كتاب الوصايا
 قوله باب الوصايا أي حكم الوصايا قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم وصية الرجل مكتوبة عنده لم أقف على هذا الحديث باللفظ المذكور وكأنه بالمعنى فإن المرء هو الرجل لكن التعبير به خرج مخرج الغالب وإلا فلا فرق في الوصية الصحيحة بين الرجل والمرأة ولا يشترط فيها إسلام ولا رشد ولا ثيوبة ولا إذن زوج وإنما يشترط في صحتها العقل والحرية وأما وصية الصبي المميز ففيها خلاف منعها الحنفية والشافعي في الأظهر وصححها مالك وأحمد والشافعي في قول رجحه بن أبي عصرون وغيره ومال إليه السبكي وأيده بأن الوارث لا حق له في الثلث فلا وجه لمنع وصية المميز قال والمعتبر فيه أن يعقل ما يوصي به وروى الموطأ فيه أثرا عن عمر أنه أجاز وصية غلام لم يحتلم وذكر البيهقي أن الشافعي علق القول به على صحة الأثر المذكور وهو قوي فإن رجاله ثقات وله شاهد وقيد مالك صحتها بما ذا عقل ولم يخلط وأحمد بسبع وعنه بعشر قوله وقال الله عز وجل كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا الوصية للوالدين إلى جنفا كذا لأبي ذر وللنسفي الآية وساق الباقون الآيات الثلاث إلى غفور رحيم وتقدير الآية كتب عليكم الوصية وقت حضور الموت ويجوز أن تكون الوصية مفعول كتب أو الوصية مبتدأ وخبره للوالدين ودل قوله ان ترك خيرا بعد الاتفاق على أن المراد به المال على أن من لم يترك ما لا لا تشرع له الوصية بالمال وقيل المراد بالخير المال الكثير فلا تشرع لمن له مال قليل قال بن عبد البر أجمعوا على أن من لم يكن عنده الا اليسير التافه من المال أنه لا تندب له الوصية وفي نقل الإجماع نظر فالثابت عن الزهري أنه قال جعل الله الوصية حقا فيما قل أو كثر والمصرح به عند الشافعية ندبية الوصية من غير تفريق بن قليل وكثير نعم قال أبو الفرج السرخسي منهم أن كان المال قليلا والعيال كثيرا استحب له توفرته عليهم وقد تكون الوصية بغير المال كأن يعين من ينظر في مصالح ولده أو يعهد إليهم بما يفعلونه من بعده من مصالح دينهم ودنياهم وهذا لا يدفع أحد ندبيته واختلف في حد المال الكثير في الوصية فعن علي سبعمائة مال قليل وعنه ثمانمائة مال قليل وعن بن عباس نحوه وعن عائشة فيمن ترك عيالا كثيرا وترك ثلاثة آلاف ليس هذا بمال كثير وحاصله أنه أمر نسبي يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والله أعلم قوله جنفا ميلا هو تفسير عطاء رواه الطبري عنه بإسناد صحيح ونحوه قول أبي عبيدة في المجاز الجنف العدول عن الحق وأخرج السدي وغيره أن الجنف الخطأ والإثم العمد قوله متجانف متمايل كذا للأكثر ولأبي ذر مائل وغيره أن معناه غير متعمد لإثم ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث بن عمر من وجهين

[ 2587 ] قوله ما حق امرئ مسلم كذا في أكثر الروايات وسقط لفظ مسلم من رواية أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مالك والوصف بالمسلم خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له أو ذكر للتهييج لتقع المبادرة لامتثاله لما يشعر به من نفي الإسلام عن تارك ذلك ووصية الكافر جائزة في الجملة وحكى بن المنذر فيه الإجماع وقد بحث فيه السبكي من جهة أن الوصية شرعت زيادة في العمل الصالح والكافر لا عمل له بعد الموت وأجاب بأنهم نظروا إلى أن الوصية كالاعتاق وهو يصح من الذمي والحربي والله أعلم قوله شيء يوصي فيه قال بن عبد البر لم يختلف الرواة عن مالك في هذا اللفظ ورواه أيوب عن نافع بلفظ له شيء يريد أن يوصي فيه ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع مثل أيوب أخرجهما مسلم ورواه أحمد عن سفيان عن أيوب بلفظ وحق على كل مسلم أن لا يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه الحديث ورواه الشافعي عن سفيان بلفظ ما حق امرئ يؤمن بالوصية الحديث قال بن عبد البر فسره بن عيينة أي يؤمن بأنها حق اه وأخرجه أبو عوانة من طريق هشام بن الغاز عن نافع بلفظ لا ينبغي لمسلم أن يبيت ليلتين الحديث وذكره بن عبد البر عن سليمان بن موسى عن نافع مثله وأخرجه الطبراني من طريق الحسن عن بن عمر مثله وأخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة عن مالك وابن عون جميعا عن نافع بلفظ ما حق امرئ مسلم له مال يريد أن يوصي فيه وذكره بن عبد البر من طريق بن عون بلفظ لا يحل لامرئ مسلم له مال وأخرجه الطحاوي أيضا وقد أخرجه النسائي من هذا الوجه ولم يسق لفظه قال أبو عمر لم يتابع بن عون على هذه اللفظة قلت أن عني عن نافع بلفظها فمسلم ولكن المعنى يمكن أن يكون متحدا كما سيأتي وأن عنى عن بن عمر فمردود لما سيأتي قريبا ذكر من رواه عن بن عمر أيضا بهذا اللفظ قال بن عبد البر قوله له مال أولى عندي من قول من روى له شيء لأن الشيء يطلق على القليل والكثير بخلاف المال كذا قال وهي دعوى لا دليل عليها وعلى تسليمها فرواية شيء أشمل لأنها تعم ما يتمول وما لا يتمول كالمختصات والله أعلم قوله يبيت كأن فيه حذفا تقديره أن يبيت وهو كقوله تعالى ومن آياته يريكم البرق الآية ويجوز أن يكون يبيت صفة لمسلم وبه جزم الطيبي قال هي صفة ثانية وقوله يوصي فيه صفة شيء ومفعول يبيت محذوف تقديره آمنا أو ذاكرا وقال بن التين تقديره موعوكا والأول أولي لأن استحباب الوصية لا يختص بالمريض نعم قال العلماء لا يندب أن يكتب جميع الأشياء المحقرة ولا ما جرت العادة بالخروج منه والوفاء له عن قرب والله أعلم قوله ليلتين كذا لأكثر الرواة ولأبي عوانة والبيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب يبيت ليلة أو ليلتين ولمسلم والنسائي من طريق الزهري عن سالم عن أبيه يبيت ثلاث ليال وكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب لا التحديد والمعنى لا يمضي عليه زمان وأن كان قليلا الا ووصيته مكتوبة وفيه إشارة إلى اغتفار الزمن اليسير وكأن الثلاث غاية للتأخير ولذلك قال بن عمر في رواية سالم المذكورة لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك الا ووصيتي عندي قال الطيبي في تخصيص الليلتين والثلاث بالذكر تسامح في إرادة المبالغة أي لا ينبغي أن يبيت زمانا ما وقد سامحناه في الليلتين والثلاث فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك قوله تابعه محمد بن مسلم هو الطائفي عمن عمرو هو بن دينار عن بن عمر يعني في أصل الحديث ورواية محمد بن مسلم هذه أخرجها الدارقطني في الأفراد من طريقه وقال تفرد به عمران بن أبان يعني الواسطي عن محمد بن مسلم وعمران أخرج له النسائي وضعفه قال بن عدي له غرائب عن محمد بن مسلم ولا أعلم به بأسا ولفظه عند الدارقطني لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده واستدل بهذا الحديث مع ظاهر الآية على وجوب الوصية وبه قال الزهري وأبو مجلز وعطاء وطلحة بن مصرف في آخرين وحكاه البيهقي عن الشافعي في القديم وبه قال إسحاق وداود واختاره أبو عوانة الاسفرايني وابن جرير وآخرون ونسب بن عبد البر القول بعدم الوجوب إلى الإجماع سوى من شذ كذا قال واستدل لعدم الوجوب من حيث المعنى لأنه لو لم يوص لقسم جميع ماله بين ورثته بالإجماع فلو كانت الوصية واجبة لأخرج من ماله سهم ينوب عن الوصية وأجابوا عن الآية بأنها منسوخة كما قال بن عباس على ما سيأتي بعد أربعة أبواب كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل لكل واحد من الأبوين السدس الحديث وأجاب من قال بالوجوب بأن الذي نسخ الوصية للوالدين والأقارب الذين يرثون وأما الذي لا يرث فليس في الآية ولا في تفسير بن عباس ما يقتضي النسخ في حقه وأجاب من قال بعدم الوجوب عن الحديث بأن قوله ما حق امرئ بأن المراد الحزم والاحتياط لأنه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصية ولا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن ذكر الموت والاستعداد له وهذا عن الشافعي وقال غيره الحق لغة الشيء الثابت ويطلق شرعا على ما ثبت به الحكم والحكم الثابت أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا وقد يطلق على المباح أيضا لكن بقلة قاله القرطبي قال فإن اقترن به على أو نحوها كان ظاهرا في الوجوب وإلا فهو على الاحتمال وعلى هذا التقدير فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بالوجوب بل اقترن هذا الحق بما يدل على الندب وهو تفويض الوصية إلى إرادة الموصي حيث قال له شيء يريد أن يوصي فيه فلو كانت واجبة لما علقها بإرادته وأما الجواب عن الرواية التي بلفظ لا يحل فلاحتمال أن يكون راويها ذكرها وأراد بنفي الحل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح واختلف القائلون بوجوب الوصية فأكثرهم ذهب إلى وجوبها في الجملة وعن طاوس وقتادة والحسن وجابر بن زيد في آخرين تجب للقرابة الذين لا يرثون خاصة أخرجه بن جرير وغيره عنهم قالوا فإن أوصى لغير قرابته لم تنفذ ويرد الثلث كله إلى قرابته وهذا قول طاوس وقال الحسن وجابر بن زيد ثلثا الثلث وقال قتادة ثلث الثلث وأقوى ما يرد على هؤلاء ما احتج به الشافعي من حديث عمران بن حصين في قصة الذي أعتق عند موته ستة أعبد له لم يكن له مال غيرهم فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم ستة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة قال فجعل عتقه في المرض وصية ولا يقال لعلهم كانوا أقارب المعتق لأنا نقول لم تكن عادة العرب أن تملك من بينها وبينه قرابة وإنما تملك من لا قرابة له أو كان من العجم فلو كانت الوصية تبطل لغير القرابة لبطلت في هؤلاء وهو استدلال قوي والله أعلم ونقل بن المنذر عن أبي ثور أن المراد وجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه أن لم يوص به كوديعة ودين لله أو لآدمي قال ويدل على ذلك تقييده بقوله له شيء يريد أن يوصي فيه لأن فيه إشارة إلى قدرته على تنجيزه ولو كان مؤجلا فإنه إذا أراد ذلك ساغ له وأن أراد أن يوصي به ساغ له وحاصله يرجع إلى قول الجمهور أن الوصية غير واجبة لعينها وأن الواجب لعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير سواء كانت بتنجيز أو وصية ومحل وجوب الوصية إنما هو فيما إذا كان عاجزا عن تنجيز ما عليه وكان لم يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحق بشهادته فأما إذا كان قادرا أو علم بها غيره فلا وجوب وعرف من مجموع ما ذكرنا أن الوصية قد تكون واجبة وقد تكون مندوبة فيمن رجا منها كثرة الأجر ومكروهة في عكسه ومباحة فيما استوى الأمران فيه ومحرمة فيما إذا كان فيها اصرار كما ثبت عن بن عباس الاضرار في الوصية من الكبائر رواه سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح ورواه النسائي ورجاله ثقات واحتج بن بطال تبعا لغيره بأن بن عمر لم يوص فلو كانت الوصية واجبة لما تركها وهو راوي الحديث وتعقب بأن ذلك إن ثبت عن بن عمر فالعبرة بما روى لا بما رأى على أن الثابت عنه في صحيح مسلم كما تقدم أنه قال لم أبت ليلة الا ووصيتي مكتوبة عندي والذي احتج بأنه لم يوص اعتمد على ما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال قيل لابن عمر في مرض موته ألا توصي قال أما مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه وأما رباعي فلا أحب أن يشارك ولدي فيها أحد أخرجه بن المنذر وغيره وسنده صحيح ويجمع بينه وبين ما رواه مسلم بالحمل على أنه كان يكتب وصيته ويتعاهدها ثم صار ينجز ما كان يوصي به معلقا واليه الإشارة بقوله فالله يعلم ما كنت أصنع في مالي ولعل الحامل له على ذلك حديثه الذي سيأتي في الرقاق إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح الحديث فصار ينجز ما يريد التصدق به فلم يحتج إلى تعليق وسيأتي في آخر الوصايا أنه وقف بعض دوره فبهذا يحصل التوفيق والله أعلم واستدل بقوله مكتوبة عنده على جواز الاعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن ذلك بالشهادة وخص أحمد ومحمد بن نصر من الشافعية ذلك بالوصية لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام وأجاب الجمهور بأن الكتابة ذكرت لما فيها من ضبط المشهود به قالوا ومعنى وصيته مكتوبة عنده أي بشرطها وقال المحب الطبري إضمار الأشهاد فيه بعد وأجيب بأنهم استدلوا على اشتراط الأشهاد بأمر خارج كقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية فإنه يدل على اعتبار الأشهاد في الوصية وقال القرطبي ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة والله أعلم واستدل بقوله وصيته مكتوبة عنده على أن الوصية تنفذ وأن كانت عند صاحبها ولم يجعلها عند غيره وكذلك لو جعلها عند غيره وارتجعها وفي الحديث منقبة لابن عمر لمبادرته لامتثال قول الشارع ومواظبته عليه وفيه الندب إلى التأهب للموت والاحتراز قبل الفوت لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت لأنه ما من سن يفرض الا وقد مات فيه جمع جم وكل واحد بعينه جائز أن يموت في الحال فنبغي أن يكون متأهبا لذلك فيكتب وصيته ويجمع فيها ما يحصل له به الأجر ويحبط عنه الوزر من حقوق الله وحقوق عباده والله المستعان واستدل بقوله له شيء أو له مال على صحة الوصية بالمنافع وهو قول الجمهور ومنعه بن أبي ليلى وابن شبرمة وداود وأتباعه واختاره بن عبد البر وفي الحديث الحض على الوصية ومطلقها يتناول الصحيح لكن السلف خصوها بالمريض وإنما لم يقيد به في الخبر لاطراد العادة به وقوله مكتوبة أعم من أن تكون بخطه أو بغير خطه ويستفاد منه أن الأشياء المهمة ينبغي أن تضبط بالكتابة لأنها أثبت من الضبط بالحفظ لأنه يخون غالبا الحديث الثاني

[ 2588 ] قوله حدثنا إبراهيم بن الحارث هو بغدادي سكن نيسابور وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وشيخه يحيى بن أبي بكير بالتصغير وأداة الكنية هو الكرماني وليس هو يحيى بن بكير المصري صاحب الليث وأبو إسحاق هو السبيعي وعمرو بن الحارث هو الخزاعي المصطلقي أخو جويرية بالجيم والتصغير أم المؤمنين ووقع التصريح بسماع أبي إسحاق له من عمرو بن الحارث في الخمس من هذا الكتاب قوله ولا عبدا ولا أمة أي في الرق وفيه دلالة على أن من ذكر من رقيق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأخبار كان إما مات وإما أعتقه واستدل به على عتق أم الولد بناء على أن مارية والدة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأما على قول من قال إنها ماتت في حياته صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه قوله ولا شيئا في رواية الكشميهني ولا شاة والأول أصح وهي رواية الإسماعيلي أيضا من طريق زهير نعم روى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق مسروق عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء قوله الا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة سيأتي ذكر البغلة والسلاح في آخر المغازي وأما الصدقة ففي رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق في أواخر المغازي وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة قال بن المنير أحاديث الباب مطابقة للترجمة الا حديث عمرو بن الحارث هذا فليس فيه للوصية ذكر قال لكن الصدقة المذكورة يحتمل أن تكون قبله ويحتمل أن تكون موصى بها فتطابق الترجمة من هذه الحيثية انتهى ويظهر أن المطابقة تحصل على الاحتمالين لأنه تصدق بمنفعة الأرض فصار حكمها حكم الوقف وهو في هذه الصورة في معنى الوصية لبقائها بعد الموت ولعل البخاري قصد ما وقع في حديث عائشة الذي هو شبيه حديث عمرو بن الحارث وهو نفى كونه صلى الله عليه وسلم أوصى الحديث الثالث حديث عبد الله بن أبي أوفى وإسناده كله كوفيون وقوله

[ 2589 ] حدثنا مالك هو بن مغول ظاهره أن شيخ البخاري لم ينسبه فلذلك قال البخاري هو بن مغول وهو بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الواو وذكر الترمذي أن مالك بن مغول تفرد به قوله هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فقال لا هكذا أطلق الجواب وكأنه فهم أن السؤال وقع عن وصية خاصة فلذلك ساغ نفيها لا أنه أراد نفي الوصية مطلقا لأنه أثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب الله قوله أو أمروا بالوصية شك من الراوي هل قال كيف كتب على المسلمين الوصية أو قال كيف أمروا بها زاد المصنف في فضائل القرآن ولم يوص وبذلك يتم الاعتراض أي كيف يؤمر المسلمون بشيء ولا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي لعل بن أبي أوفى أراد لم يوص بثلث ماله لأنه لم يترك بعده مال وأما الأرض فقد سبلها في حياته وأما السلاح والبغلة ونحو ذلك فقد أخبر بأنها لا تورث عنه بل جميع ما يخلفه صدقة فلم يبق بعد ذلك ما يوصي به من الجهة المالية وأما الوصايا بغير ذلك فلم يرد بن أبي أوفى نفيها ويحتمل أن يكون المنفي وصيته إلى علي بالخلافة كما وقع التصريح به في حديث عائشة الذي بعده ويؤيده ما وقع في رواية الدارمي عن محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه وكذلك عند بن ماجة وأبي عوانة في آخر حديث الباب قال طلحة فقال هزيل بن شرحبيل أبو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله ود أبو بكر أنه كان وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخزم أنفه بخزام وهزيل هذا بالزاي مصغر أحد كبار التابعين ومن ثقات أهل الكوفة فدل هذا على أنه كان في الحديث قرينة تشعر بتخصيص السؤال بالوصية بالخلافة ونحو ذلك لا مطلق الوصية قلت أحرج بن حبان الحديث من طريق بن عيينة عن مالك بن مغول بلفظ يزيل الاشكال فقال سئل بن أبي أوفى هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ترك شيئا يوصي فيه قيل فكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص قال أوصى بكتاب الله وقال القرطبي استبعاد طلحة واضح لأنه أطلق فلو أراد شيئا بعينه لخصه به فاعترضه بأن الله كتب على المسلمين الوصية وأمروا بها فكيف لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه بما يدل على أنه أطلق في موضع التقييد قال وهذا يشعر بأن بن أبي أوفى وطلحة بن مصرف كانا يعتقدان أن الوصية واجبة كذا قال وقول بن أبي أوفى أوصى بكتاب الله أي بالتمسك به والعمل بمقتضاه ولعله أشار لقوله صلى الله عليه وسلم تركت فيكم ما أن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله وأما ما صح في مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته بثلاث لا يبقين بجزيرة العرب دينان وفي لفظ أخرجوا اليهود من جزيرة العرب وقوله أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به ولم يذكر الراوي الثالثة وكذا ما ثبت في النسائي أنه صلى الله عليه وسلم كان آخر ما تكلم به الصلاة وما ملكت أيمانكم وغير ذلك من الأحاديث التي يمكن حصرها بالتتبع فالظاهر أن بن أبي أوفى لم يرد نفيه ولعله اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم ولأن فيه تبيان كل شيء أما بطريق النص وأما بطريق الاستنباط فإذا أتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه الآية أو يكون لم يحضر شيئا من الوصايا المذكورة أو لم يستحضرها حال قوله والأولى أنه إنما أراد بالنفي الوصية بالخلافة أو بالمال وساغ إطلاق النفي أما في الأول فبقرينة الحال وأما في الثاني فلأنه المتبادر عرفا وقد صح عن بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لم يوص أخرجه بن أبي شيبة من طريق أرقم بن شرحبيل عنه مع أن بن عباس هو الذي روى حديث أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاث والجمع بينهما على ما تقدم وقال الكرماني قوله أوصى بكتاب الله الباء زائدة أي أمر بذلك وأطلق الوصية على سبيل المشاكلة فلا منافاة بين النفي والاثبات قلت ولا يخفى بعد ما قال وتكلفه ثم قال أو المنفي الوصية بالمال أو الإمامة والمثبت الوصية بكتاب الله أي بما في كتاب الله أن يعمل به انتهى وهذا الأخير هو المعتمد الحديث الرابع

[ 2590 ] قوله حدثنا عمرو بن زرارة هو النيسابوري وهو بفتح العين وزرارة بضم الزاي وأما عمر بن زرارة بضم العين فهو بغدادي ولم يخرج عنه البخاري شيئا ووقع في رواية أبي علي بن السكن بدل عمرو بن زرارة في هذا الحديث إسماعيل بن زرارة يعني الرقي قال أبو علي الجياني لم أر ذلك لغيره قال وقد ذكر الدارقطني وأبو عبد الله بن منده في شيوخ البخاري إسماعيل بن زرارة الثغري ولم يذكره الكلاباذي ولا الحاكم قوله أخبرنا إسماعيل هو المعروف بابن علية وإبراهيم هو النخعي والأسود هو بن يزيد خاله قوله ذكروا عند عائشة أن عليا رضي الله عنهما كان وصيا قال القرطبي كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك وكذا من بعدهم فمن ذلك ما استدلت به عائشة كما سيأتي ومن ذلك أن عليا لم يدع ذلك لنفسه ولا بعد أن ولي الخلافة ولا ذكره أحد من الصحابة يوم السقيفة وهؤلاء تنقصوا عليا من حيث قصدوا تعظيمه لأنهم نسبوه مع شجاعته العظمى وصلابته في الدين إلى المداهنة والتقية والاعراض عن طلب حقه مع قدرته على ذلك وقال غيره الذي يظهر أنهم ذكروا عندها أنه أوصى له بالخلافة في مرض موته فلذلك ساغ لها إنكار ذلك واستندت إلى ملازمتها له في مرض موته إلى أن مات في حجرها ولم يقع منه شيء من ذلك فساغ لها نفي ذلك لكونه منحصرا في مجالس معينة لم تغب عن شيء منها وقد أخرج أحمد وابن ماجة بسند قوي وصححه من رواية أرقم بن شرحبيل عن بن عباس في أثناء حديث فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أبا بكر أن يصلي بالناس قال في آخر الحديث مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص وسيأتي في الوفاة النبوية عن عمر مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف وأخرج أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق الأسود بن قيس عن عمرو بن أبي سفيان عن علي أنه لما ظهر يوم الجمل قال يا أيها الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الامارة شيئا الحديث وأما الوصايا بغير الخلافة فوردت في عدة أحاديث يجتمع منها أشياء منها حديث أخرجه أحمد وهناد بن السري في الزهد وابن سعد في الطبقات وابن خزيمة كلهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي مات فيه ما فعلت الذهيبة قلت عندي فقال أنفقيها الحديث وأخرج بن سعد من طريق أبي حازم عن أبي سلمة عن عائشة نحوه ومن وجه آخر عن أبي حازم عن سهل بن سعد وزاد فيه ابعثي بها إلى علي بن أبي طالب ليتصدق بها وفي المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير عنه حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته الا بثلاث لكل من الداريين والرهاويين والأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر وأن لا يترك في جزيرة العرب دينان وأن ينفذ بعث أسامة وأخرج مسلم في حديث بن عباس وأوصى بثلاث أن تجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم الحديث وفي حديث بن أبي أوفى الذي قبل هذا أوصى بكتاب الله وفي حديث أنس عنه عند النسائي وأحمد وابن سعد واللفظ له كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم وله شاهد من حديث علي عند أبي داود وابن ماجة وآخر من رواية نعيم بن يزيد عن علي وأدوا الزكاة بعد الصلاة أخرجه أحمد ولحديث أنس شاهد آخر من حديث أم سلمة عند النسائي بسند جيد وأخرج سيف بن عمر في الفتوح من طريق بن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الفتن في مرض موته ولزوم الجماعة والطاعة وأخرج الواقدي من مرسل العلاء بن عبد الرحمن أنه صلى الله عليه وسلم أوصى فاطمة فقال قولي إذا مت أنا لله وأنا إليه راجعون وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث عبد الرحمن بن عوف قالوا يا رسول الله أوصنا يعني في مرض موته فقال أوصيكم بالسابقين الأولين من المهاجرين وأبنائهم من بعدهم وقال لا يروي عن عبد الرحمن الا بهذا الإسناد تفرد به عتيق بن يعقوب انتهى وفيه من لا يعرف حاله وفي سنن بن ماجة من حديث علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنا مت فغسلوني بسبع قرب من بئر غرس وكانت بقباء وكان يشرب منها وسيأتي ضبطها وزيادة في حالها في الوفاة النبوية وفي مسند البزار ومستدرك الحاكم بسند ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم أوصى أن يصلوا عليه أرسالا بغير إمام ومن أكاذيب الرافضة ما رواه كثير بن يحيى وهو من كبارهم عن أبي عوانة عن الأجلح عن زيد بن علي بن الحسين قال لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر قصة طويلة فيها فدخل علي فقامت عائشة فأكب عليه فأخبره بألف باب مما يكون قبل يوم القيامة يفتح كل باب منها ألف باب وهذا مرسل أو معضل وله طريق أخرى موصولة عند بن عدي في كتاب الضعفاء من حديث عبد الله بن عمر بسند واه وقولها انخنث بالنون والخاء المعجمة ثم نون مثلثة أي انثنى ومال وسيأتي بقية ما يتعلق بشرحه في باب الوفاة من آخر المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس هكذا اقتصر على لفظ الحديث فترجم به ولعله أشار إلى من لم يكن له من المال الا القليل لم تندب له الوصية كما مضى

[ 2591 ] قوله عن سعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن سعد شيخه هو خاله لأن أم سعد بن إبراهيم هي أم كلثوم بنت سعد بن أبي وقاص وسعد وعامر زهريان مدنيان تابعيان ووقع في رواية مسعر عن سعد بن إبراهيم حدثني بعض آل سعد قال مرض سعد وقد حفظ سفيان اسمه ووصله فروايته مقدمة وقد روى هذا الحديث عن عامر أيضا جماعة منهم الزهري وتقدم سياق حديثه في الجنائز ويأتي في الهجرة وغيرها ورواه عن سعد بن أبي وقاص جماعة غير ابنه عامر كما سأشير إليه قوله جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة زاد الزهري في روايته في حجة الوداع من وجع اشتد بي وله في الهجرة من وجع أشفيت منه على الموت واتفق أصحاب الزهري على أن ذلك كان في حجة الوداع الا بن عيينة فقال في فتح مكة أخرجه الترمذي وغيره من طريقه واتفق الحفاظ على أنه وهم فيه وقد أخرجه البخاري في الفرائض من طريقه فقال بمكة ولم يذكر الفتح وقد وجدت لابن عيينة مستندا فيه وذلك فيما أخرجه أحمد والبزار والطبراني والبخاري في التاريخ وابن سعد من حديث عمرو بن القارئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فخلف سعدا مريضا حيث خرج إلى حنين فلما قدم من الجعرانة معتمرا دخل عليه وهو مغلوب فقال يا رسول الله أن لي ما لا وإني أورث كلالة أفأوصي بمالي الحديث وفيه قلت يا رسول الله أميت أنا بالدار الذي خرجت منها مهاجرا قال لا إني لأرجو أن يرفعك الله حتى ينتفع بك أقوام الحديث فلعل بن عيينة انتقل ذهنه من حديث إلى حديث ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون ذلك وقع له مرتين مرة عام الفتح ومرة عام حجة الوداع ففي الأولى لم يكن له وارث من الأولاد أصلا وفي الثانية كانت له ابنة فقط فالله أعلم قوله وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها يحتمل أن تكون الجملة حالا من الفاعل أو من المفعول وكل منهما محتمل لأن كلا من النبي صلى الله عليه وسلم ومن سعد كان يكره ذلك لكن أن كان حالا من المفعول وهو سعد ففيه التفات لأن السياق يقتضي أن يقول وأنا أكره وقد أخرجه مسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن عن ثلاثة من ولد سعد عن سعد بلفظ فقال يا رسول الله خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة وللنسائي من طريق جرير بن يزيد عن عامر بن سعد لكن البائس سعد بن خولة مات في الأرض التي هاجر منها وله من طريق بكير بن مسمار عن عامر بن سعد في هذا الحديث فقال سعد يا رسول الله أموت بالأرض التي هاجرت منها قال لا إن شاء الله تعالى وسيأتي بقية ما يتعلق بكراهة الموت بالأرض التي هاجر منها في كتاب الهجرة إن شاء الله تعالى قوله قال يرحم الله بن عفراء كذا وقع في هذه الرواية في رواية أحمد والنسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان فقال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله سعد بن عفراء ثلاث مرات قال الداودي قوله بن عفراء غير محفوظ وقال الدمياطي هو وهم والمعروف بن خولة قال ولعل الوهم من سعد بن إبراهيم فإن الزهري أحفظ منه وقال فيه سعد بن خولة يشير إلى ما وقع في روايته بلفظ لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة قلت وقد ذكرت آنفا من وافق الزهري وهو الذي ذكره أصحاب المغازي وذكروا أنه شهد بدرا ومات في حجة الوداع وقال بعضهم في اسمه خولى بكسر اللام وتشديد التحتانية واتفقوا على سكون الواو وأغرب بن التين فحكى عن القابسي فتحها ووقع في رواية بن عيينة في الفرائض قال سفيان وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي اه وذكر بن إسحاق أنه كان حليفا لهم ثم لأبي رهم بن عبد العزى منهم وقيل كان من الفرس الذين نزلوا اليمن وسيأتي شيء من خبره في غزوة بدر من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى في حديث سبيعة الأسلمية ويأتي شرح حديث سبيعة في كتاب العدد من آخر كتاب النكاح وجزم الليث بن سعد في تاريخه عن يزيد بن أبي حبيب بأن سعد بن خولة مات في حجة الوداع وهو الثابت في الصحيح خلافا لمن قال أنه مات في مدة الهدنة مع قريش سنة سبع وجوز أبو عبد الله بن أبي الخصال الكاتب المشهور في حواشيه عن البخاري أن المراد بابن عفراء عوف بن الحارث أخو معاذ ومعوذ أولاد عفراء وهي أمهم والحكمة في ذكره ما ذكره بن إسحاق أنه قال يوم بدر ما يضحك الرب من عبدة قال أن يغمس يده في العدو حاسرا فألقى الدرع التي هي عليه فقاتل حتى قتل قال فيحتمل أن يكون لما رأى اشتياق سعد بن أبي وقاص للموت وعلم أنه يبقى حتى يلي الولايات ذكر بن عفراء وحبه للموت ورغبته في الشهادة كما يذكر الشيء بالشيء فذكر سعد بن خولة لكونه مات بمكة وهي دار هجرته وذكر بن عفراء مستحسنا لميتته اه ملخصا وهو مردود بالتنصيص على قوله سعد بن عفراء فانتفى أن يكون المراد عوف وأيضا فليس في شيء من طرق حديث سعد بن أبي وقاص أنه كان راغبا في الموت بل في بعضها عكس ذاك وأنه بكى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك فقال خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة وهو عند النسائي وأيضا فمخرج الحديث متحد والأصل عدم التعدد فالاحتمال بعيد لو صرح بأنه عوف بن عفراء والله أعلم وقال التيمي يحتمل أن يكون لأمه اسمان خولة وعفراء اه ويحتمل أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبا أو أحدهما اسم أمه والأخر اسم أبيه أو والآخر اسم جدة له والأقرب أن عفراء اسم أمه والآخر اسم أبيه لاختلافهم في أنه خولة أو خولى وقول الزهري في روايته يرثي له الخ قال بن عبد البر زعم أهل الحديث أن قوله يرثي الخ من كلام الزهري وقال بن الجوزي وغيره هو مدرج من قول الزهري قلت وكأنهم استندوا إلى ما وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري فإنه فصل ذلك لكن وقع عند المصنف في الدعوات عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد في آخره لكن البائس سعد بن خولة قال سعد رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ فهذا صريح في وصله فلا ينبغي الجزم بادراجه ووقع في رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الطب من الزيادة ثم وضع يده على جبهتي ثم مسح وجهي وبطني ثم قال اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته قال فما زلت أجد بردها ولمسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن المذكورة قلت فادع الله أن يشفيني فقال اللهم اشف سعدا ثلاث مرات قوله قلت يا رسول الله أوصي بمالي كله في رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الطب أفأتصدق بثلثي مالي وكذا وقع في رواية الزهري فأما التعبير بقوله أفأتصدق فيحتمل التنجيز والتعليق بخلاف أفأوصي لكن المخرج متحد فيحمل على التعليق للجمع بين الروايتين وقد تمسك بقوله أتصدق من جعل تبرعات المريض من الثلث وحملوه على المنجزة وفيه نظر لما بينته وأما الاختلاف في السؤال فكأنه سأل أولا عن الكل ثم سأل عن الثلثين ثم سأل عن النصف ثم سأل عن الثلث وقد وقع مجموع ذلك في رواية جرير بن يزيد عند أحمد وفي رواية بكير بن مسمار عند النسائي كلاهما عن عامر بن سعد وكذا لهما من طريق محمد بن سعد عن أبيه ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن سعد وقوله في هذه الرواية قلت فالشطر هو بالجر عطفا على قوله بمالي كله أي فأوصي بالنصف وهذا رجحه السهيلي وقال الزمخشري هو بالنصب على تقدير فعل أي أسمي الشطر أو أعين الشطر ويجوز الرفع على تقدير أيجوز الشطر قوله قلت الثلث قال فالثلث والثلث كثير كذا في أكثر الروايات وفي رواية الزهري في الهجرة قال الثلث يا سعد والثلث كثير وفي رواية مصعب بن سعد عن أبيه عند مسلم قلت فالثلث قال نعم والثلث كثير وفي رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الباب الذي يليه قال الثلث والثلث كبير أو كثير وكذا للنسائي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد وفيه فقال أوصيت فقلت نعم قال بكم قلت بمالي كله قال فما تركت لولدك وفيه أوص بالعشر قال فما زال يقول وأقول حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير أو كبير يعني بالمثلثة أو بالموحدة وهو شك من الراوي والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلثة ومعناه كثير بالنسبة إلى ما دونه وسأذكر الاختلاف فيه في الباب الذي بعد هذا وقوله قال الثلث والثلث كثير بنصب الأول على الإغراء أو بفعل مضمر نحو عين الثلث وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو المبتدأ والخبر محذوف والتقدير يكفيك الثلث أو الثلث كاف ويحتمل أن يكون قوله والثلث كثير مسوقا لبيان الجواز بالثلث وأن الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه وهو ما يبتدره الفهم ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كثير أجره ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل قال الشافعي رحمه الله وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي وعلى الأول عول بن عباس كما سيأتي في حديث الباب الذي بعده قوله انك أن تدع بفتح أن على التعليل وبكسرها على الشرطية قال النووي هما صحيحان صوريان وقال القرطبي لا معنى للشرط هنا لأنه يصير لا جواب له ويبقى خير لا رافع له وقال بن الجوزي سمعناه من رواة الحديث بالكسر وأنكره شيخنا عبد الله بن أحمد يعني بن الخشاب وقال لا يجوز الكسر لأنه لا جواب له لخلو لفظ خير من الفاء وغيرها مما اشترط في الجواب وتعقب بأنه لا مانع من تقديره وقال بن مالك جزاء الشرط قوله خير أي فهو خير وحذف الفاء جائز وهو كقراءة طاوس ويسئلونك عن اليتامى قل أصلح لهم خير قال ومن خص ذلك بالشعر بعد عن التحقيق وضيق حيث لا تضيق لأنه كثير في الشعر قليل في غيره وأشار بذلك إلى وما وقع في الشعر فيما أنشده سيبويه من يفعل الحسنات الله يشكرها أي فالله يشكرها وإلى الرد على من زعم أن ذلك خاص بالشعر قال ونظيره قوله في حديث اللقطة فإن جاء صاحبها وإلا استمتع لها بحذف الفاء وقوله في حديث اللعان البينة وإلا حد في ظهرك قوله ورثتك قال الزين بن المنير إنما عبر له صلى الله عليه وسلم بلفظ الورثة ولم يقل أن تدع بنتك مع أنه لم يكن له يومئذ الا ابنة واحدة لكون الوارث حينئذ لم يتحقق لأن سعدا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه وكان من الجائز أن تموت هي قبله فأجاب صلى الله عليه وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة وهو قوله ورثتك ولم يخص بنتا من غيرها وقال الفاكهي شارح العمدة إنما عبر صلى الله عليه وسلم بالورثة لأنه اطلع على أن سعدا سيعيش ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة فكان كذلك وولد له بعد ذلك أربعة بنين ولا أعرف أسمائهم ولعل الله أن يفتح بذلك قلت وليس قوله أن تدع بنتك متعينا لأن ميراثه لم يكن منحصرا فيها فقد كان لأخيه عتبة بن أبي وقاص أولاد إذ ذاك منهم هاشم بن عتبة الصحابي الذي قتل بصفين وسأذكر بسط ذلك فجاز التعبير بالورثة لتدخل البنت وغيرها ممن يرث لو وقع موته إذ ذاك أو بعد ذلك وأما قول الفاكهي أنه له بعد ذلك أربعة بنين وأنه لا يعرف أسماءهم ففيه قصور شديد فإن أسمائهم في رواية هذا الحديث بعينه عند مسلم من طريق عامر ومصعب ومحمد ثلاثتهم عن سعد ووقع ذكر عمر بن سعد فيه في موضع آخر ولما وقع ذكر هؤلاء في هذا الحديث عند مسلم اقتصر القرطبي على ذكر الثلاثة ووقع في كلام بعض شيوخنا تعقب عليه بأن له أربعة من الذكور غير الثلاثة وهم عمر وإبراهيم ويحيى وإسحاق وعزا ذكرهم لابن المديني وغيره وفاته أن بن سعد ذكر له من الذكور غير السبعة أكثر من عشرة وهم عبد الله وعبد الرحمن وعمرو وعمران وصالح وعثمان وإسحاق الأصغر وعمر الأصغر وعمير مصغرا وغيرهم وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتا وكأن بن المديني اقتصر على ذكر من روى الحديث منهم والله أعلم قوله عالة أي فقراء وهو جمع عال وهو الفقير والفعل منه عال يعيل إذا افتقر قوله يتكففون الناس أي يسألون الناس بأكفهم يقال تكفف الناس واستكف إذا بسط كفه للسؤال أو سأل ما يكف عنه الجوع أو سأل كفا كفا من الطعام وقوله في أيديهم أي بأيديهم أو سألوا بأكفهم وضع المسئول في أيديهم وقع في رواية الزهري أن سعدا قال وأنا ذو مال ونحوه في رواية عائشة بنت سعد في الطب وهذا اللفظ يؤذن بمال كثير وذو المال إذا تصدق بثلثه أو بشطره وأبقى ثلثه بين ابنته وغيرها لا يصيرون عالة لكن الجواب أن ذلك خرج على التقدير لأن بقاء المال الكثير إنما هو على سبيل التقدير وإلا فلو تصدق المريض بثلثيه مثلا ثم طالت حياته ونقص وفني المال فقد تجحف الوصية بالورثة فرد الشارع الأمر إلى شيء معتدل وهو الثلث قوله وانك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة هو معطوف على قوله انك أن تدع وهو علة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث كأنه قيل لا تفعل لأنك أن مت تركت ورثتك أغنياء وأن عشت تصدقت وأنفقت فالأجر حاصل لك في الحالين وقوله فإنها صدقة كذا أطلق في هذه الرواية وفي رواية الزهري وأنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا أجرت بها وقيدة بابتغاء وجه الله وعلق حصول الأجر بذلك وهو المعتبر ويستفاد منه أن أجر الواجب يزداد بالنية لأن الإنفاق على الزوجة واجب وفي فعله الأجر فإذا نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك قاله بن أبي جمرة قال ونبه بالنفقة على غيرها من وجوه البر والإحسان قوله حتى اللقمة بالنصب عطفا على نفقة ويجوز الرفع على أنه مبتدأ و تجعلها الخبر وسيأتي الكلام على حكم نفقة الزوجة في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى ووجه تعلق قوله وأنك لن تنفق نفقة الخ بقصة الوصية أن سؤال سعد يشعر بأنه رغب في تكثير الأجر فلما منعه الشارع من الزيادة على الثلث قال له على سبيل التسلية أن جميع ما تفعله في مالك من صدقة ناجزة ومن نفقة ولو كانت واجبة تؤجر بها إذا ابتغيت بذلك وجه الله تعالى ولعله خص المرأة بالذكر لأن نفقتها مستمرة بخلاف غيرها قال بن دقيق العيد فيه أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحة النية وابتغاء وجه الله وهذا عسر إذا عارضه مقتضى الشهوة فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه قال وقد يكون فيه دليل على أن الواجبات إذا أديت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه الله أثيب عليها فإن قوله حتى ما تجعل في في امرأتك لا تخصيص له بغير الواجب ولفظة حتى هنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة إلى المعنى كما يقال جاء الحاج حتى المشاة قوله وعسى الله أن يرفعك أي يطيل عمرك وكذلك اتفق فإنه عاش بعد ذلك أزيد من أربعين سنة بل قريبا من خمسين لأنه مات سنة خمس وخمسين من الهجرة وقيل سنة ثمان وخمسين وهو المشهور فيكون عاش بعد حجة الوداع خمسا وأربعين أو ثمانيا وأربعين قوله فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون أي ينتفع بك المسلمون بالغنائم مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك ويضر بك المشركون الذين يهلكون على يديك وزعم بن التين أن المراد بالنفع به ما وقع من الفتوح على يديه كالقادسية وغيرها وبالضرر ما وقع من تأمير ولده عمر بن سعد على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي ومن معه وهو كلام مردود لتكلفة لغير ضرورة تحمل على إرادة الضرر الصادر من ولده وقد وقع منه هو الضرر المذكور بالنسبة إلى الكفار وأقوى من ذلك ما رواه الطحاوي من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبيه أنه سأل عامر بن سعد عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا فقال لما أمر سعد على العراق أتى بقوم ارتدوا فاستتابهم فتاب بعضهم وامتنع بعضهم فقتلهم فانتفع به من تاب وحصل الضرر للآخرين قال بعض العلماء لعل وأن كانت للترجي لكنها من الله للأمر الواقع وكذلك إذا وردت على لسان رسوله غالبا قوله ولم يكن له يومئذ الا ابنة في رواية الزهري ونحوه في رواية عائشة بنت سعد أن سعدا قال ولا يرثني الا ابنة واحدة قال النووي وغيره معناه لا يرثني من الولد أو من خواص الورثة أو من النساء وإلا فقد كان لسعد عصبات لأنه من بني زهرة وكانوا كثيرا وقيل معناه لا يرثني من أصحاب الفروض أو خصها بالذكر على تقدير لا يرثني ممن أخاف عليه الضياع والعجز الا هي أو ظن أنها ترث جميع المال أو استكثر لها نصف التركة وهذه البنت زعم بعض من أدركناه أن اسمها عائشة فإن كان محفوظا فهي غير عائشة بنت سعد التي روت هذا الحديث عنده في الباب الذي يليه وفي الطب وهي تابعية عمرت حتى أدركها مالك وروى عنها وماتت سنة سبع عشرة لكن لم يذكر أحد من النسابين لسعد بنتا تسمى عائشة غير هذه وذكروا أن أكبر بناته أم الحكم الكبرى وأمها بنت شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة وذكروا له بنات أخرى أمهاتهن متأخرات الإسلام بعد الوفاة النبوية فالظاهر أن البنت المشار إليها هي أم الحكم المذكورة لتقدم تزويج سعد بأمها ولم أر من حرر ذلك وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم مشروعية زيارة المريض للأمام فمن دونه وتتأكد باشتداد المرض وفيه وضع اليد على جبهة المريض ومسح وجههه ومسح العضو الذي يؤلمه والفسح له في طول العمر وجواز أخبار المريض بشدة مرضه وقوة ألمه إذا لم يقترن بذلك شيء مما يمنع أو يكره من التبرم وعدم الرضا بل حيث يكون ذلك لطلب دعاء أو دواء وربما استحب وأن ذلك لا ينافي الاتصاف بالصبر المحمود وإذا جاز ذلك في أثناء المرض كان الأخبار به بعد البرء أجوز وأن أعمال البر والطاعة إذا كان منها ما لا يمكن استدراكه قام غيره في الثواب والأجر مقامه وربما زاد عليه وذلك أن سعدا خاف أن يموت بالدار التي هاجر منها فيفوت عليه بعض أجر هجرته فأخبره صلى الله عليه وسلم بأنه أن تخلف عن دار هجرته فعمل عملا صالحا من حج أو جهاد أو غير ذلك كان له به أجر يعوض ما فاته من الجهة الأخرى وفيه إباحة جمع المال بشرطه لأن التنوين في قوله وأنا ذو مال للكثرة وقد وقع في بعض طرقه صريحا وأنا ذو مال كثير والحث على صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب وأن صلة الأقرب أفضل من صلة الأبعد والإنفاق في وجوه الخير لأن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة وقدنبه على ذلك بأقل الحظوظ الدنيوية العادية وهو وضع اللقمة في فم الزوجة إذ لا يكون ذلك غالبا الا عند الملاعبة والممازحة ومع ذلك فيؤجر فاعله إذا قصد به قصدا صحيحا فكيف بما هو فوق ذلك وفيه منع نقل الميت من بلد إلى بلد إذ لو كان ذلك مشروعا لأمر بنقل سعد بن خولة قاله الخطابي وبأن من لا وارث له تجوز له الوصية بأكثر من الثلث لقوله صلى الله عليه وسلم أن تذر ورثتك أغنياء فمفهومه أن من لا وارث له لا يبالي بالوصية بما زاد لأنه لا يترك ورثة يخشى عليهم الفقر وتعقب بأنه ليس تعليلا محضا وإنما فيه تنبيه على الأحظ الأنفع ولو كان تعليلا محضا لاقتضى جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن كانت ورثته أغنياء ولنفذ ذلك عليهم بغير اجازتهم ولا قائل بذلك وعلى تقدير أن يكون تعليلا محضا فهو للنقص عن الثلث لا للزيادة عليه فكأنه لما شرع الايصاء بالثلث وأنه لا يعترض به على الموصى الا أن الانحطاط عنه أولى ولا سيما لمن يترك ورثة غير أغنياء فنبه سعدا على ذلك وفيه سد الذريعة لقوله صلى الله عليه وسلم ولا تردهم على أعقابهم لئلا يتذرع بالمرض أحد لأجل حب الوطن قاله بن عبد البر وفيه تقييد مطلق القرآن بالسنة لأنه قال سبحانه وتعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين فأطلق وقيدت السنة الوصية بالثلث وأن من ترك شيئا لله لا ينبغي له الرجوع فيه ولا في شيء منه مختارا وفيه التأسف على فوت ما يحصل الثواب وفيه حديث من ساءته سيئة وأن من فاته ذلك بادر إلى جبره بغير ذلك وفيه تسلية من فاته أمر من الأمور بتحصيل ما هو أعلى منه لما أشار صلى الله عليه وسلم لسعد من عمله الصالح بعد ذلك وفيه جواز التصدق بجميع المال لمن عرف بالصبر ولم يكن له من تلزمه نفقته وقد تقدمت المسألة في كتاب الزكاة وفيه الاستفسار عن المحتمل إذا احتمل وجوها لأن سعدا لما منع من الوصية بجميع المال احتمل عنده المنع فيما دونه والجواز فاستفسر عما دون ذلك وفيه النظر في مصالح الورثة وأن خطاب الشارع للواحد يعم من كان بصفته من المكلفين لاطباق العلماء على الاحتجاج بحديث سعد هذا وأن كان الخطاب إنما وقع له بصيغة الأفراد ولقد أبعد من قال أن ذلك يختص بسعد ومن كان في مثل حاله ممن يخلف وارثا ضعيفا أو كان ما يخلفه قليلا لأن البنت من شأنها أن يطمع فيها وأن كانت بغير مال لم يرغب فيها وفيه أن من ترك مالا قليلا فالاختيار له ترك الوصية وابقاء المال للورثة واختلف السلف في ذلك القليل كما تقدم في أول الوصايا واستدل به التيمي لفضل الغني على الفقير وفيه نظر وفيه مراعاة العدل بين الورثة ومراعاة العدل في الوصية وفيه أن الثلث في حد الكثرة وقد اعتبره بعض الفقهاء في غير الوصية ويحتاج الاحتجاج به إلى ثبوت طلب الكثرة في الحكم المعين واستدل بقوله ولا يرثني الا ابنة لي من قال بالرد على ذوي الأرحام للحصر في قوله لا يرثني الا ابنة وتعقب بأن المراد من ذوي الفروض كما تقدم ومن قال بالرد لا يقول بظاهره لأنهم يعطونها فرضها ثم يردون عليها الباقي وظاهر الحديث أنها ترث الجميع ابتداء

قوله باب الوصية بالثلث أي جوازها أو مشروعيتها وقد سبق تقرير ذلك في الباب الذي قبله واستقر الإجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث لكن اختلف فيمن كان له وارث وسيأتي تحريره في باب لا وصية لوارث وفيمن لم يكن له وارث خاص فمنعه الجمهور وجوزه الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية وهو قول علي وابن مسعود واحتجوا بأن الوصية مطلقة بالآية فقيدتها السنة بمن له وارث فيبقى من لا وارث له على الإطلاق وقد تقدم في الباب الذي قبله توجيه لهم آخر واختلفوا أيضا هل يعتبر ثلث المال حال الوصية أو حال الموت على قولين وهما وجهان للشافعية أصحهما الثاني فقال بالأول مالك وأكثر العراقيين وهو قول النخعي وعمر بن عبد العزيز وقال بالثاني أبو حنيفة وأحمد والباقون وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجماعة من التابعين وتمسك الأولون بأن الوصية عقد والعقود تعتبر بأولها وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتبر ذلك حالة النذر اتفاقا وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل جهة ولذلك لا تعتبر فيها الفورية ولا القبول وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع عنها والنذر يلزم وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية واختلفوا أيضا هل يحسب الثلث من جميع المال أو تنفذ بما علمه الموصي دون ما خفي عليه أو تجدد له ولم يعلم به وبالأول قال الجمهور وبالثاني قال مالك وحجة الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر تعداد مقدار المال حالة الوصية اتفاقا ولو كان عالما بجنسه فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك فائدة أول من أوصى بالثلث في الإسلام البراء بن معرور بمهملات أوصى به للنبي صلى الله عليه وسلم وكان قد مات قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر فقبله النبي صلى الله عليه وسلم ورده على ورثته أخرجه الحاكم وابن المنذر من طريق يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن جده قوله وقال الحسن أي البصري لا يجوز للذمي وصية الا بالثلث قال بن بطال أراد البخاري بهذا الرد على من قال كالحنفية بجواز الوصية بالزيادة على الثلث لمن لا وارث له قال ولذلك احتج بقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله والذي حكم به النبي صلى الله عليه وسلم من الثلث هو الحكم بما أنزل الله فمن تجاوز ما حده فقد أتى ما نهي عنه وقال بن المنير لم يرد البخاري هذا وإنما أراد الاستشهاد بالآية على أن الذمي إذا تحاكم إلينا ورثته لا ينفذ من وصيته الا الثلث لأنا لا نحكم فيهم الا بحكم الإسلام لقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله الآية

[ 2592 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة فإن قتيبة لم يلحق بالثوري قوله عن هشام بن عروة وفي رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا هشام وليس لعروة بن الزبير عن بن عباس في البخاري سوى هذا الحديث الواحد قوله لو غض الناس بمعجمتين أي نقص و لو للتمني فلا يحتاج إلى جواب أو شرطية والجواب محذوف وقد وقع في رواية بن أبي عمر في مسنده عن سفيان بلفظ كان أحب إلي أخرجه الإسماعيلي من طريقه ومن طريق أحمد بن عبدة أيضا وأخرجه من طريق العباس بن الوليد عن سفيان بلفظ كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله الى الربع زاد الحميدي في الوصية وكذا رواه أحمد عن وكيع عن هشام بلفظ وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع في الوصية الحديث وفي رواية بن نمير عن هشام عند مسلم لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع قوله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو كالتعليل لما اختاره من النقصان عن الثلث وكأن بن عباس أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة وقد قدمنا الاختلاف في توجيه ذلك في الباب الذي قبله ومن أخذ بقول بن عباس في ذلك كاسحق بن راهويه والمعروف في مذهب الشافعي استحباب النقص عن الثلث وفي شرح مسلم للنووي أن كان الورثة فقراء استحب أن ينقص منه وأن كانوا أغنياء فلا قوله والثلث كثير في رواية مسلم كثير أو كبير بالشك هل هي بالموحدة أو بالمثلثة

[ 2593 ] قوله حدثني محمد بن عبد الرحيم هو الحافظ المعروف بصاعقة وهو من أقران البخاري وأكبر منه قليلا قوله حدثنا مروان هو بن معاوية الفزاري قوله عن هاشم بن هاشم أي بن عتبة بن أبي وقاص وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين لأنه يروي عن مكي بن إبراهيم ومكي يروي عن هاشم المذكور وسيأتي في مناقب سعد له بهذا الإسناد حديث عن مكي عن هاشم عن عامر بن سعد عن أبيه قوله فقلت يا رسول الله أدع الله أن لا يردني على عقبي هو إشارة إلى ما تقدم من كراهية الموت بالأرض التي هاجر منها وقد تقدم توجيهه وشرحه في الباب الذي قبله قوله لعل الله يرفعك زاد أبو نعيم في المستخرج في روايته من وجه آخر عن زكريا بن عدي يعني يقيمك من مرضك قوله في هذه الرواية قلت أوصي بالنصف قال النصف كثير لم أر في غيرها من طرقه وصف النصف بالكثرة وإنما فيها قال لا في كله ولا في ثلثيه وليس في هذه الرواية اشكال الا من جهة وصف النصف بالكثرة ووصف الثلث بالكثرة فكيث أمتنع النصف دون الثلث وجوابه أن الرواية الأخرى التي فيها جواب النصف دلت على منع النصف ولم يأت مثلها في الثلث بل اقتصر على وصفه بالكثرة وعلل بأن إبقاء الورثة أغنياء أولى وعلى هذا فقوله الثلث خبر مبتدأ محذوف تقديره مباح ودل قوله والثلث كثير على أن الأولى أن ينقص منه والله أعلم قوله قال وأوصى الناس بالثلث فجاز ذلك لهم ظاهره أنه من قول سعد بن أبي وقاص ويحتمل أن يكون من قول من دونه والله أعلم وكأن البخاري قصد بذلك الإشارة إلى أن النقص من الثلث في حديث بن عباس للاستحباب لا للمنع منه جمعا بين الحديثين والله أعلم

قوله باب قول الموصي لوصيه تعاهد ولدي وما يجوز للوصي من الدعوى أورد فيه حديث عائشة في قصة مخاصمة سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في بن وليدة زمعة وقد ترجم به في كتاب الأشخاص دعوى الموصى للميت أي عن الميت وانتزاع الأمرين المذكورين في الترجمة من الحديث المذكور واضح وسيأتي الكلام عليه في الفرائض إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا أومأ المريض برأسه إشارة بينة تعرف أي هل يحكم بها أورد فيه حديث أنس في قصة الجارية التي رض اليهودي رأسها وسيأتي الكلام عليه في القصاص إن شاء الله تعالى

قوله باب لا وصية لوارث هذه الترجمة لفظ حديث مرفوع كأنه لم يثبت على شرط البخاري فترجم به كعادته واستغنى بما يعطي حكمة وقد أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته في حجة الوداع أن الله قد أعطى كل ذي حق جقه فلا وصية لوارث وفي إسناده إسماعيل بن عياش وقد قوي حديثه عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري وهذا من روايته عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة وصرح في روايته بالتحديث عند الترمذي وقال الترمذي حديث حسن وفي الباب عن عمرو بن خارجة عند الترمذي والنسائي وعن أنس عند بن ماجة وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الدارقطني وعن جابر عند الدارقطني أيضا وقال الصواب إرساله وعن علي عند بن أبي شيبة ولا يخلو إسناد كل منها عن مقال لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي في الأم إلى أن هذا المتن متواتر فقال وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح لا وصية لوارث ويؤثرون عمن حفظوه عنه ممن لقوه من أهل العلم فكان نقل كافة عن كافة فهو أقوى من نقل واحد وقد نازع الفخر الرازي في كون هذا الحديث متواترا وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي أن القرآن لا ينسخ بالسنة لكن الحجة في هذا الإجماع على مقتضاه كما صرح به الشافعي وغيره والمراد بعدم صحة وصية الوارث عدم اللزوم لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة كما سيأتي بيانه وروى الدارقطني من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس مرفوعا لا تجوز وصية لوارث الا أن يشاء الورثة كما سيأتي بيانه ورجاله ثقات الا أنه معلول فقد قيل أن عطاء هو الخرساني والله أعلم وكأن البخاري أشار إلى ذلك فترجم بالحديث وأخرج من طريق عطاء وهو بن أبي رباح عن بن عباس حديث الباب وهو موقوف لفظا الا أنه في تفسيره أخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع بهذا التقرير ووجه دلالته للترجمة من جهة أن نسخ الوصية للوالدين وإثبات الميراث لهما بدلا منها يشعر بأنه لا يجمع لهما بين الميراث والوصية وإذا كان كذلك كان من دونهما أولى بأن لا يجمع ذلك له وقد أخرجه بن جرير من طريق مجاهد بن جبر عن بن عباس بلفظ وكانت الوصية للوالدين والأقربين الخ فظهرت المناسبة بهذه الزيادة وقد وافق محمد بن يوسف وهو الفريابي في روايته إياه عن ورقاء عيسى بن ميمون كما أخرجه بن جرير وخالف ورقاء شبل عن بن أبي نجيح فجعل مجاهدا موضع عطاء أخرجه بن جرير أيضا ويحتمل أنه كان عند بن أبي نجيح على الوجهين والله أعلم

[ 2596 ] قوله وجعل للمرأة الثمن والربع أي في حالين وكذلك للزوج قال جمهور العلماء كانت هذه الوصية في أول الإسلام واجبة لوالدي وأقربائه على ما يراه من المساواة والتفضيل ثم نسخ ذلك بآية الفرائض وقيل كانت للوالدين والأقربين دون الأولاد فإنهم كانوا يرثون ما يبقى بعد الوصية وأغرب بن شريح فقال كانوا مكلفين بالوصية للوالدين والأقربين بمقدار الفريضة التي في علم الله قبل أن ينزلها واشتد إنكار إمام الحرمين عليه في ذلك وقيل أن الآية مخصوصة لأن الأقربين أعم من أن يكونوا وراثا وكانت الوصية واجبة لجميعهم فخص منها من ليس بوارث بآية الفرائض وبقوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث وبقي حق من لا يرث من الأقربين من الوصية على حاله قاله طاوس وغيره وقد تقدمت الإشارة إليه قبل واختلف في تعيين ناسخ آية الوصية للوالدين والأقربين فقيل آية الفرائض وقيل الحديث المذكور وقيل دل الإجماع على ذلك وأن لم يتعين دليله واستدل بحديث لا وصية لوارث بأنه لا تصح الوصية للوارث أصلا كما تقدم وعلى تقدير نفاذها من الثلث لا تصح الوصية له ولا لغيره بما زاد على الثلث ولو أجازت الورثة وبه قال المزني وداود وقواه السبكي واحتج له بحديث عمران بن حصين في الذي أعتق ستة أعبد فإن فيه عند مسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قولا شديدا وفسر القول الشديد في رواية أخرى بأنه قال لو علمت ذلك ما صليت عليه ولم ينقل أنه راجع الورثة فدل على منعه مطلقا وبقوله في حديث سعد بن أبي وقاص وكان بعد ذلك الثلث جائزا فإن مفهومه أن الزائد على الثلث ليس بجائز وبأنه صلى الله عليه وسلم منع سعدا من الوصية بالشطر ولم يستثن صورة الإجازة واحتج من أجازه بالزيادة المتقدمة وهي قوله الا أن يشاء الورثة فإن صحت هذه الزيادة فهي حجة واضحة واحتجوا من جهة المعنى بأن المنع إنما كان في الأصل لحق الورثة فإذا أجازوه لم يمتنع واختلفوا بعد ذلك في وقت الإجازة فالجمهور على أنهم أن أجازوا في حياة الموصي كان لهم الرجوع متى شاءوا وأن أجازوا بعده نفذ وفصل المالكية في الحياة بين مرض الموت وغيره فألحقوا مرض الموت بما بعده واستثنى بعضهم ما إذا كان المجيز في عائلة الموصي وخشي من امتناعه انقطاع معروفه عنه لو عاش فإن لمثل هذا الرجوع وقال الزهري وربيعة ليس لهم الرجوع مطلقا واتفقوا على اعتبار كون الموصى له وارثا بيوم الموت حتى لو أوصى لأخيه الوارث حيث لا يكون له بن يحجب الأخ المذكور فولد له بن قبل موته يحجب الأخ فالوصية للأخ المذكور صحيحة ولو أوصى لأخيه وله بن فمات قبل موت الموصي فهي وصية لوارث واستدل به على منع وصية من لا وارث له سوى بيت المال لأنه ينتقل ارثا للمسلمين والوصية للوارث باطلة وهو وجه ضعيف جدا حكاه القاضي حسين ويلزم قائله أن لا يجيز الوصية للذمي أو يقيد ما أطلق والله أعلم

قوله باب الصدقة عند الموت أي جوازها وأن كانت في حال الصحة أفضل أورد فيه حديث أبي هريرة قال قال رجل يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح الحديث وقد تقدم في كتاب الزكاة من وجه آخر وبينت هناك اختلاف ألفاظه ووقه التصريح بالتحديث هناك في جميع إسناده بدل العنعنة هنا

[ 2597 ] قوله أن تصدق بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وأصله تتصدق وبالتشديد على ادغامها قوله ولا تمهل بالإسكان على أنه نهي وبالرفع على أنه نفي ويجوز النصب قوله قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان الظاهر أن هذا المذكور على سبيل المثال وقال الخطابي فلان الأول والثاني الموصى له وفلان الأخير الوارث لأنه أن شاء أبطله وأن شاء أجازه وقال غيره يحتمل أن يكون المراد بالجميع من يوصى له وإنما أدخل كان في الثالث إشارة إلى تقدير القدر له بذلك وقال الكرماني يحتمل أن يكون الأول الوارث والثاني المورث والثالث الموصى له قلت ويحتمل أن يكون بعضها وصية وبعضها اقرارا وقد وقع في رواية بن المبارك عن سفيان عند الإسماعيلي قلت اصنعوا لفلان كذا وتصدقوا بكذا ووقع في حديث بسر بن جحاش وهو بضم الموحدة وسكون المهملة وأبوه بكسر الجيم وتخفيف المهملة وآخره شين معجمة عند أحمد وابن ماجة وصححه واللفظ لابن ماجة قال بزق النبي صلى الله عليه وسلم في كفه ثم وضع أصبعه السبابة وقال يقول الله أني يعجزني بن آدم وقد خلقتك من قبل من مثل هذه فإذا بلغت نفسك إلى هذه وأشار إلى حلقة قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة وزاد في رواية أبي اليمان حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا وتصدقوا بكذا وفي الحديث أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في الحياة وفي الصحة أفضل منه بعد الموت وفي المرض وأشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله وأنت صحيح حريص تأمل الغني الخ لأنه في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالبا لما يخوفه به الشيطان ويزين له من إمكان طول العمر والحاجة إلى المال كما قال تعالى الشيطان يعدكم الفقر الآية وأيضا فإن الشيطان ربما زين له الحيف في الوصية أو الرجوع عن الوصية فيتمحض تفضيل الصدقة الناجزة قال بعض السلف عن بعض أهل الترف يعصون الله في أموالهم مرتين يبخلون بها وهي في أيديهم يعني في الحياة ويسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم يعني بعد الموت وأخرج الترمذي بإسناد حسن وصححه بن حباب عن أبي الدرداء مرفوعا قال مثل الذي يعتق ويتصدق عند موته مثل الذي يهدي إذا شبع وهو يرجع إلى معنى حديث الباب وروى أبو داود وصححه بن حبان من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا لأن يتصدق الرجل في حياته وصحته بدرهم خير له من أن يتصدق عند موته بمائة

قوله باب قول الله عز وجل من بعد وصية يوصى بها أو دين أراد المصنف والله أعلم بهذه الترجمة الاحتجاج بما اختاره من جواز إقرار المريض بالدين مطلقا سواء كان المقر له وارثا أو أجنبيا ووجه الدلالة أنه سبحانه وتعالى سوى بين الوصية والدين في تقديمهما على الميراث ولم يفصل فخرجت الوصية للوارث بالدليل الذي تقدم وبقي الإقرار بالدين على حاله وقوله تعالى من بعد وصية متعلق بما تقدم من المواريث كلها الا بما يليه وحده وكأنه قيل قسمة هذه الأشياء تقع من بعد وصية والوصية هنا المال الموصى به وقوله يوصى بها هذه الصفة تقيد الموصوف وفائدته أن يعلم أن للميت أن يوصي قاله السهلي قال وأفاد تنكير الوصية أنها مندوبة إذ لو كانت واجبة لقال من بعد الوصية كذا قال قوله ويذكر أن شريحا وعمر بن عبد العزيز وطاوسا وعطاء وابن أذينة أجازوا إقرار المريض بدين كأنه لم يجزم بالنقل عنهم لضعف الإسناد إلى بعضهم فأما أثر شريح فوصله بن أبي شيبة عنه بلفظ إذا أقر في مرض الموت لوارث بدين لم يجز الا ببينة وإذا أقر لغير وارث جاز وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف وأخرجه من طريق آخر أضعف من هذه ولكن سيأتي له إسناد أصح من هذا بعد وأما عمر بن عبد العزيز فلم أقف على من وصله عنه وأما طاوس فوصله بن أبي شيبة أيضا عنه بلفظ إذا أقر لوارث جاز وفي الإسناد ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وأما قول عطاء فوصله بن أبي شيبة عنه بمثله ورجال إسناده ثقات وأما بن أذينة واسمه عبد الرحمن وكان قاضي البصرة وأبوه بالمهملة مصغر وهو تابعي ثقة مات سنة خمس وتسعين من الهجرة ووهم من ذكره في الصحابة وأثره هذا وصله بن أبي شيبة أيضا من طريق قتادة عنه في الرجل يقر لوارث بدين قال يجوز ورجال إسناده ثقات قوله وقال الحسن أحق ما تصدق به الرجل آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة هذا أثر صحيح رويناه بعلو في مسند الدارمي من طريق قتادة قال قال بن سيرين عن شريح لا يجوز إقرار لوارث قال وقال الحسن أحق ما جاز عليه عند موته أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا قوله وقال إبراهيم والحكم إذا أبرأ الوارث من الدين بريء وصله بن أبي شيبة من طريق الثوري عن بن أبي ليلى عن الحكم عن إبراهيم في المريض إذا أبرأ الوارث بريء وعن مطرف عن الحكم مثله قوله وأوصى رافع بن خديج أن لا تكشف امرأته الفزارية عما أغلق عليه بابها في رواية المستملي والسرخسي عن مال أغلق عليه بابها ولم أقف على هذا الأثر موصولا بعد قوله وقال الحسن إذا قال لمملوكه عند الموت كنت أعتقتك جاز لم أقف على من وصله وهو على طريقة الحسن في تنفيذ إقرار المريض مطلقا قوله وقال الشعبي إذا قالت المرأة عند موتها إن زوجي قضاني وقبضت وقبضت منه جاز قال بن التين وجهه أنها لا تتهم بالميل إلى زوجها في تلك الحال ولا سيما إذا كان لها ولد من غيره قوله وقال بعض الناس لا يجوز إقراره أي المريض لسوء الظن به للورثة وفي رواية المستملي بسوء الظن بالموحدة بدل اللام قوله ثم استحسن فقال يجوز إقراره بالوديعة والبضاعة والمضاربة قال بن التين أن أراد هذا القائل ما إذا أقر بالمضاربة مثلا للوارث لزمه التناقض وإلا فلا وفرق بعض الحنفية بأن ربح المال في المضاربة مشترك بين العامل والمالك فلم يكن كالدين المحض وقال بن المنذر أجمعوا على أن إقرار المريض لغير الوارث جائز لكن إن كان عليه دين في الصحة فقد قالت طائفة منهم النخعي وأهل الكوفة يبدأ بدين الصحة ويتحاص أصحاب الإقرار في المرض واختلفوا في إقرار المريض للوارث فأجازه مطلقا الأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وهو المرجح عند الشافعية وبه قال مالك إلا أنه استثنى ما إذا أقر لبنته ومعها من يشاركها من غير الولد كابن العم مثلا قال لأنه يتهم في أن يزيد بنته وينقص بن عمه من غير عكس واستثنى ما إذا أقر لزوجته التي يعرف بمحبتها والميل إليها وكان بينه وبين ولده من غيرها تباعد ولا سيما أن كان له منها في تلك الحالة ولد وحاصل المنقول عن المالكية مدار الأمر على التهمة وعدمها فإن فقدت جاز وإلا فلا وهو اختيار الروياني من الشافعية وعن شريح والحسن بن صالح لا يجوز إقراره لوارث إلا لزوجته بصداقها وعن القاسم وسالم والثوري والشافعي في قول زعم بن المنذر أن الشافعي رجع عن الأول إليه وبه قال أحمد لا يجوز إقرار المريض لوارثه مطلقا لأنه منع الوصية له فلا يأمن أن يزيد الوصية له فيجعلها اقرارا واحتج من أجاز مطلقا بما تقدم عن الحسن أن التهمة في حق المحتضر بعيدة وبالفرق بين الوصية والدين لأنهم اتفقوا على أنه لو أوصى في صحته لوارثه بوصية وأقر له بدين ثم رجع أن رجوعه عن الإقرار لا يصح بخلاف الوصية فيصح رجوعه عنها واتفقوا على أن المريض إذا أقر بوارث صح إقراره مع أنه يتضمن الإقرار له بالمال وبأن مدار الأحكام على الظاهر فلا يترك إقراره للظن المحتمل فإن أمره فيه إلى الله تعالى قوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث هو طرف من حديث وصله المصنف في الأدب من وجهين عن أبي هريرة وقصد بذكره هنا الرد على من أساء الظن بالمريض فمنع تصرفه ومعنى قوله أكذب الحديث أي أكذب في الحديث من غيره لأن الصدق والكذب يوصف بهما القول لا الظن قوله ولا يحل مال المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم آية المنافق إذا ائتمن خان هو طرف من حديث تقدم شرحه في كتاب الإيمان ووجه تعلقه بالرد على من منع إجازة إقرار المريض من جهة أنه دال على ذم الخيانة فلو ترك ذكر ما عليه من الحق وكتمه لكان خائنا للمستحق فلزم من وجوب ترك الخيانة وجوب الإقرار لأنه إذا كتم صار خائنا ومن لم يعتبر إقراره كان حمله على الكتمان قوله وقال الله تعالى ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فلم يخص وارثا ولا غيره أي لم يفرق بين الوارث وغيره في الأمر بأداء الأمانة فيصح الإقرار سواء كان لوارث أو غيره قوله فيه عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني حديث آية المنافق الذي علقه مختصرا وقد تقدم موصولا بتمامه في كتاب الإيمان ولفظه أربع من كن فيه كان منافقا خالصا وفيه وإذا ائتمن خان وحديث أبي هريرة الذي أورده في هذا الباب بلفظ آية المنافق ثلاث تقدم هناك أيضا بإسناده ومتنه وتقدم شرحه أيضا والله المستعان

قوله باب تأويل قوله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين أي بيان المراد بتقديم الوصية في الذكر على الدين مع أن الدين هو المقدم في الأداء وبهذا يظهر السر في تكرار هذه الترجمة قوله ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية هذا طرف من حديث أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما من طريق الحارث وهو الأعور عن علي بن أبي طالب قال قضى محمد صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية وأنتم تقرؤن الوصية قبل الدين لفظ أحمد وهو إسناد ضعيف لكن قال الترمذي أن العمل عليه عند أهل العلم وكأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه وإلا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج به وقد أورد في الباب ما يعضده أيضا ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية الا في صورة واحدة وهي ما لو أوصى لشخص بألف مثلا وصدقه الوارث وحكم به ثم ادعى آخر أن له في ذمة الميت دينا يستغرق موجوده وصدقه الوارث ففي وجه للشافعية تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة ثم قد نازع بعضهم في إطلاق كون الوصية مقدمة على الدين في الآية لأنه ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وانفاذ الوصية وأتى بأو للإباحة وهي كقولك جالس زيد أو عمرا أي لك مجالسة كل منهما اجتمعا أو افترقا وإنما قدمت لمعنى اقتضى الاهتمام لتقديمها واختلف في تعيين ذلك المعنى وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور أحدها الخفة والثقل كربيعة ومضر فمضر أشرف من ربيعة لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ ثانيها بحسب الزمان كعاد وثمود ثالثها بحسب الطبع كثلاث ورباع رابعها بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة لأن الصلاة حق البدن والزكاة حق المال والبدن مقدم على المال خامسها تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى عزيز حكيم قال بعض السلف عز فلما عز حكم سادسها بالشرف والفضل كقوله تعالى من النبيين والصديقين وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين فإنه إنما يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل وقال غيره قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض والدين يؤخذ بعوض فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين وكان أداؤها مظنة التفريط بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال كما صح أن لصاحب الدين مقالا وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضا على العمل بها بخلاف الدين فإنه ثابت بنفسه مطلوب أداؤه سواء ذكر أو لم يذكر وأيضا فالوصية ممكنة من كل أحد ولا سيما عند من يقول بوجوبها فإنه يقول بلزومها لكل أحد فيشترك فيها جميع المخاطبين لأنها تقع بالمال وتقع بالعهد كما تقدم وقل من يخلو عن شيء من ذلك بخلاف الدين فإنه يمكن أن يوجد وأن لا يوجد وما يكثر وقوعه مقدم على ما يقل وقوعه وقال الزين بن المنير تقديم الوصية على الدين في اللفظ لا يقتضي تقديمها في المعنى لأنهما معا قد ذكرا في سياق البعدية لكم الميراث يلي الوصية في البعدية ولا يلي الدين بل هو بعد بعده فيلزم أن الدين يقدم في الأداء ثم الوصية ثم الميراث فيتحقق حينئذ أن الوصية تقع بعد الدين حال الأداء باعتبار القبلية فتقديم الدين على الوصية في اللفظ وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين في المعنى والله أعلم قوله وقال بن عباس لا يوصي العبد إلا بإذن أهله وصله بن أبي شيبة من طريق شبيب بن عرقدة عن جندب قال سأل طهمان بن عباس أيوصي العبد قال لا الا بإذن أهله قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم العبد راع في مال سيده هو طرف من حديث تقدم ذكره موصولا في باب كراهية التطاول على الرقيق من كتاب العتق من حديث نافع عن بن عمر وأراد البخاري بذلك توجيه كلام بن عباس المذكور قال بن المنير لما تعارض في مال العبد حقه وحق سيده قدم الأقوى وهو حق السيد وجعل العبد مسئولا عنه وهو أحد الحفظة فيه فكذلك حق الدين لما عارضه حق الوصية والدين واجب والوصية تطوع وجب تقديم الدين فهذا وجه مناسبة هذا الأثر والحديث للترجمة ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث حكيم بن حزام أن هذا المال خضر حلو الحديث وقد تقدم مشروحا في كتاب الزكاة قال بن المنير وجه دخوله في هذا الباب من جهة أنه صلى الله عليه وسلم زهده في قبول العطية وجعل يد الآخذ سفلى تنفيرا عن قبولها ولم يقع مثل ذلك في تقاضي الدين فالحاصل أن قابض الوصية يده سفلى وقابض الدين مستوف لحقه إما أن تكون يده عليا بما تفضل به من القرض وإما أن لا تكون يده سفلى فيتحقق بذلك تقديم الدين على الوصية ثانيهما حديث كلكم راع ومسئول عن رعيته من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وقد تقدم من وجه آخر في العتق ويأتي الكلام عليه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وقد خالف الطحاوي في هذه المسألة أصحابه فذكر اختلاف العلماء نحو ما سبق ثم ذكر أن الصحيح ما ذهب إليه الجماعة وصرح بتزييف ما تقدم عن أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد في هذه المسألة تنبيه وقع في شرح مغلطاي أن البخاري قال هنا وقال إسماعيل بن جعفر أخبرني عبد العزيز عن إسحاق عن أنس في قصة بيرحاء ونقلت عن أبي العباس الطرقي أن البخاري وصله عن الحسن بن شوكر عن إسماعيل وقال شيخنا بن الملقن أن هذا وهم وإنما ذكره البخاري في باب من تصدق إلى وكيله كما سيأتي

قوله باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب وقع في بعض النسخ أوقف بزيادة ألف وهي لغة قليلة وحذف المصنف جواب قوله إذا إشارة إلى الخلاف في ذلك أي هل يصح أم لا وأورد المصنف المسألة الأخرى مورد الاستفهام لذلك أيضا وتضمنت الترجمة التسوية بين الوقف والوصية فيما يتعلق بالأقارب وقد استطرد المصنف من هنا إلى مسائل الوقف فترجم لما ظهر له منها ثم رجع أخيرا إلى تكملة كتاب الوصايا وقد قال الماوردي تجوز الوصية لكل من حاز الوقف عليه من صغير وكبير وعاقل ومجنون وموجود ومعدوم إذا لم يكن وارثا ولا قاتلا والوقف منع بيع الرقبة والتصدق بالمنفعة على وجه مخصوص وقد اختلف العلماء في الأقارب فقال أبو حنيفة القرابة كل ذي رحم محرم من قبل الأب أو الأم ولكن يبدأ بقرابة الأب قبل الأم وقال أبو يوسف ومحمد من جمعهم أب منذ الهجرة من قبل أب أو أم من غير تفصيل زاد زفر ويقدم من قرب منهم وهي رواية عن أبي حنيفة أيضا وأقل من يدفع إليه ثلاث وعند محمد اثنان وعند أبي يوسف واحد ولا يصرف للأغنياء عندهم إلا أن يشترط ذلك وقالت الشافعية القريب من اجتمع في النسب سواء قرب أم بعد مسلما كان أو كافرا غنيا كان أو فقيرا ذكرا كان أو أنثى وارثا كان أو غير وارث محرما كان أو غير محرم واختلفوا في الأصول والفروع على وجهين وقالوا إن وجد جمع محصورون أكثر من ثلاثة استوعبوا وقيل يقتصر على ثلاثة وأن كانوا غير محصورين فنقل الطحاوي الاتفاق على البطلان وفيه نظر لأن الشافيعة وجها بالجواز ويصرف منهم لثلاثة ولا تجب التسوية وقال أحمد في القرابة كالشافعي إلا أنه أخرج الكافر وفي رواية عنه القرابة كل من جمعه والموصي الأب الرابع إلى ما هو أسفل منه وقال مالك يختص بالعصبة سواء كان يرثه أو لا ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ثم يعطي الأغنياء وحديث الباب يدل لما قاله الشافعي سوى اشتراط ثلاثة فظاهره الاكتفاء باثنين وسأذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى قوله وقال ثابت عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة اجعله لفقراء أقاربك فجعلها لحسان وأبي بن كعب هو طرف من حديث أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت وسأذكر ما فيه من زيادة بعد أبواب قوله وقال الأنصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى وثمامة هو بن عبد الله بن أنس بن مالك والإسناد كله أنسيون بصريون وقد سمع البخاري من الأنصاري هذا كثيرا قوله بمثل حديث ثابت قال اجعلها لفقراء قرابتك قال أنس فجعلها لحسان وأبي بن كعب كذا اختصره هنا وقد وصله في تفسير آل عمران مختصرا أيضا عقب رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في هذه القصة قال حدثنا الأنصاري فذكر هذا الإسناد قال فجعلها لحسان وأبي وكانا أقرب إليه ولم يجعل لي منها شيئا وسقط هذا القدر من رواية أبي ذر وقد أخرجه بن خزيمة والطحاوي جميعا عن بن مرزوق وأبو نعيم في المستخرج من طريقه والبيهقي من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري بتمامه ولفظه لما نزلت لن تنالوا البر الآية أو من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا جاء أبو طلحة فقال يا رسول الله حائطي لله فلو استطعت أن أسره لم أعلنه فقال اجعله في قرابتك وفقراء أهلك قال أنس فجعلها لحسان ولأبي ولم يجعل لي منها شيئا لأنهما كانا أقرب إليه مني لفظ أبي نعيم وفي رواية الطحاوي كانت لأبي طلحة أرض فجعلها لله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له اجعلها في فقراء قرابتك فجعلها لحسان وأبي وكانا أقرب إليه مني وفي رواية أبي حاتم الرازي فقال حائطي بكذا وكذا وقال فيه فقال اجعلها في فقراء أهل بيتك قال فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب وأخرجه الدارقطني من طريق صاعقة عن الأنصاري فذكر فيه للأنصاري شيخا آخر فقال حدثنا حميد عن أنس قال لما نزلت لن تنالوا البر الآية أو من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال أبو طلحة يا رسول الله حائطي في مكان كذا وكذا صدقة لله تعالى والباقي مثل رواية أبي حاتم إلا أنه قال اجعلها في فقراء أهل بيتك وأقاربك ثم ساقه بالإسناد الأول قال مثله وزاد فيه فجعلها لأبي بن كعب وحسان بن ثابت وكانا أقرب إليه مني وإنما أوردت هذه الطرق لأني رأيت بعض الشراح ظن أن الذي وقع في البخاري من شرح قرابة أبي طلحة من حسان وأبي بقية من الحديث المذكور وليس كذلك بل انتهى الحديث إلى قوله وكانا أقرب إليه مني ومن قوله وكان قرابة حسان وأبي من أبي طلحة الخ من كلام البخاري أو من شيخه فقال واسمه أي اسم أبي طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام وهو بالمهملتين بن عمرو بن زيد مناة وهو بالإضافة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام يعني بن عمرو المذكور فيجتمعان إلى حرام وهو الأب الثالث ووقع هنا في رواية أبي ذر وحرام بن عمرو وساق النسب ثانيا إلى النجار وهو زيادة لا معنى لها ثم قال وهو يجامع حسان وأبا طلحة وأبيا إلى ستة آباء إلى عمرو بن مالك هكذا أطلق في معظم الروايات فقال الدمياطي ومن تبعه هو ملبس مشكل وشرع الدمياطي في بيانه ويغني عن ذلك ما وقع في رواية المستملي حيث قال عقب ذلك وأبي بن كعب هو بن قيس بن عبيد الله بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار فعمرو بن مالك يجمع حسان وأبا طلحة وأبيا اه وقال أبو داود في السنن بلغني عن محمد بن عبد الله الأنصاري أنه قال أبو طلحة هو زيد بن سهل فساق نسبه ونسب حسان بن ثابت وأبي بن كعب كما تقدم ثم قال الأنصاري فبين أبي طلحة وأبي بن كعب ستة آباء قال وعمرو بن مالك يجمع حسانا وأبيا وأبا طلحة فظهر من هذا أن الذي وقع في البخاري من كلام شيخه الأنصاري والله أعلم وذكر محمد بن الحسن بن زبالة في كتاب المدينة من مرسل أبي بكر بن حزم زيادة على ما في حديث أنس ولفظه أن أبا طلحة تصدق بماله وكان موضعه قصر بني حديلة إلى رسول الله فرده على أقاربه أبي بن كعب وحسان بن ثابت وثبيط بن جابر وشداد بن أوس أو ابنه أوس بن ثابت فتقاوموه فصار لحسان فباعه من معاوية بمائة ألف فابتنى قصر بني حديلة في موضعها اه وجد ثبيط بن جابر بن مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن مالك بن النجار يجتمع مع أبي بن كعب في مالك بن النجار فهو أبعد من أبي بن كعب بواحد وابن زبالة ضعيف فلا يحتج بما ينفرد به فكيف إذا خالف وملخص ذلك أن أحد الرجلين اللذين خصهما أبو طلحة بذلك أقرب إليه من الآخر فحسان يجتمع معه في الأب الثالث وأبي يجتمع معه في الأب السادس فلو كانت الأقربية معتبرة لخص بذلك حسان بن ثابت دون غيره فدل على أنها غير معتبرة وإنما قال أنس لأنهما كانا أقرب إليه مني لأن الذي يجمع أبا طلحة وأنسا النجار لأنه من بني عدي بن النجار وأبو طلحة وأبي بن كعب كما تقدم من بني مالك بن النجار فلهذا كان أبي بن كعب أقرب إلى أبي طلحة من أنس ويحتمل أن يكون أبو طلحة راعي فيمن أعطاه من قرابته الفقر لكن استثنى من كان مكفيا ممن تجب عليه نفقته فلذلك لم يدخل أنسا فظن أنس أن ذلك لبعد قرابته منه والله أعلم واستدل لأحمد بأن المراد بذي القربى في قوله تعالى وللرسول ولذي القربى بنو هاشم وبنو المطلب لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بسهم ذي القربى وإنما يجتمع مع بني عبد المطلب في الأب الرابع وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان المراد ذلك لشرك معهم بني نوفل وبني عبد شمس لأنهما ولدا عبد مناف كالمطلب وهاشم فلما خص بني هاشم وبني المطلب دون بني نوفل وعبد شمس دل على أن المراد بسهم ذوي القربى دفعه لناس مخصوصين بينه النبي صلى الله عليه وسلم بتخصيصه بني هاشم وبني المطلب فلا يقاس عليه من وقف أو أوصى لقرابته بل يحتمل اللفظ على مطلقه وعمومه حتى يثبت ما يقيده أو يخصصه والله أعلم قوله وقال بعضهم هو قول أبي يوسف ومن وافقه كما تقدم ثم ذكر المصنف قصة أبي طلحة من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أوردها مختصرة وستأتي بتمامها في باب إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود

[ 2601 ] قوله وقال بن عباس لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش هكذا أورده مختصرا وقد وصله في مناقب قريش وتفسير سورة الشعراء بتمامه من طريق عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس وأورد في آخر الجنائز طرفا منه في قصة أبي لهب موصولة وسيأتي شرحه وشرح الذي بعده في تفسير سورة الشعراء إن شاء الله تعالى قوله وقال أبو هريرة لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين قال النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر قريش هو طرف من حديث وصله في الباب الذي بعده

قوله باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب هكذا أورد الترجمة بالاستفهام لما في المسألة من الاختلاف كما تقدم ثم أورد في الباب حديث أبي هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل وأنذر عشيرتك الأقربين قال يا معشر قريش أو كلمة نحوها الحديث بطوله وموضع الشاهد منه قوله فيه ويا صفية ويا فاطمة فإنه سوى صلى الله عليه وسلم في ذلك بين عشيرته فعمهم أولا ثم خص بعض البطون ثم ذكر عمه العباس وعمته صفية وابنته فدل على دخول النساء في الأقارب وعلى دخول الفروع أيضا وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلما ويحتمل أن يكون لفظ الأقربين صفة لازمة للعشيرة والمراد بعشيرته قومه وهم قريش وقد روى بن مردويه من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قريشا فقال وأنذر عشيرتك الأقربين يعني قومه وعلى هذا فيكون قد أمر بانذار قومه فلا يختص ذلك بالأقرب منهم دون الأبعد فلا حجة فيه في مسألة الوقف لأن صورتها ما إذا وقف على قرابته أو على أقرب الناس إليه مثلا والآية تتعلق بانذار العشيرة فافترقا والله أعلم وقال بن المنير لعله كان هناك قرينة فهم بها النبي صلى الله عليه وسلم تعميم الإنذار فلذلك عمهم انتهى ويحتمل أن يكون أولا خص أتباعا بظاهر القرابة ثم عم لما عنده من الدليل على التعميم لكونه أرسل إلى الناس كافة تنبيه يجوز في يا عباس وفي يا صفية وفي يا فاطمة الضم والنصب

[ 2602 ] قوله تابعه أصبغ عن بن وهب عن يونس عن بن شهاب وصله الذهلي في الزهريات عن أصبغ وهو عند مسلم عن حرملة عن بن وهب

قوله باب هل ينتفع الواقف بوقفه أي بأن يقف على نفسه ثم على غيره أو بأن يشرط لنفسه من المنفعة جزءا معينا أو يجعل للناظر على وقفه شيئا ويكون هو الناظر وفي هذا كله خلاف فأما الوقف على النفس فسيأتي البحث فيه في باب الوقف كيف يكتب وأما شرط شيء من المنفعة فسيأتي في باب قوله تعالى وابتلوا اليتامى وأما ما يتعلق بالنظر فأذكره هنا ووقع قبل الباب في المستخرج لأبي نعيم كتاب الأوقاف باب هل ينتفع الواقف بوقفه ولم أر ذلك لغيره قوله وقد اشترط عمر الخ هو طرف من قصة وقف عمر وقد تقدمت موصولة في آخر الشروط وقوله وقد يلي الواقف وغيره الخ هو من تفقه المصنف وهو يقتضي أن ولاية النظر للواقف لا نزاع فيها وليس كذلك وكأنه فرعه على المختار عنده وإلا فعند المالكية أنه لا يجوز وقيل أن دفعه الواقف لغيره ليجمع غلته ولا يتولى تفرقتها إلا الواقف جاز قال بن بطال وإنما منع مالك من ذلك سدا للذريعة لئلا يصير كأنه وقف على نفسه أو يطول العهد فينتسى الوقف أو يفلس الواقف فيتصرف فيه لنفسه أو يموت فيتصرف فيه ورثته وهذا لا يمنع الجواز إذا حصل الأمن عن ذلك لكن لا يلزم من أن النظر يجوز للواقف أن ينتفع به نعم إن شرط ذلك جاز على الراجح والذي احتج به المصنف من قصة عمر ظاهر في الجواز ثم قواه بقوله وكذلك كل من جعل بدنة أو شيئا لله فله أن ينتفع به كما ينتفع غيره وأن لم يشترطه ثم أورد حديثي أنس وأبي هريرة في قصة الذي ساق البدنة وأمره صلى الله عليه وسلم بركوبها وقد قدمت الكلام عليه في الحج مستوفى وبينت هناك من أجاز ذلك مطلقا ومن منع ومن قيد بالضرورة والحاجة وقد تمسك به من أجاز الوقف على النفس من جهة أنه إذا جاز له الانتفاع بما أهده بعد خروجه عن ملكه بغير شرط فجوازه بالشرط أولى وقد اعترضه بن المنير بأن الحديث لا يطابق الترجمة إلا عند من يقول أن المتكلم داخل في عموم خطابه وهي من مسائل الخلاف في الأصول قال والراجح عند المالكية تحكيم العرف حتى يخرج غير المخاطب من العموم بالقرينة وقال بن بطال لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه لأنه أخرجه لله وقطعه عن ملكه فانتفاعه بشيء منه رجوع في صدقته ثم قال وإنما يجوز له ذلك إن شرطه في الوقف أو افتقر هو أو ورثته انتهى والذي عند الجمهور جواز ذلك إذا وقفه على الجهة العامة دون الخاصة كما سيأتي في أواخر كتاب الوصايا في ترجمة مفردة ومن فروع المسألة لو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا أو أحد من ذريته هل يتناول ذلك والمختار أنه يجوز بشرط أن لا يختص به لئلا يدعي أنه ملكه بعد ذلك

قوله باب إذا وقف شيئا قبل أن يدفعه إلى غيره فهو جائز أي صحيح وهو قول الجمهور وعن مالك لا يتم الوقف الا بالقبض وبه قال محمد بن الحسن والشافعي في قول واحتج الطحاوي الصحة بأن الوقف شبيه بالعتق لاشتراكهما في أنهما تمليك لله تعالى فينفذ بالقول المجرد عن القبض ويفارق الهبة في أنها تمليك لآدمي فلا تتم إلا بقبضه واستدل البخاري في ذلك بقصة عمر فقال لأن عمر أوقف وقال لا جناح على من وليه أن يأكل ولم يخص إن وليه عمر أو غيره وفي وجه الدلالة منه غموض وقد تعقب بأن غاية ما ذكر عن عمر هو أن كل من ولي الوقف أبيح له التناول وقد تقدم ذلك في الترجمة التي قبلها ولا يلزم من ذلك أن كل أحد يسوغ له أن يتولى الوقف المذكور بل الوقف لا بد له من متول فيحتمل أن يكون صاحبه ويحتمل أن يكون غيره فليس في قصة عمر ما يعين أحد الاحتمالين والذي يظهر أن مراده أن عمر لما وقف ثم شرط لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجه عن يده فكان تقريره لذلك دالا على صحة الوقف وأن لم يقبضه الموقوف عليه وأما ما زعمه بن التين من أن عمر دفع الوقف لحفصة فمردود كما سأوضحه في باب الوقف كيف يكتب إن شاء الله تعالى تنبيه قوله أوقف كذا ثبت للأكثر وهي لغة نادرة والفصيح المشهور وقف بغير ألف ووهم من زعم أن أوقف لحن قال بن التين قد ضرب على الألف في بعض النسخ واسقاطها صواب قال ولا يقال أوقف الا لمن فعل شيئا ثم نزع عنه قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة أرى أن تجعلها في الأقربين الحديث تقدم موصولا قريبا وهذا لفظ إسحاق بن أبي طلحة قال الداودي ما استدل به البخاري على صحة الوقف قبل القبض من قصة عمر وأبي طلحة للشيء على ضده وتمثيله بغير جنسه ودفع للظاهر عن وجهه لأنه هو روى أن عمر دفع الوقف لابنته وأن أبا طلحة دفع صدقته إلى أبي بن كعب وحسان وأجاب بن التين بأن البخاري إنما أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عن أبي طلحة ملكه بمجرد قوله هي لله صدقة ولهذا يقول مالك أن الصدقة تلزم بالقول وأن كان يقول إنها لا تتم إلا بالقبض ثم استدلاله بقصة عمر معترض وانتقاد الداودي صحيح انتهى وقد قدمت توجيهه وأما بن بطال فنازع في الاستدلال بقصة أبي طلحة بأنه يحتمل أن تكون خرجت من يده ويحتمل أنها استمرت فلا دلالة فيها وأجاب بن المنير بأن أبا طلحة أطلق صدقة أرضه وفوض إلى النبي صلى الله عليه وسلم مصرفها فلما قال له أرى أن تجعلها في الأقربين ففوض له قسمتها بينهم صار كأنه أقرها في يده بعد أن مضت الصدقة قلت وسيأتي التصريح بأن أبا طلحة هو الذي تولى قسمتها وبذلك يتم الجواب وقد باشر أبو طلحة تعيين مصرفها تفصيلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأن كان عين له جهة المصرف لكنه أجمل فاقتصر على الأقربين فلما لم يمكن أبا طلحة أن يعم بها الأقربين لانتشارهم اقتصر على بعضهم فخص بها من أختار منهم

قوله باب إذا قال داري صدقة لله ولم يبين للفقراء أو غيرهم فهو جائز ويعطيها للأقربين أو حيث أراد أي تتم الصدقة قبل تعيين جهة مصرفها ثم يعين بعد ذلك فيما شاء قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة الخ هو من سياق إسحاق بن أبي طلحة أيضا وقوله فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك هو من تفقه المصنف وقوله وقال بعضهم لا يجوز حتى يبين لمن أي حتى يعين وسيأتي بيانه في الباب الذي يليه

قوله باب إذا قال أرضي أو بستاني صدقة لله عن أمي فهو جائز وأن لم يبين لمن ذلك فهذه الترجمة أخص من التي قبلها لأن الأولى فيما إذا لم يعين المتصدق عنه ولا المتصدق عليه وهذه فيما إذا عين المتصدق عنه فقط قال بن بطال ذهب مالك إلى صحة الوقف وأن لم يعين مصرفه ووافقه أبو يوسف ومحمد والشافعي في قول قال بن القصار وجهه أنه إذا قال وقف أو صدقة فإنما أراد به البر والقربة وأولى الناس ببره أقاربه ولا سيما إذا كانوا فقراء وهو كمن أوصى بثلث ماله ولم يعين مصرفه فإنه يصح ويصرف في الفقراء والقول الأخر للشافعي أن الوقف لا يصح حتى يعين جهة مصرفه وإلا فهو باق على ملكه وقال بعض الشافعية إن قال وقفته وأطلق فهو محل الخلاف وأن قال وقفته لله خرج عن ملكه جزما ودليله قصة أبي طلحة

[ 2605 ] قوله حدثنا محمد كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي ذر وابن شبويه حدثنا محمد بن سلام قوله أخبرني يعلى هو بن مسلم سماه عبد الرزاق في روايته عن بن جريج عنه وهو مكي أصله من البصرة ووهم الطرقي في زعمه أنه بن حكيم وليس ليعلى بن مسلم عن عكرمة في البخاري سوى هذا الموضع ورجال الإسناد ما بين مكي وبصري قوله إن سعد بن عبادة هو الأنصاري الخزرجي سيد الخزرج وسيأتي بعد أبواب من هذا الوجه أن سعد بن عبادة أخي بني ساعدة وبنو ساعدة بطن من الخزرج شهير قوله توفيت أمه وهو غائب عنها هي عمرة بنت مسعود وقيل سعد بن قيس بن عمرو أنصارية خزرجية ذكر بن سعد أنها أسلمت وبايعت وماتت سنة خمس والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة دومة الجندل وابنها سعد بن عبادة معه قالا فلما رجعوا جاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى على قبرها وعلى هذا فهذا الحديث مرسل صحابي لأن بن عباس كان حينئذ مع أبويه بمكة والذي يظهر أنه سمعه من سعد بن عبادة كما سيأتينه بعد ثلاثة أبواب قوله المخراف بكسر أوله وسكون المعجمة وآخره فاء أي المكان المثمر سمي بذلك لما يخرف منه أي يجنى من الثمرة تقول شجرة مخراف ومثمار قاله الخطابي ووقع في رواية عبد الرزاق المخرف بغير ألف وهو اسم الحائط المذكور والحائط البستان

قوله باب إذا تصدق أو وقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز هذه الترجمة معقودة لجواز وقف المنقول والمخالف فيه أبو حنيفة ويؤخذ منها جواز وقف المشاع والمخالف فيه محمد بن الحسن لكن خص المنع بما يمكن قسمته واحتج له الجوري بضم الجيم وهو من الشافعية بأن القسمة بيع وبيع الوقف لا يجوز وتعقب بأن القسمة افراز فلا محذور ووجه كونه يؤخذ منه وقف المشاع ووقف المنقول هو من قوله أو بعض رقيقه أو دوابه فإنه يدخل فيه ما إذا وقف جزءا من العبد أو الدابة أو وقف أحد عبديه أو فرسيه مثلا فيصح كل ذلك عند من يجيز وقف المنقول ويرجع إليه في التعيين

[ 2606 ] قوله قلت يا رسول الله أن من توبتي الخ هذا طرف من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك وسيأتي الحديث بطوله في كتاب المغازي مع استيفاء شرحه وشاهد الترجمة منه قوله أمسك عليك بعض مالك فإنه ظاهر في أمره بإخراج بعض ماله وامساك بعض ماله من غير تفصيل بين أن يكون مقسوما أو مشاعا فيحتاج من منع وقف المشاع إلى دليل المنع والله أعلم واستدل به على كراهة التصدق بجميع المال وقدتقدم البحث فيه في كتاب الزكاة ويأتي شيء منه في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى

قوله باب من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل اليه هذه الترجمة وحديثها سقط من أكثر الأصول ولم يشرحه بن بطال وثبت في رواية أبي ذر عن الكشميهني خاصة لكن في روايته على وكيله وثبتت الترجمة وبعض الحديث في رواية الحموي وقد نوزع البخاري في انتزاع هذه الترجمة من قصة أبي طلحة وأجيب بأن مراده أن أبا طلحة لما أطلق أنه تصدق وفوض إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعيين المصرف وقال له النبي صلى الله عليه وسلم دعها في الأقربين كان شبيها بما ترجم به ومقتضى ذلك الصحة

[ 2607 ] قوله وقال إسماعيل أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة يعني الماجشون كذا ثبت في أصل أبي ذر ووقع في الأطراف لأبي مسعود وخلف جميعا أن إسماعيل المذكور هو بن جعفر وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وقال رأيته في نسخة أبي عمرو يعني الجيزي قال إسماعيل بن جعفر ولم يوصله أبو نعيم ولا الإسماعيلي وزاد الطرقي في الأطراف أن البخاري أخرجه عن الحسن بن شوكر عن إسماعيل بن جعفر وانفرد بذلك فإن الحسن بن شوكر لم يذكره أحد في شيوخ البخاري وهو ثقة وأبوه بالمعجمة وزن جعفر وجزم المزي بأن إسماعيل هو بن أويس ولم يذكر لذلك دليلا إلا أنه وقع في أصل الدمياطي بخطه في البخاري حدثنا إسماعيل فإن كان محفوظا تعين أنه بن أبي أويس وإلا فالقول ما قال خلف ومن تبعه وعبد العزيز بن أبي سلمة وإن كان من أقران إسماعيل بن جعفر فلا يمتنع أن يروي إسماعيل عنه والله أعلم وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من هذا في باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه قوله عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لا أعلمه إلا عن أنس كذا وقع عند البخاري وذكره بن عبد البر في التمهيد فقال روى هذا الحديث عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك فذكره بطوله جازما والذي يظهر أن الذي قال لا أعلمه إلا عن أنس هو البخاري قوله لما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون جاء أبو طلحة زاد بن عبد البر ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر قال وكانت دار أبي جعفر والدار التي تليها إلى قصر بني حديلة حوائط لأبي طلحة قال وكان قصر بني حديلة حائطا لأبي طلحة يقال لها بيرحاء فذكر الحديث ومراده بدار أبي جعفر التي صارت إليه بعد ذلك وعرفت به وهو أبو جعفر المنصور الخليفة المشهور العباسي وأما قصر بني حديلة وهو بالمهملة مصغر ووهم من قاله بالجيم فنسب إليهم القصر بسبب المجاورة وإلا فالذي بناه هو معاوية بن أبي سفيان وبنو حديلة بالمهملة مصغر بطن من الأنصار وهم بنو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار وكانوا بتلك البقعة فعرفت بهم فلما اشترى معاوية حصة حسان بني فيها هذا القصر فعرف بقصر بني حديلة ذكر ذلك عمرو بن شبة وغيره في أخبار المدينة قالوا وبنى معاوية القصر المذكور ليكون له حصنا لما كانوا يتحدثون به بينهم مما يقع لبني أمية أي من قيام أهل المدينة عليهم قال أبو غسان المدني وكان لذلك القصر بابان أحدهما شارع على خط بني حديلة والآخر في الزاوية الشرقية وكان الذي ولي بناءه لمعاوية الطفيل بن أبي بن كعب انتهى وأغرب الكرماني فزعم أن معاوية الذي بني القصر المذكور هو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار أحد أجداد أبي طلحة وغيره وما ذكرته عمن صنف في أخبار المدينة يرد عليه وهم أعلم بذلك من غيرهم قوله وباع حسان حصته منه من معاوية هذا يدل على أن أبا طلحة ملكهم الحديقة المذكورة ولم يقفها عليهم إذ لو وقفها ما ساغ لحسان أن يبيعها فيعكر على من استدل بشيء من قصة أبي طلحة في مسائل الوقف إلا فيما لا تخالف فيه الصدقة الوقف ويحتمل أن يقال شرط أبو طلحة عليهم لما وقفها عليهم أن من أحتاج إلى بيع حصته منهم جاز له بيعها وقد قال بجواز هذا الشرط بعض العلماء كعلي وغيره والله أعلم ووقع في أخبار المدينة لمحمد بن الحسن المخزومي من طريق أبي بكر بن حزم أن ثمن حصة حسان مائة ألف درهم قبضها من معاوية بن أبي سفيان

قوله باب قول الله عز وجل وإذا حضر القسمة الآية ذكر فيه حديث بن عباس قال أن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت الحديث وسيأتي الكلام عليه في التفسير وذكر من أراد بن عباس بقوله أن ناسا يزعمون وأن منهم عائشة رضي الله عنها وغير ذلك من الأقوال في دعوى كونها محكمة أو منسوخة

قوله باب ما يستحب لمن توفي فجاءة بضم الفاء وبالجيم الخفيفة والمد ويجوز فتح الفاء وسكون الجيم بغير مد أن يتصدقوا عنه وقضاء النذور عن الميت أورد فيه حديث عائشة أن رجلا قال أن أمي افتلتت نفسها وحديث بن عباس أن سعد بن عبادة قال أن أمي ماتت وعليها نذر وكأنه رمز إلى أن المهم في حديث عائشة هو حديث سعد بن عبادة وقد تقدم حديث بن عباس في قصة سعد بن عبادة بلفظ آخر ولا تنافي بين

[ 2609 ] قوله إن أمي ماتت وعليها نذر وبين قوله أن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها شيء أن تصدقت به عنها لاحتمال أن يكون سأل عن النذر وعن الصدقة عنها وبين النسائي من وجه آخر جهة الصدقة المذكورة فأخرج من طريق سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قال قلت يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها قال نعم قلت فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء وأخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق حماد بن خالد عنه بإسناد الحديث الثاني في هذا الباب لكن بلفظ أن سعدا قال يا رسول الله أتنتفع أمي إن تصدقت عنها وقد ماتت قال نعم قال فما تأمرني قال أسق الماء والمحفوظ عن مالك ما وقع في هذا الباب والله أعلم وقد تقدمت تسمية أم سعد قريبا قوله افتلتت بضم المثناة بعد الفاء الساكنة وكسر اللام أي أخذت فلتة أي بغتة وقوله نفسها بالضم على الأشهر وبالفتح أيضا وهو موت الفجأة والمراد بالنفس هنا الروح قوله وأراها لو تكلمت تصدقت بضم همزة أراها وقد تقدم في الجنائز من وجه آخر عن هشام بلفظ وأظنها وهو يشعر بأن رواية بن القاسم عن مالك عند النسائي بلفظ وإنها لو تكلمت تصحيف وظاهره أنها لم تتكلم فلم تتصدق لكن في الموطأ عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده قال خرج سعد بن عبادة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وحضرت أمه الوفاة بالمدينة فقيل لها أوصي فقالت فيم أوصي المال مال سعد فتوفيت قبل أن يقدم سعد فذكر الحديث فإن أمكن تأويل رواية الباب بأن المراد أنها لم تتكلم أي بالصدقة ولو تكلمت لتصدقت أي فكيف أمضى ذلك أو يحمل على أن سعدا ما عرف بما وقع منها فإن الذي روى هذا الكلام في الموطأ هو سعيد بن سعد بن عبادة أو ولده شرحبيل مرسلا فعلى التقديرين لم يتحد راو الاثبات وراوى النفي فيمكن الجمع بينهما بذلك والله أعلم قوله أفأتصدق عنها في الرواية المتقدمة في الجنائز فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال نعم ولبعضهم أتصدق عليها أو أصرفه على مصلحتها

[ 2610 ] قوله ان سعد بن عبادة كذا رواه مالك وتابعه الليث وبكر بن وائل وغيرهما عن الزهري وقال سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس عن سعد بن عبادة أنه استفتى جعله من مسند سعد أخرج جميع ذلك النسائي وأخرجه أيضا من رواية الأوزاعي ومن رواية سفيان بن عيينة كلاهما عن الزهري على الوجهين وقد قدمت أن بن عباس لم يدرك القصة فتعين ترجيح رواية من زاد فيه عن سعد بن عبادة ويكون بن عباس قد أخذه عنه ويحتمل أن يكون أخذه عن غيره ويكون قول من قال عن سعد بن عبادة لم يقصد به الرواية وإنما أراد عن قصة سعد بن عبادة فتتحد الروايتان قوله وعليها نذر فقال اقضه عنها في رواية قتيبة عن مالك لم تقضه وفي رواية سليمان بن كثير المذكورة أفيجزيء عنها أن أعتق عنها قال أعتق عن أمك فأفادت هذه الرواية بيان ما هو المنذر المذكور وهو أنها نذرت أن تعتق رقبة فماتت قبل أن تفعل ويحتمل أن تكون نذرت نذرا مطلقا غير معين فيكون في الحديث حجة لمن أفتى في المنذر المطلق بكفارة يمين والعتق أعلى كفارات الأيمان فلذلك أمره أن يعتق عنها وحكى بن عبد البر عن بعضهم أن النذر الذي كان على والدة سعد صيام واستند إلى حديث بن عباس المتقدم في الصوم أن رجلا قال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم الحديث ثم رده بان في بعض الروايات عن بن عباس جاءت امرأة فقالت أن أختي ماتت قلت والحق أنها قصة أخرى وقد أوضحت ذلك في كتاب الصيام وفي حديث الباب من الفوائد جواز الصدقة عن الميت وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولا سيما إن كان من الولد وهو مخصص لعموم قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور خلافا للمشهور عند المالكية وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل تصل إلى الميت كالحج والصوم وقد تقدم شيء من ذلك في الصيام وفيه أن ترك الوصية جائز لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذم أم سعد على ترك الوصية قاله بن المنذر وتعقب بأن الإنكار عليها قد تعذر لموتها وسقط عنها التكليف وأجيب بأن فائدة إنكار ذلك لو كان منكرا ليتعظ غيرها ممن سمعه فلما أقر على ذلك دل على الجواز وفيه ما كان الصحابة عليه من استشارة النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين وفيه العمل بالظن الغالب وفيه الجهاد في حياة الأم وهو محمول على أنه استأذنها وفيه السؤال عن التحمل والمسارعة إلى عمل البر والمبادرة إلى بر الوالدين وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرا من إخفائها وهو عند اغتنام صدق النية فيه وأن للحاكم تحمل الشهادة في غير مجلس الحكم نبه على أكثر ذلك أبو محمد بن أبي جمرة رحمه الله تعالى وفي بعضه نظر لا يخفى وكلامه على أصل الحديث وهو في الباب الذي يليه أبسط من هذا الباب

قوله باب الأشهاد في الوقف والصدقة أورد فيه حديث بن عباس المذكور آنفا لقوله فيه أشهدك أن حائطي المخراف صدقة وألحق المصنف الوقف بالصدقة لكن في الاستدلال لذلك بقصة سعد نظر لأن قوله أشهدك يحتمل إرادة الأشهاد المعتبر ويحتمل أن يكون معناه الإعلام واستدل المهلب للاشهاد في الوقف بقوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم قال فإذا أمر بالإشهاد في البيع وله عوض فلأن يشرع في الوقف الذي لا عوض له أولى وقال بن المنير كأن البخاري أراد دفع التوهم عمن يظن أن الوقف من أعمال البر فيندب إخفاؤه فبين أنه يشرع إظهاره لأنه بصدد أن ينازع فيه ولا سيما من الورثة

قوله باب قوله عز وجل وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إلى

[ 2612 ] قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء أورد فيه حديث عائشة في تفسير قوله تعالى وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى وفي تفسير قوله تعالى ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن سيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في التفسير وقد أغفل المزي عزو هذا الحديث إلى كتاب الوصايا

قوله باب قول الله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ساق في رواية الأصيلي وكريمة إلى قوله نصيبا مفروضا وأما في رواية أبي ذر فقال بعد قوله رشدا إلى قوله مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا قوله حسيبا يعني كافيا كذا للأكثر وسقط يعني لأبي ذر قال بن التين فسره غيره عالما وقيل محاسبا وقيل مقتدرا وفي تفسير الطبري عن السدي وكفى بالله حسيبا أي شهيدا

قوله وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته كذا للأكثر وسقطت ما الأولى لأبي ذر وهذه من مسائل الخلاف فقيل يجوز للوصي أن يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته وهو قول عائشة كما في ثاني حديثي الباب وعكرمة والحسن وغيرهم وقيل لا يأكل منه إلا عند الحاجة ثم اختلفوا فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد إذا أكل ثم أيسر قضى وقيل لا يجب القضاء وأن كان ذهبا أو فضة لم يجز أن يأخذ منه شيئا إلا على سبيل القرض وأن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة وهذا أصح الأقوال عن بن عباس وبه قال الشعبي وأبو العالية وغيرهما أخرج جميع ذلك بن جرير في تفسيره وقال هو بوجوب القضاء مطلقا وانتصر له ومذهب الشافعي يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ولا يجب الرد على الصحيح وحكى بن التين عن ربيعة أن المراد بالفقير والغني في هذه الآية اليتيم أي إن كان غنيا فلا يسرف في الإنفاق عليه وأن كان فقيرا فليطعمه من ماله بالمعروف ولا دلالة فيها على الأكل من مال اليتيم أصلا والمشهور ما تقدم ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث عمر

[ 2613 ] قوله حدثنا هارون بن الأشعث هو الهمداني بسكون الميم أصله من الكوفة ثم سكن بخاري ولم يخرج عنه البخاري في هذا الكتاب سوى هذا الموضع ووقع في بعض الروايات كرواية النسفي حدثنا هارون غير منسوب فزعم بن عدي أنه هارون بن يحيى المكي الزبيري ولم يعرف من حاله شيء والمعتمد ما وقع عند أبي ذر وغيره منسوبا قوله تصدق بمال له هو من إطلاق العام على الخاص لأن المراد بالمال هنا الأرض التي لها غلة قوله يقال له ثمغ بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها معجمة ومنهم من فتح الميم حكاه المنذري قال أبو عبيد البكري هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر قلت وسأذكر في باب الوقف كيف يكتب كيفية مصيره إلى عمر مع بيان الاختلاف في ذلك إن شاء الله تعالى قوله فصدقته تلك كذا للكشميهني ولغيره ذلك قوله ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف قال المهلب شبة البخاري الوصي بناظر الوقف ووجه الشبه أن النظر الموقوف عليهم من الفقراء وغيرهم كالنظر لليتامى وتعقبه بن المنير بأن الواقف هو المالك لمنافع ما وقفه فإن شرط لمن يلي نظره شيئا ساغ له ذلك والموصي ليس كذلك لأن ولده يملكون المال بعده بقسمة الله لهم فلم يكن في ذلك كالواقف اه ومقتضاه أن الموصي إذا جعل للوصي أن يأكل من مال الموصى عليهم لا يصح ذلك وليس كذلك بل هو سائغ إذا عينه وإنما اختلف السلف فيما إذا أوصى ولم يعين للوصي شيئا هل له أن يأخذ بقدر عمله أم لا وقال الكرماني وجه المطابقة هو من جهة أن القصد أن الوصي يأخذ من مال اليتيم أجره بدليل قول عمر لا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف ثانيهما حديث عائشة في قوله تعالى

[ 2614 ] ومن كان غنيا فليستعفف الآية قالت عائشة أنزلت في وإلي اليتيم وفي رواية المستملي في وإلى مال اليتيم الخ وقد قدمت بيان الاختلاف في ذلك ويأتي بقية شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى

قوله باب قول الله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا أورد فيه حديث أبي هريرة في السبع الموبقات وفيه وأكل مال اليتيم وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى وكنت قدمت في الشهادات أنني أشرح هذا الحديث هنا ثم حصل ذهول فاستدركته في الموضع الذي أعاده فيه المصنف من كتاب الحدود وذكرت الاختلاف في ضابط الكبيرة وفي عددها في أوائل كتاب الأدب

قوله باب يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وأن تخالطوهم فاخوانكم إلى آخر الآية كذا لأبي ذر ساق غيره الآية قوله لأعنتكم لأحرجكم وضيق هو تفسير بن عباس أخرجه بن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عنه وزاد بعد قوله ضيق عليكم ولكنه وسع ويسر فقال ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف يقول يأكل الفقير إذا ولي مال اليتيم بقدر قيامه على ماله ومنفعته ما لم يسرف أو يبذر ثم أخرج من طريق سعيد بن جبير قال في قوله لأعنتكم لأحرجكم اه وقوله أعنتكم فعل ماض من العنت بفتح المهملة والنون بعدها مثناة والهمزة للتعدية أي أوقعكم في العنت قوله وعنت خضعت كذا وقع هنا واستغرب لأنه لا تعلق له بقوله أعنتكم بل هو فعل ماض من العنو بضم المهملة والنون وتشديد الواو وليس هو من العنت في شيء لأن التاء في العنت أصلية وفي عنت للتأنيث ولام الفعل منه واو لكنها ذهبت في الوصل فلعل المصنف ذكر ذلك هنا استطرادا وتفسير عنت الوجوه بخضعت أخرجه بن المنذر أيضا من طريق مجاهد وأخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال قوله وعنت الوجوه أي ذلت ومن طريق أبي عبيدة قال عنت استأسرت لأن العاني هو الأسير فكأن من فسره بخضعت فسره بلازمه لأن من لازم الأسر الذلة والخضوع غالبا قوله وقال لنا سليمان بن حرب الخ هو موصول وسليمان من شيوخ البخاري وجرت عادة البخاري الإتيان بهذه الصيغة في الموقوفات غالبا وفي المتابعات نادرا ولم يصب من قال أنه لا يأتي بها إلا في المذاكرة وأبعد من قال إن ذلك للاجازة قوله ما رد بن عمر على أحد وصيته يعني أنه كان يقبل وصية من يوصى إليه قال بن التين كأنه كان يبتغي الأجر بذلك لحديث أنا وكافل اليتيم كهاتين الحديث اه وسيأتي في كتاب الأدب مع الكلام عليه ومحل كراهة الدخول في الوصايا أن يخشى التهمة أو الضعف عن القيام بحقها قوله وكان بن سيرين أحب الأشياء إليه الخ لم أقف عليه موصولا عنه قوله وكان طاوس الخ وصله سفيان بن عيينة في تفسيره عن هشام بن حجير بمهملة ثم جيم مصغر عن طاوس أنه كان إذا سئل عن مال اليتيم يقرأ ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وأن تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح قوله وقال عطاء الخ وصله بن أبي شيبة من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عنه أنه سئل عن الرجل يلي أموال أيتام فيهم الصغير والكبير ومالهم جميع لم يقسم قال ينفق على كل إنسان منهم من ماله على قدره وقد روى عبد بن حميد من طريق قتادة قال لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن كانوا لا يخالطونهم في مطعم ولا غيره فاشتد عليهم فأنزل الله الرخصة وان تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح وروى الثوري في تفسيره عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير أن سبب نزول الآية المذكورة لما نزلت ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما عزلوا أموالهم عن أموالهم فنزلت قل إصلاح لهم خير وأن تخالطوهم فاخوانكم قال فخلطوا أموالهم بأموالهم وهذا هو المحفوظ مع إرساله وقد وصله عطاء بن السائب بذكر بن عباس فيه أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وصححه الحاكم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما نزلت هذه الآية ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وأن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اجتنب الناس مال اليتيم وطعامه فشق ذلك عليهم فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت ويسئلونك عن اليتامى الآية ورواه النسائي من وجه آخر عن عطاء بن السائب موصولا أيضا وزاد فيه وأحل لهم خلطهم وروى عبد بن حميد عن طريق السدي عمن حدثه عن بن عباس قال المخالطة أن تشرب من لبنة ويشرب من لبنك وتأكل من قصعته ويأكل من قصعتك والله يعلم المفسد من المصلح من يتعمد أكل مال اليتيم ومن يتجنبه وقال أبو عبيد المراد بالمخالطة أن يكون اليتيم بين عيال المولى عليه فيشق عليه إفراز طعامه فيأخذ من مال اليتيم قدر ما يرى أنه كافيه بالتحري فيخلطه بنفقة عياله ولما كان ذلك قد تقع فيه الزيادة والنقصان خشوا من ذلك فوسع الله عليهم وهو نظير النهد حيث وسع عليهم في خلط الأزواد في الأسفار كما تقدم في الشركة والله أعلم

قوله باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له ونظر الأم أو زوجها لليتيم أورد فيه حديث أنس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي الحديث وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى أما صدره ففي الجهاد وأما بقيته ففي كتاب الأدب وعبد العزيز المذكور في الإسناد هو بن صهيب والإسناد كله بصريون وأبو طلحة كان زوج أم سليم والدة أنس فالحديث مطابق لأحد ركني الترجمة وأما الركن الذي قبله وهو نظر الأم فكأنه استفيد من كون أبي طلحة لم يفعل ذلك إلا بعد رضا أم سليم أو أشار إلى ما ورد في بعض طرقه أن أم سليم هي التي أحضرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة وأما أبو طلحة فأحضره إليه لما أراد الخروج إلى غزوة خيبر كما سيأتي ذلك صريحا في باب من غزا بصبي للخدة من كتاب الجهاد ومن طريق عمرو بن أبي عمرو عن أنس وقد اختلف في حكم ما ترجم به فعن المالكية للأم وغيرها التصرف في مصالح من في كفالتهم من الأيتام وأن لم يكونوا أوصياء واستشكل بعضهم جواز ذلك فإنه يفضي إلى أن اليتيم يشتغل بالخدمة عن التأديب وهو ضد المطلوب وجوابه أن انتزاع الحكم المذكور من هذا الخبر يقتضي التقييد بما ورد في الخبر المستدل به وهو أن يكون عند من يؤدبه وينتفع بتأديبه كما وقع لأنس في الخدمة النبوية فإنه استفاد بالمواظبة عليها من الآداب ما فاق غيره ممن أدبه أبوه

قوله باب إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز وكذلك الصدقة كذا أطلق الجواز وهو محمول على ما إذا كان الموقوف أو المتصدق به مشهورا متميزا بحيث يؤمن أن يلتبس بغيره وإلا فلا بد من التحديد اتفاقا لكن ذكر الغزالي في فتاويه أن من قال اشهدوا على أن جميع أملاكي وقف على كذا وذكر مصرفها ولم يحدد شيئا منها صارت جميعها وقفا ولا يضر جهل الشهود بالحدود ويحتمل أن يكون مراد البخاري أن الوقف يصح بالصيغة التي لا تحديد فيها بالنسبة إلى اعتقاد الواقف وارادته لشيء معين في نفسه وإنما يعتبر التحديد لأجل الإشهاد عليه ليبين حق الغير والله أعلم

[ 2617 ] قوله أكثر الأنصار في رواية الكشميهني أكثر أنصاري أي أكثر كل واحد من الأنصار والإضافة إلى المفرد النكرة عند إرادة التفضيل سائغ قوله مالا من نخل تقدم في رواية عبد العزيز الماجشون عن إسحاق تسمية حدائق أبي طلحة قريبا قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها زاد في رواية عبد العزيز ويستظل فيها قوله بيرحاء تقدم شيء من ضبطها في الزكاة ومنه عند مسلم بريحاء بفتح الموحدة وكسر الراء وتقديمها على التحتانية الساكنة ثم حاء مهملة ورجح هذا صاحب الفائق وقال هي وزن فعيلاء من البراح وهي الأرض الظاهرة المنكشفة وعند أبي داود بأريحاء وهو باشباع الموحدة والباقي مثله ووهم من ضبطه بكسر الموحدة وفتح الهمزة فإن أريحاء من الأرض المقدسة ويحتمل أن كان محفوظا أن تكون سميت باسمها قال عياض رواية المغاربة إعراب الراء والقصر في حاء وخطأ هذا الصوري وقال الباجي أدركت أهل العلم ومنهم أبو ذر يفتحون الراء في كل حال زاد الصوري وكذلك الباء أي أوله وقد قدمت في الزكاة أنه انتهى الخلاف في النطق بها إلى عشرة أوجه ونقل أبو علي الصدفي عن أبي ذر الهروي أنه جزم أنها مركبة من كلمتين بير كلمة وحاء كلمة ثم صارت كلمة واحدة واختلف في حاء هل هي اسم رجل أو امرأة أو مكان أضيفت إليه البئر أو هي كلمة زجر للإبل وكأن الإبل كانت ترعى هناك وتزجر بهذه اللفظة فأضيفت البئر إلى اللفظة المذكورة قوله بخ بفتح الموحدة وسكون المعجمة وقد تنون مع التثقيل والتخفيف بالكسر والرفع والسكون ويجوز التنوين لغات ولو كررت فالاختيار أن تنون الأولى وتسكن الثانية وقد يسكنان جميعا كما قال الشاعر بخ بخ لوالده وللمولود ومعناها تفخيم الأمر والاعجاب به قوله رابح أو رايح شك بن مسلمة أي القعنبي أي هل هو بالتحتانية أو بالموحدة قوله أفعل بضم اللام على أنه قول أبي طلحة قوله فقسمها أبو طلحة فيه تعيين أحد الاحتمالين في رواية غيره حيث وقع فيها أفعل فقسمها فإنه احتمل الأول واحتمل أن يكون أفعل صيغة أمر وفاعل قسمها النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى هذا الاحتمال الثاني بهذه الرواية وذكر بن عبد البر أن إسماعيل القاضي رواه عن القعنبي عن مالك فقال في روايته قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقاربه وبني عمه قال وقوله في أقاربه أي أقارب أبي طلحة قلت ووقع في رواية ثابت عن أنس كما تقدم وكذا في رواية همام عن إسحاق بن أبي طلحة فقال صلى الله عليه وسلم ضعها في قرابتك فجعلها حدائق بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب لفظ إسحاق أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه وحديث ثابت نحوه قال بن عبد البر إضافة القسم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن كان سائغا شائعا في لسان العرب على معنى أنه الأمر به لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك والصواب رواية من قال فقسمها أبو طلحة قوله في أقاربه وبني عمه في رواية ثابت المتقدمة فجعلها لحسان وأبي وكذا في رواية همام عن إسحاق كما ترى وكذا في رواية الأنصاري عن أبيه عن ثمامة وقد تمسك به من قال أقل من يعطي من الأقارب إذا لم يكونوا منحصرين اثنان وفيه نظر لأنه وقع في رواية الماجشون عن إسحاق المتقدمة فجعلها أبو طلحة في ذي رحمه وكان منهم حسان وأبي بن كعب فدل على أنه أعطى غيرهما معهما ثم رأيت في مرسل أبي بكر بن حزم المتقدم فرده على أقاربه أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه أو بن أخيه شداد بن أوس ونبيط بن جابر فتقاوموه فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم قوله وقال إسماعيل أي بن أبي أويس وعبد الله بن يوسف ويحيى بن يحيى عن مالك أي بهذا الإسناد رايح أي بالتحتانية وقد وصل حديث إسماعيل في التفسير وحديث عبد الله بن يوسف في الزكاة وحديث يحيى بن يحيى في الوكالة وقد تقدم توجيه الروايتين في كتاب الزكاة وفي قصة أبي طلحة من الفوائد غير ما تقدم أن منقطع الآخر في الوقف يصرف لأقرب الناس إلى الواقف وأن الوقف لا يحتاج في انعقاده إلى قبول الموقوف عليه واستدل به بعض المالكية على صحة الصدقة المطلقة ثم يعينها المتصدق لمن يريد واستدل به للجمهور في أن من أوصى أن يفرق ثلث ماله حيث أرى الله الوصي صحت وصيته ويفرقه الوصي في سبل الخير ولا يأكل منه شيئا ولا يعطي منه وارثا للميت وخالف في ذلك أبو ثور وفاقا للحنفية في الأول دون الثاني وفيه جواز التصدق من الحي في غير مرض الموت بأكثر من ثلث ماله لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به وقال لسعد بن أبي وقاص الثلث كثير وفيه تقديم الأقرب من الأقارب على غيرهم وفيه جواز إضافة حب المال إلى الرجل الفاضل العالم ولا نقص عليه في ذلك وقد أخبر تعالى عن الإنسان انه لحب الخير لشديد والخير هنا المال اتفاقا وفيه اتخاذ الحوائط والبساتين ودخول أهل الفضل والعلم فيها والاستظلال بظلها والأكل من ثمرها والراحة والتنزه فيها قد يكون ذلك مستحبا يترتب عليه الأجر إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة وتنشيطها للطاعة وفيه كسب العقار وإباحة الشرب من دار الصديق ولو لم يكن حاضرا إذا علم طيب نفسه وفيه إباحة استعذاب الماء وتفضيل بعضه على بعض وفيه التمسك بالعموم لأن أبا طلحة فهم من قوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون تناول ذلك بجميع أفراده فلم يقف حتى يرد عليه البيان عن شيء بعينه بل بدر إلى إنفاق ما يحبه وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك واستدل به لما ذهب إليه مالك من أن الصدقة تصح بالقول من قبل القبض فإن كانت لمعين استحق المطالبة بقبضها وأن كانت لجهة عامة خرجت عن ملك القائل وكان للأمام صرفه في سبيل الصدقة وكل هذا ما إذا لم يظهر مراد المتصدق فإن ظهر أتبع وفيه جواز تولي المتصدق قسم صدقته وفيه جواز أخذ الغني من صدقة التطوع إذا حصل له بغير مسألة واستدل به على مشروعية الحبس والوقف خلافا لمن منع ذلك وأبطله ولا حجة فيه لاحتمال أن تكون صدقة أبي طلحة تمليكا وهو ظاهر سياق الماجشون عن إسحاق كما تقدم وفيه زيادة الصدقة في التطوع على قدر نصاب الزكاة خلافا لمن قيدها به وفيه فضيلة لأبي طلحة لأن الآية تضمت الحث على الإنفاق من المحبوب فترقى هو إلى إنفاق أحب المحبوب فصوب صلى الله عليه وسلم رأيه وشكر عن ربه فعله ثم أمره أن يخص بها أهله وكنى عن رضاه بذلك بقوله بخ وفيه أن الوقف يتم بقول الواقف جعلت هذا وقفا وتقدم البحث فيه قبل أبواب وأن الصدقة على الجهة العامة لا تحتاج إلى قبول معين بل للأمام قبولها منه ووضعها فيما يراه كما في قصة أبي طلحة وفيه أنه لا يعتبر في القرابة من يجمعه والواقف أبي معين لا رابع ولا غيره لأن أبيا إنما يجتمع مع أبي طلحة في الأب السادس وأنه لا يجب تقديم القريب على القريب الأبعد لأن حسانا وأخاه أقرب إلى أبي طلحة من أبي ونبيط ومع ذلك فقد أشرك معهما أبيا ونبيط بن جابر وفيه أنه لا يجب الاستيعاب لأن بني حرام الذي اجتمع فيه أبو طلحة وحسان كانوا بالمدينة كثيرا فضلا عن عمرو بن مالك الذي يجمع أبا طلحة وأبيا

[ 2618 ] قوله في حديث بن عباس أن رجلا هو سعد بن عبادة كما تقدم قريبا

قوله باب إذا وقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز قال بن المنير احترز عما إذا وقف الواحد المشاع فإن مالكا لا يجيزه لئلا يدخل الضرر على الشريك وفي هذا نظر لأن الذي يظهر أن البخاري أراد الرد على من ينكر وقف المشاع مطلقا وقد تقدم قبل أبواب أنه ترجم إذا تصدق أو وقف بعض ماله فهو جائز وقد وقف الواحد المشاع وقد تقدم البحث فيه هناك وأورد المصنف في الباب حديث أنس في قصة بناء المسجد وقد تقدم بهذا الإسناد مطولا في أبواب المساجد من أوائل كتاب الصلاة والغرض منه هنا ما اقتصر عليه من قولهم لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل فإن ظاهره أنهم تصدقوا بالأرض لله عز وجل وقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ففيه دليل لما ترجم له وأما ما ذكره الواقدي أن أبا بكر دفع ثمن الأرض لمالكها منهم وقده عشرة دنانير فإن ثبت ذلك كانت الحجة للترجمة من جهة تقرير النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر قولهم ذلك فلو كان وقف المشاع لا يجوز لأنكر عليهم وبين لهم الحكم واستدل بهذه القصة على أن حكم المسجد يثبت للبناء إذا وقع بصورة المسجد ولو لم يصرح الباني بذلك وعن بعض المالكية إن أذن فيه ثبت له حكم المسجد وعن الحنفية إن أذن للجماعة بالصلاة فيه ثبت والمسألة مشهورة ولا يثبت عند الجمهور إلا إن صرح الباني بالوقفية أو ذكر صيغة محتملة ونوى معها وجزم بعض الشافعية بمثل ما نقل عن الحنفية لكن في الموات خاصة والحق أنه ليس في حديث الباب ما يدل لإثبات ذلك ولا نفيه والله أعلم

[ 2619 ] قوله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله أي لا نطلب ثمنه من أحد لكن هو مصروف إلى الله فالاستثناء على هذا التقدير منقطع أو التقدير لا نطلب ثمنه إلا مصروفا إلى الله فهو متصل

قوله باب الوقف كيف يكتب ذكر فيه حديث بن عمر في قصة وقف عمر وقد ترجم له في آخر الشروط في الوقف وترجم له بعد هذا الوقف على الغني والفقير وبعد بابين نفقة قيم الوقف ومن قبل بأبواب ما للوصي أن يعمل في مال اليتيم هذا جميع المواضع التي أورده فيها موصولا طوله في بعضها واستدل منه بأطراف تعليقا في مواضع منها في المزارعة وفي باب هل ينتفع الواقف بوقفه وفي باب إذا وقف شيئا قبل أن يدفعه إلى غيره

[ 2620 ] قوله حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع كذا اقتصر عليه وقد أخرجه أبو داود عن مسدد عن يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ويحيى القطان ثلاثتهم عن عبد الله بن عون وقد زعم بن عبد البر أن بن عون تفرد به عن نافع وليس كما قال فقد أخرجه البخاري من رواية صخر بن جويرية عن نافع كما تقدم قبل أبواب وأخرجه مختصرا وأحمد والدارقطني مطولا من رواية أيوب وأخرجه الطحاوي من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري والنسائي من رواية عبيد الله بن عمر الأكبر المصغر وأحمد والدارقطني من وراية عبد الله بن عمر الأصغر المكبر كلهم عن نافع وسأذكر ما في روايتهم من الفوائد مفصلا إن شاء الله تعالى قوله عن نافع في رواية الأنصاري عن بن عون الماضية في آخر الشروط عن بن عون أنبأني نافع والإنباء بمعنى الأخبار عند المتقدمين جزما وقد وقع عند الطحاوي من وجه آخر عن بن عون أخبرني نافع والأنصاري المذكور أحد شيوخ البخاري أخرج عنه عدة أحاديث بغير واسطة منها حديث أبي بكر في أنصبة الزكاة وأخرج عنه في مواضع بواسطة وكان الأنصاري المذكور قاضي البصرة وقد تمذهب للكوفيين في الأوقاف وصنف في الكلام على هذا الحديث جزءا مفردا قوله عن بن عمر رضي الله عنهما قال أصاب عمر كذا لأكثر الرواة عن نافع ثم عن بن عون جعلوه في مسند بن عمر لكن أخرجه مسلم والنسائي من رواية سفيان الثوري والنسائي من طريق أبي إسحاق الفزاري كلاهما عن عبد الله بن عون والنسائي من رواية أبي إسحاق الفزاري كلاهما عن عبد الله بن عون والنسائي من رواية سعيد بن سالم عن عبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع عن بن عمر عن عمر جعله من مسند عمر والمشهور الأول قوله بخيبر أرضا تقدم في رواية صخر بن جويرية أن اسمها ثمغ وكذا لأحمد من رواية أيوب أن عمر أصاب أرضا من يهود بني حارثة يقال لها ثمغ ونحوه في رواية سعيد بن سالم المذكورة وكذا للدارقطني من طريق الدراوردي عن عبد الله بن عمر وللطحاوي من طريق يحيى بن سعيد وروى عمر بن شبة بإسناد صحيح عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر رأى في المنام ثلاث ليال أن يتصدق بثمغ وللنسائي من رواية سفيان عن عبد الله بن عمر جاء عمر فقال يا رسول الله إني أصبت ما لا لم أصب ما لا مثله قط كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها فيحتمل أن تكون ثمغ من جملة أراضي خيبر وأن مقدارها كان مقدار مائة سهم من السهام التي قسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين من شهد خيبر وهذه المائة السهم غير المائة السهم التي كانت لعمر بن الخطاب بخيبر التي حصلها من جزئه من الغنيمة وغيره وسيأتي بيان ذلك في صفة كتاب وقف عمر من عند أبي داود وغيره وذكر عمر بن شبة بإسناد ضعيف عن محمد بن كعب أن قصة عمر هذه كانت في سنة سبع من الهجرة قوله أنفس منه أي أجود والنفيس الجيد المغتبط به يقال نفس بفتح النون وضم الفاء نفاسة وقال الداودي سمي نفيسا لأنه يأخذ بالنفس وفي رواية صخر بن جويرية أني استنفدت ما لا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به وقد تقدم في مرسل أبي بكر بن حزم أنه رأى في المنام الأمر بذلك ووقع في رواية للدارقطني إسنادها ضعيف أن عمر قال يا رسول الله إني نذرت أن أتصدق بمالي ولم يثبت هذا وإنما كان صدقة تطوع كما سأوضحه من حكاية لفظ كتاب الوقف المذكور إن شاء الله تعالى قوله فكيف تأمرني به في رواية يحيى بن سعيد أن عمر استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يتصدق قوله ان شئت حبست أصلها وتصدقت بها أي بمنفعتها وبين ذلك ما في رواية عبيد الله بن عمر أحبس أصلها وسبل ثمرتها وفي رواية يحيى بن سعيد تصدق بثمره وحبس أصله قوله فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث زاد في رواية مسلم من هذا الوجه ولا تبتاع زاد الدارقطني من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع حبيس ما دامت السماوات والأرض كذا لأكثر الرواة عن نافع ولم يختلف فيه عن بن عون إلا ما وقع عند الطحاوي من طريق سعيد بن سفيان الجحدري عن بن عون فذكره بلفظ صخر بن جويرية الآتي والجحدري إنما رواه عن صخر لا عن بن عون قال السبكي اغتبطت بما وقع في رواية يحيى بن سعيد عن نافع عند البيهقي تصدق بثمره وحبس أصله لا يباع ولا يورث وهذا ظاهره أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف بقية الروايات فإن الشرط فيها ظاهره أنه من كلام عمر قلت قد تقدم قبل خمسة أبواب من طريق صخر بن جويرية عن نافع بلفظ فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره وهي أتم الروايات وأصرحها في المقصود فعزوها إلى البخاري أولى وقد علقه البخاري في المزارعة بلفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولكن لينفق ثمره فتصدق به وحكيت هناك أن الداودي الشارح أنكر هذا اللفظ ولم يظهر لي إذ ذاك سبب إنكاره ثم ظهر لي أنه بسبب التصريح برفع الشرط إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه ولو كان الشرط من قول عمر فما فعله إلا لما فهمه من النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له أحبس أصلها وسبل ثمرتها وقوله تصدق صيغة أمر وقوله فتصدق بصيغة الفعل الماصي قوله في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل جميع هؤلاء الأصناف الا الضيف هم المذكورون في آية الزكاة وقد تقدم بيانهم في كتاب الزكاة وقوله ولذي القربى يحتمل أن يكون من ذكر في الخمس كما سيأتي بيانهم ويحتمل أن يكون المراد بهم قربى الواقف وبهذا الثاني جزم القرطبي والضيف معروف وهو من نزل بقوم يريد القرى وقد تقدم القول فيه في الهبة قوله أن يأكل منها بالمعروف تقدم البحث فيه قبل أبواب قال القرطبي جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل منه يستقبح ذلك منه والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة وقيل القدر الذي يدفع به الشهوة وقيل المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى قوله أو يطعم في رواية صخر أو يؤكل بإسكان الواو وهي بمعنى يطعم قوله غير متمول فيه وفي رواية الأنصاري الماضية في آخر الشروط غير متمول به والمعنى غير متخذ منها ما لا أي ملكا والمراد أنه لا يتملك شيئا من رقابها ومالا منصوب على التمييز وزاد الأنصاري وسليم قال فحدثت به بن سيرين فقال غير متأثل ما لا والقائل فحدثت به هو بن عون رواية عن نافع بين ذلك الدارقطني من طريق أبي أسامة عن بن عون قال ذكرت حديث نافع لابن سيرين فذكره زاد سليم قال بن عون وأنبأني من قرأ هذا الكتاب أن فيه غير متأثل ما لا وفي رواية الترمذي من طريق بن علية عن بن عون حدثني رجل أنه قرأها في قطعة أديم أحمر قال بن علية وأنا قرأتها عند بن عبيد الله بن عمر كذلك وقد أخرج أبو داود صفة كتاب وقف عمر من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري قال نسخها لي عبد الله بن عبد الحميد بن عبد الله بن عمر فذكره وفيه غير متأثل والمتأثل بمثناة ثم مثلثة مشددة بينهما همزة هو المتخذ والتأثل اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم وأثلة كل شيء أصله قال الشاعر وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي واشتراط نفي التأثل يقوي ما ذهب إليه من قال المراد من قوله يأكل بالمعروف حقيقة الأكل لا الأخذ من مال الوقف بقدر العمالة قاله القرطبي وزاد أحمد من طريق حماد بن زيد عن أيوب فذكر الحديث قال حماد وزعم عمرو بن دينار أن عبد الله بن عمر كان يهدي إلى عبد الله بن صفوان من صدقة عمر وكذا رواه عمر بن شبة من طريق حماد بن زيد عن عمر وزاد عمر بن شبة عن يزيد بن هارون عن بن عون في آخر هذا الحديث وأوصى بها عمر إلى حفصة أم المؤمنين ثم إلى الأكابر من آل عمر ونحوه في رواية عبيد الله بن عمر عند الدارقطني وفي رواية أيوب عن نافع عند أحمد يليه ذوو الرأي من آل عمر فكأنه كان أولا شرط أن النظر فيه لذوي الرأي من أهله ثم عين عند وصيته لحفصة وقد بين ذلك عمر بن شبة عن أبي غسان المدني قال هذه نسخة صدقة عمر أخذتها من كتابه الذي عند آل عمر فنسختها حرفا حرفا هذا ما كتب عبد الله عمر أمير المؤمنين في ثمغ أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمره حيث أراها الله فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها قلت فذكر الشرط كله نحو الذي تقدم في الحديث المرفوع ثم قال والمائة وسق الذي أطعمني النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مع ثمغ على سننه الذي أمرت به وأن شاء ولي ثمغ أن يشتري من ثمره رقيقا يعملون فيه فعل وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم وكذا أخرج أبو داود في روايته نحو هذا وذكرا جميعا كتابا آخر نحو هذا الكتاب وفيه من الزيادة وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه صدقة كذلك وهذا يقتضي أن عمر إنما كتب كتاب وقفه في خلافته لأن معيقيبا كان كاتبه في زمن خلافته وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين فيحتمل أن يكون وقفه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ وتولى هو النظر عليه إلى أن حضرته الوصية فكتب حينئذ الكتاب ويحتمل أن يكون أخر وقفيته ولم يقع منه قبل ذلك الا استشارته في كيفيته وقد روى الطحاوي وابن عبد البر من طريق مالك عن بن شهاب قال قال عمر لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها فهذا يشعر بالاحتمال الثاني وأنه لم ينجز الوقف الا عند وصيته واستدل الطحاوي بقول عمر هذا لأبي حنيفة وزفر في أن إيقان الأرض لا يمنع من الرجوع فيها وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره ولا حجة فيما ذكره من وجهين أحدهما أنه منقطع لأن بن شهاب لم يدرك عمر ثانيهما أنه يحتمل ما قدمته ويحتمل أن يكون عمر كان يرى بصحة الوقف ولزومه إلا إن شرط الواقف الرجوع فيه فله أن يرجع وقد روى الطحاوي عن علي مثل ذلك فلا حجة فيه لمن قال بأن الوقف غير لازم مع إمكان هذا الاحتمال وأن ثبت هذا الاحتمال كان حجة لمن قال بصحة تعليق الوقف وهو عند المالكية وبه قال بن سريج وقال تعود منافعه بعد المدة المعينة إليه ثم إلى ورثته فلو كان التعليق مآلا صح اتفاقا كما لو قال وقفته على زيد سنة ثم على الفقراء وحديث عمر هذا أصل في مشروعية الوقف قال أحمد حدثنا حماد هو بن خالد حدثنا عبد الله هو العمري عن نافع عن بن عمر قال أول صدقة أي موقوفة كانت في الإسلام صدقة عمر وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سعد بن معاذ قال سألنا عن أول حبس في الإسلام فقال المهاجرون صدقة عمر وقال الأنصار صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إسناده الواقدي وفي مغازي الواقدي أن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مخيريق بالمعجمة مصغر التي أوصى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقفها النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين وجاء عن شريح أنه أنكر الحبس ومنهم من تأوله وقال أبو حنيفة لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر بن هذيل فحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان قال كان أبو يوسف يجيز بيع الوقف فبلغه حديث عمر هذا فقال من سمع هذا من بن عون فحدثه به بن علية فقال هذا لا يسع أحدا خلافه ولو بلغ أبا حنيفة لقال به فرجع عن بيع الوقف حتى صار كأنه لا خلاف فيه بين أحد اه ومع حكاية الطحاوي هذا فقد انتصر كعادته فقال قوله في قصة عمر حبس الأصل وسبل الثمرة لا يستلزم التأبيد بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره لذلك اه ولا يخفى ضعف هذا التأويل ولا يفهم من قوله وقفت وحبست الا التأييد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها حبيس ما دامت السماوات والأرض قال القرطبي رد الوقف مخالف للاجماع فلا يلتفت إليه وأحسن ما يعتذر به عمن رده ما قال أبو يوسف فإنه أعلم بأبي حنيفة من غيره وأشار الشافعي إلى أن الوقف من خصائص أهل الإسلام أي وقف الأراضي والعقار قال ولا نعرف أن ذلك وقع في الجاهلية وحقيقة الوقف شرعا ورود صيغة تقطع تصرف الواقف في رقبة الموقوف الذي يدوم الانتفاع به وتثبت صرف منفعته في جهة خير وفي حديث الباب من الفوائد جواز ذكر الولد أباه باسمه المجرد من غير كنية ولا لقب وفيه جواز إسناد الوصية والنظر على الوقف للمرأة وتقديمها على من هو من أقرانها من الرجال وفيه إسناد النظر إلى من لم يسم إذا وصف بصفة معينة تميزه وأن الواقف يلي النظر على وقفه إذا لم يسنده لغيره قال الشافعي لم يزل العدد الكثير من الصحابة فمن بعدهم يلون أوقافهم نقل ذلك الألوف عن الألوف لا يختلفون فيه وفيه استشارة أهل العلم والدين والفضل في طرق الخير سواء كانت دينية أو دنيوية وأن المشير يشير بأحسن ما يظهر له في جميع الأمور وفيه فضيلة ظاهرة لعمر لرغبته في امتثال قوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وفيه فضل الصدقة الجارية وصحة شروط الواقف وأتباعه فيها وأنه لا يشترط تعيين المصرف لفظا وفيه أن الوقف لا يكون إلا فيما له أصل يدوم الانتفاع به فلا يصح وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالطعام وفيه أنه لا يكفي في الوقف لفظ الصدقة سواء قال تصدقت بكذا أو جعلته صدقة حتى يضيف إليها شيئا آخر لتردد الصدقة بين أن تكون تمليك الرقبة أو وقف المنفعة فإذا أضاف إليها ما يميز أحد المحتملين صح بخلاف ما لو قال وقفت أو حبست فإنه صريح في ذلك على الراجح وقيل الصريح الوقف خاصة وفيه نظر لثبوت التحبيس في قصة عمر هذه نعم لو قال تصدقت بكذا على كذا وذكر جهة عامة صح وتمسك من أجاز الاكتفاء بقوله تصدقت بكذا بما وقع في حديث الباب من قوله فتصدق بها عمر ولا حجة في ذلك لما قدمته من أنه أضاف إليها لا تباع ولا توهب ويحتمل أيضا أن يكون قوله فتصدق بها عمر راجعا إلى الثمرة على حذف مضاف أي فتصدق بثمرتها فليس فيه متعلق لمن أثبت الوقف بلفظ الصدقة مجردا وبهذا الاحتمال الثاني جزم القرطبي وفيه جواز الوقف على الأغنياء لأن ذوي القربى والضيف لم يقيد بالحاجة وهو الأصح عند الشافعية وفيه أن للواقف أن يشترط لنفسه جزءا من ريع الموقوف لأن عمر شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف ولم يستثن أن كان هو الناظر أو غيره فدل عن صحة الشرط وإذا جاز في المبهم الذي تعينه العادة كان فيما يعينه هو أجوز ويستنبط منه صحة الوقف على النفس وهو قول بن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد في الأرجح عنه وقال به من المالكية بن شعبان وجمهورهم على المنع إلا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته ومن الشافعية بن سريج وطائفة وصنف فيه محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري جزءا ضخما واستدل له بقصة عمر هذه وبقصة راكب البدنة وبحديث أنس في أنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ووجه الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه باشرط وسيأتي البحث فيه في النكاح وبقصة عثمان الآتية بعد أبواب واحتج المانعون بقوله في حديث الباب سبل الثمرة وتسيل الثمرة تمليكها للغير والانسان لا يتمكن من تمليك نفسه لنفسه وتعقب بأن امتناع ذلك غير مستحيل ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة والفائدة في الوقف حاصلة لأن استحقاقه إياه ملكا غير استحقاقه إياه وقفا ولا سيما إذا ذكر له ما لا آخر فإنه حكم آخر يستفاد من ذلك الوقف واحتجوا أيضا بأن الذي يدل عليه حديث الباب أن عمر اشترط لناظر وقفه أن يأكل منه بقدر عمالته ولذلك منعه أن يتخذ لنفسه منه ما لا فلو كان يؤخذ منه صحة الوقف على النفس لم يمنعه من الاتخاذ وكأنه اشترط لنفسه أمرا لو سكت عنه لكان يستحقه لقيامه وهذا على أرجح قولي العلماء أن الواقف إذا لم يشترط للناظر قدر عمله جاز له أن يأخذ بقدر عمله ولو اشترط الواقف لنفسه النظر واشترط أجرة ففي صحة هذا الشرط عند الشافعية خلاف كالهاشمي إذا عمل في الزكاة هل يأخذ من سهم العاملين والراجح الجواز ويؤيده حديث عثمان الآتي بعد واستدل به على جواز الوقف على الوارث في مرض الموت فإن زاد على الثلث رد وإن خرج منه لزم وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن عمر جعل النظر بعده لحفصة وهي ممن يرثه وجعل لمن ولي وقفه أن يأكل منه وتعقب بأن وقف عمر صدر منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والذي أوصى به إنما هو شرط النظر واستدل به على أن الواقف إذا شرط للناظر شيئا أخذه وأن لم يشترطه له لم يجز إلا إن دخل في صفة أهل الوقف كالفقراء والمساكين فإن كان على معينين ورضوا بذلك جاز واستدل به على أن تعليق الوقف لا يصح لأن قوله حبس الأصل يناقض تأقيته وعن مالك وابن سريج يصح واستدل بقوله لا تباع على إن الوقف لا يناقل به وعن أبي يوسف إن شرط الواقف أنه إذا تعطلت منافعه بيع وصرف ثمنه في غيره ويوقف في ما سمي في الأول وكذا إن شرط البيع إذا رأى الحظ في نقله إلى موضع آخر واستدل به على وقف المشاع لأن المائة سهم التي كانت لعمر بخيبر لم تكن منقسمة وفيه أنه لا سراية في الأرض الموقوفة بخلاف العتق ولم ينقل أن الوقف سري من حصة عمر إلى غيرها من باقي الأرض وحكى بعض المتأخرين عن بعض الشافعية أنه حكم فيه بالسراية وهو شاذ منكر واستدل به على أن خيبر فتحت عنوة وسيأتي البحث فيه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب وقف الأرض للمسجد لم يختلف العلماء في مشروعية ذلك لا من أنكر الوقف ولا من نفاه إلا أن في الجزء المشاع احتمالا لبعض الشافعية قال بن الرفعة يظهر أن وقف المشاع فيما لا يمكن الانتفاع به لا يصح وجزم بن الصلاح بالصحة حتى يحرم على الجنب المكث فيه ونوزع في ذلك قال الزين بن المنير لعل البخاري أراد الرد على من خص جواز الوقف بالمسجد وكأنه قال قد نفذ وقف الأرض المذكورة قبل أن تكون مسجدا فدل على أن صحة الوقف لا تختص بالمسجد ووجه أخذه من حديث الباب أن الذين قالوا لا نطلب ثمنها إلا إلى الله كأنهم تصدقوا بالأرض المذكورة فتم انعقاد الوقف قبل البناء فيؤخذ منه أن من وقف أرضا على أن يبنيها مسجدا انعقد الوقف قبل البناء قلت ولا يخفى تكلفه

[ 2622 ] قوله حدثني إسحاق كذا للجميع إلا الأصيلي فنسبه فقال حدثنا إسحاق بن منصور ووقع في رواية أبي علي بن شبويه حدثنا إسحاق هو بن منصور وأما عبد الصمد فهو بن عبد الوارث والإسناد كله بصريون قوله بالمسجد في رواية الكشميهني ببناء المسجد وستأتي بقية مباحث الحديث في أوائل الهجرة إن شاء الله تعالى

قوله باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت هذه الترجمة معقودة لبيان وقف المنقولات والكراع بضم الكاف وتخفيف الراء اسم لجميع الخيل فهو بعد الدواب من عطف الخاص على العام والعروض بضم المهملة جمع عرض بالسكون وهو جميع ما عدا النقد من المال والصامت بالمهملة بلفظ ضد الناطق والمراد من النقد الذهب والفضة ووجه أخذ ذلك من حديث الباب المشتمل على قصة فرس عمر أنها دالة على صحة وقف المنقولات فيلحق به ما في معناه من المنقولات إذا وجد الشرط وهو تحبيس العين فلا تباع ولا تذهب بل ينتفع بها والانتفاع في كل شيء بحبسه قوله وقال الزهري الخ هو ذهاب من الزهري إلى جواز مثل ذلك وقد أخرجه عنه هكذا بن وهب في موطئه عن يونس عن الزهري ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في قصة عمر في حمله على الفرس في سبيل الله ثم وجده يباع وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الهبة واعترضه الإسماعيلي فقال لم يذكر في الباب إلا الأثر عن الزهري والحديث في قصة الفرس التي حمل عليها عمر فقط وأثر الزهري خلاف ما تقدم من الوقف الذي أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بأن يحبس أصله وينتفع بثمرته والصامت إنما ينتفع به بأن يخرج بعينه إلى شيء غيره وليس هذا بتحبيس الأصل والانتفاع بالثمرة بل المأذون فيه ما عاد منه نفع بفضل كالثمرة والغلة والارتفاق والعين قائمة فأما ما لا ينتفع به إلا بافاتة عينه فلا اه ملخصا وجواب هذا الاعتراض أن الذي حصره في الانتفاع بالصامت ليس بمسلم بل يمكن الانتفاع بالصامت بطريق الارتفاق بأن يحبس مثلا منه ما يجوز لبسه للمرأة فيصح بأن يحبس أصله وينتفع به النساء باللبس عند الحاجة إليه كما قدمت توجيهه والله أعلم

قوله باب نفقة القيم للوقف في رواية الحموي نفقة بقية الوقف والأول أظهر فإنه أورد فيه حديث أبي هريرة مرفوعا لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة وهو دال على مشروعية أجرة العامل على الوقف والمراد بالعامل في هذا الحديث القيم على الأرض والأجير ونحوهما أو الخليفة بعده صلى الله عليه وسلم ووهم من قال إن المراد به أجرة حافر قبره وقوله

[ 2624 ] لا تقتسم ورثتي بإسكان الميم على النهي وبضمها على النفي وهو الأشهر وبه يستقيم المعنى حتى لا يعارض ما تقدم عن عائشة وغيرها أنه لم يترك صلى الله عليه وسلم ما لا يورث عنه وتوجيه رواية النهي أنه لم يقطع بأنه لا يخلف شيئا بل كان ذلك محتملا فنهاهم عن قسمة ما يخلف إن اتفق أنه خلف وقوله صلى الله عليه وسلم ورثتي سماهم ورثة باعتبار أنهم كذلك بالقوة لكن منعهم من الميراث الدليل الشرعبي وهو قوله لا نورث ما تركناه صدقة وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الخمس إن شاء الله تعالى ثم أورد المصنف حديث بن عمر في وقف عمر مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفى قبل بباب وقد اعترضه الإسماعيلي بأن المحفوظ عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر ليس فيه بن عمر ثم أورده كذلك من طريق سليمان بن حرب وغير واحد عن حماد قلت لكن البخاري أخرجه عن قتيبة عنه وقتيبة من الحفاظ وقد تابعه يونس بن محمد عن حماد بن زيد فوصله أخرجه أحمد عنه مطولا ووصله أيضا يزيد بن زريع عن أيوب أخرجه الإسماعيلي وقال الحميدي لم أقف على طريق قتيبة في صحيح البخاري وهو ذهول شديد منه فإنه ثابت في جميع النسخ

قوله باب إذا وقف أرضا أو بئرا أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين هذه الترجمة معقودة لمن يشترط لنفسه من وقفه منفعة وقد قيد بعض العلماء الجواز بما إذا كانت المنفعة عامة كما تقدم قوله ووقف أنس هو بن مالك دارا فكان إذا قدم نزلها وصله البيهقي من طريق الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس أنه وقف دارا له بالمدينة فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره وهو موافق لما تقدم عن المالكية أنه يجوز أن يقف الدار ويستثني لنفسه منها بيتا قوله وتصدق الزبير بدوره وقال للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فليس لها حق وصله الدارمي في مسنده من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير جعل دوره صدقة على ينيه لا تباع ولا توهب ولا تورث وأن للمردودة من بناته فذكر نحوه ووقع في بعض النسخ من نسائه وصوبها بعض المتأخرين فوهم فإن الواقع بخلافها وقوله غير مضرة ولا مضر بها بكسر الضاد الأولى وفتح الثانية قوله وجعل بن عمر نصيبه من دار عمر سكنى لذوي الحاجات من آل عبد الله بن عمر وصله بن سعد بمعناه وفيه أنه تصدق بداره محبوسة لا تباع ولا توهب

[ 2626 ] قوله وقال عبدان الخ كذا للجميع قال أبو نعيم ذكره عن عبدان بلا رواية وقد وصله الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما من طريق القاسم بن محمد المروزي عن عبدان بتمامه وأبو إسحاق المذكور في إسناده هو السبيعي وأبو عبد الرحمن هو السلمي قال الدارقطني تفرد بهذا الحديث عثمان والد عبدان عن شعبة وقد اختلف فيه على أبي إسحاق فرواه زيد بن أبي أنيسة عنه كهذه الرواية أخرجه الترمذي والنسائي ورواه عيسى بن يونس عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي سلمة عن عثمان أخرجه النسائي أيضا وتابعه أبو قطن عن يونس أخرجه أحمد قلت وتفرد عثمان والد عبدان لا يضره فإنه ثقة واتفاق شعبة وزيد بن أبي أنيسة على روايته هكذا أرجح من انفراد يونس عن أبي إسحاق إلا أن آل الرجل أعرف به من غيرهم فيتعارض الترجيح فلعل لأبي إسحاق فيه أسنادين قوله أن عثمان أي بن عفان قوله حيث في رواية الكشميهني حين حوصر أي لما حاصره المصريون الذين أنكروا عليه تولية عبد الله بن بن سعد بن أبي سرح والقصة مشهورة وقد وقع في رواية النسائي من طريق زيد بن أبي أنيسة المذكورة قال لما حصر عثمان في داره واجتمع الناس قام فأشرف عليهم الحديث قوله أنشدكم الله في رواية الأحنف عند النسائي أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو زاد الترمذي والنسائي من رواية ثمامة بن حزن عن عثمان أنشدكم الله والإسلام قوله من حفر رومة قال بن بطال هذا وهم من بعض رواته والمعروف أن عثمان اشتراها لا أنه حفرها قلت هو المشهور في الروايات فقد أخرجه الترمذي من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فقال فيه هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب من مائها إلا بثمن لكن لا يتعين الوهم فقد روى البغوي في الصحابة من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تبيعنيها بعين في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتجعل لي فيها ما جعلت له قال نعم قال قد جعلتها للمسلمين وأن كانت أولا عينا فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئرا ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها وطواها فنسب حفرها إليه قوله فصدقوه بما قال في رواية صعصعة بن معاوية التيمي قال أرسل عثمان وهو محصور إلى علي وطلحة والزبير وغيرهم فقال احضروا غدا فأشرف عليهم فذكر الحديث بطوله أخرجه سيف في الفتوح وللنسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه بذلك هم علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وزاد الترمذي في رواية زيد بن أبي أنيسة أي عن أبي إسحاق في روايته هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد قالوا نعم وسيأتي هذا من حديث أنس في مناقب عثمان إن شاء الله تعالى وفي رواية زيد أيضا ذكر رومة لم يكن يشرب منها إلا بثمن فابتعتها فجعلتها للفقير والغني وابن السبيل وزاد النسائي من طريق الأحنف عن عثمان فقال اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك وزاد في روايته أيضا وأشياء عددها فمن تلك الأشياء ما وقع في رواية ثمامة بن حزن المذكورة هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعونني أن أصلي فيها ونحوه لإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن حبان من طريق أبي سعيد مولى أبي أسيد عن عثمان في قصة مقتله مطولا وزاد النسائي من رواية الأحنف بن قيس عن عثمان أنه اشتراها بعشرين ألفا أو بخمسة وعشرين ألفا وزاد في ذكر جيش العسرة فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا خطاما وللترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي أنه جهزهم بثلثمائة بعير ولأحمد من حديث عبد الرحمن بن سمرة أنه جاء بألف دينار في ثوبه فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم حين جهز جيش العسرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما على عثمان من عمل بعد اليوم وأخرج أسد بن موسى في فضائل الصحابة من مرسل قتادة حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة وعند أبي يعلى من وجه آخر ضعيف فجاء عثمان بسبعمائة أوقية ذهب وعند بن عدي بسند ضعيف جدا عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان عثمان في جيش العسرة فجاء بعشرة آلاف دينار ولعلها كانت عشرة آلاف درهم فتوافق رواية عبد الرحمن بن سمرة من صرف الدينار بعشرة دراهم ومن تلك الأشياء ما وقع في رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان عند أحمد والنسائي أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان يقول هذه يد الله وهذه يد عثمان الحديث وسيأتي بيان ذلك في مناقب عثمان من حديث بن عمر إن شاء تعالى ومنها ما روى الدارقطني من طريق ثمامة بن حرب عن عثمان أنه قال هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنتيه واحدة بعد أخرى رضي بن ورضى عني قالوا نعم ومنها ما أخرجه بن منده من طريق عبيد الحميري قال أشرف عثمان فقال يا طلحة أنشدك الله أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فأخذ بيدي فقال هذا جليسي في الدنيا والآخرة قال نعم وللحاكم في المستدرك من طريق أسلم أن عثمان حين حصر قال لطلحة أتذكر إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم أن عثمان رفيقي في الجنة قال نعم وفي هذا الحديث من الفوائد مناقب ظاهرة لعثمان رضي الله عنه وفيها جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة أو تحصيل منفعة وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والمكاثرة والعجب قوله وقال عمر في وقفه تقدم شرحه مستوفى قبل ثلاثة أبواب وقد ادعى الإسماعيلي وغيره أنه ليس في أحاديث الباب شيء يوافق ما ترجم به إلا أثر أنس وليس كذلك فإن جميع ما ذكره مطابق لها فأما قصة أنس فظاهرة في الترجمة وأما قصة الزبير فمن جهة أن البنت ربما كانت بكرا فطلقت قبل الدخول فتكون مؤنتها على أبيها فيلزمه إسكانها فإذا أسكنها في وقفه فكأنه اشترط على نفسه رفع كلفه وأما قصة بن عمر فتخرج على هذا المعنى لأن الآل يدخل فيهم الأولاد كبارهم وصغارهم وأما قصة عثمان فأشار إلى ما ورد في بعض طرقه وهو قوله فيما أخرجه الترمذي من طريق ثمامة بن حزن قال شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي الحديث وقد تقدم شيء من ذلك في كتاب الشرب وأما قصة عمر فقد ترجم لها بخصوصها وقد تقدم توجيه ذلك قبل أبواب

قوله باب إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى أورد فيه حديث أنس في قول بني النجار لا نطلب ثمنه إلا إلى الله أورده مختصرا جدا وقد تقدم بسنده وزيادة في متنه قبل خمسة أبواب قال الإسماعيلي المعنى أنهم لم يبيعوه ثم جعلوه مسجدا إلا أن قول المالك لا أطلب ثمنه إلا إلى الله لا يصيره وقفا وقد يقول الرجل هذا لعبد فلا يصيره وقفا ويقوله للمدبر فيجوز بيعه وقال بن المنير مراد البخاري أن الوقف يصح بأي لفظ دل عليه إما بمجرده وإما بقرينة والله أعلم كذا قال وفي الجزم بأن هذا مراده نظر بل يحتمل أنه أراد أنه لا يصير بمجرد ذلك وقفا

قوله باب قول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إلى قوله والله لا يهدي القوم الفاسقين كذا لأبي ذر وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآيات الثلاث قال الزجاج في المعاني هذه الآيات الثلاث من أشكل ما في القرآن إعرابا وحكما ومعنى قوله الأوليان وأحدهما أولى ومنه أولى به أي أحق به ووقع هذا في رواية الكشميهني لأبي ذر وحده وكذا الذي بعده والمعنى وآخران أي شاهدان آخران يقومان مقام الشاهدين الأولين من الذين استحق عليهم أي من الذين حق عليهم وهم أهل الميت وعشيرته والأوليان أي الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وارتفع الأوليان بتقديرهما كأنه قيل من الشاهدان فأجيب الأوليان أو هما بدل من الضمير في يقومان أو من آخران ويجوز أن يرتفعا باستحق أي من الذين استحق عليهم انتداب الأولين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال ولهذا قال أبو إسحاق الزجاج هذا الموضع من أصعب ما في القرآن اعرابا قال الشهاب السمين ولقد صدق والله فيما قال ثم بسط القول في ذلك وختمه بأن قال وقد جمع الزمخشري ما قلته بأوجز عبارة فقال فذكر ما تقدم فلذلك اقتصرت عليه قوله عثر ظهر أعثرنا أظهرنا قال أبو عبيدة في المجاز قوله فإن عثر على أنهما استحقا إثما أي فإن ظهر عليه وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة فإن عثر على أنهما استحقا إثما أن اطلع منهما على خيانة وأما تفسير أعثرنا فقال الفراء قوله أعثرنا عليهم أي أظهرنا وأطلعنا قال وكذلك قوله فإن عثر أي اطلع

[ 2628 ] قوله وقال لي علي بن عبد الله أي بن المديني كذا لأبي ذر والأكثر وفي رواية النسفي وقال علي بحذف المحاورة وكذا جزم به أبو نعيم لكن أخرجه المصنف في التاريخ فقال حدثنا علي بن المديني وهذا مما يقوي ما قررته غير مرة من أنه يعبر بقوله وقال لي في الأحاديث التي سمعها لكن حيث يكون في إسنادها عنده نظر أو حيث تكون موقوفة وأما من زعم أنه يعبر بها فيما أخذه في المذاكرة أو بالمناولة فليس عليه دليل قوله بن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا ومحمد بن أبي القاسم يقال له الطويل ولا يعرف اسم أبيه وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وتوقف فيه البخاري مع كونه أخرج حديثه هذا هنا فروى النسفي عن البخاري قال لا أعرف محمد بن أبي القاسم هذا كما ينبغي وفي نسخة الصغاني كما أشتهي وقد روى عنه أيضا أبو أسامة وكان علي بن عبد الله يعني بن المديني استحسنه وزاد في نسخة الصغاني أن الفربري قال قلت للبخاري رواه غير محمد بن أبي القاسم قال لا وقد روى عنه أبو أسامة أيضا لكنه ليس بمشهور وروى عمر البجيري بالموحدة والجيم مصغرا عن البخاري نحو هذا وزاد قيل له رواه يعني هذا الحديث غير محمد بن أبي القاسم فقال لا وهو غير مشهور قلت وما له في البخاري ولا لشيخه عبد الملك بن سعيد بن جبير غير هذا الحديث الواحد ورجال الإسناد ما بين علي بن عبد الله وابن عباس كوفيون قوله خرج رجل من بني سهم هو بزيل بموحدة وزاي مصغر وكذا ضبطه بن ماكولا ووقع في رواية الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس عن تميم نفسه عند الترمذي والطبري بديل بدال بدل الزاي ورأيته في نسخة صحيحة من تفسير الطبري بريل براء بغير نقطة ولابن منده من طريق السدي عن الكلبي بديل بن أبي مارية ومثله في رواية عكرمة وغيره عند الطبري مرسلا لكنه لم يسمه ووهم من قال فيه بديل بن ورقاء فإنه خزاعي وهذا سهمي وكذا وهم من ضبطه بذيل بالذال المعجمة ووقع في رواية بن جريج أنه كان مسلما وكذا أخرجه بسنده في تفسيره قوله مع تميم الداري أي الصحابي المشهور وذلك قبل أن يسلم تميم كما سيأتي وعلى هذا فهو مرسل الصحابي لأن بن عباس لم يحضر هذه القصة وقد جاء في بعض الطرق أنه رواها عن تميم نفسه بين ذلك الكلبي في روايته المذكورة فقال عن بن عباس عن تميم الداري قال بريء الناس من هذه الآية غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشام في تجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم ويحتمل أن تكون القصة وقعت قبل الإسلام ثم تأخرت المحاكمة حتى أسلموا كلهم فإن في القصة ما يشعر بأن الجميع تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلعلها كانت بمكة سنة الفتح قوله وعدي بن بداء بفتح الموحدة وتشديد المهملة مع المد لم تختلف الروايات في ذلك إلا ما رأيته في كتاب القضاء الكرابيسي فإنه سماه البداء بن عاصم وأخرجه عن معلى بن منصور عن يحيى بن أبي زائدة ووقع عند الواقدي أن عدي بن بداء كان أخا تميم الداري فإن ثبت فلعله أخوه لأمه أو من الرضاعة لكن في تفسير مقاتل بن حبان أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميم والآخر يماني قوله فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم في رواية الكلبي فمرض السهمي فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله قال تميم فلما مات أخذنا من تركته جاما وهو أعظم تجارته فبعناه بألف درهم فاقتسمتها أنا وعدي قوله فلما قدما بتركته فقدوا جاما في رواية بن جريج عن عكرمة أن السهمي المذكور مرض فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه ثم أوصى إليهما فلما مات فتحا متاعه ثم قدما على أهله فدفعا إليهم ما أراد ففتح أهله متاعه فوجدوا الوصية وفقدوا أشياء فسألوهما عنها فجحدا فرفعوهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية إلى قوله من الآثمين فأمرهم أن يستحلفوهما قوله جاما بالجيم وتخفيف الميم أي إناء قوله مخوصا بخاء معجمة واو ثقيلة بعدها مهملة أي منقوشا فيه صفة الخوص ووقع في بعض نسخ أبي داود مخوضا بالضاد المعجمة أي مموها والأول أشهر ووقع في رواية بن جريج عن عكرمة إناء من فضة منقوش بذهب وزاد في روايته أن تميما وعديا لما سئلا عنه قالا اشتريناه منه فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت فان عثر على أنهما استحقا اثما ووقع في رواية الكلبي عن تميم فلما أسلمت تأثمت فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها قوله فقام رجلان من أولياء السهمي أي الميت وقع في رواية الكلبي فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم وسمي مقاتل بن سليمان في تفسير الآخر المطلب بن أبي وداعة وهو السهمي أيضا لكنه سمي الأول عبد الله بن عمرو بن العاص وكذا جزم به يحيى بن سلام في تفسيره وقول من قال عمرو بن العاص أظهر والله أعلم واستدل بهذا الحديث لجواز رد اليمين على المدعي فيحلف ويستحق وسيأتي البحث فيه واستدل به بن سريج الشافعي المشهور للحكم بالشاهد واليمين وتكلف في انتزاعه فقال إن قوله تعالى فان عثر على أنهما استحقا اثما لا يخلوا إما أن يقرا أو يشهد عليهما شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد واحد قال وقد أجمعوا على أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينا على الطالب وكذلك مع الشاهدين ومع الشاهد والمرأتين فلم يبق إلا شاهد واحد فلذلك استحق الطالبان يمينهما مع الشاهد الواحد وهذا الذي قاله متعقب بأن القصة وردت من طرق متعددة في سبب النزول ليس في شيء منها أنه كان هناك من يشهد بل في رواية الكلبي فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوا أي عديا بما يعظم على أهل دينه واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير الكفار والمعنى منكم أي من أهل دينكم أو آخران من غيركم أي من غير أهل دينكم وبذلك قال أبو حنيفة ومن تبعه وتعقب بأنه لا يقول بظاهرها فلا يجيز شهادة الكفار على المسلمين وإنما يجيز شهادة بعض الكفار على بعض وأجيب بأن الآية دلت بمنطوقها على قبول شهادة الكافر على المسلم وبايمائها على قبول شهادة الكافر على الكافر بطريق الأولى ثم دل الدليل على أن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة فبقيت شهادة الكافر على الكافر على حالها وخص جماعة القبول بأهل الكتاب وبالوصية وبفقد المسلم حينئذ منهم بن عباس وأبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وشريح وابن سيرين والأوزاعي والثوري وأبو عبيد وأحمد وهؤلاء أخذوا بظاهر الآية وقوى ذلك عندهم حديث الباب فإن سياقه مطابق لظاهر الآية وقيل المراد بالغير العشيرة والمعنى منكم أو من عشيرتكم أو آخران من غيركم أو من غير عشيرتكم وهو قول الحسن واحتج له النحاس بأن لفظ آخر لا بد أن يشارك الذي قبله في الصفة حتى لا يسوغ أن تقول مررت برجل كريم ولئيم آخر فعلى هذا فقد وصف الاثنان بالعدالة فيتعين أن يكون الآخران كذلك وتعقب بأن هذا وأن ساغ في الآية الكريمة لكن الحديث دل على خلاف ذلك والصحابي إذا حكى سبب النزول كان ذلك في حكم الحديث المرفوع اتفاقا وأيضا ففي ما قال رد المختلف فيه بالمختلف فيه لأن اتصاف الكافر بالعدالة مختلف فيه وهو فرع قبول شهادته فمن قبلها وصفه بها ومن لا فلا واعترض أبو حبان على المثال الذي ذكره النحاس بأنه غير مطابق فلو قلت جاءني رجل مسلم وآخر كافر صح بخلاف ما لو قلت جاءني رجل مسلم وكافر آخر والآية من قبيل الأول لا الثاني لأن قوله أو آخران من جنس قوله اثنان لأن كلا منهما صفة رجلان فكأنه قال فرجلان اثنان ورجلان آخران وذهب جماعة من الأئمة إلى أن هذه الآية منسوخة وأن ناسخها قوله تعالى ممن ترضون من الشهداء واحتجوا بالإجماع على رد شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق وأجاب الأولون بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن حتى صح عن بن عباس وعائشة وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلف أن سورة المائدة محكمة وعن بن عباس أن الآية نزلت فيمن مات مسافرا وليس عنده أحمد من المسلمين فإن اتهما استحلفا أخرجه الطبري بإسناد رجاله ثقات وأنكر أحمد على من قال أن هذه الآية منسوخة وصح عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم فروى أبو داود بإسناد رجاله ثقات عن الشعبي قال حضرت رجلا من المسلمين الوفاة بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة بتركته ووصيته فأخبر الأشعري فقال هذا لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا كتما ولا بدلا وأمضى شهادتهما ورجح الفخر الرازي وسبقه الطبري لذلك أن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا خطاب للمؤمنين فلما قال أو آخران وضح أنه أراد غير المخاطبين فتعين أنهما من غير المؤمنين وأيضا فجواز استشهاد المسلم ليس مشروطا بالسفر وأن أبا موسى حكم بذلك فلم ينكره أحد من الصحابة فكان حجة وذهب الكرابيسي ثم الطبري وآخرون إلى أن المراد بالشهادة في الآية اليمين قال وقد سمي الله اليمين شهادة في آية اللعان وأيدوا ذلك بالإجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول أشهد بالله وأن الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحق قالوا فالمراد بالشهادة اليمين لقوله فيقسمان بالله أي يحلفان فإن عرف أنهما حلفا على الإثم رجعت اليمين على الأولياء وتعقب بأن اليمين لا يشترط فيها عدد ولا عدالة بخلاف الشهادة وقد اشترطا في هذه القصة فقوي حملها على أنها شهادة وأما اعتلال من اعتل في ردها بأنها تخالف القياس والأصول لما فيها من قبول شهادة الكافر وحبس الشاهد وتحليفه وشهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فقد أجاب من قال به بأنه حكم بنفسه مستغنى عن نظيره وقد قبلت شهادة الكافر في بعض المواضع كما في الطب وليس المراد بالحبس السجن وإنما المراد الإمساك لليمين ليحلف بعد الصلاة وأما تحليف الشاهد فهو مخصوص بهذه الصورة عند قيام الريبة وأما شهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فإن الآية تضمنت نقل الأيمان إليهم عند ظهور اللوث بخيانة الوصيين فيشرع لهما أن يحلفا ويستحقا كما يشرع لمدعي الدم في القسامة أن يحلف ويستحق فليس هو من شهادة المدعي لنفسه بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة لقوة جانبه وأي فرق بين ظهور اللوث في صحة الدعوى بالدم وظهوره في صحة الدعوى بالمال وحكى الطبري أن بعضهم قال المراد بقوله اثنان ذوا عدل منكم الوصيان قال والمراد شهادة بينكم معنى الحضور لما يوصيهما به الموصي ثم زيف ذلك

قوله باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة قال الداودي لا خلاف بين العلماء في حكم هذه التراجم أنه جائز

[ 2629 ] قوله حدثنا محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب عنه هكذا وقع هنا بالشك وقد روى البخاري عن أبي جعفر محمد بن سابق البغدادي مولى بني تميم بواسطة في أول حديث في الجهاد وهو عقب هذا سواء وفي المغازي والنكاح والأشربة ولم يرو عنه بغير واسطة إلا في هذا الموضع مع التردد في ذلك وأما الفضل بن يعقوب فتقدم ذكره في البيوع وأخرج عنه أيضا في الجزية وغيرها وشيبان هو بن عبد الرحمن وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وحديث جابر المذكور يأتي الكلام عليه مستوفى في علامات النبوة وقد سبق في الصلح والاستقراض وفي الهبة وغيرها وقوله فيه أذهب فبيدر بفتح الموحدة وسكون التحتانية بعدها دال مكسورة بصيغة فعل الأمر أي اجعل كل صنف في بيدر أي جرين يخصه ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي فبادر وقوله ولا أرجع إلى أخواتي تمرة كذا للأكثر بنزع الخافض وللكشميهني بتمرة بإثباتها قوله قال أبو عبد الله أغروا بي يعني هيجوا بي فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء وقع هذا للمستملي وحده وأغروا بضم الهمزة مبني لما لم يسم فاعله يقال أغرى بكذا إذا لهج به وأولع وقال أبو عبيدة في المجاز في قوله تعالى فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الإغراء التهييج والافساد والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب الوصايا وما معه من أبواب الوقف من الأحاديث المرفوعة على ستين حديثا المعلق منها ثمانية عشر طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وأربعون حديثا والخالص ثمانية عشر حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عمرو بن الحارث ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وحديث بن عباس كان المال للولد وحديثه هما واليان وحديثه في قصة تميم الداري وحديث الدين قبل الوصية وأما حديث لا صدقة إلا عن ظهر غنى فمذكور عند مسلم بالمعنى وأما حديث عثمان في بئر رومة فما عنده لكن تقدم في الشرب مختصرا معلقا وأغفله المزي في الأطراف هنا وهناك وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم اثنان وعشرون أثرا والله تعالى أعلم