كتاب الصوم
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصوم كذا للأكثر وفي رواية النسفي كتاب الصيام وثبتت البسملة للجميع والصوم والصيام في اللغة الإمساك وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص عن شيء مخصوص بشرائط مخصوصة وقال صاحب المحكم الصوم ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام يقام صام صوما وصياما ورجل صائم وصوم وقال الراغب الصوم في الأصل الإمساك عن الفعل ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير صائم وفي الشرع إمساك المكلف بالنية عن تناول المطعم والمشرب والاستمناء والاستقاء من الفجر إلى المغرب

قوله باب وجوب صوم رمضان كذا للأكثر وللنسفي باب وجوب رمضان وفضله وقد ذكر أبو الخير الطالقاني في كتابه حظائر القدس لرمضان ستين اسما وذكر بعض الصوفية أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة ثم تاب تأخر قبول توبته مما بقي في جسده من تلك الأكلة ثلاثين يوما فلما صفا جسده منها تيب عليه ففرض على ذريته صيام ثلاثين يوما وهذا يحتاج إلى ثبوت السند فيه إلى من يقبل قوله في ذلك وهيهات وجدان ذلك قوله وقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام الآية أشار بذلك إلى مبدا فرض الصيام وكأنه لم يثبت عنده على شرطه فيه شيء فأورد ما يشير إلى المراد فإنه ذكر فيه ثلاثة أحاديث حديث طلحة الدال على أنه لا فرض الا رمضان وحديث بن عمر وعائشة المتضمن الأمر بصيام عاشوراء وكان المصنف أشار إلى أن الأمر في روايتهما محمول على الندب بدليل حصر الفرض في رمضان وهو ظاهر الآية لأنه تعالى قال كتب عليكم الصيام ثم بينه فقال شهر رمضان وقد اختلف السلف هل فرض على الناس صيام قبل رمضان أو لا فالجمهور وهو المشهور عند الشافعية أنه لم يجب قط صوم قبل صوم رمضان وفي وجه وهو قول الحنفية أول ما فرض صيام عاشوراء فلما نزل رمضان نسخ فمن أدلة الشافعية حديث معاوية مرفوعا لم يكتب الله عليكم صيامه وسيأتي في أواخر الصيام ومن أدلة الحنفية ظاهر حديثي بن عمر وعائشة المذكورين في هذا الباب بلفظ الأمر وحديث الربيع بنت معوذ الاتى وهو أيضا عند مسلم من أصبح صائما فليتم صومه قالت فلم نزل نصومه ونصوم صبياننا وهم صغار الحديث وحديث مسلمة مرفوعا من أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم الحديث وبنوا على هذا الخلاف هل يشترط في صحة الصوم الواجب نية من الليل أو لا وسيأتي البحث فيه بعد عشرين بابا وقد تقدم الكلام على حديث طلحة في كتاب الإيمان وقوله

[ 1792 ] فيه عن أبيه هو مالك بن أبي عامر جد مالك بن أنس الإمام وقوله عن طلحة قال الدمياطي في سماعه من طلحة نظر وتعقب بأنه ثبت سماعه من عمر فكيف يكون في سماعه من طلحة نظر وقد تقدم في كتاب الإيمان في هذا الحديث ما يدل على أنه سمع منهما جميعا وسيأتي الكلام على حديثي بن عمر وعائشة في أواخر الصيام إن شاء الله تعالى

قوله باب فضل الصوم ذكر فيه حديث أبي هريرة من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه وهو يشتمل على حديثين افردهما مالك في الموطأ فمن أوله إلى

[ 1795 ] قوله الصيام جنة حديث ومن ثم إلى آخره حديث وجمعهما عنه هكذا القعنبي وعنه رواه البخاري هنا ووقع عن غير القعنبي من رواة الموطأ زيادة على آخر الثاني وهي بعد قوله وأنا أجزى به والحسنة بعشر أمثالها زادوا إلى سبعمائة ضعف الا الصيام فهو لي وأنا أجزى به وقد أخرج البخاري هذا الحديث بعد أبواب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وبين في أوله أنه من قول الله عز وجل كما سابينه قوله الصيام جنة زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد جنة من النار وللنسائي من حديث عائشة مثله وله من حديث عثمان بن أبي العاص الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة جنة وحصن حصين من النار وله من حديث أبي عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة وبذلك ترجم له هو وأبو داود والجنة بضم الجيم الوقاية والستر وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار وبهذا جزم بن عبد البر وأما صاحب النهار النهاية فقال معنى كونه جنة أي يقى صاحبه ما يؤذيه من الشهوات وقال القرطبي جنة أي سترة يعني بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه واليه الإشارة بقوله فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث الخ ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس واليه الإشارة بقوله يدع شهوته الخ ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات وقال عياض في الإكمال معناه ستره من الاثام أو من النار أو من جميع ذلك وبالاخير جزم النووي وقال بن العربي إنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النارفي الآخرة وفي زيادة أبي عبيدة بن الجراح إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصيام وقد حكى عن عائشة وبه قال الأوزاعي إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم وافرط بن جزم فقال يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت فعلا أو قولا لعموم قوله فلا يرفث ولا يجهل ولقوله في الحديث الاتى بعد أبواب من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه والجمهور وإن حملوا النهى عن التحريم الا إنهم خصوا الفطر بالأكل والشرب والجماع وأشار بن عبد البر إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات فقال حسبك بكون الصيام جنة من النار فضلا وروى النسائي بسند صحيح عن أبي إمامة قال قلت يا رسول الله مرني بأمر آخذه عنك قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له وفي رواية لا عدل له والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة قوله فلا يرفث أي الصائم كذا وقع مختصرا وفي الموطأ الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث الخ ويرفث بالضم والكسر ويجوز في ماضيه التثليث والمراد بالرفث هنا وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقا ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها قوله ولا يجهل أي لا يفعل شيئا من افعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه فلا يرفث ولا يجادل قال القرطبي لا بفهم من هذا أن غير الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد أن المنع من ذلك يتاكد بالصوم قوله وأن امرؤ بتخفيف النون قاتله أو شاتمه وفي رواية صالح فإن سابه أحد أو قاتله ولأبي قرة من طريق سهيل عن أبيه وأن شتمه إنسان فلا يكلمه ونحوه في رواية هشام عن أبي هريرة عند أحمد ولسعيد بن منصور من طريق سهيل فإن سابه أحد اوماراه أي جادله ولابن خزيمة من طريق عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة فإن سابك أحد فقل أني صائم وأن كنت قائما فاجلس ولأحمد والترمذي من طريق بن المسيب عن أبي هريرة فإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم وللنسائي من حديث عائشة وأن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه واتفق الروايات كلها على أنه يقول أني صائم فمنهم من ذكرها مرتين ومنهم من اقتصر على واحدة وقد استشكل ظاهره بان المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين والصائم لا تصدر منه الأفعال التي رتب عليها الجواب خصوصا المقاتلة والجواب عن ذلك أن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها أي أن تهيا أحد لمقاتلته أو مشاتمته فليقل أني صائم فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكف عنه فإن اصر دفعه بالأخف فالاخف كالصائل هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة فإن كان المراد بقوله قاتله شاتمه لأن القتل يطلق على اللعن واللعن من جملة السب ويؤيده ما ذكرت من الألفاظ المختلفة فإن حاصلها يرجع إلى الشتم فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله أني صائم واختلف في المراد بقوله فليقل أني صائم هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك أو يقولها في نفسه وبالثانى جزم المتولى ونقله الرافعي عن الأئمة ورجع النووي الأول في الأذكار وقال في شرح المهذب كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنا ولهذا التردد أتى البخاري في ترجمته كما سيأتي بعد أبواب بالاستفهام فقال باب هل يقول أني صائم إذا شتم وقال الروياني أن كان رمضان فليقل بلسانه وأن كان غيره فليقله في نفسه وادعى بن العربي أن موضع الخلاف في التطوع وأما في الفرض فيقوله بلسانه قطعا وأما تكرير قوله أني صائم فليتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك ونقل الزركشي أن المراد بقوله فليقل أني صائم مرتين يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه وبقوله بلسانه كف خصمه عنه وتعقب بان القول حقيقة باللسان وأجيب بأنه لا يمنع المجاز وقوله قاتله يمكن حمله على ظاهره ويمكن أن يراد بالقتل لعن يرجع إلى معنى الشتم ولا يمكن حمل قاتله وشاتمه على المفاعلة لأن الصائم مأمور بان يكف نفسه عن ذلك فكيف يقع ذلك منه وإنما المعنى إذا جاءه متعرضا لمقاتلته أو مشاتمته كان يبدأه بقتل أو شتم اقتضت العادة أن يكافئه عليه فالمراد بالمفاعلة إرادة غير الصائم ذلك من الصائم وقد تطلق المفاعلة على التهيؤ لها ولو وقع الفعل من واحد وقد تقع المفاعلة بفعل الواحد كما يقال لواحد عالج الأمر وعافاه الله وأبعد من حمله على ظاهره فقال المراد إذا بدرت من الصائم مقابلة الشتم بالشتم على مقتضى الطبع فلينزجر عن ذلك ويقول أني صائم ومما يبعده قوله في الرواية الماضية فإن شتمه شتمه والله أعلم وفائدة قوله أني صائم أنه يمكن أن يكف عنه بذلك فإن اصر دفعه بالأخف فالاخف كالصائل هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة فإن كان المراد بقوله قاتله شاتمه فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله أني صائم قوله والذي نفسي بيده أقسم على ذلك تاكيدا قوله لخلوف بضم المعجمة واللام وسكون الواو بعدها فاء قال عياض هذه الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء قال الخطابي وهو خطا وحكى القابسي الوجهين وبالغ النووي في شرح المهذب فقال لا يجوز فتح الخاء واحتج غيره لذلك بان المصادر التي جاءت على فعول بفتح أوله قليلة ذكرها سيبويه وغيره وليس هذا منها واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام قوله فم الصائم فيه رد على من قال لاتثبت الميم في الفم عند الإضافة الا في ضرورة الشعر لثبوته في هذا الحديث الصحيح وغيره قوله أطيب عند الله من ريح المسك اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الرواح إذ ذاك من صفات الحيوان ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه على أوجه قال المازري هو مجاز لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقرير المسك إليكم وإلى ذلك أشار بن عبد البر وقيل المراد أن ذلك في حق الملائكة وإنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما تستطيبون ريح المسك وقيل المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم وهو قريب من الأول وقيل المراد أن الله تعالى يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه تفوح مسكا وقيل المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لا سيما بالإضافة إلى الخلوف حكاهما عياض وقال الداودي وجماعة المعنى أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر ورجح النووي هذا الأخير وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا فحصلنا على ستة أوجه وقد نقل القاضي حسين في تعليقه أن للطاعات يوم القيامة ريحا تفوح قال فرائحة الصيام فيها بين العبادات كالمسك ويؤيد الثلاثة الأخيرة قوله في رواية مسلم وأحمد والنسائي من طريق عطاء عن أبي صالح أطيب عند الله يوم القيامة وأخرج أحمد هذه الزيادة من حديث بشير بن الخصاصية وقد ترجم بن حبان بذلك في صحيحه ثم قال ذكر البيان بان ذلك قد يكون في الدنيا ثم أخرج الرواية التي فيها فم الصائم حين يخلف من الطعام وهي عنده وعند أحمد من طريق الأعمش عن أبي صالح ويمكن أن يحمل قوله حين يخلف على أنه ظرف لوجود الخلوف المشهود له بالطيب فيكون سببا للطيب في الحال الثاني فيوافق الرواية الأولى وهي قوله يوم القيامة لكن يؤيد ظاهره وأن المراد به في الدنيا ما روى الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي في الشعب من حديث جابر في اثناء حديث مرفوع في فضل هذه الأمة في رمضان وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك قال المنذري إسناده مقارب وهذه المسألة إحدى المسائل التي تنازع فيها بن عبد السلام وابن الصلاح فذهب بن عبد السلام إلى أن ذلك في الآخرة كما في دم الشهيد واستدل بالرواية التي فيها يوم القيامة وذهب بن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا واستدل بما تقدم وأن جمهور العلماء ذهبوا إلى ذلك فقال الخطابي طيبه عند الله رضاه به وثناؤه عليه وقال بن عبد البر أزكى عند الله وأقرب إليه وقال البغوي معناه الثناء على الصائم والرضا بفعله وبنحو ذلك قال القدوري من الحنفية والداودى وابن العربي من المالكية وأبو عثمان الصابوني وأبو بكر بن السمعاني وغيرهم من الشافعية جزموا كلهم بأنه عبارة عن الرضا والقبول وأما ذكر يوم القيامة في تلك الرواية فلانة يوم الجزاء وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبا لرضا الله تعالى حيث يؤمر باجتنابها فقيده بيوم القيامة في رواية وأطلق في باقي الروايات نظرا إلى أن أصل افضليته ثابت في الدارين وهو كقوله أن ربهم بهم يومئذ لخبير وهو خبير بهم في كل يوم انتهى ويترتب على هذا الخلاف المشهور في كراهة إزالة هذا الخلوف بالسواك وسيأتي البحث فيه بعد بضعة وعشرين بابا حيث ترجم له المصنف إن شاء الله تعالى ويؤخذ من قوله أطيب من ريح المسك أن الخلوف أعظم من دم الشهادة لأن دم الشهيد شبه ريحه بريح المسك والخلوف وصف بأنه أطيب ولا يلزم من ذلك أن يكون الصيام أفضل من الشهادة لما لا يخفى ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كل منهما فإن أصل الخلوف طاهر واصل الدم بخلافه فكان ما أصله طاهر أطيب ريحا قوله يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي هكذا وقع هنا ووقع في الموطأ وإنما يذر شهوته الخ ولم يصرح بنسبته إلى الله للعلم به وعدم الاشكال فيه وقد روى أحمد هذا الحديث عن إسحاق بن الطباع عن مالك فقال بعد قوله من ريح المسك يقول الله عز وجل إنما يذر شهوته الخ وكذلك رواه سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد فقال في أول الحديث يقول الله عز وجل كل عمل بن آدم هو له الا الصيام فهو لي وأنا أجزى به وإنما يذر بن آدم شهوته وطعامه من أجلي الحديث ويأتي قريبا من طريق عطاء عن أبي صالح بلفظ قال الله عز وجل كل عمل بن آدم له الحديث ويأتي في التوحيد من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ يقول الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزى به الحديث وقد يفهم من الإتيان بصيغة الحصر في قوله إنما يذر الخ التنبيه على الجهة التي بها يستحق الصائم ذلك وهو الإخلاص الخاص به حتى لو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور لكن المدار في هذه الأشياء على الداعي القوي الذي يدور معه الفعل وجودا وعدما ولا شك أن من لم يعرض في خاطره شهوة شيء من الأشياء طول نهاره إلى أن أفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه والمراد بالشهوة في الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص ووقع في رواية الموطأ بتقديم الشهوة عليها فيكون من الخاص بعد العام ومثله حديث أبي صالح في التوحيد وكذا جمهور الرواة عن أبي هريرة وفي رواية بن خزيمة من طريق سهيل عن أبي صالح عن أبيه يدع الطعام والشراب من أجلي ويدع لذته من أجلي وفي رواية أبي قرة من هذا الوجه يدع امرأته وشهوته وطعامه وشرابه من أجلي وأصرح من ذلك ما وقع عند الحافظ سمويه في فوائده من طريق المسيب بن رافع عن أبي صالح يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجلي قوله الصيام لي وأنا أجزى به كذا وقع بغير أداة عطف ولا غيرها وفي الموطأ فالصيام بزيادة الفاء وهي للسببية أي سبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلى ووقع في رواية مغيرة عن أبي الزناد عند سعيد بن منصور كل عمل بن آدم له الا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به ومثله في رواية عطاء عن أبي صالح الآتية وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى الصيام لي وأنا أجزى به مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوال أحدهما أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره حكاه المازري ونقله عياض عن أبي عبيد ولفظ أبي عبيد في غريبه قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من بن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب ويؤيدها هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم ليس في الصيام رياء حدثنيه شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره يعني مرسلا قال وذلك لأن الأعمال لا تكون الا بالحركات الا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس هذا وجه الحديث عندي انتهى وقد روى الحديث المذكور البيهقي في الشعب من طريق عقيل وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولا عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف ولفظه الصيام لا رياء فيه قال الله عز وجل هو لي وأنا أجزى به وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع وقال القرطبي لما كانت الأعمال يدخلها بالرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله الا الله فاضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث يدع شهوته من أجلي وقال بن الجوزي جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من شوب بخلاف الصوم وارتضى هذا الجواب المازري وقرره القرطبي بان أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء فيها اضيفت إليهم بخلاف الصوم فإن حال الممسك شبعا مثل حال الممسك تقربا يعني في الصورة الظاهرة قلت معنى النفي في قوله لا رياء في الصوم أنه لا يدخله الرياء بفعله وأن كان قد يدخله الرياء بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الأخبار بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها وقد حاول بعض الأئمة الحاق شيء من العبادات البدنية بالصوم فقال أن الذكر بلا إله الا الله يمكن أن لا يدخله الرياء لأنه بحركة اللسان خاصة دون غيره من أعضاء الفم فيمكن الذاكر أن يقولها بحضرة الناس ولا يشعرون منه بذلك ثانيها أن المراد بقوله وأنا أجزى به أني انفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس قال القرطبي معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وإنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله الا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله قال الله الا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به أي اجازى عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره وهذا كقوله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب انتهى والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال قلت وسبق إلى هذا أبو عبيد في غريبه فقال بلغني عن بن عيينة أنه قال ذلك واستدل له بان الصوم هو الصبر لأن الصائم يصبر نفسه على الشهوات وقد قال الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب انتهى ويشهد رواية المسيب بن رافع عن أبي صالح عند سمويه إلى سبعمائة ضعف الا الصوم فإنه لا يدري أحد ما فيه ويشهد له أيضا ما رواه بن وهب في جامعه عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده زيد مرسلا ووصله الطبراني والبيهقي في الشعب من طريق أخرى عن عمر بن محمد عن عبد الله بن مينار عن بن عمر مرفوعا الأعمال عند الله سبع الحديث وفيه وعمل لا يعلم ثواب عامله الا الله ثم قال وأما العمل الذي لا يعلم ثواب عامله الا الله فالصيام ثم قال القرطبي هذا القول ظاهر الحسن قال غير أنه تقدم ويأتي في غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة أيام وهي نص في إظهار التضعيف فبعد هذا الجواب بل بطل قلت لا يلزم من الذي ذكر بطلانه بل المراد بما أورده أن صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام وأما مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه الا الله تعالى ويؤيده أيضا العرف المستفاد من قوله أنا أجزى به لأن الكريم إذا قال أنا أتولى الإعطاء بنفسي كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه ثالثها معنى قوله الصوم لي أي أنه أحب العبادات إلى والمقدم عندي وقد تقدم قول بن عبد البر كفى بقوله الصوم لي فضلا للصيام على سائر العبادات وروى النسائي وغيره من حديث أبي إمامة مرفوعا عليك بالصوم فإنه لا مثل له لكن يعكر على هذا الحديث الصحيح واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة رابعها الإضافة إضافة تشريف وتعظيم كما يقال بيت الله وأن كانت البيوت كلها لله قال الزين بن المنير التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه الا التعظيم والتشريف خامسها أن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب جل جلاله فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته إضافه إليه وقال القرطبي معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم الا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق كأنه يقول أن الصائم يتقرب إلى بأمر هو متعلق بصفة من صفاتى سادسها أن المعنى كذلك لكن بالنسبة إلى الملائكة لأن ذلك من صفاتهم سابعها أنه خالص لله وليس للعبد فيه حظ قاله الخطابي هكذا نقله عياض وغيره فإن أراد بالحظ ما يحصل من الثناء عليه لأجل العبادة رجع إلى المعنى الأول وقد أفصح بذلك بن الجوزي فقال المعنى ليس لنفس الصائم فيه حظ بخلاف غيره فإن له فيه حظا لثناء الناس عليه لعبادته ثامنها سبب الإضافة إلى الله أن الصيام لم يعبد به غير الله بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك واعترض على هذا بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات فإنهم يتعبدون لها بالصيام وأجيب بأنهم لا يعتقدون الهية الكواكب وإنما يعتقدون أنها فعالة بانفسها وهذا الجواب عندي ليس بطائل لأنهم طائفتان إحداهما كانت تعتقد الهية الكواكب وهم من كان قبل ظهور الإسلام واستمر منهم من استمر على كفره والأخرى من دخل منهم في الإسلام واستمر على تعظيم الكواكب وهو الذين اشير إليهم تاسعها أن جميع العبادات توفي منها مظالم العباد الا الصيام روى ذلك البيهقي من طريق إسحاق بن أيوب بن حسان الواسطي عن أبيه عن بن عيينة قال إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدى ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له الا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة قال القرطبي قد كنت استحسنت هذا الجواب إلى أن فكرت في حديث المقاصة فوجدت فيه ذكر الصوم في جملة الأعمال حيث قال المفلس الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا الحديث وفيه فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فظاهره أن الصيام مشترك مع بقية الأعمال في ذلك قلت أن ثبت قول بن عيينة أمكن تخصيص الصيام من ذلك فقد يستدل له بما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه كل العمل كفارة الا الصوم الصوم لي وأنا أجزى به وكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن محمد بن زياد ولفظه قال ربكم تبارك وتعالى كل العمل كفارة الا الصوم ورواه قاسم بن أصبغ من طريق أخرى عن شعبة بلفظ كل ما يعمله بن آدم كفارة له الا الصوم وقد أخرجه المصنف في التوحيد عن آدم عن شعبة بلفظ يرويه عن ربكم قال لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزى به فحذف الاستثناء وكذا رواه أحمد عن غندر عن شعبة لكن قال كل العمل كفارة وهذا يخالف رواية آدم لأن معناها أن لكل عمل من المعاصي كفارة من الطاعات ومعنى رواية غندر كل عمل من الطاعات كفارة للمعاصى وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه في ذلك على شعبة وأخرجه من طريق غندر بذكر الاستثناء فاختلف فيه أيضا على غندر والاستثناء المذكور ويشهد لما ذهب إليه بن عيينة لكنه وأن كان صحيح السند فإنه يعارضه حديث حذيفة فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة لعل هذا هو السر في تعقيب البخاري لحديث الباب بباب الصوم كفارة وأورد فيه حديث حذيفة وسأذكر وجه الجمع بينهما في الكلام على الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى عاشرها أن الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظه كما تكتب سائر الأعمال واستند قائله إلى حديث واه جدا أورده بن العربي في المسلسلات ولفظه قال الله الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ويكفى في رد هذا القول الحديث الصحيح في كتابة الحسنة لمن هم بها وأن لم يعملها فهذا ما وقفت عليه من الأجوبة وقد بلغني أن بعض العلماء بلغها إلى أكثر من هذا وهو الطالقاني في حظائر القدس له ولم اقف عليه واتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا ونقل بن العربي عن بعض الزهاد أنه مخصوص بصيام خواص الخواص فقال أن الصوم على أربعة أنواع صيام العوام وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع وصيام خواص العوام وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل وصيام الخواص وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته وصيام خواص الخواص وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلى يوم القيامة وهذا مقام عال لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى وأقرب الأجوبة التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني ويقرب منهما الثامن والتاسع وقال البيضاوي في الكلام على رواية الأعمش عن أبي صالح التي بينتها قبل لما أراد بالعمل الحسنات وضع الحسنة في الخبر موضع الضمير الراجع إلى المبتدأ وقوله الا الصيام مستثنى من كلام غير محكى دل عليه ما قبله والمعنى أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف الا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر بل ثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه الا الله تعالى ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره قال والسبب في اختصاص الصوم بهذه المزية أمران أحدهما أن سائر العبادات مما يطلع العباد عليه والصوم سر بين العبد وبين الله تعالى يفعله خالصا ويعامله به طالبا لرضاه وإلى ذلك الإشارة بقوله فإنه لي والآخر أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال أو استعمال للبدن والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان وفيه الصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات وإلى ذلك أشار بقوله يدع شهوته من أجلي قال الطيبي وبيان هذا أن قوله يدع شهوته الخ جملة مستانفة وقعت موقع البيان لموجب الحكم المذكور وأما قول البيضاوي أن الاستثناء من كلام غير محكى ففيه نظر فقد يقال هو مستثنى من كل عمل وهو مروي عن الله لقوله في اثناء الحديث قال الله تعالى ولما لم يذكره في صدر الكلام أورده في اثنائه بيانا وفائدته تفخيم شان الكلام وأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وقوله والحسنة بعشرة أمثالها كذا وقع مختصرا عند البخاري وقد تقدمت البيان بأنه وقع في الموطأ تاما وقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق القعنبي شيخ البخاري فيه فقال بعد قوله وأنا أجزى به كل حسنة يعملها بن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف الا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به فأعاد قوله وأنا أجزى به في آخر الكلام تاكيدا وفيه إشارة إلى الوجه الثاني ووقع في رواية أبي صالح عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث للصائم فرحتان يفرحهما الحديث وسيأتي الكلام عليه بعد ستة أبواب إن شاء الله تعالى

قوله باب الصوم كفارة كذا لأبي ذر والجمهور بتنوين باب أي الصوم يقع كفارة للذنوب ورايته هنا بخط القطب في شرحه باب كفارة الصوم أي باب تكفير الصوم للذنوب وقد تقدم في اثناء الصلاة باب الصلاة كفارة وللمستملى باب تكفير الصلاة وأورد فيه حديث الباب بعينه من وجه آخر عن أبي وائل وقد تقدم طرف من الكلام على الحديث ويأتي شرحه مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى وفيه ما ترجم له لكن أطلق في الترجمة والخبر مقيد بفتنة المال وما ذكر معه فقد يقال لا يعارض الحديث السابق في الباب قبله وهو كون الأعمال كفارة الا الصوم لأنه يحمل في الاثبات على كفارة شيء مخصوص وفي النفي على كفارة شيء آخر وقد حمله المصنف في موضع آخر على تكفير مطلق الخطيئة فقال في الزكاة باب الصدقة تكفر الخطيئة ثم أورد هذا الحديث بعينه ويؤيد الإطلاق ما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة أيضا مرفوعا الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر وقد تقدم البحث في الصلاة ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا من صام رمضان وعرف حدوده كفر ما قبله ولمسلم من حديث أبي قتادة أن صيام عرفة يكفر سنتين وصيام عاشوراء يكفر سنة وعلى هذا فقوله كل العمل كفارة الا الصيام يحتمل أن يكون المراد الا الصيام فإنه كفارة وزيادة ثواب على الكفارة ويكون المراد بالصيام الذي هذا شأنه ما وقع خالصا سالما من الرياء والشوائب كما تقدم شرحه والله أعلم

قوله باب بالتنوين الريان بفتح الراء وتشديد التحتانية وزن فعلان من الري اسم علم على باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين وسيأتي أن من دخله لم يظما قال القرطبي اكتفى بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه قلت أو لكونه أشق على الصائم من الجوع

[ 1797 ] قوله حدثني أبو حازم هو بن دينار وسهل هو بن سعد الساعدي قوله أن في الجنة بابا قال الزين بن المنير إنما قال في الجنة ولم يقل للجنة ليشعر بان في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة فيكون أبلغ في التشوق إليه قلت وقد جاء الحديث من وجه آخر بلفظ أن للجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لايدخله الا الصائمون أخرجه هكذا الجوزقي من طريق أبي غسان عن أبي حازم وهو للبخاري من هذا الوجه في بدء الخلق لكن قال في الجنة ثمانية أبواب قوله فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد كرر نفى دخول غيرهم منه تاكيدا وأما قوله فلم يدخل فهو معطوف على أغلق أي لم يدخل منه غير من دخل ووقع عند مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد شيخ البخاري فيه فإذا دخل آخرهم أغلق هكذا في بعض النسخ من مسلم وفي الكثير منها فإذا دخل أولهم أغلق قال عياض وغيره هو وهم والصواب آخرهم قلت وكذا أخرجه بن أبي شيبة في مسنده وأبو نعيم في مستخرجيه معا من طريقه وكذا أخرجه الإسماعيلي والجوزقى من طرق عن خالد بن مخلد وكذا أخرجه النسائي وابن خزيمة من طريق سعيد بن عبد الرحمن وغيره وزاد فيه من دخل شرب ومن شرب لا يظما أبدا وللترمذي من طريق هشام بن سعد عن أبي حازم نحوه وزاد ومن دخله لم يظما أبدا ونحوه للنسائي والإسماعيلي من طريق عبد العزيز بن حازم عن أبيه لكنه وقفه وهو مرفوع قطعا لأن مثله لا مجال للرأى فيه

[ 1798 ] قوله عن حميد بن عبد الرحمن في رواية شعيب عن الزهري الآتية في فضل أبي بكر أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف قوله عن أبي هريرة قال بن عبد البر اتفق الرواة عن مالك على وصله الا يحيى بن بكير وعبد الله بن يوسف فإنهما أرسلاه ولم يقع عند القعنبي أصلا قلت هذا أخرجه الدارقطني في الموطات من طريق يحيى بن بكير موصولا فلعله اختلف عليه فيه وأخرجه أيضا من طريق القعنبي فلعله حدث به خارج الموطأ قوله من أنفق زوجين في سبيل الله زاد إسماعيل القاضي عن أبي مصعب عن مالك من ماله واختلف في المراد بقوله في سبيل الله فقيل أراد الجهاد وقيل ما هو أعم منه والمراد بالزوجين انفاق شيئين من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد كما سيأتي إيضاحه وقوله هذا خير ليس اسم التفضيل بل المعنى هذا خير من الخيرات والتنوين فيه للتعظيم وبه تظهر الفائدة قوله ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان في رواية محمد بن عمرو عن الزهري عند أحمد لكل أهل عمل باب يدعونه منه بذلك العمل فلأهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان وهذا صريح في مقصود الترجمة وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في فضائل أبي بكر إن شاء الله تعالى

قوله باب هل يقال كذا للأكثر على البناء للمجهول وللسرخسى والمستملى هل يقول أي الإنسان قوله ومن رأى كله واسعا أي جائرا بالإضافة وبغير الإضافة وللكشميهني ومن رآه بزيادة الضمير وأشار البخاري بهذه الترجمة إلى حديث ضعيف رواه أبو معشر نجيح المدني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان أخرجه بن عدي في الكامل وضعفه بأبي معشر قال البيهقي قد روى عن أبي معشر عن محمد بن كعب وهو أشبه وروى عن مجاهد والحسن من طريقين ضعيفين وقد احتج البخاري لجواز ذلك بعدة أحاديث انتهى وقد ترجم النسائي لذلك أيضا فقال باب الرخصة في أن يقال لشهر رمضان رمضان ثم أورد حديث أبي بكرة مرفوعا لا يقولن أحدكم صمت رمضان ولأقمته كله وحديث بن عباس عمرة في رمضان تعدل حجة وقد يتمسك للتقييد بالشهر بورود القرآن به حيث قال شهر رمضان مع احتمال أن يكون حذف لفظ شهر من الأحاديث من تصرف الرواة وكان هذا هو السر في عدم جزم المصنف بالحكم ونقل عن أصحاب مالك الكراهية وعن بن الباقلاني منهم وكثير من الشافعية أن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا يكره والجمهور على الجواز واختلف في تسمية هذا الشهر رمضان فقيل لأنه ترمض فيه الذنوب أي تحرق لأن الرمضاء شدة الحر وقيل وافق ابتداء الصوم فيه زمنا حارا والله أعلم قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من صام رمضان وقال لا تقدموا رمضان أما الحديث الأول فوصله في الباب الذي يليه وفيه تمامه وأما الثاني فوصله بعد ذلك من طريق هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ لا يتقدمن أحدكم أخرجه مسلم من طريق على بن المبارك عن يحيى بلفظ لا تقدموا رمضان

[ 1799 ] قوله عن أبي سهيل هو نافع بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن أبي غيمان بالغين المعجمة والتحتانية الأصبحي عم مالك بن أنس بن مالك وأبوه تابعي كبير أدرك عمر قوله إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة كذا أخرجه مختصرا وقد أخرجه مسلم والنسائي من هذا الوجه بتمامه مثل رواية الزهري الثانية والظاهر أن البخاري جمع المتن بإسنادين وذكر موضع المغايرة وهو أبواب الجنة في رواية إسماعيل بن جعفر وأبواب السماء في رواية الزهري

[ 1800 ] قوله حدثني بن أبي أنس هو أبو سهيل نافع بن أبي أنس مالك بن أبي عامر شيخ إسماعيل بن جعفر وهو من صغار شيوخ الزهري بحيث أدركه تلامذة الزهري وهو أصغر منهم كاسماعيل بن جعفر وهذا الإسناد يعد من رواية الأقران وقد تأخر أبو سهيل في الوفاة عن الزهري وقد بين النسائي أن مراد الزهري بابن أبي أنس نافع هذا فأخرج من وجه آخر عن عقيل عن بن شهاب أخبرني أبو سهيل عن أبيه أخرجه من طريق صالح عن بن شهاب فقال أخبرني نافع بن أبي أنس وروى هذا الحديث معمر عن الزهري فأرسله وحذف من بينه وبين أبي هريرة ورواه بن إسحاق عن الزهري عن أويس بن أبي أويس عديل بني تيم عن أنس قال النسائي وهو خطا قوله مولى التيميين أي مولى بني تيم والمراد منهم آل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة وكان أبو عامر والد مالك قد قدم مكة فقطنها و حالف عثمان بن عبيد الله أخا طلحة فنسب إليه وكان مالك الفقيه يقول لسنا موالي آل تيم إنما نحن عرب من أصبح ولكن جدي حالفهم قوله وسلسلت الشياطين قال الحليمي يحتمل أن يكون المراد من الشياطين مسترقوا السمع منهم وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر وقال غيره المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم وترجم لذلك بن خزيمة في صحيحه وأورده ما أخرجه هو وللترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن أخرجه النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ وتغل فيه مردة الشياطين زاد أبو صالح في روايته وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ونادى مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر اقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة لفظ بن خزيمة وقوله صفدت بالمهملة المضمومة بعدها فاء ثقيلة مكسورة أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت ونحوه للبيهقي من حديث بن مسعود وقال فيه فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب الشهر كله قال عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل اغواؤهم فيصيرون كالمصفدين قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن بن شهاب عند مسلم فتحت أبواب الرحمة قال ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الايلة باصحابها إلى النار وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الاغواء وتزيين الشهوات قال الزين بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره وأما الرواية التي فيها أبواب الرحمة وأبواب السماء فمن تصرف الرواة والأصل أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار واستدل به على أن الجنة في السماء لإقامة هذا مقام هذه في الرواية وفيه نظر وجزم التوربشتى شارح المصابيح بالاحتمال الأخير وعبارته فتح أبواب السماء كناية عن تنزل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول وغلق أبواب جهنم كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش والتخلص من البواعث عن المعاصي بقمع الشهوات وقال الطيبي فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأنه من الله بمنزلة عظيمة وفيه إذا علم المكلف ذلك بأخبار الصادق ما يزيد في نشاطه ويتلقاه باريحية وقال القرطبي بعد أن رجح حمله على ظاهره فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصى واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت ادابه أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لاكلهم كما تقدم في بعض الروايات أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره اذلا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك اسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية وقال غيره في تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلف كأنه يقال له قد كفت الشياطين عنك فلا تعتل بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية

[ 1801 ] قوله إذا رايتموه أي الهلال وسيأتي التصريح بذلك بعد خمسة أبواب مع الكلام على الحكم وكذا هو مصرح بذكر الهلال فيه في الرواية المعلقة وإنما أراد المصنف بإيراده في هذا الباب ثبوت ذكر رمضان بغير لفظ شهر ولم يقع ذلك في الرواية الموصولة وإنما وقع في الرواية المعلقة قوله وقال غيره عن الليث الخ المراد بالغير المذكور أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث كذا أخرجه الإسماعيلي من طريقه قال حدثني الليث حدثني عقيل عن بن شهاب فذكره بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهلال رمضان إذا رايتموه فصوموا الحديث ووقع مثله في غير رواية الزهري قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال رمضان إذا رايتموه فصوموا الحديث وسيأتي بيان اختلاف ألفاظ هذا الحديث حيث ذكرته إن شاء الله تعالى

قوله باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية قال الزين بن المنير حذف الجواب ايجازا واعتمادا على ما في الحديث وعطف قوله نية على قوله احتسابا لأن الصوم إنما يكون لأجل التقرب إلى الله والنية شرط في وقوعه قربة قال والأولى أن يكون منصوبا على الحال وقال غيره انتصب على أنه مفعول له أو تمييز أو حال بان يكون المصدر في معنى اسم الفاعل أي مؤمنا محتسبا والمراد بالإيمان الاعتقاد بحق فرضية صومه وبالاحتساب طلب الثواب من الله تعالى وقال الخطابي احتسابا أي عزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه قوله وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم يبعثون على نياتهم هذا طرف من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع بن جبير عنها وأوله يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم ثم يبعثون على نياتهم يعني يوم القيامة ووجه الاستدلال منه هنا أن للنية تاثيرا في العمل لاقتضاء الخبر أن في الجيش المذكور المكره والمختار فإنهم إذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره

[ 1802 ] قوله حدثنا يحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن ووقع في رواية معاذ بن هشام عن أبيه عند مسلم حدثني أبو سلمة ونحوه في رواية شيبان عن يحيى عند أحمد قوله من قام ليلة القدر يأتي الكلام عليه في الباب المعقود لها في أواخر الصيام قوله ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه زاد أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة وما تأخر وقد رواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو وبدون هذه الزيادة ومن طريق يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بدونها أيضا ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية الزهري عن أبي سلمة أخرجها النسائي عن قتيبة عن سفيان عنه وتابعه حامد بن يحيى عن سفيان أخرجه بن عبد البر في التمهيد واستنكره وليس بمنكر فقد تابعه قتيبة كما ترى وهشام بن عمار وهو في الجزء الثاني عشر من فوائده والحسين بن الحسن المروزي أخرجه في كتاب الصيام له ويوسف بن يعقوب النجاحي أخرجه أبو بكر بن المقري في فوائد كلهم عن سفيان والمشهور عن الزهري بدونها وقد وقعت هذه الزيادة أيضا في حديث عبادة بن الصامت عند الإمام أحمد من وجهين وإسناده حسن وقد استوعبت الكلام على طرقه في كتاب الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة وهذا محصله وقوله من ذنبة اسم جنس مضاف فيتناول جميع الذنوب الا أنه مخصوص عند الجمهور وقد تقدم البحث في ذلك الكتاب الوضوء وفي أوائل كتاب المواقيت قال الكرماني وكلمة من أما متعلقة بقوله غفر أي غفر من ذنبه ما تقدم فهو منصوب المحل اوهى مبنية لما تقدم وهو مفعول لما لم يسم فاعله فيكون مرفوع المحل

قوله باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان أورد فيه حديث بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في بدء الوحي قال الزين بن المنير وجه التشبيه بين اجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين اجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سببا لاصابة الأرض الميتة وغير الميتة أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هو بصفة الغني والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم

قوله باب من لم يدع أي يترك قول الزور والعمل به زاد في نسخة الصغاني في الصوم قال الزين بن المنير حذف الجواب لأنه لو نص على ما في الخبر لطالت الترجمة أو لو عبر عنه بحكم معين لوقع في عهدته فكان الإيجاز ما صنع

[ 1804 ] قوله حدثنا المقبري عن أبيه كذا في أكثر الروايات عن بن أبي ذئب وقد رواه بن وهب عن بن أبي ذئب فاختلف عليه رواه الربيع عنه مثل الجماعة ورواه بن السراج عنه فلم يقل عن أبيه أخرجها النسائي وأخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن خالد عن بن أبي ذئب بإسقاطه أيضا واختلف فيه على بن المبارك فأخرجه بن حبان من طريقه بالاسقاط وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة بإثباته وذكر الدارقطني أن يزيد بن هارون ويونس بن يحيى روياه عن بن أبي ذئب بالاسقاط أيضا وقد أخرجه أحمد عن يزيد فقال فيه عن أبيه والذي يظهر أن بن أبي ذئب كان تارة لا يقول عن أبيه وفي أكثر الأحوال يقولها وقد رواه أبو قتادة الحراني عن بن أبي ذئب بإسناد آخر فقال عن الزهري عن عبيد الله بن ثعلبة عن أبي هريرة وهو شاذ والمحفوظ الأول قوله قول الزور والعمل به زاد المصنف في الأدب عن أحمد بن يونس عن بن ابى ذئب والجهل وكذا لأحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن بن أبي ذئب وفي رواية بن وهب والجهل في الصوم ولابن ماجة من طريق بن المبارك من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به جعل الضمير في به يعود على الجهل والأول جعله يعود على قول الزور والمعنى متقارب ولما روى الترمذي حديث أبي هريرة هذا قال وفي الباب عن أنس قلت وحديث أنس أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ من لم يدع الخنا والكذب ورجاله ثقات والمراد بقول الزور الكذب والجهل السفه والعمل به أي بمقتضاه كما تقدم قوله فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه قال بن بطال ليس معناه أن يؤمر بان يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه وهو مثل قوله من باع الخمر فليشقص الخنازير أي يذبحها ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لاثم بائع الخمر وأما قوله فليس لله حاجة فلا مفهوم له فإن الله لا يحتاج إلى شيء وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة وقد سبق أبو عمر بن عبد البر إلى شيء من ذلك قال بن المنير في الحاشية بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به لا حاجة لي بكذا فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول السالم منه وقريب من هذا قوله تعالى لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم فإن معناه لن يصيب رضاه الذي ينشا عنه القبول وقال بن العربي مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه وقال البيضاوي ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الامارة للنفس المطمئنة فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول فقوله ليس لله حاجة مجاز عن عدم القبول فنفى السبب وأراد المسيب والله اعلم واستدل به على أن هذه الأفعال تنقص الصوم وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر وأجاب السبكي الكبير بان في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهى عنه مطلقا والصوم مأمور به مطلقا فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتاثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيرها والثاني البحث على سلامة الصوم عنها وأن سلامته منها صفة كمال فيه وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها قال فإذا لم يسلم عنها نقص ثم قال ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات لأنه يشترط له النية بالإجماع ولعل القصد به في الأصل بالإمساك عن جميع المخالفات لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات ونبه الغافل بذلك على الإمساك عن المخالفات وارشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده فيكون اجتناب المفطرات واجبا واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات والله أعلم وقال شيخنا في شرح الترمذي لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم وهو مشكل لأن الغيبة ليست قول الزور ولا العمل به لأنها أن يذكر غيره بما يكره وقول الزور هو الكذب وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة وذكروا هذا الحديث وكانهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ النطق ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه وهي الجهل فإنه يصح إطلاقه على جميع المعاصي وأما قوله والعمل به فيعود على الزور ويحتمل أن يعود أيضا على الجهل أي والعمل بكل منهما تنبيه قوله فليس لله وقع عند البيهقي في الشعب من طريق يزيد بن هارون عن بن أبي ذئب فليس به بموحدة وهاء ضمير فإن لم يكن تحريفا فالضمير للصائم

قوله باب هل يقول أني صائم إذا شتم أورد فيه حديث أبي هريرة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل ستة أبواب قوله فيه ولا يصخب كذا للأكثر بالمهملة الساكنة بعدها خاء معجمة ولبعضهم بالسين بدل الصاد وهو بمعناه والصخب الخصام والصياح وقد تقدم أن المراد بالنهى عن ذلك تاكيده حالة الصوم وإلا فغير الصائم منهى عن ذلك أيضا قوله لخلوف كذا للأكثر وللكشميهني لخلف بحذف الواو كأنها صيغة جمع ويروي في غير البخاري بلفظ لخفة على الوحدة كتمر وتمرة قوله للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح زاد مسلم بفطره وقوله يفرحهما أصله يفرح بهما فحذف الجار ووصل الضمير كقوله صام رمضان أي فيه قال القرطبي معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث ابيح له الفطر وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم وقيل أن فرحه بفطره وإنما هو من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه قلت ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك فمنهم من يكون فرحه مباحا وهو الطبيعى ومنهم من يكون مستحبا وهو من يكون سببه شيء مما ذكره قوله وإذا لقي ربه فرح بصومه أي بجزائه وثوابه وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه أما لسروره بربه أو بثواب ربه على الاحتمالين قلت والثاني أظهر إذ لا ينحصر الأول في الصوم بل يفرح حينئذ بقبول صومه وترتب الجزاء الوافر عليه

قوله باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة بضم المهملة وسكون الزاي بعدها موحدة كذا لأبي ذر ولغيره العزوبة بزيادة واو والمراد بالخوف من العزوبة ما ينشا عنها من إرادة الوقوع في العنت ثم أورد المصنف فيه حديث بن مسعود المشهور وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى والمراد منه هنا

[ 1806 ] قوله فيه ومن لم يستطع أي لم يجد اهبة النكاح قوله فعليه بالصوم فإنه له وجاء بكسر الواو وبجيم ومد وهو رض الخصيتين وقيل رض عروقهما ومن يفعل به ذلك تنقطع شهوته ومقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح واستشكل بان الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة لكن ذلك إنما يقع في مبدا الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك والله أعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا هذه الترجمة لفظ مسلم من رواية إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة وقد سبق للمصنف في أول الصيام من طريق بن شهاب عن سالم عن أبيه بلفظ إذا رايتموه وذكر البخاري في الباب أحاديث تدل على نفى صوم يوم الشك رتبها ترتيبا حسنا فصدرها بحديث عمار المصرح بعصيان من صامه ثم بحديث بن عمر من وجهين أحدهما بلفظ فإن غم عليكم فاقدروا له والآخر بلفظ فأكملوا العدة ثلاثين وقصد بذلك بيان المراد من قوله فاقدروا له ثم استظهر بحديث بن عمر أيضا الشهر هكذا وهكذا وحبس الإبهام في الثالثة ثم ذكر شاهدا من حديث أبي هريرة لحديث بن عمر مصرحا بان عدة الثلاثين المامور بها تكون من شعبان ثم ذكر شاهدا لحديث بن عمر في كون الشهر تسعا وعشرين من حديث أم سلمة مصرحا فيه بان الشهر تسع وعشرون ومن حديث أنس كذلك وسأتكلم عليها حديثا حديثا إن شاء الله تعالى قوله وقال صلة عن عمار الخ أما صلة فهو بكسر المهملة وتخفيف اللام المفتوحة بن زفر بزاى وفاء وزن عمر كوفي عبسى بموحدة ومهملة من كبار التابعين وفضلائهم ووهم بن حزم فزعم أنه صلة بن أشيم والمعروف أنه بن زفر وكذا وقع مصرحا به عند جمع ممن وصل هذا الحديث وقد وصله أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عنه ولفظه عندهم كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مصلية فقال كلوا فتنحى بعض القوم فقال أني صائم فقال عمار من صام يوم الشك وفي رواية بن خزيمة وغيره من صام اليوم الذي يشك فيه وله متابع بإسناد حسن أخرجه بن أبي شيبه من طريق منصور عن ربعي أن عمارا وناسا معه اتوهم يسألونهم في اليوم الذي يشك فيه فاعتزلهم رجل فقال له عمار تعال فكل فقال أني صائم فقال له عمار أن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فتعال وكل ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن منصور عن ربعي عن رجل عن عمار وله شاهد من وجه آخر أخرجه إسحاق بن راهويه من رواية سماك عن عكرمة ومنهم من وصله بذكر بن عباس فيه قوله فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم استدل به على تحرم صوم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل راية فيكون من قبيل المرفوع قال بن عبد البر هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك وخالفهم الجوهري المالكي فقال هو موقوف والجواب أنه موقوف لفظا مرفوع حكما قال الطيبي إنما أتى بالموصول ولم يقل يوم الشك مبالغة في أن صوم يوم فيه أدنى شك سبب لعصيان صاحب الشرع فكيف بمن صام يوما الشك فيه قائم ثابت ونحوه قال تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا أي الذين اونس منهم أدنى ظلم فكيف بالظلم المستمر عليه قلت وقد علمت أنه وقع في كثير من الطرق بلفظ يوم الشك وقوله أبا القاسم قيل فائدة تخصيص ذكر هذه الكنية الإشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله احكامه زمانا ومكانا وغير ذلك وأما حديث بن عمر فاتفق الرواة عن مالك عن نافع فيه على قوله فاقدروا له وجاء من وجه آخر عن نافع بلفظ فاقدروا ثلاثين كذلك أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع وهكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال عبد الرزاق وأخبرنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع به وقال فعدوا ثلاثين واتفق الرواة عن مالك عن عبد الله بن دينار أيضا فيه على قوله فاقدروا له وكذلك رواه الزعفراني وغيره عن الشافعي وكذا رواه إسحاق الحربي وغيره في الموطأ عن القعنبي وأخرجه الربيع بن سليمان والمزنى عن الشافعي فقال فيه كما قال البخاري هنا عن القعنبي فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين قال البيهقي في المعرفة أن كانت رواية الشافعي والقعنبي من هذين الوجهين محفوظة فيكون مالك قد رواه على الوجهين قلت ومع غرابة هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات منها ما رواه الشافعي أيضا من طريق سالم عن بن عمر بتعيين الثلاثين ومنها ما رواه بن خزيمة من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن بن عمر بلفظ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين وله شواهد من حديث حذيفة عند بن خزيمة وأبي هريرة وابن عباس عند أبي داود والنسائي وغيرهما وعن أبي بكرة وطلق بن على عند البيهقي وأخرجه من طرق أخرى عنهم وعن غيرهم

[ 1807 ] قوله لا تصوموا حتى تروا الهلال ظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلا أو نهارا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل وبعض العلماء فرق بين ما قبل الزوال أو بعد وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقا وهو ظاهر في النهى عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة وهو

[ 1808 ] قوله فإن غم عليكم فاقدروا له فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين حكم الصحو والغيم فيكون التعليق على الرؤية متعلقا بالصحو وأما الغيم فله حكم آخر ويحتمل أن لا تفرقة ويكون الثاني مؤكدا للأول وإلى الأول ذهب أكثر الحنابلة وإلى الثاني ذهب الجمهور فقالوا المراد بقوله فاقدروا له أي انظروا في أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين ويرجح هذا التأويل الروايات الآخر المصرحة بالمراد وهي ما تقدم من قوله فأكملوا العدة ثلاثين ونحوها واولى ما فسر الحديث بالحديث وقد وقع الاختلاف في حديث أبي هريرة في هذه الزيادة أيضا فرواها البخاري كما ترى بلفظ فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وهذا أصرح ما ورد في ذلك وقد قيل أن آدم شيخه انفرد بذلك فإن أكثر الرواة عن شعبة قالوا فيه فعدوا ثلاثين أشار إلى ذلك الإسماعيلي وهو عند مسلم وغيره قال فيجوز أن يكون آدم أورده على ما وقع عنده من تفسير الخبر قلت الذي ظنه الإسماعيلي صحيح فقد رواه البيهقي من طريق إبراهيم بن يزيد عن آدم بلفظ فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما يعنى عدوا شعبان ثلاثين فوقع للبخاري ادراج التفسير في نفس الخبر ويؤيد رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين فإنه يشعر بان المامور بعدده هو شعبان وقد رواه مسلم من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد بلفظ فأكملوا العدد وهو يتناول كل شهر فدحل فيه شعبان وروى الدارقطني وصححه وابن خزيمة في صحيحه من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام وأخرجه أبو داود وغيره أيضا وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة من طريق ربعي عن حذيفة مرفوعا لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة وقيل الصواب فيه عن ربعي عن رجل من الصحابة مبهم ولا يقدح ذلك في صحته قال بن الجوزي في التحقيق لأحمد في هذه المسألة وهي ما إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال أحدها يجب صومه على أنه من رمضان ثانيها لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك ثالثها المرجع إلى رأى الإمام في الصوم والفطر واحتج الأول بأنه موافق لرأى الصحابي راوي الحديث قال أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع عن بن عمر فذكر الحديث بلفظ فاقدروا له قال نافع فكان بن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك وأن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وإن حال أصبح صائما وأما مار روى الثوري في جامعه عن عبد العزيز بن حكيم سمعت بن عمر يقول لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه فالجمع بينهما أنه في الصورة التي أوجب فيها الصوم لا يسمى يوم شك وهذا هو المشهور عن أحمد أنه خص يوم الشك بما إذا تقاعد الناس عن رؤية الهلال أو شهد برؤيته من لا يقبل الحاكم شهادته فأما إذا حال دون منظره شيء فلا يسمى شكا واختار كثير من المحققين من أصحابه الثاني قال بن عبد الهادي في تنقيحه الذي دلت عليه الأحاديث وهو مقتضى القواعد أنه أي شهر غم أكمل ثلاثين سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما فعلى هذا قوله فأكملوا العدة ويرجع إلى الجملتين وهو قوله صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة أي غم عليكم في صومكم أو فطركم وبقية الأحاديث تدل عليه فاللام في قوله فأكملوا العدة للشهر أي عدة الشهر ولم يخص صلى الله عليه وسلم شهرا دون شهر بالاكمال إذا غم فلا فرق بين شعبان وغيره في ذلك إذ لو كان شعبان غير مراد بهذا الإكمال لبينه فلا تكون رواية من روى فأكملوا عدة شعبان مخالفة لمن قال فأكملوا العدة بل مبينة لها ويؤيد ذلك قوله في الرواية الأخرى فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وأبو يعلى من حديث بن عباس هكذا ورواه الطيالسي من هذا الوجه بلفظ ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان وروى النسائي من طريق محمد بن حنين عن بن عباس بلفظ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين قوله فاقدروا له تقدم أن للعلماء فيه تأويلين وذهب آخرون إلى تأويل ثالث قالوا معناه فاقدروه بحساب المنازل قاله أبو العباس بن سريج من الشافعية ومطرف بن عبد الله من التابعين وابن قتيبة من المحدثين قال بن عبد البر لا يصح عن مطرف وأما بن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا قال ونقل بن خويز منداد عن الشافعي مسألة بن سريج والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور ونقل بن العربي عن بن سريج أن قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وأن قوله فأكملوا العدة حطاب للعامة قال بن العربي فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد قال وهذا بعيد عن النبلاء وقال بن الصلاح معرفة منازل القمر هو معرفة سير الاهلة وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته الاحاد قال فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه من يراقب النجوم وهذا هو الذي أراده بن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه ونقل الروياني عنه أنه قال بوجوب ذلك عليه وإنما قال بجوازه وهو اختيار القفال وأبي الطيب وأما أبو إسحاق في المهذب فنقل عن بن سريج لزوم الصوم في هذه الصورة فتعددت الاراء في هذه المسألة بالنسبة إلى خصوص النظر في الحساب والمنازل أحدهما الجواز ولا يجزي عن الفرض ثانيها يجوز ويجزئ ثالثها يجوز للحاسب ويجزئه لا للمنجم رابعها يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم خامسها يجوز لهما ولغيرهما مطلقا وقال بن الصباغ أما بالحساب فلا يلزمه بلا خلاف بين أصحابنا قلت ونقل بن المنذر قبله الإجماع على ذلك فقال في الأشراف صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره فمن فرق بينهم كان محجوجا بالإجماع قبله وسيأتي بقية البحث في ذلك بعد باب قوله الشهر تسع وعشرون ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين والجواب أن المعنى أن الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب لقول بن مسعود ما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين أخرجه أبو داود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد ويؤيد الأول قوله في حديث أم سلمة في الباب أن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما وقال بن العربي قوله الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا الخ معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه لا يكون تسعا وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تاخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله قوله فلا تصوموا حتى تروه ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد بل المراد بذلك رؤية بعضهم وهو من يثبت به ذلك أما واحد على رأى الجمهور أو اثنان على رأى آخرين ووافق الحنفية على الأول إنهم خصوا ذلك بما إذا كان في السماء علة من غيم وغيره وإلا متى كان صحو لم يقبل الا من جمع كثير يقع العلم بخبرهم وقد تمسك بتعليق الصوم بالرؤية من ذهب إلى الزام أهل البلد وغيرها ومن لم يذهب إلى ذلك قال لأن قوله حتى تروه خطاب لأناس مخصوصين فلا يلزم غيرهم ولكنه مصروف عن ظاهره فلا يتوقف الحال على رؤية كل واحد فلا يتقيد بالبلد وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب أحدها لأهل كل بلد رؤيتهم وفي صحيح مسلم من حديث بن عباس ما يشهد له وحكاه بن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه وحكاه الماوردي وجها للشافعية ثانيها مقابله إذا رؤى ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية لكن حكى بن عبد البر الإجماع على خلافه وقال اجمعوا على أنه لا تراعي الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والاندلس قال القرطبي قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم وقال بن الماجشون لا يلزمهم بالشهادة الا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة الا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمة نافذ في الجميع وقال بعض الشافعية أن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وأن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي وفي ضبط البعد أوجه أحدهما اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلانى وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب ثانيها مسافة القصر قطع به الإمام والبغوى وصححه الرافعي في الصغير والنووى في شرح مسلم ثالثها اختلاف الأقاليم رابعها حكاه السرخسي فقال يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم خامسها قول بن الماجشون المتقدم واستدل به على وجوب الصوم والفطر على من رأى الهلال وحده وأن لم يثبت بقوله وهو قول الأئمة الأربعة في الصوم واختلفوا في الفطر فقال الشافعي يفطر ويخفيه وقال الأكثر يستمر صائما احتياطا قوله فإن غم عليكم بضم المعجمة وتشديد الميم أي حال بينكم وبينه غيم يقال غممت الشيء إذا غطيته ووقع في حديث أبي هريرة من طريق المستملى فإن غم ومن طريق الكشميهني أغمي ومن رواية السرخسي غبى بفتح الغين المعجمة وتخفيف الموحدة واغمى وغم وغمى بتشديد الميم وتخفيفها فهو مغموم الكل بمعنى وأما غبى فمأخوذ من الغباوة وهي عدم الفطنة وهي استعارة لخفاء الهلال ونقل بن العربي أنه روى عمي بالعين المهملة من العمي قال وهو بمعناه لأنه ذهاب البصر عن المشاهدات أو ذهاب البصيرة عن المعقولات قوله في طريق بن عمر الثالثة

