ومعمر والأوزاعي وقال أن رواية بن أخي الزهري عند البزار ورواية أبي أويس عند بن سعد وابن عدي وأن رواية معمر ذكرها بن عدي وأن رواية الأوزاعي ذكرها المزني ولم يذكر شيخنا من أخرج روايتهما وقد وجدت رواية معمر في فوائد بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ثم نقل شيخنا عن بن مسدى أن بن العربي قال حين قيل له لم يروه الا مالك قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك وأنه وعد بإخراج ذلك ولم يخرج شيئا وأطال بن مسدى في هذه القصة وأنشد فيها شعرا وحاصلها أنهم اتهموا بن العربي في ذلك ونسبوه إلى المجازفة ثم شرع بن مسدى يقدح في أصل القصة ولم يصب في ذلك فراوى القصة عدل متقن والذين اتهموا بن العربي في ذلك هم الذين اخطئوا لقلة اطلاعهم وكأنه بخل عليهم بإخراج ذلك لما ظهر له من انكارهم وتعنتهم وقد تتبعت طرقه حتى وقفت على أكثر من العدد الذي ذكره بن العربي ولله الحمد فوجدته من رواية أثنى عشر نفسا غير الأربعة التي ذكرها شيخنا وهم عقيل في معجم بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلى وابن أبي حفص في الرواة عن مالك للخطيب وابن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد في تاريخ نيسابور وابن أبي ذئب في الحلية ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في افراد الدارقطني وعبد الرحمن ومحمد ابنا عبد العزيز الأنصاريان في فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني وابن إسحاق في مسند مالك لابن عدي وبحر السقاء الذي ذكره جعفر الأندلسي في تخريجه للجيزى بالجيم والزاي وصالح بن أبي الأخضر ذكره أبو ذر الهروي عقب حديث يحيى بن قزعة عن مالك والمخرج عند البخاري في المغازي فتبين بذلك أن إطلاق بن الصلاح متعقب وأن قول بن العربي صحيح وأن كلام من أتهمه مردود ولكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح الا طريق مالك واقربها رواية بن أخي الزهري فقد أخرجها النسائي في مسند مالك وأبو عوانة في صحيحه وتليها رواية أبي أويس أخرجها أبو عوانة أيضا وقالوا إنه كان رفيق مالك في السماع عن الزهري فيحمل قول من قال انفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة وعبارة عن الترمذي سالمة من الاعتراض فإنه قال بعد تخريجه حسن صحيح غريب لا يعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهري فقوله كثير يشير إلى أنه توبع في الجملة

[ 1749 ] قوله عن أنس في رواية أبي أويس عند بن سعد أن أنس بن مالك حدثه قوله عام الفتح وعلى رأسه المغفر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس وقيل هو رفرف البيضة قاله في المحكم وفي المشارق هو ما يجعل من فضل دروع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وفي رواية زيد بن الحباب عن مالك يوم الفتح وعليه مغفر من حديد أخرجه الدارقطني في الغرائب والحاكم في الإكليل وكذا هو في رواية أبي أويس قوله فلما نزعه جاءه رجل لم اقف على اسمه الا أنه يحتمل أن يكون هو الذي باشر قتله وقد جزم الفاكهي في شرح العمدة بأن الذي جاء بذلك هو أبو برزة الأسلمي وكأنه لما رجح عنده أنه هو الذي قتله رأى أنه هو الذي جاء مخبرا بقصته ويوشحه قوله في رواية يحيى بن قزعة في المغازي فقال اقتله بصيغة الأفراد على أنه اختلف في اسم قاتله ففي حديث سعيد بن يربوع عند الدارقطني والحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال أربعة لا اؤمنهم لا في حل ولا حرم الحويرث بن نقيد بالنون والقاف مصغر وهلال بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن أبي سراح قال فأما هلال بن خطل فقتله الزبير الحديث وفي حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار والحاكم والبيهقي في الدلائل نحوه لكن قال أربعة نفر وامرأتين فقال اقتلوهم وأن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فذكرهم لكن قال عبد الله بن خطل بدل هلال وقال عكرمة بدل الحويرث ولم يسم المرأتين وقال فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيدا عمارا وكان اشب الرجلين فقتله الحديث وفي زيادات يونس بن بكير في المغازي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه وروى بن أبي شيبة والبهيقى في الدلائل من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم فتح مكة الا أربعة من الناس عبد العزي بن خطل ومقيس بن صبابة الكناني وعبد الله بن أبي سرح وأم سارة فأما عبد العزي بن خطل فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة وروى بن أبي شيبة من طريق أبي عثمان النهدي أن أبا برزة الأسلمي قتل بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وإسناده صحيح مع إرساله وله شاهد عند بن المبارك في البر والصلة من حديث أبي برزة نفسه ورواه أحمد من وجه آخر وهو أصح ما ورد في تعيين قاتله وبه جزم البلاذري وغيره من أهل العلم بالأخبار وتحمل بقية الروايات على إنهم ابتدروا قتله فكان المباشر له منهم أبو برزة ويحتمل أن يكون غيره شاركه فيه فقد جزم بن هشام في السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله ومنهم من سمي قاتله سعيد بن ذؤيب وحكى المحب الطبري أن الزبير بن العوام هو الذي قتل بن خطل وروى الحاكم من طريق أبي معشر عن يوسف بن يعقوب عن السائب بن يزيد قال فأخذ عبد الله بن خطل من تحت استار الكعبة فقتل بين المقام وزمزم وقد جمع الواقدي عن شيوخه أسماء من لم يؤمن يوم الفتح وأمر بقتله عشرة أنفس ستة رجال وأربع نسوة والسبب في قتل بن خطل وعدم دخوله في قوله من دخل المسجد فهو آمن ما روى بن إسحاق في المغازي حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة قال لا يقتل أحدا الا من قاتل الا نفرا سماهم فقال اقتلوهم إن وجدتموهم تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد وإنما أمر بقتل بن خطل لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الفاكهي من طريق بن جريج قال قال مولى بن عباس بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار ورجلا من مزينة وابن خطل وقال اطيعا الأنصاري حتى ترجعا فقتل بن خطل الأنصاري وهرب المزني وكان ممن اهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح ومن النفر الذين كان اهدر دمهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح غير من تقدم ذكره هبار بن الأسود وعكرمة بن أبي جهل وكعب بن زهير ووحشي بن حرب وأسيد بن إياس بن أبي زنيم وقينتا بن خطل وهند بنت عتبة والجمع بين ما اختلف فيه من اسمه أنه كان يسمى عبد العزي فلما أسلم سمي عبد الله وأما من قال هلال فالتبس عليه بأخ له اسمه هلال بين ذلك الكلبي في النسب وقيل هو عبد الله بن هلال بن خطل وقيل غالب بن عبد الله بن خطل واسم خطل عبد مناف من بني تيم بن فهر بن غالب وهذا الحديث ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح لم يكن محرما وقد صرح بذلك مالك راوي الحديث كما ذكره المصنف في المغازي عن يحيى بن قزعة عن مالك عقب هذا الحديث قال مالك ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم يومئذ محرما أه وقول مالك هذا رواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جازما به أخرجه الدارقطني في الغرائب ووقع في الموطأ من رواية أبي مصعب وغيره قال مالك قال بن شهاب ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما وهذا مرسل ويشهد له ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن طاوس قال لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة الا محرما الا يوم فتح مكة وزعم الحاكم في الإكليل أن بين حديث أنس في المغفر وبين حديث جابر في العامة السوداء معارضة وتعقبوه باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم ازاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل منهما ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه خطب الناس وعليه عمامة سوداء أخرجه مسلم أيضا وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول وهذا الجمع لعياض وقال غيره يجمع بأن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر أو كانت تحت المغفر وقاية لرأسه من صدأ الحديد فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متهيئا للحرب وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم وبهذا يندفع إشكال من قال لا دلالة في الحديث على جواز دخول مكة بغير إحرام لاحتمال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان محرما ولكنه غطى رأسه لعذر فقد اندفع ذلك بتصريح جابر بأنه لم يكن محرما لكن فيه اشكال من وجه آخر لأنه صلى الله عليه وسلم كان متأهبا للقتال ومن كان كذلك جاز له الدخول بغير إحرام عند الشافعية وأن كان عياض نقل الاتفاق على مقابله وأما من قال من الشافعية كابن القاص دخول مكة بغير إحرام من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر لأن الخصوصية لا تثبت الا بدليل لكن زعم الطحاوي أن دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي شريح وغيره إنها لم تحل له الا ساعة من نهار وأن المراد بذلك جواز دخولها له بغير إحرام لا تحريم القتل والقتال فيها لأنهم اجمعوا على أن المشركين لو غلبوا والعياذ بالله تعالى على مكة حل للمسلمين قتالهم وقتلهم فيها وقد عكس استدلاله النووي فقال في الحديث دلالة على أن مكة تبقى دار إسلام إلى يوم القيامة فبطل ما صوره الطحاوي وفي دعواه الإجماع فنظر فإن الخلاف ثابت كما تقدم وقد حكاه القفال والماوردى وغيرهما واستدل بحديث الباب على أنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة وأجاب النووي بأنه صلى الله عليه وسلم كان صالحهم لكن لما لم يأمن غدرهم دخل متأهبا وهذا جواب قوي الا أن الشأن في ثبوت كونه صالحهم فإنه لا يعرف في شيء من الأخبار صريحا كما سيأتي وايضاحه في الكلام على فتح مكة من المغازي إن شاء الله تعالى واستدل بقصة بن خطل على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة قال بن عبد البر كان قتل بن خطل قودا من قتله المسلم وقال السهيلي فيه أن الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب وقال النووي تاول من قال لا يقتل فيها على أنه صلى الله عليه وسلم قتله في الساعة التي ابيحت له وأجاب عنه أصحابنا بأنها إنما ابيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها واذعن أهلها وإنما قتل بن خطل بعد ذلك انتهى وتعقب بما تقدم في الكلام على حديث أبي شريح أن المراد بالساعة التي أحلت له ما بين أول النهار ودخول وقت العصر وقتل بن خطل كان قبل ذلك قطعا لأنه قيد في الحديث بأنه كان عند نزعه المغفر وذلك عند استقراره بمكة وقد قال بن خزيمة المراد بقوله في حديث بن عباس ما أحل الله لأحد فيه القتل غيري أي قتل النفر الذين قتلوا يومئذ بن خطل ومن ذكر معه قال وكان الله قد أباح له القتال والقتل معا في تلك الساعة وقتل بن خطل وغيره بعد تقضى القتال واستدل به على جواز قتل الذي إذا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه نظر كما قاله بن عبد البر لأن بن خطل كان حربيا ولم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمانه لأهل مكة بل استثناه مع من استثنى وخرج أمره بقتله مع أمانه لغيره مخرجا واحدا فلا دلالة فيه لما ذكره انتهى ويمكن أن يتمسك به في جواز قتل من فعل ذلك بغير استتابة من غير تقييد بكونه ذميا لكن بن خطل عمل بموجبات القتل فلم يتحتم أن سبب قتله السب واستدل به على جواز قتل الأسير صبرا لأن القدرة على بن خطل صيرته كالأسير في يد الإمام وهو مخير فيه بين القتل وغيره لكن قال الخطابي أنه صلى الله عليه وسلم قتله بما جناه في الإسلام وقال بن عبد البر قتله قودا من دم المسلم الذي غدر به وقتله ثم ارتد كما تقدم واستدل به على جواز قتل الأسير من غير أن يعرض عليه الإسلام ترجم بذلك أبو داود وفيه مشروعية لبس المغفر وغيره من الات السلاح حال الخوف من العدو وأنه لا ينافي التوكل وقد تقدم في باب متى يحل للمعتمر من أبواب العمرة من حديث عبد الله بن أبي أوفى اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل مكة طاف وطفنا معه ومعه من يستره من أهل مكة أن يرميه أحد الحديث وإنما احتاج إلى ذلك لأنه كان حينئذ محرما فخشي الصحابة أن يرميه بعض سفهاء المشركين بشيء يؤذيه فكانوا حوله يسترون رأسه ويحفظونه من ذلك وفيه جواز رفع أخبار أهل الفساد إلى ولاة الأمر ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة ولا النميمة

قوله باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص أي هل يلزمه فدية أو لا وإنما لم يجزم بالحكم لأن حديث الباب لا تصريح فيه بإسقاط الفدية ومن ثم استظهر المصنف الراجح بقول عطاء راوي الحديث كأنه يشير إلى أنه لو كانت الفدية واجبة لما خفيت عن عطاء وهو راوي الحديث قال بن بطال وغيره وجه الدلالة منه أنه لو لزمته الفدية لبينها صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وفرق مالك فيمن تطيب أو لبس ناسيا بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب كان غير عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية وقول مالك فيه احتياط وأما قول الكوفيين والمزنى مخالف هذا الحديث وأجاب بن المنير في الحاشية بان الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا أنتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي قال ولا خلاف أن التكليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى بخلاف من لبس الآن جاهلا فإنه جهل حكما استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفا به وقد تمكن من تعلمه قوله وقال عطاء الخ ذكره بن المنذر في الأوسط ووصله الطبراني في الكبير وأما حديث يعلى فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب غسل الخلوف في أوائل الحج قوله في الإسناد صفوان بن يعلى بن أمية قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم هذا وقع في رواية أبي ذر وهو تصحيف والصواب ما ثبت في رواية غيره صفوان بن يعلى عن أبيه فتصحفت عن فصارت بن وأبيه فصارت أمية أو سقط من السند عن أبيه وليست لصفوان صحبة ولا رواية قوله وعض رجل يد رجل هذا حديث آخر وسيأتي مبسوطا مع الكلام عليه في أبواب الدية إن شاء الله تعالى

قوله باب المحرم يموت بعرفة ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤدي عنه بقية الحج يعني لم ينقل ذلك وذكر فيه حديث بن عباس في الرجل المحرم الذي وقع عن بعيره بعرفة فمات وقد تقدم التنبيه عليه في باب ما ينهى عن الطيب للمحرم وأورده المصنف من حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وعن أيوب فرقهما كلاهما عن سعيد بن جبير ووقع في رواية عمرو فوقصته أو قال فأقعصته وفي رواية أيوب فوقصته أو قال فأوقصته وكلها بمعنى وزاد في رواية أيوب ولا تمسوه طيبا والباقي سواء وقد وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن علية في هذا الحديث عن أيوب قال نبئت عن سعيد بن جبير فالله أعلم

قوله باب سنة المحرم إذا مات ذكر فيه حديث بن عباس المذكور من وجه آخر عن سعيد بن جبير وقد سبق

قوله باب الحج والنذور عن الميت كذا ثبت للأكثر بلفظ الجمع وفي رواية النسفي النذر بالافراد قوله والرجل يحج عن المرأة يعني أن حديث الباب يستدل به على الحكمين وفيه على الحكم الثاني نظر لأن لفظ الحديث أن امرأة سألت عن نذر كان على أبيها فكان حق الترجمة أن يقول والمرأة تحج عن الرجل وأجاب بن بطال بأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب المرأة بخطاب دخل فيه الرجال والنساء وهو قوله اقضوا الله قال ولا خلاف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل ولم يخالف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل الا الحسن بن صالح انتهى والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى رواية شعبة عن أبي بشر في هذا الحديث فإنه قال فيها أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن أختي نذرت أن تحج الحديث وفيه فاقض الله فهو أحق بالقضاء أخرجه المصنف في كتاب النذور وكذا أخرجه أحمد والنسائي من طريق شعبة

