كتاب الهبة وفضلها
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها كذا للجميع الا للكشميهني وابن شبويه فقالا فيها بدل عليها وأخر النسفي البسملة والهبة بكسر الهاء وتخفيف الباء الموحدة تطلق بالمعنى الأعم على أنواع الإبراء وهو هبة الدين ممن هو عليه والصدقة وهي هبة ما يتمحض به طلب ثواب الآخرة والهدية وهو ما يكرم به الموهوب له ومن خصها بالحياة أخرج الوصية وهي تكون أيضا بالانواع الثلاثة وتطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك بلا عوض وصنيع المصنف محمول على المعنى الأعم لأنه أدخل فيها الهدايا

[ 2427 ] قوله عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة كذا للأكثر وسقط عن أبيه من رواية الأصيلي وكريمة وضبب عليه في رواية النسفي والصواب إثباته وكذا أخرجه الإسماعيلي عن محمد بن يحيى وأبو نعيم من طريق إسماعيل القاضي وأبو عوانة عن إبراهيم الحربي كلهم عن عاصم بن علي شيخ البخاري فيه ومن طريق شبابة وعثمان بن عمرو بن المبارك عند الإسماعيلي وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن آدم كلهم عن بن أبي ذئب كذلك وكذلك رواه الليث عن سعيد كما سيأتي في كتاب الأدب وأخرجه الترمذي من طريق أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة لم يقل عن أبيه وزاد في أوله تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر الحديث وقال غريب وأبو معشر يضعف وقال الطرقي إنه أخطأ فيه حيث لم يقل فيه عن أبيه كذا قال وقد تابعه محمد بن عجلان عن سعيد وأخرجه أبو عوانة نعم من زاد فيه عن أبيه أحفظ وأضبط فروايتهم أولى والله أعلم قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عثمان بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قوله يا نساء المسلمات قال عياض الأصح الأشهر نصب النساء وجر المسلمات على الإضافة وهي رواية المشارقة من إضافة الشيء إلى صفته كمسجد الجامع وهو عند الكوفيين على ظاهره وعند البصريين يقدرون فيه محذوفا وقال السهيلي وغيره جاء برفع الهمزة على أنه منادى مفرد ويجوز في المسلمات الرفع صفة على اللفظ على معنى يا أيها النساء المسلمات والنصب صفة على الموضع وكسرة التاء علامة النصب وروى بنصب الهمزة على أنه منادى مضاف وكسرة التاء للخفض بالإضافة كقولهم مسجد الجامع وهو مما أضيف فيه الموصوف إلى الصفة في اللفظ فالبصريون يتأولونه على حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه نحو يا نساء الأنفس المسلمات أو يا نساء الطوائف المؤمنات أي لا الكافرات وقيل تقديره يا فاضلات المسلمات كما يقال هؤلاء رجال القوم أي أفاضلهم والكوفيون يدعون أن لا حذف فيه ويكتفون باختلاف الألفاظ في المغايرة وقال بن رشيد توجيهه أنه خاطب نساء بأعيانهن فأقبل بندائه عليهن فصحت الإضافة على معنى المدح لهن فالمعنى يا خيرات المؤمنات كما يقال رجال القوم وتعقب بأنه لم يخصصهن به لأن غيرهن يشاركهن في الحكم وأجيب بأنهن يشاركنهن بطريق الإلحاق وأنكر بن عبد البر رواية الإضافة ورده بن السيد بأنها قد صحت نقلا وساعدتها اللغة فلا معنى للانكار وقال بن بطال يمكن تخريج يا نساء المسلمات على تقدير بعيد وهو أن يجعل نعتا لشيء محذوف كأنه قال يا نساء الأنفس المسلمات والمراد بالانفس الرجال ووجه بعده أنه يصير مدحا للرجال وهو صلى الله عليه وسلم إنما خاطب النساء قال الا أن يراد بالانفس الرجال والنساء معا وأطال في ذلك وتعقبه بن المنير وقد رواه الطبراني من حديث عائشة بلفظ يا نساء المؤمنين الحديث قوله جارة لجارتها كذا للأكثر ولأبي ذر لجارة والمتعلق محذوف تقديره هدية مهداة قوله فرسن بكسر الفاء والمهملة بينهما راء ساكنة وآخره نون هو عظيم قليل اللحم وهو للبعير موضع الحافر للفرس ويطلق على الشاة مجازا ونونه زائدة وقيل أصلية وأشير بذلك إلى المبالغة في اهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر وأن كان قليلا فهو خير من العدم وذكر الفرسن على سبيل المبالغة ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع للمهدي إليها وأنها لا تحقر ما يهدى إليها ولو كان قليلا وحمله على الأعم من ذلك أولى وفي حديث عائشة المذكور يا نساء المؤمنين تهادوا ولو فرسن شاة فإنه ينبت المودة ويذهب الضغائن وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لأن الكثير قد لا يتيسر كل الوقت وإذا تواصل اليسير صار كثيرا وفيه استحباب المودة واسقاط التكلف

[ 2428 ] قوله بن أبي حازم هو عبد العزيز قوله يزيد بن رومان بضم الراء ورجال الإسناد كلهم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق أولهم أبو حازم وهو سلمة بن دينار قوله بن أختي بالنصب على النداء وأداة النداء محذوفة ووقع في رواية مسلم عن يحيى بن يحيى عن عبد العزيز والله يا بن أختي قوله ان كنا لننظر هي المخففة من الثقيلة وضميرها مستتر ولهذا دخلت اللام في الخبر قوله ثلاثة أهلة يجوز في ثلاثة الجر والنصب قوله في شهرين هو باعتبار رؤية الهلال أول الشهر ثم رؤيته ثانيا في أول الشهر الثاني ثم رؤيته ثالثا في أول الشهر الثالث فالمدة ستون يوما والمرئي ثلاثة أهلة وسيأتي في الرقاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه بلفظ كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا وفي رواية يزيد بن رومان هذه زيادة عليه ولا منافاة بينهما وقد أخرجه بن ماجة من طريق أبي سلمة عن عائشة بلفظ لقد كان يأتي على آل محمد الشهر ما يرى في بيت من بيوته الدخان قوله ما يعيشكم بضم أوله يقال أعاشه الله عيشة وضبطه النووي بتشديد الياء التحتانية وفي بعض النسخ ما يغنيكم بسكون المعجمة بعدها نون مكسورة ثم تحتانية ساكنة وفي رواية أبي سلمة عن عائشة قلت فما كان طعامكم قوله الأسودان التمر والماء هو على التغليب وإلا فالماء لا لون له ولذلك قالوا الأبيضان اللبن والماء وإنما أطلقت على التمر أسود لأنه غالب تمر المدينة وزعم صاحب المحكم وارتضاه بعض الشراح المتأخرين أن تفسير الأسودين بالتمر والماء مدرج وإنما أرادت الحرة والليل واستدل بأن وجود التمر والماء يقتضي وصفهم بالسعة وسياقها يقتضي وصفهم بالضيق وكأنها بالغت في وصف حالهم بالشدة حتى أنه لم يكن عندهم الا الليل والحرة اه وما ادعاه ليس بطائل والإدراج لا يثبت بالتوهم وقد أشار إلى أن مستنده في ذلك أن بعضهم دعا قوما وقال لهم ما عندي الا الأسودان فرضوا بذلك فقال ما أردت الا الحرة والليل وهذا حجة عليه لأن القوم فهموا التمر والماء وهو الأصل وأراد هو المزح معهم فألغز لهم بذلك وقد تظاهرت الأخبار بالتفسير المذكور ولا شك أن أمر العيش نسبي ومن لا يجد الا التمر أضيق حالا ممن يجد الخبز مثلا ومن لم يجد الا الخبز أضيق حالا ممن يجد اللحم مثلا وهذا أمر لا يدفعه الحس وهو الذي أرادت عائشة وسأتي في الرقاق من طريق هشام عن عروة عن أبيه عنها بلفظ وما هو الا التمر والماء وهو أصرح في المقصود لا يقبل الحمل على الادراج قوله جيران بكسر الجيم زاد الإسماعيلي من طريق محمد بن الصباح عن عبد العزيز نعم الجيران كانوا وفي رواية أبي سلمة جيران صدق وسيأتي بعد ستة أبواب الإشارة إلى أسمائهم قوله منائح بنون ومهملة جمع منيحة وهي كعطية لفظا ومعنى وأصلها عطية الناقة أو الشاة ويقال لا يقال منيحة الا للناقة وتستعار للشاة كما تقدم في الفرسن سواء قال إبراهيم الحربي وغيره يقولون منحتك الناقة وأعرتك النخلة وأعمرتك الدار وأخدمتك العبد وكل ذلك هبة منافع وقد تطلق المنيحة على هبة الرقبة ويأتي مزيد لذلك بعد أبواب وقوله يمنحون بفتح أوله وثالثه ويجوز ضم أوله وكسر ثالثه أي يجعلونها له منحة قوله فيسقيناه في رواية الإسماعيلي فيسقينا منه وفي هذا الحديث ما كان فيه الصحابة من التقلل من الدنيا في أول الأمر وفيه فضل الزهد وإيثار الواجد للمعدم والاشتراك فيما في الأيدي وفيه جواز ذكر المرء ما كان فيه من الضيق بعد أن يوسع الله عليه تذكيرا بنعمه وليتأسى به غيره

قوله باب القليل من الهبة ذكر فيه حديث أبي هريرة لو دعيت إلى ذراع أو كراع وسيأتي شرحه في باب الوليمة من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى ومناسبته للترجمة بطريق الأولى لأنه إذا كان يجيب من دعاه على ذلك القدر اليسير فلأن يقبله ممن أحضره إليه أولى والكراع من الدابة ما دون الكعب وقيل هو اسم مكان ولا يثبت ويرده حديث أنس عند الترمذي بلفظ لو أهدي إلي كراع لقبلت وللطبراني من حديث أم حكيم الخزاعية قلت يا رسول الله تكره رد الظلف قال ما أقبحه لو أهدي إلي كراع لقبلت الحديث وخص الذراع والكراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها والكراع لا قيمة له وفي المثل أعط العبد كراع يطلب منك ذراعا وقوله

[ 2429 ] هنا عن سليمان هو بن مهران الأعمش وأبوحازم هو سليمان مولى عزة وهو أكبر من أبي حازم سلمة المذكور في الباب قبله قال بن بطال أشار عليه الصلاة والسلام بالكراع والفرسن إلى الحض على قبول الهدية ولو قلت لئلا يمتنع الباعث من الهدية لاحتقار الشيء فحض على ذلك لما فيه من التألف

قوله باب من استوهب من أصحابه شيئا أي سواء كان عينا أو منفعة جاز أي بغير كراهة في ذلك إذا كان يعلم طيب أنفسهم قوله وقال أبو سعيد هو الخدري قوله اضربوا لي معكم سهما هو طرف من حديث الرقية وقد تقدم بتمامه مشروحا في كتاب الإجارة

[ 2430 ] قوله حدثنا أبو غسان هو محمد بن مطرف وسهل هو بن سعد وتقدم الحديث مشروحا في كتاب الجمعة وفيه استيهابه من المرأة منفعة غلامها وقد سبق ما نقل في تسمية كل منهما وأغرب الكرماني هنا فزعم أن اسم المرأة مينا وهو وهم وإنما قيل ذلك في اسم النجار كما تقدم وأن قول أبي غسان في هذه الرواية أن المرأة من المهاجرين وهم ويحتمل أن تكون أنصارية حالفت مهاجريا وتزوجت به أو بالعكس وقد ساقه بن بطال في هذا الموضع بلفظ امرأة من الأنصار والذي في النسخ التي وقفت عليها من البخاري ما وصفته

[ 2431 ] قوله حدثنا عبد العزيز بن عبد الله هو الأويسي والإسناد كله مدنيون وقد تقدم حديث أبي قتادة مشروحا في كتاب الحج وفيه طلب أبي قتادة من أصحابه مناولته رمحه وإنما امتنعوا لكونهم كانوا محرمين وفيه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم هل معكم منه شيء وقد ذكرت هناك رواية من زاد فيه كلوا وأطعموني ولعل المصنف أشار إلى هذه الزيادة وقوله فحدثني به زيد بن أسلم قال ذلك محمد بن جعفر راوية عن أبي حازم وهو بن أبي كثير أخو إسماعيل وقوله فيه أخصف نعلي بمعجمة ثم مهملة مكسورة أي أجعل لها طاقا كأنها كانت انخرقت فأبدلها وأغرب الداودي فقال أعمل لها شسعا وقوله حتى نفدها بتشديد الفاء المفتوحة أي فرغ من أكلها كلها وروي بكسر الفاء والتخفيف ورده بن التين قال بن بطال استيهاب الصديق حسن إذا علم أن نفسه تطيب به وإنما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أبي سعيد وكذا من أبي قتادة وغيرهما ليؤنسهم به ويرفع عنهم اللبس في توقفهم في جواز ذلك وقوله في السند عبد الله بن أبي قتادة السلمي هو بفتح اللام وهذا مشهور في الأنصار وذكر بن الصلاح أن من قاله بكسر اللام لحن وليس كما قال بل كسر اللام لغة معروفة وهي الأصل ويتعجب من خفاء ذلك عليه

قوله باب من استسقى ماء أو لبنا أو غير ذلك مما تطيب به نفس المطلوب منه قوله وقال سهل قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اسقني هو طرف من حديث أوله ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها الحديث وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسقنا يا سهل ثم ذكر حديث أنس بهمزة في تقديم الأيمن في الشرب وسيأتي شرحه في الأشربة أورده هنا من طريق أبي طوالة وهو بضم المهملة وتخفيف الواو اسمه عبد الله بن عبد الرحمن والغرض منه قول أنس فاستسقى

[ 2432 ] قوله الأيمنون الأيمنون فيه تقدير مبتدأ مضمر المقدم الأيمنون والثانية للتأكيد وقوله ألا فيمنوا كذا وقع بصيغة الاستفتاح والأمر بالتيامن وقد أخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري الا أنه قال في الثالثة أيضا الأيمنون ذكر اللفظة ثلاث مرات كما ذكر قول أنس فهي سنة ثلاث مرار وعلى ذلك شرح بن التين كأنه وقع كذلك وقع في نسخته ولم أره في شيء من النسخ الا كما وصفت أولا وتوجيهه أنه لما بين أن الأيمن يقدم ثم أكده بإعادته أكمل ذلك بصريح الأمر به ويستفاد من حذف المفعول التعميم في جميع الأشياء لقول عائشة كان يعجبه التيمن في شأنه كله وأشار الإسماعيلي إلى أن سليمان بن بلال تفرد عن أبي طوالة بقوله فاستسقى وأخرجه من طريق إسماعيل بن جعفر وخالد الواسطي عن أبي طوالة بدونها انتهى وسليمان حافظ وزيادته مقبولة وقد ثبتت هذه اللفظة في حديث جابر من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه في حديث سيأتي في الأشربة وفيه جواز طلب الأعلى من الأدنى ما يريده من مأكول ومشروب إذا كان نفس المطلوب منه طيبة به ولا يعد ذلك من السؤال المذموم

قوله باب قبول هدية الصيد وقبل النبي صلى الله عليه وسلم من أبي قتادة عضد الصيد تقدم حديثه في ذلك قبل باب وقوله

[ 2433 ] في حديث أنس أنفجنا بالفاء والجيم أي أثرنا وقوله فلغبوا بالمعجمة والموحدة أي تعبوا ووقع كذلك في رواية الكشميهني وأغرب الداودي فقال معناه عطشوا وتعقبه بن التين وقال ضبطوا لغبوا بكسر الغين والفتح أعرف وسيأتي شرحه إن شاء الله تعالى في كتاب الصيد والذبائح ومر الظهران واد معروف على خمسة أميال من مكة إلى جهة المدينة وقد ذكر الواقدي أنه من مكة على خمسة أميال وزعم بن وضاح أن بينهما أحدا وعشرين ميلا وقيل ستة عشر وبه جزم البكري قال النووي والأول غلط وانكار للمحسوس ومر قرية ذات نخل وزرع ومياه والظهران اسم الوادي وتقول العامة بطن مرو وقلت وقول البكري هو المعتمد والله أعلم وأبو طلحة هو زوج أم سليم والدة أنس وقوله فخذيها لا شك فيه يشير إلى أنه يشك في الوركين خاصة وأن الشك في قوله فخذيها أو وركيها ليس على السواء أو كان يشك في الفخذين ثم استيقن وكذلك شك في الأكل ثم استيقن القبول فجزم به أخرا

قوله باب قبول الهدية كذا ثبت لأبي ذر وسقطت هذه الترجمة هنا لغيره وهو الصواب وأورد فيه حديث الصعب بن جثامة في اهدائه الحمار الوحشي وشاهد الترجمة منه مفهوم قوله لم نرده عليك الا أنا حرم فإن مفهومه أنه لو لم يكن محرما لقبله منه وقد تقدم شرحه في كتاب الحج وفيه أنه لا يجوز قبول ما لا يحل من الهدية

قوله باب قبول الهدية كذا لأبي ذر وهو تكرار بغير فائدة وهذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة قبول هدية الصيد من العام بعد الخاص ووقع عند النسفي باب من قبل الهدية وذكر فيه ستة أحاديث الأول حديث عائشة كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وسيأتي شرحه في الباب الذي بعده وقوله

[ 2435 ] فيه مرضاة هو مصدر بمعنى الرضا وقوله فيه يبتغون بالموحدة والمعجمة من البغية وروى يتبعون بتقديم مثناة مثقلة وكسر الموحدة وبالمهملة ثانيها حديث بن عباس أهدت أم حفيد وهي بالمهملة والفاء مصغر وسيأتي الكلام عليه في الأطعمة في الكلام على الضب وقوله

[ 2436 ] فيه وترك الأضب كذا لأبي ذر بصيغة الجمع ولغيره الضب والاضب بضم المعجمة جمع ضب مثل أكف وكف وقوله تقذرا بالقاف والمعجمة تقول قذرت الشيء وتقذرته إذا كرهته وقول بن عباس لو كان حراما ما أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم استدلال صحيح من جهة التقرير ثالثها حديث أبي هريرة في قبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة وقوله فيه إذا أتي بطعام زاد أحمد وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد من غير أهله

[ 2437 ] قوله ضرب بيده أي شرع في الأكل مسرعا ومثله ضرب في الأرض إذا أسرع السير فيها رابعها حديث عائشة في قصة بريرة من طريق القاسم عن عائشة وسيأتي شرحه في كتاب النكاح وقد مضى ما يتعلق بشراء بريرة في كتاب العتق قريبا وشاهد الترجمة منه

[ 2438 ] قوله هو لها صدقة ولنا هدية فيؤخذ منه أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين ووقع في رواية أبي ذر الهروي فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم هذا تصدق به على بريرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لها صدقة ولنا هدية ووقع لغير أبي ذر هنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا تصدق به على بريرة هو لها صدقة ولنا هدية فجعل السؤال والجواب من كلامه صلى الله عليه وسلم والأول أصوب وهو الثابت في غير هذه الرواية أيضا خامسها حديث أنس في ذلك قوله عن أنس في رواية الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة عن قتادة سمع أنس بن مالك سادسها حديث أم عطية في الشاة من الصدقة وأنها بلغت محلها قوله فيه الذي بعثت إليها كذا للأكثر بصيغة المخاطب وللكشميهني بعثت بضم أوله على البناء للمجهول قوله انه قد بلغت في رواية الكشميهني أنها قد بلغت محلها بكسر المهملة يقع على المكان والزمان أي زال عنها حكم الصدقة المحرمة علي وصارت لي حلالا تنبيه أم عطية اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة مصغرا كما تقدم في الكلام على هذا الحديث في أواخر الزكاة ووقع عند الإسماعيلي من رواية وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله نسيبة بفتح النون ومن رواية يزيد بن زريع عن خالد الحذاء نسيبة بالتصغير وهو الصواب ثم أخرجه من طريق بن شهاب عن الحذاء عن أم عطية قالت بعثت إلى نسيبة الأنصارية بشاة فأرسلت إلى عائشة منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندكم شيء قالت لا الا ما أرسلت به نسيبة الحديث قال الإسماعيلي هذا يدل على أن نسيبة غير أم عطية قلت سبب ذلك تحريف وقع في روايته في

[ 2440 ] قوله بعث والصواب بعثت على البناء للمجهول وفيه نوع التجريد لأن أم عطية أخبرت عن نفسها بما يوهم أن الذي تخبر عنه غيرها قال بن بطال إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة لأنها أوساخ الناس ولأن أخذ الصدقة منزلة ضعة والأنبياء منزهون عن ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان كما وصفه الله تعالى ووجدك عائلا فأغنى والصدقة لا تحل للأغنياء وهذا بخلاف الهدية فإن العادة جارية بالاثابة عليها وكذلك كان شأنه وقوله قد بلغت محلها فيه أن الصدقة يجوز فيها تصرف الفقير الذي أعطيها بالبيع والهدية وغير ذلك وفيه إشارة إلى أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم عليهن الصدقة كما حرمت عليه لأن عائشة قبلت هدية بريرة وأم عطية مع علمها بأنها كانت صدقة عليهما وظنت استمرار الحكم بذلك عليها ولهذا لم تقدمها للنبي صلى الله عليه وسلم لعلمها أنه لا تحل له الصدقة وأقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك الفهم ولكنه بين لها أن حكم الصدقة فيها قد تحول فخلت له صلى الله عليه وسلم أيضا ويستنبط من هذه القصة جواز استرجاع صاحب الدين من الفقير ما أعطاه له من الزكاة بعينه وأن للمرأة أن تعطي زكاتها لزوجها ولو كان ينفق عليها منها وهذا كله فيما لا شرط فيه والله أعلم تنبيه استشكلت قصة عائشة في حديث أم عطية مع حديثها في قصة بريرة لأن شأنهما واحد وقد أعلمها النبي صلى الله عليه وسلم في كل منهما بما حاصله أن الصدقة إذا قبضها من يحل له أخذها ثم تصرف فيها زال عنها حكم الصدقة وجاز لمن حرمت عليه أن يتناول منها إذا أهديت له أو بيعت فلو تقدمت إحدى القصتين على الأخرى لأغنى ذلك عن إعادة ذكر الحكم ويبعد أن تقع القصتان دفعة واحدة

قوله باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعد نسائه دون بعض يقال تحرى الشيء إذا قصده دون غيره

[ 2441 ] قوله حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان الناس يتحرون بهداياهم يومي وقالت أم سلمة إن صواحبي اجتمعن فذكرت له فأعرض عنه هكذا أورده مختصرا جدا وقد أخرجه أبو عوانة وأبو نعيم والإسماعيلي من طريق محمد بن عبيد زاد الإسماعيلي وخلف بن هشام كلاهما عن حماد بن زيد بهذا الإسناد بلفظ كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة فقلن لها خبري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان قالت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت فأعرض عني قالت فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني الحديث وقد أخرجه المصنف في مناقب عائشة عن عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد بن زيد فقال عن هشام عن أبيه كان الناس يتحرون فذكره بتمامه مرسلا وروى بن سعد في طبقات النساء من حديث أم سلمة قالت كان الأنصار يكثرون الطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وعمارة بن حزم وأبو أيوب وذلك لقرب جوارهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم

[ 2442 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس حدثني أخي هو أبو بكر عبد الحميد عن سليمان هو بن بلال وقد تابع البخاري حميد بن زنجويه عند أبي نعيم وإسماعيل القاضي عند أبي عوانة فروياه عن إسماعيل بن أبي أويس كما قال وخالفهم محمد بن يحيى الذهلي فرواه عن إسماعيل حدثني سليمان بن بلال حذف الواسطة بين إسماعيل وسليمان وهو أخو إسماعيل قوله عن هشام بن عروة زاد فيه على رواية حماد بن زيد في آخره فقالت أي أم سلمة أتوب إلى الله من ذلك يا رسول الله وزاد فيه أيضا ارسالهن فاطمة ثم ارسالهن زينب بنت جحش وقد تصرف الرواة في هذا الحديث بالزيادة والنقص ومنهم من جعله ثلاثة أحاديث قال البخاري الكلام الأخير قصة فاطمة أي إرسال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم إليه يذكر عن هشام بن عروة عن رجل عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن يعني أنه اختلف فيه على هشام بن عروة فرواه سليمان بن بلال عنه عن أبيه عن عائشة في جملة الحديث الأول ورواه عنه غيره بهذا الإسناد الأخير قوله والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بقيتهن وهي زينب بنت جحش الأسدية وأم حبيبة الأموية وجويرية بنت الحارث الخزاعية وميمونة بنت الحارث الهلالية دون زينب بنت خزيمة أم المساكين رواه بن سعد من طريق رميثة المذكورة وهي رميثة بالمثلثة مصغرة عن أم سلمة قالت كلمني صواحبي وهن فذكرتهن وكنا في الجانب الثاني وكانت عائشة وصواحبها في الجانب الآخر فقلن كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الناس يهدون إليه في بيت عائشة ونحن نحب ما تحب الحديث قال بن سعد ماتت زينب بنت خزيمة قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة وأسكن أم سلمة بيتها لما دخل بها قوله فقلن لها كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس بالجزم والميم مكسورة لالتقاء الساكنين ويجوز الرفع قوله فليهدها في رواية الكشميهني فليهد بحذف الضمير قوله فان الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة الا عائشة يأتني شرحه في مناقب عائشة إن شاء الله تعالى قوله ثم انهن دعون فاطمة وفي رواية الكشميهني دعين وروى بن سعد من مرسل علي بن الحسين أن التي خاطبتها بذلك منهن زينب بنت جحش وأن النبي صلى الله عليه وسلم سألها أرسلتك زينب قالت زينب وغيرها قال أهي التي وليت ذلك قالت نعم قوله ان نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر أي يطلبن منك العدل وفي رواية الأصيلي يناشدنك الله العدل أي يسألنك بالله العدل والمراد به النسوية بينهن في كل شيء من المحبة وغيرها زاد في رواية محمد بن عبد الرحمن عن عائشة عند مسلم أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في بنت بن أبي قحافة وأبو قحافة هو والد أبى بكر قوله فقال يا بنية ألا تحبين ما أحب قالت بلى زاد مسلم في الرواية المذكورة قال فأحبي هذه فقامت فاطمة حين سمعت ذلك قوله فرجعت إليهن فأخبرتهن زاد مسلم فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شيء قوله فأبت أن ترجع في رواية مسلم فقالت والله لا أكلمه فيه أبدا قوله فأرسلن زينب بنت جحش زاد مسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه ثناء عائشة عليها بالصدقة وذكرها لها بالحدة التي تسرع منها الرجعة قوله فأتته في مرسل علي بن الحسين فذهبت زينب حتى استأذنت فقال ائذنوا لها فقالت حسبك إذا برقت لك بنت بن أبي قحافة ذراعيها وفي رواية مسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحال التي دخلت فاطمة وهو بها قوله فأغلظت في رواية مسلم ثم وقعت بي فاستطالت وفي مرسل علي بن الحسين فوقعت بعائشة ونالت منها قوله فسبتها حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تكلم في رواية مسلم وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر وفي هذا جواز العمل بما يفهم من القرائن لكن روى النسائي وابن ماجة مختصرا من طريق عبد الله البهي عن عروة عن عائشة قالت دخلت على زينب بنت جحش فسبتني فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فأبت فقال سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها وقد ذكرته في باب انتصار الظالم من كتاب المظالم فيمكن أن يحمل على التعدد قوله فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها في رواية لمسلم فلما وقعت بها لم أنشبها أن أثخنتها غلبة ولابن سعد فلم أنشبها أن أفحمتها قوله فقال أنها بنت أبي بكر أي إنها شريفة عاقلة عارفة كأبيها وكذا في رواية مسلم وفي رواية النسائي المذكورة فرأيت وجهه يتهلل وكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن أبا بكر كان عالما بمناقب مضر ومثالبها فلا يستغرب من بنته تلقي ذلك عنه ومن يشابه أبة فما ظلم وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة لعائشة وأنه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة كذا قرره بن بطال عن المهلب وتعقبه بن المنير بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له وهم باختيارهم في ذلك وإنما لم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليس من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرض لطلب الهدية وأيضا فالذي يهدى لأجل عائشة كأنه ملك الهدية بشرط والتمليك يتبع فيه تحجير المالك مع أن الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يشركهن في ذلك وإنما وقعت المنافسة لكون العطية تصل إليهن من بيت عائشة وفيه قصد الناس بالهدايا أوقات المسرة ومواضعها ليزيد ذلك في سرور المهدي إليه وفيه تنافس الضرائر وتغايرهن على الرجل وأن الرجل يسعه السكوت إذا تقاولن ولا يميل مع بعض على بعض وفيه جواز التشكي والتوسل في ذلك وما كان عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من مهابته والحياء منه حتى راسلنه بأعز الناس عنده فاطمة وفيه سرعة فهمهن ورجوعهن إلى الحق والوقوف عنده وفيه ادلال زينب بنت جحش على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت بنت عمته كانت أمها أميمة بالتصغير بنت عبد المطلب قال الداودي وفيه عذر النبي صلى الله عليه وسلم لزينب قال بن التين ولا أدري من أين أخذه قلت كأنه أخذه من مخاطبتها النبي صلى الله عليه وسلم لطلب العدل مع علمها بأنه أعدل الناس لكن غلبت عليها الغيرة فلم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق ذلك وإنما خص زينب بالذكر لأن فاطمة عليها السلام كانت حاملة رسالة خاصة بخلاف زينب فإنها شريكتهن في ذلك بل رأسهن لأنها هي التي تولت إرسال فاطمة أولا ثم سارت بنفسها واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه وسيأتي البحث في ذلك في النكاح إن شاء الله تعالى قوله وقال أبو مروان الغساني كذا للأكثر بغين معجمة وسين مهملة ثقيلة ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد فيه تغيير فغيره العثماني حكاه أبو علي الجياني وقال إنه خطأ وقد تقدمت لأبي مروان هذا رواية موصولة في كتاب الحج ووقع للقابسي فيه تصحيف غير هذا وقوله وقال أبو مروان الخ يعني أن أبا مروان فصل بين الحديثين في روايته عن هشام فجعل الأول وهو التحري كما قال حماد بن زيد عن هشام وجعل الثاني وهو قصة فاطمة عن هشام عن رجل من قريش ورجل من الموالي عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة قلت وطريق محمد بن عبد الرحمن عن عائشة بهذه القصة مشهورة من غير هذا الوجه أخرجها مسلم والنسائي من طريق صالح بن كيسان زاد مسلم ويونس وزاد النسائي وشعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن الزهري عنه وهكذا قال موسى بن أعين عن معمر عن الزهري وخالفه عبد الرزاق فقال عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة وخالفهم إسحاق الكلبي فجعل أبا بكر بن عبد الرحمن بدل محمد بن الرحمن قال الذهلي والدارقطني وغيرهما المحفوظ من حديث الزهري عن محمد بن عبد الرحمن عن عائشة وأبو مروان هذا هو يحيى بن أبي زكريا الغساني وهو شامي نزل واسط واسم أبي زكريا يحيى أيضا ووهم من زعم أنه محمد بن عثمان العثماني فإنه وأن كان يكنى أبا مروان لكنه لم يدرك هشام بن عروة وإنما يروي عنه بواسطة وطريقه هذه وصلها الذهلي في الزهريات وقد اختلف على هشام فيه اختلافا آخر فرواه حماد بن سلمة عنه عن عوف بن الحارث عن أخته رميثة عن أم سلمة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم قلن لها إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة الحديث أخرجه أحمد ويحتمل أن يكون لهشام فيه طريقان فإن عبدة بن سليمان رواه عنه بالوجهين أخرجه الشيخان من طريقه بالإسناد الأول كما مضى في الباب الذي قبله وأخرجه النسائي من طريقه متابعا لحماد بن سلمة والله أعلم

قوله باب ما لا يرد من الهدية كأنه أشار إلى ما رواه الترمذي من حديث بن عمر مرفوعا ثلاث لا ترد الوسائد والدهن واللبن قال الترمذي يعني بالدهن الطيب وإسناده حسن إلا أنه ليس على شرط البخاري فأشار إليه واكتفى بحديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب قال بن بطال إنما كان لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاة الملائكة ولذلك كان لا يأكل الثوم ونحوه قلت لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه وليس كذلك فإن أنسا اقتدى به في ذلك وقد ورد النهي عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك في حديث صحيح ورواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف الحمل طيب الرائحة وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن قال ريحان بدل طيب ورواية الجماعة أثبت فإن أحمد وسبعة أنفس معه رووه عن عبد الله بن يزيد المقبري عن سعيد بن أبي أيوب بلفظ الطيب ووافقه بن وهب عن سعيد عند بن حبان والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وابن عمر وفي الباب عن أبي هريرة فأشار إلى هذا الحديث

[ 2443 ] قوله عزرة هو بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء قوله حدثني ثمامة بن عبد الله قال دخلت عليه فناولني طيبا قال كان أنس لا يرد الطيب فاعل قال هو عزرة والضمير لثمامة وزعم بعض الشراح أن الضمير لأنس وليس كذلك فقد أخرجه أبو نعيم من طريق بشر بن معاذ عن عبد الوارث عن عزرة بن ثابت قال دخلت على ثمامة فناولني طيبا قلت قد تطيبت فقال كان أنس لا يرد الطيب قوله وزعم أي قال والزعم يطلق على القول كثيرا

قوله باب من رأى الهبة الغائبة جائزة ذكر فيه طرفا من حديث المسور ومروان في قصة هوازن ومراده منه

[ 2444 ] قوله صلى الله عليه وسلم وإني رأيت أن أرد عليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل فإن في بقية الحديث طيبنا لك وقد تقدم قريبا في العتق في باب ملك من العرب رقيقا بأتم من هذا بهذا الإسناد بعينه ففيه أنهم وهبوا ما غنموه من السبي من قبل أن يقسم وذلك في معنى الغائب وحذف في هذا الطريق جواب الشرط من الجملة الثانية وهي فليفعل وقد ثبت كذلك في الباب الذي أشرت إليه قال بن بطال فيه أن للسلطان أن يرفع أملاك قوم إذا كان في ذلك مصلحة واستئلاف وتعقبه بن المنير وقال ليس كما قال بل في نفس الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك إلا بعد تطييب نفوس المالكين

قوله باب المكافأة في الهبة المكافأة بالهمز مفاعلة بمعنى المقابلة والمراد بالهبة هنا المعنى الأعم كما قررته في أول كتاب الهبة

[ 2445 ] قوله عن هشام في رواية الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن موسى الفراء عن عيسى بن يونس حدثنا هشام قوله يقبل الهدية ويثيب عليها أي يعطي الذي يهدي له بدلها والمراد بالثواب المجازاة وأقله ما يساوي قيمة الهدية قوله لم يذكر وكيع محاضر عن هشام عن أبيه عن عائشة فيه إشارة إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصله عن هشام وقد قال الترمذي والبزار لا نعرفه موصولا الا من حديث عيسى بن يونس وقال الآجري سألت أبا داود عنه فقال تفرد بوصله عيسى بن يونس وهو عند الناس مرسل ورواية وكيع وصلها بن أبي شيبة عنه بلفظ ويثيب ما هو خير منها ورواية محاضر لم أقف عليها بعد واستدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب الثواب على الهدية إذا أطلق الواهب وكان ممن يطلب مثله الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى ووجه الدلالة منه مواظبته صلى الله عليه وسلم ومن حيث المعنى أن الذي أهدى قصد أن يعطي أكثر مما أهدى فلا أقل أن يعوض بنظير هديته وبه قال الشافعي في القديم وقال في الجديد كالحنفية الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع بثمن مجهول ولأن موضوع الهبة التبرع فلو أبطلناه لكان في معنى المعاوضة وقد فرق الشرع والعرف بين البيع والهبة فما استحق العوض أطلق عليه لفظ البيع بخلاف الهبة وأجاب بعض المالكية بأن الهبة لو لم تقتض الثواب أصلا لكانت بمعنى الصدقة وليس كذلك فإن الأغلب من حال الذي يهدي أنه يطلب الثواب ولا سيما إذا كان فقيرا والله أعلم

قوله باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخر مثله في رواية الكشميهني ويعطي الآخرين قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم اعدلوا بين أولادكم في العطية سيأتي موصولا في الباب الذي بعده بدون قوله في العطية وهي بالمعنى وقد أخرجه الطحاوي من طريق مغيرة عن الشعبي عن النعمان فذكر هذه الزيادة ولفظه سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر ويأتي حديث بن عباس أيضا في أواخر الباب قوله وهل للوالد أن يرجع في عطيته يعني لولده وما يأكل من مال ولده بالمعروف ولا يتعدى اشتملت هذه الترجمة على أربعة أحكام الأول الهبة للولد وإنما ترجم به ليرفع اشكال من يأخذ بظاهر الحديث المشهور أنت ومالك لأبيك لأن مال الولد إذا كان لأبيه فلو وهب الأب ولده شيئا كان كأنه وهب نفسه ففي الترجمة إشارة إلى ضعف الحديث المذكور أو إلى تأويله وهو حديث أخرجه بن ماجة من حديث جابر قال الدارقطني غريب تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن بن المنكدر وقال بن القطان إسناده صحيح وقال المنذري رجاله ثقات وله طريق أخرى عن جابر عند الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل فيها قصة مطولة وفي الباب عن عائشة في صحيح بن حبان وعن سمرة وعن عمر كلاهما عند البزار وعن بن مسعود عند الطبراني وعن بن عمر عند أبي يعلى فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة وجواز الاحتجاج به فتعين تأويله الحكم الثاني العدل بين الأولاد في الهبة وهي من مسائل الخلاف كما سيأتي وحديث الباب عن النعمان حجة من أوجبه الثالث رجوع الوالد فيما وهب للولد وهي خلافية أيضا ومنهم من فرق بين الصدقة والهبة فلا يرجع في الصدقة لأنه يراد بها ثواب الآخرة وحديث الباب ظاهر في الجواز كما سيأتي أيضا وكأنه أشار إلى حديث لا يحل لرجل يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها الا الوالد فيما يعطي ولده أخرجه أبو داود وابن ماجة بهذا اللفظ من حديث بن عباس وابن عمر ورجاله ثقات الرابع أكل الوالد من مال الولد بالمعروف قال بن المنير وفيه انتزاعه من حديث الباب خفاء ووجهه أنه لما جاز للأب بالاتفاق أن يأكل من مال ولده إذا أحتاج إليه فلأن يسترجع ما وهبه له بطريق الأولى قوله واشترى النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بعيرا ثم أعطاه بن عمر وقال أصنع به ما شئت هو طرف من حديث تقدم موصولا في البيوع ويأتي أيضا موصولا بعد أثنى عشر بابا وقال بن بطال مناسبة حديث بن عمر للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم لو سأل عمر أن يهب البعير لابنه عبد الله لبادر إلى ذلك لكنه لو فعل لم يكن عدلا بين بني عمر فلذلك اشتراه صلى الله عليه وسلم منه ثم وهبه لعبد الله قال المهلب وفي ذلك دلالة على أنه لا تلزم المعدلة فيما يهبه غير الأب لولد غيره وهو كما قال

[ 2446 ] قوله عن النعمان بن بشير كذا لأكثر أصحاب الزهري وأخرجه النسائي من طريق الأوزاعي عن بن شهاب أن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن حدثاه عن بشير بن سعد جعله من مسند بشير فشذ بذلك والمحفوظ أنه عنهما عن النعمان وبشير والد النعمان هو بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس بضم الجيم وتخفيف اللام الخزرجي صحابي شهير من أهل بدر وشهد غيرها ومات في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة ويقال إنه أول من بايع أبا بكر من الأنصار وقيل عاش إلى خلافة عمر وقد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم والنسائي وأبي داود وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد وعون بن عبد الله عند أبي عوانة والشعبي في الصحيحين وأبي داود وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وغيرهم ورواه عن الشعبي عدد كثير أيضا وسأذكر ما في رواياتهم من الفوائد الزائدة على هذه الطريق مفصلا إن شاء الله تعالى قوله أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية الشعبي في الباب الذي يليه أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية وسيأتي في الشهادات من طريق أبي حبان عن الشعبي سبب سؤالها شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظه عن النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله زاد مسلم والنسائي من هذا الوجه فالتوى بها سنة أي مطلها وفي رواية بن حبان من هذا الوجه بعد حولين ويجمع بينهما بأن المدة كانت سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغى أخرى قال ثم بدا له فوهبها لي فقالت له لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم قال فأخذ بيدي وأنا غلام ولمسلم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن النعمان انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشى معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنة أو عبر عن استتباعه إياه بالحمل وقد تبين من رواية الباب أن العطية كانت غلاما وكذا في رواية بن حبان المذكورة وكذا لأبي داود من طريق إسماعيل بن سالم عن الشعبي ولمسلم في رواية عروة وحديث جابر معا ووقع في رواية أبي حريز بمهملة وراء ثم زاي بوزن عظيم عند بن حبان والطبراني عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال إن والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن عمرة بنت رواحة نفست بغلام وإني سميته النعمان وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي وإنها قالت أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لا أشهد على جور وجمع بن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين إحداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة والأخرى بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدا وهو جمع لا بأس به الا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى لا أشهد على جور وجوز بن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم وقال غيره يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد ثم ظهر لي وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جواب وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته الا أن يهب له شيئا يخصه به وهب الحديقة المذكورة تطييبا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه أحد غيره فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ورضيت عمرة بذلك الا أنها خشيت أن يرتجعه أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد بذلك تثبيت العطية وأن تأمن من رجوعه فيها ويكون مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم للاشهاد مرة واحدة وهي الأخيرة وغاية ما فيه أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة ويقص بعضها أخرى فسمع كل ما رواه فاقتصر عليه والله أعلم وعمرة المذكورة هي بنت رواحة بن ثعلبة الخزرجية أخت عبد الله بن رواحة الصحابي المشهور ووقع عند أبي عوانة من طريق عون بن عبد الله أنها بنت عبد الله بن رواحة والصحيح الأول وبذلك ذكرها بن سعد وغيره وقالوا كانت ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم من النساء وفيها يقول قيس بن الخطيم بفتح المعجمة وعمرة من سروات النساء تنفح بالمسك أردانها قوله اني نحلت بفتح النون والمهملة والنحلة بكسر النون وسكون المهملة العطية بغير عوض قوله فقال أكل ولدك نحلت زاد في رواية أبي حيان فقال ألك ولد سواه قال نعم وقال مسلم لما رواه من طريق الزهري أما يونس ومعمر فقالا أكل بنيك وأما الليث وابن عيينة فقالا أكل ولدك قلت ولا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل ما لو كانوا ذكورا أو إناثا وذكورا وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وأن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب ولم يذكر بن سعد لبشير والد النعمان ولدا غير النعمان وذكر له بنتا اسمها أبية بالموحدة تصغير أبي قوله نحلت مثله في رواية أبي حيان عند مسلم فقال أكلهم وهبت له مثل هذا قال لا وله من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي فقال ألك بنون سواه قال نعم قال فكلهم أعطيت مثل هذا قال لا وفي رواية بن القاسم في الموطآت للدارقطني عن مالك قال لا والله يا رسول الله قوله قال فأرجعه ولمسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن بن شهاب قال فاردده وله وللنسائي من طريق عروة مثله وفي رواية الشعبي في الباب الذي يليه قال فرجع فرد عطيته ولمسلم فرد تلك الصدقة زاد في رواية أبي حيان في الشهادات قال لا تشهدني على جور ومثله لمسلم من رواية عاصم عن الشعبي وفي رواية أبي حريز المذكورة لا أشهد على جور وقد علق منها البخاري هذا القدر في الشهادات ومثله لمسلم من طريق إسماعيل عن الشعبي وله في رواية أبي حيان فقال فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور وله في رواية المغيرة عن الشعبي فإني لا أشهد على جور ليشهد على هذا غيري وله وللنسائي في رواية داود بن أبي هند قال فأشهد على هذا غيري وفي حديث جابر فليس يصلح هذا وإني لا أشهد الا على حق ولعبد الرزاق من طريق طاوس مرسلا لا أشهد الا على الحق لا أشهد بهذه وفي رواية عروة عند النسائي فكره أن يشهد له وفي رواية المغيرة عن الشعبي عند مسلم اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر وفي رواية مجالد عن الشعبي عند أحمد أن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم فلا تشهدني على جور أيسرك أخبرني يكونوا إليك في البر سواء قال بلى قال فلا إذا ولأبي داود من هذا الوجه أن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك وللنسائي من طريق أبي الضحى الا سويت بينهم وله ولابن حبان من هذا الوجه سو بينهم واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد وقد تمسك به من أوجب التسوية في عطية الأولاد وبه صرح البخاري وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق وقال به بعض المالكية ثم المشهور عن هؤلاء أنها باطلة وعن أحمد تصح ويجب أن يرجع وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد لزمانته ودينه أو نحو ذلك دون الباقين وقال أبو يوسف تجب التسوية أن قصد بالتفضيل الاضرار وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع فحملوا الأمر على الندب والنهي على التنزيه ومن حجة من أوجبه أنه مقدمة الواجب لأن قطع الرحم والعقوق محرمان فما يؤدي إليهما يكون محرما والتفضيل مما يؤدي إليهما ثم اختلفوا في صفة التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث واحتجوا بأنه حظها من ذلك المال لو أبقاه الواهب في يده حتى مات وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية يشهد لهم واستأنسوا بحديث بن عباس رفعه سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن وأجاب من حمل الأمر بالتسوية على الندب عن حديث النعمان بأجوبة أحدها أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده ولذلك منعه فليس فيه حجة على منع التفضيل حكاه بن عبد البر عن مالك وتعقبه بأن كثيرا من طرق حديث النعمان صرح بالبعضية وقال القرطبي ومن أبعد التأويلات أن النهي إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون وكأنه لم يسمع في نفس هذا الحديث أن الموهوب كان غلاما وأنه وهبه له لما سألته الأم الهبة من بعض ماله قال وهذا يعلم منه على القطع أنه كان له مال غيره ثانيها أن العطية المذكورة لم تتنجز وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا تفعل فترك حكاه الطحاوي وفي أكثر طرق حديث الباب ما ينابذه ثالثها أن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع ذكره الطحاوي وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث أيضا خصوصا قوله أرجعه فإنه يدل على تقدم وقوع القبض والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره فأمر برد العطية المذكورة بعد ما كانت في حكم المقبوض رابعها أن قوله أرجعه دليل على الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره بالرجوع لأن للوالد أن يرجع في وهبه لولده وأن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به وفي الاحتجاج بذلك نظر والذي يظهر أن معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة خامسها أن قوله أشهد على هذا غيري إذن بالاشهاد على ذلك وإنما أمتنع من ذلك لكونه الإمام وكأنه قال لا أشهد لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم حكاه الطحاوي أيضا وارتضاه بن القصار وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه وقد صرح المحتج بهذا أن الإمام إذا شهد عند بعض نوابه جاز وأما قوله إن قوله أشهد صيغة إذن فليس كذلك بل هو للتوبيخ لما يدل عليه بقية ألفاظ الحديث وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال بن حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهو كقوله لعائشة اشترطي لهم الولاء انتهى سادسها التمسك بقوله ألا سويت بينهم على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولا سيما أن تلك الرواية بعينها وردت بصيغة الأمر أيضا حيث قال سو بينهم سابعها وقع عند مسلم عن بن سيرين ما يدل على أن المحفوظ في حديث النعمان قاربوا بين أولادكم لا سووا وتعقب بأن المخالفين لا يوجبون المقاربة كما لا يوجبون التسوية ثامنها في التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في بر الوالدين قرينة تدل على أن الأمر للندب لكن إطلاق الجور على عدم التسوية والمفهوم من قوله لا أشهد الا على حق وقد قال في آخر الرواية التي وقع فيها التشبيه قال فلا إذا تاسعها عمل الخليفتين أبي بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب فأما أبو بكر فرواه الموطأ بإسناد صحيح عن عائشة أن أبا بكر قال لها في مرض موته إني كنت نحلتك نحلا فلو كنت اخترتيه لكان لك وإنما هو اليوم للوارث وأما عمر فذكره الطحاوي وغيره أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن اخوتها كانوا راضين بذلك ويجاب بمثل ذلك عن قصة عمر عاشر الأجوبة أن الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم ذكره بن عبد البر ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص وزعم بعضهم أن معنى قوله لا أشهد على جور أي لا أشهد على ميل الأب لبعض الأولاد دون بعض وفي هذا نظر لا يخفى ويرده قوله في الرواية لا أشهد الا على الحق وحكى بن التين عن الداودي أن بعض المالكية احتج بالإجماع على خلاف ظاهر حديث النعمان ثم رده عليه واستدل به أيضا على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه وكذلك الأم وهو قول أكثر الفقهاء الا أن المالكية فرقوا بين الأب والأم فقالوا للأم أن ترجع إن كان الأب حيا دون ما إذا مات وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهب له لم يستحدث دينا أو ينكح وبذلك قال إسحاق وقال الشافعي للأب الرجوع مطلقا وقال أحمد لا يحل لواهب أن يرجع في هبته مطلقا وقال الكوفيون إن كان الموهوب صغيرا لم يكن للأب الرجوع وكذا إن كان كبيرا وقبضها قالوا وأن كانت الهبة لزوج من زوجته أو بالعكس أو لذي رحم لم يجز الرجوع في شيء من ذلك ووافقهم إسحاق في ذي الرحم وقال للزوجة أن ترجع بخلاف الزوج والاحتجاج لكل واحد من ذلك يطول وحجة الجمهور في استثناء الأب أن الولد وما له لأبيه فليس في الحقيقة رجوعا وعلى تقدير كونه رجوعا فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك وسيأتي الكلام عن هبة الزوجين في الباب بعده وفي الحديث أيضا الندب إلى التآلف بين الأخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء أو يورث العقوق للآباء وأن عطية الأب لابنه الصغير في حجره لا تحتاج إلى قبض وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض وقيل إن كانت الهبة ذهبا أو فضة فلا بد من عزلها وافرازها وفيه كراهة تحمل الشهادة فيما ليس بمباح وأن الإشهاد في الهبة مشروع وليس بواجب وفيه جواز الميل إلى بعض الأولاد والزوجات دون بعض وإن وجبت التسوية بينهم في غير ذلك وفيه أن للإمام الأعظم أن يتحمل الشهادة وتظهر فائدتها إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يجيزه أو يؤديها عند بعض نوابه وفيه مشروعية استفصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال لقوله ألك ولد غيره فلما قال نعم قال أفكلهم أعطيت مثله فلما قال لا قال لا أشهد فيفهم منه أنه لو قال نعم لشهد وفيه جواز تسمية الهبة صدقة وأن للإمام كلاما في مصلحة الولد والمبادرة إلى قبول الحق وأمر الحاكم والمفتي بتقوى الله في كل حال وفيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده لما رجع فيه فلما أشتد حرصها في تثبيت ذلك أفضى إلى بطلانه وقال المهلب فيه أن للإمام أن يرد الهبة والوصية ممن يعرف منه هروبا عن بعض الورثة والله أعلم

قوله باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها أي هل يجوز لأحد منهما الرجوع فيها قوله قال إبراهيم هو النخعي قوله جائزة أي فلا رجوع فيها وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال إذا وهبت له أو وهب لها فلكل واحد منهما عطيته ووصله الطحاوي من طريق أبي عوانة عن منصور قال قال إبراهيم إذا وهبت المرأة لزوجها أو وهب الرجل لامرأته فالهبة جائزة وليس لواحد منهما أن يرجع في هبته ومن طريق أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم الزوج والمرأة بمنزلة ذي الرحم إذا وهب أحدهما لصاحبه لم يكن له أن يرجع قوله وقال عمر بن عبد العزيز لا يرجعان وصله عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن عبد الرحمن بن زياد أن عمر بن عبد العزيز قال مثل قول إبراهيم قوله واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم نساءه أن يمرض في بيت عائشة وقال النبي صلى الله عليه وسلم العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه أما الحديث الأول فهو موصول في الباب من حديث عائشة وسيأتي الكلام عليه في أواخر المغازي ووجه دخوله في الترجمة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهبن لها ما استحققن من الأيام ولم يكن لهن في ذلك رجوع أي فيما مضى وأن كان لهن الرجوع في المستقبل وأما الحديث الثاني فهو موصول أيضا في آخره ويأتي الكلام عليه بعد خمسة عشر بابا ووجه دخوله في الترجمة أنه ذم العائد في هبته على الإطلاق فدخل فيه الزوج والزوجة تمسكا بعمومه قوله وقال الزهري فيمن قال لامرأته هبي لي بعض صداقك الخ وصله بن وهب عن يونس بن يزيد عنه وقوله فيه خلبها بفتح المعجمة واللام والموحدة أي خدعها وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال رأيت القضاة يقيلون المرأة فيما وهبت لزوجها ولا يقيلون الزوج فيما وهب لامرأته والجمع بينهما أن رواية معمر عنه منقولة ورواية يونس عنه اختياره وهو التفصيل المذكور بين أن يكون خدعها فلها أن ترجع أو لا فلا وهو قول المالكية أن أقامت البينة على ذلك وقيل يقبل قولها في ذلك مطلقا وإلى عدم الرجوع من الجانبين مطلقا ذهب الجمهور وإلى التفصيل الذي نقله الزهري ذهب شريح فروى عبد الرزاق والطحاوي من طريق محمد بن سيرين أن امرأة وهبت لزوجها هبة ثم رجعت فيها فاختصما إلى شريح فقال للزوج شاهداك أنها وهبت لك من غير كره ولا هوان وإلا فيمينها لقد وهبت لك عن كره وهوان وعند عبد الرزاق بسند منقطع عن عمر أنه كتب أن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها فشاءت أن ترجع رجعت قال الشافعي لا يرد شيئا إذا خالعها ولو كان مضرا بها لقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به وسيأتي مزيد لذلك في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى

قوله باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج أي ولو كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز وقال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم وبهذا الحكم قال الجمهور وخالف طاوس فمنع مطلقا وعن مالك لا يجوز لها أن تعطي بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة الا من الثلث وعن الليث لا يجوز مطلقا الا في الشيء التافه وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة واحتج لطاوس بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه لا تجوز عطية امرأة في مالها الا بإذن زوجها أخرجه أبو داود والنسائي وقال بن بطال وأحاديث الباب أصح وحملها مالك على الشيء اليسير وجعل حده الثلث فما دونه وذكر المصنف منها ثلاثة أحاديث الأول حديث أسماء

[ 2450 ] قوله عن عبادة بن أبي مليكة في رواية حجاج عن بن جريج أخبرني بن أبي مليكة وقد تقدمت في الزكاة قوله عن عبادة بن عبد الله أي بن الزبير بن العوام وأسماء التي روي عنها هي بنت أبي بكر الصديق وهي جدته لأبيه وقد روى أيوب هذا الحديث عن بن أبي مليكة عن عائشة بغير واسطة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه النسائي وصرح أيوب عن بن أبي مليكة بتحديث عائشة له بذلك فيحمل على أنه سمعه من عباد عنها ثم حدثته به قوله مالي مال الا ما أدخل علي بالتشديد والزبير هو بن العوام كان زوجها قوله فأتصدق كذا للأكثر بحذف أداة الاستفهام وللمستملي بإثباتها قوله ولا توعي فيوعي الله عليك بالنصب لكونه جواب النهي وكذا

[ 2451 ] قوله في الرواية الثانية فيحصي الله عليك والمعنى لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك وقد تقدم شرحه مبسوطا في أوائل كتاب الزكاة قوله عن فاطمة هي بنت المنذر بن الزبير بن العوام وهي بنت عم هشام بن عروة الراوي عنها وزوجته وأسماء هي بنت أبي بكر جدتهما جميعا لابويهما الثاني حديث ميمونة عن يزيد هو بن أبي حبيب وبكير هو بن عبد الله بن الأشج وهذا الإسناد نصفه الأول مصريون ونصفه الآخر مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق يزيد وبكير وكريب

[ 2452 ] قوله أنها أعتقت وليدة أي جارية في رواية النسائي من طريق عطاء بن يسار عن ميمونة أنها كانت لها جارية سوداء ولم أقف على اسم هذه الجارية وبين النسائي من طريق أخرى عن الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي ميمونة في أصل هذه الحادثة أنها كانت سألت النبي صلى الله عليه وسلم خادما فأعطاها خادما فأعتقتها قوله أما بتخفيف الميم أنك بفتح الهمزة لو أعطيتها أخوالك أخوالها كانوا من بني هلال أيضا واسم أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث ذكرها بن سعد قوله لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك قال بن بطال فيه أن هبة ذي الرحم أفضل من العتق ويؤيده ما رواه الترمذي والنسائي وأحمد وصححه بن خزيمة وابن حبان من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعا الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة لكن لا يلزم من ذلك أن تكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقا لاحتمال أن يكون المسكين محتاجا ونفعه بذلك متعديا والآخر بالعكس وقد وقع في رواية النسائي المذكورة فقال أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم فبين الوجه في الأولوية المذكورة وهي احتياج قرابتها إلى من يخدمها وليس في الحديث أيضا حجة على أن صلة الرحم أفضل من العتق لأنها واقعة عين والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال كما قررته ووجهه دخول حديث ميمونة في الترجمة أنها كانت رشيدة وأنها أعتقت قبل أن تستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستدرك ذلك عليها بل أرشدها إلى ما هو الأولى فلو كان لا ينفذ لها تصرف في مالها لأبطله والله أعلم الثالث حديث عائشة وصدره طرف من قصة الإفك وسيأتي شرحها مستوفى في تفسير سورة النور وقوله وكان يقسم لكل امرأة منهن غير سودة الخ حديث مستقل وقد ترجم له في النكاح وأورده مفردا ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى وقد تبين توجيهه هناك في شرح الباب الذي قبله قال بن بطال ليس في أحاديث الباب ما يرد على مالك لأنه يحملها على ما زاد على الثلث انتهى وهو حمل سائغ إن ثبت المدعي وهو أنه لا يجوز لها تصرف فيما زاد على الثلث الا بإذن زوجها لما في ذلك من الجمع بين الأدلة والله أعلم قوله وقال بكر هو بن مضر عن عمرو هو بن الحارث عن بكير هو بن الأشج عن كريب أن ميمونة أعتقت وقع في رواية المستملي عتقته وهو غلط فاحش فقد ذكره المصنف في الباب الذي يليه بهذا الإسناد وقال فيه أعتقت وليدة لها وأراد المصنف بهذا التعليق شيئين أحدهما موافقة عمرو بن الحارث ليزيد بن أبي حبيب على قوله عن كريب وقد خالفهما محمد بن إسحاق فرواه عن بكير فقال عن سليمان بن يسار بدل بكير أخرجه أبو داود والنسائي من طريقه وقال الدارقطني ورواية يزيد وعمرو أصح ثانيهما أنه عند بكر بن مضر عن عمرو بصورة الإرسال قال فيه عن كريب أن ميمونة أعتقت فذكر قصة ما أدركها لكن قد رواه بن وهب عن عمرو بن الحارث فقال فيه عن كريب عن ميمونة أخرجه مسلم والنسائي من طريقه وطريق بكر بن مضر المعلقة وصلها البخاري في كتاب بر الوالدين له وهو مفرد وسمعناه من طريق أبي بكر بن دلويه عنه قال حدثنا عبد الله بن صالح هو كاتب الليث عن بكر بن مضر عنه

قوله باب بمن يبدأ بالهدية أي عند التعارض في أصل الاستحقاق

[ 2454 ] قوله وقال بكر هو بن مضر وعمرو وهو بن الحارث وقد مضى التنبيه على من وصله في الباب الذي قبله وحديث ميمونة فيه الاستواء في صفة ما من الاستحقاق فيقدم القريب على الغريب وحديث عائشة المذكور بعده فيه الاستواء في الصفات كلها فيقدم الأقرب في الذات

[ 2455 ] قوله عن أبي عمران الجوني هو عبد الملك والإسناد كله بصريون الا عائشة وقد دخلت البصرة قوله عن طلحة بن عبد الله رجل من بني تيم بن مرة في رواية حجاج بن منهال عن شعبة كما سيأتي في الأدب سمعت طلحة لكنه لم ينسبه وقد أزالت هذه الرواية اللبس الذي تقدمت الإشارة إليه في كتاب الشفعة ووقع عند الإسماعيلي من بني تيم الرباب بفتح الراء والموحدة الخفيفة وآخره موحدة أخرى وهو وهم والصواب تيم بن مرة وهو رهط أبي بكر الصديق وقد وافق محمد بن جعفر على ذلك يزيد بن هارون عن شعبة كما حكاه الإسماعيلي وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى وقوله بابا منصوب على التمييز

قوله باب من لم يقبل الهدية لعلة أي بسبب ينشأ عنه الريبة كالقرض ونحوه قوله وقال عمر بن عبد العزيز الخ وصله بن سعد بقصة فيه فروى من طريق فرات بن مسلم قال أشتهي عمر بن عبد العزيز التفاح فلم يجد في بيته شيئا يشتري به فركبنا معه فتلقاه غلمان الدير بأطباق تفاح فتناول واحدة فشمها ثم رد الأطباق فقلت له في ذلك فقال لا حاجة لي فيه فقلت ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية فقال إنها لأولئك هدية وهي للعمال بعدهم رشوة ووصله أبو نعيم في الحلية من طريق عمرو بن مهاجر عن عمر بن عبد العزيز في قصة أخرى وقوله رشوة بضم الراء وكسرها ويجوز الفتح وهي ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه وقال بن العربي الرشوة كل مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عونا على ما لا يحل والمرتشي قابضه والراشي معطيه والرائش الواسطة وقد ثبت حديث عبد الله بن عمرو في لعن الراشي والمرتشي أخرجه الترمذي وصححه وفي رواية والرائش والراشي ثم قال الذي يهدى لا يخلو أن يقصد ود المهدي إليه أو عونه أو ماله فأفضلها الأول والثالث جائز لأنه يتوقع بذلك الزيادة على وجه جميل وقد تستحب إن كان محتاجا والمهدي لا يتكلف وإلا فيكره وقد تكون سببا للمودة وعكسها وأما الثاني فإن كان لمعصية فلا يحل وهو الرشوة وإن كان لطاعة فيستحب وإن كان لجائز فجائز لكن إن لم يكن المهدي له حاكما والاعانة لدفع مظلمة أو إيصال حق فهو جائز ولكن يستحب له ترك الأخذ وإن كان حاكما فهو حرام اه ملخصا وفي معنى ما ذكره عمر حديث مرفوع أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي حميد مرفوعا هدايا العمال غلول وفي إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن غير أهل المدينة ضعيفة وهذا منها وقيل أنه رواه بالمعنى من قصة بن اللتبية المذكورة ثاني حديثي الباب وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وجابر ثلاثتها في الطبراني الأوسط بأسانيد ضعيفة ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدثهما حديث الصعب بن جثامة في قصة الحمار الوحشي وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الحج الثاني حديث أبي حميد في قصة بن اللتبية وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وسبق في أواخر الزكاة تسميته وضبط اللتبية ووجه دخولهما في الترجمة ظاهر وأما حديث الصعب فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين العلة في عدم قبوله هديته لكونه كان محرما والمحرم لا يأكل ما صيد لأجله واستنبط منه المهلب رد هدية من كان ماله حراما أو عرف بالظلم وأما حديث أبي حميد فلأنه صلى الله عليه وسلم عاب على بن اللتبية قبوله الهدية التي أهديت إليه لكونه كان عاملا وأفاد بقوله فهلا جلس في بيت أمه أنه أنه لو أهدي إليه في تلك الحالة لم تكره لأنها كانت لغير ريبة قال بن بطال فيه أن هدايا العمال تجعل في بيت المال وأن العامل لا يملكها الا أن طلبها له الإمام وفيه كراهة قبول هدية طالب العناية وقوله

[ 3457 ] في حديث أبي حميد حتى نظرت عفرة بضم المهملة وفتحها وسكون الفاء وقد تفتح بياض ليس بالناصع

قوله باب إذا وهب هبة أو وعد ثم مات قبل أن تصل اليه أي الهدية وفي رواية الكشميهني أو وعد عدة قال الإسماعيلي هذه الترجمة لا تدخل في الهبة بحال قلت قال ذلك بناء على أن الهبة لا تصح الا بالقبض وإلا فليست هبة وهذا مقتضى مذهبه لكن من يقول أنها تصح بدون القبض يسميها هبة وكأن البخاري جنح إلى ذلك وسأذكر نقل الخلاف فيه في الباب الذي يليه وقال بن بطال لم يرو عن أحد من السلف وجوب القضاء بالعدة أي مطلقا وإنما نقل عن مالك أنه يجب منه ما كان بسبب انتهى وغفل عما ذكره بن عبد البر عن عمر بن عبد العزيز وعما نقله هو عن أصبغ وعما سيأتي في البخاري الذي تصدى لشرحه في باب من أمر بانجاز الوعد في أواخر الشهادات وسيأتي نقل ما فيه والبحث فيه في مكانه إن شاء الله تعالى قوله وقال عبيدة بفتح أوله وهو بن عمرو السلماني بفتح المهملة وسكون اللام قوله ان ماتا أي المهدي والمهدي إليه الخ وتفصيله بين أن تكون انفصلت أم لا مصير منه إلى أن قبض الرسول يقوم مقام المهدي إليه وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدي إليه الا بأن يقبضها أو وكيله قوله وقال الحسن أيهما مات قبل فهي لورثة المهدي له إذا قبضها الرسول قال بن بطال قال مالك كقول الحسن وقال أحمد وإسحاق أن كان حاملها رسول المهدي رجعت إليه وأن كان حاملها رسول المهدي إليه فهي لورثته وفي معنى قول عبيدة وتفصيله حديث رواه أحمد والطبراني عن أم كلثوم بنت أبي سلمة وهي بنت أم سلمة قالت لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشي الا قد مات ولا أرى هديتي الا مردودة علي فإن ردت علي فهي لك قال وكان كما قال الحديث وإسناده حسن ثم ذكر المصنف حديث جابر في وفاء أبي بكر الصديق له ما وعده به النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي بسط شرحه في كتاب فرض الخمس إن شاء الله تعالى قال الإسماعيلي ليس ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لجابر هبة وإنما هي عدة على وصف لكن لما كان وعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخلف نزلوا وعده منزلة الضمان في الصحة فرقا بينه وبين غيره من الأمة ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي قلت وجه إيراده أنه نزل الهدية إذا لم تقبض منزلة الوعد بها وقد أمر الله بانجاز الوعد ولكن حمله الجمهور على الندب كما سيأتي

قوله باب كيف يقبض العبد والمتاع أي الموهوب قال بن بطال كيفية القبض عند العلماء بإسلام الواهب لها إلى الموهوب وحيازة الموهوب لذلك قال واختلفوا هل من شرط صحة الهبة الحيازة أم لا فحكى الخلاف وتحريره قول الجمهور أنها لا تتم الا بالقبض وعن القديم وبه قال أبو ثور وداود تصح بنفس العقد وأن لم تقبض وعن أحمد تصح بدون القبض في العين المعينة دون الشائعة وعن مالك كالقديم لكن قال أن مات الواهب قبل القبض وزادت على الثلث افتقر إلى إجازة الوارث ثم أن الترجمة في الكيفية لا في أصل القبض وكأنه أشار إلى قول من قال يشترط في الهبة حقيقة القبض دون التخلية وسأشير إليه بعد ثلاثة أبواب قوله وقال بن عمر كنت على بكر صعب الحديث تقدم ذكره وشرحه في كتاب البيوع ثم ذكر المصنف حديث المسور بن مخرمة في قصة أبيه في القباء وسيأتي الكلام عليه في كتاب اللباس وقوله

[ 2459 ] فقال خبأنا هذا لك قال فنظر إليه فقال رضي مخرمة قال الداودي هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الاستفهام أي هل رضيت وقال بن التين يحتمل أن يكون من قول مخرمة قلت وهو المتبادر للذهن

قوله باب إذا وهب هبة فقبضها الآخر ولم يقل قبلت أي جازت ونقل فيه بن بطال اتفاق العلماء وأن القبض في الهبة هو غاية القبول وغفل رحمه الله عن مذهب الشافعي فإن الشافعية يشترطون القبول في الهبة دون الهدية الا أن كانت الهبة ضمنية كما لو قال أعتق عبدك عني فعتقه عنه فإنه يدخل في ملكه هبة ويعتق عنه ولا يشترط القبول ومقابل إطلاق بن بطال قول الماوردي قال الحسن البصري لا يعتبر القبول في الهبة كالعتق قال وهو قول شذ به عن الجماعة وخالف فيه الكافة الا أن يريد الهدية فيحتمل اه على أن في اشتراط القبول في الهدية وجها عند الشافعية ثم أورده فيه حديث أبي هريرة في قصة المجامع في رمضان وقد تقدم شرحه مستوفى في الصيام والغرض منه أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الرجل التمر فقبضه ولم يقل قبلت ثم قال له أذهب فأطعمه أهلك ولمن اشترط القبول أن يجيب عن هذا بأنها واقعة عين فلا حجة فيها ولم يصرح فيها بذكر القبول ولا بنفيه وقد اعترض الإسماعيلي بأنه ليس في الحديث أن ذلك كان هبة بل لعله كان من الصدقة فيكون قاسما لا واهبا اه وقد تقدم في الصوم التصريح بأن ذلك كان من الصدقة وكأن المصنف يجنح إلى أنه لا فرق في ذلك

قوله باب إذا وهب دينا على رجل أي صح ولم يقبضه منه ويقبض له قال بن بطال لا خلاف بين العلماء في صحة الابراء من الدين إذا قبل البراءة قال وإنما اختلفوا إذا وهب دينا له على رجل لرجل آخر فمن اشترط في صحة الهبة القبض لم يصحح هذه ومن لم يشترطه صححها لكن شرط مالك أن تسلم إليه الوثيقة بالدين ويشهد له بذلك على نفسه أو يشهد بذلك ويعلنه أن لم يكن به وثيقة اه وعند الشافعية في ذلك وجهان جزم الماوردي بالبطلان وصححه الغزالي ومن تبعه وصحح العمراني وغيره الصحة قيل والخلاف مرتب على البيع أن صححنا بيع الدين من غير من عليه فالهبة أولى وأن منعناه ففي الهبة وجهان والله أعلم قوله وقال شعبة عن الحكم هو جائز وصله بن أبي شيبة عن أبي داود عن شعبة قال لي الحكم أتاني بن أبي ليلى يعني محمد بن عبد الرحمن فسألني عن رجل كان له على رجل دين فوهبه له أله أن يرجع فيه قلت لا قال شعبة فسألت حمادا فقال بلى له أن يرجع فيه قوله ووهب الحسن بن علي دينه لرجل لم أقف على من وصله قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان عليه حق فليعطه أو ليتحلله منه أي من صاحبه وصله مسدد في مسنده من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا من كان لأحد عليه حق فليعطه إياه أو ليتحلله منه الحديث وقد تقدم موصولا بمعناه في كتاب المظالم ووجه الدلالة منه لجواز هبة الدين أنه صلى الله عليه وسلم سوى بين أن يعطيه إياه أو يحلله منه ولم يشترط في التحليل قبضا قوله وقال جابر قتل أبي الخ وصله في الباب بأتم منه وتؤخذ الترجمة من قوله فسأل النبي صلى الله عليه وسلم غرماء والد جابر أن يقبلوا ثمر حائطه وأن يحللوه فلو قبلوا كان في ذلك براءة ذمته من بقية الدين ويكون في معنى الترجمة وهو هبة الدين ولو لم يكن جائزا لما طلبه النبي صلى الله عليه وسلم

[ 2461 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله وقال الليث حدثني يونس وصله الذهلي في الزهريات عن عبد الله بن صالح عن الليث وقد سبق من وجه آخر في الاستقراض ويأتي الكلام عليه مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى

قوله باب هبة الواحد للجماعة أي يجوز ولو كان شيئا مشاعا قال بن بطال غرض المصنف اثبات هبة المشاع وهو قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة كذا أطلق وتعقب بأنه ليس على إطلاقه وإنما يفرق في هبة المشاع بين ما يقبل القسمة وما لا يقبلها والعبرة بذلك وقت القبض لا وقت العقد قوله وقالت أسماء هي بنت أبي بكر الصديق والقاسم بن محمد هو بن أبي بكر وهو بن أخيها وابن أبي عتيق هو أبو بكر عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو بن بن أخي أسماء تنبيه ذكر بن التين أنه وقع عنده في رواية القابسي إسقاط الواو من قوله وابن أبي عتيق فصار القاسم بن محمد بن أبي عتيق وهو غلط ومع كونه غلطا فإنه يصير غير مناسب للترجمة قوله ورثت عن أختي عائشة لما ماتت عائشة رضي الله عنها ورثها أختاها أسماء وأم كلثوم وأولاد أخيها عبد الرحمن ولم يرثها أولاد محمد أخيها لأنه لم يكن شقيقها وكأن أسماء أرادت جبر خاطر القاسم بذلك وأشركت معه عبد الله لأنه لم يكن وارثا لوجود أبيه ثم أورد المصنف حديث سهل بن سعد في قصة شرب الأيمن فالأيمن وقد تقدم في المظالم ويأتي الكلام عليه مستوفى في الأشربة وقد اعترض الإسماعيلي بأنه ليس في حديث سهل ما ترجم به وإنما هو من طريق الارفاق وأطال في ذلك والحق كما قال بن بطال أنه صلى الله عليه وسلم سأل الغلام أن يهب نصيبه للأشياخ وكان نصيبه منه مشاعا غير متميز فدل على صحة هبة المشاع والله أعلم

قوله باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة والمقسومة وغير المقسومة أما المقبوضة فتقدم حكمها وأما غير المقبوضة فالمراد القبض الحقيقي وأما القبض التقديري فلا بد منه لأن الذي ذكره من هبة الغانمين لوفد هوازن ما غنموا قبل أن يقسم فيهم ويقبضوه فلا حجة فيه على صحة الهبة بغير قبض لأن قبضهم إياه وقع تقديريا باعتبار حيازتهم له على الشيوع نعم قال بعض العلماء يشترط في الهبة وقوع القبض الحقيقي ولا يكفي القبض التقديري بخلاف البيع وهو وجه للشافعية وأما الهبة المقسومة فحكمها واضح وأما غير المقسومة فهو المقصود بهذه الترجمة وهي مسألة هبة المشاع والجمهور على صحة هبة المشاع للشريك وغيره سواء انقسم أولا وعن أبي حنيفة لا يصح هبة جزء مما ينقسم مشاعا لا من الشريك ولا من غيره قوله وقد وهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهوازن ما غنموا منهم وهو غير مقسوم سيأتي موصولا في الباب الذي يليه بأتم من هذا وقوله وهو غير مقسوم من تفقه المصنف قوله حدثني ثابت هو بن محمد العابد وثبت كذلك عند أبي علي بن السكن كذا للأكثر وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وفي رواية أبي زيد المروزي وقال ثابت ذكره بصورة التعليق وهو موصول عند الإسماعيلي وغيره وفي رواية أبي أحمد الجرجاني قال البخاري حدثنا محمد حدثنا ثابت فزاد بالإسناد محمدا ولم يتابع على ذلك والذي أظنه أن المراد بمحمد هو البخاري المصنف ويقع ذلك كثيرا فلعل الجرجاني ظنه غيره والله أعلم وسيأتي الكلام على حديث جابر في الشروط ثم أورد المصنف حديث سهل بن سعد المذكور في الباب الذي قبله وقد قدمت توجيهه ثم أورد حديث أبي هريرة في الذي كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقال اشتروا له سنا وقد تقدم شرحه في الاستقراض وتوجيهه ظاهر أيضا وعبد الله بن عثمان شيخ المصنف فيه هو المعروف بعبدان

قوله باب إذا وهب جماعة لقوم زاد الكشميهني في روايته أو وهب رجل جماعة جاز وهذه الزيادة غير محتاج إليها لأنها تقدمت مفردة قبل بباب فقد أورد فيه حديث المسور في قصة هوازن وسيأتي مستوفى في غزوة حنين في المغازي ووجه الدلالة منه لأصل الترجمة ظاهر لأن الغانمين وهم جماعة وهبوا بعض الغنيمة لمن غنموها منهم وهم قوم هوازن وأما الدلالة لزيادة الكشميهني فمن جهة أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم معين وهو سهم الصفى فوهبه لهم أو من جهة أنه صلى الله عليه وسلم استوهب من الغانمين سهامهم فوهبوها له فوهبها هو لهم

قوله باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق بها أي منهم قوله ويذكر عن بن عباس أن جلساءه شركاؤه ولم يصح هذا الحديث جاء عن بن عباس مرفوعا وموقوفا والموقوف أصلح إسنادا من المرفوع فأما المرفوع فوصله عبد بن حميد من طريق بن جريج عن عمرو بن دينار عن بن عباس مرفوعا من أهديت له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف ورواه محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو كذلك واختلف على عبد الرزاق عنه في رفعه ووقفه والمشهور عنه الوقف وهو أصح الروايتين عنه وله شاهد مرفوع من حديث الحسن بن علي في مسند إسحاق بن راهويه وآخر عن عائشة عند العقيلي واسنادهما ضعيف أيضا قال العقيلي لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء قال بن بطال لو صح حديث بن عباس لحمل على الندب فيما خف من الهدايا وما جرت العادة بترك المشاحة فيه ثم ذكر حكاية أبي يوسف المشهورة وفيما قاله نظر لأنه لو صح لكانت العبرة بعموم اللفظ فلا يخص القليل من الكثير الا بدليل وأما حمله على الندب فواضح ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث أبي هريرة في قصة الذي كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقال اشتروا له سنا الحديث وقد تقدم شرحه في الاستقراض ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب لصاحب السن القدر الزائد على حقه ولم يشاركه فيه غيره وهذا مصير من المصنف إلى اتحاد حكم الهبة والهدية وقد تقدم ما فيه ثانيهما حديث بن عمر في هبة النبي صلى الله عليه وسلم له البكر الذي كان راكبه وقد تقدم شرحه في البيوع ووجه الدلالة منه للترجمة ظاهر كما تقرر من حديث أبي هريرة وقد نازعه الإسماعيلي فيه والذي يظهر أن المصنف أراد الحاق المشاع في ذلك بغير المشاع والحاق الكثير بالقليل لعدم الفارق

قوله باب إذا وهب بعيرا لرجل وهو راكبه فهو جائز أي وتنزل التخلية منزلة النقل فيكون ذلك قبضا فتصح الهبة وقد تقدم توجيه ذلك

[ 2469 ] قوله وقال الحميدي الخ وصله أبو نعيم في المستخرج من مسند الحميدي بهذا السند وقد تقدم في باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته من كتاب البيوع

قوله باب هدية ما يكره لبسها كذا للأكثر وما يصلح للمذكر والمؤنث فأنث هنا باعتبار الحلة ووقع في رواية النسفي ما يكره لبسه وبه ترجم الإسماعيلي وابن بطال والمراد بالكراهة ما هو أعم من التحريم والتنزيه وهدية ما لا يجوز لبسه جائزة فإن لصاحبه التصرف فيه بالبيع والهبة لمن يجوز لباسه كالنساء ويستفاد من الترجمة الإشارة إلى منع ما لا يستعمل أصلا للرجال والنساء كآنية الأكل والشرب من ذهب وفضة ثم أورد المصنف فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن عمر في حلة عطارد وسيأتي شرحه في كتاب اللباس ومناسبته للترجمة ظاهرة ثانيها حديث بن عمر في قصة فاطمة

[ 2471 ] قوله حدثنا محمد بن جعفر أبو جعفر جزم الكلاباذي بأنه الفيدي نسبة إلى فيد بفتح الفاء وسكون التحتانية بلد بين بغداد ومكة في نصف الطريق سواء وكان نزلها فنسب إليها ويحتمل عندي أن يكون هو أبو جعفر القومسي الحافظ المشهور فقد أخرج عنه البخاري حديثا غير هذا في المغازي وإنما جوزت ذلك لأن المشهور في كنية الفيدي أبو عبد الله بخلاف القومسي فكنيته أبو جعفر بلا خلاف قوله حدثنا بن فضيل عن أبيه هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي وليس لفضيل عن نافع عن بن عمر في البخاري سوى هذا الحديث قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يدخل عليها زاد في روايةابن نمير عن فضيل عند أبي داود والإسماعيلي وابن حبان قال وقلما كان يدخل الا بدأ بها قوله فذكرت ذلك له زاد في رواية بن نمير فجاء علي فرآها مهتمة قوله فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم في رواية الأصيلي فذكره وفي رواية بن نمير فقال يا رسول الله إن فاطمة أشتد عليها أنك جئت فلم تدخل عليها قوله سترا موشيا بضم الميم وسكون الواو بعدها معجمة ثم تحتانية قال بن التين أصلها موشيا فالتقى حرفا علة وسبق الأول بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الأخرى وكسرت الأولى لأجل التي بعدها فصار على وزن مرضى ومطلى ويجوز فيه موشى بوزن موسى وقال المطرزي الوشي خلط لون بلون ومنه وشى الثوب إذا رقمه ونقشه وقال بن الجوزي الموشى المخطط بألوان شتى قوله مالي وللدنيا زاد بن نمير مالي وللمرقم أي المرقوم والرقم النقش قوله قال ترسلي به كذا لأبي ذر ترسلي بحذف النون هي لغة أو يقدر أن فحذفت لدلالة السياق وفي رواية للأكثر ترسل بضم اللآم بغير ياء قوله أهل بيت بهم حاجة يجر أهل على البدل ولم أعرفهم بعد وفي الحديث كراهة دخول البيت الذي فيه ما يكره وأورد بن حبان عقب هذا الحديث حديث سفينة فقال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل بيتا مزوقا وترجم عليه البيان بأن ذلك لم يكن منه صلى الله عليه وسلم في بيت فاطمة دون غيرها وفيما قاله نظر الا أن حملنا التزويق على ما هو أعم مما يصنع في نفس الجدار أو يعلق عليه قال المهلب وغيره كره النبي صلى الله عليه وسلم لابنته ما كره لنفسه من تعجيل الطيبات في الدنيا لا أن ستر الباب حرام وهو نظير قوله لها لما سألته خادما ألا أدلك على خير من ذلك فعلمها الذكر عند النوم ثالثها حديث علي في الحلة وفيه

[ 2472 ] قوله فشققتها بين نسائي وسيأتي شرحه في كتاب اللباس ومناسبته ظاهرة من قوله فرأيت الغضب في وجهه فإنه دال على أنه كره له لبسها مع كونه أهداها له

قوله باب قبول الهدية من المشركين أي جواز ذلك وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك وهو ما أخرجه موسى بن عقبة في المغازي عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له فقال إني لا أقبل هدية مشرك الحديث رجاله ثقات الا أنه مرسل وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح وفي الباب حديث عياض بن حماد أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عياض قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال أسلمت قلت لا قال إني نهيت عن زبد المشركين والزبد بفتح الزاي وسكون الموحدة الرق صححه الترمذي وابن خزيمة وأورد المصنف عدة أحاديث دالة على الجواز فجمع بينها الطبري بأن الامتناع فيما أهدي له خاصة والقبول فيما أهدي للمسلمين وفيه نظر لأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له خاصة وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى في بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام وهذا أقوى من الأول وقيل يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب والرد على من كان من أهل الأوثان وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء وأن ذلك من خصائصه ومنهم من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول ومنهم من عكس وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة فالنسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بسارة الحديث أورده مختصرا وسيأتي موصولا مع الكلام عليه في أحاديث الأنبياء ووجه الدلالة منه ظاهر وهو مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه ولا سيما إذا لم يرد من شرعنا إنكاره قوله وأهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ذكره موصولا في هذا الباب قوله وقال أبو حميد أهدى ملك أيلة بفتح الهمزة وسكون التحتانية بلد معروف بساحل البحر في طريق المصريين إلى مكة وهي الآن خراب وقد تقدم الحديث مطولا في الزكاة وقوله وكتب إليه ببحرهم أي ببلدهم وحمله الداودي على ظاهره فوهم ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث أنس في جبة السندس وسيأتي شرحها في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى

[ 2473 ] قوله أهدي بضم أوله على البناء للمجهول قوله وكان ينهى أي النبي صلى الله عليه وسلم عن الحرير وهي جملة حالية قوله وقال سعيد هو بن أبي عروبة الخ وصله أحمد عن روح عن سعيد وهو بن أبي عروبة به وقال فيه جبة سندس أو ديباج شك سعيد وسيأتي بيان ما فيه من التخالف مع بقية شرحه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وأراد البخاري منه بيان الذي أهدى لتظهر مطابقته للترجمة وقد أخرجه مسلم من طريق عمرو بن عامر عن قتادة فقال فيه ان أكيدر دومة الجندل وأكيدر دومة هو أكيدر تصغير أكدر ودومة بضم المهملة وسكون الواو بلد بين الحجاز والشام وهي دومة الجندل مدينة بقرب تبوك بها نخل وزرع وحصن على عشر مراحل من المدينة وثمان من دمشق وكان أكيدر ملكها وهو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن بالجيم والنون بن اعباء بن الحارث بن معاوية ينسب إلى كندة وكان نصرايا وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه خالد بن الوليد في سرية فأسره وقتل أخاه حسان وقدم به المدينة فصالحه النبي صلى الله عليه وسلم على الجزية وأطلقه ذكر بن إسحاق قصته مطولة في المغازي وروى أبو يعلى بإسناد قوي من حديث قيس بن النعمان أنه لما قدم أخرج قباء من ديباج منسوجا بالذهب فرده النبي صلى الله عليه وسلم عليه ثم أنه وجد في نفسه من رد هديته فرجع به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ادفعه إلى عمر الحديث وفي حديث علي عند مسلم أن أكيدر دومة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم فيستفاد منه أن الحلة التي ذكرها علي في الباب الذي قبله هي هذه التي أهداها أكيدر وسيأتي المراد بالفواطم في اللباس إن شاء الله تعالى ثانيها حديث أنس أيضا أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها الحديث وسيأتي شرحه في غزوة خيبر من المغازي واسم اليهودية المذكورة زينب وقد اختلف في اسلامها كما سيأتي

[ 2474 ] قوله فأكل منها فجيء بها زاد مسلم وأحمد في روايته من الوجه المذكور هنا فأكل منه فقال أنها جعلت فيه سما وزاد مسلم بعد قوله فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال ما كان الله ليسلطك علي قوله فقيل ألا نقتلها في رواية أحمد ومسلم فقالوا يا رسول الله قوله في لهوات بفتح اللام جمع لهاة وهي سقف الفم أو اللحمة المشرفة على الحلق وقيل هي أقصى الحلق وقيل ما يبدو من الفم عند التبسم ثالثها حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وقد تقدم بعضه بهذا الإسناد في البيوع

[ 2475 ] قوله عن أبيه هو سليمان بن طرخان التيمي والإسناد كله بصريون الا الصحابي قوله صاع من طعام أو نحوه بالرفع والضمير للصاع قوله ثم جاء رجل مشرك لم أقف على اسمه ولا على اسم صاحب الصاع المذكور قوله مشعان بضم الميم وسكون المعجمة بعدها مهملة وآخره نون ثقيلة فسره المصنف في آخر الحديث في رواية المستملي بأنه الطويل جدا فوق الطول وزاد غيره مع افراد الطول شعث الرأس وقد تقدم وكأنه أقوى لأنه سيأتي في الأطعمة من وجه آخر بلفظ مشعان طويل ويحتمل أن يكون قوله طويل تفسير المشعان وقال القزاز المشعان الجافي الثائر الرأس قوله بيعا أم عطية انتصب على فعل مقدر قوله فاشترى منه شاة في رواية الكشميهني فاشترى منها أي من الغنم قوله بسواد البطن هو الكبد أو كل ما في البطن من كبد وغيرها قوله وأيم الله هو قسم وقد تقدم أنه يقال بالهمز وبالوصل وغير ذلك قوله أعطاها إياه هو من القلب وأصله أعطاه إياها قوله فأكلوا أجمعون يحتمل أن يكونوا اجتمعوا على القصعتين فيكون فيه معجزة أخرى لكونهما وسعتا أيدي القوم ويحتمل أن يريد أنهم أكلوا كلهم في الجملة أعم من الاجتماع والافتراق قوله ففضلت القصعتان فحملناه أي الطعام ولو أراد القصعتين لقال حملناهما ووقع في رواية المصنف في الأطعمة وفضل في القصعتين وكذا أخرجه مسلم والضمير على هذا للقدر الذي فضل قوله أو كما قال شك من الراوي وفي هذا الحديث قبول هدية المشرك لأنه سأله هل يبيع أو يهدي وفيه فساد قول من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي لأن هذا الأعرابي كان وثنيا وفيه المواساة عند الضرورة وظهور البركة في الاجتماع على الطعام والقسم لتأكيد الخبر وأن كان المخبر صادقا ومعجزة ظاهرة وآية باهرة من تكثير القدر اليسير من الصاع ومن اللحم حتى وسع الجمع المذكور وفضل منه ولم أر هذه القصة الا من حديث عبد الرحمن وقد ورد تكثير الطعام في الجملة من أحاديث جماعة من الصحابة محل الإشارة إليها علامات النبوة وستأتي إن شاء الله تعالى

قوله باب الهدية للمشركين وقول الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ساق إلى آخر الآية وهي رواية أبي ذر وأبي الوقت وساق الباقون إلى قوله وتقسطوا إليهم والمراد منها بيان من يجوز بره منهم وأن الهدية للمشرك اثباتا ونفيا ليست على الإطلاق ومن هذه المادة قوله تعالى وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا الآية ثم البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه في قوله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل والله أعلم وأورد فيه حديثين أحدهما حديث بن عمر في حلة عطارد وقد سبق قريبا والغرض منه

[ 2476 ] قوله فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم واسم هذا الأخ عثمان بن حكيم وكان أخا عمر من أمه أمهما خيثمة بنت هشام بن المغيرة وهي بنت عم أبي جهل بن هشام بن المغيرة وقال الدمياطي إنما كان عثمان بن حكيم أخا زيد بن الخطاب أخي عمر لأمه أمهما أسماء بنت وهب قلت أن ثبت احتمل أن تكون أسماء بنت وهب أرضعت عمر فيكون عثمان بن حكيم أخاه أيضا من الرضاعة كما هو أخو أخيه زيد من أمه ثانيهما حديث أسماء بنت أبي بكر

[ 2477 ] قوله عن هشام هو بن عروة وفي رواية بن عيينة الآتية في الأدب أخبرني أبي قوله عن أسماء بنت أبي بكر في رواية بن عيينة المذكورة أخبرتني أسماء كذا قال أكثر أصحاب هشام وقال بعض أصحاب بن عيينة عنه عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء قال الدارقطني وهو خطأ قلت حكى أبو نعيم أن عمر بن علي المقدمي ويعقوب القارئ روياه عن هشام كذلك فيحتمل أن يكونا محفوظين ورواه أبو معاوية وعبد الحميد بن جعفر عن هشام فقالا عن عروة عن عائشة وكذا أخرجه بن حبان من طريق الثوري عن هشام والأول أشهر قال البرقاني وهو أثبت اه ولا يبعد أن يكون عند عروة عن أمه وخالته فقد أخرجه بن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير قال قدمت قتيلة بالقاف والمثناة مصغرة بنت عبد العزى بن سعد من بني مالك بن حسل بكسر الحاء وسكون السين المهملتين على ابنتها أسماء بنت أبي بكر في الهدنة وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية بهدايا زبيب وسمن وقرظ فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها وأرسلت إلى عائشة سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لتدخلها الحديث وعرف منه تسمية أم أسماء وأنها أمها حقيقة وأن من قال أنها أمها من الرضاعة فقد وهم ووقع عند الزبير بن بكار أن اسمها قيلة ورأيته في نسخة مجردة منه بسكون التحتانية وضبطه بن ماكولا بسكون المثناة فعلى هذا فمن قال قتيلة صغرها قال الزبير أم أسماء وعبد الله ابني أبي بكر قيلة بنت عبد العزي وساق نسبها إلى حسل بن عامر بن لؤي وأما قول الداودي أن اسمها أم بكر فقد قال بن التين لعله كنيتها قوله قدمت علي أمي زاد الليث عن هشام كما سيأتي في الأدب مع ابنها وكذا في رواية حاتم بن إسماعيل عن هشام كما سيأتي في أواخر الجزية وذكر الزبير أن اسم ابنها المذكور الحارث بن مدرك بن عبيد بن عمرو بن مخزوم ولم أر له ذكرا في الصحابة فكأنه مات مشركا وذكر بعض شيوخنا أنه وقع في بعض النسخ مع أبيها بموحدة ثم تحتانية وهو تصحيف قوله وهي مشركة سأذكر ما قيل في اسلامها قوله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية حاتم في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد بذلك ما بين الحديبية والفتح وسيأتي بيانه في المغازي قوله فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أن أمي قدمت وهي راغبة في رواية حاتم فقالت يا رسول الله أن أمي قدمت علي وهي راغبة ولمسلم من طريق عبد الله بن إدريس عن هشام راغبة أو راهبة بالشك وللطبراني من طريق عبد الله بن إدريس المذكور راغبة وراهبة وفي حديث عائشة عند بن حبان جاءتني راغبة وراهبة وهو يؤيد رواية الطبراني والمعنى أنها قدمت طالبة في بر ابنتها لها خائفة من ردها إياها خائبة هكذا فسره الجمهور ونقل المستغفري أن بعضهم أوله فقال وهي راغبة في الإسلام فذكرها لذلك في الصحابة ورده أبو موسى بأنه لم يقع في شيء من الروايات ما يدل على اسلامها وقولها راغبة أي في شيء تأخذه وهي على شركها ولهذا استأذنت أسماء في أن تصلها ولو كانت راغبة في الإسلام لم تحتج إلى إذن اه وقيل معناه راغبة عن ديني أو راغبة في القرب مني ومجاورتي والتودد إلي لأنها ابتدأت أسماء بالهدية التي أحضرتها ورغبت منها في المكافأة ولو حمل قوله راغبة أي في الإسلام لم يستلزم اسلامها ووقع في رواية عيسى بن يونس عن هشام عند أبي داود والإسماعيلي راغمة بالميم أي كارهة للإسلام ولم تقدم مهاجرة وقال بن بطال قيل معناه هاربة من قومها ورده بأنه لو كان كذلك لكان مراغمة قال وكان أبو عمرو بن العلاء يفسر قوله مراغما بالخروج عن العدو على رغم أنفه فيحتمل أن يكون هذا كذلك قال وراغبة بالموحدة أظهر في معنى الحديث قوله صلي أمك زاد في الأدب عقب حديثه عن الحميدي عن بن عيينة قال بن عيينة فأنزل الله فيها لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين وكذا وقع في آخر حديث عبد الله بن الزبير ولعل بن عيينة تلقاه منه وروى بن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين شيء جانبا للمسلمين وأحسنه أخلاقا قلت ولا منافاة بينهما فإن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء وقيل نسخ ذلك آية الأمر بقتل المشركين حيث وجدوا والله أعلم وقال الخطابي فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه كما توصل المسلمة ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة وأن كان الولد مسلما اه وفيه موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة والسفر في زيارة القريب وتحري أسماء في أمر دينها وكيف لا وهي بنت الصديق وزوج الزبير رضي الله عنهم

قوله باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته كذا بت الحكم في هذه المسألة لقوة الدليل عنده فيها وتقدم في باب الهبة للولد أنه أشار في الترجمة إلى أن للوالد الرجوع فيما وهبه للولد فيمكن أنه يرى صحة الرجوع له وأن كان حراما بغير عذر واختلف السلف في أصل المسألة وقد أشرنا إلى تفاصيل مذاهبهم في باب الهبة للولد ولا فرق في الحكم بين الهدية والهبة وأما الصدقة فاتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض وأورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث بن عباس من طريقين إحداهما

[ 2478 ] قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام هو الدستوائي وشعبة كذا أخرجه وتابعه أبو قلابة عند أبي عوانة وأبو خليفة عند الإسماعيلي وعلي بن عبد العزيز عند البيهقي كلهم عن مسلم بن إبراهيم ورواه أبو داود عن مسلم المذكور فقال حدثنا شعبة وأبان وهمام وتابعه إسماعيل القاضي عن مسلم بن إبراهيم عند أبي نعيم فكأنه كان عند مسلم عن جماعة قوله عن سعيد بن المسيب عن بن عباس في رواية شهر عن شعبة أخبرني قتادة سمعت سعيد بن المسيب يحدث أنه سمع بن عباس أخرجه أحمد قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية بكير بن الأشج عن سعيد بن المسيب سمعت بن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أخرجه مسلم قوله العائد في هبته كالعائد في قيئه زاد أبو داود في آخره قال همام قال قتادة ولا أعلم القيء الا حراما الطريق الثانية

[ 2479 ] قوله وحدثني عبد الرحمن بن المبارك هو العيشي بتحتانية ومعجمة بصري يكنى أبا بكر وليس أخا لعبد الله بن المبارك المشهور والإسناد كله بصريون الا بن عباس وعكرمة وقد سكناها مدة قوله ليس لنا مثل السوء أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها قال الله سبحانه وتعالى للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدل على التحريم مما لو قال مثلا لا تعودوا في الهبة وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهور العلماء الا هبة الوالد لولده جمعا بين هذا الحديث وحديث النعمان الماضي وقال الطحاوي قوله لا يحل لا يستلزم التحريم وهو كقوله لا تحل الصدقة لغني وإنما معناه لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة وأراد بذلك التغليظ في الكراهة قال وقوله كالعائد في قيئه وأن اقتضى التحريم لكون القيء حراما لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله كالكلب تدل على عدم التحريم لأن الكلب غير متعبد فالقيء ليس حراما عليه والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب وتعقب باستبعاد ما تأوله ومنافرة سياق الأحاديث له وبأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر كقوله من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير قوله الذي يعود في هبته أي العائد في هبته إلى الموهوب وهو كقوله تعالى أو لتعودن في ملتنا قوله كالكلب يرجع في قيئه هذا التمثيل وقع في طريق سعيد بن المسيب أيضا عند مسلم أخرجه من رواية أبي جعفر محمد بن علي الباقر عنه بلفظ مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يرجع في قيئه فيأكله وله في رواية بكير المذكورة إنما مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يأكل قيئه الحديث الثاني حديث عمر

[ 2480 ] قوله حدثنا يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والمهملة مكي قديم لم يخرج له غير البخاري قوله عن زيد بن أسلم سيأتي في آخر حديث في الهبة عن الحميدي حدثنا سفيان سمعت مالكا يسأل زيد بن أسلم فقال سمعت أبي فذكره مختصرا ولمالك في إسناد آخر سيأتي في الجهاد عن نافع عن بن عمر وله في إسناد ثالث عن عمرو بن دينار عن ثابت الأحنف عن بن عمر أخرجه بن عبد البر قوله سمعت عمر بن الخطاب زاد بن المديني عن سفيان على المنبر وهي في الموطآت للدارقطني قوله حملت على فرس زاد القعنبي في الموطأ عتيق والعتيق الكريم الفائق من كل شيء وهذا الفرس أخرج بن سعد عن الواقدي بسنده عن سهل بن سعد في تسمية خيل النبي صلى الله عليه وسلم قال وأهدى تميم الداري له فرسا يقال له الورد فأعطاه عمر فحمل عليه عمر في سبيل الله فوجده يباع الحديث فعرف بهذا تسميته وأصله ولا يعارضه ما أخرجه مسلم ولم يسق لفظه وساقه أبو عوانة في مستخرجه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن عمر حمل على فرس في سبيل الله فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا لأنه يحمل على أن عمر لما أراد أن يتصدق به فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار من يتصدق به عليه أو استشاره فيمن يحمله عليه فأشار به عليه فنسبت إليه العطية لكونه أمره بها قوله في سبيل الله ظاهره أنه حمله عليه حمل تمليك ليجاهد به إذ لو كان حمل تحبيس لم يجز بيعه وقيل بلغ إلى حالة لا يمكن الانتفاع به فيما حبس فيه وهو مفتقر إلى ثبوت ذلك ويدل على أنه تمليك قوله العائد في هبته ولو كان حبس لقال في حبسه أو وقفه وعلى هذا المراد بسبيل الله الجهاد لا الوقف فلا حجة فيه لمن أجاز بيع الموقوف إذا بلغ غاية لا يتصور الانتفاع به فيما وقف له قوله فأضاعه أي لم يحسن القيام عليه وقصر في مؤونته وخدمته وقيل أي لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته وقيل معناه استعمله في غير ما جعل له والأول أظهر ويؤيده رواية مسلم من طريق روح بن القاسم عن زيد بن أسلم فوجده قد أضاعه وكان قليل المال فأشار إلى علة ذلك وإلى العذر المذكور في إرادة بيعه قوله لا تشتره سمي الشراء عودا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة بين البائع في مثل ذلك للمشتري فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعا وأشار إلى الرخص بقوله وأن أعطاكه بدرهم ويستفاد من قوله وأن أعطاكه بدرهم أن البائع كان قد ملكه ولو كان محبسا كما ادعاه من تقدم ذكره وجاز بيعه لكونه صار لا ينتفع به فيما حبس له لما كان له أن يبيعه الا بالقيمة الوافرة ولا كان له أن يسامح منها بشيء ولو كان المشتري هو المحبس والله أعلم وقد استشكله الإسماعيلي وقال إذا كان شرط الواقف ما تقدم ذكره في حديث بن عمر في وقف عمر لا يباع أصله ولا يوهب فكيف يجوز أن يباع الفرس الموهوب وكيف لا ينهى بائعه أو يمنع من بيعه قال فلعل معناه أن عمر جعله صدقة يعطيها من يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطاءه فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم الرجل المذكور فجرى منه ما ذكر ويستفاد من التعليل المذكور أيضا أنه لو وجده مثلا يباع بأغلى من ثمنه لم يتناوله النهي قوله فان العائد في صدقته الخ حمل الجمهور هذا النهي في صورة الشراء على التنزيه وحمله قوم على التحريم قال القرطبي وغيره وهو الظاهر ثم الزجر المذكور مخصوص بالصورة المذكورة وما أشبهها لا ما إذا رده إليه الميراث مثلا قال الطبري يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ومن كان والدا والموهوب ولده والهبة التي لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب الفقير ونحو من يصل رحمه فلا رجوع لهؤلاء قال ومما لا رجوع فيه مطلقا الصدقة يراد بها ثواب الآخرة وقد استشكل ذكر عمر مع ما فيه من اذاعة عمل البر وكتمانه أرجح وأجيب بأنه تعارض عنده المصلحتان الكتمان وتبليغ الحكم الشرعي فرجح الثاني فعمل به وتعقب بأنه كان يمكنه أن يقول حمل رجل على فرس مثلا ولا يقول حملت فيجمع بين المصلحتين والظاهر أن محل رجحان الكتمان إنما هو قبل الفعل وعنده وأما بعد وقوعه فلعل الذي أعطيه أذاع ذلك فانتفى الكتمان ويضاف إليه أن في اضافته ذلك إلى نفسه تأكيدا لصحة الحكم المذكور لأن الذي تقع له القصة أجدر بضبطها ممن ليس عنده الا وقوعها بحضوره فلما أمن ما يخشى من الاعلان بالقصد صرح بإضافة الحكم إلى نفسه ويحتمل أن يكون محل ترجيح الكتمان لمن يخشى على نفسه من الاعلان للعجب والرياء أما من أمن من ذلك كعمر فلا

قوله باب كذا للجميع بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله ومناسبته لها أن الصحابة بعد ثبوت عطية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لصهيب لم يستفصلوا هل رجع أم لا فدل على أن لا أثر للرجوع في الهبة

[ 2481 ] قوله ان بني صهيب هو بن سنان الرومي وقد تقدم أصله في العرب في باب شراء المملوك من الحربي من كتاب البيوع وقوله مولى بني جدعان كذا في رواية الكشميهني وللباقين مولى بن جدعان وهي رواية الإسماعيلي من طريق أبي حاتم عن إبراهيم بن موسى شيخ البخاري فيه وابن جدعان هو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وأما صهيب فكان له من الولد ممن روى عنه حمزة وسعد وصالح وصيفي وعباد وعثمان ومحمد وحبيب قوله فقال مروان هو بن الحكم حيث كان أمير المدينة لمعاوية وكان موت صهيب بالمدينة في أواخر خلافة علي قوله من يشهد لكما كذا فيه بالتثنية وبقية القصة بصيغة الجمع فيحمل على أن المتولي للدعوى بذلك منهم كانا اثنين ورضي الباقون بذلك فنسب إليهم تارة بصيغة الجمع وتارة بصيغة التثنية على أن في رواية الإسماعيلي فقال مروان من يشهد لكم ولا اشتكال فيه وأجاب الكرماني بأن أقل الجمع اثنان عند بعضهم قوله لأعطي بفتح اللام هي لام القسم كأنه أعطى الشهادة حكم القسم أو فيه قسم مقدر أو عبر عن الخبر بالشهادة والخبر يؤكد بالقسم كثيرا وأن كان السامع غير منكر ويؤيد كونه خبرا أن مروان قضى لهم بشهادة بن عمر وحده ولو كانت شهادة حقيقة لاحتاج إلى شاهد آخر ودعوى بن بطال أنه قضى لهم بشهادته ويمينهم فيه نظر لأنه لم يذكر في الحديث وقد استدل به بعض المتأخرين لقول بعض السلف كشريح أنه يكفي الشاهد الواحد إذا انضمت إليه قرينة تدل على صدقه وترجم أبو داود في السنن باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم وساق قصة خزيمة بن ثابت في سبب تسميته ذا الشهادتين وهي مشهورة والجمهور على أن ذلك خاص بخزيمة والله أعلم وقال بن التين يحتمل أن يكون مروان أعطى ذلك من يستحق عنده العطاء من مال الله فإن كان النبي عليه الصلاة والسلام أعطاه كان تنفيذا له وأن لم يكن كان هو المنشيء للعطاء وقد يكون ذلك خاصا بالفيء كما وقع في قصة أبي قتادة حيث قضى له بدعواه وشهادة من كان عنده السلب قوله بيتين وحجرة ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة أن بيت صهيب كان لأم سلمة فوهبته لصهيب فلعلها فعلت ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أو نسب إليها بطريق المجاز وكان في الحقيقة للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه لصهيب أو هو بيت آخر غير ما وقعت به الدعوى المذكورة

قوله باب ما قيل في العمري والرقبى أي ما ورد في ذلك من الأحكام ثبت للأصيلي وكريمة بسملة قبل الباب والعمري بضم المهملة وسكون الميم مع القصر وحكى ضم الميم مع ضم أوله وحكى فتح أوله مع السكون مأخوذ من العمر والرقبى بوزنها مأخوذة من المراقبة لأنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية فيعطي الرجل الدار ويقول له أعمرتك إياها أي أبحتها لك مدة عمرك فقيل لها عمري بذلك وكذا قيل لها رقبى لأن كلا منهما يرقب متى يموت الأخر لترجع إليه وكذا ورثته فيقومون مقامه في ذلك هذا أصلها لغة وأما شرعا فالجمهور على أن العمري إذا وقعت كانت ملكا للآخذ ولا ترجع إلى الأول الا أن صرح باشتراط ذلك وذهب الجمهور إلى صحة العمري إلى ما حكاه أبو الطيب الطبري عن بعض الناس والماوردي عن داود وطائفة لكن بن حزم قال بصحتها وهو شيخ الظاهرية ثم اختلفوا إلى ما يتوجه التمليك فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات حتى لو كان المعمر عبدا فأعتقه الموهوب له نفذ بخلاف الواهب وقيل يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة وهو قول مالك والشافعي في القديم وهل يسلك به مسلك العارية أو الوقف روايتان عند المالكية وعن الحنفية التمليك في العمري يتوجه إلى الرقبة وفي الرقبى إلى المنفعة وعنهم أنها باطلة وقول المصنف أعمرته الدار فهي عمري جعلتها له أشار بذلك إلى أصلها وأطلق الجعل لأنه يرى أنها تصير ملك الموهوب له كقول الجمهور ولا يرى أنها عارية كما سيأتي تصريحه بذلك في آخر أبواب الهبة وقوله استعمركم فيها جعلكم عمارا هو تفسير أبي عبيدة في المجاز وعليه يعتمد كثيرا وقال غيره استعمركم أطال أعماركم وقيل معناه أذن لكم في عمارتها واستخراج قوتكم منها

[ 2482 ] قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة عن جابر في رواية هشام عن يحيى حدثني أبو سلمة سمعت جابر بن عبد الله أخرجه مسلم وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن قوله قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرى أنها لمن وهبت له هو بفتح أنها أي قضى بأنها وفي رواية الزهري عن أبي سلمة عند مسلم أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث هذا لفظه من طريق مالك عن الزهري وله نحوه من طريق بن جريج عن الزهري وله من طريق الليث عنه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر ولعقبه ولم يذكر التعليل الذي في آخره وله من طريق معمر عنه إنما العمري التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك فأما الذي قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها قال معمر كان الزهري يفتي به ولم يذكر التعليل أيضا وبين من طريق بن أبي ذئب عن الزهري أن التعليل من قول أبي سلمة وقد أوضحته في كتاب المدرج وأخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال جعل الأنصار يعمرون المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمري فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه فيجتمع من هذه الروايات ثلاثة أحوال أحدها أن يقول هي لك ولعقبك فهذا صريح في أنها للموهوب له ولعقبه ثانيها أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلي فهذه عارية مؤقتة وهي صحيحة فإذا مات رجعت إلى الذي أعطى وقد بينت هذه والتي قبلها رواية الزهري وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية والأصح عند أكثرهم لا ترجع إلى الواهب واحتجوا بأنه شرط فاسد فلغي وسأذكر الاحتجاج لذلك آخر الباب ثالثها أن يقول أعمرتكها ويطلق فرواية أبي الزبير هذه تدل على أن حكمها حكم الأول وأنها لا ترجع إلى الواهب وهو قول الشافعي في الجديد والجمهور وقال في القديم العقد باطل من أصله وعنه كقول مالك وقيل القديم عن الشافعي كالجديد وقد روى النسائي أن قتادة حكى أن سليمان بن هشام بن عبد الملك سأل الفقهاء عن هذه المسألة أعني صورة الإطلاق فذكر له قتادة عن الحسن وغيره أنها جائزة وذكر له حديث أبي هريرة بذلك قال وذكر له عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك قال فقال الزهري إنما العمري أي الجائزة إذا أعمر له ولعقبه من بعده فإذا لم يجعل عقبة من بعده كان للذي يجعل شرطه قال قتادة واحتج الزهري بأن الخلفاء لا يقضون بها فقال عطاء قضى بها عبد الملك بن مروان

[ 2483 ] قوله عن بشير بالمعجمة وزن عظيم بن نهيك بالنون وزن ولده قوله العمرى جائزة فهم قتادة وهو راوي الحديث من هذا الإطلاق ما حكيته عنه وحمله الزهري على التفصيل الماضي وإطلاق الجواز في هذه الرواية لا يفهم منه غير الحل أو الصحة وأما حمله على الماضي للذي يعاطاها وهو الذي حمله عليه قتادة فيحتاج إلى قدر زائد على ذلك وقد أخرج النسائي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا لا عمري فمن أعمر شيئا فهو له وهو يشهد لما فهمه قتادة قوله وقال عطاء حدثني جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في رواية غير أبي ذر نحوه بدل مثله وطريق عطاء موصولة بالإسناد المذكور عن قتادة عنه فقتادة هو القائل وقال عطاء ووهم من جعله معلقا وقد بين ذلك أبو الوليد عن همام أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه بالإسنادين جميعا ولفظهما واحد وهو يقوي رواية أبي ذر وقد رواه مسلم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ العمري ميراث لأهلها تنبيه ترجم المصنف بالرقبى ولم يذكر الا الحديثين الواردين في العمري وكأنه يرى أنهما متحدا المعنى وهو قول الجمهور ومنع الرقبى مالك وأبو حنيفة ومحمد ووافق أبو يوسف الجمهور وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن بن عباس موقوفا العمري والرقبى سواء وله من طريق إسرائيل عن عبد الكريم عن عطاء قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمري والرقبى قلت وما الرقبى قال يقول الرجل للرجل هي لك حياتك فإن فعلتم فهو جائز هكذا أخرجه مرسلا وأخرجه من طريق بن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن بن عمر مرفوعا لا عمري ولا رقبى فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته رجاله ثقات لكن اختلف في سماع حبيب له من بن عمر فصرح به النسائي من طريق ومعناه في طريق أخرى قال الماوردي اختلفوا إلى ماذا يوجه النهي والأظهر أنه يتوجه إلى الحكم وقيل يتوجه إلى اللفظ الجاهلي والحكم المنسوخ وقيل النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة أما إذا كان صحة المنهي عنه ضررا على مرتكبه فلا يمنع صحته كالطلاق في زمن الحيض وصحة العمري ضرر على المعمر فإن ملكه يزول بغير عوض هذا كله إذا حمل النهي على التحريم فإن حمل على الكراهة أو الإرشاد لم يحتج إلى ذلك والقرينة الصارفة ما ذكر في آخر الحديث من بيان حكمة ويصرح بذلك قوله العمري جائزة وللترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر رفعه العمري جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها والله أعلم قال بعض الحذاق إجازة العمري والرقبى بعيد عن قياس الأصول ولكن الحديث مقدم ولو قيل بتحريمهما للنهي وصحتهما للحديث لم يبعد وكأن النهي لأمر خارج وهو حفظ الأموال ولو كان المراد فيهما المنفعة كما قال مالك لم ينه عنهما والظاهر أنه ما كأن مقصود العرب بهما الا تمليك الرقبة بالشرط المذكور فجاء الشرع بمراغمتهم فصحح العقد على نعت الهبة المحمودة وأبطل الشرط المضاد لذلك فإنه يشبه الرجوع في الهبة وقد صح النهي عنه وشبه بالكلب يعود في قيئه وقد روى النسائي من طريق أبي الزبير عن بن عباس رفعه العمري لمن أعمرها والرقبى لمن أرقبها والعائد في هبته كالعائد في قيئه فشرط الرجوع المقارن للعقد مثل الرجوع الطاريء بعده فنهى عن ذلك وأمر أن يبقيها مطلقا أو يخرجها مطلقا فإن أخرجها على خلاف ذلك بطل الشرط وصح العقد مراغمة له وهو نحو إبطال شرط الولاء لمن باع عبدا كما تقدم في قصة بريرة

قوله باب من استعار من الناس الفرس زاد أبو ذر عن مشايخه والدابة وزاد عن الكشميهني وغيرها وثبت مثله لابن شبويه لكن قال وغيرهما بالتثنية وذكر بعض الشراح ممن أدركناه قبل الباب كتاب العارية ولم أره في شيء من النسخ ولا الشروح والبخاري أضاف العارية إلى الهبة لأنها هبة المنافع والعارية بتشديد التحتانية ويجوز تخفيفها وحكي عارة براء خفيفة بغير تحتانية قال الأزهري مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء ومنه سمي العيار لأنه يكثر الذهاب والمجيء وقال البطليوسي هي من التعاور وهو التناوب وقال الجوهري منسوبة إلى العار لأن طلبها عار وتعقب بوقوعها من الشارع ولا عار في فعله وهذا التعقب وأن كان صحيحا في نفسه لكنه لا يرد على ناقل اللغة وفعل الشارع في مثل ذلك لبيان الجواز وهي في الشرع هبة المنافع دون الرقبة ويجوز توقيتها وحكم العارية إذا تلفت في يد المستعير أن يضمنها الا فيما إذا كان ذلك من الوجه المأذون فيه هذا قول الجمهور وعن المالكية والحنفية أن لم يتعد لم يضمن وفي الباب عدة أحاديث ليس فيها شيء على شرط البخاري أشهرها حديث أبي أمامة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول العارية مؤداة والزعيم غارم أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه بن حبان قلت في الاستدلال به نظر وليس فيه دلالة على التضمين لأن الله تعالى قال ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا تلفت الأمانة لم يلزم ردها نعم روى الأربعة وصححه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة رفعه على اليد ما أخذت حتى تؤديه وسماع الحسن من سمرة مختلف فيه فإن ثبت ففيه حجة لقول الجمهور والله أعلم

[ 2484 ] قوله كان فزع بالمدينة أي خوف من عدو قوله من أبي طلحة هو زيد بن سهل زوج أم أنس قوله يقال له المندوب قيل سمي بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق وقيل لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح زاد في الجهاد من طريق سعيد عن قتادة كان يقطف أو كان فيه قطاف كذا فيه بالشك والمراد أنه كان بطيء المشي قوله وان وجدناه لبحرا في رواية المستملي وأن وجدنا بحذف الضمير قال الخطابي أن هي النافية واللام في لبحرا بمعنى الا أي ما وجدناه الا بحرا قال بن التين هذا مذهب الكوفيين وعند البصريين أن مخففة من الثقيلة واللآم زائدة كذا قال قال الأصمعي يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر ويؤيده ما في رواية سعيد عن قتادة وكان بعد ذلك لا يجارى وسيأتي في الجهاد ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى

قوله باب الاستعارة للعروس عند البناء أي الزفاف وقيل له بناء لأنهم يبنون لمن يتزوج قبة يخلو بها مع المرأة ثم أطلق ذلك على التزويج

[ 2485 ] قوله حدثنا عبد الواحد تقدم بهذا الإسناد في آخر العتق حديث وفيه شرح حال أيمن والد عبد الواحد قوله وعليها درع قطر الدرع قميص المرأة وهو مذكر قال الجوهري ودرع الحديد مؤنثة وحكى أبو عبيدة أنه أيضا يذكر ويؤنث والقطر بكسر القاف وسكون المهملة بعدها راء وفي رواية المستملى والسرخسي بضم القاف وآخره نون والقطر ثياب من غليظ القطن وغيره وقيل من القطن خاصة وحكى بن قرقول أنه في رواية بن السكن والقابسي بالفاء المكسورة آخره راء وهو ضرب من ثياب اليمن تعرف بالقطرية فيها حمرة قال البناسي والصواب بالقاف وقال الأزهري الثياب القطرية منسوبة إلى قطر قرية في البحرين فكسروا القاف للنسبة وخففوا قوله ثمن خمسة دراهم بنصب ثمن بتقدير فعل وخمسة بالخفض على الإضافة أو برفع الثمن وخمسة على حذف الضمير والتقدير ثمنه خمسة وروي بضم أوله وتشديد الميم على لفظ الماضي ونصب خمسة على نزع الخافض أي قوم بخمسة دراهم ووقع في رواية بن شبويه وحده خمسة الدراهم قوله الى جاريتي لم أعرف اسمها قوله تزهى بضم أوله أي تأنف أو تتكبر يقال زهى يزهى إذا دخله الزهو وهو الكبر ومنه ما أزهاه وهو من الحروف التي جاءت بلفظ البناء للمفعول وأن كانت بمعنى الفاعل مثل عنى بالأمر ونتجت الناقة قلت وما رأيته في رواية أبي ذر تزهي بفتح أوله وقد حكاها بن دريد وقال الأصمعي لا يقال بالفتح قوله تقين بالقاف أي تزين من قان الشيء قيانة أي أصلحه والقينة تقال للماشطة وللمغنية وللأمة مطلقا وحكى بن التين أنه روى تفين بالفاء أي تعرض وتجلى على زوجها قلت ولم يضبط ما بعد الفاء ورأيته بخط بعض الحفاظ بمثناة فوقانية قال بن الجوزي أرادت عائشة رضي الله عنها أنهم كانوا أولا في حال ضيق وكان الشيء المحتقر عندهم إذ ذاك عظيم القدر وفي الحديث أن عارية الثياب للعروس أمر معمول به مرغب فيه وأنه لا يعد من الشنع وفيه تواضع عائشة وأمرها في ذلك مشهور وفيه حلم عائشة عن خدمها ورفقها في المعاتبة وايثارها بما عندها مع الحاجة إليه وتواضعها بأخذها السلفة في حال اليسار مع ما كان مشهورا عنها من الجود رضي الله عنها

قوله باب فضل المنيحة حذف باب من رواية أبي ذر والمنيحة بالنون والمهملة وزن عظيمة هي في الأصل العطية قال أبو عبيد المنيحة عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له والأخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها والمراد بها في أول أحاديث الباب هنا عارية ذوات الألبان ليأخذ لبنها ثم ترد هي لصاحبها وقال القزاز قيل لا تكون المنيحة الا ناقة أو شاة والأول أعرف ثم ذكر المصنف فيه ستة أحاديث الأول حديث أبي هريرة

[ 2486 ] قوله نعم المنيحة اللقحة الصفي منحة اللقحة الناقة ذات اللبن القريبة العهد بالولادة وهي مكسورة اللام ويجوز فتحها والمعروف أن اللقحة بفتح اللام المرة الواحدة من الحلب والصفي بفتح الصاد وكسر الفاء أي الكريمة الغزيرة اللبن ويقال لها الصفية أيضا كذا رواه يحيى بن بكير وذكر المصنف بعده أن عبد الله بن يوسف وإسماعيل يعني بن أبي أويس روياه بلفظ نعم الصدقة اللقحة الصفي منحة وهذا هو المشهور عن مالك وكذا رواه شعيب عن أبي الزناد كما سيأتي في الأشربة قال بن التين من روى نعم الصدقة روى أحدهما بالمعنى لآن المنحة العطية والصدقة أيضا عطية قلت لا تلازم بينهما فكل صدقة عطية وليس كل عطية صدقة وإطلاق الصدقة على المنحة مجاز ولو كانت المنحة صدقة لما حلت للنبي صلى الله عليه وسلم بل هي من جنس الهبة والهدية وقوله منحة منصوب على التمييز قال بن مالك فيه وقوع التمييز بعد فاعل نعم ظاهرا وقد منعه سيبويه الا مع الاضمار مثل بئس للظالمين بدلا وجوزه المبرد وهو الصحيح وقال أبو البقاء اللقحة هي المخصوصة بالمدح ومنحة منصوب على التمييز توكيدا وهو كقول الشاعر فنعم الزاد زاد أبيك زادا قوله تغدو بإناء وتروح بإناء أي من اللبن أي تحلب إناء بالغداة وإناء بالعشي ووقع هذا الحديث في رواية مسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد بلفظ ألا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بإناء وتروح بإناء أن أجرها لعظيم الحديث الثاني حديث أنس

[ 2487 ] قوله وليس بأيديهم كذا للجميع وفي رواية الأصيلي وكريمة يعني شيء وثبت لفظ شيء في رواية مسلم عن حرملة وأبي الطاهر عن بن وهب قوله فقاسمهم الأنصار الخ ظاهره مغاير لقوله في حديث أبي هريرة الماضي في المزارعة قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا والجمع بينهما أن المراد بالمقاسمة هنا القسمة المعنوية وهي التي أجابهم إليها في حديث أبي هريرة حيث قال قالوا فيكفوننا المؤنة ونشركهم في الثمر فكان المراد هنا مقاسمة الثمار والمنفي هناك مقاسمة الأصول وزعم الداودي وأقره بن التين أن المراد بقوله هنا قاسمهم الأنصار أي حالفوهم جعله من القسم بفتح القاف والمهملة لا من القسم بسكون المهملة وقد تقدم تعقب ما زعمه في كتاب المزارعة قوله وكانت أمة أم أنس الخ الضمير في أمه يعود على أنس وأم أنس بدل منه وكذا أم سليم وفي رواية مسلم وكانت أمه أم أنس بن مالك وهي تدعي أم سليم وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة كان أخا لأنس لأمه والذي يظهر أن قائل ذلك هو الزهري الراوي عن أنس لكن بقية السياق يقتضي أنه من رواية الزهري عن أنس فيحمل على التجريد قوله فكانت أعطت أم أنس أي كانت أم أنس أعطت قوله عذاقا بكسر المهملة وبذال معجمة خفيفة جمع عذق بفتح ثم سكون كحبل وحبال والعذق النخلة وقيل إنما يقال لها ذلك إذا كان حملها موجودا والمراد أنها وهبت له ثمرها قوله قال بن شهاب هو موصول بالإسناد المذكور وكذا هو عند مسلم قوله الى أمه أي إلى أم أنس وهي أم سليم قوله فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن أي بدلهن قوله من حائطه أي بستانه قوله وقال أحمد بن شبيب أخبرنا أبي عن يونس بهذا أي بالإسناد والمتن قوله وقال مكانهن من خالصه يعني أنه وافق بن وهب في السياق الا في قوله من حائطه فقال من خالصه أي من خالص ماله قال بن التين المعنى واحد لأن حائطه صار له خالصا قلت لكن لفظ خالصه أصرح في الاختصاص من حائطه وطريق أحمد بن شبيب هذه وصلها البرقائي في المصافحة من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب المذكور مثله زاد مسلم في آخر الحديث قال بن شهاب وكان من شأن أم أيمن أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما توفي أبوه كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر فأعتقها ثم أنكحها زيد بن حارثة وتوفيت بعده صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر وسيأتي في المغازي ذكر سبب إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم أيمن بدل العذاق وفيه زيادة على رواية الزهري فإنه أخرج من طريق سليمان التيمي عن أنس قال كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات الحديث وفيه وأن أهلي أمروني أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانوا أعطوه وكان قد أعطاه أم أيمن فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي تقول لا نعطيكم وقد أعطانيه قال والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك كذا حتى أعطاه عشرة أمثاله أو كما قال الحديث الثالث

[ 2488 ] قوله عن حسان بن عطية في رواية أحمد عن الوليد حدثنا الأوزاعي حدثنا حسان بن عطية قوله عن أبي كبشة في رواية أحمد المذكورة حدثني أبو كبشة وهو بفتح الكاف وسكون الموحدة بعدها معجمة السلولي بفتح المهملة وتخفيف اللام المضمومة بعدها واو ساكنة ثم لام لا يعرف اسمه وزعم الحاكم أن اسمه البراء بن قيس ووهمه عبد الغني بن سعيد وبين أنه غيره وليس لأبي كبشة ولا للراوي عنه حسان بن عطية في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في أحاديث الأنبياء قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أحمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله أربعون خصلة في رواية أحمد أربعون حسنة قوله العنز بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي معروفة وهي واحدة المعز قوله قال حسان هو بن عطية راوي الحديث وهو موصول بالإسناد المذكور قال بن بطال ما ملخصه ليس في قول حسان ما يمنع من وجدان ذلك وقد حض صلى الله عليه وسلم على أبواب من أبواب الخير والبر لا تحصى كثرة ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالأربعين المذكورة وإنما لم يذكرها لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها وذلك خشية أن يكون التعيين لها مزهدا في غيرها من أبواب البر قال وقد بلغني أن بعضهم تطلبها فوجدها تزيد على الأربعين فمما زاده إعانة الصانع والصنعة للأخرق واعطاء شسع النعل والستر على المسلم والذب عن عرضه وإدخال السرور عليه والتفسح في المجلس والدلالة على الخير والكلام الطيب والغرس والزرع والشفاعة وعيادة المريض والمصافحة والمحبة في الله والبغض لأجله والمجالسة لله والتزاور والنصح والرحمة وكلها في الأحاديث الصحيحة وفيها ما قد ينازع في كونه دون منيحة العنز وحذفت مما ذكره أشياء قد تعقب بن المنير بعضها وقال الأولى أن لا يعتنى بعدها لما تقدم وقال الكرماني جميع ما ذكره رجم بالغيب ثم أني عرف أنها أدنى من المنيحة قلت وإنما أردت بما ذكرته منها تقريب الخمس عشرة التي عدها حسان بن عطية وهي إن شاء الله تعالى لا تخرج عما ذكرته ومع ذلك فأنا موافق لابن بطال في إمكان تتبع أربعين خصلة من خصال الخير أدناها منيحة العنز وموافق لابن المنير في رد كثير مما ذكره بن بطال مما هو ظاهر أنه فوق المنيحة والله أعلم الحديث الرابع حديث جابر كانت لرجال منا فضول أرضين تقدم في المزارعة مع الكلام عليه والغرض منه هنا قوله أو ليمنحها أخاه الحديث الخامس

[ 2490 ] قوله وقال محمد بن يوسف يحتمل أن يكون معطوفا على الذي قبله فيكون موصولا لكن صرح الإسماعيلي وأبو نعيم بأنه لم يذكر فيه الخبر ويؤيده أنه أورده في الهجرة موصولا من طريق الوليد بن مسلم قال وقال محمد بن يوسف كلاهما عن الأوزاعي فلو أراد هنا أن يعطفه لقال هناك حدثنا محمد بن يوسف كعادته نعم زعم المزي أنه أخرجه في الهبة عن محمد بن يوسف وفي الهجرة وقال محمد بن يوسف فالله أعلم وقد وصله الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق محمد بن يوسف المذكور وسيأتي شرحه في الهجرة إن شاء الله تعالى والغرض منه قوله فهل تمنح منها شيئا قال نعم فإن فيه اثبات فضيلة المنيحة وقوله لن يترك أي لن ينقصك الحديث السادس حديث بن عباس وقد تقدم في المزارعة أيضا والمراد منه هنا ما دل من

[ 2491 ] قوله لو منحها إياه كان خيرا له على فضل المنيحة

قوله باب إذا قال أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس فهو جائز وقال بعض الناس هذه عارية وأن قال كسوتك هذا الثوب فهذه هبة أورد فيه طرفا من حديث أبي هريرة في قصة إبراهيم وهاجر وقال فيه وأخدم وليدة قال وقال بن سيرين عن أبي هريرة فأخدمها هاجر وسيأتي موصولا في أحاديث الأنبياء مع الكلام عليه قال بن بطال لا أعلم خلافا أن من قال أخدمتك هذه الجارية أنه قد وهب له الخدمة خاصة فإن الاخدام لا يقتضي تمليك الرقبة كما أن الاسكان لا يقتضي تمليك الدار قال واستدلاله بقوله فأخدمها هاجر على الهبة لا يصح وإنما صحت الهبة في هذه القصة من

[ 2492 ] قوله فأعطوها هاجر قال ولم يختلف العلماء فيمن قال كسوتك هذا الثوب مدة معينة أن له شرطه وأن لم يذكر أجلا فهو هبة وقد قال تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ولم تختلف الأمة أن ذلك تمليك للطعام والكسوة انتهى والذي يظهر أن البخاري لا يخالف ما ذكره عند الإطلاق وإنما مراده أنه أن وجدت قرينة تدل على العرف حمل عليها وإلا فهو على الوضع في الموضعين فإن كان جرى بين قوم عرف في تنزيل الاخدام منزلة الهبة فأطلقه شخص وقصد التمليك نفذ ومن قال هي عارية في كل حال فقد خالفه والله أعلم

قوله باب إذا حمل رجلا على فرس فهو كالعمرى والصدقة وقال بعض الناس له أن يرجع فيها أورد فيه حديث عمر حملت على فرس مختصرا وقد تقدم الكلام عليه قبل أبواب قال بن بطال ما كان من الحمل على الخيل تمليكا للمحمول عليه بقوله هو لك فهو كالصدقة فإذا قبضها لم يجز الرجوع فيها وما كان منه تحبيسا في سبيل الله فهو كالوقف لا يجوز الرجوع فيه عند الجمهور وعن أبي حنيفة أن الحبس باطل في كل شيء انتهى والذي يظهر أن البخاري أراد الإشارة إلى الرد على من قال بجواز الرجوع في الهبة ولو كانت للأجنبي وإلا فقد قدمنا تقرير أن الحمل المذكور في قصة عمر كان تمليكا وأن قول من قال كان تحبيسا احتمال بعيد والله أعلم وسيأتي مزيد بسط لذلك قريبا في كتاب الوقف إن شاء الله خاتمة اشتمل كتاب الهبة وما معها من أحاديث العمرة والعارية على تسعة وتسعين حديثا مائة الا واحد المعلق منها ثلاثة وعشرون والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وستون حديثا والخالص أحد وثلاثون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة لو دعيت إلى كراع وحديث أم سلمة في الهدية وحديث أنس في الطيب وحديث عائشة كان يقبل الهدية وحديث بن عباس من أهديت له هدية فجلساؤه شركاؤه وحديث بن عمر في قصة فاطمة في ستر بابها وحديث بن عمر في قصة صهيب وحديث عائشة في الدرع وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الأربعين خصلة وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ثلاثة عشر أثرا والله أعلم