[ 1809 ] الشهر هكذا وهكذا وخنس الإبهام في الثالثة كذا للأكثر بالمعجمة والنون أي قبض والانخناس الانقباض قاله الخطابي وفي رواية الكشميهني وحبس بالحاء المهملة ثم الموحدة أي منع

[ 1811 ] قوله عن يحيى بن عبد الله بن صيفي بمهملة وفاء وزن زيدى وهو اسم بلفظ النسبة ووقع في رواية حجاج عن بن جريج أخبرني يحيى أخرجه مسلم وكذا صرح بالأخبار في بقية الإسناد وسيأتي الكلام على حديث أم سلمة هذا مستوفى في كتاب الطلاق

[ 1812 ] قوله عن حميد عن أنس سيأتي في الطلاق من وجه آخر عن سليمان عن حميد أنه سمع أنسا قوله تسعا وعشرين كذا للأكثر وللحموى والمستملى تسعة وعشرين وسيأتي بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى

قوله باب شهرا عيد لا ينقصان هكذا ترجم ببعض لفظ الحديث وهذا القدر لفظ طريق لحديث الباب عند الترمذي من رواية بشر بن المفضل عن خالد الحذاء

[ 1813 ] قوله حدثنا مسدد حدثنا معتمر فساق الإسناد ثم قال وحدثني مسدد قال حدثنا معتمر فساقه بإسناد آخر لمسدد وساق المتن على لفظ الرواية الثانية وكان النكتة في كونه لم يجمع الإسنادين معا مع إنهما لم يتغايرا الا في شيخ معتمر أن مسددا حدثه به مرة ومعه غيره عن معتمر عن إسحاق وحدثه به مرة أخرى أما وهو وحده وأما بقراءته عليه عن معتمر عن خالد ولمسدد فيه شيخ آخر أخرجه أبو داود عنه عن يزيد بن زريع عن خالد وهو محفوظ عن خالد الحذاء من طرق وأما قول قاسم في الدلائل سمعت موسى بن هارون يحدث بهذا الحديث عن العباس بن الوليد عن يزيد بن زريع مرفوعا قال موسى وأنا أهاب رفعه فإن لم يحمل على أن يزيد بن زريع كان ربما وقفه وإلا فليس لمهابة رفعه معنى وأما لفظ إسحاق العدوي فأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي خليفة وأبي مسلم الكجي جميعا عن مسدد بهذا الإسناد بلفظ لا ينقص رمضان ولا ينقص ذو الحجة وأشار الإسماعيلي أيضا إلى أن هذا اللفظ لإسحاق العدوي لكن أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن محمد بن يحيى عن مسدد بلفظ شهرا عيدا لا ينقصان كما هو لفظ الترجمة وكان هذا هو السر في اقتصار البخاري على سياق المتن على لفظ خالد دون إسحاق لكونه لم يختلف في سياقه عليه وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فمنهم من حمله على ظاهره فقال لا يكون رمضان ولا ذو الحجة أبدا الا ثلاثين وهذا قول مردود معاند للموجود المشاهد ويكفى في رده قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة فإنه لو كان رمضان أبدا ثلاثين لم يحتج إلى هذا ومنهم من تاول له معنى لائقا وقال أبو الحسن كان إسحاق بن راهويه يقول لا ينقصان في الفضيلة أن كانا تسعة وعشرين أو ثلاثين انتهى وقيل لا ينقصان معا أن جاء أحدهما تسعا وعشرين جاء الآخر ثلاثين ولا بد وقيل لا ينقصان في ثواب العمل فيهما وهذان القولان مشهوران عن السلف وقد ثبتا منقولين في أكثر الروايات في البخاري وسقط ذلك في رواية أبي ذر وفي رواية النسفي وغيره عقب الترجمة قبل سياق الحديث قال إسحاق وأن كان ناقصا فهو تمام وقال محمد لا يجتمعان كلاهما ناقص وإسحاق هذا هو بن راهويه ومحمد هو البخاري المصنف ووقع عند الترمذي نقل القولين عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وكان البخاري أختار مقالة أحمد فجزم بها أو توارد عليها قال الترمذي قال أحمد معناه لا ينقصان معا في سنة واحدة انتهى ثم وجدت في نسخة الصغاني ما نصه عقب الحديث قال أبو عبد الله قال إسحاق تسعة وعشرون يوما تام وقال أحمد بن حنبل أن نقص رمضان تم ذو الحجة وأن نقص ذو الحجة تم رمضان وقال إسحاق معناه وأن كان تسعا وعشرين فهو تمام غير نقصان قال وعلى مذهب إسحاق يجوز أن ينقصا معا في سنة واحدة وروى الحاكم في تاريخه بإسناد صحيح أن إسحاق بن إبراهيم سئل عن ذلك فقال إنكم ترون العدد ثلاثين فإذا كان تسعا وعشرين ترونه نقصانا وليس ذلك بنقصان ووافق أحمد على اختياره أبو بكر أحمد بن عمرو البزار فاوهم مغلطاي أنه مراد الترمذي بقوله وقال أحمد وليس كذلك وإنما ذكره قاسم في الدلائل عن البزار فقال سمعت البزار يقول معناه لا ينقصان جميعا في سنة واحدة قال ويدل عليه رواية زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب مرفوعا شهرا عيد لا يكونان ثمانية وخمسين يوما وادعى مغلطاي أيضا أن المراد بإسحاق إسحاق بن سويد العدوي راوي الحديث ولم يأت على ذلك بحجة وذكر بن حبان لهذا الحديث معنيين أحدهما ما قاله إسحاق والآخر أن المراد إنهما في الفضل سواء لقوله في الحديث الآخر ما من أيام العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجة وذكر القرطبي أن فيه خمسة أقوال فذكر نحو ما تقدم وزاد أن معناه لا ينقصان في عام بعينه وهو العام الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم تلك المقالة وهذا حكاه بن بزيزة ومن قبله أبو الوليد بن رشد ونقله المحب الطبري عن أبي بكر بن فورك وقيل المعنى لا ينقصان في الأحكام وبهذا جزم البيهقي وقبله الطحاوي فقال معنى لا ينقصان أن الأحكام فيهما وأن كانا تسعة وعشرين متكاملة غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين وقيل معناه لا ينقصان في نفس الأمر لكن ربما حال دون رؤية الهلال مانع وهذا أشار إليه بن حبان أيضا ولا يخفى بعده وقيل معناه لا ينقصان معا في سنة واحدة على طريق الأكثر الأغلب وأن ندر وقوع ذلك وهذا أعدل مما تقدم لأنه ربما وجد وقوعهما ووقوع كل منهما تسعة وعشرين قال الطحاوي الأخذ بظاهره أو حمله على نقص أحدهما يدفعه العيان لأنا قد وجدناهما ينقصان معا في أعوام وقال الزين بن المنير لا يخلو شيء من هذه الأقوال عن الاعتراض واقربها أن المراد أن النقص الحسى باعتبار العدد ينجبر بان كلا منهما شهر عيد عظيم فلا ينبغي وصفهما بالنقصان بخلاف غيرهما من الشهور وحاصله يرجع إلى تاييد قول إسحاق وقال البيهقي في المعرفة إنما خصهما بالذكر لتعلق حكم الصوم والحج بهما وبه جزم النووي وقال أنه الصواب المعتمد والمعنى أن كل ما ورد عنهما من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعا وعشرين سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يحصل تقصير في ابتغاء الهلال وفائدة الحديث رفع ما يقع في القلوب من شك لمن صام تسعا وعشرين أو قف في غير يوم عرفة وقد استشكل بعض العلماء إمكان الوقوف في الثامن اجتهادا وليس مشكلا لأنه ربما ثبتت الرؤية بشاهدين أن أول ذي الحجة الخميس مثلا فوقفوا يوم الجمعة ثم تبين إنهما شهدا زورا وقال الطيبي ظاهر سياق الحديث بيان اختصاص الشهرين بمزية ليست في غيرهما من الشهور وليس المراد أن ثواب الطاعة في غيرهما ينقص وإنما المراد وقع الحرج عما عسى أن يقع فيه خطا في الحكم لاختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطا فيهما ومن ثم قال شهرا عيد بعد قوله شهران لا ينقصان ولم يقتصر على قوله رمضان وذي الحجة انتهى وفي الحديث حجة لمن قال أن الثواب ليس مرتبا على وجود المشقة دائما بل لله أن يتفضل بالحاق الناقص بالتام في الثواب واستدل به بعضهم لمالك في اكتفائه لرمضان بنية واحدة قال لأنه جعل الشهر بجملته عبادة واحدة فاكتفى له بالنية وهذا الحديث يقتضى أن التسوية في الثواب بين الشهر الذي يكون تسعا وعشرين وبين الشهر الذي يكون ثلاثين إنما هو بالنظر إلى جعل الثواب متعلقا بالشهر من حيث الجملة لا من حيث تفضيل الأيام وأما ما ذكره البزار من رواية زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب فإسناده ضعيف وقد أخرجه الدارقطني في الأفراد والطبراني من هذا الوجه بلفظ لا يتم شهران ستين يوما وقال أبو الوليد بن رشد أن ثبت فمعناه لا يكونان ثمانية وخمسين في الأجر والثواب وروى الطبراني حديث الباب من طريق هشيم عن خالد الحذاء بسنده هذا بلفظ كل شهر حرام لا ينقص ثلاثون يوما وثلاثون ليلة وهذا بهذا اللفظ شاذ والمحفوظ عن خالد ما تقدم وهو الذي توارد عليه الحفاظ من أصحابه كشعبة وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وبشر بن المفضل وغيرهم وقد ذكر الطحاوي أن عبد الرحمن بن إسحاق روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة بهذا اللفظ قال الطحاوي وعبد الرحمن بن إسحاق لا يقاوم خالدا الحذاء في الحفظ قلت فعلى هذا فقد دخل لهشيم حديث في حديث لأن اللفظ الذي أورده عن خالد هو لفظ عبد الرحمن وقال بن رشد أن صح فمعناه أيضا في الأجر والثواب قوله رمضان وذو الحجة أطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد أو لكون هلال العيد ربما رؤى في اليوم الأخير من رمضان قال الأثرم والأول أولي ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم المغرب وتر النهار أخرجه الترمذي من حديث بن عمر وصلاة المغرب ليلية جهرية وأطلق كونها وتر النهار لقربها منه وفيه إشارة إلى أن وقتها يقع أول ما تغرب الشمس تنبيه ليس لإسحاق بن سويد وهو بن هبيرة البصري العدوي عدى مضر وهو تابعي صغير روى هنا عن تابعي كبير في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد أخرجه مقرونا بخالد الحذاء وقد رمى بالنصب وذكره بن العربي في الضعفاء بهذا السبب

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نكتب ولا نحسب بالنون فيهما والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة وهو محمول على أكثرهم أو المراد نفسه صلى الله عليه وسلم

[ 1814 ] قوله الأسود بن قيس هو الكوفي تابعي صغير وشيخه سعيد بن عمرو أي بن سعيد بن العاص مدني سكن دمشق ثم الكوفة تابعي شهير سمع عائشة وأبا هريرة وجماعة من الصحابة ففي الإسناد تابعي كالذي قبله قوله أنا أي العرب وقيل أراد نفسه وقوله أمية بلفظ النسب إلى الأم فقيل أراد أمة العرب لأنها لا تكتب أو منسوب الى الامهات أي إنهم على أصل ولادة أمهم أو منسوب إلى الأم لأن المرأة هذه صفتها غالبا وقيل منسوبون إلى أم القرى وقوله لا نكتب ولا نحسب تفسير لكونهم كذلك وقيل للعرب أميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة قال الله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضا الا النزر اليسير فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك بل ظاهر السياق يشعر بنفى تعليق الحكم بالحساب أصلا ويوضحه قوله في الحديث الماضي فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ولم يقل فسلوا أهل الحساب والحكمة فيه كون العدد عند الاغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التيسير في ذلك وهم الروافض ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم قال الباجي وإجماع السلف الصالح حجة عليهم وقال بن بزيزة وهو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها الا القليل قوله الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين هكذا ذكره آدم شيخ البخاري مختصرا وفيه اختصار عما رواه غندر عن شعبة أخرجه مسلم عن بن المثنى وغيره عنه بلفظ الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين أي أشار أولا باصابع يديه العشر جميعا مرتين وقبض الإبهام في المرة الثالثة وهذا المعبر عنه بقوله تسع وعشرون وأشار مرة أخرى بهما ثلاث مرات وهو المعبر عنه بقوله ثلاثون وفي رواية جبلة بن سحيم عن بن عمر في الباب الماضي الشهر هكذا وهكذا وخنس الإبهام في الثالثة ووقع من هذا الوجه عند مسلم بلفظ الشهر هكذا وهكذا وصفق بيديه مرتين بكل أصابعه وقبض في الصفقة الثالثة إبهام اليمني أو اليسرى وروى أحمد وابن أبي شيبة واللفظ له من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن بن عمر رفعه الشهر تسع وعشرون ثم طبق بين كفيه مرتين وطبق الثالثة فقبض الإبهام قال فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن إنما هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا فنزل لتسع وعشرين فقيل له فقال أن الشهر يكون تسعا وعشرين وشهر ثلاثون قال بن بطال في الحديث رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل وإنما المعول رؤية الاهلة وقد نهينا عن التكلف ولا شك أن في مراعاة ما غمض حتى لا يدرك الا بالظنون غاية التكلف وفي الحديث مستند لمن رأى الحكم بالإشارة قلت وسيأتي في كتاب الطلاق

قوله باب لا يتقدم بضم أوله وفتح ثانيه ويجوز فتحهما أي المكلف

[ 1815 ] قوله لا يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف واكتفى في الترجمة عن ذلك لتصريح الخبر به قوله هشام هو الدستوائي قوله عن أبي سلمة عن أبي هريرة في رواية خالد بن الحارث عن هشام عند الإسماعيلي حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة ونحوه لأبي عوانة من طريق معاوية بن سلام عن يحيى قوله لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم في رواية أبي داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه لا تقدموا صوم رمضان بصوم وفي رواية خالد بن الحارث المذكورة ولا تقدموا بين يدي رمضان بصوم ولأحمد عن روح هشام ولا تقدموا قبل رمضان بصوم وللترمذي من طريق على بن المبارك عن يحيى لا تقدموا شهر رمضان بصيام قبله قوله إلا أن يكون رجل كان تامة أي الا أن يوجد رجل قوله يصوم صوما وفي رواية الكشميهني صومه فليصم ذلك اليوم وفي رواية معمر عن يحيى عند أحمد الا رجل كان يصوم صياما فياتي ذلك على صيامه ونحوه لأبي عوانة من طريق أيوب عن يحيى وفي رواية أحمد عن روح الا رجل كان يصوم صياما فليصله به وللترمذي وأحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة الا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم قال العلماء معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان قال الترمذي لما أخرجه العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان الله اه والحكمة فيه التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط وهذا فيه نظر لأن مقتضى الحديث أنه لو تقدمه بصيام ثلاثة أيام أو أربعة جاز وسنذكر ما فيه قريبا وقيل الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض وفيه نظر أيضا لأنه يجوز لمن له عادة كما في الحديث وقيل لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم وهذا هو المعتمد ومعنى الاستثناء أن من كان له ورد فقد إذن له فيه لأنه اعتاده والفه وترك المالوف شديد وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما قال بعض العلماء يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظن وفي الحديث رد على من يرى تقديم الصوم على الرؤية كالرافضة ورد على من قال بجواز صوم النفل المطلق وأبعد من قال المراد بالنهى التقدم بنية رمضان واستدل بلفظ التقدم لأن التقدم على شيء بالشيء إنما يتحقق إذا كان من جنسه فعلى هذا يجوز الصيام بنية النفل المطلق لكن السياق يأبى هذا التأويل ويدفعه وفيه بيان لمعنى قوله في الحديث الماضي وصوموا لرؤيته فإن اللام فيه للتاقيت لا للتعليل قال بن دقيق العيد ومع كونها محمولة على التاقيت فلا بد من ارتكاب مجاز لأن وقت الرؤية وهو الليل لا يكون محل الصوم وتبعه الفاكهي بان المراد بقوله صوموا انووا الصيام والليل كله ظرف للنية قلت فوقع في المجاز الذي فر منه لأن الناوى ليس صائما حقيقة بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن يطلع الفجر وفيه منع إنشاء الصوم قبل رمضان إذا كان لأجل الاحتياط فإن زاد على ذلك فمفهومه الجواز وقيل يمتد المنع لما قبل ذلك وبه قطع كثير من الشافعية وأجابوا عن الحديث بان المراد منه التقديم بالصوم فحيث وجد منع وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب ممن يقصد ذلك وقالوا أمد المنع من أول السادس عشر من شعبان لحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا إذا اتصف شعبان فلا تصوموا أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان وغيره وقال الروياني من الشافعية يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر وقال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه وقال أحمد وابن معين أنه منكر وقد استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه فقال الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعا أفضل الصيام بعد رمضان شعبان لكن إسناده ضعيف واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل هل صمت من سرر شعبان شيئا قال لا قال فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين ثم جمع بين الحديثين بان حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان وهو جمع حسن والله أعلم

قوله باب قول الله عز وجل أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ما كتب الله لكم كذا في رواية أبي ذر وساق غيره الآية كلها والمراد بهذه الترجمة بيان ما كان الحال عليه قبل نزول هذه الآية ولما كانت هذه الآية منزلة على أسباب تتعلق بالصيام عجل بها المصنف وقد تعرض لها في التفسير أيضا كما سيأتي ويؤخذ من حاصل ما استقر عليه الحال من سبب نزولها ابتداء مشروعية السحور وهو المقصود في هذا المكان لأنه جعل هذه الترجمة مقدمة لأبواب السحور

[ 1816 ] قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي وإسرائيل هو بن يونس بن أبي إسحاق المذكور وقد رواه الإسماعيلي من طرق يوسف بن موسى شيخ البخاري فيه عن إسرائيل وزهير هو بن معاوية وكلاهما عن أبي إسحاق عن البراء زاد فيه ذكر زهير وساقه على لفظ إسرائيل وقد رواه الدارمي عبيد بن حميد في مسنديهما عن عبيد الله بن موسى فلم يذكرا زهيرا وقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن زهير به قوله كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أي في أول افتراض الصيام وبين ذلك بن جرير في روايته من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا قوله فنام قبل أن يفطر الخ في رواية زهير كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليله ويومه حتى تغرب الشمس ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق كان المسلمون إذا افطروا يأكلون ويشربون وياتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدا بالنوم وهذا هو المشهور في حديث غيره وقيد المنع من ذلك في حديث بن عباس بصلاة العتمة أخرجه أبو داود بلفظ كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة ونحوه في حديث أبي هريرة كما ساذكره قريبا وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالبا والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث وبين السدي وغيره أن ذلك الحكم كان على وفق ما كتب على أهل الكتاب كما أخرجه بن جرير من طريق السدي ولفظه كتب على النصارى الصيام وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا بعد النوم وكتب على المسلمين أولا مثل ذلك حتى أقبل رجل من الأنصار فذكر القصة ومن طريق إبراهيم التيمي كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب إذا نام أحدهم لم يطعم حتى القابلة ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص مرفوعا فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر قوله وأن قيس بن صرمة بكسر الصاد المهملة وسكون الراء هكذا سمي في هذه الرواية ولم يختلف على إسرائيل فيه الا في رواية أبي أحمد الزبيري عنه فإنه قال صرمة بن قيس أخرجه أبو داود ولأبي نعيم في المعرفة من طريق الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس مثله قال وكذا رواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن بن عباس ووقع عند أحمد والنسائي من طريق زهير عن أبي إسحاق أنه أبو قيس بن عمرو وفي حديث السدي المذكور حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة ولابن جرير من طريق بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان بفتح المهملة وبالموحدة الثقيلة مرسلا صرمة بن أبي أنس ولغير بن جرير من هذا الوجه صرمة بن قيس كما قال أبو أحمد الزبيري وللذهلى في الزهريات من مرسل القاسم بن محمد صرمة بن أنس ولابن جرير من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى صرمة بن مالك والجمع بين هذه الروايات أنه أبو قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار كذا نسبه بن عبد البر وغيره فمن قال قيس بن صرمة قلبه كما جزم الداودي والسهيلى وغيرهما بأنه وقع مقلوبا في رواية حديث الباب ومن قال صرمة بن مالك نسبه إلى جده ومن قال صرمة بن أنس حذف أداة الكنية من أبيه ومن قال أبو قيس بن عمرو أصاب كنيته وأخطأ في اسم أبيه وكذا من قال أبو قيس بن صرمة وكأنه أراد أن يقول أبو قيس صرمة فزاد فيه بن وقد صحفه بعضهم فرويناه في جزء إبراهيم بن أبي ثابت من طريق عطاء عن أبي هريرة قال كان المسلمون إذا صلوا العشاء حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وأن ضمرة بن أنس الأنصاري غلبته عينه الحديث وقد استدرك بن الأثير في الصحابة ضمرة بن أنس في حرف الضاد المعجمة على من تقدمه وهو تصحيف وتحريف ولم يتنبه له والصواب صرمة بن أبي أنس كما تقدم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وصرمة بن أبي أنس مشهور في الصحابة يكنى أبا قيس قال بن إسحاق فيما أخرجه السراج في تاريخه من طريقه بإسناد إلى عويم بن ساعدة قال قال صرمة بن أبي أنس وهو يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى صديقا مؤاتيا الأبيات قال بن إسحاق وصرمة هذا هو الذي نزل فيه وكلوا واشربوا الآية قال وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال كان أبو قيس ممن فارق الأوثان في الجاهلية فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم وهو شيخ كبير وهو القائل يقول أبو قيس واصبح غاديا الا ما استطعتم من وصاتى فافعلوه الأبيات قوله فقال لها أعندك بكسر الكاف طعام قالت لا ولكن انطلق أطلب لك ظاهره أنه لم يجيء معه بشيء لكن في مرسل السدي أنه أتاها بتمر فقال استبدلى به طحينا واجعليه سخينا فإن التمر احرق جوفي وفيه لعلي أكله سخنا وإنها استبدلته له وصنعته وفي مرسل بن أبي ليلى فقال لأهله اطعمونى فقالت حتى اجعل لك شيئا سخينا ووصله أبو داود من طريق بن أبي ليلى فقال حدثنا أصحاب محمد فذكره مختصرا قوله وكان يومه بالنصب يعمل أي في أرضه وصرح بها أبو داود في روايته وفي مرسل السدي كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة فعلى هذا فقوله في أرضه إضافة اختصاص قوله فغلبته عيناه أي نام وللكشميهني عينه بالافراد قوله فقالت خيبة لك بالنصب وهو مفعول مطلق محذوف العامل وقيل إذا كان بغير لام يجب نصبه وإلا جاز والخيبة الحرمان يقال خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب قوله فلما انتصف النهار غشي عليه وفي رواية أحمد فأصبح صائما فلما انتصف النهار وفي رواية أبي داود فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه فيحمل الأول على أن الغشي وقع في آخر النصف الأول من النهار وفي رواية زهير عن أبي إسحاق فلم يطعم شيئا وبات حتى أصبح صائما حتى انتصف النهار فغشي عليه وفي مرسل السدي فأيقظته فكره أن يعصي الله وأبي أن يأكل وفي مرسل محمد بن يحيى فقالت له كل فقال أني قد نمت فقالت لم تنم فأبى فأصبح جائعا مجهودا قوله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية زكريا عند أبي الشيخ وأتى عمر امرأته وقد نامت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قوله فنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ففرحوا بها فرحا شديدا ونزلت وكلوا واشربوا كذا في هذه الرواية وشرح الكرماني على ظاهرها فقال لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالا بعد أن كان حراما كان الأكل والشرب بطريق الأولى فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة هذا وجه مطابقة ذلك لقصة أبي قيس قال ثم لما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك وكلوا واشربوا ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم صريحا ثم قال أو المراد من الآية هي بتمامها قلت وهذا هو المعتمد وبه جزم السهيلي وقال أن الآية بتمامها نزلت في الامرين معا وقدم ما يتعلق بعمر لفضله قلت وقد وقع في رواية أبي داود فنزلت أحل لكم ليلة الصيام إلى قوله من الفجر فهذا يبين أن محل قوله ففرحوا بها بعد قوله الخيط الأسود ووقع ذلك صريحا في رواية زكريا بن أبي زائدة ولفظه فنزلت أحل لكم إلى قوله من الفجر ففرح المسلمون بذلك وسيأتي بيان قصة عمر في تفسير سورة البقرة مع بقية تفسير الآية المذكورة إن شاء الله تعالى

قوله باب قول الله عز وجل وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم ساق إلى قوله إلى الليل وهذه الترجمة سيقت لبيان انتهاء وقت الأكل وغيره الذي ابيح بعد أن كان ممنوعا واستفيد من حديث سهل الذي في هذا الباب أن ذكر نزول الآية في حديث البراء أريد به معظمها وهو أن قوله من الفجر تأخر نزوله عن بقية الآية مع أنه ليس في حديث البراء التصريح بان قوله من الفجر نزل أو لا فإن رواية حديث الباب فيها إلى قوله الخيط الأسود ورواية أبي داود وأبي الشيخ فيها إلى قوله من الفجر فيحمل الثاني على أن قوله من الفجر لم يدخل في الغاية قوله فيه البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم يريد الحديث الذي مضى قبله وهو موصول كما تقدم ثم أورد المصنف في الباب حديثين الأول

[ 1817 ] قوله أخبرني حصين روى الطحاوي من طريق إسماعيل بن سالم عن هشيم أنبأنا حصين ومجالد وكذا أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع عن هشيم الا أنه فرقهما قوله عن عدي بن حاتم في رواية الترمذي أخبرني عدي بن حاتم وكذا أخرجه بن خزيمة عن أحمد بن منيع وهكذا أورده أبو عوانة من طريق أبو عبيد عن هشيم عن حصين قوله لما نزلت حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود عمدت الخ ظاهره أن عديا كان حاضرا لما نزلت هذه الآية وهو يقتضى تقدم إسلامه وليس كذلك لأن نزول فرض الصوم كان متقدما في أوائل الهجرة واسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة كما ذكره بن إسحاق وغيره من أهل المغازي فأما أن يقال أن الآية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم وهو بعيد جدا وأما أن يؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله لما نزلت أي لما تليت على عند إسلامي أو لما بلغني نزول الآية أو في السياق حذف تقديره لما نزلت الآية ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع عمدت وقد روى أحمد حديثه من طريق مجالد بلفظ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام فقال صل كذا وصم كذا فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال فأخذت خيطين الحديث قوله إلى عقال بكسر المهملة أي حبل وفي رواية مجالد فأخذت خيطين من شعر قوله فجعلت انظر في الليل فلا يستبين لي في رواية مجالد فلا استبين الأبيض من الأسود قوله فقال إنما ذلك زاد أبو عبيد أن وسادك إذا لعريض وكذا لأحمد عن هشيم وللاسماعيلى عن يوسف القاضي عن محمد بن الصباح عن هشيم قال فضحك وقال أن كان وسادك إذا لعريضا وهذه الزيادة أوردها المصنف في تفسير البقرة من طريق أبي عوانة عن حصين وزاد أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك وفي رواية أبي إدريس عن حصين عند مسلم أن وسادك لعريض طويل وللمصنف في التفسير من طريق جرير عن مطرف عن الشعبي انك لعريض القفا ولأبي عوانة من طريق إبراهيم بن طهمان عن مطرف فضحك وقال لا يا عريض القفا قال الخطابي في المعالم في قوله أن وسادك لعريض قولان أحدهما يريد أن نومك لكثير وكنى بالوسادة عن النوم لأن النائم يتوسد أو أراد أن ليلك لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل حتى يتبين لك العقال والقول الآخر أنه كنى بالوسادة عن الموضع الذي يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام والعرب تقول فلان عريض القفا إذا كان فيه غباوة وغفلة وقد روى في هذا الحديث من طريق أخرى انك عريض القفا وجزم الزمخشري بالتاويل الثاني فقال إنما عرض النبي صلى الله عليه وسلم قفا عدي لأنه غفل عن البيان وعرض القفا مما يستدل به على قلة الفطنة وأنشد في ذلك شعرا وقد أنكر ذلك كثير منهم القرطبي فقال حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم وكانهم فهموا أنه نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه وعضدوا ذلك بقوله انك عريض القفا وليس الأمر على ما قالوه لأن من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التي هي الأصل أن لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذما ولا ينسب إلى جهل وإنما عنى والله أعلم أن وسادك أن كان يغطى على الخيطين اللذين أراد الله فهو إذا عريض واسع ولهذا قال في أثر ذلك إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار فكأنه قال فكيف يدخلان تحت وسادتك وقوله انك لعريض القفا أي أن الوساد الذي يغطى الليل والنهار لا يرقد عليه الا قفا عريض للمناسبة قلت وترجم عليه بن حبان ذكر البيان بان العرب تتفاوت لغاتها وأشار بذلك إلى أن عديا لم يكن يعرف في لغته أن سواد الليل وبياض النهار يعبر عنهما بالخيط الأسود والخيط الأبيض وساق هذا الحديث قال بن المنير في الحاشية في حديث عدي جواز التوبيخ بالكلام النادر الذي يسير فيصير مثلا بشرط صحة القصد ووجود الشرط عند أمن الغلو في ذلك فإنه مزلة القدم الا لمن عصمه الله تعالى الحديث الثاني

[ 1818 ] قوله حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وحدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان حدثني أبو حازم كذا أخرجه البخاري عن سعيد عن شيخين له واعاده في التفسير عن سعيد عن أبي غسان وحده وظهر من سياقه أن اللفظ هنا لأبي غسان وقد أخرجه بن خزيمة عن الذهلي عن سعيد عن شيخيه وبين أبو نعيم في المستخرج أن لفظهما واحد وقد أخرجه مسلم وابن أبي حاتم وأبو عوانة والطحاوي في آخرين من طريق سعيد عن أبي غسان وحده قوله فكان رجال لم اقف على تسمية أحد منهم ولا يحسن أن يفسر بعضهم بعدي بن حاتم لأن قصة عدي متاخرة عن ذلك كما سبق ويأتي قوله ربط أحدهم في رجليه في رواية فضيل بن سليمان عن أبي حازم عند مسلم لما نزلت هذه الآية جعل الرجل يأخذ خيطا أبيض وخيطا أسود فيضعهما تحت وسادته فينظر متى يستبينهما ولا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون بعضهم فعل هذا وبعضهم فعل هذا أو يكونوا يجعلونهما تحت الوسادة إلى السحر فيربطونهما حينئذ في أرجلهم ليشاهدوهما قوله حتى يتبين كذا للأكثر بالتشديد وللكشميهني حتى يستبين بفتح أوله وسكون المهملة والتخفيف قوله رؤيتهما كذا لأبي ذر وفي رواية النسفي رئيهما بكسر أوله وسكون الهمزة وضم التحتانية ولمسلم من هذا الوجه زيهما بكسر الزاي وتشديد التحتانية قال صاحب المطالع ضبطت هذه اللفظة على ثلاثة أوجه ثالثها بفتح الراء وقد تكسر بعدها همزة ثم تحتانية مشددة قال عياض ولا وجه له الا بضرب من التأويل وكأنه رئي بمعنى مرئى والمعروف أن الرئى التابع من الجن فيحتمل أن يكون من هذا الأصل لترائيه لمن معه من الإنس قوله فانزل الله بعد من الفجر قال القرطبي حديث عدي يقتضى أن قوله من الفجر نزل متصلا بقوله من الخيط الأسود بخلاف حديث سهل فإنه ظاهر في أن قوله من الفجر نزل بعد ذلك لرفع ما وقع لهم من الاشكال قال وقد قيل أنه كان بين نزولهما عام كامل قال فأما عدي فحمل الخيط على حقيقته وفهم من قوله من الفجر من أجل الفجر ففعل ما فعل قال والجمع بينهما أن حديث عدي متاخر عن حديث سهل فكان عديا لم يبلغه ما جرى في حديث سهل وإنما سمع الآية مجردة ففهمها على ما وقع له فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بقوله من الفجر أن ينفصل أحد الخيطين عن الآخر وأن قوله من الفجر متعلق بقوله يتبين قال ويحتمل أن تكون القصتان في حالة واحدة وأن بعض الرواة يعني في قصة عدي تلا الآية تامة كما ثبت في القرآن وأن كان حال النزول إنما نزلت مفرقة كما ثبت في حديث سهل قلت وهذا الثاني ضعيف لأن قصة عدي متاخرة لتأخر إسلامه كما قدمته وقد روى بن أبي حاتم من طريق أبي أسامة عن مجالد في حديث عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أخبره بما صنع يا بن حاتم ألم أقل لك من الفجر وللطبرانى من وجه آخر عن مجالد وغيره فقال عدي يا رسول الله كل شيء أوصيتنى قد حفظته غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود أني بت البارحة معي خيطان انظر إلى هذا وإلى هذا قال إنما هو الذي في السماء فتبين أن قصة عدي مغايرة لقصة سهل فأما من ذكر في حديث سهل فحملوا الخيط على ظاهره فلما نزل من الفجر علموا المراد فلذلك قال سهل في حديثه فعلموا إنما يعني الليل والنهار وأما عدي فكأنه لم يكن في لغة قومه استعارة الخيط للصبح وحمل قوله من الفجر على السببية فظن أن الغاية تنتهي إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الآخر بضياء الفجر أو نسي قوله من الفجر حتى ذكره بها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الاستعارة معروفة عند بعض العرب قال الشاعر
ولما تبدت لنا سدفة
ولاح من الصبح خيط انارا قوله فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار في رواية الكشميهني فعلموا أنه يعني وقد وقع في حديث عدي سواد الليل وبياض النهار معنى الآية حتى يظهر بياض النهار من سواد الليل وهذا البيان يحصل بطلوع الفجر الصادق ففيه دلاله على أن ما بعد الفجر من النهار وقال أبو عبيد المراد بالخيط الأسود الليل وبالخيط الأبيض الفجر الصادق والخيط اللون وقيل المراد بالابيض أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود وبالاسود ما يمتد معه من غبش الليل شبيها بالخيط قاله الزمخشري قال وقوله من الفجر بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأن بيان أحدهما بيان للاخر قال ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وقد أخرجه قوله من الفجر من الاستعارة إلى التشبيه كما أن قولهم رأيت اسدا مجاز فإذا زدت فيه من فلان رجع تشبيها ثم قال كيف جاز تأخير البيان وهو يشبه العبث لأنه قبل نزول من الفجر لا يفهم منه الا الحقيقة وهي غير مرادة ثم أجاب بان من لا يجوزه وهم أكثر الفقهاء والمتكلمين لم يصح عندهم حديث سهل وأما من يجوزه فيقول ليس بعبث لأن المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب ويعزم على فعله إذا استوضح المراد به انتهى ونقله نفى التجويز عن الأكثر فيه كما سيأتي وجوابه عنهم بعدم صحة الحديث مردود ولم يقل به أحد من الفريقين لأنه مما اتفق الشيخان على صحته وتلقته الأمة بالقبول ومسالة تأخير البيان مشهورة في كتب الأصول وفيها خلاف بين العلماء من المتكلمين وغيرهم وقد حكى بن السمعاني في أصل المسألة عن الشافعية أربعة أوجه الجواز مطلقا عن بن سريج والاصطخرى وابن أبي هريرة وابن خيران والمنع مطلقا عن أبي إسحاق المروزي والقاضي أبي حامد والصيرفى ثالثها جواز تأخير بيان المجمل دون العام رابعها عكسه وكلاهما عن بعض الشافعية وقال بن الحاجب تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع الا عند مجوز تكليف ما لا يطاق يعني وهم الاشاعرة فيجوزونه وأكثرهم يقولون لم يقع قال شارحه والخطاب المحتاج إلى البيان ضربان أحدهما ماله ظاهر وقد استعمل في خلافه والثاني ما لا ظاهر له فقال طائفة من الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية يجوز تاخيره عن وقت الخطاب واختاره الفخر الرازي وابن الحاجب وغيرهم ومال بعض الحنفية والحنابة كلهم إلى امتناعه وقال الكرخي يمتنع في غير المجمل وإذا تقرر ذلك فقد قال النووي تبعا لعياض وإنما حمل الخيط الأبيض والأسود على ظاهرهما بعض من لا فقه عنده من الأعراب كالرجال الذين حكى عنهم سهل وبعض من لم يكن في لغته استعمال الخيط في الصبح كعدى وادعى الطحاوي والداودى أنه من باب النسخ وأن الحكم كان أولا على ظاهره المفهوم من الخيطين واستدل على ذلك بما نقل عن حذيفة وغيره من جواز الأكل إلى الأسفار قال ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى من الفجر قلت ويؤيد ما قاله ما رواه عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فقال الصلاة يا رسول الله قد والله أصبحت فقال يرحم الله بلالا لولا بلال لرجونا أن يرخص لنا حتى تطلع الشمس ويستفاد من هذا الحديث كما قال عياض وجوب التوقف عن الألفاظ المشتركة وطلب بيان المراد منها وإنها لا تحمل على أظهر وجوهها وأكثر استعمالاتها الا عند عدم البيان وقال بن بزيزة في شرح الأحكام ليس هذا من باب تأخير بيان المجملات لأن الصحابة عملوا أولا على ما سبق إلى افهامهم بمقتضى اللسان فعلى هذا فهو من باب تأخير ماله ظاهر أريد به خلاف ظاهره قلت وكلامه يقتضى أن جميع الصحابة فعلوا ما نقله سهل بن سعد وفيه نظر واستدل بالآية والحديث على أن غاية الأكل والشرب طلوع الفجر فلو طلع الفجر وهو يأكل أو يشرب فنزع تم صومه وفيه اختلاف بين العلماء ولو أكل ظانا أن الفجر لم يطلع لم يفسد صومه عند الجمهور لأن الآية دلت على الإباحة إلى أن يحصل التبيين وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عباس قال أحل الله لك الأكل والشرب ما شككت ولابن أبي شيبة عن أبي بكر وعمر نحوه وروى بن أبي شيبة من طريق أبي الضحى قال سأل رجل بن عباس عن السحور فقال له رجل من جلسائه كل حتى لا تشك فقال بن عباس أن هذا لا يقول شيئا كل ما شككت حتى لا تشك قال بن المنذر وإلى هذا القول صار أكثر العلماء وقال مالك يقضي وقال بن بزيزة في شرح الأحكام اختلفوا هل يحرم الأكل بطلوع الفجر أو بتبينه عند الناظر تمسكا بظاهر الآية واختلفوا هل يجب إمساك جزء قبل طلوع الفجر أم لا بناء على الاختلاف المشهور في مقدمة الواجب وسنذكر بقية هذا الحديث في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعنكم كذا للأكثر وللكشميهني لا يمنعكم بسكون العين بغير تاكيد قال بن بطال لم يصح عند البخاري لفظ الترجمة فاستخرج معناه من حديث عائشة وقد روى لفظ الترجمة وكيع من حديث سمرة مرفوعا لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق وقال الترمذي هو حديث حسن وحديث سمرة عند مسلم أيضا لكن لم يتعين في مراد البخاري فإنه قد صح أيضا على شرطه حديث بن مسعود بلفظ لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم الحديث وقد تقدم في أبواب الأذان في باب الأذان قبل الفجر وأخرج عنه حديث عبيد الله بن عمر عن شيخيه القاسم ونافع كما أخرجه هنا فالظاهر أنه مراده بما ذكره في هذه الترجمة وقد تقدم الكلام على حديث عبيد الله بن عمر هناك وفي حديث سمرة الذي أخرجه مسلم بيان لما أبهم في حديث بن مسعود وذلك أن في حديث بن مسعود وليس الفجر أن يقول ورفع بأصابعه إلى فوق وطاطا إلى أسفل حتى يقول هكذا وفي حديث سمرة عند مسلم لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا يعني معترضا وفي رواية ولا هذا البياض حتى يستطير وقد تقدم لفظ رواية الترمذي وله من حديث طلق بن على كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر وقوله يهيدنكم بكسر الهاء أي يزعجنكم فتمتنعوا به عن السحور فإنه الفجر الكاذب يقال هدته اهيده إذا ازعجته واصل الهيد بالكسر الحركة ولابن أبي شيبة عن ثوبان مرفوعا الفجر فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرمه ولكن المستطير أي هو الذي يحرم الطعام ويحل الصلاة وهذا موافق للاية الماضية في الباب قبله وذهب جماعة من الصحابة وقال بن الأعمش من التابعين وصاحبه أبو بكر بن عياش إلى جواز السحور إلى أن يتضح الفجر فروى سعيد بن منصور عن أبي الأحوص عن عاصم عن زر عن حذيفة قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والله النهار غير أن الشمس لم تطلع وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن عاصم نحوه وروى بن أبي شيبة وعبد الرزاق ذلك عن حذيفة من طرق صحيحة وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر من طرق عن أبي بكر أنه أمر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر وروى بن المنذر بإسناد صحيح عن على أنه صلى الصبح ثم قال الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال بن المنذر وذهب بعضهم إلى أن المراد يتبين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت ثم حكى ما تقدم عن أبي بكر وغيره وروى بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي وله صحبة أن أبا بكر قال له أخرج فأنظر هل طلع الفجر قال فنظرت ثم أتيته فقلت قد أبيض وسطع ثم قال أخرج فأنظر هل طلع فنظرت فقلت قد اعترض فقال الآن ابلغنى شرابى وروى من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال لولا الشهوى لصليت الغداة ثم تسحرت قال إسحاق هؤلاء رأوا جواز الأكل والصلاة بعد طلوع الفجر المعترض حتى يتبين بياض النهار من سواد الليل قال إسحاق وبالقول الأول أقول لكن لا اطعن على من تاول الرخصة كالقول الثاني ولا أرى عليه قضاء ولا كفارة قلت وفي هذا تعقب على الموفق وغيره حيث نقلوا الإجماع على خلاف ما ذهب إليه الأعمش والله أعلم

[ 1819 ] قوله عن بن عمر والقاسم بن محمد بالجر عطفا على نافع لا على بن عمر لأن عبيد الله بن عمر رواه عن نافع عن بن عمر عن القاسم عن عائشة وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت

قوله باب تعجيل السحور أي الإسراع بالأكل إشارة إلى أن السحور كان يقع قرب طلوع الفجر وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه كنا ننصرف أي من صلاة الليل فنستعجل بالطعام مخافة الفجر قال بن بطال ولو ترجم له بباب تأخير السحور لكان حسنا وتعقبه مغلطاي بأنه وجد في نسخة أخرى من البخاري باب تأخير السحور ولم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري التي وقعت لنا وقال الزين بن المنير التعجيل من الأمور النسبية فإن نسب إلى أول الوقت كان معناه التقديم وأن نسب إلى آخره كان معناه التاخير وإنما سماه البخاري تعجيلا إشارة منه إلى أن الصحابي كان يسابق بسحوره الفجر عند خوف طلوعه وخوف فوات الصلاة بمقدار ذهابه إلى المسجد

[ 1820 ] قوله عن أبيه أبي حازم أشار الإسماعيلي إلى أن عبد العزيز بن أبي حازم لم يسمعه من أبيه فأخرج من طريق مصعب الزبيري عن أبي حازم عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن أبي حازم عن سهل ثم رواه من طريق أخرى عن عبد الله به عامر عن أبي حازم وعبد الله بن عامر هو الأسلمي فيه ضعف وأشار الإسماعيلي إلى تعليل الحديث بذلك ومصعب بن عبد الله الزبيري لا يقاوم الحفاظ الذين رووه عن عبد العزيز عن أبيه بغير واسطة فزيادته شاذة ويحتمل أن يكون عبد العزيز سمع من عبد الله بن عامر فيه عن أبيه زيادة لم تكن فيما سمعه من أبيه فلذلك حدث به تارة عن أبيه بلا واسطة وتارة بالواسطة وقد أخرجه البخاري في المواقيت من وجه آخر عن أبي حازم فبطل التعليل برواية عبد العزيز بن أبي حازم والله أعلم قوله ثم تكون سرعتى في رواية سليمان بن بلال ثم تكون سرعة بي وسرعة بالضم على أن كان تامة ولفظ بي متعلق بسرعة أو ليست تامة وبي الخبر أو قوله أن أدرك ويجوز النصب على أنها خبر كان والاسم ضمير يرجع إلى ما يدل عليه لفظ السرعة قوله أن أدرك السحور كذا في رواية الكشميهني وللنسفى والجمهور أن أدرك السجود وهو الصواب ويؤيده أن في الرواية المتقدمة في المواقيت أن أدرك صلاة الفجر وفي رواية الإسماعيلي صلاة الصبح وفي رواية أخرى صلاة الغداة قال عياض مراد سهل بن سعد أن غاية اسراعه أن سحوره لقربه من طلوع الفجر كان بحيث لا يكاد أن يدرك صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولشدة تغليس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبح وقال بن المنير في الحاشية المراد إنهم كانوا يزاحمون بالسحور الفجر فيختصرون فيه ويستعجلون خوف الفوات تنبيه قال المزي ذكر خلف أن البخاري أخرج هذا الحديث في الصوم عن محمد بن عبيد الله وقتيبة كلاهما عن عبد العزيز قال ولم نجده في الصحيح ولا ذكره أبو مسعود قلت ورأيت هنا بخط القطب ومغلطاى محمد بن عبيد بغير إضافة وهو غلط والصواب محمد بن عبيد الله وهو أبو ثابت المدني مشهور من كبار شيوخ البخاري

قوله باب قدركم بين السحور وصلاة الفجر أي انتهاء السحور وابتداء الصلاة لأن المراد تقدير الزمان الذي ترك فيه الأكل والمراد بفعل الصلاة أول الشروع فيها قاله الزين بن المنير

[ 1821 ] قوله حدثنا هشام هو الدستوائي قوله عن أنس سبق في المواقيت من طريق سعيد عن قتادة قال قلت لأنس قوله قلت كم هو مقول أنس والمقول له زيد بن ثابت وقد تقدم بيان ذلك في المواقيت وأن قتادة أيضا سأل أنسا عن ذلك ورواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن همام وفيه أن أنسا قال قلت لزيد قوله قال قدر خمسين آية أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة وقدر بالرفع على أنه خبر المبتدأ ويجوز النصب على أنه خبر كان المقدرة في جواب زيد لا في سؤال أنس لئلا تصير كان واسمها من قائل والخبر من آخر قال المهلب وغيره فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقولهم قدر حلب شاة وقدر نحر جزور فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة ولو كانوا يقدرون بغير العمل لقال مثلا قدر درجة أو ثلث خمس ساعة وقال بن أبي جمرة فيه إشارة إلى أن اوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود قال بن أبي جمرة كان صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يقضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر وقال فيه أيضا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم ولا سيما من كان صفراويا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان قال وفي الحديث تانيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة وجواز المشي بالليل للحاجة لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه الاجتماع على السحور وفيه حسن الآدب في العبارة لقوله تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يشعر لفظ المعية بالتبعية وقال القرطبي فيه دلالة على أن الفراغ من السحور كان قبل طلوع الفجر فهو معارض لقول حذيفة هو النهار الا أن الشمس لم تطلع انتهى والجواب أن لا معارضة بل تحمل على اختلاف الحال فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة فتكون قصة حذيفة سابقة وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بإسناد هذا الحديث في المواقيت وكونه من مسند زيد بن ثابت أو من مسند أنس

قوله باب بركة السحور من غير إيجاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا ولم يذكر السحور بضم يذكر على البناء للمجهول وللكشميهني والنسفى ولم يذكر سحور قال الزين بن المنير الاستدلال على الحكم إنما يفتقر إليه إذا ثبت الاختلاف أو كان متوقعا والسحور إنما هو أكل للشهوة وحفظ القوة لكن لما جاء الأمر به أحتاج أن يبين أنه ليس على ظاهره من الإيجاب وكذا النهى عن الوصال يستلزم الأمر بالأكل قبل طلوع الفجر انتهى وتعقب بان النهى عن الوصال إنما هو أمر بالفصل بين الصوم والفطر فهو أعم من الأكل آخر الليل فلا يتعين السحور وقد نقل بن المنذر الإجماع على ندبية السحور وقال بن بطال في هذه الترجمة غفلة من البخاري لأنه قد خرج بعد هذا حديث أبي سعيد أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر فجعل غاية الوصال السحر وهو وقت السحور قال والمفسر يقضي على المجمل انتهى وقد تلقاه جماعة بعده بالتسليم وتعقبه بن المنير في الحاشية بان البخاري لم يترجم على عدم مشروعية السحور وإنما ترجم على عدم ايجابه وأخذ من الوصال أن السحور ليس بواجب وحيث نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال لم يكن على سبيل تحريم الوصال وإنما هو نهى إرشاد لتعليله إياه بالاشفاق عليهم وليس في ذلك إيجاب للسحور ولما ثبت أن النهى عن الوصال للكراهة فضد نهى الكراهة الاستحباب فثبت استحباب السحور كذا قال ومسالة الوصال مختلف فيها والراجح عند الشافعية التحريم والذي يظهر لي أن البخاري أراد بقوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا الخ الإشارة إلى حديث أبي هريرة الاتى بعد خمسة وعشرين بابا فيه بعد النهى عن الوصال أنه واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم فدل ذلك على أن السحور ليس بحتم إذ لو كان حتما ما واصل بهم فإن الوصال يستلزم ترك السحور سواء قلنا الوصال حرام أو لا وسيأتي الكلام على اختلاف العلماء في حكم الوصال وعلى حديث بن عمر أيضا في الباب المشار إليه إن شاء الله تعالى وقوله اظل بفتح الهمزة والظاء القائمة المعجمة مضارع ظللت إذا عملت بالنهار وسيأتي هناك بلفظ أبيت وهو دال على أن استعمال اظل هنا ليس مقيدا بالنهار

[ 1823 ] قوله في حديث أنس تسحروا فإن في السحور بركة هو بفتح السين وبضمها لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم لأنه مصدر بمعنى التسحر أو البركة لكونه يقوي على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح لأنه ما يتسحر به وقيل البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي أتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة والزيادة في النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة وتدارك نية الصوم لمن اغفلها قبل أن ينام قال بن دقيق العيد هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الاخروية فإن إقامة السنة يوجب الأجر وزيادته ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير اضرار بالصائم قال ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الاجور الاخروية وقال أيضا وقع للمتصوفة في مسألة السحور كلام من جهة اعتبار حكمة الصوم وهي كسر شهوة البطن والفرج والسحور قد يباين ذلك قال والصواب أن يقال ما زاد في المقدار حتى تنعدم هذه الحكمة بالكلية فليس بمستحب كالذي يصنعه المترفون من التانق في المآكل وكثرة الاستعداد لها وما عدا ذلك تختلف مراتبه تكميل يحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من ماكول ومشروب وقد أخرج هذا الحديث أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جزعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ولسعيد بن منصور من طريق أخرى مرسلة تسحروا ولو بلقمة

قوله باب إذا نوى بالنهار صوما أي هل يصح مطلقا أو لا وللعلماء في ذلك اختلاف فمنهم من فرق بين الفرض والنفل ومنهم من خص جواز النفل بما قبل الزوال وسيأتي بيان ذلك قوله وقالت أم الدرداء كان أبو الدرداء يقول عندكم طعام فإن قلنا لا قال فإني صائم يومى هذا وصله بن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أم الدرداء قالت كان أبو الدرداء يغدونا أحيانا ضحى فيسال الغداء فربما لم يوافقه عندنا فيقول إذا أنا صائم وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي إدريس وعن أيوب عن أبي قلابة عن أم الدرداء وعن معمر عن قتادة أن أبا الدرداء كان إذا أصبح سأل أهله الغداء فإن لم يكن قال أنا صائم وعن بن جريج عن عطاء عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه كان يأتي أهله حين ينتصف النهار فذكر نحوه ومن طريق شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه كان ربما دعا بالغداء فلا يجده فيفرض عليه الصوم ذلك اليوم قوله وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وحذيفة أما أثر أبي طلحة فوصله عبد الرزاق من طريق قتادة وابن أبي شيبة من طريق حميد كلاهما عن أنس ولفظ قتادة أن أبا طلحة كان يأتي أهله فيقول هل من غداء فإن قالوا لا صام يومه ذلك قال قتادة وكان معاذ بن جبل يفعله ولفظ حميد نحوه وزاد وأن كان عندهم أفطر ولم يذكر قصة معاذ وأما أثر أبي هريرة فوصله البيهقي من طريق بن أبي ذئب عن حمزة عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم يأتي أهله فيقول عندكم شيء فإن قالوا لا قال فأنا صائم ورواه عبد الرزاق بسند آخر فيه انقطاع أن أبا هريرة وأبا طلحة فذكر معناه وأما أثر بن عباس فوصله الطحاوي من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن بن عباس أنه كان يصبح حتى يظهر ثم يقول والله لقد أصبحت وما أريد الصوم وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم ولأصومن يومى هذا وأما أثر حذيفة فوصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال حذيفة من بدا له الصيام بعد ما تزول الشمس فليصم وفي رواية بن أبي شيبة أن حذيفة بدا له في الصوم بعد ما زالت الشمس فصام وقد جاء نحو ما ذكرنا عن أبي الدرداء مرفوعا من حديث عائشة أخرجه مسلم وأصحاب السنن من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة عن عمته عائشة بنت طلحة وفي رواية له حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شيء قلنا لا قال فإني إذا صائم الحديث ورواه النسائي والطيالسى من طريق سماك عن عكرمة عن عائشة نحوه ولم يسم النسائي عكرمة قال النووي في هذا الحديث دليل للجمهور في أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس وتاوله الآخرون على أن سؤاله هل عندكم شيء لكونه كان نوى الصوم من الليل ثم ضعف عنه وأراد الفطر لذلك قال وهو تأويل فاسد وتكلف بعيد وقال بن المنذر اختلفوا فيمن أصبح يريد الإفطار ثم بدا له أن يصوم تطوعا فقالت طائفة له أن يصوم متى بدا له فذكر عمن تقدم وزاد بن مسعود وأبا أيوب وغيرهما وساق ذلك بأسانيده إليهم قال وبه قال الشافعي وأحمد قال وقال بن عمر لا يصوم تطوعا حتى يجمع من الليل أو يتسحر وقال مالك في النافلة لا يصوم الا أن يبيت الا أن كان يسرد الصوم فلا يحتاج إلى التبييت وقال أهل الراى من أصبح مفطرا ثم بدا له أن يصوم قبل منتصف النهار اجزاه وأن بدا له ذلك بعد الزوال لم يجزه قلت وهذا هو الأصح عند الشافعية والذي نقله بن المنذر عن الشافعي من الجواز مطلقا سواء كان قبل الزوال أو بعده هو أحد القولين للشافعي والذي نص عليه في معظم كتبه التفرقة والمعروف عن مالك والليث وابن أبي ذئب أنه لا يصح صيام التطوع الا بنية من الليل