[ 1754 ] قوله أن امرأة من جهينة لم اقف على اسمها ولا على اسم أبيها لكن روى بن وهب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه أن غايثة أو غاثية أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أن أمي ماتت وعليها نذر أن تمشي إلى الكعبة فقال اقض عنها أخرجه بن منده في حرف الغين المعجمة من الصحابيات وتردد هل هي بتقديم المثناة التحتانية على المثلثة أو بالعكس وجزم بن طاهر في المبهمات بأنه اسم الجهينية المذكورة في حديث الباب وقد روى النسائي وابن خزيمة وأحمد من طريق موسى بن سلمة الهذلي عن بن عباس قال أمرت امرأة سنان بن عبد الله الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمها توفيت ولم تحج الحديث لفظ أحمد ووقع عند النسائي سنان بن سلمة والأول أصح وهذا لا يفسر به المبهم في حديث الباب أن المرأة سألت بنفسها وفي هذا أن زوجها سأل لها ويمكن الجمع بان يكون نسبة السؤال إليها مجازية وإنما الذي تولى لها السؤال زوجها وغايته أنه في هذه الرواية لم يصرح بأن الحجة المسئول عنها كانت نذرا وأما ما روى بن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن بن عباس عن سنان بن عبد الله الجهني أن عمته حدثته أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أن أمي توفيت وعليها مشى إلى الكعبة نذرا الحديث فإن كان محفوظا حمل على واقعتين بان تكون امرأته سألت على لسانه عن حجة أمها المفروضة وبأن تكون عمته سألت بنفسها عن حجة أمها المنذورة ويفسر في من حديث الباب بأنها عمة سنان واسمها غايثة كما تقدم ولم تسم المرأة ولا العمة ولا أم واحدة منهما قوله أن أمي نذرت أن تحج كذا رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس من رواية أبي عوانة عنه وسيأتي في النذور من طريق شعبة عن أبي بشر بلفظ أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت فإن كان محفوظا احتمل أن يكون كل من الأخ سأل عن أخته والبنت سألت عن أمها وسيأتي في الصيام من طريق أخرى عن سعيد بن جبير بلفظ قالت امرأة أن أمي ماتت وعليها صوم شهر وسيأتي بسط القول فيه هناك وزعم بعض المخالفين أنه اضطراب يعل به الحديث وليس كما قال فإنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج ويدل عليه ما رواه مسلم عن بريدة أن امرأة قالت يا رسول الله إني تصدقت على أمي بجارية وانها ماتت قال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت إنه كان عليها أن صوم شهر افاصوم عنها قال صومي عنها قالت أنها لم تحج افأحج عنها قال حجي عنها وللسؤال عن قصة الحج من حديث بن عباس أصل آخر أخرجه النسائي من طريق سليمان بن يسار عنه وله شاهد من حديث أنس عند البزار والطبراني والدارقطني واستدل به على صحة نذر الحج ممن لم يحج فإذا حج اجزاه عن حجة الإسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر وقيل يجزئ عن النذر ثم يحج حجة الإسلام وقيل يجزئ عنهما قوله قال نعم حجي عنها في رواية موسى بن سلمة أفيجزىء عنها أن أحج عنها قال نعم قوله أرأيت الخ فيه مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما اختلف فيه واشكل بما اتفق عليه وفيه أنه يستحب للمفتى التنبيه على وجه الدليل إذا ترتبت على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتى وادعى لاذعانه وفيه أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلوما عندهم مقررا ولهذا حسن الإلحاق به وفيه أجزاء الحج عن الميت وفيه اختلاف فروى سعيد بن منصور وغيره عن بن عمر بإسناد صحيح لا يحج أحد عن أحد ونحوه عن مالك والليث وعن مالك أيضا أن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا وسيأتي البحث في ذلك الباب الذي يليه قوله أكنت قاضيته كذا للأكثر بضمير يعود على الدين وللكشميهني قاضية بوزن فاعلة أو حذف المفعول وفيه أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه فقد اجمعوا على أن دين الأدمي من رأس المال فكذلك ما شبه به في القضاء ويلتحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من كفارة أو نذر أو زكاة أو غير ذلك وفي قوله فالله أحق بالوفاء دليل على أنه مقدم على دين الأدمي وهو أحد أقوال الشافعي وقيل بالعكس وقيل هما سواء قال الطيبي في الحديث اشعار بان المسئول عنه خلف مالا فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن حق الله مقدم على حق العباد وأوجب عليه الحج عنه والجامع علة المالية قلت ولم يتحتم في الجواب المذكور أن يكون خلف مالا كما زعم لأن قوله أكنت قاضيته أعم من أن يكون المراد مما خلفه أو تبرعا

قوله باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة أي من الأحياء خلافا لمالك في ذلك ولمن قال لا يحج أحد عن أحد مطلقا كابن عمر ونقل بن المنذر وغيره الإجماع على أنه لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج الواجب وأما النفل فيجوز عند أبي حنيفة خلافا للشافعي وعن أحمد روايتان

[ 1755 ] قوله عن بن شهاب عن سليمان في رواية الترمذي من طريق روح عن بن جريج أخبرني بن شهاب حدثني سليمان بن يسار قوله عن بن عباس في رواية شعيب الآتية في الاستئذان عن بن شهاب أخبرني سليمان أخبرني عبد الله بن عباس قوله عن الفضل بن عباس كذا قال بن جريج وتابعه معمر وخالفهما مالك وأكثر الرواة عن الزهري فلم يقولوا فيه عن الفضل وروى بن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن بن عباس أخبرني حصين بن عوف الخثعمي قال قلت يا رسول الله أن أبي أدركه الحج ولا يستطيع أن يحج الحديث قال الترمذي سألت محمدا يعني البخاري عن هذا فقال أصح شيء فيه ما روى بن عباس عن الفضل قال فيحتمل أن يكون بن عباس سمعه من الفضل ومن غيره ثم رواه بغير واسطة أه وإنما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ وكان بن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة كما سيأتي بعد باب وقد سبق في باب التلبية والتكبير من طريق عطاء عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل فأخبر الفضل أنه لم يزل يلبى حتى رمى الجمرة فكأن الفضل حدث أخاه بما شاهده في تلك الحالة ويحتمل أن يكون سؤال الخثعمية وقع بعد رمى جمرة العقبة فحضره بن عباس فنقله تارة عن أخيه لكونه صاحب القصة وتارة عما شاهده ويؤيد ذلك ما وقع عند الترمذي وأحمد وابنه عبد الله والطبري من حديث علي مما يدل على أن السؤال المذكور وقع عند المنحر بعد الفراغ من الرمي وأن العباس كان شاهدا ولفظ أحمد عندهم من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن على قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال هذه عرفة وهو الموقف فذكر الحديث وفيه ثم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر وكل منى منحر واستفتته وفي رواية عبد الله ثم جاءته شابة من خثعم فقالت إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج أفيجزىء أن أحج عنه قال حجي عن أبيك قال ولوى عنق الفضل فقال العباس يا رسول الله لويت عنق بن عمك قال رأيت شابا فلم آمن عليها الشيطان وظاهر هذا أن العباس كان حاضرا لذلك فلا مانع أن يكون ابنه عبد الله أيضا كان معه تنبيه لم يسق المصنف لفظ رواية بن جريج بل تحول إلى إسناد عبد العزيز بن أبي سلة وساق الحديث على لفظه كعادته وبقية حديث بن جريج أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يركب البعير افأحج عنه قال حجي عنه أخرجه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه والطبراني عن أبي مسلم كذلك أخرجه مسلم من وجه آخر عن بن جريج فقال إن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير عليه فريضة الله في الحج الحديث قوله عام حجة الوداع في رواية شعيب الآتية في الاستئذان يوم النحر وللنسائي من طريق بن عيينة عن بن شهاب غداة جمع وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب الذي بعده

