كتاب البيوع
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب البيوع وقول الله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا وقوله إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها ب كذا للأكثر ولم يذكر النسفي ولا أبو ذر الآيتين والبيوع جمع بيع وجمع لاختلاف انواعه والبيع نقل ملك إلى الغير بثمن والشراء قبوله ويطلق كل منهما على الآخر واجمع المسلمون على جواز البيع والحكمة تقتضيه لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا وصاحبه قد لا يبذله له ففي تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج والاية الأولى أصل في جواز البيع وللعلماء فيها أقوال اصحها أنه عام مخصوص فإن اللفظ لفظ عموم يتناول كل بيع فيقتضى إباحة الجميع لكن قد منع الشارع بيوعا أخرى وحرمها فهو عام في الإباحة مخصوص بما لا يدل الدليل على منعه وقيل عام أريد به الخصوص وقيل مجمل بينته السنة وكل هذه الأقوال تقتضي أن المفرد المحلي بالألف واللام يعم والقول الرابع أن اللام في البيع للعهد وإنها نزلت بعد أن أباح الشرع بيوعا وحرم بيوعا فاريد بقوله وأحل الله البيع أي الذي أحله الشرع من قبل ومباحث الشافعي وغيره تدل على أن البيوع الفاسدة تسمى بيعا وأن كانت لا يقع بها الحنث لبناء الإيمان على العرف والاية الأخرى تدل على إباحة التجارة في البيوع الحالة واولها في البيوع المؤجلة

قوله الله عز وجل الجمعة

فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين قوله

قوله باب ما جاء في قول الله عز وجل فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ابتغوا من فضل الله إلى آخر السورة كذا لأبي ذر وللنسفى الآيتين أي إلى آخر الآيتين وساق في رواية كريمة الآيتين بتمامهما قوله وقوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم والاية الأولى يؤخذ منها مشروعية البيع من طريق عموم ابتغاء الفضل لأنه يشمل التجارة وانواع التكسب واختلف في الأمر المذكور فالأكثر على أنه للإباحة ونكتتها مخالفة أهل الكتاب في منع ذلك يوم السبت فلم يحظر ذلك على المسلمين وقال الداودي الشارح هو على الإباحة لمن له كفاف ولم لا يطيق التكسب وعلى الوجوب للقادر الذي لا شيء عنده لئلا يحتاج إلى السؤال وهو محرم عليه مع القدرة على التكسب وسيأتي بقية تفسير الآيتين في تفسير الجمعة وأغرب بعض الشراح فقال أن الآيات المذكورة ظاهرة في إباحة التجارة الا الأخيرة فهي إلى النهى عنها أقرب يعني قوله وإذا رأوا تجارة أو لهوا الخ ثم أجاب بان التجارة المذكورة مقيدة بالصفة المذكورة فمن ثم اشير إلى ذمها فلو خلت عن المعارض لم تذم والذي يظهر أن مراد البخاري بهذه الترجمة قوله وابتغوا من فضل الله وأما ذكر التجارة فيها فقد أفرده بترجمة تأتي بعد ثمانية أبواب والاية الثانية فيها تقييد التجارة المباحة بالتراضي وقوله أموالكم أي مالك كل إنسان لا يصرفه في محرم أو المعنى لا يأخذ بعضكم مال بعض وقوله الا أن تكون الاستثناء منقطع اتفاقا والتقدير لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل لكن أن حصلت بينكم تجارة وتراضيتم بها فليس بباطل وروى أبو داود من حديث أبي سعيد مرفوعا إنما البيع عن تراض وهو طرف من حديث طويل وروى الطبري من مرسل أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتفرق بيعان الا عن رضا ورجاله ثقات ومن طريق أبي زرعة بن عمرو أنه كان إذا بايع رجلا يقول له خيرني ثم يقول قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفترق اثنان يعني في البيع الا عن رضا وأخرجه أبو داود أيضا وسيأتي الكلام في الخيار قريبا إن شاء الله تعالى ومن طريق سعيد عن قتادة أنه تلا هذه الآية فقال التجارة رزق من رزق الله لمن طلبها بصدقها ثم ذكر البخاري في الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة

[ 1942 ] قوله أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة كذا في رواية شعيب وقد تقدم في أو اخر كتاب العلم من طريق مالك عن الزهري فقال عن الأعرج وهو صحيح عن الزهري عن كل منهم وطريقه عن الأعرج مختصرة وسيأتي في الاعتصام من طريق سفيان عن الزهري أتم منه وقد تقدمت مباحث الحديث هناك والمقصود منه قول أبي هريرة أن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق والصفق بفتح المهملة ووقع في رواية القابسي بالسين وسكون الفاء بعدها قاف والمراد به التبايع وسميت البيعة صفقة لأنهم اعتادوا عند لزوم البيع ضرب كف أحدهما بكف الآخر إشارة إلى أن الاملاك تضاف إلى الأيدي فكان يد كل واحد استقرت على ما صار له ووجه الدلالة منه وقوع ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم واطلاعه عليه وتقريره له قوله على ملء بطني أي مقتنعا بالقوت أي فلم تكن له غيبة عنه قوله نمرة بفتح النون وكسر الميم أي كساء ملونا وقال ثعلب هي ثوب مخطط وقال القزاز دراعة تلبس فيها سواد وبياض وقد تقدمت بقية مباحثه في أو اخر كتاب العلم لأنه ساق هذا الكلام الأخير هناك من وجه آخر عن أبي هريرة ويأتي شيء من ذلك في كتاب الاعتصام الحديث الثاني حديث عبد الرحمن بن عوف

[ 1943 ] قوله عن جده هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قوله قال قال عبد الرحمن بن عوف في رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق يحيى الحمائى عن إبراهيم بن سعد بسنده عن عبد الرحمن بن عوف فهو من مسند عبد الرحمن وقد أخرجه المصنف في فضائل الأنصار عن إسماعيل بن عبد الله وهو بن أبي أويس عن إبراهيم بن سعد فقال عن أبيه عن جده قال لما قدموا المدينة أخي الخ فهو من هذه الطريق مرسل وقد تبين لي بالطريق التي في هذا الباب أنه موصول قوله اخى تقدم في الصيام بيان وقت المؤاخاة في قصة سلمان وأبي الدرداء قوله سعد بن الربيع ساذكر ترجمته في فضائل الأنصار قوله نزلت لك عنها أي طلقتها لأجلك وحلت أي انقضت عدتها وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في الوليمة من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قال بن التين كان هذا القول من سعد قبل أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يكفوا المهاجرين العمل ويعطوهم نصف الثمرة قوله قينقاع بفتح القاف وسكون التحتانية وضم النون بعدها قاف قبيلة من اليهود نسب السوق إليهم وذكر بن التين أنه ضبط قينقاع بكسر النون في أكثر نسخ القابسي وهو صواب أيضا وقد حكى فتحها أيضا صرف قينقاع على إرادة الحي وتركه على إرادة القبيلة قوله تابع الغدو أي داوم الذهاب إلى السوق للتجارة الحديث الثالث حديث أنس في قصة عبد الرحمن بن عوف المذكورة وقد أورده المصنف من طرق عن حميد عن ثابت وعن عبد العزيز بن صهيب كلهم عن أنس وليس في شيء منها أن أنسا حمله عن عبد الرحمن الا ما وقع في رواية لمسلم واللنسائى عن طريق عبد العزيز عن أنس فقال عن عبد الرحمن بن عوف قال رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فذكر الحديث ووقع عند الدارقطني من طريق مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن بن عوف أيضا وذكر أن روح بن عبادة تفرد به عن مالك والمحفوظ عنه كما رواه الجماعة وسيأتي الكلام على حديث أنس وبيان فوائد طرقه واختلافها في الوليمة إن شاء الله تعالى والغرض من إيراد هذين الحديثين اشتغال بعض الصحابة بالتجارة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره على ذلك وفيه أن الكسب من التجارة ونحوها أولي من الكسب من الهبة ونحوها الحديث الرابع حديث بن عباس في ذكر اسواق الجاهلية وتقريرها في الإسلام وقد تقدم الكلام عليه في اثناء كتاب الحج وقوله فيه وكان الإسلام أي وجاء الإسلام فكان هنا تامة وتأثموا أي طرحوا الإثم والمعنى تركوا التجارة في الحج حذرا من الإثم وقراءة بن عباس في مواسم الحج معدودة من الشاذ الذي صح إسناده وهو حجة وليس بقران

قوله باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات ذكر فيه حديث النعمان بن بشير بلفظ الترجمة وزيادة فأورده من طريقين عن الشعبي عنه والثانية من طريقين عن أبي فروة عن الشعبي فأورده أولا من طريق عبد الله بن عون عن الشعبي ثم من طريق بن عيينة عن أبي فروة عن الشعبي صرح تارة بالتحديث لابن عيينة عن أبي فروة وثانيا بالتصريح بسماع أبي فروة من الشعبي وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن بن عيينة فصرح فيه بتحديث أبي فروة له وبسماع أبي فروة من الشعبي وبسماع من النعمان على المنبر وبسماع النعمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ساق المصنف من طريق سفيان وهو الثوري عن أبي فروة وساقه على لفظه كما صرح بذلك أبو نعيم في المستخرج وأما لفظ بن عيينة فقد أخرجه بن خزيمة في صحيحه والإسماعيلي من طريقه ولفظ حلال بين وحرام بين ومشتبهات بين ذلك فذكره وفي آخره ولكل ملك حمى وحمى الله في الأرض معاصيه وأما لفظ بن عون فأخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما بلفظ أن الحلال بين وأن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات وأحيانا يقول مشتبهة وسأضرب لكم في ذلك مثلا أن الله حمى حمى وإن حمى الله ما حرم وأنه من يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه وأنه من يخالط الريبة يوشك أن يجسر وأبو فروة المذكور هو الأكبر واسمه عروة بن الحارث الهمداني الكوفي ولهم أبو فروة الأصغر الجهني واسمه مسلم بن سالم ما له في البخاري سوى حديث واحد في أحاديث الأنبياء قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمت في الإيمان الرد على من نفى سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم

[ 1946 ] قوله الحلال بين والحرام بين الخ فيه تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أشياء وهو صحيح لأن الشيء إما أن ينص على طلبه من الوعيد على تكره أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله أو لا ينص على واحد منهما فالأول الحلال البين والثاني الحرام البين فمعنى قوله الحلال بين أي لا يحتاج إلى بيانه ويشترك في معرفته كل أحد والثالث مشتبه لخفائه فلا يدري هل هو حلال أو حرام وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفس الأمر حراما فقد بريء من تبعتها وإن كان حلالا فقد أجر على تكرها بهذا القصد لأن الأصل في الأشياء مختلف فيه حظرا وإباحة والأولان قد يردان جميعا فإن علم المتأخر منهما وإلا فهو من حيز القسم الثالث وسأذكر ما فسرت به الشبهة بعد هذا الباب والمراد أنها مشتبهة على بعض الناس بدليل قوله عليه السلام لا يعلمها كثير من الناس وقد تقدم الكلام على ذلك وعلى هذا الحديث مستوفى في باب فضل من استبرأ لدينه وعرضه من كتاب الإيمان وقد توارد أكثر الأئمة المخرجين له على إيراده في كتاب البيوع لأن الشبهة في المعاملات تقع فيها كثيرا وله تعلق أيضا بالنكاح وبالصيد والذبائح والأطعمة والأشربة وغير ذلك مما لا يخفى والله المستعان وفيه دليل على جواز الجرح والتعديل قاله البغوي في شرح السنة واستنبط منه بعضهم منع إطلاق الحلال والحرام على ما لا نص فيه لأنه من جملة ما لم يستبن لكن قوله صلى الله عليه وسلم لا يعلمها كثير من الناس يشعر بأن منهم من يعلمها وقوله في هذه الطريق استبان أي ظهر تحريمه وقوله أوشك أي قرب لأن متعاطي الشبهات قد يصادف الحرام وإن لم يتعمده أو يقع فيه لاعتياده التساهل

قوله باب تفسير المشبهات بتشديد الموحدة وللنسفى بضمتين مخففا بغير ميم ولابن عساكر بضم الميم وزيادة تاء لما تقدم في حديث النعمان بن بشير أن الشبهات لا يعلمها كثير من الناس واقتضى ذلك أن بعض الناس يعلمها أراد المصنف أن يعرف الطرق إلى معرفتها لتجتنب فذكر أو لا ما يضبطها ثم أورد أحاديث يؤخذ منها مراتب ما يجب اجتنابه منها ثم ثنى بباب فيه بيان ما يستحب منها ثم ثلث بباب فيه بيان ما يكره وشرح ذلك أن الشيء أما أن يكون أصله التحريم أو الإباحة أو يشك فيه فالأول كالصيد فإنه يحرم أكله قبل ذكاته فإذا شك فيها لم يزل عن التحريم الا بيقين واليه الإشارة بحديث عدي بن حاتم والثاني كالطهارة إذا حصلت لا ترفع الا بيقين الحدث واليه الإشارة بحديث عبد الله بن زيد في الباب الثالث ومن امثلته من له زوجة وعبد وشك هل طلق أو أعتق فلا عبرة بذلك وهما على ملكه والثالث ما لا يتحقق أصله ويتردد بين الحظر والاباحة فالأولى تركه واليه الإشارة بحديث التمرة الساقطة في الباب الثاني قوله وقال حسان بن أبي سنان هو البصري أحد العبد في زمن التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد وصله أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عنه بلفظ إذا شككت في شيء فاتركه ولأبي نعيم من وجه آخر اجتمع يونس بن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس ما عالجت شيئا أشد على من الورع فقال حسان ما عالجت شيئا أهون على منه قال كيف قال حسان تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت قال بعض العلماء تكلم حسان على قدر مقامه والترك الذي أشار إليه أشد على كثير من الناس من تحمل كثير من المشاق الفعلية وقد ورد قوله دع ما يريبك إلى ما لا يريبك مرفوعا أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن على وفي الباب عن أنس عند أحمد من حديث بن عمر عند الطبراني في الصغير ومن حديث أبي هريرة وواثلة بن الأسقع ومن قول بن عمر أيضا وابن مسعود وغيرهما قوله يريبك بفتح أوله ويجوز الضم يقال رابه يريبه بالفتح وأرابه يريبه بالضم ريبة وهي الشك والتردد والمعنى إذا شككت في شيء فدعه وترك ما يشك فيه أصل عظيم في الورع وقد روى الترمذي من حديث عطية السعدي مرفوعا لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس وقد تقدمت الإشارة إليه في كتاب الإيمان قال الخطابي كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه ثم هو على ثلاثة أقسام واجب ومستحب ومكروه فالواجب اجتناب ما يستلزمه ارتكاب المحرم والمندوب اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام والمكروه اجتناب الرخص المشروعة على سبيل التنطع الحديث الأول حديث عقبة بن الحارث في الرضاع ووجه الدلالة منه

[ 1947 ] قوله كيف وقد قيل فإنه يشعر بان أمره بفراق امرأته إنما كان لأجل قول المرأة أنها أرضعتهما فاحتمل أن يكون صحيحا فيرتكب الحرام فأمره بفراقها احتياطا على قول الأكثر وقيل بل قبل شهادة المرأة وحدها على ذلك وستاتى مباحثه في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى الحديث الثاني حديث عائشة في قصة بن وليدة زمعة وستاتى مباحثه في كتاب الفرائض ووجه الدلالة منه

[ 1948 ] قوله صلى الله عليه وسلم احتجى منه يا سودة مع حكمة بأنه أخوها لأبيها لكن لما رأى الشبه البين فيه من غير زمعة أمر سودة بالاحتجاب منه احتياطا في قول الأكثر واعترض الداودي فقال ليس هذا الحديث من هذا الباب في شيء وأجاب بن التين بان وجهه أن المشبهات ما أشبهت الحلال من وجه والحرام من وجه وبيانه من هذه القصة أن الحاقه بزمعة يقتضى أن لا تحتجب منه سودة والشبه بعتبة يقتضى أن تحتجب وقال بن القصار إنما حجب سودة منه لأن للزوج أن يمنع زوجته من أخيها وغيره من اقاربها وقال غيره بل وجب ذلك لغلظ أمر الحجاب في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولو اتفق مثل ذلك لغيره لم يجب الاحتجاب كما وقع في حق الأعرابي الذي قال له لعله نزعه عرق الحديث الثالث حديث عدي بن حاتم في الصيد ووجه الدلالة منه

[ 1949 ] قوله إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر فبين له وجه المنع وهو ترك التسمية وأبعد من استدل به على سد الذرائع

قوله باب ما يتنزه بضم أوله أي يجتنب من الشبهات وللكشميهني يكره بدل يتنزه

[ 1950 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري ومنصور هو بن المعتمر وطلحة هو بن مطرف والإسناد كله كوفيون الا الصحابي فإنه سكن البصرة وقد دخل الكوفة مرارا وصرح يحيى القطان بالتحديث بين منصور وسفيان كما سيأتي في اللقطة قوله مسقوطة كذا للأكثر وفي رواية كريمة مسقطة بضم أوله وفتح القاف قال بن التيمي قوله مسقوطة كلمة غريبة لأن المشهور أن سقط لازم والعرب قد تذكر الفاعل بلفظ المفعول واستشهد له الخطابي بقوله تعالى كان وعده مأتيا أي أتيا وقال بن التين مسقوطة بمعنى ساقطة كقوله حجابا مستورا أي ساترا وقال بن مالك في الشواهد قوله مسقوطة بمعنى مسقطة ولا فعل له ونظيره مرقوق بمعنى مرق أي مسترق عن بن جنى قال وكما جاء مفعول ولا فعل له جاء فعل ولا مفعول له كقراءة النخعي عموا وصموا بضم اولهما ولم يجيء مصموم اكتفاء باصم قلت وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة شيخ البخاري فيه فقال مطروحة أخرجه أبو نعيم من وجهين آخرين عن قبيصة شيخ البخاري فيه فقال بتمرة ولم يقل مسقوطة ولا مسقطة قوله وقال همام الخ وصله في اللقطة بتمامه ولفظه أني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة بعلي فراشي فارفعها لاكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فالقيها قلت ولم يستحضر الكرماني لفظ رواية همام فقال تمام الحديث غير مذكور وهو لولا أن تكون صدقة لأكلتها قلت والنكتة في ذكره هنا ما فيه من تعيين المحل الذي رأى فيه التمرة وهو فراشه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يأكلها وذلك أبلغ في الورع قال المهلب لعله صلى الله عليه وسلم كان يقسم الصدقة ثم يرجع إلى أهله فيعلق بثوبه من تمر الصدقة شيء فيقع في فراشه وإلا فما الفرق بين هذا وبين أكله من اللحم الذي تصدق به على بريرة قلت ولم ينحصر وجود شيء من تمر الصدقة في غير بيته حتى يحتاج إلى هذا التأويل بل يحتمل أن يكون ذلك التمر حمل إلى بعض من يستحق الصدقة ممن هو في بيته وتاخر تسليم ذلك له أو حمل إلى بيته فقسمه فبقيت منه بقية وقد روى أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال تضور النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقيل له ما اسهرك قال أني وجدت تمرة ساقطة فآكلتها ثم ذكرت تمرا كان عندنا من تمر الصدقة فما أدري أمن ذلك كانت التمرة أو من تمر أهلي فذلك أسهرنى وهو محمول على التعدد وأنه لما اتفق له أكل التمرة كما في هذا الحديث وأقلقه ذلك صار بعد ذلك إذا وجد مثلها مما يدخل التردد تركه احتياطا ويحتمل أن يكون في حالة أكله إياها كان في مقام التشريع وفي حال تركه كان في خاصة نفسه وقال المهلب إنما تركها صلى الله عليه وسلم تورعا وليس بواجب لأن الأصل أن كل شيء في بيت الإنسان على الإباحة حتى يقوم دليل على التحريم وفيه تحريم قليل الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم ويؤخذ منه تحريم كثيرها من باب أولي

قوله باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات في رواية الكشميهني من المشبهات بميم وتثقيل وفي نسخة بمثناة بدل التثقيل والكل بمعنى مشكلات وهذه الترجمة معقودة لبيان ما يكره من التنطع في الورع قال الغزالي الورع أقسام ورع الصديقين وهو ترك ما لا يتناول بغير نية القوة على العبادة وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة فيه ولكن يخشى أن يجر إلى الحرام وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع فإن لم يكن فهو ورع الموسوسين قال ووراء ذلك ورع الشهود وهو ترك ما يسقط الشهادة أي أعم من أن يكون ذلك المتروك حراما أم لا انتهى وغرض المصنف هنا بيان ورع الموسوسين كمن يمتنع من أكل الصيد خشية أن يكون الصيد كان لإنسان ثم أفلت منه وكمن يترك شراء ما يحتاج إليه من مجهول لا يدري آماله حلال أم حرام وليست هناك علامة تدل على الثاني وكمن يترك تناول الشيء لخبر ورد فيه متفق على ضعفه وعدم الاحتجاج به ويكون دليل إباحته قويا وتاويله ممتنع أو مستبعد ثم ذكر فيه حديثين الأول

[ 1951 ] قوله عن الزهرى في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري قوله عن عباد بن تميم عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وفي رواية الحميدي المذكورة أخبرني سعيد هو بن المسيب وعباد بن تميم عن عبد الله بن زيد وقد تقدم في الطهارة عن أبي نعيم عن سفيان وسياقه يشعر بان طريق سعيد مرسلة وطريق عباد موصولة ولم يتعرض المزي لتمييز ذلك في الأطراف قوله وقال بن أبي حفصة وهو محمد وكنيته أبو سلمة واسم والد أبي حفصة ميسرة وهو بصري نزل الجزيرة وظن الكرماني أن محمدا هذا وسالما بن أبي حفصة وعمارة بن أبي حفصة أخوة فجزم بذلك هنا فوهم فيه وهما فاحشا فإن والد سالم لا يعرف اسمه وهو كوفي ووالد عمارة اسمه نابت بالنون ثم موحدة ثم مثناة وهو بصري أيضا لكن ميسرة مولى نابت عربي وسالم بن أبي حفصة من طبقة أعلى من طبقة الإثنين قوله لا وضوء الخ وصل أحمد أثر بن أبي حفصة المذكور من طرق ووقع لنا بعلو في مسند أبي العباس السراج ولفظه عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه مرفوعا باللفظ المعلق ومشى بعض الشراح على ظاهر قول البخاري عن الزهري لا وضوء الخ فجزم بأن هذا المتن من كلام الزهري وليس كما ظن لما ذكرته عن مسندى أحمد والسراج وقد جرت عادة البخاري بهذا الاختصاص كثيرا والتقدير عن الزهري بهذا السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لا وضوء الحديث وأقرب أمثلة ذلك ما مضى في الصوم في باب إذا أفطر رمضان ثم طلعت الشمس فإنه أورد حديث الباب من رواية أبي أسامة عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء قالت أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس قيل لهشام أمروا بالقضاء قال وبد من قضاء قال البخاري وقال معمر سمعت هشاما لا أدري اقضوا أم لا فهذا أيضا فيه حذف تقديره سمعت هشاما عن معمر عن هشام بالسند والمتن وقال في آخره فقال إنسان لهشام اقضوا أم لا قال لا أدري وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر كذلك واوردته من مسند عبد بن حميد عاليا عن عبد الرزاق عم معمر سمعت هشاما عن فاطمة عن أسماء فذكرت قال فقال إنسان لهشام اقضوا أم لا قال لا أدري تنبيه اختصر بن أبي حفصة هذا المتن اختصارا مجحفا فإن لفظه يعم ما إذا وقع الشك داخل الصلاة وخارجها ورواية غيره من اثبات أصحاب الزهري تقتضي تخصيص ذلك بمن كان داخل الصلاة ووجهه أن خروج الريح من المصلي هو الذي يقع له غالبا بخلاف غيره من النواقض فإنه لا يهجم عليه الا نادرا وليس المراد حصر نقض الوضوء بوجود الريح الثاني حديث عائشة في التسمية على الذبيحة وقد استدل به على أن التسمية ليست شرطا لصحة الذبح وقد استدل به على أن التسمية ليست شرطا في جواز الأكل من الذبيحة وسيأتي تقريره والجواب عما أورد عليه وسائر مباحثه في كتاب الذبائح مستوفى إن شاء الله تعالى وهو أصل في تحسين الظن بالمسلم وأن أموره محمولة على الكمال ولا سيما أهل ذلك العصر

قوله باب قول الله عز وجل وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أن التجارة وأن كانت ممدوحة باعتبار كونها من المكاسب الحلال فإنها قد تذم إذا قدمت على ما يجب تقديمه عليها وقد أورد في الباب حديث جابر في قصة انفضاض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ومضى الكلام عليه مبسوطا في كتاب الجمعة ويأتي بعضه في تفسير سورة الجمعة إن شاء الله تعالى

قوله باب من لم يبال من حيث كسب المال في هذه الترجمة إشارة إلى ذم ترك التحري في المكاسب

[ 1954 ] قوله يأتى على الناس زمان في رواية أحمد عن يزيد عن بن أبي ذئب بسنده ليأتين على الناس زمان وللنسائي من وجه آخر يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حل أو حرام وهذا ما أورده النسائي من طريق محمد بن عبد الرحمن عن الشعبي عن أبي هريرة ووهم المزي في الأطراف فظن أن محمد بن عبد الرحمن هو بن أبي ذئب فترجم به للنسائي مع طريق البخاري هذه عن بن أبي ذئب وليس كما ظن فإني لم أقف عليه في جميع النسخ التي وقفت عليها من النسائي الا عن الشعبي لا عن سعيد ومحمد بن عبد الرحمن المذكور عنه أظنه بن أبي ليلى لا بن أبي ذئب لأني لا أعرف لابن أبي ذئب رواية عن الشعبي وقال بن التين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا تحذيرا من فتنة المال وهو من بعض دلائل نبوته لاخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه ووجه الذم من جهة التسوية بين الامرين وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموما من حيث هو والله أعلم

قوله باب التجارة في البر وغيره لم يقع في رواية الأكثر قوله وغيره وثبتت عند الإسماعيلي وكريمة واختلف في ضبظ البز فالأكثر على أنه بالزاى وليس في الحديث ما يدل عليه بخصوصه بل بطريق عموم المكاسب المباحة وصوب بن عساكر أنه بالراء وهو أليق بمؤاخاة الترجمة التي بعد هذه بباب وهو التجارة في البحر وكذا ضبطها الدمياطي وقرأت بخط القطب الحلبي ما يدل على أنها مضبوطة عند بن بطال وغيره بضم الموحدة بالراء قال وليس سفى الباب ما يقتضى تعيينه من بين أنواع التجارة اه وقد أخطأ من زعم أنه بالراء تصحيف إذ ليس في الآية ولا الحديث ولا الآثار اللاتي أوردها في الباب ما يرجح أحد اللفظين قوله وقوله عز وجل رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله أي وتفسير ذلك وقد روى على بن أبي طلحة عن بن عباس أن المعنى لا تلهيهم عن الصلاة المكتوبة وتمسك به قوم في مدح ترك التجارات وليس بواضح قوله وقال قتادة كان القوم يتبايعون الخ لم اقف عليه موصولا عنه وقد وقع لي من الكلام بن عمر أخرجه عبد الرزاق عنه أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال بن عمر فيهم نزلت فذكر الآية وأخرج بن أبي حاتم عن بن مسعود نحوه وفي الحلية عن سفيان الثوري كانوا يتبايعون ولا يدعون الصلوات المكتوبات في الجماعة ثم أورد المصنف حديث زيد بن أرقم والبراء بن عازب في الصرف وسيأتي الكلام عليه في باب بيع الورق بالذهب نسيئة بعد نيف وستين بابا وموضع الترجمة منه

[ 1955 ] قوله فيه وكانا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خفي ذلك على القطب فقرأت بخطه لم يذكر أحد من الشراح مناسبة الترجمة لهذا الحديث فينظر تنبيه أبو المنهال المذكور في هذا الإسناد غير أبي المنهال صاحب أبي برزة الأسلمي في حديث المواقيت واسم هذا عبد الرحمن بن مطعم واسم صاحب أبي برزة سيار بن سلامة وأخرج البخاري الطريق الثانية بنزول رجل لأجل زيادة عامر بن مصعب مع عمرو بن دينار في رواية بن جريج عنهما عن أبي المنهال المذكور وعامر بن مصعب ليس له في البخاري سوى هذا الموضع الواحد قوله نسيئا بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها همزة وللكشميهني نساء بفتح النون والمهملة ومدة

قوله باب الخروج في التجارة وقول الله عز وجل فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله قال بن بطال هو إباحة بعد حظر كقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وقال بن المنير في الحاشية غرض البخاري إجازة الحركات في التجارة ولو كانت بعيدة خلافا لمن يتنطع ولا يحضر السوق كما سيأتي في مكانه إن شاء الله تعالى

[ 1956 ] قوله أن أبا موسى استأذن على عمر فلم يؤذن له زاد بشر بن سعيد عن أبي سعيد كما سيأتي في الاستئذان أنه استأذن ثلاثا قوله فقال كنا نؤمر بذلك في الرواية المذكورة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع قوله فذهب بأبي سعيد في الرواية المذكورة فأخبرت عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وفيه الدلالة على أن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا محمول على الرفع ويقوى ذلك إذا ساقه مساق الاستدلال وفيه أن الصحابي الكبير القدر الشديد اللزوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أمره ويسمعه من هو دونه وادعى بعضهم أنه يستفاد منه أن عمر كان لا يقبل الخبر من شخص واحد وليس كذلك لأن في بعض طرقه أن عمر قال أني أحببت أن أتثبت وستاتى فوائده مستوفاة في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وقد قبل عمر خبر الضحاك بن سفيان وحده في الدية وغير ذلك قوله فقال عمر أخفى على هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق بالأسواق يعني الخروج إلى التجارة كذا في الأصل وأطلق عمر على الاشتغال بالتجارة لهوا لأنها ألهته عن طول ملازمته النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع غيره منه ما لم يسمعه ولم يقصد عمر ترك الأصل الملازمة وهي أمر نسبى وكان احتياج عمر إلى الخروج للسوق من أجل الكسب لعياله والتعفف عن الناس وأما أبو هريرة فكان وحده فلذلك أكثر ملازمته وملازمة عمر للنبي صلى الله عليه وسلم لا تخفي كما سيأتي في ترجمته في المناقب واللهو مطلقا ما يلهى سواء كان حراما أو حلالا وفي الشرع ما يحرم فقط

قوله باب التجارة في البحر أي إباحة ركوب البحر للتجارة وفي بعض النسخ وغيره فإن ثبت قوي قول من قرا البر فيما سبق بباب بضم أوله أو بالزاى قوله وقال مطر الخ هو مطر الوراق البصري مشهور في التابعين ووقع في رواية الحموي وحده وقال مطرف وهو تصحيف وبأنه الوراق وصفه المزي والقطب وآخرون وقال الكرماني الظاهر أنه بن الفضل المروزي شيخ البخاري وكان ظهور ذلك له من حيث أن الذين افردوا رجال البخاري كالكلا باذى لم يذكروا فيهم الوراق المذكور لأنهم لم يستوعبوا من علق لهم وقد أخرج بن أبي حاتم من طريق عبد الله بن شوذب عن مطر الوراق أنه كان لا يرى بركوب البحر بأسا ويقول ما ذكره الله تعالى في القرآن الا بحق ووجه حمل مطر ذلك على الإباحة أنها سيقت في مقام الامتنان وتضمن ذلك الرد على من منع ركوب البحر وسيأتي بسط ذلك في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى قوله الفلك السفن الواحد والجمع سواء هو قول أكثر أهل اللغة ويدل عليه قوله تعالى في الفلك المشحون وقوله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم فذكره في الأفراد والجمع بلفظ واحد وقيل أن الفلك بالضم والاسكان جمع فلك بفتحتين مثل أسد وأسد وقال صاحب المحكم السفينة فعلية بمعنى فاعلة سميت سفينة لأنها تسفن وجه الماء أي تفسره والجمع سفن وسفائن وسفين قوله وقال مجاهد الخ وصله الفريابي في تفسيره وكذلك عبد بن حميد من وجه آخر قال عياض ضبطه الأكثر بنصب السفن وعكسه الأصيلي والصواب الأول عند بعضهم بناء على أن الريح الفاعل وهي التي تصرف السفينة في الإقبال والادبار وضبط الأصيلي صواب وهو ظاهر القرآن إذ جعل الفعل للسفينة فقال مواخر فيه وقوله تمخر بفتح المعجمة أي تشق يقال مخرت السفينة إذا شقت الماء بصوت وقيل المخر الصوت نفسه وكأن مجاهدا أراد أن شق السفينة للبحر بصوت إنما هو بواسطة الريح ومعنى قوله ولا تمخر الخ أن الصوت لا يحصل الا من كبار السفن أو لا يحصل من الصغائر غالبا

[ 1957 ] قوله وقال الليث الخ هو طرف من حديث ساقه بتمامة في كتاب الكفالة كما سيأتي وسنذكر الكلام عليه ثم ووجه تعلقه بالترجمة ظاهر من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ما ينسخه ولا سيما إذا ذكره صلى الله عليه وسلم مقررا له أو في سياق الثناء على فاعله أو ما أشبه ذلك ويحتمل أن يكون مراد المصنف بإيراد هذا أن ركوب البحر لم يزل متعارفا مالوفا من قديم الزمان فيحمل على أصل الإباحة حتى يرد دليل على المنع قوله في آخره حدثني عبد الله بن صالح حدثنا الليث به فيه التصريح بوصل المعلق المذكور ولم يقع ذلك في أكثر الروايات في الصحيح ولا ذكره أبو ذر الا في هذا الموضع وكذا وقع في رواية أبي الوقت

قوله باب وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وقوله لا تليهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وقال قتادة كان القوم يتجرون الخ كذا وقع جميع ذلك معادا في رواية المستملى وسقط لغيره الا النسفي فإنه ذكرها ههنا وحذفها مما مضى وكذا وقع مكررا في نسخة الصغائى وهذا يؤيد ما تقدم من النقل عن أبي ذر الهروي أن أصل البخاري كان عند الفربري وكانت فيه الحاقات في الهوامش وغيرها وكان من ينسخ الكتاب يضع الملحق في الموضع الذي يظنه لائقا به فمن ثم وقع الاختلاف في التقديم والتأخير ويزداد هنا أن بعضهم احتاط فكتب الملحق في الموضعين فنشا عنه التكرار وقد تكلف بعض الشراح في توجيهه بان قال ذكر الآية هنا لمنطوقها وهو الذم وذكرها هناك لمفهومها وهو تخصيص وقتها بحالة غير المتلبسين بالصلاة وسماع الخطبة وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى

قوله باب قوله أنفقوا من طيبات ما كسبتم أي تفسيره وحكى بن بطال أنه وقع في الأصل كلوا بدل أنفقوا وقال أنه غلط اه وكذا رأيته في رواية النسفي وقد ساق الآية في كتاب الزكاة على الصواب وقد تقدم النقل عن مجاهد أنه قال في تفسيرها أن المراد بها التجارة ثم ذكر البخاري حديث عائشة مرفوعا إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها الحديث وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الزكاة ثم أورد حديث أبي هريرة في ذلك بلفظ إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فلها نصف أجره وفيه رد على من عينه فيما أذن لها في ذلك والأولى أن يحمل على ما إذا أنفقت من الذي يخصها به إذا تصدقت به بغير استئذانه فإنه يصدق كونه من كسبه فيؤجر عليه وكونه بغير أمره يحتمل أن يكون إذن لها بطريق الإجمال لكن المنفى ما كان بطريق التفصيل ولا بد من الحمل على أحد هذين المعنيين وإلا فحيث كان من ماله بغير إذنه لا إجمالا ولا تفصيلا فهي ما زورة بذلك لا مأجورة وقد ورد فيه حديث عن بن عمر عند الطيالسي وغيره وأما

[ 1960 ] قوله في حديث أبي هريرة فلها نصف أجره فهو محمول على ما إذا لم يكن هناك من يعينها على تنفيذ الصدقة بخلاف حديث عائشة ففيه أن للخادم مثل ذلك أو المعنى بالنصف في حديث أبي هريرة أن أجره واجرها إذا جمعا كان لها النصف من ذلك فللكل منهما أجرا كامل وهما اثنان فكأنهما نصفان

قوله باب من أحب البسط أي التوسع في الرزق وجواب من محذوف تقديره ما في الحديث وهو فليصل رحمه ويستفاد منه جواز هذه المحبة خلافا لمن كرهها مطلقا

[ 1961 ] قوله حدثنا محمد بن أبي يعقوب اسم أبيه إسحاق بن منصور وقيل أن منصورا اسم أبيه وقيل أن أبا يعقوب جده الكرماني بكسر الكاف وذكر الكرماني الشارح أن النووي ضبطها بفتح الكاف وتعقبه وسلف النووي في ذلك أبو سعيد بن السمعاني وهو أعلم الناس بذلك فلعل الصواب فيها في الأصل الفتح ثم كثر استعمالها بالكسر تغييرا من العامة وقد نزل محمد المذكور البصرة ووثقه بن معين وغيره ولم يعرف أبو حاتم الرازي حاله وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وأخر في تفسير المائدة وأخر في أوائل الأحكام والثلاثة إسنادها واحد إلى الزهري وشيخه حسان هو بن إبراهيم الكرماني ويونس هو بن يزيد قوله قال محمد هو الزهرى كذا في الأصل وفي رواية أبي نعيم من وجه آخر عن حسان عن يونس بن يزيد عن الزهري قوله عن أنس يأتي في الأدب من وجه آخر عن الزهري أخبرني أنس قوله وينسأ بضم أوله وسكون النون بعدها مهملة ثم همزة أي يؤخر له والأثر هنا بقية العمر قال زهير والمرء ما عاش ممدود له أمل لاينتهى الطرف حتى ينتهى الأثر وسيأتي الكلام عليه هنا إن شاء الله تعالى قال العلماء معنى البسط في الرزق البركة فيه وفي العمر حصول القوة في الجسد لأن صلة أقاربه صدقة والصدقة تربى المال وتزيد فيه فينمو بها ويزكو لأن رزق الإنسان يكتب وهو في بطن أمة فلذلك احتيج إلى هذا التأويل أو المعنى أنه يكتب مقيدا بشرط كان يقال أن وصل رحمه فله كذا وإلا فكذا أو المعنى بقاء ذكره الجميل بعد الموت وأغرب الحكيم الترمذي فقال المراد بذلك قلة البقاء في البرزخ وقال بن قتيبة يحتمل أن يكتب أجل العبد مائة سنة وتزكيته عشرين فإن وصل رحمه زاد التزكية وقال غيره المكتوب عند الملك الموكل به غير معلوم عند الله عز وجل فالأول يدخل فيه التغيير وتوجيهه أن المعاملات على الظواهر والمعلوم الباطن خفي لا يعلق عليه الحكم فذلك الظاهر الذي اطلع عليه الملك هو الذي يدخله الزيادة والنقص والمحو والاثبات والحكمة فيه ابلاغ ذلك إلى المكلف ليعلم فضل البر وشؤم القطيعة وسيأتي ذكر هذه المسألة مبسوطة في كتاب القدر ويأتي الكلام على إيثار الغني على الفقر في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى

قوله باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة بكسر المهملة والمد أي بالاجل قال بن بطال الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع قلت لعل المصنف تخيل أن أحدا يتخيل أنه صلى الله عليه وسلم لا يشتري بالنسيئة لأنها دين فأراد دفع ذلك التخيل وأورد المصنف فيه حديثي عائشة وأنس في أنه صلى الله عليه وسلم اشترى شعيرا إلى أجل ورهن عليه درعه وسيأتي الكلام عليهما مستوفى في أول الرهن إن شاء الله تعالى قوله في طريق عائشة

[ 1962 ] ذكرنا عند إبراهيم هو النخعي وقوله الرهن في السلم أي السلف ولم يرد به السلم العرفي وقوله في حديث أنس حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وقوله في الطريق الثانية أسباط هو بفتح الهمزة وسكون المهملة بعدها موحدة وقوله أبو اليسع بفتح التحتانية والمهملة وهو بصري وكذا بقية رجال الإسناد وليس لإسباط في البخاري سواء هذا الموضع وقد قيل أن اسم أبيه عبد الواحد وقد ساقه المصنف هنا على لفظ أبي اليسع وساقه في الرهن على لفظ مسلم بن إبراهيم والنكتة في جمعهما هنا مع ان طريق مسلم أعلى مراعاة للغالب من عادته أن لا يذكر الحديث الواحد في موضعين بإسناد واحد ولان أبا اليسع المذكور فيه مقال فاحتاج أن يقرنه بمن يعضده وقوله فيه ولقد سمعته يقول هو كلام أنس والضمير في سمعته النبي صلى الله عليه وسلم أي قال ذلك لما رهن الدرع عند اليهودي مظهرا للسبب في شرائه إلى أجل وذهل من زعم أنه كلام قتادة وجعل الضمير في سمعته لأنس لأنه إخراج للسياق عن ظاهره بغير دليل والله أعلم

قوله باب كسب الرجل وعمله بيده عطف العمل باليد على الكسب من عطف الخاص على العام لأن الكسب أعم من أن يكون عملا باليد أو بغيرها وقد اختلف العلماء في أفضل المكاسب قال الماوردي أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة والأشبه بمذهب الشافعي أن اطيبها التجارة قال والارجح عندي أن اطيبها الزراعة لأنها أقرب إلى التوكل وتعقبه النووي بحديث المقدام الذي في هذا الباب وأن الصواب أن أطيب الكسب ما كان بعمل اليد قال فإن كان زراعا فهو أطيب المكاسب لما يشتمل عليه من كونه عمل اليد ولم فيه من التوكل ولم فيه من النفع العام الأدمي وللدواب ولأنه لا به فيه في العادة أن يوكل منه بغير عوض قلت وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفار بالجهاد وهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أشرف المكاسب لما فيه من اعلاء كلمة الله تعالى وخذلان كلمة اعدائه والنفع الاخروى قال ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه أفضل لما ذكرنا قلت وهو مبنى على ما بحث فيه من النفع المتعدى ولم ينحصر النفع المتعدى في الزراعة بل كل ما يعمل باليد فنفعه متعد لما فيه من تهيئة أسباب ما يحتاج الناس إليه والحق أن ذلك مختلف المراتب وقد يختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والعلم عند الله تعالى قال بن المنذر إنما يفضل عمل اليد سائر المكاسب إذا نصح العامل كما جاء مصرحا به في حديث أبي هريرة قلت ومن شرطه أن لا يعتقد أن الرزق من الكسب بل من الله تعالى بهذه الواسطة ومن فضل العمل باليد الشغل بالأمر المباح عن البطالة واللهو وكسر النفس بذلك والتعفف عن ذلة السؤال والحاجة إلى الغير ثم أورد المصنف في الباب أحاديث أولها في التجارة والثاني في الزراعة والثالث وما بعده في الصنعة الحديث الأول

[ 1964 ] قوله حدثني إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس قوله ولقد علم قومي أي قريش والمسلمين قوله حرفتى بكسر المهملة وسكون الراء بعدها فاء أي جهة اكتسابى والحرفة جهة الاكتساب والتصرف في المعاش وأشار بذلك إلى أنه كان كسوبا لمؤنثة ومؤنة عياله بالتجارة من غير عجز تمهيدا على سبيل الاعتذار عما يأخذه من مال المسلمين إذا أحتاج إليه قوله وشغلت جملة حالية أي أن القيام بأمور الخلافة شغله عن الاحتراف وقد روى بن سعد وابن المنذر بإسناد صحيح عن مسروق عن عائشة قالت لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال انظروا ما زاد في ما لي منذ دخلت الامارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي قالت فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه وناضح كان يسقى بستانا له فبعثنا بهما إلى عمر فقال رحمة الله على أبي بكر لقد اتعب من بعده وأخرج بن سعد من طريق القاسم بن محمد عن عائشة نحوه وزاد أن الخادم كان صيقلا يعمل سيوف المسلمين ويخدم آل أبي بكر ومن طريق ثابت عن أنس نحوه وفيه قد كنت حريصا على أن اوفر مال المسلمين وقد كنت أصبت من اللحم واللبن وفيه وما كان عنده دينار ولا درهم ما كان الا خادم ولقحة ومحلب قوله آل أبي بكر أي هو نفسه ومن تلزمه نفقته وقيل أراد نفسه بدليل قوله احترف حكاه الطيبي قال ويدل عليه نسق الكلام لأنه أسند الاحتراف إلى ضمير المتكلم عاطفا له على فسيأكل فلوكان المراد الأهل لتنافر انتهى وجزم البيضاوي بان قوله آل أبي بكر عدول عن المتكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات قال وقيل أراد نفسه والأول مقحم لقوله واحترف وليس بشيء بل المعنى أني كنت اكتسب لهم ما يأكلونه والان اكتسب للمسلمين قال الطيبي فائدة الالتفات أنه جرد من نفسه شخصا كسوبا لمؤنة الأهل بالتجارة فامتنع لشغله بأمر المسلمين عن الاكتساب وفيه اشعار بالعلة وأن من اتصف بالشغل المذكور حقيق أن يأكل هو وعياله من بيت المال وخص الأكل من بين الاحتياجات لكونه اهمها ومعظمها قال بن التين وفيه دليل على أن للعامل أن يأخذ من عرض المال الذي يعمل فيه قدر حاجته إذا لم يكن فوقه إمام يقطع له اجرة معلومة وسبقه إلى ذلك الخطابي قلت لكن في قصة أبي بكر أن القدر الذي كان يتناول فرض له باتفاق من الصحابة فروى بن سعد بإسناد مرسل رجاله ثقات قال لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق على رأسه أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقال كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالوا نفرض لك ففرضوا له كل يوم شطر شاة قوله واحترف في رواية الكشميهني ويحترف قال بن الأثير أراد باحترافه للمسلمين نظره في أمورهم وتمييز مكاسبهم وارزاقهم وكذا قال البيضاوي المعنى اكتسب للمسلمين في أموالهم بالسعى في مصالحهم ونظم أحوالهم وقال غيره يقال احترف الرجل إذا جازى على خير أو شر وقال المهلب قوله احترف لهم أي اتجر لهم في مالهم حتى يعود عليهم من ربحه بقدر ما أكل أو أكثر وليس بواجب على الإمام ان يتجر في مال المسلمين بقدر مؤنته الا أن يطوع بذلك كما تطوع أبو بكر قلت والتوجيه الذي ذكره بن الأثير أوجه لأن أبا بكر بين السبب في ترك الاحتراف وهو الاشتغال بالإمارة فمتى يتفرغ للاحتراف لغيره إذ لو كان يمكنه الاحتراف لاحترف لنفسه كما كان الا أن يحمل على أنه كان يعطي المال لمن يتجر فيه ويجعل ربحه للمسلمين وقد روى الإسماعيلي في حديث الباب من طرق معمر عن الزهري فلما استخلف عمر أكل هو وأهله من المال أي مال المسلمين واحترف في مال نفسه تنبيه حديث أبي بكر هذا وأن كان ظاهره الوقف لكنه بما اقتضاه من أنه قبل أن يستخلف كان يحترف لتحصيل مؤنة أهله يصير مرفوعا لأنه يصير كقول الصحابى كنا نفعل كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى بن ماجة وغيره من حديث أم سلمة أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم في حديث أبي هريرة في أول البيوع أن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ويأتي حديث عائشة أن الصحابة كانوا عمال أنفسهم وهذا هو السر في إيراد البخاري له عقب حديثها عن أبي بكر الحديث الثاني

[ 1965 ] قوله حدثنا محمد حدثنا عبد الله بن يزيد كذا ثبت في جميع الروايات الا رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري عن البخاري حدثنا عبد الله بن يزيد فمحمد على هذا هو المصنف وعبد الله بن يزيد هو المقري وقد أكثر عنه البخاري وربما روى عنه بواسطة وسعيد هو بن أبي أيوب وأبو الأسود هو النوفلي المعروف بيتيم عروة وجزم الحاكم بان محمدا هنا هو الذهلي قوله رواه همام يعني بن يحيى عن هشام يعني بن عروة وهذا التعليق وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق هدبة عنه بلفظ كان القوم خدام أنفسهم وكانوا يروحون إلى الجمعة فأمروا أن يغتسلوا وبهذا اللفظ رواه قريش بن أنس عن هشام عند بن خزيمة والبزار وقد تقدم هذا الحديث من وجه عن عروة ومن وجه آخر عن عمرة وتقدم شرحه مستوفى والغرض منه هنا قوله كانوا عمال أنفسهم وقوله يكون لهم أرواح جمع ريح لأن أصل ريح روح بفتح الراء وسكون الواو ويقال في جمعه أيضا ارياح بقلة الحديث الثالث والرابع

[ 1966 ] قوله عن ثور هو بن يزيد الشامي لا بن زيد المدني قوله عن المقدام هو بن معدي كرب الكندي من صغار الصحابة مات سنة بضع وثمانين بحمص وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وأخر في الأطعمة قوله ما أكل أحد زاد الإسماعيلي من بني آدم قوله طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده في رواية الإسماعيلي خير بالرفع وهو جائز وفي رواية له من كديديه والمراد بالخيرية ما يستلزم العمل باليد من الغني عن الناس ولابن ماجة من طريق عمر بن سعد عن خالد بن معدان عنه ما كسب الرجل أطيب من عمل يديه ولابن المنذر من هذا الوجه ما أكل رجل طعاما قط أحل من عمل يديه وفي فوائد هشام بن عمار عن بقية حدثني عمر بن سعد بهذا الإسناد مثل حديث الباب وزاد من بات كالا من عمله بات مغفورا له وللنسائي من حديث عائشة أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وفي الباب من حديث سعيد بن عمير عن عمه عند الحاكم ومن حديث رافع بن خديج عنه أحمد ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود قوله وأن داود الخ في رواية الإسماعيلي بحذف الواو وفي روايته من كسب يده قوله لا يأكل الا من عمل يده وهو صريح في الحصر بخلاف الذي قبله وحديث أبي هريرة هذا طرف من حديث سيأتي في ترجمة داود من أحاديث الأنبياء ووقع في المستدرك عن بن عباس بسند واه كان داود زرادا وكان آدم حراثا وكان نوح نجارا وكان إدريس خياطا وكان موسى راعيا وفي الحديث فضل العمل باليد وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره والحكمة في تخصيص داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل ولهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد وهذا بعد تقرير أن شرع من قبلنا شرع لنا ولا سيما إذا ورد في شرعنا مدحه وتحسنه مع عموم قوله تعالى فبهداهم افتده وفي الحديث التكسب لا يقدح في التوكل وأن ذكر الشيء بدليله أوقع في نفس سامعه الحديث الخامس والسادس قوله لأن يحتطب أحدكم تقدم الكلام عليه في باب الاستعفاف عن المسألة أخرجه هناك من طريق الأعرج عن أبي هريرة وبعد أبواب من طريق أبي صالح عنه وهنا من طريق أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف وهو مولى بن أزهر وقد تقدم الكلام على ترجمته في أو اخر الصيام وحديث الزبير بن العوام في ذلك أورده هنا مختصرا وساقه في باب الاستعفاف من الزكاة بتمامه وتقدم الكلام عليه هناك وقوله