[ 1824 ] قوله عن سلمة بن الأكوع في رواية يحيى وهو القطان عن يزيد بن أبي عبيد حدثنا سلمة بن الأكوع كما سيأتي في خبر الواحد قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا ينادي في الناس في رواية يحيى قال لرجل من أسلم إذن في قومك واسم هذا الرجل هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي له ولأبيه ولعمه هند بن حارثة صحبة أخرج حديثه أحمد وابن أبي خيثمة من طريق بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن حبيب بن هند بن أسماء الأسلمي عن أبيه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي من أسلم فقال مر قومك أن يصوموا هذا اليوم يوم عاشوراء فمن وجدته منهم قد أكل في أول يومه فليصم آخره وروى أحمد أيضا من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند قال وكان هند من أصحاب الحديبية وأخوه الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء قال فحدثني يحيى بن هند عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه فقال مر قومك بصيام هذا اليوم قال أرأيت أن وجدتهم قد طعموا قال فليتموا آخر يومهم قلت فيحتمل أن يكون كل من أسماء وولده هند أرسلا بذلك ويحتمل أن يكون أطلق في الرواية الأولى على الجد اسم الأب فيكون الحديث من رواية حبيب بن هند عن جده أسماء فتتحد الروايتان والله أعلم واستدل بحديث سلمة هذا على صحة الصيام لمن لم ينوه من الليل سواء كان رمضان أو غيره لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم في اثناء النهار فدل على أن النية لا تشترط من الليل وأجيب بان ذلك يتوقف على أن الصيام عاشوراء كان واجبا والذي يترجح من أقوال العلماء أنه لم يكن فرضا وعلى تقدير أنه كان فرضا فقد نسخ بلا ريب فنسخ حكمة وشرائطه بدليل قوله ومن أكل فليتم ومن لا يشترط النية من الليل لا يجيز صيام من أكل من النهار وصرح بن حبيب من المالكية بان ترك التبييت لصوم عاشوراء من خصائص عاشوراء وعلى تقدير أن حكمة باق فالأمر بالإمساك لا يستلزم الأجزاء فيحتمل أن يكون أمر بالإمساك لحرمة الوقت كما يؤمر من قدم من سفر في رمضان نهارا وكما يؤمر من أفطر يوم الشك ثم رأى الهلال وكل ذلك لا ينافي أمرهم بالقضاء بل ورد ذلك صريحا في حديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة عن عمه أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوه وعلى تقدير أن لا يثبت هذا الحديث في الأمر بالقضاء فلا يتعين ترك القضاء لأن من لم يدرك اليوم بكماله لا يلزمه القضاء كمن بلغ أو أسلم في اثناء النهار واحتج الجمهور لاشتراط النية في الصوم من الليل بما أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن عمر عن أخته حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له لفظ النسائي ولأبي داود والترمذي من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له واختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي والنسائي الموقوف بعد أن أطنب النسائي في تخريج طرقة وحكى الترمذي في العلل عن البخاري ترجيح وقفه وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة فصححوا الحديث المذكور منهم بن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حزم وروى له الدارقطني طريقا آخر وقال رجالها ثقات وأبعد من خصه الحنفية بصيام القضاء والنذر وأبعد من ذلك تفرقة الطحاوي بين صوم الفرض إذا كان في يوم بعينه كعاشوراء فتجزىء النية في النهار أو لا في يوم بعينه كرمضان فلا يجزئ الا بنية من الليل وبين صوم التطوع فيجزىء في الليل وفي النهار وقد تعقبه إمام الحرمين بأنه كلام غث لا أصل له وقال بن قدامة تعتبر النية في رمضان لكل يوم في قول الجمهور وعن أحمد أنه يجزئه نية واحدة لجميع الشهر وهو كقول مالك وإسحاق وقال زفر يصح صوم رمضان في حق المقيم الصحيح بغير نية وبه قال عطاء ومجاهد واحتج زفر بأنه لا يصح فيه غير صوم رمضان لتعينه فلا يفتقر إلى نية لأن الزمن معيار له فلا يتصور في يوم واحد الا صوم واحد وقال أبو بكر الرازي يلزم قائل هذا أن يصحح صوم المغمى عليه في رمضان إذا لم يأكل ولم يشرب لوجود الإمساك بغير نية قال فإن التزمه كان مستشنعا وقال غيره يلزمه أن من آخر الصلاة حتى لم يبق من وقتها الا قدرها فصلى حينئذ تطوعا أنه يجزئه عن الفرض واستدل بن حزم بحديث سلمة على أن من ثبت له هلال رمضان بالنهار جاز له استدراك النية حينئذ ويجزئه وبناه على أن عاشوراء كان فرضا أولا وقد أمروا أن يمسكوا في اثناء النهار قال وحكم الفرض لا يتغير ولا يخفى ما يرد عليه مما قدمناه والحق بذلك من نسي أن ينوي من الليل لاستواء حكم الجاهل والناسى

قوله باب الصائم يصبح جنبا أي هل يصح صومه أو لا وهل يفرق بين العامد والناسى أو بين الفرض والتطوع وفي كل ذلك خلاف للسلف والجمهور على الجواز مطلقا والله أعلم

[ 1825 ] قوله كنت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة كذا أورده البخاري من رواية مالك مختصرا وعقبة بطريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن فاوهم أن سياقهما واحد لكنه ساق لفظ مالك بعد بابين وليس فيه ذكر مروان ولا قصة أبي هريرة نعم قد أخرجه مالك في الموطأ عن سمي مطولا ولمالك فيه شيخ آخر أخرجه في الموطأ عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن مختصرا وأخرجه مسلم من هذا الوجه أيضا أخرجه مسلم أيضا من رواية بن جريج عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه أتم منه وله طرق أخرى كثيرة أطنب النسائي في تخريجها وفي بيان اختلاف نقلها وسأذكر محصل فوائدها إن شاء الله تعالى قوله في رواية شعيب أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان أي بن الحكم وأخبار عبد الرحمن بما ذكر لمروان كان بعد أن أرسله مروان إلى عائشة وأم سلمة بين ذلك في الموطأ وهو عند مسلم أيضا من طريقه ولفظه كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم فقال مروان أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك قال أبو بكر فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فساق القصة وبين النسائي في رواية له أن عبد الرحمن بن الحارث إنما سمعه من ذكوان مولى عائشة عنها ومن نافع مولى أم سلمة عنها فأخرج من طريق عبد ربه بن سعيد عن أبي عياض عن عبد الرحمن بن الحارث قال أرسلني مروان إلى عائشة فأتيتها فلقيت غلامها ذكوان فارسلته إليها فسألها عن ذلك فقالت فذكر الحديث مرفوعا قال فأتيت مروان فحدثته بذلك فارسلنى إلى أم سلمة فأتيتها فلقيت غلامها نافعا فارسلته إليها فسألها عن ذلك فذكر مثله وفي إسناده نظر لأن أبا عياض مجهول فإن كان محفوظا فيجمع بان كلا من الغلامين كان واسطة بين عبد الرحمن وبين كل منهما في السؤال كما في هذه الرواية وسمع عبد الرحمن وابنه أبو بكر كلاهما من وراء الحجاب كما في رواية المصنف وغيره وساذكره من رواية أبي حازم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عند النسائي ففيه أن عبد الرحمن جاء إلى عائشة فسلم على الباب فقالت عائشة يا عبد الرحمن الحديث قوله كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم في رواية مالك المشار إليها كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام وفي رواية يونس عن بن شهاب عن عروة وأبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة كان يدركه الفجر في رمضان جنبا من غير حلم وستاتى بعد بابين وللنسائي من طريق عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عنهما كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم وله من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قال مروان لعبد الرحمن بن الحارث أذهب إلى أم سلمة فسلها فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا مني فيصوم ويأمرنى بالصيام قال القرطبي في هذا فائدتان إحداهما أنه كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز والثاني أن ذلك كان من جماع لا من احتلام لأنه كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه وقال غيره في قولها من غير احتلام إشارة إلى جواز الاحتلام عليه وإلا لما كان للاستثناء معنى ورد بان الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه وأجيب بان الاحتلام يطلق على الإنزال وقد وقع الإنزال بغير رؤية شيء في المنام وارادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدا يفطر وإذا كان فاعل ذلك عمدا لا يفطر فالذي ينسى الاغتسال أو ينام عنه أولى بذلك قال بن دقيق العيد لما كان الاحتلام يأتي للمرء على غير اختياره فقد يتمسك به من يرخص لغير المتعمد الجماع فبين في هذا الحديث أن ذلك كان من جماع لأزالة هذا الاحتمال قوله وقال مروان لعبد الرحمن بن الحارث أقسم بالله في رواية النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن فقال مروان لعبد الرحمن الق أبا هريرة فحدثه بهذا فقال أنه لجارى وأنه لأكره أن استقبله بما يكره فقال اعزم عليك لتلقينه ومن طريق عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه فقال عبد الرحمن لمروان غفر الله لك أنه لي صديق ولا أحب أن أرد عليه قوله وبين بن جريج في روايته عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه سبب ذلك ففيه عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال سمعت أبا هريرة يقول في قصصه ومن أدركه الفجر جنبا فلا يصم قال فذكرته لعبد الرحمن فانطلق وانطلقت معه حتى دخلنا على مروان فذكر القصة أخرجه عبد الرزاق عنه ومن طريقه مسلم والنسائي وغيرهما وفي رواية مالك عن سمي عن أبي بكر أن أبا هريرة قال من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم وللنسائي من طريق المقبري كان أبو هريرة يفتي الناس أنه من أصبح جنبا فلا يصوم ذلك اليوم وله من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول من احتلم من الليل أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم ومن طريق أبي قلابة عن عبد الرحمن بن الحارث أن أبا هريرة كان يقول من أصبح جنبا فليفطر فاتفقت هذه الروايات على أنه كان يفتي بذلك وسيأتي بيان من روى ذلك عنه مرفوعا في آخر الكلام على هذا الحديث قوله لتفزعن كذا للأكثر بالفاء والزاي من الفزع وهو الخوف أي لتخيفنه بهذه القصة التي تخالف فتواه وللكشميهني لتقرعن بفتح فقاف وراء مفتوحة أي تقرع بهذه القصة سمعه يقال قرعت بكذا سمع فلان إذا اعلمته به أعلاما صريحا قوله في مروان يومئذ على المدينة أي أمير من جهة معاوية قوله فكره ذلك عبد الرحمن قد بينا سبب كراهته قيل ويحتمل أن يكون كره أيضا أن يخالف مروان لكونه كان أميرا واجب الطاعة في المعروف وبين أبو حازم عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه سبب تشديد مروان في ذلك فعند النسائي من هذا الوجه قال كنت عند مروان مع عبد الرحمن فذكروا قول أبي هريرة فقال أذهب فاسأل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال فذهبنا الى عائشة فقالت يا عبد الرحمن أما لكم في رسول الله أسوة حسنة فذكرت الحديث ثم أتينا أم سلمة كذلك ثم أتينا مروان فاشتد عليه اختلافهم تخوفا أن يكون أبو هريرة يحدث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروان لعبد الرحمن عزمت عليك لما أتيته فحدثته قوله ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة أي المكان المعروف وهو ميقات أهل المدينة وقوله وكان لأبي هريرة هناك أرض فيه رفع توهم من يظن إنهما اجتمعا في سفر وظاهره إنهما اجتمعا من غير قصد لكن في رواية مالك المذكورة فقال مروان لعبد الرحمن أقسمت عليك لتركبن دابتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه قال فركب عبد الرحمن وركبت معه فهذا ظاهر في أنه قصد أبا هريرة لذلك فيحمل قوله ثم قدر لنا أن نجتمع معه على المعنى الأعم من التقدير الأعلى معنى الاتفاق ولا تخالف بين قوله بذي الحليفة وبين قوله بأرضه بالعقيق لاحتمال أن يكونا قصداه إلى العقيق فلم يجداه ثم وجداه بذي الحليفة وكان له أيضا بها أرض ووقع في رواية معمر عن الزهري عن أبي بكر فقال مروان عزمت عليكما لما ذهبتما إلى أبي هريرة قال فلقينا أبا هريرة عند باب المسجد والظاهر أن المراد بالمسجد هنا مسجد أبي هريرة بالعقيق لا المسجد النبوي جمعا بين الروايتين أو يجمع بأنهما التقيا بالعقيق فذكر له عبد الرحمن القصة مجملة أو لم يذكرها بل شرع فيها ثم لم يتهيا له ذكر تفصيلها وسماع جواب أبي هريرة الا بعد أن رجعا الى المدينة وأراد دخول المسجد النبوي قوله أتى ذاكر لك في رواية الكشميهني أني أذكر بصيغة المضارعة قوله لم أذكره لك في رواية الكشميهني لم أذكر ذلك وفيه حسن الأدب مع الأكابر وتقديم الاعتذار قبل تبليغ ما يظن المبلغ أن المبلغ يكرهه قوله فذكر قول عائشة وأم سلمة فقال كذلك حدثني الفضل ظاهره أن الذي حدثه به الفضل مثل الذي ذكره له عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة وليس كذلك لما قدمناه من مخالفة قول أبي هريرة لقول عائشة وأم سلمة والسبب في هذا الإبهام أن رواية شعيب في حديث الباب لم يذكر في أولها كلام أبي هريرة كما قدمناه فلذلك أشكل أمر الإشارة بقوله كذلك وقع كلام أبي هريرة في رواية معمر وفي رواية بن جريج كما قدمناه فلذلك قال في آخره سمعت ذلك أي القول الذي كنت أقوله من الفضل وفي رواية مالك عن سمي فقال أبو هريرة لا علم لي بذلك وقى رواية معمر عن بن شهاب فتلون وجه أبي هريرة ثم قال هكذا حدثني الفضل قوله وهو أعلم أي بما روى والعهدة عليه في ذلك لاعلى ووقع في رواية النسفي عن البخاري وهن أعلم أي زواج النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في رواية معمر وفي رواية بن جريج فقال أبو هريرة اهما قالتاه قال هما أعلم وهذا يرجع رواية النسفي وللنسائي من طريق عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه هي أي عائشة أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منا وزاد بن جريج في روايته فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك وكذلك وقع في رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عند النسائي أنه رجع وروى بن أبي شيبة من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رجع عن فتياه من أصبح جنبا فلا صوم له وللنسائي من طريق عكرمة بن خالد ويعلى بن عقبة وعراك بن مالك كلهم عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أحال بذلك على الفضل بن عباس لكن عنده من طريق عمر بن أبي بكر عن أبيه أن أبا هريرة قال في هذه القصة إنما كان أسامة بن زيد حدثني فيحمل على أنه كان عنده عن كل منهما ويؤيده رواية أخرى عند النسائي من طريق أخرى عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه قال فيها إنما حدثني فلان وفلان وفي رواية مالك المذكورة أخبرنيه مخبر والظاهر أن هذا من تصرف الرواة منهم من أبهم الرجلين ومنهم من اقتصر على أحدهما تارة مبهما وتارة مفسرا ومنهم من لم يذكر عن أبي هريرة أحدا وهو عن النسائي أيضا من طريق أبي قلابة عن عبد الرحمن بن الحارث ففي آخره فقال أبو هريرة هكذا كنت أحسب قوله وقال همام وابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالفطر والأول أسند أما رواية همام فوصلها أحمد وابن حبان من طريق معمر عنه بلفظ قال صلى الله عليه وسلم إذا نودي للصلاة صلاة الصبح واحدكم جنب فلا يصم حينئذ وأما رواية بن عبد الله بن عمر فوصلها عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب عن بن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة به وقد اختلف على الزهري في اسمه فقال شعيب عنه أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال لي أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا أخرجه النسائي والطبراني في مسند الشاميين وقال عقيل عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به فاختلف على الزهري هل هو عبد الله مكبرا أو عبيد الله مصغرا وأما قول المصنف والأول أسند فاستشكله بن التين قال لأن إسناد الخبر رفعه فكأنه قال أن الطريق الأولى أوضح رفعا قال لكن الشيخ أبو الحسن قال معناه أن الأول أظهر اتصالا قلت والذي يظهر لي أن مراد البخاري أن الرواية الأولى أقوى إسنادا وهي من حيث الرجحان كذلك لأن حديث عائشة وأم سلمةفي ذلك جاءا عنهما من طرق كثيرة جدا بمعنى واحد حتى قال بن عبد البر أنه صح وتواتر وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي به وجاء عنه من طريق هذين أنه كان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك وقع في رواية معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره أخرجه عبد الرزاق وللنسائي من طرق عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال بلغ مروان أن أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وله من طريق المقبري قال بعثت عائشة إلى أبي هريرة لأتحدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأحمد من طريق عبد الله بن عمرو والقارى سمعت أبا هريرة يقول ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدرك الصبح وهو جنب فلا يصم محمد ورب الكعبة قاله لكن بين أبو هريرة كما مضى أنه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه بواسطة الفضل وأسامة وكأنه كان لشدة وثوقه بخبرهما يحلف على ذلك وأما ما أخرجه بن عبد البر من رواية عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أنه قال كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر وأن ذلك من كيس أبي هريرة فلا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك نعم قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك أما لرجحان رواية أمي المؤمنين في جواز ذلك صريحا على رواية غيرهما مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال إذ يمكن أن يحمل الأمر بذلك على الاستحباب في غير الفرض وكذا النهى عن صوم ذلك اليوم وأما لاعتقاده أن يكون خبر أمي المؤمنين ناسخا لخبر غيرهما وقد بقي على مقالة أبي هريرة هذه بعض التابعين كما نقله الترمذي ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الإجماع على أن خلافه كما جزم به النووي وأما بن دقيق العيد فقال صار ذلك إجماعا أو كالاجماع لكن من الاخذين بحديث أبي هريرة من فرق بين تعمد الجنابة وبين من احتلم كما أخرجه عبد الرزاق عن بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه وكذا حكاه بن المنذر عن طاوس أيضا قال بن بطال وهو أحد قولي أبي هريرة قلت ولم يصح عنه فقد أخرج ذلك بن المنذر من طريق أبي المهزم وهو ضعيف عن أبي هريرة ومنهم من قال يتم صومه ذلك اليوم ويقضيه حكاه بن المنذر عن الحسن البصري وسالم بن عبد الله بن عمر قلت وأخرج عبد الرزاق عن بن جريج أنه سأل عطاء عن ذلك فقال اختلف أبو هريرة وعائشة فارى أن يتم صومه ويقضي اه وكأنه لم يثبت عند رجوع أبي هريرة عن ذلك وليس ما ذكره صريحا في إيجاب القضاء ونقل بعض المتأخرين عن الحسن بن صالح بن حي إيجاب القضاء أيضا والذي نقله الطحاوي عنه استحبابه ونقل بن عبد البر عنه وعن النخعي إيجاب القضاء في الفرض والأجزاء في التطوع ووقع لابن بطال وابن التين والنووى والفاكهى وغير واحد في نقل هذه المذاهب مغايرات في نسبتها لقائلها والمعتمد ما حررته ونقل الماوردي أن هذا الاختلاف كله إنما هو في حق الجنب وأما المحتلم فاجمعوا على أنه يجزئه وهذا النقل معترض بما رواه النسائي بإسناد صحيح عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أنه احتلم ليلا في رمضان فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر ثم نام قبل أن يغتسل فلم يستيقظ حتى أصبح قال فاستفتيت أبا هريرة فقال أفطر وله من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول من احتلم من الليل أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم وهذا صريح في عدم التفرقة وحمل القائلون بفساد صيام الجنب حديث عائشة على أنه من الخصائص النبوية أشار إلى ذلك الطحاوي بقوله وقال آخرون يكون حكم النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرت عائشة وحكم الناس على ما حكى أبو هريرة وأجاب الجمهور بان الخصائص لا تثبت الا بدليل وبأنه قد ورد صريحا ما يدل على عدمها وترجم بذلك بن حبان في صحيحه حيث قال ذكر البيان بان هذا الفعل لم يكن المصطفى مخصوصا به ثم أورد ما أخرجه هو ومسلم والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من طريق أبي يونس مولى عائشة عن عائشة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب فقال يا رسول الله تدركني الصلاة أي صلاة الصبح وأنا جنب افاصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال والله أني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما اتقى وذكر بن خزيمة أن بعض العلماء توهم أن أبا هريرة غلط في هذا الحديث ثم رد عليه بأنه لم يغلط بل أحال على رواية صادق الا أن الخبر منسوخ لأن الله تعالى عند ابتداء فرض الصيام كان منع في ليل الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم قال فيحتمل أن يكون خبر الفضل كان حينئذ ثم أباح الله ذلك كله إلى طلوع الفجر فكان للمجامع أن يستمر إلى طلوعه فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر فدل على أن حديث عائشة ناسخ لحديث الفضل ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ فاستمر أبو هريرة على الفتيا به ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه قلت ويقويه أن في حديث عائشة هذا الأخير ما يشعر بان ذلك كان بعد الحديبية لقوله فيها قد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر وأشار إلى آية الفتح وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية وإلى دعوى النسخ فيه ذهب بن المنذر والخطابى وغير واحد وقرره بن دقيق العيد بان قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم يقتضى اباحة الوطء في ليلة الصوم ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبا ولا يفسد صومه فإن اباحه التسبب للشىء إباحة لذلك الشيء قلت وهذا أولي من سلوك الترجيح بين الخبرين كما تقدم من قول البخاري والأول أسند وكذا قال بعضهم أن حديث عائشة أرجح لموافقة أم سلمة لها على ذلك ورواية اثنين تقدم على رواية واحد ولا سيما وهما زوجتان وهما أعلم بذلك من الرجال ولان روايتهما توافق المنقول وهو ما تقدم من مدلول الآية والمعقول وهو أن الغسل شيء واجب بالإنزال وليس في فعله شيء يحرم على صائم فقد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يحرم عليه بل يتم صومه إجماعا فكذلك إذا احتلم ليلا بل هو من باب الأولى وإنما يمنع الصائم من تعمد الجماع نهارا وهو شبيه بمن يمنع من التطيب وهو محرم لكن لو تطيب وهو حلال ثم أحرم فبقي عليه لونه أو ريحه لم يحرم عليه وجمع بعضهم بين الحديثين بان الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل فإن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز ونقل النووي هذا عن أصحاب الشافعي وفيه نظر فإن الذي نقله البيهقي وغيره عن نص الشافعي سلوك الترجيح وعن بن المنذر وغيره سلوك النسخ ويعكر على حمله على الإرشاد التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر وبالنهى عن الصيام فكيف يصح الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان وقيل هو محمول على من أدركه مجامعا فاستدام بعد طلوعه عالما بذلك ويعكر عليه ما رواه النسائي من طريق أبي حازم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه أن أبا هريرة كان يقول من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم وحكى بن التين عن بعضهم أنه سقط لا من حديث الفضل وكان في الأصل من أصبح جنبا في رمضان فلا يفطر فلما سقط لا صار فليفطر وهذا بعيد بل باطل لأنه يستلزم عدم الوثوق بكثير من الأحاديث وإنها يطرقها مثل هذا الاحتمال وكان قائله ما وقف على شيء من طرق هذا الحديث الا على اللفظ المذكور وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم دخول العلماء على الأمراء ومذاكراتهم إياهم بالعلم وفيه فضيلة لمروان بن الحكم لما يدل عليه الحديث من اهتمامه بالعلم ومسائل الدين وفيه الاستثبات في النقل والرجوع في المعاني إلى الأعلم فإن الشيء إذا نوزع فيه رد إلى من عنده علمه وترجيح مروي النساء فيما لهن عليه الاطلاع دون الرجال على مروي الرجال كعكسه وأن المباشر للأمر أعلم به من المخبر عنه والائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله ما لم يقم دليل الخصوصية وأن للمفضول إذا سمع من الأفضل خلاف ما عنده من العلم أن يبحث عنه حتى يقف على وجهه وأن الحجة عند الاختلاف في المصير إلى الكتاب والسنة وفيه الحجة بخبر الواحد وأن المرأة فيه كالرجل وفيه فضيلة لأبي هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه إليه وفيه استعمال السلف من الصحابة والتابعين الإرسال عن العدول من غير نكير بينهم لأن أبا هريرة اعترف بأنه لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان يمكنه أن يرويه عنه بلا واسطة وإنما بينها لما وقع من الاختلاف وفيه الأدب مع العلماء والمبادرة لامتثال أمر ذي الأمر إذا كان طاعة ولو كان فيه مشقة على المامور تكميل في معنى الجنب الحائض والنفساء إذا انقطع دمها ليلا ثم طلع الفجر قبل اغتسالها قال النووي في شرح مسلم مذهب العلماء كافة صحة صومها الا ما حكى عن بعض السلف مما لا يعلم صح عنه أو لا وكأنه أشار بذلك إلى ما حكاه في شرح المهذب عن الأوزاعي لكن حكاه بن عبد البر عن الحسن بن صالح أيضا وحكى بن دقيق العيد أن في المسألة في مذهب مالك قولين وحكاه القرطبي عن محمد بن مسلمة من أصحابهم ووصف قوله بالشذوذ وحكى بن عبد البر عن عبد الملك بن الماجشون أنها إذا أخرت غسلها حتى طلع الفجر فيومها يوم فطر لأنها في بعضه غير طاهرة قال وليس كالذي يصبح جنبا لأن الاحتلام لا ينقض الصوم والحيض ينقضه

قوله باب المباشرة للصائم أي بيان حكمها واصل المباشرة التقاء البشرتين ويستعمل في الجماع سواء اولج أو لم يولج وليس الجماع مرادا بهذه الترجمة قوله وقالت عائشة رضي الله عنها يحرم عليه فرجها وصله الطحاوي من طريق أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال قال سألت عائشة ما يحرم على من امرأتي وأنا صائم قالت فرجها إسناده إلى حكيم صحيح ويؤدى معناه أيضا ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائما قالت كل شيء الا الجماع

[ 1826 ] قوله حدثنا سليمان بن حرب عن شعبة كذا للأكثر ووقع للكشميهنى عن سعيد بمهملة وآخره دال وهو غلط فاحش فليس في شيوخ سليمان بن حرب أحد اسمه سعيد حدثه عن الحكم والحكم المذكور هو بن عتيبة وإبراهيم هو النخعي وقد وقع عند الإسماعيلي عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب عن شعبة على الصواب لكن وقع عنده عن إبراهيم أن علقمة وشريح بن أرطاة رجلان من النخع كانا عند عائشة فقال أحدهما لصاحبه سلها عن القبلة للصائم قال ما كنت لارفث عند أم المؤمنين فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم وكان املككم لإربه قال الإسماعيلي رواه غندر وابن أبي عدي وغير واحد عن شعبة فقالوا عن علقمة وحدث به البخاري عن سليمان بن حرب عن شعبة فقال عن الأسود وفيه نظر وصرح أبو إسحاق بن حمزة فيما ذكره أبو نعيم في المستخرج عنه بأنه خطا قلت وليس ذلك من البخاري فقد أخرجه البيهقي من طريق محمد بن عبد الله بن معبد عن سليمان بن حرب كما قال البخاري وكان سليمان بن حرب حدث به على الوجهين فإن كان حفظه عن شعبة فلعل شعبة حدث به على الوجهين وإلا فأكثر أصحاب شعبة لم يقولوا فيه من هذا الوجه عن الأسود وإنما اختلفوا فمنهم من قال كرواية يوسف المتقدمة وصورتها الإرسال وكذا أخرجه النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة ومنهم من قال عن إبراهيم عن علقمة وشريح وقد ترجم النسائي في سننه الاختلاف فيه على إبراهيم والاختلاف على الحكم وعلى الأعمش وعلى منصور وعلى عبد الله بن عون كلهم عن إبراهيم وأورده من طريق إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال خرج نفر من النخع فيهم رجل يدعى شريحا فحدث أن عائشة قالت فذكر الحديث قال فقال له رجل لقد هممت أن اضرب رأسك بالقوس فقال قولوا له فليكف عنى حتى نأتي أم المؤمنين فلما أتوها قالوا لعلقمة سلها فقال ما كنت لأرفث عندها اليوم فسمعته فقالت فذكر الحديث ثم ساقه من طريق عبيدة عن منصور فجعل شريحا هو المنكر وأبهم الذي حدث بذلك عن عائشة ثم استوعب النسائي طرقه وعرف منها أن الحديث كان عند إبراهيم عن علقمة والأسود ومسروق جميعا فلعله كان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وتارة يجمع وتارة يفرق وقد قال الدارقطني بعد ذكر الاختلاف فيه على إبراهيم كلها صحاح وعرف من طريق إسرائيل سبب تحديث عائشة بذلك واستدراكها على من حدث عنها به على الإطلاق بقولها ولكنه كان املككم لإربه فاشارت بذلك إلى أن الإباحة لمن يكون مالكا لنفسه دون من لا يأمن من الوقوع فيما يحرم وفي رواية حماد عند السنائى قال الأسود قلت لعائشة أيباشر الصائم قالت لا قلت أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم قالت أنه كان املككم لإربه وظاهر هذا أنها اعتقدت خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قاله القرطبي قال وهو اجتهاد منها وقول أم سلمة يعني الآتى ذكره أولى أن يؤخذ به لأنه نص في الواقعة قلت قد ثبت عن عائشة صريحا إباحة ذلك كما تقدم فيجمع بين هذا وبين قولها المتقدم أنه يحل له كل شيء الا الجماع بحمل النهى هنا على كراهة التنزيه فإنها لا تنافى الإباحة وقد رويناه في كتاب الصيام ليوسف القاضي من طرق حماد بن سلمة عن حماد بلفظ سألت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها وكان هذا هو السر في تصدير البخاري بالأثر الأول عنها لأنه يفسر مرادها بالنفى المذكور في طريق حماد وغيره والله أعلم ويدل على أنها لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص ما رواه مالك في الموطأ عن أبي النضر أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر فقالت له عائشة ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها قال اقبلها وأنا صائم قالت نعم قوله كان يقبل ويباشر وهو صائم التقبيل أخص من المباشرة فهو من ذكر العام بعد الخاص وقد رواه عمرو بن ميمون عن عائشة بلفظ كان يقبل في شهر الصوم أخرجه مسلم والنسائي وفي رواية لمسلم يقبل في رمضان وهو صائم فاشارت بذلك إلى عدم التفرقة بين صوم الفرض والنفل وقد اختلف في القبلة والمباشرة للصائم فكرهها قوم مطلقا وهو مشهور عند المالكية وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة ونقل بن المنذر وغيره عن قوم تحريمها واحتجوا بقوله تعالى فالآن باشروهن الآية فمنع المباشرة في هذه الآية نهارا والجواب عن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى وقد أباح المباشرة نهارا فدل على أن المراد بالمباشرة في الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها والله أعلم وممن أفتى بإفطار من قبل وهو صائم عبد الله بن شبرمة أحد فقهاء الكوفة ونقله الطحاوي عن قوم لم يسمهم والزم بن حزم أهل القياس أن يلحقوا الصيام بالحج في منع المباشرة ومقدمات النكاح للاتفاق على إبطالهما بالجماع وأباح القبلة قوم مطلقا وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة وبه قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة بل بالغ بعض أهل الظاهر فاستحبها وفرق آخرون بين الشاب والشيخ فكرهها للشاب واباحها للشيخ وهو مشهور عن بن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما وجاء فيه حديثان مرفوعان فيهما ضعف أخرج أحدهما أبو داود من حديث أبي هريرة والآخر أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفرق آخرون بين من يملك نفسه ومن لا يملك كما اشارت إليه عائشة وكما تقدم ذلك في مباشرة الحائض في كتاب الحيض وقال الترمذي ورأى بعض أهل العلم أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإلا فلا ليسلم له صومه وهو قول سفيان والشافعي ويدل على ذلك ما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ايقبل الصائم فقال سل هذه لام سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال يا رسول الله قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أما والله أني لاتقاكم لله وأخشاكم له فدل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء لأن عمر حينئذ كان شابا ولعله كان أول ما بلغ وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار أنه قبل امرأته وهو صائم فأمر امرأته أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسألته فقال أني أفعل ذلك فقال زوجها يرخص الله لنبيه فيما يشاء فرجعت فقال أنا أعلمكم بحدود الله واتقاكم أخرجه مالك لكنه أرسله قال عن عطاء أن رجلا فذكر نحوه مطولا واختف فيما إذا باشر أو قبل أو نظر فانزل أو أمذى فقال الكوفيون والشافعي يقضي إذا انزل في غير النظر ولا قضاء في الامذاء وقال مالك وإسحاق يقضي في كل ذلك ويكفر الا في الامذاء فيقضى فقط واحتج له بان الإنزال أقصى ما يطلب بالجماع من الالتذاذ في كل ذلك وتعقب بان الأحكام علقت بالجماع ولو لم يكن إنزال فافترقا وروى عيسى بن دينار عن بن القاسم عن مالك وجوب القضاء فيمن باشر أو قبل فانعظ ولم يمذ ولا انزل وأنكره غيره عن مالك وأبلغ من ذلك ما روى عبد الرزاق عن حذيفة من تامل خلق امرأته وهو صائم بطل صومه لكن إسناده ضعيف وقال بن قدامة أن قبل فانزل أفطر بلا خلاف كذا قال وفيه نظر فقد حكى بن حزم أنه لا يفطر ولو انزل وقوى ذلك وذهب إليه وسأذكر في الباب الذي يليه زيادة في هذه المسألة إن شاء الله تعالى قوله لأربه بفتح الهمزة والراء وبالموحدة أي حاجته ويروي بكسر الهمزة وسكون الراء أي عضوه والأول أشهر وإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير قوله وقال بن عباس مارب حاجة مارب بسكون الهمزة وفتح الراء وهذا وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ولى فيها مارب أخرى قال حاجة أخرى كذا فيه وهو تفسير الجمع بالواحد فلعله كان فيها حاجات أو حوائج فقد أخرجه أيضا من طريق عكرمة عنه بلفظ مارب أخرى قال حوائج أخرى قوله وقال طاوس غير أولى الاربة الاحمق لا حاجة له في النساء وصله عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن بن طاوس عن أبيه في قوله غير أولي الاربة قال هو الاحمق الذي ليس له في النساء حاجة وقد وقع لنا هذا الأثر بعلو في جزء محمد بن يحيى الذهلي المروي من طريق السلفي وقد تقدم في الحيض بيان الاختلاف في قوله لإربه ورأيت بخط مغلطاي في شرحه هنا قال وقال بن عباس أي في تفسير أولي الاربة المقعد وقال بن جبير المعتوه وقال عكرمة العنين ولم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري وإنما اوقعه في ذلك أن القطب لما أخرج أثر طاوس قال بعده وعن بن عباس المعقد الخ ولم يرد القطب أن البخاري ذكر ذلك وإنما أورده القطب من قبل نفسه من كلام أهل التفسير قوله

قوله باب القبلة للصائم أي بيان حكمها

[ 1827 ] قوله حدثني يحيى هو القطان وهشام هو بن عروة وقد أحال المصنف بالمتن على طريق مالك عن هشام وليس بين لفظهما مخالفة فقد أخرجه النسائي من طريق يحيى القطان بلفظ كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم وزاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن على بن يحيى قال هشام قال أني لم أر القبلة تدعو إلى خير ورواه سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحمن عن هشام بلفظ كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت فقال عروة لم أر القبلة تدعو إلى خير وكذا ذكره مالك في الموطأ عن هشام عقب الحديث لكن لم يقل فيه ثم ضحكت وقوله ثم ضحكت يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا وقيل تعجبت من نفسها إذ تحدث بمثل هذا مما يستحي من ذكر النساء مثله للرجال ولكنها ألجأتها الضرورة في تبليغ العلم إلى ذكر ذلك وقد يكون الضحك خجلا لإخبارها عن نفسها بذلك أو تنبيها على أنها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بها أو سرورا بمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم وبمنزلتها منه ومحبته لها وقد روى بن أبي شيبة عن شريك عن هشام في هذا الحديث فضحكت فظننا أنها هي وروى النسائي من طريق طلحة بن عبد الله التيمي عن عائشة قالت أهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني فقلت أني صائمة فقال وأنا صائم فقبلني وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتاثر بالمباشرة والتقبيل لا للتفرقة بين الشاب والشيخ لأن عائشة كانت شابة نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق وقال المازري ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه وأن كان عنها المذي فمن رأى القضاء منه قال يحرم في حقه ومن رأى أن لا قضاء قال يكره وأن لم تؤد القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها الا على القول بسد الذريعة قال ومن بديع ما روى في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للسائل عنها أرأيت لو تمضمضت فأشار إلى فقه بديع وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعى الجماع ومفتاحه والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع اه والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عمر قال النسائي منكر وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد سبق الكلام على حديث أم سلمة في كتاب الحيض والغرض منه هنا قولها وكان يقبلها وهو صائم وقد ذكرنا شاهده من رواية عمر بن أبي سلمة في الباب الذي قبله وقال النووي القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح وقيل مكروهة وروى بن وهب عن مالك إباحتها في النفل دون الفرض قال النووي ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم الا أن انزل بها تنبيه روى أبو داود وحده من طريق مصدع بن يحيى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها وإسناده ضعيف ولو صح فهو محمول على من لم يبتلع ريقه الذي خالط ريقها والله أعلم

قوله باب اغتسال الصائم أي بيان جوازه قال الزين بن المنير أطلق الاغتسال ليشمل الإغتسال المسنونة والواجبة والمباحة وكأنه يشير إلى ضعف ما روى عن على من النهى عن دخول الصائم الحمام أخرجه عبد الرزاق وفي إسناده ضعف واعتمده الحنفية فكرهوا الاغتسال للصائم قوله وبل بن عمر ثوبا فألقى عليه وهو صائم في رواية الكشميهني فألقاه وهذا وصله المصنف في التاريخ وابن شيبة من طريق عبد الله بن أبي عثمان أنه رأى بن عمر يفعل ذلك ومناسبته للترجمة من جهة أن بلل الثوب إذا طالت إقامته على الجسد حتى جف ينزل ذلك منزلة الدلك بالماء وأراد البخاري بأثر بن عمر هذا معارضة ما جاء عن إبراهيم النخعي بأقوى منه فإن وكيعا روى عن الحسن بن صالح عن مغيرة عنه أنه كان يكره للصائم بل الثياب قوله ودخل الشعبي الحمام وهو صائم وصله بن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق قال رأيت الشعبي يدخل الحمام وهو صائم ومناسبته للترجمة ظاهرة قوله وقال بن عباس لا بأس أن يتطعم القدر بكسر القاف أي طعام القدر أو الشيء وصله بن أبي شيبة من طريق عكرمة عنه بلفظ لا بأس أن يتطاعم القدر ورويناه في الجعديات من هذا الوجه بلفظ لا بأس أن يتطاعم الصائم بالشيء يعني المرقة ونحوها ومناسبته للترجمة من طريق الفحوى لأنه إذا لم يناف الصوم إدخال الطعام في الفم وتطعمه وتقريبه من الازدراد لم ينافه ايصاله الماء إلى بشرة الجسد من باب الأولى قوله وقال الحسن لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم وصله عبد الرزاق بمعناه ووقع بعضه في حديث مرفوع أخرجه مالك وأبو داود من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر ومناسبته للترجمة ظاهرة وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالمضمضة في الباب الذي بعده قوله وقال بن مسعود إذا كان يوم صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا قال الزين بن المنير مناسبته للترجمة من جهة أن الادهان من الليل يقتضى استصحاب أثره في النهار وهو مما يرطب الدماغ ويقوى النفس فهو أبلغ من الاستعانة ببرد الاغتسال لحظة من النهار ثم يذهب أثره قلت وله مناسبة أخرى وذلك أن المانع من الاغتسال لعله سلك به مسلك استحباب التقشف في الصيام كما ورد مثله في الحج والادهان والترجل في مخالفة التقشف كالاغتسال وقال بن المنير الكبير أراد البخاري الرد على من كره الاغتسال للصائم لأنه أن كرهه خشية وصول الماء حلقه فالعلة باطلة بالمضمضة والسواك وبذوق القدر ونحو ذلك وأن كرهه للرفاهية فقد استحب السلف للصائم الترفه والتجمل بالترجل والادهان والكحل ونحو ذلك فلذلك ساق هذه الآثار في هذه الترجمة قوله وقال أنس أن لي ابزن اتقحم فيه وأنا صائم الابزن بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي بعدها نون حجر منقور شبه الحوض وهي كلمة فارسية ولذلك لم يصرفه واتقحم فيه أي ادخل وهذا الأثر وصله قاسم بن ثابت في غريب الحديث له من طريق عيسى بن طهمان سمعت أنس بن مالك يقول أن لي ابزن إذا وجدت الحر تقحمت فيه وأنا صائم وكأن الابزن كان ملان ماء فكان أنس إذا وجد الحر دخل فيه يتبرد بذلك قوله وقال بن عمر يستاك أول النهار وآخره وصله بن أبي شيبة عنه بمعناه ولفظه كان بن عمر يستاك إذا أراد أن يروح إلى الظهر وهو صائم ومناسبته للترجمة قريبة مما تقدم في أثر بن عباس في تطعم القدر ووقع في نسخه الصغاني بعد قوله وآخره ولا يبلع ريقه قوله وقال بن سيرين لا بأس بالسواك الرطب قيل له طعم قال والماء له طعم وأنت تمضمض به وصله بن أبي شيبة من طريق أبي حمزة المازني قال أتى بن سيرين رجل فقال ما ترى في السواك للصائم قال لا بأس به قال أنه جريد وله طعم قال فذكر مثله قوله ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسا أما أنس فروى أبو داود في السنن من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس أنه كان يكتحل وهو صائم ورواه الترمذي من طريق أبي عاتكة عن أنس مرفوعا وضعفه وأما الحسن فوصله عبد الرزاق بإسناد صحيح عنه قال لا بأس بالكحل للصائم وأما إبراهيم فاختلف عنه فروى سعيد بن منصور عن جرير عن القعقاع بن يزيد سألت إبراهيم أيكتحل الصائم قال نعم قلت أجد طعم الصبر في حلقي قال ليس بشيء وروى أبو داود من طريق يحيى بن عيسى عن الأعمش قال ما رأيت أحدا من أصحابنا يكره الكحل للصائم وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر وروى بن أبي شيبة عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم قال لا بأس بالكحل للصائم ما لم يجد طعمه ثم أورد المصنف حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بعد الفجر ويصوم وأورده أيضا من حديثها وحديث أم سلمة وهو مطابق لما ترجم له وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل بابين بحمد الله تعالى

قوله باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا أي هل يجب عليه القضاء أو لا وهي مسألة خلاف مشهورة فذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وعن مالك يبطل صومه ويجب عليه القضاء قال عياض هذا هو المشهور عنه وهو قول شيخه ربيع وجميع أصحاب مالك لكن فرقوا بين الفرض والنفل وقال الداودي لعل مالكا لم يبلغه الحديث أو أوله على رفع الإثم قوله وقال عطاء أن استنثر فدخل الماء في حلقة لا بأس أن لم يملك أي دفع الماء بان غلبه فإن ملك دفع الماء فلم يدفعه حتى دخل حلقه أفطر ووقع في رواية أبي ذر والنسفى لا بأس لم يملك بإسقاط أن وهي على هذا جملة مستانفة كالتعليل لقوله لا بأس وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن بن جريج قلت لعطاء إنسان يستنثر فدخل الماء في حلقه قال لا بأس بذلك قال عبد الرزاق وقاله معمر عن قتادة وقال بن أبي شيبة حدثنا مخلد عن بن أبي جريج أن إنسانا قال لعطاء أمضمض فيدخل الماء في حلقي قال لا بأس لم يملك وهذا يقوي رواية أبي ذر والنسفى قوله وقال الحسن أن دخل الذباب في حلقه فلا شيء عليه وصله بن أبي شيبة من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس في الرجل يدخل في حلقه الذباب وهو صائم قال لا يفطر وعن وكيع عن الربيع عن الحسن قال لا يفطر ومناسبة هذين الاثرين للترجمة من جهة أن المغلوب بدخول الماء حلقه أو الذباب لا اختيار له في ذلك كالناسى قال بن المنير في الحاشية ادخل المغلوب في ترجمة الناسي لاجتماعهما في ترك العمد وسلب الاختيار ونقل بن المنذر الاتفاق على أن من دخل في حلقه الذباب وهو صائم أن لا شيء عليه لكن نقل غيره عن أشهب أنه قال أحب إلى أن يقضي حكاه بن التين وقال الزين بن المنير دخول الذباب أقعد بالغلبة وعدم الاختيار من دخول الماء لأن الذباب يدخل بنفسه بخلاف الاستنشاق والمضمضة فإنما تنشا عن تسببه وفرق إبراهيم بين من كان ذاكرا لصومه حال المضمضة فاوجب عليه القضاء دون الناسي وعن الشعبي أن كان لصلاة فلا قضاء وإلا قضى قوله وقال الحسن ومجاهد أن جامع ناسيا فلا شيء عليه هذان الاثران وصلهما عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن بن نجيح عن مجاهد قال لو وطئ رجل امرأته وهو صائم ناسيا في رمضان لم يكن عليه فيه شيء وعن الثوري عن رجل عن الحسن قال هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسيا وظهر بأثر الحسن هذا مناسبة ذكر هذا الأثر للترجمة وروى أيضا عن بن جريج أنه سأل عطاء عن رجل أصاب امرأته ناسيا في رمضان قال لا ينسى هذا كله عليه القضاء وتابع عطاء على ذلك الأوزاعي والليث ومالك وأحمد وهو أحد الوجهين للشافعية وفرق هؤلاء كلهم بين الأكل والجماع وعن أحمد في المشهور عنه تجب عليه الكفارة أيضا وحجتهم قصور حالة المجامع ناسيا عن حالة الأكل والحق به بعض الشافعية من أكل كثيرا لندور نسيان ذلك قال بن دقيق العيد ذهب مالك إلى إيجاب القضاء على من أكل أو شرب ناسيا وهو القياس فإن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المامورات والقاعدة أن النسيان لا يؤثر في المامورات قال وعمدة من لم يوجب القضاء حديث أبي هريرة لأنه أمر بالإتمام وسمي الذي يتم صوما وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية فيتمسك به حتى يدل دليل على أن المراد بالصوم هنا حقيقته اللغوية وكأنه يشير بهذا إلى قول بن القصار أن معنى

[ 1831 ] قوله فليتم صومه أي الذي كان دخل فيه وليس فيه نفى القضاء قال وقوله فإنما أطعمه الله وسقاه مما يستدل به على صحة الصوم لاشعاره بان الفعل الصادر منه مسلوب الإضافة إليه فلو كان أفطر لا ضيف الحكم إليه قال وتعليق الحكم بالأكل والشرب للغالب لأن نسيان الجماع نادر بالنسبة إليهما وذكر الغالب لا يقتضى مفهوما وقد اختلف فيه القائلون بان أكل الناسي لا يوجب قضاء واختلف القائلون بالافساد هل يوجب مع القضاء الكفارة أو لا مع اتفاقهم على أن أكل الناسي لا يوجبها ومدار كل ذلك على قصور حالة المجامع ناسيا عن حالة الأكل ومن أراد الحاق الجماع بالمنصوص عليه فإنما طريقه القياس والقياس مع وجود الفارق متعذر الا أن بين القائس أن الوصف الفارق ملغى اه وأجاب بعض الشافعية بان عدم وجوب القضاء عن المجامع ماخوذ من عموم قوله في بعض طرق الحديث من أفطر في شهر رمضان لأن الفطر أعم من أن يكون بأكل أو شرب أو جماع وإنما خص الأكل والشرب بالذكر في الطريق الأخرى لكونهما أغلب وقوعا ولعدم الاستغناء عنهما غالبا قوله هشام هو الدستوائي قوله إذا نسي فاكل في رواية مسلم من طريق إسماعيل عن هشام من نسي وهو صائم فأكل وللمصنف في النذر من طريق عوف عن بن سيرين من أكل ناسيا وهو صائم ولأبي داود من طريق حبيب بن الشهيد وأيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة جاء رجل فقال يا رسول الله أني أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم وهذا الرجل هو أبو هريرة راوي الحديث أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف قوله فليتم صومه في رواية الترمذي من طريق قتادة عن بن سيرين فلا يفطر قوله فانما أطعمه الله وسقاه في رواية الترمذي فإنما هو رزق رزقه الله وللدارقطنى من طريق بن علية عن هشام فإنما هو رزق ساقه الله تعالى إليه قال بن العربي تمسك جميع فقهاء الأمصار بظاهر هذا الحديث وتطلع مالك إلى المسألة من طريقها فأشرف عليه لأن الفطر ضد الصوم والامساك ركن الصوم فأشبه ما لو نسي ركعة من الصلاة قال وقد روى الدارقطني فيه لا قضاء عليك فتأوله علماؤنا على أن معناه لاقضاء عليك الآن وهذا تعسف وإنما أقول ليته صح فنتبعه ونقول به الا على أصل مالك في أن خبر الواحد إذا جاء بخلاف القواعد لم يعمل به فلما جاء الحديث الأول الموافق للقاعدة في رفع الإثم عملنا به وأما الثاني فلا يوافقها فلم نعمل به وقال القرطبي احتج به من اسقط القضاء وأجيب بأنه لم يتعرض فيه للقضاء فيحمل على سقوط المؤاخذة لأن المطلوب صيام يوم لا خرم فيه لكن روى الدارقطني فيه سقوط القضاء وهو نص لا يقبل الاحتمال لكن الشان في صحته فإن صح وجب الأخذ به وسقط القضاء اه وأجاب بعض المالكية بحمل الحديث على صوم التطوع كما حكاه بن التين عن بن شعبان وكذا قال بن القصار واعتل بأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان فيحمل على التطوع وقال المهلب وغيره لم يذكر في الحديث اثبات القضاء فيحمل على سقوط الكفارة عنه وإثبات عذره ورفع الإثم عنه وبقاء نيته التي بيتها اه والجواب عن ذلك كله بما أخرجه بن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة فعين رمضان وصرح بإسقاط القضاء قال الدارقطني تفرد به محمد بن مرزوق عن الأنصاري وتعقب بان بن خزيمة أيضا أخرجه أيضا عن إبراهيم بن محمد الباهلي وبأن الحاكم أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري فهو المنفرد به كما قالب البيهقي وهو ثقة والمراد أنه انفرد بذكر إسقاط القضاء فقط لا بتعيين رمضان فإن النسائي أخرج الحديث من طريق على بن بكار عن محمد بن عمرو ولفظه في الرجل يأكل في شهر رمضان ناسيا فقال الله أطعمه وسقاه وقد ورد إسقاط القضاء من وجه آخر عن أبي هريرة أخرجه الدارقطني من رواية محمد بن عيسى بن الطباع عن بن علية عن هشام عن بن سيرين ولفظه فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه وقال بعد تخريجه هذا إسناد صحيح وكلهم ثقات قلت لكن الحديث عند مسلم وغيره من طريق بن علية وليس فيه هذه الزيادة وروى الدارقطني أيضا إسقاط القضاء من رواية أبي رافع وأبي سعيد المقبري والوليد بن عبد الرحمن وعطاء بن يسار كلهم عن أبي هريرة وأخرج أيضا من حديث أبي سعيد رفعه من أكل في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه وإسناده وأن كان ضعيفا لكنه صالح للمتابعة فاقل درجات الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسنا فيصلح للاحتجاج به وقد وقع الاحتجاج في كثير من المسائل بما هو دونه في القوة ويعتضد أيضا بأنه قد أفتي به جماعة من الصحابة من غير مخالفة لهم منهم كما قاله بن المنذر وابن حزم وغيرهما على بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر ثم هو موافق لقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم فالنسيان ليس من كسب القلب وموافق للقياس في إبطال الصلاة بعمد الأكل الا بنسيانه فكذلك الصيام وأما القياس الذي ذكره بن العربي فهو في مقابلة النص فلا يقبل ورده للحديث مع صحته بكونه خبر واحد خالف القاعدة ليس بمسلم لأنه قاعدة مستقلة بالصيام فمن عارضه بالقياس على الصلاة ادخل قاعدة في قاعدة ولو فتح باب رد الأحاديث الصحيحة بمثل هذا لما بقي من الحديث الا القليل وفي الحديث لطف الله بعباده والتيسير عليهم ورفع المشقة والحرج عنهم وقد روى أحمد لهذا الحديث سببا فأخرج من طريق أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه ثم تذكرت أنها كانت صائمة فقال لها ذو اليدين الآن بعدما شبعت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتمى صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك وفي هذا رد على من فرق بين قليل الأكل وكثيره ومن المستظرفات ما رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن عمرو بن دينار أن إنسانا جاء إلى أبي هريرة فقال أصبحت صائما فنسيت فطعمت قال لا بأس قال ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت قال لا بأس الله اطعمك وسقاك ثم قال دخلت على آخر فنسيت فطعمت فقال أبو هريرة أنت إنسان لم تتعود الصيام

قوله باب سواك الرطب واليابس للصائم كذا للأكثر وهو كقولهم مسجد الجامع ووقع في رواية الكشميهني باب السواك الرطب واليابس وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب كالمالكية والشعبي وقد تقدم قبل بباب قياس بن سيرين السواك الرطب على الماء الذي يتمضمض به ومنه تظهر النكتة في إيراد حديث عثمان في صفة الوضوء في هذا الباب فإن فيه أنه تمضمض واستنشق وقال فيه من توضأ وضوئي هذا ولم يفرق بين صائم ومفطر ويتايد ذلك بما ذكر في حديث أبي هريرة في الباب قوله ويذكر عن عامر بن ربيعة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد وصله أحمد وأبو داود والترمذي من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه وأخرجه بن خزيمة في صحيحه وقال كنت لا أخرج حديث عاصم ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه وروى يحيى وعبد الرحمن عن الثوري عنه وروى مالك عنه خبرا في غير الموطأ قلت وضعفه بن معين والذهلي والبخاري وغير واحد ومناسبته للترجمة اشعاره بملازمة السواك ولم يخص رطبا من يابس وهذا على طريقة المصنف في أن المطلق يسلك به مسلك العموم أو أن العام في الأشخاص عام في الأحوال وقد أشار إلى ذلك بقوله في أواخر الترجمة المذكورة ولم يخص صائما من غيره أي ولم يخص أيضا رطبا من يابس وبهذا التقرير تظهر مناسبة جميع ما أورده في هذا الباب للترجمة والجامع لذلك كله قوله في حديث أبي هريرة لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء فإنه يقتضى إباحته في كل وقت وعلى كل حال قال بن المنير في الحاشية أخذ البخاري شرعية السواك للصائم بالدليل الخاص ثم انتزعه من الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك وأحوال ما يستاك به ثم انتزع ذلك من أعم من السواك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب قوله وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم مرضاة الرب وصله أحمد والنسائي وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه عنها رواه عن عبد الرحمن هذا يزيد بن زريع والدراوردي وسليمان بن بلال وغير واحد وخالفهم حماد بن سلمة فرواه عن عبد الرحمن بن أبي عتيق عن أبيه عن أبي بكر الصديق أخرجه أبو يعلى والسراج في مسنديهما عن عبد الأعلى بن حماد عن حماد بن سلمة قال أبو يعلى في روايته قال عبد الأعلى هذا خطا إنما هو عن عائشة قوله وقال عطاء وقتادة يبتلع ريقه كذا للأكثر وللمستملى يبلع بغير مثناة وللحموى يتبلع بتقديم المثناة بعدها موحدة ثم مشددة فأما قول عطاء فوصله سعيد بن منصور وسيأتي في الباب الذي بعده وأما أثر قتادة فوصله عبد بن حميد في التفسير عن عبد الرزاق عن معمر عنه نحوه ومناسبته للترجمة من جهة أن أقصى ما يخشى من السواك الرطب أن يتحلل منه في الفم شيء وذلك الشيء كماء المضمضة فإذا قذفه من فيه لا يضره بعد ذلك أن يبتلع ريقه قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن شق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء وصله النسائي من طريق بشر بن عمر عن مالك عن بن شهاب عن حميد عن أبي هريرة بهذا اللفظ ووقع لنا بعلو في جزء الذهلي وأخرجه بن خزيمة من طريق روح بن عبادة عن مالك بلفظ لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء والحديث في الصحيحين بغير هذا اللفظ من غير هذا الوجه وقد أخرجه النسائي أيضا من طريق عبد الرحمن السراج عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء قوله ويروي نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم أما حديث جابر فوصله أبو نعيم في كتاب السواك من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عنه بلفظ مع كل صلاة سواك وعبد الله مختلف فيه ووصله بن عدي من وجه آخر عن جابر بلفظ لجعلت السواك عليهم عزيمة وإسناده ضعيف وأما حديث زيد بن خالد فوصله أصحاب السنن وأحمد من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عنه بلفظ عند كل صلاة وحكى الترمذي عن البخاري أنه سأله عن رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد فقال رواية محمد بن إبراهيم أصح قال الترمذي كلا الحديثين صحيح عندي قلت رجح البخاري طريق محمد بن إبراهيم لامرين أحدهما أن فيه قصة وهي قول أبي سلمة فكان زيد بن خالد يضع السواك منه موضع القلم من إذن الكاتب فكلما قام إلى الصلاة استاك ثانيهما أنه توبع فاخرج الإمام أحمد من طريق يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة عن يزيد بن خالد فذكر نحوه تنبيه وقع في رواية غير أبي ذر في سياق هذه الآثار والأحاديث تقديم وتأخير والخطب فيه يسير ثم أورد المصنف في الباب حديث عثمان في صفة الوضوء وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الوضوء وفي أوائل الصلاة وذكرت ما يتعلق بمناسبته للترجمة قبل

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء هذا الحديث بهذا اللفظ من الأصول التي لم يوصلها البخاري وقد أخرجه مسلم من طريق همام عن أبي هريرة ورويناه في منصف عبد الرزاق وفي نسخه همام من طريق الطبراني عن إسحاق عنه عن معمر عن همام ولفظه إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخره الماء ثم ليستنثر وقول المصنف ولم يميز الصائم من غيره قاله تفقها وهو كذلك في أصل الاستنشاق لكن ورد تمييز الصائم من غيره في المبالغة في ذلك كما رواه أصحاب السنن وصححه بن خزيمة وغيره من طريق عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له بالغ في الاستنشاق الا أن تكون صائما وكان المصنف أشار بإيراد أثر الحسن عقبه إلى هذا التفصيل قوله وقال الحسن لا بأس بالسعوط للصائم أن لم يصل الماء إلى حلقه وصله بن أبي شيبة نحوه وقال الكوفيون والأوزاعي وإسحاق يجب القضاء على من استعط وقال مالك والشافعي لا يجب الا أن وصل الماء إلى حلقه وقوله ويكتحل هو من قول الحسن أيضا وقد تقدم ذكره قبل بابين قوله وقال عطاء الخ وصله سعيد بن منصور عن بن المبارك عن بن جريج قلت لعطاء الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم قال لا يضره وماذا بقي في فيه وكذا أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج ووقع في أصل البخاري وما بقي في فيه قال بن بطال ظاهره إباحة الازدراد لما بقي في الفم من ماء المضمضة وليس كذلك لأن عبد الرزاق رواه بلفظ وماذا بقي في فيه وكان ذا سقطت من رواية البخاري انتهى وما على ظاهر ما أورده البخاري موصولة وعلى ما وقع من رواية بن جريج استفهامية وكأنه قال وأي شيء يبقى في فيه بعد أن يمج الماء الا أثر الماء فإذا بلع ريقه لا يضره وقوله في الأصل لا يضره وقع في رواية المستملى لا يضيره بزيادة تحتانية والمعنى واحد قوله ولا يمضغ العلك الخ في رواية المستملى ويمضغ العلك والأول أولي فكذلك أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج قلت لعطاء يمضغ الصائم العلك قال لا قلت أنه يمج ريق العلك ولا يزدرده ولا يمصه قال وقلت له أيتسوك الصائم قال نعم قلت له أيزدرد ريقه قال لا فقلت ففعل أيضره قال لا ولكن ينهى عن ذلك وقد تقدم الخلاف في المضمضة في باب من أكل ناسيا قال بن المنذر اجمعوا على أنه لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه مما لا يقدر على إخراجه وكان أبو حنيفة يقول إذا كان بين أسنانه لحم فأكله متعمدا فلا قضاء عليه وخالفه الجمهور لأنه معدود من الأكل ورخص في مضغ العلك أكثر العلماء أن كان لا يتحلب منه شيء فإن تحلب منه شيء فازدرده فالجمهور على أنه يفطر انتهى والعلك بكسر المهملة وسكون اللام بعدها كاف كل ما يمضغ ويبقى في الفم كالمصطكى واللبان فإن كان يتحلب منه شيء في الفم فيدخل الجوف فهو مفطر وإلا فهو مجفف ومعطش فيكره من هذه الحيثية

قوله باب إذا جامع في رمضان أي عامدا عالما وجبت عليه الكفارة قوله ويذكر عن أبي هريرة رفعه من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وأن صامه وصله أصحاب السنن الأربعة وصححه بن خزيمة من طريق سفيان الثوري وشعبة وكلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة نحوه وفي رواية شعبة في غير رخصة رخصها الله تعالى له لم يقض عنه وأن صام الدهر كله قال الترمذي سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس لا أعرف له غير هذا الحديث وقال البخاري في التاريخ أيضا تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا قلت واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافا كثيرا فحصلت فيه ثلاث علل الاضطراب والجهل بحال أبي المطوس والشك في سماع أبيه من أبي هريرة وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء وذكر بن حزم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مثله موقوفا قال بن بطال أشار بهذا الحديث إلى إيجاب الكفارة على من أفطر بأكل أو شرب قياسا على الجماع والجامع بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدا وقرر ذلك الزين بن المنير بأنه ترجم بالجماع لأنه الذي ورد فيه الحديث المسند وإنما ذكر آثار الإفطار ليفهم أن الإفطار بالأكل والجماع بمعنى واحد انتهى والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالآثار التي ذكرها إلى أن إيجاب القضاء مختلف فيه بين السلف وأن الفطر بالجماع لا بد فيه من الكفارة وأشار بحديث أبي هريرة إلى أنه لا يصح لكونه لم يجزم به عنه وعلى تقدير صحته فظاهره يقوي قول من ذهب إلى عدم القضاء في الفطر بالأكل بل يبقى ذلك في ذمته زيادة في عقوبته لأن مشروعية القضاء تقتضي رفع الإثم لكن لا يلزم من عدم القضاء على الكفارة فيما ورد فيه الأمر بها وهو الجماع والفرق بين الانتهاك بالجماع والأكل ظاهر فلا يصح القياس المذكور قال بن المنير في الحاشية ما محصله أن معنى قوله في الحديث لم يقض عنه صيام الدهر أي لا سبيل إلى استدراك كمال فضيلة الأداء بالقضاء أي في وصفه الخاص وأن كان يقضي عنه في وصفه العام فلا يلزم من ذلك اهدار القضاء بالكلية انتهى ولا يخفى تكلفه وسياق أثر بن مسعود الاتى يرد هذا التأويل وقد سوى بينهما البخاري قوله وبه قال بن مسعود أي بما دل عليه حديث أبي هريرة وأثر بن مسعود وصله البيهقي ورويناه عاليا في جزء هلال الحفار من طريق منصور عن واصل عن المغيرة بن عبد الله اليشكري قال حدثت أن عبد الله بن مسعود قال من أفطر يوما من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله فإن شاء غفر له وأن شاء عذبه وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة من وجه آخر عن واصل عن المغيرة عن فلان بن الحارث عن بن مسعود ووصله الطبراني والبيهقي أيضا من وجه آخر عن عرفجة قال قال عبد الله بن مسعود من أفطر يوما في رمضان متعمدا من غير علة ثم قضى طول الدهر لم يقبل منه وبهذا الإسناد عن على مثله وذكر بن حزم من طريق بن المبارك بإسناد له فيه انقطاع أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب فيما أوصاه به من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع قوله وقال سعيد بن المسيب والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وحماد يقضي يوما مكانه أما سعيد بن المسيب فوصله مسدد وغيره عنه في قصة المجامع قال يقضي يوما مكانه ويستغفر الله ولم أر عنه التصريح بذلك في الفطر بالأكل بل روى بن أبي شيبة من طريق عاصم قال كتب أبو قلابة إلى سعيد بن المسيب يسأله عن رجل أفطر يوما من رمضان متعمدا قال يصوم شهرا قلت فيومين قال صيام شهر قال فعددت أياما قال صيام شهر قال بن عبد البر كأنه ذهب إلى وجوب التتابع في رمضان فإذا تخلله فطر يوم عمدا بطل التتابع ووجب استئناف صيام شهر كمن لزمه صوم شهر متتابع بنذر أو غيره وقال غيره يحتمل أنه أراد عن كل يوم شهر فقوله فيومين قال صيام شهر أي عن كل يوم والأول أظهر وروى البزار والدارقطني مقتضى هذا الاحتمال مرفوعا عن أنس وإسناده ضعيف وأما الشعبي فقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في رجل أفطر يوما في رمضان عامدا قال يصوم يوما مكانه ويستغفر الله عز وجل وأما سعيد بن جبير فوصله بن أبي شيبة من طريق يعلى بن حكيم عنه فذكر مثله وأما إبراهيم النخعي فقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم وقال بن أبي شيبة حدثنا شريك كلاهما عن مغيرة عن إبراهيم فذكر مثله وأما قتادة فذكره عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قصة المجامع في رمضان وأما حماد وهو بن أبي سليمان فذكره عبد الرزاق عن أبي حنيفة عنه

[ 1833 ] قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد الأنصاري وفي إسناده هذا أربعة من التابعين في نسق كلهم من أهل المدينة يحيى وعبد الرحمن تابعيان صغيران من طبقة واحدة وفوقهما قليلا محمد بن جعفر وأما بن عمه عباد فمن اواسط التابعين قوله ان رجلا قيل هو سلمة بن صخر البياضي ولا يصح ذلك كما سيأتي قوله انه احترق سيأتي في حديث أبي هريرة أنه عبر بقوله هلكت ورواية الاحتراق تفسر رواية الهلاك وكأنه لما اعتقد أن مرتكب الإثم يعذب بالنار أطق على نفسه أنه احترق لذلك وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له هذا الوصف فقال أين المحترق إشارة إلى أنه لو اصر على ذلك لاستحق ذلك وفيه دلالة على أنه كان عامدا كما سيأتي قوله تصدق بهذا هكذا وقع مختصرا وأورده مسلم وأبو داود من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم وفيه قال أصبت أهلي قال تصدق قال والله ما لي شيء قال أجلس فجلس فأقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام فقال أين المحترق أنفا فقام الرجل فقال تصدق بهذا فقال أعلى غيرنا فوالله أنا لجياع قال كلوه وقد استدل به لمالك حيث جزم في كفارة الجماع في رمضان بالإطعام دون غيره من الصيام والعتق ولا حجة فيه لأن القصة واحدة وقد حفظها أبو هريرة وقصها على وجهها واوردتها عائشة مختصرة أشار إلى هذا الجواب الطحاوي والظاهر أن الاختصار من بعض الرواة فقد رواه عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير بهذا الإسناد مفسرا ولفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل فارع يعني بالفاء والمهملة فجاءه رجل من بني بياضة فقال احترقت وقعت بامرأتي في رمضان قال أعتق رقبة قال لا اجدها قال أطعم ستين مسكينا قال ليس عندي فذكر الحديث أخرجه أبو داود ولم يسق لفظه وساقه بن خزيمة في صحيحه والبخاري في تاريخه ومن طريقه البيهقي ولم يقع في هذه الرواية أيضا ذكر صيام شهرين ومن حفظ حجة على من لم يحفظ تنبيه اختلفت الرواية عن مالك في ذلك فالمشهور ما تقدم وعنه يكفر في الأكل بالتخيير وفي الجماع بالإطعام فقط وعنه التخيير مطلقا وقيل يراعى زمان الخصب والجدب وقيل يعتبر حالة المكفر وقيل غير ذلك

قوله باب إذا جامع في رمضان أي عامدا عالما ولم يكن له شيء يعتق أو يطعم ولا يستطيع الصيام فتصدق عليه أي بقدر ما يجزيه فليكفر أي به لأنه صار واجدا وفيه إشارة إلى أن الاعسار لا يسقط الكفارة عن الذمة وقوله

[ 1834 ] أخبرني حميد بن عبد الرحمن أي بن عوف هكذا توارد عليه أصحاب الزهري وقد جمعت منهم في جزء مفرد لطرق هذا الحديث أكثر من أربعين نفسا منهم بن عيينة والليث ومعمر ومنصور عند الشيخين والأوزاعي وشعيب وإبراهيم بن سعد عند البخاري ومالك وابن جريج عند مسلم ويحيى بن سعيد وعراك بن مالك عند النسائي وعبد الجبار بن عمر عند أبي عوانة والجوزقى وعبد الرحمن بن مسافر عند الطحاوي وعقيل عند بن خزيمة وابن أبي حفصة عند أحمد ويونس وحجاج بن أرطاة وصالح بن أبي الاخضر عند الدارقطني ومحمد بن إسحاق عند البزار وسأذكر ما عند كل منهم من زيادة فائدة إن شاء الله تعالى وخالفهم هشام بن سعد فرواه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أخرجه أبو داود وغيره قال البزار وابن خزيمة وأبو عوانة أخطأ فيه هشام بن سعد قلت وقد تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن أبي حفصة فرواه عن الزهري أخرجه الدارقطني في العلل والمحفوظ عن بن أبي حفصة كالجماعة كذلك أخرجه أحمد وغيره من طريق روح بن عبادة عنه ويحتمل أن يكون الحديث عند الزهري عنهما فقد جمعهما عنه صالح بن أبي الأخضر أخرجه الدارقطني في العلل من طريقه وسيأتي في الباب الذي بعده حكاية خلاف آخر فيه على منصور وكذلك في الكفارات حكاية فيه على سفيان بن عيينة إن شاء الله تعالى قوله أن أبا هريرة قال في رواية بن جريج عند مسلم وعقيل عند بن خزيمة وابن أبي أويس عند الدارقطني التصريح بالتحديث بين حميد وأبي هريرة قوله بينما نحن جلوس أصلها بين وقد ترد بغير ما فتشبع الفتحة ومن خاصة بينما أنها تتلقى باذوباذا حيث تجئ للمفاجاة بخلاف بينا فلا تتلقى بواحدة منهما وقد وردا في هذا الحديث كذلك قوله عند النبي صلى الله عليه وسلم فيه حسن الأدب فيي التعبير لما تشعر العندية بالتعظيم بخلاف ما لو قال مع لكن في رواية الكشميهني مع النبي صلى الله عليه وسلم قوله إذ جاءه رجل لم اقف على تسميته الا أن عبد الغني في المبهمات وتبعه بن بشكوال جزما بأنه سليمان أو سلمة بن صخر البياضي واستند إلى ما أخرجه بن أبي شيبة وغيره من طريق سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته في رمضان وأنه وطئها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حرر رقبة قلت ما أملك رقبة غيرها وضرب صفحة رقبته قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت الا من الصيام قال فأطعم ستين مسكينا قال والذي بعثك بالحق ما لنا طعام قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك والظاهر إنهما واقعتان فإن في قصة المجامع في حديث الباب أنه كان صائما كما سيأتي وفي قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلا فافترقا ولا يلزم من اجتماعهما في كونهما من بني بياضة وفي صفة الكفارة وكونها مرتبة وفي كون كل منهما كان لا يقدر على شيء من خصالها اتحاد القصتين وسنذكر أيضا ما يؤيد المغايرة بينهما وأخرج بن عبد البر في ترجمة عطاء الخراساني من التمهيد من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن الرجل الذي وقع على امرأته في رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو سليمان بن صخر قال بن عبد البر أظن هذا وهما لأن المحفوظ أنه ظاهر من امرأته ووقع عليها في الليل لا أن ذلك كان منه بالنهار اه ويحتمل أن يكون قوله في الرواية المذكورة وقع على امرأته في رمضان أي ليلا بعد أن ظاهر فلا يكون وهما ولا يلزم الاتحاد ووقع في مباحث العام من شرح بن الحاجب ما يوهم أن هذا الرجل هو أبو بردة بن يسار وهو وهم يظهر من تامل بقية كلامه قوله فقال يا رسول الله زاد عبد الجبار بن عمر عن الزهري جاء رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد ولمحمد بن أبي حفصة يلطم وجهه ولحجاج بن أرطاة يدعو ويله وفي مرسل بن المسيب عند الدارقطني ويحثى على رأسه التراب واستدل بهذا على جواز هذا الفعل والقول ممن وقعت له معصية ويفرق بذلك بين مصيبة الدين والدنيا فيجوز في مصيبة الدين لما يشعر به الحال من شدة الندم وصحة الاقلاع ويحتمل أن تكون هذه الواقعة قبل النهى عن لطم الخدود وحلق الشعر عند المصيبة قوله فقال هلكت في رواية منصور في الباب الذي يليه فقال أن الآخر هلك والآخر بهمزة مفتوحة وخاء معجمة مكسورة بغير مد هو الأبعد وقيل الغائب وقيل الارذل قوله هلكت في حديث عائشة كما تقدم احترقت وفي رواية بن أبي حفصة ما أراني الا قد هلكت واستدل به على أنه كان عامدا لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدى إلى ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع وبالغ فعبر عنه بلفظ الماضي وإذا تقرر ذلك فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي وهو مشهور قول مالك والجمهور وعن أحمد وبعض المالكية يجب على الناسي وتمسكوا بترك استفساره عن جماعة هل كان عن عمد أو نسيان وترك الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في القول كما اشتهر والجواب أنه قد تبين حاله بقوله هلكت واحترقت فدل على أنه كان عامدا عارفا بالتحريم وأيضا فدخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد واستدل بهذا على أن من أرتكب معصية لا حد فيها وجاء مستفتيا أنه لايعزر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية وقد ترجم لذلك البخاري في الحدود وأشار إلى هذه القصة وتوجيهه أن مجيئه مستفتيا يقتضى الندم والتوبة والتعزيز إنما جعل للاستصلاح ولا استصلاح مع الصلاح وأيضا فلو عوقب المستفتى لكان سببا لترك الاستفتاء وهي مفسدة فاقتضى ذلك أن لا يعاقب هكذا قرره الشيخ تقى الدين لكن وقع في شرح السنة البغوي أن من جامع متعمدا في رمضان فسد صومه وعليه القضاء والكفارة ويعزز على سوء صنيعه وهو محمول على من لم يقع منه ما وقع من صاحب هذه القصة من الندم والتوبة وبناه بعض المالكية على الخلاف في تعزير شاهد الزور قوله قال مالك بفتح اللام استفهام عن حاله وفي رواية عقيل ويحك ما شأنك ولابن أبي حفصة وما الذي أهلكك ولعمرو ما ذاك وفي رواية الأوزاعي ويحك ما صنعت أخرجه المصنف في الأدب وترجم باب ما جاء في قول الرجل ويلك ويحك ثم قال عقبة تابعه يونس عن الزهري يعني في قوله ويحك وقال عبد الرحمن بن خالد عن الزهري ويلك قلت وسأذكر من وصلهما هناك إن شاء الله تعالى وقد تابع بن خالد في قوله ويلك صالح بن أبي الأخضر وتابع الأوزاعي في قوله ويحك عقيل وابن إسحاق وحجاج بن أرطاة فهو أرجح وهو اللائق بالمقام فإن ويح كلمة رحمة وويل كلمة عذاب والمقام يقتضى الأول قوله وقعت على امراتى وفي رواية بن إسحاق أصبت أهلي وفي حديث عائشة وطئت امرأتي ووقع في رواية مالك وابن جريج وغيرهما كما سيأتي بيانه بعد قليل في الكلام على الترتيب والتخيير في أول الحديث أن رجلا أفطر في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم الحديث واستدل به على إيجاب الكفارة على من أفسد صيامه مطلقا بأي شيء كان وهو قول المالكية وقد تقدم نقل الخلاف فيه والجمهور حملوا قوله أفطر هنا على المقيد في الرواية الأخرى وهو قوله وقعت على أهلي وكأنه قال أفطر بجماع وهو أولى من دعوى القرطبي وغيره تعدد القصة واحتج من أوجب الكفارة مطلقا بقياس الأكل على المجامع بجامع ما بينهما من انتهاك حرمة الصوم وبأن من أكره على الأكل فسد صومه كما يفسد صوم من أكره على الجماع بجامع ما بينهما وسيأتي بيان الترجيح بين الروايتين في الكلام على الترتيب وقد وقع في حديث عائشة نظير ما وقع في حديث أبي هريرة فمعظم الروايات فيها وطئت ونحو ذلك وفي رواية ساق مسلم إسنادها وساق أبو عوانة في مستخرجه متنها أنه قال أفطرت في رمضان والقصة واحدة ومخرجها متحد فيحمل على أنه أراد أفطرت في رمضان بجماع وقد وقع في مرسل بن المسيب عند سعيد بن منصور أصبت امرأتي ظهرا في رمضان وتعيين رمضان معمول بمفهومه وللفرق في وجوب كفارة المجامع في الصوم بين رمضان وغيره من الواجبات كالنذر وفي كلام أبي عوانة في صحيحه إشارة إلى وجوب ذلك على من وقع منه في رمضان نهارا سواء كان الصوم واجبا عليه أو غير واجب قوله وانا صائم جملة حالية من قوله وقعت فيؤخذ منه أنه لا يشترط في إطلاق اسم المشتق بقاء المعنى المشتق منه حقيقة لاستحالة كونه صائما مجامعا في حالة واحدة فعلى هذا قوله وطئت أي شرعت في الوطء أو أراد جامعت بعد إذ أنا صائم ووقع في رواية عبد الجبار بن عمر وقعت على أهلي اليوم وذلك في رمضان قوله هل تجد رقبة تعتقها في رواية منصور أتجد ما تحرر رقبة وفي رواية بن أبي حفصة اتستطيع أن تعتق رقبة وفي رواية إبراهيم بن سعد والأوزاعي فقال أعتق رقبة زاد في رواية مجاهد عن أبي هريرة فقال بئسما صنعت أعتق رقبة قوله قال لا في رواية بن مسافر فقال لا والله يا رسول الله وفي رواية بن إسحاق ليس عندي وفي حديث بن عمر فقال والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط واستدل بإطلاق الرقبة على جواز إخراج الرقبة الكافرة كقول الحنفية وهو ينبنى على أن السبب إذا اختلف واتحد الحكم هل يقيد المطلق أو لا وهل تقييده بالقياس أو لا والاقرب أنه بالقياس ويؤيده التقييد في مواضع أخرى قوله قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا وفي رواية إبراهيم بن سعد قال فصم شهرين متتابعين وفي حديث سعد قال لا أقدر وفي رواية بن إسحاق وهل لقيت ما لقيت الا من الصيام قال بن دقيق العيد لا اشكال في الانتقال عن الصوم الا الإطعام لكن رواية بن إسحاق هذه اقتضت ان عدم استطاعته لشدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع فنشا للشافعية نظر هل يكون ذلك عذرا أي شدة الشبق حتى يعد صاحبه غير مستطيع الصوم أو لا والصحيح عندهم اعتبار ذلك ويلتحق به من يجد رقبة لا غنى به عنها فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه في حكم غير الواجد وأما ما رواه الدارقطني من طريق شريك عن إبراهيم بن عامر عن سعيد بن المسيب في هذه القصة مرسلا أنه قال في جواب قوله هل تستطيع أن تصوم أني لأدع الطعام ساعة فما اطيق ذلك ففي إسناده مقال وعلى تقدير صحته فلعله اعتل بالأمرين قوله فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا زاد بن مسافر يا رسول الله ووقع في رواية سفيان فهل تستطيع إطعام وفي رواية إبراهيم بن سعد وعراك بن مالك فتطعم ستين مسكينا قال لا أجد وفي رواية بن أبي حفصة افتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا وذكر الحاجة وفي حديث بن عمر قال والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي قال بن دقيق العيد أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى أن يعود عليه بالابطال والمشهور عن الحنفية الأجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفى والمراد بالإطعام الإعطاء لا اشتراط حقيقة الإطعام من وضع المطعوم في الفم بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف وفي إطلاق الإطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الإطعام من غير اشتراط مناولة بخلاف زكاة الفرض فإن فيها النص على الايتاء وصدقة الفطر فإن فيها النص على الأداء وفي ذكر الإطعام ما يدل على وجود طاعمين فيخرج الطفل الذي لم يطعم كقول الحنفية ونظر الشافعي إلى النوع فقال يسلم لوليه وذكر الستين ليفهم أنه لا يجب ما زاد عليها ومن لم يقل بالمفهوم تمسك بالإجماع على ذلك وذكر في حكمة هذه الخصال من المناسبة أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدى نفسه وقد صح أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار وأما الصيام فمناسبته ظاهرة لأنه كالمقاصة بجنس الجناية وأما كونه شهرين فلانة لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوما كان كمن أفسد الشهر كله من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابلة كل يوم بإطعام مسكين ثم أن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق الله وهو الصوم وحق الأحرار بالإطعام وحق الارقاء بالاعتاق وحق الجانى بثواب الامتثال وفيه دليل على إيجاب الكفارة بالجماع خلافا لمن شذ فقال لا تجب مستندا إلى أنه لو كان واجبا لما سقط بالإعسار وتعقب بمنع الاسقاط كما سيأتي البحث فيه وقد تقدم في آخر باب الصائم يصبح جنبا نقل الخلاف في إيجاب الكفارة بالقبلة والنظر والمباشرة والانعاظ واختلفوا أيضا هل يلحق الوطء في الدبر بالوطء في القبل وهل يشترط في إيجاب الكفارة كل وطء في أي فرج كان وفيه دليل على جريان الخصال الثلاث المذكورة في الكفارة ووقع في المدونة ولا يعرف مالك غير الإطعام ولا يأخذ بعتق ولا صيام قال بن دقيق العيد وهي معضلة لا يهتدى إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال ووجهوا ترجيح الطعام على غيره بان الله ذكره في القرآن رخصة للقادر ثم نسخ هذا الحكم ولا يلزم منه نسخ الفضيلة فيترجح الاطعام أيضا لاختيار الله له في حق المفطر بالعذر وكذا أخبر بأنه في حق من آخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر ولمناسبة إيجاب الإطعام لجبر فوات الصيام الذي هو إمساك عن الطعام ولشمول نفعه للمساكين وكل هذه الوجوه لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام ثم الإطعام سواء قلنا الكفارة على الترتيب أو التخيير فإن هذه البداءة أن لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن تقتضي استحبابه واحتجوا أيضا بان حديث عائشة لم يقع فيه سوى الإطعام وقد تقدم الجواب عن ذلك قبل وأنه ورد فيه من وجه آخر ذكر العتق أيضا ومن المالكية من وافق على هذا الاستحباب ومنهم من قال أن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات ففي وقت الشدة يكون بالإطعام وفي غيرها يكون بالعتق أو الصوم ونقلوه عن محققى المتأخرين ومنهم من قال الإفطار بالجماع يكفر بالخصال الثلاث وبغيره لا يكفر الا بالإطعام وهو قول أبي مصعب وقال بن جرير الطبري هو مخير بين العتق والصوم ولا يطعم الا عند العجز عنهما وفي الحديث أنه لا مدخل لغير هذه الخصال الثلاث في الكفارة وجاء عن بعض المتقدمين اهداء البدنة عند تعذر الرقبة وربما ايده بعضهم بالحاق افساد الصيام بافساد الحج وورد ذكر البدنة في مرسل سعيد بن المسيب عند مالك في الموطأ عن عطاء الخراساني عنه وهو مع إرساله قد رده سعيد بن المسيب وكذب من نقله عنه كما روى سعيد بن منصور عن بن عليه عن خالد الحذاء عن القاسم بن عاصم قلت لسعيد بن المسيب ما حديث حدثناه عطاء الخراساني عنك في الذي وقع على امرأته في رمضان أنه يعتق رقبة أو يهدى بدنه فقال كذب فذكر الحديث وهكذا رواه الليث عن عمرو بن الحارث عن أيوب عن القاسم بن عاصم وتابعه همام عن قتادة عن سعيد وذكر بن عبد البر أن عطاء لم ينفرد بذلك فقد ورد عن طريق مجاهد عن أبي هريرة موصولا ثم ساقه بإسناده لكنه من رواية ليث بن أبي سليم عن مجاهد وليث ضعيف وقد اضطرب في روايته سندا ومتنا فلا حجة فيه وفي الحديث أيضا أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب المذكور قال بن العربي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر وليس هذا شان التخيير ونازع عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك فقال أن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير وقرره بن المنير في الحاشية بان شخصا لو حنث فاستفتى فقال له المفتى أعتق رقبة فقال لا أجد فقال صم ثلاثة أيام الخ لم يكن مخالفا لحقيقة التخيير بل يحمل على أن ارشاده إلى العتق لكونه أقرب لتنجيز الكفارة وقال البيضاوي ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم وسلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح بان الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر من روى التخيير وتعقبه بن التين بان الذين رووا الترتيب بن عيينة ومعمر الأوزاعي والذين رووا التخيير مالك وابن جريج وفليح بن سليمان وعمرو بن عثمان المخزومي وهو كما قال في الثاني دون الأول فالذين رووا الترتيب في البخاري الذي نحن في شرحه أيضا إبراهيم بن سعد والليث بن سعد وشعيب بن أبي حمزة ومنصور ورواية هذين في هذا الباب الذي نشرحه وفي الذي يليه فكيف غفل بن التين عن ذلك وهو ينظر فيه بل روى الترتيب عن الزهري كذلك تمام الثلاثين نفسا أو ازيد ورجح الترتيب أيضا بان رواية حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من صورة الواقعة وراوى التخيير حكى لفظ راوي الحديث فدل على أنه من تصرف بعض الرواة أما لقصد الاختصار أو لغير ذلك ويترجح الترتيب أيضا بأنه احوط لأن الأخذ به مجزىء سواء قلنا بالتخيير أو بخلاف العكس وجمع بعضهم بين الروايتين كالمهلب والقرطبى بالحمل على التعدد وهو بعيد لأن القصة واحدة والمخرج متحد والأصل عدم التعدد وبعضهم حمل الترتيب على الاولوية والتخيير على الجواز وعكسه بعضهم فقال أو في الرواية الأخرى ليست للتخيير وإنما هي للتفسير والتقدير أمر رجلا أن يعتق رقبة أو يصوم أن عجز عن العتق أو يطعم أن عجز عنهما وذكر الطحاوي أن سبب إتيان بعض الرواة بالتخيير أن الزهري راوي الحديث قال في آخر حديثه فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام شهرين أو الإطعام قال فرواه بعضهم مختصرا مقتصرا على ما ذكر الزهري أنه آل إليه الأمر قال وقد قص عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري القصة على وجهها ثم ساقه من طريقه مثل حديث الباب إلى قوله أطعمه أهلك قال فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا قلت وكذلك رواه الدارقطني في العلل من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري وقال في آخره فصارت سنة عنق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا قوله فمكث عند النبي صلى الله عليه وسلم كذا هنا بالميم والكاف المفتوحة ويجوز ضمها والثاء المثلثة وفي رواية أبي نعيم في المستخرج من وجهين عن أبي اليمان فسكت بالمهملة والكاف المفتوحة والمثناة وكذا في رواية بن مسافر وابن أبى الأخضر وفي رواية بن عيينة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أجلس فجلس قوله فبينا نحن على ذلك في رواية بن عيينة فبينما هو جالس كذلك قال بعضهم يحتمل أن يكون سبب أمره له بالجلوس انتظار ما يوحى إليه في حقه ويحتمل أنه كان عرف أنه سيؤتى بشيء بعينه به ويحتمل أن يكون اسقط عنه الكفارة بالعجز وهذا الثالث ليس بقوي لأنها لو سقطت ما عادت عليه حيث أمره بها بعد اعطائه إياه المكتل قوله اتى النبي صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر بضم أوله على البناء للمجهول وهو جواب بينا في هذه الرواية وأما رواية بن عيينة المشار إليها فقال فيها إذ أتى لأنه قال فيها فبينما هو جالس وقد تقدم تقرير ذلك والاتى المذكور لم يسم لكن وقع في رواية معمر كما سيأتي في الكفارات فجاء رجل من الأنصار وعند الدارقطني من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب مرسلا فأتى رجل من ثقيف فإن لم يحمل على أنه كان حليفا للأنصار أو إطلاق الأنصار بالمعنى الأعم وإلا فرواية الصحيح أصح ووقع في رواية بن إسحاق فجاء رجل بصدقته يحملها وفي مرسل الحسن عند سعيد بن منصور بتمر من تمر الصدقة قوله بعرق بفتح المهملة والراء بعدها قاف قال بن التين كذا لأكثر الرواة وفي رواية أبي الحسن يعني القابسي بإسكان الراء قال عياض والصواب الفتح وقال بن التين أنكر بعضهم الاسكان لأن الذي بالإسكان هو العظم الذي عليه اللحم قلت أن كان الإنكار من جهة الاشتراك مع العظم فلينكر الفتح لأنه يشترك مع الماء الذي يتحلب من الجسد نعم الراجح من حيث الرواية الفتح ومن حيث اللغة أيضا الا أن الاسكان ليس بمنكر بل أثبته بعض أهل اللغة كالقزاز قوله والعرق المكتل بكسر الميم وسكون الكاف وفتح المثناة بعدها لام زاد بن عيينة عند الإسماعيلي وابن خزيمة المكتل الضخم قال الأخفش سمي المكتل عرقا لأنه يضفر عرقة عرقة فالعرق جمع عرقة كعلق وعلقة والعرقة الضفيرة من الخوص وقوله والعرق المكتل تفسير من أحد رواته وظاهر هذه الرواية أنه الصحابي لكن في رواية بن عيينة ما يشعر بأنه الزهري وفي رواية منصور في الباب الذي يلي هذا فأتى بعرق فيه تمر وهو الزبيل وفي رواية بن أبي حفصة فأتى بزبيل وهو المكتل والزبيل بفتح الزاي وتخفيف الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام بوزن رغيف هو المكتل قال بن دريد يسمى زبيلا لحمل الزبل فيه وفيه لغة أخرى زنبيل بكسر الزاي أوله وزيادة نون ساكنة وقد تدغم النون فتشدد الباء مع بقاء وزنه وجمعه على اللغات الثلاث زنابيل ووقع في بعض طرق عائشة عند مسلم فجاءه عرقان والمشهور في غيرها عرق ورجحه البيهقي وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة وهو جمع لا نرضاه لاتحاد مخرج الحديث والأصل عدم التعدد والذي يظهر أن التمر كان قدر عرق لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل فيحتمل أن الاتى به لما وصل افرغ أحدهما في الآخر فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال ومن قال عرق أراد ما آل إليه والله أعلم قوله أين السائل زاد بن مسافر أنفا أطلق عليه ذلك لأن كلامه متضمن للسؤال فإن مراده هلكت فما ينجينى وما يخلصني مثلا وفي حديث عائشة أين المحترق أنفا وقد تقدم توجيهه ولم يعين في هذه الرواية مقدار ما في المكتل من التمر بل ولا في شيء من طرق الصحيحين في حديث أبي هريرة ووقع في رواية بن أبي حفصة فيه خمسة عشر صاعا وفي رواية مؤمل عن سفيان فيه خمسة عشر أو نحو ذلك وفي رواية مهران بن أبي عمر عن الثوري عن بن خزيمة فيه خمسة عشر أو عشرون وكذا هو عند مالك وعبد الرزاق في مرسل سعيد بن المسيب وفي مرسله عند الدارقطني الجزم بعشرين صاعا ووقع في حديث عائشة عند بن خزيمة فأتى بعرق فيه عشرون صاعا قال البيهقي قوله عشرون صاعا بلاغ بلغ محمد بن جعفر يعني بعض رواته وقد بين ذلك محمد بن إسحاق عنه فذكر الحديث وقال في آخره قال محمد بن جعفر فحدثت بعد أنه كان عشرين صاعا من تمر قلت ووقع في مرسل عطاء بن أبي رباح وغيره عند مسدد فأمر له ببعضه وهذا يجمع الروايات فمن قال أنه كان عشرين أراد أصل ما كان فيه ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة ويبين ذلك حديث على عند الدارقطني تطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد وفيه فأتى بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا وكذا في رواية حجاج الزهري عند الدارقطني في حديث أبي هريرة وفيه رد على الكوفيين في قولهم أن واجبه من القمح ثلاثون صاعا ومن غيره ستون صاعا ولقول عطاء أن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعا وعلى أشهب في قوله لو غداهم أو عشاهم كفى تصدق الإطعام ولقول الحسن يطعم أربعين مسكينا عشرين صاعا أو بالجماع أطعم خمسة عشر وفيه رد على الجوهري حيث قال في الصحاح المكتل يشبه الزبيل يسع خمسة عشر صاعا لأنه لا حصر في ذلك وروى عن مالك أنه قال يسع خمسة عشر أو عشرين ولعله قال ذلك في هذه القصة الخاصة فيوافق رواية مهران وإلا فالظاهر أنه لا حصر في ذلك والله أعلم وأما ما وقع في رواية عطاء ومجاهد عن أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط أنه أتى بمكتل فيه عشرون صاعا فقال تصدق بهذا وقال قبل ذلك تصدق بعشرين صاعا أو بتسع عشرة أو بإحدى وعشرين فلا حجة فيه لما فيه من الشك ولأنه من رواية ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد اضطرب فيه وفي الإسناد إليه مع ذلك من لا يحتج به ووقع في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم فجاءه عرقان فيهما طعام ووجهه أن كان محفوظا ما تقدم قريبا والله أعلم قوله خذ هذا فتصدق به كذا للأكثر ومنهم من ذكره بمعناه وزاد بن إسحاق فتصدق به عن نفسك ويؤيده رواية منصور في الباب الذي يليه بلفظ أطعم هذا عنك ونحوه في مرسل سعيد بن المسيب من رواية داود بن أبي هند عنه عند الدارقطني وعنده من طريق ليث عن مجاهد عن أبي هريرة نحن نتصدق به عنك واستدل بإفراده بذلك على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة وكذا قوله في المراجعة هل تستطيع وهل تجد وغير ذلك وهو الأصح من قول الشافعية وبه قال الأوزاعي وقال الجمهور وأبو ثور وابن المنذر تجب الكفارة على المرأة أيضا على اختلاف وتفاصيل لهم في الحرة والأمة والمطاوعة والمكرهة وهل هي عليها أو على الرجل عنها واستدل الشافعية بسكوته عليه الصلاة والسلام عن أعلام المرأة بوجوب الكفارة مع الحاجة وأجيب بمنع وجود الحاجة إذ ذاك لأنها لم تعترف ولم تسأل واعتراف الزوج عليها لا يوجب عليها حكما ما لم تعترف وبانها قضية حال فالسكوت عنها لا يدل على الحكم لاحتمال أن تكون المرأة لم تكن صائمة لعذر من الاعذار ثم أن بيان الحكم للرجل بيان في حقها لاشتراكهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم كما لم يأمره بالغسل والتنصيص على الحكم في حق بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين ويحتمل أن يكون سبب السكوت عن حكم المرأة ما عرفة من كلام زوجها بأنها لا قدرة لها على شيء وقال القرطبي اختلفوا في الكفارة هل هي على الرجل وحده على نفسه فقط أو عليه وعليها أو عليه كفارتان عنه وعنها أو عليه عن نفسه وعليها عنها وليس في الحديث ما يدل على شيء من ذلك لأنه ساكت عن المرأة فيؤخذ حكمها من دليل آخر مع احتمال أن يكون سبب السكوت أنها كانت غير صائمة واستدل بعضهم بقوله في بعض طرق هذا الحديث هلكت وأهلكت وهي زيادة فيها مقال فقال بن الجوزي في قوله وأهلكت تنبيه على أنه اكرهها ولولا ذلك لم يكن مهلكا لها قلت ولا يلزم من ذلك تعدد الكفارة بل لا يلزم من قوله وأهلكت إيجاب الكفارة عليها بل يحتمل أن يريد بقوله هلكت اثمت وأهلكت أي كنت سببا في تاثيم من طاوعتنى فواقعتها إذ لا ريب في حصول الإثم على المطاوعة ولا يلزم من ذلك اثبات الكفارة ولا نفيها أو المعنى هلكت أي حيث وقعت في شيء لا أقدر على كفارته وأهلكت أي نفسي بفعلى إلى جر على الإثم وهذا كله بعد ثبوت الزيادة المذكورة وقد ذكر البيهقي أن للحاكم في بطلانها ثلاثة أجزاء ومحصل القول فيها أنها وردت من طريق الأوزاعي ومن طريق بن عيينة أما الأوزاعي فتفرد بها محمد بن المسيب عن عبد السلام بن عبد الحميد عن عمر بن عبد الواحد والوليد بن مسلم وعن محمد بن عقبة عن علقمة عن أبيه ثلاثتهم عن الأوزاعي قال البيهقي رواه جميع أصحاب الأوزاعي بدونها وكذلك جميع الرواة عن الوليد وعقبة وعمر ومحمد بن المسيب كان حافظا مكثرا الا أنه كان في آخر أمره عمي فلعل هذه اللفظة أدخلت عليه وقد رواه أبو على النيسابوري عنه بدونها ويدل على بطلانها ما رواه العباس بن الوليد عن أبيه قال سئل الأوزاعي عن رجل جامع امرأته في رمضان قال عليهما كفارة واحدة الا الصيام قيل له فإن استكرهها قال عليه الصيام وحده وأما بن عيينة فتفرد بها أبو ثور عن معلى بن منصور عنه قال الخطابي المعلى ليس بذلك الحافظ وتعقبه بن الجوزي بأنه لا يعرف أحدا طعن في المعلى وغفل عن قول الإمام أحمد أنه كان يخطىء كل يوم في حديثين أو ثلاثة فلعله حدث من حفظه بهذا فوهم وقد قال الحاكم وقفت على كتاب الصيام للمعلى بخط موثوق به وليست هذه اللفظة فيه وزعم بن الجوزي أن الدارقطني أخرجه من طريق عقيل أيضا وهو غلط منه فإن الدارقطني لم يخرج طريق عقيل في السنن وقد ساقه في العلل بالإسناد الذي ذكره عنه بن الجوزي بدونها تنبيه القائل بوجوب كفارة واحدة على الزوج عنه وعن موطوءته يقول يعتبر حالهما فإن كانا من أهل العتق أجزأت رقبة وأن كانا من أهل الإطعام أطعم ما سبق وأن كانا من أهل الصيام صاما جميعا فإن اختلفت حالهما ففيه تفريع محله كتب الفروع قوله فقال الرجل على أفقر منى أي أتصدق به على شخص أفقر مني وهذا يشعر بأنه فهم الإذن له في التصدق على من يتصف بالفقر وقد بين بن عمر في حديثه ذلك فزاد فيه إلى من ادفعه قال إلى أفقر من تعلم أخرجه البزار والطبراني في الأوسط وفي رواية إبراهيم بن سعد أعلى أفقر من أهلي ولابن مسافر أعلى أهل بيت أفقر مني وللاوزاعى أعلى غير أهلي ولمنصور أعلى أحوج منا ولابن إسحاق وهل الصدقة الا لي وعلى قوله فوالله ما بين لابتيها تثنية لابة وقد تقدم شرحها في أواخر كتاب الحج والضمير للمدينة وقوله يريد الحرتين من كلام بعض رواته زاد في رواية بن عيينة ومعمر والذي بعثك بالحق ووقع في حديث بن عمر المذكور ما بين حرتيها وفي رواية والأوزاعي الآتية في الأدب والذي نفسي بيده ما بين طنبي المدينة تثنية طنب وهو بضم الطاء المهملة بعدها نون والطنب أحد اطناب الخيمة فاستعاره للطرف قوله أهل بيت أفقر من أهل بيتي زاد يونس مني ومن أهل بيتي وفي رواية إبراهيم بن سعد أفقر منا وأفقر بالنصب على أنها خبر ما النافية ويجوز الرفع على لغة تميم وفي رواية عقيل ما أحد أحق به من أهلي ما أحد أحوج إليه مني وفي أحق واحوج ما في أفقر وفي مرسل سعيد من رواية داود عنه والله ما لعيالى من طعام وفي حديث عائشة عند بن خزيمة ما لنا عشاء ليلة قوله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت انيابه في رواية بن إسحاق حتى بدت نواجذه ولأبي قرة في السنن عن بن جريج حتى بدت ثناياه ولعلها تصحيف من أنيابه فإن الثنايا تبين بالتبسم غالبا وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم ويحمل ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم أن ضحكه كان تبسما على غالب أحواله وقيل كان لا يضحك الا في أمر يتعلق بالآخرة فإن كان في أمر الدنيا لم يزد على التبسم قيل وهذه القضية تعكر عليه وليس كذلك فقد قيل أن سبب ضحكه صلى الله عليه وسلم كان من تباين حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبا في فدائها مهما أمكنه فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة وقيل ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه وحسن تأتيه وتلطفه في الخطاب وحسن توسله في توصله إلى مقصوده قوله ثم قال أطعمه أهلك تابعه معمر وابن أبي حفصة وفي رواية لابن عيينة في الكفارات أطعمه عيالك ولإبراهيم بن سعد فانتم إذا وقدم على ذلك ذكر الضحك ولأبي قرة عن بن جريج ثم قال كله ونحوه ليحيى بن سعيد وعراك وجمع بينهما بن إسحاق ولفظه خذها وكلها وانفقها على عيالك ونحوه في رواية عبد الجبار وحجاج وهشام بن سعد كلهم عن الزهري ولابن خزيمة في حديث عائشة عد به عليك وعلى أهلك وقال بن دقيق العيد تباينت في هذه القصة المذاهب فقيل أنه دل على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجوبها لأن الكفارة لاتصرف إلى النفس ولا إلى العيال ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره وهو أحد قولي الشافعية وجزم به عيسى بن دينار من المالكية وقال الأوزاعي يستغفر الله ولا يعود ويتايد بذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن لسبب وجوبها وهو هلال الفطر لكن الفرق بينهما أن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه وكفارة الجماع لا أمد لها فتستقر في الذمة وليس في الخبر ما يدل على اسقاطها بل فيه ما يدل على استمرارها على العاجز وقال الجمهور لا تسقط الكفارة بالإعسار والذي إذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة ثم اختلفوا فقال الزهري هو خاص بهذا الرجل وإلى هذا نحا إمام الحرمين ورد بان الأصل عدم الخصوصية وقال بعضهم هو منسوخ ولم يبين قائله ناسخه وقيل المراد بالأهل الذين أمر بصرفها إليهم من لا تلزمه نفقته من أقاربه وهو قول بعض الشافعية وضعف بالرواية الأخرى التي فيها عيالك وبالرواية المصرحة بالاذن له في الأكل من ذلك وقيل لما كان عاجزا عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم وهذا هو ظاهر الحديث وهو الذي حمل أصحاب الأقوال الماضية على ما قالوه بان المرء لا يأكل من كفارة نفسه قال الشيخ تقى الدين وأقوى من ذلك أن يجعل الإعطاء لا على جهة الكفارة بل على جهة التصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة لما ظهر من حاجتهم وأما الكفارة فلم تسقط بذلك ولكن ليس استقرارها في ذمته ماخوذا من هذا الحديث وأما ما اعتلوا به من تأخير البيان فلا دلالة فيه لأن العلم بالوجوب قد تقدم ولم يرد في الحديث ما يدل على الاسقاط لأنه لما أخبره بعجزه ثم أمره بإخراج العرق دل على أن لا سقوط عن العاجز ولعله آخر البيان إلى وقت الحاجة وهو القدرة اه وقد ورد ما يدل على إسقاط الكفارة أو على اجزائها عنه بانفاقه إياها على عياله وهو قوله في حديث على وكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك ولكنه حديث ضعيف لا يحتج بما انفرد به والحق أنه لما قال له صلى الله عليه وسلم خذ هذا فتصدق به لم يقبضه بل اعتذر بأنه أحوج إليه من غيره فأذن له حينئذ في أكله فلو كان قبضه لملكه ملكا مشروطا بصفة وهو إخراجه عنه في كفارته فينبنى على الخلاف المشهور في التمليك المقيد بشرط لكنه لما لم يقبضه لم يملكه فلما إذن له صلى الله عليه وسلم في اطعامه لأهله وآكله منه كان تمليكا مطلقا بالنسبة إليه وإلى أهله واخذهم إياه بصفة الفقر المشروحة وقد تقدم أنه كان من مال الصدقة وتصرف النبي صلى الله عليه وسلم فيه تصرف الإمام في إخراج مال الصدقة واحتمل أنه كان تمليكا بالشرط الأول ومن ثم نشا الاشكال والأول أظهر فلا يكون فيه إسقاط ولا أكل المرء من كفارة نفسه ولا انفاقه على من تلزمه نفقتهم من كفارة نفسه وأما ترجمة البخاري الباب الذي يليه باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج فليس فيه تصريح بما تضمنه حكم الترجمة وإنما أشار إلى الاحتمالين المذكورين باتيانه بصيغة الاستفهام والله أعلم واستدل به على جواز إعطاء الصدقة جميعها في صنف واحد وفيه نظر لأنه لم يتعين أن ذلك القدر هو جميع ما يجب على ذلك الرجل الذي احضر الثمر وعلى سقوط قضاء اليوم الذي أفسده المجامع اكتفاء بالكفارة إذ لم يقع التصريح في الصحيحين بقضائه وهو محكى في مذهب الشافعي وعن الأوزاعي يقضي أن كفر بغير الصوم وهو وجه للشافعية أيضا قال بن العربي إسقاط القضاء لا يشبه منصب الشافعي إذ لا كلام في القضاء لكونه أفسد العبادة وأما الكفارة فإنما هي لما اقترف من الإثم قال وأما كلام الأوزاعي فليس بشيء قلت وقد ورد الأمر بالقضاء في هذا الحديث في رواية أبي أويس وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهري أخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث عن عن الزهري وحديث إبراهيم بن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة وحديث الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها ووقعت الزيادة أيضا في مرسل سعيد بن المسيب ونافع بن جبير والحسن محمد بن كعب وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلا ويؤخذ من قوله صم يوما عدم اشتراط الفورية للتنكير في قوله يوما وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم السؤال عن حكم ما يفعله المرء مخالفا للشرع والتحدث بذلك لمصلحة معرفة الحكم واستعمال الكناية فيما يستقبح ظهوره بصريح لفظه لقوله واقعت أو أصبت على أنه قد ورد في بعض طرقه كما تقدم وطئت والذي يظهر أنه من تصرف الرواة وفيه الرفق بالمتعلم والتلطف في التعليم والتالف على الدين والندم على المعصية واستشعار الخوف وفيه الجلوس في المسجد لغير الصلاة من المصالح الدينية كنشر العلم وفيه جواز الضحك عن وجود سببه وإخبار الرجل بما يقع منه مع أهله للحاجة وفيه الحلف لتاكيد الكلام وقبول قول المكلف مما لا يطلع عليه الا من قبله لقوله في جواب قوله أفقر منا أطعمه أهلك ويحتمل أن يكون هناك قرينة لصدقه وفيه التعاون على العبادة والسعي في إخلاص المسلم واعطاء الواحد فوق حاجته الراهنة واعطاء الكفارة أهل بيت واحد وأن المضطر إلى ما بيده لا يجب ع
قوله باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج يعني أم لا ولا منافاة بين هذه الترجمة والتي قبلها لأن التي قبلها أذنت بان الاعسار بالكفارة لا يسقطها عن الذمة لقوله فيها إذا جامع ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر والثانية ترددت هل الماذون له بالتصرف فيه نفس الكفارة أم لا وعلى هذا يتنزل لفظ الترجمة

[ 1835 ] قوله عن منصور هو بن المعتمر قوله عن الزهري عن حميد كذا للأكثر من أصحاب منصور عنه وكذا رواه مؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن منصور وخالفه مهران بن أبي عمر فرواه عن الثوري بهذا الإسناد فقال عن سعيد بن المسيب بدل حميد بن عبد الرحمن أخرجه بن خزيمة وهو قول شاذ والمحفوظ الأول قوله ان الاخر بهمزة غير ممدودة بعدها خاء معجمة مكسورة تقدم في أوائل الباب الذي قبله وحكى بن القوطية فيه مد الهمزة قوله اتجد ما تحرر رقبة بالنصب على البدل من لفظ ما وهي مفعول بتجد ومثله قوله افتجد ما تطعم ستين مسكينا وقد تقدم باقي الكلام عليه مستوفى في الذي قبله وقد اعتنى به بعض المتأخرين ممن أدركه شيوخنا فتكلم عليه في مجلدين جمع فيهما ألف فائدة وفائدة ومحصله إن شاء الله تعالى فيما لخصته مع زيادات كثيرة عليه فلله الحمد على ما أنعم

قوله باب الحجامة وألقى للصائم أي هل يفسدان هما أو أحدهما الصوم أو لا قال الزين بن المنير جمع بين القىء والحجامة مع تغايرهما وعادته تفريق التراجم إذا نظمها خبر واحد فضلا عن خبرين وإنما صنع ذلك لاتحاد مأخذهما لأنهما إخراج والاخراج لا يقتضى الإفطار وقد أوما بن عباس إلى ذلك كما سيأتي البحث فيه ولم يذكر المصنف حكم ذلك لكن إيراده للاثار المذكورة يشعر بأنه يرى عدم الإفطار بهما ولذلك عقب حديث أفطر الحاجم والمحجوم بحديث أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وقد اختلف السف في المسالتين أما القىء فذهب الجمهور إلى التفرقة بين من سبقه فلا يفطر وبين من تعمده فيفطر ونقل بن المنذر الإجماع على بطلان الصوم بتعمد القىء لكن نقل بن بطال عن بن عباس وابن مسعود لا يفطر مطلقا وهي إحدى الروايتين عن مالك واستدل الأبهري بإسقاط القضاء عمن تقيا عمدا بأنه لا كفارة عليه على الأصح عندهم قال فلو وجب القضاء لوجبت الكفارة وعكس بعضهم فقال هذا يدل على اختصاص الكفارة بالجماع دون غيره من المفطرات وارتكب عطاء والأوزاعي وأبو ثور فقالوا يقضي ويكفر ونقل بن المنذر أيضا بالإجماع على ترك القضاء على من ذرعه القىء ولم يتعمده الا في إحدى الروايتين عن الحسن وأما الحجامة فالجمهور أيضا على عدم الفطر بها مطلقا وعن على وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور يفطر الحاجم والمحجوم واوجبوا عليهما القضاء وشذ عطاء فاوجب الكفارة أيضا وقال يقول أحمد من الشافعية بن خزيمة وابن المنذر وأبو الوليد النيسابوري وابن حبان ونقل الترمذي عن الزعفراني أن الشافعي علق القول على صحة الحديث وبذلك قال الداودي من المالكية وحجة الفريقين قد ذكرها المصنف في هذا الباب وسنذكر البحث في ذلك في آخر الباب إن شاء الله تعالى قوله وقال لي يحيى بن صالح هكذا وقع في جميع النسخ من الصحيح وعادة البخاري الإتيان بهذه الصيغة في الموقوفات إذا أسندها وقوله في الإسناد حدثنا يحيى هو بن أبي كثير قوله إذا قاء فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج كذا للأكثر وللكشميهني أنه يخرج ولا يولج قال بن المنير في الحاشية يؤحذ من هذا الحديث أن الصحابة كانوا يؤولون الظاهر بالأقيسة من حيث الجملة ونقض غيره هذا الحصر بالمنى فإنه إنما يخرج وهو موجب للقضاء والكفارة قوله ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر والأول أصح كأنه يشير بذلك إلى ما رواه هو في التاريخ الكبير قال قال لي مسدد عن عيسى بن يونس حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رفعه قال من ذرعه القىء وهو صائم فليس عليه القضاء وأن استقاء فليقض قال البخاري لم يصح وإنما يروي عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وعبد الله ضعيف جدا ورواه الدارمي من طريق عيسى بن يونس ونقل عن عيسى أنه قال زعم أهل البصري أن هشاما وهم فيه وقال أبو داود سمعت أحمد يقول ليس من ذا شيء ورواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم من طريق عيسى بن يونس به وقال الترمذي غريب لا نعرفه الا من رواية عيسى بن يونس عن هشام وسألت محمدا عنه فقال لا أراه محفوظا انتهى وقد أخرجه بن ماجة والحاكم من طريق حفص أبي غياث أيضا عن هشام قال وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ولا يصح إسناده ولكن العمل عليه عند أهل العلم قلت ويمكن الجمع بين قول أبي هريرة وإذا قاء لا يفطر وبين قوله أنه يفطر مما فصل في حديث هذا المرفوع فيحتمل قوله قاء أنه تعمد القىء واستدعى به وبهذا أيضا يتاول قوله في حديث أبي الدرداء الذي أخرجه أصحاب السنن مصححا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر أي استقاء عمدا وهو أولي من تأويل من أوله بان المعنى قاء فضعف فافطر والله أعلم حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم وقال الطحاوي ليس في الحديث أن القىء فطره وإنما فيه أنه قاء فأفطر بعد ذلك وتعقبه بن المنير بان الحكم إذا عقب بالفاء دل على أنه العلة كقولهم سها فسجد قوله وقال بن عباس وعكرمة الصوم مما دخل وليس مما خرج أما قول بن عباس فوصله بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن بن عباس في الحجامة للصائم قال الفطر مما دخل وليس مما خرج والوضوء مما خرج وليس مما دخل وروى من طريق إبراهيم النخعي أنه سئل عن ذلك فقال قال عبد الله يعني بن مسعود فذكر مثله وإبراهيم لم يلق بن مسعود وإنما أخذ عن كبار أصحابه وأما قول عكرمة فوصله بن أبي شيبة عن هشيم عن حصين عن عكرمة مثله قوله وكان بن عمر يحتجم وهو صائم ثم تركه فكان يحتجم بالليل وصله مالك في الموطأ عن نافع عن بن عمر أنه احتجم وهو صائم ثم ترك ذلك وكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر ورويناه في نسخة أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس عن الزهري كان بن عمر يحتجم وهو صائم في رمضان وغيره ثم تركه لأجل الضعف هكذا وجدته منقطعا ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه وكان بن عمر كثير الاحتياط فكأنه ترك الحجامة نهارا لذلك قوله واحتجم أبو موسى ليلا وصله بن أبي شيبة من طريق حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي العالية قال دخلت على أبي موسى وهو أمير البصرة ممسيا فوجدته يأكل تمرا وكامخا وقد احتجم فقلت له الا تحتجم نهارا قال اتامرنى أن أهريق دمى وأنا صائم ورواه النسائي والحاكم من طريق مطر الوراق عن بكر أن أبا رافع قال دخلت على أبي موسى وهو يحتجم ليلا فقلت الا كان هذا نهارا فقال اتامرنى أن أهريق دمى وأنا صائم وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفطر الحاجم والمحجوم قال الحاكم سمعت أبا على النيسابوري يقول قلت لعبدان الأهوازي يصح في أفطر الحاجم والمحجوم شيء قال سمعت عباسا العنبري يقول سمعت على بن المديني يقول قد صح حديث أبي رافع عن أبي موسى قلت الا أن مطرا خولف في رفعه فالله أعلم قوله ويذكر عن سعد وزيد بن أرقم وأم سلمة إنهم احتجموا صياما هكذا أخرجه بصيغة التمريض والسبب في ذلك يظهر بالتخريج فأما أثر سعد وهو بن أبي وقاص فوصله مالك في الموطأ عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان وهذا منقطع عن سعد لكن ذكره بن عبد البر من وجه آخر عن عامر بن سعد عن أبيه وأما أثر زيد بن أرقم فوصله عبد الرزاق عن الثوري عن يونس بن عبد الله الجرمي عن دينار قال حجمت زيد بن أرقم وهو صائم ودينار هو الحجام مولى جرم بفتح الجيم لا يعرف الا في هذا الأثر وقال أبو الفتح الأزدي لا يصح حديثه وأما أثر أم سلمة فوصله بن أبي شيبة من طريق الثوري أيضا عن فرات عن مولى أم سلمة أنه رأى أم سلمة تحتجم وهي صائمة وفرات هو بن عبد الرحمن ثقة لكن مولى أم سلمة مجهول الحال قال بن المنذر وممن رخص في الحجامة للصائم أنس وأبو سعيد والحسين بن على وغيرهم من الصحابة والتابعين ثم ساق ذلك بأسانيده قوله وقال بكير عن أم علقمة كنا نحتجم عند عائشة فلا ننهى أما بكير فهو بن عبد الله بن الأشج وأما أم علقمة فاسمها مرجانة وقد وصله البخاري في تاريخه من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أم علقمة قالت كنا نحتجم عند عائشة ونحن صيام وبنو أخي عائشة فلا تنهاهم قوله ويروي عن الحسن عن غير واحد مرفوعا أفطر الحاجم والمحجوم وصله النسائي من طرق عن أبي حرة عن الحسن به وقال على بن المديني روى يونس عن الحسن حديث أفطر الحاجم والمحجوم عن أبي هريرة ورواه قتادة عن الحسن عن ثوبان ورواه عطاء بن السائب عن الحسن عن معقل بن يسار ورواه مطر عن الحسن عن على ورواه أشعث عن الحسن عن أسامة زاد الدارقطني في العلل أنه اختلف على عطاء بن السائب في الصحابي فقيل معقل بن يسار المزني وقيل معقل بن سنان الأشجعي وروى عن عاصم عن الحسن عن معقل بن يسار أيضا وقيل عن مطر عن الحسن عن معاذ واختلف على قتادة عن الحسن في الصحابي فقيل أيضا على وقيل أبو هريرة قلت واختلف على يونس أيضا كما ساذكره قال وقال أبو حرة عن الحسن عن غير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإن كان حفظه صحت الأقوال كلها قلت لم ينفرد به أبو حرة كما سابينه قوله وقال لي عياش بتحتانية ومعجمة وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى قوله حدثنا يونس هو بن عبيد عن الحسن مثله أي أفطر الحاجم والمحجوم قوله قيل له عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ثم قال الله اعلم وهذا متابع لأبي حرة عن الحسن وقد أخرجه البخاري في تاريخه والبيهقي أيضا من طريقه قال حدثني عياش فذكره رواه عن بن المديني في العلل والبيهقي أيضا من طريقه قال حدثنا المعتمر هو بن سليمان التيمي عن أبيه عن الحسن عن غير واحد به ورواية يونس عن الحسن عن أبي هريرة عند النسائي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن يونس أخرجه من طريق بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن قوله وذكره الدارقطني من طريق عبيد الله بن تمام عن يونس عن الحسن عن أسامة والاختلاف على الحسن في هذا الحديث واضح لكن نقل الترمذي في العلل الكبير عن البخاري أنه قال يحتمل أن يكون سمعه عن غير واحد وكذا قال الدارقطني في العلل أن كان قول الحسن عن غير واحد من الصحابة محفوظا صحت الأقوال كلها قلت يريد بذلك انتفاء الاضطراب وإلا فالحسن لم يسمع من أكثر المذكورين ثم الظاهر من السياق أن الحسن كان يشك في رفعه وكأنه حصل له بعد الجزم تردد وحمل الكرماني جزمه على وثوقه بخبر من أخبره به وتردده لكونه خبر واحد فلا يفيد اليقين وهو حمل في غاية البعد ونقل الترمذي أيضا عن البخاري أنه قال ليس في هذا الباب أصح من حديث شداد وثوبان قلت فكيف بما فيهما من الاختلاف يعني عن أبي قلابة قال كلاهما عندي صحيح لأن يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان وعن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد روى الحديثين جميعا يعني فانتفى الاضطراب وتعين الجمع بذلك وكذا قال عثمان الدارمي صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم من طريق ثوبان وشداد قال وسمعت أحمد يذكر ذلك وقال المروزي قلت لأحمد أن يحيى بن معين قال ليس فيه شيء يثبت فقال هذا مجازفة وقال بن خزيمة صح الحديثان جميعا وكذا قال بن حبان والحاكم وأطنب النسائي في تخريج هذا المتن وبيان الاختلاف فيه فأجاد وأفاد وقال أحمد أصح شيء في باب أفطر الحاجم والمحجوم حديث رافع بن خديج قلت يريد ما أخرجه هو والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع لكن عارض أحمد يحيى بن معين في هذا فقال حديث رافع اضعفها وقال البخاري هو غير محفوظ وقال بن أبي حاتم عن أبيه هو عندي باطل وقال الترمذي سألت إسحاق بن منصور عنه فأبى أن يحدثني به عن عبد الرزاق وقال هو غلط قلت ما علته قال روى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد حديث مهر البغي خبيث وروى عن يحيى عن أبي قلابة أن أبا أسماء حدثه أن ثوبان أخبره به فهذا هو المحفوظ عن يحيى فكأنه دخل لمعمر حديث في حديث والله أعلم وقال الشافعي في اختلاف الحديث بعد أن أخرج حديث شداد ولفظه كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان الفتح فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان فقال وهو أخذ بيدي أفطر الحاجم والمحجوم ثم ساق حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم قال وحديث بن عباس امثلهما إسنادا فإن توقى أحد الحجامة كان أحب إلى احتياطا والقياس مع حديث بن عباس والذي أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم أنه لا يفطر أحد بالحجامة قلت وكان هذا هو السر في إيراد البخاري لحديث بن عباس عقب حديث أفطر الحاجم والمحجوم وحكى الترمذي عن الزعفراني أن الشافعي علق القول بان الحجامة تفطر على صحة الحديث قال الترمذي كان الشافعي يقول ذلك ببغداد وأما بمصر فمال إلى الرخصة والله أعلم وأول بعضهم حديث أفطر الحاجم والمحجوم أن المراد به إنهما سيفطران كقوله تعالى أني أراني أعصر خمرا اى ما يؤول إليه ولا يخفى تكلف هذا التأويل ويقربه ما قال البغوي في شرح السنة معنى قوله أفطر الحاجم والمحجوم أي تعرضا للافطار أما الحاجم فلانة لا يأمن وصول شيء من الدم إلى جوفه عند المص وأما المحجوم فلانة لا يأمن ضعف قوته بخروج الدم فيؤول أمره إلى أن يفطر وقيل معنى افطرا فعلا مكروها وهو الحجامة فصارا كأنهما غير متلبسين بالعبادة وسأذكر بقية كلامهم في الحديث الذي يليه

[ 1836 ] قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم وأحتجم وهو صائم هكذا أخرجه من طريق وهيب عن عكرمة عن بن عباس وتابعه عبد الوارث عن أيوب موصولا كما سيأتي في الطب ورواه بن عليه ومعمر عن أيوب عن عكرمة مرسلا واختلف على حماد بن زيد في وصله وارساله وقد بين ذلك النسائي وقال مهنا سألت أحمد عن هذا الحديث فقال ليس فيه صائم إنما هو وهو محرم ثم ساقه من طريق عن بن عباس لكن ليس فيها طريق أيوب هذه والحديث صحيح لامرية فيه قال بن عبد البر وغيره فيه دليل على أن حديث أفطر الحاجم والمحجوم منسوخ لأنه جاء في بعض طرقه أن ذلك كان في حجة الوداع وسبق إلى ذلك الشافعي واعترض بن خزيمة بان في هذا الحديث أنه كان صائما محرما قال ولم يكن قط محرما مقيما ببلده إنما كان محرما وهو مسافر والمسافر أن كان ناويا الصوم فمضى عليه بعض النهار وهو صائم ابيح له الأكل والشرب على الصحيح فإذا جاز له ذلك جاز له أن يحتجم وهو مسافر قال فليس في خبر بن عباس ما يدل على إفطار المحجوم فضلا عن الحاجم اه وتعقب بان الحديث ما ورد هكذا الا لفائدة فالظاهر أنه وجدت منه الحجامة وهو صائم لم يتحلل من صومه واستمر وقال بن خزيمة أيضا جاء بعضهم بأعجوبة فزعم أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال أفطر الحاجم والمحجوم لأنهما كانا يغتابان قال فإذا قيل له فالغيبة تفطر الصائم قال لا قال فعلى هذا لا يخرج من مخالفة الحديث بلا شبهة انتهى وقد أخرج الحديث المشار إليه الطحاوي وعثمان الدارمي والبيهقي في المعرفة وغيرهم من طريق يزيد بن أبي ربيعة عن أبي الأشعث عن ثوبان ومنهم من أرسله ويزيد بن ربيعة متروك وحكم على بن المديني بأنه حديث باطل وقال بن حزم صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب لكن وجدنا من حديث بن سعيد ارخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجما أو محجوما انتهى والحديث المذكور أخرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني ورجاله ثقات ولكن اختلف في رفعه ووقفه وله شاهد من حديث أنس أخرجه الدارقطني ولفظه أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أفطر هذان ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم ورواته كلهم من رجال البخاري الا أن في المتن ما ينكر لأن فيه أن ذلك كان في الفتح وجعفر كان قتل قبل ذلك ومن أحسن ما ورد في ذلك ما رواه عبد الرزاق وأبو داود من طريق عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهى النبي عن الحجامة للصائم وعن المواصلة ولم يحرمها إبقاء على أصحابه إسناده صحيح والجهالة بالصحابى لا تضر وقوله إبقاء على أصحابه يتعلق بقوله نهى وقد رواه بن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري بإسناده هذا ولفظه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم وكرهها للضعيف أي لئلا يضعف

[ 1838 ] قوله سمعت ثابتا البناني قال سئل أنس بن مالك كذا في أكثر أصول البخاري سئل بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية أبي الوقت سأل أنسا وهذا غلط فإن شعبة ما حضر سؤال ثابت لأنس وقد سقط منه رجل بين شعبة وثابت فرواه الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق جعفر بن محمد القلانسي وأبي قرصافة محمد بن عبد الوهاب وإبراهيم بن الحسين بن دريد كلهم عن آدم بن أبي إياس شيخ البخاري فيه فقال عن شعبة عن حميد قال سمعت ثابتا وهو يسأل أنس بن مالك فذكر الحديث وأشار الإسماعيلي والبيهقي إلى أن الرواية التي وقعت للبخاري خطا وأنه سقط منه حميد قال الإسماعيلي وكذلك رواه على بن سهل عن أبي النضر عن شعبة عن حميد قوله وزاد شبابة حدثنا شعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم هذا يشعر بان رواية شبابة موافقة لرواية آدم في الإسناد والمتن الا أن شبابة زاد فيه ما يؤكد رفعه وقد أخرج بن منده في غرائب شعبة طريق شبابة فقال حدثنا محمد بن أحمد بن حاتم حدثنا عبد الله بن روح حدثنا شبابة حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد وبه عن شبابة عن شعبة عن حميد عن أنس نحوه وهذا يؤكد صحة ما اعترض به الإسماعيلي ومن تبعه ويشعر بان الخلل فيه من غير البخاري إذ لو كان إسناد شبابة عنده مخالفا لاسناد آدم لبينه وهو واضح لاخفاء به والله أعلم بالصواب

قوله باب الصوم في السفر والافطار أي إباحة ذلك وتخيير المكلف فيه سواء كان رمضان أو غيره وسأذكر بيان الاختلاف في ذلك بعد باب وذكر المؤلف في الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب وموضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب في جواب طلبه لما يشير به فهو ظاهر في أنه كان صلى الله عليه وسلم صائما وقد ذكره في باب متى يحل فطر الصائم وفي غيره بلفظ صريح في ذلك حيث قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم

[ 1839 ] قوله الشمس يا رسول الله بالرفع ويجوز النصب وتوجيهها ظاهر قوله تابعه جرير وأبو بكر بن عياش عن الشيباني يعني تابعا سفيان وهو بن عيينة والشيباني هو أبو إسحاق شيخهم فيه ومتابعة جرير وصلها المؤلف في الطلاق ومتابعة أبي بكر ستأتى موصولة بعد قليل في باب تعجيل الإفطار وتابعهم غير من ذكر كما سيأتي ولفظهم متقارب والمراد المتابعة في أصل الحديث

[ 1840 ] قوله حدثنا يحيى هو القطان وهشام هو بن عروة قوله ان حمزة بن عمرو الأسلمي هكذا رواه الحفاظ عن هشام وقال عبد الرحيم بن سليمان عند النسائي والدراوردي عند الطبراني ويحيى بن عبد الله بن سالم عند الدارقطني ثلاثتهم عن هشام عن أبيه عن عائشة عن حمزة بن عمرو وجعلوه من مسند حمزة والمحفوظ أنه من مسند عائشة ويحتمل أن يكون هؤلاء لم يقصدوا بقولهم عن حمزة الرواية عنه وإنما أرادوا الأخبار عن حكايته فالتقدير عن عائشة عن قصة حمزة أنه سأل لكن قد صح مجيء الحديث من رواية حمزة فأخرجه مسلم من طريق أبي الأسود عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة وكذلك رواه محمد بن إبراهيم التيمي عن عروة لكنه اسقط أبا مراوح والصواب إثباته وهو محمول على أن لعروة فيه طريقين سمعه من عائشة وسمعه من أبي مراوح عن حمزة قوله اسرد الصوم أي اتابعه واستدل به على أن لا كراهية في صيام الدهر ولا دلالة فيه لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر فإن ثبت النهى عن صوم الدهر لم يعارضه هذا الإذن بالسرد بل الجمع بينهما واضح

[ 1841 ] قوله أأصوم في السفر الخ قال بن دقيق العيد ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان فلا يكون فيه حجة على من منع صيام رمضان في السفر قلت وهو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب لكن في رواية أبي مراوح التي ذكرتها عند مسلم أنه قال يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل على جناح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة وذلك أن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال يا رسول الله أني صاحب ظهر أعالجه اسافر عليه وأكريه وأنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون على من أن اؤخره فيكون دينا على فقال أي ذلك شئت يا حمزة

قوله باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر أي هل يباح له الفطر في السفر أو لا وكأنه أشار إلى تضعيف ما روى عن على وإلى رد ما روى عن غيره في ذلك قال بن المنذر روى على بإسناد ضعيف وقال به عبيدة بن عمرو وأبو مجلز وغيرهما ونقله النووي عن أبي مجلز وحده ووقع في بعض الشروح أبو عبيدة وهو وهم قالوا أن من استهل عليه رمضان في الحضر ثم سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال وقال أكثر أهل العلم لا فرق بينه وبين من استهل رمضان في السفر ثم ساق بن المنذر بإسناد صحيح عن بن عمر قال قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه نسخها قوله تعالى ومن كان مريضا أو على سفر الآية ثم احتج للجمهور بحديث بن عباس المذكور في هذا الباب

[ 1842 ] قوله خرج إلى مكة كان ذلك في غزوة الفتح كما سيأتي قوله فلما بلغ الكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة مكان معروف وقع تفسيره في نفس الحديث بأنه بين عسفان وقديد يعني بضم القاف على التصغير ووقع في رواية المستملى وحده نسبة هذا التفسير للبخاري لكن سيأتي في المغازي موصولا من وجه آخر في نفس الحديث وسيأتي قريبا عن بن عباس من وجه آخر حتى بلغ عسفان بدل الكديد وفيه مجاز القريب لأن الكديد أقرب إلى المدينة من عسفان وبين الكديد ومكة مرحلتان قال البكري هو بين امج بفتحتين وجيم وعسفان وهو ماء عليه نخل كثير ووقع عند مسلم في حديث جابر فلما بلغ كراع الغميم هو بضم الكاف والغميم بفتح المعجمة وهو اسم واد إمام عسفان قال عياض اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر صلى الله عليه وسلم فيه والكل في قصة واحدة وكلها متقاربة والجميع من عمل عسفان اه وسيأتي في المغازي من طريق معمر عن الزهري سياق هذا الحديث أوضح من رواية مالك ولفظ رواية معمر خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف من المسلمين وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة فسار ومن معه من المسلمين يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطروا قال الزهري وإنما يؤخذ بالآخرة فالآخرة من أمره صلى الله عليه وسلم وهذه الزيادة التي في آخره من قول الزهري وقعت مدرجة عند مسلم من طريق الليث عن الزهري ولفظه حتى بلغ الكديد أفطر قال وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره وأخرجه من طريق سفيان عن الزهري قال مثله قال سفيان لا أدري من قول من هو ثم أخرجه من طريق معمر ومن طريق يونس كلاهما عن الزهري وبينا أنه من قول الزهري وبذلك جزم البخاري في الجهاد وظاهره أن الزهري ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ ولم يوافق على ذلك كما سيأتي قريبا وأخرج البخاري في المغازي أيضا من طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن بن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان والناس صائم ومفطر فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته ثم نظر الناس زاد في رواية أخرى من طريق طاوس عن بن عباس ثم دعا بماء فشرب نهارا ليراه الناس وأخرجه الطحاوي من طريق أبي الأسود عن عكرمة أوضح من سياق خالد ولفظه فلما بلغ الكديد بلغه أن الناس يشق عليهم الصيام فدعا بقدح من لبن فامسكه بيده حتى رآه الناس وهو على راحلته ثم شرب فأفطر فناوله رجل إلى جنبه فشرب ولمسلم من طريق الدراوردي عن جعفر بن محمد بن على عن أبيه عن جابر في هذا الحديث فقيل له أن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر وله من وجه آخر عن جعفر ثم شرب فقيل له بعد ذلك أن بعض الناس قد صام فقال أولئك العصاة واستدل بهذا الحديث على تحتم الفطر في السفر ولا دلالة فيه كما سيأتي واستدل به على أن للمسافر أن يفطر في اثناء النهار ولو استهل رمضان في الحضر والحديث نص في الجواز إذ لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم استهل رمضان في عام غزوة الفتح وهو بالمدينة ثم سافر في اثنائه ووقع في رواية بن إسحاق في المغازي عن الزهري في حديث الباب أنه خرج لعشر مضين من رمضان ووقع في مسلم من حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج في عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه واستدل به على أن للمرء أن يفطر ولو نوى الصيام من الليل واصبح صائما فله أن يفطر في اثناء النهار وهو قول الجمهور وقطع به أكثر الشافعية وفي وجه ليس له أن يفطر وكان مستند قائله ما وقع في البويطي من تعليق القول به على صحة حديث بن عباس هذا وهذا كله فيما لو نوى الصوم في السفر فأما لو نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر في اثناء النهار فهل له أن يفطر في ذلك النهار منعه الجمهور وقال أحمد وإسحاق بالجواز واختاره المزني محتجا بهذا الحديث فقيل له قال كذلك ظنا منه أنه صلى الله عليه وسلم أفطر في اليوم الذي خرج فه من المدينة وليس كذلك فإن بين المدينة والكديد عدة أيام وقد وقع في البويطي مثل ما وقع عند المزني فسلم المزني وأبلغ من ذلك ما رواه بن أبي شيبة والبيهقي عن أنس أنه كان إذا أراد السفر يفطر في الحضر قبل أن يركب ثم لا فرق عند المجيزين في الفطر بكل مفطر وفرق أحمد في المشهور عنه بين الفطر بالجماع وغيره فمنعه من الجماع قال فلو جامع فعليه الكفارة الا أن أفطر بغير الجماع قبل الجماع واعترض بعض المانعين في أصل المسألة فقال ليس في الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم نوى الصيام في ليلة اليوم الذي أفطر فيه فيحتمل أن يكون نوى أن يصبح مفطرا ثم أظهر الإفطار ليفطر الناس لكن سياق الأحاديث ظاهر في أنه كان أصبح صائما ثم أفطر وقد روى بن خزيمة وغيره من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران فأتى بطعام فقال لأبي بكر وعمر أدنو فكلا فقالا أنا صائمان فقال اعملوا لصاحبيكم ارحلوا لصاحبيكم أدنو فكلا قال بن خزيمة فيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضى بعض النهار تنبيه قال القابسي هذا الحديث من مرسلات الصحابة لأن بن عباس كان في هذه السفرة مقيما مع أبويه بمكة فلم يشاهد هذه القصة فكأنه سمعها من غيره من الصحابة

قوله باب كذا للأكثر بغير ترجمة وسقط من رواية النسفي وعلى الحالين لا بد أن يكون لحديث أبي الدرداء المذكور فيه تعليق بالترجمة ووجهه ما وقع من إفطار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في السفر بمحضر منه ولم ينكر عليهم فدل على الجواز وعلى رد قول من قال من سافر في شهر رمضان أمتنع عليه الفطر

[ 1843 ] قوله عن أم الدرداء في رواية أبي داود من طريق سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله وهو بن أبي المهاجر الدمشقي حدثتني أم الدرداء والإسناد كله شاميون سوى شيخ البخاري وقد دخل الشام وأم الدرداء هي الصغرى التابعية قوله خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في رواية مسلم من طريق سعيد بن عبد العزيز أيضا خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد الحديث وبهذه الزيادة يتم المراد من الاستدلال ويتوجه الرد بها على أبي محمد بن حزم في زعمه أن حديث أبي الدرداء هذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا وقد كنت ظننت أن هذه السفرة غزوة الفتح لما رأيت في الموطأ من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن رجل من الصحابة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج في الحر وهو يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش ومن الحر فلما بلغ الكديد أفطر فإنه يدل على أن غزاة الفتح كانت في أيام شدة الحر وقد اتفقت الروايتان على أن كلا من السفرتين كان في رمضان لكننى رجعت عن ذلك وعرفت أنه ليس بصواب لأن عبد الله بن رواحة استشهد بمؤتة قبل غزوة الفتح بلا خلاف وأن كانتا جميعا في سنة واحدة وقد استثناه أبو الدرداء في هذه السفرة مع النبي صلى الله عليه وسلم فصح أنها كانت سفرة أخرى وأيضا فإن في سياق أحاديث غزوة الفتح أن الذين استمروا من الصحابة صياما كانوا جماعة وفي هذا أنه عبد الله بن رواحة وحده وأخرج الترمذي من حديث عمر غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان يوم بدر ويوم الفتح الحديث ولا يصح حمله أيضا على بدر لأن أبا الدرداء لم يكن حينئذ أسلم وفي الحديث دليل على أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوي عليه ولم يصبه منه مشقة شديدة

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصيام في السفر أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر ما ذكر من المشقة وأن من روى الحديث مجردا فقد اختصر القصة وبما أشار إليه من اعتبار شدة المشقة يجمع بين حديث الباب والذي قبله فالحاصل أن الصوم لمن قوي عليه أفضل من الفطر والفطر لمن شق عليه الصوم أو اعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم وأن من لم يتحقق المشقة يخير بين الصوم والفطر وقد اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة لا يجزئ الصوم في السفر عن الفرض بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر قوله تعالى فعدة من أيام اخر ولقوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر ومقابلة البر الإثم وإذا كان إثما بصومه لم يجزئه وهذا قول بعض أهل الظاهر وحكى عن عمر وابن عمر وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم واحتجوا بقوله تعالى فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر قالوا ظاهره فعليه عدة أو فالواجب عدة وتاوله الجمهور بان التقدير فافطر فعدة ومقابل هذا القول من قال أن الصوم في السفر لا يجوز الا لمن خاف على نفسه الهلاك أو المشقة الشديدة حكاه الطبري عن قوم وذهب أكثر العلماء ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه وقال كثير منهم الفطر أفضل عملا بالرخصة وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق وقال آخرون هو مخير مطلقا وقال آخرون أفضلهما ايسرهما لقوله تعالى يريد الله بكم اليسر فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه وأن كان الصيام أيسر كمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل وهو قول عمر بن عبد العزيز واختاره بن المنذر والذي يترجح قول الجمهور ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن أشتد عليه الصوم وتضرر به وكذلك من ظن به الأعراض عن قبول الرخصة كما تقدم في المسح على الخفين وسيأتي نظيره في تعجيل الإفطار وقد روى أحمد من طريق أبي طعمة قال قال رجل لابن عمر أني أقوى على الصوم في السفر فقال له بن عمر من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة وهذا محمول على من رغب عن الرخصة لقوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس مني وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر فقد يكون الفطر أفضل له وقد أشار إلى ذلك بن عمر فروى الطبري من طريق مجاهد قال إذا سافرت فلا تصم فإنك أن تصم قال أصحابك اكفوا الصائم ارفعوا للصائم وقاموا بأمرك وقالوا فلان صائم فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك ومن طريق مجاهد أيضا عن جنادة بن أمية عن أبي ذر نحو ذلك وسيأتي في الجهاد من طريق مؤرق عن أنس نحو هذا مرفوعا حيث قال صلى الله عليه وسلم للمفطرين حيث خدموا الصيام ذهب المفطرون اليوم بالأجر واحتج من منع الصوم أيضا بما وقع في الحديث الماضي أن ذلك كان آخر الامرين وأن الصحابة كانوا يأخذون بالاخر فالآخر من فعله وزعموا أن صومه صلى الله عليه وسلم في السفر منسوخ وتعقب أولا بما تقدم من أن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهري وبأنه استند إلى ظاهر الخبر من أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بعد أن صام ونسب من صام إلى العصيان ولا حجة في شيء من ذلك لأن مسلما أخرج من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم صام بعد هذه القصة في السفر ولفظه سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام فنزلنا منزلا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم مصبحو عدوكم فالفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزيمة فافطرنا ثم لقد رايتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر وهذا الحديث نص في المسألة ومنه يؤخذ الجواب عن نسبته صلى الله عليه وسلم الصائمين إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا وهو شاهد لما قلناه من أن الفطر أفضل لمن شق عليه الصوم ويتأكد ذلك إذا كان يحتاج إلى الفطر للتقوى به على لقاء العدو وروى الطبري في تهذيبه من طريق خيثمة سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر فقال لقد أمرت غلامي أن يصوم قال فقلت له فأين هذه الآية فعدة من أيام اخر فقال أنها نزلت ونحن نرتحل جياعا وننزل على غير شبع وأما اليوم فنرتحل شباعا وننزل على شبع فأشار أنس إلى الصفة التي يكون فيها الفطر أفضل من الصوم وأما الحديث المشهور الصائم في السفر كالمفطر في الحضر فقد أخرجه بن ماجة مرفوعا من حديث بن عمر بسند ضعيف وأخرجه الطبري من طريق أبي سلمة عن عائشة مرفوعا أيضا وفيه بن لهيعة وهو ضعيف ورواه الأثرم من طريق أبي سلمة عن أبيه مرفوعا والمحفوظ عن أبي سلمة عن أبيه موقوفا كذلك أخرجه النسائي وابن المنذر مع وقفه فهو منقطع لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه وعلى تقدير صحته فهو محمول على ما تقدم أولا حيث يكون الفطر أولى من الصوم والله أعلم وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر فسلك المجيزون فيه طرقا فقال بعضهم قد خرج على سبب فيقصر عليه وعلى من كان في مثل حاله وإلى هذا جنح البخاري في ترجمته ولذا قال الطبري بعد أن ساق نحو حديث الباب من رواية كعب بن عاصم الأشعري ولفظه سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في حر شديد فإذا رجل من القوم تحت ظل شجرة وهو مضطجع كضجعة الوجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لصاحبكم أي وجع به فقالوا ليس به وجع ولكنه صائم وقد أشتد عليه الحر فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ليس البر أن تصوموا في السفر عليكم برخصة الله التي رخص لكم فكان قوله صلى الله عليه وسلم ذلك لمن كان في مثل ذلك الحال قال بن دقيق العيد أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب فينزل قوله ليس من البر الصوم في السفر على مثل هذه الحالة قال والمانعون في السفر يقولون أن اللفظ عام والعبرة بعمومه لا بخصوص السبب قال وينبغى أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم وبين مجرد ورود العام على سبب فإن بين العامين فرقا واضحا ومن أجراهما مجرى واحد لم يصب فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضى التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة لبيان المجملات وتعيين المحتملات كما في حديث الباب وقال بن المنير في الحاشية هذه القصة تشعر بان من اتفق له مثل ما اتفق لذلك الرجل أنه يساويه في الحكم وأما من سلم من ذلك ونحوه وهو في جواز الصوم على أصله والله أعلم وحمل الشافعي نفى البر المذكور في الحديث على من أبى قبول الرخصة فقال معنى قوله ليس من البر أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة وقد ارخص الله تعالى له أن يفطر وهو صحيح قال ويحتمل أن يكون معنان ليس من البر المفروض الذي من خالفه إثم وجزم بن خزيمة وغيره بالمعنى الأول وقال الطحاوي المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى مراتب البر وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون برا لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوى على لقاء العدو مثلا قال وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف الحديث فإنه لم يرد إخراجه من أسباب المسكنة كلها وإنما أراد أن المسكين الكامل المسكنة الذي لا يجد غنى يغنيه ويستحي أن يسأل ولا يفطن له

[ 1844 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عند مسلم من طريق غندر عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن يعني بن سعد ولأبي داود عن أبي الوليد عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن يعني بن سعد بن زرارة قوله سمعت محمد بن عمرو الخ ادخل محمد بن عبد الرحمن بن سعد بينه وبين جابر محمد بن عمرو بن الحسن في رواية شعبة عنه واختلف في حديثه على يحيى بن أبي كثير فأخرجه النسائي من طريق شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن حدثني جابر بن عبد الله فذكره قال النسائي هذا خطا ثم ساقه من طريق الفريابي عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن حدثني من سمع جابرا ومن طريق على بن المبارك عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن رجل عن جابر ثم قال ذكر تسمية هذا الرجل المبهم فساق طريق شعبة ثم قال هذا هو الصحيح يعني إدخال رجل بين محمد بن عبد الرحمن وجابر وتعقبه المزي فقال ظن النسائي أن محمد بن عبد الرحمن شيخ شعبة في هذا الحديث هو محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى بن أبي كثير فيه وليس كذلك لأن شيخ يحيى هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وشيخ شعبة هو بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة اه والذي يترجح في نظرى أن الصواب مع النسائي لأن مسلما لما روى الحديث من طريق أبي داود عن شعبة قال في آخره قال شعبة كان بلغني هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الإسناد في هذا الحديث عليكم برخصة الله التي رخص لكم فلما سألته لم يحفظه اه والضمير في سألت يرجع إلى محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى لأن شعبة لم يلق يحيى فدل على أن شعبة أخبر أنه كان يبلغه عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو عن جابر في هذا الحديث زيادة ولأنه لما لقي محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى سأله عنها فلم يحفظها وأما ما وقع في رواية الأوزاعي عن يحيى أنه نسب محمد بن عبد الرحمن فقال فيه بن ثوبان فهو الذي اعتمده المزي لكن جزم أبو حاتم كما نقله عنه ابنه في العلل بان من قال فيه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان فقد وهم وإنما هو بن عبد الرحمن بن سعد اه وقد اختلف فيه مع ذلك على الأوزاعي وجل الرواة عن يحيى بن أبي كثير لم يزيدوا على محمد بن عبد الرحمن لا يذكرون جده ولا جد جده والله أعلم قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تبين من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أنها عزوة الفتح ولابن خزيمة من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فذكر نحوه قوله ورجلا قل ظلل عليه في رواية حماد المذكورة فشق على رجل الصوم فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجرة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأمره أن يفطر الحديث ولم اقف على اسم هذا الرجل ولولا ما قدمته من أن عبد الله بن رواحة استشهد قبل غزوة الفتح لامكن أن يفسر به لقول أبي الدرداء أنه لم يكن من الصحابة في تلك السفرة صائما غيره وزعم مغلطاي أنه أبو إسرائيل وعزا ذلك لمبهمات الخطيب ولم يقل الخطيب ذلك في هذه القصة وانما أورد حديث مالك عن حميد بن قيس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقالوا نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ولا يجلس ويصوم الحديث ثم قال هذا الرجل هو أبو إسرائيل القرشي العامري ثم ساق بإسناده إلى أيوب عن عكرمة عن بن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فنظر إلى رجل من قريش يقال له أبو إسرائيل فقالوا نذر أن يصوم ويقوم في الشمس الحديث فلم يزد الخطيب على هذا وبين القصتين مغايرات ظاهرة اظهرها أنه كان في الحضر في المسجد وصاحب القصة في حديث جابر كان فى السفر تحت ظلال الشجر والله أعلم وفي الحديث استحباب التمسك بالرخصة عند الحاجة إليها وكراهة تركها على وجه التشديد والتنطع تنبيه أوهم كلام صاحب العمدة أن قوله صلى الله عليه وسلم عليكم برخصة الله التي رخص لكم مما أخرجه مسلم بشرطه وليس كذلك وإنما هي بقية في الحديث لم يوصل إسنادها كما تقدم بيانه نعم وقعت عند النسائي موصوله في حديث يحيى بن أبي كثير بسنده وعند الطبراني من حديث كعب بن عاصم الأشعري كما تقدم

قوله باب لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضا في الصوم والافطار أي في الأسفار وأشار بهذا إلى تاكيد ما اعتمده من تأويل الحديث الذي قبله وأنه محمول على من بلغ حالة يجهد بها وأن من لم يبلغ ذلك لا يعاب عليه الصيام ولا الفطر

[ 1845 ] قوله عن أنس في رواية أبي خالد عند مسلم عن حميد التصريح بالأخبار بين حميد وأنس ولفظه عن حميد خرجت فصمت فقالوا لي أعد فقلت أن أنسا أخبرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم قال حميد فلقيت بن أبي مليكة فأخبرني عن عائشة مثله قوله كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد عند مسلم كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ومن وجد ضعفا فأفطر أن ذلك حسن وهذا التفصيل هو المعتمد وهو نص رافع للنزاع كما تقدم والله أعلم تنبيه نقل بن عبد البر عن محمد بن وضاح أن مالكا تفرد بسياق هذا الحديث على هذا اللفظ وتعقبة بان أبا إسحاق الفزاري وأبا ضمرة وعبد الوهاب الثقفي وغيرهم رووه عن حميد مثل مالك

قوله باب من أفطر في السفر ليراه الناس أي إذا كان ممن يقتدى به وأشار بذلك إلى أن أفضلية الفطر لا تختص بمن اجهده الصوم أو خشي العجب والرياء أو ظن به الرغبة عن الرخصة بل يلحق بذلك من يقتدى به ليتابعه من وقع له شيء من الأمور الثلاثة ويكون الفطر في حقه في تلك الحالة أفضل لفضيلة البيان

[ 1846 ] قوله عن مجاهد عن طاوس عن بن عباس كذا عنده من طريق أبي عوانة عن منصور عن مجاهد وكذا أخرجه من طريق جرير عن منصور في المغازي أخرجه النسائي من طريق شعبة عن منصور فلم يذكر طاوسا في الإسناد وكذا أخرجه من طريق الحكم عن مجاهد عن بن عباس فيحتمل أن يكون مجاهد أخذه عن طاوس عن بن عباس ثم لقي بن عباس فحمله عنه أو سمعه من بن عباس وثبته فيه طاوس وقد تقدم نظير ذلك في حديث بن عباس في قصة الجريدتين على القبرين في الطهارة قوله فرفعه إلى يده كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاري وهو مشكل لأن الرفع إنما يكون باليد وأجاب الكرماني بان المعنى يحتمل أن يكون رفعه إلى أقصى طول يده أي انتهى الرفع إلى أقصى غايتها قلت وقد وقع عند أبي داود عن مسدد عن أبي عوانة بالإسناد المذكور في البخاري فرفعه إلى فيه وهذا أوضح ولعل الكلمة تصحفت وقد تقدم ما يؤيد ذلك في سياق ألفاظ الرواة لهذا الحديث عن بن عباس وغيره مع بقية مباحث المتن قوله ليراه الناس كذا للأكثر والناس بالرفع على الفاعلية وفي رواية المستملى ليريه بضم أوله وكسر الراء وفتح التحتانية والناس بالنصب على المفعولية ويحتمل أن يكون الناسخ كتب ليراه الناس بالياء فلا يكون بين الروايتين اختلاف قوله فكان بن عباس يقول الخ فهم بن عباس من فعله صلى الله عليه وسلم ذلك أنه لبيان الجواز لا للأولوية وقد تقدم في حديث أبي سعيد وجابر عند مسلم ما يوضح المراد والله أعلم

قوله باب قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال بن عمر وسلمة بن الأكوع نسختها شهر رمضان الذي انزل فيه إلى قوله على ما هداكم ولعلكم تشكرون أما حديث بن عمر فوصله في آخر الباب عن عياش وهو بتحتانية ومعجمة وقد أخرجه عنه أيضا في التفسير وزاد أنه بن الوليد وهو الرقام وشيخه عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى البصري السامي بالمهملة ولكن لم يعين الناسخ وقد أخرجه الطبري من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر بلفظ نسخت هذه الآية وعلى الذين يطيقونه التيى بعدها فمن شهد منكم الشهر فليصمه وعلى هذا فقوله في الترجمة وفي حديث سلمة نسختها شهر رمضان أي الآية التي أولها شهر رمضان لاشتمالها على موضع النسخ وقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وأما حديث سلمة فوصله في تفسير البقرة بلفظ لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد أن يفطر أفطر وافتدى حتى نزلت الآية بعدها فنسختها

[ 1847 ] قوله وقال بن نمير الخ وصله أبو نعيم في المستخرج والبيهقي من طريقه ولفظ البيهقي قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم فكان من أطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك ثم نسخه وان تصوموا خير لكم فأمروا بالصيام وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولا في الأذان والقبلة والصيام واختلف في إسناده اختلافا كثيرا وطريق بن نمير هذه ارجحها وإذا تقرر أن الإفطار والاطعام كان رخصة ثم نسخ لزم أن يصير الصيام حتما واجبا فكيف يلتئم مع قوله تعالى وأن تصوموا خير لكم والخيرية لا تدل على الوجوب بل المشاركة في أصل الخير أجاب الكرماني بان المعنى فالصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة والخير من السنة لا يكون الا واجبا أي لا يكون شيء خيرا من السنة الا الواجب كذا قال ولا يخفى بعده وتكلفه ودعوى الوجوب في خصوص الصيام في هذه الآية ليست بظاهرة بل هو واجب مخير من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم فنصت الآية على أن الصوم أفضل وكون بعض الواجب المخير أفضل من بعض لا اشكال فيه واتفقت هذه الأخبار على أن قوله وعلى الذين يطيقونه فدية منسوخ وخالف في ذلك بن عباس فذهب إلى أنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير ونحوه وسيأتي بيان ذلك والبحث فيه في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف من تفسير البقرة

قوله باب متى يقضي قضاء رمضان أي متى تصام الأيام التي تقضى عن فوات رمضان وليس المراد قضاء القضاء على ما هو ظاهر اللفظ ومراد الاستفهام هل يتعين قضاؤه متتابعا أو يجوز متفرقا وهل يتعين على الفور أو يجوز على التراخي قال الزين بن المنير جعل المصنف الترجمة استفهاما لتعارض الأدلة لأن ظاهر قوله تعالى فعدة من أيام اخر يقتضى التفريق لصدق أيام آخر سواء كانت متتابعة أو متفرقة والقياس يقتضى التتابع الحاقا لصفة القضاء بصفة الأداء وظاهر صنيع عائشة يقتضى إيثار المبادرة إلى القضاء لولا ما منعها من الشغل فيشعر بان من كان بغير عذر لا ينبغي له التاخير قلت ظاهر صنيع البخاري يقتضى جواز التراخي والتفريق لما أودعه في الترجمة من الآثار كعادته وهو قول الجمهور ونقل بن المنذر وغيره عن على وعائشة وجوب التتابع وهو قول بعض أهل الظاهر وروى عبد الرزاق بسنده عن بن عمر قال يقضيه تباعا وعن عائشة نزلت فعدة من أيام أخر متتابعات فسقطت متتابعات وفي الموطأ أنها قراءة أبي بن كعب وهذا إن صح يشعر بعدم وجوب التتابع فكأنه كان أولا واجبا ثم نسخ ولا يختلف المجيزون للتفريق أن التتابع أولى قوله وقال بن عباس لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى فعدة من أيام اخر وصله مالك عن الزهري أن بن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان فقال أحدهما يفرق وقال الآخر لا يفرق هكذا أخرجه منقطعا مبهما ووصله عبد الرزاق معينا عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس فيمن عليه قضاء من رمضان قال يقضيه مفرقا قال الله تعالى فعدة من أيام اخر أخرجه الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال صمه كيف شئت ورويناه في فوائد أحمد بن شبيب من روايته عن أبيه عن يونس عن الزهري بلفظ لا يضرك كيف قضيتها إنما هي عدة من أيام آخر فاحصه وقال عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء أن بن عباس وأبا هريرة قالا فرقه إذا احصيته وروى بن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة نحو قول بن عمر وكأنه اختلف فيه عن أبي هريرة وروى بن أبي شيبة أيضا من طريق معاذ بن جبل إذا أحصي العدة فليصم كيف شاء ومن طريق أبي عبيدة بن الجراح ورافع بن خديج نحوه وروى سعيد بن منصور عن أنس نحوه قوله وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر لا يصلح حتى يبدأ برمضان وصله بن أبي شيبة عنه نحوه ولفظه لا بأس أن يقضي رمضان في العشر وظاهر قوله جواز التطوع بالصوم لمن عليه دين من رمضان الا أن الأولى له أن يصوم الدين أولا لقوله لا يصلح فإنه ظاهر في الإرشاد إلى البداءة بالاهم والآكد وقد روى عبد الرزاق عن أبي هريرة أن رجلا قال له أن على أياما من رمضان افاصوم العشر تطوعا قال لا إبدأ بحق الله ثم تطوع ما شئت وعن عائشة نحوه وروى بن المنذر عن على أنه نهى عن قضاء رمضان في عشر ذي الحجة وإسناده ضعيف قال وروى بإسناد صحيح نحوه عن الحسن والزهري وليس مع أحد منهم حجة على ذلك وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عمر أنه كان يستحب ذلك قوله وقال إبراهيم أي النخعي إذا فرط حتى جاء رمضان آخر يصومهما ولم ير عليه إطعاما ووقع في رواية الكشميهني حتى جاز بزاى بدل الهمزة من الجواز وفي نسخة حان بمهملة ونون من الحين وصله سعيد بن منصور من طريق يونس عن الحسن ومن طريق الحارث العكلي عن إبراهيم قال إذا تتابع عليه رمضانان صامهما فإن صح بينهما فلم يقض الأول فبئسما صنع فليستغفر الله وليصم قوله ويذكر عن أبي هريرة مرسلا وعن بن عباس أنه يطعم أما أثر أبي هريرة فوجدته عنه من طرق موصولا فأخرجه عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني عطاء عن أبي هريرة قال أي إنسان مرض في رمضان ثم صح فلم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فليصم الذي حدث ثم يقض الآخر ويطعم مع كل يوم مسكينا قلت لعطاء كم بلغك بطعم قال مدا زعموا وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن أبي إسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة نحوه وقال فيه وأطعم عن كل يوم نصف صاع من قمح وأخرجه الدارقطني من طريق مطرف عن أبي إسحاق نحوه ومن طريق رقبة وهو بن مصقلة قال زعم عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول في المريض يمرض ولا يصوم رمضان ثم يترك حتى يدركه رمضان آخر قال يصوم الذي حضره ثم يصوم الآخر ويطعم لكل يوم مسكينا ومن طريق بن جريج وقيس بن سعد عن عطاء نحوه وأما قول بن عباس فوصله سعيد بن منصور عن هشيم والدارقطني من طريق بن عيينة كلاهما عن يونس عن أبي إسحاق عن مجاهد عن بن عباس قال من فرط في صيام رمضان حتى أدركه رمضان آخر فليصم هذا الذي أدركه ثم ليصم ما فاته ويطعم مع كل يوم مسكينا وأخرجه عبد الرزاق من طريق جعفر بن برقان وسعيد بن منصور من طريق حجاج والبيهقي من طريق شعبة عن الحكم كلهم عن ميمون بن مهران عن بن عباس نحوه قوله ولم يذكر الله تعالى الإطعام إنما قال فعدة من أيام اخر هذا من كلام المصنف قاله تفقها وظن الزين بن المنير أنه بقية كلام إبراهيم النخعي وليس كما ظن فإنه مفصول من كلامه بأثر أبي هريرة وابن عباس لكن إنما يقوي ما احتج به إذا لم يصح في السنة دليل الإطعام إذ لا يلزم من عدم ذكره في الكتاب أن لا يثبت بالسنة ولم يثبت فيه شيء مرفوع وإنما جاء فيه عن جماعة من الصحابة منهم من ذكر ومنهم عمر عند عبد الرزاق ونقل الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم له فيه مخالفا انتهى وهو قول الجمهور وخالف في ذلك إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه ومال الطحاوي إلى قول الجمهور في ذلك وممن قال بالإطعام بن عمر لكنه بالغ في ذلك فقال يطعم ولا يصوم فروى عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما من طرق صحيحة عن نافع عن بن عمر قال من تابعه رمضانان وهو مريض لم يصح بينهما قضى الآخر منهما بصيام وقضى الأول منهما بإطعام مد من حنطة كل يوم ولم يصم لفظ عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال الطحاوي تفرد بن عمر بذلك قلت لكن عند عبد الرزاق عن بن جريج عن يحيى بن سعيد قال بلغني مثل ذلك عن عمر لكن المشهور عن عمر خلافه فروى عبد الرزاق أيضا من طريق عوف بن مالك سمعت عمر يقول من صام يوما من غير رمضان وأطعم مسكينا فإنهما يعدلان يوما من رمضان ونقله بن المنذر عن بن عباس وعن قتادة وانفرد بن وهب بقوله من أفطر يوما في قضاء رمضان وجب عليه لكل يوم صوم يومين قوله حدثنا زهير هو بن معاوية الجعفي أبو خيثمة

[ 1849 ] قوله عن يحيى هو بن سعيد الأنصاري ووهم الكرماني تبعا لابن التين فقال هو يحيى بن أبي كثير وغفل عما أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه فقال في نفس السند عن يحيى بن سعيد ويحيى بن سعيد هذا هو الأنصاري وذهل مغلطاي فنقل عن الحافظ الضياء أنه القطان وليس كما قال فإن الضياء حكى قول من قال إنه يحيى بن أبي كثير ثم رده وجزم بأنه يحيى بن سعيد ولم يقل القطان ولا جائز أن يكون القطان لأنه لم يدرك أبا سلمة وليست لزهير بن معاوية عنه رواية وإنما هو يروي عن زهير قوله عن أبي سلمة في رواية الإسماعيلي من طريق أبي خالد عن يحيى بن سعيد سمعت أبا سلمة قوله فما أستطيع أن اقضيه إلا في شعبان استدل به على أن عائشة كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في عشر ذي الحجة ولا في عاشوراء ولا غير ذلك وهو مبنى على أنها كانت لا ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان ومن أين لقائله ذلك قوله قال يحيى أي الراوي المذكور بالسند المذكور إليه فهو موصول قوله الشغل من النبي أو بالنبي صلى الله عليه وسلم هو خبر مبتدأ محذوف تقديره المانع لها الشغل أو هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره الشغل هو المانع لها وفي قوله قال يحيى هذا تفصيل لكلام عائشة من كلام غيرها ووقع في رواية مسلم المذكورة مدرجا لم يقل فيه قال يحيى فصار كأنه من كلام عائشة أو من روى عنها وكذا أخرجه أبو عوانة من وجه آخر عن زهير وأخرجه مسلم من طريق سليمان بن بلال عن يحيى مدرجا أيضا ولفظه وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه من طريق بن جريج عن يحيى فبين ادراجه ولفظه فظننت أن ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيى يقوله وأخرجه أبو داود من طريق مالك والنسائي من طريق يحيى القطان وسعيد بن منصور عن بن شهاب وسفيان والإسماعيلي من طريق أبي خالد كلهم عن يحيى بدون الزيادة وأخرجه مسلم من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بدون الزيادة لكن فيه ما يشعر بها فإنه قال فيه ما معناه فما أستطيع قضاءها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون المراد بالمعية الزمان أي أن ذلك كان خاصا بزمانه وللترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الله البهي عن عائشة ما قضيت شيئا مما يكون على من رمضان الا في شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما يدل على ضعف الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم لنسائه فيعدل وكان يدنو من المرأة في غير نوبتها فيقبل ويلمس من غير جماع فليس في شغلها بشيء من ذلك ما يمنع الصوم اللهم الا أن يقال إنها كانت لا تصوم الا بإذنه ولم يكن يأذن لاحتمال احتياجه إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها وكان هو صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان كما سيأتي بعد أبواب فلذلك كانت لا يتهيا لها القضاء الا في شعبان وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا سواء كان لعذر أو لغير عذر لأن الزيادة كما بيناه مدرجة فلو لم تكن مرفوعة لكان الجواز مقيدا بالضرورة لأن للحديث حكم الرفع لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع توفر دواعى أزواجه على السؤال منه عن أمر الشرع فلولا أن ذلك كان جائزا لم تواظب عائشة عليه ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر وأما الإطعام فليس فيه ما يثبت ولا ينفيه وقد تقدم البحث فيه

قوله باب الحائض تترك الصوم والصلاة قال الزين بن المنير ما محصله أن الترجمة لم تتضمن حكم القضاء لتطابق حديث الباب فإنه ليس فيه تعرض لذلك قال وأما تعبيره بالترك فللاشارة إلى أنه ممكن حسا وإنما تتركه اختيارا لمنع الشرع لها من مباشرته قوله وقال أبو الزناد الخ قال الزين بن المنير نظر أبو الزناد إلى الحيض فوجده مانعا من هاتين العبادتين وما سلب الأهلية استحال أن يتوجه به خطاب الاقتضاء وما يمنع صحة الفعل يمنع الوجوب فلذلك استبعد الفرق بين الصلاة والصوم فأحال بذلك على أتباع السنة والتعبد المحض وقد تقدم في كتاب الحيض سؤال معاذة من عائشة عن الفرق المذكور وأنكرت عليها عائشة السؤال وخشيت عليها أن تكون تلقنته من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بأرائهم ولم تزدها على الحوالة على النص وكأنها قالت لها دعي السؤال عن العلة إلى ما هو أهم من معرفتها وهو الانقياد إلى الشارع وقد تكلم بعض الفقهاء في الفرق المذكور واعتمد كثير منهم على أن الحكمة فيه أن الصلاة تتكرر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم الذي لا يقع في السنة الا مرة واختار إمام الحرمين أن المتبع في ذلك هو النص وأن كل شيء ذكروه من الفرق ضعيف والله أعلم وزعم المهلب أن السبب في منع الحائض من الصوم أن خروج الدم يحدث ضعفا في النفس غالبا فاستعمل هذا الغالب في جميع الأحوال فلما كان الضعف يبيح الفطر ويوجب القضاء كان كذلك الحيض ولا يخفى ضعف هذا الماخذ فإن المريض لو تحامل فصام صح صومه بخلاف الحائض وأن المستحاضة في نزف الدم أشد من الحائض وقد أبيح لها الصوم وقول أبي الزناد إن السنن لتأتى كثيرا على خلاف الرأي كأنه يشير إلى قول على لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أحق بالمسح من أعلاه أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني ورجال إسناده ثقات ونظائر ذلك في الشرعيات كثير ومما يفرق فيه بين الصوم والصلاة في حق الحائض أنها لو طهرت قبل الفجر ونوت صح صومها في قول الجمهور ولا يتوقف على الغسل بخلاف الصلاة ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سعيد الماضي في كتاب الحيض مقتصرا على

[ 1850 ] قوله أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم وقد أخرجه مسلم من حديث بن عمر بلفظ تمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين الحديث

قوله باب من مات وعليه صوم أي هل يشرع قضاؤه عنه أم لا وإذا شرع هل يختص بصيام دون صيام أو يعم كل صيام وهل يتعين الصوم أو يجزئ الإطعام وهل يختص الولي بذلك أو يصح منه ومن غيره والخلاف في ذلك مشهور للعلماء كما سنبينه قوله وقال الحسن إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا جاز في رواية الكشميهني في يوم واحد والمراد من مات وعليه صيام شهر وهذا الأثر وصله الدارقطني في كتاب الذبح من طريق عبد الله بن المبارك عن سعيد بن عامر وهو الضبعي عن أشعث عن الحسن فيمن مات وعليه صوم ثلاثين يوما فجمع له ثلاثون رجلا فصاموا عنه يوما واحدا أجزأ عنه قال النووي في شرح المهذب هذه المسألة لم أر فيها نقلا في المذهب وقياس المذهب الإجزاء قلت لكن الجواز مقيد بصوم لم يجب فيه التتابع لفقد التتابع في الصورة المذكورة

[ 1851 ] قوله حدثنا محمد بن خالد أي بن خلى بمعجمة وزن على كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وجزم الجوزقي بأنه الذهلي فإنه أخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عنه وقال أخرجه البخاري عن محمد بن يحيى وبذلك جزم الكلاباذي وصنيع المزي يوافقه وهو الراجح وعلى هذا فقد نسبه البخاري هنا إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد وشيخه محمد بن موسى بن أعين أدركه البخاري لكنه لم يرو عنه الا بواسطة وكأنه لم يلقه وعمرو بن الحارث هو المصري قوله من مات عام في المكلفين لقرينة وعليه صيام وقوله صام عنه وليه خبر بمعنى الأمر تقديره فليصم عنه وليه وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادعوا الإجماع على ذلك وفيه نظر لأن بعض أهل الظاهر أوجبه فلعله لم يعتد بخلافهم على قاعدته وقد اختلف السلف في هذه المسألة فأجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث وعلق الشافعي في القديم القول به على صحة الحديث كما نقله البيهقي في المعرفة وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية وقال البيهقي في الخلافيات هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها فوجب العمل بها ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال كل ما قلت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فخذوا بالحديث ولا تقلدونى وقال الشافعي في الجديد ومالك وأبو حنيفة لا يصام عن الميت وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد لا يصام عنه إلا النذر حملا للعموم الذي في حديث عائشة على المقيد في حديث بن عباس وليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما فحديث بن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة وقد وقعت الإشارة في حديث بن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره فدين الله أحق أن يقضى وأما رمضان فيطعم عنه فأما المالكية فأجابوا عن حديث الباب بدعوى عمل أهل المدينة كعادتهم وادعى القرطبي تبعا لعياض أن الحديث مضطرب وهذا لا يتأتى إلى في حديث بن عباس ثاني حديثي الباب وليس الاضطراب فيه مسلما كما سيأتي وأما حديث عائشة فلا اضطراب فيه واحتج القرطبي بزيادة بن لهيعة المذكورة لأنها تدل على عدم الوجوب وتعقب بأن معظم المجيزين لم يوجبوه كما تقدم وإنما قالوا يتخير الولي بين الصيام والاطعام وأجاب الماوردي عن الجديد بأن المراد بقوله صام عنه وليه أي فعل عنه وليه ما يقوم مقام الصوم وهو الإطعام قال وهو نظير قوله التراب وضوء المسلم إذا لم يجد الماء قال فسمى البدل باسم المبدل فكذلك هنا وتعقب بأنه للفظ عن ظاهره بغير دليل وأما الحنفية فاعتلوا لعدم القول بهذين الحديثين بما روى عن عائشة أنها سألت عن امرأة ماتت وعليها صوم قالت يطعم عنها وعن عائشة قالت لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم أخرجه البيهقي وبما روي عن بن عباس قال في رجل مات وعليه رمضان قال يطعم عنه ثلاثون مسكينا أخرجه عبد الرزاق وروى النسائي عن بن عباس قال لا يصوم أحد عن أحد قالوا فلما أفتى بن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل خلاف ما روياه وهذه قاعدة لهم معروفة الا أن الآثار المذكورة عن عائشة وعن بن عباس فيها مقال وليس فيها ما يمنع الصيام الا الأثر الذي عن عائشة وهو ضعيف جدا والراجح أن المعتبر ما رواه لا ماراه لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد ومستنده فيه لم يتحقق ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده وإذا تحققت صحة الحديث لم يترك المحقق للمظنون والمسالة مشهورة في الأصول واختلف المجيزون في المراد بقوله وليه فقيل كل قريب وقيل الوارث خاصة وقيل عصبته والأول أرجح والثاني قريب ويرد الثالث قصة المرأة التي سألت عن نذر أمها واختلفوا أيضا هل يختص ذلك بالولى لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية ولانها عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة فكذلك في الموت الا ما ورد فيه الدليل فيقتصر على ما ورد فيه ويبقى الباقي على الأصل وهذا هو الراجح وقيل يختص بالولى فلو أمر أجنبيا بأن يصوم عنه اجزا كما في الحج وقيل يصح استقلال الأجنبى بذلك وذكر الولي لكونه الغالب وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير وبه جزم أبو الطيب الطبري وقواه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم ذلك بالدين والدين لا يختص بالقريب قوله تابعه بن وهب عن عمرو يعني بن الحارث المذكور بسنده وهذه المتابعة وصلها مسلم وأبو داود وغيرهما بلفظه قوله ورواه يحيى بن أيوب يعني المصري عن عبيد الله بن أبي جعفر بسنده المذكور وروايته هذه عند أبي عوانة والدارقطني من طريق عمرو بن الربيع وابن خزيمة من طريق سعيد بن أبي مريم كلاهما عن يحيى بن أيوب وألفاظهم متوافقة ورواه البزار من طريق بن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر فزاد في آخر المتن أن شاء

