كتاب الحوالات
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم باب الحوالة كذا للأكثر وزاد النسفي والمستملي بعد البسملة كتاب الحوالة والحوالة بفتح الحاء وقد تكسر مشتقة من التحويل أو من الحئول تقول حال عن العهد إذا انتقل عنه حئولا وهي عند الفقهاء نقل دين من ذمة إلى ذمة واختلفوا هل هي بيع دين بدين رخص فيه فاستثنى من النهي عن بيع الدين بالدين أو هي استيفاء وقيل هي عقد إرفاق مستقل ويشترط في صحتها رضا المحيل بلا خلاف والمحتال عند الأكثر والمحال عليه عند بعض شذ ويشترط أيضا تماثل الحقين في الصفات وأن يكون في شيء معلوم ومنهم من خصها بالنقدين ومنعها في الطعام لأنه بيع طعام قبل أن يستوفي قوله وهل يرجع في الحوالة هذا إشارة إلى خلاف فيها هل هي عقد لازم أو جائز قوله وقال الحسن وقتادة إذا كان أي المحال عليه يوم أحال عليه مليا جاز أي بلا رجوع ومفهومه أنه إذا كان مفلسا فله يرجع وهذا الأثر أخرجه بن أبي شيبة والأثرم واللفظ له من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن أنهما سئلا عن رجل احتال على رجل فأفلس قالا إن كان مليا يوم احتال عليه فليس له أن يرجع وقيده أحمد بما إذا لم يعلم المحتال بإفلاس المحال عليه وعن الحكم لا يرجع إلا إذا مات المحال عليه وعن الثوري يرجع بالموت وأما بالفلس فلا يرجع إلا بمحضر المحيل والمحال عليه وقال أبو حنيفة يرجع بالفلس مطلقا سواء عاش أو مات ولا يرجع بغير الفلس وقال مالك لا يرجع إلا إن غره كأن علم فلس المحال عليه ولم يعلمه بذلك وقال الحسن وشريح وزفر الحوالة كالكفالة فيرجع على أيهما شاء وبه يشعر إدخال البخاري أبواب الكفالة في كتاب الحوالة وذهب الجمهور إلى عدم الرجوع مطلقا واحتج الشافعي بأن معنى قول الرجل أحلته وأبرأني حولت حقه عني وأثبته على غيري وذكر أن محمد بن الحسن احتج لقوله بحديث عثمان أنه قال في الحوالة أو الكفالة يرجع صاحبها لا توى أي لا هلاك على مسلم قال فسألته عن إسناده فذكره عن رجل مجهول عن آخر معروف لكنه منقطع بينه وبين عثمان فبطل الاحتجاج به من أوجه قال البهقي أشار الشافعي بذلك إلى ما رواه شعبة عن خليد بن جعفر عن معاوية بن قرة عن عثمان فالمجهول خليد والنقطاع بين معاوية بن قرة وعثمان وليس الحديث مع ذلك مرفوعا وقد شك راويه هل هو في الحوالة أو الكفالة قول وقال بن عباس يتخارج الشريكان الخ وصله بن أبي شيبة بمعناه قال بن التين محله ما إذا وقع ذلك بالتراضي مع استواء الدين وقوله توى بفتح المثناة وكسر الواو أي هلك والمراد أن يفلس من عليه الدين أو يموت أو يجحد فيحلف حيث لا بينة ففي كل ذلك لا رجوع لمن رضي بالدين قال بن المنير ووجهه أن من رضي بذلك فهلك فهو في ضمانه كما لو اشترى عينا فتلفت في يده والحق البخاري الحوالة بذلك وقال أبو عبيد إذا كان بين ورثة أو شركاء مال وهو في يد بعضهم دون بعض فلا بأس أن يتبايعوه بينهم

[ 2166 ] قوله عن الأعرج عن أبي هريرة قد رواه همام عن أبي هريرة ورواه بن عمر وجابر مع أبي هريرة قوله مطل الغني ظلم في رواية بن عيينة عن أبي الزناد عند النسائي وابن ماجة والمطل ظلم الغني والمعنى أنه من الظلم وأطلق ذلك للمبالغة في التنفير عن المطل وقد رواه الجوزقي من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ أن من الظلم مطل الغني وهو يفسر الذي قبله واصل المطل المد قال بن فارس مطلت الحديدة امطلها مطلا إذا مددتها لتطول وقال الأزهري المطل المدافعة والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر والغنى مختلف في تفريعه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فاخره ولو كان فقيرا كما سيأتي البحث فيه وهل يتصف بالمطل من ليس القدر الذي استحق عليه حاضرا عنده لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا أطلق أكثر الشافعية عدم الوجوب وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا وفصل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصي به فيجب وإلا فلا وقوله مطل الغني هو من إضافة المصدر للفاعل عند الجمهور والمعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز وقيل هو من إضافة المصدر للمفعول والمعنى أنه يجب وفاء الدين ولو كان مستحقه غنيا ولا يكون غناه سببا لتأخير حقه عنه وإذا كان كذلك في حق الغني فهو في حق الفقير أولي ولا يخفى بعد هذا التأويل قوله فإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع المشهور في الرواية واللغة كما قال النووي اسكان المثناة في أتبع وفي فليتبع وهو على البناء للمجهول مثل إذا أعلم فليعلم تقول تبعت الرجل بحقي اتبعه تباعا بالفتح اذا طلبته وقال القرطبي أما أتبع فبضم الهمزة وسكون التاء مبنيا لما لم يسم فاعله عند الجميع وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف وقيده بعضهم بالتشديد والأول أجود انتهى وما ادعاه من الاتفاق على أتبع يرده قول الخطابي أن أكثر المحدثين يقولونه بتشديد التاء والصواب التخفيف ومعنى قوله أتبع فليتبع أي أحيل فليحتل وقد رواه بهذا اللفظ أحمد عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي الزناد وأخرج البيهقي مثله من طريق يعلى بن منصور عن أبي الزناد عن أبيه وأشار إلى تفرد يعلى بذلك ولم يتفرد به كما تراه ورواه بن ماجة من حديث بن عمر بلفظ فإذا أحلت على ملىء فاتبعه وهذا بتشديد التاء بلا خلاف والملىء بالهمز ماخوذ من الملاء يقال ملؤ الرجل بضم اللام أي صار مليا وقال الكرماني الملى كالغنى لفظا ومعنى فاقتضى أنه بغير همز وليس كذلك فقد قال الخطابي أنه في الأصل بالهمز ومن رواه بتركها فقد سهله والأمر في قوله فليتبع للاستحباب عند الجمهور ووهم من نقل فيه الإجماع وقيل هو أمر إباحة وارشاد وهو شاذ وحمله أكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وأهل الظاهر على ظاهره وعبارة الخرقي ومن أحيل بحقه على ملىء فواجب عليه أن يحتال تنبيه ادعى الرافعي أن الأشهر في الروايات وإذا أتبع وانهما جملتان لا تعلق لإحداهما بالأخرى وزعم بعض المتأخرين أنه لم يرد الا بالواو وغفل عما في صحيح البخاري فإنه بالفاء في جميع الروايات وهو كالتوطئة والعلة لقبول الحوالة أي إذا كان المطل ظلما فليقبل من يحتال بدينه عليه فإن المؤمن من شأنه أن يحترز عن الظلم فلا يمطل نعم رواه مسلم بالواو وكذا البخاري في الباب الذي بعده لكن قال ومن أتبع ومناسبة الجملة للتي قبلها أنه لما دل على أن مطل الغني ظلم عقبة بأنه ينبغي قبول الحوالة على الملىء لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل فإنه قد تكون مطالبة المحال عليه سهلة على المحتال دون المحيل ففي قبول الحوالة إعانة على كفة كفه عن الظلم وفي الحديث الزجر عن المطل واختلف هل يعد فعله عمدا كبيرة أم لا فالجمهور على أن فاعله يفسق لكن هل يثبت فسقه بمطلة مرة واحدة أم لا قال النووي مقتضى مذهبنا اشتراطا التكرار ورده السبكي في شرح المنهاج بان مقتضى مذهبنا عدمه واستدل بان منع الحق بعد طلبه وابتغاء العذر عن أدائه كالغصب والغصب كبيرة وتسميته ظلما يشعر بكونه كبيرة والكبيرة لا يشترط فيها التكرر نعم لا يحكم عليه بذلك الا بعد أن يظهر عدم عذره انتهى واختلفوا هل يفسق بالتأخير مع القدرة قبل الطلب أم لا فالذي يشعر به حديث الباب التوقف على الطلب لأن المطل يشعر به ويدخل في المطل كل ما لزمه حق كالزوج لزوجته والسيد لعبده والحاكم لرعيته وبالعكس واستدل به على أن العاجز عن الأداء لا يدخل في الظلم وهو بطريق المفهوم لأن تعليق الحكم بصفة من صفات الذات يدل على نفى الحكم عن الذات عن انتفاء تلك الصفة ومن لم يقل بالمفهوم أجاب بان العاجز لا يسمى ماطلا وعلى أن الغني الذي ماله غائب عنه لا يدخل في الظلم وهل هو مخصوص من عموم الغني أو ليس هو في الحكم بغنى الأظهر الثاني لأنه في تلك الحالة يجوز إعطاؤه من سهم الفقراء من الزكاة فلو كان في الحكم غنيا لم يجز ذلك واستنبط منه أن المعسر لا يحبس ولا يطالب حتى يوسر قال الشافعي لو جازت مؤاخذته لكان ظالما والفرض أنه ليس بظالم لعجزه وقال بعض العلماء له أن يحبسه وقال آخرون له أن يلازمه واستدل به على أن الحوالة إذا صحت ثم تعذر القبض بحدوث حادث كموت أو فلس لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لأنه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغني فائدة فلما شرطت علم أنه انتقل انتقالا لا رجوع له كما لو عوضه عن دينه بعوض ثم تلف العوض في يد صاحب الدين فليس له رجوع وقال الحنفية يرجع عند التعذر وشبهوه بالضمان واستدل به على ملازمة المماطل والزامه بدفع الدين والتوصل إليه بكل طريق وأخذه منه قهرا واستدل به على اعتبار رضي المحيل والمحتال دون المحال عليه لكونه لم يذكر في الحديث وبه قال الجمهور وعن الحنفية يشترط أيضا وبه قال الإصطخري من الشافعية وفيه الإرشاد إلى ترك الأسباب القاطعة لاجتماع القلوب لأنه زجر عن المماطلة وهي تؤدى إلى ذلك

قوله باب إذا أحال دين الميت على رجل جاز وإذا أحال على ملىء فليس له رد كذا ثبت عند أبي ذر والترجمة الثانية مقدمة عند غيره على الباب في باب مفرد وفيه حديث أبي هريرة مطل الغني ظلم عن محمد بن يوسف عن سفيان وهو الثوري عن أبي الزناد ومناسبته للترجمة واضحة وهو يشعر بأنه في ذلك موافق للجمهور على عدم الرجوع وقد تقدمت مباحث ذلك في الذي قبله وقد ذكر أبو مسعود أن هذه الطريق ثبتت في رواية النعيمي عن الفربري وإنها لم تقع عند الحموي قال وقد رواها حماد بن شاكر عن البخاري قلت وثبتت أيضا عند أبي زيد المروزي عن الفربري ورواه أيضا إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري ويؤيد صنيع النسفي ومن تبعه أنه ترجم بعد أبواب لحديث سلمة باب من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع فلو كان ما صنعه أبو ذر محفوظا لكان قد كرر الترجمة لحديث واحد تنبيهان الأول محمد بن يوسف لا قرابة بينه وبين عبد الله بن يوسف فمحمد هو بن يوسف بن واقد بن عثمان الفريابي صاحب سفيان الثوري وعبد الله هو بن يوسف بن عبد الله التنيسي صاحب مالك ولم يلق الفريابي مالكا ولا التنيسي سفيان والله أعلم الثاني قال بن بطال إنما ترجم بالحوالة فقال أن أحال دين الميت ثم ادخل حديث سلمة وهو في الضمان لأن الحوالة والضمان عند بعض العلماء متقاربان واليه ذهب أبو ثور لأنهما ينتظمان في كون كل منهما نقل ذمة رجل إلى ذمة رجل آخر والضمان في هذا الحديث نقل ما في ذمة الميت إلى ذمة الضامن فصار كالحوالة سواء قلت وقد ترجم له بعد ذلك بالكفالة على ظاهر الخبر

[ 2168 ] قوله إذا أتى بجنازة لم اقف على اسم صاحب هذه الجنازة ولا على الذي بعده وللحاكم من حديث جابر مات رجل فغسلناه وكفناه وحفظناه ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ثم أذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم به قوله فقال هل عليه دين سيأتي بعد أربعة أبواب سبب هذا السؤال من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى الرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه قضاء فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى عليه وإلا قال للمسلمين صلوا على صاحبكم الحديث وبين فيه أنه ترك ذلك بعد أن فتح الله عليه الفتوح قوله ثم أتى بجنازة أخرى ذكر في هذا الحديث أحوال ثلاثة وترك حال رابع الأول لم يترك ما لا وليس عليه دين والثاني عليه دين وله وفاء والثالث عليه دين ولا وفاء له والرابع من لا دين عليه وله مال وهذا حكمه أن يصلي عليه أيضا وكأنه لم يذكر لا لكونه لم يقع بل لكونه كان كثيرا قوله ثلاثة دنانير في حديث جابر عند الحاكم ديناران أخرجه أبو داود من وجه آخر عن جابر نحوه وكذلك أخرجه الطبراني من حديث أسماء بنت يزيد ويجمع بينهما بأنهما كانا دينارين وشطرا فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال ديناران الغاه أو كان أصلهما ثلاثة فوفى قبل موته دينارا وبقي عليه ديناران فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال ديناران فباعتبار ما بقي من الدين والأول أليق ووقع عند بن ماجة من حديث أبي قتادة ثمانية عشر درهما وهذا دون دينارين وفي مختصر المزني من حديث أبي سعيد الخدري درهمين ويجمع أن ثبت بالتعدد قوله فقال أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلى دينه فصلى عليه وفي رواية بن ماجة من حديث أبي قتادة نفسه فقال أبو قتادة وأنا اتكفل به زاد الحاكم في حديث جابر فقال هما عليك وفي مالك والميت منهما برئ قال نعم فصلى عليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبا قتادة يقول ما صنعت الديناران حتى كان آخر ذلك أن قال قد قضيتهما يا رسول الله قال الآن حين بردت عليه جلده وقد وقعت هذه القصة مرة أخرى فروى الدارقطني من حديث على كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل ويسال عن دينه فإن قيل عليه دين كف وأن قيل ليس عليه دين صلى فأتى بجنازة فلما قام ليكبر سأل هل عليه دين فقالوا ديناران فعدل عنه فقال على هما على يا رسول الله وهو برئ منهما فصلى عليه ثم قال لعلي جزاك الله خيرا وفك الله وهانك الحديث قال بن بطال ذهب الجمهور إلى صحة هذه الكفالة ولا رجوع له في مال الميت وعن مالك له أن يرجع أن قال إنما ضمنت لأرجع فإذا لم يكن للميت مال وعلم الضامن بذلك فلا رجوع له وعن أبي حنيفة أن ترك الميت وفاء جاز الضمان بقدر ما ترك وأن لم يترك وفاء لم يصح ذلك وهذا الحديث حجة للجمهور وفي هذا الحديث اشعار بصعوبة أمر الدين وأنه لا ينبغي تحمله الا من ضرورة وسيأتي الكلام على الحكمة في تركه صلى الله عليه وسلم الصلاة على من عليه دين في أول الأمر عند الكلام على حديث أبي هريرة بعد أربعة أبواب إن شاء الله تعالى وفي الحديث بوجوب الصلاة على الجنازة وقد تقدم البحث في ذلك في موضعه