كتاب الشروط
 قوله باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة كذا لأبي ذر وسقط كتاب الشروط لغيره والشروط جمع شرط بفتح أوله وسكون الراء وهو ما يستلزم نفيه نفي أمر آخر غير السبب والمراد به هنا بيان ما يصح منها مما لا يصح وقوله في الإسلام أي عند الدخول فيه فيجوز مثلا أن يشترط الكافر أنه إذا أسلم لا يكلف بالسفر من بلد إلى بلد مثلا ولا يجوز أن يشترط أن لا يصلي مثلا وقوله والأحكام أي العقود والمعاملات وقوله والمبايعة من عطف الخاص على العام

[ 2564 ] قوله يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا قال عقيل عن الزهري واقتصر غيره على رواية الحديث عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم وقد تبين برواية عقيل أنه عنهما مرسل وهو كذلك لأنهما لم يحضرا القصة وعلى هذا فهو من مسند من لم يسم من الصحابة فلم يصب من أخرجه من أصحاب الأطراف في مسند المسور أو مروان لأن مروان لا يصح له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبة وأما المسور فصح سماعه منه لكنه إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح وكانت هذه القصة قبل ذلك بسنتين قوله لما كاتب سهيل بن عمر هكذا اقتضب هذه القصة من الحديث الطويل وسيأتي بعد أبواب بطوله من وجه آخر عن بن شهاب ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك وقوله فامتعضوا بعين مهملة وضاد معجمة أي أنفوا وشق عليهم قال الخليل معض بكسر العين المهملة والضاد المعجمة من الشيء وامتعض توجع من وقال بن القطان شق عليه وأنف منه ووقع من الرواة اختلاف في ضبط هذه اللفظة فالجمهور على ما هنا والأصيلي والهمداني بظاء مشالة وعند القابسي امعضوا بتشديد الميم وكذا العبدوسي وعن النسفي انغضوا بنون وغين معجمة وضاد غير مشالة قال عياض وكلها تغيرات حتى وقع عند بعضهم انفضوا بفاء وتشديد وبعضهم أغيظوا من الغيظ وقوله قال عروة فأخبرتني عائشة هو متصل بالإسناد المذكور أولا وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر النكاح ومضى الكلام على حديث جرير في أواخر كتاب الإيمان

قوله باب إذا باع نخلا قد أبرت زاد أبو ذر عن الكشميهني ولم يشترط الثمن أي المشتري ذكر فيه حديث بن عمر وقد تقدم شرحه في كتاب البيوع ولم يذكر جواب الشرط اكتفاء بما في الخبر

قوله باب الشروط في البيوع ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة وقد تقدم الكلام عليه في كتاب العتق وإنما أطلق الترجمة للتفصيل في اعتباره بين الفقهاء

قوله باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز هكذا جزم بهذا الحكم لصحة دليله عنده وهو مما اختلف فيه وفيما يشبهه كاشتراط سكنى الدار وخدمة العبد فذهب الجمهور إلى بطلان البيع لأن الشرط المذكور ينافي مقتضى العقد وقال الأوزاعي وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وطائفة يصح البيع ويتنزل فيه الشرط منزلة الاستثناء لأن المشروط إذا كان قدره معلوما صار كما لو باعه بألف إلا خمسين درهما مثلا ووافقهم مالك في الزمن اليسير دون الكثير وقيل حده عنده ثلاثة أيام وحجتهم حديث الباب وقد رجح البخاري فيه الاشتراط كما سيأتي آخر كلامه وأجاب عنه الجمهور بأن ألفاظه اختلفت فمنهم من ذكر فيه الشرط ومنهم من ذكر فيه ما يدل عليه ومنهم من ذكر ما يدل على أنه كان بطريق الهبة وهي واقعة عين يطرقها الاحتمال وقد عارضه حديث عائشة في قصة بريرة ففيه بطلان الشرط المخالف لمقتضى العقد كما تقدم بسطه في آخر العتق وصح من حديث جابر أيضا النهي عن بيع الثنيا أخرجه أصحاب السنن وإسناده صحيح وورد النهي عن بيع وشرط وأجيب بأن الذي ينافي مقصود البيع ما إذا اشترط مثلا في بيع الجارية أن لا يطأها وفي الدار أن لا يسكنها وفي العبد أن لا يستخدمه وفي الدابة أن لا يركبها أما إذا اشترط شيئا معلوما لوقت معلوم فلا بأس به وأما حديث النهي عن الثنيا ففي نفس الحديث إلا أن يعلم فعلم أن المراد أن النهي إنما وقع عما كان مجهولا وأما حديث النهي عن بيع وشرط فقي إسناده مقال وهو قابل للتأويل وسيأتي مزيد بسط لذلك في آخر الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى

[ 2569 ] قوله سمعت عامرا هو الشعبي قوله أنه كان يسير على جمل له قد أعيا أي تعب في رواية بن نمير عن زكريا عند مسلم أنه كان يسير على جمل فأعيا فأراد أن يسيبه أي يطلقه وليس المراد أن يجعله سائبة لا يركبه أحد كما كانوا يفعلون في الجاهلية لأنه لا يجوز في الإسلام ففي أول رواية مغيرة عن الشعبي في الجهاد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاحق بي وتحتي ناضح لي قد أعيا فلا يكاد يسير والناضح بنون ومعجمة ثم مهملة هو الجمل الذي يستقي عليه سلام بذلك لنضحه بالماء حال سقيه واختلف في تعيين هذه الغزوة كما سيأتي بعد هذا ووقع عند البزار من طريق أبي المتوكل عن جابر أن الجمل كان أحمر قوله فمر النبي صلى الله عليه وسلم فضربه فدعا له كذا فيه بالفاء فيهما كأنه عقب الدعاء له بضربه ولمسلم وأحمد من هذا الوجه فضربه برجله ودعا له وفي رواية يونس بن بكير عن زكريا عند الإسماعيلي فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له فمشا مشية ما مشى قبل ذلك مثلها وفي رواية مغيرة المذكورة فزجره ودعا له وفي رواية عطاء وغيره عن جابر المتقدمة في الوكالة فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذا قلت جابر بن عبد الله قال مالك قلت إني على جمل ثفال قال أمعك قضيب قلت نعم قال أعطنيه فأعطيته فضربه فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم وللنسائي من هذا الوجه فأزحف فزجره النبي صلى الله عليه وسلم فانبسط حتى كان أمام الجيش وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر المتقدمة في البيوع فتخلف فنزل فحجنه بمحجنه ثم قال اركب فركبت فقد رأيته أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أحمد من هذا الوجه فقلت يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا قال أنخه وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أعطني هذه العصا أو أقطع لي عصا من شجرة ففعلت فأخذها فنخسه بها نخسات فقال اركب فركبت وللطبراني من رواية زيد بن أسلم عن جابر فأبطأ علي حتى ذهب الناس فجعلت أرقبه ويهمني شأنه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقال أجابر قلت نعم قال ما شأنك قلت أبطأ علي جملي فنفث فيها أي العصا ثم مج من الماء في نحره ثم ضربه بالعصا فوثب ولابن سعد من هذا الوجه ونضح ماء في وجهه ودبره وضربه بعصية فانبعث فما كدت أمسكه وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمح حديثه وله من طريق أبي نضرة عن جابر فنخسه ثم قال اركب بسم الله زاد في رواية مغيرة المذكورة فقال كيف ترى بعيرك قلت بخير قد أصابته بركتك قوله ثم قال بعنيه بأوقية قلت لا في رواية أحمد فكرهت أن أبيعه وفي رواية مغيرة المذكورة قال أتبيعينه فاستحييت ولم يكن لنا ناضح غيره فقلت نعم وللنسائي من هذا الوجه وكانت لي إليه حاجة شديدة ولأحمد من رواية نبيح وهو بالنون والموحدة والمهملة مصغر وفي رواية عطاء قال بعنيه قلت بل هو لك يا رسول الله قال بعنيه زاد النسائي من طريق أبي الزبير قال اللهم اغفر له اللهم ارحمه ولابن ماجة من طريق أبي نضرة عن جابر فقال أتبيع ناضحك هذا والله يغفر لك وزاد النسائي من هذا الوجه وكانت كلمة تقولها العرب أفعل كذا والله يغفر لك ولأحمد قال سليمان يعني بعض رواته فلا أدري كم من مرة يعني قال له والله يغفر لك وللنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر عند أحمد أتبيعني جملك هذا يا جابر قلت بل أهبه لك قال لا ولكن بعنيه وفي كل ذلك رد لقول بن التين إن قوله لا ليس بمحفوظ في هذه القصة قوله بعنيه بوقية في رواية سالم عن جابر عند أحمد فقال بعنيه قلت هو لك قال قد أخذته بوقية ولابن سعد وأبي عوانة من هذا الوجه فلما أكثر علي قلت أن لرجل علي أوقية من ذهب هو لك بها قال نعم والوقية من الفضة كانت في عرف ذلك الزمان أربعين درهما وفي عرف الناس بعد ذلك عشرة دراهم وفي عرف أهل مصر اليوم اثنا عشر درهما وسيأتي بيان الاختلاف في قدر الثمن في آخر الكلام على هذا الحديث قوله فاستثنيت حملانه إلى أهلي الحملان بضم المهملة الحمل والمفعول محذوف أي استثنيت حمله إياى وقد رواه الإسماعيلي بلفظ واستثنيت ظهره إلى أن نقدم ولأحمد من طريق شريك عن مغيرة اشترى مني بعيرا على أن يفقرني ظهره سفري ذلك وذكر المصنف الاختلاف وفي ألفاظه عن جابر وسيأتي بيانه قوله فلما قدمنا زاد مغيرة عن الشعبي كما مضى في الاستقراض فلما دنونا من المدينة استأذنته فقال تزوجت بكرا أم ثيبا وسيأتي الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى وزاد فيه فقدمت المدينة فأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني ووقع عند أحمد من رواية نبيح المذكورة فأتيت عمتي بالمدينة فقلت لها ألم تري أني بعت ناضحنا فما رأيتها أعجبها ذلك وسيأتي القول في بيان تسمية خاله في أوائل الهجرة إن شاء الله تعالى وجزم بن لقطة بأنه جد بفتح الجيم وتشديد الدال بن قيس وأما عمته فاسمها هند بنت عمرو ويحتمل أنهما جميعا لم يعجبهما بيعه لما تقدم من أنه لم يكن عنده ناضح غيره وأخرجه من هذا الوجه في كتاب الجهاد بلفظ ثم قال ائت أهلك فتقدمت الناس إلى المدينة وفي رواية وهب بن كيسان في أوائل البيوع وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قبلي وقدمت بالغداة فجئت إلى المسجد فوجدته فقال الآن قدمت قلت نعم قال فدع الجمل وادخل فصل ركعتين وظاهرهما التناقض لأن في إحداهما أنه تقدم الناس إلى المدينة وفي الأخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم قبله فيحتمل في الجمع بينهما أن يقال أنه لا يلزم من قوله فتقدمت الناس أن يستمر سبقه لهم لاحتمال أن يكونوا لحقوه بعد أن تقدمهم إما لنزوله لراحة أو نوم أو غير ذلك ولعله امتثل أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل ليلا فبات دون المدينة واستمر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن دخلها سحرا ولم يدخلها جابر حتى طلع النهار والعلم عند الله تعالى قوله أتيته بالجمل في رواية مغيرة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة غدوت إليه بالبعير ولأبي المتوكل عن جابر كما سيأتي في الجهاد فدخلت يعني المسجد إليه وعقلت الجمل فقلت هذا جملك فخرج فجعل يطيف بالجمل ويقول جملنا فبعث إلي أواق من ذهب ثم قال استوفيت الثمن قلت نعم قوله ونقدني ثمنه ثم انصرفت في رواية مغيرة الماضية في الاستقراض فأعطاني ثمن الجمل والجمل وسهمي مع القوم وفي روايته الآتية في الجهاد فأعطاني ثمنه ورده علي وهي كل بطريق المجاز لأن العطية إنما وقعت له بواسطة بلال كما رواه مسلم من هذا الوجه فلما قدمت المدينة قال لبلال أعطه أوقية من ذهب وزده قال فأعطاني أوقية وزادني قيراطا فقلت لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه ذكر أخذ أهل الشام له يوم الحرة فتقدم نحوه في الوكالة للمصنف من طريق عطاء وغيره عن جابر ولأحمد ولأبي عوانة من طريق وهب بن كيسان فوالله ما زال ينمى ويزيد عندنا ونرى مكانه من بيتنا حتى أصيب أمس فيما أصيب للناس يوم الحرة وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند النسائي فقال يا بلال أعطه ثمنه فلما أدبرت دعائي فخفت أن يرده علي فقال هو لك وفي رواية وهب بن كيسان في النكاح فأمر بلالا أن يزن لي أوقية فوزن بلال وأرجح لي في الميزان فانطلقت حتى وليت فقال أدع جابرا فقلت الآن يرد علي الجمل ولم يكن شيء أبغض إلي منه فقال خذ جملك ولك ثمنه وهذه الرواية مشكلة مع قوله المتقدم ولم يكن لنا ناضح غيره وقوله وكانت لي إليه حاجة شديدة ولكني استحييت منه ومع تنديم خاله له على بيعه ويمكن الجمع بأن ذلك كان في أول الحال وكان الثمن أوفر من قيمته وعرف أنه يمكن أن يشتري به أحسن منه ويبقى له بعض الثمن فلذلك صار يكره رده عليه ولأحمد من طريق أبي هبيرة عن جابر فلما أتيته دفع إلي البعير وقال هو لك فمررت برجل من اليهود فأخبرته فجعل يعجب ويقول اشترى منك البعير ودفع إليك الثمن ثم وهبه لك قلت نعم قوله ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك فهو مالك كذا وقع هنا وقد رواه علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ أتراني إنما ما كستك لآخذ جملك خذ جملك ودراهمك هما لك أخرجه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عنه وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن زكريا لكن قال في آخره فهو لك وعليها اقتصر صاحب العمدة ووقع لأحمد عن يحيى القطان عن زكريا بلفظ قال أظننت حين ما كستك أذهب بجملك خذ جملك وثمنه فهما لك وهذه الرواية وكذلك رواية البخاري توضح أن اللام في قوله لآخذ للتعليل وبعدها همزة ممدودة ووقع لبعض رواة مسلم كما حكاه عياض لا بصيغة النفي خذ بصيغة الأمر ويلزم عليه التكرار في قوله خذ جملك وقوله ما كستك هو من المماكسة أي المناقصة في الثمن وأشار بذلك إلى ما وقع بينهما من المساومة عند البيع كما تقدم قال بن الجوزي هذا من أحسن التكرم لأن من باع شيئا فهو في الغالب محتاج لثمنه فإذا تعوض من الثمن بقي في قلبه من المبيع أسف على فراقه كما قيل وقد تخرج الحاجات يا أم مالك نفائس من رب بهن ضنين فإذا رد عليه المبيع مع ثمنه ذهب الهم عنه وثبت فرحه وقضيت حاجته فكيف مع ما انضم إلى ذلك من الزيادة في الثمن قوله وقال شعبة عن مغيرة أي بن مقسم الضبي عن عامر هو الشعبي عن جابر أفقرني ظهره بتقديم الفاء على القاف أي حملني على فقاره والفقار عظام الظهر ورواية شعبة هذه وصلها البيهقي من طريق يحيى بن كثير عنه قوله وقال إسحاق أي بن إبراهيم عن جرير عن مغيرة فبعته على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة وهذه الرواية تأتي موصولة في الجهاد وهي دالة على الاشتراط بخلاف رواية شعبة عن مغيرة فإنها لا تدل عليه وقد رواه أبو عوانة عن مغيرة عند النسائي بلفظ محتمل قال فيه قال بعنيه ولك ظهره حتى تقدم ووافق زكريا على ذكر الاشتراط فيه يسار عن الشعبي أخرجه أبو عوانة في صحيحه بلفظ فاشترى مني بعيرا على أن لي ظهره حتى أقدم المدينة قوله وقال عطاء وغيره أي عن جابر ولك ظهره إلى المدينة تقدم موصولا مطولا في الوكالة ولفظه قال بعنيه قلت هو لك قال قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره إلى المدينة وليس فيها أيضا دلالة على الاشتراط قوله وقال محمد بن المنكدر عن جابر شرط لي ظهره إلى المدينة وصله البيهقي من طريق المكندر بن محمد بن المكندر عن أبيه به ووصله الطبراني من طريق عثمان بن محمد الأخنسي عن محمد بن المكندر بلفظ فبعته إياه وشرطته أي ركوبه إلى المدينة قوله وقال زيد بن أسلم عن جابر ولك ظهره حتى ترجع وصله الطبراني والبيهقي من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه بتمامه قوله وقال أبو الزبير عن جابر أفقرناك ظهره إلى المدينة وصله البيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير به وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ فبعته منه بخمس أواق قلت على أن لي ظهره إلى المدينة قال ولك ظهره إلى المدينة وللنسائي من طريق أبي عيينة عن أيوب قال قد أخذته بكذا وكذا وقد أعرتك ظهره إلى المدينة قوله وقال الأعمش عن سالم هو بن أبي الجعد عن جابر تبلغ به إلى أهلك وصله أحمد ومسلم وعبد بن حميد وغيرهم من طريق الأعمش وهذا لفظ عبد بن حميد ولفظ بن سعد والبيهقي تبلغ عليه إلى أهلك ولفظ مسلم فتبلغ عليه إلى المدينة ولفظ أحمد قد أخذته بوقية اركبه فإذا قدمت فائتنا به وهي متقاربة قوله قال أبو عبد الله هو المصنف الاشتراط أكثر وأصح عندي أي أكثر طرقا وأصح مخرجا وأشار بذلك إلى أن الرواة اختلفوا عن جابر في هذه الواقعة هل وقع الشرط في العقد عند البيع أو كان ركوبه للجمل بعد بيعه إباحة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد شرائه على طريق العارية وأصرح ما وقع في ذلك رواية النسائي المذكورة لكن اختلف فيها حماد بن زيد وسفيان بن عيينة وحماد أعرف بحديث أيوب من سفيان والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عددا من الذين خالفوهم وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح ويترجح أيضا بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ فتكون حجة وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره لأن قوله لك ظهره وأفقرناك ظهره وتبلغ عليه لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك وقد رواه عن جابر بمعنى الاشتراط أيضا أبو المتوكل عند أحمد ولفظه فبعني ولك ظهره إلى المدينة لكن أخرجه المصنف في الجهاد من طريق أخرى عن أبي المتوكل فلم يتعرض للشرط إثباتا ولا نفيا ورواه أحمد من هذا الوجه بلفظ أتبيعني جملك قلت نعم قال أقدم عليه المدينة ورواه أحمد من طريق أبي هبيرة عن جابر بلفظ فاشترى مني بعيرا فجعل لي ظهره حتى أقدم المدينة ورواه بن ماجة وغيره من طريق أبي نضرة عن جابر بلفظ فقلت يا رسول الله هو ناضحك إذا أتيت المدينة ورواه أيضا عن جابر نبيح العنزي عند أحمد فلم يذكر الشرط ولفظه قد أخذته بوقية قال فنزلت إلى الأرض فقال مالك قلت جملك قال اركب فركبت حتى أتيت المدينة ورواه أيضا من طريق وهب بن كيسان عن جابر فلم يذكر الشرط قال فيه حتى بلغ أوقية قلت قد رضيت قال نعم قلت فهو