[ 1852 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم هو الحافظ المعروف بصاعقه ومعاوية بن عمرو هو الأزدي ويعرف بابن الكرماني من قدماء شيوخ البخاري حدث عنه بغير واسطة في أواخر كتاب الجمعة وحدث عنه هنا وفي الجهاد وفي الصلاة بواسطة وكان طلب معاوية المذكور للحديث وهو كبير وإلا فلو كان طلبه وهو على قدر سنه لكان من أعلى شيوخ البخاري وزائدة شيخه هو بن قدامة الثقفي مشهور قد لقي البخاري جماعة من أصحابه قوله عن مسلم البطين بفتح الموحدة وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم نون وسيأتى أن الحديث جاء من رواية شعبة عن الأعمش عن مسلم المذكور وشعبة لا يحدث عن شيوخه الذين ربما دلسوا الا بما تحقق أنهم سمعوه قوله جاء رجل في رواية غير زائدة جاءت امرأة وقد تقدم القول في تسميتها في كتاب الحج قوله جاء رجل لم اقف على اسمه واتفق من عدا زائدة وعبثر بن القاسم على أن السائل امرأة وزاد أبو حريز في روايته أنها خثعمية قوله ان امى خالف أبو حامد جميع من رواه فقال أن أختي واختلف على أبي بشر عن سعيد بن جبير فقال هشيم عنه ذات قرابة لها وقال شعبة عنه أن أختها أخرجهما أحمد وقال حماد عنه ذات قرابة لها أما أختها وإما ابنتها وهذا يشعر بأن التردد فيه من سعيد بن جبير قوله وعليها صوم شهر هكذا في أكثر الروايات وفي رواية أبي حريز خمسة عشر يوما وفي رواية أبي خالد شهرين متتابعين وروايته تقتضي أن لا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره فإنها محتملة الا رواية زيد بن أبي أنيسة فقال إن عليها صوم ندر وهذا واضح في أنه غير رمضان وبين أبو بشر في روايته سبب النذر فروى أحمد من طريق شعبة عن أبي بشر أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهرا فماتت قبل أن تصوم فاتت أختها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ورواه أيضا عن هشيم عن أبي بشر نحوه وأخرجه البيهقي من حديث حماد بن سلمة وقد ادعى بعضهم أن هذا الحديث اضطرب فيه الرواة عن سعيد بن جبير فمنهم من قال أن السائل امرأة ومنهم من قال رجل ومنهم من قال أن السؤال وقع عن نذر فمنهم من فسره بالصوم ومنهم من فسره بالحج لما تقدم في أواخر الحج والذي يظهر أنهما قصتان ويؤيده أن السائلة في نذر الصوم خثعمية كما في رواية أبي حريز المعلقة والسائلة عن نذر الحج جهينة كما تقدم في موضعه وقد قدمنا في أواخر الحج أن مسلما روى من حديث بريدة أن امرأة سألت عن الحج وعن الصوم معا وأما الاختلاف في كون السائل رجلا أو امرأة والمسؤل عنه أختا أو أما فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث لأن الغرض منه مشروعية الصوم أو الحج عن الميت ولا اضطراب في ذلك وقد تقدمت الإشارة إلى كيفية الجمع بين مختلف الروايات فيه عن الأعمش وغيره والله أعلم قوله فدين الله أحق أن يقضى تقدمت مباحثه في أواخر الحج قبيل فضل المدينة مستوفى قوله قال سليمان هو الأعمش يعني بالإسناد المذكور أولا إليه قوله فقال الحكم أي بن عتيبة وسلمة أي بن كهيل والحاصل أن الأعمش سمع هذا الحديث من ثلاثة أنفس في مجلس واحد من مسلم البطين أولا عن سعيد بن جبير ثم من الحكم وسلمة عن مجاهد وقد خالف زائدة في ذلك أبو خالد الأحمر كما سيأتي قوله ويذكر عن أبي خالد حدثنا الأعمش الخ محصله أن أبا خالد جمع بين شيوخ الأعمش الثلاثة فحدث به عنه عنهم عن شيوخ ثلاثة وظاهره أنه عند كل منهم عن كل منهم ويحتمل أن يكون أراد به اللف والنشر بغير ترتيب فيكون شيخ الحكم عطاء وشيخ البطين سعيد بن جبير وشيخ سلمة مجاهدا ويؤيده أن النسائي أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش مفصلا هكذا وهو مما يقوي رواية أبي خالد وقد وصلها مسلم لكن لم يسق المتن بل أحال به على رواية زائدة وهو معترض لأن بينهما مخالفة سيأتي بيانها ووصلها أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والدارقطني من طريق أبي خالد قوله وقال يحيى أي بن سعيد وأبو معاوية عن الأعمش الخ وافقا زائدة على أن شيخ مسلم البطين فيه سعيد بن جبير وكذلك رواه شعبة وعبد الله بن نمير وعبثر بن القاسم وعبيدة بن حميد وآخرون عن الأعمش وطرقهم عند النسائي وأحمد وغيرهما قوله وقال عبيد الله بن عمرو أي الرقي عن زيد بن أبي أنيسة الخ هذا يخالف رواية عبد الرحمن بن مغراء من حيث أن شيخ الحكم فيها عطاء وفي هذه شيخه سعيد ويحتمل أن يكون سمعه من كل منهما وطريق عبيد الله هذه وصلها مسلم أيضا قوله وقال أبو حريز بالمهلمة والراء والزاي وهو عبد الله بن الحسين قاضي سجستان وطريقه هذه وصلها بن خزيمة والحسن بن سفيان ومن جهته البيهقي

قوله باب متى يحل فطر الصائم غرض هذه الترجمة الإشارة إلى أنه هل يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضى النهار أم لا وظاهر صنيعه يقتضى ترجيح الثاني لذكره لأثر أبي سعيد في الترجمة لكن محله إذا ما حصل تحقق غروب الشمس قوله وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس وصله سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب ووجه الدلالة منه أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك ولا ألتفت إلى موافقة من عنده على ذلك فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك الله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث عمر

[ 1853 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة والإسناد كله حجازيون الحميدي وسفيان مكيان والباقون مدنيون وفيه رواية الأبناء عن الآباء ورواية تابعي صغير عن تابعي كبير هشام عن أبيه وصحابى صغير عن صحابي كبير عاصم عن أبيه وكان مولد عاصم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يسمع منه شيئا قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية بن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام قال لي قوله إذا أقبل الليل من ههنا أي من جهة المشرق كما في الحديث الذي يليه والمراد به وجود الظلمة حسا وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون اقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطى ضوء الشمس وكذلك إدبار النهار فمن ثم قيد بقوله وغربت الشمس إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والادبار وانهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر ولم يذكر ذلك في الحديث الثاني فيحتمل أن ينزل على حالين إما حيث ذكرها ففي حال الغيم مثلا وإما حيث لم يذكرها ففي حال الصحو ويحتمل أن يكونا في حالة واحدة وحفظ أحد الروايين ما لم يحفظ الآخر وإنما ذكر الإقبال والادبار معا لا مكان وجود أحدهما مع عدم تحقق الغروب قاله القاضي عياض وقال شيخنا في شرح الترمذي الظاهر الاكتفاء بأحد الثلاثة لأنه يعرف انقضاء النهار بأحدهما ويؤيده الاقتصار في رواية بن أبي أوفى على إقبال الليل قوله فقد أفطر الصائم أي دخل في وقت الفطر كما يقال انجد إذا أقام بنجد واتهم إذا أقام بتهامة ويحتمل أن يكون معناه فقد صار مفطرا في الحكم لكون الليل ليس ظرفا للصيام الشرعى وقد رد بن خزيمة هذا الاحتمال وأومأ إلى ترجيح الأول فقال قوله فقد أفطر الصائم لفظ خبر ومعناه الأمر أي فليفطر الصائم ولو كان المراد فقد صار مفطرا كان فطر جميع الصوام واحدا ولم يكن للترغيب في تعجيل الإفطار معنى اه وقد يجاب بان المراد فعل الإفطار حسا ليوافق الأمر الشرعى ولا شك أن الأول أرجح ولو كان الثاني معتمدا لكان من حلف أن لا يفطر فصام فدخل الليل حنث بمجرد دخوله ولو لم يتناول شيئا ويمكن الانفصال عن ذلك بان الأيمان مبنية على العرف وبذلك أفتي الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في مثل هذه الواقعة بعينها ومثل هذا لو قال أن أفطرت فأنت طالق فصادف يوم العيد لم تطلق حتى يتناول ما يفطر به وقد أرتكب بعضهم الشطط فقال يحنث ويرجح الأول أيضا رواية شعبة أيضا بلفظ فقد حل الإفطار وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق الثوري عن الشيباني وسيأتى لذلك مزيد بيان في باب الوصال بعد ثلاثة أبواب الحديث الثاني حديث أبن أبي أوفى

[ 1854 ] قوله حدثنا خالد هو بن عبد الله الواسطي والشيباني هو أبو إسحاق قوله عن عبد الله بن أبي أوفى سيأتي في الباب الذي يليه من وجه آخر عن أبي إسحاق سمعت بن أبي أوفى قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر هذا السفر يشبه أن يكون سفر غزوة الفتح ويؤيده رواية هشيم عن الشيباني عند مسلم بلفظ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في شهر رمضان وقد تقدم أن سفره في رمضان منحصر في غزوة بدر وغزوة الفتح فإن ثبت فلم يشهد بن أبي أوفى بدرا فتعينت غزوة الفتح قوله فلما غابت الشمس في رواية الباب الذي يليه فلما غربت الشمس وهي تفيد معنى ازيد من معنى غابت قوله قال لبعض القوم يا فلان في رواية شعبة عن الشيباني عند أحمد فدعا صاحب شرابه بشراب فقال لو أمسيت وسأذكر من سماه في الباب الذي يليه قوله فاجدح بالجيم ثم الحاء المهملة والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء بعود يقال له المجدح مجنح الرأس وزعم الداودي أن معنى قوله أجدح لي أي احلب وغلطوه في ذلك قوله أن عليك نهارا يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها بشيء من جبل ونحوه أو كان هناك غيم فلم يتحقق غروب الشمس وأما قول الراوي وغربت الشمس فاخبار منه بما في نفس الأمر وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت ما توقف لأنه حينئذ يكون معاندا وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة قال الزين بن المنير يؤخذ من هذا جواز الاستفسار عن الظواهر لاحتمال أن لا يكون المراد امرارها على ظاهرها وكأنه أخذ ذلك من تقريره صلى الله عليه وسلم الصحابي على ترك المبادرة إلى الامتثال وفي الحديث أيضا استحباب تعجيل الفطر وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر وفيه تذكر العالم بما يخشى أن يكون نسيه وترك المراجعة له بعد ثلاث وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في ذلك فأكثر ما وقع فيها أن المراجعة وقعت ثلاثا وفي بعضها مرتين وفي بعضها مرة واحدة وهو محمول على أن بعض الرواة اختصر القصة ورواية خالد المذكورة في هذا الباب أتمهم سياقا وهو حافظ فزيادته مقبولة وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يراجع بعد ثلاث وهو عند أحمد من حديث عبد الله بن أبي حدرد في حديث أوله كان ليهودي عليه دين وفي حديثي الباب من الفوائد بيان وقت الصوم وأن الغروب متى تحقق كفى وفيه إيماء إلى الزجر عن متابعة أهل الكتاب فإنهم يؤخرون الفطر عن الغروب وفيه أن الأمر الشرعى أبلغ من الحسى وأن العقل لا يقضي على الشرع وفيه البيان بذكر اللازم والملزوم جميعا لزيادة الإيضاح

قوله باب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره أي سواء كان وحده أو مخلوطا وفي رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بالماء وذكر فيه حديث بن أبي أوفى وهو ظاهر فيما ترجم له ولعله أشار إلى أن الأمر في قوله من وجد تمرا فليفطر عليه ومن لا فليفطر على الماء ليس الوجوب وهو حديث أخرجه الحاكم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس مرفوعا وصححه الترمذي وابن حبان من حديث سلمان بن عامر وقد شذ بن حزم فأوجب الفطر على التمر وإلا فعلى الماء

[ 1855 ] قوله سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال أنزل فأجدح لنا لم يسم المامور بذلك وقد أخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه فسماه ولفظه فقال يا بلال انزل إلخ وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عن عبد الواحد وهو بن زياد شيخ مسدد فيه فاتفقت رواياتهم على قوله يا فلان فلعلها تصحفت ولعل هذا هو السر في حذف البخاري لها وقد سبق الحديث في الباب الذي قبله من رواية خالد عن الشيباني بلفظ يا فلان وذكرنا أن في حديث عمر عند بن خزيمة قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل إلخ فيحتمل أن يكون المخاطب بذلك عمر فإن الحديث واحد فلما كان عمر هو المقول له إذا أقبل الليل إلخ احتمل أن يكون هو المقول له أولا اجدح لكن يؤيد كونه بلالا قوله في رواية شعبة المذكورة قبل فدعا صاحب شرابه فإن بلالا هو المعروف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب تعجيل الإفطار قال بن عبد البر أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور وصحاح متواترة وعند عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا

[ 1856 ] قوله عن أبي حازم هو بن دينار قوله لا يزال الناس بخير في حديث أبي هريرة لا يزال الدين ظاهرا وظهور الدين مستلزم لدوام الخير قوله ما عجلوا الفطر زاد أبو ذر في حديثه واخروا السحور أخرجه أحمد وما ظرفية أي مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها زاد أبو هريرة في حديثه لأن اليهود والنصارى يؤخرون أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما وتأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم وقد روى بن حبان والحاكم من حديث سهل أيضا بلفظ لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم وفيه بيان العلة في ذلك قال المهلب والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بأخبار عدلين وكذا عدل واحد في الارجح قال بن دقيق العيد في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم ولعل هذا هو السبب في وجود الخير بتعجيل الفطر لأن الذي يؤخره يدخل في فعل خلاف السنة اه وما تقدم من الزيادة عند أبي داود أولى بان يكون سبب هذا الحديث فإن الشيعة لم يكونوا موجودين عند تحديثه صلى الله عليه وسلم بذلك قال الشافعي في الأم تعجيل الفطر مستحب ولا يكره تاخيره الا لمن تعمده ورأى الفضل فيه ومقتضاه أن التاخير لا يكره مطلقا وهو كذلك إذ لا يلزم من كون الشيء مستحبا أن يكون نقيضه مكروها مطلقا واستدل به بعض الماليكة على عدم استحباب ستة شوال لئلا يظن الجاهل أنها ملتحقة برمضان وهو ضعيف ولا يخفى الفرق تنبيه من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان واطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك الا آحاد الناس وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون الا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فاخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة فلذلك قل عنهم الخير وكثير فيهم الشر والله المستعان

[ 1857 ] قوله حدثنا أبو بكر هو بن عباس عن سليمان هو أبو إسحاق الشيباني وقد تقدم الكلام على حديث بن أبي أوفى قريبا

قوله باب إذا أفطر في رمضان أي ظانا غروب الشمس ثم طلعت الشمس أي هل يجب عليه قضاء ذلك اليوم أو لا وهي مسألة خلافية واختلف قول عمر فيها كما سيأتي والمراد بالطلوع الظهور وكأنه راعي لفظ الخبر في ذلك وأيضا فإنه يشعر بان قرص الشمس كله ظهر مرتفعا ولو عبر بظهرت لم يفد ذلك

[ 1858 ] قوله عن هشام بن عروة في رواية أبي داود من وجه آخر عن أبي أسامة حدثنا هشام بن عروة قوله عن فاطمة زاد أبو داود بنت المنذر وهي ابنة عم هشام وزوجته وأسماء جدتهما جميعا قوله يوم غيم كذا للأكثر فيه بنصب يوم على الظرفية وفي رواية أبي داود بن خزيمة في يوم غيم قوله قيل لهشام في رواية أبي داود قال أبو أسامة قلت لهشام وكذا أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه وأحمد في مسنده عن أبي أسامة قوله بد من قضاء هو استفهام إنكار محذوف الاداة والمعنى لا بد من قضاء ووقع في رواية أبي ذر لا بد من القضاء قوله وقال معمر سمعت هشاما يقول لا أدري اقضوا أم لا هذا التعليق وصله عبد بن حميد قال أخبرنا معمر سمعت هشام بن عروة فذكر الحديث وفي آخره فقال إنسان لهشام اقضوا أم لا فقال لا أدري وظاهر هذه الرواية تعارض التي قبلها لكن يجمع بان جزمه بالقضاء محمول على أنه استند فيه إلى دليل آخر وأما حديث أسماء فلا يحفظ فيه إثبات القضاء ولا نفيه وقد اختلف في هذا المسألة فذهب الجمهور إلى إيجاب القضاء واختلف عن عمر فروى بن أبي شيبة وغيره من طريق زيد بن وهب عنه ترك القضاء ولفظ معمر عن الأعمش عن زيد فقال عمر لم نقض والله ما يجانفنا الإثم وروى مالك من وجه آخر عن عمر أنه قال لما أفطر ثم طلعت الشمس الخطب يسير وقد اجتهدنا وزاد عبد الرزاق في روايته من هذا الوجه نقضي يوما وله من طريق على بن حنظلة عن أبيه نحوه ورواه سعيد بن منصور وفيه فقال من أفطر منكم فليصم يوما مكانه وروى سعيد بن منصور من طريق أخرى عن عمر نحوه وجاء ترك القضاء عن مجاهد والحسن وبه قال إسحاق وأحمد في رواية واختاره بن خزيمة فقال قول هشام لا بد من القضاء لم يسنده ولم يتبين عندي أن عليهم قضاء ويرجح الأول أنه لو غم هلال رمضان فأصبحوا مفطرين ثم تبين أن ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق فكذلك هذا وقال بن التين لم يوجب مالك القضاء إذا كان في صوم نذر قال بن المنير في الحاشية في هذا الحديث أن المكلفين إنما خوطبوا بالظاهر فإذا اجتهدوا فأخطؤا فلا حرج عليهم في ذلك

قوله باب صوم الصبيان أي هل يشرع أم لا والجمهور على أنه لا يجب على من دون البلوغ واستحب جماعة من السلف منهم بن سيرين والزهري وقال به الشافعي أنهم يؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه وحده أصحابه بالسبع والعشر كالصلاة وحده إسحاق باثنتى عشرة سنة وأحمد في رواية بعشر سنين وقال الأوزاعي إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حمل على الصوم والأول قول الجمهور والمشهور عن المالكية أنه لايشرع في حق الصبيان ولقد تلطف المصنف في التعقب عليهم بإيراد أثر عمر في صدر الترجمة لأن أقصى ما يعتمدونه في معارضة الأحاديث دعوى عمل أهل المدينة على خلافها ولا عمل يستند إليه أقوى من العمل في عهد عمر مع شدة تحريه ووفور الصحابة في زمانه وقد قال للذي أفطر في رمضان موبخا له كيف تفطر وصبياننا صيام وأغرب بن الماجشون من المالكية فقال إذا أطاق الصبيان الصيام الزموه فإن افطروا لغير عذر فعليهم القضاء قوله وقال عمر لنشوان إلخ أي لإنسان نشوان وهو بفتح النون وسكون المعجمة كسكران وزنا ومعنى وجمعه نشاوى كسكارى قال بن خالويه سكر الرجل وانتشى وثمل ونزف بمعنى وقال صاحب المحكم نشى الرجل وانتشى وتنشى كله سكر ووقع عند بن التين النشوان السكران سكرا خفيفا وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور والبغوى في الجعديات من طريق عبد الله بن الهذيل أن عمر بن الخطاب أتى برجل شرب الخمر في رمضان فلما دنا منه جعل يقول للمنخرين والفم وفي رواية البغوي فلما رفع إليه عثر فقال عمر على وجهك ويحك وصبياننا صيام ثم أمر به فضرب ثمانين سوطا ثم سيره إلى الشام وفي رواية البغوي فضربه الحد وكان إذا غضب على إنسان سيره إلى الشام فسيره إلى الشام

[ 1859 ] قوله عن خالد بن ذكوان هو أبو الحسين المدني نزيل البصرة وهو تابعي صغير وليس له من الصحابة سماع من سوى الربيع بنت معوذ وهي من صغار الصحابة ولم يخرج البخاري من حديثه عن غيرها قوله عن الربيع في رواية مسلم من وجه آخر عن خالد سألت الربيع وهي بتشديد الياء مصغرا وأبوها بكسر الواو والتشديد بوزن معلم وهو بن عوف ويعرف بابن عفراء يأتي ذكره في وقعة بدر من المغازي إن شاء الله تعالى قوله أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار زاد مسلم التي حول المدينة وقد تقدم تسمية الرسول بذلك في باب إذا نوى بالنهار صوما قوله صبياننا زاد مسلم الصغار ونذهب بهم إلى المسجد قوله من العهن أي الصوف وقد فسره المصنف في رواية المستملى في آخر الحديث وقيل العهن الصوف المصبوغ قوله اعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار هكذا رواه بن خزيمة وابن حبان ووقع في رواية مسلم اعطيناه إياه عند الإفطار وهو مشكل ورواية البخاري توضح أنه سقط منه شيء وقد رواه مسلم من وجه آخر عن خالد بن ذكوان فقال فيه فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم وهو يوضح صحة رواية البخاري ووقع لمسلم شك في تقييده الصبيان بالصغار وهو ثابت في صحيح بن خزيمة وغيره وتقييده بالصغار لا يخرج الكبار بل يدخلهم من باب الأولى وأبلغ من ذلك ما جاء في حديث رزينة بفتح الراء وكسر الزاي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر مرضعاته في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويامر امهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل أخرجه بن خزيمة وتوقف في صحته وإسناده لا بأس به واستدل بهذا الحديث على أن عاشوراء كان فرضا قبل أن يفرض رمضان وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أول كتاب الصيام وسيأتى الكلام على صيام عاشوراء بعد عشرين بابا وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم لأن من كان في مثل السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف وإنما صنع لهم ذلك للتمرين وأغرب القرطبي فقال لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك ويبعد أن يكون أمر بذلك لأنه تعذيب صغير بعبادة غير متكررة في السنة وما قدمناه من حديث رزينة يرد عليه مع أن الصحيح عند أهل الحديث وأهل الأصول أن الصحابي إذا قال فعلنا كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حكمه الرفع الظاهر اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريرهم عليه مع توفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الاحكام مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فما فعلوه الا بتوقيف والله أعلم

قوله باب الوصال هو الترك في ليالي الصيام لما يفطر بالنهار بالقصد فيخرج من إمسك اتفاقا ويدخل من أمسك جميع الليل أو بعضه ولم يجزم المصنف بحكمه لشهرة الاختلاف فيه قوله ومن قال ليس في الليل صيام لقوله عز وجل ثم أتموا الصيام إلى الليل كأنه يشير إلى حديث أبي سعيد الخير وهو حديث ذكره الترمذي في الجامع ووصله في العلل المفرد وأخرجه بن السكن وغيره في الصحابة والدولابى وغيره في الكنى كلهم من طريق أبي فروة الرهاوي عن معقل الكندي عن عبادة بن نسي عنه ولفظ المتن مرفوعا أن الله لم يكتب الصيام بالليل فمن صام فقد تعني ولا أجر له قال بن منده غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه وقال الترمذي سألت البخاري عنه فقال ما أرى عبادة سمع من أبي سعيد الخير وفي المعنى حديث بشير بن الخصاصية وقد أخرجه أحمد والطبراني وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في تفسيرهما بإسناد صحيح إلى ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير وقال أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا وقال يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى أتموا الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فأفطروا لفظ بن أبي حاتم وروى هو وابن أبي شيبة من طريق أبي العالية التابعي أنه سئل عن الوصال في الصيام فقال قال الله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل فإذا جاء الليل فهو مفطر وروى الطبراني في الأوسط من طريق على بن أبي طلحة عن عبد الملك عن أبي ذر رفعه قال لا صيام بعد الليل أي بعد دخول الليل ذكره في اثناء حديث وعبد الملك ما عرفته فلا يصح وأن كان بقية رجاله ثقات ومعارضه أصح منه كما سأذكره ولو صحت هذه الأحاديث لم يكن للوصال معنى أصلا ولا كان في فعله قربة وهذا خلاف ما تقتضيه الأحاديث الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأن كان الراجح أنه من خصائصه قوله ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أي أصحابه عنه أي عن الوصال رحمة لهم وابقاء عليهم وهذا الحديث قد وصله المصنف في آخر الباب من حديث عائشة بلفظ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم وأما قوله وابقاء عليهم فكأنه أشار إلى ما أخرجه أبو داود وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمها إبقاء على أصحابه وإسناده صحيح كما تقدم التنبيه عليه في باب الحجامة للصائم وهو يعارض حديث أبي ذر المذكور قبل قوله وما يكره من التعمق هذا من كلام المصنف معطوف على قوله الوصال أي باب ذكر الوصال وذكر ما يكره من التعمق والتعمق المبالغة في تكلف ما لم يكلف به وعمق الوادي قعره كأنه يشير إلى ما أخرجه في كتاب التمنى من طريق ثابت عن أنس في قصة الوصال فقال صلى الله عليه وسلم لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم وسيأتي في الباب الذي بعده في آخر حديث أبي هريرة اكلفوا من العمل ما تطيقون ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث أنس من طريق قتادة عنه ويحيى المذكور في الإسناد هو القطان

[ 1860 ] قولهلا تواصلوا في رواية بن خزيمة من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة بهذا الإسناد إياكم والوصال ولأحمد من طريق همام عن قتادة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال قوله قالوا انك تواصل كذا في أكثر الأحاديث وفي رواية أبي هريرة الآتية في أول الباب الذي يليه فقال رجل من المسلمين وكأن القائل واحد ونسب القول إلى الجميع لرضاهم به ولم اقف على تسمية القائل في شيء من الطرق قوله لست كأحد منكم في رواية الكشميهني كأحدكم وفى حديث بن عمر لست مثلكم وفي حديث أبي سعيد لست كهيئتكم وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة عند مسلم لستم في ذلك مثلي ونحوه في مرسل الحسن عند سعيد بن منصور وفي حديث أبي هريرة في الباب بعده وأيكم مثلي وهذا الاستفهام يفيد التوبيخ المشعر بالاستبعاد وقوله مثلي أي على صفتي أو منزلتى من ربي قوله انى أطعم وأسقي أو أني أبيت أطعم واسقى هذا الشك من شعبة وقد رواه أحمد عن بهز عنه بلفظ أني اظل أو قال إني أبيت وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ أن ربي يطعمني ويسقيني أخرجه الترمذي وقد رواه ثابت عن أنس كما سيأتي في باب التمنى بلفظ أني اظل يطعمني ربي ويسقيني وبين في روايته سبب الحديث وهو أنه صلى الله عليه وسلم واصل في آخر الشهر فواصل ناس من أصحابه فبلغه ذلك وسيأتى نحوه في الكلام على حديث بن عمر ثاني الأحاديث حديث بن عمر أخرجه من طريق مالك عن نافع عنه

[ 1861 ] قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال تقدم في باب بركة السحور من غير إيجاب من طريق جويرية عن نافع ذكر السبب أيضا ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم وكذا رواه أبو قرة عن موسى بن عقبة عن نافع أخرجه مسلم من طريق بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع مثله وزاد في رمضان لكن لم يقل فشق عليهم قوله انى أطعم واسقى في رواية جويرية المذكورة أني اظل أطعم وأسقي ثالثها حديث أبي سعيد وسيأتي بعد باب وفيه فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر رابعها حديث عائشة

[ 1863 ] قوله فيه عبدة هو بن سليمان قوله رحمة لهم فيه إشارة إلى بيان السبب أيضا ويؤيد ذلك ذكر المشقة في الرواية التي قبلها قوله قال أبو عبد الله هو المصنف لم يذكر عثمان أي بن أبي شيبة شيخه في الحديث المذكور قوله رحمة لهم فدل على أنها من رواية محمد بن سلام وحده قد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة جميعا وفيه رحمة لهم ولم يبين أنها ليست في رواية عثمان وقد أخرجه أبو يعلى والحسن بن سفيان في مسنديهما عن عثمان وليس فيه رحمة لهم أخرجه الإسماعيلي عنهما كذلك أخرجه الجوزقي من طريق محمد بن حاتم عن عثمان وفيه رحمة لهم فيحتمل أن يكون عثمان كان تارة يذكرها وتارة يحذفها وقد رواها الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن عثمان فجعل ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه قالوا انك تواصل قال إنما هي رحمة رحمكم الله بها إني لست كهيئتكم الحديث واستدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه صلى الله عليه وسلم وعلى أن غيره ممنوع منه الا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر ثم اختلف في المنع المذكور فقيل على سبيل التحريم وقيل على سبيل الكراهة وقيل يحرم على من شق عليه ويباح لمن لم يشق عليه وقد اختلف السلف في ذلك فنقل التفصيل عن عبد الله بن الزبير وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه أنه كان يواصل خمسة عشر يوما وذهب إليه من الصحابة أيضا أخت أبي سعيد ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نعم وعامر بن عبد الله بن الزبير وإبراهيم بن زيد التيمي وأبو الجوزاء كما نقله أبو نعيم في ترجمته في الحلية وغيرهم رواه الطبري وغيره ومن حجتهم ما سيأتي في الباب الذي بعده أنه صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه بعد النهى فلو كان النهى للتحريم لما اقرهم على فعله فعلم أنه أراد بالنهى الرحمة لهم والتخفيف عنهم كما صرحت به عائشة في حديثها وهذا مثل ما نهاهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم ولم ينكر على من بلغه أنه فعله ممن لم يشق عليه وسيأتى نظير ذلك في صيام الدهر فمن لم يشق عليه ولم يقصد موافقة أهل الكتاب ولا رغب عن السنة في تعجيل الفطر لم يمنع من الوصال وذهب الأكثرون إلى تحريم الوصال وعن الشافعية في ذلك وجهان التحريم والكراهية هكذا اقتصر عليه النووي وقد نص الشافعي في الأم على أنه محظور وأغرب القرطبي فنقل التحريم عن بعض أهل الظاهر على شك منه في ذلك ولا معنى لشكه فقد صرح بن حزم بتحريمه وصححه بن العربي من المالكية وذهب أحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة وجماعة من المالكية إلى جواز الوصال إلى السحر لحديث أبي سعيد المذكور وهذا الوصال لا يترتب عليه شيء مما يترتب على غيره الا أنه في الحقيقة بمنزلة عشائه الا أنه يؤخره لأن الصائم له في اليوم والليلة أكلة فإذا أكلها السحر كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره وكان أخف لجسمه في قيام الليل ولا يخفى أن محل ذلك ما لم يشق على الصائم وإلا فلا يكون قربة وانفصل أكثر الشافعية عن ذلك بان الإمساك إلى السحر ليس وصالا بل الوصال أن يمسك في الليل جميعه كما يمسك في النهار وإنما أطلق على الإمساك الى السحر وصالا لمشابهته الوصال في الصورة ويحتاج إلى ثبوت الدعوى بأن الوصال إنما هو حقيقة في إمساك جميع الليل وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من سحر إلى سحر أخرجه أحمد وعبد الرزاق من حديث على والطبراني من حديث جابر وأخرجه سعيد بن منصور مرسلا من طريق بن أبي نجيح عن أبيه ومن طريق أبي قلابة وأخرجه عبد الرزاق من طريق عطاء واحتجوا للتحريم بقوله في الحديث المتقدم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم إذ لم يجعل الليل محلا لسوى الفطر فالصوم فيه مخالفة لوضعه كيوم الفطر وأجابوا أيضا بأن قوله رحمة لهم لا يمنع التحريم فإن من رحمته لهم أن حرمه عليهم وأما مواصلته بهم بعد نهيه فلم يكن تقريرا بل تقريعا وتنكيلا فاحتمل منهم ذلك لأجل مصلحة النهى في تاكيد زجرهم لأنهم إذا باشروه ظهرت لهم حكمة النهى وكان ذلك ادعى إلى قلوبهم لما يترتب عليهم من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم منه وارجح من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك والجوع الشديد ينافي ذلك وقد صرح بأن الوصال يختص به لقوله لست في ذلك مثلكم وقوله لست كهيئتكم هذا مع ما انضم إلى ذلك من استحباب تعجيل الفطر كما تقدم في بابه قلت ويدل على أنه ليس بمحرم حديث أبي داود الذي قدمت التنبيه عليه في أوائل الباب فإن الصحابي صرح فيه بأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم الوصال وروى البزار والطبراني من حديث سمرة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال وليس بالعزيمة وأما ما رواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي ذر أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد قبل وصالك ولا يحل لأحد بعدك فليس إسناده بصحيح فلا حجة فيه ومن أدلة الجواز أقدام الصحابة على الوصال بعد النهى فدل على أنهم فهموا أن النهي للتنزيه لا للتحريم وإلا لما أقدموا عليه ويؤيد أنه ليس بمحرم أيضا أنه صلى الله عليه وسلم في حديث بشير بن الخصاصية الذي ذكرته في أول الباب سوى في علة النهى بين الوصال وبين تأخير الفطر حيث قال في كل منهما إنه فعل أهل الكتاب ولم يقل أحد بتحريم تأخير الفطر سوى بعض من لا يعتمد به من أهل الظاهر ومن حيث المعنى ما فيه من فطم النفس وشهواتها وقمعها عن ملذوذاتها فلهذا استمر على القول بجوازه مطلقا أو مقيدا من تقدم ذكره والله أعلم وفي أحاديث الباب من الفوائد استواء المكلفين في الأحكام وأن كل حكم ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته الا ما استثنى بدليل وفيه جواز معارضة المفتى فيما أفتي به إذا كان بخلاف حاله ولم يعلم المستفتى بسر المخالفة وفيه الاستكشاف عن حكمة النهى وفيه ثبوت خصائصه صلى الله عليه وسلم وأن عموم قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة مخصوص وفيه أن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته ويبادرون إلى الائتساء به الا فيما نهاهم عنه وفيه أن خصائصه لا يتاسى به في جميعها وقد توقف في ذلك إمام الحرمين وقال أبو شامة ليس لأحد التشبه به في المباح كالزيادة على أربع نسوة ويستحب التنزه عن المحرم عليه والتشبه به في الواجب عليه كالضحى وأما المستحب فلم يتعرض له والوصال منه فيحتمل ان يقال أن لم ينه عنه لم يمنع الائتساء به فيه والله أعلم وفيه بيان قدرة الله تعالى على ايجاد المسببات العاديات من غير سبب ظاهر كما سيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده

قوله باب التنكيل لمن أكثر الوصال التقييد بأكثر قد يفهم منه أن من قلل منه لا نكال عليه لأن التقليل منه مظنة لعدم المشقة لكن لا يلزم من عدم التنكيل ثبوت الجواز قوله رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله في كتاب التمنى من طريق حميد عن ثابت عنه كما تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله

[ 1864 ] قوله أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن هكذا رواه شعيب عن الزهري وتابعه عقيل عن الزهري كما سيأتي في باب التعزير ومعمر كما سيأتي في كتاب التمنى ويونس عند مسلم وآخرون وخالفهم عبد الرحمن بن خالد بن مسافر فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة علقه المصنف في المحاربين وفي التمنى وليس اختلافا ضارا فقد أخرجه الدارقطني في العلل من طريق عبد الرحمن بن خالد هذا عن الزهري عنهما جميها وكذلك رواه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة أخرجه الإسماعيلي وكذا ذكر الدارقطني أن الزبيدي تابع بن نمير على الجمع بينهما قوله فقال له رجل كذا للأكثر وفي رواية عقيل المذكورة فقال له رجال قوله عن الوصال في رواية الكشميهني من الوصال قوله واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال ظاهر أن قدر المواصلة بهم كانت يومين وقد صرح بذلك في رواية معمر المشار إليها قوله لو تاخر أي الشهر لزودتكم استدل به على جواز قول لو وحمل النهى الوارد في ذلك على ما لا يتعلق بالأمور الشرعية كما سيأتي بيانه في كتاب التمنى في أواخر الكتاب إن شاء الله تعالى والمراد بقوله لو تأخر لزدتكم أي في الوصال إلى أن تعجزوا عنه فتسألوا التخفيف عنكم بتركه وهذا كما أشار عليهم أن يرجعوا من حصار الطائف فلم يعجبهم فأمرهم بمباكرة القتال من الغد فاصابتهم جراح وشدة وأحبوا الرجوع فأصبح راجعا بهم فاعجبهم ذلك وسيأتى ذكره موضحا في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى قوله كالتنكيل لهم في رواية معمر كالمنكل لهم ووقع فيها عند المستملى كالمنكر بالراء وسكون النون من الإنكار وللحموى كالمنكى بتحتانية ساكنة قبلها كاف مكسورة خفيفة من النكاية والأول هو الذي تضافرت به الروايات خارج هذا الكتاب والتنكيل المعاقبة

[ 1865 ] قوله حدثنا يحيى كذا للأكثر غير منسوب ولأبي ذر حدثنا يحيى بن موسى قوله إياكم والوصال مرتين في رواية أحمد عن عبد الرزاق بهذا الإسناد إياكم والوصال إياكم والوصال فدل على أن قوله مرتين اختصار من البخاري أو شيخه وأخرجه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كما قال أحمد ورواه بن أبي شيبة من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ إياكم والوصال ثلاث مرات وإسناده صحيح وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه بدون قوله ثلاث مرات قوله انى أبيت يطعمني ربي ويسقين كذا في الطريقين عن أبي هريرة في هذا الباب وقد تقدم في الباب الذي قبله من رواية في حديث أنس بلفظ اظل وكذا في حديث عائشة عند الإسماعيلي وهي محمولة على مطلق الكون لا على حقيقة اللفظ لأن المتحدث عنه هو الإمساك ليلا لا نهارا وأكثر الروايات إنما هي أبيت وكان بعض الرواة عبر عنها بأظل نظرا إلى اشتراكهما في مطلق الكون يقولون كثيرا أضحى فلان كذا مثلا ولا يريدون تخصيص ذلك بوقت الضحى ومنه قوله تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا فإن المراد به مطلق الوقت ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل وقد رواه أحمد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة كلهم عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ أني اظل عند ربي فيطعمني ويسقيني وكذلك رواه أحمد أيضا عن بن نمير وأبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم بن سعيد عن بن نمير عن الأعمش وأخرجه أبو عوانة عن على بن حرب عن أبي معاوية كذلك وأخرجه هو وابن خزيمة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش كذلك ووقع لمسلم فيه شيء غريب فإنه أخرجه عن بن نمير عن أبيه فقال بمثل حديث عمارة عن أبي زرعة ولفظ عمارة المذكور عنده أني أبيت يطعمني ربي ويسقيني وقد عرفت أن رواية بن نمير عند أحمد فيها عند ربي وليس في ذلك شيء من الطرق عن أبي هريرة الا في رواية أبي صالح ولم ينفرد بها الأعمش فقد أخرجها أحمد أيضا من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح ووقعت في حديث غير أبي هريرة وأخرجها الإسماعيلي في حديث عائشة أيضا عن الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة بسنده الماضي في الباب الذي قبل هذا بلفظ أظل عند الله يطعمني ويسقيني وعن عمران بن موسى عن عثمان بلفظ عند ربي ووقعت أيضا كذلك عند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من مرسل الحسن بلفظ أني أبيت عند ربي واختلف في معنى قوله يطعمني ويسقيني فقيل هو على حقيقته وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه وتعقبه بن بطال ومن تبعه بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا وبأن قوله يظل يدل على وقوع ذلك بالنهار فلو كان الأكل والشرب حقيقة لم يكن صائما وأجيب بأن الراجح من الروايات لفظ أبيت دون أن أظل وعلى تقدير الثبوت فليس حمل الطعام والشراب على المجاز بأولى له من حمل لفظ اظل على المجاز وعلى التنزل فلا يضر شيء من ذلك لأن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا تجري عليه أحكام المكلفين فيه كما غسل صدره صلى الله عليه وسلم في طست الذهب مع أن استعمال أوانى الذهب الدنيوية حرام وقال بن المنير في الحاشية الذي يفطر شرعا إنما هو الطعام المعتاد وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى وليس تعاطيه من جنس الأعمال وإنما هو من جنس الثواب كأكل أهل الجنة في الجنة والكرامة لا تبطل العبادة وقال غيره لا مانع من حمل الطعام والشراب على حقيقتهما ولا يلزم شيء مما تقدم ذكره بل الرواية الصحيحة أبيت وأكله وشربه في الليل مما يؤتى به من الجنة لا يقطع وصاله خصوصية له بذلك فكأنه قال لما قيل له انك تواصل فقال إني لست في ذلك كهيئتكم أي على صفتكم في أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله بل إنما يطعمني ربي ويسقيني ولا تنقطع بذلك مواصلتى فطعامى وشرابى على غير طعامكم وشرابكم صورة ومعنى وقال الزين بن المنير هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل له الشبع والري بالأكل والشرب ويستمر له ذلك حتى يستيقظ ولا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص أجره وحاصله أنه يحمل ذلك على حالة استغراقه صلى الله عليه وسلم في أحواله الشريفة حتى لا يؤثر فيه حينئذ شيء من الأحوال البشرية وقال الجمهور قوله يطعمني ويسقيني مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال يعطيني قوة الآكل والشارب ويفيض على ما يسد مسد الطعام والشراب ويقوى على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كلال في الاحساس أو المعنى أن الله يخلق فيه من الشبع والرى ما يغنيه عن الطعام والشراب فلا يحس بجوع ولا عطش والفرق بينه وبين الأول أنه على الأول يعطي القوة من غير شبع ولارى مع الجوع والظمأ وعلى الثاني يعطي القوة مع الشبع والرى ورجح الأول بان الثاني ينافي حال الصائم ويفوت المقصود من الصيام والوصال لأن الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها قال القرطبي ويبعده أيضا النظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط على بطنه الحجارة من الجوع قلت وتمسك بن حبان بظاهر الحال فاستدل بهذا الحديث على تضعيف الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم كان يجوع ويشد الحجر على بطنه من الجوع قال لأن الله تعالى كان يطعم رسوله ويسقيه إذا واصل فكيف يتركه جائعا حتى يحتاج إلى شد الحجر على بطنه ثم قال وماذا يغنى الحجر من الجوع ثم ادعى أن ذلك تصحيف ممن رواه وإنما هي الحجز بالزاى جمع حجزة وقد أكثر الناس من الرد عليه في جميع ذلك وأبلغ ما يرد عليه به أنه أخرج صحيحه من حديث بن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فرأى أبا بكر وعمر فقال ما اخرجكما قالا ما أخرجنا الا الجوع فقال وأنا والذي نفسي بيده ما اخرجنى الا الجوع الحديث فهذا الحديث يرد ما تمسك به وأما قوله وما يغنى الحجر من الجوع فجوابه أنه يقيم الصلب لأن البطن إذا خلا ربما ضعف صاحبه عن القيام لانثناء بطنه عليه فإذا ربط عليه الحجر أشتد وقوى صاحبه على القيام حتى قال بعض من وقع له ذلك كنت أظن الرجلين يحملان البطن فإذا البطن يحمل الرجلين ويحتمل أن يكون المراد بقوله يطعمني ويسقيني أي يشغلنى بالتفكر في عظمته والتملى بمشاهدته والتغذى بمعارفه وقره العين بمحبته والاستغراق في مناجاته والاقبال عليه عن الطعام والشراب وإلى هذا جنح بن القيم وقال قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسمانى ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه الذي قرت عينه بمحبوبه قوله اكلفوا بسكون الكاف وضم اللام أي احملوا المشقة في ذلك يقال كلفت بكذا إذا ولعت به وحكى عياض أن بعضهم قال بهمزة قطع وكسر اللام قال ولا يصح لغة قوله بما تطيقون في رواية أحمد بما لكم به طاقة وكذا لمسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج

قوله باب الوصال إلى السحر أي جوازه وقد تقدم أنه قول أحمد وطائفة من أصحاب الحديث وتقدم توجيهه وأن من الشافعية من قال إنه ليس بوصال حقيقة

[ 1866 ] قوله حدثني بن أبي حازم هو عبد العزيز وشيخه يزيد هو بن عبد الله بن الهاد شيخ الليث في الباب الذي قبله في هذا الحديث بعينه وعبد الله بن خباب بمعجمه وموحدتين الأولى مثقلة مدني من موالي الأنصار لم أر له رواية الا عن أبي سعيد الخدري وقد أخرج له الصنف سبعة أحاديث هذا ثانيها وتوقف الجوزقي في معرفة حاله ووثقه أبو حاتم الرازي وغيره وقد وافقه على رواية حديث الوصال عن أبي سعيد بشر بن حرب أخرجه عبد الرزاق من طريقه تنبيه وقع عند بن خزيمة في حديث أبي صالح عن أبي هريرة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش عنه تقييد وصال النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إلى السحر ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل إلى السحر ففعل بعض أصحابه ذلك فنهاه فقال يا رسول الله انك تفعل ذلك الحديث وظاهره يعارض حديث أبي سعيد هذا فإن مقتضى حديث أبي صالح النهى عن الوصال إلى السحر وصريح حديث أبي سعيد الإذن بالوصال إلى السحر والمحفوظ في حديث أبي صالح إطلاق النهى عن الوصال بغير تقييد بالسحر ولذلك اتفق عليه جميع الرواة عن أبي هريرة فرواية عبيدة بن حميد هذه شاذة وقد خالفه أبو معاوية وهو أضبط أصحاب الأعمش فلم يذكر ذلك أخرجه أحمد وغيره عن أبي معاوية وتابعه عبد الله بن نمير عن الأعمش كما تقدم وعلى تقدير أن تكون رواية عبيدة بن حميد محفوظة فقد أشار بن خزيمة إلى الجمع بينهما بأنه يحتمل أن يكون نهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال أولا مطلقا سواء جميع الليل أو بعضه وعلى هذا يحمل حديث أبي صالح ثم خص النهى بجميع الليل فاباح الوصال إلى السحر وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد أو يحمل النهى في حديث أبي صالح على كراهة التنزيه والنهي في حديث أبي سعيد على ما فوق السحر على كراهة التحريم والله أعلم

قوله باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان اوفق له ذكر فيه حديث بن أبي جحيفة في قصة أبي الدرداء وسلمان فأمر ذكر القسم فلم يقع في الطريق التي ساقها كما سابينه وأما القضاء فلم اقف عليه في شيء من طرقه الا أن الأصل عدمه وقد اقره الشارع ولو كان القضاء واجبا لبينه له مع حاجته إلى البيان وكأنه يشير إلى حديث أبي سعيد قال صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فلما وضع قال رجل أنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك أخوك وتكلف لك أفطر وصم مكانه أن شئت رواه إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن بن المنكدر عنه وإسناده حسن أخرجه البيهقي وهو دال على عدم الإيجاب وقوله إذا كان اوفق له قد يفهم أنه يرى أن الجواز وعدم القضاء لمن كان معذورا بفطره لا من تعمده بغير سبب تنبيه قوله اوفق له يروي بالواو الساكنة وبالراء بدل الواو والمعنى صحيح فيهما

[ 1867 ] قوله حدثنا أبو العميس بمهملتين مصغر اسمه عتبة ولم أر هذا الحديث الا من روايته عن عون بن أبي جحيفة ولا رأيت له راويا عنه الا جعفر بن عون وإلى تفردهما بذلك أشار البزار قوله آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء ذكر أصحاب المغازي أن المؤاخاة بين الصحابة وقعت مرتين الأول قبل الهجرة بين المهاجرين خاصة على المواساة والمناصرة فكان من ذلك إخوة زيد بن حارثة وحمزة بن عبد المطلب ثم آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار بعد أن هاجر وذلك بعد قدومه المدينة وسيأتى في أول كتاب البيع حديث عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع وذكر الواقدي أن ذلك كان بعد قدومه صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر والمسجد يبني وقد سمي بن إسحاق منهم جماعة منهم أبو ذر والمنذر بن عمرو فأبو ذر مهاجري والمنذر أنصاري وأنكره الواقدي لأن أبا ذر ما كان قدم المدينة بعد وإنما قدمها بعد سنة ثلاث وذكر بن إسحاق أيضا الأخوة بين سلمان وأبي الدرداء كالذي هنا وتعقبه الواقدي أيضا فيما حكاه بن سعد أن سلمان إنما أسلم بعد وقعة أحد وأول مشاهده الخندق والجواب عن ذلك كله أن التاريخ المذكور للهجرة الثانية هو ابتداء الأخوة ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤاخى بين من يأتي بعد ذلك وهلم جرا وليس باللازم أن تكون المؤاخاة وقعت دفعة واحدة حتى يرد هذا التعقب فصح ما قاله بن إسحاق وايده هذا الخبر الذي في الصحيح وارتفع الاشكال بهذا التقرير ولله الحمد واعترض الواقدي من جهة أخرى فروى عن الزهري أنه كان ينكر كل مؤاخاة وقعت بعد بدر يقول قطعت بدر المواريث قلت وهذا لا يدفع المؤاخاة من أصلها وإنما يدفع المؤاخاة المخصوصة التي كانت عقدت بينهم ليتوارثوا بها فلا يلزم من نسخ التوارث المذكور أن لا تقع المؤاخاة بعذ ذلك على المواساة ونحو ذلك وقد جاء ذكر المؤاخاة بين سلمان وأبي الدرداء من طريق صحيحة غير هذه وذكر البغوي في معجم الصحابة من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي الدرداء وسلمان فذكر القصة لهما غير المذكورة هنا وروى بن سعد من طريق حميد بن هلال قال آخى بين سلمان وأبي الدرداء فنزل سلمان الكوفة ونزل أبو الدرداء الشام ورجاله ثقات قوله فزار سلمان أبا الدرداء يعني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوجد أبا الدرداء غائبا قوله متبذلة بفتح المثناة والموحدة وتشديد الذال المعجمة المكسورة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الموحدة وسكون الذال وهي المهنة وزنا ومعنى والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة وللكشميهني مبتذلة بتقديم الموحدة والتخفيف وزن مفتعلة والمعنى واحد وفي ترجمة سلمان من الحلية لأبي نعيم بإسناد آخر إلى أم الدرداء عن أبي الدرداء أن سلمان دخل عليه فرأى امرأته رثة الهيئة فذكر القصة مختصرة وأم الدرداء هذه هي خيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانيه بنت أبي حدود الأسلمية صحابية بنت صحابي وحديثها عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وغيره وماتت أم الدرداء هذه قبل أبى الدرداء ولأبي الدرداء أيضا امرأة أخرى يقال لها أم الدرداء تابعية اسمها هجيمة عاشت بعده دهرا وروت عنه وقد تقدم ذكرها في كتاب الصلاة قوله فقال لها ما شأنك زاد الترمذي في روايته عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه يا أم الدرداء امتبذلة قوله ليس له حاجة في الدنيا في رواية الدارقطني من وجه آخر عن جعفر بن عون في نساء الدنيا وزاد فيه بن خزيمة عن يوسف بن موسى عن جعفر بن عون يصوم النهار ويقوم الليل قوله فجاء أبو الدرداء فصنع له زاد الترمذي فرحب بسلمان وقرب إليه طعاما قوله فقال له كل قال فإني صائم كذا في رواية أبي ذر والقائل كل هو سلمان والمقول له أبو الدرداء وهو المجيب بأني صائم وفي رواية الترمذي فقال كل فإني صائم وعلى هذا فالقائل أبو الدرداء والمقول له سلمان وكلاهما يحتمل والحاصل أن سلمان وهو الضعيف أبي أن يأكل من طعام أبي الدرداء حتى يأكل معه وغرضه أن يصرفه عن راية فيما يصنعه من جهد نفسه في العبادة وغير ذلك مما شكته إليه امرأته قوله قال ما أنا بآكل حتى تأكل في رواية البزار عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه فقال أقسمت عليك لتفطرن وكذا رواه بن خزيمة عن يوسف بن موسى والدارقطني من طريق على بن مسلم وغيره والطبراني من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة والعباس بن عبد العظيم وابن حبان من طريق أبي خيثمة كلهم عن جعفر بن عون به فكأن محمد بن بشار لم يذكر هذه الجملة لما حدث به البخاري وبلغ البخاري ذلك من غيره فاستعمل هذه الزيادة في الترجمة مشيرا إلى صحتها وأن لم تقع في روايته وقد أعاده البخاري في كتاب الأدب عن محمد بن بشار بهذا الإسناد ولم يذكرها أيضا وأغنى بذلك عن قول بعض الشراح كابن المنير أن القسم في هذا السياق مقدر قبل لفظ ما أنا بآكل كما قدر في قوله تعالى وأن منكم الا واردها وترجم المصنف في الأدب باب صنع الطعام والتكلف للضيف وأشار بذلك إلى حديث يروي عن سلمان في النهى عن التكلف للضيف أخرجه أحمد وغيره بسند لين والجمع بينهما أنه يقرب لضيفه ما عنده ولا يتكلف ما ليس عنده فإن لم يكن عنده شيء فيسوغ حينئذ التكلف بالطبخ ونحوه قوله فلما كان الليل أي في أوله وفي رواية بن خزيمة وغيره ثم بات عنده قوله يقوم فقال نم في رواية الترمذي وغيره فقال له سلمان نم زاد بن سعد من وجه آخر مرسل فقال له أبو الدرداء أتمنعنى أن أصوم لربى قوله فلما كان في آخر الليل أي عند السحر وكذا هو في رواية بن خزيمة وعند الترمذي فلما كان عند الصبح وللدارقطنى فلما كان في وجه الصبح قوله فصليا في رواية الطبراني فقاما فتوضآ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة قوله ولاهلك عليك حقا زاد الترمذي وابن حزيمة ولضيفك عليك حقا زاد الدارقطني فصم وأفطر وصل ونم وائت أهلك قوله فاتى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الترمذي فأتيا بالتثنية وفي رواية الدارقطني ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي قال له سلمان فقال له يا أبا الدرداء أن لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان ففي هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليهما بأنه علم بطريق الوحي ما دار بينهما وليس ذلك في رواية محمد بن بشار فيحتمل الجمع بين الامرين أنه كاشفهما بذلك أولا ثم اطلعه أبو الدرداء على صورة الحال فقال له صدق سلمان وروى هذا الحديث الطبراني من وجه آخر عن محمد بن سيرين مرسلا فعين الليلة التي بات سلمان فيها عند أبي الدرداء ولفظه قال كان أبو الدرداء يحيى ليلة الجمعة ويصوم يومها فأتاه سلمان فذكر القصة مختصرة وزاد في آخرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم عويمر سلمان أفقه منك انتهى وعويمر اسم أبي الدرداء وفي رواية أبي نعيم المذكورة آنفا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد أوتي سلمان من العلم وفي رواية بن سعد المذكورة لقد أشبع سلمان علما وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية المؤاخاة في الله وزيارة الإخوان والمبيت عندهم وجواز مخاطبة الأجنبية والسؤال عما يترتب عليه المصلحة وأن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل وفيه النصح للمسلم وتنبيه من أغفل وفيه فضل قيام آخر الليل وفيه مشروعية تزين المرأة لزوجها وثبوت حق المرأة على الزوج في حسن العشرة وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء لقوله ولاهلك عليك حقا ثم قال وائت أهلك وقرره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وفيه جواز النهى عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يفضى إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب المذكور وانما الوعيد الوارد على من نهى مصليا عن الصلاة مخصوص بمن نهاه ظلما وعدوانا وفيه كراهية الحمل على النفس في العبادة وسيآتى مزيد بيان لذلك في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفيه جواز الفطر من صوم التطوع كما ترجم له المصنف وهو قول الجمهور ولم يجعلوا عليه قضاء الا أنه يستحب له ذلك وروى عبد الرزاق عن بن عباس أنه ضرب لذلك مثلا كمن ذهب بمال ليتصدق به ثم رجع ولم يتصدق به أو تصدق ببعضه وامسك بعضه ومن حجتهم حديث أم هانئ أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهي صائمة فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت ثم سألته عن ذلك فقال أكنت تقضين يوما من رمضان قالت لا قال فلا بأس وفي رواية أن كان من قضاء فصومى مكانه وأن كان تطوعا فإن شئت فاقضه وأن شئت فلا تقضه أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وله شاهد من حديث أبي سعيد تقدم ذكره في أول الباب وعن مالك الجواز وعدم القضاء بعذر والمنع وإثبات القضاء بغير عذر وعن أبي حنيفة يلزمه القضاء مطلقا ذكره الطحاوي وغيره وشبهه بمن أفسد حج التطوع فإن عليه قضاؤه اتفاقا وتعقب بأن الحج امتاز بأحكام لا يقاس غيره عليه فيها فمن ذلك أن الحج يؤمر مفسدة بالمضى في فاسده والصيام لا يؤمر مفسدة بالمضى فيه فافترقا ولأنه قياس في مقابلة النص فلا يعتبر به وأغرب بن عبد البر فنقل الإجماع على عدم وجوب القضاء عمن أفسد صومه بعذر واحتج من أوجب القضاء بما روى الترمذي والنسائي من طريق جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة وكانت ببيت أبيها فقالت يا رسول الله فذكرت ذلك فقال اقضيا يوما آخر مكانه قال الترمذي رواه بن أبي حفصة وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري مثل هذا ورواه مالك ومعمر وزياد بن سعد وابن عيينة وغيرهم من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا وهو أصح لأن بن جريج ذكر أنه سأل الزهري عنه فقال لم أسمع من عروة في هذا شيئا ولكن سمعت من ناس عن بعض من سأل عائشة فذكره ثم اسنده كذلك وقال النسائي هذا خطا وقال بن عيينة في روايته سئل الزهري عنه أهو عن عروة فقال لا وقال الخلال اتفق الثقات على إرساله وشذ من وصله وتوارد الحفاظ على الحكم بضعف حديث عائشة هذا وقد رواه من لا يوثق به عن مالك موصولا ذكره الدارقطني في غرائب مالك وبين مالك في روايته فقال أن صيامهما كان تطوعا وله من طرق أخرى عند أبي داود من طريق زميل عن عروة عن عائشة وضعفه أحمد والبخاري والنسائي بجهالة حال زميل وعلى تقدير أن يكون محفوظا فقد صح عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يفطر من صوم التطوع كما تقدمت الإشارة إليه في باب من نوى بالنهار صوما وزاد فيه بعضهم فأكل ثم قال لكن أصوم يوما مكانه وقد ضعف النسائي هذه الزيادة وحكم بخطئها وعلى تقدير الصحة فيجمع بينهما بحمل الأمر بالقضاء على الندب وأما قول القرطبي يجاب عن حديث أبي جحيفة بان إفطار أبي الدرداء كان لقسم سلمان ولعذر الضيافة فيتوقف على أن هذا العذر من الاعذار التي تبيح الإفطار وقد نقل بن التين عن مذهب مالك أنه لا يفطر لضيف نزل به ولا لمن حلف عليه بالطلاق والعتاق وكذا لو حلف هو بالله ليفطرن كفر ولا يفطر وسيأتي بعد أبواب من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما زار أم سلم لم يفطر وكان صائما تطوعا وقد انصف بن المنير في الحاشية فقال ليس في تحريم الأكل في صورة النفل من غير عذر الا الأدلة العامة كقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم الا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان وقول المهلب أن أبا الدرداء أفطر متأولا ومجتهدا فيكون معذورا فلا قضاء عليه لا ينطبق على مذهب مالك فلو أفطر أحد بمثل عذر أبي الدرداء عنده لوجب عليه القضاء ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم صوب فعل أبي الدرداء فترقى عن مذهب الصحابي إلى نص الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال بن عبد البر ومن احتج في هذا بقوله ولا تبطلوا أعمالكم فهو جاهل بأقوال أهل العلم فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهى عن الرياء كأنه قال لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل اخلصوها لله وقال آخرون لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر ولو كان المراد بذلك النهى عن إبطال ما لم يفرضه الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر غيره لامتنع عليه الإفطار الا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك والله أعلم تنبيه هذه الترجمة التي فرغنا منها الآن أول أبواب التطوع بدأ المصنف منها بحكم صوم التطوع هل يلزم تمامه بالدخول فيه أم لا ثم أورد بقية أبوابه على ما اختاره من الترتيب

