كتاب الشهادات
 قوله كتاب الشهادات هي جمع شهادة وهي مصدر شهد يشهد قال الجوهري الشهادة خبر قاطع والمشاهدة المعاينة مأخوذة من الشهود أي الحضور لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره وقيل مأخوذة من الأعلام

قوله بسم الله الرحمن الرحيم باب ما جاء في البينة على المدعي كذا للأكثر وسقط لبعضهم لفظ باب وقدم النسفي وابن شبويه البسملة على كتاب قوله لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه الآية كذا لابن شبويه ولأبي ذر بعد قوله فاكتبوه إلى قوله واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآية كلها وكذا التي بعدها قوله وقول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله إلى قوله بما تعملون خبيرا كذا لأبي ذر وابن شبويه ووقع للنسفي بعد قوله في الآية الأولى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله إلى قوله بما تعملون خبيرا وهو غلط لا محالة وكأنه سقط منه شيء أوضحته رواية غيره كما ترى ولم يسق في الباب حديثا أما اكتفاء بالآيتين وأما إشارة إلى الحديث الماضي قريبا في ذلك في آخر باب الرهن وستاتي ترجمة الشق الآخر وهي اليمن على المدعى عليه قريبا قال بن المنير وجه الاستدلال بالآية للترجمة أن المدعى لو كان القول قوله لم يحتج إلى الأشهاد ولا إلى كتابة الحقوق واملائها فالأمر بذلك يدل على الحاجة إليه ويتضمن أن البينة على المدعي ولأن الله حين أمر الذي عليه الحق بالاملاء اقتضى تصديقه فيما أقر به وإذا كان مصدقا فالبينة على من أدعى تكذيبه

قوله باب إذا عدل رجل رجلا فقال لا نعلم الا خيرا أو ما علمت الا خيرا وفي رواية الكشميهني أحدا بدل رجلا قال بن بطال حكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال إذا قال ذلك قبلت شهادته ولم يذكر خلافا عن الكوفيين في ذلك واحتجوا بحديث الإفك وقال مالك لا يكون ذلك تزكية حتى يقول رضا أي بالقصر وقال الشافعي حتى يقول عدل وفي قول عدل علي ولي ولا بد من معرفة المزكي حاله الباطنة والحجة لذلك أنه لا يلزم من أنه لا يعلم منه الا الخير أن لا يكون فيه شر وأما احتجاجهم بقصة أسامة فأجاب المهلب بأن ذلك وقع في العصر الذي زكى الله أهله وكانت الجرحة فيهم شاذة فكفى في تعديلهم أن يقال لا أعلم الا خيرا وأما اليوم فالجرحة في الناس أغلب فلا بد من التنصيص على العدالة قلت لم يبت البخاري الحكم في الترجمة بل أوردها مورد السؤال لقوة الخلاف فيها قوله وساق حديث الإفك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة حين استشاره فقال أهلك ولا نعلم الا خيرا كذا لأبي ذر ولم يقع هذا كله عند الباقين وهو اللائق لأن حديث الإفك قد ذكر في الباب موصولا وأن كان اختصره وسيأتي مطولا أيضا بعد أبواب ويأتي الكلام عليه في تفسير سورة النور وقوله

[ 2494 ] فيه وقال الليث حدثني يونس وصله هناك أيضا وقوله أهلك ولا نعلم الا خيرا بنصب أهلك للأكثر على الإغراء أو على فعل محذوف تقديره أمسك أهلك ولبعضهم بالرفع أي هم أهلك قال بن المنير التعديل إنما هو تنفيذ للشهادة وعائشة رضي الله عنها لم تكن شهدت ولا كانت محتاجة إلى التعديل لأن الأصل البراءة وإنما كانت محتاجة إلى نفي التهمة عنها حتى تكون الدعوى عليها بذلك غير مقبولة ولا شبهة فيكفي في هذا القدر هذا اللفظ فلا يكون فيه لمن اكتفى بالتعديل بقوله لا أعلم الا خيرا حجة

قوله باب شهادة المختبيء بالخاء المعجمة أي الذي يختفي عند التحمل قوله وأجازه أي الاختباء عند تحمل الشهادة قوله عمرو بن حريث بالمهملة والمثلثة مصغر بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي من صغار الصحابة ولأبيه صحبة وليس له في البخاري ذكر الا في هذا الموضع قوله قال وكذلك يفعل بالكاذب الفاجر كأنه أشار إلى السبب في قبول شهادته وقد روى بن أبي شيبة من طريق الشعبي عن شريح أنه كان لا يجيز شهادة المختبيء قال وقال عمرو بن حريث كذلك يفعل بالخائن الظالم أو الفاجر وروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن عبيد الله الثقفي أن عمرو بن حريث كان يجيز شهادته ويقول كذلك يفعل بالخائن الفاجر وروي من طرق عن شريح أنه كان يرد شهادة المختبيء كذالك الشعبي وهو قول أبي حنيفة والشافعي في القديم أجازها في الجديد إذا عاين المشهود عليه قوله وقال الشعبي وابن سيرين وعطاء وقتادة السمع شهادة أما قول الشعبي فوصله بن أبي شيبة عن هشيم عن مطرف عنه بهذا ورويناه في الجعديات قال حدثنا شريك عن الأشعث عن عامر وهو الشعبي قال تجوز شهادة السمع إذا قال سمعته يقول وأن لم يشهده وقول الشعبي هذا يعارض رده لشهادة المختبيء ويحتمل أن يفرق بأنه إنما رد شهادة المختبيء لما فيها من المخادعة ولا يلزم من ذلك رده لشهادة السمع من غير قصد وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وعن مالك أيضا الحرص على محمل الشهادة قادح فإذا اختفى ليشهد فهو حرص وأما قول بن سيرين وقتادة فسيأتي في باب شهادة الأعمى وأما قول عطاء وهو بن أبي رباح فوصله الكرابيسي في أدب القضاء من رواية بن جريج عن عطاء السمع شهادة قوله وكان الحسن يقول لم يشهدوني على شيء ولكن سمعت كذا وكذا وصله بن أبي شيبة من طريق يونس بن عبيد عنه قال لو أن رجلا سمع من قوم شيئا فإنه يأتي القاضي فيقول لم يشهدوني ولكن سمعت كذا وكذا وهذا التفصيل حسن لأن الله تعالى قال ولا تكتموا الشهادة ولم يقل الأشهاد فيفترق الحال عند الأداء فإن سمعه ولم يشهده وقال عند الأداء أشهدني لم يقبل وأن قال أشهد أنه قال كذا قبل ثم أورد المصنف فيه حديثين أحدهما حديث بن عمرو في قصة بن صياد وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الفتن والغرض منه

[ 2495 ] قوله فيه وهو يختل أن يسمع من بن صياد شيئا قبل أن يراه وقوله في آخره لو تركته بين فإنه يقتضي الاعتماد على سماع الكلام وأن كان السامع محتجبا عن المتكلم إذا عرف الصوت وقوله يختل بفتح أوله وسكون المعجمة وكسر المثناة أي يطلب أن يسمع كلامه وهو لا يشعر ثانيهما حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة وسيأتي الكلام عليه في الطلاق والغرض منه إنكار خالد بن سعيد على امرأة رفاعة ما كانت تكلم به عند النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه محجوبا عنها خارج الباب ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذلك فاعتماد خالد على سماع صوتها حتى أنكر عليها هو حاصل ما يقع من شهادة السمع

قوله باب إذا شهد شاهد أو شهود بشيء وقال آخرون ما علمنا بذلك يحكم بقول من شهد قال الحميدي هذا كما أخبر بلال الخ تقدم هذا في باب العشر من كتاب الزكاة وأن المثبت مقدم على النافي وهو وفاق من أهل العلم الا من شذ ولا سيما إذا لم يتعرض الا لنفي علمه وأشار إلى ذلك بقوله وكذلك أن شهد شاهد أن الخ وقد اعترض بأن الشهادتين اتفقتا على الألف وانفردت إحداهما بالخمسمائة والجواب أن سكوت الأخرى عن خمسمائة في حكم نفيها ثم أورد حديث عقبة بن الحارث في قصة المرضعة وسيأتي الكلام عليها مستوفى بعد أبواب والغرض منه هنا أنها أثبتت الرضاع ونفاه عقبة فاعتمد النبي صلى الله عليه وسلم قولها فأمره بفراق امرأته أما وجوبا عند من يقول به وأما ندبا على طريق الورع وقوله في هذه الرواية لأبي إهاب بن عزيز بالعين المهملة المفتوحة وزايين منقوطتين وزن عظيم ووقع عند أبي ذر عن المستملي والحموي عزير بزاي وآخره راء مصغر والأول أصوب

قوله باب الشهداء العدول وقول الله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم و ممن ترضون من الشهداء أي وقوله تعالى ممن ترضون فالواو عاطفة من كلام المصنف لا من التلاوة والعدل والرضا عند الجمهور من يكون مسلما مكلفا حرا غير مرتكب كبيرة ولا مصر على صغيرة زاد الشافعي وأن يكون ذا مروءة ويشترط في قبول شهادته أن لا يكون عدوا للمشهود عليه ولا متهما فيها بجر نفع ولا دفع ضرر ولا أصلا للمشهود له ولا فرعا منه واختلف في تفاصيل من ذلك وغيره كما سيأتي بعض ذلك في بعض التراجم إن شاء الله تعالى

[ 2498 ] قوله أن عبد الله بن عتبة أي بن مسعود وهو بن أخي عبد الله بن مسعود سمع من كبار الصحابة وله رؤية وحديثه هذا عن عمر أغفله المزي في الأطراف والمرفوع منه ما أشار إليه مما كان الناس عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قوله وأن الوحي قد انقطع أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والمراد انقطاع أخبار الملك عن الله تعالى لبعض الآدميين بالأمر في اليقظة وفي رواية أبي فراس عن عمر عند الحاكم أنا كنا نعرفكم إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ الوحي ينزل وإذ يأتينا من أخباركم وأراد أن النبي قد انطلق ورفع الوحي قوله فمن أظهر لنا خيرا أمناه بهمزة بغير مد وميم مكسورة ونون مشددة من الأمن أي صيرناه عندنا أمينا وفي رواية أبي فراس ألا ومن يظهر منكم خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه قوله الله يحاسب كذا لأبي ذر عن الحموي بحذف المفعول وللباقين الله محاسبه بميم أوله وهاء آخره قوله سوءا في رواية الكشميهني شرا وفي رواية أبي فراس ومن يظهر لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه سرائركم فيما بينكم وبين ربكم قال المهلب هذا أخبار من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما صار بعده ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه الريبة وهو قول أحمد وإسحاق كذا قال وهذا إنما هو في حق المعروفين لا من لا يعرف حاله أصلا

قوله باب بالتنوين تعديل كم يجوز أي هل يشترط في قبول التعديل عدد معين أورد فيه حديثي أنس وعمر في ثناء الناس بالخير والشر على الميتين وفيهما

[ 2499 ] قوله عليه الصلاة والسلام وجبت وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجنائز وحكيت عن بن المنير أنه قال في حاشيته قال بن بطال فيه إشارة إلى الاكتفاء بتعديل واحد وذكرت أن فيه غموضا وكأن وجهه أن في قوله ثم لم نسأله عن الواحد أشعارا بعيدا بأنهم كانوا يعتمدون قول الواحد في ذلك لكنهم لم يسألوا عن حكمة في ذلك المقام وسيأتي للمصنف بعد أبواب التصريح بالاكتفاء في شهداء التزكية بواحد وكأنه لم يصرح به هنا لما فيه من الاحتمال قوله شهادة القوم هو مبتدأ وخبره محذوف تقديره مقبولة أو هو خبر مبتدأمحذوف تقديره هذه شهادة القوم ووقع في رواية الأصيلي شهادة بالنصب بتقدير فعل ناصب قوله المؤمنون شهداء الله في الأرض كذا للأكثر والمؤمنون مبتدأ خبره شهداء وفي رواية المستملي والسرخسي شهادة القوم المؤمنين شهداء الله في الأرض وشهداء على هذا خبر مبتدأ محذوف تقديره هم شهداء وقال السهيلي رواه بعضهم برفع القوم فإن كانت الرواية بتنوين شهادة فهي على إضمار المبتدأ أي هذه شهادة ثم استأنف فقال القوم المؤمنون شهداء الله في الأرض فالقوم مبتدأ والمؤمنون نعت أو بدل وما بعده خبر قال وأكثر ما رود في الحديث حذف المنعوت لأن الحكم يتعلق بالصفة فلا يحتاج لذكر الموصوف ثم حكى وجهين آخرين فيهما تكلف ولم يقع في شيء من الروايات بالتنوين ولا سيما مع رواية من رواه بنصب المؤمنين

قوله باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم هذه الترجمة معقودة لشهادة الاستفاضة وذكر منها النسب والرضاعة والموت القديم فأما النسب فيستفاد من أحاديث الرضاعة فإنه من لازمه وقد نقل فيه الإجماع وأما الرضاعة فيستفاد ثبوتها بالاستفاضة من أحاديث الباب فإنها كانت في الجاهلية وكان ذلك مستفيضا عند من وقع له وأما الموت القديم فيستفاد منه حكمة بالإلحاق قال بن المنير واحترز بالقديم عن الحادث والمراد بالقديم ما تطاول الزمان عليه وحده بعض المالكية بخمسين سنة وقيل بأربعين قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم أرضعتني وأبا سلمة ثويبة هو طرف من حديث وصله في الرضاع من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان وسيأتي الكلام عليه هناك وثويبة بالمثلثة ثم الموحدة مصغرة يأتي هناك ذكر شيء من خبرها وخبر أبي سلمة بن عبد الأسد إن شاء الله تعالى واختلف العلماء في ضابط ما تقبل فيه الشهادة بالاستفاضة فتصح عند الشافعية في النسب قطعا والولادة وفي الموت والعتق والولاء والوقف والولاية والعزل والنكاح وتوابعه والتعديل والتجريح والوصية والرشد والسفه والملك على الراجح في جميع ذلك وبلغها بعض المتأخرين من الشافعية بضعة وعشرين موضعا وهي مستوفاة في قواعد العلائي وعن أبي حنيفة تجوز في النسب والموت والنكاح والدخول وكونه قاضيا زاد أبو يوسف والولاء زاد محمد والوقف قال صاحب الهداية وإنما أجيز استحسانا وإلا فالأصل أن الشهادة لا بد فيها من المشاهدة وشرط قبولها أن يسمعها من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وقيل أقل ذلك أربعة أنفس وقيل يكفي من عدلين وقيل يكفي من عدل واحد إذا سكن القلب إليه قوله والتثبت فيه هو بقية الترجمة وكأنه أشار إلى

[ 2504 ] قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة آخر الباب انظرن من إخوانكن من الرضاعة الحديث ثم أورد المصنف فيه أربعة أحاديث سيأتي الكلام عليها جميعا في الرضاع آخر النكاح إن شاء الله تعالى والإسناد الثاني كله بصريون الا الصحابي وقد سكنها والثالث كله مدنيون الا شيخه وقد دخلها والرابع كله كوفيون الا عائشة قوله في آخر الباب تابعه بن مهدي عن سفيان أي أن عبد الرحمن بن مهدي روى حديث عائشة عن سفيان بإسناده كما رواه محمد بن كثير ورواية بن مهدي موصولة عند مسلم وأبي يعلى وسيأتي الخلاف في أفلح هل كان عم عائشة من الرضاعة أو كان أباها

قوله فاستغفر ربه قبلت شهادته وقال الشعبي وقتادة إذا أكذب نفسه جلد وقبلت شهادته وقال الثوري إذا جلد العبد ثم أعتق جازت شهادته وأن استقضي المحدود فقضاياه جائزة وقال بعض الناس لا تجوز شهادة القاذف وأن تاب ثم قال لا يجوز نكاح بغير شاهدين فإن تزوج بشهادة محدودين جاز وأن تزوج بشهادة عبدين لم يجز وأجاز شهادة المحدود والعبد والأمة لرؤية هلال رمضان وكيف تعرف توبته وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الزاني سنة ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه حتى مضى خمسون ليلة