قوله باب حج المرأة عن الرجل تقدم نقل الخلاف فيه قبل باب

[ 1756 ] قوله كان الفضل يعني بن عباس وهو أخو عبد الله وكان أكبر ولد العباس وبه كان يكنى قوله رديف زاد شعيب على عجز راحلته قوله فجاءته امرأة من خثعم بفتح المعجمة وسكون المثلثة قبيلة مشهورة قوله فجعل الفضل ينظر إليها في رواية شعيب وكان الفضل رجلا وضيئا أي جميلا وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها قوله يصرف وجه الفضل في رواية شعيب فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فدفع وجهه عن النظر إليها وهذا هو المراد بقوله في حديث علي فلوى عنق الفضل ووقع في رواية الطبري في حديث على وكان الفضل غلاما جميلا فإذا جاءت الجارية من هذا الشق صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل إلى الشق الآخر فإذا جاءت إلى الشق الآخر صرف وجهه عنها وقال في آخره رأيت غلاما حدثا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان قوله إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا في رواية عبد العزيز وشعيب أن فريضة الله على عباده في الحج وفي رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار أن أبي أدركه الحج واتفقت الروايات كلها عن بن شهاب على أن السائلة كانت امرأة وإنها سألت عن أبيها وخالفه يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان فاتفق الرواة عنه على أن السائل رجل ثم اختلفوا عليه في إسناده ومتنه أما إسناده فقال هشيم عنه عن سليمان عن عبد الله بن عباس وقال محمد بن سيرين عنه عن سليمان عن الفضل أخرجهما النسائي وقال بن علية عنه عن سليمان حدثني أحد ابني العباس أما الفضل وأما عبد الله أخرجه أحمد وأما المتن فقال هشيم أن رجلا سأل فقال أن أبي مات وقال بن سيرين فجاء رجل فقال أن أمي عجوز كبيرة وقال بن علية فجاء رجل فقال أن أبي أو أمي وخالف الجميع معمر عن يحيى بن أبي إسحاق فقال في روايته أن امرأة سألت عن أمها وهذا الاختلاف كله عن سليمان بن يسار فاجبنا أن ننظر في سياق غيره فإذا كريب قد رواه عن بن عباس عن حصين بن عوف الخثعمي قال قلت يا رسول الله أن أبي أدركه الحج وإذا عطاء الخراساني قد روى عن أبي الغوث بن حصين الخثعمي أنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن حجة كانت على أبيه أخرجهما بن ماجة والرواية الأولى أقوى إسنادا وهذا يوافق رواية هشيم في أن السائل عن ذلك رجل سأل عن أبيه ويوافقه ما روى الطبراني من طريق عبد الله بن شداد عن الفضل بن عباس أن رجلا قال يا رسول الله أن أبي شيخ كبير ويوافقهما مرسل الحسن عند بن خزيمة فإنه أخرجه من طريق عوف عن الحسن قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال أن أبي شيخ كبير أدرك الإسلام لم يحج الحديث ثم ساقه من طريق عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال مثله الا أنه قال أن السائل سأل عن أمه قلت وهذا يوافق رواية بن سيرين أيضا عن يحيى بن أبي إسحاق كما تقدم والذي يظهر لي من مجموع هذه الطرق أن السائل رجل وكانت ابنته معه فسالت أيضا والمسئول عنه أبو الرجل وأمه جميعا ويقرب ذلك ما رواه أبو يعلى بإسناد قوي من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس عن الفضل بن عباس قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه بنت له حسناء فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها وجعلت ألتفت إليها ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم براسى فيلويه فكان يلبى حتى رمى جمرة العقبة فعلى هذا فقول الشابة أن أبي لعلها أرادت به جدها لأن أباها كان معها وكأنه أمرها أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع كلامها ويراها رجاء أن يتزوجها لما لم يرضها سأل أبوها عن أبيه ولا مانع أن يسأل أيضا عن أمه وتحصل من هذه الروايات أن اسم الرجل حصين بن عوف الخثعمي وأما ما وقع في الرواية الأخرى أنه أبو الغوث بن حصين فإن إسنادها ضعيف ولعله كان فيه عن أبي الغوث حصين فزيد في الرواية بن أو أن أبا الغوث أيضا كان مع أبيه حصين فسال كما سأل أبوه وأخته والله أعلم ووقع السؤال عن هذه المسألة من شخص آخر وهو أبو رزين بفتح الراء وكسر الزاي العقيلي بالتصغير واسمه لقيط بن عامر ففي السنن وصحيح بن خزيمة وغيرهما من حديثه أنه قال يا رسول الله أن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة قال حج عن أبيك واعتمر وهذه قصة أخرى ومن وحد بينهما وبين حديث الخثعمي فقد أبعد وتكلف قوله شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة قال الطيبي شيخا حال ولا يثبت صفة له ويحتمل أن يكون حالا أيضا ويكون من الأحوال المتداخلة والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة وقوله لا يثبت وقع في رواية عبد العزيز وشعيب لا يستطيع أن يستوي وفي رواية بن عيينة لا يستمسك على الرحل وفي رواية يحيى بن أبي إسحاق من الزيادة وأن شددته خشيت أن يموت وكذا في مرسل الحسن وحديث أبي هريرة عند بن خزيمة بلفظ وأن شددته بالحبل على الراحلة خشيت أن اقتله وهذا يفهم منه أن من قدر على غير هذين الامرين من الثبوت على الراحلة أو الأمن عليه من الأذى لو ربط لم يرخص له في الحج عنه كمن يقدر على محمل موطأ كالمحفة قوله افأحج عنه أي ايجوز لي أن أنوب عنه فاحج عنه لأن ما بعد الفاء الداخلة عليها الهمزة معطوف على مقدر وفي رواية عبد العزيز وشعيب فهل يقضي عنه وفي حديث على هل يجزئ عنه قوله قال نعم في حديث أبي هريرة فقال احجج عن أبيك وفي هذا الحديث من الفوائد جواز الحج عن الغير واستدل الكوفيون بعمومه على جواز صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بما في السنن وصحيح بن حزيمة وغيره من حديث بن عباس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يلبى عن شبرمة فقال أحججت عن نفسك فقال لا قال هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة واستدل به على أن الاستطاعة تكون بالغير كما تكون بالنفس وعكس بعض المالكية فقال من لم يستطع بنفسه لم يلاقه الوجوب وأجابوا عن حديث الباب بأن ذلك وقع من السائل على جهة التبرع وليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب وبانها عبادة بدنية فلا تصح النيابة فيها كالصلاة وقد نقل الطبري وغيره الإجماع على أن النيابة لا تدخل في الصلاة قالوا ولان العبادات فرضت على جهة الابتلاء وهو لا يوجد في العبادات البدنية الا باتعاب البدن فيه يظهر الانقياد أو النفور بخلاف الزكاة فإن الابتلاء فيها بنقص المال وهو حاصل بالنفس وبالغير وأجيب بان قياس الحج على الصلاة لا يصح لأن عبادة الحج مالية بدنية معا فلا يترجح الحاقها بالصلاة على الحاقها بالزكاة ولهذا قال المازري من غلب حكم البدن في الحج ألحقه بالصلاة ومن غلب حكم المال ألحقه بالصدقة وقد أجاز المالكية الحج عن الغير إذا أوصى به ولم يجيزوا ذلك في الصلاة وبأن حصر الابتلاء في المباشرة ممنوع لأنه يوجد في الآمر من بذله المال في الأجرة وقال عياض لا حجة للمخالف في حديث الباب لأن قوله أن فريضة الله على عباده الخ معناه أن الزام الله عباده بالحج الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف أبي بصفة من لا يستطيع فهل أحج عنه أي هل يجوز لي ذلك أو هل فيه أجر ومنفعة فقال نعم وتعقب بأن في بعض طرقه التصريح بالسؤال عن الأجزاء فيتم الاستدلال وتقديم في بعض طرق مسلم أن أبي عليه فريضة الله في الحج ولأحمد في رواية والحج مكتوب عليه وادعى بعضهم أن هذه القصة مختصة بالخثعمية كما اختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز ارضاع الكبير حكاه بن عبد البر وتعقب بان الأصل عدم الخصوصية واحتج بعضهم لذلك بما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بإسنادين مرسلين فزاد في الحديث حج عنه وليس لأحد بعده ولا حجة فيه لضعف الإسنادين مع ارسالهما وقد عارضة قوله في حديث الجهنية الماضي في الباب اقضوا الله فالله أحق بالوفاء وادعى آخرون منهم أن ذلك خاص بالابن يحج عن أبيه ولا يخفى أنه جمود وقال القرطبي رأى مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف لظاهر القرآن فرجع ظاهر القرآن ولا شك في ترجيحه من جهة تواتره ومن جهة أن القول المذكور قول امرأة ظنت ظنا قال ولا يقال قد اجابها النبي صلى الله عليه وسلم على سؤالها ولو كان ظنها غلطا لبينه لها لأنا نقول إنما اجابها عن قولها افاحج عنه قال حجي عنه لما رأى من حرصها على إيصال الخير والثواب لأبيها أه وتعقب بان في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك حجة ظاهرة وأما ما رواه عبد الرزاق من حديث بن عباس فزاد في الحديث حج عن أبيك فإن لم يزده خيرا لم يزده شرا فقد جزم الحفاظ بأنها رواية شاذة وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها للمخالف ومن فروع المسألة أن لا فرق بين من استقر الوجوب في ذمته قبل العضب أو طرا خلافا للحنفية وللجمهور ظاهر قصة الخثعمية وأن من حج عن غيره وقع الحج عن المستنيب خلافا لمحمد بن الحسن فقال يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر النفقة واختلفوا فيما أذاعنو في المعضوب فقال الجمهور لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن ميئوسا منه وقال أحمد وإسحاق لا تلزمه الإعادة لئلا يفضى إلى إيجاب حجتين واتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزى في الفرض إلا عن موت أو عضب فلا يدخل المريض لأنه يرجى برؤه ولا المجنون لأنه ترجى إفاقته ولا المحبوس لأنه يرجى خلاصه ولا الفقير لأنه يمكن استغناؤه والله أعلم وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز الارتداف وسيأتي مبسوطا قبيل كتاب الأدب وارتداف المرأة مع الرجل وتواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة الفضل بن عباس منه وبيان ما ركب في الآدمي من الشهوة وجبلت طباعه عليه من النظر إلى الصور الحسنة وفيه منع النظر إلى الأجنبيات وغض البصر قال عياض وزعم بعضهم أنه غير واجب الا عند خشية الفتنة قال وعندي أن فعله صلى الله عليه وسلم إذ غطى وجه الفضل أبلغ من القول ثم قال لعل الفضل لم ينظر نظرا ينكر بل خشي عليه أن يئول إلى ذلك أو كان قبل نزول الأمر بإدناء الجلابيب ويؤخذ منه التفريق بن الرجال والنساء خشية الفتنة وجواز كلام المرأة وسماع صوتها للأجانب عند الضرورة كالاستفتاء عن العلم والترافع في الحكم والمعاملة وفيه أن إحرام المرأة في وجهها فيجوز لها كشفه في الإحرام وروى أحمد وابن خزيمة من وجه آخر عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفضل حين غطى وجهه يوم عرفة هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له وفي هذا الحديث أيضا النيابة في السؤال عن العلم حتى من المرأة عن الرجل وأن المرأة تحج بغير محرم وأن المحرم ليس من السبيل المشترط في الحج لكن الذي تقدم من أنها كانت مع أبيها قد يرد على ذلك وفيه بر الوالدين والاعتناء بأمرهما والقيام بمصالحهما من قضاء دين وخدمة ونفقة وغير ذلك من أمور الدين والدنيا واستدل به على أن العمرة غير واجبة لكون الخثعمية لم تذكرها ولا حجة فيه لأن مجرد ترك السؤال لا يدل على عدم الوجوب لاستفادة ذلك من حكم الحج ولاحتمال أن يكون أبوها قد اعتمر قبل الحج على أن السؤال عن الحج والعمرة قد وقع في حديث أبي رزين كما تقدم وقال بن العربي حديث الخثعمية أصل متفق على صحته في الحج خارج عن القاعدة المستقرة في الشريعة من أن ليس للإنسان الا ما سعى رفقا من الله في استدراك ما فرط فيه المرء بولده وماله وتعقب بأنه يمكن أن يدخل في عموم السعي وبأن عموم السعي في الآية مخصوص اتفاقا

قوله باب حج الصبيان أي مشروعيته وكان الحديث الصريح فيه ليس على شرط المصنف وهو ما رواه مسلم من طريق كريب عن بن عباس قال رفعت امرأة صبيا لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال نعم ولك أجرا قال بن بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ الا أنه إذا حج به كان له تطوعا عند الجمهور وقال أبو حنيفة لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء بفعل شيء من محظورات الإحرام وإنما يحج به على جهة التدريب وشذ بعضهم فقال إذا حج الصبي اجزاه ذلك عن حجة الإسلام لظاهر قوله نعم في جواب ألهذا حج وقال الطحاوي لا حجة فيه لذلك بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له لأن بن عباس راوي الحديث قال أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى ثم ساقه بإسناد صحيح ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن عباس قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل بفتح المثلثة والقاف ويجوز اسكانها أي الامتعة وقد تقدم الكلام عليه في باب من قدم ضعفة أهله ووجه الدلالة منه هنا أن بن عباس كان دون البلوغ ولهذه النكتة أردفه المصنف بحديثه الآخر المصرح فيه بأنه كان حينئذ قد قارب على الاحتلام ثم بين بالطريق المعلقة أن ذلك وقع في حجة الوداع وقد تقدم الكلام عليه في باب متى يصح سماع الصغير من كتاب العلم وفي باب سترة المصلي من كتاب الصلاة وقوله

[ 1758 ] فيه حدثنا إسحاق نسبه الأصيلي وابن السكن بن منصور وقد أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن يعقوب أيضا ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج لكن يرجع كونه بن منصور أن بن راهويه لا يعبر عن مشايخه الا بصيغة أخبرنا ورواية يونس المعلقة وصلها مسلم من طريق بن وهب عنه ولفظه أنه أقبل يسير على حمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى في حجة الوداع الحديث وهو الثاني الحديث الثالث

[ 1759 ] قوله عن محمد بن يوسف في رواية الإسماعيلي حدثنا محمد بن يوسف وهو الكندي حفيد شيخه السائب وقيل سبطه وقيل بن أخيه عبد الله بن يزيد والسائب بن يزيد أي بن سعيد بن ثمامة بن الأسود الكندي حليف بني عبد شمس ويعرف بابن أخت النمر والنمر رجل حضرمي قوله حج بي كذا للأكثر بضم أوله وعلى البناء لما لم يسم فاعله وقال بن سعد عن الواقدي عن حاتم حجت بي أمي وللفاكهى من وجه آخر عن محمد بن يوسف عن السائب حج بي أبي ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه زاد الترمذي عن قتيبة عن حاتم في حجة الوداع

[ 1760 ] قوله عن الجعيد بالجيم مصغرا والقاسم بن مالك هو المزني قوله سمعت عمر بن عبد العزيز يقول للسائب بن يزيد وكان السائب قد حج به في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر مقول عمر ولا جواب السائب وكأنه كان قد سأله عن قدر المد فسياتى في الكفارات عن عثمان بن أبي شيبة عن القاسم بن مالك بهذا الإسناد كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز زاد الإسماعيلي من هذا الوجه قال السائب وقد حج بي في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وقال الكرماني اللام في قوله للسائب للتعليل أي سمعت عمر يقول لأجل السائب والمقول وكان السائب الخ كذا قال ولا يخفى بعده وسيأتى للسائب ترجمة في الكلام على خاتم النبوة إن شاء الله تعالى

قوله باب حج النساء أي هل يشترط فيه قدر زائد عن حج الرجال أو لا ثم أورد المصنف فيه عدة أحاديث الأول

[ 1761 ] قوله وقال لي أحمد بن محمد حدثنا إبراهيم عن أبيه عن جده قال أذن عمر أي بن الحطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن كذا أورده مختصرا ولم يستخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم ونقل الحميدي عن البرقاني أن إبراهيم هو بن عبد الرحمن بن عوف قال الحميدي وفيه نظر ولم يذكره أبو مسعود انتهى والحديث معروف وقد ساقه بن سعد والبيهقي مطولا وجعل مغلطاي تنظير الحميدي راجعا إلى نسبة إبراهيم فقال مراد البرقاني بإبراهيم جد إبراهيم المبهم في رواية البخاري فظن الحميدي أنه عين إبراهيم الأول وليس كذلك بل هو جده لأنه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وقوله قال لي أحمد بن محمد أي بن الوليد الأزرقي وقوله أذن عمر ظاهره أنه من رواية إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عمر ومن ذكر معه وادراكه لذلك ممكن لأن عمره إذ ذاك كان أكثر من عشر سنين وقد أثبت سماعه من عمر يعقوب بن أبي شيبة وغيره لكن روى بن سعد هذا الحديث عن الواقدي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال أرسلني عمر لكن الواقدي لا يحتج به فقد رواه البيهقي من طريق عبدان وابن سعد أيضا عن الوليد بن عطاء بن الأغر المكي كلاهما عن إبراهيم بن سعد مثل ما قال الأزرقي ويحتمل أن يكون إبراهيم حفظ أصل القصة وحمل تفاصيلها عن أبيه فلا تتخالف الروايتان ولعل هذا هو النكتة في اقتصار البخاري على أصل القصة دون بقيتها قوله وعبد الرحمن زاد عبدان عبد الرحمن بن عوف وكان عثمان ينادي ألا لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن وهن في الهوادج على الإبل فإذا نزلن انزلهن بصدر الشعب فلم يصعد إليهن أحد ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب وفي رواية لابن سعد فكان عثمان يسير امامهن وعبد الرحمن خلفهن وفي رواية له وعلى هوادجهن الطيالسة الخضر في إسناده الواقدي وروى بن سعد أيضا بإسناد صحيح من طريق أبي إسحاق السبيعي قال رأيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم حججن في هوادج عليها الطيالسة زمن المغيرة أي بن شعبة والظاهر أنه أراد بذلك زمن ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية وكان ذلك سنة خمسين أو قبلها ولابن سعد أيضا من حديث أم معبد الخزاعية قالت رأيت عثمان وعبد الرحمن في خلافة عمر حجا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلن بقديد فدخلت عليهن وهن ثمان وله من حديث عائشة انهن استأذن عثمان في الحج فقال أنا أحج بكن فحج بنا جميعا الا زينب كانت ماتت وإلا سودة فإنها لم تخرج من بيتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود وأحمد من طريق واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع هذه ثم ظهور الحصر زاد بن سعد من حديث أبي هريرة فكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يحججن الا سودة وزينب فقالا لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناد حديث أبي واقد صحيح وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة لقصد ذم أم المؤمنين عائشة في خروجها إلى العراق للاصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل وهو أقدام منه على رد الأحاديث الصحيحة بغير دليل والعذر عن عائشة أنها تأولت الحديث المذكور كما تأوله غيرها من صواحباتها على أن المراد بذلك أنه لا يجب عليهن غير تلك الحجة وتأيد ذلك عندها بقوله صلى الله عليه وسلم لكن أفضل الجهاد الحج والعمرة ومن ثم عقبه المصنف بهذا الحديث في هذا الباب وكأن عمر رضي الله عنه كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له الجواز فأذن لهن وتبعه على ذلك من ذكر من الصحابة ومن في عصره من غير نكير وروى بن سعد من مرسل أبي جعفر الباقر قال منع عمر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة ومن طريق أم درة عن عائشة قالت منعنا عمر الحج والعمرة حتى إذا كان آخر عام فأذن لنا وهو موافق لحديث الباب وفيه زيادة على ما في مرسل أبي جعفر وهو محمول على ما ذكرناه واستدل به على جواز حج المرأة بغير محرم وسيأتى البحث فيه في الكلام على الحديث الثالث تكملة روى عمر بن شبة هذا الحديث عن سليمان بن داود الهاشمي عن إبراهيم بن سعد بإسناد آخر فقال عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن أم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة أن عمر أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فحججن في آخر حجة حجها عمر فلما ارتحل عمر من الحصبة من آخر الليل أقبل رجل فسلم وقال أين كان أمير المؤمنين ينزل فقال له قائل وأنا أسمع هذا كان منزله فأناخ في منزل عمر ثم رفع عقيرته يتغنى عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق الأبيات قالت عائشة فقلت لهم اعلموا لي علم هذا الرجل فذهبوا فلم يروا أحدا فكانت عائشة تقول إني لاحسبه من الجن الحديث الثاني

[ 1762 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد قوله عن عائشة في رواية زائدة عن حبيب عند الإسماعيلي حدثتني عائشة قوله الا نغزو أو نجاهد هذا شك من الراوي وهو مسدد شيخ البخاري وقد رواه أبو كامل عن أبي عوانة شيخ مسدد بلفظ الا نغزو معكم أخرجه الإسماعيلي وأغرب الكرماني فقال ليس الغزو والجهاد بمعنى واحد فإن الغزو القصد إلى القتال والجهاد بذل النفس في القتال قال أو ذكر الثاني تأكيدا للأول أه وكأنه ظن أن الألف تتعلق بنغزو فشرح على أن الجهاد معطوف على الغزو بالواو أو جعل أو بمعنى الواو وقد أخرجه النسائي من طريق جرير عن حبيب بلفظ الا نخرج فنجاهد معك ولابن خزيمة من طريق زائدة عن حبيب مثله وزاد فإنا نجد الجهاد أفضل الأعمال وللإسماعيلى من طريق أبي بكر بن عياش عن حبيب لو جاهدنا معك قال لا جهاد لكن حج مبرور وقد تقدم في أوائل الحج من طريق خالد عن حبيب بلفظ نرى الجهاد أفضل العمل فظهر أن التغاير بين اللفظين من الرواة فيقوى أن أو للشك قوله لكن أحسن الجهاد تقدم نقل الخلاف في توجيهه في أوائل الحج وهل هو بلفظ الاستثناء أو بلفظ خطاب النسوة قوله الحج حج مبرور في رواية جرير حج البيت حج مبرور وسيأتى في الجهاد من وجه آخر عن عائشة بنت طلحة بلفظ استأذنه نساؤه في الجهاد فقال يكفيكن الحج ولابن ماجة من طريق محمد بن فضيل عن حبيب قلت يا رسول الله على النساء جهاد قال نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة قال بن بطال زعم بعض من ينقص عائشة في قصة الجمل أن قوله تعالى وقرن في بيوتكن يقتضى تحريم السفر عليهن قال وهذا الحديث يرد عليهم لأنه قال لكن أفضل الجهاد فدل على أن لهن جهادا غير الحج والحج أفضل منه أه ويحتمل أن يكون المراد بقوله لا في جواب قولهن الا نخرج فنجاهد معك أي ليس ذلك واجبا عليكن كما وجب على الرجال ولم يرد بذلك تحريمه عليهن فقد ثبت في حديث أم عطية انهن كن يخرجن فيداوين الجرحى وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب في الحج إباحة تكريره لهن كما ابيح للرجال تكرير الجهاد وخص به عموم قوله هذه ثم ظهور الحصر وقوله تعالى وقرن في بيوتكن وكأن عمر كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له قوة دليلها فأذن لهن في آخر خلافته ثم كان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضا وقد وقف بعضهن عند ظاهر النهى كما تقدم وقال البيهقي في حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبي واقد وجواب الحج مرة واحدة كالرجال لا المنع من الزيادة وفيه دليل على أن الأمر بالقرار في البيوت ليس على سبيل الوجوب واستدل بحديث عائشة هذا على جواز حج المرأة مع من تثق به ولو لم يكن زوجا ولا محرما كما سيأتي البحث فيه في الذي يليه الحديث الثالث

[ 1763 ] قوله عن عمرو هو بن دينار قوله عن أبي معبد كذا رواه عبد الرزاق عن بن جريج وابن عيينة كلاهما عن عمرو عن أبي معبد به ولعمرو بهذا الإسناد حديث آخر أخرجه عبد الرزاق وغيره عن بن عيينة عنه عن عكرمة قال جاء رجل إلى المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أين نزلت قال على فلانة قال أغلقت عليها بابك مرتين ولا تحجن امرأة الا ومعها ذو محرم ورواه عبد الرزاق أيضا عن بن جريج عن عمرو أخبرني عكرمة أو أبو معبد عن بن عباس قلت والمحفوظ في هذا مرسل عكرمة وفي الآخر رواية أبي معبد عن بن عباس قوله لا تسافر المرأة كذا أطلق السفر وقيده في حديث أبي سعيد الاتى في الباب فقال مسيرة يومين ومضى في الصلاة حديث أبي هريرة مقيدا بمسيرة يوم وليلة وعند روايات أخرى وحديث بن عمر فيه مقيدا بثلاثة أيام وعنه روايات أخرى أيضا وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات وقال النووي ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفر فالمرأة منهية عنه الا بالمحرم وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه وقال بن المنير وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين وقال المنذري يحتمل أن يقال إن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة يعني فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها وأن يكون عند جمعهما أشار إلى مدة الذهاب والرجوع وعند افرادها أشار إلى قدر ما تقضى فيه الحاجة قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لاوائل الاعداد فاليوم أول العدد والاثنان أول التكثير والثلاث أول الجمع وكأنه أشار إلى أن مثل هذا في قلة الزمن لا يحل فيه السفر فكيف بما زاد ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك واقله الرواية التي فيها ذكر البريد فعلى هذا يتناول السفر طويل السير وقصيره ولا يتوقف امتناع سير المرأة على مسافة القصر خلافا للحنفية وحجتهم أن المنع المقيد بالثلاث متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن ونوقض بان الرواية المطلقة شاملة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها فإنه مشكوك فيه ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص وترك حمل المطلق على المقيد وقد خالفوا ذلك هنا والاختلاف إنما وقع في الأحاديث التي وقع فيها التقييد بخلاف حديث الباب فإنه لم يختلف على بن عباس فيه وفرق سفيان الثوري بين المسافة البعيدة فمنعها دون القريبة وتمسك أحمد بعموم الحديث فقال إذا لم تجد زوجا أو محرما لا يجب عليها الحج هذا هو المشهور عنه وعنه رواية أخرى كقول مالك وهو تخصيص الحديث بغير سفر الفريضة قالوا وهو مخصوص بالإجماع قال البغوي لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض الا مع زوج أو محرم الا كافرة أسلمت في دار الحرب أو اسيرة تخلصت وزاد غيره أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة قالوا وإذا كان عمومه مخصوصا بالاتفاق فليخص منه حجة الفريضة وأجاب صاحب المغني بأنه سفر الضرورة فلا يقاس عليه حالة الاختيار ولانها تدفع ضررا متيقنا بتحمل ضرر متوهم ولا كذلك السفر للحج وقد روى الدارقطني وصححه أبو عوانة حديث الباب من طريق بن جريج عن عمرو بن دينار بلفظ لا تحجن امرأة الا ومعها ذو محرم فنص في نفس الحديث على منع الحج فكيف يخص من بقية الأسفار والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات وفي قول تكفى امرأة واحدة ثقة وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المذهب تسافر وحدها إذا كان الطريق امنا وهذا كله في الواجب من حج أو عمرة وأغرب القفال فطرده في الأسفار كلها واستحسنه الروياني قال الا أنه خلاف النص قلت وهو يعكر على نفى الاختلاف الذي نقله البغوي آنفا واختلفوا هل المحرم وما ذكر معه شرط في وجوب الحج عليها أو شرط في التمكن فلا يمنع الوجوب والاستقرار في الذمة وعبارة أبي الطيب الطبري منهم الشرائط التي يجب بها الحج على الرجل يجب بها على المرأة فإذا أرادت أن تؤديه فلا يجوز لهم الا مع محرم أو زوج أو نسوة ثقات ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أمن الطريق أول أحاديث الباب لاتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك ومن أبى ذلك من أمهات المؤمنين فإنما أباه من جهة خاصة كما تقدم لا من جهة توقف السفر على المحرم ولعل هذا هو النكتة في إيراد البخاري الحديثين أحدهما عقب الآخر ولم يختلفوا أن النساء كلهن في ذلك سواء الا ما نقل عن أبي الوليد الباجي أنه خصه بغير العجوز التي لا تشتهي وكأنه نقله من الخلاف المشهور في شهود المرأة صلاة الجماعة قال بن دقيق العيد الذي قاله الباجي تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى يعني مع مراعاة الأمر الأغلب وتعقبوه بان لكل ساقطة لاقطة والمتعقب راعي الأمر النادر وهو الاحتياط قال والمتعقب على الباجي يرى جواز سفر المرأة في الأمن وحدها فقد نظر أيضا إلى المعنى يعني فليس له أن ينكر على الباجي وأشار بذلك إلى الوجه المتقدم والأصح خلافه وقد احتج له بحديث عدي بن حاتم مرفوعا يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا زوج معها الحديث وهو في البخاري وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه وأجيب بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز ومن المستظرف أن المشهور من مذهب من لم يشترط المحرم أن الحج على التراخي ومن مذهب من يشترطه أنه حج على الفور وكان المناسب لهذا قول هذا وبالعكس وأما ما قال النووي في شرح حديث جبريل في بيان الإيمان والإسلام عند قوله أن تلد الأمة ربتها فليس فيه دلالة على إباحة بيع أمهات الأولاد ولا منع بيعهن خلافا لمن استدل به في كل منهما لأنه ليس في كل شيء أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع يكون محرما ولا جائزا انتهى وهو كما قال لكن القرينة المذكورة تقوى الاستدلال به على الجواز قال بن دقيق العيد هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا فإن قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا عام في الرجال والنساء فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع وقوله صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة الا مع محرم عام في كل سفر فيدخل فيه الحج فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج وقد رجح المذهب الثاني بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ولا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليس ذلك بجيد لكونه عاما في المساجد فيخرج عنه المسجد الذي يحتاج إلى السفر بحديث النهى قوله الا مع ذي محرم أي فيحل ولم يصرح بذكر الزوج وسيأتى في حديث أبي سعيد في هذا الباب بلفظ ليس معها زوجها أو ذو محرم منها وضابط المحرم عند العلماء من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها فخرج بالتأبيد أخت الزوجة وعمتها وبالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها وبحرمتها الملاعنة واستثنى أحمد من حرمت على التأبيد مسلمة لها أب كتابي فقال لا يكون محرما لها لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها إذا خلا بها ومن قال أن عبد المرأة محرم لها يحتاج أن يزيد في هذا الضابط ما يدخله وقد روى سعيد بن منصور من حديث بن عمر مرفوعا سفر المرأة مع عبدها ضيعة لكن في إسناده ضعف وقد احتج به أحمد وغيره وينبغى لمن أجاز ذلك أن يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما فلا لهذا الحديث وفي آخر حديث بن عباس هذا ما يشعر بأن الزوج يدخل في مسمى المحرم فإنه لما اسثنى المحرم فقال القائل أن امرأتي حاجة فكأنه فهم حال الزوج في المحرم ولم يرد عليه ما فهمه بل قيل له اخرج معها واستثنى بعض العلماء بن الزوج فكره السفر معه لغلبة الفساء في الناس قال بن دقيق العيد هذه الكراهية عن مالك فإن كانت للتحريم ففيه بعد لمخالفة الحديث وإن كانت للتنزيه فيتوقف على أن لفظ لا يحل هل يتناول المكروه الكراهة التنزيهية قوله ولا يدخل عليها رجل الا ومعها محرم فيه منع الخلوة بالاجنبية وهو إجماع اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات والصحيح الجواز لضعف التهمة به وقال القفال لا بد من المحرم وكذا في النسوة الثقات في سفر الحج لا بد من أن يكون مع إحداهن محرم ويؤيده نص الشافعي أنه لا يجوز للرجل أن يصلي بنساء مفردات الا أن تكون إحداهن محرما له قوله فقال رجل يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا لم اقف على اسم الرجل ولا امرأته ولا على تعيين الغزوة المذكورة وسيأتي في الجهاد بلفظ إني اكتتبت في غزوة كذا أي كتبت نفسي في أسماء من عين لتلك الغزاة قال بن المنير الظاهر أن ذلك كان في حجة الوداع فيؤخذ منه أن الحج على التراخي إذ لو كان على الفور لما تأخر الرجل مع رفقته الذين عينوا في تلك الغزاة كذا قال وليس ما ذكره بلازم لاحتمال أن يكونوا قد حجوا قبل ذلك مع من حج في سنة تسع مع أبي بكر الصديق أو أن الجهاد قد تعين على المذكوين بتعيين الإمام كما لو نزل عدو بقوم فإنه يتعين عليهم الجهاد ويتاخر الحج اتفاقا قوله اخرج معها أخذ بظاهره بعض أهل العلم فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية والمشهور أنه لا يلزمه كالولى في الحج عن المريض فلو امتنع الا بأجرة لزمها لأنه من سبيلها فصار في حقها كالمؤنة واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخي وأما ما رواه الدارقطني من طريق إبراهيم الصائغ عن نافع عن بن عمر مرفوعا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج فليس لها أن تنطلق الا بإذن زوجها فأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع عملا بالحديثين ونقل بن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها وإنما اختلفوا فيما كان واجبا واستنبط منه بن حزم جواز سفر المرأة بغير زوج ولا محرم لكونه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بردها ولا عاب سفرها وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطا لما أمر زوجها بالسفر معها وتركه الغزو الذي كتب فيه ولا سيما وقد رواه سعيد بن منصور عن حماد بن زيد بلفظ فقال رجل يا رسول الله إني نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا فلو لم يكن شرطا ما رخص له في ترك المنذر قال النووي وفي الحديث تقديم الاهم فالاهم من الأمور المتعارضة فإنه لما عرض له الغزو والحج رجح الحج لأن امرأته لا يقوم غيره مقامه في السفر معها بخلاف الغزو والله أعلم الحديث الرابع وله طريقان موصول ومعلق وأخر معلق

[ 1764 ] قوله حدثنا حبيب المعلم هو بن أبي قريبة بقاف وموحدة واسم أبي قريبة زيد وقيل زائدة وهو غير حبيب بن أبي عمرة المذكور في ثاني أحاديث الباب قوله قالت أبو فلان تعني زوجها وقد تقدم أنه أبو سنان وتقدم الحديث مشروحا في باب عمرة في رمضان قوله رواه بن جريج عن عطاء الخ أراد تقوية طريق حبيب بمتابعة بن جريج له عن عطاء واستفيد منه تصريح عطاء بسماعه له من بن عباس وقد تقدمت طريق بن جريج موصولة في الباب المشار إليه قوله وقال عبيد الله بالتصغير وهو بن عمرو الرقي عن عبد الكريم وهو بن مالك الجزري عن عطاء عن جابر وأراد البخاري بهذا بيان الاختلاف فيه على عطاء وقد تقدم في باب عمرة في رمضان أن بن أبي ليلى ويعقوب بن عطاء وافقا حبيبا وابن جريج فتبين شذوذ رواية عبد الكريم وشذ معقل الجزري أيضا فقال عن عطاء عن أم سليم وصنيع البخاري يقتضى ترجيح رواية بن جريج ويومئ إلى أن رواية عبد الكريم ليست مطرحة لاحتمال أن يكون لعطاء فيه شيخان ويؤيد ذلك أن رواية عبد الكريم خالية عن القصة مقتصرة على المتن وهو قوله عمرة في رمضان تعدل حجة كذلك وصله أحمد وابن ماجة من طريق عبيد الله بن عمرو والله أعلم الحديث الخامس حديث أبي سعيد تقدم الكلام عليه في باب الصلاة في مسجد مكة والمدينة وأنه مشتمل على أربعة أحكام أحدها سفر المرأة وقد تقدم البحث فيه في هذا الباب ثانيها منع صوم الفطر والأضحى وسيأتى في الصيام ثالثها منع الصلاة بعد الصبح والعصر وقد تقدم في أواخر الصلاة رابعها منع شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة وقد تقدم في أواخر الصلاة أيضا

[ 1765 ] قوله أو قال يحدثهن وقع عند الكشميهنى بلفظ أو قال اخذتهن بالخاء والذال المعجمتين أي حملتهن عنه قوله وآنقننى بفتح النونين وسكون القاف بوزن اعجبننى ومعناه أي الكلمات يقال آنقنى الشيء بالمد أي اعجبنى وذكر الإعجاب بعده من التأكيد قوله أو ذو محرم كذا للأكثر وفي بعض النسخ عن أبي ذر أو ذو محرم محرم الأول بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه والثاني بوزن محمد أي عليها

قوله باب من نذر المشي إلى الكعبة أي وغيرها من الأماكن المعظمة هل يجب عليه الوفاء بذلك أو لا وإذا وجب فتركه قادرا أو عاجزا ماذا يلزمه وفي كل ذلك اختلاف بين أهل العلم سيأتي إيضاحه في كتاب النذر إن شاء الله تعالى

[ 1766 ] قوله أخبرنا الفزاري هو مروان بن معاوية كما جزم به أصحاب الأطراف والمستخرجات وقد أخرجه مسلم عن بن أبي عمر عن مروان هذا بهذا الإسناد وقال بن حزم هو أبو إسحاق الفزاري أو مروان قوله حدثني ثابت هكذا قال أكثر الرواة عن حميد وهذا الحديث مما صرح حميد فيه بالواسطة بينه وبين أنس وقد حذفه في وقت آخر فأخرجه النسائي من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري والترمذي من طريق بن أبي عدي وكلاهما عن حميد عن أنس وكذا أخرجه أحمد عن بن أبي عدي ويزيد بن هارون جميعا عن حميد بلا واسطة ويقال إن غالب رواية حميد عن أنس بواسطة لكن قد أخرج البخاري من حديث حميد عن أنس أشياء كثيرة بغير واسطة مع الاعتناء ببيان سماعه لها من أنس وقد وافق عمران القطان عن حميد الجماعة على إدخال ثابت بينه وبين أنس لكن خالفهم في المتن أخرجه الترمذي من طريقه بلفظ ونذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أن الله لغنى عن مشيها مروها فلتركب قوله رأى شيخا يهادى بضم أوله من المراداة وهو أن يمشي معتمدا على غيره وللترمذي من طريق خالد بن الحارث عن حميد يتهادى بفتح أوله ثم مثناة قوله بين ابنيه لم اقف على اسم هذا الشيخ ولا على اسم ابنيه وقرأت بخط مغلطاي الرجل الذي يهادى قال الخطيب هو أبو إسرائيل كذا قال وتبعه بن الملقن وليس ذلك في كتاب الخطيب وإنما أورده من حديث مالك عن حميد بن قيس وثور أنهما أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال ما بال هذا قالوا نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ويصوم الحديث قال الخطيب هذا الرجل هو أبو إسرائيل ثم ساق حديث عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فرأى رجلا يقال له أبو إسرائيل فقال ما باله قالوا نذر أن يصوم ويقوم في الشمس ولا يتكلم الحديث وهذا الحديث سيأتي في الأيمان والنذور من حديث بن عباس والمغايرة بينه وبين حديث أنس ظاهرة من عدة أوجه فيحتاج من وحد بين القصتين إلى مستند والله المستعان قوله قال ما بال هذا قالوا نذر أن يمشي في حديث أبي هريرة عند مسلم أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله ولدا الرجل ولفظه فقال ما شأن هذا الرجل قال أبناه يا رسول الله كان عليه نذر قوله أمره في رواية الكشميهنى وأمره بزيادة واو قوله أن يركب زاد أحمد عن الأنصاري عن حميد فركب وإنما لم يأمره بالوفاء بالنذر أما لأن الحج راكبا أفضل من الحج ماشيا فنذر المشي يقتضى التزام ترك الأفضل فلا يجب الوفاء به أو لكونه عجز عن الوفاء بنذره وهذا هو الأظهر

[ 1767 ] قوله عن عقبة بن عامر هو الجني كذا وقع عند أحمد ومسلم وغيرهما في هذا الحديث من هذا الوجه قوله نذرت أختي قال المنذري وابن القسطلاني والقطب الحلبي ومن تبعهم هي أم حبان بنت عامر وهي بكسر المهملة وتشديد الموحدة ونسبوا ذلك لابن ماكولا فوهموا فإن بن ماكولا إنما نقله عن بن سعد وابن سعد إنما ذكر في طبقات النساء أم حبان بنت عامر بن نابى بنون وموحدة بن زيد بن حرام بمهملتين الأنصارية قال وهي أخت عقبة بن عامر بن نابى شهد بدرا وهي زوج حرام بن محيصة وكان ذكر قبل عقبة بن عامر بن نابى الأنصاري وأنه شهد بدرا ولا رواية له وهذا كله مغاير للجهنى فإن له رواية كثيرة ولم يشهد بدرا وليس أنصاريا فعلى هذا لم يعرف اسم أخت عقبة بن عامر الجهني وقد كنت تبعت في المقدمة من ذكرت ثم رجعت الآن عن ذلك وبالله التوفيق قوله أن تمشي إلى بيت الله زاد مسلم من طريق عبد الله بن عياش بالياء التحتانية والمعجمة عن يزيد حافية ولأحمد وأصحاب السنن من طريق عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر الجهني أن أخته نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة وزاد الطبري من طريق إسحاق بن سالم عن عقبة بن عامر وهي امرأة ثقيلة والمشى يشق عليها ولأبي داود من طريق قتادة عن عكرمة عن بن عباس أن عقبة بن عامر سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن أخته نذرت أن تمشي إلى البيت وشكا إليه ضعفها قوله فقال صلى الله عليه وسلم لتمش ولتركب في رواية عبد الله بن مالك مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام وروى مسلم عقب هذا الحديث حديث عبد الرحمن بن شماسة وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم بعدها مهملة عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رفعه كفارة النذر كفارة اليمين ولعله مختصر من هذا الحديث فإن الأمر بصيام ثلاثة أيام هو أحد أوجه كفارة اليمين لكن وقع في رواية عكرمة المذكورة قال فلتركب ولتهد بدنة وسيأتي البحث في ذلك في كتاب النذر إن شاء الله تعالى قوله قال وكان أبو الخير لا يفارق عقبة هو يقول يزيد بن أبي حبيب الراوي عن أبي الخير والمراد بذلك بيان سماع أبي الخير له من عقبة قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله عن بن جريج عن يحيى بن أيوب كذا رواه أبو عاصم ووافقه روح بن عبادة بن مسلم والإسماعيلي جعلا شيخ بن جريج في هذا الحديث وهو يحيى بن أيوب وخالفهما هشام بن يوسف فجعل شيخ بن جريج فيه سعيد بن أبي أيوب ورجع الأول الإسماعيلي لاتفاق أبي عاصم وروح على خلاف ما قال هشام لكن يعكر عليه أن عبد الرزاق وافق هشاما وهو عند أحمد ومسلم ووافقهما محمد بن بكر عن بن جريج وحجاج بن محمد عند النسائي فهؤلاء أربعة حفاظ رووه عن بن جريج عن سعيد بن أبي أيوب فإن كان الترجيح هنا بالاكثرية فروايتهم أولى والذي ظهر لي من صنيع صاحبي الصحيح أن لابن جريج فيه شيخين وقد عبر مغلطاي وتبعه الشيخ سراج الدين عن كلام الإسماعيلي مالا يفهم منه المراد والله أعلم خاتمة اشتملت أبواب المحصر وجزاء الصيد وما مع ذلك إلى هنا على أحد وستين حديثا المعلق منها ثلاثة عشر حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وثلاثون حديثا والخالص ثلاثة وعشرون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث بن عمر في النقاب والقفاز موقوفا ومرفوعا وحديث بن عباس احتجم وهو محرم وحديثه في التي نذرت أن تحج عن أمها وحديث السائب بن يزيد أنه حج به وحديث جابر عمرة في رمضان وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين اثنا عشر أثرا والله المستعان