قوله باب صوم شعبان أي استحبابه وكأنه لم يصرح بذلك لما في عمومه من التخصيص وفي مطلقه من التقييد كما سيأتي بيانه وسمي شعبان لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام وهذا أولى من الذي قبله وقيل فه غير ذلك

[ 1868 ] قوله عن أبي النضر هو سالم المدني زاد مسلم مولى عمر بن عبيد الله وفي رواية بن وهب النسائي والدارقطني في الغرائب عن مالك عن أبي النضر أنه حدثهم قوله عن عائشة في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن عائشة حدثته وهو في ثاني حديثي الباب وقوله

[ 1869 ] فيه عن يحيى عن أبي سلمة في رواية مسلم عن يحيى بن أبي كثير واتفق أبو النصر ويحيى ووافقهما محمد بن إبراهيم وزيد بن أبي عتاب عند النسائي محمد بن عمرو عند الترمذي على روايتهم إياه عن أبي سلمة عن عائشة وخالفهم يحيى بن سعيد وسالم بن أبي الجعد فروياه عن أبي سلمة عن أم سلمة أخرجهما النسائي وقال الترمذي عقب طريق سالم بن أبي الجعد هذا إسناد صحيح ويحتمل أن يكون أبو سلمة رواه عن كل من عائشة وأم سلمة قلت ويؤيده أن محمد بن إبراهيم التيمي رواه عن أبي سلمة عن عائشة تارة وعن أم سلمة تارة أخرى أخرجهما النسائي قوله أكثر صياما كذا لأكثر الرواة بالنصب وحكى السهيلي أنه روى بالخفض وهو وهم ولعل بعضهم كتب صياما بغير ألف على رأى من يقف على المنصوب بغير ألف فتوهم مخفوضا أو أن بعض الرواة ظن أنه مضاف لأن صيغة أفضل تضاف كثيرا فتوهمها مضافة وذلك لا يصح هنا قطعا وقوله أكثر بالنصب وهو ثاني مفعولى رأيت وقوله في شعبان يتعلق بصياما والمعنى كان يصوم في شعبان وغيره وكان صيامه في شعبان تطوعا اكثرمن صيامه فيما سواه قوله من شعبان زاد في حديث يحيى بن أبي كثير فإنه كان يصوم شعبان كله زاد بن أبي لبيد عن أبي سلمة عن عائشة عند مسلم كان يصوم شعبان إلا قليلا ورواه الشافعي من هذا الوجه بلفظ بل كان يصوم الخ وهذا يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود وغيره أنه كان لا يصوم من السنة شهرا تاما الا شعبان يصله برمضان أي كان يصوم معظمه ونقل الترمذي عن بن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره قال الترمذي كأن بن المبارك جمع بين الحديثين بذلك وحاصله أن الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها وأن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال واستبعده الطيبي قال لأن الكل تأكيد لإرادة الشمول ودفع التجوز فتفسيره بالبعض مناف له قال فيحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان وقيل المراد بقولها كله أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورا فلا يخلى شيئا منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض وقال الزين بن المنير إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة والمراد الأكثر وإما أن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان وأخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله اه ولا يخفى تكلفه والأول هو الصواب ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عنها عند النسائي ولفظه ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان وهو مثل حديث بن عباس المذكور في الباب الذي بعد هذا واختلف في الحكمة في اكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان فقيل كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان أشار إلى ذلك بن بطال وفيه حديث ضعيف أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان وابن أبي ليلى ضعيف وحديث الباب والذي بعده دال على ضعف ما رواه وقيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان وورد فيه حديث آخر أخرجه الترمذي من طريق صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان قال شعبان لتعظيم رمضان قال الترمذي حديث غريب وصدقة عندهم ليس بذاك القوي قلت ويعارضه ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم وقيل الحكمة في إكثاره من الصيام في شعبان دون غيره أن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان وهذا عكس ما تقدم في الحكمة في كونهن كن يؤخرن قضاء رمضان إلى شعبان لأنه ورد فيه أن ذلك لكونهن كن يشتغلن معه صلى الله عليه وسلم عن الصوم وقيل الحكمة في ذلك أنه يعقبه رمضان وصومه مفترض وكان يكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره لما يفوته من التطوع بذلك في أيام رمضان والأولى في ذلك ما جاء في حديث أصح مما مضى أخرجه النسائي وأبو داود وصححه بن خزيمة عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى لكن قال فيه إن الله يكتب كل نفس ميته تلك السنة فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم ولا تعارض بين هذا وبين ما تقدم من الأحاديث في النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وكذا ما جاء من النهى عن صوم نصف شعبان الثاني فإن الجمع بينهما ظاهر بان يحمل النهى على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان وأجاب النووي عن كونه لم يكثر من الصوم في المحرم مع قوله أن أفضل الصيام ما يقع فيه بأنه يحتمل أن يكون ما علم ذلك إلا في آخر عمره فلم يتمكن من كثرة الصوم في المحرم أو اتفق له فيه من الاعذار بالسفر والمرض مثلا ما منعه من كثرة الصوم فيه وقد تقدم الكلام على قوله لا يمل الله حتى تملوا وعلى بقية الحديث في باب أحب الدين إلى الله أدومه وهو في آخر كتاب الإيمان ومناسبة ذلك للحديث الإشارة إلى أن صيامه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يتاسى به فيه الا من طاق ما كان يطيق وأن من اجهد نفسه في شيء من العبادة خشي عليه أن يمل فيفضي إلى تركه والمداومة على العبادة وإن قلت أولى من جهد النفس في كثرتها إذا انقطعت فالقليل الدائم أفضل من الكثير المنقطع غالبا وقد تقدم الكلام على مداومته صلى الله عليه وسلم على صلاة التطوع في بابها

قوله باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلم أي التطوع وافطاره أي في خلل صيامه قال الزين بن المنير لم يضف المصنف الترجمة التي قبل هذه للنبي صلى الله عليه وسلم وأطلقها ليفهم الترغيب للأمة في الاقتداء به في اكثار الصوم في شعبان وقصد بهذه شرح حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ثم ذكر البخاري في الباب حديثين الأول حديث بن عباس

[ 1870 ] قوله عن أبي بشر هو جعفر بن أبي وحشية قوله عن سعيد بن جبير في رواية شعبة عن أبي بشر حدثني سعيد بن جبير أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه ولمسلم من طريق عثمان بن حكيم سألت سعيد بن جبير عن صيام رجب فقال سمعت بن عباس قوله ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا قط غير رمضان في رواية شعبة عند مسلم ما صام شهرا متتابعا وفي رواية أبي داود الطيالسي شهرا تاما منذ قدم المدينة غير رمضان قوله ويصوم في رواية مسلم من الطريق التي أخرجها البخاري وكان يصوم قوله حتى يقول القائل لا والله لا يفطر في رواية شعبة حتى يقولوا ما يريد أن يفطر الحديث الثاني حديث أنس

[ 1871 ] قوله حدثني محمد بن جعفر أي بن أبي كثير المدني وحميد هو الطويل قوله حتى نظن بنون الجمع وبالتحتانية على البناء للمجهول ويجوز بالمثناه على المخاطبة ويؤيده قوله بعد ذلك الا رأيته فإنه روى بالضم والفتح معا قوله ان لا يصوم بفتح الهمزة ويجوز في يصوم النصب والرفع

[ 1872 ] قوله حدثني محمد كذا للأكثر ولأبي ذر هو بن سلام قوله وقال سليمان عن حميد أنه سأل أنسا في الصوم كنت أظن أن سليمان هذا هو بن بلال لكن لم أره بعد التتبع التام من حديثه فظهر لي أنه سليمان بن حبان أبو خالد الأحمر وقد وصل المصنف حديثه عقب هذا وفيه سألت أنسا عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث أتم من طريق محمد بن جعفر لكن تقدم بعض هذا الحديث في الصلاة وقال فيه تابعه سليمان وأبو خالد الأحمر فهذا يدل على التعدد ويحتمل أن تكون الواو مزيدة كما تقدمت الإشارة إليه قوله ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما الا رايته يعني أن حاله في التطوع بالصيام والقيام كان يختلف فكان تارة يقوم من أول الليل وتارة في وسطه وتارة من آخره كما كان يصوم تارة من أول الشهر وتارة من وسطه وتارة من آخره فكان من أراد أن يراه وقت من أوقات الليل قائما أو في وقت من أوقات الشهر صائما فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه هذا معنى الخبر وليس المراد أنه كان يسرد الصوم ولا أنه كان يستوعب الليل قياما ولا يشكل على هذا قول عائشة في الباب قبله وكان إذا صلى صلاة داوم عليها وقوله في الرواية الأخرى الآتية بعد أبواب كان عمله ديمة لأن المراد بذلك ما اتخذه راتبا لا مطلق النافلة فهذا وجه الجمع بين الحديثين وإلا فظاهر هما التعارض والله أعلم قوله ولامسست بكسر المهملة الأولى على الافصح وكذا شممت بكسر الميم الأولى وفتحها لغة حكاها الفراء ويقال في مضارعه اشمه وامسه بالفتح فيهما على الافصح وبالضم على اللغة المذكورة قوله من رائحة كذا للأكثر وللكشميهني من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان على أكمل الصفات خلقا وخلقا فهو كل الكمال وجل الجلال وجملة الجمال عليه أفضل الصلاة والسلام وسيأتى شرح ما تضمنه هذا الحديث في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل السيرة النبوية إن شاء الله تعالى مستوفى وفي حديثي الباب استحباب التنفل بالصوم في كل شهر وأن صوم النفل المطلق لا يختص بزمان الا ما نهى عنه وأنه صلى الله عليه وسلم لم يصم الدهر ولا قام الليل كله وكأنه ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على الأمة وأن كان قد أعطى من القوة ما لو التزم ذلك لأقتدر عليه لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى فصام وأفطر وقام ونام أشار إلى ذلك المهلب وفي حديث بن عباس الحلف على الشيء وإن لم يكن هناك من ينكره مبالغة في تأكيده في نفس السامع

قوله باب حق الضيف في الصوم قال الزين بن المنير لو قال حق الضيف في الفطر لكان أوضح لكنه كان لا يفهم منه تعيين الصوم فيحتاج أن يقول من الصوم وكأن ما ترجم به اخصر وأوجز

[ 1873 ] قوله حدثنا إسحاق قال أبو على الجياني لم ينسب إسحاق هذا عند أحد منهم قلت لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه بن راهويه لأنه أخرجه من مسنده ثم قال أخرجه البخاري عن إسحاق ويؤيده أن بن راهويه لا يقول في الرواية عن شيوخه الا صيغة الأخبار وكذلك هو هنا وهارون بن إسماعيل شيخه هو الخزاز كان تاجرا صدوقا ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر في الاعتكاف كلاهما من روايته عن على بن المبارك وقد أخرج كلا من الحديثين من غير طريقه ويحيى هو بن أبي كثير قوله دحل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث هكذا أورده مختصرا وفسر البخاري المراد منه بقوله يعني أن لزورك عليك حقا إلى آخر ما ذكر من الحديث وهو على طريقة البخاري في جواز اختصار الحديث وقد أورده في الباب الذي يليه من طريق الأوزاعي وأورده في الأدب من طريق حسين المعلم كلاهما عن يحيى بن أبي كثير وأورده قريبا من طريق الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب ومن طريق أبي العباس الأعمى من وجهين ومن طريق مجاهد وأبي المليح كلهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص بالحديث مطولا ومختصرا ورواه جماعة من الكوفيين والبصريين والشاميين عن عبد الله بن عمرو مطولا ومختصرا فمنهم من اقتصر على قصة الصلاة ومنهم من اقتصر على قصة الصيام ومنهم من ساق القصة كلها ولم أره من رواية أحد من المصريين عنه مع كثرة روايتهم عنه وسأذكر الكلام عليه في الباب الذي يليه وانبه على ما في رواية كل منهم من فائدة زائدة سوى ما تقدم شرحه في أبواب التهجد وسيأتى ما يتعلق بحق الضيف في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى

قوله باب حق الجسم في الصوم أي على المتطوع والمراد بالحق هنا المطلوب أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا فأما الواجب فيختص بما إذا خاف التلف وليس مرادا هنا

[ 1874 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله ألم أخبر انك تصوم النهار وتقوم الليل زاد مسلم من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى فقلت بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك الا الخير وفي الباب الذي يليه أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول والله لأصومن من النهار ولأقومن الليل ما عشت وللنسائي من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة قال قال لي عبد الله بن عمرو يا بن أخي أني قد كنت اجمعت على أن اجتهد اجتهادا شديدا حتى قلت لأ صومن الدهر ولأقرأن القرآن في كل ليلة ويأتي في فضائل القرآن من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال أنكحنى أبي امرأة ذات حسب وكان يتعاهدها فسألها عن بعلها فقالت نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي الفتى فلقيته بعد فذكر الحديث زاد النسائي وابن خزيمة وسعيد بن منصور من طريق أخرى عن مجاهد فوقع على أبي فقال زوجتك امرأة فعضلتها وفعلت وفعلت وفعلت قال فلم ألتفت إلى ذلك لما كانت لي من القوة فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال القني به فأتيته معه ولأحمد من هذا الوجه ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكانى وسيأتى بعد أبواب من طريق أبي المليح عن عبد الله بن عمرو قال ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم صومي فدخل على فألقيت له وسادة ويأتي بعد باب من طريق أبي العباس عن عبد الله بن عمرو بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم واصلى الليل فإما أرسل لي وأما لقيته ويجمع بينهما بان يكون عمرو توجه بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه من غير أن يستوعب ما يريد من ذلك ثم أتاه إلى بيته زيادة في التاكيد قوله فلا تفعل زاد بعد بابين فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين الحديث وقد تقدم تفسيره في كتاب التهجد وزاد في رواية بن خزيمة من طريق حصين عن مجاهد إن لكل عامل شرة وهو بكسر المعجمة وتشديد الراء ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك قوله وأن لعينيك عليك حقا في رواية الكشميهني لعينك بالافراد قوله وان لزورك بفتح الزاي وسكون الواو أي لضيفك والزور مصدر وضع موضع الاسم كصوم في موضع صائم ونوم في موضع نائم ويقال للواحد والجمع والذكر والأنثى زور قال بن التين ويحتمل أن يكون زور جمع زائر كركب جمع راكب وتجر جمع تاجر زاد مسلم من طريق حسين المعلم عن يحيى وأن لولدك عليك حقا وزاد النسائي من طريق أبي إسماعيل عن يحيى وأنه عسى أن يطول بك عمر وفيه إشارة إلى ما وقع لعبد الله بن عمرو بعد ذلك من الكبر والضعف كما سيأتي قوله وان بحسبك بإسكان السين المهملة أي كافيك والباء زائدة ويأتي في الأدب من طريق حسين المعلم عن يحيى بلفظ وإن من حسبك قوله أن تصوم من كل شهر في رواية الكشميهني في كل شهر قوله فإذن ذلك هو بتنوين إذن وهي التيى يجاب بها أن وكذا لو صريحا أو تقديرا وأن هنا مقدرة كأنه قال أن صمتها فإذن ذلك صوم الدهر وروى بغير تنوين وهي للمفاجاة وفي توجيهها هنا تكلف قوله إني أجد قوة قال فصم صيام نبي الله داود في هذه الرواية اختصار فإن في رواية حسين المذكورة فصم من كل جمعة ثلاثة أيام ويأتي في الباب بعده فصم يوما وأفطر يومين وفي رواية أبي المليح يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام قلت يا رسول الله قال خمسا قلت يا رسول الله قال سبعا قلت يا رسول الله قال تسعا قلت يا رسول الله قال إحدى عشرة واستدل به عياض على تقديم الوتر على جميع الأمور وفيه نظر لما في رواية مسلم من طريق أبي عياض عن عبد الله بن عمرو صم يوما يعني من كل عشرة أيام ولك أجر ما بقي قال أني اطيق أكثر من ذلك قال صم يومين ولك أجرا ما بقي قال أني اطيق أكثر من ذلك قال صم ثلاثة أيام ولك أجرا ما بقي قال أني اطيق أكثر من ذلك قال صم أربعة أيام ولك أجرا ما بقي قال أني اطيق أكثر من ذلك قال صم صوم داود وهذا يقتضى أنه أمره بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ثم بستة ثم بتسعة ثم باثني عشر ثم بخسمة عشر فالظاهر أنه أمره بالاقتصار على ثلاثة أيام من كل شهر فلما قال أنه يطيق أكثر من ذلك زاده بالتدريج إلى أن وصله إلى خمسة عشر يوما فذكر بعض الرواة عنه ما لم يذكره الآخر ويدل على ذلك رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن أبي داود فلم يزل يناقصنى وأناقصه ووقع للنسائي في رواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة صم الإثنين والخميس من كل جمعة وهو فرد من أفراد ما تقدم ذكره وقد استشكل قوله صم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر ما بقي مع قوله صم من كل عشرة أيام يومين ولك أجر ما بقي الخ لأنه يقتضى الزيادة في العمل والنقص من الأجر وبذلك ترجم له النسائي وأجيب بأن المراد لك أجرا ما بقي بالنسبة إلى التضعيف قال عياض قال بعضهم معنى صم يوما ولك أجر ما بقي أي من العشرة وقوله صم يومين ولك أجر ما بقي أي من العشرين وفي الثلاثة ما بقي من الشهر وحمله على ذلك استبعاد كثرة العمل وقلة الأجر وتعقبه عياض بأن الأجر إنما اتحد في كل ذلك لأنه كان نيته أن يصوم جميع الشهر فلما منعه صلى الله عليه وسلم من ذلك إبقاء عليه لما ذكر بقي أجر نيته على حاله سواء صام منه قليلا أو كثيرا كما تأوله في حديث نية المؤمن خير من عمله أي إن أجره في نيته أكثر من أجر عمله لامتداد نيته بما لا يقدر على عمله انتهى والحديث المذكور ضعيف وهو في مسند الشهاب والتأويل المذكور لا بأس به ويحتمل أيضا أجراء الحديث على ظاهره السبب فيه أنه كلما ازداد من الصوم ازداد من المشقة الحاصلة بسببه المقتضبة لتفويت بعض الأجر الحاصل من العبادات التي قد يفوتها مشقة الصوم فينقص الأجر باعتبار ذلك على أن قوله في نفس الخبر صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي يرد الحمل الأول فإنه يلزم منه على سياق التأويل المذكور أن يكون التقدير ولك أجر أربعين وقد قيده في نفس الحديث بالشهر والشهر لا يكون أربعين وكذلك قوله في رواية أخرى للنسائي من طريق بن أبي ربيعة عن عبد الله بن عمرو بلفظ صم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر تلك التسعة ثم قال فيه من كل تسعة أيام يوما ولك أجر تلك الثمانية ثم قال من كل ثمانية أيام يوما ولك أجر السبعة قال فلم يزل حتى قال صم يوما وأفطر يوما وله من طريق شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو عن جده بلفظ صم يوما ولك أجر عشرة قلت زدني قال صم يومين ولك أجر تسعة قلت زدني قال صم ثلاثة ولك أجر ثمانية فهذا يدفع في صدر ذلك التأويل الأول والله أعلم قوله ولا تزد عليه أي على صوم داود زاد أحمد وغيره من رواية مجاهد قلت قد قبلت قوله وكان عبد الله بن عمرو يقول بعد ما كبر يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليه فعله لعجزه ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له فتمنى أن لو قبل الرخصة فأخذ بالأخف قلت ومع عجزه وتمنيه الأخذ بالرخصة لم يترك العمل بما التزمه بل صار يتعاطى فيه نوع تخفيف كما في رواية حصين المذكورة وكان عبد الله حين ضعف وكبر يصوم تلك الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعض ثم يفطر بعدد تلك الأيام فيقوى بذلك وكان يقول لأن أكون قبلت الرخصة أحب إلى مما عدل به لكننى فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره

قوله باب صوم الدهر أي هل يشرع أو لا قال الزين بن المنير لم ينص على الحكم لتعارض الأدلة واحتمال أن يكون عبد الله بن عمرو خص بالمنع لما اطلع النبي صلى الله عليه وسلم عليه من مستقبل حاله فيلتحق به من في معناه ممن يتضرر بسرد الصوم ويبقى غيره على حكم الجواز لعموم الترغيب في مطلق الصوم كما سيأتي في الجهاد من حديث أبي سعيد مرفوعا من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار

[ 1875 ] قوله فإنك لا تستطيع ذلك يحتمل أن يريد به الحالة الراهنة لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يتكلف ذلك ويدخل به على نفسه المشقة ويفوت به ما هو أهم من ذلك ويحتمل أن يريد به ما سيأتي بعد إذا كبر وعجز كما اتفق له سواء وكره أن يوظف على نفسه شيئا من العبادة ثم يعجز عنه فيتركه لما تقرر من ذم من فعل ذلك قوله وصم من الشهر ثلاثة أيام بعد قوله فصم وأفطر بيان لما أجمل من ذلك وتقرير له على ظاهره إذ الإطلاق يقتضى المساواة قوله مثل صيام الدهر يقتضى أن المثلية لا تستلزم التساوى من كل جهة لأن المراد به هنا أصل التضعيف دون الحاصل من الفعل ولكن يصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر مجازا قوله بعد ذكر صيام داود لا أفضل من ذلك ليس فيه نفى المساواة صريحا لكن قوله في الرواية الماضية في قيام الليل من طريق عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو أحب الصيام إلى الله صيام داود يقتضى ثبوت الأفضلية مطلقا ورواه الترمذي من وجه آخر عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو بلفظ أفضل الصيام صيام داود وكذلك رواه مسلم من طريق أبي عياض عن عبد الله ومقتضاه أن تكون الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة وسأذكر بسط ذلك في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى

قوله باب حق الأهل في الصوم رواه أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني حديث أبي جحيفة في قصة سلمان وأبي الدرداء التي تقدمت قبل خمسة أبواب وفيها قول سلمان لأبي الدرداء وأن لأهلك عليك حقا وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد تقدم الكلام عليه قبل

[ 1876 ] قوله حدثنا عمرو بن علي الفلاس وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل وهو من شيوخ البخاري الذين أكثر عنهم وربما روى عنه بواسطة ما فاته منه كما في هذا الموضع وكأنه أختار النزول من طريقه هذه لوقوع التصريح فيها بسماع بن جريج له من عطاء وهو بن أبي رباح وأبو العباس يأتي القول فيه بعد باب قوله بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم سبقت تسمية الذي بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأنه عمرو بن العاص والد عبد الله قوله وتصلي في رواية مسلم من وجه آخر عن بن جريج وتصلى الليل فلا تفعل قوله فإن لعينيك في رواية السرخسي والكشميهني لعينك بالإفراد قوله عليك حظا كذا فيه في الموضعين بالظاء المعجمة وكذا لمسلم وعند الإسماعيلي حقا بالقاف وعنده وعند مسلم من الزيادة وصم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر التسعة قوله إني لأقوى لذلك أي لسرد الصيام دائما وفي رواية مسلم إني اجدنى أقوى من ذلك يا نبي الله قوله قال وكيف في رواية مسلم وكيف كان داود يصوم يا نبي الله قوله ولا يفر إذا لاقى زاد النسائي من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وإذا وعد لم يخلف ولم أرها من غير هذا الوجه ولها مناسبة بالمقام واشارة إلى أن سبب النهى خشية أن يعجز عن الذي يلزمه فيكون كمن وعد فإخلف كما أن في قوله ولا يفر إذا لاقى إشارة إلى حكمة صوم يوم وإفطار يوم قال الخطابي محصل قصة عبد الله بن عمرو أن الله تعالى لم يتعبد عبده بالصوم خاصة بل تعبده بأنواع من العبادات فلو استفرغ جهده لقصر في غيره فالأولى الاقتصاد فيه ليستبقى بعض القوة لغيره وقد اشير إلى ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام في داود عليه السلام وكان لا يفر إذا لاقى لأنه كان يتقوى بالفطر لأجل الجهاد قوله قال عطاء أي بالإسناد المذكور قوله لا أدري كيف ذكر صيام الأبد إلخ أي أن عطاء لم يحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة الا أنه حفظ أن فيها أنه صلى الله عليه وسلم قال لا صام من صام الأبد وقد روى أحمد والنسائي هذه الجملة وحدها من طريق عطاء وسيأتى بعد باب بلفظ لا صام من صام الدهر قوله لا صام من صام الأبد مرتين في رواية مسلم قال عطاء فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا صام من صام الأبد لا صام من صام الأبد واستدل بهذا على كراهية صوم الدهر قال بن التين استدل على كراهته من هذه القصة من أوجه نهيه صلى الله عليه وسلم عن الزيادة وأمره بأن يصوم ويفطر وقوله لا أفضل من ذلك ودعاؤه على من صام الأبد وقيل معنى قوله لا صام النفي أي ما صام كقوله تعالى فلا صدق ولا صلى وقوله في حديث أبي قتادة عند مسلم وقد سئل عن صوم الدهر لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر وفي رواية الترمذي لم يصم ولم يفطر وهو شك من أحد رواته ومقتضاه أنهما بمعنى واحد والمعنى بالنفى أنه لم يحصل أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك وإلى كراهة صوم الدهر مطلقا ذهب إسحاق وأهل الظاهر وهي رواية عن أحمد وشذ بن حزم فقال يحرم وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بن عمرو الشيباني قال بلغ عمر أن رجلا يصوم الدهر فأتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول كل يا دهرى ومن طريق أبي إسحاق أن عبد الرحمن بن أبي نعيم كان يصوم الدهر فقال عمرو بن ميمون لو رأى هذا أصحاب محمد لرجموه واحتجوا أيضا يحديث أبي موسى رفعه من صام الدهر ضيقت عليه جهنم وعقد بيده أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وظاهره أنها تضيق عليه حصرا له فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبه عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم واعتقاده أن غير سنته أفضل منها وهذا يقتضى الوعيد الشديد فيكون حراما وإلى الكراهة مطلقا ذهب بن العربي من المالكية فقال قوله لا صام من صام الأبد أن كان معناه الدعاء فياويح من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وأن كان معناه الخبر فياويح من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم وإذا لم يصم شرعا لم يكتب له الثواب لوجوب صدق قوله صلى الله عليه وسلم لأنه نفى عنه الصوم وقد نفى عنه الفضل كما تقدم فكيف يطلب الفضل فما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم وذهب آخرون إلى جواز صيام الدهر وحملوا أخبار النهى على من صامه حقيقة فإنه يدخل فيه ما حرم صومه كالعيدين وهذا اختيار بن المنذر وطائفة وروى عن عائشة نحوه وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم قد قال جوابا لمن سأله عن صوم الدهر لا صام ولا أفطر وهو يؤذن بأنه ما أجر ولا أثم ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه عند من أجاز صوم الدهر الا الأيام المحرمة يكون قد فعل مستحبا وحراما وأيضا فإن أيام التحريم مستثناة بالشرع غير قابلة للصوم شرعا فهي بمنزلة الليل وأيام الحيض فلم تدخل في السؤال عند من علم تحريمها ولا يصلح الجواب بقوله لا صام ولا أفطر لمن لم يعلم تحريمها وذهب آخرون إلى استحباب صيام الدهر لمن قوي عليه ولم يفوت فيه حقا وإلى ذلك ذهب الجمهور قال السبكي أطلق أصحابنا كراهة صوم الدهر لمن فوت حقا ولم يوضحوا هذا المراد الحق الواجب أو المندوب ويتجه أن يقال أن علم أنه يفوت حقا واجبا حرم وأن علم أنه يفوت حقا مندوبا أولى من الصيام كره وأن كان يقوم مقامه فلا وإلى ذلك أشار بن خزيمة فترجم ذكر العلة التي بها زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر وساق الحديث الذي فيه إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونفهت نفسك ومن حجتهم حديث حمزة بن عمرو الذي مضى فإن في بعض طرقه عند مسلم أنه قال يا رسول الله إني أسرد الصوم فحملوا قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو لا أفضل من ذلك أي في حقك فيلتحق به من في معناه ممن يدخل فيه على نفسه مشقة أو يفوت حقا ولذلك لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد فلو كان السرد ممتعا لبينه له لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز قاله النووي وتعقب بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر فقد قال أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم فيقال لا يفطر أخرجه أحمد ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم الدهر فلا يلزم من ذكر السرد صيام الدهر وأجابوا عن حديث أبي موسى المقدم ذكره بأن معناه ضيقت عليه فلا يدخلها فعلى هذا تكون على بمعنى عن أي ضيقت عنه وهذا التأويل حكاه الأثرم عن مسدد وحكى رده عن أحمد وقال بن خزيمة سألت المزني عن هذا الحديث فقال يشبه أن يكون معناه ضيقت عنه فلا يدخلها ولا يشبه أن يكون على ظاهره لأن من أزداد لله عملا وطاعة ازداد عند الله رفعة وعلته كرامة ورجح هذا التأويل جماعة منهم الغزالي فقالوا له مناسبة من جهة أن الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة وتعقب بأنه ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا بل رب عمل صالح إذا ازداد منه ازداد بعدا كالصلاة في الأوقات المكروهة والأولى أجراء الحديث على ظاهره وحمله على من فوت حقا واجبا بذلك فإنه يتوجه إليه الوعيد ولا يخالف القاعدة التي أشار إليها المزني ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق حديث الباب كما تقدم في الطريقين الماضيين فإن الحسنة بعشرة أمثالها وذلك مثل صيام الدهر وقوله فيما رواه مسلم من صام رمضان واتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر قالوا فدل ذلك على أن صوم الدهر أفضل مما شبه به وأنه أمر مطلوب وتعقب بأن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضى جوازه فضلا عن استحبابه وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه واختلف المجيزون لصوم الدهر بالشرط المتقدم هل هو أفضل أو صيام يوم وافطار يوم أفضل فصرح جماعة من العلماء بان صوم الدهر أفضل لأنه أكثر عملا فيكون أكثر أجرا وما كان أكثر أجرا كان أكثر ثوابا وبذلك جزم الغزالي أولا وقيده بشرط أن لا يصوم الأيام المنهي عنها وأن لا يرغب عن السنة بأن يجعل الصوم حجرا على نفسه فإذا أمن من ذلك فالصوم من أفضل الأعمال فالاستكثار منه زيادة في الفضل وتعقبه بن دقيق العيد بان الأعمال متعارضة في المصالح والمفاسد ومقدار كل منها في الحث والمنع غير متحقق فزيادة الأجر بزيادة العمل في شيء يعارضه اقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى يعارضها العمل المذكور ومقدار الفائت من ذلك مع مقدار الحاصل غير متحقق فالأولى التفويض إلى حكم الشارع ولما دل عليه ظاهر قوله لا أفضل من ذلك وقوله إنه أحب الصيام إلى الله تعالى وذهب جماعة منهم المتولى من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل وهو ظاهر الحديث بل صريحه ويترجح من حيث المعنى أيضا بان صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق كما تقدم وبأن من اعتاده فإن لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الأكل وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهارا ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يوما ويفطر يوما فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق الصيام ويامن من ذلك غالبا من تفويت الحقوق كما تقدمت الإشارة إليه فيما تقدم قريبا في حق داود عليه السلام ولا يفر إذا لاقى لأن من أسباب الفرار ضعف الجسد ولا شك أن سرد الصوم ينهكه وعلى ذلك يحمل قول بن مسعود فيا رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه أنه قيل له انك لتقل الصيام فقال إني أخاف أن يضعفنى عن القراءة والقراءة أحب إلي من الصيام نعم أن فرض أن شخصا لا يفوته شيء من الأعمال الصالحة بالصيام أصلا ولا يفوت حقا من الحقوق التي خوطب بها لم يبعد أن يكون في حقه أرجح وإلى ذلك أشار بن خزيمة فترجم الدليل على أن صيام داود إنما كان أعدل الصيام وأحبه إلى الله لأن فاعله يؤدي حق نفسه وأهله وزائره أيام فطره بخلاف من يتابع الصوم وهذا يشعر بأن من لا يتضرر في نفسه ولا يفوت حقا أن يكون أرجح وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الأشخاص والاحوال فمن يقتضى حاله الإكثار من الصوم أكثر منه ومن يقتضى حاله الإكثار من الإفطار أكثر منه ومن يقتضى حاله المزج فعله حتى أن الشخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك وإلى ذلك أشار الغزالي أخيرا والله أعلم بالصواب

قوله باب صوم يوم وافطار يوم ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو من طريق شعبة عن مغيرة عن مجاهد عنه مختصرا وقد أخرجه في فضائل القرآن من طريق أبي عوانة عن مغيرة مطولا وسيأتى الكلام عليه فيما يتعلق بقراءة القرآن هناك وقد تقدم الكلام على فوائد الزيادة المتعلقة بالصيام قريبا

قوله باب صوم داود عليه السلام أورد فيه حديث عبد الله بن عمرو من وجهين وقد قدمت محصل فوائدهما المتعلقة بالصيام قال الزين بن المنير أفرد ترجمة صوم يوم وافطار يوم بالذكر للتنبيه على أفضليته وافرد صيام داود عليه السلام بالذكر للإشارة إلى الاقتداء به في ذلك قوله في الطريق الأولى وكان شاعرا وكان لا يتهم في حديثه فيه إشارة إلى أن الشاعر بصدد أن يتهم في حديثه لما تقتضيه صناعته من سلوك المبالغة في الطراء وغيره فأخبر الراوي عنه أنه مع كونه شاعرا كان غير متهم في حديثه وقوله في حديثه يحتمل مرويه من الحديث النبوي ويحتمل فيما هو أعم من ذلك والثاني أليق وإلا لكان مرغوبا عنه والواقع أنه حجة عند كل من أخرج الصحيح وافصح بتوثيقه أحمد وابن معين وآخرون وليس له مع ذلك في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين أحدهما في الجهاد والآخر في المغازي وأعادهما معا في الأدب وقد تقدم حديث الباب في التهجد من وجه آخر قوله ونفهت بكسر الفاء أي تعبت وكلت ووقع في رواية النسفي نثهت بالمثلثة بدل الفاء وقد استغربها بن التين فقال لا أعرف معناها قلت وكأنها ابدلت من الفاء فإنها تبدل منها كثيرا وفي رواية الكشميهني بدلها ونهكت أي هزلت وضعفت قوله صوم ثلاثة أيام أي من كل شهر صوم الدهر كله أي بالتضعيف كما تقدم صريح قوله في الطريق الثانية أخبرني أبو المليح هو عامر وقيل زيد وقيل زياد بن أسامة بن عمير الهذلي لأبيه صحبة وليس لأبي المليح في البخاري سوى هذا الحديث واعاده في الاستئذان وآخر تقدم في المواقيت في موضعين من روايته عن بريدة قوله دخلت مع أبيك وقع في الاستئذان مع أبيك زيد وهو والد أبي قلابة عبد الله بن زيد بن عمرو وقيل عامر الجرمي قوله فاما أرسل إلى وأما لقيته شك من بعض رواته وغلط من قال إنه شك من عبد الله بن عمرو لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم قصده إلى بيته فدل على أن لقاءه إياه كان عن قصد منه إليه قوله فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع وترك الاستئثار على جليسه وفي كون الوسادة من أدم حشوها ليف بيان ما كان عليه الصحابة في غالب أحوالهم في عهده صلى الله عليه وسلم من الضيق إذ لو كان عنده أشرف منها لأكرم بها نبيه صلى الله عليه وسلم قوله خمسا في رواية الكشميهني خمسة وكذا في البواقي فمن قال خمسة أراد الأيام ومن قال خمسا أراد الليالي وفيه تجوز قوله قال إحدى عشرة زاد في رواية عمرو بن عون قلت يا رسول الله قوله شطر الدهر بالرفع على القطع ويجوز النصب على إضمار فعل والجر على البدل من صوم داود قوله صم يوما وأفطر يوما في رواية عمرو بن عون صيام يوم وافطار يوم ويجوز فيه الحركات أيضا وفي قصة عبد الله بن عمرو هذه من الفوائد غير ما تقدم هنا وفي أبواب التهجد بيان رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم وارشاده إياهم إلى ما يصلحهم وحثه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه ونهيهم عن التعمق في العبادة لما يخشى من إفضائه إلى الملل المفضى إلى الترك أو ترك البعض وقد ذم الله تعالى قوما لازموا العبادة ثم فرطوا فيها وفيه الندب إلى الدوام على ما وظفه الإنسان على نفسه من العبادة وفيه جواز الأخبار عن الأعمال الصالحة والاوراد ومحاسن الأعمال ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الرياء وفيه جواز القسم على التزام العبادة وفائدته الاستعانة باليمين على النشاط لها وأن ذلك لا يخل بصحة النية والإخلاص فيها وأن اليمين على ذلك لا يلحقها بالنذر الذي يجب الوفاء به وفيه جواز الحلف من غير استحلاف وأن النفل المطلق لا ينبغي تحديده بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والاوقات والاحوال وفيه جواز التفدية بالأب والأم وفيه الإشارة إلى الافتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أنواع العبادات وفيه أن طاعة الوالد لا تجب في ترك العبادة ولهذا أحتاج عمرو إلى شكوى ولده عبد الله ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ترك طاعته لأبيه وفيه زيارة الفاضل للمفضول في بيته واكرام الضيف بالقاء الفرش ونحوها تحته وتواضع الزائر بجلوسه دون ما يفرش له وأن لا حرج عليه في ذلك إذا كان على سبيل التواضع والإكرام للمزور

قوله باب صيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة كذا للأكثر وللكشميهني صيام أيام البيض ثلاث عشرة الخ قيل المراد بالبيض الليالي وهي التي يكون فيها القمر من أول الليل إلى آخره حتى قال الجواليقي من قال الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ وفيه نطر لأن اليوم الكامل هو النهار بليلته وليس في الشهر يوم أبيض كله الا هذه الأيام لأن ليلها أبيض ونهارها أبيض فصح قول الأيام البيض على الوصف وحكى بن بزيزة في تسميتها بيضا اقوالا أخر مستندة إلى أقوال واهية قال الإسماعيلي وابن بطال وغيرهما ليس في الحديث الذي أورده البخاري في هذا الباب ما يطابق الترجمة لأن الحديث مطلق في ثلاثة أيام من كل شهر والبيض مقيدة بما ذكر وأجيب بان البخاري جرى على عادته في الإيماء إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وهو ما رواه أحمد والنسائي وصححه بن حبان من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فأمرهم أن يأكلوا وأمسك الأعرابي فقال ما منعك أن تأكل فقال إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر قال أن كنت صائما فصم الغر أي البيض وهذا الحديث اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافا كثيرا بينه الدارقطني وفي بعض طرقه عند النسائي أن كنت صائما فصم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وجاء تقييدها أيضا في حديث قتادة بن ملحان ويقال بن منهال عند أصحاب السنن بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وقال هي كهيئة الدهر وللنسائي من حديث جرير مرفوعا صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة الحديث وإسناده صحيح وكان البخاري أشار بالترجمة إلى أن وصية أبي هريرة بذلك لا تختص به وأماما رواه أصحاب السنن وصححه بن خزيمة من حديث بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر وما روى أبو داود والنسائي من حديث حفصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الإثنين والخميس والإثنين من الجمعة الأخرى فقد جمع بينهما وما قبلهما البيهقي بما أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي من أي الشهر صام قال فكل من رآه فعل نوعا ذكره وعائشة رأت جميع ذلك وغيره فأطلقت والذي يظهر أن الذي أمر به وحث عليه ووصى به أولى من غيره وأما هو فلعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز وكل ذلك في حقه أفضل وتترجح البيض بكونها وسط الشهر ووسط الشيء أعدله ولأن الكسوف غالبا يقع فيها وقد ورد الأمر بمزيد العبادة إذا وقع فإذا اتفق الكسوف صادف الذي يعتاد صيام البيض صائما فيتهيأ له أن يجمع بين أنواع العبادات من الصيام والصلاة والصدقة بخلاف من لم يصمها فإنه لا يتأتى له استدراك صيامها ولا عند من يجوز صيام التطوع بغير نية من الليل إلا إن صادف الكسوف من أول النهار ورجح بعضهم صيام الثلاثة في أول الشهر لأن المرء لا يدري ما يعرض له من الموانع وقال بعضهم يصوم من أول كل عشرة أيام يوما وله وجه في النظر ونقل ذلك عن أبي الدرداء وهو يوافق ما تقدم في رواية النسائي في حديث عبد الله بن عمرو صم من كل عشرة أيام يوما وروى الترمذي من طريق خيثمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الشهر السبت والاحد والإثنين ومن الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس وروى موقوفا وهو أشبه وكان الغرض به أن يستوعب غالب أيام الأسبوع بالصيام واختار إبراهيم النخعي أن يصومها آخر الشهر ليكون كفارة لما مضى وسيأتى ما يؤيده في الكلام على حديث عمران بن حصين في الأمر بصيام سرار الشهر وقال الروياني صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب فإن اتفقت أيام البيض كان أحب وفي كلام غير واحد من العلماء أيضا أن استحباب صيام البيض غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر

[ 1880 ] قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو والإسناد كله بصريون وأبو عثمان هو النهدي وقد روى عن أبي هريرة جماعة كل منهم أبو عثمان لكن لم يقع في البخاري حديث موصول من رواية أبي عثمان عن أبي هريرة الا من رواية النهدي وليس له عند البخاري سوى هذا وآخر في الأطعمة ووقع عند مسلم عن شيبان عن عبد الوارث بهذا الإسناد فقال فيه حدثني أبو عثمان النهدي وتقدم هذا الحديث في أبواب التطوع من طريق أخرى عن أبي عثمان النهدي وقد تقدم الكلام هناك على بقية فوائده ومما لم يتقدم منها ما نبه عليه أبو محمد بن أبي جمرة في قول أبي هريرة أوصاني خليلي قال في افراده بهذه الوصية إشارة إلى أن القدر الموصى به هو اللائق بحاله وفي قوله خليلي إشارة إلى موافقته له في إيثار الاشتغال بالعبادة على الاشتغال بالدنيا لأن أبا هريرة صبر على الجوع في ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في أوائل البيوع من حديثه حيث قال أما إخواني فكان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فشابه حال النبي صلى الله عليه وسلم في ايثاره الفقر على الغنى والعبودية على الملك قال ويؤخذ منه الافتخار بصحبة الأكابر إذا كان ذلك على معنى التحدث بالنعمة والشكر لله لا على وجه المباهاة والله أعلم وقال شيخنا في شرح الترمذي حاصل الخلاف في تعيين البيض تسعة أقوال أحدها لا تتعين بل يكره تعيينها وهذا عن مالك والثاني أول ثلاثة من الشهر قاله الحسن البصري الثالث أولها الثاني عشر الرابع أولها الثالث عشر الخامس أولها أول سبت من أول الشهر ثم من أول الثلاثاء من الشهر الذي يليه وهكذا وهو عن عائشة السادس أول خميس ثم اثنين ثم خميس السابع أول اثنين ثم خميس ثم اثنين الثامن أول يوم والعاشر والعشرون عن أبي الدرداء التاسع أول كل عشر عن بن شعبان المالكي قلت بقي قول آخر وهو آخر ثلاثة من الشهر عن النخعي فتمت عشرة

قوله باب من زار قوما فلم يفطر عندهم أي في التطوع هذه الترجمة تقابل الترجمة الماضية وهي من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع وموقعها أن لا يظن أن فطر المرء من صيام التطوع لتطييب خاطر أخيه حتم عليه بل المرجع في ذلك إلى من علم من حاله من كل منهما أنه يشق عليه الصيام فمتى عرف أن ذلك لا يشق عليه كان الأولى أن يستمر على صومه

[ 1881 ] قوله حدثني خالد هو بن الحارث كذا في الأصل وبيان اسم أبيه من المصنف كأن شيخه قال حدثنا خالد فقط فأراد بالبيان رفع الإبهام لاشتراك من يسمى خالدا في الرواية عن حميد ممن يمكن محمد بن المثنى أن يروي عنه ولم يطرد للمصنف هذا فإنه كثيرا ما يقع له ولمشايخه مثل هذا الإبهام ولا يعتنى ببيانه ورجال إسناد هذا الحديث كلهم بصريون قوله دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم هي والدة أنس المذكور ووقع لأحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم حرام وهي خالة أنس لكن في بقبة الحديث ما يدل على إنهما معا كانتا مجتمعتين قوله فاتته بتمر وسمن أي على سبيل الضيافة وفي قوله أعيدوا سمنكم في سقائه ما يشعر بأنه كان ذائبا وليس بلازم قوله ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة في رواية أحمد عن بن أبي عدي عن حميد فصلى ركعتين وصلينا معه وكان هذه القصة غير القصة الماضية في أبواب الصلاة التي صلى فيها على الحصير وأقام أنسا خلفه وأم سليم من ورائه لكن وقع عند أحمد في رواية ثابت المذكورة وهو لمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت نحوه ثم صلى ركعتين تطوعا فأقام أم حرام وأم سليم خلفنا وأقامنى عن يمينه ويحتمل التعدد لأن القصة الماضية لا ذكر فيها لأم حرام ويدل على التعدد أيضا أنه هنا لم يأكل وهناك أكل قوله أن لي خويصة بتشديد الصاد وبتخفيفها وتصغير خاصة وهو مما اغتفر فيه التقاء الساكنين وقوله خادمك أنس هو عطف بيان أو بدل والخبر محذوف تقديره أطلب منك الدعاء له ووقع في رواية ثابت المذكورة عند أحمد أن لي خويصة خويدمك أنس أدع الله له قوله خير آخرة أي خيرا من خيرات الآخرة قوله إلا دعا لي به اللهم ارزقه مالا كذا في الأصل وعند أحمد من رواية عبيدة بن حميد عن حميد الا دعا لي به وكان من قوله اللهم الخ قوله وبارك له وفي رواية الكشميهني وبارك له فيه وقوله فيه بالافراد نظرا إلى اللفظ ولأحمد فيهم نظرا إلى المعنى ويأتي في الدعوات من طريق قتادة عن أنس وبارك له فيما أعطيته وفي رواية ثابت عند مسلم فدعا لي بكل خير وكان آخر ما دعا لي أن قال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه ولم يقع في هذه الرواية التصريح بما دعا له من خير الآخرة لأن المال والولد من خير الدنيا وكأن بعض الرواة اختصره ووقع لمسلم في رواية الجعد عن أنس فدعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا وأنا أرجو الثالثة في الآخرة ولم يبينها وهي المغفرة كما بينها سنان بن ربيعة بزيادة وذلك فيما رواه بن سعد بإسناد صحيح عنه عن أنس قال اللهم أكثر ماله وولده واطل عمره واغفر ذنبه قوله فإني لمن أكثر الأنصار مالا زاد أحمد في رواية بن أبي عدي وذكر أنه لا يملك ذهبا ولا فضة غير خاتمه يعني أن ماله كان من غير النقدين وفي رواية ثابت عند أحمد قال أنس وما أصبح رجل من الأنصار أكثر مني مالا قال يا ثابت وما أملك صفراء ولا بيضاء إلا خاتمي وللترمذي من طريق أبي خلدة قال أبو العالية كان لأنس بستان يحمل في السنة مرتين وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك ولأبي نعيم في الحلية من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال وأن أرضى لتثمر في السنة مرتين وما في البلد شيء يثمر مرتين غيرها قوله وحدثتني ابنتي أمينة بالنون تصغير آمنة أنه دفن لصلبى أي من ولده دون أسباطه واحفاده قوله مقدم الحجاج البصرة بالنصب على نزع الخافض أي من أول ما مات لي من الأولاد إلى أن قدمها الحجاج ووقع ذلك صريحا في رواية بن أبي عدي المذكورة ولفظه وذكر أن ابنته الكبرى أمينة أخبرته أنه دفن لصلبه إلى مقدم الحجاج وكان قدوم الحجاج البصرة سنة خمس وسبعين وعمر أنس حينئذ نيف وثمانون سنة وقد عاش أنس بعد ذلك إلى سنة ثلاث ويقال اثنتين ويقال إحدى وتسعين وقد قارب المائة قوله بضع وعشرون ومائة في رواية بن أبي عدي نيف على عشرين ومائة وفي رواية الأنصاري عن حميد عند البيهقي في الدلائل تسع وعشرون ومائة وهو عند الخطيب في رواية الآباء عن الأبناء من هذا الوجه بلفظ ثلاث وعشرون ومائة وفي رواية حفصة بنت سيرين ولقد دفنت من صلبي سوى ولد ولدي خمسة وعشرين ومائة وفي الحلية أيضا من طريق عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال دفنت مائة لاسقطا ولا ولد ولد ولعل هذا الاختلاف سبب العدول إلى البضع والنيف وفي ذكر هذا دلالة على كثرة ما جاءه من الولد فإن هذا القدر هو الذي مات منهم وأما الذين بقوا ففي رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس عند مسلم وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز التصغير على معنى التلطف لا التحقير وتحفة الزائر بما حضر بغير تكلف وجواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على المهدي وأن أخذ من رد عليه ذلك له ليس من العود في الهبة وفيه حفظ الطعام وترك التفريط فيه وجبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له ومشروعية الدعاء عقب الصلاة وتقديم الصلاة أمام طلب الحاجة والدعاء بخير الدنيا والآخرة والدعاء بكثرة المال والولد وأن ذلك لا ينافي الخير الأخروي وإن فضل التقليل من الدنيا يختلف باختلاف الأشخاص وفيه زيارة الإمام بعض رعيته ودخول بيت الرجل في غيبته لأنه لم يقل في طرق هذه القصة إن أبا طلحة كان حاضرا وفيه إيثار الولد على النفس وحسن التلطف في السؤال وأن كثرة الموت في الأولاد لاينافى إجابة الدعاء بطلب كثرتهم ولا طلب البركة فيهم لما يحصل من المصيبة بموتهم والصبر على ذلك من الثواب وفيه التحدث بنعم الله تعالى وبمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم لما في إجابة دعوته من الأمر النادر وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد وكون بستان المدعو له صالح يثمر مرتين في السنة دون غيره وفيه التاريخ بالأمر الشهير ولا يتوقف ذلك على صلاح المؤرخ به وفيه جواز ذكر البضع فيما زاد على عقد العشر خلافا لمن قصره على ما قبل العشرين قوله قال بن أبي مريم هو سعيد وفائدة ذكر هذه الطريق بيان سماع حميد لهذا الحديث من أنس لما اشتهر من أن حميدا كان ربما دلس عن أنس ووقع في رواية كريمة والأصيلي في هذا الموضوع حدثنا بن أبي مريم فيكون موصولا

قوله باب الصوم من آخر الشهر قال الزين بن المنير أطلق الشهر وإن كان الذي يتحرر من الحديث أن المراد به شهر مقيد وهو شعبان إشارة منه إلى أن ذلك لا يختص بشعبان بل يؤخذ من الحديث الندب إلى صيام أواخر كل شهر ليكون عادة للمكلف فلا يعارضه النهى عن تقدم رمضان بيوم أو يومين لقوله فيه الا رجل كان يصوم صوما فليصمه

[ 1882 ] قوله حدثنا الصلت بن محمد بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها مثناة بصري مشهور وأضاف إليه رواية أبي النعمان وهو عارم لما وقع فيها من تصريح مهدي بالتحديث من غيلان والإسناد كله بصريون قوله عن مطرف هو بن عبد الله بن الشخير قوله أنه سأله أو سأل رجل وعمران يسمع هذا شك من مطرف فإن ثابتا رواه عنه بنحوه على الشك أيضا أخرجه مسلم وأخرجه من وجهين آخرين عن مطرف بدون شك على الإبهام أنه قال لرجل زاد أبو عوانة في مستخرجه من أصحابه ورواه أحمد من طريق سليمان التيمي به قال لعمران بغير شك قوله يا فلان كذا للأكثر وفي نسخة من رواية أبي ذر يا أبا فلان بأداة الكنية قوله أما صمت سرر هذا الشهر في رواية مسلم عن شيبان عن مهدي سره بضم المهملة وتشديد الراء بعدها هاء قال النووي تبعا لابن قرقول كذا هو في جميع النسخ انتهى والذي رأيته في رواية أبي بكر بن ياسر الجياني ومن خطه نقلت سرر هذا الشهر كباقى الروايات وفي رواية ثابت المذكورة اصمت من سرر شعبان شيئا قال لا قوله قال أظنه قال يعني رمضان هذا الظن من أبي النعمان لتصريح البخاري في آخره بان ذلك لم يقع في رواية أبي الصلت وكأن ذلك وقع من أبي النعمان لما حدث به البخاري وإلا فقد رواه الجوزقي من طرق أحمد بن يوسف السلمي عن أبي النعمان بدون ذلك وهو الصواب ونقل الحميدي عن البخاري أنه قال إن شعبان أصح وقيل إن ذلك ثابت في بعض الروايات في الصحيح وقال الخطابي ذكر رمضان هنا وهم لأن رمضان يتعين صوم جميعه وكذا قال الداودي وابن الجوزي ورواه مسلم أيضا من طريق بن أخي مطرف عن مطرف بلفظ هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا يعني شعبان ولم يقع ذلك في رواية هدبة ولا عبد الله بن محمد بن أسماء ولا قطر بن حماد ولا عفان ولا عبد الصمد ولا غيرهم عند أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم ولا في باقي الروايات عند مسلم ويحتمل أن يكون قوله رمضان في قوله يعني رمضان ظرفا للقول الصادر منه صلى الله عليه وسلم لا لصيام المخاطب بذلك فيوافق رواية الجريري عن مطرف فإن فيها عند مسلم فقال له فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه قوله وقال ثابت إلخ وصله أحمد ومسلم من طريق حماد بن سلمة عنه كذلك ووقع في نسخه الصغاني من الزيادة هنا قال أبو عبد الله وشعبان أصح والسرر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها جمع سره ويقال أيضا سرار بفتح أوله وكسره ورجح الفراء الفتح وهو من الاستسرار قال أبو عبيد والجمهور المراد بالسرر هنا آخر الشهر سميت بذلك لاستسرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أن سرره أوله ونقل الخطابي عن الأوزاعي كالجمهور وقيل السرر وسط الشهر حكاه أبو داود أيضا ورجحه بعضهم ووجهه بان السرر جمع سره وسرة الشيء وسطه ويؤيده الندب إلى صيام البيض وهي وسط الشهر وأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب بل ورد فيه نهى خاص وهو آخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان ورجحه النووي بأن مسلما أفرد الرواية التي فيها سره هذا الشهر عن بقية الروايات وأردف بها الروايات التي فيها الحض على صيام البيض وهي وسط الشهر كما تقدم لكن لم أره في جميع طرق الحديث باللفظ الذي ذكره وهو سره بل هو عند أحمد من وجهين بلفظ سرار وأخرجه من طرق عن سليمان التيمي في بعضها سرر وفي بعضها سرار وهذا يدل على أن المراد آخر الشهر قال الخطابي قال بعض أهل العلم سؤاله صلى الله عليه وسلم عن ذلك سؤال زجر وإنكار لأنه قد نهى أن يستقبل الشهر بيوم أو يومين وتعقب بأنه لو أنكر ذلك لم يأمره بقضاء ذلك وأجاب الخطابي باحتمال أن يكون الرجل اوجبها على نفسه فلذلك أمره بالوفاء وأن يقضي ذلك في شوال انتهى وقال بن المنير في الحاشية قوله سؤال إنكار فيه تكلف ويدفع في صدره قول المسئول لا يا رسول الله فلو كان السؤال إنكار لكان صلى الله عليه وسلم قد أنكر عليه أنه صام والفرض أن الرجل لم يصم فكيف ينكر عليه فعل ما لم يفعله ويحتمل أن يكون الرجل كانت له عادة بصيام آخر الشهر فلما سمع نهيه صلى الله عليه وسلم أن يتقدم أحد رمضان بصوم يوم أو يومين ولم يبلغه الاستثناء ترك صيام ما كان اعتاده من ذلك فأمره بقضائها لتستمر محافظته على ما وظف على نفسه من العبادة لأن أحب العمل إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه كما تقدم وقال بن التين يحتمل أن يكون هذا كلاما جرى من النبي صلى الله عليه وسلم جوابا لكلام لم ينقل إلينا اه ولا يخفى ضعف هذا الماخذ وقال آخرون فيه دليل على أن النهى عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إنما هو لمن يقصد به التحري لأجل رمضان وأما من لم يقصد ذلك فلا يتناوله النهى ولو لم يكن اعتاده وهو خلاف ظاهر حديث النهى لأنه لم يستثن منه الا من كانت له عادة وأشار القرطبي إلى أن الحامل لمن حمل سرر الشهر على غير ظاهره وهو آخر الشهر الفرار من المعارضة لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان بيوم أو يومين وقال الجمع بين الحديثين ممكن بحمل النهى على من ليست له عادة بذلك وحمل الأمر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع قال وفيه إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان وأن صوم يوم منه يعدل صوم يومين في غيره أخذا من قوله في الحديث فصم يومين مكانه يعني مكان اليوم الذي فوته من صيام شعبان قلت وهذا لا يتم الا أن كانت عادت المخاطب بذلك أن يصوم من شعبان يوما واحدا وإلا فقوله هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا أعم من أن يكون عادته صيام يوم منه أو أكثر نعم وقع في سنن أبي مسلم الكجي فصم مكان ذلك اليوم يومين وفي الحديث مشروعية قضاء التطوع وقد يؤخذ منه قضاء الفرض بطرق الأولى خلافا لمن منع ذلك

قوله باب صوم يوم الجمعة وإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر كذا في أكثر الروايات ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت زيادة هنا وهي يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده وهذه الزيادة تشبه أن تكون من الفربري أو من دونه فإنها لم تقع في رواية النسفي عن البخاري ويبعد أن يعبر البخاري عما يقوله بلفظ يعني ولو كان ذلك من كلامه لقال أعني بل كان يستغنى عنها أصلا وراسا وهذا التفسير لا بد من حمل إطلاق الترجمة عليه لأنه مستفاد من حديث جويرية آخر أحاديث الباب إذ في الباب ثلاثة أحاديث أولها حديث جابر وهو مطلق والتقييد فيه تفسير من أحد رواته كما سنبينه وثانيها حديث أبي هريرة وهو ظاهر في التقييد وثالثها حديث جويرية وهو اظهرها في ذلك

[ 1883 ] قوله عن بن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة أي بن عثمان بن أبي طلحة الحجبي في رواية عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني عبد الحميد أخرجه أحمد عنه ومسلم من طريقه وكذا أخرجه أبو قرة في السنن عن بن جريج والنسائي من طريق حجاج بن محمد عنه وكان بن جريج ربما رواه عن محمد بن عباد نفسه ولم يذكر عبد الحميد كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان وحفص بن غياث أخرجه النسائي من طريقهما وكذا الإسماعيلي وزاد فضيل بن سليمان وأخرجه النسائي أيضا من طريق النضر بن شميل كلهم عن بن جريج وأومأ الإسماعيلي إلى أن في رواية البخاري عن أبي عاصم نظرا فإنه قال رواه البخاري عن أبي عاصم فذكر إسناده قال وقد رويناه من طريق أبي عاصم كما قال يحيى ثم ساقه كذلك قال وقد رواه أبو سعد الصغاني عن بن جريج كما ساقه البخاري عن أبي عاصم وأبو سعد ليس كهؤلاء يعني القطان ومن تابعه قلت ولم يصب الإسماعيلي في ذلك فإن رواية البخاري مستقيمة وقد وافقه على الزيادة الدارمي في مسنده وأبو مسلم الكجي في سننه فاخرجاه عن أبي عاصم كما قال البخاري وكذلك رواه أبو موسى كما أخرجه بن أبي عاصم في كتاب الصيام له عنه عن أبي عاصم وكذلك أخرجه الجوزقي من طريق محمد بن عقيل بن خويلد عن أبي عاصم كذلك وابن جريج كان ربما دلس ولهذا قال البيهقي أن يحيى بن سعيد قصر في إسناده لكن وقع عند النسائي من طريق يحيى بن سعيد عن بن جريج أخبرني محمد بن عباد فيحمل على أنه سمعه من عبد الحميد عم محمد ثم لقي محمدا فسمعه منه أو سمع من محمد واستثبت فيه من عبد الحميد فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا ولعل السر في ذلك أنه كان عند أحدهما في المتن ما ليس عند الآخر كما سنوضحه إن شاء الله تعالى ولم ينفرد أبو سعد بمتابعة أبي عاصم على ذكر عبد الحميد كما يوهمه كلام الإسماعيلي بل تابعهما عبد الرزاق وأبو قرة وحجاج بن محمد كما قدمت ذكره وعبد الحميد أكثر عددا ممن رواه عنه بإسقاطه وعبد الحميد المذكور تابعي صغير روى عن عمته صفية بنت شيبة وهي من صغار الصحابة ووثقه بن معين وغيره وليس له في البخاري سوى ثلاثة أحاديث هذا وآخر في بدء الخلق وآخر في الأدب قوله عن محمد بن عباد في رواية عبد الرزاق عن بن جريج عن عبد الحميد أن محمد بن عباد أخبره ورجال هذا الإسناد مكيون الا شيخ البخاري فهو بصري والصحابى فهو مدني وقد اقاما بمكة زمانا قوله سألت جابرا في رواية عبد الرزاق المذكورة وكذا في رواية بن عيينة عن عبد الحميد عند مسلم وأحمد وغيرهما سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت وزادوا أيضا في آخره قال نعم ورب هذا البيت وفي رواية النسائي ورب الكعبة وعزاها صاحب العمدة لمسلم فوهم وفيه جواز الحلف من غير استحلاف لتاكيد الأمر واضافة الربوبية إلى المخلوقات المعظمة تنويها بتعظيمها وفيه الاكتفاء في الجواب بنعم من غير ذكر الأمر المفسر بها قوله زاد غير أبي عاصم يعني أن ينفرد بصومه وفي رواية الكشميهني أن ينفرد بصوم والغير المشار إليه جزم البيهقي بأنه يحيى بن سعيد القطان وهو كما قال لكن لم يتعين فقد أخرجه النسائي بالزيادة من طريقه ومن طريق النضر بن شميل وحفص بن غياث ولفظ يحيى أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم قال إي ورب الكعبة ولفظ حفص نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة مفردا ولفظ النضر أن جابرا سئل عن صوم يوم الجمعة فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرد

[ 1884 ] قوله في حديث أبي هريرة لا يصوم أحدكم كذا للأكثر وهو بلفظ النفي والمراد به النهى وفي رواية الكشميهني لا يصومن بلفظ النهى المؤكد قوله الا يوما قبله أو بعده تقديره الا أن يصوم يوما قبله لأن يوما لا يصح استثناؤه من يوم الجمعة وقال الكرماني يجوز أن يكون منصوبا بنزع الخافض تقديره الا بيوم قبله وتكون الباء للمصاحبة وفي رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن أشكاب عن عمر بن حفص شيخ البخاري فيه الا أن تصوموا قبله أو بعده ولمسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش لا يصم أحدكم يوم الجمعة الا أن يصوم يوما قبله أو يصوم بعده وللنسائي من هذا الوجه الا أن يصوم قبله يوما أو يصوم بعده يوما ولمسلم من طريق هشام عن بن سيرين عن أبي هريرة لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام الا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ورواه أحمد من طريق عوف عن بن سيرين بلفظ نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم وله من طريق أبي الاوبر زياد الحارثي أن رجلا قال لأبي هريرة أنت الذي تنهى الناس عن صوم يوم الجمعة قال ها ورب الكعبة ثلاثا لقد سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول لا يصوم أحدكم يوم الجمعة وحده إلا في أيام معه وله من طريق ليلى امرأة بشير بن الخصاصية أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تصم يوم الجمعة الا في أيام هو أحدها وهذه الأحاديث تقيد النهى المطلق في حديث جابر وتؤيد الزيادة التي تقدمت من تقييد الإطلاق بالافراد ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كمن يصوم أيام البيض أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلا أو يوم شفاء فلان الحديث الثالث

[ 1885 ] قوله وحدثني محمد حدثنا غندر لم ينسب محمد المذكور في شيء من الطرق والذي يظهر أنه بندار محمد بن بشار وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج بعد أن أخرجه من طريقه ومن طريق محمد بن المثنى جميعا عن غندر قوله عن أبي أيوب في رواية يوسف القاضي في الصيام له من طريق خالد بن الحارث عن شعبة عن قتادة سمعت أبا أيوب ووافقه همام عن قتادة أخرجه أبو داود وقال فىروايته عن أبي أيوب العتكي وهو بفتح المهملة والمثناة نسبة إلى بطن من الأزد ويقال له أيضا المراغي بفتح الميم والراء ثم بالغين المعجمة ورواه الطحاوي من طريق شعبة وهمام وحماد بن سلمة جميعا عن قتادة وليس لجويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري من روايتها سوى هذا الحديث وله شاهد من حديث جنادة بن أبي أمية عند النسائي بإسناد صحيح بمعنى حديث جويرية واتفق شعبة وهمام عن قتادة على هذا الإسناد وخالفهما سعيد بن أبي عروبة فقال عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية فذكره أخرجه النسائي وصححه بن حبان والراجح طريق شعبة لمتابعة همام وحماد بن سلمة له وكذا حماد بن الجعد كما سيأتي ويحتمل أن تكون طريق سعيد محفوظة أيضا فإن معمرا رواه عن قتادة عن سعيد بن المسيب أيضا لكن أرسله قوله افطري زاد أبو نعيم في روايته إذا قوله وقال حماد بن الجعد الخ وصله أبو القاسم البغوي في جمع حديث هدبة بن خالد قال حدثنا هدبة حدثنا حماد بن الجعد سئل قتادة عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فقال حدثني أبو أيوب فذكره وقال في آخره فأمرها فافطرت وحماد بن الجعد فيه لين وليس له في البخاري سوى هذا الموضع واستدل بأحاديث الباب على منع افراد يوم الجمعة بالصيام ونقله أبو الطيب الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية وكأنه أخذه من قول بن المنذر ثبت النهى عن صوم يوم الجمعة كما ثبت عن صوم يوم العيد وزاد يوم الجمعة الأمر بفطر من أراد افراده بالصوم فهذا قد يشعر بأنه يرى بتحريمه وقال أبو جعفر الطبري يفرق بين العيد والجمعة بان الإجماع منعقد على تحريم صوم العيد ولو صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة فالإجماع منعقد على جواز صومه لمن صام قبله أو بعده ونقل بن المنذر وابن حزم منع صومه عن على وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر قال بن حزم لا نعلم لهم مخالفا من الصحابة وذهب الجمهور إلى أن النهى فيه للتنزيه وعن مالك وأبي حنيفة لا يكره قال مالك لم أسمع أحدا ممن يقتدى به ينهى عنه قال الداودي لعل النهى ما بلغ مالكا وزعم عياض أن كلام مالك يؤخذ منه النهى عن افراده لأنه كره أن يخص يوم من الأيام بالعبادة فيكون له في المسألة روايتان وعاب بن العربي قول عبد الوهاب منهم يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده لكونه قياسا مع وجود النص واستدل الحنفية بحديث بن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وقلما كان يفطر يوم الجمعة حسنة الترمذي وليس فيه حجة لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها ولا يضاد ذلك كراهة افراده بالصوم جمعا بين الحديثين ومنهم من عده من الخصائص وليس بجيد لأنها لا تثبت بالاحتمال والمشهور عند الشافعية وجهان أحدهما ونقله المزني عن الشافعي أنه لا يكره الا لمن اضعفه صومه عن العبادة التي تقع فيه من الصلاة والدعاء والذكر والثاني وهو الذي صححه المتأخرون كقول الجمهور واختلف في سبب النهى عن افراده على أقوال أحدها لكونه يوم عيد والعيد لا يصام واستشكل ذلك مع الإذن بصيامه مع غيره وأجاب بن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة ومن صام مع غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم ثانيها لئلا يضعف عن العبادة وهذا اختاره النووي وتعقب ببقاء المعنى المذكور مع صوم غيره معه وأجاب بأنه يحصل بفضيلة اليوم الذي قبله أو بعده جبر ما يحصل يوم صومه من فتور أو تقصير وفيه نظر فإن الجبران لا ينحصر في الصوم بل يحصل بجميع افعال الخير فيلزم منه جواز افراده لمن عمل فيه خيرا كثيرا يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده كمن أعتق فيه رقبة مثلا ولا قائل بذلك وأيضا فكأن النهى يختص بمن يخشى عليه الضعف لامن يتحقق القوة ويمكن الجواب عن هذا بأن المظنة أقيمت مقام المئنة كما في جواز الفطر في السفر لمن لم يشق عليه ثالثها خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت وهو منتقض بثبوت تعظيمه بغير الصيام وأيضا فاليهود لا يعظمون السبت بالصيام فلو كان الملحوظ ترك موافقتهم لتحتم صومه لأنهم لا يصومونه وقد روى أبو داود والنسائي وصححه بن حبان من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الأيام السبت والاحد وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن اخالفهم رابعها خوف اعتقاد وجوبه وهو منتقض بصوم الإثنين والخميس وسيأتى ذكر ما ورد فيهما في الباب الذي يليه خامسها خشية أن يفرض عليهم كما خشي صلى الله عليه وسلم من قيامهم الليل ذلك قال المهلب وهو منتقض بإجازة صومه مع غيره وبأنه لو كان كذلك لجاز بعده صلى الله عليه وسلم لارتفاع السبب لكن المهلب حمله على ذلك اعتقاده عدم الكراهة على ظاهر مذهبه سادسها مخالفة النصارى لأنه يجب عليهم صومه ونحن مأمورون بمخالفتهم نقله القمولى وهو ضعيف وأقوى الأقوال واولاها بالصواب أولها وورد فيه صريحا حديثان أحدهما رواه الحاكم وغيره من طريق عامر بن لدين عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم الا أن تصوموا قبله أو بعده والثاني رواه بن أبي شيبة بإسناد حسن عن على وقال من كان منكم متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر

قوله باب هل يخص بفتح أوله أي المكلف شيئا من الأيام وفي رواية النسفي يخص شيء بضم أوله يخص على البناء للمجهول شيء من الأيام قال الزين بن المنير وغيره لم يجزم بالحكم لأن ظاهر الحديث ادامته صلى الله عليه وسلم العبادة ومواظبته على وظائفها ويعارضه ما صح عن عائشة نفسها مما يقتضى نفى المداومة وهو ما أخرجه مسلم من طريق أبي سلمة ومن طريق عبد الله بن شقيق جميعا عن عائشة أنها سئلت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر وتقديم نحوه قريبا في البخاري من حديث بن عباس وغيره فأبقى الترجمة على الاستفهام ليترجح أحد الخبرين أو يتبين الجمع بينهما ويمكن الجمع بينهما بان قولها كان عمله ديمة معناه أن اختلاف حاله في الإكثار من الصوم ثم من الفطر كان مستداما مستمرا وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يوظف على نفسه العبادة فربما شغله عن بعضها شاغل فيقضيها على التوالى فيشتبه الحال على من يرى ذلك فقول عائشة كان عمله ديمة منزل على التوظيف وقولها كان لا تشاء أن تراه صائما الا رايته منزل على الحال الثاني وقد تقدم نحو هذا في باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلم وقيل معناه أنه كان لا يقصد نفلا ابتداء في يوم بعينه فيصومه بل إذا صام يوما بعينه كالخميس مثلا داوم على صومه

[ 1886 ] قوله حدثني يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة خاله وهذا الإسناد مما يعد من أصح الأسانيد قوله هل كان يختص من الأيام شيئا قالت لا قال بن التين استدل به بعضهم على كراهة تحرى صيام يوم من الأسبوع وأجاب الزين بن المنير بأن السائل في حديث عائشة إنما سأل عن تخصيص يوم من الأيام من حيث كونها أياما وأما ما ورد تخصيصه من الأيام بالصيام فإنما خصص الأمر لا يشاركه فيه بقية الأيام كيوم عرفة ويوم عاشوراء وأيام البيض وجميع ما عين لمعنى خاص وإنما سأل عن تخصيص يوم لكونه مثلا يوم السبت ويشكل على هذا الجواب صوم الإثنين والخميس فقد وردت فيهما أحاديث وكأنها لم تصح على شرط البخاري فلهذا أبقى الترجمة على الاستفهام فإن ثبت فيهما ما يقتضى تخصيصهما استثنى من عموم قول عائشة لا قلت ورد في صيام يوم الإثنين والخميس عدة أحاديث صحيحة منها حديث عائشة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه بن حبان من طريق ربيعة الجرشي عنها ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الإثنين والخميس وحديث أسامة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الإثنين والخميس فسألته فقال إن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم أخرجه النسائي وأبو داود وصححه بن خزيمة فعلى هذا فالجواب عن الاشكال أن يقال لعل المراد بالأيام المسئول عنها الأيام الثلاثة من كل شهر فكان السائل لما سمع أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام ورغب في أنها تكون أيام البيض سأل عائشة هل كان يخصها بالبيض فقالت لا كان عمله ديمة تعني لو جعلها البيض لتعينت وداوم عليها لأنه كان يحب أن يكون عمله دائما لكن أراد التوسعة بعدم تعينها فكان لا يبالي من أي الشهر صامها كما تقدمت الإشارة إليه في باب صيام البيض وأن مسلما روى من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وما يبالي من أي الشهر صام وقد أورد بن حبان حديث الباب وحديث عائشة في صيام الإثنين والخميس وحديثها كان يصوم حتى نقول لا يفطر وأشار إلى أن بينهما تعارضا ولم يفصح عن كيفية الجمع بينهما وقد فتح الله بذلك فضله قوله يختص في رواية جرير عن منصور في الرقاق يخص بغير مثناة قوله ديمة بكسر أوله وسكون التحتانية أي دائما قال أهل اللغة الديمة مطر يدوم أياما ثم أطلقت على كل شيء يستمر قوله وأيكم يطيق في رواية جرير يستطيع في الموضعين والمعنى متقارب

قوله باب صوم يوم عرفة أي ما حكمه وكأنه لم تثبت الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه واصحها حديث أبي قتادة أنه يكفر سنة اتية وسنة ماضية أخرجه مسلم وغيره والجمع بينه وبين حديثي الباب أن يحمل على غير الحاج أو على من لم يضعفه صيامه عن الذكر والدعاء المطلوب للحاج كما سيأتي تفصيل ذلك

[ 1887 ] قوله حدثني سالم هو أبو النضر المذكور في طريق الثانية وهو بكنيته أشهر وربما جاء باسمه وكنيته معا فيقال حدثنا سالم أبو النضر وإنما ساق البخاري الطريق الأولى مع نزولها لما فيها من التصريح بالتحديث في المواضيع التي وقعت بالعنعنة في الطريق الثانية مع علوها وما أكثر ما يحرص البخاري على ذلك في هذا الكتاب قوله عمير مولى أم الفضل هو عمير مولى بن عباس فمن قال مولى أم الفضل فباعتبار أصله ومن قال مولى بن عباس فباعتبار ما آل إليه حاله لأن أم الفضل هي والدة بن عباس وقد انتقل إلى بن عباس ولاء موالي أمه وليس لعمير في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرجه أيضا في الحج في موضعين وفي الأشربة في ثلاثة مواضع وحديث آخر تقدم في التيمم قوله أن ناسا تماروا أي اختلفوا ووقع عند الدارقطني في الموطات من طريق أبي نوح عن مالك اختلف ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله في صوم النبي صلى الله عليه وسلم هذا يشعر بان صوم يوم عرفة كان معروفا عندهم معتادا لهم في الحضر وكان من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافرا وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلا عن النفل قوله فأرسلت سيأتي في الحديث الذي يليه أن ميمونة بنت الحارث هي التي أرسلت فيحتمل التعدد ويحتمل إنهما معا ارسلتا فنسب ذلك إلى كل منهما لأنهما كانتا أختين فتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل لها في ذلك الكشف الحال في ذلك ويحتمل العكس وسيأتي الإشارة إلى تعيين كون ميمونة هي التي باشرت الإرسال ولم يسم الرسول في طرق حديث أم الفضل لكن روى النسائي من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك ويقوى ذلك أنه كان ممن جاء عنه أنه أرسل أما أمه وأما خالته قوله وهو واقف على بعيره زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى بن سعيد عن مالك وهو يخطب الناس بعرفة وللمصنف في الأشربة من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن أبي النضر وهو واقف عشية عرفة ولأحمد والنسائي من طريق عبد الله بن عباس عن أمه أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة قوله فشربه زاد في حديث ميمونة والناس ينطرون قوله في حديث ميمونة أخبرني عمرو هو بن الحارث وبكير هو بن عبد الله بن الأشج ونصف إسناده الأول مصريون والآخر مدنيون وقوله بحلاب بكسر المهملة هو الإناء الذي يجعل فيه اللبن وقيل الحلاب اللبن المحلوب وقد يطلق على الإناء ولو لم يكن فيه لبن تنبيه روى الإسماعيلي حديث بن وهب بثلاثة أسانيد أحدها عنه عن مالك بإسناده والثاني عنه عن عمرو بن الحارث عن سالم أبي النضر شيخ مالك فيه به والثالث عن عمرو عن بكير به واقتصر البخاري على أحد أسانيده اكتفاء برواية غيره كما سبق واستدل بهذين الحديثين على الاستحباب الفطر يوم عرفة بعرفة وفيه نظر لأن فعله المجرد لا يدل على نفى الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ نعم روى أبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة والحاكم من طريق عكرمة أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وأخذ بظاهره بعض السلف فجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال يجب فطر يوم عرفة للحاج وعن بن الزبير وأسامة بن زيد وعائشة أنهم كانوا يصومونه وكان ذلك يعجب الحسن ويحكيه عن عثمان وعن قتادة مذهب آخر قال لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي في القديم واختاره الخطابي والمتولى من الشافعية وقال الجمهور يستحب فطره حتى قال عطاء من افطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم وقال الطبري إنما أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ليدل على الاختيار للحاج بمكة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة وقيل إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن افراده بالصوم ويبعده سياق أول الحديث وقيل إنما كره صوم يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ويؤيده ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام وفي الحديث من الفوائد أن العيان أقطع للحجة وأنه فوق الخبر وأن الأكل والشرب في المحافل مباح ولا كراهة فيه للضرورة وفيه قبول الهدية من المرأة من غير استفصال منها هل هو من مال زوجها أو لا ولعل ذلك من القدر الذي لا يقع فيه المشاححة قال المهلب وفيه نظر لما تقدم من احتمال أنه من بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تأسى الناس بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وفيه البحث والاجتهاد في حياته صلى الله عليه وسلم والمناظرة في العلم بين الرجال والنساء والتحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال وفيه فطنة أم الفضل لاستكشافها عن الحكم الشرعى بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة قال بن المنير في الحاشية لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم ناول فضله أحدا فلعله علم أنها خصته به فيؤخذ منه مسألة التمليك المقيد انتهى ولا يخفى بعده اه وقد وقع في حديث ميمونة فشرب منه وهو مشعر بأنه لم يستوف شربه منه وقال الزين بن المنير لعل استبقاءه لما في القدح كان قصدا لإطالة زمن الشرب حتى يعم نظر الناس إليه ليكون أبلغ في البيان وفيه الركوب في حال الوقوف وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج وترجم له في كتاب الأشربة في الشرب في القدح وشرب الواقف على البعير

قوله باب صوم يوم الفطر أي ما حكمه قال الزين بن المنير لعله أشار إلى الخلاف فيمن نذر صوم يوم فوافق يوم العيد هل ينعقد نذره أم لا وسأذكر ما قيل في ذلك إن شاء الله تعالى

[ 1889 ] قوله مولى بن ازهر في رواية الكشميهني مولى بني أزهر وكذا في رواية مسلم وسيأتي ذكره في آخر الكلام على الحديث قوله شهدت العيد زاد يونس عن الزهري في روايته الآتية في الأضاحي يوم الأضحى قوله هذان فيه التغليب وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا والغائب يشار إليه بذاك فلما أن جمعهما اللفظ قال هذان تغليبا للحاضر على الغائب قوله يوم فطركم برفع يوم إما على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدهما أو على البدل من قوله يومان وفي رواية يونس المذكورة أما أحدهما فيوم فطركم قيل وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهو الفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه ليؤكل منه ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك لأنه يستلزم النحر ويزيد فائدة التنبيه على التعليل والمراد بالنسك هنا الذبيحة المتقرب بها قطعا قيل ويستنبط من هذه العلة تعين السلام للفصل من الصلاة وفي الحديث تحريم صوم يومى العيد سواء النذر والكفارة والتطوع والقضاء والتمتع وهو بالإجماع واختلفوا فيمن قدم فصام يوم عيد فعن أبي حنيفة ينعقد وخالفه الجمهور فلو نذر صوم يوم قدوم زيد فقدم يوم العيد فالأكثر لا ينعقد النذر وعن الحنفية ينعقد ويلزمه القضاء وفي رواية يلزمه الإطعام وعن الأوزاعي يقضي الا أن نوى استثناء العيد وعن مالك في رواية يقضي أن نوى القضاء وإلا فلا وسيأتى في الباب الذي يليه عن بن عمر أنه توقف في الجواب عن هذه المسألة وأصل الخلاف في هذه المسألة أن النهى هل يقتضى صحة المنهي عنه قال الأكثر لا وعن محمد بن الحسن نعم واحتج بأنه لا يقال للاعمى لا يبصر لأنه تحصيل الحاصل فدل على أن صوم يوم العيد ممكن وإذا أمكن ثبت الصحة وأجيب أن الإمكان المذكور عقلى والنزاع في الشرعى والمنهى عنه شرعا غير ممكن فعله شرعا ومن حجج المانعين أن النفل المطلق إذا نهى عن فعله لم ينعقد لأن المنهي مطلوب الترك سواء كان للتحريم أو للتنزيه والنفل مطلوب الفعل فلا يجتمع الضدان والفرق بينه وبين الأمر ذي الوجهين كالصلاة في الدار المغصوبة أن النهى عن الإقامة في المغصوب ليست لذات الصلاة بل للاقامة وطلب الفعل لذات العبادة بخلاف صوم يوم النحر مثلا فإن النهى فيه لذات الصوم فافترقا والله أعلم قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قال بن عيينة من قال مولى بن أزهر فقد أصاب ومن قال مولى عبد الرحمن بن عوف فقد أصاب انتهى وكلام بن عيينة هذا حكاه عنه على بن المديني في العلل وقد أخرجه بن أبي شيبة في مسنده عن بن عيينة عن الزهري فقال عن أبي عبيد مولى بن أزهر أخرجه الحميدي في مسنده عن بن عيينة حدثني الزهري سمعت أبا عبيد فذكر الحديث ولم يضفه بشيء ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري فقال عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف وكذا قال جويرية وسعيد الزبيري ومكي بن إبراهيم عن مالك حكاه أبو عمر وذكر أن بن عيينة أيضا كان يقول فيه كذلك وقال بن التين وجه كون القولين صوابا ما روى إنهما اشتركا في ولائه وقيل يحمل أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز وسبب المجاز أما بأنه كان يكثر ملازمة أحدهما أما لخدمته أو للاخذ عنه أو لانتقاله من ملك أحدهما إلى ملك الآخر وجزم الزبير بن بكار بأنه كان مولى عبد الرحمن بن عوف فعلى هذا فنسبته إلى بن أزهر هي المجازية ولعلها بسبب انقطاعه إليه بعد موت عبد الرحمن بن عوف واسم بن أزهر أيضا عبد الرحمن وهو بن عم عبد الرحمن بن عوف وقيل بن أخيه وقد تقدم له ذكر في الصلاة في حديث كريب عن أم سلمة ويأتي في أو اخر المغازي

[ 1890 ] قوله عن عمرو بن يحيى هو المازني قوله وعن الصماء بفتح المهملة وتشديد الميم والمد قوله وأن يحتبى الرجل في الثوب الواحد زاد الإسماعيلي من طريق خالد الطحان عن عمرو بن يحيى لا يوارى فرجه بشيء ومن طريق عبد العزيز بن المختار عن عمرو لبس بين فرجه وبين السماء شيء وقد سبق الكلام عليه في باب ما يستر من العورة في أوائل الصلاة وسبق الكلام على بقية الحديث في المواقيت

قوله باب صوم يوم النحر في رواية الكشميهني باب الصوم والقول فيه كالقول في الذي قبله

[ 1891 ] قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف قوله ينهى كذا هنا بضم أوله على البناء للمجهول ووقع هذا الحديث هنا مختصرا وسيأتي الكلام على تفسير الملامسة والمنابذة في البيوع إن شاء الله تعالى

[ 1892 ] قوله حدثنا معاذ هو بن معاذ العنبري وابن عون هو عبد الله والإسناد بصريون وزياد بن جبير بالجيم والموحدة مصغرا أي بن حية بالمهملة والتحتانية الثقيلة قوله جاء رجل إلى بن عمر لم اقف على اسمه ووقع عند أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير رأيت رجلا جاء إلى بن عمر فذكره وأخرج بن حبان من طريق كريمة بنت سيرين أنها سألت بن عمر فقالت جعلت على نفسي أن أصوم كل يوم اربعاء واليوم يوم الأربعاء وهو يوم النحر فقال أمر الله بوفاء النذر الحديث وله عن إسماعيل عن يونس بسنده سأل رجل بن عمر وهو يمشي بمنى قوله أظنه قال الإثنين ولمسلم من طريق وكيع عن بن عون نذرت أن أصوم يوما ولم يعينه وعند الإسماعيلي من طريق النضر بن شميل عن بن عون نذر أن يصوم كل اثنين أو خميس ومثله لأبي عوانة من طريق شعبة عن يونس بن عبيد عن زياد لكن لم يقل أو خميس وفي رواية يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عند المصنف في النذر أن أصوم كل ثلاثاء وإربعاء ومثله للدارقطني من رواية هشيم المذكورة لكن لم يذكر الثلاثاء وللجوزقى من طريق أبي قتيبة عن شعبة عن يونس أنه نذر أن يصوم كل جمعة ونحوه لأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة قوله فوافق ذلك يوم عيد لم يفسر العيد في هذه الرواية ومقتضى إدخاله هذا الحديث في ترجمة صوم يوم النحر أن يكون المسئول عنه يوم النحر وهو مصرح به في رواية يزيد بن زريع المذكورة ولفظه فوافق يوم النحر ومثله في رواية أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس وفي رواية وكيع فوافق يوم أضحى أو فطر وللمصنف في النذور من طريق حكيم عن أبي حرة عن بن عمر مثله وهو محتمل أن يكون للشك أو للتقسيم قوله أمر الله بوفاء النذر الخ قال الخطابي تورع بن عمر عن قطع الفتيا فيه وأما فقهاء الأمصار فاختلفوا قلت وقد تقدم شرح اختلافهم قبل وتقدم عن بن عمر قريب من هذا في كتاب الحج في باب متى يحل المعتمر وأمره في التورع عن بت الحكم ولا سيما عند تعارض الأدلة مشهور وقال الزين بن المنير يحتمل أن يكون بن عمر أراد أن كلا من الدليلين يعمل به فيصوم يوما مكان يوم النذر ويترك الصوم يوم العيد فيكون فيه سلف لمن قال بوجوب القضاء وزعم أخوه بن المنير في الحاشية أن بن عمر نبه على أن الوفاء بالنذر عام والمنع من صوم العيد خاص فكأنه أفهمه أنه يقضي بالخاص على العام وتعقبه أخوه بان النهى عن صوم يوم العيد أيضا عموم للمخاطبين ولكل عيد فلا يكون من حمل الخاص على العام ويحتمل أن يكون بن عمر أشار إلى قاعدة أخرى وهي أن الأمر والنهي إذا التقيا في محل واحد أيهما يقدم والراجح يقدم النهى فكأنه قال لا تصم وقال أبو عبد الملك توقف بن عمر يشعر بان النهى عن صيامه ليس لعينه وقال الداودي المفهوم من كلام بن عمر تقديم النهى لأنه قد روى أمر من نذر أن يمشي في الحج بالركوب فلو كان يجب الوفاء به لم يأمره بالركوب

[ 1893 ] قوله سمعت قزعة بفتح القاف والزاي هو بن يحيى وقد تقدم الكلام على حديث أبي سعيد مفرقا أما سفر المرأة ففي الحج وأما الصلاة بعد الصبح والعصر ففي المواقيت وأما شد الرحال ففي أواخر الصلاة وأما الصوم وهو الغرض من إيراد هذا الحديث هنا فقد تقدم حكمه واستدل به على جواز صيام أيام التشريق للاقتصار فيه على ذكر يومى الفطر والنحر خاصة وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي يليه

قوله باب صيام أيام التشريق أي الأيام التي بعد يوم النحر وقد اختلف في كونها يومين أو ثلاثة وسميت أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تنشر في الشمس وقيل لأن الهدى لا ينحر حتى تشرق الشمس وقيل لأن صلاة العيد تقع عند شروق الشمس وقيل التشريق التكبير دبر كل صلاة وهل تلتحق بيوم النحر في ترك الصيام كما تلتحق به في النحر وغيره من أعمال الحج أو يجوز صيامها مطلقا أو للتمتع خاصة أوله ولمن هو في معناه وفي كل ذلك اختلاف للعلماء والراجح عند البخاري جوازها للتمتع فإنه ذكر في الباب حديثي عائشة وابن عمر في جواز ذلك ولم يورد غيره وقد روى بن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة الجواز مطلقا وعن على وعبد الله بن عمرو بن العاص المنع مطلقا وهو المشهور عن الشافعي وعن بن عمر وعائشة وعبيد بن عمير في آخرين منعه الا للمتمتع الذي لا يجد الهدى وهو قول مالك والشافعي في القديم وعن الأوزاعي وغيره يصومها أيضا المحصر والقارن وحجة من منع حديث نبيشة الهذلي عند مسلم مرفوعا أيام التشريق أيام أكل وشرب وله من حديث كعب بن مالك أيام مني أيام أكل وشرب ومنها حديث عمرو بن العاص انه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق أنها الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومهن وأمر بفطرهن أخرجه أبو داود وابن المنذر وصححه بن خزيمة والحاكم قوله قال لي محمد بن المثنى كأنه لم يصرح فيه بالتحديث لكونه موقوفا على عائشة كما عرف من عادته بالاستقراء ويحيى المذكور في الإسناد هو القطان وهشام هو بن عروة قوله أيام منى في رواية المستملى أيام التشريق بمنى قوله وكان أبوه يصومها هو كلام القطان والضمير لهشام بن عروة وفاعل يصومها هو عروة والضمير فيه لأيام التشريق ووقع في رواية كريمة وكان أبوها وعلى هذا فالضمير لعائشة وفاعل يصومها هو أبو بكر الصديق

[ 1894 ] قوله سمعت عبد الله بن عيسى زاد في رواية الكشميهني بن أبي ليلى وأبو ليلى جد أبيه فهو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو بن أخي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المشهور وكان عبد الله أسن من عمه محمد وكان يقال أنه أفضل من عمه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وأخر في أحاديث الأنبياء من روايته عن جده عبد الرحمن عن كعب بن عجرة قوله عن الزهرى في رواية الدارقطني من طريق النضر بن شميل عن شعبة عن عبد الله بن عيسى سمعت الزهري قوله وعن سالم هو من رواية الزهري عن سالم فهو موصول قوله قالا لم يرخص كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة بضم أوله على البناء لغير معين ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني واللفظ له والطحاوي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدى أن يصوم أيام التشريق وقال أن يحيى بن سلام ليس بالقوي ولم يذكر طريق عائشة أخرجه من وجه آخر ضعيف عن الزهري عن عروة عن عائشة وإذا لم تصح هذه الطرق المصرحة بالرفع بقى الأمر على الاحتمال وقد اختلف علماء الحديث في قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا هل له حكم الرفع على أقوال ثالثها أن إضافة إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم الرفع وإلا فلا واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه ويلتحق به رخص لنا في كذا وعزم علينا أن لا نفعل كذا كل في الحكم سواء فمن يقول أن له حكم الرفع فغاية ما وقع في رواية يحيى بن سلام أنه روى بالمعنى لكن قال الطحاوي أن قول بن عمر وعائشة لم يرخص أخذاه من عموم قوله تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج لأن قوله في الحج يعم ما قبل يوم النحر وما بعده فيدخل أيام التشريق فعلى هذا فليس بمرفوع بل هو بطريق الاستنباط منهما عما فهمناه من عموم الآية وقد ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق وهو عام في حق المتمتع وغيره وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالاذن وعموم الحديث المشعر بالنهى وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الاحاد نظر لو كان الحديث مرفوعا فكيف وفي كونه مرفوعا نظر فعلى هذا يترجح القول بالجواز وإلى هذا جنح البخاري والله أعلم قوله في طريق عبد الله بن عيسى الا لمن لم يجد الهدى في رواية أبي عوانة عن عبد الله بن عيسى عند الطحاوي الا لمتمتع أو محصر قوله في رواية مالك فإن لم يجد في رواية الحموي فمن لم يجد وكذا هو في الموطأ

[ 1895 ] قوله وتابعه إبراهيم بن سعد عن أبن شهاب وصله الشافعي قال أخبرني إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن عروة عن عائشة في المتمتع إذا لم يجد هديا لم يصم قبل عرفة فليصم أيام مني وعن سالم عن أبيه مثله ووصله الطحاوي من وجه آخر عن بن شهاب بالإسنادين بلفظ إنهما كانا يرخصان للمتمتع فذكر مثله لكن قال أيام التشريق وهذا يرجع كونه موقوفا لنسبة الترخيص إليهما فإنه يقوي أحد الاحتمالين في رواية عبد الله بن عيسى حيث قال فيها لم يرخص وأبهم الفاعل فاحتمل أن يكون مرادهما من له الشرع فيكون مرفوعا أو من له مقام الفتوى في الجملة فيحتمل الوقف وقد صرح يحيى بن سلام بنسبه ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإبراهيم بن سعد بنسبه ذلك إلى بن عمر وعائشة ويحيى ضعيف وإبراهيم من الحفاظ فكانت روايته أرجح ويقويه رواية مالك وهو من حفاظ أصحاب الزهري فإنه مجزوم عنه بكونه موقوفا والله أعلم وستدل بهذا الحديث على أن أيام التشريق ثلاثة غير يوم عيد الأضحى لأن يوم العيد لا يصام بالاتفاق وصيام أيام التشريق هي المختلف في جوازها والمستدل بالجواز أخذه من عموم الآية كما تقدم فاقتضى ذلك أنها ثلاثة لأنه القدر الذي تضمنته الآية والله أعلم

قوله باب صيام يوم عاشوراء أي ما حكمه وعاشوراء بالمد على المشهور وحكى فيه القصر وزعم بن دريد أنه اسم إسلامي وأنه لا يعرف في الجاهلية ورد ذلك عليه بن دحية بان بن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم خابوراء وبقول عائشة أن أهل الجاهلية كانوا يصومونه انتهى وهذا الأخير لا دلالة فيه على رد ما قال بن دريد واختلف أهل الشرع في تعيينه فقال الأكثر هو اليوم العاشر قال القرطبي عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه ماخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة الا إنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علما على اليوم العاشر وذكر أبو منصور الجواليقي أنه لم يسمع فاعولاء إلى هذا وضاروراء وساروراء ودالولاء من الضار والسار والدال وعلى هذا فيوم عاشوراء هو العاشر وهذا قول الخليل وغيره وقال الزين بن المنير الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية وقيل إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذا من اوراد الإبل كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام ثم اوردوها في التاسع قالوا وردنا عشرا بكسر العين وكذلك إلى الثلاثة وروى مسلم من طريق الحكم بن الأعرج انتهيت إلى بن عباس وهو متوسد رداءه فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد واصبح يوم التاسع صائما قلت أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه قال نعم وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع لكن قال الزين بن المنير قوله إذا أصبحت من تاسعه فأصبح يشعر بأنه أراد العاشر لأنه لا يصبح صائما بعد أن أصبح من تاسعه الا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة قلت ويقوى هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضا من وجه آخر عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات قبل ذلك فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر أما احتياطا له وأما مخالفة لليهود والنصارى وهو الارجح وبه يشعر بعض روايات مسلم ولأحمد من وجه آخر عن بن عباس مرفوعا صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا يوما قبله أو يوما بعده وهذا كان في آخر الأمر وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك فوافقهم أو لا وقال نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم فأمر بان يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم العاشر وقال بعض أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يحتمل أمرين أحدهما أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع والثاني أراد أن يضيفه إليه في الصوم فلما توفي صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب ادناها أن يصام وحده وفوقه أن يصام التاسع معه وفوقه أن يصام التاسع والحادى عشر والله أعلم ثم بدا المصنف بالأخبار الدالة على أنه ليس بواجب ثم بالأخبار الدالة على الترغيب في صيامه الحديث الأول حديث بن عمر أورده من رواية عمر بن محمد أي بن زيد بن عبد الله بن عمر عن عم أبيه سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه وصرح بالتحديث في جميع إسناده

[ 1896 ] قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء أن شاء صام كذا وقع في جميع النسخ من البخاري مختصرا وعند بن خزيمة في صحيحه عن أبي موسى عن أبي عاصم بلفظ أن اليوم يوم عاشوراء فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره وعند الإسماعيلي قال يوم عاشوراء من شاء صامه ومن شاء افطره وفي رواية مسلم ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فقال كان يوم يصومه أهل الجاهلية فمن شاء صامه ومن شاء تركه وقد تقدم في أول كتاب الصيام من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر بلفظ صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك فيحمل حديث سالم على ثاني الحال التي أشار إليها نافع في روايته ويجمع بين الحديثين بذلك الحديث الثاني حديث عائشة من طريقين الأولى طريق الزهري قال أخبرني عروة وهو موافق لرواية نافع المذكورة والثانية من رواية هشام عن أبيه مثله وفيها زيادة أن أهل الجاهلية كانوا يصومونه وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه في الجاهلية أي قبل أن يهاجر إلى المدينة وافادت تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء وقد كان أول قدومه المدينة ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان فعلى هذا لم يقع الأمر بصيام عاشوراء الا في سنة واحدة ثم فوض الأمر في صومه إلى رأى المتطوع فعلى تقدير صحة قول من يدعي أنه كان قد فرض فقد نسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة ونقل عياض أن بعض السلف كان يرى بقاء فريضة عاشوراء لكن انقرض القائلون بذلك ونقل بن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض والإجماع على أنه مستحب وكان بن عمر يكره قصده بالصوم ثم انقرض القول بذلك وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال اذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك هذا أو معناه الحديث الثالث حديث معاوية من طريق بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أي بن عوف عنه هكذا رواه مالك وتابعه يونس وصالح بن كيسان وابن عيينة وغيرهم وقال الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وقال النعمان بن راشد عن الزهري عن السائب بن يزيد كلاهما عن معاوية والمحفوظ رواية الزهري عن حميد بن عبد الرحمن قاله النسائي وغيره ووقع عند مسلم في رواية يونس عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية

[ 1899 ] قوله عام حج على المنبر زاد يونس بالمدينة وقال في روايته في قدمة قدمها وكأنه تأخر بمكة أو المدينة في حجته إلى يوم عاشوراء وذكر أبو جعفر الطبري أن أول حجة حجها معاوية بعد أن استخلف كانت في سنة أربع وأربعين وأخر حجة حجها سنة سبع وخمسين والذي يظهر أن المراد بها في هذا الحديث الحجة الأخيرة قوله أين علماؤكم في سياق هذه القصة اشعار بان معاوية لم ير لهم اهتماما بصيام عاشوراء فلذلك سأل عن علمائهم أو بلغه عمن يكره صيامه أو يوجبه قوله ولم يكتب الله عليكم صيامه الخ هو كله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه النسائي في روايته وقد استدل به على أنه لم يكن فرضا قط ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقديم وجوبه أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ثم فسره بأنه شهر رمضان ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخا ويؤيد ذلك أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنة الفتح والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه ثم تاكد الأمر بذلك ثم زيادة التاكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الاطفال وبقول بن مسعود الثابت في مسلم لما فرض رمضان ترك عاشوراء مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق فدل على أن المتروك وجوبه وأما قول بعضهم المتروك تاكد استحبابه والباقي مطلق استحبابه فلا يخفى ضعفه بل تاكد استحبابه باق ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول لئن عشت لأ صومن التاسع والعاشر ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة وأي تاكيد أبلغ من هذا الحديث الرابع حديث بن عباس في سبب صيام عاشوراء

[ 1900 ] قوله عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه وقع في رواية بن ماجة من وجه آخر عن أيوب عن سعيد بن جبير والمحفوظ أنه عند أيوب بواسطة وكذلك أخرجه مسلم قوله قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم في رواية مسلم فوجد اليهود صياما قوله فقال ما هذا في رواية مسلم فقال لهم ما هذا والمصنف في تفسير طه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير فسألهم قوله هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم في رواية مسلم هذا يوم عظيم انجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه قوله فصامه موسى زاد مسلم في روايته شكر لله تعالى فنحن نصومه واللمصنف في الهجرة في رواية أبي بشر ونحن نصومه تعظيما له ولأحمد من طريق شبيل بن عوف عن أبي هريرة نحوه وزاد فيه وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكرا وقد استشكل ظاهر الخبر لا قتضائه أنه صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صياما يوم عاشوراء وإنما قدم المدينة في ربيع الأول والجواب عن ذلك أن المراد أن أول علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة لا أنه قبل أن يقدمها علم ذلك وغايته أن في الكلام حذفا تقديره قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياما ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه صلى الله عليه وسلم المدينة وهذا التأويل مما يترجح به اولوية المسلمين واحقيتهم بموسى عليه الصلاة والسلام لإضلالهم اليوم المذكور وهداية الله للمسلمين له ولكن سياق الأحاديث تدفع هذا التأويل والاعتماد على التأويل الأول ثم وجدت في المعجم الكبير للطبرانى مما يؤيد الاحتمال المذكور أو لا وهو ما أخرجه في ترجمة زيد بن ثابت من طريق أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وكان يدور في السنة وكانوا يأتون فلانا اليهودي يعني ليحسب لهم فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه وسنده حسن قال شيخنا الهيثمى في زوائد المسانيد لا أدري ما معنى هذا قلت ظفرت بمعناه في كتاب الآثار القديمة لأبي الريحان البيروني فذكر ما حاصله أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم واعيادهم حساب النجوم فالسنة عندهم شمسية لا هلالية قلت فمن ثم احتاجوا إلى من يعرف الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك قوله وأمر بصيامه للمصنف في تفسير يونس من طريق أبي بشر أيضا فقال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا واستشكل رجوعه إليهم في ذلك وأجاب المازري باحتمال أن يكون أوحى إليه بصدقهم أو تواتر عنده الخبر بذلك زاد عياض أو أخبره به من أسلم منهم كابن سلام ثم قال ليس في الخبر أنه ابتدا الأمر بصيامه بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم وإنما هي صفة حال وجواب سؤال ولم تختلف الروايات عن بن عباس في ذلك ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة أن أهل الجاهلية كانوا يصومونه كما تقدم إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك قال القرطبي لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع ما مضى كإبراهيم وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسالهم وصامه وأمر بصيامه احتمل ذلك أن يكون ذلك استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم ويحتمل غير ذلك وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه وقد أخرج مسلم من طريق أبي غطفان بفتح المعجمة ثم المهملة بعدها فاء بن طريف بمهملة وزن عظيم سمعت بن عباس يقوم صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا أنه يوم تعظمه اليهود والنصارى الحديث واستشكل بان التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون يختص بموسى واليهود وأجيب باحتمال أن يكون عيسى كان يصومه وهو مما لم ينسخ من شريعة موسى لأن كثيرا منها ما نسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ويقال أن أكثر الأحكام الفرعية إنما تتلقاها النصارى من التوراة وقد أخرج أحمد من وجه آخر عن بن عباس زيادة في سبب صيام اليهود له وحاصلها أن السفينة استوت على الجودي فيه فصامه نوح وموسى شكرا وقد تقدمت الإشارة لذلك قريبا وكان ذكر موسى دون غيره هنا لمشاركته لنوح في النجاة وغرق أعدائهما الحديث الخامس حديث أبي موسى وهو الأشعري قال كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم فصوموه أنتم وفي رواية مسلم كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيدا فظاهره أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يصام وحديث بن عباس يدل على أن الباعث على صيامه موافقتهم على السبب وهو شكر الله تعالى على نجاة موسى لكن لا يلزم من تعظيمهم له واعتقادهم بأنه عيد إنهم كانوا لا يصومونه فلعلهم كان من جملة تعظيمهم في شرعهم أن يصوموه وقد ورد ذلك صريحا في حديث أبي موسى هذا فيما أخرجه المصنف في الهجرة بلفظ وإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه ولمسلم من وجه آخر عن قيس بن مسلم بإسناده قال كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم وهو بالشين المعجمة أي هيئتهم الحسنة وقوله هذا يوم الإشارة إلى نوع اليوم لا إلى شخصه ومثله قوله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة فيما ذكره الفخر الرازي في تفسيره الحديث السادس حديث بن عباس أيضا من طريق بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد وقد رواه أحمد عن بن عيينة قال أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد منذ سبعين سنة

[ 1902 ] قوله ما رأيت الخ هذا يقتضى أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصائم بعد رمضان لكن بن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرد علم غيره وقد روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعا أن صوم عاشوراء يكفر سنة وأن صيام يوم عرفة يكفر سنتين وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء وقد قيل في الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل قوله يتحرى أي يقصد قوله وهذا الشهر يعني شهر رمضان كذا ثبت في جميع الروايات وكذا هو عند مسلم وغيره وكأن بن عباس اقتصر على قوله وهذا الشهر وأشار بذلك إلى شيء مذكور كأنه تقدم ذكر رمضان وذكر عاشوراء أو كانت المقالة في أحد الزمانين وذكر الآخر فلهذا قال الراوي عنه يعني رمضان أو أخذه الراوي من جهة الحصر في أن لا شهر يصام الا رمضان لما تقدم له عن بن عباس أنه كان يقول لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرا كاملا الا رمضان وإنما جمع بن عباس بين عاشوراء ورمضان وأن كان أحدهما واجبا والآخر مندوبا لاشتراكهما في حصول الثواب لأن معنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه الحديث السابع حديث سلمة بن الأكوع في الامر بصوم عاشوراء وقد تقدم في اثناء الصيام في باب إذا نوى بالنهار صوما وأخرجه عاليا أيضا ثلاثيا وقد تقدم الكلام عليه هناك واستدل به على أجزاء الصوم بغير نية لمن طرا عليه العلم بوجوب صوم ذلك اليوم كمن ثبت عنده في اثناء النهار أنه من رمضان فإنه يتم صومه ويجزئه وقد تقدم البحث في ذلك والرد على من ذهب إليه وأن عند أبي داود وغيره أمر من كان أكل بقضاء ذلك اليوم مع الأمر بامساكه والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب الصيام من أوله إلى هنا على مائة وسبعة وخمسين حديثا المعلق منها ستة وثلاثون حديثا والبقية موصولة والمكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وستون حديثا والخالص تسعة وثمانون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة من لم يدع قول الزور وحديث عمار في صوم يوم الشك وحديث أنس آلى من نسائه وحديث أبي هريرة في الأمر بفطر الجنب وحديث عامر بن ربيعة في السواك وحديث عائشة السواك مطهرة للفم وحديث أبي هريرة لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء فالذي خرجه مسلم بلفظ عند كل صلاة وحديث جابر فيه وحديث زيد بن خالد فيه وحديث أبي هريرة من أفطر في رمضان وحديث الحسن عن غير واحد أفطر الحاجم والمحجوم وجميع ذلك سوى الأول معلقات وحديث بن عباس احتجم وهو صائم وحديث أنس في كراهة الحجامة للصائم وحديث بن عمر في نسخ وعلى الذين يطيقونه وحديث سلمة بن الأكوع في ذلك وحديث بن أبي ليلى عن الصحابي في تحويل الصيام وحديث أبي هريرة في التفريط وحديث النهى عن الوصال إبقاء عليهم وهذه الثلاثة معلقات وحديث أبي سعيد في النهى عن الوصال وحديث أبي جحيفة في قصة سلمان وأبي الدرداء وحديث أنس في الدخول على أم سليم وحديث جويرية في صوم يوم الجمعة وحديث بن عمر في نذر صوم يوم العيد وحديثه في صيام أيام التشريق وحديث عائشة في ذلك على شك في رفعهما وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ستون أثرا أكثرها معلق واليسير منها موصول والله أعلم

كتاب صلاة التراويح كذا في رواية المستملى وحده وسقط هو والبسملة من رواية غيره والتراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة كتسليمة من السلام وسميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين وقد عقد محمد بن نصر في قيام الليل بابين لمن استحب التطوع لنفسه بين كل ترويحتين ولمن كره ذلك وحكى فيه عن يحيى بن بكير عن الليث إنهم كانوا يستريحون قدر ما يصلي الرجل كذا كذا ركعة