[ 1969 ] أحبله بفتح أوله وضم الموحدة جمع حبل مثل فلس وأفلس

قوله باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع يحتمل أن يكون من باب اللف والنشر مرتبا أو غير مرتب ويحتمل كل منهما لكل منهما إذ السهولة والسماحة متقاربان في المعنى فعطف أحدهما على الآخر من التاكيد اللفظى وهو ظاهر حديث الباب والمراد بالسماحة ترك المضاجرة ونحوها لا المكايسة في ذلك قوله ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف أي عما لا يحل أشار بهذا القدر إلى ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وابن حبان من حديث نافع عن بن عمر وعائشة مرفوعا من طلب حقا فليطلبه في عفاف واف أو غير واف

[ 1970 ] قوله حدثنا على بن عياش بالتحتانية والمعجمة قوله رحم الله رجلا يحتمل الدعاء ويحتمل الخير وبالاول جزم بن حبيب المالكي وابن بطال ورجحه الداودي ويؤيد الثاني ما رواه الترمذي من طريق زيد بن عطاء بن السائب عن بن المنكدر في هذا الحديث بلفظ غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلا إذا باع الحديث وهذا يشعربانه قصد رجلا بعينه في حديث الباب قال الكرماني ظاهره الأخبار لكن قرينة الاستقبال المستفاد من إذا تجعله دعاء وتقديره رحم الله رجلا يكون كذلك وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط قوله سمحنا بسكون الميم والمهملتين أي سهلا وهي صفة مشبهة تدل على الثبوت فلذلك كرر أحوال البيع والشراء والتقاضى والسمح الجواد يقال سمح بكذا إذا جاد والمراد هنا المساهلة قوله وإذا اقتضى أي طلب قضاء حقه بسهولة وعدم الحاف في رواية حكاها بن التين وإذا قضى أي أعطى الذي عليه بسهولة بغير مطل وللترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعا أن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء وللنسائي من حديث عثمان رفعه ادخل الله الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو نحوه وفيه الحض على السماحة في المعاملة واستعمال معالى الأخلاق وترك المشاحة والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم

قوله باب من انظر موسرا أي فضل من فعل ذلك وحكمه وقد اختلف العلماء في حد الموسر فقيل من عنده مؤنته ومؤنته من تلزمه نفقته وقال الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق من عنده خمسون درهما أو قيمتها من الذهب فهو موسر وقال الشافعي قد يكون الشخص بالدرهم غنيا مع كسبه وقد يكون الألف فقيرا مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله وقيل الموسر والمعسر يرجعان إلى العرف فمن كان حاله بالنسبة إلى مثله يعد يسارا فهو موسر وعكسه وهذا هو المعتمد وما قبله إنما هو في حد من تجوز له المسألة والأخذ من الصدقة

[ 1971 ] قوله منصور هو بن المعتمر قوله أن حذيفة حدثه زاد مسلم في روايته من طريق نعيم بن أبي هند عن ربعي اجتمع حذيفة وأبو مسعود فقال حذيفة رجل لقي ربه فذكر الحديث وفي آخره فقال أبو مسعود هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثله رواية أبي عوانة عن عبد الملك عن ربعي كما سيأتي في هذا الباب قوله تلقت الملائكة أي استقبلت روحه عند الموت وفي رواية عبد الملك بن عمير عن ربعي في ذكر بني إسرائيل أن رجلا كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه قوله اعملت من الخير شيئا وفي رواية بحذف همزة الاستفهام وهي مقدرة زاد في رواية عبد الملك المذكورة فقال ما أعلم قيل انظر قال ما أعلم شيئا غير أني فذكره ولمسلم من طريق شقيق عن أبي مسعود رفعه حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء الا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا وفي رواية أبي مالك المعلقة هنا ووصلها عند مسلم أتى الله بعبد من عباده أتاه الله ما لا فقال له ما عملت في الدنيا قال ولا يكتمون الله حديثا قال يا رب اتيتنى مالك فكنت أبايع الناس وكان خلقي الجواز الحديث وفي رواية بن أبي عمر في هذا الحديث فيقول يا رب ما عملت لك شيئا أرجو به كثيرا الا انك كنت اعطيتنى فضلا من مال فذكره قوله فتيانى بكسر أوله جمع فتى وهو الخادم حرا كان أو مملوكا قوله أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر كذا وقع في رواية أبي ذر والنسفى وهو لا يخالف الترجمة وللباقين أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر وكذا أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه وظاهره غير مطابق للترجمة ولعل هذا هو السر في إيراد التعاليق الآتية لأن فيها ما يطابق الترجمة قوله وقال أبو مالك عن ربعي كنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر وهذه الطريق عن حذيفة في هذا الحديث وصلها مسلم من طريق أبي خالد الأحمر عن أبي مالك كما تقدم أو لا وقال في آخره فقال أبو مسعود الأنصاري وعقبة بن عامر الجهني هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وتابعه شعبة عن عبد الملك يعني بن عمير عن ربعى أي عن حذيفة يعنى في قوله وأنظر المعسر وقد وصله بن ماجة من طريق أبي عامر عن شعبة بهذا اللفظ ووصله المؤلف في الاستقراض عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ فاتجوز عن الموسر وأخفف عن المعسر وفي آخره قول أبي مسعود هكذا سمعت قوله وقال أبو عوانة عن عبد الملك الخ وصله المؤلف في ذكر بني إسرائيل مطولا وهو كما قال انظر الموسر وأتجاوز عن المعسر وفي آخره قول أبي مسعود هكذا سمعت قوله وقال نعيم بن أبي هند الخ وصله مسلم من طريق مغيرة بن مقسم عنه وقد تقدم لفظه وفيه قول أبي مسعود أيضا قال بن التين رواية من روى وأنظر الموسر أولي من رواية من روى وأنظر المعسر لأن انظار المعسر واجب قلت ولا يلزم من كونه واجبا أن لا يؤجر صاحبه عليه أو يكفر عنه بذلك من سيئاته وسأذكر الاختلاف في الوجوب في الباب الذي يليه

قوله باب من انظر معسرا روى مسلم من حديث أبي اليسر بفتح التحتانية والمهملة ثم الراء رفعه من انظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظل عرشه وله من حديث أبي قتادة مرفوعا من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه ولأحمد عن بن عباس نحوه وقال وقاه الله من فيح جهنم واختلف السلف في تفسير قوله تعالى وأن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة فروى الطبري وغيره من طريق إبراهيم النخعي ومجاهد وغيرهما أن الآية نزلت في دين الربا خاصة وعن عطاء أنها عامة في دين الربا وغيره واختار الطبري أنها نزلت نصا في دين الربا ويلتحق به سائر الديون لحصول المعنى الجامع بينهما فإذا اعسر المديون وجب انظاره ولا سبيل إلى ضربه ولا إلى حبسه

[ 1972 ] قوله حدثنا الزبيدي بالضم قوله عن عبيد الله بن عبد الله أي بن عتبة بن مسعود في رواية يونس عند مسلم عن الزهري أن عبيد الله بن عبد الله حدثه قوله كان تاجرا يداين الناس في رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند النسائي أن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس قوله تجاوزوا عنه زاد النسائي فيقول لرسوله خذ ما يسر واترك ما عسر وتجاوز ويدخل في لفظ التجاوز الانظار والوضيعة وحسن التقاضى وفي حديث الباب والذي قبله أن اليسير من الحسنات إذا كان خالصا لله كفر كثيرا من السيئات وفيه أن الأجر يحصل لمن يأمر به وأن لم يتول ذلك بنفسه وهذا كله بعد تقرير أن شرع من قبلنا إذا جاء في شرعنا في سياق المدح كان حسنا عندنا

قوله باب إذا بين البيعان بفتح الموحدة وتشديد التحتانية أي البائع والمشترى قوله ولم يكتما أي ما فيه من عيب وقوله ونصحا من العام بعد الخاص وحذف جواب الشرط للعلم به وتقديره بورك لهما في بيعهما كما في حديث الباب وقال بن بطال أصل هذا الباب أن نصيحة المسلم واجبة قوله ويذكر عن العداء بالتثقيل وآخره همزة بوزن الفعال بن خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة صحابي قليل الحديث أسلم بعد حنين قوله هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد هكذا وقع هذا التعليق وقد وصل الحديث الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن الجارود وابن منده كلهم من طريق عبد المجيد بن أبي يزيد عن العداء بن خالد فاتفقوا على أن البائع النبي صلى الله عليه وسلم والمشترى العداء عكس ما هنا فقيل أن الذي وقع هنا مقلوب وقيل هو صواب وهو من الرواية بالمعنى لأن اشترى وباع بمعنى واحد ولزم من ذلك تقديم اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على اسم العداء وشرحه بن العربي على ما وقع في الترمذي فقال فيه البداءة باسم المفضول في الشروط إذا كان هو المشترى قال وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك وهو ممن لا يجوز عليه نقض عهده لتعليم الخلق قال ثم أن ذلك على سبيل الاستحباب لأنه قد يتعاطى صفقات كثيرة بغير عهدة وفيه كتابة الاسم واسم الأب والجد في العهدة الا إذا كان مشهورا بصفة تخصه ولذلك قال محمدرسول الله استغنى بصفته عن نسبه ونسب العداء بن خالد قال وفي قوله هذا ما اشترى ثم قال بيع المسلم المسلم إشارة إلى أن لا فرق بين الشراء والبيع قوله بيع المسلم المسلم فيه أنه ليس من شان المسلم الخديعة وأن تصدير الوثائق بقول الكاتب هذا ما اشترى أو أصدق لا بأس به وغلا عبرة بوسوسة من منع من ذلك وزعم أنها تلتبس بما النافية قوله لاداء أي لا عيب والمراد به الباطن سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال قاله المطرزى وقال بن المنير في الحاشية قوله لا داء أي يكتمه البائع وإلا فلو كان بالعبد داء وبينه البائع لكان من بيع المسلم للمسلم ومحصله أنه لم يرد بقوله لأداء نفى آل داء مطلقا بل نفى داه مخصوص وهو ما لم يطلع عليه قوله ولا خبثة بكسر المعجمة وبضمها وسكون الموحدة بعدها مثلثة أي مسبيا من قوم لهم عهد قاله المطرزى وقيل المراد الأخلاق الخبيثة كالاباق وقال صاحب العين الريبة وقيل المراد الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب وقال بن العربي الداء ما كان في الخلق بالفتح والخبثة ما كان في الخلق بالضم والغائلة سكوت البائع على ما يعلم من مكروه في المبيع قوله ولا غائلة بالمعجمة أي ولا فجور وقيل المراد الاباق وقال بن بطال هو من قولهم أغتالنى فلان إذا احتال بحيلة يتلف بها ما لي قوله قال قتادة الخ وصله بن منده من طريق الاصمعى عن سعيد بن أبي عروبة عنه قال بن قرقول الظاهر أن تفسير قتادة يرجع إلى الخبثة والغائلة معا قوله وقيل لإبراهيم أي النخعي أن بعض النخاسين بالنون والخاء المعجمة أي الدلالين قوله يسمى أرى بفتح الهمزة الممدودة وكسر الراء وتشديد التحتانية هو مربط الدابة وقيل معلفها ورده بن الأنباري وقيل هو حبل يدفن في الأرض ويبرز طرفه تشد به الدابة أصله من الحبس والإقامة من قولهم تارى الرجل بالمكان أي أقام به والمعنى أن النخاسين كانوا يسمون مرابط دوابهم بأسماء البلاد ليدلسوا على المشترى بقولهم ذلك ليوهموا أنه مجلوب من خراسان وسجستان فيحرص عليها المشترى ويظن أنها قريبة العهد بالجلب قال عياض وأظن أنه سقط من الأصل لفظة دوابهم قلت أو سقطت الألف واللام التي للجنس كأنه كان فيه يسمى الارى أي الاصطبل أو سقط الضمير كأنه كان فيه يسمى ارية وقد تصحفت هذه الكلمة في رواية أبي زيد المروزي فذكرها أرى بفتحتين بغير مد وقصر آخره وزن دعا وفي رواية أبي ذر الهروي مثله لكن بضم الهمزة أي أظن واضطرب فيها غيرهما فحكى بن التين أنها رويت بفتح الهمزة وسكون الراء قال وفي رواية بن تطيف قرى بضم القاف وفتح الراء والأول هو المعتمد قال الراعي فقد فخروا بخيلهم علينا لنا اريهن على معد وقد بين الصواب في ذلك ما رواه بن أبي شيبة عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال قيل له أن ناسا من النخاسين وأصحاب الدواب يسمى أحدهم اصطبل دوابه خراسان وسجستان ثم يأتي السوق فيقول جاءت من خراسان وسجستان قال فكره ذلك إبراهيم ورواه سعيد بن منصور عن هشيم ولفظه أن بعض النخاسين يسمى اريه خراسان الخ والسبب في كراهة إبراهيم ذلك ما يتضمنه من الغش والخداع والتدليس قوله وقال عقبة بن عامر لا يحل لامرئ أن يبيع سلعة يعلم أن بها داء الا أخبره في رواية الكشميهني أخبر به وهذا الحديث وصله أحمد وابن ماجة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شماسة بكسر المعجمة وتخفيف الميم وبعد الألف مهملة عن عقبة مرفوعا بلفظ المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه غش الا بينه له وفي رواية أحمد يعمل فيه عيبا وإسناده حسن

[ 1973 ] قوله عن صالح أبي الخليل في الرواية التي بعد بابين سمعت أبا الخليل قوله رفعه إلى حكيم بن حزام في الرواية المذكورة عن حكيم وسيأتي الكلام عليه مستوفى في باب كم يجوز الخيار بعد عشرين حديثا والغرض منه قوله فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما الخ وقوله صدقا أي من جانب البائع في السوم ومن جانب المشترى في الوفاء وقوله وبينا أي لما في الثمن والمثمن من عيب فهو من جانبيهما وكذا نقصه وفي الحديث حصول البركة لهما أن حصل منهما الشرط وهو الصدق والتبيي ومحقها أن وجد ضدهما وهو الكذب والكتم وهل تحصل البركة لأحدهما إذا وجد منه المشروط دون الآخر ظاهر الحديث يقتضيه ويحتمل أن يعود شؤم أحدهما على الآخر بان تنزع البركة من المبيع إذا وجد الكذب أو الكتم من كل واحد منهما وأن كان الأجر ثابا للصادق المبين والوزر حاصل للكاذب الكاتم وفي الحديث أن الدنيا لا يتم حصولها الا بالعمل الصالح وأن شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا والآخرة

قوله باب بيع الخلط من التمر الخلط بكسر المعجمة التمر المجمع من أنواع متفرقة وقوله

[ 1974 ] في الحديث كنا نرزق بضم النون أوله أي نعطاه وكان هذا العطاء مما كان صلى الله عليه وسلم يقسمه فيهم مما أفاء الله عليهم من خيبر وتمر الجمع بفتح الجيم وسكون الميم فسر بالخلط وقيل هو كل لون من النخيل لا يعرف اسمه والغالب في مثل ذلك أن يكون رديئة أكثر من جيدة وفائدة هذه الترجمة رفع توهم من يتوهم أن مثل هذا لا يجوز بيعه لاختلاط جيده برديئه لأن هذا الخلط لا يقدح في البيع لأنه متميز ظاهر فلا يعد ذلك عيبا بخلاف ما لو خلط في أوعية موجهة يرى جيدها ويخفى رديئها وفي الحديث النهى عن بيع التمر بالتمر متفاضلا وكذا الدراهم وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه في أواخر البيوع إن شاء الله تعالى

قوله باب اللحام والجزار كذا وقعت هذه الترجمة هنا وفي رواية بن السكن بعد خمسة أبواب وهو أليق لتتوالى تراجم الصناعات

[ 1975 ] قوله فقال لغلام له قصاب بفتح القاف وتشديد المهملة وآخره موحدة وهو الجزار وسيأتي في المظالم من وجه آخر عن الأعمش بلفظ كان له غلام لحام واتفقت الطرق على أنه من مسند أبي مسعود الا ما رواه أحمد عن بن نمير عن الأعمش بسنده فقال فيه عن رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه الجوع فأتيت غلاما لي فذكر الحديث وكذا رويناه في الجزء التاسع من امالى المحاملي من طريق بن نمير زاد مسلم في بعض طرقه وعن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث مستوفى في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى

قوله باب ما يمحق الكذب والكتمان أي من البركة في البيع ذكر فيه حديث حكيم بن حزام المذكور قبل بابين وهو واضح فيما ترجم له

قوله باب قول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة الآية هكذا للنسفى ليس في الباب سوى الآية وساق غيره فيه حديث أبي هريرة في الماضي في باب من لم يبال من حيث كسب المال بإسناده ومتنه وهو بعيد من عادة البخاري ولا سيما مع قرب العهد ولعله أشار بالترجمة إلى ما أخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا يأتي على الناس زمان يأكلون الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره وروى مالك عن زيد بن أسلم في تفسير الآية قال كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل حق إلى أجل فإذا حل قال أتقضى أم تربى فإن قضاه أخذ وإلا زاده في حقه وزاده الآخر في الأجل وروى الطبري من طريق عطاء ومن طريق مجاهد نحوه ومن طريق قتادة أن ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاد وأخر عنه والربا مقصور وحكى مده وهو شاذ وهو من ربا يربو فيكتب بالألف ولكن قد وقع في خط المصحف بالواو واصل الربا الزيادة أما في نفس الشيء كقوله تعالى اهتزت وربت وأما في مقابلة كدرهم بدرهمين فقيل هو حقيقة فيهما وقيل حقيقة في الأول مجاز في الثاني زاد بن سريج أنه في الثاني حقيقة شرعية ويطلق الربا على كل بيع محرم

قوله الله تعالى

الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس إلى آخر الآية

قوله باب آكل الربا وشاهده وكاتبه أي بيان حكمهم والتقدير باب إثم أو دم في رواية الإسماعيلي وشاهديه بالتثنية قوله قول الله تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم إلى آخر الآية وهو قوله هم فيها خالدون روى الطبري من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس قال ذاك حين يبعث من قبره ومن طريق سعيد عن قتادة قال تلك علامة أهل الربا يوم القيامة يبعثون وبهم خبل وأخرجه الطبري من حديث أنس نحوه مرفوعا وقيل معناه أن الناس يخرجون من الاجداث سراعا لكن آكل الربا يربو الربا في بطنه فيريد الإسراع فيسقط فيصير بمنزلة المتخبط من الجنون وذكر الطبري في قوله تعالى ذلك إنهم قالوا إنما البيع مثل الربا إنهم لما قيل لهم هذا ربا لا يحل قالوا لا فرق أن زدنا الثمن في أول البيع أو عند محله فاكذبهم الله تعالى قال الطبري إنما خص الآكل بالذكر لأن الذين نزلت فيهم الآيات المذكورة كانت طعمتهم من الربا وإلا فالوعيد حاصل لكل من عمل به سواء أكل منه أم لا ثم ساق البخاري في الباب حديثين أحدهما حديث عائشة لما نزلت آخر البقرة قراهن النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرم التجارة في الخمر وقد تقدم الكلام عليه في أبواب المساجد من كتاب الصلاة ويأتي الكلام على تحريم التجارة في الخمر في أو اخر البيوع ثانيهما حديث سمرة في المنام الطويل وقد تقدم بطوله في كتاب الجنائز واقتصر منه هنا على قصة آكل الربا وقال بن التين ليس في حديثي الباب ذكر لكاتب الربا وشاهده وأجيب بأنه ذكرهما على سبيل الإلحاق لأعانتهما للاكل على ذلك وهذا إنما يقع على من واطأ صاحب الربا عليه فأما من كتبه أو شهد القصة ليشد بها على ما هي عليه ليعمل فيها بالحق فهذا جميل القصد لا يدخل في الوعيد المذكور وإنما يدخل فيه من أعان صاحب الربا بكتابته وشهادته فينزل منزلة من قال إنما البيع مثل الربا وأيضا فقد تضمن حديث عائشة نزول آخر البقرة ومن جملة ما فيه قوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا وفيه إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وفيه واشهدوا إذا تبايعتم فأمر بالكتابة والاشهاد في البيع الذي أحله فأفهم النهى عن الكتابة والاشهاد في الربا الذي حرمه ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في الكاتب والشاهد صريحا فعند مسلم وغيره من حديث جابر لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم في الإثم سواء ولاصحاب السنن وصححه بن خزيمة من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه وفي رواية الترمذي بالتثنية وفي رواية النسائي من وجه آخر عن بن مسعود آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم

قوله وهم لا يظلمون وقال بن عباس هذه آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب موكل الربا أي مطعمه والتقدير فيه كالذي قبله قوله لقول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين إلى قوله وهم لا يظلمون هكذا في جميع الروايات ووقع عند الداودي إلى قوله لا تظلمون ولا تظلمون وفسره أي لا تظلمون بأخذ الزيادة ولا تظلمون بان تحبس عنكم رؤوس أموالكم ثم اعترض بما سيأتي قوله وقال بن عباس هذه آخر آية نزلت وصله المصنف في التفسير من طريق الشعبي عنه واعترضه الداودي فقال هذا أما أن يكون وهما وأما أن يكون اختلافا عن بن عباس لأن الذي أخرجه المصنف في التفسير عنه فيه التنصيص على أن آخر آية نزلت قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله الآية قال فلعل الناقل وهم لقربها منها انتهى وتعقبه بن التين بأنه هو الواهم لأن من جملة الآيات التي أشار إليها البخاري في الترجمة قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله الآية وهي آخر آية ذكرها لقوله إلى قوله وهم لا يظلمون واليها أشار بقوله هذه آخر آية أنزلت انتهى وكأن البخاري أراد بذكر هذا الأثر عن بن عباس تفسير قول عائشة لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة

[ 1980 ] قوله عن عون بن أبي جحيفة في رواية آدم عن شعبة حدثنا عون وسيأتي في أو اخر أبواب الطلاق قوله رأيت أبي اشترى عبدا حجاما فسألته كذا وقع هنا وظاهره أن السؤال وقع عن سبب مشتراه وذلك لا يناسب جوابه بحديث النهى ولكن وقع في هذا السياق اختصار بينه ما أخرجه المصنف بعد هذا في آخر البيوع من وجه آخر عن شعبة بلفظ اشترى حجاما فأمر بمحاجمة فكسرت فسألته على ذلك ففيه البيان بان السؤال إنما وقع عن كسر المحاجم وهو المناسب للجواب وفي كسر أبي جحيفة المحاجم ما يشعر بأنه فهم أن النهى عن ذلك على سبيل التحريم فأراد حسم المادة وكأنه فهم منه أنه لا يطيع النهى ولا يترك التكسب بذلك فلذلك كسر محاجمة وسيأتي الكلام على كسب الحاجم بعد أبواب ونذكر هناك بقية فوائده إن شاء الله تعالى قوله ونهى عن الواشمة والموشومة أي نهى عن فعلهما لأن الواشم والموشوم لا ينهى عنهما وإنما ينهى عن فعلهما قوله وآكل الربا وموكله هكذا وقع في هذه الرواية معطوفا على النهى عن الواشمة والجواب عنه كالذي قبله ثم ظهر لي أنه وقع في هذه الرواية تغيير فأبدل اللعن بالنهى فسياتى في أو اخر البيوع وفي أو اخر الطلاق بلفظ ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله والله أعلم

قوله باب يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم روى بن أبي حاتم من طريق الحسن قال ذاك يوم القيامة يمحق الله الربا يومئذ وأهله وقال غيره المعنى أن أمره يئول إلى قلة وأخرج بن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان قال ما كان من ربا وأن زاد حتى يغبط صاحبه فإن الله يمحقه وأصله من حديث بن مسعود عند بن ماجة وأحمد بإسناد حسن مرفوعا أن الربا وأن كثر عاقبته إلى قل وروى عبد الرزاق عن معمر قال سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق

[ 1981 ] قوله عن يونس هو بن يزيد قوله الحلف بفتح المهملة وكسر اللام أي اليمين الكاذبة قوله منفقة بفتح الميم والفاء بينهما نون ساكنة مفعلة من النفاق بفتح النون وهو الرواج ضد الكساد والسلعة بكسر السين المتاع وقوله ممحقة بالمهملة والقاف وزن الأول وحكى عياض ضم أوله وكسر الحاء والمحقق النقص والابطال وقال القرطبي المحدثون يشددونها والأول أصوب والهاء للمبالغة ولذلك صح خبرا عن الحلف وفي مسلم اليمين ولأحمد اليمين الكاذبة وهي أوضح وهما في الأصل مصدران مزيدان محدودان بمعنى النفاق والمحق قوله للبركة تابعه عنبسة بن خالد عن يونس عند أبي داود وفي رواية بن وهب وأبي صفوان عند مسلم للربح وتابعهما أنس بن عياض عند الإسماعيلي ورواه الليث عند الإسماعيلي بلفظ ممحقة للكسب وتابعه بن وهب عند النسائي ومال الإسماعيلي إلى ترجيح هذه الرواية وقد اختلف في هذه اللفظة على الليث كما اختلف على يونس ووقع للمزى في الأطراف في نسبة هذه اللفظة لمن خرجها وهم يعرف مما حررته قال بن المنير مناسبة حديث الباب للترجمة أنه كالتفسير للآية لأن الربا الزيادة والمحق النقص فقال كيف تجتمع الزيادة والنقص فاوضح الحديث أن الحلف الكاذب وأن زاد في المال فإنه يمحق البركة فكذلك قوله تعالى يمحق الله الربا أي يمحق البركة من البيع الذي فيه الربا وأن كان العدد زائدا لكن محق البركة يفضى إلى اضمحلال العدد في الدنيا كما مر في حديث بن مسعود وإلى اضمحلال الأجر في الآخرة على التأويل الثاني

قوله باب ما يكره من الحلف في البيع أي مطلقا فإن كان كذبا فهي كراهة تحريم وأن كان صدقا فتنزيه وفي السنن من حديث قيس بن أبي غرزة بفتح المعجمة والراء والزاي مرفوعا يا معشر التجار أن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة

[ 1982 ] قوله عن عبد الله بن أبي أوفى في رواية يزيد عن العوام سمعت عبد الله بن أبي أوفى وسيأتي في التفسير مع بقية الكلام عليه وقد تعقب بان السبب المذكور في الحديث خاص والترجمة عامة لكن العموم مستفاد من قوله في الآية وايمانهم وسيأتي في الشهادات في سبب نزولها من حديث بن مسعود ما يقوي حمله على العموم

قوله باب ما قيل في الصواغ بفتح أوله على الأفراد وبضمه على الجمع يقال صائغ وصواغ وصياغ بالتحتانية وأصله عمل الصياغة قال بن المنير فائدة الترجمة لهذه الصياغة وما بعدها التنبيه على أن ذلك كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وأقره مع العلم به فيكون كالنص على جوازه وماعداه يؤخذ بالقياس

[ 1983 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد ورواية بن شهاب بالإسناد المذكور مما قيل فيه أنه أصح الأسانيد قوله كانت لي شارف بمعجمة وآخره فاء وزن فاعل الناقة المسنة قوله ابتنى بفاطمة أي ادخل بها وسيأتي الكلام على هذا الحديث في فرض الخمس والغرض منه قوله واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع وقد قدمنا إنهم رهط من اليهود فيؤخذ منه جواز معاملة الصائغ ولو كان غير مسلم ويؤخذ منه أنه لا يلزم من دخول الفساد في صنعة أن تترك معاملة صاحبها ولو تعاطاها اراذل الناس مثلا ولعل المصنف أشار إلى حديث أكذب الناس الصباغون والصواغون وهو حديث مضطرب الإسناد أخرجه أحمد وغيره

[ 1984 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن شاهين وخالد هو الطحان وشيخه خالد هو الحذاء وقوله في أول الباب وقال طاوس وقوله في آخره وقال عبد الوهاب الخ تقدم وصل هذين التعليقين في كتاب الحج وكذلك شرح الحديث المذكور وغرض الترجمة منه ذكر الصياغة وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك

قوله باب ذكر القين بفتح القاف والحداد قال بن دريد أصل القين الحداد ثم صار كل صائغ عند العرب قينا وقال الزجاج القين الذي يصلح الأسنة والقين أيضا الحداد وكأن البخاري اعتمد القول الصائر إلى التغاير بينهما وليس في الحديث الذي أورده في الباب الا ذكر القين وكأنه الحق الحداد به في الترجمة لاشتراكهما في الحكم وسيأتي الكلام على الحديث في تفسير سورة مريم إن شاء الله تعالى وأما قول أم أيمن أنا قينت عائشة فمعناه زينتها قال الخليل التقيين التزيين ومنه سميت المغنية قينه لأن من شانها الزينة

قوله باب الخياط بالمعجمة والتحتانية قال الخطابي في أحاديث هذه الأبواب دلالة على جواز الاجارة وفي الخياطة معنى زائد لأن الغالب أن يكون الخيط من عند الخياط فيجتمع فيها إلى الصنعة الالة وكان القياس أنه لا تصح إذ لا تتميز إحداهما عن الأخرى غالبا لكن الشارع اقره لما فيه من الارفاق واستقر عمل الناس عليه وسيأتي الكلام على حديث الباب في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى وفيه دلالة على أن الخياطة لا تنافى المروءة

قوله باب النساج بالنون والمهملة وأخر جيم أورد فيه حديث سهل في البردة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب من استعد الكفن في كتاب الجنائز وقوله

[ 1987 ] فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاج إليها أي وهو محتاج إليها فحذف المبتدأ وللكشميهني محتاجا إليها بالنصب على الحال

قوله باب النجار بالنون والجيم وللكشميهني بكسر النون وتخفيف الجيم وزيادة هاء في آخره وبه ترجم أبو نعيم في المستخرج والأول أشبه بسياق بقية التراجم وأورد فيه حديث سهل أيضا في قصة المنبر وحديث جابر في ذكر المنبر وحنين الجذع وقد تقدم الكلام على فوائدهما في كتاب الجمعة وقوله

[ 1989 ] في آخر الحديث الذي يسكت بضم أوله وتشديد الكاف وقوله قال بكت على ما كانت تسمع من الذكر يحتمل أن يكون فاعل قال راوي الحديث لكن صرح وكيع في روايته عن عبد الواحد بن أيمن بأنه النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد وابن أبي شيبة عنه

قوله باب شراء الإمام الحوائج بنفسه كذا لأبي ذر عن غير الكشميهني وسقطت الترجمة للباقين ولبعضهم شراء الحوائج بنفسه أي الرجل وفائدة الترجمة رفع توهم من يتوهم أن تعاطى ذلك يقدح في المروءة قوله وقال بن عمر اشترى النبي صلى الله عليه وسلم جملا من عمر هو طرف من حديث سيأتي موصولا في كتاب الهبة قوله واشترى بن عمر بنفسه هذا التعليق ثبت في رواية الكشميهني وحده وسيأتي موصولا بعد باب قوله وقال عبد الرحمن بن أبي بكر أي الصديق جاء مشرك بغنم الحديث هو طرف من حديث يأتي موصولافى آخر البيوع في باب الشراء والبيع مع المشركين قوله واشترى أي النبي صلى الله عليه وسلم من جابر بعيرا هو طرف من حديث موصول في الباب الذي يليه وفي هذه الأحاديث مباشرة الكبير والشريف شراء الحوائج وأن كان له من يكفيه إذا فعل ذلك على سبيل التواضع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أحد أنه كان له من يكفيه ما يريد من ذلك ولكنه كان يفعله تعليما وتشريعا ثم أورد حديث عائشة في شراء الطعام من اليهودي وسيأتي شرحه في أول الرهن إن شاء الله تعالى

قوله باب شراء الدواب والحمير في رواية أبي ذر الحمر بضمتين وليس في حديثي الباب ذكر للحمر وكأنه أشار إلى الحاقها في الحكم بالإبل لأن حديثي الباب إنما فيهما ذكر بعير وجمل ولا اختصاص في الحكم المذكور بدابة دون دابة فهذا وجه الترجمة قوله وإذا اشترى دابة أو جملا وهو أي البائع عليه هل يكون ذلك قبضا يعني أو يشترط في القبض قدر زائد على مجرد التخلية وهي مسألة خلافية سيأتي شرحها قريبا في باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بعنيه يعني جملا صعبا هذا طرف من حديث سيأتي في الباب المذكور ثم أورد حديث جابر في قصة بيع جمله وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى ويقال أن الغزوة التي كان فيها هي غزوة ذات الرقاع وقوله

[ 1991 ] فيه يحجنه بفتح أوله وسكون المهملة وضم الجيم أي يطعنه وقوله أبكرا أم ثيبا بالنصب فيهما بتقدير أتزوجت ويجوز الرفع بتقدير اهى

قوله باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع بها الناس في الإسلام قال بن بطال فقه هذه الترجمة أن مواضع المعاصي وافعال الجاهلية لا تمنع من فعل الطاعة فيها ثم أورد المصنف فيه حديث بن عباس وقد تقدم التنبيه عليه في أول البيوع وأن شرحه مضى في كتاب الحج

قوله باب شراء الإبل الهيم بكسر الهاء جمع اهيم للذكر ويقال للانثى هيمى قوله أو الأجرب في رواية النسفي والاجرب وهو من عطف المفرد على الجمع في الصفة لأن الموصوف هنا هو الإبل وهو اسم جنس صالح للجمع والمفرد فكأنه قال شراء الإبل الهيم وشراء الإبل الجرب قوله الهائم المخالف للقصد في كل شيء قال بن التين ليس الهائم واحد الهيم وما أدري لم ذكر البخاري الهائم هنا اه وقد أثبت غيره ما نفاه قال الطبري في تفسيره الهيم جمع اهيم ومن العرب من يقول هائم ثم يجمعونه على هيم كما قالوا غائط وغيط قال والإبل الهيم التي اصابها الهيام بضم الهاء وبكسرها داء تصير منه عطشى وتشرب فلا تروي وقيل الإبل الهيم المطلية بالقطران من الجرب فتصير عطشى من حرارة الجرب وقيل هو داء ينشأ عنه الجرب ثم أسند من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس من قوله فشاربون شرب الهيم قال الإبل العطاش ومن طريق عكرمة هي الإبل يأخذها العطش فتشرب حتى تهلك

[ 1993 ] قوله قال عمرو هو بن دينار وقول البخاري في آخر الحديث سمع سفيان عمرا هو مقول شيخه على بن عبد الله وقد رواه الحميدي في مسنده عن سفيان قال حدثنا عمرو به قوله كان ههنا أي بمكة وفي رواية بن أبي عمر عن سفيان عند الإسماعيلي من أهل مكة قوله اسمه نواس بفتح النون والتشديد للأكثر وللقابسى بالكسر والتخفيف وللكشميهني كالأول لكن بزيادة ياء النسب قوله من شريك له لم اقف على اسمه قوله ابلا هيما في رواية بن أبي عمر هياما بكسر أوله قوله ولم يعرفك بسكون العين من المعرفة للأكثر وللمستملى بضم أوله وفتح العين والتشديد من التعريف قوله فاستقها بالمهملة فعل أمر من الاستياق والقائل هو بن عمر والمقول له نواس وفي رواية بن أبي عمر قال فاستقها إذا أي أن كان الأمر كما تقول فارتجعها قوله فقال دعها القائل هو بن عمر وكان نواسا أراد أن يرتجعها فاستدرك بن عمر فقال دعها قوله رضينا بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رضيت بحكمه حيث حكم الا عدوي ولا طيرة وعلى التأويل الذي اختاره بن التين يصير الحديث موقوفا من كلام بن أبي عمرو على الذي اخترته جرى الحميدي في جمعه فأورد هذه الطريق عقب حديث الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما مرفوعا لا عدوي ولا طيرة كأنه اعتمد على أنه حديث واحد وفي الحديث جواز بيع الشيء المعيب إذا بينه البائع ورضى به المشترى سواء بينه البائع قبل العقد أو بعده لكن إذا آخر بيانه عن العقد ثبت الخيار للمشترى وفيه اشتراء الكبير حاجته بنفسه وتوقى ظلم الرجل الصالح وذكر الحميدي في آخر الحديث قصة قال وكان نواس يجالس بن عمر وكان يضحكه فقال يوما وددت أن لي أبا قبيس ذهبا فقال له بن عمر ما تصنع به قال أموت عليه قوله لا عدوى قال الخطابي لا أعرف للعدوى هنا معنى الا أن يكون الهيام داء من شأنه أن من وقع به إذا رعى مع الإبل حصل لها مثله وقال غيره لها معنى ظاهر أي رضيت بهذا البيع على ما فيه من العيب ولا اعدى على البائع حكما واختار هذا التأويل بن التين ومن تبعه وقال الداودي معنى قوله لا عدوي النهى عن الاعتداء والظلم وقال أبو على الهجري في النوادر الهيام داء من ادواء الإبل يحدث عن شرب الماء النجل إذا كثر طحلبه ومن علامة حدوثه إقبال البعير على الشمس حيث دارت واستمراره على أكله وشربه وبدنه ينقص كالذائب فإذا أراد صاحبه استبانة أمره استبان له فإن وجد ريحه مثل ريح الخميرة فهو اهيم فمن شم من بوله أو بعره أصابه الهيام اه وبهذا يتضح المعنى الذي خفي على الخطابي وأبداه احتمالا وبه يتضح صحة عطف البخاري الأجرب على الهيم لاشتراكهما في دعوى العدوي ومما يقويه أن الحديث على هذا التأويل يصير في حكم المرفوع ويكون قول بن عمر لا عدوي تفسيرا للقضاء الذي تضمنه

قوله باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها أي هل يمنع أم لا قوله وكره عمران بن حصين بيعه في الفتنة أي في أيام الفتنة وهذا وصله بن عدي في الكامل من طريق أبي الأشهب عن أبي رجاء عن عمران ورواه الطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي رجاء عن عمران مرفوعا وإسناده ضعيف وكأن المراد بالفتنة ما يقع من الحروب بين المسلمين لأن في بيعه إذ ذاك إعانة لمن اشتراه وهذا محله إذا اشتبه الحال فأما إذا تحقق الباغي فالبيع للطائفة التي في جانبها الحق لا بأس به قال بن بطال إنما كره بيع السلاح في الفتنة لأنه من باب التعاون على الإثم ومن ثم كره مالك والشافعي وأحمد وإسحاق بيع العنب ممن يتخذه خمرا وذهب مالك إلى فسخ البيع وكأن المصنف أشار إلى خلاف الثوري في ذلك حيث قال بع حلالك ممن شئت

[ 1994 ] قوله عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري وعمر بن كثير هو بن أفلح وقع في رواية يحيى بن يحيى الأندلسي عمرو بفتح العين وهو تصحيف والإسناد كله مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق أولهم يحيى قوله خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين فبعت الدرع كذا وقع مختصرا فقال الخطابي سقط شيء من الحديث لا يتم الكلام الا به وهو أنه قتل رجلا من الكفار فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه وكان الدرع من سلبه وتعقبه بن التين بأنه تعسف في الرد على البخاري لأنه إنما أراد جواز بيع الدرع فذكر موضعه من الحديث وحذف سائره وكذا يفعل كثيرا قلت وهو كما قال وليس ما قاله الخطابي بمدفوع وسيأتي الحديث مستوفى مع الكلام عليه في غزوة حنين من كتاب المغازي وقد استشكل مطابقته للترجمة قال الإسماعيلي ليس في هذا الحديث من ترجمة الباب شيء وأجيب بان الترجمة مشتملة على بيع السلاح في الفتنة وغيرها فحديث أبي قتادة منزل على الشق الثاني وهو بيعه في غير الفتنة وقرأت بخط القطب في شرحه يحتمل أن يكون الرجل لما قال فأرضه منه فأراد أن يأخذ الدرع ويعوضه عنه النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه بمنزلة البيع وكان ذلك وقت الفتنة انتهى ولا يخفى تعسف هذا التأويل والحق أن الاستدلال بالبيع إنما هو في بيع أبي قتادة الدرع بعد ذلك لأنه باع الدرع فاشترى بثمنه البستان وكان ذلك في غير زمن الفتنة ويحتمل أن المراد بإيراد هذا الحديث جواز بيع السلاح في الفتنة لمن لا يخشى منه الضرر لأن أبا قتادة باع درعه في الوقت الذي كان القتال فيه قائما بين المسلمين والمشركين وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك والظن به أنه لم يبعه ممن يعين على قتال المسلمين فيستفاد منه جواز بيعه في زمن القتال لمن لا يخشى منه قوله مخرفا بالمعجمة الساكنة والفاء مفتوح الأول هو البستان وبكسر الميم الوعاء الذي يجمع فيه الثمار قوله بني سلمة بكسر اللام قوله تأثلته بالمثلثة قبل اللام أي جمعته قال بن فارس وقال القزاز جعلته أصل ما لي واثلة كل شيء أصله

قوله باب في العطار وبيع المسك ليس في حديث الباب سوى ذكر المسك وكأنه الحق العطار به لاشتراكهما في الرائحة الطيبة

[ 1995 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد وأبو بردة بن عبد الله هو زيد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى قوله كمثل صاحب المسك في رواية أبي أسامة عن بريد كما سيأتي في الذبائح كحامل المسك وهو أعم من أن يكون صاحبه أو لا قوله وكير الحداد بكسر الكاف بعدها تحتانية ساكنة معروف وفي رواية أبي أسامة كحامل المسك ونافخ الكير وحقيقته البناء الذي يركب عليه الزق والزق هو الذي ينفخ فيه فأطلق على الزق اسم الكير مجازا لمجاورته له وقيل الكير هو الزق نفسه وأما البناء فاسمه الكور قوله لا يعدمك بفتح أوله وكذلك الدال من العدم أي لا يعدمك إحدى الخصلتين أي لا يعدوك تقول ليس يعدمنى هذا الأمر أي ليس يعدونى وفي رواية أبي ذر بضم أوله وكسر الدال من الاعدام أي لا يعدمك صاحب المسك إحدى الخصلتين قوله أما تشتريه أو تجد ريحه في رواية أبي أسامة أما أن يحذيك وأما أن تبتاع منه ورواية عبد الواحد أرجح لأن الاحذاء وهو الإعطاء لا يتعين بخلاف الرائحة فإنه لازمة سواء وجد البيع أو لم يوجد قوله وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك في رواية أبي أسامة ونافخ الكير أما أن يحرق ثيابك ولم يتعرض لذكر البيت وهو واضح وفي الحديث النهى عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما وفيه جواز بيع المسك والحكم بطهارته لأنه صلى الله عليه وسلم مدحه ورغب فيه ففيه الرد على من كرهه وهو منقول عن الحسن البصري وعطاء وغيرهما ثم انقرض هذا الخلاف واستقر الإجماع على طهارة المسك وجواز بيعه وسيأتي لذلك مزيد بيان في كتاب الذبائح ولم يترجم المصنف للحداد لأنه تقدم ذكره وفيه ضرب المثل والعمل في الحكم بالأشباه والنظائر

قوله باب ذكر الحجام قال بن المنير ليست هذه الترجمة تصويبا لصنعة الحجامة فإنه قد ورد فيها حديث يخصها وأن كان الحجام لا يظلم أجره فالنهى على الصانع لا على المستعمل والفرق بينهما ضرورة المحتجم إلى الحجامة وعدم ضرورة الحجام لكثرة الصنائع سواها قلت أن أراد بالتصويب التحسين والندب إليها فهو كما قال وأن أراد التجويز فلا فإنه يسوغ للمستعمل تعاطيها للضرورة ومن لازم تعاطيها للمستعمل تعاطى الصانع لها فلا فرق الا بما أشرت إليه إذ لا يلزم من كونها من المكاسب الدنيئة أن لا تشرع فالكساح اسوأ حالا من الحجام ولو تواطأ الناس على تركه لا ضر ذلك بهم وسيأتي الكلام على كسب الحجام في كتاب الإجازة ويأتي الكلام هناك عن حديثي الباب عن أنس وابن عباس إن شاء الله تعالى

قوله باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء أي إذا كان مما ينتفع به غير من كره له لبسه إماما لا منفعة فيه شرعية فلا يجوز بيعه أصلا على الراجح من أقوال العلماء وذكر فيه حديثين أحدهما حديث بن عمر في قصة عمر في حلة عطارد وفيه

[ 1998 ] قوله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت بها إليك لتستمتع بها يعني تبيعها وسيأتي في اللباس من وجه آخر بلفظ إنما بعثت بها إليك لتبيعها أو لتكسوها وهو واضح فيما ترجم له هنا من جواز بيع ما يكره لبسه للرجال والتجارة وأن كانت أخص من البيع لكنها جزؤه المستلزمة له وأما ما يكره لبسه للنساء فبالقياس عليه أو المراد بالكراهة في الترجمة ما هو أعم من التحريم والتنزيه فيدخل فيه الرجال والنساء فعرف بهذا جواب ما اعترض به الإسماعيلي من أن حديث بن عمر لا يطابق الترجمة حيث ذكر فيها النساء الثاني حديث عائشة في قصة النمرقة المصورة وسيأتي الكلام عليه وعلى الذي قبله مستوفى في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يفسخ البيع في النمرقة وسيأتي أن في بعض طرق الحديث المذكور أنه صلى الله عليه وسلم توكأ عليها بعد ذلك والثوب الذي فيه الصورة يشترك في المنع منه الرجال والنساء فهو مطابق للترجمة من هذه الحيثية بخلاف ما اعترض به الإسماعيلي وقال بن المنير في الترجمة اشعار بحمل قوله إنما يلبس هذه من لا خلاف له على العموم حتى يشترك في ذلك الرجال والنساء لكن الحق أن ذلك خاص بالرجال وإنما الذي يشترك فيه الرجال والنساء المنع من التمرقة وحاصله أن حديث بن عمر يدل على بعض الترجمة وحديث عائشة يدل على جميعها

قوله باب صاحب السلعة أحق بالسوم بفتح المهملة وسكون الواو أي ذكر قدر معين للثمن وقال بن بطال لا خلاف بين العلماء في هذه المسألة وأن متولى السلعة من مالك أو وكيل أولي بالسوم من طالب شرائها قلت لكن ذلك ليس بواجب فسياتى في قصة جمل جابر أنه صلى الله عليه وسلم بداه بقوله بعنيه بأوقية الحديث

[ 2000 ] قوله حدثنا عبد الوارث هو بن سعيد والإسناد كله بصريون قوله ثامنونى بمثلثة على وزن فاعلونى وهو أمر لهم بذكر الثمن معين باختيارهم على سبيل السوم ليذكر هو لهم ثمنا معينا يختاره ثم يقع التراضى بعد ذلك وبهذا يطابق الترجمة وقال المازري معنى قوله ثامنونى أي بايعونى بالثمن أي ولا أخذه هبة قال فليس فيه الا أن المشترى يبدأ بذكر الثمن وتعقبه عياض بان الترجمة إنما هي لذكر الثمن معينا وأما مطلق ذكر الثمن فلا فرق فيه في الاولوية بين البائع والمشترى قلت وقد سبق هذا الحديث في أبواب المساجد ويأتي الكلام عليه مستوفى في أول الهجرة إن شاء الله تعالى

قوله باب بالتنوين كم يجوز الخيار والخيار بكسر الخاء اسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الامرين من امضاء البيع أن فسخه وهو خياران خيار المجلس وخيار الشرط وزاد بعضهم خيار النقيصة وهو مندرج في الشرط فلا يزاد والكلام هنا على خيار الشرط والترجمة معقودة لبيان مقداره وليس في حديثي الباب بيان لذلك قال بن المنير لعله أخذ من عدم تحديده في الحديث أنه لا يتقيد بل يفوض الأمر فيه إلى الحاجة لتفاوت السلع في ذلك قلت وقد روى البيهقي من طريق أبي علقمة الغروي عن نافع عن بن عمر مرفوعا الخيار ثلاثة أيام وهذا كأنه مختصر من الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن من طريق محمد بن إسحاق عن نافع في قصة حبان بن منقذ وساذكره بعد خمسة أبواب وبه احتج للحنفية والشافعية في أن أمد الخيار ثلاثة أيام وأنكر مالك التوقيت في خيار الشرط ثلاثة أيام بغير زيادة وأن كانت في الغالب يمكن الاختيار فيها لكن لكل شيء أمد بحسبه يتخير فيه فللدابة مثلا والثوب يوم أو يومان وللجارية جمعة وللدار شهر وقال الأوزاعي يمتد الخيار شهرا وأكثر بحسب الحاجة إليه وقال الثوري يختص الخيار بالمشتري ويمتد له إلى عشرة أيام وأكثر ويقال أنه انفرد بذلك وقد صح القول بامتداد الخيار عن عمر وغيره وسيأتي شيء منه في أبواب الملازمة ويحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله كم يجوز الخيار أي كم يخير أحد المتابعين الآخر مرة وأشار إلى ما في الطريق الآتية بعد ثلاثة أبواب من زيادة همام ويختار ثلاث مرار لكن لما لم تكن الزيادة ثابتة أبقى الترجمة على الاستفهام كعادته

[ 2001 ] قوله حدثنا صدقة هو بن الفضل المروزي وعبد الوهاب هو الثقفي ويحيى به سعيد هو الأنصاري قوله أن المتبايعين بالخيار كذا للأكثر وحكى بن التين في رواية القابسي أن المتبايعان قال وهي لغة وفي رواية أيوب عن نافع في الباب الذي يليه البيعان بتشديد التحتانية والبيع بمعنى البائع كضيق وضائق وصين وصائن وليس كبين وبائن فإنهما متغايران كقيم وقائم واستعمال البيع في المشترى أما على سبيل التغلب أو لأن كلا منهما بائع قوله ما لم يتفرقا في رواية النسائي يفترقا بتقديم الفاء ونقل ثعلب عن الفضل بن سلمة افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان ورده بن العربي بقوله تعالى وما تفرق الذين أوتوا الكتاب فإنه ظاهر في التفرق بالكلام لا أنه بالاعتقاد وأجيب بأنه من لازمه في الغالب لأن من خالف آخر في عقيدته كان مستدعيا لمفارقته إياه ببدنه ولا يخفى ضعف هذا الجواب والحق حمل كلام المفضل على الاستعمال بالحقيقة وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعا قوله أو يكون البيع خيارا سيأتي شرحه بعد باب قوله قال نافع وكان بن عمر الخ هو موصولا بالإسناد المذكور وقد ذكره مسلم أيضا من طريق بن جريج عن نافع وهو ظاهر في أن بن عمر كان يذهب إلى أن التفرق المذكور بالأبدان كما سيأتي وفي الحديث ثبوت الخيار لكل من المتبايعين ما داما في المجلس وسيأتي بعد باب

[ 2002 ] قوله عن أبي الخليل في رواية شعبة الأتية بعد باب عن قتادة عن صالح أبي الخليل وفي رواية أحمد عن غندور عن شعبة عن قتادة سمعت أبا الخليل قوله عن عبد الله بن الحارث هو أبو نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ولم ينسب في شيء من طرق حديثه في الصحيحين لكن وقع لأحمد من طريق سعيد عن قتادة عبد الله بن الحارث الهاشمي ورواه بن خزيمة والإسماعيلي عنه من وجه آخر عن شعبة فقال عن قتادة سمعت أبا الخليل يحدث عن عبد الله بن الحارث بن نوفل وعبد الله هذا مذكور في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به فحنكه وهو معدود من حيث الرواية في كبار التابعين وقتادة وشيخه تابعيان أيضا وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر عن العباس في قصة أبي طالب قوله وزاد أحمد حدثنا بهز أي بن أسد وهذه الطريق وصلها أبو عوانة في صحيحه عن أبي جعفر الدارمي واسمه أحمد بن سعيد عن بهز به ولم أرها في مسند أحمد بن حنبل وزعم بعضهم أنه أحمد المذكور وستاتى هذه الزيادة من وجه آخر عن همام بعد ثلاثة أبواب باوضح من سياقه وفي صنيع همام فائدة طلب علو الإسناد لأن بينه وبين أبي الخليل في إسناده الأول رجلين وفي الثاني رجل واحد

قوله باب إذا لم يوقت الخيار أي إذا لم يعين البائع أو المشترى وقتا للخيار وإطلقاه هل يجوز البيع وكأنه أشار بذلك إلى الخلاف الماضي في حد خيار الشرط والذي ذهب إليه الشافعية والحنفية أنه لا يزاد فيه على ثلاثة أيام وذهب بن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وآخرون إلى أنه لا أمد لمدة خيار الشرط بل البيع جائز والشرط لازم إلى الوقت الذي يشترطانه وهو اختيار بن المنذر فإن شرطا أو أحدهما الخيار مطلقا فقال الأوزاعي وابن أبي ليلى هو شرط باطل والبيع جائز وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي يبطل البيع أيضا وقال أحمد وإسحاق للذي شرط الخيار أبدا تنبيه قوله أو يقول أحدهما كذا هو في جميع الطرق بإثبات الواو في يقول وفي إثباتها نظر لأنه مجزوم عطفا على قوله ما لم يتفرقا فلعل الضمة اشبعت كما اشبعت الياء في قراءة من قرأ أنه من يتقي ويصبر ويحتمل أن تكون بمعنى الا أن فيقرأ حينئذ بنصب اللام وبه جزم النووي وغيره ثم ذكر المصنف في الباب حديث بن عمر من وجد آخر عن نافع وفيه أو يكون بيع خيار والمعنى أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه آخر امضاء البيع أو فسخه فاختار امضاء البيع مثلا أن البيع يتم وأن لم يتفرقا وبهذا قال الثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وآخرون وقال أحمد لا يتم البيع حتى يتفرقا وقيل أنه تفرد بذلك وقيل المعنى بقوله أو يكون بيع خيار أي أن يشترطا الخيار مطلقا فلا يبطل بالتفرق وسيأتى البحث فيه بعد بابين مستوفى إن شاء الله تعالى

قوله باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وبه قال بن عمر أي بخيار المجلس وهو بين من صنيعه الذي مضى قبل باب وأنه كان إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه وللترمذي من طريق بن فضيل عن يحيى بن سعيد وكان بن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب له ولأبن أبي شيبة من طريق محمد بن إسحاق عن نافع كان بن عمر إذا باع انصرف ليجب له البيع ولمسلم من طريق بن جريج قال أملى على نافع فذكر الحديث وفيه قال نافع وكان إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنيهة ثم رجع إليه وسيأتي صنيع بن عمر ذلك من وجه آخر بعد بابين وروى سعيد بن منصور عن خالد بن عبد الله عن عبد العزيز بن حكيم رأيت بن عمر اشترى من رجل بعيرا فأخرج ثمنه فوضعه بين يديه فخيره بين بعيره وبين الثمن قوله وشريح والشعبي أي قالا بخيار المجلس وهذا وصله سعيد بن منصور عن هشيم عن محمد بن على سمعت أبا الضحى يحدث أنه شهد شريحا واختصم إليه رجلان اشترى أحدهما من الآخر دارا بأربعة آلاف فأوجبها له ثم بدا له في بيعها قبل أن يفارق صاحبها فقال لي لا حاجة لي فيها فقال البائع قد بعتك فأوجبت لك فاختصما إلى شريح فقال هو بالخيار ما لم يتفرقا قال محمد وشهدت الشعبي قضى بذلك وروى بن أبي شيبة عن وكيع عن شعبة عن الحكم عن شريح قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وعن جرير عن مغيرة عن وكيع عن الشعبي أنه أتى في رجل اشترى من رجل برذونا فأراد أن يرده قبل أن يتفرقا فقضى الشعبي أنه قد وجب البيع فشهد عنده أبو الضحى أن شريحا أتى في مثل ذلك فرده على البائع فرجع الشعبي إلى قول شريح قوله وطاوس قال الشافعي في الأم أخبرنا بن عيينة عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال خير رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا بعد البيع قال وكان أبي يحلف ما الخيار الا بعد البيع قوله وعطاء وابن أبي مليكة وصلها بن أبي شيبة عن جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن بن أبي مليكة وعطاء قالا البيعان بالخيار حتى يتفرقا عن رضا ونقل بن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم وبالغ بن حزم فقال لا نعلم لهم مخالفا من التابعين الا النخعي وحده ورواية مكذوبة عن شريح والصحيح عنه القول به وأشار إلى ما رواه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن حجاج عن الحكم عن شريح قال إذا تكلم الرجل بالبيع فقد وجب البيع وإسناده ضعيف لأجل حجاج وهو بن أرطاة

[ 2004 ] قوله حدثنا إسحاق قال أبو على الجياني لم أره منسوبا في شيء من الروايات ولعله إسحاق بن منصور فان مسلما روى عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال قلت قد رأيته منسوبا في رواية أبي على بن شبويه عن الفربري في هذا الحديث إسحاق بن منصور ولم أره في منسد إسحاق بن راهويه من روايته عن حبان فقوي ما قال أبو على رحمه الله ثم رأيت أبا نعيم استخرجه من طريق إسحاق بن راهويه عن حبان وقال أخرجه البخاري عن إسحاق فالله أعلم قوله حبان بن هلال هو بفتح الحاء بعدها موحدة ثقيلة قوله حدثنا شعبة سيأتي بعد باب من هذا الوجه عن همام بدل شعبة وهو محمول على أنه كان عند حبان عن شيخين حدثاه به عن شيخ واحد قوله ما لم يتفرقا في رواية همام الماضية قبل باب ما لم يفترقا وفي رواية سليمان بن موسى عن نافع عن بن عمر وعن عطاء عن بن عباس مرفوعا ما لم يفارقه صاحبه فإن فارقه فلا خيار له وقد اختلف القائلون بان المراد أن يتفرقا بالأبدان هل للتفرق المذكور حد ينتهى إليه والمشهور الراجح من مذهب العلماء في ذلك أنه موكول إلى العرف فكل ما عد في العرف تفرقا حكم به ومالا فلا والله أعلم قوله فإن صدقا وبينا أي صدق البائع في أخبار المشترى مثلا وبين العيب أن كان في السلعة وصدق المشترى في قدر الثمن مثلا وبين العيب أن كان في الثمن ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد وذكر أحدهما تأكيد للأخر قوله محقت بركة بيعهما يحتمل أن يكون على ظاهره وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد فمحق بركته وأن كان الصادق مأجورا والكاذب مأزورا ويحتمل أن يكون ذلك مختصا بمن وقع منه التدليس والعيب دون الآخر ورجحه بن أبي جمرة وفي الحديث فضل الصدق والحث على منعه وأنه سبب لذهاب البركة وأن عمل الآخرة يحصل خيرى الدنيا والآخرة

[ 2005 ] قوله الا بيع الخيار أي فلا يحتاج إلى التفرق كما سيأتي شرحه في الباب الذي يليه وفي رواية أيوب عن نافع في الباب الذي قبله ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وهو ظاهر في حصر لزوم البيع بهذين الأمرين وفيه دليل على اثبات خيار المجلس وقد مضى قبل بباب أن بن عمر حمله على التفرق بالأبدان وكذلك أبو برزة الأسلمي ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة وخالف في ذلك إبراهيم النخعي فروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه قال البيع جائز وأن لم يتفرقا ورواه سعيد بن منصور عنه بلفظ إذا وجبت الصفقة فلا خيار وبذلك قال المالكية الا بن حبيب والحنفية كلهم قال بن حزم لا نعلم لهم سلفا الا إبراهيم وحده وقد ذهبوا في الجواب عن حديثي الباب فرقا فمنهم من رده لكونه معارضا لما هو أقوى منه ومنهم من صححه ولكن أوله على غير ظاهره فقالت طائفة منهم هو منسوخ بحديث المسلمون على شروطهم والخيار بعد لزوم العقد يفسد الشرط وبحديث التحالف عند اختلاف المتبايعين لأنه يقتضى الحاجة إلى اليمين وذلك يستلزم لزوم العقد ولو ثبت الخيار لكان كافيا في رفع العقد وبقوله تعالى واشهدوا إذا تبايعتم والاشهاد أن وقع بعد التفرق لم يطابق الأمر وأن وقع قبل التفرق لم يصادف محلا ولا حجة في شيء من ذلك لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والجمع بين الدليلين مهما أمكن لا يصار معه إلى الترجيح والجمع هنا ممكن بين الأدلة المذكورة بغير تعسف ولا تكلف وقال بعضهم هو من رواية مالك وقد عمل بخلافه فدل على أنه عارضه ما هو أقوى منه والراوي إذا عمل عمل بخلاف ما روى دل على وهن المروي عنده وتعقب بان مالكا لم يتفرد به فقد رواه غيره وعمل به وهم أكثر عددا رواية وعملا وقد خص كثير من محققى أهل الأصول الخلاف المشهور فيما إذا عمل الراوي بخلاف ما روى بالصحابة دون من جاء بعدهم ومن قاعدتهم أن الراوي أعلم بما روى وابن عمر هو راوي الخبر وكان يفارق إذا باع ببدنه فاتباعه أولي من غيره وقالت طائفة هو معارض بعمل أهل المدينة ونقل بن التين عن أشهب بأنه مخالف لعمل أهل مكة أيضا وتعقب بأنه قال به بن عمر ثم سعيد بن المسيب ثم الزهري ثم بن أبي ذئب كما مضى وهؤلاء من أكابر علماء أهل المدينة في اعصارهم ولا يحفظ عن أحد من علماء المدينة القول بخلافه سوى عن ربيعة وأما أهل مكة فلا يعرف أحد منهم القول بخلافه فقد سبق عن عطاء وطاوس وغيرهما من أهل مكة وقد أشتد إنكار بن عبد البر وابن العربي على من زعم من المالكية أن مالكا ترك العمل به لكون عمل أهل المدينة على خلافه قال بن العربي إنما لم يؤخذ به مالك لأن وقت التفرق غير معلوم فأشبه بيوع الغرر كالملامسة وتعقب بأنه يقول بخيار الشرط ولا يحده بوقت معين وما ادعاه من الغرر موجود فيه وبأن الغرر في خيار المجلس معدوم لأن كلا منهما متمكن من امضاء البيع أو فسخه بالقول أو بالفعل فلا غرر وقالت طائفة هو خبر واحد فلا يعمل به الا فيما تعم به البلوي ورد بأنه مشهور فيعمل به كما ادعوا نظير ذلك في خبر القهقهة في الصلاة وايجاب الوتر وقال آخرون هو مخالف للقياس الجلي في الحاق ما قبل التفرق بما بعده وتعقب بان القياس مع النص فاسد الاعتبار وقال آخرون التفرق بالأبدان محمول على الاستحباب تحسينا للمعاملة مع المسلم لا على الوجوب وقال آخرون هو محمول على الاحتياط للخروج من الخلاف وكلاهما على خلاف الظاهر وقالت طائفة المراد بالتفرق في الحديث التفرق بالكلام كما في عقد النكاح والاجارة والعتق وتعقب بأنه قياس مع ظهور الفارق لأن البيع ينقل فيه ملك رقبة المبيع ومنفعته بخلاف ما ذكر وقال بن حزم سواء قلنا التفرق بالكلام أو بالأبدان فإن خيار المجلس بهذا الحديث ثابت أما حيث قلنا التفرق بالأبدان فواضح وحيث قلنا بالكلام فواضح أيضا لأن قول أحد المتبايعين مثلا بعتكه بعشرة وقول الآخر بل بعشرين مثلا افتراق في الكلام بلا شك بخلاف مالوا قال اشتريته بعشرة فإنهما حينئذ متوافقان فيتعين ثبوت الخيار لهما حين يتفقان لا حين يتفرقان وهو المدعى وقيل المراد بالمتبايعين المتساومان ورد بأنه مجاز والحمل على الحقيقة أو ما يقارب منها أولي واحتج الطحاوي بايات وأحاديث استعمل فيها مجاز وقال من أنكر استعمال لفظ البائع في السائم فقد غفل عن اتساع اللغة وتعقب بأنه لا يلزم من استعمال المجاز في موضع طرده في كل موضع فالأصل من الإطلاق الحقيقة حتى يقوم الدليل على خلافه وقالوا أيضا وقت التفرق في الحديث هو ما بين قول البائع بعتك هذا بكذا وبين قول المشترى اشتريت قالوا فالمشترى بالخيار في قوله اشتريت أو تركه والبائع بالخيار إلى أن يوجب المشترى وهكذا حكاه الطحاوي عن عيسى بن أبان منهم وحكاه بن خويزمنداد عن مالك قال عيسى بن أبان وفائدته تظهر فيما لو تفرقا قبل القبول فإن القبول يتعذر وتعقب بان تسميتهما متبايعين قبل تمام العقد مجاز أيضا فأجيب بان تسميتهما متبايعين بعد تمام العقد مجاز أيضا لأن اسم الفاعل في الحال حقيقة وفيما عداه مجاز فلو كان الخيار بعد انعقاد البيع لكان لغير البيعين والحديث يرده فتعين حمل التفرق على الكلام وأجيب بأنه إذا تعذر الحمل على الحقيقة تعين المجاز وإذا تعارض المجازان فالأقرب إلى الحقيقة أولي وأيضا فالمتبايعان لا يكونان متبايعين حقيقة الا في حين تعاقدهما لكن عقدهما لا يتم الا بأحد أمرين أما بإبرام العقد أو التفرق على ظاهر الخبر فصح إنهما متعاقدان ما داما في مجلس العقد فعلى هذا تسميتهما متبايعين حقيقة بخلاف حمل المتبايعين على المتساومين فإنه مجاز باتفاق وقالت طائفة التفرق يقع بالأقوال كقوله تعالى وأن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وأجيب بأنه سمي بذلك لكونه يفضى إلى التفرق بالأبدان قال البيضاوي ومن نفى خيار المجلس أرتكب مجازين بحمله التفرق على الأقوال وحمله المتبايعين على المتساومين وأيضا فكلام الشارع يصان عن الحمل عليه لأنه يصير تقديره أن المتساومين أن شاءا عقد البيع وأن شاءا لم يعقداه وهو تحصيل الحاصل لأن كل أحد يعرف ذلك ويقال لمن زعم أن التفرق بالكلام ما هو الكلام الذي يقع به التفرق أهو الكلام الذي وقع به العقد أم غيره فإن كان غيره فما هو فليس بين المتعاقدين كلام غيره وأن كان هو ذلك الكلام بعينه لزم أن يكون الكلام الذي عليه وتم بيعهما به هو الكلام الذي افترقا به وانفسخ بيعهما به وهذا في غاية الفساد وقال آخرون العمل بظاهر الحديث متعذر فيتعين تأويله وبيان تعذره أن المتبايعين أن اتفقا في الفسخ أو الامضاء لم يثبت لواحد منهما على الآخر خيار وأن اختلفا فالجمع بين الفسخ والامضاء جمع بين النقيضين وهو مستحيل وأجيب بان المراد أن لكل منهما الخيار في الفسخ وأما الامضاء فلا احتياج إلى اختياره فإنه مقتضى العقد والحال يفضى إليه مع السكوت بخلاف الفسخ وقال آخرون حديث بن عمر هذا وحكيم بن حزام معارض بحديث عبد الله بن عمرو وذلك فيما أخرجه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا البيعان بالخيار ما لم يتفرقا الا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله قال بن العربي ظاهر هذه الزيادة مخالف لأول الحديث في الظاهر فإن تاولوا الاستقالة فيه على الفسخ تأولنا الخيار فيه على الاستقالة وإذا تعارض التأويلان فزع إلى الترجيح والقياس في جانبنا فيرجع وتعقب بان حمل الاستقالة على الفسخ أوضح من حمل الخيار على الاستقالة لأنه لو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ وعلى ذلك حمله الترمذي وغيره من العلماء فقالوا معناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع لأن العرب تقول استقلت ما فات عنى إذا استدركه فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وحملوا نفى الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم الا أن اختيار الفسخ حرام قال بن حزم احتجاجهم بحديث عمرو بن شعيب على التفرق بالكلام لقوله فيه خشية أن يستقيله لكون الاستقالة لا تكون الا بعد تمام البيع وصحة انتقال الملك تستلزم أن يكون الخبر المذكور لا فائدة له لأنه يلزم من حمل التفرق على القول إباحة المفارقة خشي أن يستقيله أو لم يخش وقال بعضهم التفرق بالأبدان في الصرف قبل القبض يبطل العقد فكيف يثبت العقد ما يبطله وتعقب باختلاف الجهة وبالمعارضة بنظيره وذلك أن النقد وترك الأجل شرط لصحة الصرف وهو يفسد السلم عندهم واحتج بعضهم بحديث بن عمر الآتي بعد بابين في قصة البكر الصعب وسيأتي توجيهه وجوابه واحتج الطحاوي بقول بن عمر ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع وتعقب بأنهم يخالفونه أما الحنفية فقالوا هو من مال البائع ما لم يره المبتاع أو ينقله والمالكية قالوا أن كان غائبا غيبة بعيدة فهو من البائع وأنه لا حجة فيه لأن الصفقة فيه محمولة على البيع الذي انبرم لا على ما لم ينبرم جمعا بين كلاميه وقال بعضهم معنى قوله حتى يتفرقا أي حتى يتوافقا يقال للقوم على ماذا تفارقتم أي على ماذا اتفقتم وتعقب بما ورد في بقية حديث بن عمر في جميع طرقه ولا سيما في طريق الليث الآتية في الباب الذي بعد هذا وقال بعضهم حديث البيعان بالخيار جاء بألفاظ مختلفة فهو مضطرب لا يحتج به وتعقب بان الجمع بين ما اختلف من ألفاظه ممكن بغير تكلف ولا تعسف فلا يضره الاختلاف وشرط المضطرب أن يتعذر الجمع بين مختلف ألفاظه وليس هذا الحديث من ذلك وقال بعضهم لا يتعين حمل الخيار في هذا الحديث على خيار الفسخ فلعله أريد به خيار الشراء أو خيار الزيادة في الثمن أو المثمن وأجيب بأن المعهود في كلامه صلى الله عليه وسلم حيث يطلق الخيار إرادة خيار الفسخ كما في حديث المصراة وكما في حديث الذي يخدع في البيوع وأيضا فإذا ثبت أن المراد بالمتبايعين المتعاقدان فبعد صدور العقد لا خيار في الشراء ولا في الثمن وقال بن عبد البر قد أكثر المالكية والحنفية من الاحتجاج لرد هذا الحديث بما يطول ذكره وأكثره لا يحصل منه شيء وحكى بن السمعاني في الاصطلام عن بعض الحنفية قال البيع عقد مشروع بوصف وحكم فوصفه اللزوم وحكمه الملك وقد تم البيع بالعقد فوجب أن يتم بوصفه وحكمه فأما تأخير ذلك إلى أن يفترقا فليس عليه دليل لأن السبب إذا تم يفيد حكمه ولا ينتفى الا بعارض ومن ادعاه فعليه البيان وأجاب أن البيع سبب للإيقاع في الندم والندم يحوج إلى النظر فاثبت الشارع خيار المجلس نظرا للمتعاقدين ليسلما من الندم ودليله خيار الرؤية عندهم وخيار الشرط عندنا قال ولو لزم العقد بوصفه وحكمه لما شرعت الاقالة لكنها شرعت نظرا للمتعاقدين الا أنها شرعت لاستدراك ندم ينفرد به أحدهما فلم تجب وخيار المجلس شرع لاستدراك ندم يشتركان فيه فوجب

قوله باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع أي وقبل التفرق فقد وجب البيع أي وأن لم يتفرقا أورد فيه حديث بن عمر من طريق الليث عن نافع بلفظ إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أي فينقطع الخيار وقوله وكانا جميعا تاكيدا لذلك وقوله

[ 2006 ] أو يخير أحدهما الآخر ى فينقطع الخيار وقوله فتابعا على ذلك فقد وجب البيع أي وبطل الخيار وقوله وأن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحد منهما البيع أي لم يفسخه فقد وجب البيع أي بعد التفرق وهذا ظاهر جدا في انفساخ البيع بفسخ أحدهما قال الخطابي هذا أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الحديث وكذلك قوله في آخره وأن تفرقا بعد أن تبايعا فيه البيان الواضح أن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن فائدة انتهى وقد أقدم الداودي على رد هذا الحديث المتفق على صحته بما لا يقبل منه فقال قول الليث في هذا الحديث وكانا جميعا الخ ليس بمحفوظ لأن مقام الليث في نافع ليس كمقام مالك ونظرائه انتهى وهو رد لما اتفق الأئمة على ثبوته بغير مستند وأي لوم على من روى الحديث مفسرا لأحد محتملاته حافظا من ذلك ما لم يحفظه غيره مع وقوع تعدد المجلس فهو محمول على أن شيخهم حدثهم به تارة مفسرا وتارة مختصرا وقد اختلف العلماء في المراد بقوله في حديث مالك الا بيع الخيار فقال الجمهور وبه جزم الشافعي هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق والمراد إنهما أن اختارا امضاء البيع قبل التفرق لزم البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق فالتقدير الا البيع الذي جرى فيه التخاير قال النووي اتفق أصحابنا على ترجيح هذا التأويل وأبطل كثير منهم ما سواه وغلطوا قائله انتهى ورواية الليث ظاهرة جدا في ترجيحه وقيل هو استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق وقيل المراد بقوله أو يفرق أحدهما الآخر أي فيشترط الخيار مدة معينة فلا ينقضي الخيار بالتفرق بل يبقى حتى تمضى المدة حكاه بن عبد البر عن أبي ثور ورجح الأول بأنه أقل في الاضمار وتعينه رواية النسائي من طريق إسماعيل قيل هو بن أمية وقيل غيره عن نافع بلفظ الا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار وجب البيع وقيل هو استثناء من اثبات خيار المجلس والمعنى أو يخير أحدهما الآخر فيختار في خيار المجلس فينتفى الخيار هذه الاحتمالات وقيل قوله الا أن يكون بيع خيار أي هما بالخيار ما لم يتفرقا الا أن يتخايرا ولو قبل التفرق وإلا أن يكون البيع بشرط الخيار ولو بعد التفرق وهو قول يجمع التأويلين الأولين ويؤيده رواية عبد الرزاق عن سفيان في حديث الباب في الذي يليه حيث قال فيه الا بيع الخيار أو يقول لصاحبه اختر أن حملنا أو على التقسيم لا على الشك تنبيه قوله أو يخير أحدهما الآخر بإسكان الراء من يخير عطفا على قوله ما لم يتفرقا ويحتمل نصب الراء على أن أو بمعنى الا أن كما تقدم قريبا مثله في قوله أو يقول أحدهما لصاحبه اختر

قوله باب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع كأنه أراد الرد على من حصر الخيار في المشترى دون البائع فإن الحديث قد سوى بينهما في ذلك

[ 2007 ] قوله كل بيعين بتشديد التحتانية قوله لا بيع بينهما أي لازم قوله حتى يتفرقا أي فيلزم البيع حينئذ بالتفرق قوله الا بيع الخيار أي فيلزم اشتراطه كما تقدم البحث فيه وظاهره حصر لزوم البيع في التفرق أو في شرط الخيار والمعنى أن البيع عقد جائز فإذا وجد أحد هذين الامرين كان لازما

[ 2008 ] قوله حدثني إسحاق هو بن منصور وحبان هو بن هلال قوله حتى يتفرقا في رواية الكشميهني ما لم يتفرقا قوله قال همام وجدت في كتابي يختار ثلاث مرار أشار أبو داود إلى أن هماما تفرد بذلك عن أصحاب قتادة ووقع عند أحمد عن عفان عن همام قال وجدت في كتابي الخيار ثلاث مرار ولم يصرح همام بمن حدثه بهذه الزيادة فإن ثبتت فهي على سبيل الاختيار وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن حبان بن هلال فذكر هذه الزيادة في آخر الحديث قوله وحدثنا همام القائل هو حبان بن هلال المذكور وقد تقدم قبل بابين من وجه آخر عن همام قال الكرماني القائل هو حبان فإن قيل لم قال حدثنا وقال قبل ذلك قال همام فالجواب أنه حيث قال قال كان سمع ذلك في المذاكرة وحيث قال حدثنا سمع منه في مقام التحديث الله وفي جزمه بذلك نظر والذي يظهر أنه حيث ساقه بالإسناد عبر بقوله حدثنا وحيث ذكر كلام همام عبر عنه بقوله قال

قوله باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا ولم ينكر البائع على المشترى أي هل ينقطع خياره بذلك قال بن المنير أراد البخاري اثبات خيار المجلس بحديث بن عمر ثاني حديثي الباب وفيه قصته مع عثمان وهو بين في ذلك ثم خشي أن يعترض عليه بحديث بن عمر في قصة البعير الصعب لأن النبي صلى الله عليه وسلم تصرف في البكر بنفس تمام العقد فأسلفت الجواب عن ذلك في الترجمة بقوله ولم ينكر البائع يعني أن الهبة المذكورة إنما تمت بامضاء البائع وهو سكوته المنزل منزلة قوله وقال بن التين هذا تعسف من البخاري ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه وهب ما فيه لأحد خيار ولا إنكار لأنه إنما بعث مبينا اه وجوابه أنه صلى الله عليه وسلم قدبين ذلك بالأحاديث السابقة المصرحة بخيار المجلس والجمع بين الحديثين ممكن بان يكون بعد العقد فارق عمر بان تقدمه أو تأخر عنه مثلا ثم وهب وليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه فلا معنى للإحتجاج بهذه الواقعة العينية في إبطال ما دلت عليه الأحاديث الصريحة من اثبات خيار المجلس فإنها أن كانت متقدمة على حديث البيعان بالخيار فحديث البيعان قاض عليها وأن كانت متاخرة عنه حمل على أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بالبيان السابق واستفيد منه أن المشترى إذا تصرف في المبيع ولم ينكر البائع كان ذلك قاطعا لخيار البائع كما فهمه البخاري والله أعلم وقال بن بطال اجمعوا على أن البائع إذا لم ينكر على المشترى ما أحدثه من الهبة والعتق أنه بيع جائز واختلفوا فيما إذا أنكر ولم يرض فالذين يرون أن البيع يتم بالكلام دون اشتراط التفرق بالأبدان يجيزون ذلك ومن يرى التفرق بالأبدان لا يجيزونه والحديث حجة عليهم اه وليس الأمر على ما ذكره من الإطلاق بل فرقوا بين المبيعات فاتفقوا على منع بيع الطعام قبل قبضه كما سيأتي واختلفوا فيما عدا الطعام على مذاهب أحدها لا يجوز بيع شيء قبل قبضه مطلقا وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن ثانيها يجوز مطلقا الا الدور والأرض وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ثالثها يجوز مطلقا الا المكيل والموزون وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق رابعها يجوز مطلقا الا المأكول والمشروب وهو قول مالك وأبي ثور واختيار بن المنذر واختلفوا في الاعتاق فالجمهور على أنه يصح الأعتاق ويصير قبضا سواء كان للبائع حق الحبس بان كان الثمن حالا ولم يدفع أم لا والأصح في الوقف أيضا صحته وفي الهبة والرهن خلاف والأصح عند الشافعية فيهما إنهما لا يصحان وحديث بن عمر في قصة البعير الصعب حجة لمقابله ويمكن الجواب عنه بأنه يحتمل أن يكون بن عمر كان وكيلا في القبض قبل الهبة وهو اختيار البغوي قال إذا إذن المشترى للموهوب له في قبض المبيع كفى وتم البيع وحصلت الهبة بعده لكن لا يلزم من هذا اتحاد القابض والمقبض لأن بن عمر كان راكب البعير حينئذ وقد احتج به للمالكية والحنفية في أن القبض في جميع الأشياء بالتخلية واليه مال البخاري كما تقدم له في باب شراء الدواب والحمر إذا اشترى دابة وهو عليها هل يكون ذلك قبضا وعند الشافعية والحنابلة تكفى التخلية في الدور والأراضى وما أشبهها دون المنقولات ولذلك لم يجزم البخاري بالحكم بل أورد الترجمة مورد الاستفهام وقال بن قدامة ليس في الحديث تصريح بالبيع فيحتمل أن يكون قول عمر هو لك أي هبة وهو الظاهر فإنه لم يذكر ثمنا قلت وفيه غفلة عن قوله في حديث الباب فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث عند البخاري فاشتراه وسيأتي في الهبة فعلى هذا فهو بيع وكون الثمن لم يذكر لا يلزم أن يكون هبة مع التصريح بالشراء وكما لم يذكر الثمن يحتمل أن يكون القبض المشترط وقع وأن لم ينقل قال المحب الطبري يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ساقه بعد العقد كما ساقه أو لا وسوقه قبض له لأن قبض كل شيء بحسبه قوله أو اشترى عبدا فأعتقه جعل المصنف مسألة الهبة أصلا الحق بها مسألة العتق لوجود النص في مسألة الهبة دون العتق والشافعية نظروا إلى المعنى في أن للعتق قوة وسراية ليست لغيره ومن الحق به منهم الهبة قال أن العتق اتلاف للمالية والاتلاف قبض فكذلك الهبة والله أعلم قوله وقال طاوس فيمن يشتري السلعة على الرضا ثم باعها وجبت له والربح له وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق من طريق بن طاوس عن أبيه نحوه وزاد عبد الرزاق وعن معمر عن أيوب عن بن سيرين إذا بعت شيئا على الرضا فإن الخيار لهما حتى يتفرقا عن رضا قوله وقال الحميدي في رواية بن عساكر بإسناد البخاري قال لنا الحميدي وجزم الإسماعيلي وأبو نعيم بأنه علقه وقد رويناه أيضا موصولا في مسند الحميدي وفي مستخرج الإسماعيلي وسيأتي من وجه آخر عن سفيان في الهبة موصولا قوله في سفر لم اقف على تعيينه قوله على بكر بفتح الموحدة وسكون الكاف ولد الناقة أول ما يركب قوله صعب أي نفور قوله فباعه زاد في الهبة فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت وفي هذا الحديث ما كان الصحابة عليه من توقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يتقدموه في المشي وفيه جواز زجر الدواب وأنه لا يشترط في البيع عرض صاحب السلعة بسلعته بل يجوز أن يسأل في بيعها وجواز التصرف في المبيع قبل بدل الثمن ومراعاة النبي صلى الله عليه وسلم أحوال الصحابة وحرصه على ما يدخل عليهم السرور

[ 2010 ] قوله وقال الليث وصله الإسماعيلي من طريق بن زنجويه والرمادي وغيرهما وأبو نعيم من طريق يعقوب بن سفيان كلهم عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث به وذكر البيهقي أن يحيى بن بكير رواه عن الليث عن يونس عن الزهري نحوه وليس ذلك بعلة فقد ذكر الإسماعيلي أيضا أن أبا صالح رواه عن الليث كذلك فوضح أن لليث فيه شيخين وقد أخرجه الإسماعيلي أيضا من طريق أيوب عن سويد عن يونس عن الزهري قوله بعت من أمير المؤمنين عثمان بن عفان مالا أي أرضا أو عقارا قوله بالوادى يعني وادي القرى قوله فلما تبايعنا رجعت على عقبى في رواية أيوب بن سويد فطفقت انكص على عقبي القهقرى قوله يرادنى بتشديد الدال أصله يراددنى أي يطلب مني استرداده قوله وكان السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا يعني أن هذا هو السبب في خروجه من بيت عثمان وأنه فعل ذلك ليجب له البيع ولا يبقى لعثمان خيار في فسخه واستدل بن بطال بقوله وكانت السنة على أن ذلك كان في أول الأمر فأما في الزمن الذي فعل بن عمر ذلك فكان التفرق بالأبدان متروكا فلذلك فعله بن عمر لأنه كان شديد الأتباع هكذا قال وليس في قوله وكانت السنة ما ينفى استمرارها وقد وقع في رواية أيوب بن سويد كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار ما لم يفترق المتبايعان فتبايعت أنا وعثمان فذكر القصة وفيها اشعار باستمرار ذلك وأغرب بن رشد في المقدمات له فزعم أن عثمان قال لابن عمر ليست السنة بافتراق الأبدان قد انتسخ ذلك وهذه الزيادة لم ار لها إسنادا ولو صحت لم تخرج المسألة على الخلاف لأن أكثر الصحابة قد نقل عنهم القول بان الافتراق بالأبدان قوله سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال أي زدت المسافة التي بينه وبين أرضه التي صارت إليه على المسافة التي كانت بينه وبين أرضه التي باعها بثلاث ليال قوله وساقنى إلى المدينة بثلاث ليال يعني أنه نقص المسافة التي بيني وبين أرضى التي أخذ بها عن المسافة التي كانت بيني وبين أرضى التي بعتها بثلاث ليال وإنما قال إلى المدينة لأنهما جميعا كانا بها فرأى بن عمر الغبطة في القرب من المدينة فلذلك قال رأيت أني قد غبنته وفي هذه القصة جواز بيع العين الغائبة على الصفة وسيأتي نقل الخلاف فيها في باب بيع الملامسة وجواز التحيل في إبطال الخيار وتقديم المرء مصلحة نفسه على مصلحة غيره وفيه جواز بيع الأرض بالأرض وفيه أن الغبن لا يرد به البيع

قوله باب ما يكره من الخداع في البيع كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أن الخداع في البيع مكروه ولكنه لا يفسخ البيع الا أن شرط المشترى الخيار على ما تشعر به القصة المذكورة في الحديث

[ 2011 ] قوله أن رجلا في رواية أحمد من طريق محمد بن إسحاق حدثني نافع عن بن عمر كان رجل من الأنصار زاد بن الجارود في المنتقى من طريق سفيان عن نافع أنه حبان بن منقذ وهو بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ورواه الدارقطني من طريق عبد الأعلى والبيهقي من طريق يونس بن بكير كلاهما عن بن إسحاق به وزاد فيه قال بن إسحاق فحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال هو جدي منقذ بن عمرو وكذلك رواه بن منده من وجه آخر عن بن إسحاق قوله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في رواية بن إسحاق فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يلقى من الغبن قوله أنه يخدع في البيوع بين بن إسحاق في روايته المذكورة سبب شكواه وهو ما يلقى من الغبن وقد أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث أنس بلفظ أن رجلا كان يبايع وكان في عقدته ضعف قوله لا خلابة بكسر المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة ولا لنفى الجنس أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة زاد بن إسحاق في رواية يونس بن بكير وعبد الأعلى عنه ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال فإن رضيت فأمسك وأن سخطت فاردد فبقي حتى أدرك زمان عثمان وهو بن مائة وثلاثين سنة فكثر الناس في زمن عثمان وكان إذا اشترى شيئا فقيل له انك غبنت فيه رجع به فيشهد له الرجل من الصحابة بان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله بالخيار ثلاثا فيرد له دراهمه قال العلماء لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيرى له كما يرى لنفسه لما تقرر من حض المتبايعين على أداء النصيحة كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حكيم بن حزام فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما الحديث واستدل بهذا الحديث لأحمد واحد قولي مالك أنه يرد بالغبن الفاحش لمن لم يعرف قيمة السلعة وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما جعله له الخيار لضعف عقله ولو كان الغبن يملك به الفسخ لما أحتاج إلى شرط الخيار وقال بن العربي يحتمل أن الخديعة في قصة هذا الرجل كانت في العيب أو في الكذب أو في الثمن أو في الغبن فلا يحتج بها في مسألة الغبن بخصوصها وليست قصة عامة وإنما هي خاصة في واقعة عين فيحتج بها في حق من كان بصفة الرجل قال وأما ما روى عن عمر أنه كلم في البيع فقال ما أجد لكم شيئا أوسع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ ثلاثة أيام فمداره على بن لهيعة وهو ضعيف انتهى وهو كما قال أخرجه الطبراني والدارقطني وغيرهما من طريقه لكن الاحتمالات التي ذكرها قد تعينت بالرواية التي صرح بها بأنه كان يغبن في البيوع واستدل به على أن أمد الخيار المشترط ثلاثة أيام من غير زيادة لأنه حكم ورد على خلاف الأصل فيقتصر به على أقصى ما ورد فيه ويؤيده جعل الخيار في المصراة ثلاثة أيام واعتبار الثلاث في غير موضع وأغرب بعض المالكية فقال إنما قصره على ثلاث لأن معظم بيعه كان في الرقيق وهذا يحتاج إلى دليل ولا يكفي فيه مجرد الاحتمال واستدل به على أن من قال عند العقد لا خلابة أنه يصير في تلك الصفقة بالخيار سواء وجد فيه عيبا أو غبنا أم لا وبالغ بن حزم في جموده فقال لو قال لا خديعة أو لا غش أو ما أشبه ذلك لم يكن له الخيار حتى يقول لا خلابة ومن أسهل ما يرد به عليه أنه ثبت في صحيح مسلم أنه كان يقول لا خيابة بالتحتانية بدل اللام وبالذال المعجمة بدل اللام أيضا وكأنه كان لا يفصح باللام للثغة لسانه ومع ذلك لم يتغير الحكم في حقه عند أحد من الصحابة الذين كانوا يشهدون له بان النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار فدل على إنهم اكتفوا في ذلك بالمعنى واستدل به على أن الكبير لا يحجر عليه ولو تبين سفهه لما في بعض طرق حديث أنس أن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله احجر عليه فدعاه فنهاه عن البيع فقال لا أصبر عنه فقال إذا بايعت فقل لا خلابة وتعقب بأنه لو كان الحجر على الكبير لا يصح لانكر عليهم وأما كونه لم يحجر عليه فلا يدل على منع الحجر على السفيه واستدل به على جواز البيع بشرط الخيار وعلى جواز شرط الخيار للمشترى وحده وفيه ما كان أهل ذلك العصر عليه من الرجوع إلى الحق وقبول خبر الواحد في الحقوق وغيرها

قوله باب ما ذكر في الأسواق قال بن بطال أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأسواق للاشراف والفضلاء وكأنه أشار إلى ما لم يثبت على شرطه من أنها شر البقاع وهو حديث أخرجه أحمد والبزار وصححه الحاكم من حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحب البقا ع إلى الله المساجد وابغض البقاع إلى الله الأسواق وإسناده حسن أخرجه بن حبان والحاكم أيضا من حديث بن عمر نحوه قال بن بطال وهذا خرج على الغالب وإلا فرب سوق يذكر فيها الله أكثر من كثير من المساجد قوله وقال عبد الرحمن بن عوف الخ تقدم موصولافى أوائل البيوع والغرض منه هنا ذكر السوق فقط وكونه كان موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان يتعاهده الفضلاء من الصحابة لتحصيل المعاش للكفاف والتعفف عن الناس قوله وقال أنس قال عبد الرحمن بن عوف تقدم أيضا موصولا هناك قوله وقال عمر ألهاني الصفق بالأسواق تقدم موصولا أيضا هناك في اثناء حديث أبي موسى الأشعري ثم أورد المصنف في الباب خمسة أحاديث الأول حديث عائشة

[ 2012 ] قوله عن محمد بن سوقه بضم المهملة وسكون الواو بعدها قاف كوفي ثقة عابد يكنى أبا بكر من صغار التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في العيدين قوله عن نافع بن جبير أي بن مطعم النوفلي وليس له في البخاري عن عائشة سوى هذا الحديث ووقع في رواية محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا عن محمد بو سوقة سمعت نافع بن جبير أخرجه الإسماعيلي قوله حدثتني عائشة هكذا قال إسماعيل بن زكريا عن محمد بن سوقة وخالفه سفيان بن عيينة فقال عن محمد بن سوقة عن نافع بن جبير عن أم سلمة أخرجه الترمذي ويحتمل أن يكون نافع بن جبير سمعه منهما فإن روايته عن عائشة أتم من روايته عن أم سلمة وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن عائشة وروى من حديث حفصة شيئا منه وروى الترمذي من حديث صفية نحوه قوله يغزو جيش الكعبة في رواية مسلم عبث النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا له صنعت شيئا لم تكن تفعله قال العجب أن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش وزاد في رواية أخرى أن أم سلمة قالت ذلك زمن بن الزبير وفي أخرى أن عبد الله بن صفوان أحد رواة الحديث عن أم سلمة قال والله ما هو هذا الجيش قوله ببيداء من الأرض في رواية مسلم بالبيداء وفي حديث صفية على الشك وفي رواية لمسلم عن أبي جعفر الباقر قال هي بيداء المدينة انتهى والبيداء مكان معروف بين مكة والمدينة تقدم شرحه في كتاب الحج قوله يخسف بأولهم واخرهم زاد الترمذي في حديث صفية ولم ينج اوسطهم وزاد مسلم في حديث حفصة فلا يبقى الا الشريد الذي يخبر عنهم واستغنى بهذا عن تكلف الجواب عن حكم الأوسط وأن العرف يقضي بدخوله فيمن هلك أو لكونه آخر بالنسبة للأول واولا بالنسبة للاخر فيدخل قوله وفيهم اسواقهم كذا عند البخاري بالمهملة والقاف جمع سوق وعليه ترجم والمعنى أهل اسواقهم أو السوقة منهم وقوله ومن ليس منهم أي من رافقهم ولم يقصد موافقتهم ولأبي نعيم من طريق سعيد بن سليمان عن إسماعيل بن زكريا وفيهم اشرافهم بالمعجمة والراء والفاء وفي رواية محمد بن بكار عند الإسماعيلي وفيهم سواهم وقال وقع في رواية البخاري اسواقهم فاظنه تصحيفا فإن الكلام في الخسف بالناس لا بالأسواق قلت بل لفظ سواهم تصحيف فإنه بمعنى قوله ومن ليس منهم فيلزم منه التكرار بخلاف رواية البخاري نعم أقرب الروايات إلى الصواب رواية أبي نعيم وليس في لفظ اسواقهم ما يمنع أن يكون الخسف بالناس فالمراد بالأسواق أهلها أي يخسف بالمقاتلة منهم ومن ليس من أهل القتال كالباعة وفي رواية مسلم فقلنا أن الطريق يجمع الناس قال نعم فيهم المستبصر أي المستبين لذلك القاصد للمقاتلة والمجبور بالجيم والموحدة أي المكره وابن السبيل أي سالك الطريق معهم وليس منهم والغرض كله أنها استشكلت وقوع العذاب على من لا إرادة له في القتال الذي هو سبب العقوبة فوقع الجواب بان العذاب يقع عاما لحضور أجالهم ويبعثون بعد ذلك على نياتهم وفي رواية مسلم يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى وفي حديث أم سلمة عند مسلم فقلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها قال يخسف به ولكن يبعث يوم القيامة على نيته أي يخسف بالجميع لشؤم الأشرار ثم يعامل كل أحد عند الحساب بحسب قصده قال المهلب في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم قال واستنبط منه مالك عقوبة من يجالس شربة الخمر وأن لم يشرب وتعقبه بن المنير بان العقوبة التي في الحديث هي الهجمة السماوية فلا يقاس عليها العقوبات الشرعية ويؤيده آخر الحديث حيث قال ويبعثون على نياتهم وفي هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل والتحذير من مصاحبة أهل الظلم مجالستهم وتكثير سوادهم الا لمن اضطر إلى ذلك ويتردد النظر في مصاحبة التاجر لأهل الفتنة هل هي إعانة لهم على ظلمهم أو هي من ضرورة البشرية ثم يعتبر عمل كل أحد بنيته وعلى الثاني يدل ظاهر الحديث وقال بن التين يحتمل أن يكون هذا الجيش الذي يخسف بهم هم الذين يهدمون الكعبة فينتقم منهم فيخسف بهم وتعقب بان في بعض طرقه عند مسلم أن ناسا من أمتي والذين يهدمونها من كفار الحبشة وأيضا فمقتضى كلامه إنهم يخسف بهم بعد أن يهدموها ويرجعوا وظاهر الخبر أنه يخسف بهم قبل أن يصلوا إليها الحديث الثاني حديث أبي هريرة وقد تقدم مستوفى في أبواب الجماعة والغرض منه ذكر السوق وجواز الصلاة فيه وقوله

[ 2013 ] لا ينهزه بضم أوله وسكون النون وكسر الهاء بعدها زاى ينهضه وزنا ومعنى والمراد لا يزعجه والجملة بيان للجملة التي قبلها وهي لا يريد الا الصلاة وقوله اللهم صل عليه بيان لقوله يصلي عليه أي يقول اللهم صل عليه وقوله ما لم يؤذ فيه أي يحصل منه أذى للملائكة أو لمسلم بالفعل أو بالقول الحديث الثالث حديث أنس في سبب

[ 2014 ] قوله صلى الله عليه وسلم وتسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي أورده من طريقين عن حميد عنه وسيأتى في كتاب الاستئذان والغرض منه هنا قوله في أول الطريق الأولى كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق وفائدة إيراد الطريق الثانية قوله فيها أنه كان بالبقيع فأشار إلى أن المراد بالسوق في الرواية الأولى السوق الذي كان بالبقيع وقد قال سبحانه وتعالى وما أرسلنا قبلك من المرسلين الا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق الحديث الرابع حديث أبي هريرة

[ 2016 ] قوله عن عبيد الله بالتصغير في رواية مسلم عن أحمد بن حنبل عن سفيان حدثني عبيد الله ولكنه أورده مختصرا جدا قوله عن نافع بن جبير هو المذكور في الحديث الأول وليس له أيضا عن أبي هريرة في البخاري سوى هذا الحديث قوله في طائفة من النهار اى في قطعة منه وحكى الكرماني أن في بعض الروايات صائفة بالصاد المهملة بدل طائفة أي في حر النهار يقال يوم صائف أي حار قوله لا يكلمني ولا اكلمه أما من جانب النبي صلى الله عليه وسلم فلعله كان مشغول الفكر بوحى أو غيره وأما من جانب أبي هريرة فللتوقير وكان ذلك من شان الصحابة إذا لم يروا منه نشاطا قوله حتى أتى سوق بني قينقاع فجلس بفناء بيت فاطمة فقال هكذا في نسخ البخاري قال الداودي سقط بعض الحديث عن الناقل أو ادخل حديثا في حديث لأن بيت فاطمة ليس في سوق بني قينقاع انتهى وما ذكره أو لا احتمالا هو الواقع ولم يدخل للراوى حديث في حديث وقد أخرجه مسلم عن بن أبي عمر عن سفيان فاثبت ما سقط منه ولفظه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى فناء فاطمة وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طرق عن سفيان أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان فقال فيه حتى أتى فناء عائشة فجلس فيه والأول أرجح والفناء بكسر الفاء بعدها نون ممدودة أي الموضع المتسع إمام البيت قوله اثم لكع بهمزة الاستفهام بعدها مثلثة مفتوحة ولكع بضم اللام وفتح الكاف قال الخطابي اللكع على معنيين أحدهما الصغير والآخر اللئيم والمراد هنا الأول والمراد بالثاني ما ورد في حديث أبي هريرة أيضا يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع وقال بن التين زاد بن فارس أن العبد أيضا يقال له لكع انتهى ولعل من أطلقه على العبد أراد أحد الامرين المذكورين وقال بلال بن جرير التميمي اللكع في لغتنا الصغير وأصله في المهر ونحوه وعن الأصمعي اللكع الذي لا يهتدى لمنطق ولا غيره ماخوذ من الملاكيع وهي التي تخرج من السلا قال الأزهري وهذا القول أرجح الأقوال هنا لأنه أراد أن الحسن صغير لا يهتدى لمنطق ولم يرد أنه لئيم ولا عبد قوله فحبسته شيئا أي منعته من المبادرة إلى الخروج إليه قليلا والفاعل فاطمة قوله فظننت أنها تلبسه سخابا بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة وبموحدة قال الخطابي هي قلادة تتخذ من طيب ليس فيها ذهب ولا فضة وقال الداودي من قرنفل وقال الهروي هو خيط من خرز يلبسه الصبيان والجوارى وروى الإسماعيلي عن بن أبي عمر أحد رواة هذا الحديث قال السخاب شيء يعمل من الحنظل كالقميص والوشاح قوله أو تغسله في رواية الحميدي وتغسله بالواو قوله فجاء يشتد أي يسرع في المشي في رواية عمر بن موسى عند الإسماعيلي فجاء الحسن وفي رواية بن أبي عمر عند الإسماعيلي فجاء الحسن أو الحسين وقد أخرجه مسلم عن بن أبي عمر فقال فىروايته أثم لكع يعني حسنا وكذا قال الحميدي في مسنده وسيأتى في اللباس من طريق ورقاء عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ فقال أين لكع أدع الحسن بن على فقام الحسن بن على يمشي قوله فجاء يشتد حتى عانقه وقبله وفي رواية ورقاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده هكذا أي مدها فقال الحسن بيده هكذا فالتزمه قوله فقال اللهم احبه بفتح أوله بلفظ الدعاء وفي رواية الكشميهني أحببه بفك الإدغام زاد مسلم عن بن أبي عمر فقال اللهم أني أحبه فأحبه وفي الحديث بيان ما كان الصحابة عليه من توفير النبي صلى الله عليه وسلم والمشى معه وما كان عليه من التواضع من الدخول في السوق والجلوس بفناء الدار ورحمة الصغير والمزاح معه ومعانقته وتقبيله ومنقبة للحسن بن على وسيأتي الكلام عليها في مناقبة إن شاء الله تعالى قوله قال سفيان هو بن عيينة وهو موصول بالإسناد المذكور قوله عبيد الله أخبرني فيه تقديم اسم الراوي على الصيغة وهو جائز وعبيد الله هو شيخ سفيان في الحديث المذكور وأراد البخاري بإيراد هذا الزيادة بيان لقي عبيد الله لنافع بن جبير فلا تضر العنعنة في الطريق الموصولة لأن من ليس بمدلس إذا ثبت لقاؤه لمن حدث عنه حملت عنعنته على السماع اتفاقا وإنما الخلاف في المدلس أو فيمن لم يثبت لقيه لمن روى عنه وأبعد الكرماني فقال إنما ذكر الوتر هنا لأنه لما روى الحديث الموصول عن نافع بن جبير انتهز الفرصة لبيان ما ثبت في الوتر مما اختلف في جوازه والله أعلم الحديث الخامس حديث بن عمر في نقل الطعام من المكان الذي يشتري منه إلى حيث يباع الطعام وفيه حديثه في النهى عن بيع الطعام حتى يستوفيه وسيأتي الكلام عليهما بعد أربعة أبواب وقد استشكل إدخال هذا الحديث في باب الأسواق وأجيب بان السوق اسم لكل مكان وقع فيه التبايع بين من يتعاطى البيع فلا يختص الحكم المذكور بالمكان المعروف بالسوق بل يعم كل مكان يقع فيه التبايع فالعموم في

[ 2017 ] قوله في الحديث حيث يباع الطعام

قوله باب كارهية السخب في الأسواق بفتح المهملة والخاء المعجمة بعدها موحدة ويقال فيه الصخب بالصاد المهملة بدل السين وهو رفع الصوت بالخصام وقد تقدم ذكره في الكلام على حديث أبي سفيان في قصة هرقل في أول الكتاب وأخذت الكراهة من نفى الصفة المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما نفيت عنه صفة الفظاظة والغلطة وارود المصنف فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والغرض منه

[ 2018 ] قوله فيه ولا سخاب في الأسواق وسيأتى الكلام على شرحه مستوفى في تفسير سورة الفتح ويستفاد منه أن دخول الإمام الأعظم السوق لا يحط من مرتبته لأن النفي إنما ورد في ذم السخب فيها لا عن أصل الدخول وهلال المذكور في إسناده هو بن على ويقال له هلال بن أبي هلال وليس لشيخه عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو في الصحيح غير هذا الحديث وقوله فيه وحرزا بكسر المهملة أي حافظا واصل الحرز الموضع الحصين وهو استعارة وقوله حتى يقيم به الملة العوجاء أي ملة العرب ووصفها بالعوج لما دخل فيها من عبادة الأصنام والمراد باقامتها أن يخرج أهلها من الكفر إلى الإيمان وقوله وقلوب غلف وقع في رواية النسفي والمستملى قال أبو عبد الله يعني المصنف الغلف كل شيء في غلاف يقال سيف اغلف وقوس غلفاء ورجل اغلف إذا لم يكن مختونا انتهى وهو كلام أبي عبيدة في كتاب المجاز قوله تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال ستأتى هذه المتابعة موصولة في تفسير سورة الفتح قوله وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن بن سلام سعيد هو بن أبي هلال وقد خالف عبد العزيز وفليحا في تعيين الصحابي وطريقه هذه وصلها الدارمي في مسنده ويعقوب بن سفيان في تاريخه والطبراني جميعا بإسناد واحد عنه ولا مانع أن يكون عطاء بن يسار حمله عن كل منهما فقد أخرجه بن سعد من طريق زيد بن أسلم قال بلغنا أن عبد الله بن سلام كان يقول فذكره وأظن المبلغ لزيد هو عطاء بن يسار فإنه معروف بالرواية عنه فيكون هذا شاهدا لرواية سعيد بن أبي هلال والله أعلم وسأذكر لرواية عبد الله بن سلام متابعات في تفسير سورة الفتح ومما جاء عنه في ذلك مجملا ما أخرجه الترمذي من طريق محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال مكتوب في التوراة صفة محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى بن مريم يدفن معه

كقوله الشعراء

يسمعونكم يسمعون لكم وقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتالوا حتى تستوفوا ويذكر عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل

قوله باب الكيل على البائع والمعطى أي مؤنة الكيل على المعطي بائعا كان أو موفى دين أو غير ذلك ويلتحق بالكيل في ذلك الوزن فيما يوزن من السلع وهو قول فقهاء الأمصار وكذلك مؤنة وزن الثمن على المشترى الا نقد الثمن فهو على البائع على الأصح عند الشافعية قوله وقول الله عز وجل وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون يعني كالوا لهم أو وزنوا لهم هو تفسير أبي عبيدة في المجاز وبه جزم الفراء وغيره وخالفهم عيسى بن عمر فكان يقف على كالوا وعلى وزنوا ثم يقول هم وزيفة الطبري والجمهور أعربوه على حذف الجار ووصل الفعل وقال بعضهم يحتمل أن يكون على حذف المضاف وهو المكيل مثلا أي كالوا مكيلهم وقوله كقوله يسمعونكم أي يسمعون لكم ومعنى الترجمة أن المرء يكيل له غيره إذا اشترى ويكيل هو إذا باع قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتالوا حتى تستوفوا هذا طرف من حديث وصله النسائي وابن حبان من حديث طارق بن عبد الله المحاربي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين فذكر الحديث وفيه فلما أظهر الله الإسلام خرجنا إلى المدينة فبينا نحن قعود إذ أتى رجل عليه ثوبان ومعنا جمل أحمر فقال أتبيعون الجمل قلنا نعم فقال بكم قلنا بكذا وكذا صاعا من تمر قال قد أخذت فأخذ بخطام الجمل ثم ذهب حتى توارى فلما كان العشاء أتانا رجل فقال أنا رسول رسول الله إليكم وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا ثم قدمنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فذكر الحديث ومطابقته للترجمة أن الاكتيال يستعمل لما يأخذه المرء لنفسه كما يقال اشتوى إذا أتخذ الشواء واكتسب إذا حصل الكسب ويفسر ذلك حديث عثمان المذكور بعده قوله ويذكر عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل وصله الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة المصري عن منقذ مولى بن سراقة عن عثمان بهذا ومنقذ مجهول الحال لكن له طريق أخرى أخرجها أحمد وابن ماجة والبزار من طريق موسى بن وردان عن سعيد بن المسيب عن عثمان به وفيه بن لهيعة ولكنه من قديم حديثه لأن بن عبد الحكم أورده في فتوح مصر من طريق الليث عنه وأشار بن التين إلى أنه لا يطابق الترجمة قال لأن معنى قوله إذا بعت فكل أي فاوف وإذا ابتعت فاكتل أي فاستوف قال والمعنى أنه إذا أعطى أو أخذ لا يزيد ولا ينقص أي لا لك ولا عليك انتهى لكن في طريق الليث زيادة تساعد ما أشار إليه البخاري ولفظه أن عثمان قال كنت اشترى التمر من سوق بني قينقاع ثم اجلبه إلى المدينة ثم افرغه لهم وأخبرهم بما فيه من المكيلة فيعطوني ما رضيت به من الربح فيأخذونه ويأخذونه بخبري فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال فظهر أن المراد بذلك تعاطى الكيل حقيقة لا خصوص طلب عدم الزيادة والنقصان وله شاهد مرسل أخرجه بن أبي شيبة من طريق الحكم قال قدم لعثمان طعام فذكر نحوه بمعناه ثم أورد المصنف حديث بن عمر من باع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب وحديث جابر في قصة دين أبيه وسيأتى الكلام عليه وعلى ما اختلف من ألفاظه وطرقه في علامات النبوة إن شاء الله تعالى والغرض منه

[ 2120 ] قوله فيه ثم قال كل للقوم فإنه مطابق لقوله في الترجمة الكيل على المعطي وقوله فيه صنف تمرك أصنافا أي اعزل كل صنف منه وحده وقوله فيه وعذق بن زيد العذق بفتح العين النخلة وبكسرها العرجون والذال فيهما معجمة وابن زيد شخص نسب إليه النوع المذكور من التمر واصناف تمر المدينة كثيرة جدا فقد ذكر الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق أنه كان بالمدينة فبلغه إنهم عدوا عند أميرها صنوف التمر الأسود خاصة فزادت على الستين قال والتمر الأحمر أكثر من الأسود عندهم قوله وقال فراس عن الشعبي الخ هو طرف من الحديث المذكور وصله المؤلف في آخر أبواب الوصايا بتمامه وفيه اللفظ المذكور قوله وقال هشام عن وهب عن جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم جذ له فاوف له وهذا أيضا طرف من حديثه المذكور وقد وصله المؤلف في الاستقراض بتمامه وهشام المذكور هو بن عروة ووهب هو بن كيسان وقوله جذ بلفظ الأمر من الجذاذ بالجيم والذال المعجمة وهو قطع العراجين وبين في هذه الطريق قدر الدين وقدر الذي فضل بعد وفائه وقد تضمن قوله فاوف له معنى قوله كل للقوم

قوله باب ما يستحب من الكيل أي في المبايعات

[ 2021 ] قوله الوليد هو بن مسلم قوله عن ثور هو بن يزيد الدمشقي في رواية الإسماعيلي من طريق دحيم عن الوليد حدثنا ثور قوله عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب هكذا رواه الوليد وتابعه يحيى بن حمزة عن ثور وهكذا رواه عبد الرحمن بن مهدي عن بن المبارك عن ثور أخرجه أحمد عنه وتابعه يحيى بن سعد عن خالد بن معدان وخالفهم أبو الربيع الزهراني عن بن المبارك فأدخل بين خالد والمقدام جبير بن نفير أخرجه الإسماعيلي أيضا وروايته من المزيد في متصل الأسانيد ووقع في رواية إسماعيل بن عياش عند الطبراني ونفيه عنده وعند بن ماجة كلاهما عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن المقدام عن أبي أيوب الأنصاري زاد فيه أبا أيوب وأشار الدارقطني إلى رجحان هذه الزيادة قوله يبارك لكم كذا في جميع روايات البخاري ورواه أكثر من تقدم ذكره فزادوا في آخره فيه قال بن بطال الكيل مندوب إليه فيما ينفقه المرء على عياله ومعنى الحديث اخرجوا بكيل معلوم يبلغكم إلى المدة التي قدرتم مع ما وضع الله من البركة في مد أهل المدينة بدعوته صلى الله عليه وسلم وقال بن الجوزي يشبه أن تكون هذه البركة للتسمية عليه عند الكيل وقال المهلب ليس بين هذا الحديث وحديث عائشة كان عندي شطر شعير أكل منه حتى طال على فكلته ففني يعني الحديث الاتى ذكره في الرقاق معارضة لأن معنى حديث عائشة أنها كانت تخرج قوتها وهو شيء يسير بغير كيل فبورك لها فيه مع بركة النبي صلى الله عليه وسلم فلما كالته علمت المدة التي يبلغ إليها عند انقضائها اه وهو صرف لما يتبادر إلى الذهن من معنى البركة وقد وقع في حديث عائشة المذكور عند بن حبان فما زلنا نأكل منه حتى كالته الجارية فلم نلبث أن فني ولو لم تكله لرجوت أن يبقى أكثر وقال المحب الطبري لما أمرت عائشة بكيل الطعام ناظرة إلى مقتضى العادة غافلة عن طلب البركة في تلك الحالة ردت إلى مقتضى العادة اه والذي يظهر لي أن حديث المقدام محمول على الطعام الذي يشتري فالبركة تحصل فيه بالكيل لامتثال أمر الشارع وإذا لم يمتثل الأمر فيه بالاكتيال نزعت منه لشؤم العصيان وحديث عائشة محمول على أنها كالته للاختبار فلذلك دخله النقص وهو شبيه بقول أبي رافع لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم في الثالثة ناولني الذراع قال وهل للشاة الا ذراعان فقال لو لم تقل هذا لناولتني ما دمت أطلب منك فخرج من شؤم المعارضة انتزاع البركة ويشهد لما قلته حديث لا تحصى فيحصى الله عليك الاتى والحاصل أن الكيل بمجرده لا تحصل به البركة ما لم ينضم إليه أمر آخر وهو امتثال الأمر فيما يشرع فيه الكيل ولا تنزع البركة من المكيل بمجرد الكيل ما لم ينضم إليه أمر آخر كالمعارضة والاختبار والله أعلم ويحتمل أن يكون معنى قوله كيلوا طعامكم أي إذا ادخرتموه طالبين من الله البركة واثقين بالإجابة فكان من كاله بعد ذلك إنما بكيله ليتعرف مقداره فيكون ذلك شكا في الإجابة فيعاقب بسرعة نفاده قاله المحب الطبري ويحتمل أن تكون البركة التي تحصل بالكيل بسبب السلامة من سوء الظن بالخادم لأنه إذا أخرج بغير حساب قد يفرغ ما يخرجه وهو لا يشعر فيتهم من يتولى أمره بالأخذ منه وقد يكون بريئا وإذا كاله أمن من ذلك والله أعلم وقد قيل أن في مسند البزار أن المراد بكيل الطعام تصغير الأرغفة ولم أتحقق ذلك ولا خلافه

قوله باب بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده في رواية النسفي ومدهم بصيغة الجمع وكذا لأبي ذر عن غير الكشميهني وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم والضمير يعود للمحذوف في صاع النبي أي صاع أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ومدهم ويحتمل أن يكون الجمع لإرادة التعظيم وشرح بن بطال على الأول قوله فيه عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى ما أخرجه موصولا من حديثها في آخر الحج عنها قالت وعك أبو بكر وبلال الحديث وفيه اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا

[ 2022 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل وقد تقدم الكلام على ما تضمنه حديث عبد الله بن زيد وهو بن عاصم المذكور هنا في أو اخر الحج وكذا حديث أنس وسيعاد في كتاب الاعتصام تنبيه إيراد المصنف هذه الترجمة عقب التي قبلها يشعر بان البركة المذكورة في حديث المقدام مقيدة بما إذا وقع الكيل بمد النبي صلى الله عليه وسلم وصاعه ويحتمل أن يتعدى ذلك إلى ما كان موافقا لهما لا إلى ما يخالفهما والله أعلم

قوله باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة أي بضم المهملة وسكون الكاف حبس السلع عن البيع هذا مقتضى اللغة وليس في أحاديث الباب للحكرة ذكر كما قال الإسماعيلي وكأن المصنف استنبط ذلك من الأمر بنقل الطعام إلى الرحال ومنع بيع الطعام قبل استيفائه فلو كان الاحتكار حراما لم يأمر بما يئول إليه وكأنه لم يثبت عنده حديث معمر بن عبد الله مرفوعا لا يحتكر الا خاطئ أخرجه مسلم لكن مجرد ايواء الطعام إلى الرحال لا يستلزم الاحتكار الشرعى لأن الاحتكار الشرعى إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه وبهذا فسره مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب وقال مالك فيمن رفع طعاما من ضيعته إلى بيته ليست هذه بحكرة وعن أحمد إنما يحرم احتكار الطعام المقتات دون غيره من الأشياء ويحتمل أن يكون البخاري أراد بالترجمة بيان تعريف الحكرة التي نهى عنها في غير هذا الحديث وأن المراد بها قدر زائد على ما يفسره أهل اللغة فساق الأحاديث التي فيها تمكين الناس من شراء الطعام ونقله ولو كان الاحتكار ممنوعا لمنعوا من نقله أو لبين لهم عند نقله الأمد الذي ينتهون إليه أو لاخذ على أيديهم من شراء الشيء الكثير الذي هو مظنة الاحتكار وكل ذلك مشعر بان الاحتكار إنما يمنع في حالة مخصوصة بشروط مخصوصة وقد ورد في ذم الاحتكار أحاديث منها حديث معمر المذكور أو لا وحديث عمر مرفوعا من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والافلاس رواه بن ماجة وإسناده حسن وعنه مرفوعا قال الجالب مرزوق والمحتكر ملعون أخرجه بن ماجة والحاكم وإسناده ضعيف وعن بن عمر مرفوعا من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرىء منه أخرجه أحمد والحاكم وفي إسناده مقال وعن أبي هريرة مرفوعا من احتكر حكرة يريد أن يغالى بها على المسلمين فهو خاطئ أخرجه الحاكم ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الأول حديث بن عمر في تأديب من يبيع الطعام قبل أن يؤويه إلى رحله وسيأتي الكلام عليه بعد باب الثاني والثالث حديث بن عباس وابن عمر في النهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى وسيأتى الكلام عليهما في الباب الذي يليه الرابع حديث عمر الذهب بالورق ربا ومطابقته للترجمة لما فيه من اشتراط قبض الشعير وغيره من الربويات في المجلس فإنه داخل في قبض الطعام بغير شرط آخر وقد استشعر بن بطال مباينته للترجمة فأدخله في ترجمة باب بيع ما ليس عندك وهو مغاير للنسخ المروية عن البخاري وقوله

[ 2027 ] في حديث عمر حدثنا على هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة وقوله كان عمرو بن دينار يحدث عن الزهري عن مالك بن أوس أنه قال من عنده صرف فقال طلحة أي بن عبيد الله أنا حتى يجيء خازننا من الغابة تأتي بقيته في رواية مالك عن الزهري بعد نيف وعشرين بابا قوله قال سفيان هو بن عيينة بالإسناد المذكور وقوله هذا الذي حفظناه من الزهري ليس فيه زيادة أشار إلى القصة المذكورة وأنه حفظه من الزهرى المتن بغير زيادة وقد حفظها مالك وغيره عن الزهري وأبعد الكرماني فقال غرض سفيان تصديق عمرو أنه حفظ نظير ما روى قوله الذهب بالورق هكذا رواه أكثر أصحاب بن عيينة عنه هي رواية أكثر أصحاب الزهري وقال بعضهم فيه الذهب بالذهب كما سيأتي شرحه في المكان المذكور إن شاء الله تعالى قوله في آخر حديث بن عباس قال أبو عبد الله أي المصنف مرجئون أي مؤخرون وهذا في رواية المستملى وحده وهو موافق لتفسير أبي عبيدة حيث قال في قوله وآخرون مرجئون لأمر الله أي مؤخرون لأمر الله يقال أرجاتك أي اخرتك وأراد به البخاري شرح قول بن عباس والطعام مرحا أي مؤخر ويجوز همز مرجأ وترك همزة ووقع في كتاب الخطابي بتشديد الجيم بغير همز وهو للمبالغة

قوله باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك لم يذكر في حديثي الباب بيع ما ليس عندك وكأنه لم يثبت على شرطه فاستنبطه من النهى عن البيع قبل القبض ووجه الاستدلال منه بطريق الأولى وحديث النهى عن بيع ما ليس عندك أخرجه أصحاب السنن من حديث حكيم بن حزام بلفظ قلت يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألنى البيع ليس عندي ابيعه منه ثم ابتاعه له من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك أخرجه الترمذي مختصرا ولفظه نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندي قال بن المنذر وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين أحدهما أن يقول ابيعك عبدا أو دارا معينة وهي غائبة فيشبه بيع الغرر لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها ثانيها أن يقول هذه الدار بكذا على أن أشتريها لك من صاحبها أو على أن يسلمها لك صاحبها اه وقصة حكيم موافقة للاحتمال الثاني

[ 2028 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة وقوله الذي حفظناه من عمرو كأن سفيان يشير إلى أن في رواية غير عمرو بن دينار عن طاوس زيادة على ما حدثهم به عمرو بن دينار عنه كسؤال طاوس من بن عباس عن سبب النهى وجوابه وغير ذلك قوله عن بن عباس أما الذي نهى عنه الخ أي وأما الذي لم أحفظ نهيه فما سوى ذلك قوله فهو الطعام أن يباع حتى يقبض في رواية مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه قال مسعر وأظنه قال أو علفا وهو بفتح المهملة واللام والفاء قوله قال بن عباس لا أحسب كل شيء الا مثله ولمسلم من طريق معمر عن بن طاوس عن أبيه وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام وهذا من تفقه بن عباس ومال بن المنذر إلى اختصاص ذلك بالطعام واحتج باتفاقهم على أن من اشترى عبد فأعتقه قبل قبضه أن عتقه جائز قال فالبيع كذلك وتعقب بالفارق وهو تشوف الشارع إلى العتق وقول طاوس في الباب قبله قلت لابن عباس كيف ذاك قال ذاك بدراهم والطعام مرجا معناه أنه استفهام عن سبب هذا النهى فأجابه بن عباس بأنه إذا باعه المشترى قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باعه دراهم بدراهم ويبين ذلك ما وقع في رواية سفيان عن بن طاوس عند مسلم قال طاوس قلت لابن عباس لم قال الا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجا أي فإذا اشترى طعاما بمائة دينار مثلا ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام لأخر بمائة وعشرين دينارا وقبضها والطعام في يد البائع فكأنه باعه مائة دينار بمائة وعشرين دينارا وعلى هذا التفسير لا يختص النهى بالطعام ولذلك قال بن عباس لا أحسب كل شيء الا مثله ويؤيده حديث زيد بن ثابت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم أخرجه أبو داود وصححه بن حبان قال القرطبي هذه الأحاديث حجة على عثمان الليثي حيث أجاز بيع كل شيء قبل قبضه وقد أخذ بظاهرها مالك فحمل الطعام على عمومه وألحق بالشراء جميع المعاوضات والحق الشافعي وابن حبيب وسحنون بالطعام كل ما فيه حق توفية وزاد أبو حنيفة والشافعي فعدياه إلى كل مشترى الا أن أبا حنيفة استثنى العقار ومالا ينقل واحتج الشافعي بحديث عبد الله بن عمر وقال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن أخرجه الترمذي قلت وفي معناه حديث حكيم بن حزام المذكور في صدر الترجمة وفي صفة القبض عن الشافعي تفصيل فما يتناول باليد كالدراهم والدنانير والثوب فقبضه بالتناول ومالا ينقل كالعقار والثمر على الشجر فقبضه بالتخلية وما ينقل في العادة كالاخشاب والحبوب والحيوان فقبضه بالنقل إلى مكان لا اختصاص للبائع به وفيه قول أنه يكتفى فيه التخلية

[ 2029 ] قوله عقد حديث بن عمر زاد إسماعيل فلا يبعه حتى يقبضه يعني أن إسماعيل بن أبي أويس روى الحديث المذكور عن مالك بسنده بلفظ حتى يقبضه بدل قوله حتى يستوفيه وقد وصله البيهقي من طريق إسماعيل كذلك وقال الإسماعيلي وافق إسماعيل على هذا اللفظ بن وهب وابن مهدي والشافعي وقتيبة قلت وقول البخاري زاد إسماعيل يريد الزيادة في المعنى لأن في قوله حتى يقبضه زيادة في المعنى على قوله حتى يستوفيه لأنه قد يستوفيه بالكيل بان يكيله البائع ولا يقبضه للمشترى بل يحبسه عنده لينقده الثمن مثلا وعرف بهذا جواب من اعترضه من الشراح فقال ليس في هذه الرواية زيادة وجواب من حمل الزيادة على مجرد اللفظ فقال معناه زاد لفظا آخر وهو يقبضه وأن كان هو بمعنى يستوفيه ويعرف من ذلك أن اختيار البخاري أن استيفاء المبيع المنقول من البائع وتبقيته في منزل البائع لا يكون قبضا شرعيا حتى ينقله المشترى إلى مكان لا اختصاص للبائع به كما تقدم نقله عن الشافعي وهذا هو النكتة في تعقيب المصنف له بالترجمة الآتية

قوله باب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله والأدب في ذلك أي تعزير من يبيعه قبل أن يؤويه إلى رحله ذكر فيه حديث بن عمر في ذلك وهو ظاهر فيما ترجم له وبه قال الجمهور لكنهم لم يخصوه بالجزاف ولا قيدوه بالإيواء إلى الرحال أما الأول فلما ثبت من النهى عن بيع الطعام قبل قبضه فدحل فيه المكيل وورد التنصيص على المكيل من وجه آخر عن بن عمر مرفوعا أخرجه أبو داود وأما الثاني فلان الايواء إلى الرحال خرج مخرج الغالب وفي بعض طرق مسلم عن بن عمر كنا نبتاع الطعام فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتغاه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه وفرق مالك في المشهور عنه بين الجزاف والمكيل فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي وإسحاق واحتج لهم بان الجزاف مربى فتكفى فيه التخلية والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون وقد روى أحمد من حديث بن عمر مرفوعا من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبيعه حتى يقبضه ورواه أبو داود والنسائي بلفظ نهى أن يبيع أحدا طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه والدارقطني من حديث جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع والمشترى ونحوه للبزار من حديث أبي هريرة بإسناد حسن وفي ذلك دلالة على اشتراط القبض في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن فمن اشترى شيئا مكايلة أو موازنة فقبضه جزافا فقبضه فاسد وكذا لو اشترى مكايلة فقبضه موازنة وبالعكس ومن اشترى مكايلة وقبضه ثم باعه ليغيره لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى يكيله على من اشتراه ثانيا وبذلك كله قال الجمهور وقال عطاء يجوز بيعه بالكيل الأول مطلقا وقيل أن باعه ينقد جاز بالكيل الأول وأن باعه بنسيئة لم يجز بالأول والأحاديث المذكورة ترد عليه وفي الحديث مشروعية تأديب من يتعاطى العقود الفاسدة وإقامة الإمام على الناس من يراعى أحوالهم في ذلك والله أعلم وقوله

[ 2030 ] جزافا مثلثة الجيم والكسر أفصح وفي هذا الحديث جواز بيع الصبرة جزافا سواء علم البائع قدرها أم لم يعلم وعن مالك التفرقة فلو علم لم يصح وقال بن قدامة يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع والمشترى قدرها فإن اشتراها جزافا ففي بيعها قبل نقلها روايتان عن أحمد ونقلها قبضها

قوله باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعها عند البائع أو مات قبل أن يقبض أورد فيه حديث عائشة في قصة الهجرة وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر عن الناقة أخذتها بالثمن قال المهلب وجه الاستدلال به أن قوله أخذتها لم يكن أخذ باليد ولا بحيازة شخصها وإنما كان التزاما منه لابتياعها بالثمن واخراجها عن ملك أبي بكر اه وليس ما قاله بواضح لأن القصة ما سيقت لبيان ذلك فلذلك اختصر فيها قدر الثمن وصفة العقد فيحمل كل ذلك على أن الراوي اختصره لأنه ليس من غرضه في سياقه وكذلك اختصر صفة القبض فلا يكون فيه حجة في عدم اشتراط القبض وقال بن المنير مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن البخاري أراد أن يحقق انتقال الضمان في الدابة ونحوها إلى المشترى بنفس العقد فاستدل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم قد أخذتها بالثمن وقد علم أنه لم يقبضها بل ابقاها عند أبي بكر ومن المعلوم أنه ما كان ليبقيها في ضمان أبي بكر لما يقتضيه مكارم اخلاقه حتى يكون الملك له والضمان على أبي بكر من غير قبض ثمن ولا سيما وفي القصة ما يدل على ايثاره لمنفعة أبي بكر حيث أبي أن يأخذها الا بالثمن قلت ولقد تعسف في هذا كما تعسف من قبله وليس في الترجمة ما يلجىء إلى ذلك فإن دلالة الحديث على قوله فوضعه عند البائع ظاهرة جدا وقد قدمت أنه لا يستلزم صحة المبيع بغير قبض وأما دلالته على قوله أو مات قبل أن يقبض فهو وارد على سبيل الاستفهام ولم يجزم بالحكم في ذلك بل هو على الاحتمال فلا حاجة لتحميله ما لم يتحمل نعم ذكره لاثر بن عمر في صدر الترجمة مشعر باختيار ما دل عليه فلذلك احتيج إلى ابداء المناسبة والله الموفق قوله وقال بن عمر ما أدركت الصفقة أي العقد حيا أي بمهملة وتحتانية مثقلة مجموعا أي لم يتغير عن حالته فهو من المبتاع أي من المشترى وهذا التعليق وصله الطحاوي والدارقطني من طريق الأوزاعي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه وقال في روايته فهو من مال المبتاع ورواه الطحاوي أيضا من طريق بن وهب عن يونس عن الزهري مثله لكن ليس فيه مجموعا واسنادا الإدراك إلى العقد مجاز أي ما كان عند العقد موجودا وغير منفصل قال الطحاوي ذهب بن عمر إلى أن الصفقة إذا أدركت شيئا حيا فهلك بعد ذلك عند البائع فهو من ضمان المشترى فدل على أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة بالأبدان اه وما قاله ليس بلازم وكيف يحتج بأمر محتمل في معارضة أمر مصرح به فابن عمر قد تقدم عنه التصريح بأنه كان يرى الفرقة بالأبدان والمنقول عنه عنه هنا يحتمل أن يكون قبل التفرق بالأبدان ويحتمل أن يكون بعده فحمله على ما بعده أولي جمعا بين حديثيه وقال بن حبيب اختلف العلماء فيمن باع عبدا واحتبسه بالثمن فهلك في يديه قبل أن يأتي المشترى بالثمن فقال سعيد بن المسيب وربيعة هو على البائع وقال سليمان بن يسار هو على المشترى ورجع إليه مالك بعد أن كان أخذ بالأول وتابعه أحمد وإسحاق وأبو ثور وقال بالأول الحنفية والشافعية والأصل في ذلك اشتراط القبض في صحة البيع فمن اشترطه في كل شيء جعله من ضمان البائع ومن لم يشترط جعله من ضمان المشترى والله أعلم وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاوس في ذلك تفصيلا قال أن قال البائع لا أعطيكه حتى تنقذنى الثمن فهلك فهو من ضمان البائع وإلا فهو من ضمان المشترى وقد فسر بعض الشراح المبتاع في أثر بن عمر بالعين المبيعة وهو جيد وقد سئل الإمام أحمد عمن اشترى طعاما فطلب من يحمله فرجع فوجده قد احترق فقال هو من ضمان المشترى وارود أثر بن عمر المذكور بلفظ فهو من مال المشترى وفرع بعضهم على ذلك أن المبيع إذا كان معينا دخل في ضمان المشترى بمجرد العقد ولو لم يقبض بخلاف ما يكون في الذمة فإنه لا يكون من ضمان المشترى الا بعد القبض كما لو اشترى قفيزا من صبرة والله أعلم وسيأتي الكلام على حديث عائشة في أول الهجرة إن شاء الله تعالى فقد أورد هناك من وجه آخر عن عروة أتم من السياق الذي هنا وبالله التوفيق

قوله باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك أورد فيه حديثي بن عمر وأبي هريرة في ذلك وأشار بالتقييد إلى ما ورد في بعض طرقه وهو ما أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث بلفظ لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه الا أن يأذن له وقوله الا أن يأذن له يحتمل أن يكون استثناء من الحكمين كما هو قاعدة الشافعي ويحتمل أن يختص بالاخير ويؤيد الثاني رواية المصنف في النكاح من طريق بن جريج عن نافع بلفظ نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب ومن ثم نشا خلاف للشافعية هل يختص ذلك بالنكاح أو يلتحق به البيع في ذلك والصحيح عدم الفرق وقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر بلفظ لا يبيع الرجل على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر وترجم البخاري أيضا بالسوم ولم يقع له ذكر في حديثي الباب وكأنه أشار بذلك إلى ما وقع في بعص طرقه أيضا وهو ما أخرجه في الشروط من حديث أبي هريرة بلفظ وأن يستام الرجل على سوم أخيه وأخرجه مسلم في حديث نافع عن بن عمر أيضا وذكر المسلم لكونه أقرب إلى امتثال الأمر من غيره وفي ذكره ايذان بأنه لا يليق به أن يستاثر على مسلم مثله

[ 2032 ] قوله لا يبيع كذا للأكثر بإثبات الياء في يبيع على أن لا نافية ويحتمل أن تكون ناهية وأشبعت الكسرة كقراءة من قرا أنه من يتقي ويصبر ويؤيده رواية الكشميهني بلفظ لا يبع بصيغة النهى قوله بعضكم على بيع أخيه كذا أخرجه عن إسماعيل عن مالك وسيأتي في باب النهى عن تلقى الركبان عن عبد الله بن يوسف عن مالك بلفظ على بيع بعض وظاهر التقييد بأخيه أن يختص ذلك بالمسلم وبه قال الأوزاعي وأبو عبيد بن حربويه من الشافعية وأصرح من ذلك رواية مسلم من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ لا يسوم المسلم على سوم المسلم وقال الجمهور لا فرق في ذلك بين المسلم والذمى وذكر الأخ خرج للغالب فلا مفهوم له قوله في حديث أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا الخ عطف صيغة النهى على معناها فتقدير قوله نهى أن يبيع حاضر لباد أي قال لا يبيع حاضر لباد فعطف عليه ولا تناجشوا وسيأتي الكلام على بيع الحاضر للبادي بعد في باب مفرد وكذا على النجش في الباب الذي يليه وقوله هنا ولا تناجشوا ذكره بصيغة التفاعل لأن التاجر إذا فعل لصاحبه ذلك كان بصدد أن يفعل له مثله ويأتي الكلام على الخطبة في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قال العلماء البيع على البيع حرام وكذلك الشراء على الشراء وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لابيعك بانقص أن يقول للبائع افسخ لاشترى منك بازيد وهو مجمع عليه وأما السوم فصورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول له رده لابيعك خيرا منه بثمنه أو مثله بارخص أو يقول للمالك استرده لاشتريه منك بأكثر ومحله بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر فإن كان ذلك صريحا فلا خلاف في التحريم وأن كان ظاهرا ففيه وجهان للشافعية ونقل بن حزم اشتراط الركون عن مالك وقال أن لفظ الحديث لا يدل عليه وتعقب بأنه لا بد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقا كما نقله بن عبد البر فتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك وقد استثنى بعض الشافعية من تحريم البيع والسوم على الآخر ما إذا لم يكن المشترى مغبونا غبنا فاحشا وبه قال بن حزم واحتج بحديث الدين النصيحة لكن لم تنحصر النصيحة في البيع والسوم فله أن يعرفه أن قيمتها كذا وأنك أن بعتها بكذا مغبون من غير أن يزيد فيها فيجمع بذلك بين المصلحتين وذهب الجمهور إلى صحة البيع المذكور مع تاثيم فاعله وعند المالكية والحنابلة في فساده روايتان وبه جزم أهل الظاهر والله أعلم

قوله باب بيع المزايدة لما أن تقدم في الباب قبله النهى عن السوم أراد أن يبين موضع التحريم منه وقد أوضحته في الباب الذي قبله وورد في البيع فيمن يزيد حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقدحا وقال من يشتري هذا الحلس والقدح فقال رجل أخذتهما بدرهم فقال من يزيد على درهم فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه أخرجه أحمد وأصحاب السنن مطولا ومختصرا واللفظ للترمذى وقال حسن وكان المصنف أشار بالترجمة إلى تضعيف ما أخرجه البزارمن حديث سفيان بن وهب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة فإن في إسناده بن لهيعة وهو ضعيف قوله وقال عطاء أدركت الناس لا يرون بأس ببيع المغانم فيمن يزيد وصله بن أبي شيبة ونحوه عن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال لا باب ببيع من يزيد وكذلك كانت تباع الأخماس وقال الترمذي عقب حديث أنس المذكور والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث قال بن العربي لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك اه وكان الترمذي يقيد بما ورد في حديث بن عمر الذي أخرجه بن خزيمة وابن الجارود والدارقطني من طريق زيد بن أسلم عن بن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر الا الغنائم والمواريث اه وكأنه أخرج على الغالب فيما يعتاد فيه البيع مزايدة وهي الغنائم والمواريث ويلتحق بهما غيرهما للاشتراك في الحكم وقد أخذ بظاهره الأوزاعي وإسحاق فخصا الجواز ببيع المغانم والمواريث وعن إبراهيم النخعي أنه كره بيع من يزيد ثم أورد المصنف حديث جابر في بيع المدبر وفيه

[ 2034 ] قوله صلى الله عليه وسلم من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه وسيأتي شرحه مستوفى في باب بيع المدبر في أو اخر البيوع وقوله بكذا وكذا يأتي أنه ثمانمائة درهم ويأتي أيضا تسمية الرجل المذكور إن شاء الله تعالى وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ليس في قصة المدبر بيع المزايدة فإن بيع المزايدة أن يعطي به واحد ثمنا ثم يعطي به غيره زيادة عليها اه وأجاب بن بطال بان شاهد الترجمة منه قوله في الحديث من يشتريه مني قال فعرضه للزيادة ليستقضى فيه للمفلس الذي باعه عليه وسيأتي بيان كونه كان مفلسا في أو اخر كتاب الاستقراض

قوله باب النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد يقال نجشت الصيد أي انجشه بالضم نجشا وفي الشرع الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها سمي بذلك لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة ويقع ذلك بمواطاة البائع فيشتركان في الإثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشترها به ليغر غيره بذلك كما سيأتي من كلام الصحابي في هذا الباب وقال بن قتيبة النجش الختل والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له قوله ومن قال لا يجوز ذلك البيع كأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق من طريق عمر بن عبد العزيز أن عاملا له باع سبيا فقال له لولا أني كنت ازيد فانفقه لكان كاسدا فقال له عمر هذا نجش لا يحل فبعث مناديا ينادي أن البيع مردود وأن البيع لا يحل قال بن بطال أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل بن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطاة البائع أو صنعه والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعية قياسا على المصراة والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم وهو قول الحنفية وقال الرافعي أطلق الشافعي في المختصر تعصية الناجش وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه أن يكون عالما بالنهى وأجاب الشارحون بان النجش خديعة وتحريم الخديعة واضح لكل أحد وأن لم يعلم هذا الحديث بخصوصه بخلاف البيع على بيع أخيه فقد لا يشترك فيه كل أحد واستشكل الرافعي الفرق بان البيع على بيع أخيه اضرار والاضرار يشترك في علم تحريمه كل أحد قال فالوجه تخصيص المعصية في الموضعين بمن علم التحريم اه وقد حكى البيهقي في المعرفة والسنن عن الشافعي تخصيص التعصية في النجش أيضا بمن أعلم النهى فظهر أن ما قاله الرافعي بحثا منصوص ولفظ الشافعي النجش أن يحضر الرجل السلعة تباع فيعطى بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه فمن نجش فهو عاص بالنجش أن كان عالما بالنهى والبيع جائز لا يفسده معصية رجل نجش عليه قوله وقال بن أبي أوفى الناجش أكل ربا خائن هذا طرف من حديث أورده المصنف في الشهادات في باب قول الله تعالى أن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا ثم ساق فيه من طريق السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى قال أقام رجل سلعته فحلف بالله لقد أعطى فيها ما لم يعط فنزلت قال بن أبي أوفى الناجش أكل ربا خائن أورده من طريق يزيد بن هارون عن السكسكي وقد أخرجه بن أبي شيبة وسعيد بن منصور عن يزيد مقتصرين على الموقوف وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن بن أبي أوفى مرفوعا لكن قال ملعون بدل خائن أه وأطلق بن أبي أوفى على من أخبر بأكثر مما اشترى به أنه ناجش لمشاركته لمن يزيد في السلعة وهو لا يريد أن يشتريها في غرور الغير فاشتركا في الحكم لذلك وكونه أكل ربا بهذا التفسير وكذلك يصح على التفسير الأول أن واطاه البائع على ذلك وجعل له عليه جعلا فيشتركان جميعا في الخيانة وقد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم وقيد بن عبد البر وابن العربي وابن حزم التحريم بان تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل قال بن العربي فلو أن رجلا رأى سلعة رجل تباع بدون قيمتها فزاد فيها لتنتهى إلى قيمتها لم يكن ناجشا عاصيا بل يؤجر على ذلك بنيته وقد وافقه على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية وفيه نظر إذ لم تتعين النصيحة في أن يوهم أنه يريد الشراء وليس من غرضه بل غرضه أن يزيد على من يريد الشراء اكثرمما يريد أن يشتري به فللذى يريد النصيحة مندوحة عن ذلك أن يعلم البائع بان قيمة سلعتك أكثر من ذلك ثم هو باختياره بعد ذلك ويحتمل أن لا يتعين عليه إعلامه بذلك حتى يسأله للحديث الاتى دعو الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه والله أعلم قوله وهو خداع باطل لا يحل هو من تفقه المصنف وليس من تتمة كلام بن أبي أوفى وقد ذكرنا توجيه ما قاله المصنف قبل قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم الخديعة في النار ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد أما الحديث الثاني فسياتى موصولا من حديث عائشة في كتاب الصلح وأما حديث الخديعة في النار فرويناه في الكامل لابن عدي من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المكر والخديعة في النار لكنت من امكر الناس وإسناده لا بأس به أخرجه الطبراني في الصغير من حديث بن مسعود والحاكم في المستدرك من حديث أنس وإسحاق بن راهويه في مسنده من حديث أبي هريرة وفي إسناد كل منهما مقال لكن مجموعهما يدل على أن للمتن أصلا وقد رواه بن المبارك في البر والصلة عن عوف عن الحسن قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره

[ 2035 ] قوله عن النجش تقدم أن المشهور أنه بفتح الجيم وحكى المطرزى فيه السكون

قوله باب بيع الغرر بفتح المعجمة وبراءين و بيع حبل الحبلة بفتح المهملة والموحدة وقيل في الأول بسكون الموحدة وغلطة عياض وهو مصدر حبلت تحبل حبلا والحبلة جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء فيه للمبالغة وقيل للاشعار بالأنوثة وقد ندر فيه امرأة حابلة فالهاء فيه للتأنيث وقيل حبلة مصدر يسمى به المحبول قال أبو عبيد لا يقال لشيء من الحيوان حبلت الا الادميات الا ما ورد في هذا الحديث وأثبته صاحب المحكم قولا فقال اختلف اهى للإناث عامة أم للآدميات خاصة وأنشد في التعميم قول الشاعر أو ذيخة حبلى مجح مقرب وفي ذلك تعقب على نقل النووي اتفاق أهل اللغة على التخصيص ثم أن عطف بيع حبل الحبلة على بيع الغرر من عطف الخاص على العام ولم يذكر في الباب بيع الغرر صريحا وكأنه أشار إلى ما أخرجه أحمد من طريق بن إسحاق حدثني نافع وابن حبان من طريق سليمان التيمي عن نافع عن بن عمر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وقد أخرج مسلم النهى عن بيع الغرر من حديث أبي هريرة وابن ماجة من حديث بن عباس والطبراني من حديث سهل بن سعد ولأحمد من حديث بن مسعود رفعه لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر وشراء السمك في الماء نوع من أنواع الغرر ويلتحق به الطير في الهواء والمعدوم المجهول والابق ونحو ذلك قال النووي النهى عن بيع الغرر أصل من أصول البيع فيدخل تحته مسائل كثيرة جدا ويستثنى من بيع الغرر أمران أحدهما ما يدخل في المبيع تبعا فلو أفرد لم يصح بيعه والثاني ما يتسامح بمثله أما لحقارته أو للمشقة في تمييزه وتعيينه فمن الأول بيع أساس الدار والدابة التي في ضرعها اللبن والحامل ومن الثاني الجبة المحشوة والشرب من السقاء قال وما اختلف العلماء فيه مبنى على اختلافهم في كونه حقيرا أو يشق تمييزه أو تعيينه فيكون الغرر فيه كالمعدوم فيصح البيع وبالعكس وقال ومن بيع الغرر ما اعتاده الناس من الاستجرار من الأسواق بالأوراق مثلا فإنه لا يصح لأن الثمن ليس حاضرا فيكون من المعاطاة ولم توجد صيغة يصح بها العقد وروى الطبري عن بن سيرين بإسناد صحيح قال لا أعلم ببيع الغرر بأسا قال بن بطال لعله لم يبلغه النهى وإلا فكل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد لم يصح وكذلك إذا كان لا يصح غالبا فإن كان يصح غالبا كالثمرة في أول بدو صلاحها أو كان مستترا تبعا كالحمل مع الحامل جاز لقلة الغرر ولعل هذا هو الذي أراده بن سيرين لكن منع من ذلك ما رواه بن المنذر عنه أنه قال لا بأس ببيع العبد الآبق إذا كان علمهما فيه واحدا فهذا يدل على أنه يرى بيع الغرر أن سلم في المال والله أعلم

[ 2036 ] قوله وكان أي بيع حبل الحبلة بيعا يتبايعه أهل الجاهلية الخ كذا وقع هذا التفسير في الموطأ متصلا بالحديث قال الإسماعيلي وهو مدرج يعني أن التفسير من كلام نافع وكذا ذكر الخطيب في المدرج وسيأتى في آخر السلم عن موسى بن إسماعيل التبوذكي عن جويرية التصريح بان نافعا هو الذي فسره لكن لا يلزم من كون نافع فسره لجويرية أن لا يكون ذلك التفسير مما حمله عن مولاه بن عمر فسيأتى في أيام الجاهلية من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كا أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فظاهر هذا السياق أن هذا التفسير من كلام بن عمر ولهذا جزم بن عبد البر بأنه من تفسير بن عمر وقد أخرجه مسلم من رواية الليث والترمذي والنسائي من رواية أيوب كلاهما عن نافع بدون التفسير أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق سعيد بن جبير عن بن عمر بدون التفسير أيضا قوله الجزور بفتح الجيم وضم الزاي هو البعير ذكرا كان أو أنثى الا أن لفظه مؤنث تقول هذه الجزور وأن أردت ذكرا فيحتمل أن يكون ذكره في الحديث قيدا فيما كان أهل الجاهلية يفعلونه فلا يتبايعون هذا البيع الا في الجزور أو لحم الجزور ويحتمل أن يكون ذكر على سبيل المثال وأما في الحكم فلا فرق بين الجزور وغيرها في ذلك قوله إلى أن تنتج بضم أوله وفتح ثالثه أي تلد ولدا والناقة فاعل وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة الفعل المسند إلى المفعول وهو حرف نادر وقوله ثم تنتج التي في بطنها أي ثم تعيش المولودة حتى تكبر ثم تلد وهذا القدر زائد على رواية عبيد الله بن عمر فإنه اقتصر على قوله ثم تحمل التي في بطنها ورواية جويرية اخصر منهما ولفظه أن تنتج الناقة ما في بطنها وبظاهر هذه الرواية قال سعيد بن المسيب فما رواه عنه مالك وقال به مالك والشافعي وجماعة وهو أن يبيع بثمن إلى أن يلد ولد الناقة وقال بعضهم أن يبيع بثمن إلى أن تحمل الدابة وتلد ويحمل ولدها وبه جزم أبو إسحاق في التنبيه فلم يشترط وضع حمل الولد كرواية مالك ولم أر من صرح بما اقتضته رواية جويرية وهو الوضع فقط وهو في الحكم مثل الذي قبله والمنع في الصور الثلاث للجهالة في الأجل ومن حقه على هذا التفسير أن يذكر في السلم وقال أبو عبيدة وأبو عبيد وأحمد وإسحاق وابن حبيب والمالكي وأكثر أهل اللغة وبه جزم الترمذي هو بيع ولد نتاج الدابة والمنع في هذا من جهة أنه بيع معدوم ومجهول وغير مقدور على تسليمه فيدخل في بيوع الغرر ولذلك صدر البخاري بذكر الغرر في الترجمة لكنه أشار إلى التفسير الأول بإيراد الحديث في كتاب السلم أيضا ورجح الأول لكونه موافقا للحديث وأن كان كلام أهل اللغة موافقا للثانى لكن قد روى الإمام أحمد من طريق بن إسحاق عن نافع عن بن عمر ما يوافق الثاني ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر قال أن أهل الجاهلية كانوا يتبايعون ذلك البيع يبتاع الرجل بالشارف حبل الحبلة فنهوا عن ذلك وقال بن التين محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين وعلى الأول هل المراد بالاجل ولادة الأم أو ولادة ولدها وعلى الثاني هل المراد ببيع الجنين الأول أو بيع جنين الجنين فصارت أربعة أقوال انتهى وحكى صاحب المحكم قولا آخر أنه بيع ما في بطون الأنعام وهو أيضا من بيوع الغرر لكن هذا إنما فسر به سعيد بن المسيب كما رواه مالك في الموطأ بيع المضامين وفسر به غيره بيع الملاقيح واتفقت هذه الأقوال على اختلافها على أن المراد بالحبلة جمع حابل أو حابلة من الحيوان الا ما حكاه صاحب المحكم وغيره عن بن كيسان أن المراد بالحبلة الكرمة وأن النهى عن بيع حبلها أي حملها قبل أن تبلغ كما نهى عن بيع ثمر النخلة قبل أن تزهي وعلى هذا فالحبلة بإسكان الموحدة وهو خلاف ما ثبت به الروايات لكن حكى في الكرمة فتح الباء وادعى السهيلي تفرد بن كيسان به وليس كذلك فقد حكاه بن السكيت في كتاب الألفاظ ونقله القرطبي في المفهم عن أبي العباس المبرد والهاء على هذا للمبالغة وجها واحدا

قوله باب بيع الملامسة قال أنس نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه ثم قال باب بيع المنابذة وعلق عن أنس مثله وأورد في البابين حديث أبي سعيد من وجهين وحديث أبي هريرة من وجهين فأما حديث أنس فسياتى موصولا بعد ثلاثين بابا في باب بيع المخاضرة

[ 2037 ] قوله في حديث أبي سعيد نهى عن المنابذة وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه وسيأتي في اللباس من طريق يونس عن الزهري بلفظ والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه الا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون بيعهما عن غير نظر ولا تراض ولأبي عوانة من طريق أخرى عن يونس وذلك أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها أو يتنابذ القوم السلع كذلك فهذا من أبواب القمار وفي رواية بن ماجة من طريق سفيان عن الزهري والمنابذة أن يقول الق إلى ما معك وألقى إليك ما معي واللنسائى من حديث أبي هريرة الملامسة أن يقول الرجل للرجل ابيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسا والمنابذة أن يقول انبذ ما معي وتنبذ ما معك يشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر ونحو ذلك ولم يذكر التفسير في طريق أبي سعيد الثانية هنا ولا في طريق أبي هريرة وقد وقع التفسير أيضا عند أحمد من طريق معمر هذه أخرجه عن عبد الرزاق عنه وفي آخره والمنابذة أن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع والملامسة أن يلمس بيده ولا ينشره ولا يقلبه إذا مسه وجب البيع ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أما الملامسة فإن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه وقد تقدم في الصيام من هذا الوجه وليس فيه التفسير وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنها مفاعلة فتستدعى وجوب الفعل من الجانبين واختلف العلماء في تفسير الملامسه على ثلاث صور وهي أوجه للشافعية اصحها أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رايته وهذا موافق للتفسيرين اللذين في الحديث الثاني أن يجعلا نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة الثالث أن يجعلا اللمس شرطا في قطع خيار المجلس وغيره والبيع على التاويلات كلها باطل وماخذ الأول عدم شرط رؤية المبيع واشتراط نفى الخيار ومأخذ الثاني اشتراط نفى الصيغة في عقد البيع فيؤخذ منه بطلان بيع المعاطاة مطلقا لكن من أجاز المعاطاة قيدها بالمحقرات أو بما جرت فيه العادة بالمعاطاة وأما الملامسة والمنابذة عند من يستعملها فلا يخصهما بذلك فعلى هذا يجتمع بيع المعاطاة مع الملامسة والمنابذة في بيع صور المعاطاة فلمن يجيز بيع المعاطاة أن يخص النهى في بعض صور الملامسة والمنابذة عما جرت العادة فيه بالمعاطاة وعلى هذا يحمل قول الرافعي أن الأئمة اجروا في بيع الملامسة والمنابذة الخلاف الذي في المعاطاة والله أعلم وماخذ الثالث شرط نفى خيار المجلس وهذه الأقوال هي التي اقتصر عليها الفقهاء ونخرج مما ذكرناه من طريق الحديث زيادة على ذلك وأما المنابذة فاختلفوا فيها أيضا على ثلاثة أقوال وهي أوجه للشافعية اصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير في الحديث المذكور والثاني أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة والثالث أن يجعلا النبذ قاطعا للخيار واختلفوا في تفسير النبذ فقيل هو طرح الثوب كما وقع تفسيره في الحديث المذكور وقيل هو نبذ الحصاة والصحيح أنه غيره وقد روى مسلم النهى عن بيع الحصاة من حديث أبي هريرة واختلف في تفسير بيع الحصاة فقيل هو أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمى حصاه أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي وقيل هو أن يشترط الخيار إلى أن يرمي الحصاة والثالث أن يجعلا نفس الرمي بيعا وقوله في الحديث لمس الثوب لا ينظر إليه استدل به على بطلان بيع الغائب وهو قول الشافعي في الجديد وعن أبي حنيفة يصح مطلقا ويثبت الخيار إذا رآه وحكى عن مالك والشافعي أيضا وعن مالك يصح أن وصفه وإلا فلا وهو قول الشافعي في القديم وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأهل الظاهر واختاره البغوي والرويانى من الشافعية وأن اختلفوا في تفاصيله ويؤيده قوله في رواية أبي عوانة التي قدمتها لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها وفي الاستدلال لذلك وفاقا وخلافا طول واستدل به على بطلان بيع الأعمى مطلقا وهو قول معظم الشافعية حتى من أجاز منهم بيع الغائب لكون الأعمى لا يراه بعد ذلك فيكون كبيع الغائب مع اشتراط نفى الخيار وقيل يصح إذا وصفه له غيره وبه قال مالك وأحمد وعن أبي حنيفة يصح مطلقا على تفاصيل عندهم أيضا تنبيهات والأول وقع عند بن ماجة أن التفسير من قول سفيان بن عيينة وهو خطا من قائله بل الظاهر أن قول الصحابي كما سأبينه بعد الحديث الثاني حديث أبي سعيد اختلف فيه على الزهري فرواه معمر وسفيان وابن أبي حفصة وعبد الله بن بديل وغيرهم عنه عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد ورواه عقيل ويونس وصالح بن كيسان وابن جريج عن الزهري عن عامر بن سعيد عن أبي سعيد وروى بن جريج بعضه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد وهو محمول عند البخاري على أنها كلها عند الزهري واقتصر مسلم على طريق عامر بن سعد وحده واعرض عما سواها وقد خالفهم كلهم الزبيدي فرواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة وخالفهم أيضا جعفر بن برقان فرواه عن الزهري عن سالم عن أبيه وزاد في آخره وهي بيوع كانوا يتبايعون بها في الجاهلية أخرجها النسائي وخطا رواية جعفر الثالث حديث أبي هريرة أخرجه البخاري عنه من طرق ثالثها طريق حفص بن عاصم عنه وهو في مواقيت الصلاة ولم يذكر في شيء من طرقه عنه تفسير المنابذة والملامسة وقد وقع تفسيرهما في رواية مسلم والنسائي كما تقدم وظاهر الطرق كلها أن التفسير من الحديث المرفوع لكن وقع في رواية النسائي ما يشعر بأنه من كلام من دون النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه وزعم أن الملامسة أن يقول الخ فالأقرب أن يكون ذلك من كلام الصحابي لبعد أن يعبر الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ زعم ولوقوع التفسير في حديث أبي سعيد الخدري من

[ 2038 ] قوله أيضا كما تقدم الرابع وقع في حديث أبي هريرة في الطريق الأولى هنا نهى عن لبستين واقتصر على لبسه واحدة لم يذكره في موضع آخر وقد وقع بيان الثانية عند أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيرين ولفظه أن يحتبى الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وأن يرتدى في ثوب يرفع طرفيه على عاتقه

قوله باب النهى للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم كذا في معظم الروايات ولا زائدة وقد ذكره أبو نعيم بدون لا ويحتمل أن تكون أن مفسرة ولا يحفل بيان للنهى وفي رواية النسفي نهى البائع أن يحفل الإبل والغنم وقيد النهى بالبائع إشارة إلى أن المالك لو حفل فجمع اللبن للولد أو لعياله أو لضيفه لم يحرم وهذا هو الراجح كما سيأتي وذكر البقر في الترجمة وأن لم يذكر في الحديث إشارة إلى أنها في معنى الإبل والغنم في الحكم خلافا لداود وإنما اقتصر عليهما لغلبتهما عندهم والتحفيل بالمهملة والفاء التجميع قال أبو عبيد سميت بذلك لأن اللبن يكثر في ضرعها وكل شيء كثرته فقد حفلته تقول ضرع حافل أي عظيم واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ومنه سمي المحفل قوله وكل محفلة بالنصب عطفا على المفعول وهو من عطف العام على الخاص إشارة إلى أن الحاق غير النعم من ماكول اللحم بالنعم للجامع بينهما وهو تغرير المشترى وقال الحنابلة وبعض الشافعية يختص ذلك بالنعم واختلفوا في غير المأكول كالأتان والجارية فالاصح لا يرد اللبن عوضا وبه قال الحنابله في الأتان دون الجارية قوله والمصراة بفتح المهملة وتشديد الراء التي صرى لبنها وحقن فيه أي في الثدي وجمع فلم يحلب وعطف الحقن على التصرية عطف تفسيرى لأنه بمعناه قوله واصل التصرية حبس الماء يقال منه صريت الماء إذا حبسته وهذا التفسير قول أبي عبيد وأكثر أهل اللغة وقال الشافعي هو ربط أحلاف الناقة أو الشاة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشترى أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها

[ 2041 ] قوله لا تصروا بضم أوله وفتح ثانيه بوزن تزكوا يقال صرى يصرى تصرية كزكى يزكى تزكية والإبل بالنصب على المفعولية وقيده بعضهم بفتح أوله وضم ثانيه والأول أصح لأنه من صريت اللبن في الضرع إذا جمعته وليس من صررت الشيء إذا ربطته إذ لو كان منه لقيل مصرورة أو مصررة ولم يقل مصراة على أنه قد سمع الأمران في كلام العرب قال الأغلب رأت غلاما قد صرى في فقرته ماء الشباب عنفوان سيرته وقال مالك بن نويرة فقلت لقومي هذه صدقاتكم مصررة اخلافها لم تحرر وضبط بعضهم ضم أوله وفتح ثانيه لكن بغير واو على البناء للمجهول والمشهور والأول قوله الإبل والغنم لم يذكر البقر وقد تقدم بيانه في الترجمة وظاهر النهى تحريم التصرية سواء قصد التدليس أم لا وسيأتي في الشروط من طريق أبي حازم عن أبي هريرة نهى عن التصرية وبهذا جزم بعض الشافعية وعلله بما فيه من ايذاء الحيوان لكن أخرج النسائي حديث الباب من طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج بلفظ لا تصروا الإبل والغنم للبيع وله من طريق أبي كثير السحيمي عن أبي هريرة إذا باع أحدكم الشاة أو اللقحة فلا يحفلها وهذا هو الراجح وعليه يدل تعليل الأكثر بالتدليس ويجاب عن التعليل بالايذاء بأنه ضرر يسير لا يستمر فيغتفر لتحصيل المنفعة قوله فمن ابتاعها بعد أي من اشتراها بعل التحفل زاد عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد فهو بالخيار ثلاثة أيام أخرجه الطحاوي وسيأتي ذكر من وافقه على ذلك وابتداء هذه المدة من وقت بيان التصرية وهو قول الحنابلة وعند الشافعية أنها من حين العقد وقيل من التفرق ويلزم عليه أن يكون الغرر أوسع من الثلاث في بعض الصور وهو ما إذا تأخر ظهور التصرية إلى آخر الثلاث ويلزم عليه أيضا أن تحسب المدة قبل التمكن من الفسخ وذلك يفوت مقصود التوسع بالمدة قوله بخير النظرين أي الرابين قوله أن يحتلبها كذا في الأصل وهو بكسر أن على أنها شرطية وجزم يحتلبها ولابن خزيمة والإسماعيلي من طريق أسيد بن موسى عن الليث بعد أن يحتلبها بفتح أن ونصب يحتلبها وظاهر الحديث أن الخيار لا يثبت الا بعد الحلب والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار ولو لم يحلب لكن لما كانت التصرية لا تعرف غالبا الا بعد الحلب ذكر قيدا في ثبوت الخيار فلو ظهرت التصرية بغير الحلب فالخيار ثابت قوله أن شاء أمسك في رواية مالك عن أبي الزناد في آخر الباب أن رضيها أمسكها أي ابقاها على ملكه وهو يقتضى صحة بيع المصراة وإثبات الخيار للمشترى فلو اطلع على عيب بعد رضا بالتصرية فردها هل يلزم الصاع فيه خلاف والأصح عند الشافعية وجوب الرد ونقلوا نص الشافعي على أنه لا يرد وعند المالكية قولان قوله وأن شاء ردها في رواية مالك وأن سخطها ردها وظاهره اشتراط الفور وقياسا على سائر العيوب لكن الرواية التي فيها أن له الخيار ثلاثة أيام مقدمة على هذا الإطلاق ونقل أبو حامد والرويانى فيه نص الشافعي وهو قول الأكثر وأجاب من صحح الأول بان هذه الرواية محمولة على ما إذا لم يعلم أنها مصراة الا في الثلاث لكون الغالب أنها لا تعلم فيما دون ذلك قال بن دقيق العيد والثاني أرجح لأن حكم التصرية قد خالف القياس في أصل الحكم لأجل النص فيطرد ذلك ويتبع في جميع موارده قلت ويؤيده أن في بعض الروايات أحمد والطحاوي من طريق بن سيرين عن أبي هريرة فهو بأحد النظرين بالخيار إلى أن يحوزها أو يردها وسيأتي قوله وصاع تمر في رواية مالك وصاعا من تمر والواو عاطفة للضاع على الضمير في ردها ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع ويستفاد منه فورية الصاع مع الرد ويجوز أن يكون مفعولا معه ويعكر عليه قول جمهور النحاة أن شرط المفعول معه أن يكون فاعلا فإن قيل التعبير بالرد في المصراة واضح فما معنى التعبير بالرد في الصاع فالجواب أنه مثل قول الشاعر علفتها تبنا وماء بارد أي علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا ويجعل علفتها مجازا عن فعل شامل للامرين أي ناولتها فيحمل الرد في الحديث على نحو هذا التأويل واستدل به على وجوب رد الصاع مع الشاة إذا أختار فسخ البيع فلو كان اللبن باقيا ولم يتغير فأراد رده هل يلزم البائع قبوله فيه وجهان أصحهما لا لذهاب طراوته ولاختلاطه بما تجدد عند المبتاع والتنصيص على التمر يقتضى تعيينه كما سيأتي قوله ويذكر عن أبي صالح ومجاهد والوليد بن رباح وموسى بن يسار الخ يعني أن أبا صالح ومن بعده وقع في رواياتهم تعيين التمر فأما رواية أبي صالح فوصلها أحمد ومسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه بلفظ من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام فإن شاء أمسكها وأن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر وأما رواية مجاهد فوصلها البزار قال مغلطاي لم أرها الا عنده قلت قد وصلها أيضا الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن بن أبي نجيح والدارقطني من طريق الليث بن أبي سليم كلاهما عن مجاهد وأول رواية ليث لا تبيعوا المصراة من الإبل والغنم الحديث وليث ضعيف وفي محمد بن مسلم أيضا لين وأما رواية الوليد بن رباح وهو بفتح الراء وبالموحدة فوصلها أحمد بن منيع في مسنده بلفظ من اشترى مصراة فليرد معها صاعا من تمر وأما رواية موسى بن يسار وهو بالتحتانية والمهملة فوصلها مسلم بلفظ من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها فإن رضي بها أمسكها وإلا ردها ومعها صاع من تمر وسياقه يقتضى الفورية قوله وقال بعضهم عن بن سيرين صاعا من طعام وهو بالخيار ثلاثا وقال بعضهم عن بن سيرين صاعا من تمر ولم يذكر ثلاثا أما رواية من رآه بلفظ الطعام والثلاث فوصلها مسلم والترمذي من طريق قرة بن خالد عنه بلفظ من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء وأخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن هشام وحبيب وأيوب عن بن سيرين نحوه وأما رواية من رواه بلفظ التمر دون ذكر الثلاث فوصلها أحمد من طريق معمر عن أيوب عن بن سيرين بلفظ من اشترى شاة مصراة فإنه يحلبها فإن رضيها أخذها وإلا ردها ورد معها صاعا من تمر وقد رواه سفيان عن أيوب فذكر الثلاث أخرجه مسلم من طريقه بلفظ من اشترى شاة مصراه فهو بخير النظرين ثلاثة أيام أن شاء أمسكها وأن شاء ردها وصاعا من تمر لا سمراء ورواه بعضهم عن بن سيرين بذكر الطعام ولم يقل ثلاثا أخرجه أحمد والطحاوي من طريق عون عن بن سيرين وخلاس بن عمرو كلاهما عن أبي هريرة بلفظ من اشترى لقحة مصراة أو شاة مصراة فحلبها فهو بأحد النظرين بالخيار إلى أن يحوزها أو يردها وإناء من طعام فحصلنا عن بن سيرين على أربع روايات ذكر التمر والثلاث وذكر التمر بدون الثلاث والطعام بدل التمر كذلك والذي يظهر في الجمع بينها أن من زاد الثلاث معه زيادة علم وهو حافظ ويحمل الأمر فيمن لم يذكرها على أنه لم يحفظها أو اختصرها وتحمل الرواية التي فيها الطعام على التمر وقد روى الطحاوي من طريق أيوب عن بن سيرين أن المراد بالسمراء الحنطة الشامية وروى بن أبي شيبة وأبو عوانة من طريق هشام بن حسان عن بن سيرين لا سمراء يعني الحنطة وروى بن المنذر من طريق بن عون عن بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لا سمراء تمر ليس ببر فهذه الروايات تبين أن المراد بالطعام التمر ولما كان المتبادر إلى الذهن أن المراد بالطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء لكن يعكر على هذا الجمع ما رواه البزار من طريق أشعث بن عبد الملك عن بن سيرين بلفظ أن ردها ردها ومعها صاع من بر لا سمراء وهذا يقتضى أن المنفى في قوله لا سمراء حنطة مخصوصة وهي الحنطة الشامية فيكون المثبت قوله من طعام أي من قمح ويحتمل أن يكون رواية رواه بالمعنى الذي ظنه مساويا وذلك أن المتبادر من الطعام البر فظن الراوي أنه البر فعبر به وإنما أطلق لفظ الطعام على التمر لأنه كان غالب قوت أهل المدينة فهذا طريق الجمع بين مختلف الروايات عن أن سيرين في ذلك يعكر على هذا ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة نحو حديث الباب وفيه فإن ردها رد معها صاعا من طعام أو صاعا من تمر فإن ظاهره يقتضى التخيير بين التمر والطعام وأن الطعام غير التمر ويحتمل أن تكون أو شكا من الراوي لا تخييرا وإذا وقع الاحتمال في هذه الروايات لم يصح الاستدلال بشيء منها فيرجع إلى الروايات التي لم يختلف فيها وهي التمر فهي الراجحة كما أشار إليه البخاري وأما ما أخرجه أبو داود من حديث بن عمر بلفظ أن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا ففي إسناده ضعف وقد قال بن قدامة أنه متروك الظاهر بالاتفاق قوله والثمر أكثر أي أن الروايات الناصة على أن التمر أكثر عددا من الروايات التي لم تنص عليه أو ابدلته بذكر الطعام فقد رواه بذكر التمر غير من تقدم ذكره ثابت بن عياض كما يأتي في الباب الذي يليه وهمام بن منبه عند مسلم وعكرمة وأبو إسحاق عند الطحاوي ومحمد بن زياد عند الترمذي والشعبي عند أحمد وابن خزيمة كلهم عن أبي هريرة وأما رواية من رواه بذكر الإناء فيفسرها رواية من رواه بذكر الصاع وقد تقدم ضبطه في الزكاة وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جمهور أهل العلم وأفتى به بن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهم من الصحابة وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا أو كثيرا ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها آخرون أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد صاع من التمر وخالفهم زفر فقال بقول الجمهور الا أنه قال يتخير بين صاع تمر أو نصف صاع بر وكذا قال بن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية الا إنهما قالالا يتعين صاع التمر بل قيمته وفي رواية عن مالك وبعض الشافعية كذلك لكن قالوا يتعين قوت البلد قياسا على زكاة الفطر وحكى البغوي أن لا خلاف في المذهب إنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى وأثبت بن كج الخلاف في ذلك وحكى الماوردي وجهين فيما إذا عجز عن التمر هل تلزمه قيمته ببلده أو باقرب البلاد التي فيها التمر إليه وبالثانى قال الحنابلة واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة بأعذر شتى فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما رواه مخالفا للقياس الجلي وهو كلام أذى قائله به نفسه وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه وقد ترك أبو حنيفة القياس الجلي لرواية إلى هريرة أمثاله كما في الوضوء بنبيذ التمر ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك وأظن ان لهذه النكتة أورد البخاري حديث بن مسعود عقب حديث أبي هريرة وأشارة منه إلى أن بن مسعود قد أفتي بوفق حديث أبي هريرة فلولا أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف بن مسعود القياس الجلي في ذلك وقال بن السمعاني في الاصطلام التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله بل هو بدعة وضلالة وقد اختص أبو هريرة بمزيد من الحفظ لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له يعني المتقدم في كتاب العلم وفي أول البيوع أيضا وفيه قوله أن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشهد إذا غابوا وأحفظ إذا انسوا الحديث ثم مع ذلك فم ينفرد أبو هريرة برواية هذا الأصل فقد أخرجه أبو داود من حديث بن عمر وأخرجه الطبراني من وجه آخر عنه وأبو يعلى من حديث أنس وأخرجه البيهقي في الخلافيات من حديث عمرو بن عوف المزني أخرجه أحمد من رواية رجل من الصحابة لم يسم وقال بن عبد البر هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها ومنهم من قال هو حديث مضطرب لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى واعتباره بالصاع تارة وبالمثل أو المثلين تارة وبالاناء أخرى والجواب أن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها كما تقدم والضعيف لا يعل الصحيح ومنهم من قال هو معارض لعموم القرآن كقوله تعالى وأن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات والمتلفات تضمن بالمثل وبغير المثل ومنهم من قال هو منسوخ وتعقب بان النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا دلالة على النسخ مع مدعيه لأنهم اختلفوا في الناسخ فقيل حديث النهى عن بيع الدين بالدين وهو حديث أخرجه بن ماجة وغيره من حديث بن عمر ووجه الدلالة منه أن لبن المصراة يصير دينا في ذمة المشترى فإذا ألزم بصاع من تمر نسيئة صار دينا بدين وهذا جواب الطحاوي وتعقب بان الحديث ضعيف باتفاق المحدثين وعلى التنزل فالتمر إنما شرع في مقابل الحلب سواء كان اللبن موجودا أو غير موجود فلم يتعين في كونه من الدين بالدين وقيل ناسخه حديث الخراج بالضمان وهو حديث أخرجه أصحاب السنن عن عائشة ووجهه الدلالة منه أن اللبن فضلة من فضلات الشاة ولو هلكت لكان من ضمان المشترى فكذلك فضلاتها تكون له فكيف يغرم بدلها للبائع حكاه الطحاوي أيضا وتعقب بان حديث المصراة أصح منه باتفاق فكيف يقدم المرجوح على الراجح ودعوى كونه بعده لا دليل عليها وعلى التنزل فالمشترى لم يؤمر بغرامة ما حدث في ملكه بل بغرامة اللبن الذي ورد عليه العقد ولم يدخل في العقد فليس بين الحديثين على هذا تعارض وقيل ناسخه الأحاديث الواردة في رفع العقوبة بالمال وقد كانت مشروعة قبل ذلك كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده في مانع الزكاة فأنا أخذوها وشطر ماله وحديث بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في الذي يسرق من الجرين يغرم مثليه وكلاهما في السنن وهذا جواب عيسى بن أبان فحديث المصراة من هذا القبيل وهي كلها منسوخة وتعقبه الطحاوي بان التصرية إنما وجدت من البائع فلو كان من ذلك الباب للزمه التغريم والفرض أن حديث المصراة يقتضى تغريم المشترى فافترقا ومنهم من قال ناسخه حديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وهذا جواب محمد بن شجاع ووجه الدلالة منه أن الفرقة تقطع الخيار فثبت أن لا خيار بعدها الا لمن استثناه الشارع بقوله الا بيع الخيار وتعقبه الطحاوي بان الخيار الذي في المصراة من خيار الرد بالعيب وخيار الرد بالعيب لا تقطعه الفرقة ومن الغريب إنهم لا يقولون بخيار المجلس ثم يحتجون به فيما لم يرد فيه ومنهم من قال هو خبر واحد لا يفيد الا الظن وهو مخالف لقياس الأصول المقطوع به فلا يلزم العمل به وتعقب بان التوقف في خبر الواحد إنما هو في مخالفة الأصول لا في مخالفة قياس الأصول وهذا الخبر إنما خالف قياس الأصول بدليل أن الأصول الكتاب والسنة والإجماع والقياس والكتاب والسنة في الحقيقة هما الأصل والاخران مردودان إليهما فالسنة أصل والقياس فرع فكيف يرد الأصل بالفرع بل الحديث الصحيح أصل بنفسه فكيف يقال أن الأصل يخالف نفسه وعلى تقدير التسليم يكون قياس الأصول يفيد القطع وخبر الواحد لا يفيد الا الظن فتناول الأصل لا يخالف هذا الخبر الواحد غير مقطوع به لجواز استثناء محله عن ذلك الأصل قال بن دقيق العيد وهذا أقوى متمسك به في الرد على هذا المقام وقال بن السمعاني متى ثبت الخبر صار أصلا من الأصول ولا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر لأنه أن وافقه فذاك وأن خالفه فلا يجوز رد أحدهما لأنه رد للخبر بالقياس وهو مردود باتفاق فإن السنة مقدمة على القياس بلا خوف إلى أن قال والأولى عندي في هذه المسألة تسليم الاقيسة لكنها ليست لازمة لأن السنة الثابتة مقدمة عليها والله تعالى أعلم وعلى تقدير التنزل فلا نسلم أنه مخالف لقياس الأصول لأن الذي ادعوه عليه من المخالفة بينوها باوجه أحدها أن المعلوم من الأصول أن ضمان المثليات بالمثل والمتقومات بالقيمة وههنا أن كان اللبن مثليا فليضمن باللبن وأن كان متقوما فليضمن بأحد النقدين وقد وقع هنا مضمونا بالتمر فخالف الأصل والجواب منع الحصر فإن الحر يضمن في ديته بالإبل وليست مثلا ولا قيمة وأيضا فضمان المثل ليس مطردا فقد يضمن المثل بالقيمة إذا تعذرت المماثلة كمن اتلف شاة لبونا كان عليه قيمتها ولا يجعل بإزاء لبنها لبنا آخر لتعذر المماثلة ثانيها أن القواعد تقتضي أن يكون المضمون مقدر الضمان بقدر التالف وذلك مختلف وقد قدرنا هنا بمقدار واحد وهو الصاع فخرج عن القياس والجواب منع التعميم في المضمونات كالموضحة فارشها مقدر مع اختلافها بالكبر والصغر والغرة مقدرة في الجنين مع اختلافه والحكمة في ذلك أن كل ما يقع فيه التنازع فليقدر بشيء معين لقطع التشاجر وتقدم هذه المصلحة على تلك القاعدة فإن اللبن الحادث بعد العقد اختلط باللبن الموجود وقت العقد فلم يعرف مقداره حتى يوجب نظيره على المشترى ولو عرف مقداره فوكل إلى تقديرهما أو تقدير أحدهما لافضى إلى النزاع والخصام فقطع الشارع النزاع والخصام وقدره بحد لا يتعديانه فصلا للخصومة وكان تقديره بالتمر أقرب الأشياء إلى اللبن فإنه كان قوتهم إذ ذاك كاللبن وهو مكيل كاللبن ومقتات فاشتركا في كون كل واحد منهما مطعوما مقتاتا مكيلا واشتركا أيضا في أن كلا منهما يقتات به بغير صنعة ولا علاج ثالثها أن اللبن التالف أن كان موجودا عند العقد فقد ذهب جزء من المعقود عليه من أصل الخلقة وذلك مانع من الرد فقد حدث على ملك المشترى فلا يضمنه وأن كان مختلطا فما كان منه موجودا عند العقد وما كان حادثا لم يجب ضمانه والجواب أن يقال إنما يمتنع الرد بالنقص إذا لم يكن لاستعلام العيب وإلا فلا يمتنع وهنا كذلك رابعها أنه خالف الأصول في جعل الخيار فيه ثلاثا مع أن خيار العيب لا يقدر بالثلاث وكذا خيار المجلس عند من يقول به وخيار الرؤية عند من يثبته والجواب بان حكم المصراة انفرد بأصله عن مماثلة فلا يستغرب أن ينفرد بوصف زائد على غيره والحكمة فيه أن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الخلقة من اللبن المجتمع بالتدليس غالبا فشرعت لاستعلام العيب بخلاف خيار الرؤية والعيب فلا يتوقف على مدة وأما خيار المجلس فليس لاستعلام العيب فظهر الفرق بين الخيار في المصراة وغيرها خامسها أنه يلزم من الأخذ به الجمع بين العوض والمعوض فيما إذا كانت قيمة الشاة صاعا من تمر فإنها ترجع إليه من الصاع الذي هو مقدار ثمنها والجواب أن التمر عوض عن اللبن لا عن الشاة فلا يلزم ما ذكروه سادسها أنه مخالف لقاعدة الربا فيما إذا اشترى شاة بصاع فإذا استرد معها صاعا فقد استرجع الصاع الذي هو الثمن فيكون قد باع شاة وصاعا بصاع والجواب أن الربا إنما يعتبر في العقود لا الفسوخ بدليل إنهما لو تبايعا ذهبا بفضة لم يجز أن يتفرقا قبل القبض فلو تقايلا في هذا العقد بعينه جاز التفرق قبل القبض سابعها أنه يلزم منه ضمان الأعيان مع بقائها فيما إذا كان اللبن موجودا والاعيان لا تضمن بالبدل الا مع فواتها كالمغصوب والجواب أن اللبن وأن كان موجودا لكنه تعذر رده لاختلاطه باللبن الحادث بعد العقد وتعذر تمييزه فأشبه الآبق بعد الغصب فإنه يضمن قيمته مع بقاء عينه لتعذر الرد ثامنها أنه يلزم منه اثبات الرد بغير عيب ولا شرط أما الشرط فلم يوجد وأما العيب فنقصان اللبن لو كان عيبا لثبت به الرد من غير تصرية والجواب أن الخيار يثبت بالتدليس كمن باع رحى دائرة بما جمعه لها بغير علم المشترى فإذا اطلع عليه المشترى كان له الرد وأيضا فالمشترى لما رأى ضرعا مملوءا لبنا ظن أنه عادة لها فكان البائع شرط له ذلك فتبين الأمر بخلافه فثبت له الرد لفقد الشرط المعنوى لأن البائع يظهر صفة المبيع تارة بقوله وتارة بفعله فإذا أظهر المشترى على صفة فبان الأمر بخلافها كان قد دلس عليه فشرع له الخيار وهذا هو محض القياس ومقتضى العدل فإن المشترى إنما بذل ماله بناء على الصفة التي اظهرها له البائع وقد أثبت الشارع الخيار للركبان إذا دقوا واشترى منهم قبل أن يهبطوا إلى السوق ويعلموا السعر وليس هاك عيب ولا خلف في شرط ولكن لما فيه من الغش والتدليس ومنهم من قال الحديث صحيح لا اضطراب فيه ولا علة ولا نسخ وإنما هو محمول على صورة مخصوصة وهو ما اذا إشترى شاة بشرط أنها تحلب مثلا خمسة أرطال وشرط فيها الخيار فالشرط فاسد فإن اتفقا على اسقاطه في مدة الخيار صح العقد وأن لم يتفقا بطل العقد ووجب رد الصاع من التمر لأنه كان قيمة اللبن يومئذ وتعقب بان الحديث ظاهر في تعليق الحكم بالتصرية وما ذكره هذا القائل يقتضى تعليقه بفساد الشرط سواء وجدت التصرية أم لا فهو تأويل متعسف وأيضا فلفظ الحديث لفظ عموم وما ادعوه على تقدير تسليمه فرد من افراد ذلك العموم فيحتاج من ادعى قصر العموم عليه الدليل على ذلك ولا وجود له قال بن عبد البر هذا الحديث أصل في النهى عن الغش واصل في ثبوت الخيار لمن دلس عليه بعيب واصل في أنه لا يفسد أصل البيع واصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام واصل في تحريم التصرية وثبوت الخيار بها وقد روى أحمد وابن ماجة عن بن مسعود مرفوعا بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم وفي إسناده ضعيف وقد رواه بن أبي شيبة وعبد الرزاق موقوفا بإسناد صحيح وروى بن أبي شيبة من طريق قيس بن أبي حازم قال كان يقال التصرية خلابة وإسناده صحيح واختلف القائلون به في أشياء منها لو كان عالما بالتصرية هل يثبت له الخيار فيه وجه للشافعية ويرجح أنه لا يثبت رواية عكرمة عن أبي هريرة في هذا الحديث عند الطحاوي فإن لفظه من اشترى مصراة ولم يعلم أنها مصراة الحديث ولو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه لهم أيضا خلافا للحنابلة في المسالتين ومنها لو تحفلت بنفسها أو صرها المالك لنفسه ثم بدا له فباعها فهل يثبت ذلك الحكم فيه خلاف فمن نظر إلى المعنى أثبته لأن العيب مثبت للخيار ولا يشترط فيه تدليس للبائع ومن نظر إلى أن حكم التصرية خارج عن القياس خصه بمورده وهو حالة العمد فإن النهى إنما تناولها فقط ومنها لو كان الضرع مملوءا لحما وظنه المشترى لبنا فاشتراها على ذلك ثم ظهر له أنه لحم هل يثبت له الخيار فيه وجهان حكاهما بعض المالكية ومنها لو اشترى غير مصراة ثم اطلع على عيب بها بعد حلبها فقد نص الشافعي على جواز الرد مجانا لأنه قليل غير معتنى بجمعه وقيل يرد بدل اللبن كالمصراة وقال البغوي يرد صاعا من تمر

[ 2042 ] قوله حدثنا مسدد حدثنا معتمر سيأتي في باب النهى عن تلقى الركبان بعد سبعة أبواب عن مسدد عن يزيد بن زريع وكان الحديث عند مسدد عن شيخين فذكره المصنف عنه في موضعين وسياقه عن معتمر أتم قوله سمعت أبى هو سليمان التيمي وأبو عثمان هو النهدي ورجال الإسناد بصريون سوى الصحابي قوله قال من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعا من تمر ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تلقى البيوع هكذا رواه الأكثر عن معتمر بن سليمان موقوفا وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن معاذ عن معتمر مرفوعا وذكر أن رفعه غلط ورواه أكثر أصحاب سليمان عنه كما هنا حديث المحفلة موقوف من كلام بن مسعود وحديث النهى عن التلقى مرفوع وخالفهم أبو خالد الأحمر عن سليمان التيمي فرواه بهذا الإسناد مرفوعا أخرجه الإسماعيلي وأشار إلى وهمه أيضا قوله فردها أي أراد ردها بقرينة قوله فليرد معها عملا بحقيقة المعية أو تحمل المعية على البعدية فلا يحتاج الرد إلى تأويل وقد وردت مع بمعنى البعدية كقوله تعالى وأسلمت مع سليمان الآية قوله في رواية مالك

[ 2043 ] لا تلقوا الركبان يأتي الكلام عليه بعد أبواب وعلى بيع الحاضر للبادي قريبا ومضى الكلام على البيع وعلى النجش ومضى الكلام على التصرية بما يغنى عن اعادته

قوله باب أن شاء رد المصراة وفي حلبتها بسكون اللام على أنه اسم الفعل ويجوز الفتح على إرادة المحلوب وظاهره أن التمر مقابل للحلبة وزعم بن حزم أن التمر في مقابلة الحلب لا في مقابلة اللبن لأن الحلبة حقيقة في الحلب مجاز في اللبن والحمل على الحقيقة أولي فلذلك قال يجب رد التمر واللبن معا وشذ بذلك عن الجمهور

[ 2044 ] قوله حدثنا محمد بن عمرو كذا للأكثر غير منسوب ووقع في رواية عبد الرحمن الهمداني عن المستملى محمد بن عمرو بن جبلة وكذا قال أبو أحمد الجرجاني في روايته عن الفربري وفي رواية أبي على بن شبويه عن الفربري حدثنا محمد بن عمرو يعني بن جبلة واهمله الباقون وجزم الدارقطني بأنه محمد بن عمرو أبو غسان الرازي المعروف بزنيج وجزم الحاكم الكلا باذى بأنه محمد بن عمرو السواق البلخي والأول أولي والله أعلم قوله حدثنا المكى هو بن إبراهيم وهو من مشايخ البخاري وستاتى روايته عنه بلا واسطة في باب لا يشتري حاضر لباد قوله أخبرني زياد هو بن سعد الخراساني قوله أن ثابتا هو بن عياض وعبد الرحمن بن زيد مولاه من فوق أي بن الخطاب قوله من اشترى غنما مصراة فاحتلبها ظاهره أن صاع التمر متوقف على الحلب كما تقدم قوله ففي حلبتها صاع من تمر ظاهره أن صاع التمر في مقابل المصراة سواء كانت واحدة أو أكثر لقوله من اشترى غنما ثم قال ففي حلبتها صاع من تمر ونقله بن عبد البر عمن استعمل الحديث وابن بطال عن أكثر العلماء وابن قدامة عن الشافعية والحنابلة وعن أكثر المالكية يرد عن كل واحدة صاعا حتى قال المازري من المستبشع أن يغرم متلف لبن ألف شاة كما يغرم متلف لبن شاة واحدة وأجيب بان ذلك مغتفر بالنسبة إلى ما تقدم من أن الحكمة في اعتبار الصاع قطع النزاع فجعل حدا يرجع إليه عند التخاصم فاستوى القليل والكثير ومن المعلوم أن لبن الشاة الواحدة أو الناقة الواحدة يختلف اختلافا متباينا ومع ذلك فالمعتبر الصاع سواء قل اللبن أم كثر فكذلك هو معتبر سواء قلت المصراة أو كثرت والله تعالى أعلم

قوله باب بيع العبد الزانى أي جوازه مع بيان عيبه قوله وقال شريح أن شاء رد من الزنا وصله سعيد بن منصور ومن طريق بن سيرين أن رجلا اشترى من رجل جارية كانت فجرت ولم يعلم بذلك المشترى فخاصمه إلى شريح فقال أن شاء رد من الزنا وإسناده صحيح ثم أورد المصنف في الباب حديث إذا زنت الأمة فليجلدها الحديث أورده من الوجهين وشاهد الترجمة منه

[ 2045 ] قوله في آخره فليبعها ولو بحبل من شعر فإنه يدل على جواز بيع الزاني ويشعر بان الزنا عيب في المبيع لقوله ولو بحبل من شعر وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى قال بن بطال فائدة الأمر ببيع الأمة الزانية المبالغة في تقبيح فعلها والاعلام بان الأمة الزانية لا جزاء لها الا البيع أبدا وإنها لا تبقى عند سيد زجرا لها عن معاودة الزنا ولعل ذلك يكون سببا لأعفافها أما أن يتزوجها المشترى أو يعفها بنفسه أو يصونها بهيبته

قوله باب الشراء والبيع مع النساء أورد في حديث عائشة وابن عمر في قصة شراء بريرة وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الشروط إن شاء الله تعالى وشاهد الترجمة منه

[ 2047 ] قوله ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله لاشعاره بان قصة المبايعة كانت مع رجال وكان الكلام في هذا مع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقوله

[ 2048 ] في آخر حديث بن عمر قلت لنافع الخ هو قول همام الراوي عنه وسيأتي ذكر الاختلاف في زوج بريرة هل كان حرا أو عبدا في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى وحسان أول السند وقع عند المستملى بن أبي عباد وعند غيره حسان بن حسان وهما واحد

قوله باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجرا وهل يعينه أو ينصحه قال بن المنير وغيره حمل المصنف النهى عن بيع الحاضر للبادي على معنى خاص وهو البيع بالأجر أخذا من تفسير بن عباس وقوى ذلك بعموم أحاديث الدين النصيحة لأن الذي يبيع بالأجرة لا يكون غرضه نصح البائع غالبا وإنما غرضه تحصيل الأجرة فاقتضى ذلك إجازة بيع الحاضر للبادي بغير اجرة من باب النصيحة قلت ويؤيده ما سيأتي في بعض طرق الحديث المعلق أول أحاديث الباب وكذلك ما أخرجه أبو داود من طريق سالم المكي أن أعرابيا حدثه أنه قدم بحلوبة له على طلحة بن عبيد الله فقال له أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد ولكن أذهب إلى السوق فأنظر من يبايعك فشاورنى حتى أمرك وأنهاك قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له هو طرف من حديث وصله أحمد من حديث عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه حدثني أبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل الرجل فلينصح له ورواه البيهقي من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا مثله وقد أخرجه مسلم من طريق أبي خيثمة عن الزبير بلفظ لا يبيع حاضر لباد د هو الناس يرزق الله بعضهم من بعض قوله ورخص فيه عطاء أي في بيع الحاضر للبادي وصله عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الله بن عثمان أي بن خثيم عن عطاء بن أبي ارباح قال سألته عن أعرابي أبيع له فرخص لي وأما ما رواه سعيد بن منصور من طريق أن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد لأنه أراد أن يصيب المسلمون غرتهم فأما اليوم فلا بأس فقال عطاء لا يصلح اليوم فقال مجاهد ما أرى أبا محمد الا لو أتاه ظئر له من أهل البادية الا سيبيع له فالجمع بين الروايتين عن عطاء عن يحمل قوله هذا على كراهة التنزيه ولهذا نسب إليه مجاهد ما نسب وأخذ بقول مجاهد في ذلك أبو حنيفة وتمسكوا بعمود قوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة وزعموا أنه ناسخ لحديث النهى وحمل الجمهور حديث الدين النصيحة على عمومه الا في بيع الحاضر للبادىء فهو خاص فيقضى على العام والنسخ لا يثبت بالاحتمال وجمع البخاري بينهما بتخصيص النهى بمن يبيع له بالأجرة كالسمسار وما من ينصحه فيعلمه بان السعر كذا مثلا فلا يدخل في النهى عنده والله أعلم ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث جرير في النصح لكل مسلم وقد تقدم في الكلام عليه في آخر كتاب الإيمان والثاني حديث بن عباس

[ 2050 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد قوله لا تلقوا الركبان زاد الكشميهني في روايته للبيع وسيأتي الكلام عليه قريبا قوله لا يكون له سمسارا بمهملتين هو في الأصل القيمم بالأمر والحافظ له ثم استعمل متولى البيع والشراء لغيره وفي هذا التفسير تعقب على من فسر الحاضر بالبادى بان المراد نهى الحاضر أن يبيع للبادي في زمن الغلاء شيئا يحتاج إليه أهل البلد فهذا مذكور في كتب الحنفية وقال غيرهم صورته أن يجيء البلد غريب بسلعته يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه بلدى فيقول له ضعفه عندي لابيعه لك على التدريج باغلى من هذا السعر فجعلوا الحكم منوطا بالبادى ومن شاركه في معناه قال وأنا ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب فالحق به من يشاركه في عدم معرفة السعر الحاضر واضرار أهل البلد بالإشارة عليه بان لا يبادر بالبيع وهذا تفسير الشافعية والحنابلة وجعل المالكية ابداوس قيدا وعن مالك لا يلتحق بالدوى في ذلك الا من كان يشبهه قال فأما أهل القرى الذين يعرفون اثمان السلع والاسواق فليسوا داخلين في ذلك قال بن المنذر اختلفوا في هذا النهى فالجمهور أنه على التحريم بشرط العلم بالنهى وأن يكون المتاع المجلوب مما يحتاج إليه وأن يعرض الحضري ذلك على البدوي فلو عرضه البدوي على الحضري لم يمنع وزاد بعض الشافعية عمود الحاجة وأن يظهر يبيع ذلك السماع السعة في تلك البلد قال بن دقيق العيد أكثر هذه الشروط تدور بين أتباع المعنى أو اللفظ والذي ينبغي أن ينظر في المعنى إلى الظهور والخفاء فحيث يظهر يخصص النص أو يعمم وحيث يخفى فأتباع اللفظ أولي فأما اشتراط أن يلتمس البلدي ذلك فلا يقوي لعدم دلالة اللفظ عليه وعدم ظهور المعنى فيه فإن الضرر الذي علل به النهى لا يفترق الحال فيه بين سؤال البلدي وعدمه وأما اشتراط أن يكون الطعام مما تدعو الحاجة إليه فمتوسط بين الظهور وعدمه وأما اشتراط ظهور السعة فكذلك أيضا لاحتمال أن يكون المقصود مجرد تفويت الربع والرزق على أهل البلد وأما اشتراط العلم بالنهى فلا اشكال فيه وقال السبكي شرط حاجة الناس إليه معتبر ولم يذكر جماعة عمومها وإنما ذكره الرافعي تبعا للبغوى ويحتاج إلى دليل واختلفوا أيضا فيما إذا وقع البيع مع وجود الشروط المذكورة هو يصح مع التحريم أو لا يصح على القاعدة المشهورة

قوله باب من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر وبه قال بن عباس أي حيث فسر ذلك بالسمسار كما في الحديث الذي قبله

[ 2051 ] قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد كذا أورده من حديث بن عمر ليس فيه التقييد بالأجر كما فىالترجمة قال بن بطال أراد المصنف أن بيع الحاضر للبادي لا يجوز بأجر ويجوز بغير أجرا واستدل على ذلك بقول بن عباس وكأنه قيد به مطلق حديث بن عمر قال وقد أجاز الأوزاعي أن يشير الحاضرعلى البادي وقال ليست الإشارة بيعا وعن الليث وأبي حنيفة لا يشير عليه لأنه إذا أشار عليه فقد باعه وعند الشافعية في ذلك وجهان والراجح منهما الجواز لأنه إنما نهى عن البيع له وليست الإشارة بيعا وقد ورد الأمر بنصحه فدل على جواز الإشارة تربيه حديث بن عمر فرد غريب لم أره الا من رواية أبي على الحنفي عن عبد الرحمن بن دينار وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي وعلى أبي نعيم فلم يخرجاه الا من طريق البخاري وله أصل من حديث بن عمر أخرجه الشافعي عن مالك عن نافع عن بن عمر وليس هو في الموطأ قال البيهقي عدوه في افراد الشافعي وقد تابعه القعنبي عن مالك ثم ساقه بإسنادين

قوله باب لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة أي قياسا على البيع له أو استعمالا للفظ البيع في البيع والشراء قال بن حبيب المالكي الشراء للبادي مثل البيع ولقوله عليه الصلاة والسلام لا يبيع بعضكم على بعض فإن معناه الشراء وعن مالك في ذلك روايتان قوله وكرهه بن سيرين وإبراهيم للبائع والمشترى أما قول بن سيرين فوصله أبو عوانة في صحيحه من طريق سلمة بن علقمة عن بن سيرين قال لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبيع حاضر لباد انهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم قال نعم قال محمد وصدق أنها كلمة جامعة وقد أخرجه أبو داود من طريق أبي بلال عن بن سيرين عن أنس بلفظ كان يقال لا يبيع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا وأما إبراهيم فهو النخعي فلم اقف عنه كذلك صريحا قوله قال إبراهيم أن العرب تقول بع لي ثوبا وهي تعني الشراء هذا قاله إبراهيم استدلالا لما ذهب إليه من التسوية بين البيع والشراء في الكراهة ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث أبي هريرة

[ 2052 ] قوله عن بن شهاب في رواية الاسماعيلى عن طريق أبي عاصم عن بن جريج أخبرني بن شهاب قوله لا يبتع المرء كذا للأكثر وللكشميهني لا يبتاع وهو خبر بمعنى النهى وقد تقدم البحث فيه قبل بأبواب وكذا على قوله ولا تناجشوا ثانيهما حديث أنس

[ 2053 ] قوله عن محمد هو بن سيرين قوله نهينا أن يبيع حاضر لباد زاد مسلم والنسائي من طريق يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن أنس وأن كان أخاه أو أباه ورواه أبو داود والنسائي من وجه آخر عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وعرف بهذه الرواية أن الناهي المبهم في الرواية الأولى هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقوي المذهب الصحيح أن لقول الصحابي نهينا عن كذا حكم الرفع وأنه في قوة قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب النهى عن تلقى الركبان وأن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز جزم المصنف بأن البيع مردود بناء على أن النهى يقتضى الفساد لكن محل ذلك عند المحققين فيما يرجع إلى ذات المنهي عنه لا ما إذا كان يرجع إلى أمر خارج عنه فيصبح البيع ويثبت الخيار بشرطه الاتى ذكره وأما كون صاحبه عاصيا آثما والاستدلال عليه بكونه خداعا فصحيح ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون البيع مردود لأن النهى لا يرجع إلى نفس العقد ولا يخل بشيء من أركانه وشرائطه وإنما هو لدفع الضرر بالركبان والقول ببطلان البيع صار إليه بعض المالكية وبعض الحنابلة ويمكن أن يحمل قول البخاري أن البيع مردود على ما إذا أختار البائع رده فلا يخالف الراجح وقد تعقبه الإسماعيلي والزمه التناقض ببيع المصراة فإن فيه خداعا ومع ذلك لم يبطل البيع وبكونه فصل في بيع الحاضر للبادي بين أن يبيع له بأجر أو بغير أجرا واستدل عليه أيضا بحديث حكيم بن حزام الماضي في بيع الخيار ففيه فإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما قال فلم يبطل بيعهما بالكذب والكتمان للعيب وقد ورد بإسناد صحيح أن صاحب السلعة إذا باعها لمن تلقاه يصير بالخيار إذا دخل السوق ثم ساقه من حديث أبي هريرة قال بن المنذر أجاز أبو حنيفة التلقى وكرهه الجمهور قلت الذي في كتب الحنفية يكره التلقى في حالتين أن يضر بأهل البلد وأن يلتبس السعر على الواردين ثم اختلفوا فقال الشافعي من تلقاء فقد أساء وصاحب السلعة بالخيار وحجته حديث أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقى الجلب فإن تلقاه فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق قلت وهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي وصححه بن خزيمة من طريق أيوب أخرجه مسلم من طريق هشام عن بن سيرين بلفظ لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار وقوله فهو بالخيار أي إذا قدم السوق وعلم السعر وهل يثبت له مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع غبن وجهان أصحهما الأول وبه قال الحنابلة وظاهره أيضا أن النهى لأجل منفعة البائع وإزالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه قال بن المنذر وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق انتهى واحتج مالك بحديث بن عمر المذكور في آخر الباب وسيأتي الكلام على ذلك وقد ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أولها حديث أبي هريرة

[ 2054 ] قوله حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي قوله عن سعيد بن أبي سعيد هو المقبري قوله عن التلقى ظاهره منع التلقى مطلقا سواء كان قريبا أم بعيدا سواء كان لأجل الشراء منهم أم لا وسيأتى البحث فيه ثانيها حديث بن عباس

[ 2055 ] قوله حدثنا عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى قوله سألت بن عباس كذا رواه مختصرا وليس فيه للتلقى ذكر وكأنه أشار على عادته إلى أصل الحديث فقد سبق قبل بابين من وجه آخر عن معمر وفي أوله لا تلقوا الركبان وكذا أخرجه مسلم من وجه آخر عن معمر والقول في حديث بن عباس كالقول في حديث أبي هريرة وقوله لا تلقوا الركبان خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام يكونون عددا ركبانا ولا مفهوم له بل لو كان الجالب عددا مشاة أو واحدا راكبا أو ماشيا لم يختلف الحكم وقوله للبيع يشمل البيع لهم والبيع منهم ويفهم منه اشتراط قصد ذلك بالتلقى فلو تلقى الركبان أحد السلام أو الفرجة أو خرج لحاجة له فوجدهم فبايعهم هل يتناوله النهى فيه احتمال فمن نظر إلى المعنى لم يفترق عنده الحكم بذلك وهو الأصح عند الشافعية وشرط بعض الشافعية في النهى أن يبتدئ المتلقى فيطلب من الجالب البيع فلو ابتدا الجالب بطلب البيع فاشترى منه المتلقى لم يدخل في النهى وذكر إمام الحرمين في صورة التلقى المحرم أن يكذب في سعر البلد ويشترى منهم بأقل من ثمن المثل وذكر المتولى فيها أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول وذكر أبو إسحاق الشيرازي أن يخبرهم بكساد ما معهم ليغبنهم وقد يؤخذ من هذه التقييدات اثبات الخيار لمن وقعت له ولو لم يكون هناك تلقى لكن صرح الشافعية أن كون اخباره كذبا ليس شرطا لثبوت الخيار وإنما يثبت له الخيار إذا ظهر الغبن فهو المعتبر وجودا وعدما ثالثها حديث بن مسعود وقد مضى الكلام عليه في المصراة والغرض منه هنا

[ 2056 ] قوله ونهى عن تلقى البيوع فإنه يقتضى تقييد النهى المطلق في التلقى بما إذا كان لأجل المبايعة رابعها حديث بن عمر وسيأتى الكلام عليه في الباب الذي بعده فدلت الطريقة الثالثة وهي في الباب الذي يليه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع أن الوصول إلى أول السوق لا يلقى حتى يدخل السوق وإلى هذا ذهب أحمد وإسحاق وابن المنذر وغيرهم وصرح جماعة من الشافعية بان منتهى النهى عن التلقى لا يدخل البلد سواء وصل إلى السوق أم لا وعند المالكية في ذلك اختلاف كثير في حد التلقى

[ 2057 ] قوله ولا تلقوا السلع بفتح أوله واللام وتشديد القاف المفتوحة وضم الواو أي تتلقوا فحذفت إحدى التاءين ثم أن مطلق النهى عن التلقى يتناول طول المسافة وقصرها وهو ظاهر إطلاق الشافعية وقيد المالكية محل النهى بحد مخصوص ثم اختلفوا فيه فقيل ميل وقيل فرسخان وقيل يومان وقيل مسافة القصر وهو قول الثوري وأما ابتداؤها فسيأتى البحث فيه في الباب الذي بعده

قوله باب منتهى التلقى أي وابتدائه وقد ذكرنا أن الظاهر أنه لا حد لانتهائه من جهة الجالب وأما من جهة المتلقى فقد أشار المصنف بهذه الترجمة إلى أن ابتداءه الخروج من السوق أخذا من قول الصحابي إنهم كانوا يتبايعون بالطعام في أعلى السوق فيبيعونه في مكانه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه ولم ينههم عن التبايع في أعلى السوق فدل على أن التلقى إلى أعلى السوق جائز فإن خرج عن السوق ولم يخرج من البلد فقد صرح الشافعية بأنه لا يدخل في النهى وحد ابتداء التلقى عندهم الخروج من البلد والمعنى فيه إنهم إذا قدموا البلد امكنهم معرفة السعر وطلب الحظ لأنفسهم فإن لم يفعلوا ذلك فهو من تقصيرهم وأما إمكان معرفتهم ذلك قبل دخول البلد فنادر والمعروف عند المالكية اعتبار السوق مطلقا كما هو ظاهر الحديث وهو قول أحمد وإسحاق وعن الليث كراهة التلقى ولو في الطريق ولو على باب البيت حتى تدخل السلعة السوق

[ 2058 ] قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله هذا في أعلى السوق أي حديث جويرية عن نافع بلفظ كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام الحديث قال البخاري وبينه حديث عبيد الله بن عمر يعني عن نافع أي حيث قال كانوا يتبايعون الطعام في أعلى السوق الحديث مثله وأراد البخاري بذلك الرد على من استدل به على جواز تلقى الركبان لإطلاق قول بن عمر كنا نتلقى الركبان ولا دلالة فيه لأن معناه إنهم كانوا يتلقونهم في أعلى السوق كما في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع وقد صرح مالك في روايته عن نافع بقوله ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها السوق فدل على أن التلقى الذي لم ينه عنه إنما هو ما بلغ السوق والحديث يفسر بعضه بعضا وادعى الطحاوي التعارض في هاتين الروايتين وجمع بينهما بوقوع الضرر لأصحاب السلع وعدمه قال فيحمل حديث النهى على ما إذا حصل الضرر وحديث الإباحة على ما إذا لم يحصل ولا يخفى رجحان الجمع الذي جمع به البخاري والله اعلم تنبيه وقع قول البخاري هذا في أعلى السوق عقب رواية عبيد الله بن عمر في رواية أبي ذر ووقع في رواية غيره عقب حديث جويرية وهو الصواب

قوله باب إذا اشترط في البيع شروطا لا تحل أي هل يفسد البيع بذلك أم لا أورد فيه حديثي عائشة وابن عمر في قصة بريرة وكأن غرضه بذلك أن النهى يقتضى الفساد فيصح ما ذهب إليه من أن النهى عن تلقى الركبان يرد به البيع وسيأتى الكلام عليه في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى

قوله باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام ذكر فيه حديث بن عمر في النهى عن المزابنة من طريقين وسيأتى الكلام عليه بعد خمسة أبواب وفي الطريق الثانية حديث بن عمر عن زيد بن ثابت في العرايا وسيأتى الكلام عليه بعد سبعة أبواب وذكر في الترجمة الطعام بالطعام وليس في الحديث الذي ذكره للطعام ذكر وكذلك ذكر فيها الزبيب بالزبيب والذي في الحديث الزبيب بالكرم قال الإسماعيلي لعله أخذ ذلك من جهة المعنى قال ولو ترجم للحديث ببيع التمر في رؤوس الشجر بمثله من جنسه يابسا لكان أولي انتهى ولم يخل البخاري بذلك كما سيأتي بعد ستة أبواب وأما هنا فكأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه من ذكر الطعام وهو في رواية الليث عن نافع كما سيأتي إن شاء الله تعالى وروى مسلم من حديث معمر بن عبد الله مرفوعا الطعام بالطعام مثلا بمثل

قوله باب بيع الشعير بالشعير أي ما حكمه

[ 2065 ] قوله أنه التمس صرفا بفتح الصاد المهملة أي من الدراهم بذهب كان معه وبين ذلك الليث في روايته عن بن شهاب ولفظه عن مالك بن أوس بن الحدثان قال أقبلت أقول من يصطرف الدراهم قوله فتراوضنا بضاد معجمة أي تجارينا الكلام في قدر العوض بالزيادة والنقص كان كلا منهما كان يروض صاحبه ويسهل خلقه وقيل المراوضة هنا المواصفة بالسلعة وهو أن يصف كل منهما سلعته لرفيقه قوله فأخذ الذهب يقلبها أي الذهبة والذهب يذكر ويؤنث فيقال ذهب وذهبة أو يحمل على أنه ضمن الذهب معنى العدد المذكور وهو المائة فأنثه لذلك وفي رواية الليث فقال طلحة إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك ولم اقف على تسمية الخازن الذي أشار إليه طلحة قوله من الغابة بالغين المعجمة وبعد الألف موحدة يأتي شرح أمرها في أو اخر الجهاد في قصة تركة الزبير بن العوام وكان طلحة كان له بها مال من نخل وغيره وأشار إلى ذلك بن عبد البر قوله حتى تأخذ منه أي عوض الذهب في رواية الليث والله لتعطينه ورقة أو لتردن إليه ذهبه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره قوله الذهب بالورق ربا قال بن عبد البر لم يختلف على مالك فيه وحمله عنه الحفاظ حتى رواه يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي عن مالك وتابعه معمر والليث وغيرهما كذلك رواه الحفاط عن بن عيينة وشذ أبو نعيم عنه فقال الذهب بالذهب وكذلك رواه بن إسحاق عن الزهري ويجوز في قوله الذهب الورق الرفع أي بيع الذهب بالورق فحذف المضاف للعلم به أو المعنى الذهب يباع بالذهب ويجوز النصب أي بيعوا الذهب والذهب يطلق على جميع انواعه المضروبة وغيرها والورق الفضة وهو بفتح الواو وكسر الراء وباسكانها على المشهور ويجوز فتحهما وقيل بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال والمراد هنا جميع أنواع الفضة مضروبة وغير مضروبة قوله الا هاء وهاء بالمد فيهما وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون وحكى القصر بغير همز وخطاها الخطابي ورد عليه النووي وقال هي صحيحة لكن قليلة والمعنى خذ وهات وحكى هاك بزيادة كاف مكسورة ويقال هاء بكسر الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ بغير تنوين وقال بن الأثير هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيعين هاء فيعطيه ما في يده كالحديث الآخر الا يدا بيد يعني مقابضة في المجلس وقيل معناه خذ وأعط قال وغير الخطابي يجيز فيها السكون على حذف العوض ويتنزل منزلة ها التي للتنبيه وقال بن مالك ها اسم فعل بمعنى خذ وأن وقعت بعد الا فيجب تقدير قول قبله يكون به محكيا فكأنه قيل ولا الذهب بالذهب الا مقولا عنده من المتبايعين هاء وهاء وقال الخليل كلمة تستعمل عند المناولة والمقصود من قوله هاء وهاء ان يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس قال بن مالك حقها أن لا تقع بعد الا كما لا يقع بعدها خذ قال فالقدير لا تبيعوا الذهب بالورق الا مقولا بين المتعاقدين هاء وهاء واستدل به على اشتراط التقابض في الصرفى المجلس وهو قول أبي حنيفة والشافعي وعن مالك لا يجوز الصرف الا عند الإيجاب بالكلام ولو انتقلا من ذلك الموضع إلى آخر لم يصح تقابضهما ومذهبه أنه لا يجوز عنده تراخى القبض في الصرف سواء كانا في المجلس أو تفرقا وحمل قوله عمر لا يفارقه على الفور حتى لو آخر الصيرفي القبض حتى يقوم إلى قعو دكانه ثم يفتح صندوقه لما جاز قوله البر بالبر بضم الموحدة ثم راء من أسماء الحنطة والشعير بفتح أوله معروف وحكى جواز كسره واستدل به على أن البر والشعير صنفان وهو قول الجمهور وخالف في ذلك مالك والليث والأوزاعي فقالوا هما صنف واحد قال بن عبد البر في هذا الحديث أن الكبير يلي البيع والشراء لنفسه وأن كان له وكلاء واعوان يكفونه وفيه المماكسة في البيع والمراوضة وتقليب السلعة وفائدته الأمن من الغبن وأن من العلم ما يخفى على الرجل الكبير القدر حتى يذكره غيره وأن الإمام إذا سمع أو رأى شيئا لا يجوز ينهى عنه ويرشد إلى الحق وأن من أفتي بحكم حسن أن يذكر دليله وأن يتفقد أحوال رعيته ويهتم بمصالحهم وفيه اليمين لتاكيد الخبر وفيه الحجة بخبر الواحد وأن الحجة على من خالف في حكم من الأحكام التي في كتاب الله أو حديث رسوله وفيه أن النسيئة لا تجوز في بيع الذهب بالورق وإذا لم يجز فيهما مع تفاضلهما بالنسيئة فأحرى أن لا يجوز في الذهب بالذهب وهو جنس واحد وكذا الورق بالورق يعني إذا لم تكن رواية بن إسحاق ومن تابعه محفوظة فيؤخذ الحكم من دليل الخطاب وقد نقل بن عبد البر وغيره الإجماع على هذا الحكم أي التسوية في المنع بين الذهب بالذهب وبين الذهب بالورق فيستغني حينئذ بذلك عن القياس

قوله باب بيع الذهب بالذهب تقدم حكمة في الباب الذي قبله وذكر المصنف فيه حديث أبي بكرة ثم أورده بعد ثلاثة أبواب من وجه آخر عن يحيى بن أبي إسحاق ورجال الإسنادين بصريون كلهم وأخذ حكم بيع الذهب بالورق من

[ 2066 ] قوله وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم وفي الرواية الأخرى وامرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا الحديث وسيأتى الكلام عليه

قوله باب بيع الفضة بالفضة تقدم حكمه أيضا

[ 2267 ] قوله حدثني عبيد الله بن سعد زاد في رواية المستملى وهو بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم قوله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن أبا سعيد الخدري حدثه مثل ذلك حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه عبد الله بن عمر يا أبا سعيد ما هذا الذي تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو سعيد في الصرف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر الحديث هكذا ساقه وفيه اختصار وتقديم وتأخير وقد أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن يعقوب بن إبراهيم شيخ شيخ البخاري فيه بلفظ أن أبا سعيد حدثه حديثا مثل حديث عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصرف فقال أبو سعيد فذكره فظهر بهذه الرواية معنى قوله مثل ذلك أي مثل حديث عمر أي حديث عمر الماضي قريبا في قصة طلحة بن عبيد الله وتكلف الكرماني هنا فقال قوله مثل ذلك أي مثل حديث أبي بكرة في وجوب المساواة ولو وقف على رواية الإسماعيلي لما عدل عنها وقوله فلقيه عبد الله أي بعد أن كان سمع منهم الحديث فأراد أن يستثبته فيه وقد وقع لأبي سعيد مع بن عمر في هذا الحديث قصة وهي هذه ووقعت له فيه مع بن عباس قصة أخرى كما في الباب الذي بعده فأما قصته مع بن عمر فانفرد بها البخاري من طريق سالم وأخرجها مسلم من طريق الليث عن نافع ولفظه أن بن عمر قال له رجل من بني ليث أن أبا سعيد الخدري ياثر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نافع فذهب عبد الله وأنا معه والليث حتى دخل على أبي سعيد الخدري فقال أن هذا أخبرني انك تخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الورق بالورق الا مثل بمثل الحديث فأشار أبو سعيد بأصبعه إلى عينيه وأذنيه فقال أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تبيعوا الورق بالورق الا مثلا بمثل الحديث ولمسلم من طريق أبي نضرة في هذه القصة لابن عمر مع أبي سعيد أن بن عمر نهى عن ذلك بعد أن كان أفتي به لما حدثه أبو سعيد بنهى النبي صلى الله عليه وسلم وأما قصة أبي سعيد مع بن عباس فسأذكرها في الباب الذي يليه

[ 2068 ] قوله في الرواية الأولى الذهب بالذهب يجوز في الذهب الرفع والنصب وقد تقدم توجيهه ويدخل في الذهب جميع أصنافه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش ونقل النووي تبعا لغيره في ذلك الإجماع قوله مثل بمثل كذا في رواية أبي ذر بالرفع ولغير أبي ذر بمثل وهو مصدر في موضع الحال أي لذهب يباع بالذهب موزونا بموزون أو مصدر مؤكد أي يوزن وزنا بوزن وزاد مسلم في رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه الا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء قوله ولا تشفوا بضم أوله وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء أي تفضلوا وهو رباعى من اشف والشف بالكسر الزيادة وتطلق على النقص قوله ولا تبيعوا منها غائبا بناجز بنون وجيم وزاى مؤجلا بحال أي المراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا مؤجلا كان أو حالا والناجز الحاضر قال بن بطال فيه حجة للشافعي في قوله من كان له على رجل دراهم ولآخر عليه دنانير لم يجز أن يقاص أحدهما الآخر بما له لأنه يدخل في معنى بيع الذهب بالورق دينا لأنه إذا لم يجز غائب بناجز فأحرى أن لا يجوز غائب بغائب وأما الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن عن بن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع أبيع بالدنانير وأخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس به إذا كان يومه ولم تفترقا وبينكما شيء فلا يدخل في بيع الذهب بالورق دينا لأن النهى يقبض الدراهم عن الدنانير لم يقصد إلى التأخير في الصرف قاله بن بطال واستدل بقوله مثلا بمثل على بطلان البيع بقاعدة مد عجوة وهو أن يبيع مدعجوة ودينارا بدينارين مثلا وأصرح من ذلك في الاستدلال على المنع حديث فضالة بن عبيد عندمسلم في رد البيع في القلادة التي فيها خرز وذهب حتى تفصل أخرجه مسلم وفي رواية أبي داود فقلت إنما أردت الحجارة فقال لا حتى تميز بينهما

قوله باب بيع الدينار بالدينار نساء بفتح النون المهملة والمد والتنوين منصوبا أي مؤجلا مؤخرا يقال أنساه نساء ونسيئة

[ 2069 ] قوله الضحاك بن مخلد هو أبو عاصم شيخ البخاري وقد حدث في مواضع عنه بواسطة كهذا الموضع قوله سمع أبا سعيد الخدري يقول الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم كذا وقع في هذه الطريق وقد أخرجه مسلم من طريق بن عيينة عن عمرو بن دينار فزاد فيه مثلا بمثل من زاد أو ازداد فقد أربى قوله أن بن عباس لا يقوله في رواية مسلم يقول غير هذا قوله فقال أبو سعيد سألته في رواية مسلم لقد لقيت بن عباس فقلت له قوله فقال كل ذلك لا أقول بنصب كل على أنه مفعول مقدم وهو في المعنى نظير قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ذي اليدين كل ذلك لم يكن فالمنفى هو المجموع وفي رواية مسلم فقال لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا وجدته في كتاب الله عز وجل ولمسلم من طريق عطاء أن أبا سعيد لقي بن عباس فذكر نحوه وفيه فقال كل ذلك لا أقول أما رسول الله فانتم أعلم به وأما كتاب الله فلا أعلمه أي لا أعلم هذا الحكم فيه وإنما قال لأبي سعيد أنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني لكون أبي سعيد وانظاره كانوا أسن منه وأكثر ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي السياق دليل على أن أبا سعيد وابن عباس متفقان على أن الأحكام الشرعية لا تطلب الا من الكتاب أو السنة قوله لا ربا الا في النسيئة في رواية مسلم الربا في النسيئة وله من طريق عبيد الله بن أبي يزيد وعطاء جميعا عن بن عباس إنما الربا في النسيئة زاد في رواية عطاء الا إنما الربا وزاد في رواية طاوس عن بن عباس لا ربا فيما كان يدا بيد وروى مسلم من طريق أبي نضرة قال سألت بن عباس عن الصرف فقال ايدا بيد قلت نعم قال فلا بأس فأخبرت أبا سعيد فقال أو قال ذلك أن سنكتب إليه فلا يفتيكموه وله من وجه آخر عن أبي نضرة سألت بن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا فإني لقاعد عند أبي سعيد فسألته عن الصرف فقال ما زاد فهو الربا فأنكرت ذلك لقولهما فذكر الحديث قال فحدثني أبو الصهباء أنه سأل بن عباس عنه بمكة فكرهه والصرف بفتح المهملة دفع ذهب وأخذ فضة وعكسه وله شرطان مع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه وهو المجمع عليه ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما وهو قول الجمهور وخالف فيه بن عمر ثم رجع وابن عباس واختلف في رجوعه وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوي وهو بالمهملة والتحتانية سألت أبا مجلز عن الصرف فقال كان بن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا بعين يدا بيد وكان يقول إنما الربا في النسيئة فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد مثلا بمثل فمن زاد فهو ربا فقال بن عباس استغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه أشد النهى واتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد فقيل منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال وقيل المعنى في قوله لا ربا الربا الاغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب لا عالم في البلد الا زيد مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفى الاكمل لا نفى الأصل وأيضا فنفى تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدم والله أعلم وقال الطبري معنى حديث أسامة لا ربا الا في النسيئة إذا اختلفت أنواع البيع والفضل فيه يدا بيد ربا جمعا بينه وبين حديث أبي سعيد تنبيه وقع في نسخه الصغاني هنا قال أبو عبد الله يعني البخاري سمعت سليمان بن حرب يقول لا ربا الا في النسيئة هذا عندنا في الذهب بالورق والحنطة بالشعير متفاضلا ولا بأس به يدا بيد ولا خير فيه نسيئة قلت وهذا موافق وفي قصة أبي سعيد مع بن عمر ومع بن عباس أن العالم يناظر العالم ويوقفه على معنى قوله ويرده من الاختلاف إلى الاجتماع ويحتج عليه بالأدلة وفيه إقرار الصغير للكبير بفضل التقدم

قوله باب بيع الورق بالذهب نسيئة البيع كله أما بالنقد أو بالعرض حالا أو مؤجلا فهي أربعة أقسام فبيع النقد أما بمثله وهو المراطلة وا بنقد غيره وهو الصرف وبيع العرض بنقد يسمى النقد ثمنا والعرض عرضا وبيع العرض بالعرض يسمى مقابضة والحلول في جميع ذلك جائر وأما التأجيل فإن كان النقد بالنقد مؤخرا فلا يجوز وأن كان العرض جاز وأن كان العرض مؤخرا فهو السلم وأن كان مؤخرين فهو بيع الدين بالدين وليس بجائز الا في الحوالة عند من يقول أنها بيع والله أعلم

[ 2070 ] قوله عن الصرف أي بيع الدراهم بالذهب أو عكسه وسمي به لصرفه عن مقتضى البيعات من جواز التفاضل فيه وقيل من الصريف وهو تصويتهما في الميزان وسيأتي في أوائل الهجرة من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال قال باع شريك لي دراهم أي بذهب في السوق نسيئة فقلت سبحان الله أيصلح هذا فقال لقد بعتها في السوق فما عابه على أحد فسالت البراء بن عازب فذكره قوله هذا خير منى في رواية سفيان المذكورة قال فالق زيد بن أرقم فأساله فإن كان أعظمنا تجارة فسألته فذكره وفي رواية الحميدي في مسنده من هذا الوجه عن سفيان فقال صدق البراء وقد تقدم في باب التجارة في البر من وجه آخر عن أبي المنهال بلفظ أن كان يدا بيد فلا بأس وأن كان نسيئا فلا يصلح وفي الحديث ما كان عليه الصحابة من التواضع وانصاف بعضهم بعضا ومعرفة أحدهم حق الآخر واستظهار العالم في الفتيا بنظيره في العلم وسيأتي بعد الكلام على هذا الحديث في الشركة إن شاء الله تعالى

قوله باب بيع الذهب بالورق يدا بيد ذكر فيه حديث أبي بكرة الماضي قبل بثلاثة أبواب وليس فيه التقييد بالحلول وكأنه أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه فقد أخرجه مسلم عن أبي الربيع عن عباد الذي أخرجه البخاري من طريقه وفيه فسأله رجل فقال يدا بيد فقال هكذا سمعت أخرجه مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير عن يحيى بن أبي إسحاق فلم يسق لفظه فساقه أبو عوانة في مستخرجه فقال في آخره والفضة بالذهب كيف شئتم يدا بيد واشتراط القبض في الصرف متفق عليه وإنما وقع الاختلاف في التفاضل بين الجنس الواحد واستدل به على بيع الربويات بعضها ببعض إذا كان يدا بيد وأصرح منه حديث عبادة بن الصامت عند مسلم بلفظ فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم

قوله باب بيع المزابنة بالزاى والموحدة والنون مفاعلة من الزبن بفتح الزاي وسكون الموحدة وهو الدفع الشديد ومنه سميت الحرب الزبون لشدة الدفع فيها وقيل للبيع المخصوص المزابنة لأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه اولان أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع بفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بامضاء البيع قوله وهي بيع الثمر بالمثناة والسكون بالتمر بالمثلثة وفتح الميم والمراد به الرطب خاصة وقوله بيع الزبيب بالكرم أي بالعنب وهذا أصل المزابنة والحق الشافعي بذلك كل بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنس يجري الربا في نقده قال وأما من قال اضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا مثلا فما زاد فعلى وما نقص فعلى فهو من القمار وليس من المزابنة قلت لكن تقدم في باب بيع الزبيب بالزبيب من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر والمزابنة أن يبيع الثمر بكيل أن زاد فلي وأن نقص فعلى فثبت أن من صور المزابنة أيضا هذه الصورة من القمار ولا يلزم من كونها قمارا أن لا تسمى مزابنة ومن صور المزابنة أيضا بيع الزرع بالحنطة كيلا وقد رواه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ والمزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا وبيع الزرع بالحنطة كيلا وستاتى هذه الزيادة للمصنف من طريق الليث عن نافع بعد أبواب وقال مالك المزابنة كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده إذا بيع بشيء مسمى من الكيل وغيره سواء كان من جنس يجري الربا في نقده أم لا وسبب النهى عنه ما يدخله من القمار والغرر قال بن عبد البر نظر مالك إلى معنى المزابنة لغة وهي المدافعة ويدخل فيها القمار والمخاطرة وفسر بعضهم المزابنة بأنها بيع الثمر قبل بدو صلاحه وهو خطأ فالمغايرة بينهما ظاهرة من أول حديث في هذا الباب وقيل هي المزارعة على الجزء وقيل غير ذلك والذي تدل عليه الأحاديث في تفسيرها أولي قوله قال أنس الخ يأتي موصولا في باب بيع المخاضرة وفيه تفسير المحاقلة ثم أورد المصنف حديث بن عمر من رواية ابنه سالم ومن رواية نافع كلاهما عنه ثم حديث أبي سعيد في ذلك وفي طريق نافع تفسير المزابنة وظاهره أنها من المرفوع ومثله في حديث أبي سعيد في الباب أخرجه مسلم من حديث جابر كذلك ويؤيد كونه مرفوعا رواية سالم وأن لم يتعرض فيها لذكر المزابنة وعلى تقدير أن يكون التفسير من هؤلاء الصحابة فهم أعرف بتفسيره من غيرهم وقال بن عبد البر لا مخالف لهم في أن مثل هذا مزابنة وإنما اختلفوا هل يلتحق بذلك كل ما لا يجوز الا مثلا بمثل فلا يجوز فيه كيل بجزاف ولا جزاف بجزاف فالجمهور على الإلحاق وقيل يختص ذلك بالنخل والكرم والله أعلم

[ 2072 ] قوله قال سالم هو موصول بالإسناد المذكور وقد أفرد حديث زيد بن ثابت في آخر الباب من طريق نافع عن بن عمر عنه وقد تقدم قبل أبواب من وجه آخر عن نافع مضموما في سياق واحد وأخرجه الترمذي من طريق محمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر عن زيد بن ثابت ولم يفصل حديث بن عمر من حديث زيد بن ثابت وأشار الترمذي إلى أنه وهم فيه والصواب والتفصيل ولفظ الترمذي عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقله والمزابنة الا أنه قد إذن لأهل العرايا أن يبيعوها بمثل خرصها ومراد الترمذي أن التصريح بالنهى عن المزابنة لم يرد في حديث زيد بن ثابت وإنما رواه بن عمر بغير واسطة وروى بن عمر استثناء العرايا بواسطة زيد بن ثابت فإن كانت رواية بن إسحاق محفوظة احتمل أن يكون بن عمر حمل الحديث كله عن زيد بن ثابت وكان عنده بعضه بغير واسطة واستدل بأحاديث الباب على تحريم بيع الرطب باليابس منه ولو تساويا في الكيل الوزن أن الاعتبار بالتساوى إنما يصح حالة الكمال والرطب قد بنقص إذا جف عن اليابس نقصا لا يتقدر وهو قول الجمهور وعن أبي حنيفة الاكتفاء بالمساواة حالة الرطوبة وخالفه صاحباه في ذلك لصحة الأحاديث الواردة في النهى عن ذلك وأصرح من ذلك حديث بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالثمر فقال أينقص الرطب إذا جف قالوا نعم قال فلا إذا أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم قوله رخص بعد ذلك أي بعد النهى عن بيع التمر بالثمر في بيع العرايا وهذا من أصرح ما ورد في الرد على حمل من الحنفية النهى عن بيع الثمر بالتمر على عمومه ومنع أن يكون بيع العرايا مستثنى منه وزعم إنهما حكمان مختلفان وردا في سياق واحد وكذلك من زعم منهم كما حكاه بن المنذر عنهم أن بيع العرايا منسوخ بالنهى عن بيع الثمر بالتمر لأن المنسوخ لا يكون بعد الناسخ قوله بالرطب أو بالتمر كذا عند البخاري ومسلم من راية عقيل عن الزهري بلفظ أو وهي محتملة أن تكون للتخيير وأن تكون للشك وأخرجه النسائي والطبراني من طريق صالح بن كيسان والبيهقي من طريق الأوزاعي كلاهما عن الزهري بلفظ بالرطب وبالتمر ولم يرخص في غير ذلك هكذا ذكره بالواو وهذا يؤيد كون أو بمعنى التخيير لا الشك بخلاف ما جزم به النووي وكذلك أخرجه أبو داود من طريق الزهري أيضا عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وإسناده صحيح وليس هو اختلافا على الزهري فإن بن وهب رواه عن يونس عن الزهري بالإسنادين أخرجهما النسائي وفرقهما وإذا ثبتت هذه الرواية كانت فيها حجة للوجه الصائر إلى جواز بيع الرطب المخروص على رؤوس النخل بالرطب المخروص أيضا على الأرض وهو رأى بن خيران من الشافعية وقيل لا يجوز وهو رأى الإصطخري وصححه جماعة وقيل أن كانا نوعا واحدا لم يجز إذ لا حاجة إليه وأن كانا نوعين جاز وهو رأى أبي إسحاق وصححه بن أبي عصرون وهذا كله فما إذا كان أحدهما على النخل والآخر على الأرض وقيل ومثله ما إذا كانا معا على النخل وقيل أن محله فيما إذا كانا نوعين وفي ذلك فروع آخر يطول ذكرها وصرح الماوردي بالحاق البسر في ذلك بالرطب قوله بيع الثمر بالمثلثة وتحريك الميم وفي رواية مسلم ثمر النخل وهو المراد هنا وليس المراد التمر من غير النخل فإنه يجوز بيعه بالتمر المثناة والسكون وإنما وقع النهى عن الرطب بالتمر لكونه متفاضلا من جنسه

[ 2073 ] قوله كيلا يأتي الكلام عليه في الحديث الذي بعده قوله وبيع الكرم بالزبيب كيلا في رواية مسلم وبيع العنب بالزبيب كيلا والكرم بفتح الكاف وسكون الراء هو شجر العنب والمراد منه هنا نفس العنب كما أوضحته رواية مسلم وفيه جواز تسمية العنب كرما وقد ورد النهى عنه كما سيأتي الكلام عليه في الأدب ويجمع بينهما بحمل النهى على التنزيه ويكون ذكره هنا لبيان الجواز وهذا كله بناء على أن تفسير المزابنة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وعلى تقدير كونه موقوفا فلا حجة على الجواز فيحمل النهى على حقيقته واختلف السلف هل يلحق العنب أو غيره بالرطب في العرايا فقيل لا وهو قول أهل الظاهر واختاره بعض الشافعية منهم المحب الطبري وقيل يلحق العنب خاصة وهو مشهور مذهب الشافعي وقيل يلحق كل ما يدخر وهو قول المالكية وقيل يلحق كل ثمرة وهو منقول عن الشافعي أيضا

[ 2074 ] قوله عن داود بن الحصين هو المدني وكلهم مدنيون الا شيخ البخاري وليس لداود ولا لشيخه في البخاري سوى هذا الحديث وأخر في الباب الذي يليه وشيخه هو أبو سفيان مولى بن أبي أحمد ووقع في رواية مسلم أن أبا سفيان أخبره أنه سمع أبا سعيد وأبو سفيان مشهور بكنيته حتى قال النووي تبعا لغيره لا يعرف اسمه وسبقهم إلى ذلك أبو أحمد الحاكم في الكنى لكن حكى أبو داود في السنن في روايته لهذا الحديث عن القعنبي شيخه فيه أن اسمه قزمان وابن أبي أحمد هو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش الأسدي بن أخي زينب بنت جحش أم المؤمنين وحكى الواقدي أن أبا سفيان كان مولى لبني عبد الأشهل وكان يجالس عبد الله بن أبي أحمد فنسب إليه قوله والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر على رؤوس النخل زاد بن مهدي عن مالك عند الإسماعيلي كيلا وهو موافق لحديث بن عمر الذي قبله وذكر الكيل ليس بقيد في هذه الصورة بل لأنه صورة المبايعة التي وقعت إذ ذاك فلا مفهوم له لخروجه على سبب أوله مفهوم لكنه مفهوم الموافقة لأن المسكوت عنه أولي بالمنع من المطوق ويستفاد منه أن معيار التمر والزبيب الكيل وزاد مسلم في آخر حديث أبي سعيد والمحافلة كراء الأرض وكذا هو في الموطأ

[ 2075 ] قوله عن الشيباني هو أبو إسحاق ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي معاوية حدثنا الشيباني وسيأتي الكلام عن المحاملة في باب المخاضرة ووقع في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي سعيد عقب هذا الحديث مثله والمزابنة في النخل والمحاقلة في الزرع

[ 2076 ] قوله ارخص لصاحب العرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية الجمع عرايا وقد ذكرنا تفسيرها لغة قوله أن يبيعها بخرصها زاد الطبراني عن على بن عبد العزيز عن القعنبي شيخ البخاري فيه كيلا ومثله المصنف من رواية موسى بن عقبة عن نافع وسيأتي بعد باب ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك فقال بخرصها من التمر ونحوه للمصنف من رواية يحيى بن سعيد عن نافع في كتاب الشرب ولمسلم من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد بلفظ رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا ومن طريق الليث عن يحيى بن سعيد بلفظ رخص في بيع العرية بخرصها تمرا قال يحيى العرية أن يشتري الرجل تمرا النخلات بطعام أهله رطبا بخرصها تمرا وهذه الرواية تبين أن في رواية سليمان إدراجا وأخرجه الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن أيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ رخص في العرايا النخلة والنخلتان يوهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تمرا زاد فيه يوهبان للرجل وليس بقيد عند الجمهور كما سيأتي شرحه بعد باب

قوله باب بيع الثمر بفتح المثلثة والميم على رؤوس النخل أي بعد أن يطيب وقوله بالذهب أو الفضة أتبع فيه ظاهر الحديث وسيأتي البحث فيه

[ 2077 ] قوله عن عطاء هو بن أبي رباح وأبو الزبير هو محمد بن مسلم كذا جمع بينهما بن وهب وتابعه أبو عاصم عند مسلم ويحيى بن أيوب عند الطحاوي وكلاهما عن بن جريج ورواه بن عيينة عند مسلم عن بن جريج عن عطاء وحده ووقع في روايته عن بن جريج أخبرني عطاء قوله عن جابر في رواية أبي عاصم المذكورة إنهما سمعا جابر بن عبد الله قوله عن بيع الثمر بفتح المثلثة أي الرطب قوله حتى يطيب في رواية بن عيينة حتى يبدو صلاحه وسيأتي تفسيره بعد باب قوله ولا يباع شيء منه الا بالدينار والدرهم قال بن بطال إنما اقتصر على الذهب والفضة لأنهما جل ما يتعامل به الناس وإلا فلا خلاف بين الأمة في جواز بيعه بالعروض يعني بشرطه قوله الا العرايا زاد يحيى بن أيوب في روايته فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها أي فيجوز بيع الرطب فيها بعد أن يخرص ويعرف قدره بقدر ذلك من التمر كما سيأتي البحث فيه قال بن المنذر ادعى الكوفيون أن بيع العرايا منسوخ بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر وهذا مردود لأن الذي روى النهى عن بيع الثمر بالتمر هو الذي روى الرخصة في العرايا فاثبت النهى والرخصة معا قلت ورواية سالم الماضية في الباب الذي قبله تدل على أن الرخصة في بيع العرايا وقع بعد النهى عن بيع الثمر بالتمر ولفظه عن بن عمر مرفوعا ولا تبيعوا الثمر بالتمر قال وعن زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم رخص بعد ذلك في بيع العرية وهذا هو الذي يقتضيه لفظ الرخصة فإنها تكون بعد منع وكذلك بقية الأحاديث التي وقع فيها استثناء العرايا بعد ذكر بيع الثمر بالتمر وقد قدمت إيضاح ذلك

[ 2078 ] قوله حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب هو الحجي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة بصري مشهور قوله سمعت مالكا الخ فيه إطلاق السماع على ما قرئ على الشيخ فاقر به وقد استقر الإصطلاح على أن السماع بخصوص بما حدث به الشيخ لفظا قوله وسأله عبيد الله هو بالتصغير والربيع أبوه هو حاجب المنصور وهو والد الفضل وزير الرشيد قوله رخص كذا للأكثر بالتشديد وللكشميهني ارخص قوله في بيع العرايا أي في بيع تمر العرايا لأن العرية هي النخلة والعرايا جمع عرية كما تقدم فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه قوله في خمسة أو سق أو دون خمسة أو سق شك من الراوي بين مسلم في روايته أن الشك فيه من داود بن الحصين وللمصنف في آخر الشرب من وجه آخر عن مالك مثله وذكر بن التين تبعا لغيره أن داود تفرد بهذا الإسناد قال وما رواه عنه الا مالك بن أنس والوسق ستون صاعا وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشكل المذكور والخلاف عند المالكية والشافعية والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر فمأخذ المنع أن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة فيؤخذ منه بما يتحقق منه الجواز ويلغى ما وقع فيه الشك وسبب الخلاف أن النهى عن بيع المزابنة هل ورد متقدما ثم وقعت الرخصة في العرايا أو النهى عن بيع المزابنة وقع مقرونا بالرخصة في بيع العرايا فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع التحريم وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم ويرجح الأول رواية سالم المذكورة في الباب قبله واحتج بعض المالكية بان لفظه دون صالحة لجميع ما تحت الخمسة فلو عملنا بها للزم رفع هذه الرخصة وتعقب بان العمل بها ممكن بان يحمل على أقل ما تصدق عليه وهو المفتى به في مذهب الشافعي وقد روى الترمذي حديث الباب من طريق زيد بن الحباب عن مالك بلفظ ارخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق ولم يتردد في ذلك وزعم المازري أن بن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق لوروده في حديث جابر من غير شك فيه فتعين طرح الرواية التي وقع فيها الشك والأخذ بالرواية المتيقنة قال والزم المزني الشافعي القول به اه وفيما نقله نظر أما بن المنذر فليس في شيء من كتبه ما نقله عنه وإنما فيه ترجيح القول الصائر إلى أن الخمسة لا تجوز وإنما يجوز ما دونها وهو الذي ألزم المزني أن يقول به الشافعي كما هو بين من كلامه وقد حكى بن عبد البر هذا القول عن قوم قال واحتجوا بحديث جابر ثم قال ولا خلاف بين الشافعي ومالك ومن اتبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق مما لم يبلغ خمسة أوسق ولم يثبت عندهم حديث جابر قلت حديث جابر الذي أشار إليه أخرجه الشافعي وأحمد وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم أخرجوه كلهم من طريق بن إسحاق حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين إذن لأصحاب العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول الوسق والوسقين والثلاثة والأربع لفظ أحمد وترجم عليه بن حبان الاحتياط أن لا يزيد على أربعة أوسق وهذا الذي قاله يتعين المصير إليه وأما جعله حدا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح واحتج بعضهم لمالك بقول سهل بن أبي حثمة أن العرية تكون ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة وسيأتي ذكره في الباب الذي يليه ولا حجة فيه لأنه موقوف ومن فروع هذه المسألة ما لو زاد في صفقة على خمسة أوسق فإن البيع يبطل في الجميع وخرج بعض الشافعية من جواز تفريق الصفقة أنه يجوز وهو بعيد لوضوح الفرق ولو باع ما دون خمسة أوسق في صفقة ثم باع مثلها البائع بعينه للمشترى بعينه في صفقة أخرى جاز عند الشافعية على الأصح ومنعه أحمد وأهل الظاهر والله أعلم قوله قال نعم القائل هو مالك وكذلك أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى قال قلت لمالك أحدثك داود فذكره وقال في آخره نعم وهذا التحمل يسمى عرض السماع وكان مالك يختاره على التحديث من لفظه واختلف أهل الحديث هل يشترط أن يقول الشيخ نعم أم لا والصحيح أن سكوته ينزل منزلة إقراره إذا كان عارفا ولم يمنعه مانع وإذا قال نعم فهو أولي بلا نزاع

[ 2079 ] قوله سفيان هو بن عيينة قوله قال يحيى بن سعيد هو الأنصاري وسيأتي في آخر الباب ما يدل على أن سفيان صرح بتحديث يحيى بن سعيد له به وهو السر في إيراد الحكاية المذكورة قوله سمعت بشيرا بالموحدة والمعجمة مصغرا وهو بن يسار بالتحتانية ثم المهملة مخففا الأنصاري قوله سمعت سهل بن أبي حثمة زاد الوليد بن كثير عند مسلم عن بشير بن يسار أن رافعا بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدثاه ولمسلم من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سهل بن أبي حثمة قوله ان تباع بخرصها هو بفتح الخاء المعجمة وأشار بن التين إلى جواز كسرها وجزم بن العربي بالكسر وأنكر الفتح وجوزهما النووي وقال الفتح أشهر قال ومعناه تقدير ما فيها إذا صار تمرا فمن فتح قال هو اسم الفعل ومن كسر قال هو اسم للشىء المخروص اه والخرص هو التخمين والحدس وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه في تفسير العرايا قوله وقال سفيان مرة أخرى الخ هو كلام على بن عبد الله والغرض أن بن عيينة حدثهم به مرتين على لفظين والمعنى واحد واليه الإشارة بقوله هو سواء أي المعنى واحد قوله قال سفيان أي بالإسناد المذكور فقلت ليحيى أي بن سعيد لما حدثه به قوله وأنا غلام جملة حالية والغرض الإشارة إلى قدم طلبه وتقدم فطنته وأنه كان في سن الصبا يناظر شيوخه ويباحثهم قوله رخص لهم في بيع العرايا محل الخلاف بين رواية يحيى بن سعيد ورواية أهل مكة أن يحيى بن سعيد قيد الرخصة في بيع العرايا بالخرص وأن يأكلها أهلها رطبا وأما بن عيينة في روايته عن أهل مكة فأطلق الرخصة في بيع العرايا ولم يقيدها بشيء مما ذكر قوله قلت إنهم يروونه عن جابر في رواية أحمد في مسنده عن سفيان قلت أخبرهم عطاء أنه سمع من جابر قلت ورواية بن عيينة كذلك عن بن جريج عن عطاء عن جابر تقدمت الإشارة إليها وإنها تأتي في كتاب الشرب وهي على الإطلاق كما في روايته التي في أول الباب قوله قال سفيان أي بالإسناد المذكور إنما أردت أي الحامل لي على قولي ليحيى بن سعيد إنهم يروونه عن جابر أن جابرا من أهل المدينة فيرجع الحديث إلى أهل المدينة وكان ليحيى بن سعيد أن يقول له وأهل المدينة رووا أيضا فيه التقييد فيحمل المطلق على المقيد حتى يقوم الدليل على العمل بالإطلاق والتقييد بالخرص زيادة حافظ فتعين المصير إليها وأما التقييد بالأكل فالذي يظهر أنه لبيان الواقع لا أنه قيد وسيأتي عن أبي عبيد أنه شرطه والله أعلم قوله قيل لسفيان لم اقف على تسمية القائل قوله أليس فيه أي في الحديث المذكور نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه قال لا أي ليس هو في حديث سهل بن أبي حثمة وأن كان هو صحيحا من رواية غيره وسيأتي بعد باب وقد حدث به عبد الجبار بن العلاء عن سفيان في حديث الباب بهذا اللفظ الذي نفاه سفيان وحكى الإسماعيلي عن بن صاعد أنه أشار إلى أنه وهم فيه قلت قد أخرجه النسائي عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري عن سفيان كذلك فظهر أن عبد الجبار لم ينفرد بذلك

قوله باب تفسير العرايا هي جمع عرية وهي عطية ثمر النخل دون الرقبة كان العرب في الجدب يتطوع أهل النخل بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة وهي عطية اللبن دون الرقبة قال حسان بن ثابت فيما ذكر بن التين وقال غيره هي لسويد بن الصلت ليست بسنهاء ولا رحبية ولكن عرايا في السنين الجوائح ومعنى سنهاء أن تحمل سنة دون سنة والرحبية التي تدعم حين تميل من الضعف والعرية فصله بمعنى مفعولة أو فاعلة يقال عرى النخل بفتح العين والراء بالتعدية يعروها إذا افردها عن غيرها بان أعطاها لأخر على سبيل المنحة ليأكل ثمرها وتبقى رقبتها لمعطيها ويقال عريت النخل بفتح العين وكسر الراء تعرى على أنه قاصر فكأنها عريت عن حكم اخواتها واستثبتت بالعطية واختلف في المراد بها شرعا قوله وقال مالك العرية أن يعرى الرجل الرجل النخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه فرخص له أي للواهب أن يشتريها أي يشتري رطبها منه أي من الموهوبة له بتمر أي يابس وهذا التعليق وصله بن عبد البر من طريق بن وهب عن مالك وروى الطحاوي من طريق بن نافع عن مالك أن العرية النخلة للرجل في حائط غيره وكانت العادة أنهم يخرجون بأهليهم في وقت الثمار إلى البساتين فيكره صاحب النخل الكثير دخلوا الآخر عليه فيقول له أنا أعطيك بخرص نخلتك تمرا فرخص له في لك ومن شرط العرية عند مالك أنها لا تكون بهذه المعاملة إلا مع المعري خاصة لما يدخل على المالك من الضرر بدخلو حائطه أو ليدفع الضرر عن الآخر بقيام صاحب النخل بالسقي والكلف ومن شرطها أن يكون البيع بعد بدو الصلاح وأن يكون بتمر مؤجل وخالفه الشافعي في الشرط الأخير فقال يشترط التقابض قوله وقال بن إدريس العرية لا تكون إلى بالكيل من التمر يدا بيد ولا تكون بالجراف بن إدريس هذا رجح بن التين أنه عبد الله الأودي الكوفي وتردد بن بطال ثم السبكي في شرح المهذب وجزم المزي في التهذيب بأنه الشافعي والي في الأم للشافعي وذكره عنه البيهقي في المعرفة من طريق الربيع عنه قال العرايا أن يشتري الرجل ثمر النخلة فأكثر بخرصه من التمر بأن يخرص الرطب ثم يقدر كم ينقص إذا يبس ثم يشتري بخرصة تمرا فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع انتهى وهذا وإن غاير ما علقه البخاري لفظا فهو يوافقه في المعنى لأن محصلهما أن لا يكون جزافا ولا نسيئة وقد جاء عن الشافعي بلفظ آخر قرأته بخط أبي على الصدفي فيها الآن كذا وكذا من الرطب فإذا يبس كان كذا وكذا فيدفع من التمر بكيله خرصا ويقبض النخلة بثمرها قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل قبضها فسد قوله وما يقويه أي قول الشافعي بأن لا يكون جزافا قول سهل بن أبي حثمة بالأوسق الموسقة وقول سهل ها أخرجه الطبري من طريق الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن سهل موقوفا ولفظه لا يباع الثمر في رءوس النخل بالأوساق الموسقة إلا أوسقا ثلاثة أو أربعة أو خمسة يأكلها الناس وما ذكره المصنف عن الشافعي هو شرط العرية عند أصحابه وضابط العرية عندهم أنها بيع رطب فينخل يكون خرصه إذا صار تمرا أقل من خمسة أوسق بنظيره في الكيل من التمر من التقابض في المجلس وقال بن التين احتجاج البخاري لابن إدريس بقول سهل بالأوسق الموسقة لا دليل فيه لأنها لا تكون مؤجلة وإنما يشهد له قول سفيان بن حسين يعني الآتي قلت لعله أراد أن مجموع ما أورده بعد قول بن إدريس يقوي قول بن إدريس ثم أن صور العرية كثيرة منها أن يقول الرجل لصاحب حائط بعني ثمر نخلات بأعيانها بخرصها من التمر فيخرصها ويبيعه ويقبض منه التمر ويسلم إليه النخلات بالتخلية فينتفع برطبها ومنها أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه ثم يتضرر بدخوله عليه فيخرصها ويشتري منه رطبها بقدر خرصه بتمر يعجله له ومنها أن يهبه إياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرا ولا يحب أكلها رطبا لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر ياخذه معجلا ومنها أن يبيع الرجل ثم حائطه بعد بدو صلاحه ويستثنى منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله وهي التي عفى له عن خرصها في الصدقة وسميت عرايا لأنها أعريت من أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم وعندهم فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها ومما يطلق عليه اسم عرية أن يعرى رجلا تمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذه هبة مخصوصة ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحائط من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان الصورتان من العرايا لا يبيع فيها وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع وزاد أنه رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشتروه لتجارة ولا ادخار ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة وهو أن يعري الرجل تمر نخله من نخله ولا يسلم ذلك له ثم يبدو له في ارتجاع تلك الهبة فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب بخرصه تمرا وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي بيع الثمر بالتمر وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في حديث بن عمر كما تقدم وفي حديث غيره وحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان من أصحابهم أن معنى الرخصة أن الذي وهبت له العرية لم يملكها لأن الهبة لا تملك إلا بالقبض فلما جاز له أن يعطي بدلها تمرا وهو لم يملك المبدل منه حتى يستحق البدل كان ذلك مستثنى وكان رخصة وقال الطحاوي بل معنى الرخصة فيه أن المرء مأمور بإمضاء ما وعد به ويعطي بدله ولو لم يكن واجبا عليه فلما أذن له أن يحبس ما وعد به ويعطى بدلا ولا يكون في حكم من أخلف وعده ظهر بذلك معنى الخرصة واحتج لمذهبه بأشياء تدل على أن العرية العطية ولا حجة في شيء منها لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق العرية شرعا على صور أخرى قال بن المنذر الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة قال ونظير ذلك الإذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك قال فمن أجاز السلم مع كونه مستثنى من بيع ما ليس عندك ومنع العرية مع كونها مستثناة من بيع الثمر بالتمر فقد تناقض وأما حملهم الرخصة على الهبة فبعيد مع تصريح الحديث بالبيع واستثناء العرايا منه فلو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون إلا بعد ممنوع والمنع إنما كان في البيع لا الهبة وبأن الرخصة قيدت بخمسة أوسق أو ما دونها والهبة لاتتقيد لأنهم لم يفرقوا في الرجوع في الهبة بين ذي رحم وغيره وبأنه لو كان الرجوع جائزا فليس إعطاؤه بالتمر بدل الرطب بل هو تجديد هبة أخرى فإن الرجوع لا يجوز فلا يصح تأويلهم قوله وقال بن إسحاق في حديثه عن نافع عن بن عمر كانت العرايا أن يعرى الرجل الرجل في ماله النخلة والنخلتين أما حديث بن إسحاق عن نافع فوصله الترمذي دون تفسير بن إسحاق وأما تفسيره فوصله أبو داود عنه بلفظ النخلات وزاد فيه فيشق عليه فيبيعها بمثل خرصها وهذا قريب من الصورة التي قصر مالك العرية عليها قوله وقال يزيد يعني بن هارون عن سفيان بن حسين العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها فرخص لهم أن يبيعوها بما شاءوا من التمر وهذا وصله الإمام أحمد في حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه عن زيد بن ثابت مرفوعا في العرايا قال سفيان بن حسين فذكره وهذه إحدى الصور المتقدمة واحتج لمالك في قصر العرية على ما ذكره بحديث سهل بن أبي حثمة المذكور في الباب الذي قبله بلفظ يأكلها أهلها رطبا فتمسك بقوله أهلها والظاهر أنه الذي أعراها ويحتمل أن يراد بالأهل من نصير إليه بالشراء والأحسن في الجواب أن حديث سهل دل على صورة من صور العرية وليس فيه التعرض لكون غيرها ليس عرية وحكى عن الشافعي تقييدها بالمساكين على ما في حديث سفيان بن حسين وهو اختيار المزني وأنكر الشيخ أبو حامد نقله عن الشافعي ولعل مستند من أثبته ما ذكره الشافعي في اختلاف الحديث عن محمود بن لبيد قال قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم هذه قال فلان وأصحابه شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ولا فضة يشترون بها منه وعندهم فضل تمر من قوت سنتهم فرخص لهم أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا قال الشافعي وحديث سفيان يدل لهذا فإن قوله يأكله أهلها رطبا يشعر بأن مشتري العرية يشتريها ليأكلها وأنه ليس له رطب يأكله غيرها ولو كان المرخص له في ذلك صاحب الحائط يعني كما قال مالك لكان لصاحب الحائط من حائطه من الرطب ما يأكله غيرها ولم يفتقر إلى بيع العرية وقال بن المنذر هذا الكلام لا أعرف أحدا ذكره غير الشافعي وقال السبكي هذا الحديث لم يذكر الشافعي إسناده وكل من ذكره إنما حكاه عن الشافعي ولم يجد البيهقي في المعرفة له إسنادا قال ولعل الشافعي أخذه من السير يعني سير الواقدي قال وعلى تقدير صحته فليس فيه حجة للتقييد بالفقير لأنه لم يقع في كلام الشارع وإنما ذكره في القصة فيحتمل أن تكون الرخصة وقعت لأجل الحاجة المذكورة ويحتمل أن يكون للسؤال فلايتم الاستدلال مع إطلاق الأحاديث المنصوصة من الشارع وقد اعتبر هذا القيد الحنابلة مضموما إلى ما اعتبره مالك فعندهم لا تجوز العرية إلا لحاجة صاحب الحائط إلى البيع أو لحاجة المشتري إلى الرطب والله أعلم

[ 2080 ] قوله حدثنا محمد كذا للأكبر غير منسوب ووقع في رواية أبي ذر هو بن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك وقلة قال موسى بن عقبة أي بالإسناد المذكور إليه قوله والعرايا نخلات معلومات تأتيها فتشتريها أي تشتري ثمترها بتمر معلوم وكأنه اختصره للعلم به ولم أجده في شيء من الطرق عنه إلا هكذا ولعله أراد أن يبين أنها مشتقة من عروت إذا أتيت وترددت إليه لا من العرى بمعنى التجرد قاله الكرماني وقد تقدم قول يحيى بن سعيد العرية أن يشتري الرجل ثمر النخلات لطعام أهله رطبا بخرصها تمرا وفي لفظ عنه أن العرية النخلة تجعل للقوم فيبيعونها بخرصها تمرا وقال القرطبي كأن الشافعي اعتمد في تفسيره العرية على قول يحيى بن سعيد وليس يحيى صحابيا حتى يعتمد عليه مع معارضة رأي غيره له ثم قال وتفسير يحيى مرجوح بأنه عين المزابنة المنهي عنها في قصة لا ترهق إليها حاجة أكيدة ولا تندفع بها مفسدة فإن المشتري لها بالتمر متمكن من بيع ثمره بعين وشرائه بالعين ما يريده من الرطب فإن قال يتعذر هذا قيل له فأجز بيع الرطب بالتمر ولو لم يكن الرطب على النخل وهو لا يقول بذلك انتهى والشافعي أقعد باتباع أحاديث هذا الباب من غيره فإنها ناطقة باستثناء العرايا من بيع المزابنة وأما إلزامه الأخير فليس بلازم لأنها رخصة وقعت مقيدة بقيد فيتبع القيد وهو كون الرطب على رؤوس النخل مع أن كثيرا من الشافعية ذهبوا إلى إلحاق الرطب بعد القطع بالرطب على رؤوس النخل بالمعنى كما تقدم والله أعلم وكل ما ورد من تفسير العرايا في الأحاديث لا يخالفه الشافعي فقد روى أبو داود من طريق عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد وهو أخو يحيى بن سعيد قال العرية الرجل يعرف الرجل النخلة أو الرجل يستثني من ماله النخلة يأكلها رطبا فيبيعها تمرا وقال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع قال سمعنا في تفسير العرية أنها النخلة يرثها الرجل أو يشتريها في بستان الرجل وإنما يتجه الاعتراض على من تمسك بصورة من الصور الواردة في تفسير العرية ومنع غيرها وأما من عمل بها كلها ونظمها في ضابط يجمعها فلا اعتراض عليه والله أعلم

قوله باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها يبدو بغير همز أي يظهر والثمار بالمثلثة جمع ثمرة بالتحريك وهي أعم من الرطب وغيره ولم يجزم بحكم في المسألة لقوة الخلاف فيها وقد اختلف في ذلك على أقوال فقيل يبطل مطلقا وهو قول بن أبي ليلى والثوري ووهم من نقل الإجماع على البطلان وقيل يجوز مطلقا ولو شرط التبقية وهو قول يزيد بن أبي حبيب ووهم من نقل الإجماع فيه أيضا وقيل إن شرط القطع لم يبطل وإلا بطل وهو قول الشافعي وأحمد والجمهور وروياه عن مالك وقيل يصح إن لم يشترط التبقية والنهي فيه محمول على بيع الثمار قبل أن توجد أصلا وهو قول أكثر الحنفية وقيل هو على ظاهره لكن النهي فيه للتنزيه وحديث زيد بن ثابت المصدر به الباب يدل للأخير وقد يحمل على الثاني وذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الأول حديث زيد بن ثابت

[ 2081 ] قوله وقال الليث عن أبي الزناد الخ لم أره موصولا من طريق الليث وقد رواه سعيد بن منصور عن أبي الزناد عن أبيه نحو حديث الليث و لكن بالإسناد الثاني دون الأول وأخرجه أبو داود والطحاوي من طريق يونس بن يزيد عن أبي الزناد بالإسناد الأول دون الثاني وأخرجه البيهقي من طريق يونس بالإسنادين معا قوله من بني حارثة بالمهملة والمثلثة وفي هذا الإسناد رواية تابعي عن مثله عن صحابي عن مثله والأربعة مدنيون قوله فإذا جذ الناس بالجيم والذال المعجمة الثقيلة أي قطعوا ثمر النخل أي استحق الثمر القطع وفي رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي أجذ بزيادة ألف ومثله للنسفي قال بن التين معناه دخلوا في زمن الجذاذ كأظلم إذا دخل في الظلام والجذاذ صرام النخل وهو قطع ثمرتها وأخذها من الشجر قوله وحضر تقاضيهم بالضاد المعجمة قوله قال المبتاع أي المشتري قوله الدمان بفتح المهملة وتخفيف الميم ضبطه أبو عبيد وضبطه الخطابي بضم أوله قال عياض هما صحيحان والضم رواية القابسي والتفح رواية السرخسي قال ورواها بعضهم بالكسر وذكره أبو عبيد عن أبي الزناد بلفظ الإدمان زاد في أوله الألف وفتحها وفتح الدال وفسره أبو عبيد بأنه فساد الطلع وتعفنه وسواده وقال الأصمعي الدمال باللام العفن وقال القزاز الدمان فساد النخل قبل إدراكه وإنما يقع ذلك في الطلع يخرج قلب النخلة أسود معفونا ووقع في رواية يونس الدمار بالراء بدل النون وهو تصحيف كما قاله عياض ووجهه غيره بأنه أراد الهلاك كأنه قرأه بفتح أوله قوله أصابه مرض في رواية الكشميهني والنسفي مراض بكسر أوله للأكثر وقال الخطابي بضمه وهو اسم لجميع الأمراض بوزن الصداع والسعال وهو داء يقع في الثمرة فتهلك يقال أمرض إذا وقع في ماله عاهة وزاد الطحاوي في رواية أصبه عفن وهو بالمهلمة والفاء المفتوحتين قوله قشام بضم القاف بعدها معجمة خفيفة زاد الطحاوي في روايته والقشام شيء يصيبه حتى لا يرطب وقال الأصمعي هو أن ينتقص ثم النخل قبل أن يصير بلحا وقيل هو آكال يقع في الثمر قوله عاهات جمع عاهة وهو بدل المذكورات أولا والعاهة العيب والآفة والمراد بها هنا ما يصيب الثمر مما ذكر قوله فإما لا أصلها إن الشرطية وما زائدة فأدغمت قال بن الأنباري هي مثل قوله فإما ترين من البشر أحدا فاكتفى بلفظه عن الفعل وهو نظير قولهم من أكرمني أكرمته ومن لا أي ومن لم يكرمني لم أكرمه والمعنى إن لا تفعل كذا فافعل كذا وقد نطقت العرب بإمالة لا إمالة خفيفة والعامة تشبع امالتها وهو خطأ قوله كالمشورة بضم المعجمة وسكون الواو وسكون المعجمة وفتح الواو لغتان فعلى الأول فهي فعولة وعلى الثاني مفعلة وزعم الحريري أن الإسكان من لحن العامة وليس كذلك فقد أثبتها الجامع والصحاح والمحكم وغيرهم قوله وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت القائل هو أبو الزناد قوله حتى تطلع الثريا أي مع الفجر وقد روى أبو داود من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا قال إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل بلد وفي رواية أبي حنيفة عن عطاء رفعت العاهة عن الثمار والنجم هو الثريا وطلوعها صباحا يقع في أول فصل الصيف وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار فالمعتبر في الحقيقية النضج وطلوع النجم علامة له وقد بينه في الحديث بقوله ويتبين الأصفر من الأحمر وروى أحمد من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة سألت بن عمر عن بيع الثمار فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة قلت ومتى ذلك قال حتى تطلع الثريا ووقع في رواية بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة عن أبيه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نتبايع الثمار قبل أن يبدو صلاحها فسمع خصومة فقال ما هذا فذكر الحديث فأفاد مع ذكر السبب وقت صدور النهي المذكور قوله ورواه على بن بحر هو القطان الرازي أحد شيوخ البخاري وحكام هو بن سلم بفتح المهملة وسكون اللام رازي أيضا وعنبسة بسكون النون وفتح الموحدة بعدها مهملة هو بن سعيد بن الضريس بالضاد المعجمة مصغر ضرس كوفي ولي قضاء الري فعرف بالرازي وقد روى أبو داود حديث الباب من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد وهو غير هذا وقد خفي هذا على أبي على الصدفي فرأيت بخطه في هامش نسخته ما نصه حديث عنبسة الذي أخرجه البخاري عن حكام أخرجه الباجي من طريق أبي داود عن أحمد بن صالح عن عنبسة انتهى فظن أنهما واحد وليس كذلك بل هما اثنان وشيخهما مختلف وليس لعنبسة بن سعيد هذا في البخاري سوى هذا الموضع الموقوف بخلاف عنبسة بن خالد وكذا زكريا شيخه وهو بن خالد الرازي ولا أعرف عنه راويا غير عنبسة بن سعيد المذكور وقوله عن سهل أي بن أبي حثمة المتقدم ذكره وزيد هو بن ثابت والغرض أن الطريق الأولى عن أبي الزناد ليست غريبة فرده الحديث الثاني حديث نافع عن بن عمر بلفظ نهى عن بيع الثمار حتى يبدوا صلاحها نهى البائع والمشتري أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل وأما المشتري فلئلا يضيع ماله ويساعد البائع على الباطل وفيه أيضا قطع النزاع والتخاصم ومقتضاه جواز بيعها بعد بدو الصلاح مطلقا سواء اشترط الإبقاء أم لم يشترط لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها وقد جعل النهي ممتدا إلى غاية بدو الصلاة والمعنى فيه أن تؤمن فيها العاهة وتغلب السلامة فيثق المشتري بحصولها بخلاف ما قبل بدو الصلاح فإنه بصدد الغرر وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أيوب عن نافع فزاد في الحديث حتى يأمن العاهة وفي رواية يحيى بن سعيد عن نافع بلفظ وتذهب عنه الآفة يبدو صلاحه حمرته وصفرته وهذا التفسير من قول بن عمر بينه مسلم في روايته من طريق شعبة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر فقيل لابن عمر ما صلاحه قال تذهب عاهته وإلى الفرق بين ما قبل ظهور الصلاح وبعده ذهب الجمهور وعن أبي حنيفة إنما يصح بيعها في هذه الحالة حيث لا يشترط الإبقاء فإن شرطه لم يصح البيع وحكى النووي في شرح مسلم عنه أنه أوجب شرط القطع في هذه الصورة وتعقب بأن الذي صرح به أصحاب أبي حنيفة أنه صحح البيع حالة الإطلاق قبل بدو الصلاح وبعده وأبطله بشرط الإبقاء قبله وبعده وأهل مذهبه أعرف به من غيرهم واختلف السلف في

[ 2082 ] قوله حتى يبدو صلاحها هل المراد به جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلا جاز بيع ثمرة جميع البساتين وإن لم يبد الصلاح فيها أو لا بد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة أو لا بد من بدو الصلاح في كل جنس على حدة أو في كل شجرة على حدة على أقوال والأول قول الليث وهو عند المالكية بشرط أن يكون الصلاح متلاحقا والثاني قول أحمد وعنه رواية كالرابع والثالث قول الشافعية ويمكن أن يؤخذ ذلك من التعبير ببدو الصلاح لأنه دال على الاكتفاء بمسمى الإزهار من غير اشتراط تكامله فيؤخذ منه الاكتفاء بزهو بعض الثمرة وبزهو بعض الشجرة مع حصول المعنى وهو الأمن من العاهة ولولا حصول المعنى لكان تسميتها مزهية بأزهاء بعضها قد لا يكتفي به لكونه على خلاف الحقيقة وأيضا فلو قيل بأزهاء الجميع لأدى إلى فساد الحائط أو أكثره وقد من الله تعالى بكون الثمار لا تطيب دفعة واحدة ليطول زمن التفكه بها الحديث الثالث حديث أنس

[ 2083 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله عن أنس سيأتي في الباب الذي يليه من وجه آخر عن حميد قال حدثنا أنس قوله نهى أن تباع ثمرة النخل كذا وقع التقييد بالنخل في هذه الطريق وأطلق في غيرها ولا فرق في الحكم بين النخل وغيره وإنما ذكر النخل لكونه كان الغالب عندهم قوله قال أبو عبد الله يعني حتى تحمر كذا وقع هنا وأبو عبد الله هو المنصف ورواية الإسماعيلي تشعر بأن قائل ذلك هو عبد الله بن المبارك فلعل أداة الكنية في روايتنا مزيدة وسيأتي هذا التفسير في الباب إلي يليه في نفس الحديث ونذكر فيه من حكى أنه مدرج الحديث الرابع حديث جابر

[ 2084 ] قوله حتى تشقح بضم أوله من الرباعي يقال أشقح ثمر النخل إشقاحا إذا أحمر أو اصفر والاسم الشقح بضم المعجمة وسكون القاف بعدها مهملة وذكره مسلم من وجه آخر عن جابر بلفظ حتى تشقه فأبدل من الحاء هاء لقربها منها قوله فقيل وما تشقح هذا التفسير من قول سعيد بن ميناء راوي الحديث بين ذلك أحمد في روايته لهذا الحديث عن بهز بن أسد عن سليم بن حيان أنه هو الذي سأل سعيد بن ميناء عن ذلك فأجابه بذلك وكذلك أخرجه مسلم من طريق بهز وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سليم بن حيان فقال في روايته قلت لجابر ما تشقح الخ فظهر أن السائل عن ذلك هو سعيد والذي فسره هو جابر وقد أخرج مسلم الحديث من طريق زيد بن أبي أنيسة عن أبي الوليد عن جابر مطولا وفيه وأن يشتري النخل حتى يشقه والأشقاه أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء وفي آخره فقال زيد فقلت لعطاء أسمعت جابرا يذكر هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم وهو يحتمل أن يكون مراده بقوله هذا جميع الحديث فيدخل فيه التفسير ويحتمل أن يكون مراده أصل الحديث لا التفسير فيكون التفسير من كلام الراوي وقد ظهر من رواية بن مهدي أنه جابر والله أعلم ومما يقوي كونه مرفوعا وقوع ذلك في حديث أنس أيضا وفيه دليل على أن المراد يبدو الصلاح قدر زائد على ظهور الثمرة وسبب النهي عن ذلك خوف الغرر لكثرة الجوائح فيها وقد بين ذلك في حديث أنس الآتي في الباب بعده فإذا احمرت وأكل منها أمنت العاهة عليها أي غالبا قوله تحمار وتصفار قال الخطابي لم يرد بذلك اللون الخالص من الصفرة والحمرة وإنما أراد حمرة أو صفرة بكمودة فلذلك قال تحمار وتصفار قال ولو أراد اللون الخالص لقال تحمر وتصفر وقال بن التين التشقيح تغير لونها إلى الصفرة والحمرة فأراد بقوله تحمار وتصفار ظهور أوائل الحمرة والصفرة قبل أن تشبع قال وإنما يقال تفعال في اللون الغير المتمكن إذا كان يتلون وأنكر هذا بعض أهل اللغة وقال لا فرق بين تحمر وتصفر وتحمار وتصفار ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في احمرارها واصفرارها كما تقرر أن الزيادة تدل على التكثير والمبالغة تكميل قال الداودي الشارح قول زيد بن ثابت كالمشورة يشير بها عليهم تأويل من بعض نقلة الحديث وعلى تقدير أن يكون من قول زيد بن ثابت فلعل ذلك كان في أول الأمر ثم ورد الجزم بالنهي كما بينه حديث بن عمر وغيره قلت وكأن البخاري استشعر ذلك فرتب أحاديث الباب بحسب ذلك فأفاد حديث زيد بن ثابت سبب النهي وحديث بن عمر التصريح بالنهي وحديث أنس وجابر بيان الغاية التي ينتهي إليها النهى

قوله باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع الأصول والتي قبلها لحكم بيع الثمار

[ 2085 ] قوله معلى بن منصور هو من كبار شيوخ البخاري وإنما روى عنه في الجامع بواسطة ووقع في نسخة الصغاني في آخر الباب قال أبو عبد الله كتبت أنا عن معلى بن منصور إلا أني لم أكتب عنه هذا الحديث قوله حتى يزهو يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وسيأتي في الباب الذي بعده بلفظ حتى تزهي وهو من أزهى إذا أحمر أو اصفر قوله قيل وما يزهو لم يسم السائل عن ذلك في هذه الرواية ولا المسئول وقد رواه إسماعيل بن جعفر كما سيأتي بعد خمسة أبواب عن حميد وفيه قلنا لأنس ما زهوها قال تحمر وفي رواية مسلم من هذا الوجه فقلت لأنس وكذلك رواه أحمد عن يحيى القطان عن حميد لكن قال قيل لأنس ما تزهو

قوله باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع جنح البخاري في هذه الترجمة إلى صحة البيع وإن لم يبد صلاحه لكنه جعله قبل الصلاح من ضمان البائع ومقتضاه أنه إذا لم يفسد فالبيع صحيح وهو في ذلك متابع للزهري كما أورده عنه في آخر الباب

[ 2086 ] قوله حتى تزهي قال الخطابي هذه الرواية هي الصواب فلا يقال في النخل تزهو إنما يقال تزهي لا غير وأثبت غيره ما نفاه فقال زها إذا طال واكتمل وأزهى إذا أحمر وأصفر قوله فقيل وما تزهي لم يسم السائل في هذه الرواية ولا المسئول أيضا وقد رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بلفظ قيل يا رسول الله وما تزهي قال تحمر وهكذا أخرجه الطحاوي من طريق يحيى بن أيوب وأبو عوانة من طريق سليمان بن بلال كلاهما عن حميد وظاهره الرفع ورواه إسماعيل بن جعفر وغيره عن حميد موقوفا على أنس كما تقدم في الباب الذي قبله قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا منع الله الثمرة الحديث هكذا صرح مالك برفع هذه الجملة وتابعه محمد بن عباد عن الدراوردي عن حميد مقتصرا على هذه الجملة الأخيرة وجزم الدارقطني وغير واحد من الحفاظ بأنه أخطأ فيه وبذلك جزم بن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة والخطأ في رواية عبد العزيز من محمد بن عباد فقد رواه إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي كرواية إسماعيل بن جعفر الآتي ذكرها ورواه معتمر بن سليمان وبشر بن المفضل عن حميد فقال فيه قال أفرأيت الخ قال فلا أدري أنس قال بم يستحل أو حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الخطيب في المدرج ورواه إسماعيل بن جعفر عن حميد فعطفه على كلام أنس في تفسير قوله تزهي وظاهره الوقف وأخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن هارون والخطيب من طريق أبي خالد الأحمر كلاهما عن حميد بلفظ قال أنس أرأيت إن منع الله الثمرة الحديث ورواه بن المبارك وهشيم كما تقدم آنفا عن حميد فلم يذكر هذا القدر المختلف فيه وتابعهما جماعة من أصحاب حميد عنه على ذلك قلت وليس في جميع ما تقدم ما يمنع أن يكون التفسير مرفوعا لأن مع الذي رفعه زيادة على ما عند الذي وقفه وليس في رواية الذي وقفه ما ينفي قوله من رفعه وقد روى مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر ما يقوي رواية الرفع في حديث أنس ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته عاهة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق واستدل بهذا على وضع الجوائح في الثمر يشتري بعد بدو صلاحه ثم تصيبه جائحة فقال مالك يضع عنه الثلث وقال أحمد وأبو عبيد يضع الجميع وقال الشافعي والليث والكوفيون لا يرجع على البائع بشيء وقالوا إنما ورد وضع الجائحة فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس والله أعلم واستدل الطحاوي بحديث أبي سعيد أصيب رجل في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال فلما لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار وفيهم باعتها ولم يؤخذ الثمن منهم دل على أن الأمر بوضع الجوائح ليس على عمومه والله أعلم وقوله بم يستحل أحدكم مال أخيه أي لو تلف الثمر لا تنفي في مقابلته العوض فكيف يأكله بغير عوض وفيه إجراء الحكم على الغالب لأن تطرق التلف إلى ما بدا صالحه ممكن وعدم التطرق إلى ما لم يبد صلاحه ممكن فأنيط الحكم بالغالب في الحالتين

[ 2087 ] قوله وقال الليث حدثني يونس الخ هذا التعليق وصله الذهلي في الزهريات وقد تقدم الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل بهذا وأتم منه والغرض منه هنا ذكر استنباط الزهري للحكم المترجم به من الحديث

قوله باب شراء الطعام إلى أجل ذكر فيه حديث عائشة في شرائه صلى الله عليه وسلم طعاما إلى أجل وسيأتي الكلام عليه مستوفي في الرهن إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه أي ما يصنع ليسلم من الربا

[ 2089 ] قوله عن عبد المجيد بميم مفتوحة بعدها جيم ومن قاله بالمهملة ثم الميم فقد صحف وسيأتي ذكر ذلك في الوكالة قوله عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن زاد في الوكالة من هذا الوجه بن عوف قوله عن سعيد بن المسيب في رواية سليمان بن بلال عن عبد المجيد أنه سمع سعيد بن المسيب أخرجه المصنف في الاعتصام قوله عن أبي سعيد وعن أبي هريرة في رواية سليمان أن أبا سعيد وأبا هريرة حدثاه قال بن عبد البر ذكر أبي هريرة لا يوجد في هذا الحديث إلا لعبد المجيد وقد رواه قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وحده وكذلك رواه جماعة من أصحاب أبي سعيد عنه قلت رواية قتادة أخرجه النسائي وابن حبان من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه ولكن سياقه مغاير لسياق قصة عبد المجيد وسياق قتادة يشبه سياق عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد كما ستأتي الأشارة إليه في الوكالة قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر في رواية سليمان المذكورة بعث أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر فأمره عليها وأخرجه أبو عوانة والدارقطني من طريق الدراوردي عن عبد المجيد فسماه سواد بن غزية وهو بفتح السين المهملة وتخفيف الواو وفي آخره دال مهملة وغزية بغين معجمة وزاي وتحتانية ثقيلة بوزن عطية وسيأتي ذكر ذلك في المغازي في غزوة خيبر قوله بتمر جنيب بجيم ونون وتحتانية وموحدة وزن عظيم قال مالك هو الكبيس وقال الطحاوي هو الطيب وقيل الصلب وقيل الذي أخرج منه حشفه ورديئه وقال غيرهم هو الذي لا يخلط بغيره بخلاف الجمع قوله بالصاعين زاد في رواية سليمان من الجمع وهو بفتح الجيم وسكون الميم التمر المختلط قوله بالثلاث كذا للأكثر وللقابسي بالثلاثة وكلاهما جائز لأن الصاع يذكر ويؤنث قوله لا تفعل زاد سليمان ولكن مثلا بمثل أي بع بالمثل بالمثل وزاد في آخره وكذلك الميزان وكذا وقع ذكر الميزان في الطريق التي في الوكالة أي في بيع ما يوزن من المقتات بمثله قال بن عبد البر كل من روى عن عبد المجيد هذا الحديث ذكر فيه الميزان سوى مالك قلت وفي هذا الحصر نظر لما في الوكالة وهو أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه كل يقول على أصله أن كل ما دخله الربا من جهة التفاضل فالكيل والوزن فيه واحد ولكن ما كان أصله الكيل لا يباع إلا كيلا وكذا الوزن ثم ما كان أصله الوزن لا يصح أن يباع بالكيل بخلاف ما كان أصله الكيل فإن بعضهم يجيز فيه الوزن ويقول إن المماثلة تدرك بالوزن في كل شيء قال وأجمعوا على أن التمر بالتمر لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثل بمثل وساء فيه الطيب والدون وأنه كله على اختلاف أنواعه جنس واحد قال وأما سكوت من سكت من الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع إما ذهولا وإما اكتفاء بأن ذلك معلوم وقد ورد الفسخ من طريق أخرى كأنه يشير إلى ما أخرجه مسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد نحو هذه القسة وفيه فقال هذا الربا فردوه قال ويحتمل تعدد القصة وأن القصة التي لم يقع فيها الرد كانت قبل تحريم ربا الفضل والله أعلم وفي الحديث قيام عذر من لا يعلم التحريم حتى يعمله وفيه جواز الرفق بالنفس وترك الحمل على النفس لاختيار أكل الطيب على الرديء خلافا لمن منع ذلك من المتزهدين واستدل به على جواز بيع العينة وهو أن يبيع السلعة من رجل ينقد ثم يشتريها منه بأقل من الثمن لأنه لم يخص بقوله ثم اشتر بالدراهم جنيبا غير الذي باع له الجمع وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل ولكن يشيع فإذا عمل به في صورة سقط الاحتجاج به فيما عداها ولا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن أبعه تلك السلعة بعينها وقيل إن وجه الاستدلال به لذلك من جهة ترك الاستفصال ولا يخفى ما فيه وقال القرطبي استدل بهذا الحديث من لم يقل بسد الذرائع لأن بعض صور هذا البيع يؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلا ويكون الثمن لغوا قال ولا جة في هذا الحديث لأنه لم ينص على جواز شراء التمر الثاني ممن باعه التمر الأول ولا يتناوله ظاهر السياق بعمومه بل بإطلاقه والمطلق يحتمل التقييد إجمالا فوجب الاستفسار وإذا كان كذلك فتقييده بأدنى دليل كاف وقد دل الدليل على سد الذرائع فلتكن هذه الصورة ممنوعة واستدل بعضهم على الجواز بما أخرجه سعيد بن منصور من طريق بن سيرين أن عمر خطب فقال إن الدرهم بالدرهم سواء بسواء يدا بيد فقال له بن عوف فنعطي الجنيب ونأخذ غيره قال لا ولكن ابتع بهذا عرضا فإذا قبضته وكان له فيه نية فاهضم ما شئت وخذ أي نقد شئت واستدل أيضا بالاتفاق على أن من باع السلعة التي اشتراها ممن اشتراها منه بعد مدة فالبيع صحيح فلا فرق بين التعجيل في ذلك والتأجيل فدل على أن المعتبر في ذلك وجود الشرط في أصل العقد وعدمه فإن تشارطا على ذلك في نفس العقد فهو باطل أو قبله ثم وقع العقد بغير شرط فهو صحيح ولا يخفى الورع وقال بعضهم ولا يضر إرادة الشراء إذا كان بغير شرط وهو كمن أراد أن يزني بامرأة ثم عدل عن ذلك فخطبها وتزوجها فإنه عدل عن الحرام إلى الحلال بكلمة الله التي أباحها وكذلك البيع والله أعلم وفي الحديث جواز اختيار طيب الطعام وجواز الوكالة في البيع وغيره وفيه أن البيوع الفاسدة ترد وفيه حجة على من قال إن بيع الربا جائز بأصله من حيث أنه بيع ممنوع بوصفه من حيث أنه ربا فعلى هذا يسقط الربا ويصح البيع قاله القرطبي قال ووجه الرد أنه لو كان كذلك لما رد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصفقة ولأمره برد الزيادة على الصاع

قوله من باع نخلا قد أبرت أو أرضا مزروعة أو بإجارة أي أخذ شيئا مما ذكر بإجارة والنخل اسم جنس يذكر ويؤنث والجمع نخيل وقوله أبرت بضم الهمزة وكسر الموحدة مخففا على المشهور ومشددا والراء مفتوحة فقال أبرت النخل آبره ابرا بوزن أكلت الشيء آكله أكلا ويقال أبرته بالتشديد أؤبرت تأبيرا بوزن علمته أعلمه تعليما والتأبير التشقيق والتلقيح ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيه شيء من طلع النخلة الذكر والحكم مستمر بمجرد التشقيق ولو لم يضع فيه شيئا وروى مسلم من حديث طلحة قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل فقال ما يصنع هؤلاء قالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح الحديث قوله وقال لي إبراهيم يعني بن موسى الرازي وهشام شيخه هو بن يوسف الصنعاني قوله أيما نخل هكذا رواه بن جريج عن نافع موقوفا قال البيهقي ونافع يروي حديث النخل عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث العبد عن بن عمر عن عمر موقوفا قلت وقد أسند المؤلف حديث العبد مرفوعا كما سيأتي التنبيه عليه في كتاب الشرب ونذكر هناك إن شاء الله تعالى ما وقع لصاحب العمدة وشارحيها من الوهم فيه وحديث الحارث لم يروه غير بن جريج والرواية الموصولة ذكرها مالك والليث كما تراه في هذا الباب وفي الباب الذي يلي الباب الذي بعده ووصل مالك والليث وغيرهما عن نافع عن بن عمر قصة النخل دون غيرها واختلف على نافع وسالم في رفع ما عدا النخل فرواه الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعا في قصة النخل والعبد معا هكذا أخرجه الحفاظ عن الزهري وخالفهم سفيان بن حسين فزاد فيه بن عمر عن عمر مرفوعا لجميع الأحاديث أخرجه النسائي وروى مالك والليث وأيوب وعبيد الله بن عمر وغيرهم عن نافع عن بن عمر قصة النخل وعن بن عمر عن عمر قصة العبد موقوفة كذلك أخرجه أبو داود من طريق مالك بالإسنادين معا وسيأتي في الشرب من طريق مالك في قصة العبد موقوفة وجزم مسلم والنسائي والدارقطني بترجيح رواية نافع المفصلة على رواية سالم ومال على بن المديني والبخاري وابن عبد البر إلى ترجيح رواية سالم وروى عن نافع رفع القصتين أخرجه النسائي من طريق عبد ربه بن سعيد عنه وهو وهم وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال ما هو إلا عن عمر شأن العبد وهذا لا يدفع قوله من صحح الطريقين وجوز أن يكون الحديث عند نافع عن بن عمر على الوجهين قوله وكذلك العبد والحرث يشير بالعبد إلى حديث من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع وصورة تشبيهه بالنخل من جهة الزوائد في كل منهما وأما الحرث فقال القرطبي أبار كل شيء بحسب ما جرت العادة أنه إذا فعل فيه نبتت ثمرته وانعقدت فيه ثم قد يعبر به عن ظهور الثمرة وعن انعقادها وإن لم يفعل فيها شيء

[ 2090 ] قوله من باع نخلا قد أبرت في رواية نافع الآتية بعد يسير أيما رجل أبر نخلا ثم باع أصلها الخ وقد استدل بمنطوقه على أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع وبمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة أنها تدخل في البيع وتكون للمشتري وبذلك قال جمهور العلماء وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا تكون للبائع قبل التأبير وبعده وعكس بن أبي ليلى فقال تكون للمشتري مطلقا وهذا كله عند إطلاق بيع النخل من غير تعرض للثمرة فإن شرطها المشتري بأن قال اشتريت النخل بثمرتها كانت للمشتري وإن شرطها البائع لنفسه قبل التأبير كانت له وخالف مالك فقال لا يجوز شرطها للبائع فالحاصل أنه يستفاد من منطوقه حكمان ومن مفهومه حكمان أحدهما بمفهوم الشرط والآخر بمفهوم الاستثناء قال القرطبي القول بدليل الخطاب يعني بالمفهوم في هذا ظاهر لأنه لو كان حكم غير المؤبرة حكم المؤبرة لكان تقييده بالشرط لغوا لا فائدة فيه تنبيه لا يشترط في التأبير أن يؤبره أحد بل لو تأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به قوله إلا أن يشترط المبتاع المراد بالمبتاع المشتري بقرينه الإشارة إلى البائع بقوله من باع وقد استدل بهذا الإطلاق على أنه يصح اشتراط بعض الثمرة كما يصح اشتراط جميعها وكأنه قال إلا أن يشترط المبتاع شيئا من ذلك وهذه هي النكتة في حذف المفعول وانفرد بن القاسم فقال لا يجوز له شرط بعضها واستدل به على أن المؤبر يخالف في الحكم غير المؤبر وقال الشافعية لو باع نخلة بعضها مؤبر وبعضها غير مؤبر فالجميع للبائع وإن باع نخلتين فكذلك يشترط اتحاد الصفقة فإن أفرد فلكل حكمة ويشترط كونهما في بستان واحد فإن تعدد فلكل حكمة ونص أحمد على أن الذي يؤبر للبائع والذي لا يؤبر للمشري وجعل المالكية الحكم للأغلب وفي الحديث جواز التأبير وأن الحكم المذكور مختص بإناث النخل دون ذكروه وأما ذكوره فللبائع نظرا إلى المعنى ومن الشافعية من أخذ بظاهر التأبير فلم يفرق بن أنثى وذكر واختلفوا فيما لو باع نخلة وبقيت ثمرتها له ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة فقال بن أبي هريرة هو للمشتري لأنه ليس للبائع إلا ما وجد دون ما لم يوجد وقال الجمهور هو للبائع لكونه من ثمرة المؤبرة دون غيرها ويستافد من الحديث أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد لا يفسد البيع فلا يدخل في النهي عن بيع وشرط واستدل الطحاوي بحديث الباب على جواز بيع الثمرة قبل بدو صالحها واحتج به لمذهبه الذي حكيناه في ذلك وقد تعقبه البيهقي وغيره بأنه يستدل بالشيء في غير ما ورد فيه حتى إذا جاء ما ورد فيه استدل بغير عليه كذلك فيستدل لجواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بحديث التأبير ولا يعمل بحديث التأبير بل لا فرق عنده كما تقدم في البيع قبل التأبير وبعده فإن الثمرة في ذلك للمشتري سواء شرطها البائع لنفسه أو لم يشترطها والجمع بين حديث التأبير وحديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح سهل بأن الثمرة في بيع النخل تابعه للنخل وفي حديث النهي مستقلة وهذا واضح جدا والله أعلم بالصواب

قوله باب بيع الزرع بالطعام كيلا ذكر فيه حديث بن عمر في النهي عن المزابنة وفيه وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام قال بن بطال أجمع العلماء على أنه لا يجوز بيع الزرع قبل أن يقطع بالطعام لأنه بيع مجهول بمعلوم وأما بيع رطب ذلك بيابسه بعد القطع وإمكان المماثلة فالجمهور لا يجيزون بيع شيء من ذلك بجنسه لا متفاضلا ولا متماثلا انتهى وقد تقدم البحث في ذلك قبل أبواب واحتج الطحاوي لأبي حنيفة في جواز بيع الزرع الرطب بالحب اليابس بأنهم أجمعوا على جواز بيع الرطب بالرطب مثلا بمثل مع أن رطوبة أحدهما ليست كرطوبة الآخر بل تختلف اختلافا متباينا وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد وبأن الرطب بالرطب وإن تفاوت لكنه نقصان يسير فعفى عنه لقلته بخلاف الرطب بالتمر فإن تفاوته تفاوت كثير والله أعلم

قوله باب بيع النخل بأصله ذكر فيه حديث بن عمر في التأبير وقد تقدم البحث فيه قبل بباب وأورده هنا من رواية الليث عن نافع بلفظ أيما امرئ أبر نخلا ثم باع أصلها قال بن بطال ذهب الجمهور إلى منع من اشترى النخل وحده أن يشتري ثمره قبل بدو صلاحه في صفقة أخرى بخلاف ما لو اشتراه تبعا للنخل فيجوز وروى بن القاسم عن مالك الجواز مطلقا قال والأول أولى لعموم النهي عن ذلك

قوله باب بيع المخاضرة بالخاء والضاد المعجمتين وهي مفاعلة من الخضرة والمراد بيع الثمار والحبوب قبل أن يبدو صلاحها

[ 2093 ] قوله حدثنا إسحاق بن وهب أي العلاف الواسطي وهو ثقة ليس له ولا لشيخه ولا لشيخ شيخه في البخاري غير هذا الموضوع قوله حدثنا عمرو بن يونس حدثنا أبي هو يونس بن القاسم اليمامي من بني حنيفة وثقه يحيى بن معين وغيره قليل الحديث قوله عن المحاقلة قال أبو عبيد هو بيع الطعام في سنبله بالبر مأخوذ من الحقل وقال الليث الحقل الزرع إذا تشعب من قبل أن يغلظ سوقة والمنهي عنه بيع الزرع قبل إدراكه وقيل بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وقيل بيع ما في رؤوس النخل بالتمر وعن مالك هو كراء الأرض بالحنطة أو بكيل طعام أو إدام والمشهور أن المحاقلة كراء الأرض ببعض ما تنبت وسيأتي البحث فيه في كتاب المزارعة إن شاء الله تعالى وقد تقدم الكلام على الملامسة والمنابذة في بابه وكذلك المزابنة زاد الإسماعيل في روايته قال يونس بن القاسم والخاضرة بيع الثمار قبل أن تطعم وبيع الزرع قبل أن يشتد ويفرك منه وللطحاوي قال عمر بن يونس فسر لي أبي في المخاضرة قال لا يشتري من ثمر النخل حتى يونع يحمر أو يصفر وبيع الزرع الأخضر مما يحصد بطنا بعد بطن مما يهتم بمعرفة الحكم فيه وقد أجازه الحنفية مطلقا ويثبت الخيار إذا اختلف وعند مالك يجوز إذا بدا صلاحه وللمشتري ما يتجدد منه بعد ذلك حتى ينقطع ويغتفر الغرر في ذلك للحاجة وشبه بجواز كراء خدمة العبد مع أنها تتجدد وتختلف وبكراء المرضعة مع أن لبنها يتجدد ولا يدري كم يشرب منه الطفل وعند الشافعية يصح بعد بدو الصلاح مطلقا وقبله يصح بشرط القطع ولا يصح بيع الحب في سنبله كالجوز واللوز ثم ذكر في الباب حديث أنس في النهي عن بيع ثمر النخل حتى يزهو وقد تقدم البحث فيه قريبا

قوله باب بيع الجمار وأكله بضم الجيم وتشديد الميم هو قلب النخلة وهو معروف ذكر فيه حديث بن عمر من الشجر شجرة كالرجل المؤمن وقد تقدمت مباحثه في كتاب العلم وليس فيه ذكر البيع لكن الأكل منه يقتضي جواز بيعه قاله بن المنير ويحتمل أن يكون أشار إلى أنه لم يجد حديثا على شرطه يدل بمطابقته على بيع الجمار وقال بن بطال بيع الجمار وأكله من المباحات بلا خلاف وكل ما انتفع به للأكل فبيعه جائز قلت فائدة الترجمة رفع توهم المنع من ذلك لأنه قد يظن إفسادا وإضاعة وليس كذلك وفي الحديث أكل النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة القوم فيرد بذلك على من كره إظهار الأكل واستحب اخفاءه قياسا على إخفاء مخرجه

قوله باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة قال بن المنير وغيره مقصوده بهذه الترجمة اثبات الاعتماد على العرف وأنه يقضي به على ظواهر الألفاظ ولو أن رجلا وكل رجلا في بيع سلعة فباعها بغير النقد الذي عرف الناس لم يجز وكذا لو باع موزونا أو مكيلا بغير الكيل أو الوزن المعتاد وذكر القاضي الحسين من الشافعية أن الرجوع إلى العرف في معرفة أسباب الأحكام من الصفات الإضافية كصغر ضبة الفضة وكبرها وغالب الكثافة في اللحية ونادرها وقرب منزله وبعده وكثرة فعل أو كلام وقتله في الصلاة ومقابلا بعوض في البيع وعينا وثمن مثل ومهر مثل وكفء نكاح ومؤونة ونفقة وكسوة وسكنى وما يليق بحال الشخص من ذلك ومنها الرجوع إليه في المقادير كالحيض والطهر وأكثر مدة الحمل وسنن اليأس ومنها الرجوع إليه في فعل غير منضبط يترتب عليه الأحكام كأحياء الموات والأذن في الضيافة ودخول بيت قريب وتبسط مع صديق وما يعد قبضا وإيداعا وهدية وغصبا وحفظ وديعة وانتفاعا بعارية ومنها الرجوع إليه في أمر مخصص كألفاظ الأيمان وفي الوقف والوصية والتفويض ومقادير المكاييل والموازين والنقود وغير ذلك قوله وقال شريح للغزالين بالمعجمة وتشديد الزاي قوله سنتكم بينكم أي جائزة وهذا على أن يقرأ سنتكم بالرفع ويحتمل أن يقرأ بالنصب على حذف فعل أي الزموا وهذا وصله سعيد بن منصور من طريق بن سيرين أن ناسا من الغزالين اختصموا إلى شريح في شيء كان بينهم فقالوا إن سنتنا بيننا كذا وكذا فقال سنتكم بينكم تنبيه وقع في بعض نسخ الصحيح سنتكم بينكم ربحا وقوله ربحا لفظه زائدة لا معنى لها هنا وإنما هي في آخر الأثر الذي بعده قوله وقال عبد الوهاب هو بن عبد المجيد عن أيوب عن محمد هو بن سيرين وهذا وصله أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهاب هذا قوله لا بأس العشرة بأحد عشر أي لا بأس أن يبيع ما اشتراه بمائة دينار مثلا كل عشرة منه بأحد عشر فيكون رأس المال عشرة والربح دينارا قال بن بطال أصل هذا الباب بيع الصبرة كل قفيز بدرهم من غير أن يعلم مقدار الصبرة فأجازه قوم ومنعه آخرون قلت وفي كون هذا الفرع هو المراد من أثر أبن سيرين نظرا لا يخفى وأما قوله ويأخذ للنفقة ربحا فاختلفوا فيه فقال مالك لا يأخذ إلا فيما تأثير في السلعة كالصبغ والخياطة وأما أجرة السمسار والطي والشد فلا قال فإن أربحه المشتري على ما لا تأثير له جاز إذا رضي بذلك وقال الجمهور للبائع أن يحسب في المرابحة جميع ما صرفه ويقول قام على بكذا ووجه دخول هذا الأثر في الترجمة الإشارة إلى أنه إذا كان في عرف البلد أن المشتري بعشرة دراهم يباع بأحد عشرة فباعه المشتري على ذلك العرف لم يكن به بأس قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند أي بنت عتبة زوج أبي سفيان وقد ذكر قصتها موصولة في الباب قوله واكترى الحسن أي البصري من عبد الله بن مرداس حمار الخ وصله سعيد بن منصور عن هشمي عن يونس فذكر مثله وقوله الحمار الحمار بالنصب فيهما بفعل مضمر أي أحضر أو أطلب ويجوز الرفع أي المطلوب والدانق بالمهلمة ونون خفيفة مكسورة بعدها قاف وزن سدس درهم ووجه دخوله في الترجمة ظاهر من جهة أنه لم يشارطه اعتماد على الأجرة المتقدمة وزاد بعد ذلك على الأجرة المذكورة على طريق الفضل ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث أنس في قصة أبي طيبة وقد تقدم ذكره في أوائل البيوع وساقه فيه بهذا الإسناد ووجه دخوله في الترجمة كونه صلى الله عليه وسلم لم يشارطه على أجرته اعتمادا على العرف في مثله ثانيها حديث عائشة في قصة هند وسيأتي الكلام عليه في كتاب النفقات والمراد منها قوله خذي من ماله ما يكفيك بالمعروف فأحالها على العرف فيما ليس فيه تحديد شرعي ثالثها حديث عائشة في قوله تعالى

[ 2098 ] ومن كان غنيا فليستعفف وسيأتي الكلام عليه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى فإنه ساقه عن إسحاق هذا بهذا الإسناد فظهر من سياقه أنه هنا بلفظ عثمان بن فرقد وهناك بلفظ عبد الله بن نمير وقد ذكره هنا بلفظ وإلي اليتيم الذي يقيم عليه وقال بن التين الصواب يقوم لأنه من القيام لا من الإقامة قلت وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن هشام ولم يقع في رواية بن نمير شيء من ذلك ولا في رواية أبي أسامة في الصوايا ورواية يقيم مواجهة أن يلازمه أو يقيم نفسه عليه وإسحاق شيخ البخاري فيه هو بن منصور كما جزم به خلف وغيره في الأطراف وقد استخرجه أبو نعيم من مسنده إسحاق بن راهويه عن بن نمير وقال أخرجه البخاري عن إسحاق وقال في التفسير أخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور وهشام هو بن عروة وعثمان بن فرقد بفاء وقاف وزن جعفر هذا هو العطار البصري فيه مقال لكن لم يخرج له البخاري موصولا سوى هذا الحديث وقد قرنه بابن نمير وذكر له آخر تعليقا في المغازي والمراد منه في الترجمة حوالة وإلي اليتيم في أكله من مال على العرف

قوله باب بيع الشريك من شريكه قال بن بطال هو جائز في كل شيء مشاع وهو كبيعه من الأجنبي فإن باعه من الأجنبي فللشريك الشفعة وإن باعه من الشريك ارتفعت الشفعة وذكر فيه حديث جابر في الشفعة وسيأتي الكلام عليه في بابه وحاصل كلام بن بطال مناسبة الحديث للترجمة وقال غيره معنى الترجمة حكم بيع الشريك من شريكه والمراد منه حض الشريك أن لا يبيع ما فيه الشفعة إلا من شريكه لأنه إن باعه لغيره كان للشريك أخذه بالشفعة قهرا وقيل وجه المناسبة أن الدار إذا كانت بين ثلاثة فباع أحدهم للآخر كان للثالث أن يأخذ بالشفعة ولو كان المشتري شريكا وقيل ينبني على الخلاف هل الأخذ بالشفعة أخذ من المشتري أو من البائع فإن كان من المشتري فيكون شريكا وإن كان من البائع فهو شريك شريكه وقيل مراده أن الشفيع إن كان له الأخذ قهرا فللبائع إذا كان شريكه أن يبيع له ذلك بطريق الاختيار بل أولى والله أعلم

قوله باب بيع الأرض والدور والعروض مشاعا غير مقسوم ذكر فيه حديث جابر في الشفعة أيضا وسيأتي في مكانه وذكر هنا اختلاف الرواية في

[ 2100 ] قوله كل مال لم يقسم أو كل ما لم لم يقسم فقال عبد الواحد بن زياد وهشام بن يوسف عن معمر كل ما لم يقسم وقال عبد الرزاق عن معمر كل مال وكذا قال عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري وطريق هشام وصلها المؤلف في ترك الحيل وطريق عبد الرزاق وصلها في الباب الذي قبله وطريق عبد الرحمن بن إسحاق وصلها مسدد في مسنده عن بشر بن المفضل عنه وقع عند السرخسي في رواية عبد الرزاق وفي رواية عبد الواحد في الموضعين كل مال وللباقين كل ما في رواية عبد الواحد وكل مال في رواية عبد الرزاق وقد رواه إسحاق عن عبد الرزاق بلفظ قضى بالشفعة في الأموال ما لم تقسم وهو يرجح رواية غير السرخسي والله أعلم قال الكرماني الفرق بين هذه الثلاث يعني قوله تابعه وقال ورواه أن المتابعة أن يروي الراوي الآخر الحديث بعينه والرواية إنما تستعمل عند المذاكرة والقول أعم وما ادعاه من الاتحاد في المتابعة مردود فإنها أعم من أن تكون باللفظ أو بالمعنى وحصره الرواية في المذاكرة مردود أيضا فإن في هذا الكتاب ما عبر عنه بقوله رواه فلان ثم أسنده هو في موضع آخر بصيغة حدثنا وأما الذي هنا بخصوصه فعبد الرحمن بن إسحاق ليس على شرطه ولذلك حذفه مع كونه أخرج الحديث عن مسدد الذي وصله عن عبد الرحمن

قوله باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي هذه الترجمة معقودة لبيع الفضولي وقد مال البخاري فيها إلى الجواز وأورد فيه حديث بن عمر في قصة الثلاثة الذين انحطت عليهم الصخرة في الغار وسيأتي في شرحه في أواخر أحاديث الأنبياء وموضع الترجمة منه قول أحدهم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته فأبى فعمدت إلى الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها فإن فيه تصرف الرجل في مال الأجير بغير إذنه ولكنه لما ثمره له ونماه وأعطاه أخذه ورضى وطريق الاستدلال به ينبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا والجمهور على خلافه والخلاف فيه شهير لكن يتقرر بأن النبي صلى الله عليه وسلم ساقه مساق المدح والثناء على فاعله وأقره على ذلك ولو كان لا يجوز لبينه فبهذا الطريق يصح الاستدلال به لا بمجرد كونه شرع من قبلنا وفي اقتصار البخاري على الاستنباط لهذا الحكم بهذه الطريق دلالة على أن الذي أخرجه في فضل الخيل من حديث عروة البارقي في قصة بيعه الشاة لم يقصد به الاستدلال لهذا الحكم وقد أجيب عن حديث الباب بأنه يحتمل أنه استأجره بفرق في الذمة ولما عرض عليه الفرق فلم يقبضه استمر في ذمة المستأجر لأن الذي في الذمة لا يتعين إلا بالقبض فلما تصرف فيه المالك صح تصرفه سواء اعتقده لنفسه أو لأجيره ثم انه تبرع بما اجتمع منه على الأجير برضا منه والله أعلم قال المالك صح تصرفه سواء اعتقده لنفسه أو لأجيره ثم إنه تبرع بما اجتمع منه على الأجير برضا منه والله أعلم قال بن بطال وفيه دليل على صحة قول بن القاسم إذا أودع رجل رجلا طعاما فباعه المودع بثمن فرضي المودع فله الخيار إن شاء أخذ الثمن الذي باعه به وإن شاء أخذ مثل طعامه ومنع أشهب قال لأنه طعام بطعام فيه خيار واستدل به لأبي ثور في قوله إن من غصب قمحا فزرعه أن كل ما أخرجت الأرض من القمح فهو لصاحب الحنطة وسيأتي بقية الكلام على هذا الفرع وما يتعلق به مع الكلام على بقية فوائد حديث أهل الغار في أواخر أحاديث الأنبياء وقوله

[ 2102 ] في هذه الطريق أخبرنا بن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع فيه إدخال الواسطة بين بن جريج ونافع وابن جريح قد سمع الكثير ففيه دلالة على قلة تدليس بن جريج وروايته عن موسى من نوع رواية الأقران وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وقوله في المتن الحلاب بكسر المهملة وتخفيف اللام آخره موحدة الإناء الذي يحلب فيه أو المراد اللبن وقوله يتضاغون بمعجمتين أي يتباكون من الضعفاء وهو البكاء بصوت وقوله فرجة بضم الفاء ويجوز الفتح والفرق تقدم في الزكاة والذرة بضم المعجمة وتخفيف الراء معروف

قوله باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب قال بن بطال معاملة الكفار جائزة إلا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين واختلف العلماء في مبايعة من غالب ماله الحرام وحجة من رخص فيه قوله صلى الله عليه وسلم للمشرك أبيعا أم هبة وفيه جواز بيع الكافر وإثابت ملكه على ما في يده وجواز قبول الهدية منه وسيأتي حكم هدية المشركين في كتاب الهبة قلت وأورد المصنف فيه حديث الباب بإسناده هذا أتم سياقا منه ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى وقوله

[ 2103 ] فيه مشعان بضم الميم وسكون المعجمة بعدها مهلمة وآخره نون ثقيلة أي طويل شعث الشعر وسيأتي تفسيره للمصنف في الهبة وقوله أبيعا أم عطية منصوب بفعل مضمر أي أتجعله ونحو ذلك ويجوز الرفع أي أهذا وقد تقدم قريبا في باب بيع السلاح في الفتنة ما يتعلق بمبايعة أهل الشرك

قوله باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه قال بن بطال غرض البخاري بهذه الترجمة إثبات ملك الحربي وجواز تصرفه في ملكه بالبيع والهبة والعتق وغيرها إذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم سلمان عند مالكه من الكفار وأمره أن يكاتب وقبل الخليل هبة الجبار وغير ذلك مما تضمنه حديث الباب قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان أي الفارسي كاتب وكان حرا فظلموه وباعوه هذا طرف من حديث وصله أحمد والطبراني من طريق بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد عن سلمان قال كنت رجلا فارسيا فذكر الحديث بطوله وفيه ثم مر بن نفر من كلب تجار فحملوني معهم حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان قال فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة ودية وأخرجه بن حبان والحاكم في صحيحيهما من وجه آخر عن زيد بن صوحان عن سلمان نحوه وأخرجه أبو أحمد وأبو يعلى والحاكم من حديث بريدة بمعناه تنبيه قوله كان حرا فظلموه وباعوه من كلام البخاري لخصه من قصته في الحديث الذي علقه وظن الكرماني أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله لسلمان كاتب يا سلمان فقال قوله وكان حرا حال من قال النبي لا من قوله كاتب ثم قال كيف أمره بالكتابة وهو حر وأجيب بأنه أراد بالكتابة صورتها لا حقيقتها وكأنه أراد افد نفسك وتخلص من الظلم كذا قال وعلى تسليم أن قوله وكان حرا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعين منه حمل الكتابة على المجاز لاحتمال أن يكون أراد بقوله وكان حرا أي قبل أن يخرج من بلده فيقع في أسر الذين ظلموه وباعوه ويستفاد من هذا كله تقرير أحكام المشركين على ما كانوا عليه قبل الإسلام وقد قال الطبري إنما أقر اليهودي على تصرفه في سلمان بالبيع ونحوه لأنه لما ملكه لم يكن سلمان على هذه الشريعة وإنما كان قد تنصر وحكم هذه الشريعة أن من غلب من الكفار على نفس غيره أو ماله ولم يكن المغلوب فيمن دخل في الإسلام أنه يدخل في ملك الغالب قوله وسبى عمار وصهيب وبلال أما قصة سبي عمار فما ظهر لي المراد منها لأن عمارا كان عربيا عنسيا بالنون والمهلمة ما وقع عليه سبي وإنما سكن أبوه ياسر مكة وحالف بني مخزوم فزوجوه سمية وهي من مواليهم فولدت له عمارا فيحتمل أن يكون المشركون عاملوا عمارا معاملة السبي لكون أمه من مواليهم دخلا في رقهم وأما صهيب فذكر بن سعد أن أباه من النمر بن قاسط وكان عاملا لكسرى فسبت الروم صهيبا لما غزت أهل فارس فابتاعه منهم عبد الله بن جدعان وقيل بل هرب من الروم إلى مكة فخالف بن جدعان وستأتي الإشارة إلى قصته في الكلام على الحديث الثالث وأما بلال فقال مسدد في مسنده حدثنا معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال كان بلال لأيتام أبي جهل فعذبه فبعث أبي بكر رجلا فقال اشتر لي بلال فأعتقه وروى عبد الرزاق من طريق سعيد بن المسيب قال قال أبو بكر للعباس اشتر لي بلالا فاشتراه فأعتقه أبو بكر وفي المغازي لابن إسحاق حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال مر أبو بكر بأمية بن خلف وهو يعذب بلالا فقال ألا تتقي الله في هذا المسكين قال أنقذه أنت مما ترى فأعطاه أبو بكر غلاما أجلد منه وأخذ بلالا فأعتقه ويجمع بين القصتين بأن كلا من أمية وأبي جهل كان يعذب بلالا ولهما شوب فيه قوله وقال الله تعالى والله فضل بعضكم على بعض في الرزق الآية موضع الترجمة منه قوله تعالى على ما ملكت أيمانهم فأثبتت لهم ملك اليمين مع كون ملكهم غالبا كان على غير الأوضاع الشرعية وقال بن المنير مقصوده صحة ملك الحربي وملك المسلم عنه والمخاطب في الآية المشركون والتوبيخ الذي وقع لهم بالنسبة الى ما عاملوا به أصنامهم من التعظيم ولم يعاملوا ربهم بذلك وليس هذا من غرض هذا الباب ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث أبي هريرة في قصة إبراهيم عليه السلام وسارة مع الجبار وفيه أنه أعطاها هاجر ووقع هنا آجر بهمزة بدل الهاء وقوله

[ 2104 ] كبت بفتح الكاف والموحدة بعدها مثناة أي أخزاه وقيل رده خائبا وقيل أحزنه وقيل صرعه وقيل صرفه وقيل أذله حكاها كلها بن التين وقال أنها متقاربة وقيل أصل كبت كبد أي بلغ الهم كبده فأبدلت الدال مثناة وقوله أخدم أي مكن من الخدمة وسيأتي الكلام عليه مستوي في أحاديث الأنبياء وموضع الترجمة منه قول الكافر أعطوها هاجر وقبول سارة منه وإمضاء إبراهيم عليه السلام ذلك ففيه صحة هبة الكافر ثانيها حديث عائشة في قصة بن وليدة زمعة وقد تقدم قريبا ويأتي الكلام عليه في الباب المحال عليه ثم وموضع الترجمة منه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم ملك زمعة للوليدة وإجراء أحكام الرق عليها ثالثها حديث صهيب

[ 2106 ] قوله عن سعد أي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قوله قال عبد الرحمن بن عوف لصهيب اتق الله ولا تدع إلى غير أبيك كان صهيب يقول إنه بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل ويسوق نسبا ينتهي إلى النمر بن قاسط وأن أمه من بني تميم وكان لسانه أعجميا لأنه ربي بين الروم فغلب عليه لسانهم وقد روى الحاكم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال قال عمر لصهيب ما وجدت عليك في الإسلام إلا ثلاثة أشياء اكتنيت أبا يحيى وأنك لا تمسك شيئا وتدعى إلى النمر بن قاسط فقال أما الكنية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني وأما النفقة فإن الله يقول وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وأما النسب فلو كنت من روثة لا نتسبت إليها ولكن كان العرب يسبى بعضهم بعضا فسباني ناس بعد أن عرفت مولدي وأهلي فباعوني فأخذت بلسانهم يعني لسان الروم ورواه الحاكم أيضا وأحمد وأبو يعلى بن سعد والطبراني من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب عن أبيه أنه كان يكنى أبا يحيى ويقول أنه من العرب ويطعم الكثير فقال له عمر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني وإني رجل من النمر بن قاسط من أهل الموصل ولكن سبتني الروم غلاما صغيرا بعد أن عقلت قومي وعرفت نسبي وأما العام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خياركم من أطعم الطعام ورواه الطبراني من طريق زيد بن أسلم عن أبيه قال خرجت مع عمر حتى دخلناه على صهيب فلما رآه صهيب قال يا ناس يا ناس فقال عمر ماله يدعو الناس فقيل إنما يدعو غلامه يحنس فقال يا صهيب ما فيك شيء أعيبه إلا ثلاث خصال فذكر نحوه وقال فيه وأما انتسابي إلى العرب فإن الروم سبتني وأنا صغير وإني لأذكر أهل بيتي ولو أني انفلقت عن روثة لا نتسبت إليها فهذه طرق تقوي بعضها ببعض فلعله اتفقت له هذه المراجعة بينه وبين عمر مرة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف أخرى ويدل عليه اختلاف السياق رباعها حديث حكيم بن حزام أنه قال يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها الحديث وقد تقدم الكلام عليه في الزكاة وموضع الترجمة منه ما تضمنه الحديث من وقوع الصدقة والعتاقة من المشرك فإنه يتضمن صحة ملك المشرك إذ صحة العتق متوقفة على صحة الملك وسيأتي الكلام على قوله أتحنث هل هو بالمثلثة أو المثناة في كتاب الأدب وذكر الكرماني أنه روى هنا أتحبب بموحدتين وكان الأولى أن ينسبها لقائلها

قوله باب جلود الميتة قبل أن تدبغ أي هل يصح بيعها أم لا أورد فيه حديث بن عباس في شاة ميمونة وكأنه أخذ جواز البيع من جواز الاستمتاع لأن كل ما ينتفع به يصح بيعه ومالا فلا وبهذا يجاب عن اعتراض الإسماعيلي بأنه ليس في الخبر الذي أورده تعرض للبيع والانتفاع بجلود الميتة مطلقا قبل الدباغ وبعده مشهور من مذهب الزهري وكأنه اختيار البخاري وحجته مفهوم

[ 2108 ] قوله صلى الله عليه وسلم إنما حرم أكلها فإنه يدل على أن كل ما عدا أكلها مباح وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الذباح إن شاء الله تعالى

قوله باب قتل الخنزير أي هل يشرع كما شرع تحريم أكله ووجه دخوله في أبواب البيع الإشارة إلى أن ما أمر بقتله لا يجوز بيعه قال بن التين شذ بعض الشافعية فقال لا يقتل الخنزير إذا لم يكن فيه ضرواة قال والجمهور على جواز قتله مطلقا والخنزير بوزن غربيب ونونه أصليه وقيل زائدة وهو مختار الجوهري قوله وقال جابر حرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الخنزير هذا طرف من حديث وصله المؤلف كما سيأتي بعد تسعة أبواب ثم ذكر المصنف في الباب حديث أبي هريرة في نزول عيسى بن مريم فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وسيأتي الكلام عليه مستوفى في أحاديث الأنبياء وموضع الترجمة منه

[ 2109 ] قوله ويقتل الخنزير أي يأمر بإعدامه مبالغة في تحريم أكله وفيه توبيخ عظيم للنصارى الذي يدعون أنهم على طريقة عيسى ثم يستحلون أكل الخنزير ويبالغون في محبته

قوله باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أي روى معناه وسيأتي شرح ذلك في باب بيع الميتة والأصنام

[ 2110 ] قوله بلغ عمر بن الخطاب أن فلانا باع خمرا في رواية مسلم وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد أن سمرة باع خمرا فقال قاتل الله سمرة زاد البيهقي من طريق الزعفراني عن سفيان عن سمرة بن جندب قال بن الجوزي والقرطبي وغيرهما اختلف في كيفية بيع سمرة للخمر على ثلاثة أقوال أحدها أنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فباعها منهم معتقدا جواز ذلك وهذا حكاه بن الجوزي عن بن ناصر ورجحه وقال كان ينبغي له أن يوليهم بيعها فلا يدخل في محظور وإن أخذ أثمانها منهم بعد ذلك لأنه لم يتعاط محرما ويكون شبيها بقصة بريرة حيث قال هو عليها صدقة ولنا هدية والثاني قال الخطابي يجوز أن يكون باع العصير ممن يتخذه خمرا والعصير سمي خمرا كما قد يسمى العنب به لأنه يئول إليه قاله الخطابي قال ولا يظن بسمرة أنه باع عين الخمر بعد أن شاع تحريمها وإنما باع العصير والثالث أن يكون خلل الخمر وباعها وكان عمر يعتقد أن ذلك لا يحلها كما هو قول أكثر العلماء واعتقد سمرة الجواز كما تأوله غيره أنه يحل التخليل ولا ينحصر الحل في تخليلها بنفسها قال القرطبي تبعا لابن الجوزي والأشبه الأول قلت ولا يتعين على الوجه الأول أخذها عن الجزية بل يحتمل أن تكون حصلت له عن غنيمة أو غيرها وقد أبدى الإسماعيلي في المدخل فيه احتمالا آخر وهو أن سمرة علم تحريم الخمر الخمر ولم يعلم تحريم بيعها ولذلك اقتصر عمر على ذمه دون عقوبته وهذا هو الظن به ولم أر في شيء من الأخبار أن سمرة كان واليا لعمر على شيء من أعماله إلا أن بن الجوزي أطلق أنه كان واليا على البصرة لعمر بن الخطاب وهو وهم فإنما ولي سمرة على البصرة لزياد وابنه عبيد الله بن زياد بعد عمر بدهر وولاة البصرة لعمر قد ضبطوا وليس منهم سمرة ويحتمل أن يكون بعض أمرائها استعلم سمرة على قبض الجزية قوله حرمت عليهم الشحوم أي أكلها وإلا فلو حرم عليهم بيعها لم يكن لهم حيلة فيما صنعوه من إذابتها قوله فجملوها بفتح الجيم والميم أي أذابوها يقال جملة إذا أذابه والجميل الشحم المذاب ووجه تشبيه عمر بيع المسلمين الخمر ببيع اليهود المذاب من الشحم الاشتراك في النهي عن تناول كل منهما لكن ليس كل ما حرم تناوله حرم بيعه كالحمر الأهلية وسباع الطير فالظاهر أن اشتراكهما في كون كل منهما صار بالنهي عن تناوله نجسا هكذا حكاه بن بطال عن الطبري وأقره وليس بواضح بل كل ما حرم تناوله حرم بيعه وتناول الحمر والسباع وغيرهما مما حرم أكله إنما يتأتى بعد ذبح وهو بالذبح يصير ميتة لأنه لا ذكاة له وإذا صار ميتة صار نجسا ولم يجز بيعه فالايراد في الأصل غير وارد هذا قول الجمهور وإن خالف في بعضه بعض الناس وأما قول بعضهم الابن إذا ورث جارية أبيه حرم عليه وطؤها وجاز له بيعها وأكل ثمنها فأجاب عياض عنه بأنه تمويه لأنه لم يحرم عليه الانتفاع بها مطلقا وإنما حرم عليه الاستمتاع بها لأمر خارجي والانتفاع بها لغيره في الاستمتاع وغيره حلال إذا ملكها بخلاف الشحوم فإن المقصود منها وهو الأكل كان محرما على اليهود في كل حال وعلى كل شخص فافترقا وفي الحديث لعن العاصي المعين ولكن يحتمل أن يقال إن قول عمر قاتل الله سمرة لم يرد به ظاهره بل هي كلمة تقولها العرب عند إرادة الزجر فقالها في حقه تغليظا عليه وفيه إقالة ذوي الهيآت زلاتهم لأن عمر اكتفى بتلك الكلمة عن مزيد عقوبة ونحوها وفيه إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم وفيه تحريم بيع الخمر وقد نقل بن المنذر وغيره في ذلك الإجماع وشذ من قال يجوز بيعها ويجوز بيع العنقود المستحيل باطنه خمرا واختلف في علة ذلك فقيل لنجاستها وقيل لأنه ليس فيها منفعة مباحة مقصودة وقيل للمبالغة في التنفير عنها وفيه أن الشيء إذا حرم عينه حرم ثمنه وفيه دليل على أن بيع المسلم الخمر من الذمي لا يجوز وكذا توكيل المسلم الذمي في بيع الخمر وأما تحريم بيعها على أهل الذمة فمبني على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع وفيه استعمال القياس في الأشباه والنظائر واستدل به على تحريم بيع جثة الكافر إذا قتلناه وأراد الكافر شراءه وعلى منع بيع كل محرم نجس ولو كان فيه منفعة كالسرقين وأجاز ذلك الكوفيون وذهب بعض المالكية إلى جواز ذلك للمشتري دون البائع لاحتياج المشتري دونه وسيأتي في باب بيع الميتة من حديث جابر بيان الوقت الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة وفيه البحث عن الانتفاع بشحم الميتة وإن حرم بيعها وما يستثني من تحريم بيع الميحة إن شاء الله تعالى

[ 2111 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله قاتل الله يهودا كذا بالتنوين على إرادة البطن وفي رواية بغير تنوين على إرادة القبيلة وقد ذكر المصنف في رواية المستملي في آخر الباب أن معناه لعنهم واستشهد بأن قوله تعالى قتل الخراصون معناه لعن وهو تفسير بن عباس في قتل وقوله الخراصون الكذابون هو تفسير مجاهد رواهما الطبري في تفسير عنهما وقال الهروي معنى قاتلهم قتلهم قال وفاعل أصلها أن يقع الفعل بين اثنين وربما جاء من واحد كسافرت وطارقت النعل وقال غيره معنى قاتلهم عادهم وقال الداودي من صار عدوا لله وجب قتله وقال البيضاوي قاتل أي عادي أو قتل وأخرج في صورة المبالغة أو عبر عنه بما هو مسبب عنهم فإنهم بما اخترعوا من الحيلة انتصبوا لمحاربة الله ومن حاربه حرب ومن قاتله قتل

قوله باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك أي من الاتخاذ أو البيع أو الصنعة أو ما هو أعم من ذلك والمراد بالتصاوير الأشياء التي تصور ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث بن عباس مرفوعا من صور صورة فإن الله معذبه الحديث وجه الاستدلال به على كراهية البيع وغيره واضح وسعيد بن أبي الحسن راويه عن بن عباس هو أخو الحسن البصري وهو أسن منه ومات قبله وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى

[ 2112 ] قوله فربا الرجل بالراء والموحدة أي انتفخ قال الخليل ربا الرجل أصابه نفس في جوفه وهو الربو والربوة وقيل معناه ذعر وامتلأ خوفا وقوله ربوة بضم الراء وبفتحها قوله فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح كذا في الأصل بخفض كل على أنه بدل كل من بعض وقد جوزه بعض النحاة ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي عليك بمثل الشجر أو على حذق واو العطف أي وكل شيء ومثله قولهم في التحيات الصلوات إذ المعنى والصلوات وبهذا الأخير جزم الحميدي في جمعه وكذا ثبت في رواية مسلم والإسماعيلي بلفظ فاصنع الشجر ومالا نفس له ولأبي نعيم من طريق هوذة عن عوف فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح بإثابت واو العطف وقال الطيبي قوله كل شيء هو بيان لشجر لأنه لما منعه عن التصوير وأرشده إلى الشجر كان غير واف بمقصوده ولأنه قصد كل ما لا روح فيه ولم يقصد خصوص الشجر وقوله كل بالخفض ويجوز النصب قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد أي الحديث سقطت هذه الزيادة من رواية النسفي هنا وأشار بذلك إلى ما أخرجه في اللباس من طريق عبد الأعلى عن سعيد عن النضر عن بن عباس بمعناه وسأذكر ما بين الروايتين من التغاير هناك إن شاء الله تعالى ثم وجدت في نسخة الصغاني قبل قوله سمع سعيد ما نصه قال أبو عبد الله وعن محمد عن عبدة عن سعيد بن أبي عروبة سمعت النضر بن أنس قال كنت عند بن عباس بهذا الحديث وبعده قال أبو عبد الله سمع سعيد الخ فزال الإشكال بهذا ولم أجد هذا في شيء من نسخ البخاري إلا في نسخة الصغاني ومحمد المذكور هو بن سلام وعبدة هو بن سليمان

قوله باب تحريم التجارة في الخمر تقدم نظير هذه الترجمة في أبواب المساجد لكن بقيد المسجد وهذه أعم من تلك قوله وقال جابر حرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الخمر سيأتي موصولا بعد ستة أبواب ونذكر تحرير المسألة هناك إن شاء الله تعالى ثم أورد حديث عائشة بلفظ حرمت التجارة في الخمر وقد تقدم في باب أكل الربا من هذا الوجه أتم سياقا ولأحمد والطبراني من حديث تميم الداري مرفوعا إن الخمر حرام شراؤها وثمنها

قوله باب إثم من باع حرا أي عالما متعمدا والحر الظاهر أن المراد به من بني آدم ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فيدخل مثل الموقوف

[ 2114 ] قوله حدثنا بشر بن مرحوم هو بشر بن عبيس بمهمله ثم موحدة مصغرا بن مرحوم بن عبد العزيز بن مهران العطار فنسب إلى جده وهو شيخ بصري ما أخرج عنه من الستة إلا البخاري وقد أخرج حديثه هذا في الإجارة عن شيخ آخر وافق بشرا في روايته له عن شيخهما قوله حدثنا يحيى بن سليم بالتصغير هو الطائفي نزيل مكة مختلف في توثيقه وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث وذكره في الإجارة من وجه آخر عنه والتحقيق أن الكلام فيه إنما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة وهذا الحديث من غير روايته واتفق الرواة عن يحيى بن سليم على أن الحديث من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة وخالفهم أبو جعفر النفيلي فقال عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال البيهقي والمحفوظ قول الجماعة قوله ثلاثة أنا خصمهم زاد بن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي في هذا الحديث ومن كنت خصمه خصمته قال بن التين هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح والخصم يطلق على الواحد وعلى الإثنين وعلى أكثر من ذلك وقال الهروي الواحد بكسر أوله وقال الفراء الأول قول الفصحاء ويجوز في الإثنين خصمان والثلاثة خصوم قوله أعطى بي ثم غدر كذا للجميع على حذف المفعول والتقدير أعطى يمينه بي أي عاهد عهدا وحلف عليه بالله ثم نقضه قوله باع حرا فأكل ثمنه خص الأكل بالذكر لأنه أعظم مقصود ووقع عند أبي داود من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا ثلاثة لا تقبل منهم صلاة فذكر فيهم ورجل اعتبد محررا وهذا أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول به قال الخطابي اعتباد الحر يقع بأمرين أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحد والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق والأول أشدهما قلت وحديث الباب أشد لأن فيه مع كتم العتق أو جحده العمل بمقتضى ذلك من البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد قال المهلب وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين أكفاء في الحرية فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه وقال بن الجوزي الحر عبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده وقال بن المنذر لم يختلفوا في أن من باع حرا أنه لا قطع عليه يعني إذا لم يسرقه من حرز مثله إلا ما يروي عن علي تقطع يد من باع حرا قال وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع فروى عن علي قال من أقر على نفسه بأنه عبد فهو عبد قلت يحتمل أن يكون محله فيمن لم تعلم حريته لكن روى بن أبي شيبة من طريق قتادة أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل الله ومن طريق زرارة بن أوفى أحد التابعين أنه باع حرا في دين ونقل أبي حزم أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ونقل عن الشافعي مثل رواية زرارة ولا يثبت ذلك أكثر الأصحاب واستقر الإجماع على المنع قوله ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض وكأنه أكلها ولأنه استخدمه بغير أجرة وكأنه استعبده

قوله باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود ببيع أرضيهم كذا في رواية أبي ذر فتح الراء وكسر الضاد المعجمة جمع أرض وهو جمع شاذ لأنه جمع جمع السلامة ولم يبق مفرده سالما لأن الراء في المفرد ساكنة وفي الجمع محركه قوله حين أجلاهم أي من المدينة قوله فيه المقبري عن أبي هريرة يشير إلى ما أخرجه في الجهاد في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة قال بينا نحن في المسجد إذ خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال انطلقوا إلى اليهود وفيه فقال أني أريد أن أجليكم فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه وهذه القصة وقعت لبني النضير كما سيأتي بيان ذلك في موضعه وكأن المصنف أخذ بيع الأرض من عموم بيع المال وقد تقدم في أبواب الخيار في قصة عثمان وابن عمر إطلاق المال على الأرض وغفل الكرماني عن الإشارة إلى هذا الحديث فقال إنما ذكر البخاري هذا الحديث بهذه الصيغة مقتبضا لكونه لم يثبت الحديث المذكور على شرطه والصواب أنه اكتفى هنا بالإشارة إليه لاتحاد مخرجه عنده ففر من تكرار الحديث على صورته بغير فائدة زائدة كما هو الغالب من عادته

قوله باب بيع العبد والحيوان بالحيوان نسيئة التقدير بيع العبد بالعبد نسيئة والحيوان بالحيوان نسيئة وهو من عطف العام على الخاص وكأنه أراد بالعبد جنس من يستعبد فيدخل فيه الذكر والأنثى ولذلك ذكر قصة صفية أو أشار إلى إلحاق حكم الذكر بحكم الأنثى في ذلك لعدم الفرق قال بن بطال اختلفوا في ذلك فذهب الجمهور إلى الجواز لكن شرط مالك أن يختلف الجنس ومنع الكوفيون وأحمد مطلقا لحديث سمرة المخرج في السنن ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في سماع الحسن من سمرة وفي الباب عن بن عباس عند البزار والطحاوي ورجاله ثقات أيضا إلا أنه اختلف في وصله وإرساله فرجح البخاري وغير واحد إرساله وعن جابر عند الترمذي وغيره وإسناده لين وعن جابر بن سمرة عند عبد الله في زيادات المسند وعن بن عمر عند الطحاوي والطبراني واحتج للجمهور بحديث عبد الله بن عمرو إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا وفيه فابتاع البعير بالبعيرين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الدارقطني وغيره وإسناده قوي واحتج البخاري هنا بقصة صفية واستشهد بآثار الصحابة قوله واشترى بن عمر راحلة بأربعة بأبعرة الحديث وصله مالك والشافعي عنه عن نافع عن بن عمر بهذا ورواه بن أبي شيبة من طريق أبي بشر عن نافع أن بن عمر اشترى ناقة بأربعة أبعرة بالربذة فقال لصاحب الناقة أذهب فأنظر فإن رضيت فقد وجب البيع وقوله راحلة أي ما أمكن ركوبه من الإبل ذكرا أو أنثى وقوله مضمونة صفة راحلة أي تكون في ضمان البائع حتى يوفيها أي يسلمها للمشتري والربذة بفتح الراء والموحدة والمعجمة مكان معروف بين مكة والمدينة قوله وقال بن عباس قد يكون البعير خيرا من البعيرين وصله الشافعي من طريق طاوس أن بن عباس سئل عن بعير ببعيرين فقال له قوله واشتري رافع بن خديج بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا رهوا إن شاء الله وصله عبد الرزاق من طريق مطرف بن عبد الله عنه وقوله رهوا بفتح الراء وسكون الهاء أي سهلا والرهو السير السهل والمراد به هنا أن يأتيه به سريعا من غير مطل قوله وقال بن المسيب لا ربا في الحيوان البعير بالبعيرين والشاة بالشاتين إلى أجل أما قوله سعيد فوصله مالك عن بن شهاب عنه لا ربا في الحيوان ووصله بن أبي شيبة من طريق أخرى عن الزهري عنه لا بأس بالبعير بالبعيرين نسيئة قوله وقال بن سيرين لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة كذا في معظم الروايات ووقع في بعضها ودرهم بدرهمين نسيئة وهو خطأ والصواب درهم بدرهم وقد وصله عبد الرزاق من طريق أيوب عنه بلفظ لا بأس بعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه وروى سعيد بن منصور من طريق يونس عنه أنه كان لا يرى بأسا بالحيوان بالحيوان يدا بيد أو الدراهم نسيئة ويكره أن تكون الدراهم نقدا والحيوان نسيئة

[ 2115 ] قوله كان في السبي صفية فصارت إلى دحية ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا أورده مختصار وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه مما يناسب ترجمته أنه صلى الله عليه وسلم عوض دحية عنها بسبعة أرؤس وهو عند مسلم من طريق حماد بن ثابت وللمصنف من وجه آخر كما سيأتي فقال لدحية خذ جارية من السبي غيرها قال بن بطال ينزل تبديلها بجارية غير معينة يختارها منزلة بيع جارية بجارية نسيئة وسيأتي الكلام على قصة صفية هذه مستوفي في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى

قوله باب بيع الرقيق أورد فيه حديث أبي سعيد أنه قال يا رسول الله إنا نصيب سبايا فنحب الأثمان الحديث ودلالته على الترجمة واضحة وسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى وقوله

[ 2116 ] في هذا السياق أنه بينما هو جالس عند النبي فقال يا رسول الله إنا نصيب سبيا يوهم أنه السائل وليس كذلك بل وقع في السياق حذف ظهر بيانه مما ساقه النسائي عن عمرو بن منصور عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه بلفظ بينما هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم جاء رجل من الأنصار فقال فذكره وسيأتي البحث في ذلك

قوله باب بيع المدبر أي الذي علق مالكه عتقه بموت مالكه سمي بذلك لأن الموت دبر الحياة أو لأن فاعله دبر أمر دنياه وأخرته أما دنياه فباستمراره على للإنتفاع بخدمة عبدة وأما آخرته فبتحصيل ثواب العتق وهو راجع إلى الأول لأن تدبير الأمر مأخوذ من النظر في العاقبة فيرجع إلى دبر الأمر وهو آخره وقد أعاد المصنف هذه الترجمة في كتاب العتق وضرب عليها في نسخة الصغاني وصارت أحاديثها داخلة في بيع الرقيق وتوجيهها واضح وكذا هو في رواية النسفي وأورد المصنف فيه حديثين كل منهما من طريقين الأول حديث جابر في بيع المدبر

[ 2117 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي خالد وعطاء هو بن أبي رباح وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق إسماعيل وسلمة وعطاء فإسماعيل وسلمة قرينان من صغار التابعين وعطاء من أوساطهم قوله باع النبي صلى الله عليه وسلم المدبر هكذا أورده مختصرا وأخرجه بن ماجة من طريق وكيع كذلك وأخرجه أحمد عن وكيع كذلك لكن زاد عن سفيان وإسماعيل جميعا عن سلمة وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر بن خالد عن وكيع ولفظه في رجل أعتق غلاما له عن دبر وعليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم وقد أخرجه المصنف في الأحكام عن بن نمير شيخه فيه هنا لكن قال عن محمد بن بشر بدل وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد ولفظه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره فباعه بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه وترجم عليه بيع الإمام على الناس أموالهم وقال في الترجمة وقد باع النبي صلى الله عليه وسلم مدبرا من نعيم بن النحام وأشار بذلك إلى ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا من الأنصار يقال له أبو مذكور أعتق غلاما له يقال له يعقوب عن دبر لم يكن له مال غيره فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يشتريه فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام بثمانمائة درهم فدفعها إليه الحديث وقد تقدم في باب بيع المزايدة من وجه آخر عن عطاء بلفظ أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله فأفاد في هذه الرواية سبب بيعه وهو الاحتياج إلى ثمنه وفي رواية بن خلاد زيادة في تفسير الحاجة وهو الدين فقد ترجم له في الاستقراض من باع مال المفلس فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه وكأنه أشار بالأول إلى ما تقدم من رواية وكيع عند الإسماعيلي في قوله وعليه دين وإلى ما أخرجه النسائي من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل بلفظ أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم فأعطاه وقال اقض دينك وبالثاني إلى ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر قال أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألك مال غيره فقال لا الحديث وفيه فدفعها إليه ثم قال ابدأ بنفسك فتصدق عليها الحديث وفي رواية أيوب المذكورة نحوه ولفظه إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان فضل فعلى عياله الحديث فاتفقت هذه الروايات على أن بيع المدبر كان في حياة الذي دبره إلا ما رواه شريك عن سلمة بن كهيل بهذا الإسناد أن رجلا مات وترك مدبرا ودينا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فباعه في دينه بثمانمائة درهم أخرجه الدارقطني ونقل عن شيخه أبي بكر النيسابوري أن شركا أخطأ فيه والصحيح ما رواه الأعمش وغيره عن سلمة وفيه ودفع ثمنه إليه وفي رواية النسائي من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد ودفع ثمنه إلى مولاه قلت وقد رواه أحمد عن أسود بن عامر عن شريك بلفظ أن رجلا دبر عبدا له وعليه دين فباعه النبي صلى الله عليه وسلم في دين مولاه وهذا شبيه برواية الأعمش وليس فيه للموت ذكر وشريك كان تغير حفظه لما ولي القضاء وسماع من حمله عنه قبل ذلك أصح ومنهم أسود المذكور تنبيهات الأول اتفقت الطرق على أن ثمنه ثمانمائة درهم إلا ما أخرجه أبو داود من طريق هشمي عن إسماعيل قال سبعمائة أو تسعمائة الثاني وجدت لوكيع في حديث الباب إسنادا آخر أخرجه بن ماجة من طريق أبي عبد الرحمن الأدرمي عنه عن أبي عمرو بن العلاء عن عطاء مثل لفظ حديث الباب مختصرا الثالث وقع في رواية الأوزاعي عن عطاء عند أبي داود زيادة في آخر الحديث وهو أنت أحق بثمنه والله أغنى عنه الطريق الثاني قوله عن عمرو هو بن دينار وفي رواية الحميدي في مسنده حدثنا عمرو بن دينار قوله باعه رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أخرجه أيضا مختصرا ولم يذكر من يعود الضمير عليه وقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في منصفه عن سفيان فزاد في آخره يعني المدبر وأخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم وأبي بكر بن أبي شيبة جميعا عن سفيان بلفظ دبر رجل من الأنصار غلاما له لم يكن له مال غيره فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه بن النحام عبدا قبطيا مات عام أول في إمارة بن الزبير وهكذا أخرجه أحمد عن سفيان بتمامه نحوه وقد أخرجه المصنف في كفارات الأيمان من طريق حماد بن زيد عن عمرو نحوه ولم يقل في إمارة بن الزبير ولا عين الثمن قال القرطبي وغيره اتفقوا على مشروعية التدبير واتفقوا على أنه من الثلث غير الليث وزفر فإنهما قالا من رأس المال واختلفوا هل هو عقد جائز أو لازم فمن قال لازم منع التصرف فيه إلا بالعتق ومن قال جائز أجاز وبالأول قال مالك والأوزاعي والكوفيون وبالثاني قال الشافعي وأهل الحديث وحجتهم حديث الباب ولأنه تعليق للعتق بصفة انفرد السيد بها فيتمكن من بيعه كمن علق عتقه بدخول الدار مثلا ولأن من أوصى بعتق شخص جاز له بيعه باتفاق فيلحق به جواز بيع المدبر لأنه في معنى الوصية وقيد الليث الجواز بالحاجة وإلا فيكره وأجاب الأول بأنها قضية عين لا عموم لها فيحمل على بعض الصور وهو اختصاص الجواز بما إذا كان عليه دين وهو مشهور مذهب أحمد والخلاف في مذهب مالك أيضا وأجاب بعض المالكية عن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم رد تصرف هذا الرجل لكونه لم يكن له مال غيره فيستدل به على رد تصرف من تصدق بجميع ماله وادعى بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم إنما باع خدمة المدبر لا رقبته واحتج بما رواه بن فضيل عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال لا بأس ببيع خدمة المدبر أخرجه الدارقطني ورجال إسناده ثقات إلا أنه اختلف في وصله وإرساله ولو صح لم يكن فيه حجة إذ لا دليل فيه على أن البيع الذي وقع في قصة المدبر الذي اشتراه نعيم بن النحام كان في منفعته دون رقبته الحديث الثاني حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في بيع الأمة إذا زنت وقد تقدمت الإشارة إليه في باب العبد الزاني وأورده هنا من وجه آخر عن أبي هريرة ووجه دخوله في هذا الباب عموم الأمر ببيع الأمة إذا زنت فيشمل ما إذا كانت مدبرة أو غير مدبرة فيؤخذ منه جواز بيع المدبر في لجملة وأما ما وقع في رواية النسفي وفي نسخة الصغاني فلا يحتاج إلى اعتذار

قوله باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها هكذا قيد بالسفر وكأن ذلك لكونه مظنة الملامسة والمباشرة غالبا قوله ولم ير الحسن بأس أن يقبلها أو يباشرها وصله بن أبي شيبة من طريق يونس بن عبيد عنه قال وكان بن سيرين يكره ذلك وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن الحسن قال يصيب ما دون الفرج قال الداودي قول الحسن أن كان في المسبية صواب وتعقبه بن التين بأنه لا فرق في الاستبراء بين المسبية وغيرها قوله وقال بن عمر إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو عتقت فليستبرأ رحمها بحيضة ولا تستبرأ العذراء أما قوله الأول فوصله بن أبي شيبة من طريق عبد الله عن نافع عنه وأما قوله ولا تستبرأ العذراء فوصله عبد الرزاق من طرق أيوب عن نافع عنه وكأنه يرى أن البكارة تمنع الحمل أو تدل على عدمه أو عدم الوطء وفيه نظر وعلى تقديره ففي الاستبراء شائبة تعبد ولهذا تستبرأ التي أيست من الحيض قوله وقال عطاء لا بأس أن يصيب من جاريته الحامل ما دون الفرج قال الله تعالى إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم قال بن التين إن أراد عطاء بالحامل من حملت من سيدها فهو فاسد لأنه لا يرتاب في حله وإن أراد من غيره ففيه خلاف قلت والثاني أشبه بمراده ولذلك قيده بما دون الفرج ووجه استدلاله بالآية أنها دلت على جواز الاستمتاع بجميع وجهه فخرج الوطء بدليل فبقي الباقي على الأصل ثم ذكر المصنف في الباب حديث أنس في قصة صفية وسيأتي مبسوطا في المغازي والغرض منه هنا

[ 2120 ] قوله حتى بلغنا سد الروحاء حلت فبنى بها فإن المراد بقوله حلت أي طهرت من حيضها وقد روى البيهقي بإسناد لين أنه صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة وأما ما رواه مسلم من طريق ثابت عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم ترك صفية عند أم سليم حتى انقضت عدتها فقد شك حماد راوية عن ثابت في رفعه وفي ظاهره نظر لأنه صلى الله عليه وسلم دخل بها منصرفه من خيبر بعد قتل زوجها بيسير فلم يمض زمن يسع انقضاء العدة ولا نقلوا أنها كانت حاملا فتحمل العدة على طهرها من المحيض وهو المطلوب والصريح في هذا الباب حديث أبي سعيد مرفوعا لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة قاله في سبايا أوطاس أخرجه أبو داود وغيره وليس على شرط الصحيح

قوله باب بيع الميتة والأصنام أي تحريم ذلك والميتة بفتح الميم ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية والميتة بالكسر الهيئة وليست مرادا هنا ونقل بن المنذر وغيره الإجماع على تحريم بيع الميتة ويستثنى من ذلك السمك والجراد والأصنام جمع صنم قال الجوهري هو الوثن وقال غيره الوثن ماله جثة والصنم ما كان مصورا فبينهما عموم وخصوص وجهي فإن كان مصورا فهو وثن وصنم

[ 2121 ] قوله عطاء بين في الرواية المعلقة تلو هذه الرواية المتصلة أن يزيد بن أبي حبيب لم يسمعه من عطاء وإنما كتب به إليه وليزيد فيه إسناد آخر ذكره أبو حاتم في العلل من طريق حاتم بن إسماعيل عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد بن عبدة عن عبد الله بن عمرو بن العاصم قال بن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال قد رواه محمد بن إسحاق عن يزيد عن عطاء ويزيد لم يسمع من عطاء ولا أعلم أحدا من المصريين رواه عن يزيد متابعا لعبد الحميد بن جعفر فإن كان حفظه فهو صحيح لأن محله الصدق قلت قد اختلف فيه على عبد الحميد ورواية أبي عاصم عنه الموافقة لرواية غيره عن يزيد أرجح فتكون رواية حاتم بن إسماعيل شاذة قوله عن جابر في روايةأحمد عن حجاج بن محمد عن الليث بسنده سمعت جابر بن عبد الله بمكة قوله وهو بمكة عام الفتح فيه بيان تاريخ ذلك وكان ذلك في رمضان سنة ثمان من الهجرة ويحتمل أن يكون التحريم وقع قبل ذلك ثم أعاده صلى الله عليه وسلم ليسمعه من لم يكن سمعه قوله إن الله ورسوله حرم هكذا وقع في الصحيحين بإسناد الفعل إلى ضمير الواحد وكان الأصل حرم فقال القرطبي إنه صلى الله عليه وسلم تأدب فلم يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الإثنين لأنه من نوع ما رد به على الخطيب الذي قال ومن يعصهما كذا قال ولم تتفق الرواة في هذا الحديث على ذلك فإن في بعض طرقه في الصحيح إن الله حرم ليس فيه ورسوله وفي رواية لابن مردويه من وجه آخر عن الليث أن الله ورسوله حرما وقد صح حديث أنس في النهي عن أكل الحمر الأهلية إن الله ورسوله ينهيانكم ووقع في رواية النسائي في هذا الحديث ينهاكم والتحقيق جواز الأفراد في مثل هذا ووجهه الإشارة إلى أن أمر النبي صلى ناشيء عن أمر الله وهو نحو قوله والله ورسوله أحق أن يرضوه والمختار في هذا أن الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها والتقدير عند سيبويه والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه وهو كقول الشاعر نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف وقيل أحق أن يرضوه خبر عن الاسمين لأن الرسول تابع لأمر الله قوله فقيل يا رسول الله لم أقف على تسمية القائل وفي رواية عبد الحميد الآتية فقال رجل قوله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس أي فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع فانها مقتضية لصحة البيع قوله فقال لا هو حرام أي البيع هكذا فسره بعض العلماء كالشافعي ومن اتبعه ومنهم من حمل قوله وهو حرام على الانتفاع فقال يحرم الانتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة أصلا عندهم إلا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة فالجمهور على الجواز وقال أحمد وابن الماجشون لا ينتفع بشيء من ذلك واستدل الخطابي على جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من ماتت له دابة ساغ له إطعامها لكلاب الصيد فكذلك يسوغ دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق قوله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود الخ وسياقه مشعر بقوة ما أوله الأكثر أن المراد بقوله هو حرام البيع لا الانتفاع وروى أحمد والطبراني من حديث بن عمر مرفوعا الويل لبني إسرائيل إنه لما حرمت عليهم الشحوم باعوها فأكلوا ثمنها وكذلك ثمن الخمر عليكم حرام وقد مضى في باب تحريم تجارة الخمر حديث تميم الداري في ذلك قوله وقال أبو عاصم حدثنا عبد الحميد هو بن جعفر وهذه الطريق وصلها أحمد عن أبي عاصم وأخرجها مسلم عن أبي موسى عن أبي عاصم ولم يسق لفظه بل قال مثل حديث الليث والظاهر أنه أراد أصل الحديث وإلا ففي سياقه بعض مخالفة قال أحمد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر أخبرني يزيد بن أبي حبيب ولفظه يقول عام الفتح إن الله حرم بيع الخنازير وبيع الميتة وبيع الخمر وبيع الأصنام قال رجل يا رسول الله فما ترى في بيع شحوم الميتة فانها تدهن بها السفن والجلود ويستصبح بها فقال قاتل الله يهود الحديث فظهر بهذه الرواية أن السؤال وقع عن بيع الشحوم وهو يؤيد ما قررناه ويؤيده أيضا ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال وهو عند الركن قاتل الله اليهود ان الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وان الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه قال جمهور العلماء العلة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير النجاسة فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة ولكن المشهور عند مالك طهارة الخنزير والعلة في منع بيع الأصنام عدم المنفعة المباحة فعلى هذا إن كانت بحيث إذا كسرت ينتفع برضاضها جاز بيعها عند بعض العلماء من الشافعية وغيرهم والأكثر على المنع حملا للنهي على ظاهره والظاهر أن النهي عن بيعها للمبالغة في التنفير عنها ويلتحق بها في الحكم الصلبان التي تعظمها النصارى ويحرم نحت جميع ذلك وصنعته وأجمعوا على تحريم بيع الميتة والخمر والخنزير إلا ما تقدمت الإشارة اليه في باب تحريم الخمر ولذلك رخص بعض العلماء في القليل من شعر الخنزير للخرز حكاه بن المنذر عن الأوزاعي وأبي يوسف وبعض المالكية فعلى هذا فيجوز بيعه ويستثنى من الميتة عند بعض العلماء ما لا تحله الحياة كالشعر والصوف والوبر فإنه طاهر فيجوز بيعه وهو قول أكثر المالكية والحنفية وزاد بعضهم العظم والسن والقرن والظلف وقال بنجاسة الشعور الحسن والليث والأوزاعي ولكنها تطهر عندهم بالغسل وكأنها متنجسة عندهم بما يتعلق بها من رطوبات الميتة لا نجسة العين ونحوه قول بن القاسم في عظم الفيل إنه يطهر إذا سلق بالماء وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في باب لا يذاب شحم الميتة

قوله باب ثمن الكلب أورد فيه حديثين أحدهما عن أبي مسعود أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن ثانيهما حديث أبي جحيفة نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة الحديث وقد تقدم في باب موكل الربا في أوائل البيع واشتمل هذان الحديثان على أربعة أحكام أو خمسة ان غايرنا بين كسب الأمة ومهر البغي الأول ثمن الكلب وظاهر النهي تحريم بيعه وهو عام في كل كلب معلما ان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز ومن لازم ذلك أن لا قيمة على متلفه وبذلك قال الجمهور وقال مالك لا يجوز بيعه وتجب القيمة على متلفه وعنه كالجمهور وعنه كقول أبي حنيفة يجوز وتجب القيمة وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره وروى أبو داود من حديث بن عباس مرفوعا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وقال ان جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا وإسناده صحيح وروى أيضا بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا لا يحل ثمن الكلب ولا حلوان الكاهن ولا مهر البغي والعلة في تحريم بيعه عند الشافعي نجاسته مطلقا وهي قائمة في المعلم وغيره وعلة المنع عند من لا يرى نجاسته النهي عن اتخاذه والأمر بقتله ولذلك خص منه ما أذن في اتخاذه ويدل عليه حديث جابر قال نهى رسول اله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد أخرجه النسائي بإسناد رجاله ثقات إلا أنه طعن في صحته وقد وقع في حديث بن عمر عند بن أبي حاتم بلفظ نهى عن ثمن الكلب وان كان ضاريا يعني مما يصيد وسنده ضعيف قال أبو حاتم هو منكر وفي رواية لأحمد نهى عن ثمن الكلب وقال طعمة جاهلية ونحوه للطبراني من حديث ميمونة بنت سعد وقال القرطبي مشهور مذهب مالك جواز اتخاذ الكلب وكراهية بيعه ولا يفسخ ان وقع وكأنه لما لم يكن عنده نجسا وأذن في اتخاذه لمنافعه الجائزة كان حكمه حكم جميع المبيعات لكن الشرع نهى عن بيعه تنزيها لأنه ليس من مكارم الأخلاق قال وأما تسويته في النهي بينه وبين مهر البغي وحلوان الكاهن فمحمول على الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه وعلى تقدير العموم في كل كلب فالنهي في هذه الثلاثة في القدر المشترك من الكراهة أعم من التنزيه والتحريم إذ كل واحد منهما منهي عنه ثم تؤخذ خصوصية كل واحد منهما من دليل آخر فانا عرفنا تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن من الإجماع لا من مجرد النهي ولا يلزم من الاشتراك في العطف الاشتراك في جميع الوجوه إذ قد يعطف الأمر على النهي والايجاب على النفي الحكم الثاني مهر البغي وهو ما تأخذه الزانية على الزنا سماه مهرا مجازا والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية وهو فعيل بمعنى فاعلة وجمع البغي بغايا والبغاء بكسر أوله الزنا والفجور وأصل البغاء الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا فلا مهر لها وفي وجه للشافعية يجب للسيد الحكم الثالث كسب الأمة وسيأتي في الاجارة باب كسب البغي والاماء وفيه حديث أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الاماء زاد أبو داود من حديث رافع بن خديج نهى عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو فعرف بذلك النهي والمراد به كسبها بالزنا لا بالعمل المباح وقد روى أبو داود أيضا من حديث رفاعة بن رافع مرفوعا نهى عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بيده نحو الغزل والنفش وهو بالفاء أي نتف الصوف وقيل المراد بكسب الأمة جميع كسبها وهو من باب سد الذرائع لأنها لا تؤمن إذا ألزمت بالكسب أن تكسب بفرجها فالمعنى أن لا يجعل عليها خراج معلوم تؤديه كل يوم الحكم الرابع حلوان الكاهن وهو حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب والحلوان مصدر حلوته حلوانا إذا أعطيته وأصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو من حيث أنه يأخذه سهلا بلا كلفة ولا مشقة يقال حلوته إذا أطعمته الحلو والحلوان أيضا الرشوة والحلوان أيضا أخذ الرجل مهر ابنته لنفسه وسيأتي الكلام على الكهانة وأصلها وحكمها في أواخر كتاب الطب من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى الحكم الخامس ثمن الدم واختلف في المراد به فقيل أجرة الحجامة وقيل هو على ظاهره والمراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير وهو حرام إجماعا أعني بيع الدم وأخذ ثمنه وسيأتي الكلام على حكم أجرة الحجام في الاجارة إن شاء الله تعالى خاتمة اشتمل كتاب البيوع من المرفوع على مائتي حديث وسبعة وأربعين حديثا المعلق منها ستة وأربعون وما عداها موصول المكرر منه فيه وفيما مضى مائة وتسعة وثلاثون حديثا والخالص مائة وثمانية أحاديث وافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة وعشرين حديثا وهي حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة تزويجه وحديث أبي هريرة في التمرة الساقطة وحديث عائشة في التسمية على الذبيحة وحديث أبي هريرة يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال وحديث أبي بكر قد علم قومي أن حرفتي وحديث المقدام أطيب ما أكل من كسبه وحديث أبي هريرة ان داود كان يأكل من كسبه وحديث جابر رحم الله عبدا سمحا وحديث العداء في العهدة وحديث أبي جحيفة في الحجام وحديث بن عباس آخر آية أنزلت وحديث بن أبي أوفى ان رجلا أقام سلعة وحديث بن عمر كان على جمل صعب وحديثه في الإبل الهيم وحديث اكتالوا حتى تستوفوا وحديث إذا بعت فكل وحديث جابر في دين أبيه وحديث المقدام كيلوا طعامكم وحديث عائشة في شأن الهجرة وحديث المكر والخديعة في النار وحديث أنس في الملامسة والمنابذة وحديث إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه وحديث بن عمر لا يبيع حاضر لباد وحديث بن عباس في المزابنة وحديث زيد بن ثابت في بيع الثمار وحديث سلمان في مكاتبته وحديث عبد الرحمن بن عوف مع صهيب وحديث أبي هريرة ثلاثة أنا خصمهم وحديثه في إجلاء اليهود وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين اثنان وخمسون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب