كتاب اللقطة
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب اللقطة كذا للمستملي والنسفي واقتصر الباقون على البسملة وما بعدها واللقطة الشيء الذي يلتقط وهو بضم اللام وفتح القاف على المشهور وعند أهل اللغة والمحدثين وقال عياض لا يجوز غيره وقال الزمخشري في الفائق اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها كذا قال وقد جزم الخليل بأنها بالسكون قال وأما بالفتح فهو اللاقط وقال الأزهري هذا الذي قاله هو القياس ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث الفتح وقال بن برى التحريك للمفعول نادر فاقتضى أن الذي قاله الخليل هو القياس وفيها لغتان أيضا لقاطة بضم اللام ولقطة بفتحها وقد نظم الأربعة بن مالك حيث قال لقاطة ولقطة ولقطة ولقطة ما لاقط قد لقطه ووجه بعض المتأخرين فتح القاف في المأخوذ أنه للمبالغة وذلك لمعنى فيها اختصت به وهو أن كل من يراها يميل لأخذها فسميت باسم الفاعل لذلك

قوله باب إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه أورد فيه حديث أبي بن كعب أصبت صرة فيها مائة دينار كذا للمستملي وللكشميهني وجدت وللباقين أخذت ولم يقع في سياقه ما ترجم به صريحا وكأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه كما سيأتي ذكره

[ 2294 ] قوله حدثنا آدم حدثنا شعبة وحدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة هكذا ساقه عاليا ونازلا والسياق للإسناد النازل وقد أخرجه البيهقي من طريق آدم مطولا قوله فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها في رواية حماد بن سلمة وسفيان الثوري وزيد بن أنيسة عند مسلم وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق الثوري وأحمد وأبو داود من طريق حماد عن سلمة بن كهيل في هذا الحديث فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فاعطها إياه لفظ مسلم وأما قول أبي داود إن هذه الزيادة زادها حماد بن سلمة وهي غير محفوظة فتمسك بها من حاول تضعيفها فلم يصب بل هي صحيحة وقد عرفت من وافق حمادا عليها وليست شاذة وقد أخذ بظاهرها مالك وأحمد وقال أبو حنيفة والشافعي أن وقع في نفسه صدقه جاز أن يدفع إليه ولا يجبر على ذلك إلا ببينة لأنه قد يصيب الصفة وقال الخطابي إن صحت هذه اللفظة لم يجز مخالفتها وهي فائدة قوله أعرف عفاصها الخ وإلا فالاحتياط مع من لم ير الرد إلا بالبينة قال ويتأول قوله أعرف عفاصها على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو لتكون الدعوى فيها معلومة وذكر غيره من فوائد ذلك أيضا أن يعرف صدق المدعى من كذبه وأن فيه تنبيها على حفظ الوعاء وغيره لأن العادة جرت بالقائه إذا أخذت النفقة وأنه إذا نبه على حفظ الوعاء كان فيه تنبيه على حفظ المال من باب الأولى قلت قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها وسيأتي أيضا في حديث زيد بن خالد في آخر أبواب اللقطة وما اعتل به بعضهم من أنه إذا وصفها فأصاب فدفعها إليه فجاء شخص آخر فوصفها فأصاب لا يقتضي الطعن في الزيادة فإنه يصير الحكم حينئذ كما لو دفعها إليه بالبينة فجاء آخر فأقام بينة أخرى أنها له وفي ذلك تفاصيل للمالكية وغيرهم وقال بعض متأخري الشافعية يمكن أن يحمل وجوب الدفع لمن أصاب الوصف على ما إذا كان ذلك قبل التملك لأنه حينئذ مال ضائع لم يتعلق به حق ثان بخلاف ما بعد التملك فإنه حينئذ يحتاج المدعي إلى البينة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي ثم قال أما إذا صحت الزيادة فتخص صورة الملتقط من عموم البينة على المدعي والله أعلم وقوله وقوله أحفظ وعائها وعددها ووكائها الوعاء بالمد وبكسر الواو وقد تضم وقرأ بها الحسن في قوله قبل وعاء أخيه قروأ سعيد بن جبير اعاء بقلب الواو المكسورة همزة والوعاء ما يجعل فيه الشيء سواء كان من جلد أو خزف أو خشب أو غير ذلك والوكاء بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الصرة وغيرها وزاد في حديث زيد بن خالد العفاص وسيأتي ذكره وشرحه وحكم هذه العلامات في الباب الذي بعده قوله فلقيته بعد بمكة القائل شعبة والذي قال لا أدري هو شيخه سلمة كهيل وقد بينه مسلم من رواية بهز بن أسد عن شعبة أخبرني سلمة بن كهيل واختصر الحديث قال شعبة فسمعته بعد عشر سنين يقول عرفها عاما واحدا وقد بينه أبو داود الطيالسي في مسنده أيضا فقال في آخر الحديث قال شعبة فلقيت سلمة بعد ذلك فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا وأغرب بن بطال فقال الذي شك فيه هو أبي بن كعب والقائل هو سويد بن غفلة انتهى ولم يصب في ذلك وإن تبعه جماعة منهم المنذري بل الشك فيه من أحد رواته وهو سلمة لما استثبته فيه شعبة وقد رواه غير شعبة عن سلمة بن كهيل بغير شك جماعة وفيه هذه الزيادة وأخرجها مسلم من طريق الأعمش والثوري وزيد بن أبي أنيسة وحماد بن سلمة كلهم عن سلمة وقال قالوا في حديثهم جميعا ثلاثة أحوال إلا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد الآتي في الباب الذي يليه فإنه لم يختلف عليه في الاقتصار على سنة واحدة فقال يحمل حديث أبي بن كعب على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها وحديث زيد على ما لا بد منه أو لاحتياج الأعرابي واستغناء أبي قال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام الا شيء جاء عن عمر انتهى وقد حكاه الماوردي عن شواذ من الفقهاء وحكى بن المنذر عن عمر أربعة أقوال يعرفها ثلاثة أحوال عاما واحدا ثلاثة أشهر ثلاثة أيام ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها وزاد بن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة أشهر وجزم بن حزم وابن الجوزي بأن هذه الزيادة غلط قال والذي يظهر أن سلمة أخطأ فيها ثم ثبت واستذكر واستمر على عام واحد ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه رواية وقال بن الجوزي يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذي ينبغي فأمر أبيا بإعادة التعريف كما قال للمسيء صلاته ارجع فصل فإنك لم تصل انتهى ولا يخفى بعد هذا على مثل أبي مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم وقد حكى صاحب الهداية من الحنفية رواية عندهم أن الأمر في التعريف مفوض لأمر الملتقط فعليه أن يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك والله أعلم وسيأتي بقية الكلام على حديث أبي بن كعب في أواخر أبواب اللقطة قريبا إن شاء الله تعالى

قوله باب ضالة الإبل أي هل تلتقط أم لا والضال الضائع والضال في الحيوان كاللقطة في غيره والجمهور على القول بظاهر الحديث في أنها لا تلتقط وقال الحنفية الأولى أن تلتقط وحمل بعضهم النهي على من التقطها ليتملكها لا ليحفظها فيجوز له وهو قول الشافعية وكذا إذا وجدت بقرية فيجوز التملك على الأصح عندهم والخلاف عند المالكية أيضا قال العلماء حكمة النهي عن التقاط الإبل أن بقاءها حيث ضلت أقرب إلى وجدان مالكها لها من تطلبه لها في رحال الناس وقالوا في معنى الإبل كل ما أمتنع بقوته عن صغار السباع

[ 2295 ] قوله حدثنا عبد الرحمن هو بن مهدي وسفيان هو الثوري قوله عن ربيعة هو بن أبي عبد الرحمن المعروف بالرأي بسكون الهمزة وقد رواه بن وهب عن الثوري وغيره أن ربيعة حدثهم أخرجه مسلم قوله مولى المنبعث بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد ذكره في العلم والشرب وهنا في مواضع ويأتي في الطلاق والأدب قوله جاء أعرابي في رواية مالك عن ربيعة جاء رجل وزعم بن بشكوال وعزاه لأبي داود وتبعه بعض المتأخرين أن السائل المذكور هو بلال المؤذن ولم أر عند أبي داود في شيء من النسخ شيئا من ذلك وفيه بعد أيضا لأنه لا يوصف بأنه أعرابي وقيل السائل هو الراوي وفيه بعد أيضا لما ذكرناه ومستند من قال ذلك ما رواه الطبراني من وجه آخر عن ربيعة بهذا الإسناد فقال فيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم لكن رواه أحمد من وجه آخر عن زيد بن خالد فقال فيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أو أن رجلا سأل على الشك وأيضا فإن في رواية بن وهب المذكورة عن زيد بن خالد أتى رجل وأنا معه فدل هذا على أنه غيره ولعله نسب السؤال إلى نفيه لكونه كان مع السائل ثم ظفرت بتسمية السائل وذلك فيما أخرجه الحميدي والبغوي وابن السكن والبارودي والطبراني كلهم من طريق محمد بن معن الغفاري عن ربيعة عن عقبة بن سويد الجهني عن أبيه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال عرفها سنة ثم أوثق وعاءها فذكر الحديث وقد ذكر أبو داود طرفا منه تعليقا ولم يسق لفظه وكذلك البخاري في تاريخه وهو أولى ما يفسر به هذا المبهم لكونه من رهط زيد بن خالد وروى أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني من حديث أبي ثعلبة الخشني قال قلت يا رسول الله الورق يوجد عند القرية قال عرفها حولا الحديث وفيه سؤاله عن الشاة والبعير وجوابه وهو في أثناء حديث طويل أخرج أصله النسائي وروى الإسماعيلي في الصحابة من طريق مالك بن عمير عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال أن وجدت من يعرفها فادفعها إليه الحديث وإسناده واه جدا وروى الطبراني من حديث الجارود العبدي قال قلت يا رسول الله اللقطة نجدها قال أنشدها ولا تكتم ولا تغيب الحديث قوله فسأله عما يلتقطه في أكثر الروايات أنه سأل عن اللقطة زاد مسلم من طريق يحيى بن سعيد عن يزيد مولى المنبعث الذهب والفضة وهو كالمثال وإلا وإلا فلا فرق بينهما وبين الجوهر واللؤلؤ مثلا وغير ذلك مما يستمتع به غير الحيوان في تسميته لقطة وفي اعطائه الحكم المذكور ووقع لأبي داود من طريق عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن أبيه بلفظ وسئل عن اللقطة قوله عرفها سنة ثم أعرف عفاصها ووكائها في رواية العقدي عن سليمان بن بلال الماضية في العلم أعرف وكاءها أو قال عفاصها ولمسلم من طريق بشير بن سعيد عن زيد بن خالد فاعرف عفاصها ووعاءها وعددها زاد فيه العدد كما في حديث أبي بن كعب ووقع في رواية مالك كما سيأتي بعد باب أعرف عفاصها ووكائها ثم عرفها سنة ووافقه الأكثر نعم وافق الثوري ما أخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن يزيد مولى المنبعث بلفظ عرفها حولا فإن جاء صاحبها فادفعها إليه وإلا أعرف وكاءها وعفاصها ثم اقبضها في مالك الحديث وهو يقتضي أن التعريف يقع بعد معرفة ما ذكر من العلامات ورواية الباب تقتضي أن التعريف يسبق المعرفة وقال النووي يجمع بينهما بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات أول ما يلتقط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها كما تقدم ثم بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها فيعرفها مرة أخرى تعرفا وافيا محققا ليعلم قدرها وصفتها فيردها إلى صاحبها قلت ويحتمل أن تكون ثم في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيبا ولا تقتضي تخالفا يحتاج إلى الجمع ويقويه كون المخرج واحد والقصة واحدة وإنما يحسن ما تقدم أن لو كان المخرج مختلفا فيحمل على تعدد القصة وليس الغرض إلا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظر عن أيهما أسبق واختلف في هذه المعرفة على قولين للعلماء أظهرهما الوجوب لظاهر الأمر وقيل يستحب وقال بعضهم يجب عند الالتقاط ويستحب بعده والعفاص بكسر المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف مهملة الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره وقيل له العفاص أخذا من العفص وهو الثني لأن الوعاء يثني على ما فيه وقد وقع في زوائد المسند لعبد الله بن أحمد من طريق الأعمش عن سلمة في حديث أبي وخرقتها بدل عفاصها والعفاص أيضا الجلد الذي يكون على رأس القارورة وأما الذي يدخل فم القارورة من جلد أو غيره فهو الصمام بكسر الصاد المهملة قلت فحيث ذكر العفاص مع الوعاء فالمراد الثاني وحيث لم يذكر العفاص مع الوعاء فالمراد به الأول والغرض معرفة الآلات التي تحفظ النفقة ويلتحق بما ذكر حفظ الجنس والصفة والقدر والكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن والذرع فيما يذرع وقال جماعة من الشافعية يستحب تقييدها بالكتابة خوف النسيان واختلفوا فيما إذا عرف بعض الصفات دون بعض بناء على القول بوجوب الدفع لمن عرف الصفة قال بن القاسم لا بد من ذكر جميعها وكذا قال أصبغ لكن قال لا يشترط معرفة العدد وقول بن القاسم أقوى لثبوت ذكر العدد في الرواية الأخرى وزيادة الحافظ حجة وقوله عرفها بالتشديد وكسر الراء أي اذكرها للناس قال العلماء محل ذلك المحافل كأبواب المساجد والاسواق ونحو ذلك يقول من ضاعت له نفقة أو نحو ذلك من العبارات ولا يذكر شيئا من الصفات وقوله سنة أي متوالية فلو عرفها سنة متفرقة لم يكف كأن يعرفها في كل سنة شهرا فيصدق أنه عرفها سنة في اثنتي عشرة سنة وقال العلماء يعرفها في كل يوم مرتين ثم مرة في كل اسبوع ثم في كل شهر ولا يشترط أن يعرفها بنفسه بل يجوز بوكيله ويعرفها في مكان سقوطها وفي غيره قوله فإن جاء أحد يخبرك بها جواب الشرط محذوف تقديره فأدها إليه وفي رواية محمد بن يوسف عن سفيان كما سيأتي في آخر أبواب اللقطة فإن جاء أحد يخبرك بعفاصها ووكائها وقد تقدم البحث فيه قوله وإلا فاستنفقها سيأتي البحث فيه بعد أبواب واستدل به على أن الملتقط يتصرف فيها سواء كان غنيا أو فقيرا وعن أبي حنيفة إن كان غنيا تصدق بها وأن جاء صاحبها تخير بين إمضاء الصدقة أو تغريمه قال صاحب الهداية الا إن كان بإذن الإمام فيجوز للغني كما في قصة أبي بن كعب وبهذا وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين قوله قال يا رسول الله فضالة الغنم أي ما حكمها فحذف ذلك للعلم به قال العلماء الضالة لا تقع الا على الحيوان وما سواه يقال له لقطة ويقال للضوال أيضا الهوامي والهوافي بالميم والفاء والهوامل قوله لك أو لأخيك أو للذئب فيه إشارة إلى جواز أخذها كأنه قال هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك والمراد به ما هو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع وفيه حث له على أخذها لأنه إذا علم أنه إن لم يأخذها بقيت للذئب كان ذلك أدعى له إلى أخذها ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر عن ربيعة كما سيأتي بعد أبواب فقال خذها فإنما هي لك الخ وهو صريح في الأمر بالأخذ ففيه دليل على رد إحدى الروايتين عن أحمد في قوله يترك التقاط الشاة وتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ ولا يلزمه غرامة ولو جاء صاحبها واحتج له بالتسوية بين الذئب والملتقط والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط وأجيب بأن اللام ليست للتمليك لأن الذئب لا يملك وإنما يملكها الملتقط على شرط ضمانها وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط لأخذها فدل على أنها باقية على ملك صاحبها ولا فرق بين قوله في الشاة هي لك أو ولأخيك أو للذئب وبين قوله في اللقطة شأنك بها أو خذها بل هو أشبه بالتملك لأنه لم يشرك معه ذئبا ولا غيره ومع ذلك فقالوا في النفقة يغرمها إذا تصرف فيها ثم جاء صاحبها وقال الجمهور يجب تعريفها فإذا انقضت مدة التعريف أكلها إن شاء وغرم لصاحبها إلا أن الشافعي قال لا يجب تعريفها إذا وجدت في الفلاة وأما في القرية فيجب في الأصح قال النووي احتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى فإن جاء صاحبها فأعطها إياه وأجابوا عن رواية مالك بأنه لم يذكر الغرامة ولا نفاها فثبت حكمها بدليل آخر انتهى وهو يوهم أن الرواية الأولى من روايات مسلم فيها ذكر حكم الشاة إذا أكلها الملتقط ولم أر ذلك في شيء من روايات مسلم ولا غيره في حديث زيد بن خالد نعم عند أبي داود والترمذي والنسائي والطحاوي والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في ضالة الشاة فاجمعها ختى يأتيها باغيها قوله فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم هو بالعين المهملة الثقيلة أي تغير وأصله في الشجر إذا قل ماؤه فصار قليل النضرة عديم الإشراق ويقال للوادي المجدب أمعر ولو روى تمغر بالغين المعجمة لكان له وجه أي صار بلون المغرة وهو حمرة شديدة إلى كمودة ويقويه أن قوله في رواية إسماعيل بن جعفر فغضب حتى احمرت وجنتاه أو وجهه قوله ما لك ولها زاد في رواية سليمان بن بلال عن ربيعة السابقة في العلم فذرها حتى يلقاها ربها قوله معها حذاؤها وسقاؤها الحذاء بكسر المهملة بعدها معجمة مع المد أي خفها وسقاؤها أي جوفها وقيل عنقها وأشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط

قوله باب ضالة الغنم كأنه أفردها بترجمة ليشير إلى افتراق حكمها عن الإبل وقد انفرد مالك بتجويز أخذ الشاة وعدم تعريفها متمسكا بقوله هي لك وأجيب بأن اللام ليست للتمليك كما أنه قال أو للذئب والذئب لا يملك باتفاق وقد أجمعوا على أن مالكها لو جاء قبل أن يأكلها الواجد لأخذها منه

[ 2296 ] قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس وقد روى الكثير عن شيخه هنا سليمان بن بلال بواسطة قوله عن يحيى هو بن سعيد الأنصاري وسبق في العلم من وجه آخر عن سليمان بن بلال عن ربيعة فكأن له فيه شيخين وقد أخرجه الطحاوي من طريق عبد الله بن محمد الفهمي عن سليمان بن بلال عنهما جميعا عن يزيد مولى المنبعث وأخرجه النسائي وابن ماجة والطحاي من طريق بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن ربيعة عن يزيد فجعل ربيعة شيخ يحيى لا رفيقه لكن سيأتي في آخر الطلاق من رواية سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن يزيد مرسلا قال سفيان قال يحيى وقال ربيعة عن يزيد بن خالد قال سفيان ولقيت ربيعة فحدثني به فالحاصل أن من رواه عن يحيى عن يزيد عن زيد يكون قد سوى الإسناد فإن يحيى إنما سمع ذكر زيد فيه بواسطة ربيعة ويحتمل أن يكون يحيى لما حدث به سفيان كان ذاهلا عنه ثم ذكره لما حدث بن سليمان والله أعلم قوله فزعم أي قال والزعم يستعمل في القول المحقق كثيرا قوله ثم عرفها سنة يقول يزيد إن لم تعرف استنفق بها صاحبها أي ملتقطها وكانت وديعة عنده قال يحيى هذا الذي لا أدري أهو في الحديث أم شيء من عنده أي من عند يزيد والقائل يقول يزيد هو يحيى بن سعيد الأنصاري والقائل قال هو سليمان وهما موصولان بالإسناد المذكور والغرض أن يحيى بن سعيد شك هل قوله ولتكن وديعة عنده مرفوع أو لا وهذا القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات وخلوها عن ذكر الوديعة وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى وذلك فيما أخرجه مسلم عن القعنبي والإسماعيلي من طريق يحيى بن حسان كلاهما عن سليمان بن بلال عن يحيى فقال فيه فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك وكذلك جزم برفعها خالد بن مخلد عن سليمان بن ربيعة عند مسلم والفهمي عن سليمان عن يحيى وربيعة جميعا عند الطحاوي وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم بعد أبواب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه لأنها وديعة عنده وسيأتي الكلام على المراد بكونها وديعة هناك إن شاء الله تعالى قوله قال يزيد وهي تعرف أيضا هو بتشديد الراء وهو موصول بالإسناد المذكور ولم يشك يحيى في كون هذه الجملة موقوفة على يزيد ولم أرها مرفوعة في شيء من الطرق وقد تقدم حكاية الخلاف فيه في الباب الذي قبله

قوله باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها أي غنيا كان أو فقيرا كما تقدم أورد فيه حديث زيد بن خالد المذكور من جهة مالك عن ربيعة وفيه

[ 2297 ] قوله ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا شأنك بها فيه حذف تقديره فإن جاء صاحبها فأدها إليه وأن لم يجيء فشأنك بها فحذف من هذه الرواية جواب الشرط الأول وشرط إن الثانية والفاء من جوابها قاله بن مالك في حديث أبي الآتي في أواخر أبواب اللقطة بلفظ فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها وإنما وقع الحذف من بعض الرواة دون بعض فقد تقدم حديث أبي في أول اللقطة بلفظ فاستمتع بها بإثبات الفاء في الجواب الثاني ومضى من رواية الثوري عن ربيعة في حديث الباب بلفظ وإلا فاستنفقها ومثله ما سيأتي بعد أبواب من رواية إسماعيل بن جعفر عن ربيعة بلفظ ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه ولمسلم من طريق بن وهب المقدم ذكرها فإذا لم يأت لها طالب فاستنفقها واستدل به على أن اللاقط يملكها بعد انقضاء مدة التعريف وهو ظاهر نص الشافعي فإن قوله شأنك بها تفويض إلى اختياره وقوله فاستنفقها الأمر فيه للإباحة والمشهور عند الشافعية اشتراط التلفظ بالتمليك وقيل تكفي النية وهو الأرجح دليلا وقيل تدخل في ملكه بمجرد الالتقاط وقد روى الحديث سعيد بن منصور عن الدراوردي عن ربيعة بلفظ وإلا فتصنع بها ما تصنع بمالك قوله شأنك بها الشأن الحال أي تصرف فيها وهو بالنصب أي ألزم شأنك بها ويجوز الرفع بالابتداء والخبر بها أي شأنك متعلق بها واختلف العلماء فيما إذا تصرف في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا فالجمهور على وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل أن كانت استهلكت وخالف في ذلك الكرابيسي صاحب الشافعي ووافقه صاحباه البخاري وداود بن علي إمام الظاهرية لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة ومن حجة الجمهور قوله في الرواية الماضية ولتكن وديعة عندك وقوله أيضا عند مسلم في رواية بشر بن سعيد عن زيد بن خالد فاعرف عفاصها ووكائها ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها إليه فإن ظاهر قوله فإن جاء صاحبها الخ بعد قولها كلها يقتضي وجوب ردها بعد أكلها فيحمل على رد البدل ويحتمل أن يكون في الكلام حذف يدل عليه بقية الروايات والتقدير فاعرف عفاصها ووكائها ثم كلها إن لم يجيء صاحبها فإن جاء صاحبها فأدها إليه وأصرح من ذلك رواية أبي داود من هذا الوجه بلفظ فإن جاء باغيها فأدها إليه وإلا فاعرف عفاصها ووكائها ثم كلها فإن جاء باغيها فأدها إليه فأمر بأدائها إليه قبل الإذن في أكلها وبعده وهي أقوى حجة للجمهور وروى أبو داود أيضا من طريق عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن أبيه عن يزيد بن خالد في هذا الحديث فإن جاء صاحبها دفعتها إليه وإلا عرفت وكاءها وعفاصها ثم اقبضها في مالك فإن جاء صاحبها فادفعها إليه وإذا تقرر هذا أمكن حمل قول المصنف في الترجمة فهي لمن وجدها أي في إباحة التصرف فيها حينئذ وأما أمر ضمانها بعد ذلك فهو ساكت عنه قال النووي أن جاء صاحبها قبل أن يتملكها الملتقط أخذها بزوائدها المتصلة والمنفصلة وأما بعد التملك فإن لم يجيء صاحبها فهي لمن وجدها ولا مطالبة عليه في الآخرة وأن جاء صاحبها فإن كانت موجودة بعينها استحقها بزوائدها المتصلة ومهما تلف منها لزم الملتقط غرامته للمالك وهو قول الجمهور وقال بعض السلف لا يلزمه وهو ظاهر اختيار البخاري والله أعلم وسأذكر بقية فوائد حديث زيد بن خالد بعد أربعة أبواب إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا وجد خشبة في البحر أو سوطا أو نحوه أي ماذا يصنع به هل يأخذه أو يتركه وإذا أخذه هل يتملكه أو يكون سبيله سبيل اللقطة وقد اختلف العلماء في ذلك

[ 2298 ] قوله وقال الليث الخ تقدم الكلام عليه مستوفى في الكفالة وأورده هنا مختصرا وسبق توجيه استنباط الترجمة منه وأنها من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا ما يخالفه ولا سيما إذا ساقه الشارع مساق الثناء على فاعله فبهذا التقدير تم المراد من جواز أخذ الخشبة من البحر وقد اختلف العلماء في ذلك على ما سأذكره وأما السوط وغيره فلم يقع له ذكر في الباب فاعترضه بن المنير بسبب ذلك وأجيب بأنه استنبطه بطريق الإلحاق ولعله أشار بالسوط إلى أثر يأتي بعد أبواب في حديث أبي بن كعب أو أشار إلى ما أخرجه أبو داود من حديث جابر قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به وفي إسناده ضعف واختلف في رفعه ووقفه والأصح عند الشافعية أنه لا فرق في اللقطة بين القليل والكثير في التعريف وغيره وفي وجه لا يجب التعريف أصلا وقيل تعرف مرة وقيل ثلاثة أيام وقيل زمنا يظن أن فاقده أعرض عنه وهذا كله في قليل له قيمة أما ما لا قيمة له كالحبة الواحدة فله الاستبداد به على الأصح وفي الباب الذي يليه في حديث التمرة حجة لذلك وعند الحنفية أن كل شيء يعلم أن صاحبه لا يطلبه كالنواة جاز أخذه والانتفاع به من غير تعريف إلا أنه يبقى على ملك صاحبه وعند المالكية كذلك إلا أنه يزول ملك صاحبه عنه فإن كان له قدر ومنفعة وجب تعريفه واختلفوا في مدة التعريف فإن كان مما يتسارع إليه الفساد جاز أكله ولا ضمن على الأصح

قوله باب إذا وجد تمرة في الطريق أي يجوز له أخذها وأكلها وكذا نحوها من المحقرات وهو المشهور المجزوم به عند الأكثر وأشار الرافعي إلى تخريج وجه فيه وقد روى بن أبي شيبة من طريق ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت لا يحب الله الفساد تعني أنها لو تركت فلم تؤخذ فتؤكل فسدت

[ 2299 ] قوله عن طلحة هو بن مصرف قوله لأكلتها ظاهر في جواز أكل ما يوجد من المحقرات ملقى في الطرقات لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنه لم يمتنع من أكلها إلا تورعا لخشية أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه لا لكونها مرمية في الطريق فقط وقد أوضح ذلك

[ 2300 ] قوله في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب على فراشي فإنه ظاهر في أنه ترك أخذها تورعا لخشية أن تكون صدقة فلو لم يخش ذلك لأكلها ولم يذكر تعريفا فدل على أن مثل ذلك يملك بالأخذ ولا يحتاج إلى تعريف لكن هل يقال إنها لقطة رخص في ترك تعريفها أو ليست لقطة لأن اللقطة ما من شأنه أن يتملك دون ما لا قيمة له وقد استشكل بعضهم تركه صلى الله عليه وسلم التمرة في الطريق مع أن الإمام يأخذ المال الضائع للحفظ وأجيب باحتمال أن يكون أخذها كذلك لأنه ليس في الحديث ما ينفيه أو تركها عمدا لينتفع بها من يجدها ممن تحل له الصدقة وإنما يجب على الإمام حفظ المال الذي يعلم تطلع صاحبه له لا ما جرت به العادة بالإعراض عنه لحقارته والله أعلم قوله وقال يحيى أي بن سعيد القطان وقد وصله مسدد في مسنده عنه وأخرجه الطحاوي من طريق مسدد قلت ولسفيان فيه إسناد آخر أخرجه بن أبي شيبة عن وكيع عنه بهذا الإسناد إلى طلحة فقال عن بن عمر أنه وجد تمرة فأكلها قوله وقال زائدة الخ وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن زائدة قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أوائل البيوع

[ 2301 ] قوله وقال طاوس عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلتقط لقطتها إلا من عرفها هو طرف من حديث وصله المؤلف في الحج في باب لا يحل القتال بمكة قوله وقال خالد هو الحذاء عن عكرمة الخ هو طرف أيضا وصله في أوائل البيوع في باب ما قيل في الصواغ قوله وقال أحمد بن سعيد هو الرباطي فيما حكاه بن طاهر والدارمي فيما ذكره أبو نعيم قوله حدثنا روح هو بن عبادة وزكريا هو بن إسحاق وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي العباس بن عبد العظيم وأبو نعيم من طريق خلف بن سالم كلاهما عن روح بن عبادة بهذا الإسناد

[ 2302 ] قوله حدثنا يحيى بن موسى هو البلخي وفي الإسناد لطيفة وهي تصريح كل واحد من رواته بالتحديث مع أن فيه ثلاثة من المدلسين في نسق قوله لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس ظاهره أن الخطبة وقعت عقب الفتح وليس كذلك بل وقعت قبل الفتح عقب قتل رجل من خزاعة رجلا من بني ليث ففي السياق حذف هذا بيانه وقد تقدم في كتاب العلم من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير قوله القتل بالقاف والمثناة للأكثر وللكشميهني بالفاء والتحتانية والثاني هو الصواب وقد تقدم الخلاف فيه أيضا في العلم قوله ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد أي معرف وأما الطالب فيقال له الناشد تقول نشدت الضالة إذا طلبتها وأنشدتها إذا عرفتها وأصل الانشاد والنشيد رفع الصوت والمعنى لا تحل لقطتها إلا لمن يريد أن يعرفها فقط فأما من أراد أن يعرفها ثم يتملكها فلا وقد تقدم الكلام على ما عدا هذه الجملة في الحج إلا قوله ومن قتل له قتيل فأحيل به على كتاب الديات وإلا قوله اكتبوا لأبي شاه فتقدم الكلام عليه في العلم والقائل قلت للأوزاعي هو الوليد بن مسلم الراوي واستدل بحديث بن عباس وأبي هريرة المذكورين في هذا الباب على أن لقطة مكة لا تلتقط للتمليك بل للتعريف خاصة وهو قول الجمهور وإنما اختصت بذلك عندهم لإمكان إيصالها إلى ربها لأنها إن كانت للمكي فظاهر وأن كانت للآفاقي فلا يخلو أفق غالبا من وارد إليها فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها قاله بن بطال وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية هي كغيرها من البلاد وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف لأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود فاحتاج الملتقط بها إلى المبالغة في التعريف واحتج بن المنير لمذهبه بظاهر الاستثناء لأنه نفى الحل واستثنى المنشد فدل على أن الحل ثابت للمنشد لأن الاستثناء من النفي إثبات قال ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء والقياس يقتضي تخصيصها والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق إلى الآفاق البعيدة فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلة فلا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها إلا من عرفها وفارقت في ذلك لقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرقهم فإنها لا تعرف في غيرهم باتفاق بخلاف لقطة مكة فيشرع تعريفها لا مكان عود أهل أفق صاحب اللقطة إلى مكة فيحصل متوصل إلى معرفة صاحبها وقال إسحاق بن راهويه قوله الا لمنشد أي لمن سمع ناشدا يقول من رأى لي هكذا فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يعرفها ليردها على صاحبها وهو أضيق من قول الجمهور لأنه قيده بحالة للمعرف دون حالة وقيل المراد بالمنشد الطالب حكاه أبو عبيد وتعقبه بأنه لا يجوز في اللغة تسمية الطالب منشدا قلت ويكفي في رد ذلك قوله في حديث بن عباس لا يلتقط لقطتها إلا معرف والحديث يفسر بعضه بعضا وكأن هذا هو النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث بن عباس وأما اللغة فقد أثبت الحربي جواز تسمية الطالب منشدا وحكاه عياض أيضا واستدل به على أن لقطة عرفة والمدينة النبوية كسائر البلاد لاختصاص مكة بذلك وحكى الماوردي في الحاوي وجها في عرفة أنها تلتحق بحكم مكة لأنها تجمع الحاج كمكة ولم يرجح شيئا وليس الوجه المذكور في الروضة ولا أصلها واستدل به على جواز تعريف الضالة في المسجد الحرام بخلاف غيره من المساجد وهو أصح الوجهين عند الشافعية والله أعلم

قوله باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذنه هكذا أطلق الترجمة على وفق ظاهر الحديث إشارة إلى الرد على من خصصه أو قيده

[ 2303 ] قوله عن نافع في موطأ محمد بن الحسن عن مالك أخبرنا نافع وفي رواية أبي قطن في الموطآت للدارقطني قلت لمالك أحدثك نافع قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية يزيد بن الهاد عن مالك عند الدارقطني أيضا أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قوله لا يحلبن كذا في البخاري وأكثر الموطآت بضم الأم وفي رواية بن الهاد المذكورة لا يحتلبن بكسرها وزيادة المثناة قبلها قوله ماشية امرئ في رواية بن الهاد وجماعة من رواة الموطأ ماشية رجل وهو كالمثال وإلا فلا اختصاص لذلك بالرجال وذكره بعض شراح الموطأ بلفظ ماشية أخيه وقال هو للغالب إذ لا فرق في هذا الحكم بين المسلم والذمي وتعقب بأنه لا وجود لذلك في الموطأ وباثبات الفرق عند كثير من أهل العلم كما سيأتي في فوائد هذا الحديث وقد رواه أحمد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ نهى أن يحتلب مواشي الناس الا بأذنهم والماشية تقع على الإبل والبقر والغنم ولكنه في الغنم يقع أكثر قاله في النهاية قوله مشربته بضم الراء وقد تفتح أي غرفته والمشربة مكان الشرب بفتح الراء خاصة والمشربة بالكسر إناء الشرب قوله خزانته الخزانة المكان أو الوعاء الذي يخزن فيه ما يراد حفظه وفي رواية أيوب عند أحمد فيكسر بابها قوله فينتقل بالنون والقاف وضم أوله يفتعل من النقل أي تحول من مكان إلى آخر كذا في أكثر الموطآت عن مالك ورواه بعضهم كما حكاه بن عبد البر وأخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة وغيره بلفظ فينتثل بمثلثة بدل القاف والنثل النثر مرة واحدة بسرعة وقيل الاستخراج وهو أخص من النقل وهكذا أخرجه مسلم من رواية أيوب وموسى بن عقبة وغيرهما عن نافع ورواه الليث عن نافع بالقاف وهو عند بن ماجة من هذا الوجه بالمثلثة قوله تخزن بالخاء المعجمة الساكنة والزاي المضمومة بعدها نون وفي رواية الكشميهني تحرز بضم أوله وإهمال الحاء وكسر الراء بعدها زاي قوله ضروع الضرع للبهائم كالثدي للمرأة قوله أطعمانهم هو جمع أطعمة والاطعمة جمع طعام والمراد به هنا اللبن قال بن عبد البر في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئا إلا بإذنه وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبه به على ما هو أولى منه وبهذا أخذ الجمهور لكن سواء كان بإذن خاص أو إذن عام واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه وأن لم يقع منه إذن خاص ولا عام وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقا في الأكل والشرب سواء علم بطيب نفسه أو لم يعلم والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعا إذا أتى أحدكم على ماشية فإن لم يكن صاحبها فيها فليصوت ثلاثا فإن أجاب فليستأذن فإن أذن له وإلا فليحلب وليشرب ولا يحمل إسناده صحيح إلى الحسن فمن صحح سماعه من سمرة صححه ومن لا أعله بالانقطاع لكن له شواهد من أقواها حديث أبي سعيد مرفوعا إذا أتيت على راع فناده ثلاثا فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد وإذا أتيت على حائط بستان فذكر مثله أخرجه بن ماجة والطحاوي وصححه بن حبان والحاكم وأجيب عنه بأن حديث النهي أصح فهو أولى بأن يعمل به وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه فلا يلتفت إليه ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع منها حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه والنهي على ما إذا لم يعلم ومنها تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره أو بالمطر أو بحال بحال المجاعة مطلقا وهي متقاربة وحكى بن بطال عن بعض شيوخه أن حديث الإذن كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وحديث النهي أشار به إلى ما سيكون بعده من التشاح وترك المواساة ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار لحديث أبي هريرة بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة فثبنا إليها فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب قلنا لا قال فإن ذلك كذلك أخرجه أحمد وابن ماجة واللفظ له وفي حديث أحمد فابتدرها القوم ليحلبوها قالوا فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجا وحديث النهي على ما إذا كان مستغنيا ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة والنهي على ما إذا كانت مصرورة لهذا الحديث لكن وقع عند أحمد في آخره فإن كنتم لا بد فاعلين ذلك في غاية الحكمة واختلف الفقهاء في تعريف المدعي والمدعى عليه فاشربوا ولا تحملوا فدل على عموم الإذن في المصرور وغيره لكن بقيد عدم الحمل ولا بد منه واختار بن العربي الحمل على العادة قال وكانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم المسامحة في ذلك بخلاف بلدنا قال ورأى بعضهم أن مهما كان على طريق لا يعدل إليه ولا يقصد جاز للمار الأخذ منه وفيه إشارة إلى قصر ذلك على المحتاج وأشار أبو داود في السنن إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو وآخرون إلى قصر الإذن على ما كان لأهل الذمة والنهي على ما كان للمسلمين واستؤنس بما شرطه الصحابة على أهل الذمة من ضيافة المسلمين وصح ذلك عن عمر وذكر بن وهب عن مالك في المسافر ينزل بالذمي قال لا يأخذ منه شيئا إلا بإذنه قيل له فالضيافة التي جعلت عليهم قال كانوا يومئذ يخفف عنهم بسببها وأما الآن فلا وجنح بعضهم إلى نسخ الإذن وحملوه على أنه كان قبل إيجاب الزكاة قالوا وكانت الضيافة حينئذ واجبة ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة قال الطحاوي وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة ثم نسخت فنسخ ذلك الحكم وأورد الأحاديث في ذلك وسيأتي الكلام على حكم الضيافة في المظالم قريبا إن شاء الله تعالى وقال النووي في شرح المهذب اختلف العلماء فيمن مر ببستان أو زرع أو ماشية قال الجمهور لا يجوز أن يأخذ منه شيئا الا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور وقال بعض السلف لا يلزمه شيء وقال أحمد إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين ولو لم يحتج لذلك وفي الأخرى إذا أحتاج ولا ضمان عليه في الحالين وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث قال البيهقي يعني حديث بن عمر مرفوعا إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبيئة أخرجه الترمذي واستغربه قال البيهقي لم يصح وجاء من أوجه أخر غير قوية قلت والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها وقد بينت ذلك في كتابي المنحة فيما علق الشافعي القول به على الصحة وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للافهام وتمثيل ما قد يخفى بما هو أوضح منه واستعمال القياس في النظائر وفيه ذكر الحكم بعلته وإعادته بعد ذكر العلة تأكيدا وتقريرا وأن القياس لا يشترط في صحته مساواة الفرع للأصل بكل اعتبار بل ربما كانت للأصل مزية لا يضر سقوطها في الفرع إذا تشاركا في أصل الصفة لأن الضرع لا يساوي الخزانة في الحرز كما أن الصر لا يساوي القفل فيه ومع ذلك فقد ألحق الشارع الضرع المصرور في الحكم بالخزانة المقفلة في تحريم تناول كل منهما بغير إذن صاحبه أشار إلى ذلك بن المنير وفيه إباحة خزن الطعام واحتكاره إلى وقت الحاجة إليه خلافا لغلاة المتزهدة المانعين من الادخار مطلقا قاله القرطبي وفيه أن اللبن يسمى طعاما فيحنث به من حلف لا يتناول طعاما الا أن يكون له نية في إخراج اللبن قاله النووي قال وفيه أن بيع لبن الشاة بشاة في ضرعها لبن باطل وبه قال الشافعي والجمهور وأجازه الأوزاعي وفيه أن الشاة إذا كان لها لبن مقدور على حلبه قابله قسط من الثمن قاله الخطابي وهو يؤيد خبر المصراة ويثبت حكمها في تقويم اللبن وفيه أن من حلب من ضرع ناقة أو غيرها في مصرورة محرزة بغير ضرورة ولا تأويل ما تبلغ قيمته ما يجب فيه القطع أن عليه القطع إن لم يأذن له صاحبها تعيينا أو إجمالا لأن الحديث قد أفصح بأن ضروع الأنعام خزائن الطعام وحكى القرطبي عن بعضهم وجوب القطع ولو لم تكن الغنم في حرز اكتفاء بحرز الضرع للبن وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث

قوله باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه لأنها وديعة عنده أورد فيه حديث زيد بن خالد من طريق إسماعيل بن جعفر عن ربيعة وليس فيه ذكر الوديعة فكأنه أشار إلى رجحان رفع رواية سليمان بن بلال الماضية قبل خمسة أبواب وقد تقدم بيانها وقال بن بطال استراب البخاري بالشك المذكور فترجمه بالمعنى وقال بن المنير أسقطها لفظا وضمنها معنى لأن

[ 2304 ] قوله فإن جاء صاحبها فأدها إليه يدل على بقاء ملك صاحبها خلافا لمن أباحها بعد الحول بلا ضمان قوله ولتكن وديعة عندك قال بن دقيق العيد يحتمل أن يكون المراد بعد الاستنفاق وهو ظاهر السياق فتجوز بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها لأن حقيقة الوديعة أن تبقى عينها والجامع وجوب رد ما يجد المرء لغيره وإلا فالمأذون في استنفاقه لا تبقى عينه ويحتمل أن تكون الواو في قوله ولتكن بمعنى أو أي إما أن تستنفقها وتغرم بدلها وإما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجيء صاحبها فتعطيها له ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف وقال بن المنير يستدل به لأحد الأقوال عند العلماء إذا أتلفها الملتقط بعد التعريف وانقضاء زمنه ثم أخرجه بدلها ثم هلكت أن لا ضمان عليه في الثانية وإذا ادعى أنه أكلها ثم غرمها ثم ضاعت قبل قوله أيضا وهو الراجح من الأقوال وتقدم الكلام على بقية فوائده قبل أربعة أبواب وقوله هنا حتى احمرت وجنتاه أو أحمر وجهه شك من الراوي والوجنة ما ارتفع من الخدين وفيها أربع لغات بالواو والهمزة والفتح فيهما والكسر

قوله باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق كذا للأكثر وسقطت لا بعد حتى عند بن شبويه وأظن الواو سقطت من قبل حتى والمعنى لا يدعها فتضيع ولا يدعها حتى يأخذها من لا يستحق وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره اللقطة ومن حجتهم حديث الجارود مرفوعا ضالة المسلم حرق النار أخرجه النسائي بإسناد صحيح وحمل الجمهور ذلك على من لا يعرفها وحجتهم حديث زيد بن خالد عند مسلم من آوى الضالة فهو ضال ما لم يعرفها وأما ما أخذه من حديث الباب فمن جهة أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي أخذه الصرة فدل على أنه جائز شرعا ويستلزم اشتماله على المصلحة وإلا كان تصرفا في ملك الغير وتلك المصلحة تحصل بحفظها وصيانتها عن الخونة وتعريفها لتصل إلى صاحبها ومن ثم كان الأرجح من مذاهب العلماء أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فمتى رجح أخذها وجب أو استحب ومتى رجح تركها حرم أو كره وإلا فهو جائز

[ 2305 ] قوله سويد بن غفلة بفتح المعجمة والفاء أبو أمية الجعفي تابعي كبير مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وكان في زمنه رجلا وأعطى الصدقة في زمنه ولم يره على الصحيح وقيل أنه صلى خلفه ولم يثبت وإنما قدم المدينة حين نفضوا أيديهم من دفنه صلى الله عليه وسلم ثم شهد الفتوح ونزل الكوفة ومات بها سنة ثمانين أو بعدها وله مائة وثلاثون سنة أو أكثر لأنه كان يقول أنا لدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر منه بسنتين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر عن علي في ذكر الخوارج قوله مع سلمان بن ربيعة هو الباهلي يقال له صحبة ويقال له سلمان الخيل لخبرته بها وكان أميرا على بعض المغازي في فتوح العراق في عهد عمر وعثمان وكان أول من ولي قضاء الكوفة واستشهد في خلافته في فتوح العراق وليس له في البخاري سوى هذا الموضع قوله وزيد بن صوحان بضم المهملة وسكون الواو بعدها مهملة أيضا العبدي تابعي كبير مخضرم أيضا وزعم بن الكلبي أن له صحبة وروى أبو يعلى من حديث علي مرفوعا من سره أن ينظر إلى من سبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان وكان قدوم زيد في عهد عمر وشهد الفتوح وروى بن منده من حديث بريدة قال ساق النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال زيد زيد الخير فسئل عن ذلك فقال رجل تسبقه يده إلى الجنة فقطعت يد زيد بن صوحان في بعض الفتوح وقتل مع علي يوم الجمل قوله في غزاة زاد أحمد من طريق سفيان عن سلمة حتى إذا كنا بالعذيب وهو بالمعجمة والموحدة مصغر موضع وله من طريق يحيى القطان عن شعبة فلما رجعنا من غزاتنا حججت قوله مائة دينار استدل به لأبي حنيفة في تفرقته بين قليل اللقطة وكثيرها فيعرف الكثير سنة والقليل أياما وحد القليل عنده ما لا يوجب القطع وهو ما دون العشرة وقد ذكرنا الخلاف في مدة التعريف في الباب الأول والخلاف في القدر الملتقط قبل أربعة أبواب قوله ثم أتيته الرابعة فقال أعرف عدتها هي رابعة باعتبار مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وثالثة باعتبار التعريف ولهذا قال في الرواية الماضية أول أبواب اللقطة ثلاثا وقال فيها فلا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا وقد تقدم اختلاف رواته في ذلك بما يغني عن إعادته

قوله باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان في رواية الكشميهني يرفعها بالراء بدل الدال وكأنه أشار بالترجمة إلى رد قول الأوزاعي في التفرقة بين القليل والكثير فقال أن كان قليل عرفة وأن كان ما لا كثيرا رفعه إلى بيت المال والجمهور على خلافه نعم فرق بعضهم بين اللقطة والضوال وبعض المالكية والشافعية بين المؤتمن وغيره فقال يعرف المؤتمن وأما غير المؤتمن فيدفعها إلى السلطان ليعطيها المؤتمن ليعرفها وقال بعض المالكية إن كانت اللقطة بين قوم مأمونين والسلطان جائر فالأفضل أن لا يلتقطها فإن التقطها لا يدفعها له وأن كان عادلا فكذلك ويخير في دفعها له وأن كانت بين قوم غير مأمونين والإمام جائر تخير الملتقط وعمل بما يترجح عنده وإن كان عادلا فكذلك

قوله باب كذا بغير ترجمة وسقط من رواية أبي ذر فهو إما من الباب أو كالفصل منه فيحتاج إلى مناسبة بينهما على الحالين فإنه ساق فيه طرفا من رواية البراء بن عازب عن أبي بكر الصديق في قصة الهجرة إلى المدينة والغرض منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر من لبن الشاة التي وجدت مع الراعي وليس في ذلك مناسبة ظاهرة لحديث اللقطة لكن قال بن المنير مناسبة هذا الحديث لأبواب اللقطة الإشارة إلى أن المبيح للبن هنا أنه في حكم الضائع إذ ليس مع الغنم في الصحراء سوى راع واحد فالفاضل عن شربه مستهلك فهو كالسوط الذي اغتفر التقاطه وأعلى أحواله أن يكون كالشاة الملتقطة في الضيعة وقد قال فيها هي لك أو لأخيك أو للذئب اه ولا يخفى ما فيه من التكلف ومع ذلك فلم نظهر مناسبته للترجمة بخصوصها وقوله

[ 2307 ] هل في غنمك من لبن بفتح الموحدة للأكثر وحكى عياض رواية بضم اللام وسكون الموحدة أي شاة ذات لبن وحكى بن بطال عن بعض شيوخه أن أبا بكر استجاز أخذ ذلك اللبن لأنه مال حربي فكان حلالا له وتعقبه المهلب بأن الجهاد وحل الغنيمة إنما وقع بعد الهجرة بالمدينة ولو كان أبو بكر أخذه على أنه مال حربي لم يستفهم الراعي هل تحلب أم لا ولكان ساق الغنم غنيمة وقتل الراعي أو أسره قال ولكنه كان بالمعنى المتعارف عندهم في ذلك الوقت على سبيل المكرمة وكأن صاحب الغنم قد أذن للراعي أن يسقي من مر به وسيأتي بقية الحديث واستفياء شرحه في علامات النبوة إن شاء الله تعالى تنبيه ساق المصنف حديث أبي بكر عاليا عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل ونازلا عن إسحاق عن النضر عن إسرائيل لتصريح أبي إسحاق في الرواية النازلة بأن البراء أخبره وقد أورد رواية عبد الله بن رجاء في فضل أبي بكر وأغفل المزي ذكر طريق عبد الله بن رجاء في اللقطة خاتمة اشتمل كتاب اللقطة من الأحاديث المرفوعة على أحد وعشرين حديثا المعلق منها خمسة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية عشر حديثا والخالص ثلاثة وافقه مسلم على تخريجها وفيه من الآثار أثر واحد لزيد مولى المنبعث والله أعلم