لك قال قد أخذته ثم قال يا جابر هل تزوجت الحديث وما جنح إليه المصنف من ترجيح رواية الاشتراط هو الجاري على طريقة المحققين من أهل الحديث لأنهم لا يتوقفون عن تصحيح المتن إذا وقع فيه الاختلاف إلا إذا تكافأت الروايات وهو شرط الاضطراب الذي يرد به الخبر وهو مفقود هنا مع إمكان الترجيح قال بن دقيق العيد إذا اختلفت الروايات وكانت الحجة ببعضها دون بعض توقف الاحتجاج بشرط تعادل الروايات أما إذا وقع الترجيح لبعضها بأن تكون رواتها أكثر عددا أو أتقن حفظا فيتعين العمل بالراجح إذ الأضعف لا يكون مانعا من العمل بالأقوى والمرجوح لا يمنع التمسك بالراجح وقد جنح الطحاوي إلى تصحيح الاشتراط لكن تأوله بأن البيع المذكور لم يكن على الحقيقة لقوله في آخره أتراني ما كستك الخ قال فإنه يشعر بأن القول المتقدم لم يكن على التبايع حقيقة ورده القرطبي بأنه دعوى مجردة وتغيير وتحريف لا تأويل قال وكيف يصنع قائله في قوله بعته منك بأوقية بعد المساومة وقوله قد أخذته وغير ذلك من الألفاظ المنصوصة في ذلك واحتج بعضهم بأن الركوب إن كان من مال المشتري فالبيع فاسد لأنه شرط لنفسه ما قد ملكه المشتري وأن كان من ماله ففاسد لأن المشتري لم يملك المنافع بعد البيع من جهة البائع وإنما ملكها لأنها طرأت في ملكه وتعقب بأن المنفعة المذكورة قدرت بقدر من ثمن المبيع ووقع البيع بما عداها ونظيره من باع نخلا قد أبرت واستثنى ثمرتها والممتنع إنما هو استثناء شيء مجهول للبائع والمشتري أما لو علماه معا فلا مانع فيحمل ما وقع في هذه القصة على ذلك وأغرب بن حزم فزعم أنه يؤخذ من الحديث أن البيع لم يتم لأن البائع بعد عقد البيع مخير قبل التفرق فلما قال في آخره أتراني ما كستك دل على أنه كان أختار ترك الأخذ وإنما اشترط لجابر ركوب جمل نفسه فليس فيه حجة لمن أجاز الشرط في البيع ولا يخفى ما في هذا التأويل من التكلف وقال الإسماعيلي قوله ولك ظهره وعد قام مقام الشرط لأن وعده لا خلف فيه وهبته لا رجوع فيها لتنزيه الله تعالى له عن دناءة الأخلاق فلذلك ساغ لبعض الرواة أن يعبر عنه بالشرط ولا يلزم أن يجوز ذلك في حق غيره وحاصله أن الشرط لم يقع في نفس العقد وإنما وقع سابقا أو لاحقا فتبرع بمنفعته أولا كما تبرع برقبته أخرا ووقع في كلام القاضي أبي الطيب الطبري من الشافعية أن في بعض طرق هذا الخبر فلما نقدني الثمن شرطت حملاني إلى المدينة واستدل بها على أن الشرط تأخر عن العقد لكن لم أقف على الرواية المذكورة وأن ثبتت فيتعين تأويلها على أن معنى نقدني الثمن أي قرره لي واتفقنا على تعيينه لأن الروايات الصحيحة صريحة في أن قبضه الثمن إنما كان بالمدينة وكذلك يتعين تأويل رواية الطحاوي أتبيعني جملك هذا إذا قدمنا المدينة بدينار الحديث فالمعنى أتبيعني بدينار أوفيكه إذا قدمنا المدينة وقال المهلب ينبغي تأويل ما وقع في بعض الروايات من ذكر الشرط على أنه شرط تفضل لا شرط في أصل البيع ليوافق رواية من روى أفقرناك ظهره وأعرتك ظهره وغير ذلك مما تقدم قال ويؤيده أن القصة جرت كلها على وجه التفضل والرفق بجابر ويؤيده أيضا قول جابر هو لك قال لا بل بعنيه فلم يقبل منه إلا بثمن رفقا به وسبق الإسماعيلي إلى نحو ذلك وزعم أن النكتة في ذكر البيع أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يبر جابرا على وجه لا يحصل لغيره طمع في مثله فبايعه في جمله على اسم البيع ليتوفر عليه بره ويبقى البعير قائما على ملكه فيكون ذلك أهنأ لمعروفه قال وعلى هذا المعنى أمره بلالا أن يزيده على الثمن زيادة مبهمة في الظاهر فإنه قصد بذلك زيادة الإحسان إليه من غير أن يحصل لغيره تأميل في نظير ذلك وتعقب بأنه لو كان المعنى ما ذكر لكان الحال باقيا في التأميل المذكور عند رده عليه البعير المذكور والثمن معا وأجيب بأن حالة السفر غالبا تقتضي قلة الشيء بخلاف حالة الحضر فلا مبالاة عند التوسعة من طمع الآمل وأقوى هذه الوجوه في نظري ما تقدم نقله عن الإسماعيلي من أنه وعد حل محل الشرط وأبدى السهيلي في قصة جابر مناسبة لطيفة غير ما ذكره الإسماعيلي ملخصها أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبر جابرا بعد قتل أبيه بأحد أن الله أحياه وقال ما تشتهي فأزيدك أكد صلى الله عليه وسلم الخبر بما يشتهيه فاشترى منه الجمل وهو مطيته بثمن معلوم ثم وفر عليه الجمل والثمن وزاده على الثمن كما اشترى الله من المؤمنين أنفسهم بثمن هو الجنة ثم رد عليهم أنفسهم وزادهم كما قال الله تعالى للذين أحسنوا الحسني وزيادة قوله وقال عبيد الله أي بن عمر العمري وابن إسحاق عن وهب أي بن كيسان عن جابر أي في هذا الحديث اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بأوقة وطريق بن إسحاق وصلها أحمد وأبو يعلى والبزار مطولة وفيها قال قد أخذته بدرهم قلت إذا تغبنني يا رسول الله قال فبدرهمين قلت لا فلم يزل يرفع لي حتى بلغ أوقية الحديث ورواية عبيد الله وصلها المؤلف في البيوع ولفظه قال أتبيع جملك قلت نعم فاشتراه مني بأوقية قوله وتابعه زيد بن أسلم عن جابر أي في ذكر الأوقية وقد تقدم أنه موصول عند البيهقي قوله وقال بن جريج عن عطاء وغيره عن جابر أخذته بأربعة دنانير تقدم أنه موصول عند المصنف في الوكالة وقوله هذا يكون أوقية على حساب الدينار بعشرة هو من كلام المصنف قصد به الجمع بين الروايتين وهو كما قال بناء على أن المراد بالأوقية أي من الفضة وهي أربعون درهما وقوله الدينار مبتدأ وقوله بعشرة خبره أي دينار ذهب بعشرة دراهم فضة ونسب شيخنا بن الملقن هذا الكلام إلى رواية عطاء ولم أر ذلك في شيء من الطرق لا في البخاري ولا في غيره وإنما هو من كلام البخاري قوله ولم يبين الثمن مغيرة عن الشعبي عن جابر وابن المنكدر وأبو الزبير عن جابر بن المكندر معطوف على مغيرة وأراد أن هؤلاء الثلاثة لم يعينوا الثمن في روايتهم فأما رواية مغيرة فتقدمت موصولة في الاستقراض وتأتي مطولة في الجهاد وليس فيها ذكر الثمن وكذا أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما ولذلك لم يعين يسار عن الشعبي في روايته الثمن أخرجه أبو عوانة من طريقه ورواه أحمد من طريق يسار فقال عن أبي هبيرة عن جابر ولم يعين الثمن في روايته أيضا وأما بن المنكدر فوصله الطبراني وليس فيه التعيين أيضا وأما أبو الزبير فوصله النسائي ولم يعين الثمن لكن أخرجه مسلم فعين الثمن ولفظه فبعته منه بخمس أواق قلت على أن لي ظهره إلى المدينة وكذلك أخرجه بن سعد ورويناه في فوائد تمام من طريق سلمة بن كهيل عن أبي الزبير فقال فيه أخذته منك بأربعين درهما قوله وقال الأعمش عن سالم أي بن أبي الجعد عن جابر أوقية ذهب وصله أحمد ومسلم وغيرهما هكذا وفي رواية لأحمد صحيحة قد أخذته بوقية ولم يصفها لكن من وصفها حافظ فزيادته مقبولة قوله وقال أبو إسحاق عن سالم أي بن أبي الجعد عن جابر بمائتي درهم وقال داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم عن جابر اشتراه بطريق تبوك أحسبه قال بأربع أواق أما رواية أبي إسحاق فلم أقف على من وصلها ولم تختلف نسخ البخاري أنه قال فيها بمائتي درهم ووقع للنووي أن في بعض روايات البخاري ثمانمائة درهم وليس ذلك فيه أصلا ولعله أراد هذه الرواية فتصحفت وأما رواية داود بن قيس فجزم بزمان القصة وشك في مقدار الثمن فأما جزمه بأن القصة وقعت في طريق تبوك فوافقه على ذلك علي بن زيد بن جدعان عن أبي المتوكل عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجابر في غزوة تبوك فذكر الحديث وقد أخرجه المصنف من وجه آخر عن أبي المتوكل فقال في بعض أسفاره ولم يعينه وكذا أبهمه أكثر الرواة عن جابر ومنهم من قال كنت في سفر ومنهم من قال كنت في غزوة تبوك ولا منافاة بينهما وفي رواية أبي المتوكل في الجهاد لا أدري غزوة أو عمرة ويؤيد كونه كان في غزوة قوله في آخر رواية أبي عوانة عن مغيرة فأعطاني الجمل وثمنه وسهمي مع القوم لكن جزم بن إسحاق عن وهب بن كيسان في روايته المشار إليها قبل بأن ذلك كان في غزوة ذات الرقاع من نخل وكذا أخرجه الواقدي من طريق عطية بن عبد الله بن أنيس عن جابر وهي الراجحة في نظري لأن أهل المغازي أضبط لذلك من غيرهم وأيضا فقد وقع في رواية الطحاوي أن ذلك وقع في رجوعهم من طريق مكة إلى المدينة وليست طريق تبوك ملاقية لطريق مكة بخلاف طريق غزوة ذات الرقاع وأيضا فإن في كثير من طرقه أنه صلى الله عليه وسلم سأله في تلك القصة هل تزوجت قال نعم قال أتزوجت بكرا أم ثيبا الحديث وفيه اعتذاره بتزوجه الثيب بأن أباه استشهد بأحد وترك أخواته فتزوج ثيبا لتمشطهن وتقوم عليهن فأشعر بأن ذلك كان بالقرب من وفاة أبيه فيكون وقوع القصة في ذات الرقاع أظهر من وقوعها في تبوك لأن ذات الرقاع كانت بعد أحد بسنة واحدة على الصحيح وتبوك كانت بعدها بسبع سنين والله أعلم لا جرم جزم البيهقي في الدلائل بما قال بن إسحاق قوله وقال أبو نضرة عن جابر اشتراه بعشرين دينارا وصله بن ماجة من طريق الجريري عنه بلفظ فما زال يزيدني دينارا دينارا حتى بلغ عشرين دينارا وأخرجه مسلم والنسائي من طريق أبي نضرة فأبهم الثمن قوله وقول الشعبي بأوقية أكثر أي موافقة لغيره من الأقوال والحاصل من الروايات أوقية وهي رواية الأكثر وأربعة دنانير وهي لا تخالفها كما تقدم وأوقية الذهب وأربع أواق وخمس أواق ومائتا درهم وعشرون دينارا هذا ما ذكر المصنف ووقع عند أحمد والبزار من رواية علي بن زيد عن أبي المتوكل ثلاثة عشر دينارا وقد جمع عياض وغيره بين هذه الروايات فقال سبب الاختلاف أنهم رووا بالمعنى والمراد أوقية الذهب والأربع أواق والخمس بقدر ثمن الأوقية الذهب والأربعة دنانير مع العشرين دينارا محمولة على اختلاف الوزن والعدد وكذلك رواية الأربعين درهما مع المائتي درهم قال وكأن الإخبار بالفضة عما وقع عليه العقد وبالذهب عما حصل به الوفاء أو بالعكس اه ملخصا وقال الداودي المراد أوقية ذهب ويحمل عليها قول من أطلق ومن قال خمس أواق أو أربع أراد من فضة وقيمتها يومئذ أوقية ذهب قال ويحتمل أن يكون سبب الاختلاف ما وقع من الزيادة على الأوقية ولا يخفى ما فيه من التعسف قال القرطبي اختلفوا في ثمن الجمل اختلافا لا يقبل التلفيق وتكلف ذلك بعيد عن التحقيق وهو مبني على أمر لم يصح نقله ولا استقام ضبطه مع أنه لا يتعلق بتحقيق ذلك حكم وإنما تحصل من مجموع الروايات أنه باعه البعير بثمن معلوم بينهما وزاده عند الوفاء زيادة معلومة ولا يضر عدم العلم بتحقيق ذلك قال الإسماعيلي ليس اختلافهم في قدر الثمن بضار لأن الغرض الذي سيق الحديث لأجله بيان كرمه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وحنوه على أصحابه وبركة دعائه وغير ذلك ولا يلزم من وهم بعضهم في قدر الثمن توهينه لأصل الحديث قلت وما جنح إليه البخاري من الترجيح أقعد وبالرجوع إلى التحقيق أسعد فليعتمد ذلك وبالله التوفيق وفي الحديث جواز المساومة لمن يعرض سلعته للبيع والمماكسة في المبيع قبل استقرار العقد وابتداء المشتري بذكر الثمن وأن القبض ليس شرطا في صحة البيع وأن إجابة الكبير بقول لا جائز في الأمر الجائز والتحدث بالعمل الصالح للاتيان بالقصة على وجهها لا على وجه تزكية النفس وإرادة الفخر وفيه تفقد الإمام والكبير لأصحابه وسؤاله عما ينزل بهم وإعانتهم بما تيسر من حال أو مال أو دعاء وتواضعه صلى الله عليه وسلم وفيه جواز ضرب الدابة للسير وأن كانت غير مكلفة ومحله ما إذا لم يتحقق أن ذلك منها من فرط تعب وإعياء وفيه توقير التابع لرئيسه وفيه الوكالة في وفاء الديون والوزن على المشتري والشراء بالنسيئة وفيه رد العطية قبل القبض لقول جابر هو لك قال لا بل بعنيه وفيه جواز إدخال الدواب ولأمتعة إلى رحاب المسجد وحواليه واستدل من ذلك على طهارة أبوال الإبل ولا حجة فيه وفيه المحافظة على ما يتبرك به لقول جابر لا تفارقني الزيادة وفيه جواز الزيادة في الثمن عند الأداء والرجحان في الوزن لكن برضى المالك وهي هبة مستأنفة حتى لو ردت السلعة بعيب مثلا لم يجب ردها أو هي تابعة للثمن حتى ترد فيه احتمال وفيه فضيلة لجابر حيث ترك حظ نفسه وامتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم له ببيع جمله مع احتياجه إليه وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وجواز إضافة الشيء إلى من كان مالكه قبل ذلك باعتبار ما كان واستدل به على صحة البيع بغير تصريح بايجاب ولا قبول قوله فيه قال بعنيه بأوقية فبعته ولم يذكر صيغة ولا حجة فيه لأن عدم الذكر لا يستلزم عدم الوقوع وقد وقع في رواية عطاء الماضية في الوكالة قال بعنيه قال قد أخذته بأربعة دنانير فهذا فيه القبول ولا إيجاب فيه وفي رواية جرير الآتية في الجهاد قال بل بعنيه قلت لرجل علي أوقية ذهب فهو لك بها قال قد أخذته ففيه الإيجاب والقبول معا وأبين منها رواية بن إسحاق عن وهب بن كيسان عند أحمد قلت قد رضيت قال نعم قلت فهو لك بها قال قد أخذته فيستدل بها على الاكتفاء في صيغ العقود بالكنايات تكميل آل أمر جمل جابر هذا لما تقدم له من بركة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مآل حسن فرأيت في ترجمة جابر من تاريخ بن عساكر بسنده إلى أبي الزبير عن جابر قال فأقام الجمل عندي زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فعجز فأتيت به عمر فعرف قصته فقال اجعله في إبل الصدقة وفي أطيب المراعي ففعل به ذلك إلى أن مات

قوله باب الشروط في المعاملة أي من مزارعة وغيرها ذكر فيه حديثين أحدهما حديث أبي هريرة في توافق المهاجرين أن يكفوا الأنصار المؤنة والعمل ويشركوهم في الثمرة مزارعة وقد تقدم الكلام عليه في فضل المنيحة في أواخر الهبة والشرط المذكور لغوي اعتبره الشارع فصار شرعيا لأن تقديره إن تكفونا نقسم بينكم ثانيهما حديث بن عمر في قصة مزارعة أهل خيبر ذكره مختصرا وقد تقدم الكلام عليه في المزارعة

قوله باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح بضم العين المهملة من عقدة والمراد وقت العقد قوله وقال عمر أي بن الخطاب ان مقاطع الحقوق الخ وصله بن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون عنه وسيأتي سياقه في النكاح وكذلك حديث المسور المعلق وحديث عقبة بن عامر الموصول مع الكلام على جميع ذلك إن شاء الله تعالى

قوله باب الشروط في المزارعة هذه الترجمة أخص من الماضية قبل بباب ثم ذكر فيه حديث رافع بن خديج مختصرا وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في المزارعة

قوله باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح ذكر فيه حديث أبي هريرة وفيه ولا يخطبن على خطبة أخيه وسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح وتقدم ما يتعلق به من البيوع في مكانه وقوله

[ 2574 ] طلاق أختها أي بالنسبة إلى كونهما يصيران ضرتين أو المراد أخوة الإسلام لأنها الغالب

قوله باب الشروط التي لا تحل في الحدود ذكر فيه حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف وقد ترجم له في الصلح إذا اصطلحوا على جور فهو مردود ويستفاد من الحديث أن كل شرط وقع في رفع حد من حدود الله فهو باطل وكل صلح وقع فيه فهو مردود وسيأتي الكلام عليه في الحدود إن شاء الله تعالى

قوله باب ما يجوز من شروط المكاتب إذا رضي بالبيع على أن يعتق ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أواخر العتق

قوله باب الشروط في الطلاق أي تعليق الطلاق قوله وقال بن المسيب والحسن وعطاء إن بدأ أي بهمزة أو أخر فهو أحق بشرطه وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن وابن المسيب في الرجل يقول امرأته طالق وعبده حر إن لم يفعل كذا يقدم الطلاق والعتاق قالا إذا فعل الذي قال فليس عليه طلاق ولا عتاق وعن بن جرير عن عطاء مثله وزاد قلت له فإن ناسا يقولون هي تطليقة حين بدأ بالطلاق قال لا هو أحق بشرطه وروى بن أبي شيبة من وجه آخر عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن في الرجل يحلف بالطلاق فيبدأ به قالا له ثنياه إذا وصله بكلامه وأشار قتادة بذلك إلى قول شريح وإبراهيم النخعي إذا بدأ بالطلاق قبل يمينه وقع الطلاق بخلاف ما إذا أخره وقد خالفهم الجمهور في ذلك

[ 2577 ] قوله عن أبي حازم هو سلمان الأشجعي وقد تقدم الكلام على حديث أبي هريرة هذا في البيوع مفرقا في مواضعه والغرض منه قوله ولا تشترط المرأة طلاق أختها لأن مفهومه أنها إذا اشترطت ذلك فطلق أختها وقع الطلاق لأنه لو لم يقع لم يكن للنهي عنه معنى قاله بن بطال ويأتي الكلام على ما يتعلق منه بالطلاق في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قوله تابعه معاذ أي بن معاذ العنبري وعبد الصمد هو بن عبد الوارث والمعنى أنهما تابعا محمد بن عرعرة في تصريحه برفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإسناد النهي إليه صريحا قوله وقال غندر وعبد الرحمن أي بن مهدي نهى يعني أنهما روياه أيضا عن شعبة فأيهما الفاعل وذكره بضم النون وكسر الهاء قوله وقال آدم أي بن أبي إياس يعني عن شعبة نهينا أي ولم يسم فاعل النهي أيضا قوله وقال النضر أي بن شميل وحجاج بن منهال يعني عن شعبة أيضا نهى أي بفتح النون والهاء ولم يسميا فاعل النهي أيضا وهذه الروايات قد وقعت لنا موصولة فأما رواية معاذ فوصلها مسلم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التلقي الحديث وأما رواية عبد الصمد فوصلها مسلم أيضا وقال فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى بمثل حديث معاذ وكذلك أخرجه النسائي من طريق حجاج بن محمد وأبو عوانة من طريق يحيى بن بكير وأبي داود الطيالسي كلهم عن شعبة لكن شك أبو داود هل هو نهي أو نهى وأما رواية غندر فوصلها مسلم أيضا قال حدثنا أبو بكر بن نافع حدثنا غندر وقال في روايته نهى كما علقه البخاري وكذلك أخرجه مسلم من طريق وهب بن جرير وأبو عوانة من طريق أبي النضر كلاهما عن شعبة وأما رواية عبد الرحمن بن مهدي فوصلها وأما رواية آدم فرويناها في نسخته رواية إبراهيم بن يزيد عنه وأما رواية النضر بن شميل فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه وأما رواية حجاج بن منهال فوصلها البيهقي من طريق إسماعيل القاضي عنه وقرنها برواية حفص بن عمر عن شعبة وأخرجه أبو عوانة من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت فقال فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشك وقوله في هذا المتن وأن يبتاع المهاجر للأعرابي المراد بالمهاجر الحضري وأطلق عليه ذلك على عرف ذلك الزمان والمعنى أن الأعرابي إذا جاء السوق ليبتاع شيئا لا يتوكل له الحاضر لئلا يحرم أهل السوق نفعا ورفقا وإنما له أن ينصحه ويشير عليه ويحتمل أن يكون المراد بقوله أن يبتاع أن يبيع فيوافق الرواية الماضية

قوله باب الشروط مع الناس بالقول ذكر فيه طرفا من حديث بن عباس عن أبي بن كعب في قصة موسى والخضر والمراد منه قوله كانت الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا وأشار بالشرط إلى قوله ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني والتزام موسى بذلك ولم يكتبا ذلك ولم يشهدا أحدا وفيه دلالة على العمل بمقتضى ما دل عليه الشرط فإن الخضر قال لموسى لما أخلف الشرط هذا فراق بيني وبينك ولم ينكر موسى عليهما السلام ذلك

قوله باب الشروط في الولاء ذكر فيه طرفا من حديث عائشة في قصة بريرة وقدتقدم الكلام عليه مستوفى في آخر كتاب العتق

قوله باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك كذا ذكر هذه الترجمة مختصرة وترجم لحديث الباب في المزارعة بأوضح من هذا فقال إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما فهما على تراضيهما وأخرج هناك حديث بن عمر في قصة يهود خيبر بلفظ نقركم على ذلك ما شئنا وأورده هنا بلفظ نقركم ما أقركم الله فأحال في كل ترجمة على لفظ المتن الذي في الأخرى وبينت إحدى الروايتين مراد الأخرى وأن المراد بقوله ما أقركم الله ما قدر الله أنا نترككم فيها فإذا شئنا فأخرجناكم تبين أن الله قدر إخراجكم والله أعلم وقد تقدم في المزارعة توجيه الاستدلال به على جواز المخابرة وفيه جواز الخيار في المساقاة للمالك لا إلى أمد وأجاب من لم يجزه باحتمال أن المدة كانت مذكورة ولم تنقل أو لم تذكر لكن عينت كل سنة بكذا أو أن أهل خيبر صاروا عبيدا للمسلمين ومعاملة السيد لعبده لا يشترط فيها ما يشترط في الأجنبي والله أعلم

[ 3580 ] قوله حدثنا أبو أحمد كذا للآكثر غير مسمى ولا منسوب ولابن السكن في روايته عن الفربري ووافقه أبو ذر حدثنا أبو أحمد مرار بن حمويه وهو بفتح الميم وتشديد الراء وأبوه بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم قال بن الصلاح أهل الحديث يقولونها بضم الميم وسكون الواو وفتح التحتانية وغيرهم بفتح الميم والواو وسكون التحتانية وآخرها هاء عند الجميع ومن قاله من المحدثين بالتاء المثناة الفوقانية بدل الهاء فقد غلط قلت لكن وقع في شعر لابن دريد ما يدل على تجويز ذلك وهو قوله أن كان نفطوية من نسلي وهو همذاني بفتح الميم ثقة مشهور وليس له في البخاري غير هذا الحديث وكذا شيخه وهو ومن فوقه مدنيون وقال الحاكم أهل بخاري يزعمون أنه أبو أحمد محمد بن يوسف البيكندي ويحتمل أن يكون المراد أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء فإن أبا عمر المستملي رواه عنه عن أبي غسان انتهى والمعتمد ما وقع في ذلك عند بن السكن ومن وافقه وجزم أبو نعيم أنه مرار المذكور وقال لم يسمه البخاري والحديث حديثه ثم أخرجه من طريق موسى بن هارون عن مرار قلت وكذا أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريقه ورواه بن وهب عن مالك بغير إسناد وأخرجه عمر بن شبة في أخبار المدينة قوله حدثنا محمد بن يحيى أي بن علي الكاتب قوله فدع بفتح الفاء والمهملتين الفدع بفتحتين زوال المفصل فدعت يداه إذا أزيلتا من مفاصلهما قال الخليل الفدع عوج في المفاصل وفي خلق الإنسان الثابت إذا زاغت القدم من أصلها من الكعب وطرف الساق فهو الفدع وقال الأصمعي هو زيغ في الكف بينها وبين الساعد وفي الرجل بينها وبين الساق هذا الذي في جميع الروايات وعليها شرح الخطابي وهو الواقع في هذه القصة ووقع في رواية بن السكن بالغين المعجمة أي فدغ وجزم به الكرماني وهو وهم لأن الفدغ بالمعجمة كسر الشيء المجوف قاله الجوهري ولم يقع ذلك لابن عمر في القصة قوله فعدي عليه من الليل قال الخطابي كأن اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتوت يداه ورجلاه كذا قال ويحتمل أن يكونوا ضربوه ويؤيده تقييده بالليل في هذه الرواية ووقع في رواية حماد بن سلمة التي علق المصنف إسنادها آخر الباب بلفظ فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين وألقوا بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه الحديث قوله تهمتنا بضم المثناة وفتح الهاء ويجوز اسكانها أي الذين نتهمهم بذلك قوله وقد رأيت إجلائهم فلما أجمع أي عزم وقال أبو الهيثم أجمع على كذا أي جمع أمره جميعا بعد أن كان مفرقا وهذا لا يقتضي حصر السبب في إجلاء عمر إياهم وقد وقع لي فيه سببان آخران أحدهما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال ما زال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يجتمع بجزيرة العرب دينان فقال من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له وإلا فإني مجليكم فأجلاهم أخرجه بن أبي شيبة وغيره ثانيهما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال لما كثر العيال أي الخدم في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر ويحتمل أن يكون كل من هذه الأشياء جزء علة في إخراجهم والاجلاء الإخراج عن المال والوطن على وجه الازعاج والكراهة قوله أحمد بني أبي الحقيق بمهملة وقافين مصغر وهو رأس يهود خيبر ولم أقف على اسمه ووقع في رواية البرقاني فقال رئيسهم لا تخرجنا وابن أبي الحقيق الآخر هو الذي زوج صفية بنت حيي أم المؤمنين فقتل بخيبر وبقي أخوه إلى هذه الغاية قوله تعدو بك قلوصك بفتح القاف وبالصاد المهملة الناقة الصابرة على السير وقيل الشابة وقيل أول ما يركب من إناث الإبل وقيل الطويلة القوائم وأشار صلى الله عليه وسلم إلى إخراجهم من خيبر وكان ذلك من إخباره بالمغيبات قبل وقوعها قوله كان ذلك في رواية الكشميهني كانت هذه قوله هزيلة تصغير الهزل وهو ضد الجد قوله مالا تمييز للقيمة وعطف الإبل عليه وكذلك العروض من عطف الخاص على العام أو المراد بالمال النقد خاصة والعروض ما عدا النقد وقيل ما لا يدخله الكيل ولا يكون حيوانا ولا عقارا قوله رواه حماد بن سلمة عن عبيد الله بالتصغير هو العمري قوله أحسبه عن نافع أي أن حمادا شك في وصله وصرح في ذلك أبو يعلى في روايته الآتية وزعم الكرماني أن في قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم قرينة تدل على أن حمادا اقتصر في روايته على ما نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة من قول أو فعل دون ما نسب إلى عمر قلت وليس كما قال وإنما المراد أنه اختصر من المرفوع دون الموقوف وهو الواقع في نفس الأمر فقد رويناه في مسند أبي يعلى وفوائد البغوي كلاهما عن عبد الأعلى بن حماد عن حماد بن سلمة ولفظه قال عمر من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها فقال رئيسهم لا تخرجنا ودعنا كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال له عمر أتراه سقط علي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوم ثم يوما فقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية قال البغوي هكذا رواه غير واحد عن حماد ورواه الوليد بن صالح عن حماد بغير شك قلت وكذا رويناه في مسند عمر النجار من طريق هدبة بن خالد عن حماد بغير شك وفيه قوله رقصت بك أي أسرعت في السير وقوله نحو الشام تقدم في المزارعة أن عمر أجلاهم إلى تيماء وأريحا تنبيه وقع للحميدي نسبة رواية حماد بن سلمة مطولة جدا إلى البخاري وكأنه نقل السياق من مستخرج البرقاني كعادته وذهل عن عزوه إليه وقد نبه الإسماعيلي على أن حمادا كان يطوله تارة ويرويه تارة مختصرا وقد أشرت إلى بعض ما في روايته قبل قال المهلب في القصة دليل على أن العداوة توضح المطالبة بالجناية كما طالب عمر اليهود بفدع ابنه ورجح ذلك بأن قال ليس لنا عدو غيرهم فعلق المطالبة بشاهد العداوة وإنما لم يطلب القصاص لأنه فدع وهو نائم فلم يعرف أشخاصهم وفيه أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله محمولة على الحقيقة حتى يقوم دليل المجاز

قوله باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط كذا للأكثر زاد المستملي مع الناس بالقول وهي زيادة مستغنى عنها لأنها تقدمت في ترجمة مستقلة الا أن تحمل الأولى على الاشتراط بالقول خاصة وهذه على الاشتراط بالقول والفعل معا

[ 2581 ] قوله عن المسور بن مخرمة ومروان أي بن الحكم قالا خرج هذه الرواية بالنسبة إلى مروان مرسلة لأنه لا صحبة له وأما المسور فهي بالنسبة إليه أيضا مرسلة لأنه لم يحضر القصة وقد تقدم في أول الشروط من طريق أخرى عن الزهري عن عروة أنه سمع المسور ومروان يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بعض هذا الحديث وقد سمع مسور ومروان من جماعة من الصحابة شهدوا هذه القصة كعمر وعثمان وعلي والمغيرة وأم سلمة وسهل بن حنيف وغيرهم ووقع في نفس هذا الحديث شيء يدل على أنه عن عمر كما سيأتي التنبيه عليه في مكانه وقد روى أبو الأسود عن عروة فلم يذكر المسور ولا مروان لكن أرسلها وهي كذلك في مغازي عروة بن الزبير أخرجها بن عائذ في المغازي له بطولها وأخرجها الحاكم في الإكليل من طريق أبي الأسود عن عروة أيضا مقطعة قوله زمن الحديبية تقدم ضبط الحديبية في الحج وهي بئر سمي المكان بها وقيل شجرة حدباء صغرت وسمي المكان بها قال المحب الطبري الحديبية قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم ووقع في رواية بن إسحاق في المغازي عن الزهري خرج عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا ووقع عند بن سعد أنه صلى الله عليه وسلم خرج يوم الإثنين لهلال ذي القعدة زاد سفيان عن الزهري في الرواية الآتية في المغازي وكذا في رواية أحمد عن عبد الرزاق في بضع عشرة مائة فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة وروى عبد العزيز الإمامي عن الزهري في هذا الحديث عند أبي شيبة خرج صلى الله عليه وسلم في ألف وثمانمائة وبعث عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر قريش كذا سماه ناجية والمعروف أن ناجية اسم الذي بعث معه الهدي كما صرح به بن إسحاق وغيره وأما الذي بعثه عينا لخبر قريش فاسمه بسر بن سفيان كذا سماه بن إسحاق وهو بضم الموحدة وسكون المهملة على الصحيح وسأذكر الخلاف في عدد أهل الحديبية في المغازي إن شاء الله تعالى قوله حتى إذا كانوا ببعض الطريق اختصر المصنف صدر هذا الحديث الطويل مع أنه لم يسقه بطوله إلا في هذا الموضع وبقيته عنده في المغازي من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري قال ونبأنيه معمر عن الزهري وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الاشطاط أتاه عينه فقال إن قريشا جمعوا جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك فقال أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين وإلا تركناهم محروبين قال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله إلى ههنا ساق البخاري في المغازي من هذا الوجه وزاد أحمد عن عبد الرزاق وساقه بن حبان من طريقه قال قال معمر قال الزهري وكان أبو هريرة يقول ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم اه وهذا القدر حذفه البخاري لإرساله لأن الزهري لم يسمع من أبي هريرة وفي رواية أحمد المذكورة حتى إذا كانوا بغدير الاشطاط قريبا من عسفان اه وغدير بفتح الغين المعجمة والاشطاط بشين معجمة وطائين مهملتين جمع شط وهو جانب الوادي كذا جزم به صاحب المشارق ووقع في بعض نسخ أبي ذر بالظاء المعجمة فيهما وفي رواية أحمد أيضا أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين وأن يجيئوا تكن عنقا قطعها الله ونحوه لابن إسحاق في روايته في المغازي عن الزهري والمراد أنه صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه هل يخالف الذين نصروا قريشا إلى مواضعهم فيسبي أهلهم فإن جاءوا إلى نصرهم اشتغلوا بهم وانفرد هو وأصحابه بقريش وذلك المراد بقوله تكن عنقا قطعها الله فأشار عليه أبو بكر الصديق بترك القتال والاستمرار على ما خرج له من العمرة حتى يكون بدء القتال منهم فرجع إلى رأيه وزاد أحمد في روايته فقال أبو بكر الله ورسوله أعلم يا نبي الله إنما جئنا معتمرين الخ والأحابيش بالحاء المهملة والموحدة وآخره معجمة وأحدها أحبوش بضمتين وهم بنوا الهون بن خزيمة بن مدركة وبنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة وبنو المصطلق من خزاعة كانوا تحالفوا مع قريش قيل تحت جبل يقال له الحبشي أسفل مكة وقيل سموا بذلك لتحبشهم أي تجمعهم والتحبش التجمع والحباشة الجماعة وروى الفاكهي من طريق عبد العزيز بن أبي ثابت أن ابتداء حلفهم مع قريش كان على يد قصي بن كلاب واتفق الرواة على قوله فإن يأتونا من الإتيان إلا بن السكن فعنده فإن باتونا بموحدة ثم مثناة مشددة والأول أولى ويؤيده رواية أحمد بلفظ المجيء ووقع عند بن سعد وبلغ المشركين خروجه فأجمع رأيهم على صده عن مكة وعسكروا ببلدح بالموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة ثم حاء مهملة موضع خارج مكة قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة في رواية الإمامي فقال له عينه هذا خالد بن الوليد بالغميم والغميم بفتح المعجمة وحكى عياض فيها التصغير قال المحب الطبري يظهر أن المراد كراع الغميم وهو موضع بين مكة والمدينة اه وسياق الحديث ظاهر في أنه كان قريبا من الحديبية فهو غير كراع الغميم الذي وقع ذكره في الصيام وهو الذي بين مكة والمدينة وأما الغميم هذا فقال بن حبيب هو قريب من مكان بين رابغ والجحفة وقد وقع في شعر جرير والشماخ بصيغة التصغير والله أعلم وبين بن سعد أن خالدا كان في مائتي فارس فيهم عكرمة بن أبي جهل والطليعة مقدمة الجيش قوله فخذوا ذات اليمين أي الطريق التي فيها خالد وأصحابه قوله حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا القترة بفتح القاف والمثناة الغبار الأسود قوله وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية وفي رواية بن إسحاق فقال صلى الله عليه وسلم من يخرجنا على طريق غير طريقهم التي هم بها قال فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رجلا من أسلم قال أنا يا رسول الله فسلك بهم طريقا وعرا فأخرجوا منها بعد أن شق عليهم وأفضوا إلى أرض سهلة فقال لهم استغفروا الله ففعلوا فقال والذي نفسي بيده إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فامتنعوا قال بن إسحاق عن الزهري في حديثه فقال اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق تخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية اه وثنية المرار بكسر الميم وتخفيف الراء هي طريق في الجبل تشرف على الحديبية وزعم الداودي الشارح أنها الثنية التي أسفل مكة وهو وهم وسمي بن سعد الذي سلك بهم حمزة بن عمرو الأسلمي وفي رواية أبي الأسود عن عروة فقال من رجل يأخذ بنا عن يمين المحجة نحو سيف البحر لعلنا نطوي مسلحة القوم وذلك من الليل فنزل رجل عن دابته فذكر القصة قوله بركت به راحلته فقال الناس حل حل بفتح المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة إذا تركت السير وقال الخطابي أن قلت حل واحدة فالسكون وإن أعدتها نونت في الأولى وسكنت في الثانية وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كنظيره في بخ بخ يقال حلحلت فلانا إذا أزعجته عن موضعه قوله فألحت بتشديد المهملة أي تمادت على عدم القيام وهو من الالحاح قوله خلأت القصواء الخلاء بالمعجمة والمد للإبل كالحران للخيل وقال بن قتيبة لا يكون الخلاء إلا للنوق خاصة وقال بن فارس لا يقال للجمل خلأ لكن ألح والقصواء بفتح القاف بعدها مهملة ومد اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كان طرف أذنها مقطوعا والقصو قطع طرف الإذن يقال بعير أقصى وناقة قصوى وكان القياس أن يكون بالقصر وقد وقع ذلك في بعض نسخ أبي ذر وزعم الداودي أنها كانت لا تسبق فقيل لها القصواء لأنها بلغت من السبق أقصاه قوله وما ذاك لها بخلق أي بعادة قال بن بطال وغيره في هذا الفصل جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرتهم وجواز السفر وحده للحاجة وجواز التنكيب عن الطريق السهلة إلى الوعرة للمصلحة وجواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره فإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها ويرد على من نسبه إليها معذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله لأن خلاء القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة صحيحا ولم يعاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لعذرهم في ظنهم قال وفيه جواز التصرف في ملك الغير بالمصلحة بغير إذنه الصريح إذا كان سبق منه ما يدل على الرضا بذلك لأنهم قالوا حل حل فزجروها بغير إذن ولم يعاتبهم عليه قوله حبسها حابس الفيل زاد إسحاق في روايته عن مكة أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها وقصة الفيل مشهورة ستأتي الإشارة إليها في مكانها ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل فأصحابه مكة لكن سبق في علم الله تعالى في الموضعين أنه سيدخل في الإسلام خلق منهم ويستخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب ناس منهم بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله ولولا رجال مؤمنون الآية ووقع للمهلب استبعاد جواز هذه الكلمة وهي حابس الفيل على الله تعالى فقال المراد حبسها أمر الله عز وجل وتعقب بأنه يجوز إطلاق ذلك في حق الله فيقال حبسها الله حابس الفيل وإنما الذي يمكن أن يمنع تسميته سبحانه وتعالى حابس الفيل ونحوه كذا أجاب بن المنير وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفية وقد توسط الغزالي وطائفة فقالوا محل المنع ما لم يرد نص بما يشتق منه بشرط أن لا يكون ذلك الاسم المشتق مشعرا بنقص فيجوز تسميته الواقي لقوله تعالى ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ولا يجوز تسميته البناء وأن ورد قوله تعالى والسماء بنيناها بأيد وفي هذه القصة جواز التشبيه من الجهة العامة وأن اختلفت الجهة الخاصة لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض لكن جاء التشبيه من جهة إرادة الله منع الحرم مطلقا أما من أهل الباطل فواضح وأما من أهل الحق فللمعنى الذي تقدم ذكره وفيه ضرب المثل واعتبار من بقي بمن مضى قال الخطابي معنى تعظيم حرمات الله في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن اراقة الدماء واستدل بعضهم بهذه القصة لمن قال من الصوفية علامة الإذن التيسير وعكسه وفيه نظر قوله والذي نفسي بيده فيه تأكيد القول باليمين فيكون أدعى إلى القبول وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعا قاله بن القيم في الهدى قوله لا يسألونني خطة بضم الخاء المعجمة أي خصلة يعظمون فيها حرمات الله أي من ترك القتال في الحرم ووقع في رواية بن إسحاق يسألونني فيها صلة الرحم وهي من جملة حرمات الله وقيل المراد بالحرمات حرمة الحرم والشهر والإحرام قلت وفي الثالث نظر لأنهم لو عظموا الإحرام ما صدوه قوله إلا أعطيتهم إياها أي أجبتهم إليها قال السهيلي لم يقع في شيء من طرق الحديث أنه قال إن شاء الله مع أنه مأمور بها في كل حالة والجواب أنه كان أمرا واجبا حتما فلا يحتاج فيه إلى الاستثناء كذا قال وتعقب بأنه تعالى قال في هذه القصة لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فقال إن شاء الله مع تحقق وقوع ذلك تعليما وارشادا فالأولى أن يحمل على أن الاستثناء سقط من الراوي أو كانت القصة قبل نزول الأمر بذلك ولا يعارضه كون الكهف مكية إذا لا مانع أن يتأخر نزول بعض السورة قوله ثم زجرها أي الناقة فوثبت أي قامت قوله فعدل عنهم في رواية بن سعد فولى راجعا وفي رواية بن إسحاق فقال للناس انزلوا قالوا يا رسول الله ما بالوادي من ماء ننزل عليه قوله على ثمد بفتح المثلثة والميم أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل وقوله قليل الماء تأكيد لدفع توهم أن يراد لغة من يقول أن الثمد الماء الكثير وقيل الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء ويذهب في الصيف قوله يتبرضه الناس بالموحدة والتشديد والضاد المعجمة هو الأخذ قليلا قليلا والبرض بالفتح والسكون اليسير من العطاء وقال صاحب العين هو جمع الماء بالكفين وذكر أبو الأسود في روايته عن عروة فسبقت قريش إلى الماء فنزلوا عليه ونزل النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية في حر شديد وليس بها إلا بئر واحدة فذكر القصة قوله فلم يلبثه بضم أوله وسكون اللام من الالباث وقال بن التين بفتح اللام وكسر الموحدة الثقيلة أي لم يتركوه يلبث أي يقيم قوله وشكي بضم أوله على البناء للمجهول قوله فانتزع سهما من كنانته أي أخرج سهما من جعبته قوله ثم أمرهم في رواية بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن رجال من أسلم أن ناجية بن جندب الذي ساق البدن هو الذي نزل بالسهم وأخرجه بن سعد من طريق سلمة بن الأكوع وفي رواية ناجية بن الأعجم قال بن إسحاق وزعم بعض أهل العلم أنه البراء بن عازب وروى الواقدي من طريق خالد بن عبادة الغفاري قال أنا الذي نزلت بالسهم ويمكن الجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره وسيأتي في المغازي من حديث البراء بن عازب في قصة الحديبية أنه صلى الله عليه وسلم جلس على البئر ثم دعا بإناء فمضمض ودعا الله ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة ثم إنهم ارتووا بعد ذلك ويمكن الجمع بأن يكون الأمران معا وقعا وقد روى الواقدي من طريق أوس بن خولى أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في الدلو ثم أفرغه فيها وانتزع السهم فوضعه فيها وهكذا ذكر أبو الأسود في روايته عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم تمضمض في دلو وصبه في البئر ونزع سهما من كنانته فألقاه فيها ودعا ففارت وهذه القصة غير القصة الآتية في المغازي أيضا من حديث جابر قال عطش الناس بالحديبية وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة فتوضأ منها فوضع يده فيها فجعل الماء يفور من بين أصابعه الحديث وكأن ذلك كان قبل قصة البئر والله أعلم وفي هذا الفصل معجزات ظاهرة وفيه بركة سلاحه وما ينسب إليه وقد وقع نبع الماء من بين أصابعه في عدة مواطن غير هذه وسيأتي في أول غزوة الحديبية حديث زيد بن خالد أنهم أصابهم مطر بالحديبية الحديث وكأن ذلك وقع بعد القصتين المذكورتين والله أعلم قوله يجيش بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة أي يفور وقوله بالري بكسر الراء ويجوز فتحها وقوله صدروا عنه أي رجعوا رواء بعد وردهم زاد بن سعد حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسا على شفير البئر وكذا في رواية أبي الأسود عن عروة قوله فبينما هم في رواية الكشميهني فبينا هم كذلك إذ جاء بديل بالموحدة والتصغير أي بن ورقاء بالقاف والمد صحابي مشهور قوله في نفر من قومه سمي الواقدي منهم عمر بن سالم وخراش بن أمية وفي رواية أبي الأسود عن عروة منهم خارجة بن كرز ويزيد بن أمية قوله وكانوا عيبة نصح العيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة ما توضع فيه الثياب لحفظها أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سره ونصح بضم النون وحكى بن التين فتحها كأنها شبة الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب وقوله من أهل تهامة لبيان الجنس لآن خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة وتهامة بكسر المثناة هي مكة وما حولها وأصلها من التهم وهو شدة الحر وركود الريح زاد بن إسحاق في روايته وكانت خزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عليه شيئا كان بمكة ووقع عند الواقدي أن بديلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم لقد غزوت ولا سلاح معك فقال لم نجيء لقتال فتكلم أبو بكر فقال له بديل أنا لا أتهم ولا قومي اه وكان الأصل في موالاة خزاعة للنبي صلى الله عليه وسلم أن بني هاشم في الجاهلية كانوا تحالفوا مع خزاعة فاستمروا على ذلك في الإسلام وفيه جواز استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نصحهم وشهدت التجربة بايثارهم أهل الإسلام على غيرهم ولو كانوا من أهل دينهم ويستفاد منه جواز استنصاح بعض ملوك العدو استظهارا على غيرهم ولا يعد ذلك من موالاة الكفار ولا موادة أعداء الله بل من قبيل استخدامهم وتقليل شوكة جمعهم وانكاء بعضهم لبعض ولا يلزم من ذلك جواز الاستعانة بالمشركين على الإطلاق قوله فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي إنما اقتصر على ذكر هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما وبقي من قريش بنو سامة بن لؤي وبنو عوف بن لؤي ولم يكن بمكة منهم أحد وكذلك قريش الظواهر الذين منهم بنوا تيم بن غالب ومحارب بن فهر قال هشام بن الكلبي بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شك فيهما بخلاف سامة وعوف أي ففيهما الخلف وقال وهم قريش البطاح أي بخلاف قريش الظواهر قد وقع في رواية أبي المليح وجمعوا لك الأحابيش بحاء مهملة وموحدة ثم شين معجمة وهو مأخوذ من التحبش وهو التجمع قوله نزلوا أعداد مياه الحديبية الأعداد بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد وهو الماء الذي لا انقطاع له وغفل الداودي فقال هو موضع بمكة وقول بديل هذا يشعر بأنه كان بالحديبية مياه كثيرة وأن قريشا سبقوا إلى النزول عليها فلهذا عطش المسلمون حيث نزلوا على الثمد المذكور قوله ومعهم العوذ المطافيل العوذ بضم المهملة وسكون الواو بعدها معجمة جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار ويحتمل إرادة المعنى الأعم قال بن فارس كل أنثى إذا وضعت فهي إلى سبعة أيام عائذ والجمع عوذ كأنها سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلزم الشغل به وقال السهيلي سميت بذلك وإن كان الولد الذي يعوذ بها لأنها تعطف عليه بالشفقة والحنو كما قالوا تجارة رابحة وأن كانت مربوحا فيها ووقع عند بن سعد معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان قوله نهكتهم بفتح أوله وكسر الهاء أي أبلغت فيهم حتى أضعفتهم إما أضعفت قوتهم وإما أضعفت أموالهم قوله ماددتهم أي جعلت بني وبينهم مدة يترك الحرب بيننا وبينهم فيها قوله ويخلوا بيني وبين الناس أي من كفار العرب وغيرهم قوله فان أظهر فإن شاءوا هو شرط بعد الشرط والتقدير فإن ظهر غيرهم علي كفاهم المؤنة وإن أظهر أنا على غيرهم فإن شاءوا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جموا أي استراحوا وهو بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي قووا ووقع في رواية بن إسحاق وأن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة وإنما ردد الأمر مع أنه جازم بأن الله تعالى سينصره ويظهره لوعد الله تعالى له بذلك على طريق التنزل مع الخصم وفرض الأمر على ما زعم الخصم ولهذه النكتة حذف القسم الأول وهو التصريح بظهور غيره عليه لكن وقع التصريح به في رواية بن إسحاق ولفظه فإن أصابوني كان الذي أرادوا ولابن عائذ ومن وجه آخر عن الزهري فإن ظهر الناس علي فذلك الذي يبتغون فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة تأدبا قوله حتى تنفرد سالفتي السالفة بالمهملة وكسر اللام بعدها فاء صفحة العنق وكنى بذلك عن القتل لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه وقال الداودي المراد الموت أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم وقال بن المنير لعله صلى الله عليه وسلم نبه بالأدنى على الأعلى أي أن لي من القوة بالله والحول به ما يقتضي أن أقاتل عن دينه لو انفردت فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ونفاذ بصائرهم في نصر دين الله تعالى قوله ولينفذن بضم أوله وكسر الفاء أي ليمضين الله أمره في نصر دينه وحسن الإتيان بهذا الجزم بعد ذلك التردد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض وفي هذا الفصل الندب إلى صلة الرحم والإبقاء على من كان من أهلها وبذل النصيحة للقرابة وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من القوة والثبات في تنفيذ حكم الله وتبليغ أمره قوله فقال بديل سأبلغهم ما تقول أي فأذن له قوله فقال سفهاؤهم سمي الواقدي منهم عكرمة بن أبي جهل والحكم بن أبي العاص قوله فحدثهم بما قال زاد بن إسحاق في روايته فقال لهم بديل إنكم تعجلون على محمد أنه لم يأت لقتال إنما جاء معتمرا فاتهموه أي اتهموا بديلا لأنهم كانوا يعرفون ميله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أن كان كما تقول فلا يدخلها علينا عنوة قوله فقام عروة في رواية أبي الأسود عن عروة عند الحاكم في الإكليل والبيهقي في الدلائل وذكر ذلك بن إسحاق أيضا من وجه آخر قالوا لما نزل صلى الله عليه وسلم بالحديبية أحب أن يبعث رجلا من أصحابه إلى قريش يعلمهم بأنه إنما قدم معتمرا فدعا عمر فاعتذر بأنه لا عشيرة له بمكة فدعا عثمان فأرسله بذلك وأمره أن يعلم من بمكة من المؤمنين بأن الفرج قريب فأعلمهم عثمان بذلك فحمله أبان بن سعيد بن العاص على فرسه فذكر القصة فقال المسلمون هنيئا لعثمان خلص إلى البيت فطاف به دوننا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن ظني به أن لا يطوف حتى نطوف معا فكان كذلك قال ثم جاء عروة بن مسعود فذكر القصة وفي رواية بن إسحاق أن مجيء عروة كان قبل ذلك وذكرها موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري وكذا أبو الأسود عن عروة قبل قصة مجيء سهيل بن عمرو فالله أعلم قوله فقام عروة بن مسعود أي بن معتب بضم أوله وفتح المهملة وتشديد المثناة المكسورة بعدها موحدة الثقفي ووقع في رواية بن إسحاق عند أحمد عروة بن عمرو بن مسعود والصواب الأول وهو الذي وقع في السيرة قوله ألستم بالولد وألست بالوالد قالوا بلى كذا لأبي ذر ولغيره بالعكس ألستم بالوالد وألست بالولد وهو الصواب وهو الذي في رواية أحمد وابن إسحاق وغيرهما وزاد بن إسحاق عن الزهري أن أم عروة هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف فأراد بقوله ألستم بالوالد أنكم حي قد ولدوني في الجملة لكون أمي منكم وجرى بعض الشراح على ما وقع في رواية أبي ذر فقال أراد بقوله ألستم بالولد أي أنتم عندي في الشفقة والنصح بمنزلة الولد قال ولعله كان يخاطب بذلك قوما هم أسن منهم قوله استنفرت أهل عكاظ بضم المهملة وتخفيف الكاف وآخره معجمة أي دعوتهم إلى نصركم قوله فلما بلحوا بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة أي امتنعوا والتبلح التمنع من الإجابة وبلح الغريم إذا أمتنع من أداء ما عليه زاد بن إسحاق فقالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قوله قد عرض عليكم في رواية الكشميهني لكم خطة رشد بضم الخاء المعجمة وتشديد المهملة والرشد بضم الراء وسكون المعجمة وبفتحهما أي خصلة خير وصلاح وانصاف وبين بن إسحاق في روايته أن سبب تقديم عروة لهذا لكلام عند قريش ما رآه من ردهم العنيف على من يجيء من عند المسلمين قوله ودعوني آته بالمد وهو مجزوم على جواب الأمر وأصله أئته أي أجيء إليه قالوا ائته بألف وصل بعدها همزة ساكنة ثم مثناة مكسورة ثم هاء ساكنة ويجوز كسرها قوله نحوا من قوله لبديل زاد بن إسحاق وأخبره أنه لم يأت يريد حربا قوله فقال عروة عند ذلك أي عند قوله لأقاتلنهم قوله اجتاح بجيم ثم مهملة أي أهلك أصله بالكلية وحذف الجزاء من قوله وأن تكن الأخرى تأدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى وأن تكن الغلبة لقريش لا آمنهم عليك مثلا وقوله فاني والله لا أرى وجوها الخ كالتعليل لهذا القدر المحذوف والحاصل أن عروة ردد الأمر بين شيئين غير مستحسنين عادة وهو هلاك قومه إن غلب وذهاب أصحابه إن غلب لكن كل من الأمرين مستحسن شرعا كما قال تعالى قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين قوله أشوابا بتقديم المعجمة على الواو كذا للأكثر وعليها اقتصر صاحب المشارق ووقع لأبي ذر عن الكشميهني أو شابا بتقديم الواو والأشواب الأخلاط من أنواع شتى والأوباش الأخلاط من السفلة فالأوباش أخص من الأشواب قوله خليقا بالخاء المعجمة والقاف أي حقيقا وزنا ومعنى ويقال خليق للواحد والجمع ولذلك وقع صفة لأشواب قوله ويدعوك بفتح الدال أي يتركوك في رواية أبي المليح عن الزهري عند من سميته وكأني بهم لو قد لقيت قريشا قد أسلموك فتؤخذ أسيرا فأي شيء أشد عليك من هذا وفيه أن العادة جرت أن الجيوش المجمعة لا يؤمن علها الفرار بخلاف من كان من قبيلة واحدة فإنهم يأنفون الفرار في العادة وما درى عروة أن مودة الإسلام أعظم من مودة القرابة وقد ظهر له ذلك من مبالغة المسلمين في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي قوله فقال له أبو بكر الصديق زاد بن إسحاق وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فقال قوله امصص بظر اللات زاد بن عائذ من وجه آخر عن الزهري وهي أي اللات طاغيته التي يعبد أي طاغية عروة وقوله امصص بألف وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر وحكى بن التين عن رواية القابسي ضم الصاد الأولى وخطأها والبظر بفتح الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك وقال بن المنير في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم تعريض بالزامهم من قولهم إن اللات بنت الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بأنها لو كانت بنتا لكان لها ما يكون للإناث قوله أنحن نفر استفهام إنكار قوله من ذا قالوا أبو بكر في رواية بن إسحاق فقال من هذا يا محمد قال هذا بن أبي قحافة قوله أما هو حرف استفتاح وقوله والذي نفسي بيده يدل على أن القسم بذلك كان عادة للعرب قوله لولا يد أي نعمة وقوله لم أجزك بها أي لم أكافئك بها زاد بن إسحاق ولكن هذه بها أي جازاه بعدم إجابته عن شتمه بيده التي كان أحسن إليه بها وبين عبد العزيز الإمامي عن الزهري في هذا الحديث أن اليد المذكورة أن عروة كان تحمل بدية فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن وفي رواية الوافدي عشر قلائص قوله قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف بقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لأن محله ما إذا كان على وجه العظمة والكبر قوله فكلما تكلم في رواية السرخسي والكشميهني فكلما كلمه أخذ بلحيته وفي رواية بن إسحاق فجعل يتناول لحية النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه قوله والمغيرة بن شعبة قائم في مغازي عروة بن الزبير رواية أبي الأسود عنه أن المغيرة لما رأى عروة بن مسعود مقبلا لبس لأمته وجعل على رأسه المغفر ليستخفي من عروة عمه قوله بنعل السيف هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها قوله أخر فعل أمر من التأخير زاد بن إسحاق في روايته قبل أن لا تصل إليك وزاد عروة بن الزبير فإنه لا ينبغي لمشرك أن يمسه وفي رواية بن إسحاق فيقول عروة ويحك ما أفظك وأغلظك وكانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا والمغيرة يمنعه إجلالا للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما قوله فقال من هذا قال المغيرة وفي رواية أبي الأسود عن عروة فلما أكثر المغيرة مما يقرع يده غضب وقال ليت شعري من هذا الذي آذاني من بين أصحابك والله لا أحسب فيكم ألأم منه ولا أشر منزلة وفي رواية بن إسحاق فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عروة من هذا يا محمد قال هذا بن أخيك المغيرة بن شعبة وكذا أخرجه بن أبي شيبة من حديث المغيرة بن شعبة نفسه بإسناد صحيح وأخرجه بن حبان قوله أي غدر بالمعجمة بوزن عمر معدول عن غادر مبالغة في وصفه بالغدر قوله ألست أسعى في غدرتك أي ألست أسعى في دفع شر غدرتك وفي مغازي عروة والله ما غسلت يدي من غدرتك لقد أورثتنا العداوة في ثقيف وفي رواية بن إسحاق وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس قال بن هشام في السيرة أشار عروة بهذا إلى ما وقع للمغيرة قبل إسلامه وذلك أنه خرج مع ثلاثة عشر نفرا من ثقيف من بني مالك فغدر بهم وقتلهم وأخذ أموالهم فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة فسعى عروة بن مسعود عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسا واصطلحوا وفي القصة طول وقد ساق بن الكلبي والواقدي القصة وحاصلها أنهم كانوا خرجوا زائرين المقوقس بمصر فأحسن إليهم وأعطاهم وقصر بالمغيرة فحصلت له الغيرة منهم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وناموا وثب المغيرة فقتلهم ولحق بالمدينة فأسلم قوله أما الإسلام فأقبل بلفظ المتكلم أي أقبله قوله وأما المال فلست منه في شيء أي لا أتعرض له لكونه أخذه غدرا ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك المال في يده لا مكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم ويستفاد من القصة أن الحربي إذا أتلف مال الحربي لم يكن عليه ضمان وهذا أحد الوجهين للشافعية قوله فجعل يرمق بضم الميم أي يلحظ قوله فدلك بها وجهه وجلده زاد بن إسحاق ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه وقوله وما يحدون بضم أوله وكسر المهملة أي يديمون وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل والتبرك بفضلات الصالحين الطاهرة ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة وبالغوا في ذلك إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه من فرارهم وكأنهم قالوا بلسان الحال من يحب إمامه هذه المحبة ويعظمه هذا التعظيم كيف يظن به أنه يفر عنه ويسلمه لعدوه بل هم أشد اغتباطا به وبدينه وبنصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضا بمجرد الرحم فيستفاد منه جواز التوصل إلى المقصود بكل طريق سائغ قوله ووفدت على قيصر هو من الخاص بعد العام وذكر الثلاثة لكونهم كانوا أعظم ملوك ذلك الزمان وفي مرسل علي بن زيد عند بن أبي شيبة فقال عروة أي قوم إني قد رأيت الملوك ما رأيت مثل محمد وما هو بملك ولكن رأيت الهدي معكوفا وما أراكم إلا ستصيبكم قارعة فانصرف هو ومن اتبعه إلى الطائف وفي قصة عروة بن مسعود من الفوائد ما يدل على جودة عقله ويقظته وما كان عليه الصحابة من المبالغة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ومراعاة أموره وردع من جفا عليه بقول أو فعل والتبرك بآثاره قوله فقال رجل من بني كنانة في رواية الإمامي فقال الحليس بمهملتين مصغر وسمي بن إسحاق والزبير بن بكار أباه علقمة وهو من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة وكان من رؤوس الأحابيش وهم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة وبنو المصطلق بن خزاعة والقارة وهم بنو الهون بن خزيمة وفي رواية الزبير بن بكار أبى الله أن تحج لخم وجذام وكندة وحمير ويمنع بن عبد المطلب قوله فابعثوها له أي أثيروها دفعة واحدة وزاد بن إسحاق فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي بقلائده قد حبس عن محله رجع ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن في مغازي عروة عند الحاكم فصاح الحليس فقال هلكت قريش ورب الكعبة إن القوم إنما أتوا عمارا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجل يا أخا بني كنانة فأعلمهم بذلك فيحتمل أن يكون خاطبه على بعد قوله فما أرى أن يصدوا عن البيت زاد بن إسحاق وغضب وقال يا معشر قريش ما على هذا عاقدناكم أيصد عن بيت الله من جاء معظما له فقالوا كف عنايا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى وفي هذه القصة جواز المخادعة في الحرب وإظهار إرادة الشيء والمقصود غيره وفيه أن كثيرا من المشركين كانوا يعظمون حرمات الإحرام والحرم وينكرون على من يصد عن ذلك تمسكا منهم ببقايا من دين إبراهيم عليه السلام قوله فقام رجل منهم يقال له مكرز بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء بعدها زاي بن حفص زاد بن إسحاق بن الأخيف وهو بالمعجمة ثم تحتانية ثم الفاء وهو من بني عامر بن لؤي ووقع بخط بن عبدة النسابة بفتح الميم وبخط يوسف بن خليل الحافظ بضمها وكسر الراء والأول المعتمد قوله وهو رجل فاجر في رواية بن إسحاق غادر وهو أرجح فإني ما زلت متعجبا من وصفه بالفجور مع أنه لم يقع منه في قصة الحديبية فجور ظاهر بل فيها ما يشعر بخلاف ذلك كما سيأتي من كلامه في قصة أبي جندل إلى أن رأيت في مغازي الواقدي في غزوة بدر أن عتبة بن ربيعة قال لقريش كيف نخرج من مكة وبنوا كنانة خلفنا لا نأمنهم على ذرارينا قال وذلك أن حفص بن الأخيف يعني والد مكرز وكان له ولد وضيء فقتله رجل من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بدم له كان في قريش فتكلمت قريش في ذلك ثم اصطلحوا فعدا مكرز بن حفص بعد ذلك على عامر بن يزيد سيد بني بكر غرة فقتله فنفرت من ذلك كنانة فجاءت وقعة بدر في أثناء ذلك وكان مكرز معروفا بالغدر وذكر الواقدي أيضا أنه أراد أن يبيت المسلمين بالحديبية فخرج في خمسين رجلا فأخذهم محمد بن مسلمة وهو على الحرس وانفلت منهم مكرز فكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك قوله إذ جاء سهيل بن عمرو في رواية بن إسحاق فدعت قريش سهيل بن عمرو فقالوا أذهب إلى هذا الرجل فصالحه قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أرادت قريش الصلح حين بعثت هذا قوله قال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل الخ هذا موصول إلى معمر بالإسناد المذكور أولا وهو مرسل ولم أقف على من وصله بذكر بن عباس فيه لكن له شاهد موصول عند بن أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع قال بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصالحوه فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سهيلا قال قد سهل لكم من أمركم وللطبراني نحوه من حديث عبد الله بن السائب قوله قال معمر قال الزهري هو موصول بالإسناد الأول إلى معمر وهو بقية الحديث وإنما اعترض حديث عكرمة في أثنائه قوله فقال هات اكتب بيننا وبينكم كتابا في رواية بن إسحاق فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جرى بينهما القول حتى وقع بينهما الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين وأن يأمن الناس بعضهم بعضا وأن يرجع عنهم عامهم هذا تنبيه هذا القدر الذي ذكره بن إسحاق أنه مدة الصلح هو المعتمد وبه جزم بن سعد وأخرجه الحاكم من حديث علي نفسه ووقع في مغازي بن عائذ في حديث بن عباس وغيره أنه كان سنتين وكذا وقع عند موسى بن عقبة ويجمع بينهما بأن الذي قاله بن إسحاق هي المدة التي وقع الصلح عليها والذي ذكره بن عائذ وغيره هي المدة التي انتهى أمر الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش كما سيأتي بيانه في غزوة الفتح من المغازي وأما ما وقع في كامل بن عدي ومستدرك الحاكم والأوسط للطبراني من حديث بن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين فقيل لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث وهو قول الشافعي والجمهور وقيل تجوز الزيادة وقيل لا تجاوز أربع سنين وقيل ثلاثا وقيل سنتين والأول هو الراجح والله أعلم قوله فدعى النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب هو علي بينه إسحاق بن راهويه في مسنده من هذا الوجه عن الزهري وكذا مضى في الصلح من حديث البراء بن عازب وكذلك أخرجه عمر بن شبة من حديث سلمة بن الأكوع فيما يتعلق بهذا الفصل من هذه القصة وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي إن شاء الله تعالى وأخرج عمر بن شبة من طريق عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه الكتاب عندنا كاتبه محمد بن سلمة انتهى ويجمع بأن أصل كتاب الصلح بخط علي كما هو في الصحيح ونسخ مثله محمد بن سلمة لسهيل بن عمرو ومن الأوهام ما ذكره عمر بن شبة بعد أن حكى أن اسم كاتب الكتاب بين المسلمين وقريش علي بن أبي طالب
[ 2582 ] قوله قال عقيل عن الزهري تقدم موصولا بتمامه في أول الشروط وأراد المصنف بإيراده بيان ما وقع في رواية معمر من الادراج قوله وبلغنا هو مقول الزهري وصله بن مردويه في تفسيره من طريق عقيل وقوله وبلغنا أن أبا بصير الخ هو من قول الزهري أيضا والمراد به أن قصة أبي بصير في رواية عقيل من مرسل الزهري وفي رواية معمر موصولة إلى المسور لكن قد تابع معمرا على وصلها بن إسحاق كما تقدم وتابع عقيلا الأوزاعي على إرسالها فلعل الزهري كان يرسلها تارة ويوصلها أخرى والله أعلم ووقع في هذه الرواية الأخيرة من الزيادة وما نعلم أن أحدا من المهاجرات ارتدت بعد ايمانها وفيها قوله أن أبا بصير بن أسيد بفتح الهمزة قدم مؤمنا كذا للأكثر وفي رواية السرخسي والمستملي قدم من مني وهو تصحيف قوله ان عمر طلق امرأتين قريبة يأتي ضبطها وبيان الحكم في ذلك في كتاب النكاح في باب نكاح من أسلم من المشركات وقوله فلما أبي الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم يشير إلى قوله تعالى واسألوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا وقد بينه عبد الرزاق في روايته عن معمر عن الزهري فذكر القصة وفيها لما نزلت حكم على المشركين بمثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يرد الصداق إلى زوجها قال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر فأتاه المؤمنون فأقروا بحكم الله وأما المشركون فأبوا أن يقروا فأنزل الله وان فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم قوله والعقب الخ بفتح العين المهملة وكسر القاف قوله وما نعلم أحدا من المهاجرات ارتدت بعد ايمانها هو كلام الزهري وأراد بذلك الإشارة إلى أن المعاقبة المذكورة بالنسبة إلى الجانبين إنما وقعت في الجانب الواحد لأنه لم يعرف أحدا من المؤمنات فرت من المسلمين إلى المشركين بخلاف عكسه وقد ذكر ألن أبي حاتم من طريق الحسن أن أم الحكم بنت أبي سفيان ارتدت وفرت من زوجها عياض بن شداد فتزوجها رجل من ثقيف ولم يرتد من قريش غيرها ولكنها أسلمت بعد ذلك مع ثقيف حين أسلموا فإن ثبت ذلك فيجمع بينه وبين قول الزهري بأنها لم تكن هاجرت فيما قبل ذلك وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أشياء تتعلق بالمناسك منها أن ذا الحليفة ميقات أهل المدينة للحاج والمعتمر وأن تقليد الهدي وسوقه سنة للحاج والمعتمر فرضا كان أو سنة وأن الأشعار سنة لا مثلة وأن الحلق أفضل من التقصير وأنه نسك في حق المعتمر محصورا كان أو غير محصور وأن المحصر ينحر هديه حيث أحصر ولو لم يصل إلى الحرم ويقاتل من صده عن البيت وأن الأولى في حقه ترك المقاتلة إذا وجد إلى المسالمة طريقا وغير ذلك مما تقدم بسط أكثره في كتاب الحج وفيه أشياء تتعلق بالجهاد منها جواز سبي ذراري الكفار إذا انفردوا عن المقاتلة ولو كان قبل القتال وفيه الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش لطلب غرتهم وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الطريق الوعر لدفع المفسدة وتحصيل المصلحة واستحباب تقديم الطلائع والعيون بين يدي الجيش والأخذ بالحزم في أمر العدو لئلا ينالوا غرة المسلمين وجواز الخداع في الحرب والتعريض بذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وأن كان من خصائصه أنه نهى عن خائنة الأعين وفي الحديث أيضا فضل الاستشارة لاستخراج وجه الرأي واستطابة قلوب الأتباع وجواز بعض المسامحة في أمر الدين واحتمال الضيم فيه ما لم يكن قادحا في أصله إذا تعين ذلك طريقا للسلامة في الحال والصلاح في المآل سواء كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم وأن التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد ما يظهر في الحال بل عليه التسليم لأن المتبوع أعرف بمآل الأمور غالبا بكثرة التجربة ولا سيما مع من هو مؤيد بالوحي وفيه جواز الاعتماد على خبر الكافر إذا قامت القرينة على صدقه قاله الخطابي مستدلا بأن الخزاعي الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عينا له ليأتيه بخبر قريش كان حينئذ كافرا قال وإنما اختاره لذلك مع كفره ليكون أمكن له في الدخول فيهم والاختلاط بهم والاطلاع على أسرارهم قال ويستفاد من ذلك جواز قبول الطبيب الكافر قلت ويحتمل أن يكون الخزاعي المذكور كان قد أسلم ولم يشهر إسلامه حينئذ فليس ما قاله دليلا على ما ادعاه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

قوله باب الشروط في القرض ذكر فيه طرفا من حديث أبي هريرة في قصة الذي أقرض الألف الدينار وأثر بن عمر وعطاء في تأجيل القرض وقدمضى جميع ذلك والكلام عليه في كتاب القرض وسقط جميع ذلك للنسفي لكن زاد في الترجمة التي تليه فقال باب الشروط في القرض والمكاتب الخ

قوله باب المكاتب وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله تقدم في هذه الأبواب باب ما يجوز من شروط المكاتب وهذه الترجمة أعم من تلك وأن كان حديثهما واحدا وتقدم في كتاب العتق أيضا ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله وتقدم أنه قصد تفسير الأول بالثاني وهنا أراد تفسير

[ 2584 ] قوله ليس في كتاب الله وأن المراد به ما خالف كتاب الله ثم استظهر على ذلك بما نقله عن عمر أو بن عمر وتوجيه ذلك أن يقال المراد بكتاب الله في الحديث المرفوع حكمة وهو أعم من أن يكون نصا أو مستنبطا وكل ما كان ليس من ذلك فهو مخالف لما في كتاب الله والله أعلم قوله وقال جابر بن عبد الله في المكاتب شروطهم بينهم وصله سفيان الثوري في كتاب الفرائض له من طريق مجاهد عن جابر ووقع لنا مرويا من طريق قبيصة عنه قوله وقال بن عمر أو عمر كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل الخ كذا للأكثر وفي رواية النسفي وقال بن عمر فقط ولم يقل أو عمر لكن في رواية كريمة من الزيادة قال أبو عبد الله أي المصنف يقال عن كليهما عن عمر وعن بن عمر فالله أعلم ثم ذكر حديث عائشة في قصة بريرة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أواخر العتق

قوله باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا بضم المثلثة وسكون النون بعدها تحتانية مقصور أي الاستثناء في الإقرار أي سواء كان استثناء قليل من كثير أو كثير من قليل واستثناء القليل من الكثير لا خلاف في جوازه وعكسه مختلف فيه فذهب الجمهور إلى جوازه أيضا وأقوى حججهم قوله تعالى الا من اتبعك من الغاوين مع قوله الا عبادك منهم المخلصين لأن أحدهما أكثر من الآخر لا محالة وقد استثنى كلا منهما من الآخر وذهب بعض المالكية كابن الماجشون إلى فساده واليه ذهب بن قتيبة وزعم أنه مذهب البصريين من أهل اللغة وأن الجواز مذهب الكوفيين وممن حكاه عنهم الفراء وسيأتي بسط هذا عند الكلام على الحديث المرفوع في الباب في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى قوله وقال بن عون الخ وصله سعيد بن منصور عن هشيم عنه ولفظه أن رجلا تكارى من آخر فقال أخرج يوم الإثنين فذكر نحوه قوله وقال أيوب عن بن سيرين الخ وصله سعيد بن منصور أيضا عن سفيان عن أيوب وحاصله أن شريحا في المسألتين قضى على المشترط بما اشترطه على نفسه بغير اكراه ووافقه على المسألة الثانية أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وقال مالك والأكثر يصح البيع ويبطل الشرط وخالفه الناس في المسألة الأولى ووجهه بعضهم بأن العادة أن صاحب الجمال يرسلها إلى المرعى فإذا اتفق مع تاجر على يوم بعينه فأحضر له الإبل فلم يتهيأ للتاجر السفر أضر ذلك بحال الجمال لما يحتاج إليه من العلف فوقع بينهم التعارف على مال معين يشترطه التاجر على نفسه إذا أخلف ليستعين به الجمال على العلف وقال الجمهور هي عدة فلا يلزم الوفاء بها والله أعلم

قوله باب الشروط في الوقف ذكر فيه حديث بن عمر في قصة وقف عمر وسيأتي الكلام عليه في أثناء الكتاب الذي يليه إن شاء الله تعالى خاتمة اشتمل كتاب الشروط من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثا الخالص منها خمسة أحاديث والبقية مكررة والمعلق منها سبعة وعشرون طريقا وكلها عند مسلم سوى بلاغ الزهري وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم أحد عشر أثرا والله أعلم

قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوصايا كذا للنسفي وأخر الباقون البسملة والوصايا جمع وصية كالهدايا وتطلق على فعل الموصي وعلى ما يوصي به من مال أو غيره من عهد ونجوه فتكون بمعنى المصدر وهو الايصاء وتكون بمعنى المفعول وهو الاسم وفي الشرع عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت وقد يصحبه التبرع قال الأزهري الوصية من وصيت الشيء بالتخفيف أوصيه إذا وصلته وسميت لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته ويقال وصية بالتشديد ووصايا بالتخفيف بغير همز وتطلق شرعا أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات