كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس
 قوله كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس كذا لأبي ذر وزاد غيره في أوله البسملة وللنسفي باب بدل كتاب وعطف الترجمة التي تليه عليه بغير باب وجمع المصنف بين هذه الأمور الثلاثة لقلة الأحاديث الواردة فيها ولتعلق بعضها ببعض

قوله باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته أي فهو جائز وكأنه يشير إلى ضعف ما جاء عن بن عباس مرفوعا لا أشتري ما ليس عندي ثمنه وهو حديث أخرجه أبو داود والحاكم من طريق سماك عن عكرمة عنه في أثناء حديث تفرد به شريك عن سماك واختلف في وصله وإرساله ثم أورد فيه حديث جابر في شراء النبي صلى الله عليه وسلم منه جمله في السفر وقضائه ثمنه في المدينة وهو مطابق للركن الثاني من الترجمة وحديث عائشة في شرائه صلى الله عليه وسلم من اليهودي الطعام إلى أجل وهو مطابق للركن الأول قال بن المنير وجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لو حضره الثمن ما أخره وكذا ثمن الطعام لو حضره لم يرتب في ذمته دينا لما عرف من عادته الشريفة من المبادرة إلى إخراج ما يلزمه إخراجه قلت وحديث جابر يأتي الكلام عليه في الشروط وحديث عائشة يأتي الكلام عليه في الرهن وقوله

[ 2255 ] في أول حديث جابر حدثنا محمد بن يوسف هو البيكندي كذا ثبت لأبي ذر وأهمل عند الأكثر وجزم أبو علي الجياني بأنه بن سلام وحكى ذلك عن رواية بن السكن ثم وجدته في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري كذلك وجرير شيخه هو بن عبد الحميد ومغيرة هو بن مقسم

قوله باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها حذف الجواب اغتناء بما وقع في الحديث قال بن المنير هذه الترجمة تشعر بأن التي قبلها مقيدة بالعلم بالقدرة على الوفاء قال لأنه إذا علم من نفسه العجز فقد أخذ لا يريد الوفاء إلا بطريق التمني والتمني خلاف الإرادة قلت وفيه نظر لأنه إذا نوى الوفاء مما سيفتحه الله عليه فقد نطق الحديث بأن الله يؤدي عنه إما بأن يفتح عليه في الدنيا وإما بأن يتكفل عنه في الآخرة فلم يتعين التقييد بالقدرة في الحديث ولو سلم ما قال فهناك مرتبة ثالثة وهو أن لا يعلم هل يقدر أو يعجز

[ 2257 ] قوله عن ثور بن زيد بفتح الزاي وهو الديلي وللإسماعيلي من طريق بن وهب عن سليمان حدثني ثور قوله عن أبي الغيث بالمعجمة والمثلثة زاد بن ماجة مولى بن مطيع قلت واسمه سالم والإسناد كله مدنيون قوله أدى الله عنه في رواية الكشميهني أداها الله عنه ولابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث ميمونة ما من مسلم يدان دينا يعلم الله أنه يريد أداءه الا أداه الله عنه في الدنيا وظاهره يحيل المسألة المشهورة فيمن مات قبل الوفاء بغير تقصير منه كأن يعسر مثلا أو يفجأه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته وفاء دينه ولم يوف عنه في الدنيا ويمكن حمل حديث ميمونة على الغالب والظاهر أنه لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين كما دل عليه حديث الباب وأن خالف في ذلك بن عبد السلام والله أعلم قوله أتلفه الله ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئا من الامرين وقيل المراد بالاتلاف عذاب الآخرة قال بن بطال فيه الحض على ترك استشكال أموال الناس والترغيب في حسن التأدية إليهم عند المداينة وأن الجزاء قد يكون من جنس العمل وقال الداودي فيه أن من عليه دين لا يعتق ولا يتصدق وأن فعل رد اه وفي أخذ هذا من هذا بعد كثير وفيه الترغيب في تحسين النية والترهيب من ضد ذلك وأن مدار الأعمال عليها وفيه الترغيب في الدين لمن ينوي الوفاء وقد أخذ بذلك عبد الله بن جعفر فيما رواه بن ماجة والحاكم من رواية محمد بن علي عنه أنه كان يستدين فسئل فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن الله مع الدائن حتى يقضي دينه إسناده حسن لكن اختلف فيه على محمد بن علي فرواه الحاكم أيضا من طريق القاسم بن الفضل عنه عن عائشة بلفظ ما من عبد كانت له نية في وفاء دينه الا كان له من الله عون قالت فأنا ألتمس ذلك العون وساق له شاهدا من وجه آخر عن القاسم عن عائشة وفيه أن من اشترى شيئا بدين وتصرف فيه وأظهر أنه قادر على الوفاء ثم تبين الأمر بخلافه أن البيع لا يرد بل ينتظر به حلول الأجل لاقتصاره صلى الله عليه وسلم على الدعاء عليه ولم يلزمه برد البيع قاله بن المنير

قوله باب أداء الدين في رواية أبي ذر الديون بالجمع وقول الله تعالى أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها الآية كذا لأبي ذر وساق الأصيلي وغيره الآية قال بن المنير أدخل الدين في الأمانة لثبوت الأمر بادائه إذ المراد بالأمانة في الآية هو المراد في قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض وفسرت هناك بالأوامر والنواهي فيدخل فيها جميع ما يتعلق بالذمة وما لا يتعلق اه ويحتمل أن تكون الأمانة على ظاهرها وإذا أمر الله بادائها ومدح فاعله وهي لا تتعلق بالذمة فحال ما في الذمة أولى وأكثر المفسرين على أن الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة حاجب الكعبة وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نزلت في الولاة وعن بن عباس هي عامة في جميع الأمانات وروى بن أبي شيبة من طريق طلق بن معاوية قال كان لي دين على رجل فخاصمته إلى شريح فقال له إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأمر بحبسه ثم أورد المصنف فيه حديث أبي ذر كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصر أحدا قال ما أحب أنه يحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث إلا دينارا أرصده لدين الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الرقاق وغرضه هنا هذا القدر المذكور قال بن بطال فيه إشارة إلى عدم الاستغراق في كثير الدين والاقتصار على اليسير منه أخذا من اقتصاره على ذكر الدينار الواحد ولو كان عليه مائة دينار مثلا لم يرصد لأدائها دينارا واحدا اه ولا يخفى ما فيه وفيه الاهتمام بأمر وفاء الدين وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا

[ 2258 ] قوله ما أحب أنه تحول لي ذهبا كذا لأبي ذر تحول بفتح المثناة ولغيره بضم التحتانية قال بن مالك فيه حول بمعنى صير وقد خفي على كثير من النحاة وعاب بعضهم استعماله على الحريري قال وقد جاء هنا على ما لم يسم فاعله جاريا مجرى صار في رفع ما كان مبتدأ ونصب ما كان خبرا وكذلك حكم ما صيغ من حول مثل تحول فإنه بزيادة المثناة تجدد له حذف ما كان فاعلا وجعل أول المفعولين فاعلا وثانيهما خبرا منصوبا قوله أرصده ثبت في روايتنا بضم أوله من الرباعي وحكى بن التين عن بعض الروايات بفتح الهمزة من رصد والأول أوجه تقول أرصدته أي هيأته وأعددته ورصدته أي رقبته وقوله الأكثرون أي مالا والاقلون أي ثوابا إلا من ذكر وقوله وقليل ما هم ما زائدة أو صفة وقوله مكانك بالنصب محذوف العامل أي ألزم مكانك وقوله قلت يا رسول الله الذي سمعت خبره محذوف تقديره ما هو وقوله ومن فعل كذا وكذا فسر في الرواية الآتية في الرقاق وأن زنى وأن سرق ووقع في رواية المستملي هنا وأن بدل ومن

[ 2259 ] قوله عقب حديث أبي هريرة في معنى حديث أبي ذر رواه صالح وعقيل عن الزهري يعني عن عبيد الله عن أبي هريرة وطريقهما موصول في الزهريات لمحمد بن يحيى الذهلي قوله لو كان لي مثل أحد ذهبا قال بن مالك فيه وقوع التمييز بعد مثل وهو قليل ونظيره قوله تعالى ولو جئنا بمثله مددا قوله ما يسرني أن لا يمر قال بن مالك فيه وقوع جواب لو مضارعا منفيا بما والأصل أن يكون ماضيا مثبتا وكأنه أوقع المضارع موقع الماضي أو يكون الأصل أو يكون الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب لو وفيه ضمير هو الاسم ويسرني الخبر وحذف كان مع اسمها وبقاء خبرها كثير وهذا أولى اه ووقع في حديث أبي ذر ما يسرني أن يمكث عندي وفي حديث أبي هريرة يسرني أن لا يمكث ومفهوم كل منهما مطابق لمنطوق الآخر ووقع للاصيلي وكريمة في رواية أبي هريرة ما يسرني أن لا يمكث وعلى هذا فلا زائدة والله أعلم

قوله باب استقراض الإبل أي جوازه ليرد المقترض نظيره أو خيرا منه

[ 2260 ] قوله أن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية بن المبارك عن شعبة الآتية في الهبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ سنا فجاء صاحبه يتقاضاه أي يطلب منه قضاء الدين وفي أول حديث سفيان عن سلمة كما سيأتي بعد بابين كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاءه يتقاضاه ولأحمد عن عبد الرزاق عن سفيان جاء أعرابي يتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا وله عن يزيد بن هارون عن سفيان استقرض النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بعيرا وللترمذي من طريق علي بن صالح عن سلمة استقرض النبي صلى الله عليه وسلم سنا قوله فأغلظ له يحتمل أن يكون الإغلاظ بالتشديد في المطالبة من غير قدر زائد ويحتمل أن يكون بغير ذلك ويكون صاحب الدين كافرا فقد قيل إنه كان يهوديا والأول أظهر لما تقدم من رواية عبد الرزاق أنه كان أعرابيا وكأنه جرى على عادته من جفاء المخاطبة ووقع في ترجمة بكر بن سهل في معجم الطبراني الأوسط عن العرباص بن سارية ما يفهم أنه هو لكن روى النسائي والحاكم الحديث المذكور وفيه ما يقتضي أنه غيره وأن القصة وقعت لأعرابي ووقع للعرباض نحوها قوله فهم به أصحابه أي أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول أو الفعل لكن لم يفعلوا أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم قوله فإن لصاحب الحق مقالا أي صولة الطلب وقوة الحجة لكن مع مراعاة الأدب المشروع قوله واشتروا له بعيرا في رواية عبد الرزاق التمسوا له مثل سن بعيره قوله قالوا لا نجد في رواية سفيان الآتية فقال أعطوه فطلبوا سنة فلم يجدوا إلا فوقها وفي رواية عبد الرزاق فالتمسوا له فلم يجدوا الا فوق سن بعيره والمخاطب بذلك هو أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه مسلم من حديثه قال استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة ولابن خزيمة استلف من رجل بكرا فقال إذا جاءت إبل الصدقة قضيناك فلما جاءت إبل الصدقة أمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكرة فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه ويجمع بينه وبين الرواية التي في الباب حيث قال فيها اشتروا له بأنه أمر بالشراء أولا ثم قدمت إبل الصدقة فأعطاه منها أو أنه أمر بالشراء من إبل الصدقة ممن استحق منها شيئا ويؤيده رواية بن خزيمة المذكورة إذا جاءت الصدقة قضيناك اه والبكر بفتح الموحدة وسكون الكاف الصغيرة من الإبل والخيار الجيد يطلق على الواحد والجمع والرباعي بتخفيف الموحدة من ألقى رباعيته قوله فإن خيركم أحسنكم قضاء في رواية عثمان بن جبلة عن شعبة الآتية في الهبة فإن من خيركم أو خيركم كذا على الشك وفي رواية بن المبارك أفضلكم أحسنكم قضاء وفي رواية سفيان الآتية خياركم فيحتمل أن يريد المفرد بمعنى المختار أو الجمع والمراد أنه خيرهم في المعاملة أو تكون من مقدرة ويدل عليها الرواية المذكورة وقوله أحسنكم لما أضيف أفعل والمقصود به الزيادة جاز فيه الأفراد وقد وقع في رواية سفيان بعد باب من خياركم وفي الحديث جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وعظم حلمه وتواضعه وانصافه وأن من عليه دين لا ينبغي له مجافاة صاحب الحق وأن من أساء الأدب على الإمام كان عليه التعزير بما يقتضيه الحال إلا أن يعفو صاحب الحق وفيه ما ترجم له وهو استقراض الإبل ويلتحق بها جميع الحيوانات وهو قول أكثر أهل العلم ومنع من ذلك الثوري والحنفية واحتجوا بحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو حديث قد روي عن بن عباس مرفوعا أخرجه بن حبان والدارقطني وغيرهما ورجال إسناده ثقات إلا أن الحفاظ رجحوا إرساله وأخرجه الترمذي من حديث الحسن عن سمرة وفي سماع الحسن من سمرة اختلاف وفي الجملة هو حديث صالح للحجة وادعى الطحاوي أنه ناسخ لحديث الباب وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن فقد جمع بينهما الشافعي وجماعة بحمل النهي على ما إذا كان نسيئة من الجانبين ويتعين المصير إلى ذلك لأن الجمع بين الحديثين أولى من الغاء أحدهما باتفاق وإذا كان ذلك المراد من الحديث بقيت الدلالة على جواز استقراض الحيوان والسلم فيه واعتل من منع بأن الحيوان يختلف اختلافا متباينا حتى لا يوقف على حقيقة المثلية فيه وأجيب بأنه لا مانع من الإحاطة به بالوصف بما يدفع التغاير وقد جوز الحنفية التزويج والكتابة على الرقيق الموصوف في الذمة وفيه جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد فيحرم حنئذ اتفاقا وبه قال الجمهور وعن المالكية تفصيل في الزيادة إن كانت بالعدد منعت وإن كانت بالوصف جازت وفيه أن الاقتراض في البر والطاعة وكذا الأمور المباحة لا يعاب وأن للأمام أن يقترض على بيت المال لحاجة بعض المحتاجين ليوفي ذلك من مال الصدقات واستدل به الشافعي على جواز تعجيل الزكاة هكذا حكاه بن عبد البر ولم يظهر لي توجهه إلا أن يكون المراد ما قيل في سبب اقتراضه صلى الله عليه وسلم وأنه كان اقترضه لبعض المحتاجين من أهل الصدقة فلما جاءت الصدقة أوفى صاحبه منها ولا يعكر عليه أنه أوفاه أزيد من حقه من مال الصدقة لاحتمال أن يكون المقترض منه كان أيضا من أهل الصدقة إما من جهة الفقر أو التألف أو غير ذلك بجهتين جهة الوفاء في الأصل وجهة الاستحقاق في الزائد وقيل كان اقترضه في ذمته فلما حل الأجل ولم يجد الوفاء صار غارما فجاز له الوفاء من الصدقة وقيل كان اقتراضه لنفسه فلما حل الأجل اشترى من إبل الصدقة بعيرا ممن استحقه أو اقترضه من آخر أو من مال الصدقة ليوفيه بعد ذلك والاحتمال الأول أقوى ويؤيده سياق حديث أبي رافع والله أعلم تنبيه هذا الحديث من غرائب الصحيح قال البزار لا يروي عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ومداره على سلمة بن كهيل وقد صرح في هذا الباب بأنه سمعه من أبي سلمة بن عبد الرحمن بمنى وذلك لما حج والله أعلم

قوله باب حسن التقاضي أي استحباب حسن المطالبة أورد فيه حديث حذيفة في قصة الرجل الذي كان يتجوز عن الموسر ويخفف عن المعسر وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب من أنظر معسرا من كتاب البيوع وقوله

[ 2261 ] في هذه الرواية فقيل له فقال فيه حذف تقديره فقيل له ما كنت تصنع ووقع هنا في رواية المستملى فقيل له ما كنت تقول وشيخ البخاري فيه هو مسلم بن إبراهيم وعبد الملك هو بن عمير

قوله باب هل يعطي أكبر من سنة هو بضم أول يعطي على البناء للمجهول وأورد فيه حديث أبي هريرة الماضي قبل باب وقد تقدم شرحه مستوفى فيه ويحيى المذكور فيه هو القطان وسفيان شيخه هو الثوري وسيأتي بعد ستة أبواب من روايته عن شيخ له آخر وهو شعبة

قوله باب حسن القضاء أي استحباب حسن أداء الدين وأورد فيه الحديث المذكور وهو ظاهر فيما ترجم له

[ 2263 ] قوله سن أي جمل له سن معين وقوله في هذه الرواية أوفيتني أوفى الله بك وقع في رواية يحيى القطان في الباب الذي قبله أوفيتني أوفاك الله ثم أورد فيه حديث جابر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفيه وكان لي عليه دين فقضاني وزادني وقد تقدم في مواضع وفي بعضها بيان قدر الزيادة وأنها قيراط وهو في الوكالة ويأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الشروط

قوله باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز قال بن بطال هكذا وقعت هذه الترجمة في النسخ كلها والصواب وحلله بإسقاط الألف قلت رأيته في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري بالواو وكذا في رواية النسفي عن البخاري وفي مستخرج الإسماعيلي لكن بقية الروايات بلفظ أو قال بن بطال لأنه يجوز أن يقضي دون الحق بغير محالة ولو حلله من جميع الدين جاز عند جميع العلماء فكذلك إذا حلله من بعضه اه ووجهه بن المنير بأن المراد إذا قضى دون حقه برضا صاحب الدين أو حلله صاحب الدين من جميع حقه فهو جائز ثم أورد فيه حديث جابر في دين أبيه وفيه فسألتهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي وهذا القدر هو المراد في هذه الترجمة فسيأتي في الباب الذي يليه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل غريمه في ذلك وسيأتي من هذه الطريق أتم مما هنا في كتاب الهبة ويأتي الكلام عليه مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى وقوله

[ 2265 ] في هذه الرواية عن بن كعب بن مالك ذكر أبو مسعود وخلف في الأطراف وتبعهما الحميدي أنه عبد الرحمن وذكر المزي أنه عبد الله واستدل بأن بن وهب روى الحديث عن يونس بالسند الذي في هذا الباب فسماه عبد الله قلت والرواية بذلك عند الإسماعيلي إلا أنه قال فيه أن جابرا قتل أبوه وصورته مرسل فإنه لم يقل إن جابرا أخبره ولا حدثه ولكن هذا القدر كاف في كونه عبد الله لا عبد الرحمن نعم روى الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر قصة شهداء أحد كما مضى في الجنائز وذلك هو الحامل لهم على تفسيره هنا به والله أعلم

قوله باب إذا قاص أو جازفه في الدين أي عند الأداء فهو جائز تمرا بتمر أو غيره قال المهلب لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دين تمر من غريمه تمرا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه أقل من دينه إذا علم الآخذ ذلك ورضي أه وكأنه أراد بذلك الاعتراض على ترجمة البخاري ومراد البخاري ما أثبته المعترض لا ما نفاه وغرضه بيان أنه يغتفر في القضاء من المعارضة ما لا يغتفر ابتداء لأن بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا ويجوز في المعاوضة عند الوفاء وذلك بين في حديث الباب فإنه صلى الله عليه وسلم سأل الغريم أن يأخذ تمر الحائط وهو مجهول القدر في الأواسق التي هي له وهي معلومة وكان تمر الحائط دون الذي له كما وقع التصريح بذلك في كتاب الصلح من وجه آخر وفيه فأبوا ولم يروا فيه وفاء وقد أخذ الدمياطي كلام المهلب فاعترض به فقال هذا لا يصح ثم اعتل بنحو ما ذكره المهلب وتعقبه بن المنير بنحو ما أجبت به فقال بيع المعلوم بالمجهول مزابنة فإن كان تمرا نحوه فمزابنة وربا لكن اغتفر ذلك في الوفاء لأن التفاوت متحقق في العرف فيخرج عن كونه مزابنة وسيأتي الكلام على بقية فوائده في علامات النبوة إن شاء الله تعالى وقوله

[ 2266 ] في هذا الإسناد حدثنا أنس هو بن عياض أبو ضمرة وهشام هو بن عروة ووهب هو بن كيسان والإسناد كله مدنيون

قوله باب من استعاذ من الدين

[ 2267 ] حدثنا أبو اليمان تقدم بهذا الإسناد والمتن في أواخر صفة الصلاة وسياقه هناك أتم وتقدم شرحه ثم والسياق الذي هنا كأنه للإسناد الثاني ويؤيده أن رواية أبي اليمان المفردة هناك صرح فيها بالأخبار من عروة للزهري وذكر ههنا بالعنعنة وإسماعيل المذكور هنا هو بن أبي أويس وأخوه هو عبد الحميد أبو بكر وهو بكنيته أشهر وسليمان هو بن بلال والإسناد كله مدنيون قال المهلب يستفاد من هذا الحديث سد الذرائع لأنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الدين لأنه في الغالب ذريعة إلى الكذب في الحديث والخلف في الوعد مع ما لصاحب الدين عليه من المقال اه ويحتمل أن يراد بالاستعاذة من الدين الاستعاذة من الاحتياج إليه حتى لا يقع في هذه الغوائل أو من عدم القدرة على وفائه حتى لا تبقى تبعته ولعل ذلك هو السر في إطلاق الترجمة ثم رأيت في حاشية بن المنير لا تناقض بين الاستعاذة من الدين وجواز الاستدانة لأن الذي استعيذ منه غوائل الدين فمن ادان وسلم منها فقد أعاذه الله وفعل جائزا

قوله باب الصلاة على من ترك دينا قال بن المنير أراد بهذه الترجمة أن الدين لا يخل بالدين وأن الاستعاذة منه ليست لذاته بل لما يخشى من غوائله وأورد الحديث الذي فيه من ترك دينا فليأتني وأشار به إلى بقيته وهو أنه كان لا يصلي على من عليه دين فلما فتحت الفتوح صار يصلي عليه وقد مضى بتمامه في الكفالة ويأتي بقية شرحه في تفسير الأحزاب وفي الفرائض إن شاء الله تعالى وقوله

[ 2268 ] كلا بالفتح والتشديد أي عيالا وقوله ضياعا بفتح المعجمة أي عيالا أيضا قال الخطابي جعل اسما لكل ما هو بصدد أن يضيع من ولد أو خدم وأنكر الخطابي كسر الضاض وجوزه غيره على أنه جمع ضائع كجياع وجائع

قوله باب مطل الغني ظلم ترجم بلفظ الحديث وهو طرف من حديث مضى تاما في الحوالة مع الكلام عليه وعبد الأعلى الذي في الإسناد هو بن عبد الأعلى البصري

قوله باب لصاحب الحق مقال ذكر فيه حديث أبي هريرة المقدم قريبا وهو نص في ذلك وذكر الحديث المعلق لما فيه من تفسير المقال وقد تقدم شرح حديث أبي هريرة قريبا قوله ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته اللي بالفتح المطل لوي يلوي والواجد بالجيم الغني من الوجد بالضم بمعنى القدرة ويحل بضم أوله أي يجوز وصفه بكونه ظالما والحديث المذكور وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن الشريد بن أوس الثقفي عن أبيه بلفظه وإسناده حسن وذكر الطبراني أنه لا يروي إلا بهذا الإسناد قوله قال سفيان عرضه يقول مطلني وعقوبته الحبس وصله البيهقي من طريق الفريابي وهو من شيوخ البخاري عن سفيان بلفظ عرضه أن يقول مطلني حقي وعقوبته أن يسجن وقال إسحاق فسر سفيان عرضه أذاه بلسانه وقال أحمد لما رواه وكيع بسنده قال وكيع عرضه شكايته وقال كل منهما عقوبته حبسه واستدل به على مشروعية حبس المدين إذا كان قادرا على الوفاء تأديبا له وتشديدا عليه كما سيأتي نقل الخلاف فيه وبقوله الوجد على أن المعسر لا يحبس تنبيه وقع في الرافعي في المتن المرفوع لي الواجد ظلم وعقوبته حبسه وهو تغيير وتفسير العقوبة بالحبس إنما هو من بعض الرواة كما ترى

قوله باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به المفلس شرعا من تزيد ديونه على موجوده سمي مفلسا لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير إشارة إلى أنه صار لا يملك إلا أدنى الأموال وهي الفلوس أو سمي بذلك لأنه يمنع التصرف إلا في الشيء التافه كالفلوس لأنهم ما كانوا يتعاملون بها إلا في الأشياء الحقيرة أو لأنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلسا فعلى هذا فالهمزة في أفلس للسلب وقوله في البيع اشاره إلى ما ورد في بعض طرقه نصا وقوله والقرض هو بالقياس عليه أو لدخوله في عموم الخبر وهو قول الشافعي في آخرين والمشهور عن المالكية التفرقة بين القرض والبيع وقوله والوديعة هو بالإجماع وقال بن المنير أدخل هذه الثلاثة إما لأن الحديث مطلق وإما لأنه وارد في البيع والآخران أولى لأن ملك الوديعة لم ينتقل والمحافظة على وفاء من اصطنع بالقرض معروفا مطلوب قوله وقال الحسن إذا أفلس وتبين لم يجز عتقه ولا بيعه ولا شراؤه أما قوله وتبين فاشارة إلى أنه لا يمنع التصرف قبل حكم الحاكم وأما العتق فمحله ما إذا أحاط الدين بماله فلا ينفذ عتقه ولا هبته ولا سائر تبرعاته وأما البيع والشراء فالصحيح من قول العلماء أنهما لا ينفذان أيضا إلا إذا وقع منه البيع لوفاء دين وقال بعضهم يوقف وهو قول الشافعي واختلف في إقراره فالجمهور على قبوله وكأن البخاري أشار بأثر الحسن إلى معارضة قول إبراهيم النخعي بيع المحجور وابتياعه جائز قوله وقال سعيد بن المسيب قضى عثمان أي بن عفان الخ وصله أبو عبيد في كتاب الأموال والبيهقي بإسناد صحيح إلى سعيد ولفظه أفلس مولى لأم حبيبة فاختصم فيه إلى عثمان فقضى فذكره وقال فيه قبل أن يبين إفلاسه بدل قوله قبل أن يفلس والباقي سواء

[ 2272 ] قوله حدثنا زهير هو بن معاوية الجعفي ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وفي هذا السند أربعة من التابعين هو أولهم وكلهم ولي القضاء وكلهم سوى أبي بكر بن عبد الرحمن من طبقة واحدة قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هو شك من أحد رواته وأظنه من زهير وأني لم أر في رواية أحد ممن رواه عن يحيى مع كثرتهم فيه التصريح بالسماع وهذا مشعر بأنه كان لا يرى الرواية بالمعنى أصلا قوله من أدرك ماله بعينه استدل به على أن شرط استحقاق صاحب المال دون غيره أن يجد ماله بعينه لم يتغير ولم يتبدل وإلا فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلا أو في صفة من صفاتها فهي أسوة للغرماء وأصرح منه رواية بن أبي حسين عن أبي بكر بن محمد بسند حديث الباب عند مسلم بلفظ إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه ووقع في رواية مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مرسلا أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به فمفهومه أنه إذا قبض من ثمنه شيئا كان أسوة الغرماء وبه صرح بن شهاب فيما رواه عبد الرزاق عن معمر عنه وهذا وإن كان مرسلا فقد وصله عبد الرزاق في مصنفه عن مالك لكن المشهور عن مالك إرساله وكذا عن الزهري وقد وصله الزبيدي عن الزهري أخرجه أبو داود وابن خزيمة وابن الجارود ولابن أبي شيبة عن عمر بن عبد العزيز أحد رواة هذا الحديث قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحق به من الغرماء إلا أن يكون اقتضى من ماله شيئا فهو أسوة الغرماء واليه يشير اختيار البخاري لاستشهاده بأثر عثمان المذكور وكذلك رواه عبد الرزاق عن طاوس وعطاء صحيحا وبذلك قال جمهور من أخذ بعموم حديث الباب إلا أن للشافعي قولا هو الراجح في مذهبه أن لا فرق بين تغير السلعة أو بقائها ولا بين قبض بعض ثمنها أو عدم قبض شيء منه على التفاصيل المشروحة في كتب الفروع قوله عند رجل أو إنسان شك من الراوي أيضا قوله قد أفلس أي تبين إفلاسه قوله فهو أحق به من غيره أي كائنا من كان وارثا وغريما وبهذا قال جمهور العلماء وخالف الحنفية فتأولوه لكونه خبر واحد خالف الأصول لأن السلعة صارت بالبيع ملكا للمشتري ومن ضمانه واستحقاق البائع أخذها منه نقض لملكه حملوا الحديث على صورة وهي ما إذا كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقيد بالفلس ولا جعل أحق بها لما يقتضيه صيغة أفعل من الاشتراك وأيضا فما ذكروه ينتقض بالشفعة وأيضا فقد ورد التنصيص في حديث الباب على أنه في صورة المبيع وذلك فيما رواه سفيان الثوري في جامعه وأخرجه من طريق بن خزيمة وابن حبان وغيرهما عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد بلفظ إذا ابتاع الرجل سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها من الغرماء ولابن حبان من طريق هشام بن يحيى المخزومي عن أبي هريرة بلفظ إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته والباقي مثله ولمسلم في رواية بن أبي حسين المشار إليها قبل إذا وجد عنده المتاع أنه لصاحبه الذي باعه وفي مرسل بن أبي مليكة عند عبد الرزاق من باع سلعة من رجل لم ينقده ثم أفلس الرجل فوجدها بعينها فليأخذها من بين الغرماء وفي مرسل مالك المشار إليه أيما رجل باع متاعا وكذا هو عند من قدمنا أنه وصله فظهر أن الحديث وارد في صورة البيع ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر من باب الأولى تنبيه وقع في الرافعي سياق الحديث بلفظ الثوري الذي قدمته فقال السبكي في شرح المنهاج هذا الحديث أخرجه مسلم بهذا اللفظ وهو صريح في المقصود فإن اللفظ المشهور أي الذي في البخاري عام أو محتمل بخلاف لفظ البيع فإنه نص لا احتمال فيه وهو لفظ مسلم قال وجاء بلفظه بسند آخر صحيح انتهى واللفظ المذكور ما هو في صحيح مسلم وإنما فيه ما قدمته والله المستعان وحمله بعض الحنفية أيضا على ما إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة وتعقب بقوله في حديث الباب عند رجل ولابن حبان من طريق سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد ثم أفلس وهي عنده وللبيهقي من طريق بن شهاب عن يحيى إذا أفلس الرجل وعنده متاع فلو كان لم يقبضه ما نص في الخبر على أنه عنده واعتذارهم بكونه خبر واحد فيه نظر فإنه مشهور من غير هذا الوجه أخرجه بن حبان من حديث بن عمر وإسناده صحيح وأخرجه أحمد وأبو داود من حديث سمرة وإسناده حسن وقضى به عثمان وعمر بن عبد العزيز كما مضى وبدون هذا يخرج الخبر عن كونه فردا غريبا قال بن المنذر لا نعرف لعثمان في هذا مخالفا من الصحابة وتعقب بما روى بن أبي شيبة عن علي أنه أسوة الغرماء وأجيب بأنه اختلف على علي في ذلك بخلاف عثمان وقال القرطبي في المفهم تعسف بعض الحنفية في تأويل هذا الحديث بتأويلات لا تقوم على أساس وقال النووي تأوله بتأويلات ضعيفة مردودة انتهى واختلف القائلون في صورة وهي ما إذا مات ووجدت السلعة فقال الشافعي الحكم كذلك وصاحب السلعة أحق بها من غيره وقال مالك وأحمد هو أسوة الغرماء واحتجا بما في مرسل مالك وأن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء وفرقوا بين الفلس والموت بأن الميت خربت ذمته فليس للغرماء محل يرجعون إليه فاستووا في ذلك بخلاف المفلس واحتج الشافعي بما رواه من طريق عمر بن خلدة قاضي المدينة عن أبي هريرة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه وهو حديث حسن يحتج بمثله أخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم وزاد بعضهم في آخره إلا أن يترك صاحبه وفاء ورجحه الشافعي على المرسل وقال يحتمل أن يكون آخره من رأي أبي بكر بن عبد الرحمن لأن الذين وصلوه عنه لم يذكروا قضية الموت وكذلك الذين رووا عن أبي هريرة وغيره لم يذكروا ذلك بل صرح بن خلدة عن أبي هريرة بالتسوية بين الإفلاس والموت فتعين المصير إليه لأنها زيادة من ثقة وجزم بن العربي المالكي بأن الزيادة التي في مرسل مالك من قول الراوي وجمع الشافعي أيضا بين الحديثين بحمل حديث بن خلدة على ما إذا مات مفلسا وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن على ما إذا مات مليئا والله أعلم ومن فروع المسألة ما إذا أراد الغرماء أو الورثة إعطاء صاحب السلعة الثمن فقال مالك يلزمه القبول وقال الشافعي وأحمد لا يلزمه ذلك لما فيه من المنة ولأنه ربما ظهر غريم آخر فزاحمه فيما أخذ وأغرب بن التين فحكى عن الشافعي أنه قال لا يجوز له ذلك وليس به إلا سلعته ويلتحق بالمبيع المؤجر فيرجع مكتري الدابة أو الدار إلى عين دابته وداره ونحو ذلك وهذا هو الصحيح عند الشافعية والمالكية وادراج الإجارة في هذا الحكم متوقف على أن المنافع يطلق عليها اسم المتاع أو المال أو يقال اقتضى الحديث أن يكون أحق بالعين ومن لوازم ذلك الرجوع في المنافع فثبت بطريق اللزوم واستدل به على حلول الدين المؤجل بالفلس من حيث أن صاحب الدين أدرك متاعه بعينه فيكون أحق به ومن لوازم ذلك أن يجوز له المطالبة بالمؤجل وهو قول الجمهور لكن الراجح عند الشافعية أن المؤجل لا يحل بذلك لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت واستدل به على أن لصاحب المتاع أن يأخذه وهو الأصح من قولي العلماء والقول الآخر يتوقف على حكم الحاكم كما يتوقف ثبوت الفلس واستدل به على فسخ البيع إذا أمتنع المشتري من أداء الثمن مع قدرته بمطل أو هرب قياسا على الفلس بجامع تعذر الوصول إليه حالا والأصح من قولي العلماء أنه لا يفسخ واستدل به على أن الرجوع إنما يقع في عين المتاع دون زوائده المنفصلة لأنها حدثت على ملك المشتري وليست بمتاع البائع والله أعلم

قوله باب من آخر الغريم إلى الغد أو نحوه ولم ير ذلك مطلا ذكر فيه حديث جابر في قصة دين أبيه معلقا وقد تقدم موصولا قريبا من طريق بن كعب بن مالك عن جابر لكنه ليس فيه قوله ولم يكسره لهم وذكرها في حديثه في كتاب الهبة كما سيأتي واستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم سأغدو عليكم جواز تأخير القسمة لانتظار ما فيه مصلحة لمن عليه الدين ولا يعد ذلك مطلا تنبيه سقطت هذه الترجمة وحديثها من رواية النسفي ولم يذكرها بن بطال ولا أكثر الشراح

قوله باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه ذكر فيه حديث المدبر مختصرا وسيأتي الكلام عليه في العتق قال بن بطال لا يفهم من الحديث معنى قوله في الترجمة فقسمه بين الغرماء لأن الذي دبر لم يكن له مال غير الغلام كما سيأتي في الأحكام وليس فيه أنه كان عليه دين وإنما باعه لأن من سنته أن لا يتصدق المرء بماله كله ويبقى فقيرا ولذلك قال خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى انتهى وأجاب بن المنير بأنه لما احتمل أن يكون باعه عليه لما ذكر الشارح واحتمل أن يكون باعه عليه لكونه مديانا ومال المديان إما أن يقسمه الإمام بنفسه أو يسلمه إلى المديان ليقسمه فلهذا ترجم على التقديرين مع أن أحد الأمرين يخرج من الآخر لأنه إذا باعه عليه لحق نفسه فلأن يبيعه عليه لحق الغرماء أولى انتهى والذي يظهر لي أن في الترجمة لفا ونشرا والتقدير من باع مال المفلس فقسمه بين الغرماء ومن باع مال المعدم فأعطاه حتى ينفق على نفسه و أو في الموضعين للتنويع ويخرج أحدهما من الآخر كما قال بن المنير وقد ثبت في بعض طرق حديث جابر في قصة المدبر أنه كان عليه دين أخرجه النسائي وغيره وفي الباب حديث في ذلك أخرجه مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي سعيد الخدري وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك وذهب الجمهور إلى أن من ظهر فلسه فعلى الحاكم الحجر عليه في ماله حتى يبيعه عليه ويقسمه بين غرمائه على نسبة ديونهم وخالف الحنفية واحتجوا بقصة جابر حيث قال في دين أبيه فلم يعطهم الحائط ولم يكسره لهم ولا حجة فيه لأنه أخر القسمة ليحضر فتحصل البركة في الثمر بحضوره فيحصل الخير للفريقين وكذلك كان

قوله باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى أو أجله في البيع أما القرض إلى أجل فهو مما اختلف فيه والأكثر على جوازه في كل شيء ومنعه الشافعي وأما البيع إلى أجل فجائز اتفاقا وكأن البخاري احتج للجواز في القرض بالجواز في البيع مع ما استظهر به من أثر بن عمر وحديث أبي هريرة قوله وقال بن عمر الخ وصله بن أبي شيبة من طريق المغيرة قال قلت لابن عمر إني أسلف جيراني إلى العطاء فيقضوني أجود من دراهمي قال لا بأس به ما لم تشترط وروى مالك في الموطأ بإسناد صحيح أن بن عمر استسلف من رجل دراهم فقضاه خيرا منها وقد تقدم الكلام على هذا الشق في باب استقراض الإبل قوله وقال عطاء وعمرو بن دينار هو إلى أجله في القرض وصله عبد الرزاق عن بن جريج عنهما

[ 2274 ] قوله وقال الليث الخ ذكر طرفا من حديث الذي أسلف ألف دينار وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب الكفالة

قوله باب الشفاعة في وضع الدين أي في تخفيفه ذكر فيه حديث جابر في دين أبيه وفيه حديثه في قصة بيع الجمل جمعهما في سياق واحد والمقصود منه

[ 2275 ] قوله فطلبت إلى أصحاب الدين أن يضعوا بعضا فأبوا فاستشفعت بالنبي صلى الله عليه وسلم عليهم فأبوا الحديث وقوله في هذه الرواية صنف تمرك أي اجعل كل صنف وحده وقوله على حدة بكسر الحاء وتخفيف الدال أي على انفراد وقوله عذق بن زيد بفتح العين وسكون الذال المعجمة نوع جيد من التمر والعذق بالفتح النخلة واللين بكسر اللام وسكون التحتانية نوع من التمر وقيل هو الرديء وقوله فأزحف بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح المهملة أي كل وأعيا وأصله أن البعير إذا تعب يجر رسنه وكأنهم كنوا بقولهم أزحف رسنه أي جره من الاعياء ثم حذفوا المفعول لكثرة الاستعمال وحكى بن التين أن في بعض النسخ بضم الهمزة وزعم أن الصواب زحف الجمل من الثلاثي وكأنه لم يقف على ما قدمناه وقوله ووكزه كذا للأكثر بالواو أي ضربه بالعصا وفي رواية أبي ذر عن المستملي والحموي وركزه بالراء أي ركز فيه العصا والمراد المبالغة في ضربه بها وسيأتي بقية الكلام على دين أبيه في علامات النبوة وعلى بيع جمله في الشروط إن شاء الله تعالى

قوله تعالى أصلواتك تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء وقال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم وما ينهى عن الخداع

قوله باب ما ينهى عن إضاعة المال وقول الله تبارك و تعالى والله لا يحب الفساد كذا للأكثر ووقع في رواية النسفي إن الله لا يحب الفساد والأول هو الذي وقع في التلاوة قوله ولا يصلح عمل المفسدين كذا للأكثر ولابن شبويه والنسفي لا يحب بدل لا يصلح قيل وهو سهو ووجهه عندي إن ثبت أنه لم يقصد التلاوة لأن أصل التلاوة إن الله لا يصلح عمل المفسدين قوله وقال أصلواتك تأمرك أن نترك إلى قوله ما نشاء قال المفسرون كان ينهاهم عن افسادها فقالوا ذلك أي إن شئنا حفظناها وإن شئنا طرحناها قوله وقال ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الآية قال الطبري بعد أن حكى أقوال المفسرين في المراد بالسفهاء الصواب عندنا أنها عامة في حق كل سفيه صغيرا كان أو كبيرا ذكرا كان أو أنثى والسفيه هو الذي يضيع المال ويفسده بسوء تدبيره قوله والحجر في ذلك أي في السفه وهو معطوف على قوله إضاعة المال والحجر في اللغة المنع وفي الشرع المنع من التصرف في المال فتارة يقع لمصلحة المحجور عليه وتارة لحق غير المحجور عليه والجمهور على جواز الحجر على الكبير وخالف أبو حنيفة وبعض الظاهرية ووافق أبو يوسف ومحمد قال الطحاوي لم أر عن أحد من الصحابة منع الحجر عن الكبير ولا عن التابعين إلا عن إبراهيم النخعي وابن سيرين ومن حجة الجمهور حديث بن عباس أنه كتب إلى نجدة وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم فلعمري أن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم وهو وأن كان موقوفا فقد ورد ما يؤيده كما سيأتي بعد بابين قوله وما ينهى عن الخداع أي في حق من يسيء التصرف في ماله وأن لم يحجر عليه ثم ساق المصنف حديث بن عمر في قصة الذي كان يخدع في البيوع وقد تقدم الكلام عليه في باب ما يكره من الخداع في البيع من كتاب البيوع وفيه توجيه الاحتجاج به للحجر على الكبير ورد قول من احتج به لمنع ذلك والله المستعان

[ 2277 ] قوله حدثني عثمان هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر والإسناد كله كوفيون لكن سكن جرير الري ومنصور وشيخه وشيخ شيخه تابعيون في نسق قوله إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات قيل خص الأمهات بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء ولينبه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك والمقصود من إيراد هذا الحديث هنا قوله فيه وإضاعة المال وقد قال الجمهور إن المراد به السرف في إنفاقه وعن سعيد بن جبير إنفاقه في الحرام وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى

قوله باب العبد راع في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه ذكر فيه حديث بن عمر كلكم راع ومسئول عن رعيته وفيه والخادم في مال سيده وهو مسئول كذا في رواية أبي ذر ولغيره في مال سيده راع وهو مسئول ولفظ الترجمة يأتي في النكاح من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر فذكر الحديث وفيه والعبد راع على مال سيده وهو مسئول وكأن المصنف استنبط قوله ولا يعمل إلا بإذنه من

[ 2278 ] قوله وهو مسئول لأن الظاهر أنه يسأل هل جاوز ما أمره به أو وقف عنده قوله فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم وأحسب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والرجل راع في مال أبيه هذا ظاهر في أن القائل وأحسب هو بن عمر وقد قدمت جزم الكرماني في باب الجمعة في القرى بأنه يونس الراوي له عن الزهري وتعقبته وسيأتي الكلام على شرح الحديث في أول الأحكام إن شاء الله تعالى