قوله باب شهادة القاذف والسارق والزاني أي هل تقبل بعد توبتهم أم لاقوله وقول الله عز وجل ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا وهذا الاستثناء عمدة من أجاز شهادته إذا تاب وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ثم قال الا الذين تابوا فمن تاب فشهادته في كتاب الله تقبل وبهذا قال الجمهور أن شهادة القاذف بعد التوبة تقبل ويزول عنه اسم الفسق سواء كان بعد إقامة الحد أو قبله وتأولوا قوله تعالى أبدا على أن المراد ما دام مصرا على قذفه لأن أبد كل شيء على ما يليق به كما لو قيل لا تقبل شهادة الكافر أبدا فإن المراد ما دام كافرا وبالغ الشعبي فقال أن تاب القاذف قبل إقامة الحد سقط عنه وذهب الحنفية إلى أن الاستثناء يتعلق بالفسق خاصة فإذا تاب سقط عنه اسم الفسق وأما شهادته فلا تقبل أبدا وقال بذلك بعض التابعين وفيه مذهب آخر يقبل بعد الحد لا قبله وعن الحنفية لا ترد شهادته حتى يحد وتعقبه الشافعي بأن الحدود كفارة لأهلها فهو بعد الحد خير منه قبله فكيف يرد في خير حالتيه ويقبل في شرهما قوله وجلد عمر أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا بقذف المغيرة ثم استتابهم وقال من تاب قبلت شهادته وصله الشافعي في الأم قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز فأشهد لأخبرني فلان أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة تب وأقبل شهادتك قال سفيان سمي الزهري الذي أخبره فحفظته ثم نسيته فقال لي عمر بن قيس هو بن المسيب قلت ورواه بن جرير من وجه آخر عن سفيان فسماه بن المسيب وكذلك رويناه بعلو من طريق الزعفراني عن سفيان ورواه بن جرير في التفسير من طريق بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب أتم من هذا ولفظه أن عمر بن الخطاب ضرب أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة الحد وقال لهم من أكذب نفسه قبلت شهادته فيما يستقبل ومن لم يفعل لم أجز شهادته فأكذب شبل نفسه ونافع وأبي أبو بكرة أن يفعل قال الزهري هو والله سنة فاحفظوها ورواه سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر حيث شهد أبو بكرة ونافع وشبل على المغيرة وشهد زياد على خلاف شهادتهم فجلدهم واستتابهم وقال من رجع منكم عن شهادته قبلت شهادته فأبى أبو بكرة أن يرجع أخرجه عمر بن شبة في أخبار البصرة من هذا الوجه وساق قصة المغيرة هذه من طرق كثيرة محصلها أن المغيرة بن شعبة كان أمير البصرة لعمر فأتهمه أبو بكرة وهو نفيع الثقفي الصحابي المشهور وكان أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وهو معدود في الصحابة وشبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة بن معبد بن عتيبة بن الحارث البجلي وهو معدود في المخضرمين وزياد بن عبيد الذي كان بعد ذلك يقال له زياد بن أبي سفيان إخوة من أم أمهم سمية مولاة الحارث بن كلدة فاجتمعوا جميعا فرأوا المغيرة متبطن المرأة وكان يقال لها الرقطاء أم جميل بنت عمرو بن الأفقم الهلالية وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث بن عوف الجشمي فرحلوا إلى عمر فشكوه فعزله وولي أبا موسى الأشعري وأحضر المغيرة فشهد عليه الثلاثة بالزنا وأما زياد فلم يبت الشهادة وقال رأيت منظرا قبيحا وما أدري أخالطها أم لا فأمر عمر بجلد الثلاثة حد القذف وقال ما قال وأخرج القصة الطبراني في ترجمة شبل بن معبد والبيهقي من رواية أبي عثمان النهدي أنه شاهد ذلك عند عمر وإسناده صحيح ورواه الحاكم في المستدرك من طريق عبد العزيز بن أبي بكرة مطولا وفيها فقال زياد رأيتهما في لحاف وسمعت نفسا عاليا ولا أدري ما وراء ذلك وقد حكى الإسماعيلي في المدخل أن بعضهم استشكل إخراج البخاري هذه القصة واحتجاجه بها مع كونه احتج بحديث أبي بكرة في عدة مواضع وأجاب الإسماعيلي بالفرق بين الشهادة والرواية وأن الشهادة يطلب فيها مزيد تثبت لا يطلب في الرواية كالعدد والحرية وغير ذلك واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته لأن أبا بكرة لم يكذب نفسه ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعملوا بها قوله وأجازه عبد الله بن عتبة أي بن مسعود وصله الطبري من طريق عمران بن عمير قال كان عبد الله بن عتبة يجيز شهادة القاذف إذا تاب قوله وعمر بن عبد العزيز أي الخليفة المشهور وصله الطبري والخلال من طريق بن جريج عن عمران بن موسى سمعت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف ومعه رجل ورواه عبد الرزاق عن بن جريج فزاد مع عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قوله وسعيد بن جبير وصله الطبري من طريقه بلفظ تقبل شهادة القاذف إذا تاب وروى بن أبي حاتم وجه آخر عنه لا تقبل لكن إسناده ضعيف قوله وطاوس ومجاهد وصله سعيد بن منصور والشافعي والطبري من طريق بن أبي نجيح قال القاذف إذا تاب تقبل شهادته قيل له من قاله قال عطاء وطاوس ومجاهد قوله والشعبي وصله الطبري من طريق بن أبي خالد عنه أنه كان يقول يقبل الله توبته ويردون شهادته وكان يقبل شهادته إذا تاب ورويناه في الجعديات عن شعبة عن الحكم في شهادة القاذف أن إبراهيم قال لا تجوز كان الشعبي يقول إذا تاب قبلت قوله وعكرمة أي مولى بن عباس وصله البغوي في الجعديات عن شعبة عن يونس هو بن عبيد عن عكرمة قال إذا تاب القاذف قبلت شهادته قوله والزهري قد تقدم قوله في قصة المغيرة هو سنة ورواه بن جرير من وجه آخر عن الزهري قال إذا حد القاذف فإنه ينبغي للأمام أن يستتيبه فإن تاب قبلت شهادته وإلا لم تقبل وفي الموطأ عن الزهري نحوه في قصة قوله ومحارب بن دثار وشريح أي القاضي ومعاوية بن قرة هؤلاء الثلاثة من أهل الكوفة فدل على أن مراد الزهري الماضي في قصة المغيرة بما نسبه إلى الكوفيين من عدم قبولهم شهادة القاذف بعضهم لا كلهم ولم أر عن واحد من الثلاثة المذكورين التصريح بالقبول نعم الشعبي من أهل الكوفة وقد ثبت عنه القبول كما تقدم وروى بن جريج بإسناد صحيح عن شريح أنه كان يقول في القاذف يقبل الله توبته ولا أقبل شهادته وروى بن أبي خالد بإسناد ضعيف عن شريح أنه كان لا يقبل شهادته قوله وقال أبو الزناد هو المدني المشهور قوله الأمر عندنا الخ وصله سعيد بن منصور من طريق حصين بن عبد الرحمن قال رأيت رجلا جلد حدا في قذف بالزنى فلما فرغ من ضربه أحدث توبة فلقيت أبا الزناد فقال لي الأمر عندنا فذكره قوله وقال الشعبي وقتادة وصله الطبري عنهما مفرقا وروى بن أبي حاتم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال إذا أكذب القاذف نفسه قبلت شهادته قوله قال الثوري الخ هو في الجامع له من رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه قوله وقال بعض الناس لا تجوز شهادة القاذف وأن تاب هذا منقول عن الحنفية واحتجوا في رد شهادة المحدود بأحاديث قال الحافظ لا يصح منها شيء وأشهرها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الإسلام أخرجه أبو داود وابن ماجة رواه الترمذي من حديث عائشة نحوه وقال لا يصح وقال أبو زرعة منكر وروى عبد الرزاق عن الثوري عن واصل عن إبراهيم قال لا تقبل شهادة القاذف توبته فيما بينه وبين الله قال الثوري ونحن على ذلك وأخرج عبد الرزاق من رواية عطاء الخراساني عن بن عباس ونحوه وهو منقطع ولم يصب من قال أنه سند قوي قوله ثم قال أي بعض الناس الذي أشار إليه لا يجوز نكاح بغير شاهدين فإن تزوج بشهادة محدودين جاز هو منقول عن الحنفية أيضا واعتذروا بأن الغرض شهرة النكاح وذلك حاصل بالع وغيره عند التحمل وأما عند الأداء فلا يقبل الا العدل قوله وأجاز شهادة العبد والمحدود والأمة لرؤية هلال رمضان هو منقول عن الحنفية أيضا واعتذروا بأنها جارية مجرى الخبر لا الشهادة قوله وكيف تعرف توبته أي القاذف وهذا من كلام المصنف وهو من تمام الترجمة وكأنه أشار إلى الاختلاف في ذلك فعن أكثر السلف لا بد أن يكذب نفسه وبه قال الشافعي وقد تقدم التصريح به عن الشافعي وغيره وأخرج بن أبي شيبة عن طاوس مثله وعن مالك إذا ازداد خيرا كفاه ولا يتوقف على تكذيب نفسه لجواز أن يكون صادقا في نفس الأمر وإلى هذا مال المصنف قوله ونفى النبي صلى الله عليه وسلم الزاني سنة ونهى عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه حتى مضى خمسون ليلة أما نفي الزاني فموصول آخر الباب وأما قصة كعب فستأتي بطولها في آخر تفسير براءة وفي غزوة تبوك ووجه الدلالة منه أنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كلفهما بعد التوبة بقدر زائد على النفي والهجران ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة المرأة التي سرقت مختصرة والمراد منه قول عائشة فحسنت توبتها والحديث وكأنه أراد الحاق القاذف بالسارق لعدم الفارق عنده وإسماعيل شيخه فيه هو بن أبي أويس وقوله وقال الليث حدثني يونس وصله أبو داود من طريقه لكن بغير هذا اللفظ وظهر أن هذا اللفظ لابن وهب وأشار المصنف إلى أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فيشترط مضي مدة يظن فيها صحة توبته وقدرها الأكثرون بسنة ووجهوه بأن للفصول الأربعة في النفس تأثيرا فإذا مضت أشعر ذلك بحسن السرية ولهذا اعتبرت في مدة تغريب الزاني والمختار أن هذا في الغالب وإلا ففي قول عمر لأبي بكرة تب أقبل شهادتك دلالة للجمهور قال بن المنير اشتراط توبة القاذف إذا كان عند نفسه محقا في غاية الاشكال بخلاف ما إذا كان كاذبا في قذفه فاشتراطهما واضح ويمكن أن يقال إذا المعاين للفاحشة مأمور بأن لا يكشف صاحبها الا إذا تحقق كمال النصاب معه فإذا كشفه قبل ذلك عصى فيتوب من المعصية في الاعلان لا من الصدق في علمه قلت ويعكر عليه أن أبا بكرة لم يكشف حتى تحقق كمال النصاب معه كما تقدم ومع ذلك فأمره عمر بالتوبة لتقبل شهادته ويجاب عن ذلك بأن عمر لعله لم يطلع على ذلك فأمره بالتوبة ولذلك لم يقبل منه أبو بكرة ما أمره به لعلمه بصدقه عند نفسه والله أعلم ثم أورد المصنف حديث زيد بن خالد في تغريب الزاني واستشكل الداودي إيراده في هذا الباب ووجهه أنه أراد منه الإشارة إلى أن هذه المدة أقصى ما ورد في استبراء العاصي والله أعلم تنبيه جمع البخاري في الترجمة بين السارق والقاذف للإشارة إلى أنه لا فرق في قبول التوبة منهما وإلا فقد نقل الطحاوي الإجماع على قبول شهادة السارق إذا تاب نعم ذهب الأوزاعي إلى أن المحدود في الخمر لا تقبل شهادته وأن تاب ووافقه الحسن بن صالح وخالفهما في ذلك فقهاء الأمصار

قوله باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد ذكر فيه حديث النعمان بن بشير في قصة هبة أبيه له وفيه

[ 2507 ] قوله صلى الله عليه وسلم لا تشهدني على جور وقد مضى الكلام عليه مستوفى في الهبة وقد أخرجه البيهقي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري هنا بلفظ فقال لا أشهد على جور وقوله في الترجمة إذا أشهد يؤخذ منه أنه لا يشهد على جور إذا لم يستشهد بطريق الأولى وقوله وقال أبو حريز بفتح المهملة وكسر الراء وآخره زاي عن الشعبي لا أشهد على جور أي في روايته عن الشعبي عن النعمان في هذا الحديث وقد تقدم في الهبة الإشارة إلى من وصله وإلى التوفيق بين ما في رواية أبي حريز وغيره عن الشعبي ثم ذكر المصنف حديث خير الناس قرني من رواية عبد الله بن مسعود ومن رواية عمران بن حصين وفي كل منهما زيادة على ما في الآخر وورد الحديث عن آخرين من الصحابة سأذكر ما في رواياتهم من الفوائد والزوائد مشروحة في أول كتاب فضائل الصحابة إن شاء الله تعالى والغرض هنا ما يتعلق بالشهادات

[ 2508 ] قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم هو موصول بالإسناد المذكور فهو بقية حديث عمران وسيأتي في الفضائل ما يوضح ذلك قوله ان بعدكم قوما كذا للأكثر وفي رواية النسفي وابن شبويه أن بعدكم قوم قال الكرماني لعله كتب بغير ألف على اللغة الربيعية أو حذف منه ضمير الشأن قوله يخونون كذا في جميع الروايات التي اتصلت لنا بالخاء المعجمة والواو مشتق من الخيانة وزعم بن حزم أنه وقع في نسخة يحربون بسكون المهملة وكسر الراء بعدها موحدة قال فإن كان محفوظا فهو من قولهم حر به يحر به إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء ورجل محروب أي مسلوب المال تنبيه قال النووي وقع في أكثر نسخ مسلم ولا يتمنون بتشديد المثناة قال غيره هو نظير قوله ثم يتزر موضع قوله يأتزر وادعى أنه شاذ ولكن قد قرأ بن محيصن فليؤد الذي اتمن امانته ووجهه بن مالك بأنه شبة بما فاؤه واو أو تحتانية قال وهو مقصور على السماع قوله ولا يؤتمنون أي لا يثق الناس بهم ولا يعتقدونهم أمناء بأن تكون خياتنهم ظاهرة بحيث لا يبقى للناس اعتماد عليهم قوله ويشهدون ولا يستشهدون يحتمل أن يكون المراد التحمل بدون التحميل أو الأداء بدون طلب والثاني أقرب ويعارضه ما رواه مسلم من حديث زيد بن خالد مرفوعا ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها واختلف العلماء في ترجيحهما فجنح بن عبد البر إلى ترجيح حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة فقدمه على رواية أهل العراق وبالغ فزعم أن حديث عمران هذا لا أصل له وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران لاتفاق صاحبي الصحيح عليه وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد بن خالد وذهب آخرون إلى الجمع بينهما فأجابوا بأجوبة أحدها أن المراد بحديث زيد من عنده شهادة لإنسان بحق لا يعلم بها صاحبها فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها العالم بها ويخلف ورثة فيأتي الشاهد إليهم أو إلى من يتحدث عنهم فيعلمهم بذلك وهذا أحسن الأجوبة وبهذا أجاب يحيى بن سعيد شيخ مالك ومالك وغيرهما ثانيها أن المراد به شهادة الحسبة وهي ما لا يتعلق بحقوق الآدميين المختصة بهم محضا ويدخل في الحسبة مما يتعلق بحق الله أو فيه شائبة منه العتاق والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق والحدود ونحو ذلك حاصله أن المراد بحديث بن مسعود الشهادة في حقوق الآدميين والمراد بحديث زيد بن خالد الشهادة في حقوق الله ثالثها أنه محمول على المبالغة في الإجابة إلى الأداء فيكون لشدة استعداده لها كالذي أداها قبل أن يسألها كما يقال في وصف الجواد أنه ليعطي قبل الطلب أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير توقف وهذه الأجوبة مبينة على أن الأصل في أداء الشهادة عند الحاكم أن لا يكون الا بعد الطلب من صاحب الحق فيخص ذم من يشهد قبل أن يستشهد بمن ذكر ممن يخبر بشهادة عنده لا يعلم صاحبها بها أو شهادة الحسبة وذهب بعضهم إلى جواز أداء الشهادة قبل السؤال على ظاهر عموم حديث زيد بن خالد وتأولوا حديث عمران بتأويلات أحدها أنه محمول على شهادة الزور أي يؤدون شهادة لم يسبق لهم تحملها وهذا حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم ثانيها المراد بها الشهادة في الحلف يدل عليه قول إبراهيم في آخر حديث بن مسعود كانوا يضربوننا على الشهادة أي قول الرجل أشهد بالله ما كان الا كذا على معنى الحلف فكره ذلك كما كره الإكثار من الحلف واليمين قد تسمى شهادة كما قال تعالى فشهادة أحدهم وهذا جواب الطحاوي ثالثها المراد بها الشهادة على المغيب من أمر الناس فيشهد على قوم أنهم في النار وعلى قوم أنهم في الجنة بغير دليل كما يصنع ذلك أهل الأهواء حكاه الخطابي رابعها المراد به من ينتصب شاهدا وليس من أهل الشهادة خامسها المراد به التسارع إلى الشهادة وصاحبها بها عالم من قبل أن يسأله والله أعلم وقوله يشهدون ولا يستشهدون استدل به على أن من سمع رجلا يقول لفلان عندي كذا فلا يسوغ له أن يشهد عليه بذلك الا أن استشهده وهذا بخلاف من رأى رجلا يقتل رجلا أو يغصبه ماله فإنه يجوز له أن يشهد بذلك وأن لم يستشهده الجاني قوله وينذرون بفتح أوله وبكسر الذال المعجمة وبضمها ولا يفون يأتي الكلام عليه في كتاب النذور وقوله ويظهر فيهم السمن بكسر المهملة وفتح الميم بعدها نون أي يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن بالتشديد قال بن التين المراد ذم محبته وتعاطيه لا من تخلق بذلك وقيل المراد يظهر فيهم كثرة المال وقيل المراد أنهم يتسمنون أي يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف ويحتمل أن يكون جميع ذلك مرادا وقد رواه الترمذي من طريق هلال بن يساف عن عمران بن حصين بلفظ ثم يجيء قوم يتسمنون ويحبون السمن وهو ظاهر في تعاطي السمن على حقيقته فهو أولى ما حمل عليه خبر الباب وإنما كان مذموما لأن السمين غالبا بليد الفهم ثقيل عن العبادة كما هو مشهور

[ 2509 ] قوله عن منصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي و عبيدة بفتح أوله هو السلماني وعبد الله هو بن مسعود وهذا الإسناد كله كوفيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق قوله تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته أي في حالين وليس المراد أن ذلك يقع في حالة واحدة لأنه دور كالذي يحرص على ترويج شهادة فيحلف على صحتها ليقويها فتارة يحلف قبل أن يشهد وتارة يشهد قبل أن يحلف ويحتمل أن يقع ذلك في حال واحدة عند من يجيز الحلف في الشهادة فيريد أن يشهد ويحلف وقال بن الجوزي المراد أنهم لا يتورعون ويستهينون بأمر الشهادة واليمين وقال بن بطال يستدل به على أن الحلف في الشهادة يبطلها قال وحكى بن شعبان في الزاهي من قال أشهد بالله أن لفلان على فلان كذا لم تقبل شهادته لأنه حلف وليس بشهادة قال بن بطال والمعروف عن مالك خلافه قوله قال إبراهيم الخ هو موصول بالإسناد المذكور ووهم من زعم أنه معلق وإبراهيم هو النخعي قوله كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد زاد المصنف بهذا الإسناد في أول الفضائل ونحن صغار وكذلك أخرجه مسلم بلفظ كانوا ينهوننا ونحن غلمان عن العهد والشهادات وسيأتي في كتاب الأيمان والنذور نحوه وكان أصحابنا ينهوننا ونحن غلمان عن الشهادة وقال أبو عمر بن عبد البر معناه عندهم النهي عن مبادرة الرجل بقول أشهد بالله وعلي عهد الله لقد كان كذا ونحو ذلك وإنما كانوا يضربونهم على ذلك حتى لا يصير لهم به عادة فيحلفوا في كل ما يصلح وما لا يصلح قلت ويحتمل أن يكون الأمر في الشهادة على ما قال ويحتمل أن يكون المراد النهي عن تعاطي الشهادات والتصدي لها لما في تحملها من الحرج ولا سيما عند أدائها لأن الإنسان معرض للنسيان والسهو ولا سيما وهم إذا ذاك غالبا لا يكتبون ويحتمل أن يكون المراد بالنهي عن العهد الدخول في الوصية لما يترتب على ذلك من المفاسد والوصية تسمى العهد قال الله تعالى لا ينال عهدي الظالمين وسيأتي مزيد بيان لهذا في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى

قوله باب ما قيل في شهادة الزور أي من التغليظ والوعيد قوله لقول الله عز وجل والذين لا يشهدون الزور أشار إلى أن الآية سيقت في ذم متعاطي شهادة الزور وهو اختيار منه لأحد ما قيل في تفسيرها وقيل المراد بالزور هنا الشرك وقيل الغناء وقيل غير ذلك قال الطبري أصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل لمن سمعه أنه بخلاف ما هو به قال وأولى الأقوال عندنا أن المراد به مدح من لا يشهد شيئا من الباطل والله أعلم قوله وكتمان الشهادة هو معطوف على شهادة الزور أي وما قيل في كتمان الشهادة بالحق من الوعيد قوله لقوله تعالى ولا تكتموا الشهادة إلى قوله عليم والمراد منها قوله فإنه آثم قلبه قوله تلووا ألسنتكم بالشهادة هو تفسير بن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله وان تلووا أو تعرضوا أي تلووا ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها ومن طريق العوفي عن بن عباس في هذه الآية قال تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجة فلا تقيم الشهادة على وجهها والاعراض عنها الترك وعن مجاهد من طرق حاصلها أنه فسر اللي بالتحريف والاعراض بالترك وكأن المصنف أشار بنظم كتمان الشهادة مع شهادة الزور إلى هذا الأثر وإلى أن تحريم شهادة الزور لكونها سببا لابطال الحق فكتمان الشهادة أيضا سبب لابطال الحق وإلى الحديث الذي أخرجه أحمد وابن ماجة من حديث بن مسعود مرفوعا أن بين يدي الساعة فذكر أشياء ثم قال وظهور شهادة الزور وكتمان شهادة الحق ثم ذكر المصنف حديثين أحدهما

[ 2510 ] قوله عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس في رواية محمد بن جعفر الآتية في الأدب عن محمد بن جعفر عن سعيد حدثني عبيد الله بن أبي بكر سمعت أنس بن مالك قوله سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر زاد بهز عن شعبة عند أحمد أو ذكرها وفي رواية محمد بن جعفر ذكر الكبائر أو سئل عنها وكأن المراد بالكبائر أكبرها كما في حديث أبي بكرة الذي يليه وكذا وقع في بعض الطرق عن شعبة كما سأبينه وليس القصد حصر الكبائر فيما ذكر وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى في تعريفها والإشارة إلى تعيينها في الكلام على حديث أبي هريرة اجتنبوا السبع الموبقات وهو في آخر كتاب الوصايا قوله وشهادة الزور في رواية محمد بن جعفر قول الزور أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور قوله تابعه غندر هو محمد بن جعفر المذكور قوله وأبو عامر وبهز وعبد الصمد أما رواية أبي عامر وهو العقدي فوصلها أبو سعيد النقاش في كتاب الشهود وابن منده في كتاب الأيمان من طريقه عن شعبة بلفظ أكبر الكبائر الإشراك بالله الحديث وكذلك أخرجه المصنف في الديات عن عمرو بن عوف عن شعبة بلفظ أكبر الكبائر وأما رواية بهز وهو بن أسد المذكور فأخرجها أحمد عنه وأما رواية عبد الصمد وهو بن عبد الوارث فوصلها المؤلف في الديات

[ 2511 ] قوله حدثنا الجريري بضم الجيم وهو سعيد بن إياس وسماه في رواية خالد الحذاء عنه في أوائل الأدب وقد أخرج البخاري للعباس بن فروخ الجريري لكنه إذا أخرجه عنه سماه قوله عن عبد الرحمن بن أبي بكرة في رواية إسماعيل بن علية عن الجريري حدثنا عبد الرحمن وقد علقها المصنف آخر الباب قوله ألا أنبئكم بأكبر الكبائر هذا يقوي أن كان المجلس متحدا أحد الوجهين مما شك فيه شعبة هل قال ذلك ابتداء أو لما سئل وقد نظم كل من العقوق وشهادة الزور بالشرك في آيتين إحداهما قوله تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه وبالوالدين احسانا ثانيهما قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور قوله ثلاثا أي قال لهم ذلك ثلاث مرات وكرره تأكيدا لينتبه السامع على إحضار فهمه ووهم من قال المراد بذلك عدد الكبائر وقد ترجم البخاري في العلم من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه وذكر فيه طرفا من هذا الحديث تعليقا قوله الإشراك بالله يحتمل مطلق الكفر ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود ولا سيما في بلاد العرب فذكره تنبيها على غيره ويحتمل أن يراد به خصوصيته الا أنه يرد عليه أن بعض الكفر أعظم قبحا من الإشراك وهو التعطيل لأنه نفي مطلق والاشراك اثبات مقيد فيترجح الاحتمال الأول قوله وعقوق الوالدين يأتي الكلام عليه في الأدب م الكلام على الكبائر وضابطها وبيان ما قيل في عددها إن شاء الله تعالى قوله وجلس وكان متكئا يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئا ويفيد ذلك تأكيد تحريمه وعظم قبحه وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها أكثر فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعا بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبا قوله ألا وقول الزور في رواية خالد عن الجريري ألا وقول الزور وشهادة الزور وفي رواية بن علية شهادة الزور أو قول الزور وكذا وقع في العمدة بالواو قال بن دقيق العيد يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام لكي ينبغي أن يحمل على التأكيد فأنا لو حملنا القول على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقا كبيرة وليس كذلك قال ولا شك أن عظم الكذب ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده ومنه قوله تعالى ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا قوله فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وسلم والمحبة له والشفقة عليه قوله وقال إسماعيل بن إبراهيم أي بن علية وروايته موصولة في كتاب استتابة المرتدين وفي الحديث انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر ويؤخذ منه ثبوت الصغائر لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها والاختلاف في ثبوت الصغائر مشهور وأكثر ما تمسك به من قال ليس في الذنوب صغيرة كونه نظر إلى عظم المخالفة لأمر الله ونهيه فالمخالفة بالنسبة إلى جلال الله كبيرة لكن لمن أثبت الصغائر أن يقول وهي بالنسبة لما فوقها صغيرة كما دل عليه حديث الباب وقد فهم الفرق بين الصغيرة والكبيرة من مدارك الشرع وسبق في أوائل الصلاة ما يكفر الخطايا ما لم تكن كبائر فثبت به أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات ومنها ما لا يكفر وذلك هو عين المدعى ولهذا قال الغزالي إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه ثم أن مراتب كل من الصغائر والكبائر مختلف بحسب تفاوت مفاسدها وفي الحديث تحريم شهادة الزور وفي معناها كل ما كان زورا من تعاطي المرء ما ليس له أهلا

قوله باب شهادة الأعمى ونكاحه وأمره وانكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين وغيره وما يعرف بالأصوات مال المصنف إلى إجازة شهادة الأعمى فأشار إلى الاستدلال لذلك بما ذكر من جواز نكاحه ومبايعه وقبول تأذينه وهو قول مالك والليث سواء علم ذلك قبل العمي أو بعده وفصل الجمهور فأجازوا ما تحمله قبل العمي لا بعده وكذا ما يتنزل فيه منزلة المبصر كأن يشهده شخص بشيء ويتعلق هو به إلى أن يشهد به عليه وعن الحكم يجوز في الشيء اليسير دون الكثير قال أبو حنيفة ومحمد لا تجوز شهادته بحال الا فيما طريقه الاستفاضة وليس في جميع ما استدل به المصنف دفع للمذهب المفصل إذ لا مانع من حمل المطلق على المقيد قوله وأجاز شهادته القاسم والحسن وابن سيرين والزهري وعطاء أما القاسم فأظنه أراد بن محمد بن أبي بكر أحد الفقهاء السبعة وقد روى سعيد بن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري قال سمعت الحكم بن عتيبة هو بالمثناة والموحدة مصغر يسأل القاسم بن محمد عن شهادة الأعمى فقال جائزة وأما قول الحسن وابن سيرين فوصله بن أبي شيبة من طريق أشعث عنهما قالا شهادة الأعمى جائزة وأما قول الزهري فوصله بن أبي شيبة من طريق بن أبي ذئب عنه أنه كان يجيز شهادة الأعمى قوله وأما قول عطاء وهو بن أبي رباح فوصله الأثرم من طريق بن جريج عنه قال تجوز شهادة الأعمى قوله وقال الشعبي يشير إلى أنه أراد الثاني وقوله في الأموال والحدود يشير بذلك إلى تجوز شهادته إذا كان عاقلا وصله بن أبي شيبة عنه بمعناه وليس مراده بقوله عاقلا الاحتراز من الجنون لأن ذاك أمر لا بد من الاحتراز منه سواء كان أعمى أو بصيرا وإنما مراده أن يكون فطنا مدركا للأمور الدقيقة بالقرائن ولا شك في تفاوت الأشخاص في ذلك قوله وقال الحكم رب شيء تجوز فيه وصله بن أبي شيبة عنه بهذا وكأنه توسط بين مذهبي الجواز والمتع قوله وقال الزهري أرأيت بن عباس لو شهد على شهادة أكنت ترده وصله الكرابيسي في أدب القضاء من طريق بن أبي ذئب عنه قوله وكان بن عباس يبعث رجلا الخ وصله عبد الرزاق بمعناه من طريق أبي رجاء عنه ووجه تعلقه به كونه كان يعتمد على خبر غيره مع أنه لا يرى شخصه وإنما سمع صوته قال بن المنير لعل البخاري يشير بحديث بن عباس إلى جواز شهادة الأعمى على التعريف أي إذا عرف أن هذا فلان فإذا عرف شهد قال وشهادة التعريف مختلف فيها عند مالك وغيره وقد جاء عن بن عباس أنه كان لا يكتفي برؤية الشمس لأنها تواريها الجبال والسحاب ويكتفي بغلبة الظلمة على الأفق الذي من جهة المشرق وأخرجه سعيد بن منصور عنه قوله وقال سليمان بن يسار استأذنت على عائشة فعرفت صوتي فقالت سليمان ادخل الخ تقدم الكلام عليه في آخر العتق وفيه دليل على أن عائشة كانت ترى ترك الاحتجاب من العبد سواء كان في ملكها أو في ملك غيرها لأنه كان مكاتب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأما مم قال يحتمل أنه كان مكاتبا لعائشة فمعارض للصحيح من الأخبار بمحض الاحتمال وهو مردود وأبعد من قال يحمل قوله على عائشة بمعنى من عائشة أي استأذنت عائشة في الدخول على ميمونة قوله وأجاز سمرة بن جندب شهادة امرأة متنقبة كذا في رواية أبي ذر بالتشديد ولغيره بسكون النون وتقديمها على المثناة ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث عائشة سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد الحديث والغرض منه اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم على صوته من غير أن يرى شخصه

[ 2512 ] قوله وزاد عباد بن عبد الله أي بن الزبير عن أبيه عن عائشة وصله أبو يعلى من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وتهجد عباد بن بشر في المسجد فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقال يا عائشة هذا عباد بن بشر قلت نعم فقال اللهم ارحم عبادا قوله فسمع صوت عباد وقوله أصوت عباد هذا في رواية أبي يعلى المذكور عباد بن بشر في الموضعين كما سقته وبهذا يزول اللبس عمن يظن اتحاد المسموع صوته والراوي عن عائشة وهما اثنان مختلفا النسبة والصفة فعباد بن بشر صحابي جليل وعباد بن عبد الله بن الزبير تابعي من وسط التابعين وظاهر الحال أن المبهم في الرواية التي قبل هذه هو المفسر في هذه الرواية لأن مقتضى قوله زاد أن يكون المزيد فيه والمزيد عليه حديثا واحدا فتتحد القصة لكن جزم عبد الغني بن سعيد في المبهمات بأن المبهم في رواية هشام عن أبيه عن عائشة هو عبد الله بن يزيد الأنصاري فروي من طريق عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت قارىء يقرأ فقال صوت من هذا قالوا عبد الله بن يزيد قال لقد ذكرني أية يرحمه الله كنت أنسيتها ويؤيد ما ذهب إليه مشابهة قصة عمرة عن عائشة بقصة عروة عنها بخلاف قصة عباد بن عبد الله عنها فليس فيه تعارض لنسيان الآية ويحتمل التعدد من جهة غير الجهة التي اتحدت وهو أن يقال سمع صوت رجلين فعرف أحدهما فقال هذا صوت عباد ولم يعرف الأخر فسأل عنه والذي لم يعرفه هو الذي تذكر بقراءته الآية التي نسيها وسيأتي بقية الكلام على شرحه في كتاب فضائل القرآن إن شاء الله تعالى ثانيها حديث بن عمر في تأذين بلال وابن أم مكتوم وقد مضى بتمامه وشرحه في الأذان والغرض منه ما تقدم من الاعتماد على صوت الأعمى ثالثها حديث المسور في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له القباء والغرض منه

[ 2514 ] قوله فيه فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه ويقول خبأت لك هذا فإن فيه أنه اعتمد على صوته قبل أن يرى شخصه وسيأتي شرحه في اللباس إن شاء الله تعالى واحتج من لم يجز شهادة الأعمى بأن العقود لا تجوز الشهادة عليها الا باليقين والأعمى لا يتيقن الصوت لجواز شبهة بصوت غيره وأجاب المجيزون بأن محل القبول عندهم إذا تحقق الصوت ووجدت القرائن الدالة لذلك وأما عند الاشتباه فلا يقول به أحد ومن ذلك جواز نكاح الأعمى زوجته وهو لا يعرفها الا بصوتها لكنه يتكرر عليه سماع صوتها حتى يقع له العلم بأنها هي وإلا فمتى احتمل عنده احتمالا قويا أنها غيرها لم يجز له الأقدام عليها وقال الإسماعيلي ليس في أحاديث الباب دلالة على الجواز مطلقا لأن نكاح الأعمى يتعلق بنفسه لأنه في زوجته وأمته وليس لغيره فيه مدخل وأما قصة عباد ومخرمة ففي شيء يتعلق بهما لا يتعلق بغيرهما وأما التأذين فقد قال في بقية الحديث كان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت فالإعتماد على الجمع الذين يخبرونه بالوقت قال وأما ما ذكره الزهري في حق بن عباس فهو تهويل لا تقوم به حجة لأن بن عباس كان أفقه من أن يشهد فيما لا تجوز فيه شهادته فإنه لو شهد لأبيه أو ابنه أو مملوكه لما قبلت شهادته وقد أعاذه الله من ذلك

قوله باب شهادة النساء وقول الله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان قال بن المنذر أجمع العلماء على القول بظاهر هذه الآية فأجازوا شهادة النساء مع الرجال وخص الجمهور ذلك بالديون والأموال وقالوا لا تجوز شهادتهن في الحدود والقصاص واختلفوا في النكاح والطلاق والنسب والولاء فمنعها الجمهور وأجازها الكوفيون قال واتفقوا على قبول شهادتين مفردات فيما لا يطلع عليه الرجال كالحيض والولادة والاستهلال وعيوب النساء واختلفوا في الرضاع كما سيأتي في الباب الذي بعده وقال أبو عبيدة أما اتفاقهم على جواز شهادتين في الأموال فللآية المذكورة وأما اتفاقهم على منعها في الحدود والقصاص فلقوله تعالى فان لم يأتوا بأربعة شهداء وأما اختلافهم في النكاح ونحوه فمن ألحقها بالأموال فذلك لما فيها من المهور والنفقات ونحو ذلك ومن ألحقها بالحدود فلأنها تكون استحلالا للفروج وتحريمها بها قال وهذا هو المختار ويؤيد ذلك قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم ثم سماها حدودا فقال تلك حدود الله والنساء لا يقبلن في الحدود قال وكيف يشهدن فيما ليس لهن فيه تصرف من عقد ولا حل انتهى وهذا التفصيل لا ينافي الترجمة لأنها معقودة لإثبات شهادتهن في الجملة وقد اختلفوا فيما لا يطلع عليه الرجال هل يكفي فيه قول المرأة وحدها أم لا فعند الجمهور لا بد من أربع وعن مالك وابن أبي ليلى يكفي شهادة اثنتين وعن الشعبي والثوري تجوز شهادتها وحدها في ذلك وهو قول الحنفية ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد مختصرا وقد مضى بتمامه في الحيض والغرض منه

[ 2515 ] قوله صلى الله عليه وسلم أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قال المهلب ويستنبط منه التفاضل بين الشهود بقدر عقلهم وضبطهم فتقدم شهادة الفطن اليقظ على الصالح البليد قال وفي الآية أن الشاهد إذا نسي الشهادة فذكره بها رفيقه حتى تذكرها أنه يجوز أن يشهد بها ومن اللطائف ما حكاه الشافعي عن أمه أنها شهدت عند قاضي مكة وامرأة أخرى فأراد أن يفرق بينهما امتحانا فقالت له أم الشافعي ليس لك ذلك لأن الله تعالى يقول أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى

قوله باب شهادة الاماء والعبيد أي في حال الرق وقد ذهب الجمهور إلى أنها لا تقبل مطلقا وقالت طائفة تقبل مطلقا وقد نقل المصنف بعض ذلك وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور وقيل في الشيء اليسير وهو قول الشعبي وشريح والنخعي والحسن قوله وقال أنس شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا وصله بن أبي شيبة من رواية المختار بن فلفل قال سألت أنسا عن شهادة العبيد فقال جائزة قوله وأجازه شريح وزرارة بن أبي أوفى أما شريح فوصله بن أبي شيبة من رواية عامر وهو الشعبي أن شريحا أجاز شهادة العبيد وروى سعيد بن منصور من رواية عمار الدهني قال سمعت شريحا أجاز شهادة عبد في الشيء اليسير ورويناه في جامع سفيان بن عيينة عن هشام عن بن سيرين كان شريح يجيز شهادة العبد في الشيء اليسير إذا كان مرضيا وروى بن أبي شيبة أيضا من طريق أشعث عن الشعبي كان شريح لا يجيز شهادة العبد فقال علي لكنا نجيزها فكان شريح بعد ذلك يجيزها الا لسيده وأما قول زرارة بن أبي أوفى وهو قاضي البصرة فلم أقف على سنده إليه قوله وقال بن سيرين شهادته أي العبد جائزة الا العبد لسيده وصله عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسائل من طريق يحيى بن عتيق عنه بمعناه قوله وأجازه الحسن وإبراهيم في الشيء التافه وصله بن أبي شيبة من رواية منصور عن إبراهيم قال كانوا يجيزونها في الشيء الخفيف ومن طريق أشعث الحمراني عن الحسن نحوه قوله وقال شريح كلكم بنو عبيد واماء كذا للأكثر ولابن السكن كلكم عبيد واماء وصله بن أبي شيبة من طريق عمار الدهني سمعت شريحا شهد عنده عبد فأجاز شهادته فقيل له أنه عبد فقال كلنا عبيد وأمنا حواء وأخرجه سعيد بن منصور من هذا الوجه نحوه بلفظ فقيل له أنه عبد فقال كلكم بنو عبيد وبنو إماء ثم أورد المصنف حديث عقبة بن الحارث في قصة الأمة السوداء المرضعة وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم أمر عقبة بفراق امرأته بقول الأمة المذكورة فلو لم تكن شهادتها مقبولة ما عمل بها واحتجوا أيضا بقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء قالوا فإن كان الذي في الرق رضا فهو داخل في ذلك وأجيب عن الآية بأنه تعالى قال في آخرها ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا والاباء إنما يتأتى من الأحرار لاشتغال الرقيق بحق السيد وفي الاستدلال بهذا القدر نظر وأجاب الإسماعيلي عن حديث الباب فقال قد جاء في بعض طرقه فجاءت مولاة لأهل مكة قال وهذا اللفظ يطلق على الحرة التي عليها الولاء فلا دلالة فيه على أنها كانت رقيقة وتعقب بأن رواية حديث الباب فيه التصريح بأنها أمة فتعين أنها ليست بحرة وقد قال بن دقيق العيد أن أخذنا بظاهر حديث الباب فلا بد من القول بشهادة الأمة وقد سبق إلى الجزم بأنها كانت أمة أحمد بن حنبل رواه عنه جماعة كأبي طالب ومهنا وحرب وغيرهم وقد تقدم في العلم تسمية أم يحيى بنت أبي إهاب وإنها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها تحتانية مثقلة ثم وجدت في النسائي أن اسمها زينب فلعل غنية لقبها أو كان اسمها فغير بزينب كما غير اسم غيرها والأمة المذكورة لم أقف على اسمها

[ 2516 ] قوله فأعرض عني زاد في البيوع من طريق عبد الله بن أبي حسين عن بن أبي مليكة وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم قوله فيه فتنحيت فذكرت ذلك له في رواية النكاح فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت أنها كاذبة وفي رواية الدارقطني ثم سألته فأعرض عني وقال في الثالثة أو الرابعة

قوله باب شهادة المرضعة ذكر فيه حديث عقبة بن الحارث في قصة المرأة التي أخبرته أنها أرضعته وأرضعت امرأته أخرجه في الباب الذي قبله وفي هذا الباب عن أبي عاصم لكن هنا عن عمر بن سعيد وفي الذي قبله عن بن جريج كلاهما عن بن أبي مليكة وكأن لأبي عاصم فيه شيخين فقد وجدت له فيه ثالثا ورابعا أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن يحيى عن أبي عاصم عن أبي عامر الخراز ومحمد بن سليم كلاهما عن بن أبي مليكة أيضا واحتج به من قبل شهادة المرضعة وحدها قال علي بن سعد سمعت أحمد يسأل عن شهادة المرأة الواحدة في الرضاع قال تجوز على حديث عقبة بن الحارث وهو قول الأوزاعي ونقل عن عثمان وابن عباس والزهري والحسن وإسحاق وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن بن شهاب قال فرق عثمان بين ناس تناكحوا بقول امرأة سوداء أنها أرضعتهم قال بن شهاب الناس يأخذون بذلك من قول عثمان اليوم واختاره أبو عبيد الا أنه قال أن شهدت المرضعة وحدها وجب على الزوج مفارقة المرأة ولا يجب عليه الحكم بذلك وأن شهدت معها أخرى وجب الحكم به واحتج أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلزم عقبة بفراق امرأته بل قال له دعها عنك وفي رواية بن جريج كيف وقد زعمت فأشار إلى أن ذلك على التنزيه وذهب الجمهور إلى أنه لا يكفي شهادة المرضعة لأنها شهادة على فعل نفسها وقد أخرج أبو عبيد من طريق عمر والمغيرة بن شعبة وعلي بن أبي طالب وابن عباس أنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك فقال عمر فرق بينهما أن جاءت بينة وإلا فخل بين الرجل وامرأته الا أن يتنزها ولو فتح هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين الزوجين الا فعلت وقال الشعبي تقبل مع ثلاث نسوة بشرط أن لا تتعرض نسوة لطلب أجرة وقيل لا تقبل مطلقا وقيل تقبل في ثبوت المحرمية دون ثبوت الأجرة لها على ذلك وقال مالك تقبل مع أخرى وعن أبي حنيفة لا تقبل في الرضاع شهادة النساء المتمحضات وعكسه الإصطخري من الشافعية وأجاب من لم يقبل شهادة المرضعة وحدها بحمل النهي في قوله فنهاه عنها على التنزيه وبحمل الأمر في قوله دعها عنك على الإرشاد وفي الحديث جواز أعراض المفتي ليتنبه المستفتي على أن الحكم فيما سأله الكف عنه وجواز تكرار السؤال لمن لم يفهم المراد والسؤال عن السبب المقتضى لرفع النكاح وقوله

[ 2517 ] في الإسناد الذي قبله حدثني عقبة بن الحارث أو سمعته منه فيه رد على من زعم أن بن أبي مليكة لم يسمع من عقبة بن الحارث وقد حكاه بن عبد البر ولعل قائل ذلك أخذه من الرواية الآتية في النكاح من طريق بن علية عن أيوب عن بن أبي مليكة عن عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث قال بن أبي مليكة وقد سمعته من عقبة ولكني لحديث عبيد أحفظ وأخرجه أبو داود من طريق حماد عن أيوب ولفظه عن بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال وحدثنيه صاحب لي عنه وأنا لحديث صاحبي أحفظ ولم يسمه وفيه إشارة إلى التفرقة في صيغ الأداء بين الأفراد والجمع أو بين القصد إلى التحديث وعدمه فيقول الراوي فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ أو قصد الشيخ تحديثه بذلك حدثني بالافراد وفيما عدا ذلك حدثنا بالجمع أو سمعت فلانا يقول ووقع عند الدارقطني من هذا الوجه حدثني عقبة بن الحارث ثم قال لم يحدثني ولكني سمعته يحدث وهذا يعين أحد الاحتمالين وقد اعتمد ذلك النسائي فيما يرويه عن الحارث بن مسكين فيقول الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ولا يقول حدثني ولا أخبرني لأنه لم يقصده بالتحديث وإنما كان يسمعه من غير أن يشعر به قوله فيه اني قد أرضعتكما زاد الدارقطني من طريق أيوب عن بن أبي مليكة فدخلت علينا امرأة سوداء فسألت فأبطأنا عليها فقالت تصدقوا علي فوالله لقد أرضعتكما جميعا زاد البخاري في العلم من طريق عمر بن سعيد عن بن أبي حسين عن بن أبي مليكة فقال لها عقبة ما أرضعتني ولا أخبرتني أي بذلك قبل التزوج زاد في باب إذا شهد شاهد بشيء فقال آخر ما علمت ذلك وفي العلم فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله وترجم عليه الرحلة في المسألة النازلة وزاد في النكاح فقالت لي قد أرضعتكما وهي كاذبة قوله دعها عنك أو نحوه في رواية النكاح دعها عنك حسب زاد الدارقطني في رواية أيوب في آخره لا خير لك فيها وفي الباب الذي قبله فنهاه عنها زاد في الباب المشار إليه من الشهادات ففارقها ونكحت زوجا غيره

قوله باب تعديل النساء بعضهن بعضا كذا للأكثر زاد أبو ذر قبله حديث الإفك ثم قال باب الخ

[ 2518 ] قوله حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود هو الزهراني العتكي بفتح المهملة والمثناة البصري نزل بغداد اتفق البخاري ومسلم على الرواية عنه ومن جملة ما اتفقا عليه إخراج هذا الحديث عنه وفي طبقته اثنان كل منهما أيضا أبو الربيع سليمان بن داود أحدهما الختلي بضم المعجمة وتشديد المثناة المفتوحة بغدادي انفرد مسلم بالرواية عنه والرشديني بكسر الراء وسكون المعجمة مصري لم يخرجا له وروى عنه أبو داود والنسائي قوله وأفهمني بعضه أحمد قال حدثنا فليح يحتمل أن يكون أحمد رفيقا لأبي الربيع في الرواية عن فليح وان يكون البخاري حمله عنهما جميع على الكيفية المذكورة ويحتمل أن يكون أحمد رفيقا للبخاري في الرواية عن أبي الربيع وهو الأقرب إذ لو كان المراد الأول لكان يقول قالا حدثنا فليح بالتثنية ولم أر ذلك في شيء من الأصول ويؤيد الأول أيضا صنيع البرقاني فإنه أخرج الحديث في المصافحة ومقتضاه أن القدر المذكور عند البخاري عن أحمد عن أبي الربيع عن فليح لكن وقع في أطراف خلف حدثنا أبو ربيع وأفهمني بعضه أحمد بن يونس فإن كان محفوظا فلعل لفظ قالا سقط من الأصل كما جرت العادة باسقاطها كثيرا في الأسانيد فأثبت بعضهم بدلها قال بالافراد وبما قال خلف جزم الدمياطي وأما جزم المزي بأن الذي ذكره خلف وهم فليس هذا الجزم بواضح وزعم بن خلفون أن أحمد هذا هو بن حنبل بناء على القول الثاني وجوز غيره أن يكون أحمد بن النضر النيسابوري وبه جزم الذهبي في طبقات القراء وقد حدث به عن أبي الربيع الزهراني ممن يسمى أحمد أيضا أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم وأبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى وغيرهما وقد ذكرت في المقدمة طائفة ممن روى هذا الحديث عن فليح ممن تسمى أحمد وكذلك من رواه عن أبي الربيع ممن يسمى أحمد أيضا فالله أعلم ثم ساق المصنف حديث الإفك بطوله من رواية فليح عن الزهري عن مشايخه ثم من رواية فليح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وعبد الله بن الزبير قال مثله ومن رواية فليح عن ربيعة ويحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال مثله وسيأتي شرحه مستوفى في تفسير سورة النور وبيان ما زادت رواية كل واحد من هؤلاء على رواية الزهري وما نقصت عنها وقد أخرجه الإسماعيلي عن جماعة أخبروه به عن أبي الربيع وزاد في آخره عن فليح قال وسمعت ناسا من أهل العلم يقولون أن أصحاب الإفك جلدوا الحد قلت وسيأتي لذلك إسناد آخر في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا سؤاله صلى الله عليه وسلم بريرة عن حال عائشة وجوابها ببراءتها واعتماد النبي صلى الله عليه وسلم على قولها حتى خطب فاستعذر من عبد الله بن أبي وكذلك سؤاله من زينب بنت جحش عن حال عائشة وجوابها ببراءتها أيضا وقول عائشة في حق زينب هي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع ففي مجموع ذلك مراد الترجمة قال بن بطال فيه حجة لأبي حنيفة في جواز تعديل النساء وبه قال أبو يوسف ووافق محمد الجمهور قال الطحاوي التزكية خبر وليست شهادة فلا مانع من القبول وفي الترجمة الإشارة إلى قول ثالث وهو أن تقبل تزكيتهن لبعضهن لا للرجال لأن من منع ذلك اعتل بنقصان المرأة عن معرفة وجوه التزكية لا سيما في حق الرجال وقال بن بطال لو قيل أنه تقبل تزكيتهن بقول حسن وثناء جميل يكون ابراء من سوء لكان حسنا كما في قصة الإفك ولا يلزم منه قبول تزكيتهن في شهادة توجب أخذ مال والجمهور على جواز قبولهن مع الرجال فيما تجوز شهادتهن فيه قوله فأيتهن خرج سهمها أخرج بها معه كذا للنسفي ولأبي ذر عن غير الكشميهني وفي رواية الكشميهني والباقين خرج وهو الصواب ولعل الأول أخرج بضم أوله على البناء للمجهول قوله من جزع أظفار كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني ظفار وهو أصوب وسيأتي توضيحه عند شرحه قوله فاستيقظت باسترجاعه حتى أناخ راحلته كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني والنسفي حين أناخ راحلته قوله وقد بكيت لليلتي ويوما وفي رواية الكشميهني ليلتين ويوما وفي رواية النسفي وأبي الوقت ليلتي ويومي وسيأتي بقية ألفاظه عند شرحه إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا زكى رجل رجلا كفاه ترجم في أوائل الشهادات تعديل كم يجوز فتوقف هناك وجزم هنا بالاكتفاء بالواحد وقد قدمت توجيهه هناك واختلف السلف في اشتراط العدد في التزكية فالمرجح عند الشافعية والمالكية وهو قول محمد بن الحسن اشتراط اثنين كما في الشهادة واختاره الطحاوي واستثنى كثير منهم بطانة الحاكم لأنه نائبه فينزل قوله منزلة الحكم وأجاز الأكثر قبول الجرح والتعديل من واحد لأنه ينزل منزلة الحكم والحكم لا يشترط فيه العدد وقال أبو عبيد لا يقبل في التزكية أقل من ثلاثة واحتج بحديث قبيصة الذي أخرجه مسلم فيمن تحل له المسألة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا فيشهدون له قال وإذا كان هذا في حق الحاجة فغيرها أولى وهذا كله في الشهادة أما الرواية فيقبل فيها قول الواحد على الصحيح لأنه إن كان ناقلا عن غيره فهو من جملة الأخبار ولا يشترط العدد فيها وأن كان من قبل نفسه فهو بمنزلة الحاكم ولا يتعدد أيضا قوله وقال أبو جميلة بفتح الجيم وكسر الميم واسمه سنين بمهملة ونونين مصغر ووهم من شدد التحتانية كالداودي وقيل أنها رواية الأصيلي قيل اسم أبيه فرقد قال بن سعد هو سلمي وقال غيره هو ضمري وقيل سليطي وقد ذكره العجلي وجماعة في التابعين وسيأتي في غزوة الفتح ما يدل على صحبته وقد ذكره آخرون في الصحابة ووقع سياق خبره من طريق معمر عن الزهري عن أبي جميلة قال أخبرنا ونحن مع بن المسيب أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخرج معه عام الفتح وذكر أبو عمر أنه جاء في رواية أخرى أنه حج حجة الوداع وهو وارد على من لم يعرفه فقال أنه مجهول كابن المنذر ونقل البيهقي عن الشافعي نحو ذلك وفي الرواة أبو جميلة آخر اسمه ميسرة الطهوي بضم الطاء المهملة وفتح الهاء وهو كوفي روى عن عثمان وعلي وليست له صحبة اتفاقا ووهم من جعله صاحب هذه القصة كالكرماني قوله وجدت منبوذا بفتح الميم وسكون النون وضم الموحدة وسكون الواو بعدها معجمة أي شخصا منبوذا أي لقيطا قوله قال عسى الغوير أبؤسا كذا للأصيلي ولأبي ذر عن الكشميهني وحده وسقط للباقين والغوير بالمعجمة تصغير غار وأبؤسا جمع بؤس وهو الشدة وانتصب على أنه خبر عسى عند من يجيزه أو بإضمار شيء تقديره عسى أن يكون الغوير أبؤسا وجزم به صاحب المغني وهو مثل مشهور يقال فيما ظاهره السلامة ويخشى منه العطب وروى الخلال في علله عن الزهري أن أهل المدينة يتمثلون به في ذلك كثيرا وأصله كما قال الأصمعي أن ناسا دخلوا غارا يبيتون فيه فانهار عليهم فقتلهم وقيل وجدوا فيه عدوا لهم فقتلهم فقيل ذلك لكل من دخل في أمر لا يعرف عاقبته وقال بن الكلبي الغوير مكان معروف فيه ماء لبني كلب كان فيه ناس يقطعون الطريق وكان من يمر يتواصون بالحراسة وقال بن الأعرابي ضرب عمر هذا المثل للرجل يعرض بأنه في الأصل ولده وهو يريد نفيه عنه بدعواه أنه التقطه فهذا معنى قوله كأنه يتهمني وقيل أول من تكلم به الزباء بفتح الزاي وتشديد الموحدة والمد لما قتلت جذيمة الأبرش وأراد قصير بفتح القاف وكسر المهملة أن يقتص منها فتواطأ قصير وعمرو بن أخت جذيمة على أن قطع عمرو أنف قصير فأظهر أنه هرب منه إلى الزباء فأمنت إليه ثم ارسلته تاجرا فرجع إليها بربح كثير مرارا ثم رجع المرة الأخيرة ومعه الرجال في الأعدال معهم السلاح فنظرت إلى الجمال تمشي رويدا لثقل من عليها فقالت عسى الغوير أبؤسا أي لعل الشر يأتيكم من قبل الغوير وكأن قصيرا أعلمها أنه سلك في هذه المرة طريق الغوير فلما دخلت الأحمال قصرها خرجت الرجال من الأعدال فهلكت قوله كأنه يتهمني أي بأن يكون الولد له وإنما أراد نفي نسبه عنه لمعنى من المعاني وأراد مع ذلك أن يتولى هو تربيته وقيل أتهمه بأنه زنى بأمه ثم ادعاه وهو بعيد وما تقدم أولى وقد أخرج البيهقي هذه القصة موصولة من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن الزهري عن أبي جميلة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وأنه وجد منبوذا في خلافة عمر فأخذه قال فذكر ذلك عريفي لعمر فلما رآني عمر قال فذكره وزاد ما حملك على أخذ هذه النسمة قلت وجدتها ضائعة وقد أخرج مالك في الموطأ هذه الزيادة عن الزهري أيضا وصدر هذا الخبر سيأتي موصولا في أواخر المغازي من وجه آخر عن الزهري وفي ذلك رد على من زعم أن أبا جميلة هذا هو الطهوي لأن الطهوي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمر وأورد بن الأثير عن البخاري ما ذكرته عنه وزاد فيه وأنه التقط منبوذا فذكر القصة ولم أر ذلك في شيء من النسخ قوله فقال له عريفي أنه رجل صالح لم اقف على اسم هذا العريف الا أن الشيخ أبا حامد ذكر في تعليقه أن اسمه سنان وفي الصحابة لابن عبد البر سنان الضمري استخلفه أبو بكر الصديق مرة على المدينة فيحتمل أن يكون هو ذا فقد قيل أن أبا جميلة ضمري والله أعلم قال بن بطال كان عمر قسم الناس وجعل على كل قبيلة عريفا ينطر عليهم قلت فإن كان أبو جميلة سلميا فينظر من كان عريف بني سليم في عهد عمر قوله قال كذاك زاد مالك في روايته قال نعم قوله اذهب وعلينا نفقته في رواية مالك فقال عمر أذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته وكذلك في رواية البيهقي قال بن بطال في هذه القصة أن القاضي إذا سأل في مجلس نظره عن أحد فإنه يجتزيء بقول الواحد كما صنع عمر فأما إذا كلف المشهود له أن يعدل شهوده فلا يقبل أقل من اثنين قلت غايته أنه حمل القصة على بعض محتملاتها وقصة التكليف تحتاج إلى دليل من خارج وفيها جواز الالتقاط وأن لم يشهد وأن نفقته إذا لم يعرف في بيت المال وأن ولاؤه لملتقطه وذلك مما اختلف فيه وستأتي الإشارة إلى ذلك في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى وقد وجه بعضهم معنى قوله لك ولاؤه بكونه حين التقطه كأنه أعتقه من الموت أو أعتقه من أن يلتقطه غيره ويدعي أنه ملكه تنبيه وقع في المطالع أن عمر لما اتهم أبا جميلة شهد له جماعة بالستر اه وليس في قصته أن الذي شهد ليس الا عريفه وحده وفيه تثبت عمر في الأحكام وأن الحاكم إذا توقف في أمر أحد لم يكن ذلك قادحا فيه ورجوع الحاكم إلى قول أمنائه وفيه أن الثناء على الرجل في وجهه عند الحاجة لا يكره وإنما يكره الإطناب في ذلك ولهذه النكتة ترجم البخاري عقب هذا بحديث أبي موسى الذي ساقه بمعنى حديث أبي بكرة الذي أورده في هذا الباب فقال ما يكره من الإطناب في المدح ووجه احتجاجه بحديث أبي بكرة أنه صلى الله عليه وسلم اعتبر تزكية الرجل إذا اقتصد لأنه لم يعب عليه الا الإسراف والتغالي في المدح واعترضه بن المنير بأن هذا القدر كاف في قبول تزكيته وأما اعتبار النصاب فمسكوت عنه وجوابه أن البخاري جرى على قاعدته بأن النصاب لو كان شرطا لذكر إذ لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة

[ 2519 ] قوله أثنى رجل على رجل يحتمل أن يفسر المثنى بمحجن بن الأدرع الأسلمي وحديثه بذلك عند الطبراني وأحمد وإسحاق وعند إسحاق فيه زيادة من وجه آخر قد يفسر منها المثنى عليه بأنه عبد الله ذو النجادين وسيأتي بيان ذلك في كتاب الأدب مع تمام الكلام على حديث أبي بكرة إن شاء الله تعالى

قوله باب ما يكره من الإطناب في المدح وليقل ما يعلم أورد فيه حديث أبي موسى سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل يمكن أن يفسر بمن فسر في حديث أبي بكرة بناء على اتحاد القصة وقوله

[ 2520 ] يطريه بضم أوله والاطراء مدح الشخص بزيادة على ما فيه قوله أهلكتم أو قطعتم شك من الراوي وليس في الحديث ما زاده في الترجمة من وقوله وليقل ما يعلم وكأنه ذهب إلى اتحاد حديثي أبي بكرة وأبي موسى وقد قال في حديث أبي بكرة أن كان يعلم ذلك منه والله أعلم

قوله باب بلوغ الصبيان وشهادتهم أي حد بلوغهم وحكم شهادتهم قبل ذلك فأما حد البلوغ فسأذكره وأما شهادة الصبيان فردها الجمهور واعتبرها مالك في جراحانهم بشرط أن يضبط أول قولهم قبل أن يتفرقوا وقبل الجمهور أخبارهم إذا انضمت إليها قرينة وقد اعترض بأنه ترجم بشهادتهم وليس في حديثي الباب ما يصرح بها وأجيب بأنه مأخوذ من الاتفاق على أن من حكم ببلوغه قبلت شهادته إذا اتصف بشرط القبول ويرشد إليه قول عمر بن عبد العزيز أنه لحد بين الصغير والكبير قوله وقول الله عز وجل وذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا في هذه الآية تعليق الحكم ببلوغه الحلم وقد أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام وهو إنزال الماء الدافق سواء كان بجماع أو غيره سواء كان في اليقظة أو المنام وأجمعوا على أن لا أثر للجماع في المنام الا مع الإنزال قوله وقال مغيرة هو بن مقسم الضبي الكوفي قوله وأنا بن ثنتي عشرة سنة جاء مثله عن عمرو بن العاص فإنهم ذكروا أنه لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله بن عمرو في السن سوى اثنتي عشرة سنة قوله وبلوغ النساء إلى الحيض لقوله عز وجل واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إلى قوله أن يضعن حملهن هو بقية من الترجمة ووجه الانتزاع من الآية للترجمة تعليق الحكم في العدة بالإقراء على حصول الحيض وأما قبله وبعده فبالأشهر فدل على أن وجود الحيض ينقل الحكم وقد أجمع العلماء على أن الحيض بلوغ في حق النساء قوله وقال الحسن بن صالح هو بن حي الهمداني الفقيه الكرفي تقدم نسبه في أوائل الكتاب وأثره هذا رويناه موصولا في المجالسة للدينوري من طريق يحيى بن آدم عنه نحوه وزاد فيه وأقل أوقات الحمل تسع سنين وقد ذكر الشافعي أيضا أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة وأنها حاضت باستكمال تسع ووضعت بنتا لاستكمال عشر ووقع لبنتها مثل ذلك واختلف العلماء في أقل سن تحيض فيه المرأة ويحتلم فيه الرجل وهل تنحصر العلامات في ذلك أم لا وفي السن الذي إذا جاوزه الغلام ولم يحتلم والمرأة لم تحض يحكم حينئذ بالبلوغ فاعتبر مالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور الانبات الا أن مالكا لا يقيم به الحد للشبهة واعتبره الشافعي في الكافر واختلف قوله في المسلم وقال أبو حنيفة سن البلوغ تسع عشرة أو ثمان عشرة للغلام وسبع عشرة للجارية وقال أكثر المالكية حده فيهما سبع عشرة أو ثمان عشرة وقال الشافعي وأحمد وابن وهب والجمهور حده فيهما استكمال خمس عشرة سنة على ما في حديث بن عمر في هذا الباب

[ 2521 ] قوله حدثنا عبيد الله بن سعيد كذا في جميع الأصول عبيد الله بالتصغير وهو أبو قدامة السرخسي ووقع بخط بن العكلي الحافظ عبيد بن إسماعيل وبذلك جزم البيهقي في الخلافيات فأخرج الحديث من طريق محمد بن الحسين الخثعمي عن عبيد بن إسماعيل ثم قال أخرجه البخاري عن عبيد الله بن إسماعيل قلت وهو معروف بالرواية عن بن أسامة وقد أخرج النسائي هذا الحديث عن أبي قدامة السرخسي فقال عن يحيى بن سعيد القطان بدل أبي أسامة فهذا يرجح ما قال البيهقي قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو بن أربع عشرة سنة فلم يجزني فيه التفات أو تجريد إذ كان السياق يقتضي أن يقول فلم يجزه لكنه ألتفت أو جرد من نفسه أولا شخصا فعبر عنه بالماضي ثم ألتفت فقال عرضني ووقع في رواية يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر كما سيأتي في المغازي فلم يجزه وفي رواية مسلم عن بن نمير عن أبيه عن عبد الله بن عمر عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال فلم يجزني وقوله فلم يجزني بضم أوله من الإجازة وفي رواية بن إدريس وغيره عن عبيد الله عند مسلم فاستصغرني قوله ثم عرضني يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة فأجازني لم تختلف الرواة عن عبيد الله بن عمر في ذلك وهو الاقتصار على ذكر أحد والخندق وكذا أخرجه بن حبان من طريق مالك عن نافع وأخرجه بن سعد في الطبقات عن يزيد بن هارون عن أبي معشر عن نافع عن بن عمر فزاد فيه ذكر بدر ولفظه عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأنا بن ثلاث عشرة سنة فردني وعرضت عليه يوم أحد الحديث قال بن سعد قال يزيد بن هارون ينبغي أن يكون في الخندق بن ست عشرة سنة اه وهو أقدم من نعرفه استشكل قول بن عمر هذا وإنما بناه على قول بن إسحاق وأكثر أهل السير أن الخندق كانت في سنة خمس من الهجرة وأن اختلفوا في تعيين شهرها كما سيأتي في المغازي واتفقوا على أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث وإذا كان كذاك جاء ما قال يزيد أنه يكون حينئذ بن ست عشرة سنة لكن البخاري جنح إلى قول موسى بن عقبة في المغازي أن الخندق كانت في شوال سنة أربع وقد روى يعقوب بن سفيان في تاريخه ومن طريقه البيهقي عن عروة نحو قول موسى بن عقبة وعن مالك الجزم بذلك وعلى هذا لا اشكال لكن اتفق أهل المغازي على أن المشركين لما توجهوا في أحد نادوا المسلمين موعدكم العام المقبل بدر وأنه صلى الله عليه وسلم خرج إليها من السنة المقبلة في شوال فلم يجد بها أحدا وهذه هي التي تسمى بدر الموعد ولم يقع بها قتال فتعين ما قال بن إسحاق أن الخندق كانت في سنة خمس فيحتاج حينئذ إلى الجواب عن الاشكال وقد أجاب عنه البيهقي وغيره بأن قول بن عمر عرضت يوم أحد وأنا بن أربع عشرة أي دخلت فيها وأن قوله عرضت يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة أي تجاوزتها فألغى الكسر في الأولى وجبره في الثانية وهو شائع مسموع في كلامهم وبه يرتفع الاشكال المذكور وهو أولى من الترجيح والله أعلم تنبيهان الأول زعم بن التين أنه ورد في بعض الروايات أن عرض بن عمر كان ببدر فلم يجزه ثم بأحد فأجازه قال وفي رواية عرض يوم أحد وهو بن ثلاث عشرة فلم يجزه وعرض يوم الخندق وهو بن أربع عشرة سنة فأجازه ولا وجود لذلك وإنما وجد ما أشرت إليه عن بن سعد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن أبي معشر وأبو معشر مع ضعفه لا يخالف ما زاده من ذكر بدر ما رواه الثقات بل يوافقهم الثاني زعم بن ناصر أنه وقع في الجمع للحميدي هنا يوم الفتح بدل يوم الخندق قال بن ناصر والسابق إلى ذلك بن مسعود أو خلف فتبعه شيخنا ولم يتدبره والصواب يوم الخندق في جميع الروايات وتلقى ذلك بن الجوزي عن بن ناصر وبالغ في التشنيع على من وهم في ذلك وكان الأولى ترك ذلك فإن الغلط لا يسلم منه كثيرا أحد قوله قال نافع فقدمت على عمر هو موصول بالإسناد المذكور قوله ان هذا الحد بين الصغير والكبير وفي رواية بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عند الترمذي فقال هذا حد ما بين الذرية والمقاتلة قوله وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة زاد مسلم في روايته ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال وقوله أن يفرضوا أي يقدروا لهم رزقا في ديوان الجند وكانوا يفرقون بين المقاتلة وغيرهم في العطاء وهو الرزق الذي يجمع في بيت المال ويفرق على مستحقيه واستدل بقصة بن عمر على أن من استكمل خمسة عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين وأن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود ويستحق سهم الغنيمة ويقتل أن كان حربيا ويفك عند الحجر أن أونس رشده وغير ذلك من الأحكام وقد عمل بذلك عمر بن عبد العزيز وأقره عليه راوية نافع وأجاب الطحاوي وابن القصار وغيرهما ممن لم يأخذ به بأن الإجازة المذكورة جاء التصريح بأنها كانت في القتال وبذلك يتعلق بالقوة والجلد وأجاب بعض المالكية بأنها واقعة عين فلا عموم لها ويحتمل أن يكون صادف أنه كان عند تلك السن قد احتلم فلذلك أجازه وتجاسر بعضهم فقال إنما رده لضعفه لا لسنه وإنما أجازه لقوته لا لبلوغه ويرد على ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج ورواه بن عوانة وابن حبان في صحيحهما من وجه آخر عن بن جريج أخبرني نافع فذكر هذا الحديث بلفظ عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت وهي زيادة صحيحة لا مطعن فيها لجلالة بن جريج وتقدمه على غيره في حديث نافع وقد صرح فيها بالتحديث فانتفى ما يخشى من تدليسه وقد نص فيها لفظ بن عمر بقوله ولم يرني بلغت وابن عمر أعلم بما روى من غيره ولا سيما في قصة تتعلق به وفي الحديث أن الإمام يستعرض من يخرج معه للقتال قبل أن تقع الحرب فمن وجده أهلا اصطحبه وإلا رده وقد وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في بدر وأحد وغيرهما وستأتي الإشارة إليه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وعند المالكية والحنفية لا تتوقف الإجازة للقتال على البلوغ بل للأمام أن يجيز من الصبيان من فيه قوة ونجدة فرب مراهق أقوى من بالغ وحديث بن عمر حجة عليهم ولا سيما الزيادة التي ذكرتها عن بن جريج والله أعلم تنبيه ظاهر الترجمة مع سياق الآية أن الولد يطلق عليه صبي وطفل إلى أن يبلغ وهو كذلك وأما ما ذكره بعض أهل اللغة وجزم به غير واحد أن الولد يقال له جنين حتى يوضع ثم صبي حتى يفطم ثم غلام إلى سبع ثم يافع إلى عشر ثم حزور إلى خمس عشرة ثم قمد إلى خمس وعشرين ثم عنطنط إلى ثلاثين ثم ممل إلى أربعين ثم كهل إلى خمسين ثم شيخ إلى ثمانين ثم هم إذا زاد فلا يمنع إطلاق شيء من ذلك على غيره مما يقاربه تجوزا

[ 2522 ] قوله عن أبي سعيد هو الخدري قوله يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في الجمعة من طريق أخرى عن صفوان بن سليم بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قوله غسل يوم الجمعة في رواية أحمد عن سفيان الغسل يوم الجمعة وقد تقدم الحديث ومباحثه في كتاب الجمعة وفي إشارة إلى أن البلوغ يحصل بالإنزال لأنه المراد بالاحتلام هنا ويستفاد مقصود بالترجمة بالقياس على بقية الأحكام من حيث تعلق الوجوب بالاحتلام

قوله باب سؤال الحاكم المدعي هل لك بينة قبل اليمين أورد فيه حديث الأشعث كان بيني وبين رجل أرض فجحدني فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألك بينة قلت لا قال يحلف وفيه حديث بن مسعود وقوله في الترجمة قبل اليمن أي قبل يمين المدعى عليه وهو المطابق للترجمة ولا يصح حمله على المدعي بأن يطلب منه الحاكم يمين الاستظهار بأن بينته شهدت له بحق لأنه ليس في حديث الأشعث تعرض لذلك بل فيه ما قد يتمسك به في أن أن يمين الاستظهار غير واجبة والله أعلم وسيأتي مباحث حديثي الأشعث وابن مسعود في التفسير والأيمان والنذور إن شاء الله تعالى وفي الحديث حجة لمن قال لا تعرض اليمن على المدعى عليه إذا اعترف المدعي أن له بينة

قوله باب اليمن على المدعى عليه في الأموال والحدود أي دون المدعي ويستلزم ذلك شيئين أحدهما أن لا تجب يمين الاستظهار والثاني أن لا يصح القضاء بشاهد واحد ويمين المدعي واستشهاد المصنف بقصة بن شبرمة الرد على الكوفيين في تخصيصهم اليمن على المدعى عليه في الأموال دون الحدود وذهب الشافعي إلى القول بعموم ذلك في الأموال والحدود والنكاح ونحوه واستثنى مالك النكاح والطلاق والعتاق والفدية فقال لا يجب في شيء منها اليمين حتى يقيم المدعي البينة ولو شاهدا واحدا قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه وصله في آخر الباب من حديث الأشعث والغرض منه أنه أطلق اليمين في جانب المدعى عليه ولم يقيده بشيء دون شيء وارتفع شاهداك على أنه خبر مبتدأمحذوف تقديره المثبت لك أو الحجة أو ما يثبت لك والمعنى ما يثبت لك شهادة شاهديك أو لك إقامة شاهديك فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب إعرابه فارتفع وحذف الخبر للعلم به وقد تقدم في الرهن بلفظ شهودك وأنه روي بالرفع والنصب وتقدم توجيهه قوله وقال قتيبة حدثنا سفيان هو بن عيينة ورأيت بخط القطب أنه رأى في بعض النسخ حدثنا قتيبة ورد ذلك مغلطاي بأن البخاري لم يحتج بابن شبرمة وهو عجيب فإنه أخرج له في الشواهد كما سيأتي في كتاب الأدب وهذا من الشواهد فإنه حكاية واقعة اتفقت له مع بن عيينة ليس فيها حديث مرفوع يحتج به قوله عن بن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة وهو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الضبي قاضي الكوفة للمنصور مات سنة أربع وأربعين ومائة قوله كلمني أبو الزناد هو قاضي المدينة قوله في شهادة الشاهد ويمين المدعي أي في القول بجوازها وكان مذهب أبي الزناد القضاء بذلك كأهل بلده ومذهب بن شبرمة خلافه كأهل بلده فاحتج عليه أبو الزناد بالخبر الوارد في ذلك فاحتج عليه بن شبرمة بما ذكر في الآية الكريمة وإنما تتم له الحجة بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين وهو أن الخبر إذا ورد متضمنا لزيادة على ما في القرآن هل يكون نسخا والسنة لا تنسخ القرآن أو لا يكون نسخا بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به والأول مذهب الكوفيين والثاني مذهب الحجازيين ومع قطع النظر عن ذلك لا تنتهض حجة بن شبرمة لأنه يصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتبر به وقد أجاب عنه الإسماعيلي فقال الحاجة إلى إذكار إحداهما الأخرى إنما هو فيما إذا شهدتا وإن لم تشهدا قامت مقامهما يمين الطالب ببيان السنة الثابتة واليمين ممن هو عليه لو انفردت لحلت محل البينة في الأداء والإبراء فكذلك حلت اليمن هنا محل المرأتين في الاستحقاق بها مضافة للشاهد الواحد قال ولو لزم إسقاط القول بالشاهد واليمين لأنه ليس في القرآن للزم إسقاط الشاهد والمرأتين لأنهما ليستا في السنة لأنه صلى الله عليه وسلم قال شاهداك أو يمينه اه وحاصله أنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه لكن مقتضى ما بحثه أن لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد إلا عند فقد الشاهدين أو ما قام مقامهما من الشاهد والمرأتين وهو وجه للشافعية وصححه الحنابلة ويؤيده ما رواه الدارقطني من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بشاهد واحد حلف مع شاهده وأجاب بعض الحنفية بأن الزيادة على القرآن نسخ وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر ولا تقبل الزيادة من الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهورا وأجيب بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا وأيضا فالناسخ والمنسوخ لابد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النص وغاية ما فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخا اصطلاح فلا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة لكن تخصيص الكتاب بالسنة جائز وكذلك الزيادة عليه كما في قوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية وأمثلة ذلك كثيرة وقد أخذ من رد الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على القرآن بأحاديث كثيرة في أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ والوضوء من القهقهة ومن القيء والمضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء واستبراء المسبية وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد وشهادة المرأة الواحدة في الولادة ولا قود الا بالسيف ولا جمعة إلا في مصر جامع ولا تقطع الأيدي في الغزو ولا يرث الكافر المسلم ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقتل الوالد بالولد ولا يرث القاتل من القتيل وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب وأجابوا بأنها أحاديث شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها فيقال لهم وحديث القضاء بالشاهد واليمين جاء من طرق كثيرة مشهورة بل ثبت من طرق صحيحة متعددة فمنها ما أخرجه مسلم من حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد وقال في اليمين إنه حديث صحيح لا يرتاب في صحته وقال بن عبد البر لا مطعن لأحد في صحته ولا إسناده وأما قول الطحاوي أن قيس بن سعد لا تعرف له رواية عن عمرو بن دينار لا يقدح في صحة الحديث لأنهما تابعيان ثقتان مكيان وقد سمع قيس من أقدم من عمرو وبمثل هذا لا ترد الأخبار الصحيحة ومنها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وهو عند أصحاب السنن ورجاله قضى الله ورسوله في الحق بشاهدين فإن جاء بشاهدين أخذ حقه وإن جاء مدنيون ثقات ولا يضره أن سهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان بعد ذلك يرويه عن ربيعة عن نفسه عن أبيه وقصته بذلك مشهورة في سنن أبي داود وغيرها ومنها حديث جابر مثل حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه بن خزيمة وأبو عوانة وفي الباب عن نحو من عشرين من الصحابة فيها الحسان والضعاف وبدون ذلك تثبت الشهرة ودعوى نسخه مردودة لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وأما احتجاج مالك في الموطأ بأن اليمين تتوجه على المدعي عند النكول ورد اليمين بغير حلف فإذا حلف ثبت الحق بغير خلاف فيكون حلف المدعي ومعه شاهد آخر أولى فهو متعقب ولا يرد على الحنفية لأنهم لا يقولون برد اليمين وقال الشافعي القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لم يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم فضلا عن مفهوم العدد والله أعلم وقال بن العربي أظرف ما وجدت لهم في رد الحكم بالشاهد واليمين أمران أحدهما أن المراد قضى بيمين المنكر مع شاهد الطالب والمراد أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق فيجب اليمين على المدعى عليه فهذا المراد بقوله قضى بالشاهد واليمين وتعقبه بن العربي بأنه جهل باللغة لأن المعية تقتضي أن تكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين ثانيهما حمله على صورة مخصوصة وهي أن رجلا اشترى من آخر عبدا مثلا فادعى المشتري أن به عيبا وأقام شاهدا واحدا فقال البائع بعته بالبراءة فيحلف المشتري أنه ما اشترى بالبراءة ويرد العبد وتعقبه بنحو ما تقدم ولأنها صورة نادرة ولا يحمل الخبر عليها قلت وفي كثير من الأحاديث الواردة في ذلك ما يبطل هذا التأويل والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه هكذا أخرجه في الرهن وهنا مختصرا من طريق نافع بن عمر الجمحي عن بن أبي مليكة وأخرجه في تفسير آل عمران من طريق بن جريج عن بن أبي مليكة مثله وذكر فيه قصة المرأتين اللتين ادعت إحداهما على الأخرى أنها جرحتها وقد أخرجه الطبراني من رواية سفيان عن نافع عن بن عمر بلفظ البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وقال لم يروه عن سفيان الا الفريابي وأخرجه الإسماعيلي من رواية بن جريج بلفظ ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب وأخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن إدريس عن بن جريج وعثمان بن الأسود عن بن أبي مليكة كنت قاضيا لابن الزبير على الطائف فذكر قصة المرأتين فكتبت إلى بن عباس فكتب إلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر وهذه الزيادة ليست في الصحيحين واسنادها حسن وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه بقوله صلى الله عليه وسلم لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال أموالهم وسيأتي في تفسير آل عمران وقال العلماء الحكمة في ذلك لأن جانب المدعي ضعيف لأنه يقول خلاف الظاهر فكلف الحجة القوية وهي البينة لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا فيقوى بها ضعف المدعي وجانب المدعى عليه قوي لأن الأصل فراغ ذمته فاكتفى منه باليمين وهي حجة ضعيفة لأن الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع الضرر فكان والمشهور فيه تعريفان الأول المدعي من يخالف قوله الظاهر والمدعى عليه بخلافه والثاني من إذا سكت ترك وسكوته والمدعى عليه من لا يخلى إذا سكت والأول أشهر والثاني أسلم وقد أورد على الأول بأن المودع إذا ادعى الرد أو التلف فإن دعواه تخالف الظاهر ومع ذلك فالقول

[ 2524 ] قوله وقيل في تعريفهما غير ذلك واستدل بقوله اليمين على المدعى عليه للجمهور بحمله على عمومه في حق كل واحد سواء كان ببن المدعي والمدعى عليه اختلاط أم لا وعن مالك لا تتوجه اليمين إلا على من بينه وبين المدعي اختلاط لئلا يبتذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم مرارا وقريب من مذهب مالك قول الإصطخري من الشافعية إن قرائن الحال إذا شهدت بكذب المدعي لم يلتفت إلى دعواه واستدل بقوله لادعى ناس دماء ناس وأموالهم على إبطال قول المالكية في التدمية ووجه الدلالة تسويته صلى الله عليه وسلم بن الدماء والأموال وأجيب بأنهم لم يسندوا القصاص مثلا إلى قول المدعي بل للقسامة فيكون قوله ذلك لوثا يقوي جانب المدعي في بداءته بالأيمان الحديث الثاني والثالث حديث الأشعث وعبد الله بن مسعود في سبب نزول قوله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله الآية وقد مضت الإشارة إليه قبل بباب والمراد منه

[ 2525 ] قوله شاهداك أو يمينه وقد روى نحو هذه القصة وائل بن حجر وزاد فيها ليس لك إلا ذلك أخرجه مسلم وأصحاب السنن واستدل بهذا الحصر على رد القضاء باليمين والشاهد وأجيب بأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم شاهداك أي بينتك سواء كانت رجلين أو رجلا وامرأتين أو رجلا ويمين الطالب وإنما خص الشاهدين بالذكر لأنه الأكثر الأغلب فالمعنى شاهداك أو ما يقوم مقامهما ولو لزم من ذلك رد الشاهد واليمين لكونه لم يذكر للزم رد الشاهد والمرأتين لكونه لم يذكر فوضح التأويل المذكور والملجيء إليه ثبوت الخبر باعتبار الشاهد واليمين فدل على أن ظاهر لفظ الشاهدين غير مراد بل المراد هو أو ما يقوم مقامه

قوله باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة أورد فيه طرفا من حديث بن عباس في قصة المتلاعنين وسيأتي الكلام عليه مستوفى في مكانه والغرض منه تمكين القاذف من إقامة البينة على زنا المقذوف لدفع الحد عنه ولا يرد عليه أن الحديث ورد في الزوجين والزوج له مخرج عن الحد باللعان إن عجز عن البينة بخلاف الأجنبي لأنا نقول إنما كان ذلك قبل نزول آية اللعان حيث كان الزوج والأجنبي سواء وإذا ثبت ذلك للقاذف ثبت لكل مدع من باب الأولى

قوله باب اليمين بعد العصر ذكر فيه حديث أبي هريرة ثلاثة لا يكلمهم الله الحديث وفيه ورجل ساوم بسلعة بعد العصر فحلف الحديث وسيأتي الكلام عليه في الأحكام ونذكر ما يتعلق به من تغليظ اليمن بالزمان في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى قال المهلب إنما خص النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت بتعظيم الإثم على من حلف فيه كاذبا لشهود ملائكة الليل والنهار ذلك الوقت انتهى وفيه نظر لأن بعد صلاة الصبح يشاركه في شهود الملائكة ولم يأت فيه ما أتى في وقت العصر ويمكن أن يكون اختص بذلك لكونه وقت ارتفاع الأعمال

قوله باب يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين ولا يصرف من موضع إلى غيره أي وجوبا وهو قول الحنفية والحنابلة وذهب الجمهور إلى وجوب التغليظ ففي المدينة عند المنبر وبمكة بين الركن والمقام وبغيرهما بالمسجد الجامع واتفقوا على أن ذلك في الدماء والمال الكثير لا في القليل واختلفوا في حد القليل والكثير في ذلك قوله قضى مروان أي بن الحكم على زيد بن ثابت باليمين على المنبر فقال أحلف له مكاني الخ وصله مالك في الموطأ عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بفتح المعجمة ثم المهملة ثم الفاء المزي بضم الميم وتشديد الزاي قال اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع يعني عبد الله إلى مروان في دار فقضى باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال أحلف له مكاني فقال مروان لا والله إلا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف أن حقه لحق وأبي أن يحلف على المنبر وكأن البخاري احتج بأن امتناع زيد بن ثابت من اليمين على المنبر يدل على أنه لا يراه واجبا والاحتجاج بزيد بن ثابت أولى من الاحتجاج بمروان وقد جاء عن بن عمر نحو ذلك فروى أبو عبيد في كتاب القضاء بإسناد صحيح عن نافع أن بن عمر كان وصي رجل فأتاه رجل بصك قد درست أسماء شهوده فقال بن عمر يا نافع أذهب به إلى المنبر فاستحلفه فقال الرجل يا بن عمر أتريد أن تسمع بن الذي يسمعني هنا فقال بن عمر صدق فاستحلفه مكانه وقد وجدت لمروان سلفا في ذلك فأخرج الكرابيسي في أدب القضاء بسند قوي إلى سعيد بن المسيب قال ادعى مدع على آخر أنه اغتصب له بعيرا فخاصمه إلى عثمان فأمره عثمان أن يحلف عند المنبر فأبى أن يحلف وقال أحلف شاء غير لمنبر فأبى عليه عثمان أن لايحلف الا عند المنبر فغرم له بعيدا ولم يحلف قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه تقدم موصولا قريبا قوله ولم يخص مكانا دون مكان هو من تفقه المصنف وقد اعترض عليه بأنه ترجم لليمين بعد العصر فأثبت التغليظ بالزمان ونفى هنا التغليظ بالمكان فإن صح احتجاجه بأن قوله شاهداك أو يمينه لم يخص مكانا دون مكان فليحتج عليه بأنه أيضا لم يخص زمانا دون زمان فإن قال ورد التغليظ في اليمين بعد العصر قيل له ورد التغليظ في اليمين على المنبر في حديثين أحدهما حديث جابر مرفوعا لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر الا تبوأ مقعده من النار أخرجه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم واللفظ الذي ذكرته لأبي بكر بن أبي شيبة ثانيهما حديث أبي أمامة بن ثعلبة مرفوعا من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا أخرجه النسائي ورجاله ثقات ويجاب عنه بأنه لا يلزم من ترجمة اليمين بعد العصر أنه يوجب تغليظ اليمين بالمكان بل له أن يقلب المسألة فيقول إن لزم من ذكر تغليظ اليمين بالمكان أنها تغلظ على كل حالف فيجب التغليظ عليه بالزمان أيضا لثبوت الخبر بذلك ثم أورد حديث بن مسعود من حلف على يمين وقد تقدم قريبا بأتم منه مضموما إلى حديث الأشعث ويأتي الكلام عليه في الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا تسارع قوم في اليمين أي حيث تجب عليهم جميعا بأيهم يبدأ

[ 2529 ] قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم فيي اليمين أيهم يحلف أي قبل الآخر هذا اللفظ أخرجه النسائي أيضا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وقال فيه فأسرع الفريقان وقد رواه أحمد عن عبد الرزاق شيخ شيخ البخاري فيه بلفظ إذا أكره الاثنان على اليمين واستحباها فليستهما عليها وأخرجه أبو نعيم في مسند إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق مثل رواية البخاري وتعقبه بأنه رآه في أصل إسحاق عن عبد الرزاق باللفظ الذي رواه أحمد قال وقد وهم شيخنا أبو أحمد في ذلك انتهى قلت وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عن عبد الرزاق وأخرجه من طريق الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق مثله لكن قال فاستحباها وأخرجه أبو داود عن أحمد وسلمة بن شبيب عن عبد الرزاق بلفظ أو استحباها قال الإسماعيلي هذا هو الصحيح أي أنه بلفظ أو لا بالفاء ولا بالواو قلت ورواية الواو يمكن حملها على رواية أو وأما رواية الفاء فيمكن توجيهها بأنهما أكرها على اليمين في ابتداء الدعوى فلما عرفا أنهما لا بد لهما منها أجابا إليها وهو المعبر عنه بالاستحباب ثم تنازعا أيهما يبدأ فأرشد إلى القرعة وقال الخطابي وغيره الإكراه هنا لا يراد به حقيقته لأن الإنسان لا يكره على اليمين وإنما المعنى إذا توجهت اليمين على اثنين وأراد الحلف سواء كانا كارهين لذلك بقلبهما وهو معنى الإكراه أو مختارين لذلك بقلبهما وهو معنى الاستحباب وتنازعا أيهما يبدأ فلا يقدم أحدهما على الآخر بالتشهي بل بالقرعة وهو المراد بقوله فليستهما أي فليقترعا وقيل صورة الاشتراك في اليمين أن يتنازع اثنان عينا ليست في يد واحد منهما ولا بينة لواحد منهما فيقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف واستحقها ويؤيد ذلك ما روى أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق أبي رافع عن أبي هريرة أن رجلين اختصما في متاع ليس لواحد منهما بينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم استهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أو كرها وأما اللفظ الذي ذكره البخاري فيحتمل أن يكون عند عبد الرزاق فيه حديث آخر باللفظ المذكور ويؤيد رواية أبي رافع المذكورة فإنها بمعناها ويحتمل أن تكون قصة أخرى بأن يكون القوم المذكورون مدعى عليهم بعين في أيديهم مثلا وأنكروا ولا بينة للمدعى عليهم فتوجهت عليهم اليمين فتسارعوا إلى الحلف والحلف لا يقع معتبرا الا بتلقين المحلف فقطع النزاع بينهم بالقرعة فمن خرجت له بدأ به في ذلك والله أعلم

قوله باب قول الله عز وجل أن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ذكر فيه حديث بن أبي أوفى في سبب نزولها وحديث بن مسعود والأشعث في نزولها أيضا ولا تعارض بينهما لاحتمال أن تكون نزلت في كل من القصتين وسيأتي مزيد بيان لذلك في التفسير وقوله

[ 2530 ] في طريق بن أبي أوفى حدثنا إسحاق حدثنا يزيد بن هارون جزم أبو علي الغساني بأنه إسحاق بن منصور وجزم أبو نعيم الأصبهاني بأنه إسحاق بن راهويه وقوله أخبرنا العوام هو بن حوشب وقوله قال بن أبي أوفى الناجش آكل ربا خائن وهو موصول بالإسناد المذكور إليه وتقدم شرحه في باب النجش من كتاب البيوع

قوله باب كيف يستحلف هو بضم أوله وفتح اللام على البناء للمجهول قوله وقول الله عز وجل ثم جاءوك يحلفون بالله إلى آخر ما ذكره من الآيات المناسبة لها وغرضه أنه لا يجب تغليظ الحلف بالقول قال بن المنذر اختلفوا فقالت طائفة يحلفه بالله من غير زيادة وقال مالك يحلفه بالله الذي لا إله إلا هو وكذا قال الكوفيون والشافعي قال فإن أتهمه القاضي غلظه عليه فيزيد عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ونحو ذلك قال بن المنذر وبأي ذلك استحلفه أجزأ والأصل في ذلك أنه إذا حلف بالله صدق عليه أنه حلف اليمين قوله يقال بالله أي بالموحدة وتالله أي بالمثناة ووالله أي بالواو وكلها ورد بها القرآن قال الله تعالى قالوا تقاسموا بالله وقال تعالى والله ربنا ما كنا مشركين وقال تعالى تالله لقد آثرك الله علينا قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم ورجل حلف بالله كاذبا بعد العصر هو طرف من حديث أبي هريرة المتقدم قريبا موصولا في باب اليمين بعد العصر لكن بالمعنى وسيأتي في الأحكام بلفظ فحلف لقد أعطي بها كذا فصدقه رجل ولم يعط بها قوله ولا يحلف بغير الله هو من كلام المصنف على سبيل التكميل للترجمة وذلك مستفاد من حديث بن عمر ثاني حديثي الباب حيث قال من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث طلحة في قصة الرجل الذي سأل عن الإسلام وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان والغرض منه

[ 2532 ] قوله فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فإنه يستفاد منه الاقتصار على الحلف بالله دون زيادة ثانيهما حديث بن عمر من كان حالفا فليحلف بالله وسيأتي شرحه في كتاب الأيمان والنذور مستوفى إن شاء الله تعالى

قوله باب من أقام البينة بعد اليمين أي يمين المدعى عليه سواء رضي المدعى بيمين المدعى عليه أم لا وقد ذهب الجمهور إلى قبول البينة وقال مالك في المدونة إن استحلفه ولا علم له بالبينة ثم علمها قبلت وقضى له بها وأن علمها فتركها فلا حق له وقال بن أبي ليلى لا تسمع البينة بعد الرضا باليمين واحتج بأنه إذا حلف فقد بريء وإذا بريء فلا سبيل عليه وتعقب بأنه إنما يبرأ في الصورة الظاهرة لا في نفس الأمر قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض هو طرف من حديث أم سلمة الموصول في الباب المذكور وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وفيه الإشارة إلى الرد على بن أبي ليلى وأن الحكم الظاهر لا يصير الحق باطلا في نفس الأمر ولا الباطل حقا قوله وقال طاوس وإبراهيم أي النخعي وشريح البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة أما قول طاوس وإبراهيم فلم أقف عليهما موصولين وأما قول شريح فوصله البغوي في الجعديات من طريق بن سيرين عن شريح قال من ادعى قضائي فهو عليه حتى يأتي ببينة الحق أحق من قضائي الحق أحق من يمين فاجرة وذكر بن حبيب في الواضحة بإسناد له عن عمر قال البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة قال أبو عبيد إنما قيد اليمين بالفاجرة إشارة إلى أن محل ذلك ما إذا شهد على الحالف بأنه أقر بخلاف ما حلف عليه فتبين أن يمينه حينئذ فاجرة وإلا فقد يوفى الرجل ما عليه من الحق ويحلف على ذلك وهو صادق ثم تقوم عليه البينة التي شهدت بأصل الحق ولم يحضر الوفاء فلا تكون اليمين حينئذ فاجرة ثم أورد المصنف حديث أم سلمة مرفوعا إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض الحديث قال الإسماعيلي ليس في حديث أم سلمة دلالة على قبول البينة بعد اليمين المنكر وأجاب بن المنير فقال موضع الاستشهاد من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل اليمين الكاذبة مفيدة حلا ولا قطعا لحق المحق بل نهاه بعد يمينه من القبض وساوى بين حالتيه بعد اليمين وقبلها في التحريم فيؤذن ذلك ببقاء حق صاحب الحق على ما كان عليه فإذا ظفر في حقه بينة فهو باق على القيام بها لم يسقط كما لم يسقط أصل حقه من ذمة مقتطعة باليمين وسيأتي الكلام على بقية شرح حديث أم سلمة في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى

قوله باب من أمر بانجاز الوعد وجه تعلق هذا الباب بأبواب الشهادات أن وعد المرء كالشهادة على نفسه قال الكرماني وقال المهلب إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء اه ونقل الإجماع في ذلك مردود فإن الخلاف مشهور لكن القائل به قليل وقال بن عبد البر وابن العربي أجل من قال به عمر بن عبد العزيز وعن بعض المالكية أن ارتبط الوعد بسبب وجب الوفاء به وإلا فلا فمن قال لآخر تزوج ولك كذا فتزوج لذلك وجب الوفاء به وخرج بعضهم الخلاف على أن الهبة هل تملك بالقبض أو قبله وقرأت بخط أبي رحمه الله في إشكالات على الأذكار للنووي ولم يذكر جوابا عن الآية يعني قوله تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وحديث آية المنافق قال والدلالة للوجوب منها قوية فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع الوعيد الشديد وينظر هل يمكن أن يقال يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء أي يأثم بالإخلاف وأن كان لا يلزم بوفاء ذلك قوله وفعله الحسن أي الأمر بانجاز الوعد قوله واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد في رواية النسفي وذكر إسماعيل أنه كان صادق الوعد وروى بن أبي حاتم من طريق الثوري أنه بلغه أن إسماعيل عليه السلام دخل قرية هو ورجل فأرسله في حاجة وقال له أنه ينتظره فأقام حولا في انتظاره ومن طريق بن شوذب أنه أتخذ ذلك الموضع مسكنا فسمي من يومئذ صادق الوعد قوله وقضى بن الاشوع بالوعد وذكر ذلك عن سمرة بن جندب هو سعيد بن عمرو بن الأشوع كان قاضي الكوفة في زمان إمارة خالد القسري على العراق وذلك بعد المائة وقد وقع بيان روايته كذلك عن سمرة بن جندب في تفسير إسحاق بن راهويه قوله قال أبو عبد الله هو المصنف رأيت إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه يحتج بحديث بن أشوع أي هذا الذي ذكره عن سمرة بن جندب والمراد أنه كان يحتج به في القول بوجوب إنجاز الوعد تنبيه وقع ذكر إسماعيل بين التعليق عن بن الأشوع وبين نقل المصنف عن إسحاق في أكثر النسخ والذي أوردته أولى والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث أبي سفيان بن حرب في قصة هرقل أورد منه طرفا وقد تقدم موصولا في بدء الوحي مع الإشارة إلى كثير من شرحه ثانيها حديث أبي هريرة في آية المنافق وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان ثالثها حديث جابر في قصته مع أبي بكر فيما وعده به النبي صلى الله عليه وسلم من مال البحرين وسيأتي الكلام عليه في باب فرض الخمس ومضى شيء من ذلك في الكفالة وأشار غير واحد إلى أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وقال بن بطال لما كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بمكارم الأخلاق أدى أبو بكر مواعيده عنه ولم يسأل جابرا البينة على ما ادعاه لأنه لم يدع شيئا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ادعى شيئا في بيت المال وذلك موكول إلى اجتهاد الإمام رابعها حديث بن عباس في أي الأجلين قضى موسى

[ 2538 ] قوله عن سالم الأفطس هو بن عجلان الجزري شامي ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الطب وكذا الراوي عنه مروان بن شجاع وقد تابع سالما على روايته لهذا الحديث حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير وتابع سعيدا عكرمة عن بن عباس ورواه أيضا أبو ذر وأبو هريرة وعتبة بن المنذر بضم النون وتشديد الذال المعجمة المفتوحة بعدها راء وجابر وأبو سعيد ورفعوه كلهم وجميعها عند بن مردويه في التفسير وحديث عتبة وأبي ذر عند البراز أيضا وحديث جابر عند الطبراني في الأوسط ورواية عكرمة في مسند الحميدي قوله سألني يهودي لم اقف على اسمه والحيرة بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة بلد معروف بالعراق قوله أي الأجلين أي المشار إليهما في قوله تعالى ثماني حجج قان أتممت عشرا فمن عندك قوله حبر العرب بفتح المهملة وبكسرها ورجحه أبو عبيد ورجح بن قتيبة الفتح وسكون الموحدة والمراد به العالم الماهر وإنما عبر به سعيد لكونها مستعم عند الذي خاطبه وقد أخرج أبو نعيم من حديث بن عباس مرفوعا أن جبريل سماه بذلك ومراده بالقدوم على بن عباس أي بمكة قوله قضى أكثرها وأطيبها كذا رواه سعيد بن جبير موقوفا وهو في حكم المرفوع لأن بن عباس كان لا يعتمد على أهل الكتاب كما سيأتي بيانه في الباب الذي يليه وذكر بن دريد في المنثور أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما غزا المغرب أرسل إلى بن عباس جريجا فكلمه فقال ما ينبغي لهذا إلا أن يكون حبر العرب وقد صرح برفعه عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل أي الأجلين قضى موسى قال أتمهما وأكملهما أخرجه الحاكم وفي حديث جابر أوفاهما أخرجه الطبراني في الأوسط وفي حديث أبي سعيد أتمهما وأطيبهما عشر سنين والمراد بالأطيب أي نفس شعيب قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل المراد برسول الله صلى الله عليه وسلم من اتصف بذلك ولم يرد شخصا بعينه وفي رواية حكيم بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا وعد لم يخلف زاد الإسماعيلي من الطريق التي أخرجها البخاري قال سعيد فلقيني اليهودي فأعلمته بذلك فقال صاحبك والله أعلم والغرض من ذكر هذا الحديث في هذا الباب بيان توكيد الوفاء بالوعد لأن موسى صلى الله عليه وسلم لم يجزم بوفاء العشر ومع ذلك فوفاها فكيف لو جزم قال بن الجوزي لما رأى موسى عليه السلام طمع شعيب عليه السلام متعلقا بالزيادة لم يقتض كريم أخلاقه أن يخيب ظنه فيه

قوله باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها هذه الترجمة معقودة لبيان حكم شهادة الكفار وقد اختلف في ذلك السلف على ثلاثة أقوال فذهب الجمهور إلى ردها مطلقا وذهب بعض التابعين إلى قبولها مطلقا الا على المسلمين وهو مذهب الكوفيين فقالوا تقبل شهادة بعضهم على بعض وهي إحدى الروايتين عن أحمد وأنكرها بعض أصحابه واستثنى أحمد حالة السفر فأجاز فيها شهادة أهل الكتاب كما سيأتي بيانه في أواخر الوصايا إن شاء الله تعالى وقال الحسن وابن أبي ليلى والليث وإسحاق لا تقبل ملة على ملة وتقبل بعض الملة على بعضها لقوله تعالى فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وهذا أعدل الأقوال لبعده عن التهمة واحتج الجمهور بقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء وبغير ذلك من الآيات والأحاديث قوله وقال الشعبي لا تجوز شهادة أهل الملل الخ وصله سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا داود عن الشعبي لا تجوز شهادة ملة على أخرى الا المسلمين فإن شهادتهم جائزة على جميع الملل وروى عبد الرزاق عن الثوري عن عيسى وهو الخياط عن الشعبي قال كان يجيز شهادة النصراني على اليهودي واليهودي على النصراني وروى بن أبي شيبة من طريق أشعث عن الشعبي قال تجوز شهادة أهل الملل للمسلمين بعضهم على بعض قلت فاختلف فيه على الشعبي وروى بن أبي شيبة عن نافع وطائفة الجواز مطلقا وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري الجواز مطلقا قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب الخ وصله في تفسير البقرة من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وفيه قصة وسيأتي الكلام عليه ثم ن شاء الله تعالى والغرض منه هنا النهي عن تصديق أهل الكتاب فيما لا يعرف صدقه من قبل غيرهم فيدل على رد شهادتهم وعدم قبولها كما يقول الجمهور

[ 2539 ] قوله في حديث بن عباس يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب أي من اليهود والنصارى قوله وكتابكم أي القرآن قوله أحدث الأخبار بالله أي أقربها نزولا إليكم من عند الله عز وجل فالحديث بالنسبة إلى المنزول إليهم وهو في نفسه قديم وقوله لم يشب بضم أوله وفتح المعجمة بعدها موحدة أي لم يخلط ووقع عند أحمد من حديث جابر مرفوعا لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا الحديث وسيأتي مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا الرد على من يقبل شهادة أهل الكتاب وإذا كانت أخبارهم لا تقبل فشهادتهم مردودة بالأولى لأن باب الشهادة أضيق من باب الرواية

قوله باب القرعة في المشكلات أي مشروعيتها ووجه إدخالها في كتاب الشهادات أنها من جملة البينات التي تثبت بها الحقوق فكما تقطع الخصومة والنزاع بالبينة كذلك تقطع بالقرعة ووقع في رواية السرخسي وحده من المشكلات والأول أوضح وليست من للتبعيض إن كانت محفوظة ومشروعية القرعة مما اختلف فيه والجمهور على القول بها في الجملة وأنكرها بعض الحنفية وحكى بن المنذر عن أبي حنيفة القول بها وجعل المصنف ضابطها الأمر المشكل وفسرها غيره بما ثبت فيه الحق لاثنين فأكثر وتقع المشاححة فيه فيقرع لفصل النزاع وقال إسماعيل القاضي ليس في القرعة إبطال الشيء من الحق كما زعم بعض الكوفيين بل إذا وجبت القسمة بين الشركاء فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقيمة ثم يقترعوا فيصير لكل واحد ما وقع له بالقرعة مجتمعا مما كان له في الملك مشاعا فيضم في موضع بعينه ويكون ذلك بالعوض الذي صار لشريكه لأن مقادير ذلك قد عدلت بالقيمة وإنما أفادت القرعة أن لا يختار واحد منهم شيئا معينا فيختاره الآخر فيقطع التنازع وهي إما في الحقوق المتساوية وإما في تعيين الملك فمن الأول عقد الخلافة إذا استووا في صفة الإمامة وكذا بين الأئمة في الصلوات والمؤذنين والأقارب في تغسيل الموتى والصلاة عليهم والحاضنات إذا كن في درجة والأولياء في التزويج والاستباق إلى الصف الأول وفي إحياء الموات وفي نقل المعدن ومقاعد الأسواق والتقديم بالدعوى عند الحاكم والتزاحم على أخذ اللقيط والنزول في الخان المسبل ونحوه وفي السفر ببعض الزوجات وفي ابتداء القسم والدخول في ابتداء النكاح وفي الاقراع بين العبيد إذا أوصى بعتقهم ولم يسعهم الثلث وهذه الأخيرة من صور القسم الثاني أيضا وهو تعيين الملك ومن صور تعيين الملك الإقراع بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة قوله وقوله عز وجل إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم إشار بذلك إلى الاحتجاج بهذه القصة في صحة الحكم بالقرعة بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم برد في شرعنا ما يخالفه ولا سيما إذا ورد في شرعنا تقريره وساقه مساق الاستحسان والثناء على فاعله وهذا منه قوله وقال بن عباس الخ وصله بن جرير بمعناه وقوله وعال قلم زكريا أي ارتفع على الماء وفي رواية الكشميهني وعلا وفي نسخة وعدا بالدال والجرية بكسر الجيم والمعنى أنهم اقترعوا على كفالة مريم أيهم يكفلها فأخرج كل واحد منهم قلما وألقوها كلها في الماء فجرت أقلام الجميع مع الجرية إلى أسفل وارتفع قلم زكريا فأخذها وأخرج بن العديم في تاريخ حلب بسنده إلى شعيب بن إسحاق أن النهر الذي ألقوا فيه الأقلام هو نهر قويق النهر المشهور بحلب قوله وقوله أي قول الله عز وجل قوله فساهم أقرع هو تفسير بن عباس أخرجه بن جرير من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عنه وروى عن السدي قال قوله فساهم أي قارع وهو أوضح قوله فكان من المدحضين من المسهومين هو تفسير بن عباس أيضا أخرجه بن جرير بالإسناد المذكور بلفظ فكان من المقروعين ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ فكان من المسهومين والاحتجاج بهذه الآية في إثبات القرعة يتوقف على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا وهو كذلك ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه وهذه المسألة من هذا القبيل لأنه كان في شرعهم جواز إلقاء البعض لسلامة البعض وليس ذلك في شرعنا لأنهم مستوون في عصمة الأنفس فلا يجوز القاؤهم بقرعة ولا بغيرها قوله وقال أبو هريرة عرض النبي صلى الله عليه وسلم الخ وصله قبل بأبواب وتقدم الكلام عليه في باب إذا تسارع قوم في اليمين وهو حجة في العمل بالقرعة ثم ذكر المصنف في الباب أيضا أربعة أحاديث الأول حديث أم العلاء في قصة عثمان بن مظعون وقد وتقدم الكلام عليه في أوائل الجنائز ويأتي في الهجرة شيء من ترجمة أم العلاء المذكورة وعثمان بن مظعون إن شاء الله تعالى والغرض منه قولها فيه أن عثمان بن مظعون طار له سهمه في السكنى ومعنى ذلك أن المهاجرين لما دخلوا المدينة لم يكن لهم مساكن فاقترع الأنصار في انزامهم فصار عثمان بن مظعون لآل أم العلاء فنزل فيهم الثاني حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه وهو طرف من أول حديث الإفك وباقيه يتعلق بالقسم وقد تقدم في باب هبة المرأة لغير زوجها وسبقت الإشارة إلى محل شرحه هناك الثالث حديث أبي هريرة لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا وقدتقدم مشروحا في أبواب الأذان من كتاب الصلاة والغرض منه مشروعية القرعة لأن المراد بالاستهام هنا الإقرع وقد تقدم بيانه هناك الرابع حديث النعمان بن بشير

[ 2540 ] قوله مثل المدهن بضم أوله وسكون المهملة وكسر الهاء بعدها نون أي المحابي بالمهملة والموحدة والمدهن والمداهن واحد والمراد به من يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر قوله والواقع فيها كذا وقع هنا وقد تقدم في الشركة من وجه آخر عن عامر وهو الشعبي مثل القائم على حدود الله والواقع فيها وهو أصوب لأن المدهن والواقع أي مرتكبها في الحكم واحد والقائم مقابله ووقع عند الإسماعيلي في الشركة مثل القائم على حدود الله والواقع فيها وهذا يشمل الفرق الثلاث وهو الناهي عن المعصية والواقع فيها والمرائي في ذلك ووقع عند الإسماعيلي أيضا هنا مثل الواقع في حدود الله تعالى والناهي عنها وهو المطابق للمثل المضروب فإنه لم يقع فيه الا ذكر فرقتين فقط لكن إذا كان المداهن مشتركا في الذم مع الواقع صارا بمنزلة فرقة واحدة وبيان وجود الفرق الثلاث في المثل المضروب أن الذين أرادوا خرق السفينة بمنزلة الواقع في حدود الله ثم من عداهم إما منكر وهو القائم وإما ساكت وهو المدهن وحمل بن التين قوله هنا الواقع فيها على أن المراد به القائم فيها واستشهد بقوله تعالى إذا وقعت الواقعة أي قامت القيامة ولا يخفى ما فيه وكأنه غفل عما وقع في الشركة من مقابلة الواقع بالقائم وقد رواه الترمذي من طريق أبي معاوية عن الأعمش بلفظ مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها وهو مستقيم وقال الكرماني قال في الشركة مثل القائم وهنا مثل المدهن وهما نقيضان فإن القائم هو الآمر بالمعروف والمدهن هو التارك له ثم أجاب بأنه حيث قال القائم نظر إلى جهة النجاة وحيث قال المدهن نظر إلى جهة الهلاك ولا شك أن التشبيه مستقيم على الحالين قلت كيف يستقيم هنا الاقتصار على ذكر المدهن وهو التارك للأمر بالمعروف وعلى ذكر الواقع في الحد وهو العاصي وكلاهما هالك فالذي يظهر أن الصواب ما تقدم والحاصل أن بعض الرواة ذكر المدهن والقائم وبعضهم ذكر الواقع والقائم وبعضهم جمع الثلاثة وأما الجمع بين المدهن والواقع دون القائم فلا يستقيم قوله استهموا سفينة أي اقترعوها فأخذ كل واحد منهم سهما أي نصيبا من السفينة بالقرعة بأن تكون مشتركة بينهم إما بالإجازة وإما بالملك وإنما تقع القرعة بعد التعديل ثم يقع التشاح في الأنصبة فتقع القرعة لفصل النزاع كما تقدم قال بن التين وإنما يقع ذلك في السفينة ونحوها فيما إذا نزلوها معا أما لو سبق بعضهم بعضا فالسابق أحق بموضعه قلت وهذا فيما إذا كانت مسبلة مثلا أما لو كانت مملوكة لهم مثلا فالقرعة مشروعة إذا تنازعوا والله أعلم قوله فتأذوا به أي بالمار عليهم بالماء حالة السقي قوله فأخذ فأسا بهمزة ساكنة معروف ويؤنث قوله ينقر بفتح أوله وسكون النون وضم القاف أي يحفر ليخرقها قوله فان أخذوا على يديه أي منعوه من الحفر أنجوه ونجوا أنفسهم هو تفسير للرواية الماضية في الشركة حيث قال نجوا ونجوا أي كل من الآخذين والمأخوذين وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها قال المهلب وغيره في هذا الحديث تعذيب العامة بذنب الخاصة وفيه نظر لأن التعذيب المذكور إذا وقع في الدنيا على من لا يستحقه فإنه يكفر من ذنوب من وقع به أو يرفع من درجته وفيه إستحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف وتبين العالم الحكم بضرب المثل ووجوب الصبر على أذى الجار إذا خشي وقوع ما هو أشد ضررا وأنه ليس لصاحب السفل أن يحدث على صاحب العلو ما يضر به وأنه إن أحدث عليه ضررا لزمه إصلاحه وأن لصاحب العلو منعه من الضرر وفيه جواز قسمة العقار المتفاوت بالقرعة وإن كان فيه علو وسفل تنبيه وقع حديث النعمان هذا في بعض النسخ مقدما على حديث أم العلاء وفي رواية أبي ذر وطائفة كما أوردته خاتمة اشتمل كتاب الشهادات وما اتصل به من القرعة وغير ذلك من الأحاديث المرفوعة على ستة وسبعين حديثا المعلق منها أحد عشر حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وأربعون حديثا والخالص ثمانية وعشرون وافقه مسلم على تخريجها سوى خمسة أحاديث وهي حديث عمر كان الناس يؤخذون بالوحي وحديث عبد الله بن الزبير في قصة الإفك وحديث القاسم بن محمد فيه وهو مرسل وحديث أبي هريرة في الاستهام في اليمين وحديث بن عباس في الإنكار على من يأخذ عن أهل الكتاب وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ثلاثة وسبعون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم