كتاب العتق
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم في العتق وفضله كذا للأكثر زاد بن شبويه بعد البسملة باب وزاد المستملي قبل البسملة كتاب العتق ولم يقل باب وأثبتهما النسفي والعتق بكسر المهملة إزالة الملك يقال عتق يعتق عتقا بكسر أوله ويفتح وعتاقا وعتاقة قال الأزهري وهو مشتق من قولهم عتق الفرس إذا سبق وعتق الفرخ إذا طار لأن الرقيق يتخلص بالعتق ويذهب حيث شاء قوله وقول الله تعالى فك رقبة ساق إلى قوله مقربة ووقع في رواية أبي ذر أو أطعم ولغيره أو إطعام وهما قراءتان مشهورتان والمراد بفك الرقبة تخليص الشخص من الرق من تسمية الشيء باسم بعضه وإنما خصت بالذكر إشارة إلى أن حكم السيد عليه كالغل في رقبته فإذا أعتق فك الغل من عنقه وجاء في حديث صحيح أن فك الرقبة مختص بمن أعان في عتقها حتى تعتق رواه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق النسمة وفك الرقبة قيل يا رسول الله أليستا واحدة قال لا إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في عتقها وهو في أثناء حديث طويل أخرج الترمذي بعضه وصححه وإذا ثبت الفضل في الإعانة على العتق ثبت الفضل في التفرد بالعتق من باب الأولى

[ 2381 ] قوله حدثنا واقد بن محمد أي بن زيد بن عبد الله بن عمر أخو عاصم الذي روى عنه وبذلك صرح الإسماعيلي من طريق معاذ بن العنبري عن عاصم بن محمد عن أخيه واقد قوله حدثني سعيد بن مرجانة بفتح الميم وسكون الراء بعدها جيم وهي أمه واسم أبيه عبد الله ويكنى سعيد أبا عثمان وقوله صاحب علي بن الحسين أي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان منقطعا إليه فعرف بصحبته ووهم من زعم أنه سعيد بن يسار أبو الحباب فإنه غيره عند الجمهور وليس لسعيد بن مرجانة في البخاري غير هذا الحديث وقد ذكره بن حبان في التابعين وأثبت روايته عن أبي هريرة ثم غفل فذكره في أتباع التابعين وقال لم يسمع من أبي هريرة اه وقد قال هنا قال لي أبو هريرة ووقع التصريح بسماعه منه عند مسلم والنسائي وغيرهما فانتفى ما زعمه بن حبان قوله أيما رجل في رواية الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن عاصم بن محمد أيما مسلم ووقع تقييده بذلك في رواية مسلم والنسائي من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة قوله عضوا من النار في رواية مسلم عضوا منه من النار وله من رواية علي بن الحسين عن سعيد بن مرجانة وستأتي مختصرة للمصنف في كفارات الإيمان وأعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه وللنسائي من حديث كعب بن مرة وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار عظمين منهما بعظم وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار إسناده صحيح ومثله للترمذي من حديث أبي أمامة وللطبراني من حديث عبد الرحمن بن عوف ورجاله ثقات قوله قال سعيد بن مرجانة هو موصول بالإسناد المذكور قوله فانطلقت به أي بالحديث وفي رواية مسلم فانطلقت حين سمعت الحديث من أبي هريرة فذكرته لعلي زاد أحمد وأبو عوانة من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة فقال علي بن الحسين أنت سمعت هذا من أبي هريرة فقال نعم قوله فعمد علي بن الحسين إلى عبد له اسم ها العبد مطرف وقع ذلك في رواية إسماعيل بن أبي حكيم المذكورة عن أحمد وأبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجهما على مسلم وقوله عبد الله بن جعفر أي بن أبي طالب وهو بن عم والد علي بن الحسين وكانت وفاته سنة ثمانين من الهجرة ومات سعيد بن مرجانة سنة سبع وتسعين ومات علي بن الحسين قبله بثلاث أو أربع وروايته عنه من رواية الأقران وقوله عشرة آلاف درهم أو ألف دينار شك من الراوي وفيه إشارة إلى أن الدينار إذا ذاك كان بعشرة دراهم وقد رواه الإسماعيلي من رواية عاصم بن علي فقال عشرة آلاف درهم بغير شك قوله فأعتقه في رواية إسماعيل المذكورة فقال أذهب أنت حر لوجه الله وفي الحديث فضل العتق وأن عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى خلافا لمن فضل عتق الأنثى محتجا بأن عتقها يستدعي صيرورة ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد بخلاف الذكر ومقابله في الفضل أن عتق الأنثى غالبا يستلزم ضياعها ولان في عتق الذكر من المعاني العامة ما ليس في الأنثى كصلاحيته للقضاء وغيره مما يصلح للذكور دون الإناث وفي قوله أعتق الله بكل عضو منه عضوا إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يكون في الرقبة نقصان ليحصل الاستيعاب وأشار الخطابي إلى أنه يغتفر النقص المجبور بمنفعة كالخصي مثلا إذا كان ينتفع به فيما لا ينتفع بالفحل وما قاله في مقام المنع وقد استنكره النووي وغيره وقال لا شك أن في عتق الخصي وكل ناقص فضيلة لكن الكامل أولى وقال بن المنير فيه إشارة إلى أنه ينبغي في الرقبة التي تكون للكفارة أن تكون مؤمنة لأن الكفارة منقذة من النار فينبغي أن لا تقع الا بمنقذة من النار واستشكل بن العربي قوله فرجه بفرجه لأن الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب له النار الا الزنا فإن حمل على ما يتعاطاه من الصغائر كالمفاخذة لم يشكل عتقه من النار بالعتق وإلا فالزنا كبيرة لا تكفر الا بالتوبة ثم قال فيحتمل أن يكون المراد أن العتق يرجح عند الموازنة بحيث يكون مرجحا لحسنات المعتق ترجيحا يوازي سيئة الزنا اه ولا اختصاص لذلك بالفرج بل يأتي في غيره من الأعضاء مما آثاره فيه كاليد في الغصب مثلا والله أعلم

قوله باب أي الرقاب أفضل أي للعتق

[ 2382 ] قوله حدثنا عبيد الله بن موسى عن هشام بن عروة هذا من أعلى حديث وقع في البخاري وهو في حكم الثلاثيات لأن هشام بن عروة شيخ شيخه من التابعين وإن كان هنا روى عن تابعي آخر وهو أبوه وقد رواه الحارث بن أسامة عن عبيد الله بن موسى فقال أخبرنا هشام بن عروة أخرجه أبو نعيم في المستخرج قوله عن أبيه في رواية النسائي من طريق يحيى القطان عن هشام حدثني أبي قوله عن أبي مراوح بضم الميم بعدها راء خفيفة وكسر الواو بعدها مهملة زاد مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام الليثي ويقال له أيضا الغفاري وهو مدني من كبار التابعين لا يعرف اسمه وشذ من قال اسمه سعد قال الحاكم أبو أحمد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره قلت وما له في البخاري سوى هذا الحديث ورجاله كلهم مدنيون الا شيخه وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وقد أخرجه مسلم من رواية الزهري عن حبيب مولى عروة عن عروة فصار في الإسناد أربعة من التابعين وفي الصحابة أبو مراوح الليثي غير هذا سماه بن منده واقدا وعزاه لأبي داود ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن سعيد عن هشام أخبرني أبي أن أبا مراوح أخبره وذكر الإسماعيلي عددا كثيرا نحو العشرين نفسا رووه عن هشام بهذا الإسناد وخالفهم مالك فأرسله في المشهور عنه عن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه يحيى بن يحيى الليثي وطائفة عنه عن هشام عن أبيه عن عائشة ورواه سعيد بن داود عنه عن هشام كرواية الجماعة قال الدارقطني الرواية المرسلة عن مالك أصح والمحفوظ عن هشام كما قال الجماعة قوله عن أبي ذر في رواية يحيى بن سعيد المذكورة أن أبا ذر أخبره قوله قال أعلاها بالعين المهملة للأكثر وهي رواية النسائي أيضا وللكشميهني بالغين المعجمة وكذا للنسفي قال بن قرقول معناها متقارب قلت وقع لمسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام أكثرها ثمنا وهو يبين المراد قال النووي محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلا فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد رقبة نفيسة أو رقبتين مفضولتين فالرقبتان أفضل قال وهذا بخلاف الأضحية فإن الواحدة السمينة فيها أفضل لأن المطلوب هنا فك الرقبة وهناك طيب اللحم اه والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فرب شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق وانتفع به أضعاف ما يحصل من النفع بعتق أكثر عددا منه ورب محتاج إلى كثرة اللحم لتفرقته على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع هو بطيب اللحم فالضابط أن مهما كان أكثر نفعا كان أفضل سواء قل أو كثر واحتج به لمالك في أن عتق الرقبة الكافرة إذا كانت أغلى ثمنا من المسلمة أفضل وخالفه أصبغ وغيره وقالوا المراد بقوله أغلى ثمنا من المسلمين وقد تقدم تقييده بذلك في الحديث الأول قوله وأنفسها عند أهلها أي ما اغتباطهم بها أشد فإن عتق مثل ذلك ما يقع غالبا الا خالصا وهو كقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قوله قلت فإن لم أفعل في رواية الإسماعيلي أرأيت إن لم أفعل أي إن لم أقدر على ذلك فأطلق الفعل وأراد القدرة وللدارقطني في الغرائب بلفظ فإن لم أستطع قوله تعين ضائعا بالضاد المعجمة وبعد الألف تحتانية لجميع الرواة في البخاري كما جزم به عياض وغيره وكذا هو في مسلم الا في رواية السمرقندي كما قاله عياض أيضا وجزم الدارقطني وغيره بأن هشاما رواه هكذا دون من رواه عن أبيه وقال أبو علي الصدفي ونقلته من خطه رواه هشام بن عروة بالضاد المعجمة والتحتانية والصواب بالمهملة والنون كما قال الزهري وإذا تقرر هذا فقد خبط من قال من شراح البخاري إنه روى بالصاد المهملة والنون فإن هذه الرواية لم تقع في شيء من طرقه وروى الدارقطني من طريق معمر عن هشام هذا الحديث بالضاد المعجمة قال معمر كان الزهري يقول صحف هشام وإنما هو بالصاد المهملة والنون قال الدارقطني وهو الصواب لمقابلته بالاخرق وهو الذي ليس بصانع ولا يحسن العمل وقال علي بن المديني يقولون إن هشاما صحف فيه اه ورواية معمر عن الزهري عند مسلم كما تقدم وهي بالمهملة والنون وعكس السمرقندي فيها أيضا كما نقله عياض وقد وجهت رواية هشام بأن المراد بالضائع ذو الضياع من فقر أو عيال فيرجع إلى معنى الأول قال أهل اللغة رجل أخرق لا صنعة له والجمع خرق بضم ثم سكون وامرأة خرقاء كذلك ورجل صانع وصنع بفتحتين وامرأة صناع بزيادة ألف قوله فان لم أفعل أي من الصناعة أو الإعانة ووقع في رواية الدارقطني في الغرائب أرأيت أن ضعفت وهو يشعر بأن قوله إن لم أفعل أي للعجز عن ذلك لا كسلا مثلا قوله تدع الناس من الشر فيه دليل على أن الكف عن الشر داخل في فعل الإنسان وكسبه حتى يؤجر عليه ويعاقب غير أن الثواب لا يحصل مع الكف الا مع النية والقصد لا مع الغفلة والذهول قاله القرطبي ملخصا قوله فانها صدقة تصدق بفتح المثناة والصاد المهملة الخفيفة على حذف إحدى التاءين والأصل تتصدق ويجوز تشديدها على الإدغام وفي الحديث أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان قال بن حبان الواو في حديث أبي ذر هذا بمعنى ثم وهو كذلك في حديث أبي هريرة أي المتقدم في باب من قال أن الإيمان هو العمل وقد تقدم الكلام فيه على طريق الجمع بين ما اختلف من الروايات في أفضل الأعمال هناك وقيل قرن الجهاد بالإيمان هنا لأنه كان إذ ذاك أفضل الأعمال وقال القرطبي تفضيل الجهاد في حال تعينه وفضل بر الوالدين لمن يكون له أبوان فلا يجاهد الا باذنهما وحاصله أن الأجوبة اختلفت باختلاف أحوال السائلين وفي الحديث حسن المراجعة في السؤال وصبر المفتي والمعلم على التلميذ ورفقه به وقد روى بن حبان والطبري وغيرهما من طريق أبي إدريس الخولاني وغيره عن أبي ذر حدثنا حديثا طويلا فيه أسئلة كثيرة وأجوبتها تشتمل على فوائد كثيرة منها سؤاله عن أي المؤمنين أكمل وأي المسلمين أسلم وأي الهجرة والجهاد والصدقة والصلاة أفضل وفيه ذكر الأنبياء وعددهم وما أنزل عليهم وآداب كثيرة من أوامر ونواهي وغير ذلك قال بن المنير وفي الحديث إشارة إلى أن إعانة الصانع أفضل من إعانة غير الصانع لأن غير الصانع مظنة الإعانة فكل أحد يعينه غالبا بخلاف الصانع فإنه لشهرته بصنعته يغفل عن اعانته فهي من جنس الصدقة على المستور

قوله باب ما يستحب من العتاقة بفتح العين ووهم من كسرها يقال عتق يعتق عتاقا وعتاقة والمراد الاعتاق وهو ملزوم العتاقة قوله في الكسوف أو الآيات كذا لأبي ذر وابن شبويه وأبي الوقت وللباقين والآيات بغير ألف و أو للتنويع لا للشك وقال الكرماني هي بمعنى الواو وبمعنى بل لأن عطف الآيات على الكسوف من عطف العام على الخاص وليس في حديث الباب سوى الكسوف وكأنه أشار إلى قوله في بعض طرقه أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وأكثر ما يقع التخويف بالنار فناسب وقوع العتق الذي يعتق من النار لكن يختص الكسوف بالصلاة المشروعة بخلاف بقية الآيات

[ 2383 ] قوله حدثنا موسى بن مسعود وهو أبو حذيفة النهدي بفتح النون مشهور بكنيته أكثر من اسمه وقد تقدم الحديث في الكسوف عن راو آخر عن شيخه زائدة قوله تابعه علي يعني بن المديني وهو شيخ البخاري ووهم من قال المراد به بن حجر والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد

[ 2384 ] قوله حدثنا محمد بن أبي بكر هو المقدمي وعثام بفتح المهملة وتشديد المثلثة هو بن علي بن الوليد العامري الكوفي ما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وهشام هو بن عروة وفاطمة زوجته وهي بانة عمه وهذا الحديث مختصر من حديث طويل وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في موضعه وتبين برواية زائدة أن الآمر في رواية عثام هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما يقوي أن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا في حكم المرفوع

قوله باب إذا أعتق عبدا بين اثنين أو أمة بين الشركاء قال بن التين أراد أن العبد كالامة لاشتراكهما في الرق قال وقد بين في حديث بن عمر في آخر الباب أنه كان يفتي فيهما بذلك انتهى وكأنه أشار إلى رد قول إسحاق بن راهويه أن هذا الحكم مختص بالذكور وهو خطأ وادعى بن حزم أن لفظ العبد في اللغة يتناول الأمة وفيه نظر ولعله أراد المملوك وقال القرطبي العبد اسم للمملوك الذكر بأصل وضعه والأمة اسم لمؤنثه بغير لفظه ومن ثم قال إسحاق أن هذا الحكم لا يتناول الأنثى وخالفه الجمهور فلم يفرقوا في الحكم بين الذكر والأنثى إما لأن لفظ العبد يراد به الجنس كقوله تعالى الا آتي الرحمن عبدا فإنه يتناول الذكر والأنثى قطعا وإما على طريق الإلحاق لعدم الفارق قال وحديث بن عمر من طريق موسى بن عقبة عن نافع عنه أنه كان يفتي في العبد والأمة يكون بين الشركاء الحديث وقد قال في آخره يخبر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فظاهره أن الجميع مرفوع وقد رواه الدارقطني من طريق الزهري عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له شرك في عبد أو أمة الحديث وهذا أصرح ما وجدته في ذلك ومثله ما أخرجه الطحاوي من طريق بن إسحاق عن نافع مثله وقال فيه حمل عليه ما بقي في ماله حتى يعتق كله وقد قال إمام الحرمين إدراك كون الأمة في هذا الحكم كالعبد حاصل للسامع قبل التفطن لوجه الجمع والفرق والله أعلم قلت وقد فرق بينهما عثمان الليثي بمأخذ آخر فقال ينفذ عتق الشريك في جميعه ولا شيء عليه لشريكه الا أن تكون الأمة جميلة تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر قال النووي قول إسحاق شاذ وقول عثمان فاسد اه وإنما قيد المصنف العبد باثنين والأمة بالشركاء أتباعا للفظ الحديث الوارد فيهما وإلا فالحكم في الجميع سواء

[ 2385 ] قوله عن عمرو هو بن دينار وسالم هو بن عبد الله بن عمر ووقع في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار قوله عن سالم هو بن عبد الله بن عمر وللنسائي من طريق إسحاق بن راهويه عن سفيان عن عمرو أنه سمع سالم بن عبد الله بن عمر قوله من أعتق ظاهره العموم لكنه مخصوص بالاتفاق فلا يصح من المجنون ولا من المحجور عليه لسفه وفي المحجور عليه بفلس والعبد والمريض مرض الموت والكافر تفاصيل للعلماء بحسب ما يظهر عندهم من أدلة التخصيص ولا يقوم في مرض الموت عند الشافعية الا إذا وسعه الثلث وقال أحمد لا يقوم في المرض مطلقا وسيأتي البحث في عتق الكافر قريبا وخرج بقوله أعتق ما إذا عتق عليه بأن ورث بعض من يعتق عليه بقرابة فلا سراية عند الجمهور وعن أحمد رواية وكذلك لو عجز المكاتب بعد أن اشترى شقصا يعتق على سيده فإن الملك والعتق يحصلان بغير فعل السيد فهو كالإرث ويدخل في الاختيار ما إذا أكره بحق ولو أوصى بعتق نصيبه من المشترك أو بعتق جزء ممن له كله لم يسر عند الجمهور أيضا لأن المال ينتقل للوارث ويصير الميت معسرا وعن المالكية رواية وحجة الجمهور مع مفهوم الخبر أن السراية على خلاف القياس فيختص بمورد النص ولان التقويم سبيله سبيل غرامة المتلفات فيقتضى التخصيص بصدور أمر يجعل اتلافا ثم ظاهر قوله من أعتق وقوع العتق منجزا وأجرى الجمهور المعلق بصفة إذا وجدت مجرى المنجز قوله عبدا بين اثنين هو كالمثال وإلا فلا فرق بين أن يكون بين اثنين أو أكثر وفي رواية مالك وغيره في الباب شركا وهو بكسر المعجمة وسكون الراء وفي رواية أيوب الماضية في الشركة شقصا بمعجمة وقاف ومهملة وزن الأول وفي رواية في الباب نصيبا والكل بمعنى الا أن بن دريد قال هو القليل والكثير وقال القزاز لا يكون الشقص الا كذلك والشرك في الأصل مصدر أطلق على متعلقة وهو العبد المشترك ولا بد في السياق من إضمار جزء أو ما أشبه لأن المشترك هو الجملة أو الجزء المعين منها وظاهره العموم في كل رقيق لكن يستثنى الجاني والمرهون ففيه خلاف والأصح في الرهن والجناية منع السراية لأن فيها إبطال حق المرتهن والمجنى عليه فلو أعتق مشتركا بعد أن كاتباه فإن كان لفظ العبد يتناول المكاتب وقعت السراية وإلا فلا ولا يكفي ثبوت أحكام الرق عليه فقد تثبت ولا يستلزم استعمال لفظ العبد عليه ومثله ما لو دبراه لكن تناول لفظ العبد للمدبر أقوى من المكاتب فيسرى هنا على الأصح فلو أعتق من أمة ثبت كونها أم ولد لشريكه فلا سراية لأنها تستلزم النقل من مالك إلى مالك وأم الولد لا تقبل ذلك عند من لا يرى بيعها وهو أصح قولي العلماء قوله فان كان موسرا قوم ظاهره اعتبار ذلك حال العتق حتى لو كان معسرا ثم أيسر بعد ذلك لم يتغير الحكم ومفهومه أنه إن كان معسرا لم يقوم وقد أفصح بذلك في رواية مالك حيث قال فيها وإلا فقد عتق منه ما عتق ويبقى ما لم يعتق على حكمة الأول هذا الذي يفهم من هذا السياق وهو السكوت عن الحكم بعد هذا الإبقاء وسيأتي البحث في ذلك في الكلام على حديث الباب الذي يليه قوله قوم عليه بضم أوله زاد مسلم والنسائي في روايتهما من هذا الوجه في ماله قيمة عدل لا وكس ولا شطط والوكس بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مهملة النقص والشطط بمعجمة ثم مهملة مكررة والفتح الجور واتفق من قال من العلماء على أنه يباع عليه في حصة شريكه جميع ما يباع عليه في الدين على اختلاف عندهم في ذلك ولو كان عليه دين بقدر ما يملكه كان في حكم الموسر على أصح قولي العلماء وهو كالخلاف في أن الدين هل يمنع الزكاة أم لا ووقع في رواية الشافعي والحميدي فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة أو قيمة عدل وهو شك من سفيان وقد رواه أكثر أصحابه عنه بلفظ قوم عليه قيمة عدل وهو الصواب قوله ثم يعتق في رواية مسلم ثم أعتق عليه من ماله أن كان موسرا وهو يشعر بأن التاء في حديث الباب مفتوحة مع ضم أوله تنبيه روى الزهري عن سالم هذا الحديث مختصرا أيضا أخرجه مسلم بلفظ من أعتق شركا له في عبد عتق ما بقي في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد وذكر الخطيب قوله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد في المدرج وقد وقعت هذه الزيادة في رواية نافع كما سيأتي قوله في طريق مالك عن نافع وكان له ما يبلغ أي شيء يبلغ وعند الكشميهني مال يبلغ وهي رواية الموطأ والتقييد بقوله يبلغ يخرج ما إذا كان له مال لكنه لا يبلغ قيمة النصيب وظاهره أنه في هذه الصورة لا يقوم عليه مطلقا لكن الأصح عند الشافعية وهو مذهب مالك أنه يسرى إلى القدر الذي هو موسر به تنفيذا للعتق بحسب الإمكان قوله ثمن العبد أي ثمن بقية العبد لأنه موسر بحصته وقد أوضح ذلك النسائي في روايته من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عبيد الله بن عمر وعمر بن نافع ومحمد بن عجلان عن نافع عن بن عمر بلفظ وله مال يبلغ قيمة أنصباء شركائه فإنه يضمن لشركائه أنصباءهم ويعتق العبد والمراد بالثمن هنا القيمة لأن الثمن ما اشتريت به العين واللازم هنا القيمة لا الثمن وقد تبين المراد في رواية زيد بن أبي أنيسة المذكورة ويأتي في رواية أيوب في هذا الباب بلفظ ما يبلغ قيمته بقيمة عدل قوله فأعطى شركاءه كذا للأكثر على البناء للفاعل وشركاءه بالنصب ولبعضهم فأعطى على البناء للمفعول وشركاؤه بالضم وقوله حصصهم أي قيمة حصصهم أي إن كان له شركاء فإن كان له شريك أعطاه جميع الباقي وهذا لا خلاف فيه فلو كان مشتركا بين الثلاثة فأعتق أحدهم حصته وهي الثلث والثاني حصته وهي السدس فهل يقوم عليهما نصيب صاحب النصف بالسوية أو على قدر الحصص الجمهور على الثاني وعند المالكية والحنابلة خلاف كالخلاف في الشفعة إذا كانت لاثنين هل يأخذان بالسوية أو على قدر الملك قوله عتق منه ما عتق قال الداودي هو بفتح العين من الأول ويجوز الفتح والضم في الثاني وتعقبه بن التين بأنه لم يقله غيره وإنما يقال عتق بالفتح وأعتق بضم الهمزة ولا يعرف عتق بضم أوله لأن الفعل لازم غير متعد قوله في الرواية الثالثة عن أبي أسامة عن عبيد الله هو بن عمر العمري قوله عتقه كله بجر اللام تأكيدا للضمير المضاف أي عتق العبد كله قوله فان لم يكن له مال يقوم عليه قيمة عدل على المعتق هكذا في هذا الرواية وظاهرها أن التقويم يشرع في حق من لم يكن له مال وليس كذلك بل قوله يقوم ليس جوابا للشرط بل هو صفة من له المال والمعنى أن من لا مال له بحيث يقع عليه اسم التقويم فإن العتق يقع في نصيبه خاصة وجواب الشرط هو قوله فأعتق منه ما أعتق والتقدير فقد أعتق منه ما أعتق وقد وقع في رواية أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة عن أبي أسامة عند الإسماعيلي بلفظ فإن لم يكن له مال يقوم عليه قيمة عدل عتق منه ما عتق وأوضح من ذلك رواية خالد بن الحارث عن عبيد الله عند النسائي بلفظ فإن كان له مال قوم عليه قيمة عدل في ماله وأوضح من ذلك رواية خالد بن الحارث عن عبيد الله عند النسائي بلفظ فإن كان له مال قوم عليه قيمة عدل في ماله فإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق قوله حدثنا مسدد حدثنا بشر أي بن المفضل عن عبيد الله أي بن عمر قوله اختصره أي بالإسناد المذكور وقد أخرجه مسدد في مسنده برواية معاذ بن المثنى عنه بهذا الإسناد وأخرجه البيهقي من طريقه ولفظه من أعتق شركا له في مملوك فقد عتق كله وقد رواه غير مسدد عن بشر مطولا أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن بشر لكن ليس فيه أيضا

[ 2388 ] قوله عتق منه ما عتق فيحتمل أن يكون مراده أنه اختصر هذا القدر وقد فهم الإسماعيلي ذلك فقال عامة الكوفيين رووا عن عبيد الله بن عمر في هذا الحديث حكم الموسر والمعسر معا والبصريون لم يذكروا الا حكم الموسر فقط قلت فمن الكوفيين أبو أسامة كما ترى وابن نمير عند مسلم وزهير عند النسائي وعيسى بن يونس عند أبي داود ومحمد بن عبيد عند أبي عوانة وأحمد ومن البصريين بشر المذكور وخالد بن الحارث ويحيى القطان عند النسائي وعبد الأعلى فيما ذكر الإسماعيلي لكن رواه النسائي من طريق زائدة عن عبيد الله وقال في آخره فإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق وزائدة كوفي لكنه وافق البصريين قوله أو شركا له في عبد الشك فيه من أيوب وقد سبق في الشركة من وجه آخر عنه فقال فيه أو قال نصيبا قوله فهو عتيق أي معتق بضم أوله وفتح المثناة قوله قال أيوب لا أدري أشيء قاله نافع أو شيء في الحديث هذا شك من أيوب في هذه الزيادة المتعلقة بحكم المعسر هل هي موصولة مرفوعة أو منقطعة مقطوعة وقد رواه عبد الوهاب عن أيوب فقال في آخره وربما قال وإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقله وأكثر ظني أنه شيء يقوله نافع من قبله أخرجه النسائي وقد وافق أيوب على الشك في رفع هذه الزيادة يحيى بن سعيد عن نافع أخرجه مسلم والنسائي ولفظ ولفظ النسائي وكان نافع يقول قال يحيى لا أدري أشيء كان من قبله يقوله أم شيء في الحديث فإن لم يكن عنده فقد جاز ما صنع ورواها من وجه آخر عن يحيى فجزم بأنها عن نافع وأدرجها في المرفوع من وجه آخر وجزم مسلم بأن أيوب ويحيى قالا لا ندري أهو في الحديث أو شيء قاله نافع من قبله ولم يختلف عن مالك في وصلها ولا عن عبيد الله بن عمر لكن اختلف عليه في إثباتها وحذفها كما تقدم والذين أثبتوها حفاظا فاثباتها عن عبيد الله مقدم وأثبتها أيضا جرير بن حازم كما سيأتي بعد اثني عشر بابا وإسماعيل بن أمية عند الدارقطني وقد رجح الأئمة رواية من أثبت هذه الزيادة مرفوعة قال الشافعي لا أحسب عالما بالحديث يشك في أن مالكا أحفظ لحديث نافع من أيوب لأنه كان ألزم له منه حتى ولو استويا فشك أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه كانت الحجة مع من لم يشك ويؤيد ذلك قول عثمان الدارمي قلت لابن معين مالك في نافع أحب إليك أو أيوب قال مالك وسأذكر ثمرة الخلاف في رفع هذه الزيادة أو وقفها في الكلام على حديث أبي هريرة في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى

[ 2389 ] قوله انه كان يفتي الخ كأن البخاري أورد هذه الطريق يشير بها إلى أن بن عمر راوي الحديث أفتى بما يقتضيه ظاهره في حق الموسر ليرد بذلك على من لم يقل به ولم يتفرد موسى بن عقبة عن نافع بهذا الإسناد بل وافقه صخر بن جويرية عن نافع أخرجه أبو عوانة والطحاوي والدارقطني من طريقه قوله ورواه الليث وابن أبي ذئب وابن إسحاق وجويرية ويحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مختصرا يعني ولم يذكروا الجملة الأخيرة في حق المعسر وهي قوله فقد عتق منه ما عتق فأما رواية الليث فقد وصلها مسلم ولم يسق لفظه والنسائي ولفظه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما مملوك كان بين شركاء فأعتق أحدهم نصيبه فإنه يقام في مال الذي أعتق قيمة عدل فيعتق إن بلغ ذلك ماله وأما رواية بن أبي ذئب فوصلها مسلم ولم يسق لفظها ووصلها أبو نعيم في مستخرجه عليه ولفظه من أعتق شركا له في مملوك وكان للذي يعتق مبلغ ثمنه فقد عتق كله وأما رواية بن إسحاق فوصلها أبو عوانة ولفظه من أعتق شركا له في عبد مملوك فعليه نفاذه منه وأما رواية جويرية وهو بن إسماعيل فوصلها المؤلف في الشركة كما مضى وأما رواية يحيى بن سعيد فوصلها مسلم وغيره وقد ذكرت لفظه وأما رواية إسماعيل بن أمية فوصلها مسلم ولم يسق لفظها وهي عند عبد الرزاق نحو رواية بن أبي ذئب وفي هذا الحديث دليل على أن الموسر إذا أعتق نصيبه من مملوك عتق كله قال بن عبد البر لا خلاف في أن التقويم لا يكون الا على الموسر ثم اختلفوا في وقت العتق فقال الجمهور والشافعي في الأصح وبعض المالكية أنه يعتق في الحال وقال بعض الشافعية لو أعتق للشريك نصيبه بالتقويم كان لغوا ويغرم المعتق حصة نصيبه بالتقويم وحجتهم رواية أيوب في الباب حيث قال من أعتق نصيبا وكان له من المال ما يبلغ قيمته فهو عتيق وأوضح من ذلك رواية النسائي وابن حبان وغيرهما من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن بن عمر بلفظ من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته وللطحاوي من طريق بن أبي ذئب عن نافع فكان الذي يعتق نصيبه ما يبلغ ثمنه فهو عتيق كله حتى لو أعسر الموسر المعتق بعد ذلك استمر العتق وبقي ذلك دينا في ذمته ولو مات أخذ من تركته فإن لم يخلف شيئا لم يكن للشريك شيء واستمر العتق والمشهور عند المالكية أنه لا يعتق الا بدفع القيمة فلو أعتق الشريك قبل أخذ القيمة نفذ عتقه وهو أحد أقوال الشافعي وحجتهم رواية سالم أول الباب حيث قال فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق والجواب أنه لا يلزم من ترتيب العتق على التقويم ترتيبه على أداء القيمة فإن التقويم يفيد معرفة القيمة وأما الدفع فقدر زائد على ذلك وأما رواية مالك التي فيها فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد فلا تقتضي ترتيبا لسياقها بالواو وفي الحديث حجة على بن سيرين حيث قال يعتق كله ويكون نصيب من لم يعتق في بيت المال لتصريح الحديث بالتقويم على المعتق وعلى ربيعة حيث قال لا ينفذ عتق الجزء من موسر ولا معسر وكأنه لم يثبت عنده الحديث وعلى بكير بن الأشج حيث قال أن التقويم يكون عند إرادة العتق لا بعد صدوره وعلى أبي حنيفة حيث قال يتخير الشريك بين أن يقوم نصيبه على المعتق أو يعتق نصيبه ويستسعى العبد في نصيب الشريك ويقال إنه لم يسبق إلى ذلك ولم يتابعه عليه أحد حتى ولا صاحباه وطرد قوله في ذلك فيما لو أعتق بعض عبدة فالجمهور قالوا يعتق كله وقال هو يستسعى العبد في قيمة نفسه لمولاه واستثنى الحنفية ما إذا أذن الشريك فقال لشريكه أعتق نصيبك قالوا فلا ضمان فيه واستدل به على أن من أتلف شيئا من الحيوان فعليه قيمته لا مثله ويلتحق بذلك ما لا يكال ولا يوزن عند الجمهور وقال بن بطال قيل الحكمة في التقويم على الموسر أن تكمل حرية العبد لتتم شهادته وحدوده قال والصواب أنها لاستكمال انقاذ المعتق من النار قلت وليس القول المذكور مردودا بل هو محتمل أيضا ولعل ذلك أيضا هو الحكمة في مشروعية الاستسعاء

قوله باب إذا أعتق نصيبا في عبد وليس له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه على نحو الكتابة أشار البخاري بهذه الترجمة إلى أن المراد بقوله في حديث بن عمر وإلا فقد عتق منه ما عتق أي وإلا فإن كان المعتق لا مال له يبلغ قيمة بقية العبد فقد تنجز عتق الجزء الذي كان يملكه وبقي الجزء الذي لشريكه على ما كان عليه أولا إلى أن يستسعى العبد في تحصيل القدر الذي يخلص به باقيه من الرق إن قوي على ذلك فإن عجز نفسه استمرت حصة الشريك موقوفة وهو مصير منه إلى القول بصحة الحديثين جميعا والحكم برفع الزيادتين معا وهما قوله في حديث بن عمر وإلا فقد عتق منه ما عتق وقد تقدم بيان من جزم بأنها من جملة الحديث وبيان من توقف فيها أو جزم بأنها من قول نافع وقوله

[ 2390 ] في حديث أبي هريرة فاستسعى به غير مشقوق عليه وسأبين من جزم بأنها من جملة الحديث ومن توقف فيها أو جزم بأنها من قول قتادة وقد بينت ذلك في كتابي المدرج بأبسط مما هنا وقد استبعد الإسماعيلي إمكان الجمع بين حديثي بن عمر وأبي هريرة ومنع الحكم بصحتهما معا وجزم بأنهما متدافعان وقد جمع غيره بينهما بأوجه أخر يأتي بيانها في أواخر الباب إن شاء الله تعالى قوله جرير بن حازم سمعت قتادة سيأتي بعد أبواب من رواية جرير بن حازم عن نافع فله فيه طريقان وقد حفظ الزيادة التي في كل منهما وجزم برفع كل منهما قوله عن بشير بن نهيك بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبفتح النون وكسر الهاء وزنا واحدا قوله من أعتق شقيصا من عبد كذا أورده مختصرا وعطف عليه طريق سعيد عن قتادة وقد تقدم في الشركة من وجه آخر عن جرير بن حازم وبقيته أعتق كله أن كان له مال وإلا يستسعى غير مشقوق عليه وأخرجه الإسماعيلي من طريق بشر بن السري ويحيى بن بكير جميعا عن جرير بن حازم بلفظ من أعتق شقصا من غلام وكان للذي أعتقه من المال ما يبلغ قيمة العبد أعتق في ماله وأن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه قوله حدثنا سعيد هو بن أبي عروبة قوله عن النضر في رواية جرير التي قبلها عن قتادة حدثني النضر قوله والا قوم عليه فاستسعى به في رواية عيسى بن يونس عن سعيد عند مسلم ثم يستسعى في نصيب الذي لم يعتق الحديث وفي رواية عبدة عند النسائي ومحمد بن بشر عند أبي داود كلاهما عن سعيد فإن لم يكن له مال قوم ذلك العبد قيمة عدل واستسعى في قيمته لصاحبه الحديث قوله غير مشقوق عليه تقدم توجيهه وقال بن التين معناه لا يستغلى عليه في الثمن وقيل معناه غير مكاتب وهو بعيدا جدا وفي ثبوت الاستسعاء حجة على بن سيرين حيث قال يعتق نصيب الشريك الذي لم يعتق من بيت المال قوله تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة واختصره شعبة أراد البخاري بهذا الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ وأن سعيد بن أبي عروبة تفرد به فاستظهر له برواية جرير بن حازم بموافقته ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرهما فأما رواية حجاج فهو في نسخة حجاج بن حجاج عن قتادة من رواية أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن حجاج وفيها ذكر السعاية ورواه عن قتادة أيضا حجاج بن أرطأة أخرجه الطحاوي وأما رواية أبان فأخرجها أبو داود والنسائي من طريقه قال حدثنا قتادة أخبرنا النضر بن أنس ولفظه فإن عليه أن يعتق بقيته أن كان له مال وإلا استسعى العبد الحديث ولأبي داود فعليه أن يعتقه كله والباقي سواء وأما رواية موسى بن خلف فوصلها الخطيب في كتاب الفصل والوصل من طريق أبي ظفر عبد السلام بن مظهر عنه عن قتادة عن النضر ولفظه من أعتق شقصا له في مملوك فعليه خلاصه إن كان له مال فإن لم يكن له مال استسعى غير مشقوق عليه وأما رواية شعبة فأخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عنه عن قتادة بإسناده ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه قال يضمن ومن طريق معاذ عن شعبة بلفظ من أعتق شقصا من مملوك فهو حر من ماله وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق الطيالسي عن شعبة وأبو داود من طريق روح عن شعبة بلفظ من أعتق مملوكا بينه وبين آخر فعليه خلاصه وقد اختصر ذكر السعاية أيضا هشام الدستوائي عن قتادة الا أنه اختلف عليه في إسناده فمنهم من ذكر فيه النضر بن أنس ومنهم من لم يذكره وأخرجه أبو داود والنسائي بالوجهين ولفظ أبي داود والنسائي جميعا من طريق معاذ بن هشام عن أبيه من أعتق نصيبا له في مملوك عتق من ماله أن كان له مال ولم يختلف على هشام في هذا القدر من المتن وغفل عبد الحق فزعم أن هشاما وشعبة ذكرا الاستسعاء فوصلاه وتعقب ذلك عليه بن المواق فأجاد وبالغ بن العربي فقال اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول قتادة ونقل الخلال في العلل عن أحمد أنه ضعف رواية سعيد في الاستسعاء وضعفها أيضا الأثرم عن سليمان بن حرب واستند إلى أن فائدة الاستسعاء أن لا يدخل الضرر على الشريك قال فلو كان الاستسعاء مشروعا للزم أنه لو أعطاه مثلا كل شهر درهمين أنه يجوز ذلك وفي ذلك غاية الضرر على الشريك اه وبمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة قال النسائي بلغني أن هماما رواه فجعل هذا الكلام أي الاستسعاء من قول قتادة وقال الإسماعيلي قوله ثم استسعى العبد ليس في الخبر مسندا وإنما هو قول قتادة مدرج في الخبر على ما رواه همام وقال بن المنذر والخطابي هذا الكلام الأخير من فتيا قتادة ليس في المتن قلت ورواية همام قد أخرجها أبو داود عن محمد بن كثير عنه عن قتادة لكنه لم يذكر الاستسعاء أصلا ولفظه أن رجلا أعتق شقصا من غلام فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وغرمه بقية ثمنه نعم رواه عبد الله بن يزيد المقرئ عن همام فذكر فيه السعاية وفصلها من الحديث المرفوع أخرجه الإسماعيلي وابن المنذر والدارقطني والخطابي والحاكم في علوم الحديث والبيهقي الخطيب في الفصل والوصل كلهم من طريقه ولفظه مثل رواية محمد بن كثير سواء وزاد قال فكان قتادة يقول أن لم يكن له مال استسعى العبد قال الدارقطني سمعت أبا بكر النيسابوري يقول ما أحسن ما رواه همام ضبطه وفصل بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وبين قول قتادة هكذا جزم هؤلاء بأنه مدرج وأبي ذلك آخرون منهم صاحبا الصحيح فصححا كون الجميع مرفوعا وهو الذي رجحه بن دقيق العيد وجماعة لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه من همام وغيره وهشام وشعبة وأن كانا أحفظ من سعيد لكنهما لم ينافيا ما رواه وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره وهذا كله لو انفرد وسعيد لم ينفرد وقد قال النسائي في حديث أبي قتادة عن أبي المليح في هذا الباب بعد أن ساق الاختلاف فيه على قتادة هشام وسعيد أثبت في قتادة من همام وما أعل به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به مردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه أربعة تقدم ذكرهم وآخرون معهم لا نطيل بذكرهم وهمام هو الذي انفرد بالتفصيل وهو الذي خالف الجميع في القدر المتفق على رفعه فإنه جعله واقعة عين وهم جعلوه حكما عاما فدل على أنه لم يضبطه كما ينبغي والعجب ممن طعن في رفع الاستسعاء بكون همام جعله من قول قتادة ولم يطعن فيما يدل على ترك الاستسعاء وهو قوله في حديث بن عمر في الباب الماضي وإلا فقد عتق منه ما عتق بكون أيوب جعله من قول نافع كما تقدم شرحه ففصل قول نافع من الحديث وميزه كما صنع همام سواء فلم يجعلوه مدرجا كما جعلوا حديث همام مدرجا مع كون يحيى بن سعيد وافق أيوب في ذلك وهمام لم يوافقه أحد وقد جزم بكون حديث نافع مدرجا محمد بن وضاح وآخرون والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقا لعمل صاحبي الصحيح وقال بن المواق والإنصاف أن لا نوهم الجماعة بقول واحد مع احتمال أن يكون سمع قتادة يفتي به فليس بين تحديثه به مرة وفتياه به أخرى منافاة قلت ويؤيد ذلك أن البيهقي أخرج من طريق الأوزاعي عن قتادة أنه أفتى بذلك والجمع بين حديثي بن عمر وأبي هريرة ممكن بخلاف ما جزم به الإسماعيلي قال بن دقيق العيد حسبك بما اتفق عليه الشيخان فإنه أعلى درجات الصحيح والذين لم يقولوا بالاستسعاء تعللوا في تضعيفه بتعليلات لا يمكنهم الوفاء بمثلها في المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها بأحاديث يرد عليها مثل تلك التعليلات وكأن البخاري خشي من الطعن في رواية سعيد بن أبي عروبة فأشار إلى ثبوتها بإشارات خفية كعادته فإنه أخرجه من رواية يزيد بن زريع عنه وهو من أثبت الناس فيه وسمع منه قبل الاختلاط ثم استظهر له برواية جرير بن حازم بمتابعته لينفي عنه التفرد ثم أشار إلى أن غيرهما تابعهما ثم قال اختصره شعبة وكأنه جواب عن سؤال مقدر وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة فكيف لم يذكر الاستسعاء فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفا لأنه أورده مختصرا وغيره ساقه بتمامه والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد والله أعلم وقد وقه ذكر الاستسعاء في غير حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني من حديث جابر وأخرجه البيهقي من طريق خالد بن أبي قلابة عن رجل من بني عذرة وعمدة من ضعف حديث الاستسعاء في حديث بن عمر قوله وإلا فقد عتق منه ما عتق وقد تقدم أنه في حق المعسر وأن المفهوم من ذلك أن الجزء الذي لشريك المعتق باق على حكمة الأول وليس فيه التصريح بأن يستمر رقيقا ولا فيه التصريح بأنه يعتق كله وقد احتج بعض من ضعف رفع الاستسعاء بزيادة وقعت في الدارقطني وغيره من طريق إسماعيل بن أمية وغيره عن نافع عن بن عمر قال في آخره ورق منه ما بقي وفي إسناده إسماعيل بن مرزوق الكعبي وليس بالمشهور عن يحيى بن أيوب وفي حفظه شيء عنهم وعلى تقدير صحتها فليس فيها أنه يستمر رقيقا بل هي مقتضى المفهوم من رواية غيره وحديث الاستسعاء فيه بيان الحكم بعد ذلك فللذي صحح رفعه أن يقول معنى الحديثين أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق ثم يستسعى في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب وهو الذي جزم به البخاري والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله غير مشقوق عليه فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له بذلك غاية المشقة وهو لا يلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذه مثلها وإلى هذا الجمع مال البيهقي وقال لا يبقى بين الحديثين معارضة أصلا وهو كما قال الا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء فيعارضه حديث أبي المليح عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له من غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ليس لله شريك وفي رواية فأجاز عتقه أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد قوي وأخرجه أحمد بإسناد حسن من حديث سمرة أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو كله فليس لله شريك ويمكن حمله على ما إذا كان المعتق غنيا أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه فقد روى أبو داود من طريق ملقام بن التلب عن أبيه أن رجلا أعتق نصيبه من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده حسن وهو محمول على المعسر وإلا لتعارضا وجمع بعضهم بطريق أخرى فقال أبو عبد الملك المراد بالاستسعاء أن العبد يستمر في حصة الذي لم يعتق رقيقا فيسعى في خدمته بقدر ما له فيه من الرق قالوا ومعنى قوله غير مشقوق عليه أي من وجه سيده المذكور فلا يكلفه من الخدمة فوق حصة الرق لكن يرد على هذا الجمع قوله في الرواية المتقدمة واستسعى في قيمته لصاحبه واحتج من أبطل الاستسعاء بحديث عمران بن حصين عند مسلم أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالاستسعاء في بقية قيمته لورثة الميت وأجاب من أثبت الاستسعاء بأنها واقعة عين فيحتمل أن يكون قبل مشروعية الاستسعاء ويحتمل أن يكون الاستسعاء مشروعا الا في هذه الصورة وهي ما إذا أعتق جميع ما ليس له أن يعتقه وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات عن أبي قلابة عن رجل من عذرة أن رجلا منهم أعتق مملوكا له عند موته وليس له مال غيره فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثه وأمره أن يسعى في الثلثين وهذا يعارض حديث عمران وطريق الجمع بينهما ممكن واحتجوا أيضا بما رواه النسائي من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن بن عمر بلفظ من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء والجواب مع تسليم صحته أنه مختص بصورة اليسار لقوله فيه وله وفاء والاستسعاء إنما هو في صورة الاعسار كما تقدم فلا حجة فيه وقد ذهب إلى الأخذ بالاستسعاء إذا كان المعتق معسرا أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية وآخرون ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق جميعه في الحال ويستسعى العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك وزاد بن أبي ليلى فقال ثم يرجع العبد المعتق الأول بما أداه للشريك وقال أبو حنيفة وحده يتخير الشريك بين الاستسعاء وبين عتق نصيبه وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء الا النصيب الأول فقط وهو موافق لما جنح إليه البخاري من أنه يصير كالمكاتب وقد تقدم توجيهه وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق موسرا وترتب في ذمته إن كان معسرا

قوله باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه أي من التعليقات لا يقع شيء منها الا بالقصد وكأنه أشار إلى رد ما روى عن مالك أنه يقع الطلاق والعتاق عامدا كان أو مخطئا ذاكرا كان أو ناسيا وقد أنكره كثير من أهل مذهبه قال الداودي وقوع الخطأ في الطلاق والعتاق أن يريد أن يلفظ بشيء غيرهما فيسبق لسانه إليهما وأما النسيان ففيما إذا حلف ونسي قوله ولا عتاقة الا لوجه الله سيأتي في الطلاق نقل معنى ذلك عن علي رضي الله عنه وفي الطبراني من حديث بن عباس مرفوعا لا طلاق الا لعدة ولا عتاق الا لوجه الله وأراد المصنف بذلك إثبات اعتبار النية لأنه لا يظهر كونه لوجه الله الا مع القصد وأشار إلى الرد على من قال من أعتق عبده لوجه الله أو للشيطان أو للصنم عتق لوجود ركن الاعتاق والزيادة على ذلك لا تخل بالعتق قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل امرئ ما نوى هو طرف من حديث عمر وقد ذكره في الباب بلفظ وإنما لامرئ ما نوى واللفظ المعلق أورده في أول الكتاب حيث قال فيه وإنما لكل امرئ ما نوى وأورده في أواخر الإيمان بلفظ ولكل امرئ ما نوى وإنما فيه مقدرة قوله ولا نية للناسي والمخطيء وقع في رواية القابسي الخاطيء بدل المخطيء قالوا المخطيء من أراد الصواب فصار إلى غيره والخاطيء من تعمد لما لا ينبغي وأشار المصنف بهذا الاستنباط إلى بيان أخذ الترجمة من حديث الأعمال بالنيات ويحتمل أن يكون أشار بالترجمة إلى ما ورد في بعض الطرق كعادته وهو الحديث الذي يذكره أهل الفقه والأصول كثيرا بلفظ رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه أخرجه بن ماجة من حديث بن عباس الا أنه بلفظ وضع بدل رفع وأخرجه الفضل بن جعفر التيمي في فوائده بالإسناد الذي أخرجه به بن ماجة بلفظ رفع ورجاله ثقات الا أنه أعل بعلة غير قادحة فإنه من رواية الوليد عن الأوزاعي عن عطاء عنه وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي فزاد عبيد بن عمير بين عطاء وابن عباس أخرجه الدارقطني والحاكم والطبراني وهو حديث جليل قال بعض العلماء ينبغي أن يعد نصف الإسلام لأن الفعل إما عن قصد واختيار أو لا الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه فهذا القسم معفو عنه باتفاق وإنما اختلف العلماء هل المعفو عنه الإثم أو الحكم أو هما معا وظاهر الحديث الأخير وما خرج عنه كالقتل فله دليل منفصل وسيأتي بسط القول في ذلك في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى وتقدير قوله ولكل امرئ ما نوى يعتد لكل امرئ ما نوى وهو يحتمل أن يكون في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط وبحسب هذين الاحتمالين وقع الاختلاف في الحكم

[ 2391 ] قوله عن زرارة بن أوفى يأتي في الأيمان والنذور بلفظ حدثنا زرارة وهو من ثقات التابعين كان قاضي البصرة وليس له في البخاري الا أحاديث يسيرة قوله ما وسوست به صدورها يأتي في الطلاق بلفظ ما حدثت به أنفسها وهو المشهور وصدورها في أكثر الروايات بالضم وللأصيلي بالفتح على أن وسوست مضمن معنى حدثت وحكى الطبري هذا الاختلاف في حدثت به أنفسها والضم كقوله تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه قوله ما لم تعمل أو تكلم ويأتي في النذور بلفظ ما لم تعمل به والمراد نفي الحرج عما يقع في النفس حتى يقع العمل بالجوارح أو القول باللسان على وفق ذلك والمراد بالوسوسة تردد الشيء في النفس من غير أن يطمئن إليه ويستقر عنده ولهذا فرق العلماء بين الهم والعزم كما سيأتي الكلام عليه في حديث من هم بحسنة ومن هنا تظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة لأن الوسوسة لا اعتبار لها عند عدم التوطن فكذلك المخطيء والناسي لا توطن لهما وزاد بن ماجة عن هشام بن عمار عن بن عيينة في آخره وما استكرهوا عليه وأظنها مدرجة من حديث آخر دخل على هشام حديث في حديث قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الترجمة في النسيان والحديث في حديث النفس وأجاب الكرمائي بأنه أشار إلى إلحاق النسيان بالوسوسة فكما أنه لا اعتبار للوسوسة لأنها لا تستقر فكذلك الخطأ والنسيان لا استقرار لكل منهما ويحتمل إن يقال أن شغل البال بحديث النفس ينشأ عنه الخطأ والنسيان ومن ثم رتب على من لا يحدث نفسه في الصلاة ما سبق في حديث عثمان في كتاب الطهارة من الغفران تنبيه ذكر خلف في الأطراف أن البخاري أخرج هذا الحديث في العتق عن محمد بن عرعرة عن شعبة عن قتادة ولم نره فيه ولم يذكره أبو مسعود ولا الطوقي ولا بن عساكر ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى

[ 2392 ] قوله عن سفيان هو الثوري قوله الأعمال بالنية ولامريء ما نوى كذا أخرجه بحذف إنما في الموضعين وقد أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه فقال إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى قوله إلى دنيا في رواية الكشميهني لدنيا وهي رواية أبي داود المذكورة وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أول الكتاب ويأتي بقية منه في ترك الحيل وغيره إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا قال أي الشخص لعبده وفي رواية الأصيلي وكريمة إذا قال رجل لعبده هو لله ونوى العتق أي صح قوله والاشهاد في العتق قيل هو يجر الإشهاد أي وباب الأشهاد في العتق وهو مشكل لأنه إن قدر منونا أحتاج إلى خبر وإلا لزم حذف التنوين من الأول ليصح العطف عليه وهو بعيد والذي يظهر أن يقرأ والإشهاد بالضم فيكون معطوفا على باب لا على ما بعده وباب بالتنوين ويجوز أن يكون التقدير وحكم الأشهاد في العتق قال المهلب لا خلاف بين العلماء إذا قال لعبده هو لله ونوى العتق أنه يعتق وأما الأشهاد في العتق فهو من حقوق المعتق وإلا فقد تم العتق وإن لم يشهد قلت وكأن المصنف أشار إلى تقييد ما رواه هشيم عن مغيرة أن رجلا قال لعبده أنت لله فسئل الشعبي وإبراهيم وغيرهما فقالوا هو حر أخرجه بن أبي شيبة فكأنه قال محل ذلك إذا نوى العتق وإلا فلو قصد أنه لله بمعنى غير العتق لم يعتق

[ 2393 ] قوله عن إسماعيل هو بن أبي خالد وقيس وهو بن أبي حازم ورجاله كوفيون الا الصحابي قوله لما أقبل يريد الإسلام ظاهره أنه لم يكن أسلم بعد قوله ومعه غلامه لم أقف على اسمه قوله ضل كل واحد أي ضاع قوله فهو حين يقول أي الوقت الذي وصل فيه إلى المدينة وقوله في الطريق الثانية قلت في الطريق أي عند انتهائه وظاهره أن الشعر من نظم أبي هريرة وقد نسبه بعضهم إلى غلامه حكاه بن التين وحكى الفاكهي في كتاب مكة عن مقدم بن حجاج السواني أن البيت المذكور لأبي مرثد الغنوي في قصة له فعلى هذا فيكون أبو هريرة قد تمثل به قوله في الشعر يا ليلة كذا في جميع الروايات قال الكرمائي ولا بد من اثبات فاء أو واو في أوله ليصير موزونا وفيه نظر لأن هذا يسمى في العروض الخرم بالمعجمة المفتوحة والراء الساكنة وهو أن يحذف من أول الجزء حرف من حروف المعاني وما جاز حذفه لا يقال لا بد من إثباته وذلك أمر معروف عند أهله قوله وعنائها بفتح العين وبالنون والمد أي تعبها و دارة الكفر الدارة أخص من الدار وقد كثر استعمالها في أشعار العرب كقول امرئ القيس ولا سيما يوما بدارة جلجل قوله في الطريق الثانية حدثنا عبيد الله بن سعيد هو أبو قدامة السرخسي كذا في جميع الروايات التي اتصلت لنا عبيد الله بالتصغير وفي مستخرج أبي نعيم أخرجه البخاري عن أبي سعيد الأشج وأبو سعيد اسمه عبد الله مبكر فهذا محتمل وذكر أبو مسعود وخلف أنه أخرجه هنا عن عبيد بن إسماعيل وعبيد بغير إضافة ممن يروي في البخاري عن أبي أسامة الا أن الذي وقفت عليه هو الذي قدمت ذكره والله أعلم قوله وأبق بفتح الموحدة وحكى بن القطاع كسرها قوله قلت هو حر لوجه الله فأعتقه أي باللفظ المذكور وليس المراد أنه أعتقه بعد ذلك وهذه الفاء هي التفسيرية قوله لم يقل أبو كريب عن أبي أسامة حر وصله في أواخر المغازي فقال حدثنا محمد بن العلاء وهو أبو كريب حدثنا أبو أسامة وساق الحديث وقال في آخره هو لوجه الله فأعتقه وكذا أخرجه أحمد بن حنبل ومحمد بن سعد عن أبي أسامة وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن أبي أسامة ليس فيه حر وكذا أخرجه أبو نعيم من وجهين عن أبي أسامة أثبت قوله حر في أحدهما ووقع في بعض النسخ من البخاري هو حر لوجه الله وهو خطأ ممن ذكره عن البخاري وفي هذه الرواية لتصريحه بنفيه عن شيخه بعينه قوله في الطريق الأخيرة فضل أحدهما صاحبه بالنصب على نزع الخافض وأصله من صاحبه كما في الطريق الأولى ولو كانت أضل معداة بالهمز لم يحتج إلى تقدير وقد ثبت كذلك في بعض الروايات وفي الحديث استحباب العتق عند بلوغ الغرض والنجاة من المخاوف وفيه جواز قول الشعر وإنشاده والتمثل به والتألم من النصب والسهر وغير ذلك

قوله باب أم الولد أي هل يحكم بعتقها أم لا أورد فيه حديثين وليس فيهما ما يفصح بالحكم عنده وأظن ذلك لقوة الخلاف في المسألة بين السلف وأن كان الأمر استقر عند الخلف على المنع حتى وافق في ذلك بن حزم ومن تبعه من أهل الظاهر على عدم جواز بيعهن ولم يبق الا شذوذ قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربها تقدم موصولا مطولا في كتاب الإيمان بمعناه وتقدم شرحه هناك مستوفى وأن المراد بالرب السيد أو المالك وتقدم أنه لا دليل فيه على جواز بيع أم الولد ولا عدمه قال النووي استدل به إمامان جليلان أحدهما على جواز بيع أمهات الأولاد والآخر على منعه فأما من استدل به على الجواز فقال ظاهر قوله ربها أن المراد به سيدها لأن ولدها من سيدها ينزل منزلة سيدها لمصير مال الإنسان إلى ولده غالبا وأما من استدل به على المنع فقال لا شك أن الأولاد من الاماء كانوا موجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه كثيرا والحديث مسوق للعلامات التي قرب قيام الساعة فدل على حدوث قدر زائد على مجرد التسري قال والمراد أن الجهل يغلب في آخر الزمان حتى تباع أمهات الأولاد فيكثر ترداد الأمة في الأيدي حتى يشتريها ولدها وهو لا يدري فيكون فيه إشارة إلى تحريم بيع أمهات الأولاد ولا يخفى تكلف الاستدلال من الطرفين والله أعلم ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة بن وليدة زمعة وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض والشاهد منه قول عبد بن زمعة أخي ولد على فراش أبي وحكمه صلى الله عليه وسلم لابن زمعة بأنه أخوه فإن فيه ثبوت أمية أم الولد ولكن ليس فيه تعرض لحريتها ولإرقاقها الا أن بن المنير أجاب بأن فيه إشارة إلى حرية أم الولد لأنه جعلها فراشا فسوى بينها وبين الزوجة في ذلك وأفاد الكرماني أنه رأى في بعض النسخ في آخر الباب ما نصه فسمى النبي صلى الله عليه وسلم أم ولد زمعة أمة ووليدة فدل على أنها لم تكن عتيقة اه فعلى هذا فهو ميل منه إلى أنها لا تعتق بموت السيد وكأنه أختار أحد التأويلين في الحديث الأول وقد تقدم ما فيه قال الكرماني وبقية كلامه لم تكن عتيقة من هذا الحديث لكن من يحتج بعتقها في هذه الآية الا ما ملكت أيمانكم يكون له ذلك حجة قال الكرماني كأنه أشار إلى أن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عبد بن زمعة على قوله أمة أبي ينزل منزلة القول منه صلى الله عليه وسلم ووجه الدلالة مما قال أن الخطاب في الآية للمؤمنين وزمعة لم يكن مؤمنا فلم يكن له ملك يمين فيكون ما في يده في حكم الأحرار قال ولعل غرض البخاري أن بعض الحنفية لا يقول أن الولد في الأمة للفراش فلا يلحقونه بالسيد الا ان أقر به ويخصون الفراش بالحرة فإذا احتج عليهم بما في هذا الحديث أن الولد للفراش قالوا ما كانت أمة بل كانت حرة فأشار البخاري إلى رد حجتهم هذه بما ذكره وتعلق الأمة بأحاديث أصحها حديثان أحدهما حديث أبي سعيد في سؤالهم عن العزل كما سيأتي شرحه في كتاب النكاح وممن تعلق به النسائي في السنن فقال باب ما يستدل به على منع بيع أم الولد فساق حديث أبي سعيد ثم ساق حديث عمرو بن الحارث الخزاعي كما سيأتي في الوصايا قال ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا ولا أمة الحديث ووجه الدلالة من حديث أبي سعيد أنهم قالوا إنا نصيب سبايا فنحب الأثمان فكيف ترى في العزل وهذا لفظ البخاري كما مضى في باب بيع الرقيق من كتاب البيوع قال البيهقي لولا أن الاستيلاد يمنع من نقل الملك وإلا لم يكن لعزلهم لأجل محبة الأثمان فائدة وللنسائي من وجه آخر عن أبي سعيد فكان منا من يريد أن يتخذ أهلا ومناصحة من يريد البيع فتراجعنا في العزل الحديث وفي رواية لمسلم وطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل وفي الاستدلال به نظر إذا لا تلازم بين حملهن وبين استمرار امتناع البيع فلعلهم أحبوا تعجيل الفداء وأخذ الثمن فلو حملت المسبية لتأخر بيعها إلى وضعها ووجه الدلالة من حديث عمرو بن الحارث أن مارية أم ولده إبراهيم كانت قد عاشت بعده فلولا أنها خرجت عن الوصف بالرق لما صح قوله أنه لم يترك أمة وقد ورد الحديث عن عائشة أيضا عند بن حبان مثله وهو عند مسلم لكن ليس فيه ذكر الأمة وفي صحة الاستدلال بذلك وقفة لاحتمال أن يكون نجز عتقها وأما بقية أحاديث الباب فضعيفة ويعارضها حديث جابر كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا يرى بذلك بأسا وفي لفظ بعنا أمهات الأولاد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا وقول الصحابي كنا نفعل محمول على الرفع على الصحيح وعليه جرى عمل الشيخين في صحيحهما ولم يستند الشافعي في القول بالمنع الا إلى عمر فقال قلته تقليدا لعمر قال بعض أصحابه لأن عمر لما نهى عنه فانتهوا صار إجماعا يعني فلا عبرة بندور المخالف بعد ذلك ولا يتعين معرفة سند الإجماع

[ 2396 ] قوله أخذ سعد بن وليدة سعد بالرفع والتنوين وابن منصوب على المفعولية ويكتب بالألف وقوله هو لك يا عبد بن زمعة برفع عبد ويجوز نصبه وكذا بن وكذا قوله يا سودة بنت زمعة تنبيهان أحدهما وقع في نسخة الصغاني هنا قال أبو عبد الله يعني المصنف سمي النبي صلى الله عليه وسلم أم ولد زمعة أمة ووليدة فلم تكن عتيقة لهذا الحديث ولكن من يحتج بعتقها في هذه الآية الا ما ملكت أيمانكم يكون له ذلك حجة الثاني ذكر المزي في الأطراف أن البخاري قال عقب طريق شعيب عن الزهري هذه وقال الليث عن يونس عن الزهري ولم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري نعم ذكر هذا التعليق في باب غزوة الفتح من كتاب المغازي مقرونا بطريق مالك عن الزهري والله أعلم

قوله باب بيع المدبر أي جوازه أو ما حكمة وقد تقدمت هذه الترجمة بعينها في كتاب البيوع وأورد هنا حديث جابر مختصرا جدا وقد تقدم شرحه مستوفى هناك

[ 2397 ] قوله أعتق رجل منا عبدا له لم يقع واحد منهما مسمى في شيء من طرق البخاري وقد قدمت في البيوع أن في رواية مسلم من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا من الأنصار يقال له أبو بكر مذكور أعتق غلاما له عن دبر يقال له يعقوب ففيه التعريف بكل منهما وله من رواية الليث عن أبي الزبير أن الرجل كان من بني عذرة وكذا البيهقي من طريق مجاهد عن جابر فلعله كان من بني عذرة وحالف الأنصار قوله فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حذف المفعول وفي رواية أيوب المذكورة فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يشتريه أي الغلام قوله فاشتراه نعيم بن عبد الله في رواية بن المنكدر عن جابر كما مضى في الاستقراض نعيم بن النحام وهو نعيم بن عبد الله المذكور والنحام بالنون والحاء المهملة الثقيلة عند الجمهور وضبطه بن الكلبي بضم النون وتخفيف الحاء ومنعه الصغاني وهو لقب نعيم وظاهر الرواية أنه لقب أبيه قال النووي وهو غلط لقول النبي صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت فيها نحمة من نعيم اه وكذا قال بن العربي وعياض وغير واحد لكن الحديث المذكور من رواية الواقدي وهو ضعيف ولا ترد الروايات الصحيحة بمثل هذا فلعل أباه أيضا كان يقال له النحام والنحمة بفتح النون واسكان المهملة الصوت وقيل السعلة وقيل النحنحة ونعيم المذكور هو بن عبد الله بن أسيد بن عبد بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي وأسيد وعبيد وعويج في نسبه مفتوح أول كل منهما قرشي عدوي أسلم قديم اقبل عمر فكتم إسلامه وأراد الهجرة فسأله بنو عدي أن يقيم على أي دين شاء لأنه كان ينفق على أراملهم وأيتامهم ففعل ثم هاجر عام الحديبية ومعه أربعون من أهل بيته واستشهد في فتوح الشام زمن أبي بكر أو عمر وروى الحارث في مسنده بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صالحا وكان اسمه الذي يعرف به نعيما قوله قال جابر مات الغلام عام أول يأتي في الأحكام من رواية حماد عن عمرو سمعت جابرا يقول عبدا قبطيا مات عام أول زاد مسلم من طريق بن عيينة عن عمرو في إمارة بن الزبير وقد تقدم في باب بيع المدبر من البيوع نقل مذاهب الفقهاء في بيع المدبر وأن الجواز مطلقا مذهب الشافعي وأهل الحديث وقد نقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء وحكى النووي عن الجمهور مقابله وعن الحنفية والمالكية أيضا تخصيص المنع بمن دبر تدبيرا مطلقا أما إذا قيده كأن يقول أن مت من مرضي هذا ففلان حر فإنه يجوز بيعه لأنها كالوصية فيجوز الرجوع فيها وعن أحمد يمتنع بيع المدبرة دون المدبر وعن الليث يجوز بيعه إن شرط على المشتري عتقه وعن بن سيرين لا يجوز بيعه إلا من نفسه ومال بن دقيق العيد إلى تقييد الجواز بالحاجة فقال من منع بيعه مطلقا كان الحديث حجة عليه لأن المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي ومن أجازه في بعض الصور فله أن يقول قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها فلا يلزمه القول به في غير ذلك من الصور وأجاب من أجازه مطلقا بأن قوله وكان محتاجا لا مدخل له في الحكم وإنما ذكر لبيان السبب في المبادرة لبيعه ليتبين للسيد جواز البيع ولولا الحاجة لكان عدم البيع أولى وأما من ادعى أنه إنما باع خدمته كما تقدمت حكايته في الباب المذكور فقد أجيب عنه بما تقدم وهو أنه لا تعارض بين الحديثين وبأن المخالفين لا يقولون بجواز بيع خدمة المدبر وقد اتفقت طرق رواية عمرو بن دينار عن جابر أيضا على أن البيع وقع في حياة السيد الا ما أخرجه الترمذي من طريق بن عيينة عنه بلفظ أن رجلا من الأنصار دبر غلاما له فمات ولم يترك مالا غيره الحديث وقد أعله الشافعي بأنه سمعه من بن عيينة مرارا لم يذكر قوله فمات وكذلك رواه الأئمة أحمد وإسحاق وابن المديني والحميدي وابن أبي شيبة عن بن عيينة ووجه البيهقي الرواية المذكورة بأن أصلها أن رجلا من الأنصار أعتق مملوكه إن حدث به حادث فمات فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فباعه من نعيم كذلك رواه مطر الوراق عن عمرو قال البيهقي فقوله فمات من بقية الشرط أي فمات من ذلك الحدث وليس إخبارا عن أن المدبر مات فحذف من رواية بن عيينة قوله أن حدث به حدث فوقع الغلط بسبب ذلك والله أعلم اه وقد تقدم الجواب عما وقع من مثل ذلك في رواية عطاء عن جابر من طريق شريك عن سلمة بن كهيل في الباب المذكور والله أعلم

قوله باب بيع الولاء وهبته أي حكمة والولاء بالفتح والمد حق ميراث المعتق من المعتق بالفتح أورد فيه حديث بن عمر المشهور وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى مع توجيه عدم صحة بيعه من دلالة النهي المذكور وحديث عائشة في قصة بريرة وسيأتي بعد عشرة أبواب ووجه دخوله في الترجمة من قوله في أصل الحديث فإنما الولاء لمن أعتق وهو وإن كان لم يسقه هنا بهذا اللفظ فكأنه أشار إليه كعادته ووجه الدلالة منه حصره في المعتق فلا يكون لغيره معه منه شيء قال الخطابي لما كان الولاء كالنسب كان من أعتق ثبت له الولاء كمن ولد له ولد ثبت له نسبه فلو نسب إلى غيره لم ينتقل نسبه عن والده وكذا إذا أراد ولائه عن محله لم ينتقل

قوله باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى بضم أوله وفتح الدال قوله إذا كان مشركا قيل إنه أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث الوارد فيمن ملك ذا رحم فهو حر وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من حديث بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث الوارد فين ملك ذا رحم فهو حر وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من حديث الحسن عن سمرة واستنكره بن المديني ورجح الترمذي إرساله وقال البخاري لا يصح وقال أبو داود تفرد به حماد وكان يشك في وصله وغيره يرويه عن قتادة عن الحسن قوله وعن قتادة عن عمر قوله منقطعا أخرج ذلك النسائي وله طريق أخرى أخرجه أصحاب السنن أيضا الا أبا داود من طريق ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن بن عمر وقال النسائي منكر وقال الترمذي خطأ وقال جمع من الحفاظ دخل لضمرة حديث في حديث وإنما روى الثوري بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته وجرى الحاكم وابن حزم وابن القطان على ظاهر الإسناد فصححوه وقد أحذ بعمومه الحنفية والثوري والأوزاعي والليث وقال داود لا يعتق أحد على أحد وذهب الشافعي إلى أنه لا يعتق على المرء الا أصوله وفروعه لا لهذا الدليل بل لأدلة أخرى وهو مذهب مالك وزاد الإخوة حتى من الأم وزعم بن بطال أن في حديث الباب حجة عليه وفيه نظر لما سأذكره قوله وقال أنس قال العباس فاديت نفسي وفاديت عقيلا هو طرف من حديث أوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد وقد تقدم في باب القسمة وتعليق القنو في المسجد من كتاب الصلاة قوله وكان علي أي بن أبي طالب له نصيب في تلك الغنيمة التي أصاب من أخيه عقيل ومن عمه العباس هو كلام المصنف ساقه مستدلا به على أنه لا يعتق بذلك أي فلو كان الأخ ونحوه يعتق بمجرد الملك لعتق العباس وعقيل على علي في حصته من الغنيمة وأجاب بن المنير عن ذلك أن الكافر لا يملك بالغنيمة ابتداء بل يتخير الإمام بين القتل أو الاسترقاق أو الفداء أو المن فالغنيمة سبب إلى الملك بشرط اختيار الإرقاق فلا يلزم العتق بمجرد الغنيمة ولعل هذا هو النكتة في إطلاق المصنف الترجمة ولعله يذهب إلى أنه يعتق إذا كان مسلما ولا يعتق إذا كان مشركا وقوفا عندما ورد به الخبر

[ 2400 ] قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس قوله ان رجالا من الأنصار لم أعرف أسماءهم الآن قوله لابن أختنا بالمثناة عباس هو بن عبد المطلب والمراد أنهم أخوال أبيه عبد المطلب فإن أم العباس هي نتيلة بالنون والمثناة مصغرة بنت جنان بالجيم والنون وليست من الأنصار وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم لأنها سلمى بنت عمرو بن أحيحة بمهملتين مصغر وهي من بني النجار ومثله ما وقع في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم نزل على أخواله بني النجار وأخواله حقيقة إنما هم بنو زهرة وبنو النجار أخوال جده عبد المطلب قال بن الجوزي صحف بعض المحدثين لجهله بالنسب فقال بن أخينا بكسر الخاء بعدها تحتانية وليس هو بن أخيهم إذ لا نسب بين قريش والأنصار قال وإنما قالوا بن أختنا لتكون المنة عليهم في إطلاقه بخلاف ما لو قالوا عمك لكانت المنة عليه صلى الله عليه وسلم وهذا من قوة الكاء وحسن الأدب في الخطاب وإنما أمتنع صلى الله عليه وسلم من إجابتهم لئلا يكون في الدين نوع محاباة وسيأتي مزيد في هذه القصة في الكلام على غزوة بدر ان إن شاء الله تعالى وأراد المصنف بإيراده هنا الإشارة إلى أن حكم القرابة من ذوي الأرحام في هذا لا يختلف من حكم القرابة من العصبات والله أعلم

قوله باب عتق المشرك يحتمل أن يكون مضافا إلى الفاعل أو المفعول وعلى الثاني جرى بن بطال فقال لا خلاف في جواز عتق المشرك تطوعا وإنما اختلفوا في عتقه عن الكفارة وحديث الباب في قصة حكيم بن حزام حجة في الأول لأن حكيما لما أعتق وهو كافر لم يحصل له الأجر الا بإسلامه فمن فعل ذلك وهو مسلم لم يكن بدونه بل أولى اه وقال بن المنير الذي يظهر أن مراد البخاري أن المشرك إذا أعتق مسلما نفذ عتقه وكذا إذا أعتق كافرا فأسلم العبد قال وأما

[ 2401 ] قوله أسلمت على ما سلف لك من خير فليس المراد به صحة التقرب منه في حال كفره وإنما تأويله أن الكافر إذا فعل ذلك انتفع به إذا أسلم لما حصل له من التدرب على فعل الخير فلم يحتج إلى مجاهدة جديدة فيثاب بفضل الله عما تقدم بواسطة انتفاعه بذلك بعد إسلامه انتهى وقد قدمت لذلك أجوبة أخرى في كتاب الزكاة مع الكلام على بقية فوائد الحديث المذكور قوله أن حكيم بن حزام أعتق ظاهر سياقه الإرسال لأن عروة لم يدرك زمن ذلك لكن بقية الحديث أوضحت الوصل وهي قوله قال فسألت ففاعل قال هو حكيم فكأن عروة قال قال حكيم فيكون بمنزلة قوله عن حكيم وقد أخرجه مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام فقال عن أبيه عن حكيم قوله أتبرر بها بالموحدة وراءين الأولى ثقيلة أي أطلب بها البر وطرح الحنث وقد تقدم نقل الخلاف في ضبطه في الزكاة وقوله يعني أتبرر هو من تفسير هشام بن عروة راوية كما ثبت عند مسلم والإسماعيلي وقصر من زعم أنه تفسير البخاري

قوله باب من ملك من العرب رقيقا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية هذه الترجمة معقودة لبيان الخلاف في استرقاق العرب وهي مسألة مشهورة والجمهور على أن العربي إذا سبي جاز أن يسترق وإذا تزوج أمة بشرطه كان ولدها رقيقا وذهب الأوزاعي والثوري وأبو ثور إلى أن على سيد الأمة تقويم الولد ويلزم أبوه بأداء القيمة ولا يسترق الولد أصلا وقد جنح المصنف إلى الجواز وأورد الأحاديث الدالة على ذلك ففي حديث المسور ما ترجم به من الهبة وفي حديث أنس ما ترجم به من الفداء وفي حديث بن عمر ما ترجم به من سبي الذرية وفي حديث أبي سعيد ما ترجم به من الجماع ومن الفدية أيضا ويتضمن ما ترجم به من البيع وفي حديث أبي هريرة ما ترجم به من البيع لقوله في بعض طرقه ابتاعي كما سأبينه وقوله في الترجمة وقول الله تعالى عبدا مملوكا إلى آخر الآية قال بن المنير مناسبة الآية للترجمة من جهة أن الله تعالى أطلق العبد المملوك ولم يقيده بكونه عجميا فدل على أن لا فرق في ذلك بين العربي والعجمي انتهى وقال بن بطال تأول بعض الناس من هذه الآية أن العبد لا يملك وفي الاستدلال بها لذلك نظر لأنها نكرة في سياق الإثبات فلا عموم فيها وقد ذكر قتادة أن المراد به الكافر خاصة نعم ذهب الجمهور إلى كونه لا يملك شيئا واحتجوا بحديث بن عمر الماضي ذكره في الشرب وغيره وقالت طائفة أنه يملك روى ذلك عن عمر وغيره واختلف قول مالك فقال من باع عبدا وله مال فماله للذي باعه الا بشرط وقال فيمن أعتق عبدا وله مال فإن المال للعبد الا بشرط قال وحجته في البيع حديثه عن نافع المذكور وهو نص في ذلك وحجته في العتق ما رواه عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع عن بن عمر رفعه من أعتق عبدا له فمال العبد له الا أن يستثنيه سيده قلت وهو حديث أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح وفرق بعض أصحاب مالك بأن الأصل أنه لا يملك لكن لما كان العتق صورة إحسان إليه ناسب ذلك أن لا ينزع منه ما بيده تكميلا للاحسان ومن ثم شرعت المكاتبة وساغ له أن يكتسب ويؤدي إلى سيده ولولا أن له تسلطا على ما بيده في صورة العتق ما أغنى ذلك عنه شيئا والله أعلم فأما قصة هوازن فسيأتي شرحها مستوفى في المغازي وقوله في هذه الطريق عن بن شهاب قال ذكر عروة سيأتي في الشروط من طريق معمر عن الزهري أخبرني عروة وقوله

[ 2402 ] استأنيت بالمثناة قبل الألف المهموزة الساكنة ثم نون مفتوحة وتحتانية ساكنة أي انتظرت وقوله حتى يفيء بفتح أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك ولم يرد الفيء الاصطلاحي وحده وأما قصة بني المصطلق من حديث بن عمر فعبد الله المذكور في الإسناد هو بن المبارك وقوله

[ 2403 ] أغار على بني المصطلق بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء وكسر اللام بعدها قاف وبنو المصطلق بطن شهير من خزاعة وهو المصطلق بن سعيد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر ويقال إن المصطلق لقب واسمه جذيمة بفتح الجيم بعدها ذال معجمة مكسورة وسيأتي شرح هذه الغزاة في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وقوله وهم غارون بالغين المعجمة وتشديد الراء جمع غار بالتشديد أي غافل أي أخذهم على غرة قوله وأصاب يومئذ جويرية بالجيم مصغرا بنت الحارث بن أبي ضرار بكسر المعجمة وتخفيف الراء بن الحارث بن مالك بن المصطلق وكان أبوها سيد قومه وقد أسلم بعد ذلك وقد روى مسلم هذا الحديث من وجه آخر عن بن عون وبين فيه أن نافعا استدل بهذا الحديث على نسخ الأمر بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال وسيأتي البحث في ذلك في باب الدعوة قبل القتال من كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى وأما حديث أبي سعيد فسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح مستوفى إن شاء الله تعالى حيث ساقه هناك تاما وقوله

[ 2404 ] هنا بن حبان وهو بفتح أوله والموحدة الثقيلة وابن محيريز بالمهملة وراء وزاي مصغر وقوله نسمة بفتح النون والمهملة أي نفس وأما حديث أبي هريرة فأورده المصنف عن شيخين له كل منهما حدثه به عن جرير لكنه فرقهما لأن أحدهما زاد فيه عن جرير إسنادا آخر وساقه هنا على لفظ أحدهما وهو محمد بن سلام وسيأتي في المغازي على لفظ الآخر وهو زهير بن حرب ومغيرة هو بن مقسم الضبي والحارث هو بن يزيد والعكلي بضم المهملة وسكون الكاف وليس له في البخاري الا هذا الحديث وقد أغفله الكلاباذي من رجال البخاري وهو ثقة جليل القدر من أقران الراوي عنه مغيرة لكنه تقدم عليه في الوفاء والإسناد كله كوفيون غير طرفيه الصحابي وشيخ البخاري

[ 2405 ] قوله ما زلت أحب بني تميم أي القبيلة الكبيرة المشهورة ينتسبون إلى تميم بن مر بضم الميم بلا هاء بن أد بضم أوله وتشديد الدال بن طابخة بموحدة مكسورة ومعجمة بن إلياس بن مضر قوله منذ ثلاث أي من حين سمعت الخصال الثلاث زاد أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة وما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم فأحببتهم اه وكان ذلك لما كان يقع بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة قوله هم أشد أمتي على الدجال في رواية الشعبي عن أبي هريرة عند مسلم هم أشد الناس قتالا في الملاحم وهي أعم من رواية أبي زرعة ويمكن أن يحمل العام في ذلك على الخاص فيكون المراد بالملاحم أكبرها وهو قتال الدجال أو ذكر الدجال ليدخل غيره بطريق الأولى قوله هذه صدقات قومنا إنما نسبهم إليه لاجتماع نسبهم بنسبه صلى الله عليه وسلم في إلياس بن مضر ووقع عند الطبراني في الأوسط من طريق الشعبي عن أبي هريرة في هذا الحديث وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بنعم من صدقة بني سعد فلما راعه حسنها قال هذه صدقة قومي اه وبنو سعد بطن كبير شهير من تميم ينسبون إلى سعد بن زيد مناة بن تميم من أشهرهم في الصحابة قيس بن عاصم بن سنان بن خالد السعدي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا سيد أهل الوبر قوله وكانت سبية منهم عند عائشة أي من بني تميم والمراد بطن منهم أيضا وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق أبي معمر عن جرير وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل فقدم سبي خولان فقالت عائشة يا رسول الله أبتاع منهم قال لا فلما قدم سبي بني العنبر قال ابتاعي فإنهم ولد إسماعيل ووقع عند أبي عوانة من طريق الشعبي عن أبي هريرة أيضا وجيء بسبي بني العنبر أه وبنو العنبر بطن شهير أيضا من بني تميم ينسبون إلى العنبر وهو بلفظ الطيب المعروف بن عمرو بن تميم تنبيه وقع في نسخة الصحيحين سبية بوزن فعيلة مفتوح الأول من السبي أو من السبا ولم أقف على اسمها لكن عند الاسماعيل من طريق هارون بن معروف عن جرير نسمة بفتح النون والمهملة أي نفس وله من رواية أبي معمر المذكورة وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل وفي رواية الشعبي المذكورة عند أبي عوانة وكان على عائشة محرر وبين الطبراني في الأوسط في رواية الشعبي المذكورة المراد بالذي كان عليها وأنه كان نذرا ولفظه نذرت عائشة أن تعتق محررا من بني إسماعيل وله في الكبير من حديث دريح وهو بمهملات مصغرا بن ذؤيب بن شعثم بضم المعجمة والمثلثة بينهما عين مهملة العنبري أن عائشة قالت يا نبي الله إني نذرت عتيقا من ولد إسماعيل فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدا فجاء فيء بني العنبر فقال لها حذي منهم أربعة فأخذت رديحا وزبيبا وزخيا وسمرة اه فأما رديح فهو المذكور وأما زبيب فهو بالزاي والموحدة مصغر أيضا وضبطه العسكري بنون ثم موحدة وهو بن ثعلبة بن عمرو وزخى بالزاي والخاء المعجمة مصغر أيضا وضبطه بن عون بالراء أوله وسمرة وهو بن عمرو بن قرط بضم القاف وسكون الراء قال في الحديث المذكور فمسح النبي صلى الله عليه وسلم رؤوسهم وبرك عليهم ثم قال يا عائشة هؤلاء من بني إسماعيل قصدا اه والذي تعين لعتق عائشة من هؤلاء الأربعة إما رديح وإما زخي ففي سنن أبي داود من حديث الزبيب بن ثعلبة ما يرشد إلى ذلك وفي أول الحديث عنده بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى بني العنبر فأخذوهم بركبة من ناحية الطائف فاستاقوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبة بضم الراء وسكون الكاف بعدها موحدة موضع معروف وهي غير ركوبة الثنية المعروفة التي بين مكة والمدينة وذكر بن سعد أن سرية عيينة بن حصن هذه كانت في المحرم سنة تسع من الهجرة وأنه سبي إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا والله أعلم وفي قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة ابتاعيها فأعتقيها دليل للجمهور في صحة تملك العربي وإن كان الأفضل عتق من يسترق منهم ولذلك قال عمر من العار أن يملك الرجل بن عمه وبنت عمه حكاه بن بطال عن المهلب وقال بن المنير لا بد في هذه المسألة من تفصيل فلو كان العربي مثلا من ولد فاطمة عليها السلام وتزوج أمة بشرطه لاستبعدنا استرقاق ولده قال وإذا أفاد كون المسبي من ولد إسماعيل يقتضي استحباب اعتاقه فالذي بالمثابة التي فرضناها يقتضي وجوب حريته حتما والله أعلم وفي الحديث أيضا فضيلة ظاهرة لبني تميم وكان فيهم في الجاهلية وصدر الإسلام جماعة من الأشراف والرؤساء وفيه الإخبار عما سيأتي من الأحوال الكائنى في آخر الزمان وفيه الرد على من نسب جميع اليمن إلى بني إسماعيل لتفرقته صلى الله عليه وسلم بين خولان وهم من اليمن وبين بني العنبر وهم من مضر والمشهور في خولان أنه بن عمرو بن مالك بن الحارث من ولد كهلان بن سبأ وقال بن الكلبي خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وسيأتي بسط القول في ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى

قوله باب فضل من أدب جاريته سقط لفظ فضل من رواية أبي ذر والنسفي وزاد النسفي وأعتقها أورد فيه حديث أبي موسى مختصرا وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى ومطرف المذكور في السند هو بن طريف كوفي مشهور وقوله في هذه الرواية فعلمها في رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي فعالها

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون لفظ أورد المصنف معناه من حديث أبي ذر وقد رويناه في كتاب الإيمان لابن منده بلفظ إنهم إخوانكم فمن لايمكم منهم فأطعموهم مما تأكلون وأكسوهم مما تكتسون وأخرجه أبو داود من طريق مورق عن أبي ذر بلفظ من لايمكم من مملوكيكم فأطعموهم مما تأكلون وأكسوهم مما تلبسون وروى البخاري في الأدب المفرد من طريق سلام بن عمرو عن رجل من الصحابة مرفوعا قال أرقاؤكم إخوانكم الحديث ومن حديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالمملوكين خيرا ويقول أطعموهم مما تأكلون ومن حديث أبي اليسر بفتح التحتانية والمهملة واسمه كعب بن عمرو الأنصاري رفعه أطعموهم مما تطعمون وأكسوهم مما تلبسون وفيه قصته وأخرجه مسلم في آخر كتابه في أثناء حديث طويل قوله وقول الله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين إلى قوله مختالا فخورا كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها قوله قال أبو عبد الله ذي القربى القريب والصاحب بالجنب الغريب هو تفسير أبي عبيدة في كتاب المجاز وقد خولف في الصاحب بالجنب فقيل هو المرأة وقيل الرفيق في السفر والمراد بذكر هذه الآية هنا قوله تعالى وما ملكت أيمانكم فدخلوا فيمن أمر بالإحسان إليهم لعطفهم عليهم

[ 2407 ] قوله حدثنا واصل الأحدب هو بن حيان بالمهملة والتحتانية الثقيلة وهو كوفي ثقة مشهور من طبقة الأعمش والمعرور بالعين المهملة وهو كوفي أيضا يكنى أبا أمية من كبار التابعين يقال عاش مائة وعشرين سنة قوله رأيت أبا ذر تقدم الكلام على ذلك في كتاب الإيمان وتسمية الرجل الذي سابه أبو ذر والكلام على الحلة قوله أعيرته بأمه ثم قال أن إخوانكم كذا هنا وتقدم في الإيمان من وجه آخر عن شعبة بزيادة انك انك امرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم والاختصار فيه من آدم شيخ البخاري فإن البيهقي أخرجه من وجه آخر عن آدم كذلك ويحتمل أن يكون شعبة اختصره له لما حدثه به والخول بفتح المعجمة والواو هم الخدم سموا بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي يصلحونها ومنه الخولى لمن يقوم بإصلاح البستان ويقال الخول جمع خائل وهو الراعي وقيل التخويل التمليك تقول خولك الله كذا أي ملكك إياه وقوله عيرته أي نسبته إلى العار وفي قوله بأمه رد على من زعم أنه لا يتعدى بالباء وإنما يقال عيرته أمه ومثل الحديث قول الشاعر أيها الشامت المعير بالدهر والعار العيب وفي تقديم لفظ إخوانكم على خولكم إشارة إلى الاهتمام بالأخوة وقوله تحت أيديكم مجاز عن القدرة أو الملك قوله فليطعمه مما يأكل أي من جنس ما يأكل للتبعيض الذي دلت عليه من ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة الآتي بعد بابين فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة فالمراد المواساة لا المساواة من كل جهة لكن من أخذ بالأكمل كأبي ذر فعل المساواة وهو الأفضل فلا يستأثر المرء على عياله من ذلك وأن كان جائزا وفي الموطأ ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق وهو يقتضي الرد في ذلك إلى العرف فمن زاد عليه كان متطوعا وأما ما حكاه بن بطال عن مالك أنه سئل عن حديث أبي ذر فقال كانوا يومئذ ليس لهم هذا القوت واستحسنه ففيه نظر لا يخفى لأن ذلك لا يمنع حمل الأمر على عمومه في حق كل أحد بحسبه قوله ولا تكلفوهم ما يغلبهم أي عمل ما تصير قدرتهم فيه مغلوبة أي ما يعجزون عنه لعظمه أو صعوبته والتكليف تحميل النفس شيئا معه كلفة وقيل هو الأمر بما يشق قوله فان كلفتموهم أي ما يغلبهم وحذف للعلم به والمراد أن يكلف العبد جنس ما يقدر عليه فإن كان يستطعيه وحده وإلا فليعنه بغيره وفي الحديث النهي عن سب الرقيق وتعييرهم بمن ولدهم والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم ويلتحق بالرقيق من في معناهم من أجير وغيره وفيه عدم الترفع على المسلم والاحتقار له وفيه المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإطلاق الأخ على الرقيق فإن أريد القرابة فهو على سبيل المجاز لنسبة الكل إلى آدم أو المراد أخوة الإسلام ويكون العبد الكافر بطريق التبع أو يختص الحكم بالمؤمن

قوله باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده أي بيان فضله أو ثوابه أورد فيه أربعة أحاديث أحدها حديث بن عمر المصرح بأن لمن فعل ذلك أجرين ثانيها حديث أبي موسى مثله وزيادة ذكر من كانت له جارية فعلمها وأعتقها فتزوجها وهو طرف من حديث تقدم في الإيمان بلفظ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فذكر فيه أيضا مؤمن أهل الكتاب ثالثها حديث أبي هريرة للعبد المملوك الصالح أجران واسم الصلاح يشمل ما تقدم من الشرطين وهما إحسان العبادة والنصح للسيد ونصيحة السيد تشمل أداء حقه من الخدمة وغيرها وسيأتي في الباب الذي يليه من حديث أبي موسى بلفظ ويؤدى إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة رابعها حديث أبي هريرة أيضا نعم ما لأحدهم يسن عبادة ربه وينصح لسيده وهو مفسر للحديث الذي قبله موافق للحديثين الآخرين تنبيه وقع لابن بطال عزو حديث أبي هريرة ثالث أحاديث الباب لأبي موسى وهو غلط فاحش

[ 2410 ] قوله والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك ظاهر هذا السياق رفع هذه الجمل إلى آخرها وعلى ذلك جرى الخطابي فقال لله أن يمتحن أنبياءه وأصفياءه بالرق كما امتحن يوسف اه وجزم الداودي وابن بطال وغير واحد بأن ذلك مدرج من قول أبي هريرة ويدل عليه من حيث المعنى قوله وبر أمي فإنه لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ أم يبرها ووجهه الكرماني فقال أراد بذلك تعليم أمته أو أورده على سبيل فرض حياتها أو المراد أمه التي أرضعته اه وفاته التنصيص على إدراج ذلك فقد فصله الاسماعيل من طريق أخرى عن بن المبارك ولفظه والذي نفس أبي هريرة بيده الخ وكذلك أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في كتاب البر والصلة عن بن المبارك وكذلك أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن وهب وأبي صفوان الأموي والمصنف في الأدب المفرد من طريق سليمان بن بلال والإسماعيلي من طريق سعيد بن يحى اللخمي وأبو عوانة من طريق عثمان بن عمر كلهم عن يونس زاد مسلم في آخر طريق بن وهب قال يعني الزهري وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها ولأبي عوانة وأحمد من طريق سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أنه كان يسمعه يقول لولا أمران لأحببت أن أكون عبدا وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما خلق الله عبدا يؤدي حق الله عليه وحق سيده إلا وفاه الله أجره مرتين فعرف بذلك أن الكلام المذكور من استنباط أبي هريرة ثم استدل له بالمرفوع وإنما استثنى أبو هريرة هذه الأشياء لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد وكذلك بر الأم فقد يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه بخلاف بقية العبادات البدنية ولم يتعرض للعبادات المالية إما لكونه كان إذ ذاك لم يكن له مال يزيد على قدر حاجته فيمكنه صرفه في القربات بدون إذن السيد وإما لأنه كان يرى أن للعبد أن يتصرف في ماله بغير إذن السيد فائدة اسم أم أبي هريرة أميمة بالتصغير وقيل ميمونة وهي صحابية ذكر اسلامها في صحيح مسلم وبيان اسمها في ذيل المعرفة لأبي موسى قال بن عبد البر معنى هذا الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان طاعة ربه في العبادات وطاعة سيده في المعروف فقام بهما جميعا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته لأنه قد ساواه في طاعة الله وفضل عليه بطاعة من أمره الله بطاعته قال ومن هنا أقول إن من اجتمع عليه فرضان فأداهما أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه كمن وجب عليه صلاة وزكاة فقام بهما فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط ومقتضاه أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها اه ملخصا والذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفة لما يدخل عليه من مشقة الرق وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك وقال بن التين المراد أن كل عمل يعمله يضاعف له قال وقيل سبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك وقال بن التين المراد أن كل عمل يعمله يضاعف له قال وقيل سبب التضعيف أنه زاد لسيده نصحا وفي عبادة ربه إحسانا فكان له أجر الواجبين وأجر الزيادة عليهما قال والظاهر خلاف هذا وأنه بين ذلك لئلا يظن ظان أنه غير مأجور على العبادة اه وما ادعى أنه الظاهر لا ينافي ما نقله قبل ذلك فإن قيل يلزم أن يكون أجر المماليك ضعف أجر السادات أجاب الكرماني بأن لا محذور في ذلك أو يكون أجره مضاعفا من هذه الجهة وقد يكون للسيد جهات أخرى يستحق بها أضعاف أجر العبد أو المراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأحدهما اه ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر مختصا بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملا واحدا ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين وأما العمل المختلف الجهة فلا اختصاص له بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار والله أعلم واستدل به على أن العبد لا جهاد عليه ولا حج في حال العبودية وأن صح ذلك منه

[ 2411 ] قوله في حديث أبي هريرة الأخير حدثنا إسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر نسب إلى جده قوله نعما لأحدهم بفتح النون وكسر العين وادغام الميم في الأخرى ويجوز كسر النون وتكسر النون وتفتح أيضا مع إسكان العين وتحريك الميم فتلك أربع لغات قال الزجاج ما بمعنى الشيء فالتقدير نعم الشيء ووقع لبعض رواة مسلم نعمى بضم النون وسكون العين مقصور بالتنوين وغيره وهو متجه المعنى إن تثبت به الرواية وقال بن التين وقع في نسخة الشيخ أبي الحسن أي القابسي نعم ما بتشديد الميم الأولى وفتحها ولا حجة له وإنما صوابه ادغامها في ما وهي كقوله تعالى ان الله نعما يعظكم به قوله يحسن هو مبين للمخصوص بالمدح في قوله نعم زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة نعما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله أي يموت على ذلك وفيه إشارة إلى أن الأعمال بالخواتيم

قوله باب كراهية التطاول على الرقيق أي الترفع عليهم والمراد مجاوزة الحد في ذلك والمراد بالكراهة كراهة التنزيه قوله عبدي أو أمتي أي وكراهية ذلك من غير تحريم ولذلك استشهد للجواز بقوله تعالى والصالحين من عبادكم وإمائكم وبغيرها من الآيات والأحاديث الدالة على الجواز ثم أردفها بالحديث الوارد في النهي عن ذلك واتفق العلماء على أن النهي الوارد في ذلك للتنزيه حتى أهل الظاهر إلا ما سنذكره عن بن بطال في لفظ الرب قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم هو طرف من حديث أبي سعيد في قصة سعد بن معاذ وحكمه على بني قريظة وسيأتي تاما في المغازي مع الكلام عليه قوله ومن سيدكم سقط هذا من رواية النسفي وأبي ذر وأبي الوقت وثبت للباقين وهو طرف من حديث أخرجه المؤلف في الأدب المفرد من طريق حجاج الصواف عن أبي الزبير قال حدثنا جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدكم يا بني سلمة قلنا الجد بن قيس على أنا نبخله قال وأي داء أدوى من البخل بل سيدكم عمرو بن الجموح وكان عمرو يعترض على أصنامهم في الجاهلية وكان يولم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج وأخرجه الحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه ورواه بن عائشة في نوادره من طريق الشعبي مرسلا وزاد قال فقال بعض الأنصار في ذلك وقال رسول الله والقول قوله لمن قال منا من تسمون سيدا فقالوا له جد بن قيس على التي نبخله فيها وأن كان أسوادا فسود عمرو بن الجموح لجودة وحق لعمرو بالندى أن يسودا انتهى والجد بفتح الجيم وتشديد الدال هو بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بسكون النون بن كعب بن سلمة بكسر اللام يكنى أبا عبد الله له ذكر في حديث جابر أنه حمله معه في بيعة العقبة قال بن عبد البر كان يرمي بالنفاق ويقال إنه تاب وحسنت توبته وعاش إلى أن مات في خلافة عثمان وأما عمرو بن الجموح بفتح الجيم وضم الميم الخفيفة وآخره مهملة بن زيد بن حرام بمهملتين بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة قال بن إسحاق كان من سادات بني سلمة وذكر له قصة في صنمه وسبب إسلامه وقول فيه تالله لو كنت إلها لم تكن أنت وكلب وسط بئر في قرن وروى أحمد وعمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد حسن عن أبي قتادة أن عمرو بن الجموح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت أن قاتلت حتى أقتل في سبيل الله تراني أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة فقال نعم وكانت عرجاء زاد عمر فقتل يوم أحد رحمه الله وقد روى بن منده وأبو الشيخ في الأمثال والوليد بن أبان في كتاب الجود له من حديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سيدكم يا بني سلمة قالوا جد بن قيس فذكر الحديث فقال سيدكم بشر بن البراء بن معرور وهو بسكون العين المهملة بن صخر يجتمع مع عمرو بن الجموح في صخر ورجال هذا الإسناد ثقات إلا أنه اختلف في وصله وإرساله على الزهري ويمكن الجمع بأن تحمل قصة بشر على أنها كانت بعد قتل عمرو بن الجموح جمعا بين الحديثين ومات بشر المذكور بعد خيبر أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة التي سم فيها وكان قد شهد العقبة وبدرا ذكره بن إسحاق وغيره وما ذكره المصنف يحتاج إلى تأويل الحديث الوارد في النهي عن إطلاق السيد على المخلوق وهو في حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه عن أبي داود والنسائي والمصنف في الأدب المفرد ورجاله ثقات وقد صححه غير واحد ويمكن الجمع بأن يحمل النهي عن ذلك على إطلاقه على غير المالك والأذن بإطلاقه على المالك وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره أن يخاطب أحدا بلفظه أو كتابته بالسيد ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي فعند أبي داود والمصنف في الأدب من حديث بريدة مرفوعا لا تقولوا للمنافق سيدا الحديث ونحوه عند الحاكم ثم أورد المصنف في الباب غير هذين المعلقين سبعة أحاديث حديثا بن عمر وأبي موسى في العبد الذي له أجران وقد تقدما من وجهين آخرين في الباب الذي قبله والغرض منهما

[ 2412 ] قوله في حديث بن عمر إذا نصح سيده

[ 2413 ] وفي حديث أبي موسى ويؤدي إلى سيده ثالثها حديث أبي هريرة ومحمد شيخ المؤلف فيه لم أره منسوبا في شيء من الروايات إلا في رواية أبي علي بن شبويه فقال حدثنا محمد بن سلام وكذا حكاه الجياني عن رواية أبي علي بن السكن وحكى عن الحاكم أنه الذهلي قلت وقد أخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق فيحتمل أن يكون هو شيخ البخاري فيه فقد حدث عنه في الصحيح أيضا وكلام الطرقي يشير إليه

[ 2414 ] قوله لا يقل أحدكم أطعم ربك الخ هي أمثلة وإنما ذكرت دون غيرها لغلبة استعمالها في المخاطبات ويجوز في ألف أسق الوصل والقطع وفيه نهى العبد أن يقول لسيده ربي وكذلك نهى غيره فلا يقول له أحد ربك ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه فإنه قد يقول لعبده أسق ربك فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه والسبب في النهي أن حقيقة الربوبية لله تعالى لأن الرب هو المالك والقائم بالشيء فلا توجد حقيقة ذلك إلا لله تعالى قال الخطابي سبب المنع أن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص التوحيد لله وترك الإشراك معه فكره له المضاهاة في الاسم لئلا يدخل في معنى الشرك ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد فأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوانات والجمادات فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة كقوله رب الدار ورب الثوب وقال بن بطال لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب كما لا يجوز أن يقال له إله اه والذي يختص بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام اذكرني عند ربك وقوله ارجع إلى ربك وقوله عليه الصلاة والسلام في أشراط الساعة أن تلد الأمة ربها فدل على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه وما ورد من ذلك فلبيان الجواز وقيل هو مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرد ما في القرآن أو المراد النهي عن الاكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة قوله وليقل سيدي ومولاي فيه جواز إطلاق العبد على مالكه سيدي قال القرطبي وغيره إنما فرق بين الرب والسيد لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقا واختلف في السيد ولم يرد في القرآن أنه من أسماء الله تعالى فإن قلنا إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق واضح إذ لا التباس وإن قلنا إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك أيضا وقد روى أبو داود والنسائي وأحمد والمصنف في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن الشخير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السيد الله وقال الخطابي إنما أطلقه لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة على من تحت يده والسياسة له وحسن التدبير لأمره ولذلك سمي الزوج سيدا قال وأما المولى فكثير التصرف في الوجوه المختلفة من ولي وناصر وغير ذلك ولكن لا يقال السيد ولا المولى على الإطلاق من غير إضافة إلا في صفة الله تعالى انتهى وفي الحديث جواز إطلاق مولاي أيضا وأما ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في هذا الحديث نحوه وزاد ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله ولكن ليقل سيدي فقد بين مسلم الاختلاف في ذلك على الأعمش وأن منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم من حذفها وقال عياض حذفها أصح وقال القرطبي المشهور حذفها قال وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ انتهى ومقتضى ظاهر هذه الزيادة أن إطلاق السيد أسهل من إطلاق المولى وهو خلاف المتعارف فإن المولى يطلق على أوجه متعددة منها الأسفل والأعلى والسيد لا يطلق إلا على الأعلى فكان إطلاق المولى أسهل وأقرب إلى عدم الكراهة والله أعلم وقد رواه محمد بن سيرين عن أبي هريرة فلم يتعرض للفظ المولى إثباتا ولا نفيا أخرجه أبو داود والنسائي والمصنف في الأدب المفرد بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي ولا أمتي ولا يقل المملوك ربي وربتي ولكن ليقل المالك فتاي وفتاتي والمملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله تعالى ويحتمل أن يكون المراد النهي عن الإطلاق كما تقدم من كلام الخطابي ويؤيد كلامه حديث بن الشخير المذكور والله أعلم وعن مالك تخصيص الكراهة بالنداء فيكره أن يقول يا سيدي ولا يكره في غير النداء قوله ولا يقل أحدكم عبدي أمتي زاد المصنف في الأدب المفرد ومسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ونحو ما قدمته من رواية بن سيرين فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى العلة في ذلك لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى ولأن فيها تعظيما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه قال الخطابي المعنى في ذلك كله راجع إلى البراءة من الكبر والتزام الذل والخضوع لله عز وجل وهو الذي يليق بالمربوب قوله وليقل فتاي وفتاتي وغلامي زاد مسلم في الرواية المذكورة وجاريتي فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى ما يؤدي المعنى مع السلامة من التعاظم لأن لفظ التي والغلام ليس دالا على محض الملك كدلالة العبد فقد كثر استعمال الفتى في الحر وكذلك الغلام والجارية قال النووي المراد بالنهي من استعماله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف انتهى ومحله ما إذا لم يحصل التعريف بدون ذلك استعمالا للأدب في اللفظ كما دل عليه الحديث الحديث الرابع حديث بن عمر من أعتق نصيبا له من عبد وقد تقدم شرحه قريبا والمراد منه إطلاق لفظ العبد وكأن مناسبته للترجمة من جهة أنه لو لم يحكم عليه بعتق كله إذا كان موسرا لكان بذلك متطاولا عليه الخامس حديثه كلكم راع وسيأتي الكلام عليه في أول الأحكام والغرض منه هنا

[ 2416 ] قوله والعبد راع على مال سيده فإنه إن كان ناصحا له في خدمته مؤديا له الأمانة ناسب أن يعينه ولا يتعاظم عليه السادس والسابع حديث أبي هريرة وزيد بن خالد إذا زنت الأمة فاجلدوها وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا ذكر الأمة وأنها إذا عصت تؤدب فإن لم تنجع وإلا بيعت وكل ذلك مباين للتعاظم عليها

قوله باب إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه أي فليجلسه معه ليأكل

[ 2418 ] قوله أخبرني محمد بن زياد هو الجمحي قوله إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة هكذا أورده ويفهم منه إباحة ترك إجلاسه معه وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى وقوله أكلة بضم أوله أي لقمة والشك فيه من شعبة كما سأبينه وقوله ولي علاجه زاد في الأطعمة وحره واستدل به على أن أخبرني قوله حديث أبي ذر الماضي فأطعموهم مما تطعمون ليس على الوجوب

قوله باب العبد راع في مال سيده أي ويلزمه حفظه ولا يعمل إلا بإذنه قوله ونسب صلى الله عليه وسلم المال إلى السيد كأنه يشير بذلك إلى حديث بن عمر من باع عبدا وله مال فماله للسيد وقد تقدمت الإشارة إليه في باب من باع نخلا قد أبرت من كتاب البيوع وفي كتاب الشرب وكلام بن بطال يشير إلى أن ذلك مستفاد من

[ 2419 ] قوله العبد راع في مال سيده فإنه قال في شرح حديث الباب فيه حجة لمن قال أن العبد لا يملك وتعقبه بن المنير بأنه لا يلزم من كونه راعيا في مال سيده أن لا يكون هو له مال فإن قيل فاشتغاله برعاية ما سيده يستوعب أحواله فالجواب أخبرني المطلق لا يفيد العموم ولا سيما إذا سيق لغير قصد العموم وحديث الباب إنما سيق للتحذير من الخيانة والتخويف بكونه مسئولا ومحاسبا فلا تعلق له بكونه يملك أو لا يملك انتهى وقد تقدم الكلام على مسألة كونه هل يملك قبل ستة أبواب قوله والمرأة في بيت زوجها راعية إنما قيد بالبيت لأنها لا تصل إلى ما سواه غالبا الا بأذن خاص وسيأتي بسط القول في ذلك في أوائل كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه العبد بالنصب على المفعولية والفاعل محذوف للعلم به وذكر العبد ليس قيدا بل هو من جملة الأفراد الداخلين في ذلك وإنما خص بالذكر لأن المقصود هنا بيان حكم الرقيق كذا قرره بعض الشراح وأظن المصنف أشار إلى ما أخرجه في الأدب المفرد من طريق محمد بن عجلان أخبرني سعيد عن أبي هريرة فذكر الحديث بلفظ إذا ضرب أحدكم خادمه

[ 2420 ] قوله في الإسناد حدثني محمد بن عبيد الله هو بن ثابت المدني ورجال الإسناد كلهم مدنيون وكأن أبا ثابت تفرد به عن بن وهب فإني لم أره في شيء من المصنفات إلا من طريقه قوله قال وأخبرني بن فلان قائل ذلك هو أبو ثابت فهو موصول وليس بمعلق وفاعل قال هو بن وهب وكأنه سمعه من لفظ مالك وبالقراءة على الآخر وكان بن وهب حريصا على تمييز ذلك وأما بن فلان فقال المزي يقال هو بن سمعان يعني عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المدني وهو يوهم تضعيف ذلك وليس كذلك فقد جزم بذلك أبو نصر الكلاباذي وغيره وقاله قبله بعض القدماء أيضا فوقع في رواية أبي ذر الهروي في روايته عن المستملي قال أبو حرب الذي قال بن فلان هو بن وهب وابن فلان هو بن سمعان قلت وأبو حرب هذا هو بيان وقد أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق عبد الرحمن بن خراش بكسر المعجمة عن البخاري قال حدثنا أبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني فذكر الحديث لكن قال بدل قوله بن فلان بن سمعان فكأن البخاري كنى عنه في الصحيح عمدا لضعفه ولما حدث به خارج الصحيح نسبه وقد بين ذلك أبو نعيم في المستخرج بما خرجه من طريق العباس بن الفضل عن أبي ثابت وقال فيه بن سمعان وقال بعده أخرجه البخاري عن أبي ثابت فقال بن فلان وأخرجه في موضع آخر فقال بن سمعان وابن سمعان المذكور مشهور بالضعف متروك الحديث كذبه مالك وأحمد وغيرهما وما له في البخاري شيء إلا في هذا الموضع ثم أن البخاري لم يسق المتن من طريقه مع كونه مقرونا بمالك بل ساقه على لفظ الرواية الأخرى وهي رواية همام عن أبي هريرة وقد أخرجه مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ فليتق بدل فليجتنب وهي رواية أبي نعيم المذكورة وأخرجه مسلم أيضا من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ إذا ضرب ومثله للنسائي من طريق عجلان ولأبي داود من طريق أبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة وهو يفيد أن قوله في رواية همام قاتل بمعنى قتل وأن المفاعلة فيه ليست على ظاهرها ويحتمل أن تكون على ظاهرها ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلا فينهي دافعه عن القصد بالضرب إلى وجهه ويدخل في النهي كل من ضرب في حد أو تعزير أو تأديب وقد وقع في حديث أبي بكرة وغيره عند أبي داود وغيره في قصة التي زنت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها وقال ارموا واتقوا الوجه وإذا كان ذلك في حق من تعين إهلاكه فمن دونه أولى قال النووي قال العلماء إنما نهى عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن وأكثر ما يقع الإدراك بأعضائه فيخشى من ضربه أن تبطل أو تتشوه كلها أو بعضها والشين فيها فاحش لظهورها وبروزها بل لا يسلم إذا ضربه غالبا من شين اه والتعليل المذكور حسن لكن ثبت عند مسلم تعليل آخر فإنه أخرج الحديث المذكور من طريق أبي أيوب المراغي عن أبي هريرة وزاد فإن الله خلق آدم على صورته واختلف في الضمير على من يعود فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها وقال القرطبي أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه أن الله خلق آدم على صورة الرحمن قال وكأن من رواه أورده بالمعنى متمسكا بما توهمه فغلط في ذلك وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة ثم قال وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى قلت الزيادة أخرجها بن أبي عاصم في السنة والطبراني من حديث بن عمر بإسناد رجاله ثقات وأخرجها بن أبي عاصم أيضا من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول قال من قاتل فليجتنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن فتعين أجراء ما في ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه أو من تأويله على ما يليق بالرحمن جل جلالة وسيأتي في أول كتاب الاستئذان من طريق همام عن أبي هريرة رفعه خلق الله آدم على صورته الحديث وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم أي على صفته أي خلقه موصوفا بالعلم الذي فضل به الحيوان وهذا محتمل وقد قال المازري غلط بن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره وقال صورة لا كالصور انتهى وقال حرب الكرماني في كتاب السنة سمعت إسحاق بن راهويه يقول صح أن الله خلق آدم على صورة الرحمن وقال إسحاق الكوسج سمعت أحمد يقول هو حديث صحيح وقال الطبراني في كتاب السنة حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال قال رجل لأبي أن رجلا قال خلق الله آدم على صورته أي صورة الرجل فقال كذب هو قول الجهمية انتهى وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد من طريق بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك وكذلك أخرجه بن أبي عاصم أيضا من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة وجهه ولم يتعرض النووي لحكم هذا النهي وظاهره التحريم ويؤيده حديث سويد بن مقرن الصحابي أنه رأى رجلا لطم غلامه فقال أو ما علمت أن الصورة محترمة أخرجه مسلم وغيره

قوله باب في المكاتب كذا لأبي ذر ولغيره كتاب المكاتب وأثبتوا كلهم البسملة والمكاتب بالفتح من تقع له الكتابة وبالكسر من تقع منه وكاف الكتابة تكسر وتفتح كعين العتاقة قال الراغب اشتقاقها من كتب بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى كتب عليكم الصيام إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أو بمعنى جمع وضم ومنه كتبت الخط وعلى الأول تكون مأخوذة من معنى الالتزام وعلى الثاني تكون مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبا قال الروياني الكتابة إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية كذا قال وكلام غيره يأباه ومنه قول بن التين كانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال بن خزيمة في كلامه على حديث بريرة أول فكاتبه في الإسلام وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية بالمدينة وأول من كوتب من الرجال في الإسلام سلمان وقد تقدم ذكر ذلك في البيوع في باب البيع والشراء مع المشركين وحكى بن التين أن أول من كوتب أبو المؤمل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعينوه وأول من كوتب من النساء بريرة كما سيأتي حديثها في هذه الأبواب وأول من كوتب بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو أمية مولى عمر ثم سيرين مولى أنس واختلف في تعريف الكتابة وأحسنه تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة والكتابة خارجة عن القياس عند من يقول إن العبد لا يملك وهي لازمة من جهة السيد إلا إن عجز العبد وجائزة له على الراجح من أقوال العلماء فيها

قوله باب إثم من قذف مملوكه كذا للجميع هنا إلا النسفي وأبا ذر ولم يذكر من أثبت هذه الترجمة فيها حديثا ولا أعرف لدخولها في أبواب المكاتب معنى ثم وجدتها في رواية أبي علي بن شبويه مقدمة قبل كتاب المكاتب فهذا هو المتجه وعلى هذا فكأن المصنف ترجم بها وأخلى بياضا ليكتب فيها الحديث الوارد في ذلك فلم يكتب كما وقع له في غيرها وقد ترجم في كتاب الحدود باب قذف العبد أورد فيه حديث من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد يوم القيامة الحديث فلعله أشار بذلك إلى أنه يدخل في هذه الأبواب

قوله باب المكاتب ونجومه في كل سنة نجم وقوله تعالى والذين يبتغون الكتاب الآية ساقوها إلى قوله الذي آتاكم إلا النسفي فقال بعد قوله في كل سنة وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ونجم الكتابة هو القدر المعين الذي يؤديه المكاتب في وقت معين وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النجم والمنازل لكونهم لا يعرفون الحساب فيقول أحدهم إذا طلع النجم الفلاني أديت حقك فسميت الأوقات نجوما بذلك ثم سمي المؤدي في الوقت نجما وعرف من الترجمة اشتراط التأجيل في الكتابة وهو قول الشافعي وقوفا مع التسمية بناء على أن الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم بعض النجوم إلى بعض وأقل ما يحصل به الضم نجمان وبأنه أمكن لتحصيل القدرة على الأداء وذهب المالكية والحنفية إلى جواز الكتابة الحالة واختاره بعض الشافعية كالروياني وقال بن التين لا نص لمالك في ذلك إلا أن محققي أصحابه شبهوه ببيع العبد من نفسه واختار بعض أصحاب مالك أن لا يكون أقل من نجمين كقول الشافعي واحتج الطحاوي وغيره بأن التأجيل جعل رفقا بالمكاتب لا بالسيد فإذا قدر العبد على ذلك لا يمنع منه وهذا قول الليث وبأن سلمان كاتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر تأجيلا وقد تقدم ذكر خبره وبأن عجز المكاتب عن القدر الحال لا يمنع صحة الكتابة كالبيع في المجلس كمن اشترى ما يساوي درهما بعشرة دراهم حالة وهو لا يقدر حينئذ إلا على درهم نفذ البيع مع عجزه عن أكثر الثمن وبأن الشافعية أجازوا السلم الحال ولم يقفوا مع التسمية مع أنها مشعرة بالتأجيل وأما قول المصنف في كل سنة نجم فأخذه من صورة الخبر الوارد في قصة بريرة كما سيأتي التصريح به بعد باب ولم يرد المصنف أن ذلك شرط فيه فإن العلماء اتفقوا على أنه لو وقع التنجيم بالأشهر جاز ولم يثبت لفظ نجم في آخره في رواية النسفي واختلف في المراد بالخير في قوله ان علمتم فيهم خيرا كما سيأتي بيانه بعد بابين وروى بن إسحاق عن خاله عبد الله بن صبيح بفتح المهملة عن أبيه قال كنت مملوكا لحويطب بن عبد العزي فسألته الكتابة فأبى فنزلت والذين يبتغون الكتاب الآية أخرجه بن السكن وغيره في ترجمة صبيح في الصحابة قوله وقال روح عن بن جريج قلت لعطاء أواجب علي إذا علمت له ما لا أن أكاتبه قال ما أراه الا واجبا وصله إسماعيل القاضي في أحكام القرآن قال حدثنا علي بن المديني حدثنا روح بن عبادة بهذا وكذلك أخرجه عبد الرزاق والشافعي من وجهين آخرين عن بن جريج قوله وقال عمرو بن دينار قلت لعطاء أتأثره عن أحد قال لا هكذا وقع في جميع النسخ التي وقعت لنا عن الفربري وهو ظاهر في هذا الأثر من رواية عمرو بن دينار عن عطاء وليس كذلك بل وقع في الرواية تحريف لزم منه الخطأ والذي وقع في رواية إسماعيل المذكورة وقاله لي أيضا عمرو بن دينار والضمير يعود على القول بوجوبها وقائل ذلك هو بن جريج وهو فاعل قلت لعطاء وقد صرح بذلك في رواية إسماعيل حيث قال بالسند المذكور قال بن جريج وأخبرني عطاء وكذلك أخرجه عبد الرزاق والشافعي ومن طريقه البيهقي عن عبد الله بن الحارث كلاهما عن بن جريج وقالا فيه وقالها عمرو بن دينار والحاصل أن بن جريج نقل عن عطاء التردد في الوجوب وعن عمرو بن بن دينار الجزم به أو موافقة عطاء ثم وجدته في الأصل المعتمد من رواية النسفي عن البخاري على الصواب بزيادة الهاء في قوله وقال عمرو بن دينار ولفظه وقاله عمرو بن دينار أي القول المذكور قوله ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره أن سيرين سأل أنسا المكاتبة وكان كثير المال القائل ثم أخبرني هو بن جريج أيضا ومخبره هو عطاء ووقع مبينا كذلك في رواية إسماعيل المذكورة ولفظه قال بن جريج وأخبرني عطاء أن موسى بن أنس بن مالك أخبره أن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل فذكره ووقع في رواية عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني مخبر أن موسى بن أنس أخبره وقد عرف اسم المخبر من رواية روح وظاهر سياقه الإرسال فإن موسى لم يذكر وقت سؤال بن سيرين من أنس الكتابة وقد رواه عبد الرزاق والطبري من وجه آخر متصلا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال أرادني سيرين على المكاتبة فأبيت فأتى عمر بن الخطاب فذكر نحوه وسيرين المذكور يكنى أبا عمرة وهو والد محمد بن سيرين الفقيه المشهور وإخوته وكان من سبي عين التمر اشتراه أنس في خلافة أبي بكر وروى هو عن عمر وغيره وذكره بن حبان في ثقات التابعين قوله فانطلق إلى عمر زاد إسماعيل بن إسحاق في روايته فاستعداه عليه وزاد في آخر القصة وكاتبه أنس وروى بن سعد من طريق محمد بن سيرين قال كاتب أنس أبي على أربعين ألف درهم وروى البيهقي من طريق أنس بن سيرين عن أبيه قال كاتبني أنس على عشرين ألف درهم فإن كانا محفوظين جمع بينهما بحمل أحدهما على الوزن والآخر على العدد ولابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس قال هذه مكاتبة أنس عندنا هذا ما كاتب أنس غلامه سيرين كاتبه على كذا وكذا ألف وعلى غلامين يعملان مثل عمله واستدل بفعل عمر على أنه كان يرى بوجوب الكتابة إذا سألها العبد لأن عمر لما ضرب أنسا على الامتناع دل على ذلك وليس ذلك بلازم لاحتمال أنه أدبه على ترك المندوب المؤكد وكذلك ما رواه عبد الرزاق أن عثمان قال لمن سأله الكتابة لولا آية من كتاب الله ما فعلت فلا يدل أيضا على أنه كان يرى الوجوب ونقل بن حزم القول بوجوبها عن مسروق والضحاك زاد القرطبي وعكرمة وعن إسحاق بن راهويه أن مكاتبته واجبة إذا طلبها ولكن لا يجبر الحاكم السيد على ذلك وللشافعي قول بالوجوب وبه قال الظاهرية واختاره بن جرير الطبري قال بن القصار إنما علا عمر أنسا بالدرة على وجه النصح لآنس ولو كانت الكتابة لزمت أنسا ما أبي وإنما ندبه عمر إلى الأفضل وقال القرطبي لما ثبت أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده دل على أن الأمر بكتابته غير واجب لأن قوله خذ كسبي وأعتقني يصير بمنزلة قوله أعتقني بلا شيء وذلك غير واجب اتفاقا ومحل الوجوب عند من قال به إن كان العبد قادرا على ذلك ورضي السيد بالقدر الذي تقع به المكاتبة وقال أبو سعيد الإصطخري القرينة الصارفة للأمر في هذا عن الوجوب الشرط في قوله ان علمتم فيهم خيرا فإنه وكل الاجتهاد في ذلك إلى المولى ومقتضاه أنه إذا رأى عدمه لم يجبر عليه فدل على أنه غير واجب وقال غيره الكتابة عقد غرر وكان الأصل أن لا تجوز فلما وقع الإذن فيها كان أمرا بعد منع والأمر بعد المنع للإباحة ولا يرد على هذا كونها مستحبة لأن استحبابها ثبت بأدلة أخرى ثم أورد المصنف قصة بريرة من عدة طرق في جميع أبواب الكتابة فأورد في هذه الترجمة طريق الليث عن يونس عن بن شهاب عن عروة عن عائشة تعليقا ووصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث والمحفوظ رواية الليث له عن بن شهاب نفسه بغير واسطة وسيأتي في الباب الذي يليه عن قتيبة عن الليث وأخرجه مسلم أيضا عن قتيبة وكذلك أخرجه النسائي والطحاوي وغيرهما من طريق بن وهب عن رجال من أهل العلم منهم يونس والليث كلهم عن بن شهاب وهذا هو المحفوظ أن يونس رفيق الليث فيه لا شيخه ووقع التصريح بسماع الليث له من بن شهاب عن أبي عوانة من طريق مروان بن محمد وعند النسائي من طريق بن وهب كلاهما عن الليث وقد وقع في هذه الرواية المعلقة أيضا مخالفة للروايات المشهورة في موضع فيه نظر وهو قوله في المتن وعليها خمس أواقي نجمت عليها في خمس سنين والمشهور ما في رواية هشام بن عروة الآتية بعد بابين عن أبيه أنها كاتبت على تسع أواق في كل عام أوقية وكذا في رواية بن وهب عن يونس عند مسلم وقد جزم الإسماعيلي بأن الرواية المعلقة غلط ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبهذا جزم القرطبي والمحب الطبري ويعكر عليه قوله في رواية قتيبة ولم تكن أدت من كتابتها شيئا ويجاب بأنها كانت حصلت الأربع أواق قبل أن تستعين عائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمس وقال القرطبي يجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام ويؤيده

[ 2421 ] قوله في رواية عمرة عن عائشة الماضية في أبواب المساجد فقال أهلها أن شئت أعطيت ما يبقى وذكر الإسماعيلي أنه رأى في الأصل المسموع على الفربري في هذه الطريق أنها كاتبت على خمسة أوساق وقال أن كان مضبوطا فهو يدفع سائر الأخبار قلت لم يقع في شيء من النسخ المعتمدة التي وقفنا عليها إلا الأواقي وكذا في نسخة النسفي عن البخاري وكان يمكن على تقدير صحته أن يجمع بأن قيمة الأوساق الخمسة تسع أواق لكن يعكر عليه قوله في خمس سنين فيتعين المصير إلى الجمع الأول وقوله في هذه الرواية فقالت عائشة ونفست فيها هو بكسر الفاء جملة حالية أي رغبت فيها

قوله باب ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله جمع في هذه الترجمة بين حكمين وكأنه فسر الأول بالثاني وأن ضابط الجواز ما كان في كتاب الله وسيأتي في الشروط أن المراد بما ليس في كتاب الله ما خالف كتاب الله وقال بن بطال المراد بكتاب الله هنا حكمة من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة وقال بن خزيمة ليس في كتاب الله أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب يبطل لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو من نجومه ونحو ذلك فلا يبطل وقال النووي قال العلماء الشروط في البيع أقسام أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا الثالث اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لحديث عائشة وقصة بريرة الرابع ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل وقال القرطبي قوله ليس في كتاب الله أي ليس مشروعا في كتاب الله تأصيلا ولا تفصيلا ومعنى هذا أن من الأحكام ما يؤخذ تفصيله من كتاب الله كالوضوء ومنها ما يؤخذ تأصيله دون تفصيله كالصلاة ومنها ما أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلا قوله فيه عن بن عمر كذا لأبي ذر ولغيره فيه بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه أشار بذلك إلى حديث بن عمر الآتي في الباب الذي يليه وقد مضى بلفظ الاشتراط في باب البيع والشراء مع النساء من كتاب البيوع

[ 2422 ] قوله ان بريرة هي بفتح الموحدة بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك وقيل أنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كمبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة هكذا وجهه القرطبي والأول أولى لأنه صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال لا تزكوا أنفسكم فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك وكانت بريرة لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله بن عبد البر ويمكن الجمع وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما سيأتي في حديث الإفك وعاشت إلى خلافة معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك وروى هو ذلك عنها قوله فان أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولائك لي فعلت كذا في هذه الرواية وهي نظير رواية مالك عن هشام بن عروة الآتية في الشروط بلفظ أن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال المكاتبة ولم يقع ذلك إذ لو وقع ذلك لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقها غيرها وقد رواه أبو أسامة عن هشام بلفظ يزيل الاشكال فقال بعد قوله أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت وكذلك رواه وهيب عن هشام فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده قوله في بقية حديث الزهري في هذا الباب فقال صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي وهو يفسر قوله في رواية مالك عن هشام خذيها ويوضح ذلك أيضا قوله في طريق أيمن الآتية دخلت على بريرة وهي مكاتبة فقالت اشتريني وأعتقيني قالت نعم وقوله في حديث بن عمر أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها وبهذا يتجه الإنكار على موالي بريرة إذ وافقوا عائشة على بيعها ثم أرادوا أن يشترطوا أن يكون الولاء لهم ويؤيده قوله في رواية أيمن المذكورة قالت لا تبيعوني حتى تشترطوا ولائي وفي رواية الأسود الآتية في الفرائض عن عائشة اشتريت بريرة لاعتقها فاشترط أهلها ولاءها وسيأتي قريبا في الهبة من طريق القاسم عن عائشة أنها أرادت أن تشتري بريرة وأنهم اشترطوا ولاءها قوله ارجعي إلى أهلك المراد بالأهل هنا السادة والأهل في الأصل الآل وفي الشرع من تلزم نفقته على الأصح عند الشافعية قوله ان شاءت أن تحتسب هو من الحسبة بكسر المهملة أي تحتسب الأجر عند الله ولا يكون لها ولاء قوله فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية هشام فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته وفي رواية مالك عن هشام فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني عرضت عليهم فأبوا فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أيمن الآتية فسمع النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه زاد في الشروط من هذا الوجه فقال ما شأن بريرة ولمسلم من رواية أبي أسامة ولابن خزيمة من رواية حماد بن سلمة كلاهما عن هشام فجاءتني بريرة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لي فيما بيني وبينها ما أراد أهلها فقلت لاها الله إذا ورفعت صوتي وانتهرتها فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته لفظ بن خزيمة قوله ابتاعي فأعتقي هو كقوله في حديث بن عمر لا يمنعك ذلك وليس في ذلك شيء من الاشكال الذي وقع في رواية هشام الآتية في الباب الذي يليه قوله وان شرط في رواية أبي ذر وأن اشترط قوله مائة مرة في رواية المستملي مائة شرط وكذا هو في رواية هشام وأيمن قال النووي معنى قوله ولو اشترط مائة شرط أنه لو شرط مائة مرة توكيدا فهو باطل ويؤيده قوله في الرواية الأخيرة وأن شرط مائة مرة وإنما حمله على التأكيد لأن العموم في قوله كل شرط وفي قوله من اشترط شرطا دال على بطلان جميع الشروط المذكورة فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فإنها لو زادت عليها كان الحكم كذلك لما دلت عليها الصيغة نعم الطريق الأخيرة من رواية أيمن عن عائشة بلفظ فقال النبي صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وأن اشترطوا مائة شرط وأن احتمل التأكيد لكنه ظاهر في أن المراد به التعدد وذكر المائة على سبيل المبالغة والله أعلم وقال القرطبي قوله ولو كان مائة شرط خرج مخرج التكثير يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كثرت ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة وسيأتي التنصيص على ذلك في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى قوله عن بن عمر أرادت عائشة في رواية مسلم عن يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك عن نافع عن بن عمر عن عائشة فصار من مسند عائشة وأشار بن عبد البر إلى تفرده عن مالك بذلك وليس كذلك فقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن الربيع عن الشافعي عن مالك كذلك وكذا أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق الربيع ويمكن أن يكون هنا عن لا يراد بها أداة الرواية بل في السياق شيء محذوف تقديره عن قصة عائشة في ارادتها شراء بريرة وقد وقع نظير ذلك في قصة بريرة ففي النسائي من طريق يزيد بن رومان عن عروة عن بريرة أنها كان فيها ثلاث سنين قال النسائي هذا خطأ والصواب رواية عروة عن عائشة قلت وإذا حمل على ما قررته لم يكن خطأ بل المراد عن قصة بريرة ولم يرد الرواية عنها نفسها وقد قررت هذه المسألة بنظائرها فيما كتبته على بن الصلاح قوله لا يمنعك في رواية أبي ذر لا يمنعك بنون التأكيد والأول رواية مسلم

قوله باب استعانة المكاتب وسؤاله الناس هو من عطف الخاص على العام لأن الاستعانة تقع بالسؤال وبغيره وكأنه يشير إلى جواز ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أقر بريرة على سؤالها في إعانتها على كتابتها وأما ما أخرجه أبو داود في المراسيل من طريق يحيى بن أبي كثير يرفعه في هذه الآية ان علمتم فيهم خيرا قال حرفة ولا ترسلوهم كلا على الناس فهو مرسل أو معضل فلا حجة فيه

[ 2424 ] قوله عن هشام زاد أبو ذر بن عروة قوله فاعينيني كذا للأكثر بصيغة الأمر للمؤنث من الإعانة وفي رواية الكشميهني فأعيتني بصيغة الخبر الماضي من الأعياء والضمير للأواقي وهو متجه المعنى أي أعجزتني عن تحصيلها وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام عند بن خزيمة وغيره فأعتقيني بصيغة الأمر للمؤنث بالعتق إلا أن الثابت في طريق مالك وغيرها عن هشام الأول قوله فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء زاد مسلم من هذا الوجه فانتهرتها وكأن عائشة كانت عرفت الحكم في ذلك قوله خذيها فأعتقيها واشترطي لهم الولاء قال بن عبد البر وغيره كذا رواه أصحاب هشام عن عروة وأصحاب مالك عنه عن هشام واستشكل صدور الإذن منه صلى الله عليه وسلم في البيع على شرط فاسد واختلف العلماء في ذلك فمنهم من أنكر الشرط في الحديث فروى الخطابي في المعالم بسنده إلى يحيى بن أكثم أنه أنكر ذلك وعن الشافعي في الأم الإشارة إلى تضعيف رواية هشام المصرحة بالاشتراط لكونه انفرد بها دون أصحاب أبيه وروايات غيره قابلة للتأويل وأشار غيره إلى أنه روى بالمعنى الذي وقع له وليس كما ظن وأثبت الرواية آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وجه لرده ثم احتلفوا في توجيهها فزعم الطحاوي أن المزني حدثه به عن الشافعي بلفظ وأشرطي بهمزة قطع بغير تاء مثناة ثم وجهه بأن معناه أظهري لهم حكم الولاء والإشراط الاظهار قال أوس بن حجر فأشرط فيها نفسه وهو معصم أي أظهر نفسه انتهى وأنكر غيره الرواية والذي في مختصر المزني والأم وغيرهما عن الشافعي كرواية الجمهور واشترطي بصيغة أمر المؤنث من الشرط ثم حكى الطحاوي أيضا تأويل الرواية التي بلفظ اشترطي وأن اللام في قوله اشترطي لهم بمعنى على كقوله تعالى وان أسأتم فلها وهذا هو المشهور عن المزني وجزم عنه الخطابي وهو صحيح عن الشافعي أسنده البيهقي في المعرفة من طريق أبي حاتم الرازي عن حرملة عنه وحكى الخطابي عن بن خزيمة أن قول يحيى بن أكثم غلط والتأويل المنقول عن المزني لا يصح وقال النووي تأويل اللام بمعنى على هنا ضعيف لأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط ولو كانت بمعنى على لم ينكره فإن قيل ما أنكر إلا إرادة الاشتراط في أول الأمر فالجواب أن سياق الحديث يأبى ذلك وضعفه أيضا بن دقيق العيد وقال اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النافع بل على مطلق الاختصاص فلا بد في حملها على ذلك من قرينة وقال آخرون الأمر في قوله اشترطي للإباحة وهو على جهة التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم فوجوده وعدمه سواء وكأنه يقول اشترطي أولا تشترطي فذلك لا يفيدهم ويقوي هذا التأويل قوله في رواية أيمن الآتية آخر أبواب المكاتب اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاءوا وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم العلم ببطلانه أطلق الأمر مريدا به التهديد على مآل الحال كقوله وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله وكقول موسى ألقوا ما أنتم ملقون أي فليس ذلك بنافعكم وكأنه يقول اشترطي لهم فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم ويؤيده قوله حين خطبهم ما بال رجال يشترطون شروطا الخ فوبخهم بهذا القول مشيرا إلى أنه قد تقدم منه بيان حكم الله بإبطاله إذ لو لم يتقدم بيان ذلك لبدأ ببيان الحكم في الخطبة لا بتوبيخ الفاعل لأنه كان يكون باقيا على البراءة الأصلية وقيل الأمر فيه بمعنى الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي كقوله تعالى اعملوا ما شئتم وقال الشافعي في الأم لما كان من اشتراط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيا وكانت في المعاصي حدود وآداب وكان من أدب العاصين أن يعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع به غيرهم كان ذلك من أيسر الأدب وقال غيره معنى اشترطي اتركي مخالفتهم فيما شرطوه ولا تظهري نزاعهم فيما دعوا إليه مراعاة لتنجيز العتق لتشوف الشارع إليه وقد يعبر عن الترك بالفعل كقوله تعالى وما هم بضارين به من أحد الا بإذن الله أي نتركهم يفعلون ذلك وليس المراد بالاذن إباحة الاضرار بالسحر قال بن دقيق العيد وهذا وأن كان محتملا الا أنه خارج عن الحقيقة من غير دلالة على المجاز من حيث السياق وقال النووي أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القضية وأن سببه المبالغة في الرجوع عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ويستفاد منه ارتكاب أخف المفسدتين إذا استلزم إزالة أشدهما وتعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه وتعقبه بن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت الا بدليل ولان الشافعي نص على خلاف هذه المقالة وقال بن الجوزي ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد فيحمل على أنه كان سابقا للعقد فيكون الأمر بقوله اشترطي مجرد الوعد ولا يجب الوفاء به وتعقب باستبعاد أنه صلى الله عليه وسلم يأمر شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد وأغرب بن حزم فقال كان الحكم ثابتا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان جائزا فيه ثم نسخ الحكم بخطبته صلى الله عليه وسلم وبقوله إنما الولاء لمن أعتق ولا يخفى بعد ما قال وسياق طرق هذا الحديث تدفع في وجه هذا الجواب والله المستعان وقال الخطابي وجه هذا الحديث أن الولاء لما كان كلحمة النسب والانسان إذا ولد له ولد ثبت له نسبه ولا ينتقل نسبه عنه ولو نسب إلى غيره فكذلك إذا أعتق عبدا ثبت له ولاؤه ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله عنه لم ينتقل فلم يعبأ باشتراطهم الولاء وقيل اشترطي ودعيهم يشترطون ماشاءوا أو نحو ذلك لأن ذلك غير قادح في العقد بل هو بمنزلة اللغو من الكلام وأخر اعلامهم بذلك ليكون رده وابطاله قولا شهيرا يخطب به على المنبر ظاهرا إذ هو أبلغ في النكير وأوكد في التعبير اه وهو يئول إلى أن الأمر فيه بمعنى الإباحة كما تقدم قوله فقضاء الله أحق أي بالاتباع من الشروط المخالفة له قوله وشرط الله أوثق أي باتباع حدوده التي حدها وليست المفاعلة هنا على حقيقتها إذ لا مشاركة بين الحق والباطل وقد وردت صيغة أفعل لغير التفضيل كثيرا ويحتمل أن يقال ورد ذلك على ما اعتقدوه من الجواز قوله ما بال رجال أي ما حالهم قوله انما الولاء لمن أعتق يستفاد منه أن كلمة إنما للحصر وهو اثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولا ذلك لما لزم من اثبات الولاء للمعتق نفيه عن غيره واستدل بمفهومه على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل أو وقع بينه وبينه محالفة خلافا للحنفية ولا للملتقط خلافا لإسحاق وسيأتي مزيد بسط لذلك في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى ويستفاد من منطوقه اثبات الولاء لمن أعتق سابيه خلافا لمن قال يصير ولاؤه للمسلمين ويدخل فيمن أعتق عتق المسلم للمسلم وللكافر وبالعكس ثبوت الولاء للمعتق تنبيه زاد النسائي من طريق جرير بن عبد الحميد عن هشام بن عروة في آخر هذا الحديث فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين زوجها وكان عبدا وهذه الزيادة ستأتي في النكاح من حديث بن عباس ويأتي الكلام عليها هناك إن شاء الله تعالى مع ذكر الخلاف في زوجها هل كان حرا أو عبدا وتسميته وما اتفق له بعد فراقها وفي حديث بريرة هذا من الفوائد سوى ما سبق وسوى ما سيأتي في النكاح جواز كتابة الأمة كالعبد وجواز كتابة المتزوجة ولو لم يأذن الزوج وأنه ليس له منعها من كتابتها ولو كانت تؤدي إلى فراقها منه كما أنه ليس للعبد المتزوج منع السيد من عتق أمته التي تحته وأن أدى ذلك إلى بطلان نكاحها ويستنبط من تمكينها من السعي في مال الكتابة أنه ليس عليها خدمته وفيه جواز سعيد المكاتبة وسؤالها واكتسابها وتمكين السيد لها من ذلك ولا يخفى أن محل الجواز إذا عرفت جهة حل كسبها وفيه البيان بأن النهي الوارد عن كسب الأمة محمول على من لا يعرف وجه كسبها أو محمول على غير المكاتبة وفيه أن للمكاتب أن يسأل من حين الكتابة ولا يشترط في ذلك عجزه خلافا لمن شرطه وفيه جواز السؤال لمن أحتاج إليه من دين أو غرم أو نحو ذلك وفيه أنه لا بأس بتعجيل مال الكتابة وفيه جواز المساومة في البيع وتشديد صاحب السلعة فيها وأن المرأة الرشيدة تتصرف لنفسها في البيع وغيره ولو كانت مزوجة خلافا لمن أبي ذلك وسيأتي له مزيد في كتاب الهبة وأن من لا يتصرف بنفسه فله أن يقيم غيره مقامه في ذلك وأن العبد إذا أذن السيد له في التجارة جاز تصرفه وفيه جواز رفع الصوت عند إنكار المنكر وأنه لا بأس لمن أراد أن يشتري للعتق أن يظهر ذلك لأصحاب الرقبة ليتساهلوا له في الثمن ولا يعد ذلك من الرياء وفيه إنكار القول الذي لا يوافق الشرع وانتهار الرسول فيه وفيه أن الشيء إذا بيع بالنقد كانت الرغبة فيه أكثر مما لو بيع بالنسيئة وأن للمرء أن يقضي عنه دينه برضاه وفيه جواز الشراء بالنسيئة وأن المكاتب لو عجل بعض كتابته فبل المحل على أن يضع عنه سيده الباقي لم يجبر السيد على ذلك وجواز الكتابة على قدر قيمة العبد وأقل منها وأكثر لأن بين الثمن والمنجز والمؤجل فرقا ومع ذلك فقد بذلت عائشة المؤجل ناجزا فدل على أن قيمتها كانت بالتأجيل أكثر مما كوتبت به وكان أهلها باعوها بذلك وفيه أن المراد بالخير في قوله تعالى ان علمتم فيهم خيرا القوة على الكسب والوفاء بما وقعت الكتابة عليه وليس المراد به المال ويؤيد ذلك أن المال الذي في يد المكاتب لسيده فكيف يكاتبه بماله لكن من يقول إن العبد يملك لا يرد عليه هذا وقد نقل عن بن عباس أن المراد بالخير المال مع أنه يقول إن العبد لا يملك فنسب إلى التناقض والذي يظهر أنه لا يصح عنه أحد الأمرين واحتج غيره بأن العبد مال سيده والمال الذي معه لسيده فكيف يكاتبه بماله وقال آخرون لا يصح تفسير الخير بالمال في الآية لأنه لا يقال فلان لا مال فيه وإنما يقال لا مال له أو لا مال عنده فكذا إنما يقال فيه وفاء وفيه أمانة وفيه حسن معاملة ونحو ذلك وفي الحديث أيضا جواز كتابة من لا حرفة له وفاقا للجمهور واختلف عن مالك وأحمد وذلك أن بريرة جاءت تستعين على كتابتها ولم تكن قضت منها شيئا فلو كان لها مال أو حرفة لما احتاجت إلى الاستعانة لأن كتابتها لم تكن حالة وقد وقع عند الطبري من طريق أبي الزبير عن عروة أن عائشة ابتاعت بريرة مكاتبة وهي لم تقض من كتابتها شيئا وتقدمت الزيادة من وجه آخر وفيه جواز أخذ الكتابة من مسألة الناس والرد على من كره ذلك وزعم أنه أوساخ الناس وفيه مشروعية معونة المكاتبة بالصدقة وعند المالكية رواية أنه لا يجزئ عن الفرض وفيه جواز الكتابة بقليل المال وكثيره وجواز التأقيت في الديون في كل شهر مثلا كذا من غير بيان أوله أو وسطه ولا يكون ذلك مجهولا لأنه يتبين بانقضاء الشهر الحلول كذا قال بن عبد البر وفيه نظر لاحتمال أن يكون قول بريرة في كل عام أوقية أي في غرته مثلا وعلى تقدير التسليم فيمكن التفرقة بين الكتابة والديون فإن المكاتب لو عجز حل لسيده ما أخذ منه بخلاف الأجنبي وقال بن بطال لا فرق بين الديون وغيرها وقصة بريرة محمولة على أن الراوي قصر في بيان تعيين الوقت وإلا يصير الأجل مجهولا وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السلف الا إلى أجل معلوم وفيه أن العد في الدراهم الصحاح المعلومة الوزن يكفي عن الوزن وأن المعاملة في ذلك الوقت كانت بالاواقي والأوقية أربعون درهما كما تقدم في الزكاة وزعم المحب الطبري أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالعد إلى مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ثم أمروا بالوزن وفيه نظر لأن قصة بريرة متأخرة عن مقدمه بنحو من ثمان سنين لكن يحتمل قول عائشة أعدها لهم عدة واحدة أي أدفعها لهم وليس مرادها حقيقة العد ويؤيده قولها في طريق عمرة في الباب الذي يليه أن أصب لهم ثمنك صبه واحدة وفيه جواز البيع على شرط العتق بخلاف البيع بشرط أن لا يبيعه لغيره ولا يهبه مثلا وأن من الشروط في البيع ما لا يبطل ولا ولا يضر البيع وفيه جواز بيع المكاتب إذا رضي وأن لم يكن عاجزا عن أداء نجم قد حل عليه لأن بريرة لم تقل إنها عجزت ولا استفصلها النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي بسط ذلك في الباب الذي يليه وفيه جواز مناجاة المرأة دون زوجها سرا إذا كان المناجي ممن يؤمن وأن الرجل إذا رأى شاهد الحال يقتضي السؤال عن ذلك سأل وأعان وأنه لا بأس للحاكم أن يحكم لزوجته ويشهد وفيه قبول خبر المرأة ولو كانت أمة ويؤحذ منه حكم العبد بطريق الأولى وفيه أن عقد الكتابة قبل الأداء لا يستلزم العتق وأن بيع الأمة ذات الزوج ليس بطلاق وفيه البداءة في الخطبة بالحمد والثناء وقول أما بعد فيها والقيام فيها وجواز تعدد الشروط لقوله مائة شرط وأن الايتاء الذي أمر به السيد ساقط عنه إذا باع مكاتبه للعتق وفيه أن لا كراهة في السجع في الكلام إذا لم يكن عن قصد ولا متكلفا وفيه أن للمكاتب حالة فارق فيها الأحرار والعبيد وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يظهر الأمور المهمة من أمور الدين ويعلنها ويخطب بها على المنبر لإشاعتها ويراعى مع ذلك قلوب أصحابه لأنه لم يعين أصحاب بريرة بل قال ما بال رجال ولأنه يؤخذ من ذلك تقرير شرع عام للمذكورين وغيرهم في الصورة المذكورة وغيرها وهذا بخلاف قصة علي في خطبته بنت أبي جهل فإنها كانت خاصة بفاطمة فلذلك عينها وفيه حكاية الوقائع لتعريف الأحكام وأن اكتساب المكاتب له لا لسيده وجواز تصرف المرأة الرشيدة في مالها بغير إذن زوجها ومراسلتها الأجانب في أمر البيع والشراء كذلك وجواز شراء السلعة للراغب في شرائها بأكثر من ثمن مثلها لأن عائشة بذلت ما قرر نسيئة على جهة النقد مع اختلاف القيمة بين النقد والنسيئة وفيه جواز استدانة من لا مال له عند حاجته إليه قال بن بطال أكثر الناس في تخريج الوجوه في حديث بريرة حتى بلغوها نحو مائة وجه وسيأتي الكثير منها في كتاب النكاح وقال النووي وصنف فيه بن حزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين أكثرا فيهما من استنباط الفوائد منها فذكرا أشياء قلت ولم أقف على تصنيف بن خزيمة ووقفت على كلام بن جرير من كتابه تهذيب الآثار ولخصت منه ما تيسر بعون الله تعالى وقد بلغ بعض المتأخرين الفوائد من حديث بريرة إلى أربعمائة أكثرها مستبعد متكلف كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان فبلغ به ألف فائدة وفائدة

قوله باب بيع المكاتب في رواية السرخسي والمستملي المكاتبة والأول أصح لقوله إذا رضي وهذا اختيار منه لأحد الأقوال في مسألة بيع المكاتب إذا رضي بذلك ولو لم يعجز نفسه وهو قول أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبي ثور وأحد قولي الشافعي ومالك واختاره بن جريج وابن المنذر وغيرهما على تفاصيل لهم في ذلك ومنعه أبو حنيفة والشافعي في أصح القولين وبعض المالكية وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها واستدلوا باستعانة بريرة عائشة في ذلك وليس في استعانتها ما يستلزم العجز ولا سيما مع القول بجواز كتابة من لا مال عنده ولا حرفة له قال بن عبد البر ليس في شيء من طرقه حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجم ولا أخبرت بأنه قد حل عليها شيء ولم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي صلى الله عليه وسلم لها عن شيء من ذلك ومنهم من أول قولها كاتبت أهلي فقال معناه راودتهم واتفقت معهم على هذا القدر ولم يقع العقد بعد ولذلك بيعت فلا حجة فيه على بيع المكاتب مطلقا وهو خلاف ظاهر سياق الحديث قاله القرطبي ويقوي الجواز أيضا أن الكتابة عتق بصفة فيجب أن لا يعتق الا بعد أداء جميع النجوم كما لو قال أنت حر إن دخلت الدار فلا يعتق الا بعد تمام دخولها ولسيده بيعه قبل دخولها ومن المالكية من زعم أن الذي اشترته عائشة كتابة بريرة لا رقبتها وقد تقدم رده وقيل إنهم باعوا بريرة بشرط العتق وإذا وقع البيع بشرط العتق صح على أصح القولين عند الشافعية والمالكية وعن الحنفية يبطل قوله وقالت عائشة هو عبد ما بقي عليه شيء وقال زيد بن ثابت ما بقي عليه درهم وقال بن عمر هو عبد إن عاش وإن مات وأن جنى ما بقي عليه شيء أما قول عائشة فوصله بن أبي شيبة وابن سعد من طريق عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار قال استأذنت على عائشة فرفعت صوتي فقالت سليمان فقلت سليمان فقالت أديت ما بقي عليك من كتابتك قلت نعم الا شيئا يسيرا قالت ادخل فإنك عبد ما بقي عليك شيء وروى الطحاوي من طريق بن أبي ذئب عن عمران بن بشير عن سالم هو مولى النضريين أنه قال لعائشة ما أراك الا ستحتجبين مني فقالت مالك فقال كاتبت فقالت إنك عبد ما بقي عليك شيء وأما قول زيد بن ثابت فوصله الشافعي وسعيد بن منصور من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد أن زيد بن ثابت قال في المكاتب هو عبد ما بقي عليه درهم وأما قول بن عمر فوصله مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في المكاتب هو عبد ما بقي عليه شيء ووصله بن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وقد روى ذلك مرفوعا أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وصححه الحاكم وأخرجه بن حبان من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو في أثناء حديث وهو قول الجمهور ويؤيده قصة بريرة لكن إنما تتم الدلالة منه لو كانت بريرة أدت من كتابتها شيئا فقد قررنا أنها لم تكن أدت منها شيئا وكان فيه خلاف عن السلف فعن علي إذا أدى الشطر فهو غريم وعنه يعتق منه بقدر ما أدى وعن بن مسعود لو كاتبه على مائتين وقيمته مائة فأدى المائة عتق وعن عطاء إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته عتق وروى النسائي عن بن عباس مرفوعا المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ورجال إسناده ثقات لكن اختلف في إرساله ووصله وحجة الجمهور حديث عائشة وهو أقوى ووجه الدلالة منه أن بريرة بيعت بعد أن كاتبت ولو كان المكاتب يصير بنفس الكتابة حرا لامتنع بيعها ثم ساق المصنف قصة بريرة من رواية يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن بريرة جاءت تستعين عائشة وصورة سياقه الإرسال ولم تختلف الرواة عن مالك في ذلك لكن تقدم في أبواب المساجد من وجه آخر عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة وفي رواية هناك عن عمرة سمعت عائشة فظهر أنه موصول وقد وصله بن خزيمة من طريق مطرف عن مالك كذلك وقوله

[ 2425 ] الا أن يكون الولاء لنا في رواية الكشميهني الا أن يكون ولاؤك وقوله قال مالك قال يحيى هو بن سعيد وهو موصول بالإسناد المذكور

قوله باب إذا قال المكاتب اشترني وأعتقني فاشتراه لذلك أي جاز

[ 2426 ] قوله عن أبيه هو أيمن الحبشي المكي نزيل المدينة والد عبد الواحد وهو غير أيمن بن نايل الحبشي المكي نزيل عسقلان وكلاهما من التابعين وليس لوالد عبد الواحد في البخاري سوى خمسة أحاديث هذا وآخران عن عائشة وحديثان عن جابر وكلها متابعة ولم يرو عنه غير ولده عبد الواحد قوله وورثني بنوه أعرف من أولاد عتبة العباس بن عتبة والد الفضل الشاعر المشهور وأبا خراش بن عتبة ذكره الفاكهي في كتاب مكة وهشام بن عتبة والد أحمد المذكور في تاريخ بن عساكر عن بن أبي عمران ويزيد بن عتبة جد عبد الرحمن بن محمد بن يزيد المذكور عند الفاكهي أيضا ولم أر لهم ذكرا في كتاب الزبير في النسب وعتبة بن أبي لهب له صحبة دون أخيه عتيبة بالتصغير فإنه مات كافرا قوله من بن أبي عمرو في رواية النسفي والكشميهني من عبد الله بن أبي عمرو زاد الكشميهني بن عمر بن عبد الله المخزومي قوله فيه اشتريها فأعتقيها ودعيهم يشترطوا ما شاءوا فاشترتها عائشة فأعتقتها في هذا دلالة على أن عقد الكتابة الذي كان عقد لها مواليها انفسخ بابتياع عائشة لها وفيه رد على من زعم أن عائشة اشترت منهم الولاء واستدل به الأوزاعي على أن المكاتب لا يباع الا للعتق وبه قال أحمد وإسحاق وقد تقدم ذكر اختلاف العلماء في ذلك قريبا والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب العتق وما اتصل به من المكاتب على ستة وستين حديثا المعلق منها ثلاثة عشر والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى تسعة وأربعون حديثا والخالص سبعة عشر حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى ثلاثة حديث أبي هريرة في عتق عبدة وحديث أنس في قصة العباس وحديث من سيدكم وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين سبعة آثار والله أعلم