كتاب الجهاد والسير
 قوله كتاب الجهاد كذا لابن شبويه وكذا النسفي لكن قدم البسمله وسقط كتاب للباقين واقتصروا على باب فضل الجهاد لكن عند القابسي كتاب فضل الجهاد ولم يذكر باب ثم قال بعد أبواب كثيرة كتاب الجهاد باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وسيأتي والجهاد بكسر الجيم أصله لغة المشقة يقال جهدت جهادا بلغت المشقة وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق فأما مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب وأما مجاهدة الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب وقد روى النسائي من حديث سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة بن الفاكه بالفاء وكسر الكاف بعدها هاء في اثناء حديث طويل قال فيقول أي الشيطان يخاطب الإنسان تجاهد فهو جهد النفس والمال واختلف في جهاد الكفار هل كان أولا فرض عين أو كفاية وسيأتي البحث فيه في باب وجوب النفير

قوله باب فضل الجهاد والسير بكسر المهملة وفتح التحتانية جمع سيرة وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته قوله وقول الله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآيتين إلى قوله وبشر المؤمنين كذا للنسفي وابن شبويه وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآيتين جميعا وعند أبي ذر إلى قوله وعدا عليه حقا ثم قال إلى قوله والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين والمراد بالمبايعة في الآية ما وقع في ليلة العقبة من الأنصار أو أعم من ذلك وقد ورد ما يدل على الاحتمال الأول عند أحمد عن جابر وعند الحاكم في الإكليل عن كعب بن مالك وفي مرسل محمد بن كعب قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك قال الجنة قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزل إن الله اشترى الآية قوله قال بن عباس الحدود الطاعة وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عنه في قوله تلك حدود الله يعني طاعة الله وكأنه تفسير باللازم لأن من أطاع وقف عند امتثال أمره واجتناب نهيه ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الأول حديث بن مسعود أي العمل أفضل وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت وأغرب الداودي فقال في شرح هذا الحديث أن أوقع الصلاة في ميقاتها كان الجهاد مقدما على بر الوالدين وإن أخرها كان البر مقدما على الجهاد ولا أعرف له في ذلك مستندا فالذي يظهر أن تقديم الصلاة على الجهاد والبر لكونها لازمة للمكلف في كل أحيانه وتقديم البر على الجهاد لتوقفه على إذن الأبوين وقال الطبري إنما خص النبي صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة بالذكر لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات فإن من ضيع الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها من غير عذر مع خفة مؤنتها عليه وعظيم فضلها فهو لما سواها أضيع ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل برا ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عداوتهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك فظهر أن الثلاثة تجتمع في أن من حافظ عليها كان لما سواها أحفظ ومن ضيعها كان لما سواها أضيع الثاني حديث بن عباس لا هجرة بعد الفتح وسيأتي شرحه بعد أبواب في باب وجوب النفير الثالث حديث عائشة جهادكن الحج وقد تقدم شرحه في كتاب الحج ووجه دخوله في هذا الباب من تقريره صلى الله عليه وسلم لقولها نرى الجهاد أفضل الأعمال الرابع

[ 2633 ] قوله حدثنا إسحاق كذا للأكثر غير منسوب وللأصيلي وابن عساكر حدثنا إسحاق بن منصور وأما أبو على الجياني فقال لم أره منسوبا لأحد وهو إما بن راهويه أو بن منصور قوله جاء رجل لم أقف على اسمه قوله قال لا أجده هو جواب النبي صلى الله عليه وسلم وقوله قال هل تستطيع كلام مستأنف ولمسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه بلفظ قيل ما يعدل الجهاد قال لا تستطيعونه فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثة كل ذلك يقول لا تستطيعونه وقال في الثالثة مثل الجهاد في سبيل الله الحديث وأخرج الطبراني نحو هذا الحديث من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه وقال في آخره لم يبلغ العشر من عمله وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب الذي يليه قوله قال ومن يستطيع ذلك في رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان قال لا أستطيع ذلك وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي أن لا يعدل الجهاد شيء من الأعمال وأما ما تقدم في كتاب العيدين من حديث بن عباس مرفوعا ما العمل في أيام أفضل منه في هذه يعني أيام العشر قالوا ولاالجهاد في سبيل الله قال ولاالجهاد فيحتمل أن يكون عموم حديث الباب خص بما دل عليه حديث بن عباس ويحتمل أن يكون الفضل الذي في حديث الباب مخصوصا بمن خرج قاصدا المخاطرة بنفسه وماله فأصيب كما في بقية حديث بن عباس خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء فمفهومه أن من رجع بذلك لا ينال الفضيلة المذكورة لكن يشكل عليه ما وقع في آخر حديث الباب وتوكل الله للمجاهد الخ ويمكن أن يجاب بأن الفضل المذكور أولا خاص بمن لم يرجع ولا يلزم من ذلك أن لا يكون لمن يرجع أجر في الجملة كما سيأتي البحث فيه في الذي بعده وأشد مما تقدم في الإشكال ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله فإنه ظاهر في أن الذكر بمجرده أفضل من أبلغ ما يقع للمجاهد وأفضل من الإنفاق مع ما في الجهاد والنفقة من النفع المتعدي قال عياض اشتمل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد لأن الصيام وغيره مما ذكر من فضائل الأعمال قد عدلها كلها الجهاد حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة معادلة لأجر المواظب على الصلاة وغيرها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لا تستطيع ذلك وفيه أن الفضائل لاتدرك بالقياس وإنما هي إحسان من الله تعالى لمن شاء واستدل به على أن الجهاد أفضل الأعمال مطلقا لما تقدم تقريره وقال بن دقيق العيد القياس يقتضي أن يكون الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل لأن الجهاد وسيلة إلى اعلان الدين ونشره وإخماد الكفر ودحضه ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم قوله قال أبو هريرة إن فرس المجاهد ليستن أي يمرح بنشاط وقال الجوهري هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا وقال غيره أن يلج في عدوه مقبلا أو مدبرا وفي المثل استنت الفصال حتى القرعى يضرب لمن يتشبه بمن هو فوقه وقوله في طوله بكسر المهملة وفتح الواو وهو الحبل الذي يشد به الدابة ويمسك طرفه ويرسل في المرعى وقوله فيكتب له حسنات بالنصب على أنه مفعول ثان أي يكتب له الاستنان حسنات وهذا القدر ذكره أبو حصين عن أبي صالح هكذا موقوفا وسيأتي بعد بضعة وأربعين بابا في باب الخيل ثلاثة من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح مرفوعا ويأتي بقية الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى

قوله باب أفضل الناس مؤمن مجاهد في رواية الكشميهني يجاهد بلفظ المضارع قوله وقوله يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة أي تفسير هاتين الآيتين وقد روى بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير أن هذه الآية لما نزلت قال المسلمون لو علمنا هذه التجارة لاعطينا فيها الأموال والأهلين فنزلت تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون الآية هكذا ذكره مرسلا وروى هو والطبري من طريق قتادة قال لولا أن الله بينها ودل عليها لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها حتى يطلبونها

[ 2634 ] قوله قيل يا رسول الله لم أقف على اسمه وقد تقدم أن أبا ذر سأله عن نحو ذلك قوله أي الناس أفضل في رواية مالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا ووصله الترمذي والنسائي وابن حبان من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن عطاء بن يسار عن بن عباس خير الناس منزلا وفي رواية للحاكم أي الناس أكمل إيمانا وكأن المراد بالمؤمن من قام بما تعين عليه القيام به ثم حصل هذه الفضيلة وليس المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الواجبات العينية وحينئذ فيظهر فضل المجاهد لما فيه من بذل نفسه وماله لله تعالى ولما فيه من النفع المتعدي وإنما كان المؤمن المعتزل يتلوه في الفضيلة لأن الذي يخالط الناس لا يسلم من ارتكاب الاثام فقد لا يفي هذا بهذا وهو مقيد بوقوع الفتن قوله مؤمن في شعب في رواية مسلم من طريق معمر عن الزهري رجل معتزل قوله يتقي الله في رواية مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري يعبد الله وفي حديث بن عباس معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس والترمذي وحسنه والحاكم وصححه من طريق بن أبي ذئاب عن أبي هريرة أن رجلا مر بشعب فيه عين عذبة فأعجبه فقال لو اعتزلت ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما وفي الحديث فضل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو ونحو ذلك وأما اعتزال الناس أصلا فقال الجمهور محل ذلك عند وقوع الفتن كما سيأتي بسطه في كتاب الفتن ويؤيد ذلك رواية بعجة بن عبد الله عن أبي هريرة مرفوعا يأتي على الناس زمان يكون خير الناس فيه منزلة من أخذ بعنان فرسه في سبيل الله يطلب الموت في مظانه ورجل في شعب من هذه الشعاب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويدع الناس الا من خير أخرجه مسلم وابن حبان من طريق أسامة بن زيد الليثي عن بعجة وهو بموحدة وجيم مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة قال بن عبد البر إنما أوردت هذه الأحاديث بذكر الشعب والجبل لأن ذلك في الأغلب يكون خاليا من الناس فكل موضع يبعد على الناس فهو داخل في هذا المعنى

[ 2635 ] قوله مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله فيه إشارة إلى اعتبار الإخلاص وسيأتي بيانه في حديث أبي موسى بعد اثنى عشر بابا قوله كمثل الصائم القائم ولمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا وصيام زاد النسائي من هذا الوجه الخاشع الراكع الساجد وفي الموطأ وابن حبان كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع ولأحمد والبزار من حديث النعمان بن بشير مرفوعا مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره القائم ليله وشبه حال الصائم القائم بحال المجاهد في سبيل الله في نيل الثواب في كل حركة وسكون لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة عن العبادة فأجره مستمر وكذلك المجاهد لاتضيع ساعة من ساعاته بغير ثواب لما تقدم من حديث أن المجاهد لتستن فرسه فيكتب له حسنات وأصرح منه قوله تعالى ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب الآيتين قوله وتوكل الله الخ تقدم معناه مفردا في كتاب الإيمان من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة وسياقه أتم ولفظه انتدب الله ولمسلم من هذا الوجه بلفظ تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وفيه التفات وأن فيه انتقالا من ضمير الحضور إلى ضمير الغيبة وقال بن مالك فيه حذف القول والاكتفاء بالمقول وهو سائغ شائع سواء كان حالا أو غير حال فمن الحال قوله تعالى ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت أي قائلين ربنا وهذا مثله أي قائلا لا يخرجه الخ وقد اختلفت الطرق عن أبي هريرة في سياقه فرواه مسلم من طريق الأعرج عنه بلفظ تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته وسيأتي كذلك من طريق أبي الزناد في كتاب الخمس وكذلك أخرجه مالك في الموطأ عن أبي الزناد في كتاب الخمس وأخرجه الدارمي من وجه آخر عن أبي الزناد بلفظ لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله وتصديق كلماته نعم أخرجه أحمد والنسائي من حديث بن عمر فوقع في روايته التصريح بأنه من الأحاديث الإلهية ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه قال أيما عبد من عبادي خرج مجاهدا في سبيلي ابتغاء مرضاتي ضمنت له إن رجعته أن أرجعه بما أصاب من أجر أو غنيمة الحديث رجاله ثقات وأخرجه الترمذي من حديث عبادة بلفظ يقول الله عز وجل المجاهد في سبيلي هو علي ضامن إن رجعته رجعته بأجر أو غنيمة الحديث وصححه الترمذي وقوله تضمن الله وتكفل الله وانتدب الله بمعنى واحد ومحصله تحقيق الوعد المذكور في قوله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وذلك التحقيق على وجه الفضل منه سبحانه وتعالى وقد عبر صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه وتعالى بتفضله بالثواب بلفظ الضمان ونحوه مما جرت به عادة المخاطبين فيما تطمئن به نفوسهم وقوله لا يخرجه إلا الجهاد نص على اشتراط خلوص النية في الجهاد وسيأتي بسط القول فيه بعد أحد عشر بابا وقوله فهو على ضامن أي مضمون أو معناه أنه ذو ضمان قوله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أي بأن يدخله الجنة إن توفاه في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان ان توفاه بالشرطية والفعل الماضي أخرجه الطبراني وهو أوضح قوله أن يدخله الجنة أي بغير حساب ولا عذاب أو المراد أن يدخله الجنة ساعة موته كما ورد أن أرواح الشهداء تسرح في الجنة وبهذا التقرير يندفع إيراد من قال ظاهر الحديث التسوية بين الشهيد والراجع سالما لأن حصول الأجر يستلزم دخول الجنة ومحصل الجواب أن المراد بدخول الجنة دخول خاص قوله أو يرجعه بفتح أوله وهو منصوب بالعطف على يتوفاه قوله مع أجر أو غنيمة أي مع أجر خالص إن لم يغنم شيئا أو مع غنيمة خالصة معها الجر وكأنه سكت عن الأجر الثاني الذي مع الغنيمة لنقصه بالنسبة إلى الأجر الذي بلا غنيمة والحامل على هذا التأويل أن ظاهر الحديث أنه إذا غنم لا يحصل له أجر وليس ذلك مرادا بل المراد أو غنيمة معها أجر انقص من أجر من لم يغنم لأن القواعد تقتضي أنه عند عدم الغنيمة أفضل منه وأتم أجرا عند وجودها فالحديث صريح في نفي الحرمان وليس صريحا في نفي الجمع وقال الكرماني معنى الحديث أن المجاهد إما يستشهد أو لا والثاني لا ينفك من أجر أو غنيمة مع إمكان اجتماعهما فهي قضية مانعة الخلو لا الجمع وقد قيل في الجواب عن هذا الاشكال إن أو بمعنى الواو وبه جزم بن عبد البر والقرطبي ورجحها التوربشتي والتقدير بأجر وغنيمة وقد وقع كذلك في رواية لمسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة رواه كذلك عن يحيى بن يحيى عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وقد رواه جعفر الفريابي وجماعة عن يحيى بن يحيى فقالوا أجر أو غنيمة بصيغة أو وقد رواه مالك في الموطأ بلفظ أو غنيمة ولم يختلف عليه إلا في رواية يحيى بن بكير عنه فوقع فيه بلفظ وغنيمة ورواية يحيى بن بكير عن مالك فيها مقال ووقع عند النسائي من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بالواو أيضا وكذا من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة وكذلك أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة بلفظ بما نال من أجر وغنيمة فإن كانت هذه الروايات محفوظة تعين القول بأن أو في هذا الحديث بمعنى الواو كما هو مذهب نحاة الكوفيين لكن فيه إشكال صعب لأنه يقتضي من حيث المعنى أن يكون الضمان وقع بمجموع الأمرين لكل من رجع وقد لا يتفق ذلك فإن كثيرا من الغزاة يرجع بغير غنيمة فما فر منه الذي ادعى أن أو بمعنى الواو وقع في نظيره لأنه يلزم على ظاهرها أن من رجع بغنيمة رجع بغير أجر كما يلزم على أنها بمعنى الواو أن كل غاز يجمع له بين الأجر والغنيمة معا وقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم وهذا يؤيد التأويل الأول وأن الذي يغنم يرجع بأجر لكنه انقص من أجر من لم يغنم فتكون الغنيمة في مقابلة جزء من أجر الغزو فإذا قوبل أجر الغانم بما حصل له من الدنيا وتمتعه به بأجر من لم يغنم مع اشتراكهما في التعب والمشقة كان أجر من غنم دون أجر من لم يغنم وهذا موافق لقول خباب في الحديث الصحيح الآتي فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا الحديث واستشكل بعضهم نقص ثواب المجاهد بأخذه الغنيمة وهو مخالف لما يدل عليه أكثر الأحاديث وقد اشتهر تمدح النبي صلى الله عليه وسلم بحل الغنيمة وجعلها من فضائل أمته فلو كانت تنقص الأجر ما وقع التمدح بها وأيضا فإن ذلك يستلزم أن يكون أجر أهل بدر أنقص من أجر أهل أحد مثلا مع أن أهل بدر أفضل بالاتفاق وسبق إلى هذا الإشكال بن عبد البر وحكاه عياض وذكر أن بعضهم أجاب عنه بأنه ضعف حديث عبد الله بن عمرو لأنه من رواية حميد بن هانئ وليس بمشهور وهذا مردود لأنه ثقة يحتج به عند مسلم وقد وثقه النسائي وابن يونس وغيرهما ولا يعرف فيه تجريح لأحد ومنهم من حمل نقص الأجر على غنيمة أخذت على غير وجهها وظهور فساد هذا الوجه يغني عن الإطناب في رده إذ لو كان الأمر كذلك لم يبق لهم ثلث الأجر ولا أقل منه ومنهم من حمل نقص الأجر على من قصد الغنيمة في ابتداء جهاده وحمل تمامه على من قصد الجهاد محضا وفيه نظر لأن صدر الحديث مصرح بأن المقسم راجع إلى من اخلص لقوله في أوله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي وقال عياض الوجه عندي إجراء الحديثين على ظاهرهما واستعمالهما على وجههما ولم يجب عن الإشكال المتعلق بأهل بدر وقال بن دقيق العيد لاتعارض بين الحديثين بل الحكم فيهما جار على القياس لأن الأجور تتفاوت بحسب زيادة المشقة فيما كان أجره بحسب مشقته إذ للمشقه دخول في الأجر وإنما المشكل العمل المتصل بأخذ الغنائم يعني فلو كانت تنقص الأجر لما كان السلف الصالح يثابرون عليها فيمكن أن يجاب بأن أخذها من جهة تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض لأن أخذ الغنائم أول ما شرع كان عونا على الدين وقوة لضعفاء المسلمين وهي مصلحة عظمى يغتفر لها بعض النقص في الأجر من حيث هو وأما الجواب عمن استشكل ذلك بحال أهل بدر فالذي ينبغي أن يكون التقابل بين كمال الأجر ونقصانه لمن يغزو بنفسه إذا لم يغنم أو يغزو فيغنم فغايته أن حال أهل بدر مثلا عند عدم الغنيمة أفضل منه عند وجودها ولا ينفي ذلك أن يكون حالهم أفضل من حال غيرهم من جهة أخرى ولم يرد فيهم نص أنهم لو لم يغنموا كان أجرهم بحاله من غير زيادة ولا يلزم من كونه مغفورا لهم وأنهم أفضل المجاهدين أن لا يكون وراءهم مرتبة أخرى وأما الاعتراض بحل الغنائم فغير وارد إذ لا يلزم من الحل ثبوت وفاء الأجر لكل غاز والمباح في الأصل لا يستلزم الثواب بنفسه لكن ثبت أن أخذ الغنيمة واستيلاءها من الكفار يحصل الثواب ومع ذلك فمع صحة ثبوت الفضل في أخذ الغنيمة وصحة التمدح بأخذها لا يلزم من ذلك أن كل غاز يحصل له من أجر غزاته نظير من لم يغنم شيئا البتة قلت والذي مثل بأهل بدر أراد التهويل وإلا فالأمر على ما تقرر آخرا بأنه لا يلزم من كونهم مع أخذ الغنيمة أنقص أجرا مما لو لم يحصل لهم أجر الغنيمة أن يكونوا في حال أخذهم الغنيمة مفضولين بالنسبة إلى من بعدهم كمن شهد أحدا لكونهم لم يغنموا شيئا بل أجر البدري في الأصل أضعاف أجر من بعده مثال ذلك أن يكون لو فرض أن أجر البدري بغير غنيمة ستمائة وأجر الأحدى مثلا بغير غنيمة مائة فإذا نسبنا ذلك باعتبار حديث عبد الله بن عمرو كان للبدري لكونه أخذ الغنيمة مائتان وهي ثلث الستمائة فيكون أكثر أجرا من الأحدى وإنما امتاز أهل بدر بذلك لكونها أول غزوة شهدها النبي صلى الله عليه وسلم في قتال الكفار وكان مبدأ اشتهار الإسلام وقوة أهله فكان لمن شهدها مثل أجر من شهد المغازي التي بعدها جميعا فصارت لا يوازيها شيء في الفضل والله أعلم واختار بن عبد البر أن المراد بنقص أجر من غنم أن الذي لا يغنم يزداد أجره لحزنه على ما فاته من الغنيمة كما يؤجر من أصيب بما له فكان الأجر لما نقص عن المضاعفة بسبب الغنيمة عند ذلك كالنقص من أصل الأجر ولا يخفى مباينة هذا التأويل لسياق حديث عبد الله بن عمرو الذي تقدم ذكره وذكر بعض المتأخرين للتعبير بثلثي الأجر في حديث عبد الله بن عمرو حكمة لطيفة بالغة وذلك أن الله أعد للمجاهدين ثلاث كرامات دنيويتان وأخروية فالدنيويتان السلامة والغنيمة والاخروية دخول الجنة فإذا رجع سالما غانما فقد حصل له ثلثا ما أعد الله له وبقي له عند الله الثلث وإن رجع بغير غنيمة عوضه الله عن ذلك ثوابا في مقابلة ما فاته وكأن معنى الحديث أنه يقال للمجاهد إذا فات عليك شيء من أمر الدنيا عوضتك عنه ثوابا وأما الثواب المختص بالجهاد فهو حاصل للفريقين معا قال وغاية ما فيه عد ما يتعلق بالنعمتين الدنيويتين أجرا بطريق المجاز والله أعلم وفي الحديث أن الفضائل لاتدرك دائما بالقياس بل هي بفضل الله وفيه استعمال التمثيل في الأحكام وأن الأعمال الصالحة لا تستلزم الثواب لاعيانها وإنما تحصل بالنية الخالصة إجمالا وتفصيلا والله أعلم

قوله باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء قال بن المنير وغيره وجه دخول هذه الترجمة في الفقه أن الظاهر من الدعاء بالشهادة يستلزم طلب نصر الكافر على المسلم واعانة من يعصي الله على من يطيعه لكن القصد الاصلي إنما هو حصول الدرجة العليا المترتبة على حصول الشهادة وليس ما ذكره مقصودا لذاته وإنما يقع من ضرورة الوجود فاغتفر حصول المصلحة العظمى من دفع الكفار واذلالهم وقهرهم بقصد قتلهم بحصول ما يقع في ضمن ذلك من قتل بعض المسلمين وجاز تمني الشهادة لما يدل عليه من صدق من وقعت له من اعلاء كلمة الله حتى بذل نفسه في تحصيل ذلك ثم أورد المصنف فيه حديث أنس في قصة أم حرام والمراد منه قول أم حرام أدع الله أن يجعلني منهم فدعا لها وسيأتي الكلام على استيفاء شرحه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وهو ظاهر فيما ترجم له في حق النساء ويؤخذ منه حكم الرجال بطريق الأولى وأغرب بن التين فقال ليس في الحديث تمني الشهادة وإنما فيه تمني الغزو ويجاب بأن الشهادة هي الثمرة العظمى المطلوبة في الغزو وأم حرام بفتح المهملتين هي خالة أنس ولم يختلف على مالك في إسناده لكن رواه بشر بن عمر عنه فقال عن أنس عن أم حرام وهو موافق رواية محمد بن يحيى بن حبان عن أنس التي ستأتي قوله وقال عمر الخ تقدم في أواخر الحج بأتم من هذا السياق وتقدم هناك شرحه وبيان من وصله

قوله باب درجات المجاهدين في سبيل الله أي بيانها وقوله يقال هذه سبيلي أي أن السبيل يذكر ويؤنث وبذلك جزم الفراء فقال في قوله تعالى ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزؤا الضمير يعود على آيات القرآن وإن شئت جعلته للسبيل لأنها قد تؤنث قال الله تعالى قل هذه سبيلي وفي قراءة أبي بن كعب وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوها سبيلا انتهى ويحتمل أن يكون قوله تعالى هذه إشارة إلى الطريقة أي هذه الطريقة المذكورة هي سبيلي فلا يكون فيه دليل على تأنيث السبيل قوله غزا بضم المعجمة وتشديد الزاي مع التنوين وأحدها غاز وقع هذا في رواية المستملى وحده وهو من كلام أبي عبيدة قال وهو مثل قول وقائل انتهى قوله هم درجات لهم درجات هو من كلام أبي عبيدة أيضا قال قوله هم درجات أي منازل ومعناه لهم درجات وقال غيره التقدير هم ذوو درجات

[ 2637 ] قوله عن هلال بن علي في رواية محمد بن فليح عن أبيه حدثني هلال قوله عن عطاء بن يسار كذا لأكثر الرواة عن فليح وقال أبو عامر العقذي عن فليح عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي عمرة بدل عطاء بن يسار أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه وهو وهم من فليح في حال تحديثه لأبي عامر وعند فليح بهذا الإسناد حديث غير هذا سيأتي في الباب الذي بعد هذا فلعله انتقل ذهنه من حديث إلى حديث وقد نبه يونس بن محمد في روايته عن فليح على أنه كان ربما شك فيه فأخرج أحمد عن يونس عن فليح عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي عمرة وعطاء بن يسار عن أبي هريرة فذكر هذا الحديث قال فليح ولا أعلمه إلا بن أبي عمرة قال يونس ثم حدثنا به فليح فقال عطاء بن يسار ولم يشك انتهى وكأنه رجع إلى الصواب فيه ولم يقف بن حبان على هذه العلة فأخرجه من طريق أبي عامر والله الهادي الى الصواب وقد وافق فليحا على روايته إياه عن هلال عن عطاء عن أبي هريرة محمد بن جحادة عن عطاء أخرجه الترمذي من روايته مختصرا ورواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار فاختلف عليه فقال هشام بن سعد وحفص بن ميسرة والدراوردي عنه عن عطاء عن معاذ بن جبل أخرجه الترمذي وابن ماجة وقال همام عن زيد عن عطاء عن عبادة بن الصامت أخرجه الترمذي والحاكم ورجح رواية الدراوردي ومن تابعه على رواية همام ولم يتعرض لرواية هلال مع أن بين عطاء بن يسار ومعاذ انقطاعا قوله وصام رمضان الخ قال بن بطال لم يذكر الزكاة والحج لكونه لم يكن فرض قلت بل سقط ذكره على أحد الرواة فقد ثبت الحج في الترمذي في حديث معاذ بن جبل وقال فيه لا أدري أذكر الزكاة أم لا وأيضا فإن الحديث لم يذكر لبيان الأركان فكان الاقتصار على ما ذكر إن كان محفوظا لأنه هو المتكرر غالبا وأما الزكاة فلا تجب الا على من له مال بشرطه والحج فلا يجب الا مرة على التراخي قوله وجلس في بيته فيه تأنيس لمن حرم الجهاد وأنه ليس محروما من الأجر بل له من الإيمان والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة وإن قصر عن درجة المجاهدين قوله فقالوا يا رسول الله الذي خاطبه بذلك هو معاذ بن جبل كما في رواية الترمذي أو أبو الدرداء كما وقع عند الطبراني وأصله في النسائي لكن قال فيه فقلنا قوله وأن في الجنة مائة درجة قال الطيبي هذا الجواب من أسلوب الحكيم أي بشرهم بدخولهم الجنة بما ذكر من الأعمال ولا تكتف بذلك بل بشرهم بالدرجات ولا تقتنع بذلك بل بشرهم بالفردوس الذي هو أعلاها قلت لو لم يرد الحديث إلا كما وقع هنا لكان ما قال متجها لكن وردت في الحديث زيادة دلت على أن قوله في الجنة مائة درجة تعليل لترك البشارة المذكورة فعند الترمذي من رواية معاذ المذكورة قلت يا رسول الله ألا أخبر الناس قال ذر الناس يعملون فإن في الجنة مائة درجة فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد وهذه هي النكتة في قوله أعدها الله للمجاهدين وإذا تقرر هذا كان فيه تعقب أيضا على قول بعض شراح المصابيح سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين الجهاد في سبيل الله وبين عدمه وهو الجلوس في الأرض التي ولد المرء فيها ووجه التعقب أن التسوية ليست على عمومها وإنما هي في أصل دخول الجنة لا في تفاوت الدرجات كما قررته والله أعلم وليس في هذا السياق ما ينفي أن يكون في الجنة درجات أخرى أعدت لغير المجاهدين دون درجة المجاهدين قوله كما بين السماء والأرض في رواية محمد بن جحادة عند الترمذي ما بين كل درجتين مائة عام وللطبراني من هذا الوجه خمسمائة عام فإن كانتا محفوظتين كان اختلاف العدد بالنسبة إلى اختلاف السير زاد الترمذي من حديث أبي سعيد لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم قوله أوسط الجنة وأعلى الجنة المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا فعلى هذا فعطف الأعلى عليه للتأكيد وقال الطيبي المراد بأحدهما العلو الحسي وبالآخر العلو المعنوي وقال بن حبان المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية قوله وأرى بضم الهمزة وهو شك من يحيى بن صالح شيخ البخاري فيه وقد رواه غيره عن فليح فلم يشك منهم يونس بن محمد عند الإسماعيلي وغيره قوله ومنه تفجر انهار الجنة أي من الفردوس ووهم من زعم أن الضمير للعرش فقد وقع في حديث عبادة بن الصامت عند الترمذي والفردوس أعلاها درجة ومنها أي من الدرجة التي فيه الفردوس تفجر أنهار الجنة الأربعة ومن فوقها يكون عرش الرحمن وروى إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق شيبان عن قتادة عنه قال الفردوس أوسط الجنة وأفضلها وهو يؤيد التفسير الأول قوله قال محمد بن فليح عن أبيه وفوقه عرش الرحمن يعني أن محمدا روى هذا الحديث عن أبيه بإسناده هذا فلم يشك كما شك يحيى بن صالح بل جزم عنه بقوله وفوقه عرش الرحمن قال أبو علي الجياني وقع في رواية أبي الحسن القابسي حدثنا محمد بن فليح وهو وهم لأن البخاري لم يدركه قلت وقد أخرج البخاري رواية محمد بن فليح لهذا الحديث في كتاب التوحيد عن إبراهيم بن المنذر عنه بتمامه ويأتي بقية شرحه هناك ورجال إسناده كلهم مدنيون والفردوس هو البستان الذي يجمع كل شيء وقيل هو الذي فيه العنب وقيل هو بالرومية وقيل بالقبطية وقيل بالسريانية وبه جزم أبو إسحاق الزجاج وفي الحديث فضيلة ظاهرة للمجاهدين وفيه عظم الجنة وعظم الفردوس منها وفيه إشارة إلى أن درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد إما بالنية الخالصة أو بما يوازيه من الأعمال الصالحة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء بالفردوس بعد أن أعلمهم أنه أعد للمجاهدين وقيل فيه جواز الدعاء بما لا يحصل للداعي لما ذكرته والأول أولى والله أعلم قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل وجرير هو بن حازم وحديث سمرة تقدم بطوله في الجنائز وهذه القطعة شاهدة لحديث أبي هريرة المذكور قبله ومفسرة لأن المراد بالأوسط الأفضل لوصفه دار الشهداء في حديث سمرة بأنها أحسن وأفضل

قوله باب الغدوة والروحة في سبيل الله أي فضلها والغدوة بالفتح المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها قوله في سبيل الله أي الجهاد قوله وقاب قوس أحدكم أي قدره والقاب بتخفيف القاف وآخره موحدة معناه القدر وكذلك القيد بكسر القاف بعدها تحتانية ساكنة ثم دال وبالموحدة بدل الدال وقيل ألقاب ما بين مقبض القوس وسيته وقيل ما بين الوتر والقوس وقيل المراد بالقوس هنا الذراع الذي يقاس به وكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة

[ 2639 ] قوله عن أنس في رواية أبي إسحاق عن حميد سمعت أنس بن مالك وهو في الباب الذي يليه والإسناد كله بصريون قوله لغدوة في رواية الكشميهني الغدوة بزيادة ألف في أوله بصيغة التعريف والأول أشهر واللام للقسم قوله خير من الدنيا وما فيها قال بن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع فلذلك وقعت المفاضلة بها وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لانفقها في طاعة الله تعالى قلت ويؤيد هذا الثاني ما رواه بن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم عبد الله بن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أمر أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف بمن حصل منها أعلى الدرجات والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا فنبه هذا المتأخر أن هذا القدر اليسير من الجنة أفضل من جميع ما في الدنيا

[ 2640 ] قوله عن عبد الرحمن بن أبي عمرة هو الأنصاري والإسناد كله مدنيون قوله لقاب قوس في الجنة في حديث أنس في الباب الذي يليه لقاب قوس أحدكم وهو المطابق لترجمة هذا الباب قوله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب هو المراد بقوله في الذي قبله خير من الدنيا وما فيها

[ 2641 ] قوله حدثنا سفيان هو التوري قوله عن أبي حازم هو بن دينار قوله الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل في رواية مسلم من طريق وكيع عن سفيان غدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا والمعنى واحد وفي الطبراني من طريق أبي غسان عن أبي حازم لروحة بزيادة لام القسم

قوله الحور العين وصفتهن كذا لأبي ذر بغير باب وثبت لغيره ووقع عند بن بطال باب نزول الحور العين الخ ولم أره لغيره قوله يحار فيها الطرف أي يتحير قال بن التين هذا يشعر بأنه رأى أن اشتقاق الحور من الحيرة وليس كذلك فإن الحور بالواو والحيرة بالياء وأما قول الشاعر حوراء عيناء من العين الحير فهو للاتباع قلت لعل البخاري لم يرد الاشتقاق الأصغر قوله شديدة سواد العين شديدة بياض العين كأنه يريد تفسير العين والعين بالكسر جمع عيناء وهي الواسعة العين الشديدة السواد والبياض قاله أبو عبيدة قوله وزوجناهم بحور أنكحناهم هو تفسير أبي عبيدة ولفظه زوجناهم أي جعلناهم أزواجا أي اثنين اثنين كما تقول زوجت النعل بالنعل وقال في موضع آخر أي جعلنا ذكران أهل الجنة أزواجا بحور من النساء وتعقب بأن زوج لا يتعدى بالباء قاله الإسماعيلي وغيره وفيه نظر لأن صاحب المحكم حكاه لكن قال أنه قليل والله أعلم

[ 2642 ] قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الأزدي وهو من شيوخ البخاري يروى عنه تارة بواسطة كما هنا وتارة بلا وساطة كما في كتاب الجمعة قوله حدثنا أبو إسحاق هو الفزاري إبراهيم بن محمد واشتمل هذا السياق على أربعة أحاديث الأول يأتي شرحه بعد ثلاثة عشر بابا الثاني تقدم شرحه في الذي قبله الثالث والرابع يأتي شرحهما في صفة الجنة من كتاب الرقاق وقوله في الباب ولقاب قوس أحدكم تقدم شرح ألقاب في الذي قبله وقوله هنا أو موضع قيد يعني سوطه شك من الراوي هل قال قاب أو قيد وقد تقدم أنهما بمعنى وهو المقدار وقوله يعني سوطه تفسير للقيد غير معروف ولهذا جزم بعضهم بأنه تصحيف وأن الصواب قد بكسر القاف وتشديد الدال وهو السوط المتخذ من الجلد قلت ودعوى الوهم في التفسير أسهل من دعوى التصحيف في الأصل ولا سيما والقيد بمعنى ألقاب كما بينته والمقصود من ذلك لهذه الترجمة الأخير وقوله فيه ولنصيفها بفتح النون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم فاء هو الخمار بكسر المعجمة وتخفيف الميم قال المهلب إنما أورد حديث أنس هذا ليبين المعنى الذي من أجله يتمنى الشهيد أن يرجع إلى الدنيا ليقتل مرة أخرى في سبيل الله لكونه يرى من الكرامة بالشهادة فوق ما في نفسه إذ كل واحدة يعطاها من الحور العين لو اطلت على الدنيا لأضاءت كلها انتهى وروى بن ماجة من طريق شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال ذكر الشهيد عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجاته من الحور العين وفي يد كل واحدة منها حلة خير من الدنيا وما فيها ولأحمد والطبراني من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا أن للشهيد عند الله سبع خصال فذكر الحديث وفيه ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين إسناده حسن وأخرجه الترمذي من حديث المقدام بن معد يكرب وصححه

قوله باب تمني الشهادة تقدم توجيهه في أول كتاب الجهاد وأن تمنيها والقصد لها مرغب فيه مطلوب وفي الباب أحاديث صريحة في ذلك منها عن أنس مرفوعا من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم يصبها أي أعطي ثوابها ولو لم يقتل أخرجه مسلم وأصرح منه في المراد ما أخرجه الحاكم بلفظ من سأل القتل في سبيل الله صادقا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد وللنسائي من حديث معاذ مثله وللحاكم من حديث سهل بن حنيف مرفوعا من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه قوله أن أبا هريرة هذا الحديث رواه عن أبي هريرة جماعة من التابعين منهم سعيد بن المسيب هنا وأبو زرعة بن عمرو في باب الجهاد من الإيمان من كتاب الإيمان وأبو صالح وهو في باب الجعائل والحملان في أثناء كتاب الجهاد والأعرج وهو في كتاب التمني وهمام وهو عند مسلم وسأذكر ما في رواية كل واحد منهم من زيادة فائدة قوله والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم في رواية أبي زرعة وأبي صالح لولا أن أشق على أمتي ورواية الباب تفسر المراد بالمشقة المذكورة وهي أن نفوسهم لا تطيب بالتخلف ولا يقدرون على التأهب لعجزهم عن آلة السفر من مركوب وغيره وتعذر وجوده عند النبي صلى الله عليه وسلم وصرح بذلك في رواية همام ولفظه لكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي وفي رواية أبي زرعة عند مسلم نحوه ورواه الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري وفيه ولو خرجت ما بقي أحد فيه خير إلا انطلق معي وذلك يشق علي وعليهم ووقع في رواية أبي صالح من الزيادة ويشق على أن يتخلفوا عني

[ 2644 ] قوله والذي نفسي بيده لوددت وقع في رواية أبي زرعة المذكورة بلفظ ولوددت أني أقتل بحذف القسم وهو مقدر لما بينته هذه الرواية فظهر أن اللام لام القسم وليست بجواب لولا وفهم بعض الشراح أن قوله لوددت معطوف على قوله ما قعدت فقال يجوز حذف اللام وإثباتها من جواب لولا وجعل الودادة ممتنعة خشية وجود المشقة لو وجدت وتقدير الكلام عنده لولا أن أشق على أمتي لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم شرع يتكلف استشكال ذلك والجواب عنه وقد بينت رواية الباب أنها جملة مستأنفة وأن اللام جواب القسم ثم النكتة في إيراد هذه الجملة عقب تلك إرادة تسلية الخارجين في الجهاد عن مرافقته لهم وكأنه قال الوجه الذي يسيرون له فيه من الفضل ما أتمنى لأجله أني أقتل مرات فمهما فاتكم من مرافقتي والقعود معي من الفضل يحصل لكم مثله أو فوقه من فضل الجهاد فراعى خواطر الجميع وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المغازي وتخلف عنه المشار إليهم وكان ذلك حيث رجحت مصلحة خروجه على مراعاة حالهم وسيأتي بيان ذلك في باب من حبسه العذر قوله أقتل في سبيل الله استشكل بعض الشراح صدور هذا التمني من النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بأنه لا يقتل وأجاب بن التين بأن ذلك لعله كان قبل نزول قوله تعالى والله يعصمك من الناس وهو متعقب فإن نزولها كان في أوائل ما قدم المدينة وهذا الحديث صرح أبو هريرة بأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قدم أبو هريرة في أوائل سنة سبع من الهجرة والذي يظهر في الجواب أن تمنى الفضل والخير لا يستلزم الوقوع فقد قال صلى الله عليه وسلم وددت لو أن موسى صبر كما سيأتي في مكانه وسيأتي في كتاب التمني نظائر لذلك وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المسلمين عليه قال بن التين وهذا أشبه وحكى شيخنا بن الملقن أن بعض الناس زعم أن قوله ولوددت مدرج من كلام أبي هريرة قال وهو بعيد قال النووي في هذا الحديث الحض على حسن النية وبيان شدة شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واستحباب طلب القتل في سبيل الله وجواز قول وددت حصول كذا من الخير وإن علم أنه لا يحصل وفيه ترك بعض المصالح لمصلحة راجحة أو أرجح أو لدفع مفسدة وفيه جواز تمني ما يمتنع في العادة والسعي في إزالة المكروه عن المسلمين وفيه أن الجهاد على الكفاية إذ لو كان على الأعيان ما تخلف عنه أحد قلت وفيه نظر لأن الخطاب إنما يتوجه للقادر وأما العاجز فمعذور وقد قال سبحانه غير أولي الضرر وأدلة كون الجهاد فرض كفاية تؤخذ من غير هذا وسيأتي البحث في باب وجوب النفير إن شاء الله تعالى

[ 2645 ] قوله حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار بالمهملة وتشديد الفاء كوفي ثقة يكنى أبا يعقوب لم يخرج عنه البخاري سوى هذا الحديث ورجال الإسناد من شيخه إسماعيل بن علية فصاعدا بصريون وسيأتي شرح المتن في غزوة مؤتة من كتاب المغازي ووجه دخوله في هذه الترجمة من قوله ما يسرهم أنهم عندنا أي لما رأوا من الكرامة بالشهادة فلا يعجبهم أن يعودوا إلى الدنيا كما كانوا من غير أن يستشهدوا مرة أخرى وبهذا التقرير يحصل الجمع بين حديثي الباب ودليل ما ذكرته من الاستثناء ما سيأتي بعد أبواب من حديث أنس أيضا مرفوعا ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد الحديث

قوله باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم أي من المجاهدين ومن موصولة وكأنه ضمنها معنى الشرط فعطف عليها بالفاء وعطف الفعل الماضي على المستقبل وهو قليل وكان نسق الكلام أن يقول من صرع فمات أو من يصرع فيموت وقد سقط لفظ فمات من رواية النسفي قوله وقول الله عز وجل ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية أي يحصل الثواب بقصد الجهاد إذا خلصت النية فحال بين القاصد وبين الفعل مانع فإن قوله ثم يدركه الموت أعم من أن يكون بقتل أو وقوع من دابته وغير ذلك فتناسب الآية الترجمة وقد روى الطبري من طريق سعيد بن جبير والسدي وغيرهما أن الآية نزلت في رجل كان مسلما مقيما بمكة فلما سمع قوله تعالى ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها قال لأهله وهو مريض أخرجوني إلى جهة المدينة فأخرجوه فمات في الطريق فنزلت واسمه ضمرة على الصحيح وقد أوضحت ذلك في كتابي في الصحابة قوله وقع وجب ليس هذا في رواية المستملي وثبت لغيره وهو تفسير أبي عبيدة في المجاز قال قوله فقد وقع أجره على الله أي وجب ثوابه ثم ذكر المصنف حديث أم حرام وقد تقدم قريبا أن شرحه يأتي في كتاب الاستئذان والشاهد منه

[ 2646 ] قوله فيه فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تكون من الأولين وأنهم كالملوك على الأسرة في الجنة وقوله في الرواية الماضية فصرعت عن دابتها لا يعارض قوله في هذه الرواية فقربت لتركبها فصرعتها لأن التقدير فقربت إليها دابة لتركبها فركبتها فصرعتها قال بن بطال وروى بن وهب من حديث عقبة بن عامر مرفوعا من صرع عن دابته في سبيل الله فمات فهو شهيد فكأنه لما لم يكن على شرط البخاري أشار إليه في الترجمة قلت هو عند الطبراني وإسناده حسن قال وفي حديث أم حرام أن حكم الراجع من الغزو حكم الذاهب إليه في الثواب ويحيى المذكور في هذا الإسناد هو بن سعيد الأنصاري وفي الإسناد تابعيان هو وشيخه وصحابيان أنس وخالته وقوله فيه أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية كان ذلك في سنة ثمان وعشرين في خلافة عثمان

قوله باب من ينكب بضم أوله وسكون النون وفتح الكاف بعدها موحدة والنكبة أن يصيب العضو شيء فيدميه والمراد بيان فضل من وقع له ذلك في سبيل الله ثم ذكر فيه حديثين أحدهما حديث أنس في قصة قتل خاله وهو حرام بن ملحان وسيأتي شرحه في كتاب المغازي في غزوة بئر معونة وقوله

[ 2647 ] فيه عن إسحاق هو بن عبد الله بن أبي طلحة قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر قال الدمياطي هو وهم فإن بني سليم مبعوث إليهم والمبعوث هم القراء وهم من الأنصار قلت التحقيق أن المبعوث إليهم بنو عامر وأما بنو سليم فغدروا بالقراء المذكورين والوهم في هذا السياق من حفص بن عمر شيخ البخاري فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن همام فقال بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل الحديث ويأتي شرحه مستوفى هناك فلعل الأصل بعث أقواما معهم أخو أم سليم إلى بني عامر فصارت من بني سليم وقد تكلف لتأويله بعض الشراح فقال يحمل على أن أقواما منصوب بنزع الخافض أي بعث إلى أقوام من بني سليم منضمين إلى بني عامر وحذف مفعول بعث اكتفاء بصفة المفعول عنه أو في زائدة ويكون سبعين مفعول بعث ويحتمل أن تكون من ليست بيانية بل ابتدائية أي بعث أقواما ولم يصفهم من بني سليم أو من جهة بني سليم انتهى وهذا أقرب من التوجيه الأول ولا يخفى ما فيهما من التكلف وقوله في آخر الحديث على رعل بكسر الراء وسكون المهملة بعدها لام هم بطن من بني سليم وكذا بعض من ذكر معهم وسيأتي الحديث في أواخر الجهاد أنه دعا على أحياء من بني سليم حيث قتلوا القراء وهو أصرح في المقصود ثانيهما حديث جندب وسيأتي الكلام عليه في باب ما يجوز من الشعر من كتاب الأدب ووقع فيه بلفظ نكبت إصبعه وهو الموافق للترجمة وكأنه أشار فيها إلى حديث معاذ الذي أشير إليه في الباب الذي يليه وفي الباب ما أخرجه أبو داود والحاكم والطبراني من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا من وقصه فرسه أو بعيره في سبيل الله أو لدغته هامة أو مات على أي حتف شاء الله فهو شهيد

قوله باب من يجرح في سبيل الله أي فضله

[ 2749 ] قوله لا يكلم بضم أوله وسكون الكاف وفتح اللام أي يجرح قوله أحد قيده في رواية همام عن أبي هريرة بالمسلم قوله والله أعلم بمن يكلم في سبيله جملة معترضة قصد بها التنبيه على شرطية الإخلاص في نيل هذا الثواب قوله الا جاء يوم القيامة واللون لون الدم في رواية همام عن أبي هريرة الماضية في كتاب الطهارة تكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت تفجر دما قوله والريح ريح المسك في رواية همام والعرف فتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء وهو الرائحة ولأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث معاذ بن جبل من جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران وريحها المسك وعرف بهذه الزيادة أن الصفة المذكورة لا تختص بالشهيد بل هي حاصلة لكل من جرح ويحتمل أن يكون المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه قبل اندماله لا ما يندمل في الدنيا فإن أثر الجراحة وسيلان الدم يزول ولا ينفي ذلك أن يكون له فضل في الجملة لكن الظاهر أن الذي يجيء يوم القيامة وجرحه يثعب دما من فارق الدنيا وجرحه كذلك ويؤيده ما وقع عند بن حبان في حديث معاذ المذكور عليه طابع الشهداء وقوله كأغزر ما كانت لا ينافي قوله كهيئتها لأن المراد لا ينقص شيئا بطول العهد قال العلماء الحكمة في بعثه كذلك أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى واستدل بهذا الحديث على أن الشهيد يدفن بدمائه وثيابه ولا يزال عنه الدم بغسل ولا غيره ليجيء يوم القيامة كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم وفيه نظر لأنه لا يلزم من غسل الدم في الدنيا أن لا يبعث كذلك ويغني عن الاستدلال لترك غسل الشهيد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد زملوهم بدمائهم كما سيأتي بسطه في مكانه إن شاء الله تعالى

قوله باب قول الله عز وجل قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين سيأتي في تفسير براءة تفسير إحدى الحسنيين بأنه الفتح أو الشهادة وبه تتبين مناسبة قول المصنف بعد هذا والحرب سجال وهو بكسر المهملة وتخفيف الجيم أي تارة وتارة ففي غلبة المسلمين يكون لهم الفتح وفي غلبة المشركين يكون للمسلمين الشهادة ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وقد تقدم شرحه في كتاب بدء الوحي والغرض منه

[ 2650 ] قوله فيه فزعمت أن الحرب بينكم سجال أو دول وقال بن المنير التحقيق أنه ما ساق حديث هرقل إلا لقوله وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة قال فبذلك يتحقق أن لهم إحدى الحسنيين إن انتصروا فلهم العاجلة والعاقبة وإن انتصر عدوهم فللرسل العاقبة انتهى وهذا لا يستلزم نفي التقدير الأول ولا يعارضه بل الذي يظهر أن الأول أولى لأنه من نقل أبي سفيان عن حال النبي صلى الله عليه وسلم وأما الآخر فمن قول هرقل مستندا فيه إلى ما تلقفه من الكتب نكتة أفاد القزاز أن دال دول مثلثة

قوله باب قول الله عز وجل من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية المراد بالمعاهدة المذكورة ما تقدم ذكره من قوله تعالى ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان ذلك أول ما خرجوا إلى أحد وهذا قول بن إسحاق وقيل ما وقع ليلة العقبة من الأنصار إذ بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤوه وينصروه ويمنعوه والأول أولى وقوله فمنهم من قضى نحبه أي مات وأصل النحب المنذر فلما كان كل حي لا بد له من الموت فكأنه نذر لازم له فإذا مات فقد قضاه والمراد هنا من مات على عهده لمقابلته بمن ينتظر ذلك وأخرج ذلك بن أبي حاتم بإسناد حسن عن بن عباس

[ 2651 ] قوله حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي هو بصري يلقب بمردويه ماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في غزوة خيبر وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى السامي بالمهملة قوله سألت أنسا كذا أورده وعطف عليه الطريق الأخرى فأشعر بأن السياق لها وأفادت رواية عبد الأعلى تصريح حميد له بالسماع من أنس فأمن تدليسه وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية ثابت عن أنس قوله حدثنا زياد لم أره منسوبا في شيء من الروايات وزعم الكلاباذي ومن تبعه أنه بن عبد الله البكائي بفتح الموحدة وتشديد الكاف وهو صاحب بن إسحاق وراوي المغازي عنه وليس له ذكر في البخاري سوى هذا الموضع قوله غاب عمي أنس بن النضر زاد ثابت عن أنس الذي سميت به قوله عن قتال بدر زاد ثابت فكبر عليه ذلك قوله أول قتال أي لأن بدرا أول غزوة خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه مقاتلا وقد تقدمها غيرها لكن ما خرج فيها صلى الله عليه وسلم بنفسه مقاتلا قوله لئن الله أشهدني أي أحضرني قوله ليرين الله ما أصنع بتشديد النون للتأكيد واللام جواب القسم المقدر ووقع في رواية ثابت عند مسلم ليراني الله بتخفيف النون بعدها تحتانية وقوله ما أصنع أعربه النووي بدلا من ضمير المتكلم وفي رواية محمد بن طلحة عن حميد الآتية في المغازي ليرين الله ما أجد وهو بضم الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال أو بفتح الهمزة وضم الجيم مأخوذ من الجد ضد الهزل وزاد ثابت وهاب أن يقول غيرها أي خشي أن يلتزم شيئا فيعجز عنه فأبهم وعرف من السياق أن مراده أنه يبالغ في القتال وعدم الفرار قوله وانكشف المسلمون في رواية عبد الوهاب الثقفي عن حميد عند الإسماعيلي وانهزم الناس وسيأتي بيان ذلك في غزوة أحد قوله أعتذر أي من فرار المسلمين وأبرأ أي من فعل المشركين قوله ثم تقدم أي نحو المشركين فاستقبله سعد بن معاذ زاد ثابت عن أنس منهزما كذا في مسند الطيالسي ووقع عند النسائي مكانها مهيم وهو تصحيف فيما أظن قوله فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر كأنه يريد والده ويحتمل أن يريد ابنه فإنه كان له بن يسمى النضر وكان إذ ذاك صغيرا ووقع في رواية عبد الوهاب فوالله وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد عند الحارث بن أبي أسامة عنه والذي نفسي بيده والظاهر أنه قال بعضها والبقية بالمعنى وقوله الجنة بالنصب على تقدير عامل نصب أي أريد الجنة أو نحوه ويجوز الرفع أي هي مطلوبي قوله إني أجد ريحها أي ريح الجنة من دون أحد وفي رواية ثابت واها لريح الجنة أجدها دون أحد قال بن بطال وغيره يحتمل أن يكون على الحقيقة وأنه وجد ريح الجنة حقيقة أو وجد ريحا طيبة ذكره طيبها بطيب ريح الجنة ويجوز أن يكون أراد أنه استحضر الجنة التي أعدت للشهيد فتصور أنها في ذلك الموضع الذي يقاتل فيه فيكون المعنى إني لأعلم أن الجنة تكتسب في هذا الموضع فأشتاق لها وقوله واها قاله إما تعجبا وإما تشوقا إليها فكأنه لما ارتاح لها واشتاق إليها صارت له قوة من استنشقها حقيقة قوله قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع أنس قال بن بطال يريد ما استطعت أن أصف ما صنع أنس من كثرة ما أغنى وأبلى في المشركين قلت وقع عند يزيد بن هارون عن حميد فقلت أنا معك فلم استطع أن أصنع ما صنع وظاهره أنه نفى استطاعة اقدامه الذي صدر منه حتى وقع له ما وقع من الصبر على تلك الأهوال بحيث وجد في جسده ما يزيد على الثمانين من طعنة وضربة ورمية فاعترف سعد بأنه لم يستطع أن يقدم إقدامه ولا يصنع صنيعه وهذا أولى مما تأوله بن بطال قوله فوجدنا به في رواية عبد الله بن بكر قال أنس فوجدناه بين القتلى وبه قوله بضعا وثمانين لم أر في شيء من الروايات بيان هذا البضع وقد تقدم أنه ما بين الثلاث والتسع وقوله ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم أو هنا للتقسيم ويحتمل أن تكون بمعنى الواو وتفصيل مقدار كل واحدة من المذكورات غير معين قوله وقد مثل به بضم الميم وكسر المثلثة وتخفيفها وقد تشدد وهو من المثلة بضم الميم وسكون المثلثة وهو قطع الأعضاء من أنف وأذن ونحوها قوله فما عرفه أحد إلا أخته في رواية ثابت فقالت عمتي الربيع بنت النضر أخته فما عرفت أخي إلا ببنانه زاد النسائي من هذا الوجه وكان حسن البنان والبنان الأصبع وقيل طرف الأصبع ووقع في رواية محمد بن طلحة المذكورة بالشك ببنانه أو بشامة بالشين المعجمة والأولى أكثر قوله قال أنس كنا نرى أو نظن شك من الراوي وهما بمعنى واحد وفي رواية أحمد عن يزيد بن هارون عن حميد فكنا نقول وكذا لعبد الله بن بكر وفي رواية أحمد بن سنان عن يزيد وكانوا يقولون أخرجه بن أبي حاتم عنه وكأن التردد فيه من حميد ووقع في رواية ثابت وأنزلت هذه الآية بالجزم قوله وقال إن أخته كذا وقع هنا عند الجميع ولم يعين القائل وهو أنس بن مالك راوي الحديث والضمير في قوله أخته للنضر بن أنس ويحتمل أن يكون فاعل قال واحدا من الرواة دون أنس ولم أقف على تعيينه ولا استخرج الإسماعيلي هذا الحديث هنا وهي تسمى الربيع بالتشديد أي أخت أنس بن النضر وهي عمة أنس بن مالك وسيأتي شرح قصتها في كتاب القصاص وفي قصة أنس بن النضر من الفوائد جواز بذل النفس في الجهاد وفضل الوفاء بالعهد ولو شق على النفس حتى يصل إلى اهلاكها وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء إلى التهلكة وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين قال الزين بن المنير من أبلغ الكلام وأفصحه قول أنس بن النضر في حق المسلمين أعتذر إليك وفي حق المشركين أبرأ إليك فأشار إلى أنه لم يرض الامرين جميعا مع تغايرهما في المعنى وسيأتي في غزوة أحد من المغازي بيان ما وقعت الإشارة إليه هنا من انهزام بعض المسلمين ورجوعهم وعفو الله عنهم رضي الله عنهم وقوله

[ 2652 ] أجمعين قوله وحدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال أراه عن محمد بن أبي عتيق هو بضم الهمزة أي أظنه وهو قول إسماعيل المذكور قوله عن خارجة بن زيد أي بن ثابت وللزهري في هذا الحديث شيخ آخر وهو عبيد بن السباق لكن اختلف خارجة وعبيد في تعيين الآية التي ذكر زيد أنه وجدها مع خزيمة فقال خارجة إنها قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا وقال عبيد إنها قوله تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم وقد أخرج البخاري الحديثين جميعا بالإسنادين المذكورين فكأنهما جميعا صحا عنده ويؤيد ذلك أن شعيبا حدث عن الزهري بالحديثين جميعا وكذلك رواهما عن الزهري جميعا إبراهيم بن سعد كما سيأتي في فضائل القرآن وفي رواية عبيد بن السباق زيادات ليست في رواية خارجة وانفرد خارجة بوصف خزيمة بأنه الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وسأذكر ما في هذه الزيادة من بحث في تفسير سورة الأحزاب إن شاء الله تعالى والسياق الذي ساقه هنا لابن أبي عتيق وأما سياق شعيب فسيأتي بيانه في تفسير الأحزاب وقال فيه عن الزهري أخبرني خارجة وتأتي بقية مباحثه في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى

قوله باب عمل صالح قبل القتال وقال أبو الدرداء إنما تقاتلون بأعمالكم هكذا وقع عند الجميع ولعله كان قاله أبو الدرداء وقال إنما تقاتلون بأعمالكم وإنما قلت ذلك لأنني وجدت ذلك في المجالسة للدينوري من طريق أبي إسحاق الفزاري عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد أن أبا الدرداء قال أيها الناس عمل صالح قبل الغزو فإنما تقاتلون بأعمالكم ثم ظهر لي سبب تفصيل البخاري وذلك أن هذه الطريق منقطعة بين ربيعة وأبي الدرداء وقد روى بن المبارك في كتاب الجهاد عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن بن حلبس بفتح المهملة والموحدة بينهما لأم ساكنة وآخره سين مهملة عن أبي الدرداء قال إنما تقاتلون بأعمالكم ولم يذكر ما قبله فاقتصر البخاري على ما ورد بالإسناد المتصل فعزاه إلى أبي الدرداء ولذلك جزم به عنه واستعمل بقية ما ورد عنه بالإسناد المنقطع في الترجمة إشارة إلى أنه لم يغفله قوله وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون إلى قوله بنيان مرصوص ذكر فيه حديث البراء في قصة الذي قتل حين أسلم قال بن المنير مناسبة الترجمة والآية للحديث ظاهرة وفي مناسبة الترجمة للآية خفاء وكأنه من جهة أن الله عاتب من قال إنه يفعل الخير ولم يفعله وأثنى على من وفي وثبت عند القتال أو من جهة أنه أنكر على من قدم على القتال قولا غير مرضي فكشف الغيب أنه أخلف فمفهومه ثبوت الفضل في تقديم الصدق والعزم الصحيح على الوفاء وذلك من أصلح الأعمال انتهى وهذا الثاني أظهر فيما أرى والله أعلم وقال الكرماني المقصود من الآية في هذه الترجمة قوله في آخرها صفا كأنهم بنيان مرصوص لأن الصف في القتال من العمل الصالح قبل القتال انتهى وسيأتي تفسير قوله مرصوص في التفسير

[ 2653 ] قوله حدثني محمد بن عبد الرحيم هو الحافظ المعروف بصاعقة وإسرائيل هو بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل لم أقف على اسمه ووقع عند مسلم من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق أنه من الأنصار ثم من بني النبيت بفتح النون وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناه فوق ولولا ذلك لأمكن تفسيره بعمرو بن ثابت بن وقش بفتح الواو والقاف بعدها معجمة وهو المعروف بأصرم بن عبد الأشهل فإن بني عبد الأشهل بطن من الأنصار من الأوس وهم غير بني النبيت وقد أخرج بن إسحاق في المغازي قصة عمرو بن ثابت بإسناد صحيح عن أبي هريرة أنه كان يقول أخبروني عن رجل دخل الجنة لم يصل صلاة ثم يقول هو عمرو بن ثابت قال بن إسحاق قال الحصين بن محمد قلت لمحمود بن لبيد كيف كانت قصته قال كان يأبى الإسلام فلما كان يوم أحد بدا له فأخذ سيفه حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس فقاتل حتى وقع جريحا فوجده قومه في المعركة فقالوا ما جاء بك أشفقة على قومك أم رغبة في الإسلام قال بل رغبة في الإسلام قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابني ما أصابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من أهل الجنة وروى أبو داود والحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة كان عمرو يأبى الإسلام لأجل ربا كان له في الجاهلية فلما كان يوم أحد قال أين قومي قالوا بأحد فأخذ سيفه ولحقهم فلما رأوه قالوا إليك عنا قال إني قد أسلمت فقاتل حتى جرح فجاءه سعد بن معاذ فقال خرجت غضبا لله ولرسوله ثم مات فدخل الجنة وما صلى صلاة فيجمع بين الروايتين بأن الذين رأوه وقالوا له إليك عنا ناس غير قومه وأما قومه فما شعروا بمجيئه حتى وجدوه في المعركة ويجمع بينهما وبين حديث الباب بأنه جاء أولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستشاره ثم أسلم ثم قاتل فرآه أولئك الذين قالوا له إليك عنا ويؤيد هذا الجمع قوله لهم قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن قومه وجدوه بعد ذلك فقالوا له ما قالوا ويؤيد الجمع أيضا ما وقع في سياق حديث البراء عند النسائي فإنه أخرجه من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق نحو رواية إسرائيل وفيه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو أني حملت على القوم فقاتلت حتى أقتل أكان خيرا لي ولم أصل صلاة قال نعم ونحوه لسعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي إسحاق وزاد في أوله أنه قال أخير لي أن أسلم قال نعم فأسلم فإنه موافق لقول أبي هريرة إنه دخل الجنة وما صلى لله صلاة وأما كونه من بني عبد الأشهل ونسب في رواية مسلم إلى بني النبيت فيمكن أن يحمل على أن له في بني النبيت نسبة ما فإنهم إخوة بني عبد الأشهل يجمعهم الانتساب إلى الأوس قوله مقنع بفتح القاف والنون مشددة وهو كناية عن تغطية وجهه بآلة الحرب قوله وأجر كثيرا بالضم على البناء أي أجر أجرا كثيرا وفي هذا الحديث أن الأجر الكثير قد يحصل بالعمل اليسير فضلا من الله واحسانا

قوله باب من أتاه سهم غرب بتنوين سهم وبفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة هذا هو الأشهر وسيأتي بيان الخلاف فيه

[ 2654 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الله جزم الكلاباذي وتبعه غير واحد بأنه الذهلي وهو محمد بن يحيى بن عبد الله نسبه البخاري إلى جده ووقع في رواية أبي علي بن السكن حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء فإن لم يكن بن السكن نسبه من قبل نفسه وإلا فما قاله هو المعتمد وقد أخرجه بن خزيمة في التوحيد من صحيحه عن محمد بن يحيى الذهلي عن حسين بن محمد وهو المروزي بهذا الإسناد قوله أن أم الربيع بنت البراء كذا لجميع رواة البخاري وقال بعد ذلك وهي أم حارثة بن سراقة وهذا الثاني هو المعتمد والأول وهم نبه عليه غير واحد من آخرهم الدمياطي فقال قوله أم الربيع بنت البراء وهم وإنما هي الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن عمرو وقد تقدم ذكر قتل أخيها أنس بن النضر وذكرها في آخر حديثه قريبا وهي أم حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي من بني عدي بن النجار ذكره بن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما فيمن شهد بدرا واتفقوا على أنه رماه حبان بكسر المهملة بعدها موحدة ثقيلة بن العرقة بفتح المهملة وكسر الراء بعدها قاف وهو على حوض فأصاب نحره فمات قلت ووقع في رواية بن خزيمة المذكورة أن الربيع بنت البراء بحذف أم فهذا أشبه بالصواب لكن ليس في نسب الربيع بنت النضر أحد اسمه البراء فلعله كان فيه الربيع عمة البراء فإن البراء بن مالك أخو أنس بن مالك فكل منهما بن أخيها أنس بن النضر وقد رواه الترمذي وابن خزيمة أيضا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فقال عن أنس أن الربيع بنت النضر أتت النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابنها حارثة بن سراقة أصيب يوم بدر الحديث ورواه النسائي من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال انطلق حارثة بن عمتي فجاءت عمتي أمه وحكى أبو نعيم الأصبهاني أن الحكم بن عبد الملك رواه عن قتادة كذلك وقال حارثة بن سراقة قال بن الأثير في جامع الأصول الذي وقع في كتب النسب والمغازي وأسماء الصحابة أن أم حارثة هي الربيع بنت النضر عمة أنس وأجاب الكرماني بأنه لا وهم للبخاري لأنه ليس في رواية النسفي إلا الاقتصار على قول أنس أن أم حارثة بن سراقة قال فيحمل على أنه كان في رواية الفربري حاشية لبعض الرواة غير صحيحة فالحقت بالمتن انتهى وقد راجعت أصل النسفي من نسخة بن عبد البر فوجدتها موافقة لرواية الفربري فالنسخة التي وقعت للكرماني ناقصة وادعاء الزيادة في مثل هذا الكتاب مردود على قائله والظاهر أن لفظ أم وبنت وهم كما تقدم توجيهه قريبا والخطب فيه سهل ولا يقدح ذلك في صحة الحديث ولا في ضبط رواته وقد وقع في رواية سعيد بن أبي عروبة التي ضبط فيها اسم الربيع بنت النضر وهم في اسم ابنها فسماه الحارث بدل حارثة وقد روى هذا الحديث أبان عن قتادة فقال أن أم حارثة لم ترد أخرجه أحمد وكذلك أخرجه من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وسيأتي كذلك في المغازي من طريق حميد عن أنس ثم شرع الكرماني في إبداء احتمالات بعيدة متكلفة لتوجيه الرواية التي في البخاري فقال يحتمل أن يكون للربيع بن يسمى الربيع يعني بالتخفيف من زوج آخر غير سراقة يسمى البراء وأن يكون بنت البراء خبرا لأن وضمير هي راجع إلى الربيع وأن يكون بنت صفة لوالدة الربيع فأطلق الأم على الجدة تجوزا وأن تكون إضافة الأم إلى الربيع للبيان أي الأم التي هي الربيع وبنت مصحف من عمة قال وارتكاب بعض هذه التكلفات أولى من تخطئة العدول الاثباث قلت إنما أختار البخاري رواية شيبان على رواية سعيد لتصريح شيبان في روايته بتحديث أنس لقتادة وللبخاري حرص على مثل ذلك إذا وقعت الرواية عن مدلس أو معاصر وقد قال هو في تسمية من شهد بدرا وحارثة بن الربيع وهو حارثة بن سراقة فلم يعتمد على ما وقع في رواية شيبان أنه حارثة بن أم الربيع بل جزم بالصواب والربيع أمه وسراقة أبوه قوله أصابه سهم غرب أي لا يعرف راميه أو لا يعرف من أين أتى أو جاء على غير قصد من راميه قاله أبو عبيد وغيره والثابت في الرواية بالتنوين وسكون الراء وأنكره بن قتيبة فقال كذا تقوله العامة والاجود فتح الراء والإضافة وحكى الهروي عن بن زيد أن جاء من حيث لا يعرف فهو بالتنوين والاسكان وإن عرف راميه لكن أصاب من لم يقصد فهو بالإضافة وفتح الراء قال وذكره الأزهري بفتح الراء لا غير وحكى بن دريد وابن فارس والقزاز وصاحب المنتهى وغيرهم الوجهين مطلقا وقال بن سيده أصابه سهم غرب وغرب إذا لم يدر من رماه وقيل إذا أتاه من حيث لا يدري وقيل إذا قصد غيره فأصابه قال وقد يوصف به قلت فحصلنا من هذا على أربعة أوجه وقصة حارثة منزلة على الثاني فإن الذي رماه قصد غرته فرماه وحارثة لا يشعر به وقد وقع في رواية ثابت عند أحمد أن حارثة خرج نظارا زاد النسائي من هذا الوجه ما خرج لقتال قوله اجتهدت عليه في البكاء قال الخطابي أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على هذا أي فيؤخذ منه الجواز قلت كان ذلك قبل تحريم النوح فلا دلالة فيه فإن تحريمه كان عقب غزوة أحد وهذه القصة كانت عقب غزوة بدر ووقع في رواية سعيد بن أبي عروبة اجتهدت في الدعاء بدل قوله في البكاء وهو خطأ ووقع ذلك في بعض النسخ دون بعض ووقع في رواية حميد الآتية في صفة الجنة من الرقاق وعند النسائي فإن كان في الجنة لم أبك عليه وهو دال على صحة الرواية بلفظ البكاء وقال في رواية حميد هذه وإلا فسترى ما أصنعه ونحوه في رواية حماد عن ثابت عند أحمد قوله إنها جنان في الجنة كذا هنا وفي رواية سعيد بن أبي عروبة أنها جنان في جنة وفي رواية أبان عند أحمد أنها جنان كثيرة في جنة وفي رواية حميد المذكورة أنها جنان كثيرة فقط والضمير في قوله أنها جنان يفسره ما بعده وهو كقولهم هي العرب تقول ما شاءت والقصد بذلك التفخيم والتعظيم ومضى الكلام على الفردوس قريبا

قوله باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا أي فضله أو الجواب محذوف تقديره فهو المعتبر

[ 2655 ] قوله عن عمرو هو بن مرة قوله عن أبي وائل عن أبي موسى في رواية غندر عن شعبة في فرض الخمس سمعت أبا وائل حدثنا أبا موسى قوله جاء رجل في رواية غندر المذكورة قال أعرابي وهذا يدل على وهم ما وقع عند الطبراني من وجه آخر عن أبي موسى أنه قال يا رسول الله فذكره فإن أبا موسى وإن جاز أن يبهم نفسه لكن لا يصفها بكونه أعرابيا وهذا الأعرابي يصلح أن يفسر بلاحق بن ضميرة وحديثه عند أبي موسى المديني في الصحابة من طريق عفير بن معدان سمعت لاحق بن ضميرة الباهلي قال وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن الرجل يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيء له الحديث وفي إسناده ضعف وروينا في فوائد أبي بكر بن أبي الحديد بإسناد ضعيف عن معاذ بن جبل أنه قال يا رسول الله كل بني سلمة يقاتل فمنهم من يقاتل رياء الحديث فلو صح لاحتمل أن يكون معاذ أيضا سأل عما سأل عنه الأعرابي لأن سؤال معاذ خاص وسؤال الأعرابي عام ومعاذ أيضا لا يقال له أعرابي فيحمل على التعدد قوله الرجل يقاتل للمغنم في رواية منصور عن أبي وائل الماضية في العلم فقال ما القتال في سبيل الله فإن أحدنا يقاتل قوله والرجل يقاتل للذكر أي ليذكر بين الناس ويشتهر بالشجاعة وهي رواية الأعمش عن أبي وائل الآتية في التوحيد حيث قال ويقاتل شجاعة قوله والرجل يقاتل ليرى مكانه في رواية الأعمش ويقاتل رياء فمرجع الذي قبله إلى السمعة ومرجع هذا إلى الرياء وكلاهما مذموم وزاد في رواية منصور والأعمش ويقاتل حمية أي لمن يقاتل لأجله من أهل أو عشيرة أو صاحب وزاد في رواية منصور ويقاتل غضبا أي لأجل حظ نفسه ويحتمل أن يفسر القتال للحمية بدفع المضرة والقتال غضبا يجلب المنفعة فالحاصل من رواياتهم أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء طلب المغنم وإظهار الشجاعة والرياء والحمية والغضب وكل منها يتناوله المدح والذم فلهذا لم يحصل الجواب بالاثبات ولا بالنفي قوله من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله المراد بكلمة الله دعوة الله إلى الإسلام ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سببا من الأسباب المذكورة أخل بذلك ويحتمل أن لا يخل إذا حصل ضمنا لا أصلا ومقصودا وبذلك صرح الطبري فقال إذا كان أصل الباعث هو الأول لا يضره ما عرض له بعد ذلك وبذلك قال الجمهور لكن روى أبو داود والنسائي من حديث أبي أمامة بإسناد جيد قال جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله قال لا شيء له فأعادها ثلاثا كل ذلك يقول لا شيء له ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه ويمكن أن يحمل هذا على من قصد الأمرين معا على حد واحد فلا يخالف المرجح أولا فتصير المراتب خمسا أن يقصد الشيئين معا أو يقصد أحدهما صرفا أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنا فالمحذور أن يقصد غير الإعلاء فقد يحصل الإعلاء ضمنا وقد لا يحصل ويدخل تحته مرتبتان وهذا ما دل عليه حديث أبي موسى ودونه أن يقصدهما معا فهو محذور أيضا على ما دل عليه حديث أبي أمامة والمطلوب أن يقصد الإعلاء صرفا وقد يحصل غير الإعلاء وقد لا يحصل ففيه مرتبتان أيضا قال بن أبي جمرة ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه اه ويدل على أن دخول غير الإعلاء ضمنا لا يقدح في الاعلاء إذا كان الإعلاء هو الباعث الأصلي ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عبد الله بن حوالة قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقدامنا لنغنم فرجعنا ولم نغنم شيئا فقال اللهم لا تكلهم إلي الحديث وفي إجابة النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر غاية البلاغة والايجاز وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم لأنه لو أجابه بأن جميع ما ذكره ليس في سبيل الله احتمل أن يكون ما عدا ذلك كله في سبيل الله وليس كذلك فعدل إلى لفظ جامع عدل به عن الجواب عن ماهية القتال إلى حال المقاتل فتضمن الجواب وزيادة ويحتمل أن يكون الضمير في قوله فهو راجعا إلى القتال الذي في ضمن قاتل أي فقتاله قتال في سبيل الله واشتمل طلب إعلاء كلمة الله على طلب رضاه وطلب ثوابه وطلب دحض أعدائه وكلها متلازمة والحاصل مما ذكر أن القتال منشؤه القوة العقلية والقوة الغضبية والقوة الشهوانية ولا يكون في سبيل الله إلا الأول وقال بن بطال إنما عدل النبي صلى الله عليه وسلم عن لفظ جواب السائل لأن الغضب والحمية قد يكونان لله فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلى لفظ جامع فأفاد دفع الالباس وزيادة الإفهام وفيه بيان أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة وأن الفضل الذي ورد في المجاهد يختص بمن ذكر وقد تقدم بعض مباحثه في أواخر كتاب العلم وفيه جواز السؤال عن العلة وتقدم العلم على العمل وفيه ذم الحرص على الدنيا وعلى القتال لحظ النفس في غير الطاعة

قوله إن الله لا يضيع أجر المحسنين

قوله باب من اغبرت قدماه في سبيل الله أي بيان ماله من الفضل قوله وقول الله عز وجل ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله إلى قوله إن الله لا يضيع أجر المحسنين قال بن بطال مناسبة الآية للترجمة أنه سبحانه وتعالى قال في الآية ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار وفي الآية إلا كتب لهم به عمل صالح قال ففسر صلى الله عليه وسلم العمل الصالح أن النار لا تمس من عمل بذلك قال والمراد في سبيل الله جميع طاعاته اه وهو كما قال الا أن المتبادر عند الإطلاق من لفظ سبيل الله الجهاد وقد أورده المصنف في فضل المشي إلى الجمعة استعمالا للفظ في عمومه ولفظه هناك حرمه الله على النار وقال بن المنير مطابقة الآية من جهة أن الله أثابهم بخطواتهم وأن لم يباشروا قتالا وكذلك دل الحديث على أن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار سواء باشر قتالا أم لا اه ومن تمام المناسبة إن الوطء يتضمن المشي المؤثر لتغبير القدم ولا سيما في ذلك الزمان

[ 2656 ] قوله حدثنا إسحاق قال أبو علي الجياني نسبه الأصيلي بن منصور قلت وأخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن زيد الخطابي نزيل حران عن محمد بن المبارك المذكور لكن زاد في آخر المتن قوله فتمسهما النار أبدا فالظاهر أنه بن منصور ويؤيده أن أبا نعيم أخرجه من طريق الحسن بن سفيان عن إسحاق بن منصور ويزيد المذكور في الإسناد بالزاي وعباية بفتح المهملة وأبو عبس بسكون الموحدة هو بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة قوله ما اغبرتا كذا في رواية المستملي بالتثنية وهو لغة وللباقين ما اغبرت وهو الأفصح زاد أحمد من حديث أبي هريرة ساعة من نهار وقوله فتمسه النار بالنصب والمعنى أن المس ينتفي بوجود الغبار المذكور وفي ذلك إشارة إلى عظيم قدر التصرف في سبيل الله فإذا كان مجرد مس الغبار للقدم يحرم عليها النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفذ وسعه وللحديث شواهد منها ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء مرفوعا من اغبرت قدماه في سبيل الله باعد الله منه النار مسيرة ألف عام للراكب المستعجل وأخرج بن حبان من حديث جابر أنه كان في غزاة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر نحو حديث الباب قال فتواثب الناس عن دوابهم فما رؤى أكثر ماشيا من ذلك اليوم

قوله باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله قال بن المنير ترجم بهذا وبالذي بعده دفعا لتوهم كراهية غسل الغبار ومسحه لكونه من جملة آثار الجهاد كما كره بعض السلف المسح بعد الوضوء قلت والفرق بينهما من جهة أن التنظيف مطلوب شرعا والغبار أثر الجهاد وإذا انقضى فلا معنى لبقاء أثره وأما الوضوء فالمقصود به الصلاة فاستحب بقاء أثره حتى يحصل المقصود فافترق المسحان ثم أورد حديث أبي سعيد في قصة عمار في بناء المسجد وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب التعاون في بناء المسجد في أوائل الصلاة وفيه ما يتعلق بقوله

[ 2657 ] فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما والمراد منه هنا قوله ومر به النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عن رأسه الغبار

قوله باب الغسل بعد الحرب والغبار تقدم توجيهه في الباب الذي قبله وذكر فيه حديث عائشة في اغتساله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الخندق وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي وقوله في هذه الرواية ووضع أي السلاح وصرح بذلك في رواية الأصيلي وغيره

[ 2658 ] قوله حدثنا محمد كذا للأكثر ونسبه أبو ذر فقال بن سلام وقوله عصب بفتح المهملتين والتخفيف أي أحاط به فصار عليه مثل العصابة

قوله باب فضل قول الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون إلى قوله وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين كذا لأبي ذر وساق الأصيلي وكريمة الآيتين ومعنى قوله فضل قول الله أي فضل من ورد فيه قول الله وقد حذف الإسماعيلي لفظ فضل من الترجمة ثم ذكر فيه حديثين أحدهما حديث أنس في قصة الذين قتلوا في بئر معونة أوردها مختصرة وستأتي بتمامها في المغازي وأشار بإيراد الآية إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأذكره هناك في آخره عند قوله فأنزل فيهم بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه زاد عمر بن يونس عن إسحاق بن أبي طلحة فيه فنسخ بعد ما قرأناه زمانا وأنزل الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله الآية ثانيهما حديث جابر اصطبح ناس الخمر يوم أحد ثم قتلوا شهداء سيأتي في المغازي أن والد جابر كان من جملة من أشار إليهم قال بن المنير مطابقته للترجمة فيه عسر الا أن يكون مراده أن الخمر التي شربوها يومئذ لم تضرهم لأن الله عز وجل أثنى عليهم بعد موتهم ورفع عنهم الخوف والحزن وإنما كان ذلك لأنها كانت يومئذ مباحة قلت ويمكن أن يكون أورده للإشارة إلى أحد الأقوال في سبب نزول الآية المترجم بها فقد روى الترمذي من حديث جابر أيضا أن الله لما كلم والد جابر وتمنى أن يرجع إلى الدنيا ثم قال يا رب بلغ من ورائي فانزل الله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله الآية

[ 2660 ] قوله فقيل لسفيان من آخر ذلك اليوم قال ليس هذا فيه أي أن في الحديث فقتلوا شهداء من آخر ذلك اليوم فأنكر ذلك سفيان وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق القواريري عن سفيان بهذه الزيادة ولكن بلفظ اصطبح قوم الخمر أول النهار وقتلوا آخر النهار شهداء فلعل سفيان كان نسيه ثم تذكر وقد أخرجه المصنف في المغازي عن عبد الله بن محمد عن سفيان بدون الزيادة وأخرجه في تفسير المائدة عن صدقة بن الفضل عن سفيان بإثباتها وسيأتي بقية شرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب ظل الملائكة على الشهيد ذكر فيه حديث جابر في قصة قتل أبيه وسيأتي بيانه في غزوة أحد وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الجنائز

[ 2661 ] قوله قلت لصدقة القائل هو المصنف وصدقة هو بن الفضل شيخه فيه وقد تقدم في الجنائز عن علي بن عبد الله وهو بن المديني عن سفيان وفي آخره حتى رفع وكذلك رواه الحميدي وجماعة عن سفيان

قوله باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا أورد فيه حديث قتادة سمعت أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا الحديث وقد ورد بلفظ التمني وذلك فيما أخرجه النسائي والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله تعالى يا بن آدم كيف وجدت منزلك فيقول أي رب خير منزل فيقول سل وتمنه فيقول ما أسألك وأتمنى أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات لما رأى من فضل الشهادة الحديث ولمسلم من حديث بن مسعود رفعه في الشهداء قال فاطلع عيهم ربك اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا قالوا نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ولابن أبي شيبة من مرسل سعيد بن جبير أن المخاطب بذلك حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وللترمذي وحسنه والحاكم وصححه من حديث جابر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرك ما قال الله لأبيك قال يا عبد الله تمن علي أعطك قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قول شعبة في الإسناد سمعت قتادة في رواية أبي خالد الأحمر عن شعبة عن قتادة وحميد كلاهما عن أنس أخرجه مسلم قوله ما أحد في رواية أبي خالد ما من نفس قوله يدخل الجنة في رواية أبي خالد لها عند الله خير

[ 2662 ] قوله وله ما على الأرض من شيء في رواية أبي خالد وأن لها الدنيا وما فيها قوله لما يرى من الكرامة في رواية أبي خالد لما يرى من فضل الشهادة ولم يقل عشر مرات وكأن أبا خالد ساقه على لفظ حميد والله أعلم قال بن بطال هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة قال وليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد فلذلك عظم فيه الثواب

قوله باب الجنة تحت بارقة السيوف هو من إضافة الصفة إلى الموصوف وقد تطلق البارقة ويراد بها نفس السيف فتكون الإضافة بيانية وقد أورده بلفظ تحت ظلال السيوف وكأنه أشار بالترجمة إلى حديث عمار بن ياسر فأخرج الطبراني بإسناد صحيح عن عمار بن ياسر أنه قال يوم صفين الجنة تحت الابارقة كذا وقع فيه والصواب البارقة وهي السيوف اللامعة وكذا وقع على الصواب في ترجمة عمار من طبقات بن سعد وروى سعيد بن منصور بإسناد رجاله ثقات من مرسل أبي عبد الرحمن الحبلي مرفوعا الجنة تحت الابارقة ويمكن تخريجه على ما قاله الخطابي الأبارقة جمع إبريق وسمي السيف ابريقا فهو إفعيل من البريق ويقال أبرق الرجل بسيفه إذا لمع به والبارقة اللمعان قال بن المنير كأن البخاري أراد أن السيوف لما كانت لها بارقة كان لها أيضا ظل قال القرطبي وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ فإنه أفاد الحض على الجهاد والاخبار بالثواب عليه والحض على مقاربة العدو واستعمال السيوف والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المتقاتلين وقال بن الجوزي المراد أن الجنة تحصل بالجهاد والظلال جمع ظل وإذا تدانى الخصمان صار كل منهما تحت ظل سيف صاحبه لحرصه على رفعه عليه ولا يكون ذلك إلا عند التحام القتال قوله وقال المغيرة الخ هو طرف من حديث طويل وصله المصنف بتمامه في الجزية وقوله هنا عن رسالة ربنا ثبت للكشميهني وحده وهو كذلك في الطريق الموصولة ويحتمل أن يكون حذف هنا اختصارا قوله وقال عمر الخ هو طرف من حديث سهل بن حنيف في قصة عمرة الحديبية وسيأتي بتمامه موصولا في المغازي وتقدمت الإشارة إليه في الشروط قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي وأبو إسحاق هو الفزاري وعمر بن عبيد الله أي بن معمر هو التيمي وكان أميرا على حرب الخوارج قوله وكان كاتبه أي أن سالما كان كاتب عبد الله بن أبي أوفى قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى الضمير لعمر بن عبيد الله قال الدارقطني في التتبع أخرجا حديث موسى بن عقبة عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى فقرأته الحديث قال وأبو النضر لم يسمع من بن أبي أوفى فهو حجة في رواية المكاتبة وتعقب بأن شرط الرواية بالمكاتبة عند أهل الحديث أن تكون الرواية صادرة إلى المكتوب إليه وابن أبي أوفى لم يكتب إلى سالم إنما كتب إلى عمر بن عبيد الله فعلى هذا تكون رواية سالم له عن عبد الله بن أبي أوفى من صور الوجادة ويمكن أن يقال الظاهر أنه من رواية سالم عن مولاه عمر بن عبيد الله بقراءته عليه لأنه كان كاتبه أبي عن عبد الله بن أبي أوفى أنه كتب إليه فيصير حينئذ من صور المكاتبة وفيه تعقب على من صنف في رجال الصحيحين فإنهم لم يذكروا لعمر بن عبيد الله ترجمة وقد ذكره بن أبي حاتم وذكر له رواية عن بعض التابعين ولم يذكر فيه جرحا

[ 2663 ] قوله واعلموا أن الجنة هكذا أورده هنا مختصرا وذكر طرفا منه أيضا بهذا الإسناد بعد أبواب في باب الصبر عند القتال وأخرجه بعد أبواب كثيرة في باب تأخير القتال حتى تزول الشمس بهذا الإسناد مطولا ثم أخرجه بعد أبواب أيضا مطولا من وجه آخر في النهي عن تمني لقاء العدو ويأتي الكلام على شرحه هناك إن شاء الله تعالى قوله تابعه الأويسي عن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة قلت الأويسي هو عبد العزيز بن عبد الله أحد شيوخ البخاري وقد حدث عنه بهذا الحديث موصولا خارج الصحيح ورويناه في كتاب الجهاد لابن أبي عاصم قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري به وقد رواه عمر بن شبة عن الأويسي فبين أن ذلك كان يوم الخندق قال المهلب في هذه الأحاديث جواز القول بأن قتلى المسلمين في الجنة لكن على الإجمال لا على التعيين

قوله باب من طلب الولد للجهاد أي ينوي عند المجامعة حصول الولد ليجاهد في سبيل الله فيحصل له بذلك أجر وإن لم يقع ذلك

[ 2664 ] قوله وقال الليث الخ وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى بن بكير عن الليث بهذا الإسناد وسيأتي الكلام عليه في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى ثم تعجلت فشرحته في ترجمة سليمان

قوله باب الشجاعة في الحرب والجبن أي مدح الشجاعة وذم الجبن والجبن بضم الجيم وسكون الموحدة ضد الشجاعة وأورد فيه حديثين أحدهما عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وسيأتي شرحه بعد عشرين بابا ومضى بعض شرحه في آخر الهبة وقوله

[ 2665 ] وجدناه بحرا أي واسع الجري ثانيهما حديث جبير بن مطعم في مقفله صلى الله عليه وسلم من حنين والغرض منه

[ 2666 ] قوله في آخره ثم لا تجدونني بخيلا ولا جبانا وسيأتي شرحه في كتاب فرض الخمس وعمر بن محمد بن جبير بن مطعم لم يرو عنه غير الزهري وقد وثقه النسائي وهذا مثال للرد على من زعم أن شرط البخاري أن لا يروي الحديث الذي يخرجه أقل من اثنين عن أقل من اثنين فإن هذا الحديث ما رواه عن محمد بن جبير غير ولده عمر ثم ما رواه عن عمر غير الزهري هذا مع تفرد الزهري بالرواية عن عمر مطلقا وقد سمع الزهري من محمد بن جبير أحاديث وكأنه لم يسمع هذا منه فحمله عن ولده والله أعلم وقوله فيه مقفله بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء وباللام يعني زمان رجوعه وقوله فعلقت بفتح العين وكسر اللام الخفيفة بعدها قاف وفي رواية الكشميهني فطفقت وهو بوزنه ومعناه وقوله اضطروه إلى سمرة أي ألجؤه وإلى شجرة من شجر البادية ذات شوك وقوله فخطفت بكسر الطاء وقوله العضاه بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة وفي آخره هاء هو شجر ذو شوك يقرأ في الوصل وفي الوقف بالهاء وقوله نعم بفتح النون والعين كذا لأبي ذر بالرفع على أنه اسم كان وعدد بالنصب خبر مقدم ولغيره نعما بالنصب إما على التمييز وإما على أنه الخبر وعدد هو الاسم والله أعلم

قوله باب ما يتعوذ من الجبن كذا للجميع بضم أول يتعوذ على البناء للمجهول وذكر فيه حديثين أحدهما حديث سعد وهو بن أبي وقاص في التعوذ من الجبن وغيره وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وقوله في آخره فحدثت به مصعبا فصدقه قائل ذلك هو عبد الملك بن عمير ومصعب هو بن سعد بن أبي وقاص وأغرب المزي فقال في الأطراف في رواية عمرو بن ميمون هذه عن سعد لم يذكر البخاري مصعبا وذكره النسائي كذا قال وهو ثابت عند البخاري في جميع الروايات وقوله

[ 2667 ] في أوله كان سعد يعلم بنيه لم أقف على تعيينهم وقد ذكر محمد بن سعد في الطبقات أولاد سعد فذكر من الذكور أربعة عشر نفسا ومن الاثاث سبع عشرة وروى عنه الحديث منهم خمسة عامر ومحمد ومصعب وعائشة وعمر ثانيهما حديث أنس بن مالك في التعوذ من العجز والكسل وغيرهما وسيأتي شرحه أيضا في الدعوات والفرق بين العجز والكسل أن الكسل ترك الشيء مع القدرة على الأخذ في عمله والعجز عدم القدرة

قوله باب من حدث بمشاهده في الحرب قاله أبو عثمان أي النهدي عن سعد أي بن أبي وقاص وأشار بذلك إلى ما سيأتي موصولا في المغازي عن أبي عثمان عن سعد إني أول من رمى بسهم في سبيل الله وإلى ما سيأتي أيضا موصولا في فضل طلحة عن أبي عثمان لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأيام التي قاتل فيها غير طلحة وسعد عن حديثهما أي انهما حدثاه بذلك قوله حدثنا حاتم هو بن إسماعيل ومحمد بن يوسف هو الكندي وهو سبط للسائب المذكور والسائب صحابي صغير بن صحابيين والإسناد كله مدنيون إلا قتيبة قوله وسعدا أي بن أبي وقاص

[ 2669 ] قوله فما سمعت أحدا منهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن السائب صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد أخرجه بن ماجة وسعد بن مالك هو بن أبي وقاص وأخرجه آدم بن أبي إياس في العلم له من هذا الوجه فقال فيه صحبت سعدا كذا وكذا سنة قوله إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد لم يعين ما حدث به من ذلك وقد أخرج أبو يعلى من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عمن حدثه عن طلحة أنه ظاهر بين درعين يوم أحد قال بن بطال وغيره كان كثير من كبار الصحابة لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية المزيد والنقصان وقد تقدم بيان ذلك في العلم وأما تحديث طلحة فهو جائز إذا أمن الرياء والعجب ويترقى إلى الاستحباب إذا كان هناك من يقتدي بفعله

قوله باب وجوب النفير بفتح النون وكسر الفاء أي الخروج إلى قتال الكفار وأصل النفير مفارقة مكان إلى مكان لأمر حرك ذلك قوله وما يجب من الجهاد والنية أي وبيان القدر الواجب من الجهاد ومشروعية النية في ذلك وللناس في الجهاد حالان إحداهما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والأخرى بعده فأما الأولى فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقا ثم بعد أن شرع هل كان فرض عين أو كفاية قولان مشهوران للعلماء وهما في مذهب الشافعي وقال الماوردي كان عينا على المهاجرين دون غيرهم ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة لنصر الإسلام وقال السهيلي كان عينا على الأنصار دون غيرهم ويؤيده مبايعتهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة على أن يؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصروه فيخرج من قولهما أنه كان عينا على الطائفتين كفاية في حق غيرهم ومع ذلك فليس في حق الطائفتين على التعميم بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار ابتداء ويؤيد هذا ما وقع في قصة بدر فيما ذكره بن إسحاق فإنه كالصريح في ذلك وقيل كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها والتحقيق أنه كان عينا على من عينه النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ولو لم يخرج الحال الثاني بعده صلى الله عليه وسلم فهو فرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو ويتعين على من عينه الإمام ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور ومن حجتهم أن الجزية تجب بدلا عنه ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا فليكن بدلها كذلك وقيل يجب كلما أمكن وهو قوي والذي يظهر أنه استمر على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد وانتشر الإسلام في أقطار الأرض ثم صار إلى ما تقدم ذكره والتحقيق أيضا أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه والله أعلم قوله وقول الله عز وجل انفروا خفافا وثقالا الآية هذه الآية متأخرة عن التي بعدها والأمر فيها مقيد بما قبلها لأنه تعالى عاتب المؤمنين الذين يتأخرون بعد الأمر بالنفير ثم عقب ذلك بأن قال انفروا خفافا وثقالا وكأن المصنف قدم آية الأمر على آية العتاب لعمومها وقد روى الطبري من رواية أبي الضحى قال أول ما نزل من براءة انفروا خفافا وثقالا وقد فهم بعض الصحابة من هذا الأمر العموم فلم يكونوا يتخلفون عن الغزو حتى مات منهم أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود وغيرهم ومعنى قوله خفافا وثقالا متأهبين أو غير متأهبين نشاطا أو غير نشاط وقيل رجالا وركبانا قوله وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض الآية قال الطبري يجوز أن يكون قوله تعالى إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما خاصا والمراد به من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع وأخرج عن الحسن البصري وعكرمة أنها منسوخة بقوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة ثم تعقب ذلك والذي يظهر أنها مخصوصة وليست بمنسوخة والله أعلم وطريق عكرمة أخرجها أبو داود من وجه آخر حسن عنه عن بن عباس قوله ويذكر عن بن عباس انفروا ثبات سرايا متفرقين وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه بهذا أي اخرجوا سرية بعد سرية أو انفروا جميعا أي مجتمعين وزعم بعضهم أنها ناسخة لقوله تعالى انفروا خفافا وثقالا والتحقيق أن لا نسخ بل الرجوع في الآيتين إلى تعيين الإمام وإلى الحاجة إلى ذلك تنبيه وقع في رواية أبي ذر والقابسي ثباتا بالألف وهو غلط لا وجه له لأنه جمع ثبة كما سترى قوله ويقال واحد الثبات ثبة أي بضم المثلثة وتخفيف الموحدة بعدها هاء تأنيث وهو قول أبي عبيدة في المجاز وزاد ومعناها جماعات في تفرقة ويؤيده قوله بعده أو انفروا جميعا قال وقد يجمع ثبة على ثبين وقال النحاس ليس من هذا ثبة الحوض وهو وسطه سمي بذلك لأن الماء يثوب إليه أي يرجع إليه ويجتمع فيه لأنها من ثاب يثوب وتصغيرها ثويبة وثبة بمعنى الجماعة من ثبا يثبو وتصغيرها ثبية والله أعلم

[ 2670 ] قوله لا هجرة بعد الفتح أي فتح مكة قال الخطابي وغيره كانت الهجرة فرضا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعا أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهذا محمول على من لم يأمن على دينه وسيأتي مزيد لذلك في أبواب الهجرة من أول كتاب المغازي إن شاء الله تعالى قوله ولكن جهاد ونية قال الطيبي وغيره هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك قوله وإذا استنفرتم فانفروا قال النووي يريد أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة وإذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه وقال الطيبي قوله ولكن جهاد معطوف على محل مدخول ولا هجرة أي الهجرة من الوطن إما للفرار من الكفار أو إلى الجهاد أو إلى غير ذلك كطلب العلم فانقطعت الأولى وبقي الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما بل إذا استنفرتم فانفروا قلت وليس الأمر في انقطاع الهجرة من الفرار من الكفار على ما قال وقد تقدم تحرير ذلك وقال بن العربي الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلا هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار إسلام أبدا وفيه وجوب تعيين الخروج في الغزو على من عينه الإمام وأن الأعمال تعتبر بالنيات تكملة قال بن أبي جمرة ما محصله أن هذا الحديث يمكن تنزيله على أحوال السالك لأنه أولا يؤمر بهجرة مألوفاته حتى يحصل له الفتح فإذا لم يحصل له أمر بالجهاد وهو مجاهدة النفس والشيطان مع النية الصالحة في ذلك

قوله باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم أي القاتل فيسدد بعد أي يعيش على سداد أي استقامة في الدين قوله ويقتل في رواية النسفي أو يقتل وعليها اقتصر بن بطال والإسماعيلي وهي أليق بمراد المصنف قال بن المنير في الترجمة فيسدد والذي وقع في الحديث فيستشهد وكأنه نبه بذلك على أن الشهادة ذكرت للتنبيه على وجوه التسديد وأن كل تسديد كذلك وإن كانت الشهادة أفضل لكن دخول الجنة لا يختص بالشهيد فجعل المصنف الترجمة كالشرح لمعنى الحديث قلت ويظهر لي أن البخاري أشار في الترجمة إلى ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافرا ثم سدد المسلم وقارب الحديث

[ 2671 ] قوله عن أبي الزناد كذا هو في الموطأ ولمالك فيه إسناد آخر رواه أيضا عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أخرجه الدارقطني قوله يضحك الله إلى رجلين في رواية النسائي من طريق بن عيينة عن أبي الزناد أن الله يعجب من رجلين قال الخطابي الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى وإنما هذا مثل ضرب لهذا الصنيع الذي يحل محل الإعجاب عند البشر فإذا رأوه أضحكهم ومعناه الإخبار عن رضا الله بفعل أحدهما وقبوله للآخر ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة مع اختلاف حاليهما قال وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة وهو قريب وتأويله على معنى الرضا أقرب فإن الضحك يدل على الرضا والقبول قال والكرام يوصفون عند ما يسألهم السائل بالبشر وحسن اللقاء فيكون المعنى في قوله يضحك الله أي يجزل العطاء قال وقد يكون معنى ذلك أن يعجب الله ملائكته ويضحكهم من صنيعهما وهذا يتخرج على المجاز ومثله في الكلام يكثر وقال بن الجوزي أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويمرونه كما جاء وينبغي أن يراعى في مثل هذا الامرار اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق ومعنى الامرار عدم العلم بالمراد منه مع اعتقاد التنزيه قلت ويدل على أن المراد بالضحك الإقبال بالرضا تعديته بالى تقول ضحك فلان إلى فلان إذا توجه إليه طلق الوجه مظهرا للرضا عنه قوله يدخلان الجنة زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة قالوا كيف يا رسول الله قوله يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل زاد همام فيلج الجنة قال بن عبد البر معنى هذا الحديث عند أهل العلم أن القاتل الأول كان كافرا قلت وهو الذي استنبطه البخاري في ترجمته ولكن لا مانع أن يكون مسلما لعموم قوله ثم يتوب الله على القاتل كما لو قتل مسلم مسلما عمدا بلا شبهة ثم تاب القاتل واستشهد في سبيل الله وانما يمنع دخول مثل هذا من يذهب إلى أن قاتل المسلم لا تقبل له توبة وسيأتي البحث فيه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى ويؤيد الأول أنه وقع في رواية همام ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ قيل كيف يا رسول الله قال يكون أحدهما كافرا فيقتل الآخر ثم يسلم فيغزو فيقتل قوله ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد زاد همام فيهديه إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد قال بن عبد البر يستفاد من هذا الحديث أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة

[ 2672 ] قوله حدثنا الزهري في رواية علي بن المديني في المغازي عن سفيان سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية وفي رواية بن أبي عمر في مسنده عن سفيان سمعت إسماعيل بن أمية يسأل الزهري قوله أخبرني عنبسة بفتح المهملة وسكون النون بن سعيد أي بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية قوله عن أبي هريرة في رواية الزبيدي عن الزهري التصريح بسماع عنبسة له من أبي هريرة وسيأتي بيان ذلك في المغازي قوله فقال بعض بني سعيد بن العاص لا تسهم له هو أبان بن سعيد كما بينته رواية الزبيدي قوله فقلت هذا قاتل بن قوقل بقافين وزن جعفر يعني النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بمهملتين وزن أحمد بن فهم بن ثعلبة بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون بعدها ميم بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي وقوقل لقب ثعلبة وقيل لقب أصرم وقد ينسب النعمان إلى جده فيقال النعمان بن قوقل وله ذكر في حديث جابر عند مسلم قال جاء النعمان بن قوقل فقال يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبات الحديث وروى البغوي في الصحابة أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة فاستشهد ذلك اليوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد رأيته في الجنة وذكر بعض أهل المغازي أن صفوان بن أمية هو الذي قتله وهو مرجوح بهذا الحديث الذي في البخاري ولعلهما جميعا اشتركا في قتله وسيأتي بقية شرح حديث أبي هريرة هذا في كتاب المغازي والمراد منه هنا قول أبان أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه وأراد بذلك أن النعمان استشهد بيد أبان فأكرمه الله بالشهادة ولم يقتل أبان على كفره فيدخل النار وهو المراد بالاهانة بل عاش أبان حتى تاب وأسلم وكان إسلامه قبل خيبر بعد الحديبية وقال ذلك الكلام بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأقره عليه وهو موافق لما تضمنته الترجمة قوله من قدوم ضأن قال بن دقيق العيد وقع للجميع هنا بالنون إلا في رواية الهمداني فباللام وهو الصواب وهو السدر البري قلت وسيأتي في غزوة خيبر بأبسط من هذا قوله فلا أدري أسهم له أم لم يسهم سيأتي في غزوة خيبر في آخره فقال له يا أبان اجلس ولم يقسم لهم واحتج به من قال إن من حضر بعد فراغ الوقعة ولو كان خرج مددا لهم أن لا يشارك من حضرها وهو قول الجمهور وعند الكوفيين يشاركهم وأجاب عنهم الطحاوي بان النبي صلى الله عليه وسلم كان أرسل إلى نجد قبل أن يشرع في التجهيز إلى خيبر فلذلك لم يقسم له وأما من أراد الخروج مع الجيش فعاقه عائق ثم لحقهم فإنه الذي يقسم له كما أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان وغيره ممن لم يحضر الوقعة لكن كانوا ممن أراد الخروج معه فعاقهم عن ذلك عوائق شرعية قوله قال سفيان أي بن عيينة ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان وحدثنيه السعيدي أيضا وفي رواية بن أبي عمر عن سفيان سمعت السعيدي قوله وحدثنيه السعيدي هو معطوف على قوله حدثنا الزهري وهو موصول بالإسناد الذي قبله قوله السعيدي هو عمرو الخ هو كلام البخاري ووقع لغير أبي ذر قال أبو عبد الله فذكره

قوله باب من أختار الغزو على الصوم أي لئلا يضعفه الصوم عن القتال ولا يمتنع ذلك لمن عرف أنه لا ينقصه كما سيأتي بعد ستة أبواب

[ 2673 ] قوله لا يصوم في رواية أبي الوليد عند أبي نعيم وعلي بن الجعد كلاهما عن شعبة عند الإسماعيلي لا يكاد يصوم وفي رواية عاصم بن علي عن شعبة عند الإسماعيلي كان قلما يصوم فدل على أن النفي في رواية آدم ليس على إطلاقه وقد وافق آدم سليمان بن حرب عند الإسماعيلي أيضا قوله الا يوم فطر أو أضحى أي فكان لا يصومهما والمراد بيوم الأضحى ما تشرع فيه الأضحية فيدخل أيام التشريق وفي هذه القصة إشعار بأن أبا طلحة لم يكن يلازم الغزو بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ترك التطوع بالصوم لأجل الغزو خشية أن يضعفه عن القتال مع أنه في آخر عمره رجع إلى الغزو فروى بن سعد والحاكم وغيرهما من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أبا طلحة قرأ انفروا خفافا وثقالا فقال استنفرنا الله شيوخا وشبانا جهزوني فقال له بنوه نحن نغزو عنك فأبى فجهزوه فغزا في البحر فمات فدفنوه بعد سبعة أيام ولم يتغير قال المهلب مثل النبي صلى الله عليه وسلم المجاهد بالصائم لا يفطر يعني كما تقدم في أول الجهاد فلذلك قدمه أبو طلحة على الصوم فلما توطأ الإسلام وعلم أنه صار في سعة أراد أن يأخذ حظه من الصوم إذ فاته الغزو وفيه أنه كان لا يرى بصيام الدهر بأسا تنبيه وقع عند الحاكم في المستدرك من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أبا طلحة أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى وعلى الحاكم فيه مأخذان أحدهما أن أصله في البخاري فلا يستدرك ثانيهما أن الزيادة في مقدار حياته بعد النبي صلى الله عليه وسلم غلط فإنه لم يقم بعده سوى ثلاث أو أربع وعشرين سنة فلعلها كانت أربعا وعشرين فتغيرت

قوله باب الشهادة سبع سوى القتل اختلف في سبب تسمية الشهيد شهيدا فقال النضر بن شميل لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة وقال بن الأنباري لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة وقيل لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة وقيل لأنه يشهد له بالأمان من النار وقيل لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا وقيل لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة وقيل لأنه الذي يشهد يوم القيامة بابلاغ الرسل وقيل لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة وقيل لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع وقيل لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه وقيل لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره وقيل لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة وقيل لأنه مشهود له بالأمان من النار وقيل لأن عليه علامة شاهدة بأنه قد نجا وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله وبعضها يعم غيره وبعضها قد ينازع فيه وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مالك من رواية جابر بن عتيك بفتح المهملة وكسر المثناة بعدها تحتانية ساكنة ثم كاف أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فذكر الحديث وفيه ما تعدون الشهيد فيكم قالوا من يقتل في سبيل الله وفيه الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله فذكر زيادة على حديث أبي هريرة الحريق وصاحب ذات الجنب والمرأة تموت بجمع وتوارد مع أبي هريرة في المبطون والمطعون والغريق وصاحب الهدم فأما صاحب ذات الجنب فهو مرض معروف ويقال له الشوصة وأما المرأة تموت بجمع فهو بضم الجيم وسكون الميم وقد تفتح الجيم وتكسر أيضا وهي النفساء وقيل التي يموت ولدها في بطنها ثم تموت بسبب ذلك وقيل التي تموت بمزدلفة وهو خطأ ظاهر وقيل التي تموت عذراء والأول أشهر قلت حديث جابر بن عتيك أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن حبان وقد روى مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة شاهدا لحديث جابر بن عتيك ولفظه ما تعدون الشهداء فيكم وزاد فيه ونقص فمن زيادته ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت نحو حديث جابر بن عتيك ولفظه وفي النفساء يقتلها ولدها جمعا شهادة وله من حديث راشد بن حبيش نحوه وفيه والسل وهو بكسر المهملة وتشديد اللام وللنسائي من حديث عقبة بن عامر خمس من قبض فيهن فهو شهيد فذكر فيهم النفساء وروى أصحاب السنن وصححه الترمذي من حديث سعيد بن زيد مرفوعا من قتل دون ماله فهو شهيد وقال في الدين والدم والأهل مثل ذلك وللنسائي من حديث سويد بن مقرن مرفوعا من قتل دون مظلمته فهو شهيد قال الإسماعيلي الترجمة مخالفة للحديث وقال بن بطال لا تخرج هذه الترجمة من الحديث أصلا وهذا يدل على أنه مات قبل أن يهذب كتابه وأجاب بن المنير بأن ظاهر كلام بن بطال أن البخاري أراد أن يدخل حديث جابر بن عتيك فاعجلته المنية عن ذلك وفيه نظر قال ويحتمل أن يكون أراد التنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل بل لها أسباب أخر وتلك الأسباب اختلفت الأحاديث في عددها ففي بعضها خمسة وفي بعضها سبعة والذي وافق شرط البخاري الخمسة فنبه بالترجمة على أن العدد الوارد ليس على معنى التحديد انتهى وقال بعض المتأخرين يحتمل أن يكون بعض الرواة يعني رواة الخمسة نسي الباقي قلت وهو احتمال بعيد لكن يقربه ما تقدم من الزيادة في حديث أبي هريرة عند مسلم وكذا وقع لأحمد من وجه آخر عنه والمجنوب شهيد يعني صاحب ذات الجنب والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة فإن مجموع ما قدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها أربع عشرة خصلة وتقدم في باب من ينكب في سبيل الله حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا من وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله تعالى فهو شهيد وصحح الدارقطني من حديث بن عمر موت الغريب شهادة ولابن حبان من حديث أبي هريرة من مات مرابطا مات شهيدا الحديث وللطبراني من حديث بن عباس مرفوعا المرء يموت على فراشه في سبيل الله شهيد وقال ذلك أيضا في المبطون واللديغ والغريق والشريق والذي يفترسه السبع والخار عن دابته وصاحب الهدم وذات الجنب ولأبي داود من حديث أم حرام المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد وقد تقدمت أحاديث فيمن طلب الشهادة بنية صادقة أنه يكتب شهيدا في باب تمني الشهادة ويأتي في كتاب الطب حديث فيمن صبر في الطاعون أنه شهيد وتقدم حديث عقبة بن عامر فيمن صرعته دابته وأنه عند الطبراني وعنده من حديث أبن مسعود بإسناد صحيح أن من يتردى من رءوس الجبال وتأكله السباع ويغرق في البحار لشهيد عند الله ووردت أحاديث أخرى في أمور أخرى لم أعرج عليها لضعفها قال بن التين هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء قلت والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن حبشي وابن ماجة من حديث عمرو بن عنبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الجهاد أفضل قال من عقر جواده واهريق دمه وروى الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة له بإسناد حسن من حديث بن أبي طالب قال كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل وسيأتي شرح كثير من هذه الأمراض المذكورة في كتاب الطب وكذا الكلام على حديث أنس في الطاعون إن شاء الله تعالى ويتحصل مما ذكر في هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان شهيد الدنيا وشهيد الآخرة وهو من يقتل في حرب الكفار مقبلا غير مدبر مخلصا وشهيد الآخرة وهو من ذكر بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا وفي حديث العرباض بن سارية عند النسائي وأحمد ولأحمد من حديث عتبة بن عبد نحوه مرفوعا يختصم الشهداء والمتوفون على الفرش في الذين يتوفون من الطاعون فيقول انظروا إلى جراحهم فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم معهم ومنهم فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم وإذا تقرر ذلك فيكون إطلاق الشهداء على غير المقتول في سبيل الله مجازا فيحتج به من يجيز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه والمانع يجيب بأنه من عموم المجاز فقد يطلق الشهيد على من قتل في حرب الكفار لكن لا يكون له ذلك في حكم الآخرة لعارض يمنعه كالانهزام وفساد النية والله أعلم

[ 2674 ] قوله الشهداء خمسة ثم قال والشهيد في سبيل الله قال الطيبي يلزم منه حمل الشيء على نفسه لأن قوله خمسة خبر للمبتدأ والمعدود بعده بيان له وأجاب بأنه من باب قول الشاعر أنا أبو النجم وشعرى شعرى ويحتمل أن يكون المراد بالشهيد في سبيل الله المقتول فكأنه قال والمقتول فعبر عنه بالشهيد ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك الشهداء سبعة سوى القتيل في سبيل الله ويجوز أن يكون لفظ الشهيد مكررا في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد الإجمال والتقدير الشهداء خمسة الشهيد كذا والشهيد كذا إلى آخره

قوله غفورا رحيما

قوله باب قول الله عز وجل لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ذكر فيه حديثي البراء بن عازب وزيد بن ثابت في سبب نزولها وفيه ذكر بن أم مكتوم وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في تفسير سورة النساء

قوله باب الصبر عند القتال ذكر فيه طرفا من حديث بن أبي أوفى وقد تقدم التنبيه عليه قريبا

قوله باب التحريض على القتال ذكر فيه حديث أنس في حفر الخندق وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي وانتزاع الترجمة منه من جهة أن في مباشرته صلى الله عليه وسلم الحفر بنفسه تحريضا للمسلمين على العمل ليتأسوا به في ذلك

قوله باب حفر الخندق ذكر فيه حديث أنس من وجه آخر وسيأتي في المغازي وسياقه هناك أتم وذكر فيه حديث البراء بن عازب في ذلك من وجهين ويأتي هناك شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى

قوله باب من حبسه العذر عن الغزو العذر الوصف الطارئ على المكلف المناسب للتسهيل عليه ولم يذكر الجواب وتقديره فله أجر الغازي إذا صدقت نيته

[ 2683 ] قوله حدثنا زهير هو بن معاوية أبو خيثمة الجعفي وقرن روايته برواية حماد بن زيد مع أن في رواية زهير تعيين الغزوة وتصريح أنس بالتحديث وفي كل منهما فائدة ليست في رواية حماد لكنه أراد أن زهيرا لم ينفرد بقوله عن حميد عن أنس وقد تابعهما على ترك الواسطة بين حميد وأنس معتمر بن سليمان وجماعة

[ 2684 ] قوله خلفنا بسكون اللام أي وراءنا وضبطه بعضهم بتشديد اللام وسكون الفاء قوله إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر في رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن حماد بن زيد إلا وهم معكم فيه بالنية ولابن حبان وأبي عوانة من حديث جابر إلا شركوكم في الأجر بدل قوله إلا كانوا معكم والمراد بالعذر ما هو أعم من المرض وعدم القدرة على السفر وقد رواه مسلم من حديث جابر بلفظ حبسهم المرض وكأنه محمول على الأغلب قوله وقال موسى أي بن إسماعيل حدثنا حماد هو أبن سلمة قوله قال أبو عبد الله هو المصنف الأول عندي أصح يعني حذف موسى بن أنس من الإسناد وقد خالفه الإسماعيلي في ذلك فقال حماد عالم بحديث حميد مقدم فيه على غيره انتهى قلت وإنما قال ذلك لتصريح حميد بتحديث أنس له كما تراه من رواية زهير وكذلك قال معتمر قلت ولا مانع من أن يكونا محفوظين فلعل حميدا سمعه من موسى عن أبيه ثم لقي أنسا فحدثه به أو سمعه من أنس فثبته فيه ابنه موسى ويؤيد ذلك أن سياق حماد عن حميد أتم من سياق زهير ومن وافقه عن حميد فقد أخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل بالإسناد المذكور بلفظ لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه قالوا يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة قال حبسهم العذر وكذلك أورده أحمد عن عفان عن حماد وأخرجه عن أبي كامل عن حماد فلم يذكر في الإسناد حميدا نعم أخرجه أحمد عن بن أبي عدي عن حميد عن أنس نحو سياق حماد إلا أنه لم يذكر النفقة قال المهلب يشهد لهذا الحديث قوله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر الآية فإنه فاضل بين المجاهدين والقاعدين ثم استثنى أولي الضرر من القاعدين فكأنه ألحقهم بالفاضلين وفيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل

قوله باب فضل الصوم في سبيل الله قال بن الجوزي إذا أطلق ذكر سبيل الله فالمراد به الجهاد وقال القرطبي سبيل الله طاعة الله فالمراد من صام قاصدا وجه الله قلت ويحتمل أن يكون ما هو أعم من ذلك ثم وجدته في فوائد أبي الطاهر الذهلي من طريق عبد الله بن عبد العزيز الليثي عن المقبري عن أبي هريرة بلفظ ما من مرابط يرابط في سبيل الله فيصوم يوما في سبيل الله الحديث وقال بن دقيق العيد العرف الأكثر استعماله في الجهاد فإن حمل عليه كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين قال ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت والأول أقرب ولا يعارض ذلك أن الفطر في الجهاد أولى لأن الصائم يضعف عن اللقاء كما تقدم تقريره في باب من اختار الغزو على الصوم لأن الفضل المذكور محمول على من لم يخش ضعفا ولا سيما من اعتاد به فصار ذلك من الأمور النسبية فمن لم يضعفه الصوم عن الجهاد فالصوم في حقه أفضل ليجمع بين الفضيلتين وقد تقدم مزيد لذلك في كتاب الصيام في الكلام على الصوم في السفر

[ 2685 ] قوله أخبرني يحيى بن سعيد هو الأنصاري وسهيل بن أبي صالح لم يخرج له البخاري موصولا إلا هذا ولم يحتج به لأنه قرنه بيحيى بن سعيد وقد اختلف في إسناده على سهيل فرواه الأكثر عنه هكذا وخالفهم شعبة فرواه عنه عن صفوان بن يزيد عن أبي سعيد أخرجه النسائي ولعل لسهيل فيه شيخين وأخرجه النسائي أيضا من طريق أبي معاوية عن سهيل عن المقبري عن أبي سعيد ووهم فيه أبو معاوية وإنما يرويه المقبري عن أبي هريرة لا عن أبي سعيد وإنما رواه سهيل من حديث أبي هريرة عن أبيه عنه لا عن المقبري كذلك أخرجه النسائي من طريق سعيد بن عبد الرحمن عن سهيل عن أبيه وكذا أخرجه أحمد عن أنس بن عياض عن سهيل قوله سبعين خريفا الخريف زمان معلوم من السنة والمراد به هنا العام وتخصيص الخريف بالذكر دون بقية الفصول الصيف والشتاء والربيع لأن الخريف أزكى الفصول لكونه يجنى فيه الثمار ونقل الفاكهاني أن الخريف يجتمع فيه الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة دون غيره ورد بأن الربيع كذلك قال القرطبي ورد ذكر السبعين لإرادة التكثير كثيرا انتهى ويؤيده أن النسائي أخرج الحديث المذكور عن عقبة بن عامر والطبراني عن عمرو بن عنبسة وأبو يعلى عن معاذ بن أنس فقالوا جميعا في رواياتهم مائة عام

قوله باب فضل النفقة في سبيل الله ذكر فيه حديثين أحدهما عن أبي هريرة من أنفق زوجين في سبيل الله وقد تقدم في أول الصوم من وجه آخر وقوله

[ 2686 ] في هذا الإسناد عن أبي سلمة يأتي الكلام عليه وعلى قوله أي فل في فضل أبي بكر وأن الخطابي جزم أنه ترخيم من فلان وجزم غيره بأنه لغة فيه وتقدم في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين التنبيه على وهم القابسي في قوله سعيد بن حفص وقوله زوجين أي شيئين من أي نوع كان مما ينفق والزوج يطلق على الواحد وعلى الإثنين وهو هنا على الواحد جزما وقوله كل خزينة باب كأنه من المقلوب لأن المراد خزنة كل باب قال المهلب في هذا الحديث أن الجهاد أفضل الأعمال لأن المجاهد يعطى أجر المصلي والصائم والمتصدق وإن لم يفعل ذلك لأن باب الريان للصائمين وقد ذكر في هذا الحديث أن المجاهد يدعى من تلك الأبواب كلها بانفاق قليل المال في سبيل الله انتهى وما جرى فيه على ظاهر الحديث يرده ما قدمته في الصيام من زيادة في الحديث لأحمد حيث قال فيه لكل أهل عمل باب يدعون بذلك العمل وهذا يدل على أن المراد بسبيل الله ما هو أعم من الجهاد وغيره من الأعمال الصالحة وقوله لاتوى عليه بالمثناة والأكثر أنه مقصور وحكى بن فارس المد ثانيهما حديث أبي سعيد إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض وسيأتي شرحه مستوفى في الرقاق إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا

[ 2687 ] قوله فجعله في سبيل الله فإنه مطابق لما ترجم له وقد روى النسائي وصححه بن حبان من حديث خريم بالراء مصغر بن فاتك بفاء ومثناة مكسورة رفعه من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف قلت وهو موافق لقوله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة الآية وقوله في هذه الرواية وأنه كل ما ينبت الربيع يقتل أو يلم بضم أوله وكسر اللام وتشديد الميم أي يقرب من القتل وقوله أكلت حتى إذا امتدت وقع في السياق حذف تقديره إلا آكلة الخضر أكلت وقد بين في الرواية الأخرى وكذا أثبته الأصيلي هنا وسقط للباقين وكذا سقط قوله حبطا وهو بفتح المهملة والموحدة وهو انتفاخ البطن من كثرة الأكل

قوله باب فضل من جهز غازيا أي هيأ له أسباب سفره أو خلفه بفتح المعجمة واللام الخفيفة أي قام بحال من يتركه

[ 2688 ] قوله حدثنا الحسين هو المعلم نسبه الطبراني عن حفص بن عمر عن أبي معمر وكذا صرح به مسلم في روايته من وجه آخر عنه ويحيى هو بن أبي كثير وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق هو وأبو سلمة وبسر وهو بضم الموحدة وسكون المهملة وقد سمع أبو سلمة من زيد بن خالد وحدث عنه هنا بواسطة وحدث عنه بلا واسطة في غير هذا عند أبي داود والترمذي وصححه وغيرهما قوله فقد غزا قال بن حبان معناه أنه مثله في الأجر وان لم يغز حقيقة ثم أخرجه من وجه آخر عن بسر بن سعيد بلفظ كتب له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيء ولابن ماجة وابن حبان من حديث عمر نحوه بلفظ من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع وأفادت فائديتن إحداهما أن الوعد المذكور مرتب على تمام التجهيز وهو المراد بقوله حتى يستقل ثانيهما أنه يستوي معه في الأجر إلى أن تنقضي تلك الغزوة وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وقال ليخرج من كل رجلين رجل والأجر بينهما وفي رواية له ثم قال للقاعد وأيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج ففيه إشارة إلى أن الغازي إذا جهز نفسه أو قام بكفاية من يخلفه بعده كان له الأجر مرتين وقال القرطبي لفظة نصف يشبه أن تكون مقحمة أي مزيدة من بعض الرواة وقد احتج بها من ذهب إلى أن المراد بالأحاديث التي وردت بمثل ثواب الفعل حصول أصل الأجر له بغير تضعيف وأن التضعيف يختص بمن باشر العمل قال القرطبي ولا حجة له في هذا الحديث لوجهين أحدهما أنه لا يتناول محل النزاع لأن المطلوب إنما هو أن الدال على الخير مثلا هل له مثل أجر فاعله مع التضعيف أو بغير تضعيف وحديث الباب إنما يقتضي المشاركة والمشاطرة فافترقا ثانيهما ما تقدم من احتمال كون لفظة نصف زائدة قلت ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح والذي يظهر في توجيهها أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر فلا تعارض بين الحديثين وأما من وعد بمثل ثواب العمل وإن لم يعمله إذا كانت له فيه دلالة أو مشاركة أو نية صالحة فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد وصرف الخبر عن ظاهره يحتاج إلى مستند وكأن مستند القائل أن العامل يباشر المشقة بنفسه بخلاف الدال ونحوه لكن من يجهز الغازي بماله مثلا وكذا من يخلفه فيمن يترك بعده يباشر شيئا من المشقة أيضا فإن الغازي لا يتأتى منه الغزو إلا بعد أن يكفي ذلك العمل فصار كأنه يباشر معه الغزو بخلاف من اقتصر على النية مثلا والله أعلم وستكون لنا عودة إلى البحث في هذا في الكلام على قوله قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن في شرح فضائل القرآن إن شاء الله تعالى

[ 2689 ] قوله عن إسحاق بن عبد الله أي بن أبي طلحة وفي رواية عمرو بن عاصم عن همام أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أخرجه بن سعد عنه وعند الإسماعيلي من طريق حبان بن هلال عن همام حدثنا إسحاق قوله لم يكن يدخل بالمدينة بيتا غير بيت أم سليم قال الحميدي لعله أراد على الدوام وإلا فقد تقدم أنه كان يدخل على أم حرام وقال بن التين يريد أنه كان يكثر الدخول على أم سليم وإلا فقد دخل على أختها أم حرام ولعلها أي أم سليم كانت شقيقة المقتول أو وجدت عليه أكثر من أم حرام قلت لا حاجة إلى هذا التأويل فإن بيت أم حرام وأم سليم واحد ولا مانع أن تكون الأختان في بيت واحد كبير لكل منهما فيه معزل فنسب تارة إلى هذه وتارة إلى هذه قوله فقيل له لم أقف على اسم القائل قوله إني أرحمها قتل أخوها معي هذه العلة أولى من قول من قال إنما كان يدخل عليها لأنها كانت محرما له وسيأتي بيان ما في هذه القصة في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى والمراد بقوله أخوها حرام بن ملحان الذي تقدم ذكره في باب من ينكب في سبيل الله وستأتي قصة قتله في غزوة بئر معونة من كتاب المغازي والمراد بقوله معي أي مع عسكري أو على أمري وفي طاعتي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهد بئر معونة وإنما أمرهم بالذهاب إليها وغفل القرطبي فقال قتل أخوها معه في بعض حروبه وأظنه يوم أحد ولم يصب في ظنه والله أعلم تنبيه قال بن المنير مطابقة حديث أنس للترجمة من جهة قوله أو خلفه في أهله لأن ذلك أعم من أن يكون في حياته أو بعد موته والنبي صلى الله عليه وسلم كان يجبر قلب أم سليم بزيارتها ويعلل ذلك بأن أخاها قتل معه ففيه أنه خلفه في أهله بخير بعد وفاته وذلك من حسن عهده صلى الله عليه وسلم

قوله باب التحنط عند القتال أي استعمال الحنوط وهو ما يطيب به الميت وقد تقدم بيانه في كتاب الجنائز

[ 2690 ] قوله عن موسى بن أنس أي بن مالك قوله ذكر يوم اليمامة كذا للحموي وللباقين وذكر بزيادة الواو وهي للحال قوله يوم اليمامة أي حين حاصرت المسلمون مسيلمة الكذاب وأتباعه في خلافة أبي بكر الصديق قوله أتى أنس بن مالك ثابت بن قيس بالنصب على المفعولية قال الحميدي كذا قال لم يقل عن أنس وأخرجه البرقاني من وجه آخر فقال عن موسى بن أنس عن أبيه قال أتيت ثابت بن قيس قلت وصله الطبري والإسماعيلي من طريق بن أبي زائدة عن بن عون وقال بن سعد في الطبقات حدثنا الأنصاري حدثنا بن عون حدثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك قال لما كان يوم اليمامة جئت إلى ثابت بن قيس بن شماس فذكره وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أخرى عن الأنصاري كذلك قوله وقد حسر بمهملتين مفتوحتين أي كشف وزنه ومعناه قوله يا عم إنما دعاه بذلك لأنه كان أسن منه ولأنه من قبيلة الخزرج قوله ما يحبسك أي يؤخرك وفي رواية الأنصاري فقلت يا عم ألا ترى ما يلقى الناس زاد معاذ بن معاذ عن بن عون عند الإسماعيلي ألا تجيء وكذا أخرجه خليفة في تاريخه عن معاذ وقال في جوابه بلى يا بن أخي الآن قوله ألا بالتشديد وتجيء بالنصب قوله وجعل يتحنط يعني من الحنوط كذا في الأصل وكأن قائلها أراد دفع من يتوهم أنها من الحنطة ولم يقع ذلك في رواية الأنصاري المذكورة قوله فذكر من الناس انكشافا في رواية بن أبي زائدة فجاء حتى جلس في الصف والناس ينكشفون أي ينهزمون قوله فقال هكذا عن وجوهنا أي أفسحوا لي حتى أقاتل قوله ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بل كان الصف لا ينحرف عن موضعه قوله بئس ما عودتم أقرانكم كذا للأكثر ووقع في رواية المستملي عودكم أقرانكم أي نظراؤكم وهو جمع قرن بكسر القاف وهو الذي يعادل الآخر في الشدة والقرن بكسر القاف من يعادل في السن وأراد ثابت بقوله هذا توبيخ المنهزمين أي عودتم نظراءكم في القوة من عدوكم الفرار منهم حتى طمعوا فيكم وزاد معاذ بن معاذ الأنصاري وابن أبي زائدة في روايتهما فتقدم فقاتل حتى قتل قوله رواه حماد أي بن سلمة عن ثابت عن أنس كذا قال وكأنه أشار إلى أصل الحديث وإلا فرواية حماد أتم من رواية موسى بن أنس وقد أخرجه بن سعد والطبراني والحاكم من طرق عنه ولفظه أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ولبس ثوبين أبيضين يكفن فيهما وقد انهزم القوم فقال اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون واعتذر إليك مما صنع هؤلاء ثم قال بئس ما عودتم أقرانكم منذ اليوم خلوا بيننا وبينهم ساعة فحمل فقاتل حتى قتل وكانت درعه قد سرقت فرآه رجل فيما يرى النائم فقال انها في قدر تحت إكاف بمكان كذا فأوصاه بوصايا فوجدوا الدرع كما قال وأنفذوا وصاياه وأخرج الحاكم قصة الدرع والوصية مطولة من وجه آخر عن بنت ثابت بن قيس المذكورة وفيها أنه أوصى بعتق بعض رقيقه وسمي الواقدي في كتاب الردة من وجه آخر من أوصى بعتقه وهم سعد وسالم وأفاد الواقدي أن رائي المنام هو بلال المؤذن قال المهلب وغيره فيه جواز استهلاك النفس في الجهاد وترك الأخذ بالرخصة والتهيئة للموت بالتحنط والتكفين وفيه قوة ثابت بن قيس وصحة يقينه ونيته وفيه التداعي إلى الحرب والتحريض عليها وتوبيخ من يفر وفيه الإشارة إلى ما كان الصحابة عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والثبات في الحرب واستدل به على أن الفخذ ليست عورة وقد مضى البحث فيه في أوائل كتاب الصلاة

قوله باب فضل الطليعة أي من يبعث إلى العدو ليطلع على أحوالهم وهو اسم جنس يشمل الواحد فما فوقه وقد تقدم في كتاب الشروط في حديث المسور الطويل بيان ذلك قوله حدثنا سفيان هو الثوري قوله من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب في رواية وهب بن كيسان عن جابر عند النسائي لما أشتد الأمر يوم بني قريظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتينا بخبرهم الحديث وفيه أن الزبير توجه إلى ذلك ثلاث مرات ومنه يظهر المراد بالقوم في رواية بن المنكدر وسيأتي بيان ذلك في المغازي وأن الأحزاب من قريش وغيرهم لما جاءوا إلى المدينة وحفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق بلغ المسلمين أن بني قريظة من اليهود نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على حرب المسلمين وسيأتي الكلام على شرح الحواري في المناقب إن شاء الله تعالى

قوله باب هل يبعث الطليعة وحده ذكر فيه حديث جابر المذكور من رواية سفيان بن عيينة وقوله ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس قال صدقة أظنه يوم الخندق صدقة هو بن الفضل شيخ البخاري فيه وما ظنه هو الواقع فقد رواه الحميدي عن بن عيينة فقال فيه يوم الخندق ولم يشك وفي الحديث جواز استعمال التجسس في الجهاد وفيه منقبة للزبير وقوة قلبه وصحة يقينه وفيه جواز سفر الرجل وحده وأن النهي عن السفر وحده إنما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك وسيأتي مزيد بحث في ذلك في أواخر الجهاد في باب السير وحده واستدل به بعض المالكية على أن طليعة اللصوص المحاربين يقتل وإن كان لم يباشر قتلا ولا سلبا وفي أخذه من هذا الحديث تكلف

قوله باب سفر الإثنين أي جوازه والمراد سفر الشخصين لا سفر يوم الإثنين بخلاف ما فهمه الداودي ثم اعترض على البخاري ورده بن التين بأن البخاري أورد فيه حديث مالك بن الحويرث أذنا وأقيما وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما ذلك حين أرادا السفر إلى قومهما فيؤخذ الجواز من إذنه لهما قلت وكأنه لمح بضعف الحديث الوارد في الزجر عن سفر الواحد والإثنين وهو ما أخرجه أصحاب السنن من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب قلت وهو حديث حسن الإسناد وقد صححه بن خزيمة والحاكم وأخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه وترجم له بن خزيمة النهي عن سفر الإثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة لأن معنى قوله شيطان أي عاص وقال الطبري هذا الزجر زجر أدب وارشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف والحق أن الناس يتباينون في ذلك فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك وقع لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك وقيل في تفسير قوله الراكب شيطان أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان أو أشبه الشيطان في فعله وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن تلك الخشية قلت وسيأتي الإلمام بشيء من هذا بعد أبواب كثيرة في باب السير وحده ومضى شرح حديث مالك بن الحويرث في كتاب الصلاة

قوله باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة هكذا ترجم بلفظ الحديث من غير مزيد وقد استنبط منه ما يأتي في الباب بعده وذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث بن عمر

[ 2694 ] قوله الخيل في نواصيها الخير كذا في الموطأ ليس فيه معقود ووقع بإثباتها عند الإسماعيلي من رواية عبد الله بن نافع عن مالك وسيأتي في علامات النبوة من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بإثباتها وذلك في رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده الحديث الثاني حديث عروة بن الجعد

[ 2695 ] قوله عن حصين بالتصغير هو بن عبد الرحمن وابن أبي السفر بفتح المهملة والفاء هو عبد الله قوله عن عروة بن الجعد في رواية زكريا عن الشعبي حدثنا عروة وهو في الباب الذي بعده قوله قال سليمان هو بن حرب عن شعبة عن عروة بن أبي الجعد يعني أن سليمان بن حرب خالف حفص بن عمر في اسم والد عروة فقال حفص عروة بن الجعد وقال سليمان عروة بن أبي الجعد وطريق سليمان وصلها الطبراني عن أبي مسلم الكجي عنه وأخرجها أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي مسلم قال الإسماعيلي قال أكثر الرواة عن شعبة عروة بن الجعد الا سليمان وابن أبي عدي قلت رواية بن أبي عدي عند النسائي وتابعهما مسلم بن إبراهيم أخرجه بن أبي خيثمة عنه ولشعبة فيه إسناد آخر فقال فيه عروة بن الجعد أيضا أخرجه مسلم من طريق غندر عنه عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عروة قوله تابعه مسدد عن هشيم عن حصين الخ هكذا رويناه موصولا في مسند مسدد رواية معاذ بن المثنى عنه وقال فيه عروة بن أبي الجعد كما قال البخاري ولكن رواه أحمد في مسنده عن هشيم فقال عروة البارقي وكذا قال زكريا في الباب الذي بعده وكذا أخرجه مسلم من طريق بن فضيل وابن إدريس عن حصين وأخرجه من طريق جرير عن حصين فقال عروة بن الجعد وصوب بن المديني أنه عروة بن أبي الجعد وذكر بن أبي حاتم أن اسم أبي الجعد سعد وأما الرشاطي فقال هو عروة بن عياض بن أبي الجعد نسب في الرواية إلى جده قال وكان ممن شهد فتوح الشام ونزلها ثم نقله عثمان إلى الكوفة قلت ويأتي في علامات النبوة أنه كان يرتبط الخيل الكثيرة حتى قال الراوي رأيت في داره سبعين فرسا ولمسدد في هذا الحديث شيخ آخر سيأتي في باب حل الغنائم عنه عن خالد وهو الطحان عن حصين وقال فيه أيضا عروة البارقي ووقع في رواية بن إدريس عن حصين في هذا الحديث من الزيادة والإبل عز لأهلها والغنم بركة أخرجه البرقاني في مستخرجه ونبه عليه الحميدي والبارقي بالموحدة وكسر الراء بعدها قاف نسبة إلى بارق جبل باليمن وقيل ماء بالسراة نزله بنو عدي بن حارثة بن عمر وقبيلة من الأزد ولقب به منهم سعد بن عدي وكان يقال له بارق وزعم الرشاطي أنه منسوب إلى ذي بارق قبيلة من ذي رعين قوله حدثنا يحيى هو القطان وأبو التياح بمثناة وتحتانية ثقيلة وآخره مهملة والإسناد كله بصريون قوله البركة في نواصي الخيل كذا وقع ولا بد فيه من شيء محذوف يتعلق به المجرور وأولى ما يقدر ما ثبت في رواية أخرى فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي بن شعبة بلفظ البركة تنزل في نواصي الخيل وأخرجه من طريق بن مهدي عن شعبة بلفظ الخير معقود في نواصي الخيل وسيأتي في علامات النبوة من طريق خالد بن الحارث عن شعبة بلفظ حديث عروة البارقي إلا أنه ليس فيه إلى يوم القيامة قال عياض إذا كان في نواصيها البركة فيبعد أن يكون فيها شؤم فيحتمل أن يكون الشؤم الآتي ذكره في غير الخيل التي ارتبطت للجهاد وأن الخيل التي أعدت له هي المخصوصة بالخير والبركة أو يقال الخير والشر يمكن اجتماعهما في ذات واحدة فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم ولا يمنع ذلك أن يكون ذلك الفرس مما يتشاءم به قلت وسيأتي مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب قوله الخيل المراد بها ما يتخذ للغزو بأن يقاتل عليه أو يرتبط لأجل ذلك لقوله في الحديث الآتي بعد أربعة أبواب الخيل ثلاثة الحديث فقد روى أحمد من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا الخيل في نواصيها الخير معقود إلى يوم القيامة فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليه احتسابا كان شبعها وجوعها وريها وظمؤها وأرواثها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة الحديث ولقوله في رواية زكريا كما في الباب الذي يليه الأجر والمغنم وقوله الأجر بدل من قوله الخير أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو الأجر والمغنم ووقع عند مسلم من رواية جرير عن حصين قالوا بم ذاك يا رسول الله قال الأجر والمغنم قال الطيبي يحتمل أن يكون الخير الذي فسر بالأجر والمغنم استعارة لظهوره وملازمته وخص الناصية لرفعة قدرها وكأنه شبهه لظهوره بشيء محسوس معقود على مكان مرتفع فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريدا للاستعارة والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قاله الخطابي وغيره قالوا ويحتمل أن يكون كنى بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال فلان مبارك الناصية ويبعده لفظ الحديث الثالث وقد روى مسلم من حديث جرير قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه بأصبعه ويقول فذكر الحديث فيحتمل أن تكون الناصية خصت بذلك لكونها المقدم منها إشارة إلى أن الفضل في الاقدام بها على العدو دون المؤخر لما فيه من الإشارة إلى الادبار واستدل به على أن الذي ورد فيها من الشؤم على غير ظاهره لكن يحتمل أن يكون المراد هنا جنس الخيل أي أنها بصدد أن يكون فيها الخير فأما من ارتبطها لعمل غير صالح فحصول الوزر لطريان ذلك الأمر العارض وسيأتي مزيد لذلك في مكانه بعد أبواب قال عياض في هذا الحديث مع وجيز لفظه من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحسن مع الجناس السهل الذي بين الخيل والخير قال الخطابي وفيه إشارة إلى أن المال الذي يكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال وأطيبها والعرب تسمي المال خيرا كما تقدم في الوصايا في قوله تعالى ان ترك خيرا الوصية وقال بن عبد البر فيه إشارة إلى تفضيل الخيل على غيرها من الدواب لأنه لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم في شيء غيرها مثل هذا القول وفي النسائي عن أنس بن مالك لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل الحديث الثالث

قوله باب الجهاد ماض مع البر والفاجر هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه بنحوه أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا عن أبي هريرة ولا بأس برواته إلا أن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة وفي الباب عن أنس أخرجه سعيد بن منصور وأبو داود أيضا وفي إسناده ضعف قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخيل معقود الخ سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة وفسره بالأجر والمغنم المغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عادلا فدل على أن لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر وفي الحديث الترغيب في الغزو على الخيل وفيه أيضا بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون وهو مثل الحديث الآخر لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق الحديث واستنبط منه الخطابي إثبات سهم للفرس يستحقه الفارس من أجله فإن أراد السهم الزائد للفارس على الراجل فلا نزاع فيه وان أراد أن للفرس سهمين غير سهم راكبه فهو محل النزاع ولا دلالة من الحديث عليه وسيأتي القول فيه قريبا إن شاء الله تعالى تنبيه حكى بن التين أنه وقع في رواية أبي الحسن القابسي في لفظ الترجمة الجهاد ماض على البر والفاجر قال ومعناه أنه يجب على كل أحد قلت إلا أنه لم يقع في شيء من النسخ التي وقفنا عليها وقد وجدته في نسخة قديمة من رواية القابسي كالجماعة والذي يليق بلفظ الحديث ما وقع في سائر الأصول بلفظ مع بدل على والله أعلم تكملة روى حديث الخيل معقود في نواصيها الخير جمع من الصحابة غير من تقدم ذكره وهم بن عمر وعروة وأنس وجرير وممن لم يتقدم سلمة بن نفيل وأبو هريرة عند النسائي وعتبة بن عبد عند أبي داود وجابر وأسماء بنت يزيد وأبو ذر عند أحمد والمغيرة وابن مسعود عند أبي يعلى وأبو كبشة عند أبي عوانة وابن حبان في صحيحيهما وحذيفة عند البزار وسوادة بن الربيع وأبو أمامة وعريب وهو بفتح المهملة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة المليكي والنعمان بن بشير وسهل بن الحنظلية عند الطبراني وعن علي عند بن أبي عاصم في الجهاد وفي حديث جابر من الزيادة في نواصيها الخير والنيل وهو بفتح النون وسكون التحتانية بعدها لام وزاد أيضا وأهلها معانون عليها فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة وقوله وأهلها معانون عليها في رواية سلمة بن نفيل أيضا

قوله باب من احتبس فرسا في سبيل الله لقوله عز وجل ومن رباط الخيل أي بيان فضله وروى بن مردويه في التفسير من حديث بن عباس في هذه الآية قال ان الشيطان لا يستطيع ناصية فرس

[ 2698 ] قوله حدثنا علي بن حفص هو المروزي قال البخاري في التاريخ لقيته بعسقلان سنة سبع عشرة قلت وما أخرج عنه غير هذا الحديث وآخر في مناقب الزبير موقوفا وآخر في آخر كتاب القدر قرنه فيه ببشر بن محمد وقد تعقب بن أبي حاتم تسميته على البخاري في الجزء الذي جمع فيه أوهامه وقال الصواب أنه بن الحسين بن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة بوزن عظيم قال وقد لقيه أبي بعسقلان سنة سبع عشرة قلت فيحتمل أن يكون حفص اسم جده وقد وقع للبخاري نسبة بعض مشايخه إلى أجدادهم قوله أخبرنا طلحة بن أبي سعيد هو المصري نزيل الإسكندرية وكان أصله من المدينة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع بل قال أبو سعيد بن يونس ما روى حديثا مسندا غيره قوله وتصديقا بوعده أي الذي وعد به من الثواب على ذلك وفيه إشارة إلى المعاد كما أن في لفظ الإيمان إشارة إلى المبدأ وقوله شبعه بكسر أوله أي ما يشبع به وكذا قوله ريه بكسر الراء وتشديد التحتانية ووقع في حديث أسماء بنت يزيد الذي أشرت إليه في الباب الماضي ومن ربطها رياء وسمعة الحديث وقال فيه فإن شبعها وجوعها الخ خسران في موازينه قال المهلب وغيره في هذا الحديث جواز وقف الخيل للمدافعة عن المسلمين ويستنبط منه جواز وقف غير الخيل من المنقولات ومن غير المنقولات من باب الأولى وقوله وروثه يريد ثواب ذلك لا أن الأرواث بعينها توزن وفيه أن المرء يؤجر بنيته كما يؤجر العامل وأنه لا بأس بذكر الشيء المستقذر بلفظه للحاجة لذلك وقال بن أبي جمرة يستفاد من هذا الحديث أن هذه الحسنات تقبل من صاحبها لتنصيص الشارع على أنها في ميزانية بخلاف غيرها فقد لا تقبل فلا تدخل الميزان وروى بن ماجة من حديث تميم الداري مرفوعا من ارتبط فرسا في سبيل الله ثم عالج علفه بيده كان له بكل حبة حسنة

قوله باب اسم الفرس والحمار أي مشروعية تسميتهما وكذا غيرهما من الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها وقد اعتنى من ألف في السيرة النبوية بسرد أسماء ما ورد في الأخبار من خيله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من دوابه وفي الأحاديث الواردة في هذا الباب ما يقوي قول من ذكر أنساب بعض الخيول العربية الأصيلة لأن الأسماء توضع للتمييز بين أفراد الجنس وذكر البخاري في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي قتادة في قصة صيد الحمار الوحشي وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج والغرض منه

[ 2699 ] قوله فيه فركب فرسا يقال له الجرادة وهو بفتح الجيم وتخفيف الراء والجراد اسم جنس ووقع في السيرة لابن هشام أن اسم فرس أبي قتادة الحزوة أي بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها واو فاما أن يكون لها اسمان وإما أن أحدهما تصحف والذي في الصحيح هو المعتمد ومحمد بن أبي بكر شيخ البخاري فيه هو المقدمي وحكى أبو علي الجياني أنه وقع في نسخة أبي زيد المروزي محمد بن بكر وهو غلط الثاني حديث سهل وهو بن سعد الساعدي

[ 2700 ] قوله يقال له اللحيف يعني بالمهملة والتصغير قال بن قرقول وضبطوه عن بن سراج بوزن رغيف قلت ورجحه الدمياطي وبه جزم الهروي وقال سمي بذلك لطول ذنبه فعيل بمعنى فاعل وكأنه يلحف الأرض بذنبه قوله وقال بعضهم اللخيف بالخاء المعجمة وحكوا فيه الوجهين وهذه رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل وهو أخو أبي بن عباس ولفظه عند بن منده كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن سعد والد سهل ثلاثة أفراس فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن لزاز بكسر اللام وبزايين الأولى خفيفة والظرب بفتح المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة واللخيف وحكى سبط بن الجوزي أن البخاري قيده بالتصغير والمعجمة قال وكذا حكاه بن سعد عن الواقدي وقال أهداه له ربيعة بن أبي البراء مالك بن عامر العامري وأبوه الذي يعرف بملاعب الأسنة انتهى ووقع عند بن أبي خيثمة أهداه له فروة بن عمرو وحكى بن الأثير في النهاية أنه روى بالجيم بدل الخاء المعجمة وسبقه إلى ذلك صاحب المغيث ثم قال فإن صح فهو سهم عريض النصل كأنه سمي بذلك لسرعته وحكى بن الجوزي أنه روى بالنون بدل اللام من النحافة الثالث حديث معاذ بن جبل

[ 2701 ] قوله عن عمرو بن ميمون هو الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو من كبار التابعين وسيأتي أنه أدرك الجاهلية في أخبار الجاهلية وأبو إسحاق الراوي عنه هو السبيعي والإسناد كله كوفيون إلا الصحابي وأبو الأحوص شيخ يحيى بن آدم فيه كنت أظن أنه سلام بالتشديد وهو بن سليم وعلى ذلك يدل كلام المزي لكن أخرج هذا الحديث النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي عن يحيى بن آدم شيخ شيخ البخاري فيه فقال عن عمار بن زريق عن أبي إسحاق والبخاري أخرجه ليحيى بن آدم عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق وكنية عمار بن زريق أبو الأحوص فهو هو ولم أر من نبه على ذلك وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبو داود عن هناد بن السري كلاهما عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق وأبو الأحوص هذا هو سلام بن سليم فإن أبا بكر وهنادا أدركاه ولم يدركا عمارا والله أعلم قوله كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير بالمهملة والفاء مصغر مأخوذ من العفر وهو لون التراب كأنه سمى بذلك للونه والعفرة حمرة يخالطها بياض وهو تصغير أعفر أخرجوه عن بناء أصله كما قالوا سويد في تصغير أسود ووهم من ضبطه بالغين المعجمة وهو غير الحمار الآخر الذي يقال له يعفور وزعم بن عبدوس أنهما واحد وقواه صاحب الهدى ورده الدمياطي فقال عفير أهداه المقوقس ويعفور أهداه فروة بن عمرو وقيل بالعكس ويعفور بسكون المهملة وضم الفاء هو اسم ولد الظبي كأنه سمي بذلك لسرعته قال الواقدي نفق يعفور منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع وبه جزم النووي عن بن الصلاح وقيل طرح نفسه في بئر يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع ذلك في حديث طويل ذكره بن حبان في ترجمة محمد بن مرثد في الضعفاء وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غنمه من خيبر وأنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له أنه كان ليهودي وأنه خرج من جده ستون حمارا لركوب الأنبياء فقال ولم يبق منهم غيري وأنت خاتم الأنبياء فسماه يعفورا وكان يركبه في حاجته ويرسله إلى الرجل فيقرع بابه برأسه فيعرف أنه أرسل إليه فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر أبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره قال بن حبان لا أصل له وليس سنده بشيء قوله أن تعبدوه ولا تشركوا في رواية الكشميهني أن تعبدوا بحذف المفعول قوله فيتكلوا بتشديد المثناة وفي رواية الكشميهني بسكون النون وقد تقدم شرح ذلك في أواخر كتاب العلم وسيأتي هذا الحديث في الرقاق من طريق أنس بن مالك عن معاذ ولم يسم فيه الحمار ونستكمل بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى وتقدم في العلم من حديث أنس بن مالك أيضا لكن فيما يتعلق بشهادة أن لا إله إلا الله وهذا فيما يتعلق بحق الله على العباد فهما حديثان ووهم الحميدي ومن تبعه حيث جعلوهما حديثا واحدا نعم وقع في كل منهما منعه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بذلك الناس لئلا يتكلوا ولا يلزم من ذلك أن يكونا حديثا واحدا وزاد في الحديث الذي في العلم فأخبر بها معاذ عند موته تأثما ولم يقع ذلك هنا والله أعلم الحديث الرابع حديث أنس في فرس أبي طلحة وقد تقدم في أواخر الهبة مع شرحه وهو ظاهر فيما ترجم به هنا

قوله باب ما يذكر من شؤم الفرس أي هل هو على عمومه أو مخصوص ببعض الخيل وهل هو على ظاهره أو مؤول وسيأتي تفصيل ذلك وقد أشار بإيراد حديث سهل بعد حديث بن عمر إلى أن الحصر الذي في حديث بن عمر ليس على ظاهره وبترجمة الباب الذي بعده وهي الخيل لثلاثة إلى أن الشؤم مخصوص ببعض الخيل دون بعض وكل ذلك من لطيف نظره ودقيق فكره

[ 2703 ] قوله أخبرني سالم كذا صرح شعيب عن الزهري بأخبار سالم له وشذ بن أبي ذئب فأدخل بين الزهري وسالم محمد بن زبيد بن قنقد واقتصر شعيب على سالم وتابعه بن جريج عن بن شهاب عند أبي عوانة وكذا عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري كما سيأتي في الطب وكذا قال أكثر أصحاب سفيان عنه عن الزهري ونقل الترمذي عن بن المديني والحميدي أن سفيان كان يقول لم يرو الزهري هذا الحديث الا عن سالم انتهى وكذا قال أحمد عن سفيان إنما نحفظه عن سالم لكن هذا الحصر مردود فقد حدث به مالك عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما ومالك من كبار الحفاظ ولا سيما في حديث الزهري وكذا رواه بن أبي عمر عن سفيان نفسه أخرجه مسلم والترمذي عنه وهو يقتضي رجوع سفيان عما سبق من الحصر وأما الترمذي فجعل رواية بن أبي عمر هذه مرجوحة وقد تابع مالكا أيضا يونس من رواية بن وهب عنه كما سيأتي في الطب وصالح بن كيسان عند مسلم وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي كلهم عن الزهري عنهما ورواه إسحاق بن راشد عن الزهري فاقتصر على حمزة أخرجه النسائي وكذا أخرجه بن خزيمة وأبو عوانة من طريق عقيل وأبو عوانة من طريق شبيب بن سعيد كلاهما عن الزهري ورواه القاسم بن مبرور عن يونس فاقتصر على حمزة أخرجه النسائي أيضا وكذا أخرجه أحمد من طريق رباح بن زيد عن معمر مقتصرا على حمزة وأخرجه النسائي من طريق عبد الواحد عن معمر فاقتصر على سالم فالظاهر أن الزهري يجمعهما تارة ويفرد أحدهما أخرى وقد رواه إسحاق في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال عن سالم أو حمزة أو كلاهما وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري أخرجه مسلم من طريق عتبة بن مسلم عنه والله أعلم قوله إنما الشؤم بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوا قوله في ثلاث يتعلق بمحذوف تقديره كائن قاله بن العربي قال والحصر فيها بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة انتهى وقال غيره إنما خصت بالذكر لطول ملازمتها وقد رواه مالك وسفيان وسائر الرواة بحذف إنما لكن في رواية عثمان بن عمر لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في الثلاثة قال مسلم لم يذكر أحد في حديث بن عمر لا عدوى الا عثمان بن عمر قلت ومثله في حديث سعد بن أبي وقاص الذي أخرجه أبو داود لكن قال فيه ان تكن الطيرة في شيء الحديث والطيرة والشؤم بمعنى واحد كما سأبينه في أواخر شرح الطب إن شاء الله تعالى وظاهر الحديث أن الشؤم والطيرة في هذه الثلاثة قال بن قتيبة ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن لا طيرة فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة قلت فمشى بن قتيبة على ظاهره ويلزم على قوله أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره قال القرطبي ولا يظن به أنه يحمله على ما كانتت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر وينفع بذاته فإن ذلك خطأ وإنما عنى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره قلت وقد وقع في رواية عمر العسقلاني وهو بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن بن عمر كما سيأتي في النكاح بلفظ ذكروا الشؤم فقال إن كان في شيء ففي ولمسلم إن يك من الشؤم شيء حق وفي رواية عتبة بن مسلم إن كان الشؤم في شيء وكذا في حديث جابر عند مسلم وهو موافق لحديث سهل بن سعد ثاني حديثي الباب وهو يقتضي عدم الجزم بذلك بخلاف رواية الزهري قال بن العربي معناه إن كان خلق الله الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة فإنما يخلقه في هذه الأشياء قال المازري مجمل هذه الرواية إن يكن الشؤم حقا فهذه الثلاث أحق به بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها وجاء عن عائشة أنها أنكرت هذا الحديث فروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن محمد بن راشد عن مكحول قال قيل لعائشة إن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة فقالت لم يحفظ إنه دخل وهو يقول قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله قلت ومكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا ان أبا هريرة قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الطيرة في الفرس والمرأة والدار فغضبت غضبا شديدا وقالت ما قاله وإنما قال إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك انتهى ولا معنى لانكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك وقد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك لا أنه أخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك وسياق الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها يبعد هذا التأويل قال بن العربي هذا جواب ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه انتهى وأما ما أخرجه الترمذي من حديث حكيم بن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس ففي إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر سمعت من يفسر هذا الحديث يقول شؤم المرأة إذا كانت غير ولود وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه وشؤم الدار جار السوء وروى أبو داود في الطب عن بن القاسم عن مالك أنه سئل عنه فقال كم من دار سكنها ناس فهلكوا قال المازري فيحمله مالك على ظاهره والمعنى أن قدر الله ربما اتفق ما يكره عند سكنى الدار فتصير في ذلك كالسبب فتسامح في إضافة الشيء إليه اتساعا وقال بن العربي لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار وإنما هو عبارة عن جرى العادة فيها فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل وقيل معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبية ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب قلت وما أشار إليه بن العربي في تأويل كلام مالك أولى وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عن اعتقاده فأشير إلى اجتناب مثل ذلك والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلا أن يبادر إلى التحول منها لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم وأما ما رواه أبو داود وصححه الحاكم من طريق إسحاق بن طلحة عن أنس قال رجل يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا وأموالنا فتحولنا إلى أخرى فقل فيها ذلك فقال ذروها ذميمة وأخرج من حديث فروة بن مسيك بالمهملة مصغرا ما يدل على أنه هو السائل وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين وله رواية بإسناد صحيح إليه عند عبد الرزاق قال بن العربي ورواه مالك عن يحيى بن سعيد منقطعا قال والدار المذكورة في حديثه كانت دار مكمل بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم بعدها لام وهو بن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف قال وإنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها وليس كما ظنوا لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقا لظهور قضائه وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم قال بن العربي وأفاد وصفها بكونها ذميمة جواز ذلك وأن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير أن يعتقد أن ذلك كان منها ولا يمتنع ذم محل المكروه وأن كان ليس منه شرعا كما يذم العاصي على معصيته وأن كان ذلك بقضاء الله تعالى وقال الخطابي هو استثناء من غير الجنس ومعناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير فكأنه قال أن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره فليفارقه قال وقيل أن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها وشؤم المرأة أن لا تلد وشؤم الفرس أن لا يغزى عليه وقيل المعنى ما جاء بإسناد ضعيف رواه الدمياطي في الخيل إذا كان الفرس ضروبا فهو مشئوم وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشئومة وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشئومة وقيل كان قوله ذلك في أول الأمر ثم نسخ ذلك بقوله تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم الا في كتاب الآية حكاه بن عبد البر والنسخ لا يثبت بالاحتمال لا سيما مع إمكان الجمع ولا سيما وقد ورد في نفس هذا الخبر نفي التطير ثم إثباته في الأشياء المذكورة وقيل يحمل الشؤم على قلة الموافقة وسوء الطباع وهو كحديث سعد بن أبي وقاص رفعه من سعادة المرء المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الهنيء ومن شقاوة المرء المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء أخرجه أحمد وهذا يختص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض وبه صرح بن عبد البر فقال يكون لقوم دون قوم وذلك كله بقدر الله وقال المهلب ما حاصله أن الخاطب بقوله الشؤم في ثلاثة من التزم التطير ولم يستطع صرفه عن نفسه فقال لهم إنما يقع ذلك في هذه الأشياء التي تلازم في غالب الأحوال فإذا كان كذلك فاتركوها عنكم ولا تعذبوا أنفسكم بها ويدل على ذلك تصديره الحديث بنفي الطيرة واستدل لذلك بما أخرجه بن حبان عن أنس رفعه لا طيرة والطيرة على من تطير وأن تكن في شيء ففي المرأة الحديث وفي صحته نظر لأنه من رواية عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس وعتبة مختلف فيه وسيكون لنا عودة إلى بقية ما يتعلق بالتطير والفأل في آخر كتاب الطب حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى تكميل اتفقت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة ووقع عند بن إسحاق في رواية عبد الرزاق المذكورة قال معمر قالت أم سلمة والسيف قال أبو عمر رواه جويرية عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عن أم سلمة قلت أخرجه الدارقطني في غرائب مالك وإسناده صحيح إلى الزهري ولم ينفرد به جويرية بل تابعه سعيد بن داود عن مالك أخرجه الدارقطني أيضا قال والمبهم المذكور هو أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة سماه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري في روايته قلت أخرجه بن ماجة من هذا الوجه موصولا فقال عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أنها حدثت بهذه الثلاثة وزادت فيهن والسيف وأبو عبيدة المذكور هو بن بنت أم سلمة أمه زينب بنت أم سلمة وقد روى النسائي حديث الباب من طريق بن أبي ذئب عن الزهري فأدرج فيه السيف وخالف فيه في الإسناد أيضا

[ 2704 ] قوله عن أبي حازم هو سلمة بن دينار قوله أن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن كذا في جميع النسخ وكذا هو في الموطأ لكن زاد في آخره يعني الشؤم وكذا رواه مسلم ورواه إسماعيل بن عمر عن مالك ومحمد بن سليمان الحراني عن مالك بلفظ أن كان الشؤم في شيء ففي المرأة الخ أخرجهما الدارقطني لكن لم يقل إسماعيل في شيء وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني من رواية هشام بن سعد عن أبي حازم قال ذكروا الشؤم عند سهل بن سعد فقال فذكره وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه

قوله باب الخيل لثلاثة هكذا اقتصر على صدر الحديث وأحال بتفسيره على ما ورد فيه وقد فهم بعض الشراح منه الحصر فقال اتخاذ الخيل لا يخرج عن أن يكون مطلوبا أو مباحا أو ممنوعا فيدخل في المطلوب الواجب والمندوب ويدخل في الممنوع المكروه والحرام بحسب اختلاف المقاصد واعترض بعضهم بان المباح لم يذكر في الحديث لأن القسم الثاني الذي يتخيل فيه ذلك جاء مقيدا بقوله ولم ينس حق الله فيها فيلتحق بالمندوب قال والسر فيه أنه صلى الله عليه وسلم غالبا إنما يعتني بذكر ما فيه حض أو منع وأما المباح الصرف فيسكت عنه لما عرف أن سكوته عنه عفو ويمكن أن يقال القسم الثاني هو في الأصل المباح الا أنه ربما ارتقى إلى الندب بالقصد بخلاف القسم الأول فإنه من ابتدائه مطلوب والله أعلم قوله وقول الله عز وجل والخيل والبغال والحمير الآية أي أن الله خلقها للركوب والزينة فمن استعملها في ذلك فعل ما أبيح له فإن اقترن بفعله قصد طاعة ارتقى إلى الندب أو قصد معصية حصل له الإثم وقد دل حديث الباب على هذا التقسيم قوله عن زيد بن أسلم الإسناد كله مدنيون قوله الخيل لثلاثة في رواية الكشميهني الخيل ثلاثة ووجه الحصر في الثلاثة أن الذي يقتني الخيل أما أن يقتنيها للركوب أو للتجارة وكل منهما أما أن يقترن به فعل طاعة الله وهو الأول أو معصيته وهو الأخير أو يتجرد عن ذلك وهو الثاني

[ 2705 ] قوله في مرج أو روضة شك من الراوي والمرج موضع الكلأ وأكثر ما يطلق على الموضع المطمئن والروضة أكثر ما يطلق في الموضع المرتفع وقد مضى الكلام على قوله أرواثها وآثارها قبل بابين قوله فما أصابت في طيلها بكسر الطاء المهملة وفتح التحتانية بعدها لام هو الحبل الذي تربط به ويطول لها لترعى ويقال له طول بالواو المفتوحة أيضا كما تقدم في أول الجهاد وتقدم تفسير الاستنان هناك وقوله ولم يرد أن يسقيها فيه أن الإنسان يؤجر على التفاصيل التي تقع في فعل الطاعة إذا قصد أصلها وأن لم يقصد تلك التفاصيل وقد تأوله بعض الشراح فقال بن المنير قيل إنما أجر لأن ذلك وقت لا ينتفع بشربها فيه فيغتم صاحبها بذلك فيؤجر وقيل أن المراد حيث تشرب من ماء الغير بغير إذنه فيغتم صاحبها لذلك فيؤجر وكل ذلك عدول عن القصد قوله رجل ربطها فخرا هكذا وقع بحذف أحد الثلاثة وهو من ربطها تغنيا وسيأتي بتمامه بهذا الإسناد بعينه في علامات النبوة وتقدم تاما من وجه آخر عن مالك في أواخر كتاب الشرب وقوله تغنيا بفتح المثناة والمعجمة ثم نون ثقيلة مكسورة وتحتانية أي استغناء عن الناس تقول تغنيت بما رزقني الله تغنيا وتغانيت تغانيا واستغنيت استغناء كلها بمعنى وسيأتي بسط ذلك في فضائل القرآن في الكلام على قوله ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقوله تعففا أي عن السؤال والمعنى أنه يطلب بنتاجها أو بما يحصل من أجرتها ممن يركبها أو نحو ذلك الغنى عن الناس والتعفف عن مسألتهم ووقع في رواية سهيل عن أبيه عند مسلم وأما الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تعففا وتكرما وتجملا وقوله ولم ينس حق الله في رقابها قيل المراد حسن ملكها وتعهد شبعها وريها والشفقة عليها في الركوب وإنما خص رقابها بالذكر لأنها تستعار كثيرا في الحقوق اللازمة ومنه قوله تعالى فتحرير رقبة وهذا جواب من لم يوجب الزكاة في الخيل وهو قول الجمهور وقيل المراد بالحق إطراق فحلها والحمل عليها في سبيل الله وهو قول الحسن والشعبي ومجاهد وقيل المراد بالحق الزكاة وهو قول حماد وأبي حنيفة وخالفه صاحباه وفقهاء الأمصار قال أبو عمر لا أعلم أحدا سبقه إلى ذلك قوله فخرا أي تعاظما وقوله ورياء أي إظهارا للطاعة والباطن بخلاف ذلك ووقع في رواية سهيل المذكورة وأما الذي هي عليه وزر فالذي يتخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء للناس قوله ونواء لأهل الإسلام بكسر النون والمد هو مصدر تقول ناوأت العدو مناوأة ونواء وأصله من ناء إذا نهض ويستعمل في المعاداة قال الخليل ناوأت الرجل ناهضته بالعداوة وحكى عياض عن الداودي الشارح أنه وقع عنده ونوى بفتح النون والقصر قال ولا يصح ذلك قلت حكاه الإسماعيلي عن رواية إسماعيل بن أبي أويس فإن ثبت فمعناه وبعدا لأهل الإسلام أي منهم والظاهر أن الواو في قوله ورياء ونواء بمعنى أو لأن هذه الأشياء قد تفترق في الأشخاص وكل واحد منها مذموم على حدته وفي هذا الحديث بيان أن الخيل إنما تكون في نواصيها الخير والبركة إذا كان اتخاذها في الطاعة أو في الأمور المباحة وإلا فهي مذمومة قوله وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أقف على تسمية السائل صريحا وسيأتي ما قيل فيه في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى قوله عن الحمر فقال ما أنزل على فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة بالفاء وتشديد المعجمة سماها جامعة لشمولها لجميع الأنواع من طاعة ومعصية وسماها فاذة لانفرادها في معناها قال بن التين والمراد أن الآية دلت على أن من عمل في اقتناء الحمير طاعة رأى ثواب ذلك وأن عمل معصية رأى عقاب ذلك قال بن بطال فيه تعليم الاستنباط والقياس لأنه شبه ما لم يذكر الله حكمه في كتابه وهو الحمر بما ذكره من عمل مثقال ذرة من خير أو شر إذ كان معناهما واحدا قال وهذا نفس القياس الذي ينكره من لا فهم عنده وتعقبه بن المنير بأن هذا ليس من القياس في شيء وإنما هو استدلال بالعموم وإثبات لصيغته خلافا لمن أنكر أو وقف وفيه تحقيق لإثبات العمل بظواهر العموم وأنها ملزمة حتى يدل دليل التخصيص وفيه إشارة إلى الفرق بين الحكم الخاص المنصوص والعام الظاهر وأن الظاهر دون المنصوص في الدلالة

قوله باب من ضرب دابة غيره في الغزو أي إعانة له ورفقا به

[ 2706 ] قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وتقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في المظالم مختصرا وساقه هنا تاما وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في الشروط قوله أم عمرة في رواية الكشميهني أو بدل أم قوله فليعجل في رواية الكشميهني فليتعجل قوله أرمك براء وكاف وزن أحمر والمراد به ما خالط حمرته سواد قوله ليس فيها شية بكسر المعجمة وفتح التحتانية الخفيفة أي علامة والمراد أنه ليس فيه لمعة من غير لونه ويحتمل أن يريد ليس فيه عيب ويؤيده قوله والناس خلفي فبينا أنا كذلك إذ قام على لأنه يشعر بأنه أراد أنه كان قويا في سيره لا عيب فيه من جهة ذلك حتى كأنه صار قدام الناس فطرأ عليه حينئذ الوقوف قوله إذ قام على أي وقف فلم يسر من التعب

قوله باب الركوب على الدابة الصعبة بسكون العين أي الشديدة قوله والفحولة بالفاء والمهملة جمع فحل والتاء فيه لتأكيد الجمع كما جوزه الكرماني وأخذ المصنف ركوب الصعبة من ركوب الفحل لأنه في الغالب أصعب ممارسة من الأنثى وأخذ كونه كان فحلا من ذكره بضمير المذكر وقال بن المنير هو استدلال ضعيف لأن العود يصح على اللفظ ولفظ الفرس مذكر وان كان يقع على المؤنث وعكسه الجماعة فيجوز إعادة الضمير على اللفظ وعلى المعنى قال وليس في حديث الباب ما يدل على تفضيل الفحولة الا أن نقول أثنى عليه الرسول وسكت عن الأنثى فثبت التفضيل بذلك وقال بن بطال معلوم أن المدينة لم تخل عن اناث الخيل ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا جملة من أصحابه أنهم ركبوا غير الفحول الا ما ذكر عن سعد بن أبي وقاص كذا قال وهو محل توقف وقد روى الدارقطني أن فرس المقداد كان أنثى

[ 2707 ] قوله وقال راشد بن سعد هو المقرأ بفتح الميم وتضم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة تابعي وسط شامي مات سنة ثلاث عشرة ومائة وما له في البخاري سوى هذا الأثر الواحد قوله كان السلف أي من الصحابة فمن بعدهم وقوله أجرأ وأجسر بهمز أجرأ من الجراءة وبغير همز من الجري وأجسر بالجيم والمهملة من الجسارة وحذف المفضل عليه اكتفاء بالسياق أي من الإناث أو المخصية وروى أبو عبيدة في كتاب الخيل له عن عبد الله بن محيريز نحو هذا الأثر وزاد وكانوا يستحبون اناث الخيل في الغارات والبيات وروى الوليد بن مسلم في الجهاد له من طريق عبادة بن نسي بنون ومهملة مصغرا وابن محيريز إنهم كانوا يستحبون اناث الخيل في الغارات والبيات ولما خفي من أمور الحرب ويستحبون الفحول في الصفوف والحصون ولما ظهر من أمور الحرب وروي عن خالد بن الوليد أنه كان لا يقاتل الا على أنثى لأنها تدفع البول وهي أقل صهلا والفحل يحبسه في جريه حتى ينفتق ويؤذى بصهيله ثم ذكر المصنف حديث أنس في فرس أبي طلحة وقد تقدم قريبا وأن شرحه سبق في كتاب الهبة وأحمد بن محمد شيخه فيه هو المروزي ولقبه مردويه واسم جده موسى وقال الدارقطني هو الذي لقبه شبويه واسم جده ثابت والأول أكثر

قوله باب سهام الفرس أي ما يستحقه الفارس من الغنيمة بسبب فرسه

[ 2708 ] قوله وقال مالك يسهم للخيل والبراذين جمع برذون بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة والمراد الجفاة الخلقة من الخيل وأكثر ما تجلب من بلاد الروم ولها جلد على السير في الشعاب والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية قوله لقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها قال بن بطال وجه الاحتجاج بالآية أن الله تعالى أمتن بركوب الخيل وقد أسهم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم واسم الخيل يقع على البرذون والهجين بخلاف البغال والحمير وكأن الآية استوعبت ما يركب من هذا الجنس لما يقتضيه الامتنان فلما لم ينص على البرذون والهجين فيها دل على دخولها في الخيل قلت وإنما ذكر الهجين لأن مالكا ذكر هذا الكلام في الموطأ وفيه والهجين والمراد بالهجين ما يكون أحد أبويه عربيا والآخر غير عربي وقيل الهجين الذي أبوه فقط عربي وأما الذي أمه فقط عربية فيسمى المقرف وعن أحمد الهجين البرذون ويحتمل أن يكون أراد في الحكم وقد وقع لسعيد بن منصور وفي المراسيل لأبي داود عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم هجن الهجين يوم خيبر وعرب العراب فجعل للعربي سهمين وللهجين سهما وهذا منقطع ويؤيده ما روى الشافعي في الأم وسعيد بن منصور من طريق علي بن الأقمر قال أغارت الخيل فأدركت العراب وتأخرت البراذن فقام بن المنذر الوادعي فقال لا أجعل ما أدرك كمن لم يدرك فبلغ ذلك عمر فقال هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال فكان أول من أسهم للبراذين دون سهام العراب وفي ذلك يقول شاعرهم ومنا الذي قد سن في الخيل سنة وكانت سواء قبل ذاك سهامها وهذا منقطع أيضا وقد أخذ أحمد بمقتضى حديث مكحول في المشهور عنه كالجماعة وعنه إن بلغت البراذين مبالغ العربية سوى بينهما وإلا فضلت العربية واختارها الجوزجاني وغيره وعن الليث يسهم للبرذون والهجين دون سهم الفرس قوله ولا يسهم لأكثر من فرس هو بقية كلام مالك وهو قول الجمهور وقال الليث وأبو يوسف وأحمد وإسحاق يسهم لفرسين لا لأكثر وفي ذلك حديث أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف عن أبي عمرة قال أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرسي أربعة أسهم ولي سهما فأخذت خمسة أسهم قال القرطبي ولم يقل أحد أنه يسهم لأكثر من فرسين الا ما روى عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت ولصاحبه سهما أي غير سهمي الفرس قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري قوله جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما أي غير سهمي الفرس فيصير للفارس ثلاثة أسهم وسيأتي في غزوة خيبر أن نافعا فسره كذلك ولفظه إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم فإن لم يكن معه فرس فله سهم ولأبي داود عن أحمد عن أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر بلفظ أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وبهذا التفسير يتبين أن لا وهم فيما رواه أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر فيما أخرجه الدارقطني بلفظ أسهم للفارس سهمين قال الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري وهم فيه الرمادي وشيخه قلت لا لأن المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به وقد رواه بن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال للفرس وكذلك أخرجه بن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن بن أبي شيبة وكأن الرمادي رواه بالمعنى وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معا بلفظ أسهم للفرس وعلى هذا التأويل أيضا يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن بن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي أخرجه الدارقطني وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن بن المبارك بلفظ أسهم للفرس وتمسك بظاهر هذه الرواية بعض من احتج لأبي حنيفة في قوله أن للفرس سهما واحدا ولراكبه سهم آخر فيكون للفارس سهمان فقط ولا حجة فيه لما ذكرنا واحتج له أيضا بما أخرجه أبو داود من حديث مجمع بن جارية بالجيم والتحتانية في حديث طويل في قصة خيبر قال فأعطى للفارس سهمين وللراجل سهما وفي إسناده ضعف ولو ثبت يحمل على ما تقدم لأنه يحتمل الأمرين والجمع بين الروايتين أولى ولا سيما والاسانيد الأولة أثبت ومع رواتها زيادة علم وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود من حديث أبي عمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين ولكل إنسان سهما فكان للفارس ثلاثة أسهم وللنسائي من حديث الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له أربعة أسهم سهمين لفرسه وسهما له وسهما لقرابته قال محمد بن سحنون انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار ونقل عنه أنه قال أكره أن أفضل بهيمة على مسلم وهي شبهة ضعيفة لأن السهام في الحقيقة كلها للرجل قلت لو لم يثبت الخبر لكانت الشبهة قوية لأن المراد المفاضلة بين الراجل والفارس فلولا الفرس ما ازداد الفارس سهمين عن الراجل فمن جعل للفارس سهمين فقد سوى بين الفرس وبين الرجل وقد تعقب هذا أيضا لأن الأصل عدم المساواة بين البهيمة والإنسان فلما خرج هذا عن الأصل بالمساواة فلتكن المفاضلة كذلك وقد فضل الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الأحكام فقالوا لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها فإن قتل عبدا مسلما لم يؤد فيه الا دون عشرة آلاف درهم والحق أن الاعتماد في ذلك على الخبر ولم ينفرد أبو حنيفة بما قال فقد جاء عن عمر وعلي وأبي موسى لكن الثابت عن عمر وعلي كالجمهور واستدل للجمهور من حيث المعنى بأن الفرس يحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها وبأنه يحصل بها من الغنى في الحرب ما لا يخفى واستدل به على أن المشرك إذا حضر الوقعة وقاتل مع المسلمين يسهم له وبه قال بعض التابعين كالشعبي ولا حجة فيه إذ لم يرد هنا صيغة عموم واستدل للجمهور بحديث لم تحل الغنائم لأحد قبلنا وسيأتي في مكانه وفي الحديث حض على اكتساب الخيل واتخاذها للغزو لما فيها من البركة واعلاء الكلمة واعظام الشوكة كما قال تعالى ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم واختلف فيمن خرج إلى الغزو ومعه فرس فمات قبل حضور القتال فقال مالك يستحق سهم الفرس وقال الشافعي والباقون لا يسهم له الا إذا حضر القتال فلو مات الفرس في الحرب استحق صاحبه وإن مات صاحبه استمر استحقاقه وهو للورثة وعن الأوزاعي فيمن وصل إلى موضع القتال فباع فرسه يسهم له لكن يستحق البائع مما غنموا قبل العقد والمشتري مما بعده وما اشتبه قسم وقال غيره يوقف حتى يصطلحا وعن أبي حنيفة من دخل أرض العدو راجلا لا يقسم له الا سهم راجل ولو اشترى فرسا وقاتل عليه واختلف في غزاة البحر إذا كان معهم خيل فقال الأوزاعي والشافعي يسهم له تكميل هذا الحديث يذكره الاصوليون في مسائل القياس في مسألة الإيماء أي إذا اقترن الحكم بوصف لولا أن ذلك الوصف للتعليل لم يقع الاقتران فلما جاء سياق واحد أنه صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين وللراجل سهما دل على افتراق الحكم

قوله باب من قاد دابة غيره في الحرب ذكر فيه حديث البراء بن عازب أن هوازن كانوا قوما رماة الحديث والغرض منه قوله فيه وأبو سفيان وهو بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بلجامها وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة حنين من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب الركاب والغرز للدابة قيل الركاب يكون من الحديد والخشب والغرز لا يكون الا من الجلد وقيل هما مترادفان أو الغرز للجمل والركاب للفرس وذكر فيه حديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل رجله في الغرز أهل الحديث وهو ظاهر فيما ترجم له من الغرز وأما الركاب فألحقه به لأنه في معناه وقال بن بطال كأنه أشار إلى أن ما جاء عن عمر أنه قال اقطعوا الركب وثبوا على الخيل وثبا ليس على منع اتخاذ الركب أصلا وإنما أراد تدريبهم على ركوب الخيل

قوله باب ركوب الفرس العرى بضم المهملة وسكون الراء أي ليس عليه سرج ولا أداة ولا يقال في الآدميين إنما يقال عريان قاله بن فارس قال وهي من النوادر انتهى وحكى بن التين أنه ضبط في الحديث بكسر الراء وتشديد التحتانية وليس في كتب اللغة ما يساعده ذكر فيه حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبلهم على فرس عرى ما عليه سرج في عنقه سيف وهو طرف من الحديث الذي تقدم في أنه استعار فرسا لأبي طلحة وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أخرى عن حماد بن زيد وفي أوله فزع أهل المدينة ليلة فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس بغير سرج وفي رواية له وهو على فرس لأبي طلحة وقد سبق في باب الشجاعة في الحرب في حديث أوله كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس بعض هذا الحديث وقد سبق شرحه في الهبة وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والفروسية البالغة فإن الركوب المذكور لا يفعله الا من أحكم الركوب وأدمن على الفروسية وفيه تعليق السيف في العنق إذا أحتاج إلى ذلك حيث يكون أعون له وفي الحديث ما يشير إلى أنه ينبغي للفارس أن يتعاهد الفروسية ويروض طباعه عليها لئلا يفجأه شدة فيكون قد استعد لها

قوله باب الفرس القطوف أي البطيء المشي قال أبو زيد وغيره فطفت الدابة تقطف قطافا وقطوفا والقطوف من الدواب المقارب الخطو وقيل الضيق المشي وقال الثعالبي إن مشى وثبا فهو قطوف وأن كان يرفع يديه ويقوم على رجليه فهو سبوت وأن التوى براكبه فهو قموص وأن منع ظهره فهو شموس ذكر فيه حديث أنس أن أهل المدينة فزعوا مرة فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة كان يقطف الحديث وقوله

[ 2712 ] يقطف بكسر الطاء وبضمها وقد سبق شرحه في الهبة وقوله أو كان فيه قطاف شك من الراوي وسيأتي في باب السرعة والركض من طريق محمد بن سيرين عن أنس بلفظ فركب فرسا لأبي طلحة بطيئا وقوله لا يجارى بضم أوله زاد في نسخة الصغاني قال أبو عبد الله أي لا يسابق لأنه لا يسبق في الجري وفيه بركة النبي صلى الله عليه وسلم لكونه ركب ما كان بطيئا فصار سابقا وسيأتي في رواية محمد بن سيرين المذكورة فما سبق بعد ذلك اليوم

قوله باب السبق بين الخيل أي مشروعية ذلك والسبق بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر وهو المراد هنا وبالتحريك الرهن الذي يوضع لذلك

ثم قال باب إضمار الخيل للسبق إشارة إلى أن السنة في المسابقة أن يتقدم إضمار الخيل وأن كانت التي لا تضمر لا تمتنع المسابقة عليها

ثم قال باب غاية السباق للخيل المضمرة أي بيان ذلك وبيان غاية التي لم تضمر وذكر في الأبواب الثلاثة حديث بن عمر في ذلك وقوله

[ 2713 ] في الطريق الأولى من الحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ومد مكان خارج المدينة من جهة ويجوز القصر وحكى الحازمي تقديم الياء التحتانية على الفاء وحكى عياض ضم أوله وخطأه وقوله فيها أجرى قال في التي تليها سابق وهو بمعناه وقال فيها قال بن عمر وكنت فيمن أجرى وقال في الرواية التي تليها وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها وسفيان في الرواية الأولى هو الثوري وشيخه عبيد الله بالتصغير هو بن عمر العمري والطريق الثانية عن الليث مختصرة وقد أخرجها تامة النسائي عن قتيبة عن الليث وهو عند مسلم لكن لم يسق لفظه وقوله في الأولى قال عبد الله قال سفيان حدثني عبيد الله فعبد الله هو بن الوليد العدني كذا رويناه في جامع سفيان الثوري من روايته عنه وأراد بذلك تصريح الثوري عن شيخه بالتحديث ووهم من قال فيه وقال أبو عبد الله وزاد الإسماعيلي من طريق إسحاق وهو الأزرق عن الثوري في آخره قال بن عمر وكنت فيمن أجرى فوثب بي فرسي جدارا وأخرجه مسلم من طريق أيوب عن نافع وقال فيه فسبقت الناس فطفف بن الفرس مسجد بني زريق أي جاوز بي المسجد الذي كان هو الغاية وأصل التطفيف مجاوزة الحد وقوله في آخر الثانية قال أبو عبد الله هو المصنف وقوله

[ 2714 ] أمدا غاية فطال عليهم الأمد وقع هذا في رواية المستملى وحده وهو تفسير أبي عبيدة في المجاز وهو متفق عليه عند أهل اللغة قال النابغة سبق الجواد إذا استولى على الأمد ومعاوية في الرواية الثالثة هو بن عمرو الأزدي وأبو إسحاق هو الفزاري وقوله فيها قال سفيان هو موصول بالإسناد المذكور ولم يسند سفيان ذلك وقد ذكر نحوه موسى بن عقبة في الرواية الثالثة إلا أن سفيان قال في المسافة التي بين الحفياء والثنية خمسة أو ستة وقال موسى ستة أو سبعة وهو اختلاف قريب وقال سفيان في المسافة الثانية ميل أو نحوه وقد وقع في رواية الترمذي من طريق عبيد الله بن عمر ادراج ذلك في نفس الخبر والخبر بالستة وبالميل قال بن بطال إنما ترجم لطريق الليث بالاضمار وأورده بلفظ سابق بين الخيل التي لم تضمر ليشير بذلك إلى تمام الحديث وقال بن المنير لا يلتزم ذلك في تراجمه بل ربما ترجم مطلقا لما قد يكون ثابتا ولما قد يكون منفيا فمعنى قوله إضمار الخيل للسبق أي هل هو شرط أم لا فبين بالرواية التي ساقها أن ذلك ليس بشرط ولو كان غرضه الاقتصار المجرد لكان الاقتصار على الطرف المطابق للترجمة أولى لكنه عدل عن ذلك للنكتة المذكورة وأيضا فلإزالة اعتقاد أن التضمير لا يجوز لما فيه من مشقة سوقها والخطر فيه فبين أنه ليس بممنوع بل مشروع والله أعلم قلت ولا منافاة بين كلامه وكلام بن بطال بل أفاد النكتة في الاقتصار قوله أضمرت بضم أوله وقوله لم تضمر بسكون الضاد المعجمة والمراد به أن تعلف الخيل حتى تسمن وتقوى ثم يقلل علفها بقدر القوت وتدخل بيتا وتغشى بالجلال حتى تحمى فتعرق فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجري وفي الحديث مشروعية المسابقة وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة وهي دائرة بين الاستحباب والاباحة بحسب الباعث على ذلك قال القرطبي لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام وكذا الترامي بالسهام واستعمال الاسلحة لما في ذلك من التدريب على الحرب وفيه جواز إضمار الخيل ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو وفيه مشروعية الاعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به لأن قوله سابق أي أمر أو أباح تنبيه لم يتعرض في هذا الحديث للمراهنة على ذلك لكن ترجم الترمذي له باب المراهنة على الخيل ولعله أشار إلى ما أخرجه أحمد من رواية عبد الله بن عمر المكبر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن وقد أجمع العلماء كما تقدم على جواز المسابقة بغير عوض لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل وخصه بعض العلماء بالخيل وأجازه عطاء في كل شيء واتفقوا على جوازها بعوض بشرط أن يكون من غير المتسابقين كالامام حيث لا يكون له معهم فرس وجوز الجمهور أن يكون من أحد الجانبين من المتسابقين وكذا إذا كان معهما ثالث محلل بشرط أن لا يخرج من عنده شيئا ليخرج العقد عن صورة القمار وهو أن يخرج كل منهما سبقا فمن غلب أخذ السبقين فاتفقوا على منعه ومنهم من شرط في المحلل أن يكون لا يتحقق السبق في مجلس السبق وفيه أن المراد بالمسابقة بالخيل كونها مركوبة لا مجرد إرسال الفرسين بغير راكب لقوله في الحديث وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها كذا استدل به بعضهم وفيه نظر لأن الذي لا يشترط الركوب لا يمنع صورة الركوب وإنما احتج الجمهور بأن الخيل لا تهتدي بأنفسها لقصد الغاية بغير راكب وربما نفرت وفيه نظر لأن الاهتداء لا يختص بالركوب فلو أن السائس كان ماهرا في الجري بحيث لو كان مع كل فرس ساع يهديها إلى الغاية لأمكن وفيه جواز إضافة المسجد إلى قوم مخصوصين وقد ترجم له البخاري بذلك في كتاب الصلاة وفيه جواز معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبا لها في غير الحاجة كالاجاعة والاجراء وفيه تنزيل الخلق منازلهم لأنه صلى الله عليه وسلم غاير بين منزلة المضمر وغير المضمر ولو خلطهما لأتعب غير المضمر

قوله باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم كذا أفرد الناقة في الترجمة إشارة إلى أن العضباء والقصواء واحدة قوله وقال بن عمر أردف النبي صلى الله عليه وسلم أسامة على القصواء هو طرف من حديث وصله المصنف في الحج وقد تقدم شرحه في حجة الوداع قوله وقال المسور ما خلأت القصواء هو طرف من الحديث الطويل الماضي مع شرحه في كتاب الشروط وفيه ضبط القصواء قوله حدثنا معاوية هو بن عمرو الأزدي وأبو إسحاق هو الفزاري

[ 2717 ] قوله طوله موسى عن حماد عن ثابت عن أنس أي رواه مطولا وهذا التعليق وقع في رواية المستملى وحده هنا وموسى هو بن إسماعيل التبوذكي وحماد هو بن سلمة ووقع في رواية من عدا الهروي بعد سياق رواية زهير وقد وصله أبو داود عن موسى بن إسماعيل المذكور وليس سياقه بأطول من سياق زهير بن معاوية عن حميد نعم هو أطول من سياق أبي إسحاق الفزاري فتترجح رواية المستملي وكأنه اعتمد رواية أبي إسحاق لما وقع فيها من التصريح بسماع حميد من أنس وأشار إلى أنه روى مطولا من طريق ثابت ثم وجده من رواية حميد أيضا مطولا فأخرجه والله أعلم قوله لا تسبق قال حميد أو لا تكاد تسبق شك منه وهو موصول بالإسناد المذكور وفي بقية الروايات بغير شك وقوله أن لا يرتفع شيء من الدنيا وفي رواية موسى بن إسماعيل أن لا يرفع شيئا وكذا للمصنف في الرقاق وكذا قال النفيلي عن زهير عند أبي داود وفي رواية شعبة عند النسائي أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا وقوله فجاء أعرابي فسبقها في رواية بن المبارك وغيره عن حميد عند أبي نعيم فسابقها فسبقها وفي رواية شعبة سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي ولم أقف على اسم هذا الأعرابي بعد التتبع الشديد قوله على قعود بفتح القاف ما استحق الركوب من الإبل قال الجوهري هو البكر حتى يركب وأقل ذلك أن يكون بن سنتين إلى أن يدخل السادسة فيسمى جملا وقال الأزهري لا يقال الا للذكر ولا يقال للانثى قعودة وإنما يقال لها قلوص قال وقد حكى الكسائي في النوادر قعودة للقلوص وكلام الأكثر على خلافه وقال الخليل القعودة من الإبل ما يقعده الراعي لحمل متاعه والهاء فيه للمبالغة قوله حتى عرفه أي عرف أثر المشقة وفي رواية المصنف في الرقاق فلما رأى ما في وجوههم وقالوا سبقت العضباء الحديث والعضباء بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة ومد هي المقطوعة الأذن أو المشقوقة وقال بن فارس كان ذلك لقبا لها لقوله تسمى العضباء ولقوله يقال لها العضباء ولو كانت تلك صفتها لم يحتج لذلك وقال الزمخشري العضباء منقول من قولهم ناقة عضباء أي قصيرة اليد واختلف هل العضباء هي القصواء أو غيرها فجزم الحربي بالأول وقال تسمى العضباء والقصواء والجدعاء وروى ذلك بن سعد عن الواقدي وقال غيره بالثاني وقال الجدعاء كانت شهباء وكان لا يحمله عند نزول الوحي غيرها وذكر له عدة نوق غير هذه تتبعها من اعتنى بجمع السيرة وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها وفيه التزهيد في الدنيا للإشارة إلى أن كل شيء منها لا يرتفع الا أتضع وفيه الحث على التواضع وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وعظمته في صدور أصحابه

قوله باب الغزو على الحمير كذا في رواية المستملى وحده بغير حديث وضم النسفي هذه الترجمة للتي بعدها فقال باب الغزو على الحمير وبغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء ولم يتعرض لذلك أحد من الشراح وهو مشكل على الحالين لكن في رواية المستملى أسهل لأنه يحمل على أنه وضع الترجمة وأخلى بياضا للحديث اللائق بها فاستمر ذلك وكأنه أراد أن يكتب طريقا لحديث معاذ كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير وقد تقدم قريبا في باب اسم الفرس والحمار وكونه كان راكبه يحتمل أن يكون في الحضر وفي السفر فيحصل مقصود الترجمة على طريقة من لا يفرق بين المطلق والعام والله أعلم وأما رواية النسفي فليس في حديثي الباب الا ذكر البغلة خاصة ويمكن أن يكون أخلى آخر الباب بياضا كما قلنا في رواية المستملى أو يوخذ حكم الحمار من البغلة وقد أخرج عبد بن حميد من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم خيبر على حمار مخطوم بحبل من ليف وفي سنده مقال

قوله باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء قاله أنس يشير إلى حديثه الطويل في قصة حنين وسيأتي موصولا مع شرحه في المغازي وفيه وهو على بغلة بيضاء قوله وقال أبو حميد أهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء يشير إلى حديثه الطويل في غزوة تبوك وقد مضى موصولا في أواخر كتاب الزكاة وفيه هذا القدر وزيادة وتقدمت الإشارة إلى اسم صاحب أيلة هناك مع بقية شرح الحديث ومما ينبه عليه هنا أن البغلة البيضاء التي كان عليها في حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك أيلة لأن ذلك كان في تبوك وغزوة حنين كانت قبلها وقد وقع في مسلم من حديث العباس أن البغلة التي كانت تحته في حنين أهداها له فروة بن نفاثة بضم النون بعدها فاء خفيفة ثم مثلثة وهذا هو الصحيح وذكر أبو الحسين بن عبدوس أن البغلة التي ركبها يوم حنين دلدل وكانت شهباء أهداها له المقوقس وأن التي أهداها له فروة يقال لها فضة ذكر ذلك بن سعد وذكر عكسه والصحيح ما في مسلم ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث عمرو بن الحارث وهو أخو جويرية أم المؤمنين قال ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بغلته البيضاء الحديث وقد تقدم في أول الوصايا وأن شرحه يأتي في الوفاة آخر المغازي ثانيهما حديث البراء في قصة حنين وقد تقدم قريبا وفيه والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء وسيأتي شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى واستدل به على جواز اتخاذ البغال وانزاء الحمر على الخيل وأما حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان فقال الطحاوي أخذ به قوم فحرموا ذلك ولا حجة فيه لأن معناه الحض على تكثير الخيل لما فيها من الثواب وكأن المراد الذين لا يعلمون الثواب المرتب على ذلك

قوله باب جهاد النساء ذكر فيه حديث عائشة جهادكن الحج وقد تقدم في أول الجهاد ومضى شرحه في كتاب الحج وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه النسائي بلفظ جهاد الكبير أي العاجز الضعيف والمرأة الحج والعمرة

[ 2720 ] قوله فيه وقال عبد الله بن الوليد هو العدني وروايته موصولة في جامع سفيان وقوله في الطريق الأخرى وعن حبيب بن أبي عمرة هو موصول من رواية قبيصة المذكورة والحاصل أن عنده فيه عن سفيان اسنادين وقد وصله الإسماعيلي من طريق هناد بن السرى عن قبيصة كذلك وقال بن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله جهادكن الحج أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد قلت وقد لمح البخاري بذلك في إيراده الترجمة مجملة وتعقيبها بالتراجم المصرحة بخروج النساء إلى الجهاد

قوله باب غزو المرأة في البحر ذكر فيه حديث أنس في قصة أم حرام وقد تقدم قريبا في باب فضل من يصرع في سبيل الله ويأتي شرحه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وقوله

[ 2722 ] في آخره قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت ظاهره أنها تزوجته بعد هذه المقالة ووقع في رواية إسحاق عن أنس في أول الجهاد بلفظ وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهره أنها كانت حينئذ زوجته فاما أن يحمل على أنها كانت زوجته ثم طلقها ثم راجعها بعد ذلك وهذا جواب بن التين وإما أن يجعل قوله في رواية إسحاق وكانت تحت عبادة جملة معترضة أراد الراوي وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال وظهر من رواية غيره أنه إنما تزوجها بعد ذلك وهذا الثاني أولى لموافقة محمد بن يحيى بن حبان عن أنس على أن عبادة تزوجها بعد ذلك كما سيأتي بعد اثني عشر بابا وقوله في آخره فركبت البحر مع بنت قرظة هي زوج معاوية واسمها فاختة وقيل كنود وكانت تحت عتبة بن سهل قبل معاوية ويحتمل أن يكون معاوية تزوج الأختين واحدة بعد أخرى وهذه رواية بن وهب في موطآته عن بن لهيعة عمن سمع قال ومعاوية أول من ركب البحر للغزاة وذلك في خلافة عثمان وأبوها قرظة بفتح القاف والراء والظاء المعجمة هو بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف وهي قرشية نوفلية وظن بعض الشراح أنها بنت قرظة بن كعب الأنصاري فوهم والذي قلته صرح به خليفة بن خياط في تاريخه وزاد أن ذلك كان سنة ثمان وعشرين والبلاذري في تاريخه أيضا وذكر أن قرظة بن عبد عمرو مات كافرا فيكون لها هي رؤية وكذا لأخيها مسلم بن قرظة الذي قتل يوم الجمل مع عائشة تنبيهان يتعلقان بهذا الإسناد أحدهما وقع في هذا الإسناد حدثنا أبو إسحاق هو الفزاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري هكذا هو في جميع الروايات ليس بينهما أحد وزعم أبو مسعود في الأطراف أنه سقط بينهما زائدة بن قدامة وأقره المزي على ذلك وقواه بان المسيب بن واضح رواه عن أبي إسحاق الفزاري عن زائدة عن أبي طوالة وقد قال أبو علي الجياني تأملته في السير لأبي إسحاق الفزاري فلم أجد فيها زائدة ثم ساقه من طريق عبد الملك بن حبيب عنه عن أبي طوالة ليس بينهما زائدة ورواية المسيب بن واضح خطأ وهو ضعيف لا يقضى بزيادته على خطأ ما وقع في الصحيح ولا سيما وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن معاوية بن عمرو شيخ شيخ البخاري فيه كما أخرجه البخاري سواء ليس فيه زائدة وسبب الوهم من أبي مسعود أن معاوية بن عمرو رواه أيضا عن زائدة عن أبي طوالة فظن أبو مسعود أنه عند معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن زائدة وليس كذلك بل هو عنده عن أبي إسحاق وزائدة معا جمعهما تارة وفرقهما أخرى أخرجه أحمد عنه عاطفا لروايته عن أبي إسحاق على روايته عن زائدة وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن معاوية بن عمرو عن زائدة وحده به وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن جعفر الصائغ عن معاوية فوضحت صحة ما وقع في الصحيح ولله الحمد ثانيهما هذا الحديث رواه عن أنس إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن يحيى بن حبان وأبو طوالة فقال إسحاق في روايته عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام وقال أبو طوالة في روايته دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنت ملحان وكلاهما ظاهر في أنه من مسند أنس وأما محمد بن يحيى فقال عن أنس عن خالته أم حرام وهو ظاهر في أنه من مسند أم حرام وهو المعتمد وكأن أنسا لم يحضر ذلك فحمله عن خالته وقد حدث به عن أم حرام عمير بن الأسود أيضا كما سيأتي بعد أبواب وقد أحال المزي برواية أبي طوالة في مسند أنس على مسند أم حرام ولم يفعل ذلك في رواية إسحاق بن أبي طلحة فأوهم خلاف الواقع الذي حررته والله الهادي

قوله باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه ذكر فيه طرفا من حديث عائشة في قصة الإفك وهو ظاهر فيما ترجم له وسيأتي شرح حديث الإفك تاما في التفسير وفيه التصريح بأن حمل عائشة معه كان بعد القرعة بين نسائه

قوله باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال وقع في هذه الترجمة حديث الربيع بنت معوذ وسيأتي بعد باب وفي حديث أم عطية الذي مضى في الحيض وفي حديث بن عباس عند مسلم كان يغزو بهن فيداوين الجرحى الحديث ووقع في حديث آخر مرسل أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال كان النساء يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد ويسقين المقاتلة ويداوين الجرحى ولأبي داود من طريق حشرج بن زياد عن جدته أنهن خرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهن عن ذلك فقلن خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ونداوي الجرحى ونناول السهام ونسقي السويق ولم أر في شيء من ذلك التصريح بانهن قاتلن ولاجل ذلك قال بن المنير بوب على قتالهن وليس هو في الحديث فإما أن يريد أن إعانتهن للغزاة غزو وإما أن يريد أنهن ما ثبتن لسقي الجرحى ونحو ذلك الا وهن بصدد أن يدافعن عن أنفسهن وهو الغالب انتهى وقد وقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه ويحتمل أن يكون غرض البخاري بالترجمة أن يبين أنهن لا يقاتلن وأن خرجن في الغزو فالتقدير بقوله وقتالهن مع الرجال أي هل هو سائغ أو إذا خرجن مع الرجال في الغزو يقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك ثم ذكر المصنف حديث أنس لما كان يوم أحد انهزم الناس الحديث والغرض منه

[ 2724 ] قوله فيه ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان وقد أخرجه في المغازي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وقوله خدم سوقهما بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وهي الخلاخيل وهذه كانت قبل الحجاب ويحتمل أنها كانت عن غير قصد للنظر وقوله تنقزان بضم القاف بعدها زاي والقرب بكسر القاف وبالموحدة جمع قربة وقوله وقال غيره تنقلان القرب يعني باللام دون الزاي وهي رواية جعفر بن مهران عن عبد الوارث أخرجها الإسماعيلي وقوله تنقزان قال الداودي معناه تسرعان المشي كالهرولة وقال عياض قيل معنى تنقزان تثبان والنقز الوثب والقفز كناية عن سرعة السير وضبطوا القرب بالنصب وهو مشكل على هذا التأويل بخلاف رواية تنقلان قال وكان بعض الشيوخ يقرؤه برفع القرب على أن الجملة حال وقد تخرج رواية النصب على نزع الخافض كأنه قال تثبان بالقرب قال وضبطه بعضهم تنقزان بضم أوله أي تحركان القرب لشدة عدوهما وتصح على هذا رواية النصب وقال الخطابي أحسب الرواية تزفران بدل تنقزان والزفر حمل القرب الثقال كما في الحديث الذي بعده

قوله باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو أي جواز ذلك

[ 2725 ] قوله قال ثعلبة بن أبي مالك في رواية بن وهب عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج عن ثعلبة القرظي بضم القاف وفتح الراء بعدها معجمة مختلف في صحبته قال بن معين له رواية وقال بن سعد قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من بني قريظة فعرف بهم وحالف الأنصار قلت وكانت اليهودية قد فشت في اليمن فلذلك صاهرهم أبو مالك وكأنه قتل في بني قريظة فقد ذكر مصعب الزبيري أن ثعلبة ممن لم يكن أثبت قوله فترك وكان ثعلبة إمام قومه وله حديث مرفوع عند بن ماجة لكن جزم أبو حاتم بأنه مرسل وقد صرح الزهري عنه بالإخبار في حديث آخر سيأتي في باب لواء النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال له بعض من عنده لم أقف على اسمه قوله يريدون أم كلثوم كان عمر قد تزوج أم كلثوم بنت علي وأمها فاطمة ولهذا قالوا لها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد ولدت في حياته وهي أصغر بنات فاطمة عليها السلام قوله أم سليط كذا فيه بفتح المهملة وكسر اللام وزن رغيف ولم أر لها في كتب من صنف في الصحابة ذكرا الا في الاستيعاب فذكرها مختصرة بالذي هنا وقد ذكرها بن سعد في طبقات النساء وقال هي أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة من بني مازن تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة عمرو بن قيس من بني عدي بن النجار فولدت له سليطا وفاطمة يعني فلذلك يقال لها أم سليط وذكر أنها شهدت خيبر وحنينا وغفل عن ذكر شهودها أحدا وهو ثابت بهذا الحديث وذكر في ترجمة أم عمارة الأنصارية شبيها بهذه القصة من وجه آخر عن عمر لكن فيه فقال بعضهم أعطه صفية بنت أبي عبيد زوج عبد الله بن عمر وقال فيه أيضا لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني فهذا يشعر بأن القصة تعددت قوله تزفر بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء أي تحمل وزنا ومعنى قوله قال أبو عبد الله تزفر تخيط كذا في رواية المستملى وحده وتعقب بأن ذلك لا يعرف في اللغة وإنما الزفر الحمل وهو بوزنه ومعناه قال الخليل زفر بالحمل زفرا نهض به والزفر أيضا القربة نفسها وقيل إذا كانت مملوءة ماء ويقال للإماء إذا حملن القرب زوافر والزفر أيضا البحر الفياض وقيل الزافر الذي يعين في حمل القربة قلت وقع عند أبي نعيم في المستخرج بعد أن أخرجه من طريق عبد الله بن وهب عن يونس قال عبد الله تزفر تحمل وقال أبو صالح كاتب الليث تزفر تخرز قلت فلعل هذا مستند البخاري في تفسيره وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في غزوة أحد إن شاء الله تعالى

قوله باب مداواة النساء الجرحى أي من الرجال وغيرهم في الغزو ثم قال بعده باب رد النساء الجرحى والقتلى كذا للأكثر وزاد الكشميهني إلى المدينة

[ 2726 ] قوله عن الربيع بالتشديد وأبوها معوذ بالتشديد أيضا والذال المعجمة لها ولابيها صحبة قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نقي كذا أورده في الأول مختصرا وأورده في الذي بعده وسياقه أتم وأوفى بالمقصود وزاد الإسماعيلي من طريق أخرى عن خالد بن ذكوان ولا نقاتل وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة قال بن بطال ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من ورآه حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم وقال الأوزاعي تدفن كما هي قال بن المنير الفرق بين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات

قوله باب نزع السهم من البدن ذكر فيه حديث أبي موسى في قصة عمه أبي عامر باختصار وساقه في غزوة حنين بتمامه وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى قال المهلب فيه جواز نزع السهم من البدن وأن كان في غبه الموت وليس ذلك من الالقاء إلى التهلكة إذا كان يرجو الانتفاع بذلك قال ومثله البط والكي وغير ذلك من الأمور التي يتداوى بها وقال بن المنير لعله ترجم بهذا لئلا يتخيل أن الشهيد لا ينزع منه السهم بل يبقى فيه كما أمر بدفنه بدمائه حتى يبعث كذلك فبين بهذه الترجمة أن هذا مما شرع انتهى والذي قاله المهلب أولى لأن حديث الباب يتعلق بمن أصابه ذلك وهو في الحياة بعد والذي أبداه بن المنير يتعلق بنزعه بعد الوفاة

قوله باب الحراسة في الغزو في سبيل الله أي بيان ما فيها من الفضل وذكر فيه حديثين أحدهما عن عائشة

[ 2729 ] قوله أخبرنا يحيى بن سعيد هو الأنصاري وعبد الله بن عامر بن ربيعة هو العنزي له رؤية ولأبيه صحبة قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم سهر فلما قدم المدينة قال ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة هكذا في هذه الرواية ولم يبين زمان السهر وظاهره أن السهر كان قبل القدوم والقول بعده وقد أخرجه مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد وقال فيه سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال فذكره وظاهره أن السهر والقول معا كانا بعد القدوم وقد أخرجه النسائي من طريق أبي إسحاق الفزاري عن يحيى بن سعيد بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يسهر من الليل وليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا كان سعد أيضا ممن سبق وقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت فقلت ما شأنك يا رسول الله الحديث وقد روى الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية والله يعصمك من الناس وإسناده حسن واختلف في وصله وإرساله قوله جئت لأحرسك في رواية الليث المذكورة فقال وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فنام النبي صلى الله عليه وسلم زاد المصنف في التمني من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد حتى سمعنا غطيطه وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا وإنما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا أشتد البأس كان أمام الكل وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن وقد قال إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي وقال عليه الصلاة والسلام اعقلها وتوكل قال بن بطال نسخ ذلك كما دل عليه حديث عائشة وقال القرطبي ليس في الآية ما ينافي الحراسة كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره ما يمنع الأمر بالقتال واعداد العدد وعلى هذا فالمراد العصمة من الفتنة والاضلال أو ازهاق الروح والله أعلم ثانيهما عن أبي هريرة قوله وزاد لنا عمرو بن مرزوق هكذا وعمرو هو من شيوخ البخاري وقد صرح بسماعه منه في مواضع أخرى وجميع الإسناد سواه مدنيون وفيه تابعيان عبد الله بن دينار وأبو صالح والمراد بالزيادة قوله في آخره تعس وانتكس الخ وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي مسلم الكجي وغيره عن عمرو بن مرزوق وسيأتي مزيد لهذا في التمني إن شاء الله تعالى

[ 2730 ] قوله تعس عبد الدينار الحديث سيأتي بهذا الإسناد والمتن في كتاب الرقاق ونذكر شرحه هناك إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا قوله في الطريق الثانية طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه الحديث لقوله أن كان في الحراسة كان في الحراسة قوله تعس بفتح أوله وكسر المهملة ويجوز فتحها وهو ضد سعد تقول تعس فلان أي شقي وقيل معنى التعس الكب على الوجه قال الخليل التعس أن يعثر فلا يفيق من عثرته وقيل التعس الشر وقيل البعد وقيل الهلاك وقيل التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه وقيل تعس أخطأ حجته وبغيته وقوله وانتكس بالمهملة أي عاوده المرض وقيل إذا سقط اشتغل بسقطته حتى يسقط أخرى وحكى عياض أن بعضهم رواه انتكش بالمعجمة وفسره بالرجوع وجعله دعاء له لا عليه والأول أولى قوله وإذا شيك فلا انتقش شيك بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها كاف وانتقش بالقاف والمعجمة والمعنى إذا أصابته الشوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش تقول نقشت الشوك إذا استخرجته وذكر بن قتيبة أن بعضهم رواه بالعين المهملة بدل القاف ومعناه صحيح لكن مع ذكر الشوكة تقوى رواية القاف ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي وإذا شيت بمثناة فوقانية بدل الكاف وهو تغيير فاحش وفي الدعاء بذلك إشارة إلى عكس مقصوده لأن من عثر فدخلت في رجله الشوكة فلم يجد من يخرجها يصير عاجزا عن الحركة والسعي في تحصيل الدنيا وقي قوله طوبى لعبد الخ إشارة إلى الحض على العمل بما يحصل به خير الدنيا والآخرة قوله أشعث صفة لعبد وهو مجرور بالفتحة لعدم الصرف ورأسه بالرفع الفاعل قال الطيبي أشعث رأسه مغبرة قدماه حالان من قوله لعبد لأنه موصوف وقال الكرماني يجوز الرفع ولم يوجهه وقال غيره ويجوز في أشعث الرفع على أنه صفة رأس أي رأسه أشعث وكذا قوله مغبرة قدماه قوله أن كان في الحراسة كان في الحراسة وأن كان في الساقة كان في الساقة هذا من المواضع التي اتحد فيها الشرط والجزاء لفظا لكن المعنى مختلف والتقدير أن كان المهم في الحراسة كان فيها وقيل معنى فهو في الحراسة أي فهو في ثواب الحراسة وقيل هو للتعظيم أي أن كان في الحراسة فهو في أمر عظيم والمراد منه لازمه أي فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلا بخويصة عمله وقال بن الجوزي المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو فإن اتفق له السير سار فكأنه قال أن كان في الحراسة استمر فيها وأن كان في الساقة استمر فيها قوله أن استأذن لم يؤذن له وأن شفع لم يشفع فيه ترك حب الرياسة والشهرة وفضل الخمول والتواضع وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قوله فتعسا كأنه يقول فأتعسهم الله وقع هذا في رواية المستملى وهي على عادة البخاري في شرح اللفظة التي توافق ما في القرآن بتفسيرها وهكذا قال أهل التفسير في قوله تعالى والذين كفروا فتعسا لهم قوله طوبى فعلى من كل شيء طيب وهي ياء حولت إلى الواو وهو من يطيب كذا في رواية المستملي أيضا والقول فيه كالقول في الذي قبله وقال غيره المراد الدعاء له بالجنة لأن طوبى أشهر شجرها وأطيبه فدعا له أن ينالها ودخول الجنة ملزوم نيلها تكميل ورد في فضل الحراسة عدة أحاديث ليست على شرط البخاري منها حديث عثمان مرفوعا حرس ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها أخرجه بن ماجة والحاكم وحديث سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا من حرس وراء المسلمين متطوعا لم ير النار بعينه الا تحلة القسم أخرجه أحمد وحديث أبي ريحانة مرفوعا حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله أخرجه النسائي ونحوه للترمذي عن بن عباس وللطبراني من حديث معاوية بن حيدة ولأبي يعلى من حديث أنس واسنادها حسن وللحاكم عن أبي هريرة نحوه

قوله باب الخدمة في الغزو أي فضلها سواء كانت من صغير لكبير أو عكسه أو مع المساواة وأحاديث الباب الثلاثة يؤخذ منها حكم هذه الأقسام وثلاثتها عن أنس الأول

[ 2731 ] قوله حدثنا محمد بن عرعرة بمهملتين وقد ذكر الطبراني في الأوسط أنه تفرد به عن شعبة وهو من كبار شيوخ البخاري ممن روى عنه الباقون بواسطة قوله صحبت جرير بن عبد الله في رواية مسلم عن نصر بن علي عن محمد بن عرعرة خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر قوله فكان يخدمني وهو أكبر من أنس فيه التفات أو تجريد لأنه قال من أنس ولم يقل مني وفي رواية مسلم عن محمد بن المثنى عن بن عرعرة وكان جرير أكبر من أنس ولعل هذه الجملة من قول ثابت وزاد مسلم عن نصر بن علي فقلت لا تفعل قوله يصنعون شيئا في رواية نصر يصنعون برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أي من التعظيم وأبهم ذلك مبالغة في تكثير ذلك قوله لا أجد أحدا منهم الا أكرمته في رواية نصر آليت أي حلفت أن لا أصحب أحدا منهم الا خدمته وفي رواية للإسماعيلي من وجه آخر عن بن عرعرة لا أزال أحب الأنصار وفي هذا الحديث فضل الأنصار وفضل جرير وتواضعه ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها المصنف في غير مظنتها وأليق المواضع بها المناقب الحديث الثاني حديث أنس أيضا خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه وسيأتي بأتم من هذا السياق بعد بابين الحديث الثالث حديث أنس أيضا وعاصم هو بن سليمان ومورق بتشديد الراء المكسورة وهما تابعيان في نسق والإسناد كله بصريون

[ 2733 ] قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم من وجه آخر عن عاصم في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال فنزلنا منزلا في يوم حار قوله أكثرنا ظلا من يستظل بكسائه في رواية مسلم وأكثرنا ظلا صاحب الكساء وزاد ومنا من يتقي الشمس بيده قوله فأما الذين صاموا فلم يصنعوا شيئا في رواية مسلم فسقط الصوام أي عجزوا عن العمل قوله وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب أي أثاروا الإبل لخدمتها وسقيها وعلفها وفي رواية مسلم فضربوا الأخبية وسقوا الركاب قوله بالأجر أي الوافر وليس المراد نقص أجر الصوام بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام فلذلك قال بالأجر كله لوجود الصفات المقتضية لتحصيل الأجر منهم قال بن أبي صفرة فيه أن أجر الخدمة في الغزو أعظم من أجر الصيام قلت وليس ذلك على العموم وفيه الحض على المعاونة في الجهاد وعلى أن الفطر في السفر أولى من الصيام وأن الصيام في السفر جائز خلافا لمن قال لا ينعقد وليس في الحديث بيان كونه إذ ذاك كان صوم فرض أو تطوع وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها المصنف أيضا في غير مظنتها لكونه لم يذكره في الصيام واقتصر على إيراده هنا والله أعلم

قوله باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر ذكر فيه حديث أبي هريرة وهو ظاهر فيما ترجم له لأنه يتناول حالة السفر من هذا الإطلاق بطريق الأولى والسلامي تقدم تفسيره في الصلح مع بعض الكلام عليه ويأتي بقيته بعد خمسين بابا في باب من أخذ بالركاب وقوله

[ 2734 ] حدثنا إسحاق بن نصر هو بن إبراهيم بن نصر نسب لجده السعدي وهو بالمهملة الساكنة وفتح أوله وقيل بالضم والمعجمة وقوله كل يوم منصوب على الظرفية وقوله يعين يأتي توجيهه وقوله يحامله أي يساعده في الركوب وفي الحمل على الدابة قال بن بطال وبين في الرواية الآتية في باب من أخذ بالركاب أن المراد من أعان صاحب الدابة عليها حيث قال ويعين الرجل على دابته قال وإذا أجر من فعل ذلك بدابة غيره فإذا حمل غيره على دابة نفسه احتسابا كان أعظم أجرا وقوله دل الطريق بفتح الدال أي بيانه لمن أحتاج إليه وهو بمعنى الدلالة

قوله باب فضل رباط يوم في سبيل الله وقول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا الآية الرباط بكسر الراء وبالموحدة الخفيفة ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم قال بن التين بشرط أن يكون غير الوطن قاله بن حبيب عن مالك قلت وفيه نظر في إطلاقه فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو ومن ثم أختار كثير من السلف سكنى الثغور فبين المرابطة والحراسة عموم وخصوص وجهي واستدلال المصنف بالآية اختيار لأشهر التفاسير فعن الحسن البصري وقتادة اصبروا على طاعة الله وصابروا أعداء الله في الجهاد ورابطوا في سبيل الله وعن محمد بن كعب القرظي اصبروا على الطاعة وصابروا لانتظار الوعد ورابطوا العدو واتقوا الله فيما بينكم وعن زيد بن أسلم اصبروا على الجهاد وصابروا العدو ورابطوا الخيل قال بن قتيبة أصل الرباط أن يربط هؤلاء خيلهم وهؤلاء خيلهم استعدادا للقتال قال الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل وأخرج ذلك بن أبي حاتم وابن جرير وغيرهما وتفسيره برباط الخيل يرجع إلى الأول وفي الموطأ عن أبي هريرة مرفوعا وانتظار الصلاة فذلكم الرباط وهو في السنن عن أبي سعيد وفي المستدرك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن الآية نزلت في ذلك واحتج بأنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو فيه رباط انتهى وحمل الآية على الأول أظهر وما احتج به أبو سلمة لا حجة فيه ولا سيما مع ثبوت حديث الباب فعلى تقدير تسليم أنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رباط فلا يمنع ذلك من الأمر به والترغيب فيه ويحتمل أن يكون المراد كلا من الأمرين أو ما هو أعم من ذلك وأما التقييد باليوم في الترجمة واطلاقه في الآية فكأنه أشار إلى أن مطلقها يقيد بالحديث فإنه يشعر بأن أقل الرباط يوم لسياقه في مقام المبالغة وذكره مع موضع سوط يشير إلى ذلك أيضا

[ 2735 ] قوله سمع أبا النضر هو هاشم بن القاسم والتقدير أنه سمع وهي تحذف من الخط كثيرا قوله خير من الدنيا وما عليها تقدم في أوائل الجهاد من حديث سهل بن سعد هذا مختصرا بلفظ وما فيها والتعبير بقوله وما عليها أبلغ وتقدم الكلام هناك على حديث الروحة والغدوة وكذا على حديث موضع سوط أحدكم لكن من حديث أنس وسيأتي من حديث سهل بن سعد أيضا في صفة الجنة ووقع في حديث سلمان عند أحمد والنسائي وابن حبان رباط يوم أو ليلة خير من صيام شهر وقيامه ولأحمد والترمذي وابن ماجة عن عثمان رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل قال بن بزيزة ولا تعارض بينهما لأنه يحمل على الإعلام بالزيادة في الثواب عن الأول أو باختلاف العاملين قلت أو باختلاف العمل بالنسبة إلى الكثرة والقلة ولا يعارضان حديث الباب أيضا لأن صيام شهر وقيامه خير من الدنيا وما عليها

قوله باب من غزا بصبي للخدمة يشير إلى أن الصبي لا يخاطب بالجهاد ولكن يجوز الخروج به بطريق التبعية ويعقوب المذكور في الإسناد هو بن عبد الرحمن الإسكندراني وعمرو هو بن أبي عمرو مولى المطلب وسأذكر معظم شرحه في غزوة خيبر من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وقد اشتمل على عدة من أحاديث الاستعاذة ويأتي شرحها في الدعوات وقصة صفية بنت حيي والبناء بها ويأتي شرح ذلك في النكاح وقوله صلى الله عليه وسلم لأحد هذا جبل يحبنا ونحبه وقوله عن المدينة اللهم إني أحرم ما بين لابتيها وقد تقدم شرحه في أواخر الحج وقد تقدم من أصل الحديث شيء يتعلق بستر العورة في كتاب الصلاة لكن ذلك القدر ليس في هذه الرواية والغرض من الحديث هنا صدره وقد استشكل من حيث أن ظاهره أن ابتداء خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم من أول ما قدم المدينة لأنه صح عنه أنه قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين وفي رواية عشر سنين وخيبر كانت سنة سبع فيلزم أن يكون إنما خدمه أربع سنين قاله الداودي وغيره وأجيب بأن معنى

[ 2736 ] قوله لأبي طلحة التمس لي غلاما من غلمانكم تعيين من يخرج معه في تلك السفرة فعين له أبو طلحة أنسا فينحط الالتماس على الاستئذان في المسافرة به لا في أصل الخدمة فإنها كانت متقدمة فيجمع بين الحديثين بذلك وفي الحديث جواز استخدام اليتيم بغير أجرة لأن ذلك لم يقع ذكره في هذا الحديث وحمل الصبيان في الغزو كذا قاله بعض الشراح وتبعوه وفيه نظر لأن أنسا حينئذ كان قد زاد على خمسة عشر لأن خيبر كانت سنة سبع من الهجرة وكان عمره عند الهجرة ثمان سنين ولا يلزم من عدم ذكر الأجرة عدم وقوعها قوله هذا جبل يحبنا ونحبه قيل هو على الحقيقة ولا مانع من وقوع مثل ذلك بأن يخلق الله المحبة في بعض الجمادات وقيل هو على المجاز والمراد أهل أحد على حد قوله تعالى واسأل القرية وقال الشاعر وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

قوله باب ركوب البحر كذا أطلق الترجمة وخصوص إيراده في أبواب الجهاد يشير إلى تخصيصه بالغزو وقد اختلف السلف في جواز ركوبه وتقدم في أوائل البيوع قول مطر الوراق ما ذكره الله الا بحق واحتج بقوله تعالى هو الذي يسيركم في البر والبحر وفي حديث زهير بن عبد الله يرفعه من ركب البحر إذا ارتج فقد برئت منه الذمة وفي رواية فلا يلومن الا نفسه أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث وزهير مختلف في صحبته وقد أخرج البخاري حديثه في تاريخه فقال في روايته عن زهير عن رجل من الصحابة وإسناده حسن وفيه تقييد المنع بالارتجاج ومفهومه الجواز عند عدمه وهو المشهور من أقوال العلماء فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء ومنهم من فرق بين الرجل والمرأة وهو عن مالك فمنعه للمرأة مطلقا وهذا الحديث حجة للجمهور وقد تقدم قريبا أن أول من ركبه للغزو معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان وذكر مالك أن عمر كان يمنع الناس من ركوب البحر حتى كان عثمان فما زال معاوية يستأذنه حتى أذن له

[ 2737 ] قوله عن يحيى هو بن سعيد الأنصاري وقد سبق الحديث قريبا وأن شرحه سيأتي في كتاب الاستئذان

قوله باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب أي ببركتهم ودعائهم

[ 2738 ] قوله وقال بن عباس أخبرني أبو سفيان أي بن حرب فذكر طرفا من الحديث الطويل وقد تقدم موصولا في بدء الوحي والغرض منه قوله في الضعفاء وهم أتباع الرسل وطريق الاحتجاج به حكاية بن عباس ذلك وتقريره له ثم ذكر في الباب حديثين الأول قوله حدثنا محمد بن طلحة أي أبو مصرف وقوله

[ 2739 ] عن طلحة أي بن مصرف وهو والد محمد بن طلحة الراوي عنه ومصعب بن سعد أي بن أبي وقاص وقوله رأى سعد أي بن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه ثم أن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعبا لم يدرك زمان هذا القول لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي فأخرجه من طريق معاذ بن هانئ حدثنا محمد بن طلحة فقال فيه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه أنه ظن أن له فضلا على من دونه الحديث ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ولفظه ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين أخرجه أبو نعيم في ترجمته في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن عمرو بن مرة وقال غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام قوله رأى أي ظن وهي رواية النسائي قوله على من دونه زاد النسائي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بسبب شجاعته ونحو ذلك قوله هل تنصرون وترزقون الا بضعفائكم في رواية النسائي إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم بدعواتهم وصلاتهم واخلاصهم وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد والنسائي بلفظ إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم قال بن بطال تأويل الحديث أن الضعفاء أشد اخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا وقال المهلب أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال قال سعد يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره فذكر الحديث وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن سهام المقاتلة سواء فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه وبهذا يظهر السر في تعقيب المصنف له بحديث أبي سعيد الثاني

[ 2740 ] قوله عن عمرو هو بن دينار وجابر هو بن عبد الله وروايته عن أبي سعيد من رواية الأقران قوله يغزو فئام بكسر الفاء ويجوز فتحها وبهمزة على التحتانية ويجوز تسهيلها أي جماعة وسيأتي شرحه في علامات النبوة وفضائل الصحابة قال بن بطال هو كقوله في الحديث الآخر خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم لأنه يفتح للصحابة لفضلهم ثم للتابعين لفضلهم ثم لتابعيهم لفضلهم قال ولذلك كان الصلاح والفضل والنصر للطبقة الرابعة أقل فكيف بمن بعدهم والله المستعان

قوله باب لا يقال فلان شهيد أي على سبيل القطع بذلك الا أن كان بالوحي وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال تقولون في مغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدا ولعله قد يكون قد أوقر راحلته ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء بفتح المهملة وسكون الجيم ثم فاء عن عمر وله شاهد في حديث مرفوع أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن الصلت عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعدون الشهيد قالوا من أصابه السلاح قال كم من أصابه السلاح وليس بشهيد ولا حميد وكم من مات على فراشه حتف أنفه عند الله صديق وشهيد وفي إسناده نظر فإنه من رواية عبد الله بن خبيق بالمعجمة والموحدة والقاف مصغر عن يوسف بن أسباط الزاهد المشهور وعلى هذا فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال

[ 2741 ] قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم بمن يكلم في سبيله أي يجرح وهذا طرف من حديث تقدم في أوائل الجهاد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة باللفظ الأول ومن طريق الأعرج عنه باللفظ الثاني ووجه أخذ الترجمة منه يظهر من حديث أبي موسى الماضي من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ولا يطلع على ذلك إلا بالوحي فمن ثبت أنه في سبيل الله أعطى حكم الشهادة فقوله والله أعلم بمن يكلم في سبيله أي فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله ثم ذكر المصنف حديث سهل بن سعد في قصة الذي بالغ في القتال حتى قال المسلمون ما أجزأ أحد ما أجزأ ثم كان آخر أمره أن قتل نفسه وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي حيث ذكره المصنف ووجه أخذ الترجمة منه أنهم شهدوا برجحانه في أمر الجهاد فلو كان قتل لم يمتنع أن يشهدوا له بالشهادة وقد ظهر منه أنه لم يقاتل لله وإنما قاتل غضبا لقومه فلا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد لاحتمال أن يكون مثل هذا وأن كان مع ذلك يعطى حكم الشهداء في الأحكام الظاهرة ولذلك أطبق السلف على تسمية المقتولين في بدر وأحد وغيرهما شهداء والمراد بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب والله أعلم وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك قال لا يخرج معنا الا مقوى فخرج رجل على بكر ضعيف فوقص فمات فقال الناس الشهيد الشهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال ناد أن الجنة لا يدخلها عاص وفيه إشارة إلى أن الشهيد لا يدخل النار لأنه صلى الله عليه وسلم قال أنه من أهل النار ولم يتبين منه الا قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر لكن يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على كفره في الباطن أو أنه أستحل قتل نفسه وقد يتعجب من المهلب حيث قال أن حديث الباب ضد ما ترجم به البخاري لأنه قال لا يقال فلان شهيد والحديث فيه ضد الشهادة وكأنه لم يتأمل مراد البخاري وهو ظاهر كما قررته بحمد الله تعالى

قوله باب التحريض على الرمي وقول الله عز وجل وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل الآية لمح بما جاء في تفسير القوة في هذه الآية أنها الرمي وهو عند مسلم من حديث عقبة بن عامر ولفظه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة الا أن القوة الرمي ثلاثا ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر رفعه أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله فارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا الحديث وفيه ومن ترك الرمي بعد علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها ولمسلم من وجه آخر عن عقبة رفعه من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصى ورواه بن ماجة بلفظ فقد عصاني قال القرطبي إنما فسر القوة بالرمي وأن كانت القوة تظهر باعداد غيره من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة لأنه قد يرمي رأس الكتيبة فيصاب فينهزم من خلفه وذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث سلمة بن الأكوع

[ 2743 ] قوله مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم أي من بني أسلم القبيلة المشهورة وهي بلفظ أفعل التفضيل من السلامة قوله ينتضلون بالضاد المعجمة أي يترامون والتناضل الترامي للسبق ونضل فلان فلانا إذا غلبه قوله وأنا مع بني فلان في حديث أبي هريرة في نحو هذه القصة عند بن حبان والبزار وأنا مع بن الأدرع انتهى واسم بن الأدرع محجن وقع ذلك من ححديث حمزة بن عمرو الأسلمي في هذا الحديث عند الطبراني قال فيه وأنا مع محجن بن الأدرع ومثله في مرسل عروة أخرجه السراج عن قتيبة عن بن لهيعة عن أبي الأسود عنه وهو صحابي معروف له حديث آخر في الأدب المفرد للبخاري وفي أبي داود والنسائي وابن خزيمة وقيل اسم بن الأدرع سلمة حكاه بن منده قال والأدرع لقب واسمه ذكوان والله أعلم قوله قالوا كيف نرمي وأنت معهم اسم قائل ذلك منهم نضلة الأسلمي ذكره بن إسحاق في المغازي عن سفيان بن فروة الأسلمي عن أشياخ من قومه من الصحابة قالوا بينا محجن بن الأدرع يناضل رجلا من أسلم يقال له نضلة فذكر الحديث وفيه فقال نضلة وألقى قوسه من يده والله لا أرمى معه وأنت معه قوله وأنا معكم كلكم بكسر اللام ووقع في رواية عروة وأنا مع جماعتكم والمراد بالمعية معية القصد إلى الخير ويحتمل أن يكون قام مقام المحلل فيخرج السبق من عنده ولا يخرج كما تقدم ولا سيما وقد خصه بعضهم بالامام قال المهلب يستفاد منه أن من صار السلطان عليه في جملة المناضلين له أن لا يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم حيث أمسكوا لكون النبي صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر خشية أن يغلبوهم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب فأمسكوا عن ذلك تأدبا معه انتهى وتعقب بأن المعنى الذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا بل الظاهر أنهم أمسكوا لما استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم معهم وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر وقد وقع في رواية حمزة بن عمرو عند الطبراني فقالوا من كنت معه فقد غلب وكذا في رواية بن إسحاق فقال نضلة لا نغلب من كنت معه واستدل بهذا الحديث على أن اليمن من بني إسماعيل وفيه نظر لما سيأتي في مناقب قريش من أنه استدلال بالأخص على الأعم وفيه أن الجد الأعلى يسمى أبا وفيه التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وتطييب قلوب من هم دونه وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى أتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الثاني حديث أبي أسيد بضم الهمزة ووقع في رواية السرخسي وحده بفتحها وهو خطأ وقوله

[ 2744 ] إذا أكثبوكم كذا في نسخ البخاري بمثلثة ثم موحدة والكثب بفتحتين القرب فالمعنى إذا دنوا منكم وقد استشكل بأن الذي يليق بالدنو المطاعنة بالرمح والمضاربة بالسيف وأما الذي يليق برمي النبل فالبعد وزعم الداودي أن معنى أكثبوكم كاثروكم قال وذلك أن النبل إذا رمى في الجمع لم يخطئ غالبا ففيه ردع لهم وقد تعقب هذا التفسير بأنه لا يعرف وتفسير الكثب بالكثرة غريب والأول هو المعتمد وفد بينته رواية أبي داود حيث زاد في آخره واستبقوا نبلكم وفي رواية له ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم فظهر أن معنى الحديث الأمر بترك الرمي والقتال حتى يقربوا لأنهم إذا رموهم على بعد قد لا تصل إليهم وتذهب في غير منفعة وإلى ذلك الإشارة بقوله واستبقوا نبلكم وعرف قوله ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم أن المراد بالقرب المطلوب في الرمي قرب نسبي بحيث تنالهم السهام لأقرب قريب بحيث يلتحمون معهم والنبل بفتح النون وسكون الموحدة جمع نبله ويجمع أيضا على نبال وهي السهام العربية اللطاف تنبيه وقع في إسناد هذا الحديث اختلاف سأبينه إن شاء الله تعالى في غزوة بدر

قوله باب اللهو بالحراب ونحوها أي من آلات الحرب وكأنه يشير بقوله ونحوها إلى ما روى أبو داود والنسائي وصححه بن حبان من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ليس من اللهو أي مشروع أو مطلوب الا تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ثم أورد فيه حديث أبي هريرة بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ولم يقع في هذه الرواية ذكر الحراب وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما تقدم بيانه في باب أصحاب الحراب في المسجد من كتاب الصلاة وذكرنا فوائده هناك وفي كتاب العيدين قال بن التين يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم أنه رآهم أو ظن أنه رآهم واستحيا أن يمنعهم وهذا أولى لقوله في الحديث وهم يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وهذا لا يمنع الاحتمال المذكور أولا ويحتمل أن يكون إنكاره لهذا شبيه إنكاره على المغنيتين وكان من شدته في الدين ينكر خلاف الأولى والجد في الجملة أولى من اللعب المباح وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان بصدد بيان الجواز وقوله زاد على حدثنا عبد الرزاق وقع في رواية الكشميهني زادنا علي

قوله باب المجن في رواية بن شبويه الترسة جمع ترس والمجن بكسر الميم وفتح الجيم وتثقيل النون أي الدرقة قال بن المنير وجه هذه التراجم دفع من يتخيل أن اتخاذ هذه الآلات ينافي التوكل والحق أن الحذر لا يرد القدر ولكن يضيق مسالك الوسوسة لما طبع عليه البشر

[ 2746 ] قوله ومن يترس بترس صاحبه أي فلا بأس به ثم ذكر فيه أربعة أحاديث الأول حديث أنس كان أبو طلحة يترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد الحديث أورده مختصرا من هذا الوجه وسيأتي بأتم من هذا السياق في المناقب في غزوة أحد قيل أن الرامي يحتاج إلى من يستره لشغله يديه جميعا بالرمي فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يترسه بترسه ثانيها حديث سهل وهو بن سعد لما كسرت بيضة النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه الحديث والغرض منه

[ 2747 ] قوله وكان على يختلف بالماء في المجن وقد تقدمت له طريق أخرى قريبا ويأتي الكلام عليه في غزوة أحد إن شاء الله تعالى ثالثها حديث عمر كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله الحديث ذكر منه طرفا وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب فرض الخمس وفي الفرائض والغرض منه

[ 2748 ] قوله هنا ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة لأن المجن من جملة آلات السلاح كما روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن بن عمر أنه كانت عنده درقة فقال لولا أن عمر قال لي أحبس سلاحك لأعطيت هذه الدرقة لبعض أولادي رابعها حديث علي في قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص إرم فداك أبي وأمي وسيأتي شرحه مستوفى في المناقب وفي غزوة أحد وقوله

[ 2749 ] فيه حدثنا قبيصة هو بن عقبة وسفيان هو الثوري وزعم أبو نعيم في المستخرج أن لفظ قبيصة هنا تصحيف ممن دون البخاري وأن الصواب حدثنا قتيبة وعلى هذا فسفيان هو بن عيينة لأن قتيبة لم يسمع من الثوري لكن لا أعرف لإنكاره معنى إذ لا مانع أن يكون عند السفيانين وقد أخرجه المصنف في الأدب من طريق يحيى القطان عن سفيان الثوري ووقع في رواية النسفي هنا عن مسدد عن يحيى أيضا ودخول هذا الحديث هنا غير ظاهر لأنه لا يوافق واحدا من ركني الترجمة وقد أثبت بن شبويه في روايته قبله لفظ باب بغير ترجمة وله مناسبة بالترجمة التي قبله من جهة أن الرامي لا يستغني عن شيء يقي به عن نفسه سهام من يراميه وفي حديث علي جواز التفدية وسيأتي بسط ذلك بادلته وبيان ما يعارضه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى

قوله باب الدرق جمع درقة أي جواز اتخاذ ذلك أو مشروعيته

[ 2750 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس كما جزم به المزي في الأطراف وأغفل ذلك في التهذيب وهذا الحديث قد تقدم في أول العيدين عن أحمد عن بن وهب وبينت هناك الاختلاف في أبيه وهو المراد بقوله في هذا الباب قال أحمد يعني عن بن وهب بهذا السند وقوله فيه فقال دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا في رواية أبي ذر عمد بدل غفل وكذا في رواية أبي زيد المروزي قال عياض ورواية الأكثر هي الوجه

قوله باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق الحمائل بالمهملة جمع حميلة وهي ما يقلد به السيف وأورد فيه حديث أنس وقد تقدم في باب الفرس العرى وباب الشجاعة في الحرب وسياقه هنا أتم وسبق شرحه في الهبة والغرض منه هنا قوله وفي عنقه السيف فدل على جواز ذلك وقوله

[ 2751 ] لم تراعوا وقع في رواية الحموي والكشميهني مرتين قال بن المنير مقصود المصنف من هذه التراجم أن يبين رأى السلف في آلة الحرب وما سبق استعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أطيب للنفس وأنفى للبدعة

قوله باب ما جاء في حلية السيوف أي من الجواز وعدمه

[ 2752 ] قوله سمعت سليمان بن حبيب هو المحاربي قاضي دمشق في زمن عمر بن عبد العزيز وغيره ومات سنة عشرين أو بعدها وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله لقد فتح الفتوح قوم وقع عند بن ماجة لتحديث أبي أمامة بذلك سبب وهو دخلنا على أبي أمامة فرأى في سيوفنا شيئا من حلية فضة فغضب وقال فذكره وزاد الإسماعيلي في روايته أنه دخل عليه بحمص وزاد فيه لأنتم أبخل من أهل الجاهلية أن الله يرزق الرجل منكم الدرهم ينفقه في سبيل الله بسبعمائة ثم أنتم تمسكون وأخرجه هشام بن عمار في فوائده والطبراني من طريقه من وجه آخر عن سليمان بن حبيب قال نزلنا حمص قافلين من الروم فإذا عبد الله بن أبي زكريا ومكحول فانطلقنا إلى أبي أمامة فإذا شيخ هرم فلما تكلم إذا رجل يبلغ حاجته ثم قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ ما أرسل به وأنتم تبلغون عنا ثم نظر إلى سيوفنا فإذا فيها شيء من الفضة فغضب حتى أشتد غضبه قوله العلابي بفتح المهملة وتخفيف اللام وكسر الموحدة جمع علباء بسكون اللام وقد فسره الأوزاعي في رواية أبي نعيم في المستخرج فقال العلابي الجلود الخام التي ليست بمدبوغة وقال غيره العلابي العصب تؤخذ رطبة فيشد بها جفون السيوف وتلوى عليها فتجف وكذلك تلوى رطبة على ما يصدع من الرماح وقال الخطابي هي عصب العنق وهي أمتن ما يكون من عصب البعير وزعم الداودي أن العلابي ضرب من الرصاص فاخطأ كما نبه عليه القزاز في شرح غريب الجامع وكأنه لما رآه قرن بالآنك ظنه ضربا منه وزاد هشام بن عمار في روايته والحديد وزاد فيه أشياء لا تتعلق بالجهاد والآنك بالمد وضم النون بعدها كاف وهو الرصاص وهو واحد لا جمع له وقيل هو الرصاص الخالص وزعم الداودي أن الآنك القصدير وقال بن الجوزي الآنك الرصاص القلعي وهو بفتح اللام منسوب إلى القلعة موضع بالبادية ينسب ذلك إليه وتنسب إليه السيوف أيضا فيقال سيوف قلعية وكأنه معدن يوجد فيه الحديد والرصاص وفي هذا الحديث أن تحلية السيوف وغيرها من آلات الحرب بغير الفضة والذهب أولى وأجاب من أباحها بأن تحلية السيوف بالذهب والفضة إنما شرع لارهاب العدو وكان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك غنية لشدتهم في أنفسهم وقوتهم في إيمانهم

قوله باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة ذكر فيه حديث جابر في قصة الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم والغرض منه

[ 2753 ] قوله فنزل تحت شجرة فعلق بها سيفه وسيأتي شرحه في كتاب المغازي

قوله باب لبس البيضة بفتح الموحدة وهي ما يلبس في الرأس من آلات السلاح ذكر فيه حديث سهل بن سعد الماضي قبل أربعة أبواب لقوله فيه وهشمت البيضة على رأسه وقد تقدمت الإشارة إلى مكان شرحه

قوله باب من لم ير كسر السلاح وعقر الدواب عند الموت كأنه يشير إلى رد ما كان عليه أهل الجاهلية من كسر السلاح وعقر الدواب إذا مات الرئيس فيهم وربما كان يعهد بذلك لهم قال بن المنير وفي ذلك إشارة إلى انقطاع عمل الجاهلي الذي كان يعمله لغير الله وبطلان آثاره وخمول ذكره بخلاف سنة المسلمين في جميع ذلك انتهى ولعل المصنف لمح بذلك إلى من نقل عنه أنه كسر رمحه عند الاصطدام حتى لا يغنمه العدو أن لو قتل وكسر جفن سيفه وضرب بسيفه حتى قتل كما جاء نحو ذلك عن جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة فأشار إلى أن هذا شيء فعله جعفر وغيره عن اجتهاد والأصل عدم جواز اتلاف المال لأنه يفعل شيئا محققا في أمر غير محقق وذكر فيه حديث عمرو بن الحارث الخزاعي ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم أي عند موته الا سلاحه الحديث وقد تقدم في الوصايا وسيأتي شرحه في المغازي وزعم الكرماني أن مناسبته للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم مات وعليه دين ولم يبع فيه شيئا من سلاحه ولو كان رهن درعه وعلى هذا فالمراد بكسر السلاح بيعه ولا يخفى بعده

قوله باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر ذكر فيه حديث جابر الماضي قبل بابين من وجهين وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدمت الإشارة إلى مكان شرحه قال القرطبي هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان في هذا الوقت لا يحرسه أحد من الناس بخلاف ما كان عليه في أول الأمر فإنه كان يحرس حتى نزل قوله تعالى والله يعصمك من الناس قلت قد تقدم ذلك قبل أبواب لكن قد قيل أن هذه القصة سبب نزول قوله تعالى والله يعصمك من الناس وذلك فيما أخرجه بن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي صلى الله عليه وسلم أعظم شجرة وأظلها فنزل تحت شجرة فجاء رجل فأخذ سيفه فقال يا محمد من يمنعك مني قال الله فانزل الله والله يعصمك من الناس وهذا إسناد حسن فيحتمل أن كان محفوظا أن يقال كان مخيرا في اتخاذ الحرس فتركه مرة لقوة يقينه فلما وقعت هذه القصة ونزلت هذه الآية ترك ذلك

قوله باب ما قيل في الرماح أي في اتخاذها واستعمالها أي من الفضل قوله ويذكر عن بن عمر الخ هو طرف من حديث أخرجه أحمد من طريق أبي منيب بضم الميم وكسر النون ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة عن بن عمر بلفظ بعثت بين يدي الساعة مع السيف وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم وأخرج أبو داود منه قوله من تشبه بقوم فهو منهم حسب من هذا الوجه وأبو منيب لا يعرف اسمه وفي الإسناد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف في توثيقه وله شاهد مرسل بإسناد حسن أخرجه بن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتمامه وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح وإلى حل الغنائم لهذه الأمة وإلى أن رزق النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها لا في غيرها من المكاسب ولهذا قال بعض العلماء أنها أفضل المكاسب والمراد بالصغار وهو بفتح المهملة وبالمعجمة بذل الجزية وفي قوله تحت ظل رمحي إشارة إلى أن ظله ممدود إلى أبد الآباد والحكمة في الاقتصار على ذكر الرمح دون غيره من آلات الحرب كالسيف أن عادتهم جرت بجعل الرايات في أطراف الرمح فلما كان ظل الرمح أسبغ كان نسبة الرزق إليه أليق وقد تعرض في الحديث الآخر لظل السيف كما سيأتي قريبا من قوله صلى الله عليه وسلم الجنة تحت ظلال السيوف فنسب الرزق إلى ظل الرمح لما ذكرته أن المقصود بذكر الرمح الراية ونسبت الجنة إلى ظل السيف لأن الشهادة تقع به غالبا ولأن ظل السيف يكثر ظهوره بكثرة حركة السيف في يد المقاتل ولأن ظل السيف لا يظهر الا بعد الضرب به لأنه قبل ذلك يكون مغمودا معلقا وذكر المصنف في الباب حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي بإسنادين لمالك وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج والغرض منه

[ 2757 ] قوله فسألهم رمحه فأبوا

قوله باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم أي من أي شيء كانت وقوله والقميص في الحرب أي حكمه وحكم لبسه قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم أما خالد فقد احتبس أدراعه في سبيل الله هو طرف من حديث لأبي هريرة تقدم شرحه في كتاب الزكاة والأدراع جمع درع وهو القميص المتخذ من الزرد وأشار المصنف بذكر هذا الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كما لبس الدرع فيما ذكره في الباب ذكر الدرع ونسبه إلى بعض الشجعان من الصحابة فدل على مشروعيته وأن لبسها لا ينافي التوكل ثم ذكر فيه أحاديث الأول حديث بن عباس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر والغرض منه قوله وهو في الدرع وقوله فيه حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وقوله وقال وهيب يعني بن خالد حدثنا خالد يوم بدر يعني أن وهيب بن خالد رواه عن خالد وهو الحذاء شيخ عبد الوهاب فيه عن عكرمة عن بن عباس فزاد بعد

[ 2758 ] قوله وهو في قبة يوم بدر وقد رواه محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الوهاب كذلك كما سيأتي في المغازي وكذلك قال إسحاق بن راهويه عن عبد الوهاب الثقفي فلعل محمد بن المثنى شيخ البخاري لم يحفظها ورواية وهيب وصلها المؤلف في تفسير سورة القمر ويأتي بيان ما استشكل من هذا الحديث في غزوة بدر وهو من مراسيل الصحابة لأن بن عباس لم يحضر ذلك وسيأتي ما فيه هناك ثانيها حديث عائشة توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة الحديث

[ 2759 ] قوله وقال يعلى حدثنا الأعمش درع من حديد يعني أن يعلى وهو بن عبيد رواه عن الأعمش بالإسناد المذكور فزاد أن الدرع كانت من حديد وقد وصله المؤلف في السلم كذلك قوله وقال معلى عن عبد الواحد يعني أن معلى بن أسد رواه عن عبد الواحد بن زياد فقال فيه أيضا رهنه درعا من حديد وقد وصله المصنف في الاستقراض وتقدم الكلام على شرحه مستوفى في كتاب الرهن ثالثها حديث أبي هريرة في البخيل المتصدق وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الزكاة والغرض منه هنا ذكر الجبتين فإنه روى بالموحدة وهو المناسب لذكر القميص في الترجمة وروى بالنون وهو المناسب للدرع وقد تقدم بيان اختلاف الرواة في ذلك هناك والجبة بالموحدة ما قطع من الثياب مشمرا قاله في المطالع ومحل استشهاده للترجمة وأن كان الممثل به في المثل لا يشترط وجوده فضلا عن مشروعيته من جهة أنه مثل بدرع الكريم فتشبيه الكريم المحمود بالدرع يشعر بأن الدرع محمود وموضع الشاهد منه درع الكريم لا درع البخيل وكأنه أقام الكريم مقام الشجاع لتلازمهما غالبا وكذلك ضدهما

قوله باب الجبة في السفر والحرب ذكر فيه حديث المغيرة في قصة المسح على الخفين وفيه وعليه جبة شامية وفيه فذهب يخرج يديه من كميه وكانا ضيقين وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم الكلام على الحديث مستوفى في باب المسح على الخفين من كتاب الطهارة

قوله باب الحرير في الحرب ذكر فيه حديث أنس في الرخصة للزبير وعبد الرحمن بن عوف في قميص الحرير ذكره من خمسة طرق ففي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة من حكة كانت بهما وكذا قال شعبة في أحد الطريقين وفي رواية همام عن قتادة في أحد الطريقين يعني القمل ورجح بن التين الرواية التي فيه الحكة وقال لعل أحد الرواة تأولها فأخطأ وجمع الداودي باحتمال أن يكون إحدى العلتين بأحد الرجلين وقال بن العربي قد ورد أنه أرخص لكل منهما فالافراد يقتضي أن لكل حكمة قلت ويمكن الجمع بأن الحكة حصلت من القمل فنسبت العلة تارة إلى السبب وتارة إلى سبب السبب ووقع في رواية محمد بن بشار عن غندر رخص أو أرخص كذا بالشك وقد أخرجه أحمد عن غندر بلفظ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا قال وكيع عن شعبة كما سيأتي في كتاب اللباس وأما تقييده بالحرب فكأنه أخذه من قوله في رواية همام فرأيته عليهما في غزاة ووقع في رواية أبي داود في السفر من حكة وقد ترجم له في اللباس ما يرخص للرجال من الحرير للحكة ولم يقيده بالحرب فزعم بعضهم أن الحرب في الترجمة بالجيم وفتح الراء وليس كما زعم لأنها لا يبقى لها في أبواب الجهاد مناسبة ويلزم منه إعادة الترجمة في اللباس إذ الحكة والجرب متقاربان وجعل الطبري جوازه في الغزو مستنبطا من جوازه للحكة فقال دلت الرخصة في لبسه بسبب الحكة أن من قصد بلبسه ما هو أعظم من أذى الحكة كدفع سلاح العدو ونحو ذلك فإنه يجوز وقد تبع الترمذي البخاري فترجم له باب ما جاء في لبس الحرير في الحرب ثم المشهور عن القائلين بالجواز أنه لا يختص بالسفر وعن بعض الشافعية يختص وقال القرطبي الحديث حجة على من منع الا أن يدعي الخصوصية بالزبير وعبد الرحمن ولا تصح تلك الدعوى قلت قد جنح إلى ذلك عمر رضي الله عنه فروى بن عساكر من طريق بن عوف عن بن سيرين أن عمر رأى على خالد بن الوليد قميص حرير فقال ما هذا فذكر له خالد قصة عبد الرحمن بن عوف فقال وأنت مثل عبد الرحمن أو لك مثل ما لعبد الرحمن ثم أمر من حضره فمزقوه رجاله ثقات الا أن فيه انقطاعا وقد اختلف السلف في لباسه فمنع مالك وأبو حنيفة مطلقا وقال الشافعي وأبو يوسف بالجواز للضرورة وحكى بن حبيب عن بن الماجشون أنه يستحب في الحرب وقال المهلب لباسه في الحرب لارهاب العدو وهو مثل الرخصة في الاختيال في الحرب انتهى ووقع في كلام النووي تبعا لغيره أن الحكمة في لبس الحرير للحكة لما فيه من البرودة وتعقب بأن الحرير حار فالصواب أن الحكمة فيه لخاصة فيه لدفع ما تنشأ عنه الحكة كالقمل والله أعلم

قوله باب ما يذكر في السكين ذكر فيه حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة الحديث وفي الطريق الأخرى فألقى السكين وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة

قوله باب ما قيل قي قتال الروم أي من الفضل واختلف في الروم فالأكثر أنهم من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم واسم جدهم قيل روماني وقيل هو بن ليطا بن يونان بن يافث بن نوح

[ 2766 ] قوله عن خالد بن معدان بفتح الميم وسكون المهملة والإسناد كله شاميون وإسحاق بن يزيد شيخ البخاري فيه هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي نسب لجده قوله عمير بن الأسود العنسي بالنون والمهملة وهو شامي قديم يقال اسمه عمرو وعمير بالتصغير لقبه وكان عابدا مخضرما وكان عمر يثني عليه ومات في خلافة معاوية وليس له في البخاري سوى هذا الحديث عند من يفرق بينه وبين أبي عياض عمرو بن الأسود والراجح التفرقة وأم حرام بمهملتين تقدم ذكرها في أوائل الجهاد في حديث أنس وقد حدث عنها أنس هذا الحديث أتم من هذا السياق وأخرج الحسن بن سفيان هذا الحديث في مسنده عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة بسند البخاري وزاد في آخره قال هشام رأيت قبرها بالساحل قوله يغزون مدينة قيصر يعني القسطنطينية قال المهلب في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر وتعقبه بن التين وابن المنير بما حاصله أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا يختلف أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم مغفور لهم مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقا فدل على أن المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم وأما قول بن التين يحتمل أن يكون لم يحضر مع الجيش فمردود الا أن يريد لم يباشر القتال فيمكن فإنه كان أمير ذلك الجيش بالاتفاق وجوز بعضهم أن المراد بمدينة قيصر المدينة التي كان بها يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم تلك المقالة وهي حمص وكانت دار مملكته إذ ذاك وهذا يندفع بأن في الحديث أن الذين يغزون البحر قبل ذلك وأن أم حرام فيهم وحمص كانت قد فتحت قبل الغزوة التي كانت فيها أم حرام والله أعلم قلت وكانت غزوة يزيد المذكورة في سنة اثنتين وخمسين من الهجرة وفي تلك الغزاة مات أبو أيوب الأنصاري فأوصى أن يدفن عند باب القسطنطينية وأن يعفى قبره ففعل به ذلك فيقال أن الروم صاروا بعد ذلك يستسقون به وفي الحديث أيضا الترغيب في سكنى الشام وقوله قد أوجبوا أي فعلوا فعلا وجبت لهم به الجنة

قوله باب قتال اليهود ذكر فيه حديثي بن عمر وأبي هريرة في ذلك وهو أخبار بما يقع في مستقبل الزمان

[ 2767 ] قوله الفروي بفتح الفاء والراء منسوب إلى جده أبي فروة وإسحاق هذا غير إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الضعيف وهو أعني إسحاق بن عبد الله عم والد هذا وإسحاق هذا ربما روى عنه البخاري بواسطة وهذا الحديث مما حدث به مالك خارج الموطأ ولم ينفرد به إسحاق المذكور بل تابعه بن وهب ومعن بن عيسى وسعيد بن داود والوليد بن مسلم أخرجها الدارقطني في غرائب مالك وأخرج الإسماعيلي طريق بن وهب فقط قوله تقاتلون فيه جواز مخاطبة الشخص والمراد غيره ممن يقول بقوله ويعتقد اعتقاده لأنه من المعلوم أن الوقت الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم لم يأت بعد وإنما أراد بقوله تقاتلون مخاطبة المسلمين ويستفاد منه أن الخطاب الشفاهي يعم المخاطبين ومن بعدهم وهو متفق عليه من جهة الحكم وإنما وقع الاختلاف فيه في حكم الغائبين هل وقع بتلك المخاطبة نفسها أو بطريق الإلحاق وهذا الحديث يؤيد من ذهب إلى الأول وفيه إشارة إلى بقاء دين الإسلام إلى أن ينزل عيسى عليه السلام فإنه الذي يقاتل الدجال ويستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال على ما ورد من طريق أخرى وسيأتي بيانها مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى

قوله باب قتال الترك اختلف في أصل الترك فقال الخطابي هم بنو قنطوراء أمة كانت لإبراهيم عليه السلام وقال كراع هم الديلم وتعقب بأنهم جنس من الترك وكذلك الغز وقال أبو عمرو هم من أولاد يافث وهم أجناس كثيرة وقال وهب بن منبه هم بنو عم يأجوج ومأجوج لما بنى ذو القرنين السد كان بعض يأجوج ومأجوج غائبين فتركوا لم يدخلوا مع قومهم فسموا الترك وقيل إنهم من نسل تبع وقيل من ولد افريدون بن سام بن نوح وقيل بن يافث لصلبه وقيل بن كومى بن يافث ذكر فيه حديثين أحدهما حديث عمرو بن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة والحسن هو البصري والإسناد كله بصريون قوله من أشراط الساعة زاد الكشميهني في أوله أن قوله ينتعلون نعال الشعر هذا والحديث الذي بعده ظاهر في أن الذين ينتعلون الشعر غير الترك وقد وقع للإسماعيلي من طريق محمد بن عباد قال بلغني أن أصحاب بابك كانت نعالهم الشعر قلت بابك بموحدتين مفتوحتين وآخره كاف يقال له الخرمي بضم المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وكان من طائفة من الزنادقة استباحوا المحرمات وقامت لهم شوكة كبيرة في أيام المأمون وغلبوا على كثير من بلاد العجم كطبرستان والرى إلى أن قتل بابك المذكور في أيام المعتصم وكان خروجه في سنة إحدى ومائتين أو قبلها وقتله في سنة اثنتين وعشرين

[ 2769 ] قوله المجان بالجيم وتشديد النون جمع مجن وقد تقدم ذكره قبل أبواب والمطرقة التي ألبست الأطرقة من الجلود وهي الأغشية تقول طارقت بين النعلين أي جعلت إحداهما على الأخرى وقال الهروي هي التي أطرقت بالعصب أي ألبست به ثانيهما حديث أبي هريرة في ذلك

قوله باب قتال الذين ينتعلون الشعر ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور من وجه آخر

[ 2771 ] قوله قال سفيان وزاد فيه أبو الزناد هو موصول بالإسناد المذكور وأخطأ من زعم أنه معلق وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن عبادة عن سفيان بالإسنادين معا قوله رواية هو عوض عن قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن عباد عن سفيان بلفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في الباب الذي قبله من وجه آخر عن الأعرج بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه حمر الوجوه ولم يذكر صغار الأعين وقوله ذلف الأنوف أي صغارها والعرب تقول أملح النساء الذلف وقيل الذلف الاستواء في طرف الأنف وقيل قصر الأنف وانبطاحه وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في علامات النبوة إن شاء الله تعالى

قوله باب من صف أصحابه عند الهزيمة أي صف من ثبت معه بعد هزيمة من انهزم ذكر فيه حديث البراء في قصة حنين وهو ظاهر فيما ترجم له ووقع في آخره ثم صف أصحابه وذلك بعد أن نزل واستنصر والمراد بقوله واستنصر أي استنصر الله بعد أن رمى الكفار بالتراب وسيأتي شرح ذلك مستوفى في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ذكر فيه خمسة أحاديث الأول حديث علي لما كان يوم الأحزاب الحديث

[ 2773 ] قوله عن هشام هو الدستوائي وزعم الأصيلي أنه بن حسان ورام بذلك تضعيف الحديث فأخطأ من وجهين وتجاسر الكرماني فقال المناسب أنه هشام بن عروة وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى وفيه الدعاء عليهم بأن يملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا وليس فيه الدعاء عليهم بالهزيمة لكن يؤخذ ذلك من لفظ الزلزلة لأن في احراق بيوتهم غاية التزلزل لنفوسهم ثانيها حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت وفيه اللهم اشدد وطأتك على مضر ودخوله في الترجمة بطريق العموم لأن شدة الوطأة يدخل تحتها ما ترجم به فإن المراد اشدد عليهم البأس والعقوبة والأخذ الشديد وابن ذكوان المذكور في الإسناد هو أبو الزناد واسمه عبد الله وقد تقدم من وجه آخر في كتاب الوتر ويأتي شرحه مستوفى في التفسير إن شاء الله تعالى ثالثها حديث بن أبي أوفى وهو ظاهر فيما ترجم له والمراد الدعاء عليهم إذا انهزموا أن لا يستقر لهم قرار وقال الداودي أراد أن تطيش عقولهم وترعد أقدامهم عند اللقاء فلا يثبتوا وقد ذكر الإسماعيلي من وجه آخر زيادة في هذا الدعاء وسيأتي التنبيه عليها في باب لا تتمنوا لقاء العدو إن شاء الله تعالى رابعها حديث عبد الله بن مسعود في قصة الجزور التي نحرت بمكة وفيه اللهم عليك بقريش وفيه ما قررته في الحديث الثاني قوله قال أبو إسحاق هو بالإسناد المذكور وكأنه لما حدث سفيان بهذا الحديث كان نسي السابع وقول المصنف قال يوسف بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق أمية بن خلف وقال شعبة أمية أو أبي والصحيح أمية أراد بذلك أن أبا إسحاق حدث به مرة فقال أبي بن خلف وهذه رواية سفيان وهو الثوري هنا وحدث به أخرى فقال أمية وهي رواية شعبة وحدث به أخرى فشك فيه ويوسف المذكور هو بن إسحاق بن أبي إسحاق نسبه إلى جده وقد وصل المصنف حديثه بطوله في الطهارة وطريق شعبة وصلها المؤلف أيضا في كتاب المبعث وقد بينت في الطهارة أن إسرائيل روى عن أبي إسحاق هذا الحديث فسمى السابع وذكرت ما فيه من البحث خامسها حديث عائشة في قصة اليهود وفيه فلم تسمعي ما قلت وعليكم وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه في آخره يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا وقد ذكرها الإسماعيلي هنا من الوجه الذي أخرجه البخاري ففيه مشروعية الدعاء على المشركين ولو خشي الداعي أنهم يدعون عليه وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى

قوله باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب المراد بالكتاب الأول التوراة والإنجيل وبالكتاب الثاني ما هو أعم منهما ومن القرآن وغير ذلك وأورد فيه طرفا من حديث بن عباس في شان هرقل وقد ذكره بعد بابين من وجه آخر عن بن شهاب بطوله وإسحاق شيخه فيه هو بن منصور وهذه الطريق أهملها المزي في الأطراف وارشادهم منه ظاهر وأما تعليمهم الكتاب فكأنه استنبطه من كونه كتب إليهم بعض القرآن بالعربية وكأنه سلطهم على تعليمه إذ لا يقرءونه حتى يترجم لهم ولا يترجم لهم حتى يعرف المترجم كيفية استخراجه وهذه المسألة مما اختلف فيه السلف فمنع مالك من تعليم الكافر القرآن ورخص أبو حنيفة واختلف قول الشافعي والذي يظهر أن الراجح التفصيل بين من يرجى منه الرغبة في الدين والدخول فيه مع الأمن منه أن يتسلط بذلك إلى الطعن فيه وبين من يتحقق أن ذلك لا ينجع فيه أو يظن أنه يتوصل بذلك إلى الطعن في الدين والله أعلم ويفرق أيضا بين القليل منه والكثير كما تقدم في أوائل كتاب الحيض

قوله باب الدعاء للمشركين بالهدي ليتألفهم ذكر فيه حديث أبي هريرة في قدوم الطفيل بن عمرو الدوسي وقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهد دوسا وهو ظاهر فيما ترجم له وقوله ليتألفهم من تفقه بالمصنف إشارة منه إلى الفرق بين المقامين وأنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يدعو عليهم وتارة يدعو لهم فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم كما تقدم في الأحاديث التي قبل هذا بباب والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم كما في قصة دوس وسيأتي شرح الحديث المذكور في المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب دعوة اليهود والنصارى أي إلى الإسلام وقوله وعلى ما يقاتلون إشارة إلى أن ما ذكر في الباب الذي بعده عن علي حيث قال تقاتلوهم حتى يكونوا مثلنا وفيه أمره صلى الله عليه وسلم له بالنزول بساحتهم ثم دعائهم إلى الإسلام ثم القتال ووجه أخذه من حديثي الباب أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يتوجه إلى مقاتلتهم قوله وما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر قد ذكر ذلك في الباب مسندا وقوله والدعوة قبل القتال كأنه يشير إلى حديث بن عون في اغارة النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق على غرة وهو متخرج عنده في كتاب الفتن وهو محمول عند من يقول باشتراط الدعاء قبل القتال على أنه بلغتهم الدعوة وهي مسألة خلافية فذهب طائفة منهم عمر بن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى الإسلام قبل القتال وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر قبل انتشار دعوة الإسلام فإن وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعى نص عليه الشافعي وقال مالك من قربت داره قوتل بغير دعوة لاشتهار الإسلام ومن بعدت داره فالدعوة أقطع للشك وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي أحد كبار التابعين قال كنا ندعو وندع قلت وهو منزل على الحالين المتقدمين ثم ذكر في الباب حديثين أحدهما حديث أنس في اتخاذ الخاتم وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب اللباس ثانيهما حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث كتابه إلى كسرى وسيأتي شرحه في أواخر المغازي وفيه أن المبعوث به كان عبد الله بن حذافة السهمي ونذكر هناك ما يتعلق بكسرى وما المراد بعظيم البحرين وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة وأن الكتابة تقوم مقام النطق وفيه إرشاد المسلم إلى الكافر وأن العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل ولهذا مزق كسرى الكتاب ولم يتعرض للرسول

قوله باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله وقوله تعالى ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب الآية أورد فيه أحاديث أحدها حديث بن عباس في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر وفيه حديث عن أبي سفيان بن حرب وقد تقدم بطوله في بدء الوحي والكلام عليه مستوفى وهو ظاهر فيما ترجم به ويأتي شيء من الكلام عليه في تفسير سورة آل عمران إن شاء الله تعالى وأما قوله تعالى ما كان لبشر فالمراد من الآية الإنكار على من قال كونوا عبادا لي من دون الله ومثلها قوله تعالى يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس الآية وقوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله الآية ثانيها حديث سهل بن سعد في إعطاء على الراية يوم خيبر وسيأتي شرحه في المغازي والغرض منه

[ 2783 ] قوله ثم ادعهم إلى الإسلام ثالثها حديث أنس في ترك الاغارة على من سمع منهم الأذان ذكره من وجهين وسيأتي وشرحه في غزوة خيبر أيضا وهو دال على جواز قتال من بلغته الدعوة بغير دعوة فيجمع بينه وبين حديث سهل الذي قبله بان الدعوة مستحبة لا شرط وفيه دلالة على الحكم بالدليل لكونه كف عن القتال بمجرد سماع الأذان وفيه الأخذ بالأحوط في أمر الدعاء لأنه كف عنهم في تلك الحالة مع احتمال أن لا يكون ذاك على الحقيقة ووقع هنا فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيهم ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم فأتيناهم حين بزغت الشمس ويجمع بأنهم وصلوا أول البلد عند الصبح فنزلوا فصلوا فتوجهوا وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرسه حينئذ في زقاق خيبر كما في الرواية الأخرى فوصل في آخر الزقاق إلى أول الحصون حين بزغت الشمس رابعها حديث أبي هريرة أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث وهو ظاهر فيما ترجم له أولا حيث قال وعلام تقاتلون وقد مضى شرحه في كتاب الإيمان في الكلام على حديث بن عمر لكن في حديث بن عمر زيادة إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وقد وردت الأحاديث بذلك زائدا بعضها على بعض ففي حديث أبي هريرة الاقتصار على قول لا إله إلا الله وفي حديثه من وجه آخر عند مسلم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وفي حديث بن عمر ما ذكرت وفي حديث أنس الماضي في أبواب القبلة فإذا صلوا واستقبلوا واكلوا ذبيحتنا قال الطبري وغيره أما الأول فقال له في حالة قتاله لأهل الأوثان الذين لا يقرون بالتوحيد وأما الثاني فقال له في حالة قتال أهل الكتاب الذين يعترفون بالتوحيد ويجحدون نبوته عموما أو خصوصا وأما الثالث ففيه الإشارة إلى أن من دخل في الإسلام وشهد بالتوحيد وبالنبوة ولم يعمل بالطاعات أن حكمهم أن يقاتلوا حتى يذعنوا إلى ذلك وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في أبواب القبلة

[ 2786 ] قوله رواه عمر وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أي مثل حديث أبي هريرة أما رواية عمر فوصلها المؤلف في الزكاة وأما رواية بن عمر فوصلها المؤلف في الإيمان

قوله باب من أراد غزوة فورى بغيرها ومن أحب الخروج إلى السفر يوم الخميس أما الجملة الأولى فمعنى ورى ستر وتستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره وأصله من الورى بفتح ثم سكون وهو ما يجعل وراء الإنسان لأن من ورى بشيء كأنه جعله وراءه وقيل هو في الحرب أخذ العدو على غرة وقيده السيرافي في شرح سيبويه بالهمزة قال وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمز وكأنهم سهلوها وأما الخروج يوم الخميس فلعل سببه ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغر بن شريط بفتح المعجمة أوله وكونه صلى الله عليه وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه وسيأتي بعد باب أنه خرج في بعض أسفاره يوم السبت ثم أورد المصنف أطرافا من حديث كعب بن مالك الطويل في قصة غزوة تبوك ظاهرة فيما ترجم له وروى سعيد بن منصور عن مهدي بن ميمون عن واصل مولى أبي عتيبة قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر أحب أن يخرج يوم الخميس وقوله في الطريق الثانية وعن يونس عن الزهري هو موصول بالإسناد الأول عن عبد الله وهو بن المبارك عن يونس ووهم من زعم أن الطريق الثانية معلقة وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن بن المبارك عن يونس بالحديثين جميعا بالوجهين نعم توقف الدارقطني في هذه الرواية التي وقع فيها التصريح بسماع عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك من جده وقد أوضحت ذلك في المقدمة والحاصل أن رواية الزهري للجملة الأولى هي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وروايته للجملة الثانية المتعلقة بيوم الخميس هي عن عمه عبد الرحمن بن كعب بن مالك وقد سمع الزهري منهما جميعا وحدث يونس عنه بالحديثين مفصلا وأراد البخاري بذلك دفع الوهم واللبس عمن يظن فيه اختلافا وسيأتي مزيد بسط لذلك في المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب الخروج بعد الظهر ذكر فيه حديث أنس وقد تقدم في الحج وكأنه أورده إشارة إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم بورك لأمتي في بكورها لا يمنع جواز التصرف في غير وقت البكور وإنما خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط وحديث بورك لأمتي في بكورها أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان من حديث صخر الغامدي بالغين المعجمة وقد اعتنى بعض الحفاظ بجمع طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسا

قوله باب الخروج آخر الشهر أي ردا على من كره ذلك من طريق الطيرة وقد نقل بن بطال أن أهل الجاهلية كانوا يتحرون أوائل الشهور للاعمال ويكرهون التصرف في محاق القمر

[ 2792 ] قوله وقال كريب عن بن عباس رضي الله عنهما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس بقين هو طرف من حديث وصله المصنف في الحج ثم أورد حديث عمرة عن عائشة في ذلك وقد مضى الكلام عليهما في كتاب الحج وفيه استعمال الفصيح في التاريخ وهو ما دام في النصف الأول من الشهر يؤرخ بما خلا وإذا دخل النصف الثاني يؤرخ بما بقي وقد استشكل قول بن عباس وعائشة أنه خرج لخمس بقين لأن ذا الحجة كان أوله الخميس للاتفاق على أن الوقفة كانت الجمعة فيلزم من ذلك أن يكون خرج يوم الجمعة ولا يصح ذلك لقول أنس في الحديث الذي قبله أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم خرج وأجيب بأن الخروج كان يوم السبت وإنما قال الصحابة لخمس بقين بناء على العدد لأن ذا القعدة كان أوله الأربعاء فاتفق أن جاء ناقصا فجاء أول ذي الحجة الخميس فظهر أن الذي كان بقي من الشهر أربع لا خمس كذا أجاب به جمع من العلماء ويحتمل أن يكون الذي قال لخمس بقين أراد ضم يوم الخروج إلى ما بقي لأن التأهب وقع في أوله وأن اتفق التأخير إلى أن صليت الظهر فكأنهم لما تأهبوا باتوا ليلة السبت على سفر اعتدوا به من جملة أيام السفر والله أعلم

قوله باب الخروج في رمضان ذكر فيه حديث بن عباس في ذلك وقد مضى شرحه في كتاب الصيام وأراد به رفع وهم من يتوهم كراهة ذلك

قوله باب التوديع عند السفر أي أعم من أن يكون من المسافر للمقيم أو عكسه وحديث الباب ظاهر للأول ويؤخذ الثاني منه بطريق الأولى وهو الأكثر في الوقوع

[ 2794 ] قوله وقال بن وهب الخ وصله النسائي والإسماعيلي من طريقه وسيأتي موصولا للمصنف من وجه آخر ويأتي شرحه هناك بعد اثنين وأربعين بابا وفيه تسمية من أبهم في هذا

قوله باب السمع والطاعة للإمام زاد في رواية الكشميهني ما لم يأمر بمعصية والاطلاق محمول عليه كما هو في نص الحديث ثم ساق حديث بن عمر في ذلك من وجهين وساقه على لفظ الرواية الثانية وسيأتي الكلام عليه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وساقه هنا بلفظ الرواية الأولى وقيد الترجمة هناك بما وقع هنا في رواية الكشميهني وقوله

[ 2796 ] فلا سمع ولا طاعة بالفتح فيهما والمراد نفي الحقيقة الشرعية لا الوجودية

قوله باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به يقاتل بفتح المثناة ولم يزد البخاري على لفظ الحديث والمراد به المقاتلة للدفع عن الإمام سواء كان ذلك من خلفه حقيقة أو قدامه ووراء يطلق على المعنيين قوله نحن الآخرون السابقون وبهذا الإسناد من أطاعني فقد أطاع الله الحديث الجملة الأولى طرف من حديث سبق بيانه في كتاب الجمعة وسبق في الطهارة أن عادته في إيراد هذه النسخة وهي شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن يصدر بأول حديث فيها ويعطف الباقي عليه لكونه سمعها هكذا وأن مسلما في نسخة معمر عن همام عن أبي هريرة سلك طريقا نحو هذه فإنه يقول في أول كل حديث منها فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيت وكيت وتكلف بن المنير فقال وجه مطابقة الترجمة لقوله نحن الآخرون السابقون الإشارة إلى أنه الإمام وأنه يجب على كل أحد أن يقاتل عنه وينصره لأنه وأن تأخر في الزمان لكنه متقدم في أخذ العهد على كل من تقدمه أنه أن أدرك زمانه أن يؤمن به وينصره فهم في الصورة أمامه وفي الحقيقة خلفه فناسب ذلك

[ 2797 ] قوله يقاتل من ورائه لأنه أعم من أن يراد بها الخلف أو الأمام وقوله فيه وأن قال بغيره فإن عليه منه كذا هنا قيل استعمل القول بمعنى الفعل حيث قال فإن قال بغيره كذا قال بعض الشراح وليس بظاهر فإنه قسيم قوله فإن أمر فيحمل على أن المراد وأن أمر والتعبير عن الأمر بالقول لا اشكال فيه وقيل معنى قال هنا حكم ثم قيل أنه مشتق من القيل بفتح القاف وسكون التحتانية وهو الملك الذي ينفذ حكمه بلغة حمير وقوله فإن عليه منه أي وزرا وحذف في هذه الرواية على طريق الاكتفاء لدلالة مقابله عليه وقد ثبت في غير هذه الرواية كما سيأتي إن شاء الله تعالى ويحتمل أن يكون من في قوله فإن عليه منه تبعيضية أي فإن عليه بعض ما يقول وفي رواية أبي زيد المروزي منة بضم الميم وتشديد النون بعدها هاء تأنيث وهو تصحيف بلا ريب وبالأول جزم أبو ذر وقوله إنما الإمام جنة بضم الجيم أي سترة لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويكف أذى بعضهم عن بعض والمراد بالامام كل قائم بأمور الناس والله أعلم وسيأتي بقية شرحه في كتاب الأحكام

قوله باب البيعة في الحرب على أن لا يفروا وقال بعضهم على الموت كأنه أشار إلى أن لا تنافي بين الروايتين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين أو أحدهما يستلزم الآخر قوله لقوله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين الآية قال بن المنير أشار البخاري بالاستدلال بالآية إلى أنهم بايعوا على الصبر ووجه أخذه منها قوله تعالى فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم والسكينة الطمأنينة في موقف الحرب فدل ذلك على أنهم أضمروا في قلوبهم أن لا يفروا فأعانهم على ذلك وتعقب بأن البخاري إنما ذكر الآية عقب القول الصائر إلى أن المبايعة وقعت على الموت ووجه انتزاع ذلك منها أن المبايعة فيها مطلقة وقد أخبر سلمة بن الأكوع وهو ممن بايع تحت الشجرة أنه بايع على الموت فدل ذلك على أنه لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا وليس المراد أن يقع الموت ولا بد وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى

[ 2798 ] قوله بل بايعهم على الصبر أي على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا والله أعلم وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن والد سعيد لابن عمر على خفاء الشجرة وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها وإلى ذلك أشار بن عمر بقوله كانت رحمة من الله أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى ويحتمل أن يكون معنى قوله رحمة من الله أي كانت الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها ثم ذكر فيه خمسة أحاديث أحدها حديث بن عمر رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا أي النبي صلى الله عليه وسلم تحتها أي في عمرة الحديبية قوله فسألنا نافعا قائل ذلك هو جويرية بن أسماء الراوي عنه وقد تعقبه الإسماعيلي بأن هذا من قول نافع وليس بمسند وأجيب بأن الظاهر أن نافعا إنما جزم بما أجاب به لما فهمه عن مولاه بن عمر فيكون مسندا بهذه الطريقة ثانيها حديث عبد الله بن زيد أي بن عاصم الأنصاري المازني

[ 2799 ] قوله لما كان زمن الحرة أي الوقعة التي كانت بالمدينة في زمن يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين كما سيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى قوله أن بن حنظلة أي عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الذي يعرف أبوه بغسيل الملائكة والسبب في تلقيبه بذلك أنه قتل بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة وعلقت امرأته تلك الليلة بابنه عبد الله بن حنظلة فمات النبي صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين وقد حفظ عنه وأتى الكرماني بأعجوبة فقال بن حنظلة هو الذي كان يأخذ البيعة ليزيد بن معاوية والمراد به نفس يزيد لأن جده أبا سفيان كان يكنى أيضا أبا حنظلة فيكون التقدير أن بن أبي حنظلة ثم حذف لفظ أبي تخفيفا أو يكون نسب إلى عمه حنظلة بن أبي سفيان استخفافا واستهجانا واستبشاعا بهذه الكلمة المرة انتهى ولقد أطال رحمه الله في غير طائل وأتى بغير الصواب ولو راجع موضعا آخر من البخاري لهذا الحديث بعينه لرأى فيه ما نصه لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة فقال عبد الله بن زيد علام يبايع حنظلة الناس الحديث وهذا الموضع في أثناء غزوة الحديبية من كتاب المغازي فهذا يرد احتماله الثاني وأما احتماله الأول فيرده اتفاق أهل النقل على أن الأمير الذي كان من قبل يزيد بن معاوية اسمه مسلم بن عقبة لا عبد الله بن حنظلة وأن بن حنظلة كان الأمير على الأنصار وأن عبد الله بن مطيع كان الأمير على من سواهم وأنهما قتلا جميعا في تلك الوقعة والله المستعان قوله لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إيماء إلى أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وليس بصريح ولذلك عقبه المصنف بحديث سلمة بن الأكوع لتصريحه فيه بذلك قال بن المنير والحكمة في قول الصحابي أنه لا يفعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان مستحقا للنبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم أن يقيه بنفسه وكان فرضا عليهم أن لا يفروا عنه حتى يموتوا دونه وذلك بخلاف غيره ثالثها حديث سلمة فقوله فقلت له يا أبا مسلم هي كنية سلمة بن الأكوع والقائل فقلت الراوي عنه وهو يزيد بن أبي عبيد مولاه وهذا الحديث أحد ثلاثيات البخاري وقد أخرجه في الأحكام أيضا ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى قال بن المنير الحكمة في تكراره البيعة لسلمة أنه كان مقداما في الحرب فأكد عليه العقد احتياطا قلت أو لأنه كان يقاتل قتال الفارس والراجل فتعددت البيعة بتعدد الصفة رابعها حديث أنس كانت الأنصار يوم الخندق تقول نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وهو ظاهر فيما ترجم به وقد تقدم موصولا في أوائل الجهاد ويأتي الكلام عليه في المغازي إن شاء الله تعالى خامسها حديث مجاشع وهو بن مسعود وأخوه اسمه مجالد بجيم وسيأتي الكلام عليه في المغازي في غزوة الفتح إن شاء الله تعالى

قوله باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون المراد بالعزم الأمر الجازم الذي لا تردد فيه والذي يتعلق به الجار والمجرور محذوف تقديره مثلا محله والمعنى وجوب طاعة الإمام محله فيما لهم به طاقة قوله قال عبد الله أي بن مسعود وهذا الإسناد كله كوفيون

[ 2803 ] قوله أتاني اليوم رجل لم أقف على اسمه قوله مؤديا بهمزة ساكنة وتحتانية خفيفة أي كامل الأداء أي أداة الحرب ولا يجوز حذف الهمزة منه لئلا يصير من أودى إذا هلك وقال الكرماني معناه قويا وكأنه فسره باللازم وقوله نشيطا بنون وبمعجمة من النشاط قوله نخرج مع أمرائنا كذا في الرواية بالنون من قوله نخرج وعلى هذا فالمراد بقوله رجلا أحدنا أو هو محذوف الصفة أي رجلا منا وعلى هذا عول الكرماني لأن السياق يقتضي أن يقول مع امرائه وفيه حينئذ التفات ويحتمل أن يكون بالتحتانية بدل النون وفيه أيضا التفات قوله لا نحصيها أي لا نطيقها لقوله تعالى علم أن لن تحصوه وقيل لا ندري أهي طاعة أم معصية والأول مطابق لما فهم البخاري فترجم به والثاني موافق لقول بن مسعود وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه أي من تقوى الله أن لا يقدم المرء على ما يشك فيه حتى يسأل من عنده علم فيدله على ما فيه شفاؤه وقوله شك نفسه في شيء من المقلوب إذ التقدير وإذا شك نفسه في شيء أو ضمن شك معنى لصق والمراد بالشيء ما يتردد في جوازه وعدمه وقوله حتى يفعله غاية لقوله لا يعزم أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى وهو مرة والحاصل أن الرجل سأل بن مسعود عن حكم طاعة الأمير فأجابه بن مسعود بالوجوب بشرط أن يكون المأمور به موافقا لتقوى الله تعالى قوله ما غبر بمعجمة وموحدة مفتوحتين أي مضى وهو من الأضداد يطلق على ما مضى وعلى ما بقي وهو هنا محتمل للامرين قال بن الجوزي هو بالماضي هنا أشبه كقوله ما أذكر والثغب بمثلثة مفتوحة ومعجمة ساكنة ويجوز فتحها قال القزاز وهو أكثر وهو الغدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق وقيل هو ما يحتفره السيل في الأرض المنخفضة فيصير مثل الأخدود فيبقى الماء فيه فتصفقه الريح فيصير صافيا باردا وقيل هو نقرة في صخرة يبقى فيها الماء كذلك فشبه ما مضى من الدنيا بما شرب من صفوه وما بقي منها بما تأخر من كدره وإذا كان هذا في زمان بن مسعود وقد مات هو قبل مقتل عثمان ووجود تلك الفتن العظيمة فماذا يكون اعتقاده فيما جاء بعد ذلك وهلم جرا وفي الحديث أنهم كانوا يعتقدون وجوب طاعة الإمام وأما توقف بن مسعود عن خصوص جوابه وعدوله إلى الجواب العام فللاشكال الذي وقع له من ذلك وقد أشار اليه في بقية حديثه ويستفاد منه التوقف في الافتاء فيما أشكل من الأمر كما لو أن بعض الأجناد استفتى أن السلطان عينه في أمر مخوف بمجرد التشهي وكلفه من ذلك ما لا يطيق فمن أجابه بوجوب طاعة الإمام أشكل الأمر لما وقع من الفساد وأن أجابه بجواز الامتناع أشكل الأمر لما قد يفضي به ذلك إلى الفتنة فالصواب التوقف عن الجواب في ذلك وأمثاله والله الهادي إلى الصواب

قوله باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس أي لأن الرياح تهب غالبا بعد الزوال فيحصل بها تبريد حدة السلاح والحرب وزيادة في النشاط أورد فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى بمعنى ما ترجم به لكن ليس فيه إذا لم يقاتل أول النهار وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه فعند أحمد من وجه آخر عن موسى بن عقبة بهذا الإسناد أنه كان صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس ولسعيد بن منصور من وجه آخر عن بن أبي أوفى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل إذا زالت الشمس ثم ينهض إلى عدوه وللمصنف في الجزية من حديث النعمان بن مقرن كان إذا لم يقاتل أول النهار أنتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من وجه آخر وصححاه وفي روايتهم حتى تزول الشمس وتهب الأرواح وينزل النصر فيظهر أن فائدة التأخير لكون أوقات الصلاة مظنة إجابة الدعاء وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك والله أعلم وقد أخرج الترمذي حديث النعمان بن مقرن من وجه آخر عنه لكن فيه انقطاع ولفظه يوافق ما قلته قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت الشمس قاتل فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل وكان يقال عند ذلك تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم تنبيه وقع في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه زيادة في الدعاء وسيأتي التنبيه عليها في باب لا تتمنوا لقاء العدو مع بقية الكلام على شرحه إن شاء الله تعالى

قوله باب استئذان الرجل أي من الرعية الإمام أي في الرجوع أو التخلف عن الخروج أو نحو ذلك قوله انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه قال بن التين هذه الآية احتج بها الحسن على أنه ليس لأحد أن يذهب من العسكر حتى يستأذن الأمير وهذا عند سائر الفقهاء كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم كذا قال والذي يظهر أن الخصوصية في عموم وجوب الاستئذان وإلا فلو كان ممن عينه الإمام فطرأ له ما يقتضي التخلف أو الرجوع فإنه يحتاج إلى الاستئذان ثم أورد فيه حديث جابر في قصة جمله وقد تقدم شرحه في كتاب الشروط والغرض منه هنا

[ 2805 ] قوله إني عروس فاستأذنته فأذن لي وسيأتي الكلام على ما يتعلق بتزويجه في النكاح تنبيه قوله في آخر هذا الحديث قال المغيرة هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا هذا موصول بالإسناد المذكور إلى المغيرة وهو بن مقسم الضبي أحد فقهاء الكوفة ومراده بذلك ما وقع من جابر من اشتراط ركوب جمله إلى المدينة وأغرب الداودي فقال مراده جواز زيادة الغريم على حقه وأن ذلك ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد تعقبه بن التين بأن هذه الزيادة لم ترد في هذه الطريق هنا وهو كما قال

قوله باب من غزا وهو حديث عهد بعرسة بكسر العين أي بزوجته وبضمها أي بزمان عرسه وفي رواية الكشميهني بعرس وهو يؤيد الاحتمال الثاني قوله فيه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه المذكور في الباب قبله وأن ذلك في بعض طرقه وسيأتي في أوائل النكاح من طريق سيار عن الشعبي بلفظ فقال ما يعجلك قلت كنت حديث عهد بعرس الحديث

قوله باب من أختار الغزو بعد البناء فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه الآتي في الخمس من طريق همام عنه فقال غزا نبي من الأنبياء فقال لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة ولما يبن بها الحديث وسيأتي شرحه هناك وترجم عليه في النكاح من أحب البناء بعد الغزو وساق الحديث والغرض هنا من ذلك أن يتفرغ قلبه للجهاد ويقبل عليه بنشاط لأن الذي يعقد عقده على امرأة يبقى متعلق الخاطر بها بخلاف ما إذا دخل بها فإنه يصير الأمر في حقه أخف غالبا ونظيره الاشتغال بالأكل قبل الصلاة تنبيهان أحدهما أورد الداودي هذه الترجمة محرفة ثم اعترضها وذلك أنه وقع عنده باب من أختار الغزو قبل البناء فاعترضه بأن الحديث فيه أنه أختار البناء قبل الغزو قلت وعلى تقدير صحة ما وقع عند الداودي فلا يلزمه الاعتراض لأنه أورد الترجمة مورد الاستفهام فكأنه قال ما حكم من أختار الغزو قبل البناء هل يمنع كما دل عليه الحديث أو يسوغ ويحمل الحديث على الاولوية ثانيهما قال الكرماني كأنه اكتفى بالإشارة إلى هذا الحديث لأنه لم يكن على شرطه قلت ولم يستحضر أنه أورده موصولا في مكان آخر كما سيأتي قريبا والجواب الصحيح أنه جرى على عادته الغالبة في أنه لا يعيد الحديث الواحد إذا اتحد مخرجه في مكانين بصورته غالبا بل يتصرف فيه بالاختصار ونحوه في أحد الموضعين

قوله باب مبادرة الإمام عند الفزع ذكر فيه حديث أنس في ركوب النبي صلى الله عليه وسلم فرس أبي طلحة وقد تقدم الكلام عليه في الهبة ومضى مرارا منها في باب الشجاعة في الحرب

قوله باب السرعة والركض في الفزع ذكر فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر وقد تقدم ومحمد المذكور في إسناده هو بن سيرين

قوله باب الخروج في الفزع وحده كذا ثبتت هذه الترجمة بغير حديث وكأنه أراد أن يكتب فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر فاخترم قبل ذلك قال الكرماني ويحتمل أن يكون اكتفى بالإشارة إلى الحديث الذي قبله كذا قال وفيه بعد وقد ضم أبو علي بن شبويه هذه الترجمة إلى التي بعدها فقال باب الخروج في الفزع وحده والجعائل الخ وليس في أحاديث باب الجعائل مناسبة لذلك أيضا الا أنه يمكن حمله على ما قلت أولا قال بن بطال جملة ما في هذه التراجم أن الإمام ينبغي له أن يشح بنفسه لما في ذلك من النظر للمسلمين الا أن يكون من أهل الغناء الشديد والثبات البالغ فيحتمل أن يسوغ له ذلك وكان في النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما ليس في غيره ولا سيما مع ما علم أن الله يعصمه وينصره

قوله باب الجعائل والحملان في السبيل الجعائل بالجيم جمع جعيلة وهي ما يجعله القاعد من الأجرة لمن يغزو عنه والحملان بضم المهملة وسكون الميم مصدر كالحمل تقول حمل حملا وحملانا قال بن بطال أن أخرج الرجل من ماله شيئا فتطوع به أو أعان الغازي على غزوه بفرس ونحوها فلا نزاع فيه وإنما اختلفوا فيما إذا أجر نفسه أو فرسه في الغزو فكره ذلك مالك وكره أن يأخذ جعلا على أن يتقدم إلى الحصن وكره أصحاب أبي حنيفة الجعائل الا أن كان بالمسلمين ضعف وليس في بيت المال شيء وقالوا أن أعان بعضهم بعضا جاز لا على وجه البدل وقال الشافعي لا يجوز أن يغزو بجعل يأخذه وإنما يجوز من السلطان دون غيره لأن الجهاد فرض كفاية فمن فعله وقع عن الفرض ولا يجوز أن يستحق على غيره عوضا انتهى ويؤيده ما رواه عبد الرزاق من طريق بن سيرين عن بن عمر قال يمتع القاعد الغازي بما شاء فأما أنه يبيع غزوه فلا ومن وجه آخر عن بن سيرين سئل بن عمر عن الجعائل فكرهه وقال أرى الغازي يبيع غزوه والجاعل يفر من غزوه والذي يظهر أن البخاري أشار إلى الخلاف فيما يأخذه الغازي هل يستحقه بسبب الغزو فلا يتجاوزه إلى غيره أو يملكه فيتصرف فيه بما شاء كما سيأتي بيان ذلك قوله وقال مجاهد قلت لابن عمر الغزو هو بالنصب على الإغراء والتقدير عليك الغزو أو على حذف فعل أي أريد الغزو وفي رواية الكشميهني أتغزو بالاستفهام وهذا الأثر وصله في المغازي في غزوة الفتح بمعناه وسيأتي بيانه هناك ونبه به على مراد بن عمر بالأثر الذي رواه عنه بن سيرين وأنه لا يكره إعانة الغازي قوله وقال عمر الخ وصله بن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق سليمان الشيباني عن عمرو بن قرة قال جاءنا كتاب عمر بن الخطاب أن ناسا فذكر مثله قال أبو إسحاق فقمت إلى أسير بن عمرو فحدثته بما قال فقال صدق جاءنا كتاب عمر بذلك وأخرجه البخاري في تاريخه من هذا الوجه وهو إسناد صحيح قوله وقال طاوس ومجاهد الخ وصله بن أبي شيبة بمعناه عنهما ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث عمر في قصة الفرس الذي حمل عليه فوجده يباع الحديث وقد تقدم شرحه في الهبة ثانيها حديث بن عمر في هذه القصة نفسها وقد تقدم أيضا ثالثها حديث أبي هريرة في التحريض على الغزو وقد تقدم في أول الجهاد ووجه دخول قصة فرس عمر من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر المحمول عليه على التصرف فيه بالبيع وغيره فدل على تقوية ما ذهب إليه طاوس من أن للآخذ التصرف في المأخوذ وقال بن المنير كل من أخذ مالا من بيت المال على عمل إذا أهمل العمل يرد ما أخذ وكذا الأخذ على عمل لا يتأهل له ويحتاج إلى تأويل ما ذهب إليه عمر في الأمر المذكور بأن يحمل على الكراهة وقد قال سعيد بن المسيب من أعان بشيء في الغزو فإنه للذي يعطاه إذا بلغ رأس المغزى أخرجه بن أبي شيبة وغيره وروى مالك في الموطأ عن بن عمر إذا بلغت وادي القرى فشأنك به أي تصرف فيه وهو قول الليث والثوري ووجه دخول حديث أبي هريرة أنه متعلق بالركن الثاني من الترجمة وهو الحملان في سبيل الله لقوله أولا ولا أجد ما أحملهم عليه

قوله باب الأجير للأجير في الغزو حالان أما أن يكون استؤجر للخدمة أو استؤجر ليقاتل فالأول قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق لا يسهم له وقال الأكثر يسهم له لحديث سلمة كنت أجيرا لطلحة أسوس فرسه أخرجه مسلم وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم له وقال الثوري لا يسهم للأجير الا أن قاتل وأما الأجير إذا استؤجر ليقاتل فقال المالكية والحنفية لا يسهم له وقال الأكثر له سهمه وقال أحمد واستأجر الإمام قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة وقال الشافعي هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة قوله وقال الحسن وابن سيرين يقسم للأجير من المغنم وصله عبد الرزاق عنهما بلفظ يسهم للاجير ووصله بن أبي شيبة عنهما بلفظ العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطوا من الغنيمة قوله وأخذ عطية بن قيس فرسا على النصف الخ وهذا الصنيع جائز عند من يجيز المخابرة وقال بصحته هنا الأوزاعي وأحمد خلافا للثلاثة وقد تقدمت مباحث المخابرة في كتاب المزارعة ثم ذكر المصنف حديث صفوان بن يعلى عن أبيه وهو يعلى بن أمية قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك الحديث وسيأتي شرحه في القصاص والغرض منه

[ 3814 ] قوله فاستأجرت أجيرا قال المهلب استنبط البخاري من هذا الحديث جواز استئجار الحر في الجهاد وقد خاطب الله المؤمنين بقوله واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه الآية فدخل الأجير في هذا الخطاب قلت وقد أخرج الحديث أبو داود من وجه آخر عن يعلى بن أمية أوضح من الذي هنا ولفظه إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو وأنا شيخ ليس لي خادم فالتمست أجيرا يكفيني وأجري له سهمي فوجدت رجلا فلما دنا الرحيل أتاني فقال ما أدري ما سهمك وما يبلغ فسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن فسميت له ثلاثة دنانير الحديث وقوله في هذه الرواية فهو أوثق أعمالي في رواية السرخسي أحمالي بالمهملة وللمستملي بالجيم والذي قاتل الأجير هو يعلى بن أمية نفسه كما رواه مسلم من حديث عمران بن حصين تنبيهان الأول وقع في رواية المستملي بين أثر عطية بن قيس وحديث يعلى بن أمية باب استعارة الفرس في الغزو وهو خطأ لأنه يستلزم أن يخلو باب الأجير من حديث مرفوع ولا مناسبة بينه وبين حديث يعلى بن أمية وكأنه وجد هذه الترجمة في الطرة خالية عن حديث فظن أن هذا موضعها وأن كان كذلك فحكمها حكم الترجمة الماضية قريبا وهي باب الخروج في الفزع وحده وكأنه أراد أن يورد فيه حديث أنس في قصة فرس أبي طلحة أيضا فلم يتفق ذلك ويقوي هذا أن بن شبويه جعل هذه الترجمة مستقلة قبل باب الأجير بغير حديث وأوردها الإسماعيلي عقب باب الأجير وقال لم يذكر فيها حديثا ثانيهما وقع في رواية أبي ذر تقديم باب الجعائل وما بعده إلى هنا وأخر ذلك الباقون وقدموا عليه باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم والخطب فيه قريب

قوله باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم اللواء بكسر اللام والمد هي الراية ويسمى أيضا العلم وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه وقال أبو بكر بن العربي اللواء غير الراية فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح وقيل اللواء دون الراية وقيل اللواء العلم الضخم والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار والراية يتولاها صاحب الحرب وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم بالالوية وأورد حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض ثم ترجم للرايات وأورد حديث البراء أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء مربعة من نمرة وحديث بن عباس كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض أخرجه الترمذي وابن ماجة وأخرج الحديث أبو داود والنسائي أيضا ومثله لابن عدي من حديث أبي هريرة ولأبي يعلى من حديث بريدة وروى أبو داود من طريق سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء ويجمع بينها باختلاف الأوقات وروى أبو يعلى عن أنس رفعه أن الله أكرم أمتي بالالوية إسناده ضعيف ولأبي الشيخ من حديث بن عباس كان مكتوبا على رايته لا إله إلا الله محمد رسول الله وسنده واه وقيل كانت له راية تسمى العقاب سوداء مربعة وراية تسمى الراية البيضاء وربما جعل فيها شيء أسود وذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها

[ 2811 ] قوله عن ثعلبة بن أبي مالك تقدم ذكره في باب حمل النساء القرب في الغزو قوله أن قيس بن سعد أي بن عبادة الصحابي بن الصحابي وهو سيد الخزرج بن سيدهم وسيأتي للمصنف من حديث أنس في الأحكام أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة قوله وكان صاحب لواء النبي صلى الله عليه وسلم أي الذي يختص بالخزرج من الأنصار وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه يدفع إلى رأس كل قبيلة لواء يقاتلون تحته وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث بن عباس أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت تكون مع علي وراية الأنصار مع سعد بن عبادة الحديث قوله أراد الحج فرجل هو بتشديد الجيم وأخطأ من قالها بالمهملة واقتصر البخاري على هذا القدر من الحديث لأنه موقوف وليس من غرضه في هذا الباب وإنما أراد منه أن قيس بن سعد كان صاحب اللواء النبوي ولا يتقرر في ذلك الا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا القدر هو المرفوع من الحديث تاما وهو الذي يحتاج إليه هنا وقد أخرج الإسماعيلي الحديث تاما من طريق الليث التي أخرجها المصنف منها فقال بعد قوله فرجل أحد شقى رأسه فقام غلام له فقلد هديه فنظر قيس هديه وقد قلد فأهل بالحج ولم يرجل شق رأسه الآخر وأخرجه من طريق أخرى عن الزهري بتمامه نحوه وفي ذلك مصير من قيس بن سعد إلى أن الذي يريد الإحرام إذا قلد هديه يدخل في حكم المحرم وقرأت في كلام بعض المتأخرين أن بعض الشارحين تحير في شرح القدر الذي وقع في البخاري وتكلف له وجوها عجيبة فلينظر المراد بالشارح المذكور فإني لم أقف عليه ثم رأيت ما نقله المتأخر المذكور في كلام صاحب المطالع وأبهم الشارح الذي تحير وقال أنه حمل الكلام ما لا يحتمله وذكر الدمياطي في الحاشية أن البخاري ذكر بقية الحديث في آخر الكتاب وليس في الكتاب شيء من ذلك ثانيها حديث سلمة بن الأكوع في قصة علي يوم خيبر وسيأتي شرحه في كتاب المغازي والغرض منه

[ 2812 ] قوله لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله فإنه مشعر بأن الراية لم تكن خاصة بشخص معين بل كان يعطيها في كل غزوة لمن يريد وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله الحديث وهذا مشعر بأن الراية واللواء سواء ثالثها حديث نافع بن جبير سمعت العباس أي بن عبد المطلب يقول للزبير أي بن العوام ههنا أمرك النبي صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية وهو طرف من حديث أورده المصنف في غزوة الفتح وسيأتي شرحه مستوفى هناك وأبين هناك إن شاء الله تعالى ما في سياقه من صورة الإرسال والجواب عن ذلك وأبين تعيين المكان المشار إليه وأنه الحجون وهو بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة قال الطبري في حديث علي أن الإمام يؤمر على الجيش من يوثق بقوته وبصيرته ومعرفته وسيأتي بقية شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى وقال المهلب وفي حديث الزبير أن الراية لا تركز الا بإذن الإمام لأنها علامة على مكانه فلا يتصرف فيها الا بأمره وفي هذه الأحاديث استحباب اتخاذ الألوية في الحروب وأن اللواء يكون مع الأمير أو من يقيمه لذلك عند الحرب وقد تقدم حديث أنس أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب الحديث ويأتي تمام شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى أيضا

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر وقول الله عز وجل سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب قاله جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه الذي أوله أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي فإن فيه ونصرت بالرعب مسيرة شهر وقد تقدم شرحه في التيمم ووقع في الطبراني من حديث أبي أمامة شهرا أو شهرين وله من حديث السائب بن يزيد شهرا أمامي وشهرا خلفي وظهر لي أن الحكمة في الاقتصار على الشهر أنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار التي حوله أكثر من ذلك كالشام والعراق واليمن ومصر ليس بين المدينة النبوية للواحدة منها الا شهر فما دونه ودل حديث السائب على أن التردد في الشهر والشهرين أما أن يكون الراوي سمعه كما في حديث السائب وأما أنه لا أثر لتردده وحديث السائب لا ينافي حديث جابر وليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث أبي هريرة الذي أوله بعثت بجوامع الكلم وفيه ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب ا لتعبير إن شاء الله تعالى وجوامع الكلم القرآن فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك ومفاتيح خزائن الأرض المراد منها ما يفتح لأمته من بعده من الفتوح وقيل المعادن وقول أبي هريرة وأنتم تنتثلونها بوزن تفتعلونها من النثل بالنون والمثلثة أي تستخرجونها تقول نثلت البئر إذا استخرجت ترابها ثانيهما حديث أبي سفيان في قصة هرقل ذكر طرفا منها وقد تقدم بهذا الإسناد بطوله في بدء الوحي والغرض منه هنا

[ 2816 ] قوله أنه يخافه ملك بني الأصفر لأنه كان بين المدينة وبين المكان الذي كان قيصر ينزل فيه مدة شهر أو نحوه

قوله باب حمل الزاد في الغزو وقول الله عز وجل وتزودوا فإن خير الزاد التقوى أشار بهذه الترجمة إلى أن حمل الزاد في السفر ليس منافيا للتوكل وقد تقدم في الحج في تفسير الآية من حديث بن عباس ما يؤيد ذلك ثم ذكر فيه أربعة أحاديث أحدها حديث أسماء بنت أبي بكر في تسميتها ذات النطاقين والغرض منه قولها فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به فإنه ظاهر في حمل آلة الزاد في السفر وسيأتي الكلام على شرحه في أبواب الهجرة والنطاق بكسر النون ما تشد به المرأة وسطها ليرتفع به ثوبها من الأرض عند المهنة ثانيها حديث جابر كنا نتزود لحوم الأضاحي الحديث وسيأتي شرحه في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى ثالثها حديث سويدم بن النعمان وفيه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالأطعمة وفي رواية مالك بالازواد وقد تقدم في الطهارة مع الكلام عليه وقوله

[ 2819 ] في هذه الرواية فلكنا بضم اللام أي أدرنا اللقمة في الفم وقوله وشربنا قال الداودي لا أراه محفوظا الا أن كان أراد المضمضة كذا قال ويحتمل أن يكون بعضهم استف السويق وبعضهم جعله في الماء وشربه فلا اشكال رابعها حديث سلمة وهو بن الأكوع خفت أزواد الناس وأملقوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر ابلهم الحديث وهو ظاهر فيما ترجم به وقوله

[ 2820 ] فيه أملقوا أي فني زادهم ومعنى أملق افتقر وقد يأتي متعديا بمعنى أفنى قوله فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر ابلهم أي بسبب نحر ابلهم أو فيه حذف تقديره فاستأذنوه في نحر ابلهم قوله ناد في الناس يأتون أي فهم يأتون ولذلك رفعه وزاد في الشركة فبسط لذلك نطع وقد تقدم أن فيه أربع لغات فتح النون وكسرها وفتح الطاء وسكونها قوله وبرك بالتشديد أي دعا بالبركة وقوله عليهم في رواية الكشميهني عليه أي على الطعام ومثله في الشركة قوله فاحتثى الناس بمهملة ساكنة ثم مثناة ثم مثلثة أي أخذوا حثية حثية وقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد إلى آخر الشهادتين أشار إلى أن ظهور المعجزة مما يؤيد الرسالة وفي الحديث حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم واجابته إلى ما يلتمس منه أصحابه واجراؤهم على العادة البشرية في الاحتياج إلى الزاد في السفر ومنقبة ظاهرة لعمر دالة على قوة يقينه بإجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى حسن نظره للمسلمين على أنه ليس في اجابه النبي صلى الله عليه وسلم لهم على نحر ابلهم ما يتحتم أنهم يبقون بلا ظهر لاحتمال أن يبعث الله لهم يا يحملهم من غنيمة ونحوها لكن أجاب عمر إلى ما أشار به لتعجيل المعجزة بالبركة التي حصلت في الطعام وقد وقع لعمر شبيه بهذه القصة في الماء وذلك فيما أخرجه بن خزيمة وغيره وستأتي الإشارة إليه في علامات النبوة وقول عمر ما بقاؤكم بعد إبلكم أي لأن توالي المشي ربما أفضى إلى الهلاك وكأن عمر أخذ ذلك من النهي عن الحمر الأهلية يوم خيبر استبقاء لظهورها قال بن بطال استنبط منه بعض الفقهاء أنه يجوز للإمام في الغلاء الزام من عنده ما يفضل عن قوته أن يخرجه للبيع لما في ذلك من صلاح الناس وفي حديث سلمة جواز المشورة على الإمام بالمصلحة وأن لم يتقدم منه الاستشارة

قوله باب حمل الزاد على الرقاب أي عند تعذر حمله على الدواب ذكر فيه حديث جابر في قصة العنبر مقتصرا على بعضه والغرض منه

[ 2821 ] قوله ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر المغازي

قوله باب أرداف المرأة خلف أخيها ذكر فيه حديث عائشة في ارتدافها في العمرة خلف أخيها عبد الرحمن وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر في ذلك وقد تقدم الكلام عليهما مستوفى في كتاب الحج ويشبه أن يكون وجه دخوله هنا حديث عائشة المتقدم جهادكن الحج

قوله باب الارتداف في الغزو والحج ذكر فيه حديث أنس كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما وقد تقدم شرحه في الحج

قوله باب الردف على الحمار ذكر فيه حديث أسامة بن زيد مختصرا في ارتدافه النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبقت الإشارة إليه في الصلح ويأتي شرحه مستوفى في آخر تفسير آل عمران ويظهر وجه دخوله في أبواب الجهاد وحديث عبد الله وهو بن عمر في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة وقد تقدم في الصلاة وفي الحج والغرض منه

[ 2826 ] قوله في أوله أقبل يوم الفتح مردفا أسامة بن زيد لكنه كان يومئذ راكبا على راحلة

قوله باب من أخذ بالركاب ونحوه أي من الإعانة على الركوب وغيره

[ 2827 ] قوله حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق كذا هو غير منسوب وقد تقدم في باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق لكن سياقه مغاير لسياقه هنا وتقدم في الصلح عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق مقتصرا على بعضه وهو أشبه بسياقه هنا فليفسر به هذا المهمل هنا قوله كل سلامى بضم المهملة وتخفيف اللام أي أنملة وقيل كل عظم مجوف صغير وقيل هو في الأصل عظم يكون في فرسن البعير واحده وجمعه سواء وقيل جمعه سلاميات وقوله كل يوم عليه صدقة بنصب كل على الظرفية وقوله عليه مشكل قال بن مالك المعهود في كل إذا أضيفت إلى نكرة من خبر وتمييز وغيرهما أن تجيء على وفق المضاف كقوله تعالى كل نفس ذائقة الموت وهنا جاء على وفق كل في قوله كل سلامى عليه صدقة وكان القياس أن يقول عليها صدقة لأن السلامى مؤنثة لكن دل مجيئها في هذا الحديث على الجواز ويحتمل أن يكون ضمن السلامى معنى العظم أو المفصل فأعاد الضمير عليه كذلك والمعنى على كل مسلم مكلف بعد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى على سبيل الشكر له بان جعل عظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط وخصت بالذكر لمافي التصرف بها من دقائق الصنائع التي اختص بها الآدمي قوله يعدل فاعله الشخص المسلم المكلف وهو مبتدأ على تقدير العدل نحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وقد قال سبحانه وتعالى ومن آياته يريكم البرق قوله ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها هو موضع الترجمة فإن قوله فيحمل عليها أعم من أن يريد يحمل عليها المتاع أو الراكب وقوله أو يرفع عليها متاعه أما شك من الراوي أو تنويع وحمل الراكب أعم من أن يحمله كما هو أو يعينه في الركوب فتصح الترجمة قال بن المنير لا تؤخذ الترجمة من مجرد صيغة الفعل فإنه مطلق بل من جهة عموم المعنى وقد روى مسلم من حديث العباس في غزوة حنين قال وأنا آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث قوله ويميط الأذى عن الطريق تقدم في باب إماطة الأذى عن الطريق من هذا الوجه معلقا وحكى بن بطال عن بعض من تقدمه أن هذا من قول أبي هريرة موقوف وتعقبه بأن الفضائل لا تدرك بالقياس وإنما تؤخذ توقيفا من النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو سقط لفظ كراهية الا للمستملي فاثبتها وبثبوتها يندفع الاشكال الآتي قوله وكذلك يروى عن محمد بن بشر عن عبيد الله هو بن عمر عن نافع عن بن عمر وتابعه بن إسحاق عن نافع أما رواية محمد بن بشر فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ولفظه كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو وقال الدارقطني والبرقاني لم يروه بلفظ الكراهة الا محمد بن بشر وأما متابعة بن إسحاق فهي بالمعنى لأن أحمد أخرجه من طريقه بلفظ نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو والنهي يقتضي الكراهة لأنه لا ينفك عن كراهة التنزيه أو التحريم قوله وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن أشار البخاري بذلك إلى أن المراد بالنهي عن السفر بالقرآن السفر بالمصحف خشية أن يناله العدو لا السفر بالقرآن نفسه وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه لم يقل أحد أن من يحسن القرآن لا يغزو العدو في دارهم وهو اعتراض من لم يفهم مراد البخاري وادعى المهلب أن مراد البخاري بذلك تقوية القول بالتفرقة بين العسكر الكثير والطائفة القليلة فيجوز في تلك دون هذه والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث مالك في ذلك وهو بلفظ نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو وأورده بن ماجة من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك وزاد مخافة أن يناله العدو رواه بن وهب عن مالك فقال خشية أن يناله العدو وأخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك فقال قال مالك أراه مخافة فذكره قال أبو عمر كذا قال يحيى بن يحيى الأندلسي ويحيى بن بكير وأكثر الرواة عن مالك جعلوا التعليل من كلامه ولم يرفعوه وأشار إلى أن بن وهب تفرد برفعها وليس كذلك لما قدمته من رواية بن ماجة وهذه الزيادة رفعها بن إسحاق أيضا كما تقدم وكذلك أخرجها مسلم والنسائي وابن ماجة من طريق الليث عن نافع ومسلم من طريق أيوب بلفظ فإني لا آمن أن يناله العدو فصح أنه مرفوع وليس بمدرج ولعل مالكا كان يجزم به ثم صار يشك في رفعه فجعله من تفسير نفسه قال بن عبد البر أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه واختلفوا في الكبير المأمون عليه فمنع مالك أيضا مطلقا وفصل أبو حنيفة وأدار الشافعية الكراهة مع الخوف وجودا وعدما وقال بعضهم كالمالكية واستدل به على منع بيع المصحف من الكافر لوجود المعنى المذكور فيه وهو التمكن من الاستهانة به ولا خلاف في تحريم ذلك وإنما وقع الاختلاف هل يصح لو وقع ويؤمر بإزالة ملكه عنه أم لا واستدل به على منع تعلم الكافر القرآن فمنع مالك مطلقا وأجاز الحنفية مطلقا وعن الشافعي قولان وفصل بعض المالكية بين القليل لأجل مصلحة قيام الحجة عليهم فأجازه وبين الكثير فمنعه ويؤيده قصة هرقل حيث كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات وقد سبق في باب هل يرشد بشيء من هذا وقد نقل النووي الاتفاق على جواز الكتابة إليهم بمثل ذلك تنبيه ادعى بن بطال أن ترتيب هذا الباب وقع فيه غلط من الناسخ وأن الصواب أن يقدم حديث مالك قبل قوله وكذلك يروى عن محمد بن بشر الخ قال وإنما أحتاج إلى المتابعة لأن بعض الناس زاد في الحديث مخافة أن يناله العدو ولم تصح هذه الزيادة عند مالك ولا عند البخاري انتهى وما ادعاه من الغلط مردود فإنه استند إلى أنه لم يتقدم شيء يشار إليه بقوله كذلك وليس كما قال لأنه أشار بقوله كذلك إلى لفظ الترجمة كما بينته من رواية المستملى وأما ما ادعاه من سبب المتابعة فليس كما قال فإن لفظ الكراهية تفرد به محمد بن بشر ومتابعة بن إسحاق له إنما هي في أصل الحديث لكنه أفاد أن المراد بالقرآن المصحف لا حامل القرآن

قوله باب التكبير عند الحرب أي جوازه أو مشروعيته وذكر فيه حديث أنس في قصة خيبر وفيه

[ 2829 ] قوله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب المغازي والذي نادى بالنهي عن لحوم الحمر الأهلية هو أبو طلحة كما وقع عند مسلم وقوله تابعه علي عن سفيان يعني علي بن المديني شيخه وسيأتي في علامات النبوة

قوله باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير أورد فيه حديث أبي موسى كنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا الحديث وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى

[ 2830 ] قوله أربعوا بفتح الموحدة أي ارفقوا قال الطبري فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين انتهى وتصرف البخاري يقتضي أن ذلك خاص بالتكبير عند القتال وأما رفع الصوت في غيره فقد تقدم في كتاب الصلاة حديث بن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على العهد النبوي إذا انصرفوا من المكتوبة وتقدم البحث فيه هناك

قوله باب التسبيح إذا هبط واديا وأورد فيه حديث جابر كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا

ثم قال باب التكبير إذا علا شرفا وأورد فيه حديث جابر المذكور وفيه وإذا تصوبنا سبحنا أي انحدرنا والتصويب النزول والفدفد بفاءين مفتوحتين بينهما مهملة هي الأرض الغليظة ذات الحصى وقيل المستوية وقيل المكان المرتفع الصلب وقوله

[ 2833 ] حدثنا عبد الله حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة زعم أبو مسعود أن عبد الله هو بن صالح وتعقبه الجياني بأنه وقع في رواية بن السكن عبد الله بن يوسف وهو المعتمد وسالم المذكور في إسناده هو بن أبي الجعد وأما سالم المذكور في الذي بعده فهو بن عبد الله بن عمر وقد تقدم الحديث من طريق أخرى عن بن عمر في أواخر الحج والغرض من حديث بن عمر قوله فيه كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا قال المهلب تكبيره صلى الله عليه وسلم عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله عز وجل وعند ما يقع عليه العين من عظيم خلقه أنه أكبر من كل شيء وتسبيحه في بطون الأودية مستنبط من قصة يونس فان بتسبيحة في بطن الحوت تجاه الله من الظلمات فسبح النبي صلى الله عليه وسلم في بطون الأودية لينجيه الله منها وقيل مناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة أن التسبيح هو التنزيه فناسب تنزيه الله عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلو لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى والمستحيل كون ذلك من جهة الحس ولذلك ورد في صفته العالي والعلي والمتعالي ولم يرد ضد ذلك وأن كان قد أحاط بكل شيء علما جل وعز

قوله باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة أي إذا كان سفره في غير معصية

[ 2834 ] قوله أخبرنا العوام هو بن حوشب بمهملة ثم معجمة وزن جعفر قوله سمعت أبا بردة هو بن أبي موسى الأشعري قوله واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر أي مع يزيد ويزيد بن أبي كبشة هذا شامي واسم أبيه حيويل بفتح المهملة وسكون التحتانية وكسر الواو بعدها تحتانية أخرى ساكنة ثم لام وهو ثقة ولي خراج السند لسليمان بن عبد الملك ومات في خلافته وليس له في البخاري ذكر الا في هذا الموضع قوله فكان يزيد يصوم في السفر في رواية هشيم عن العوام بن حوشب وكان يزيد بن أبي كبشة يصوم الدهر أخرجه الإسماعيلي قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية هشيم عن العوام عند أبي داود سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول غير مرة ولا مرتين قوله إذا مرض العبد أو سافر في رواية هشيم إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عن ذلك مرض قوله كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا هو من اللف والنشر المقلوب فالاقامة في مقابل السفر والصحة في مقابل المرض وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها كما ورد ذلك صريحا عند أبي داود من طريق العوام بن حوشب بهذا الإسناد في رواية هشيم وعنده في آخره كأصلح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم ووقع أيضا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إلي أخرجه عبد الرزاق وأحمد وصححه الحاكم ولأحمد من حديث أنس رفعه إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله فإن شفاه غسله وطهره وأن قبضه غفر له ورحمه ولرواية إبراهيم السكسكي عن أبي بردة متابع أخرجه الطبراني من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده بلفظ أن الله يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه الحديث وفي حديث عائشة عند النسائي ما من امرئ تكون له صلاة من الليل يغلبه عليها نوم أو وجع الا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة قال بن بطال وهذا كله في النوافل وأما صلاة الفرائض فلا تسقط بالسفر والمرض والله أعلم وتعقبه بن المنير بأنه تحجر واسعا ولا مانع من دخول الفرائض في ذلك بمعنى أنه إذا عجز عن الإتيان بها على الهيئة الكاملة أن يكتب له أجر ما عجز عنه كصلاة المريض جالسا يكتب له أجر القائم انتهى وليس اعتراضه بجيد لأنهما لم يتواردا على محل واحد واستدل به على أن المريض والمسافر إذا تكلف العمل كان أفضل من عمله وهو صحيح مقيم وفي هذه الأحاديث تعقب على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والإثم خاصة من غير أن تكون محصلة للفضيلة بذلك جزم النووي في شرح المهذب وبالأول جزم الروياني في التلخيص ويشهد لما قال حديث أبي هريرة رفعه من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر لا ينقص ذلك من أجره شيئا أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وإسناده قوي وقال السبكي الكبير في الحلبيات من كانت عادته أن يصلي جماعة فتعذر فانفرد كتب له ثواب الجماعة ومن لم تكن له عادة لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد يكتب له ثواب قصده لا ثواب الجماعة لأنه وأن كان قصده الجماعة لكنه قصد مجرد ولو كان يتنزل منزلة من صلى جماعة كان دون من جمع والأولى سبقها فعل ويدل للأول حديث الباب وللثاني أن أجر الفعل يضاعف وأجر القصد لا يضاعف بدليل من هم بحسنة كتبت له حسنة واحدة كما سيأتي في كتاب الرقاق قال ويمكن أن يقال أن الذي صلى منفردا ولو كتب له أجر صلاة الجماعة لكونه اعتادها فيكتب له ثواب صلاة منفرد بالأصالة وثواب مجمع بالفضل انتهى ملخصا

قوله باب السير وحده ذكر فيه حديثين أحدهما عن جابر في انتداب الزبير وحده وقد تقدم في باب هل يبعث الطليعة وحده وتعقبه الإسماعيلي فقال لا أعلم هذا الحديث كيف يدخل في هذا الباب وقرره بن المنير بأنه لا يلزم من كون الزبير انتدب أن لا يكون سار معه غيره متابعا له قلت لكن قد ورد من وجه آخر ما يدل على أن الزبير توجه وحده وسيأتي في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن الزبير ما يدل على ذلك وفيه قلت يا أبت رأيتك تختلف فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتيني بخبر بني قريظة فانطلقت الحديث

[ 2835 ] قوله قال سفيان الحواري الناصر هو موصول عن الحميدي عنه ثانيهما حديث بن عمر

[ 2836 ] قوله لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده ساقه على لفظ أبي نعيم وقوله ما أعلم أي الذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك والوحدة بفتح الواو ويجوز كسرها ومنعه بعضهم تنبيهان أحدهما قال المزي في الأطراف قال البخاري حدثنا أبو الوليد عن عاصم بن محمد به وقال بعده وأبو نعيم عن عاصم ولم يقل حدثنا أبو نعيم ولا في كتاب حماد بن شاكر حدثنا أبو نعيم انتهى والذي وقع لنا في جميع الروايات عن الفربري عن البخاري حدثنا أبو نعيم وكذلك وقع في رواية النسفي عن البخاري فقال حدثنا أبو الوليد فساق الإسناد ثم قال وحدثنا أبو الوليد وأبو نعيم قالا حدثنا عاصم فذكره وبذلك جزم أبو نعيم الأصبهاني في المستخرج فقال بعد أن أخرجه من طريق عمرو بن مرزوق عن عاصم بن محمد أخرجه البخاري عن أبي نعيم وأبي الوليد فلعل لفظ حدثنا في رواية أبي نعيم سقط من رواية حماد بن شاكر وحده ثانيهما ذكر الترمذي أن عاصم بن محمد تفرد برواية هذا الحديث وفيه نظر لأن عمر بن محمد أخاه قد رواه معه عن أبيه أخرجه النسائي قال بن المنير السير لمصلحة الحرب أخص من السفر والخبر ورد في السفر فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم الا بالانفراد كارسال الجاسوس والطليعة والكراهة لما عدا ذلك ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة وقد وقع في كتب المغازي بعث كل من حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير وبسبسة في عدة مواطن وبعضها في الصحيح وتقدم في الشروط شيء من ذلك ويأتي في باب الجاسوس بعد قليل

قوله باب السرعة في السير أي في الرجوع إلى الوطن قوله وقال أبو حميد قال النبي صلى الله عليه وسلم إني متعجل الخ هو طرف من حديث سبق في الزكاة بطوله وتقدم الكلام عليه هناك ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث أسامة بن زيد في سير العنق وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج وقوله

[ 2837 ] قال سئل أسامة بن زيد كان يحيى يقول وأنا أسمع فسقط عني القائل ذلك هو محمد بن المثنى شيخ البخاري وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار والدورقي وغيرهما عن يحيى بن سعيد وقال فيه سئل أسامة وأنا شاهده ثانيها حديث بن عمر في جمعه بين الصلاتين لما بلغه وجع صفية بنت أبي عبيد وهي زوجته وقد تقدم في أواخر أبواب العمرة بهذا الإسناد مع الكلام عليه ثالثها حديث أبي هريرة السفر قطعة من العذاب وقد تقدم شرحه في أواخر أبواب العمرة وقوله

[ 2839 ] نهمته بفتح النون على المشهور أي رغبته قال المهلب تعجله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليريح نفسه ويفرح أهله وتعجله إلى المزدلفة ليعجل الوقوف بالمشعر الحرام وتعجل بن عمر إلى زوجته ليدرك من حياتها ما يمكنه أن تعهد إليه بما لا تعهد إلى غيره

قوله باب إذا حمل على فرس فرآها تباع ذكر فيه حديث بن عمر في ذلك وحديث عمر نفسه وقد تقدما قريبا وبيان مكان شرحهما وقوله

[ 2840 ] في حديث عمر ابتاعه أو أضاعه شك من الراوي ولا معنى لقوله ابتاعه لأنه لم يشتره وإنما عرضه للبيع فيحتمل أن يكون في الأصل باعه فهو بمعنى عرضه للبيع والله أعلم

قوله باب الجهاد بإذن الأبوين كذا أطلق وهو قول الثوري وقيده بالإسلام الجمهور ولم يقع في حديث الباب أنهما منعاه لكن لعله أشار إلى حديث أبي سعيد الآتي

[ 2842 ] قوله سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم في حديثه تقدم القول في ذلك في باب صوم داود من كتاب الصيام وقد خالف الأعمش شعبة فرواه بن ماجة من طريق أبي معاوية عن ألاعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو فلعل لحبيب فيه اسنادين ويؤيده أن بكر بن بكار رواه عن شعبة عن حبيب عن عبد الله بن باباه كذلك قوله جاء رجل يحتمل أن يكون هو جاهمة بن العباس بن مرداس فقد روى النسائي وأحمد من طريق معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئت لاستشيرك فقال هل لك من أم قال نعم قال الزمها الحديث ورواه البيهقي من طريق بن جريج عن محمد بن طلحة بن ركانة عن معاوية بن جاهمة السلمي عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنه في الجهاد فذكره وقد اختلف في إسناده على محمد بن طلحة اختلافا كثيرا بينته في ترجمة جاهمة من كتابي في الصحابة قوله فيهما فجاهد أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى لأن صيغة الأمر في قوله فجاهد ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما وليس ذلك مرادا قطعا وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو تعب البدن والمال ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا وفيه أن بر الوالد قد يكون أفضل من الجهاد وأن المستشار يشير بالنصيحة المحضة وأن المكلف يستفصل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه ثم لم يقنع حتى استأذن فيه فدل على ما هو أفضل منه في حقه ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك ولمسلم وسعيد بن منصور من طريق ناعم مولى أم سلمة عن عبد الله بن عمرو في نحو هذه القصة قال ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما وأصرح من ذلك حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما وصححه بن حبان قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الابوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن ويشهد له ما أخرجه بن حبان من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال الصلاة قال ثم مه قال الجهاد قال فإن لي والدين فقال آمرك بوالديك خيرا فقال والذي بعثك بالحق نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال فأنت أعلم وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين وهل يلحق الجد والجدة بالابوين في ذلك الأصح عند الشافعية نعم والأصح أيضا أن لا يفرق بين الحر والرقيق في ذلك لشمول طلب البر فلو كان الولد رقيقا فأذن له سيده لم يعتبر إذن أبويه ولهما الرجوع في الإذن الا أن حضر الصف وكذا لو شرطا أن لا يقاتل فحضر الصف فلا أثر للشرط واستدل به على تحريم السفر بغير إذن لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى نعم أن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر طريقا إليه فلا منع وأن كان فرض كفاية ففيه خلاف وفي الحديث فضل بر الولدين وتعظيم حقهما وكثرة الثواب على برهما وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى

قوله باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل أي من الكراهة وقيده بالإبل لورود الخبر فيها بخصوصها

[ 2843 ] قوله عن عبد الله بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم وعباد بن تميم هو المازني وهو وشيخه والراوي عنه أنصاريون مدنيون وعبد الله وعباد تابعيان قوله أن أبا بشير الأنصاري أخبره ليس لأبي بشير وهو بفتح الموحدة ثم معجمة في البخاري غير هذا الحديث الواحد وقد ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه وقيل اسمه قيس بن عبد الحرير بمهملات مصغر بن عمرو ذكر ذلك بن سعد وساق نسبه إلى مازن الأنصاري وفيه نظر لأنه وقع في رواية عثمان بن عمر عن مالك عند الدارقطني نسبة أبي بشير ساعديا فإن كان قيس يكنى أبا بشير أيضا فهو غير صاحب هذا الحديث وأبو بشير المازني هذا عاش إلى بعد الستين وشهد الحرة وجرح بها ومات من ذلك قوله في بعض أسفاره لم أقف على تعيينها قوله قال عبد الله حسبت أنه قال عبد الله هو بن أبي بكر الراوي وكأنه شك في هذه الجملة ولم أرها من طريقه الا هكذا قوله فأرسل قال بن عبد البر في رواية روح بن عبادة عن مالك أرسل مولاه زيدا قال بن عبد البر وهو زيد بن حارثة فيما يظهر لي قوله في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة كذا هنا بلفظ أو وهي للشك أو للتنويع ووقع في رواية أبي داود عن القعنبي بلفظ ولا قلادة وهو من عطف العام على الخاص وبهذا جزم المهلب ويؤيد الأول ما روى عن مالك أنه سئل عن القلادة فقال ما سمعت بكراهتها الا في الوتر وقوله وتر بالمثناة في جميع الروايات قال بن الجوزي ربما صحف من لا علم له بالحديث فقال وبر بالموحدة قلت حكى بن التين أن الداودي جزم بذلك وقال هو ما ينتزع عن الجمال يشبه الصوف قال بن التين فصحف قال بن الجوزي وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال أحدها أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي لئلا تصيبها العين بزعمهم فأمروا بقطعها أعلاما بأن الأوتار لا ترد من أمر الله شيئا وهذا قول مالك قلت وقع ذلك متصلا بالحديث من كلامه في الموطأ وعند مسلم وأبي داود وغيرهما قال مالك أرى أن ذلك من أجل العين ويؤيده حديث عقبة بن عامر رفعه من علق تميمة فلا أتم الله له أخرجه أبو داود أيضا والتميمة ما علق من القلائد خشية العين ونحو ذلك قال بن عبد البر إذا اعتقد الذي قلدها أنها ترد العين فقد ظن أنها ترد القدر وذلك لا يجوز اعتقاده ثانيها النهي عن ذلك لئلا تختنق الدابة بها عند شدة الركض ويحكى ذلك عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وكلام أبي عبيد يرجحه فإنه قال نهى عن ذلك لأن الدواب تتأذى بذلك ويضيق عليها نفسها ورعيها وربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير ثالثها أنهم كانوا يعقلون فيها الاجراس حكاه الخطابي وعليه يدل تبويب البخاري وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أم حبيبة أم المؤمنين مرفوعا لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس وأخرجه النسائي من حديث أم سلمة أيضا والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه فقد أخرجه الدارقطني من طريق عثمان بن عمر المذكور بلفظ لا تبقين قلادة من وتر ولا جرس في عنق بعير الا قطع قلت ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك الا على القول الثالث فلم تجر العادة بتعليق الاجراس في رقاب الخيل وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي وهب الحساني رفعه اربطوا الخيل وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار فدل على أن لا اختصاص للإبل فلعل التقييد بها في الترجمة للغالب وقد حمل النضر بن شميل الأوتار في هذا الحديث على معنى الثأر فقال معناه لا تطلبوا بها ذحول الجاهلية قال القرطبي وهو تأويل بعيد وقال للثوري ضعيف وإلى نحو قول النضر جنح وكيع فقال المعنى لا تركبوا الخيل في الفتن فإن من ركبها لم يسلم أن يتعلق به وتر يطلب به والدليل على أن المراد بالاوتار جمع الوتر بالتحريك لا الوتر بالإسكان ما رواه أبو داود أيضا من حديث رويفع بن ثابت رفعه من عقد لحيته أو تقلد وترا فإن محمدا بريء منه فإنه عند الرواة أجمع بفتح المثناة والجرس بفتح الجيم والراء ثم مهملة معروف وحكى عياض اسكان الراء والتحقيق أن الذي بالفتح اسم الآلة وبالاسكان اسم الصوت وروى مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه الجرس مزمار الشيطان وهو دال على أن الكراهية فيه لصوته لأن فيها شبها بصوت الناقوس وشكله قال النووي وغيره الجمهور على أن النهي للكراهة وأنها كراهة تنزيه وقيل للتحريم وقيل يمنع منه قبل الحاجة ويجوز إذا وقعت الحاجة وعن مالك تختص الكراهة من القلائد بالوتر ويجوز بغيرها إذا لم يقصد دفع العين هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه فأما ما فيه ذكر الله فلا نهي فيه فإنه إنما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسمائه وذكره وكذلك لا نهي عما يعلق لأجل الزينة ما لم يبلغ الخيلاء أو السرف واختلفوا في تعليق الجرس أيضا ثالثها يجوز بقدر الحاجة ومنهم من أجاز الصغير منها دون الكبير وأغرب بن حبان فزعم أن الملائكة لا تصحب الرفقة التي يكون فيها الجرس إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها

قوله باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر هل يؤذن له ذكر فيه حديث بن عباس في ذلك وفيه

[ 2844 ] قوله أذهب فاحجج مع امرأتك وقد سبق الكلام عليه في أواخر أبواب المحضر من الحج ويستفاد منه أن الحج في حق مثله أفضل من الجهاد لأنه اجتمع له مع حج التطوع في حقه تحصيل حج الفرض لامرأته وكان اجتماع ذلك له أفضل من مجرد الجهاد الذي يحصل المقصود منه بغيره وفيه مشروعية كتابة الجيش ونظر الإمام لرعيته بالمصلحة

قوله باب الجاسوس بجيم ومهملتين أي حكمه إذا كان من جهة الكفار ومشرعيته إذا كان من جهة المسلمين قوله والتجسس التبحث هو تفسير أبي عبيدة قوله وقول الله عز وجل لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية مناسبة الآية أما لما سيأتي في التفسير أن القصة المذكورة في حديث الباب كانت سبب نزولها وأما لأن ينتزع منها حكم جاسوس الكفار فإذا اطلع عليه بعض المسلمين لا يكتم أمره بل يرفعه إلى الإمام ليرى فيه رأيه وقد اختلف العلماء في جواز قتل جاسوس الكفار وسيأتي البحث فيه بعد أحد وثلاثين بابا ثم ذكر فيه حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وسيأتي الكلام على شرحه في تفسير سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى ونذكر فيه المرأة وتسمية من عرف ممن كاتبه حاطب من أهل مكة وقوله

[ 2845 ] فيه روضة خاخ بمنقوطتين من فوق والظعينة بالظاء المعجمة المرأة وقوله في آخره قال سفيان وأي إسناد هذا أي عجبا لجلالة رجاله وصريح اتصاله

قوله باب الكسوة للاسارى أي بما يواري عوراتهم إذ لا يجوز النظر إليها قوله عن عمرو هو بن دينار قوله لما كان يوم بدر أتى بأسارى من المشركين

[ 2846 ] قوله وأتى بالعباس أي بن عبد المطلب قوله يقدر عليه بضم الدال وإنما كان ذلك لأن العباس كان بين الطول وكذلك كان عبد الله بن أبي قوله فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه أي لعبد الله بن أبي عند دفنه وقد تقدم شرح ذلك في أواخر الجنائز وما يحتمل في ذلك من الادراج وقوله في آخر الحديث قال بن عيينة كانت له أي لعبد الله بن أبي وقوله يد أي نعمة وهو محصل ما سبق من قوله في الجنائز كانوا يرون الخ

قوله باب فضل من أسلم على يديه رجل ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة علي يوم خيبر والمراد منه

[ 2847 ] قوله صلى الله عليه وسلم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم وهو ظاهر فيما ترجم له وسيأتي شرح الحديث في المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب الأسارى في السلاسل ذكر فيه حديث أبي هريرة عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل وقد أخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد بلفظ يقادون إلى الجنة بالسلاسل وقد تقدم توجيه العجب في حق الله في أوائل الجهاد وأن معناه الرضا ونحو ذلك قال بن المنير أن كان المراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق فالترجمة مطابقة وأن كان المراد المجاز عن الإكراه فليست مطابقة قلت المراد بكون السلاسل في أعناقهم مقيد بحالة الدنيا فلا مانع من حمله على حقيقته والتقدير يدخلون الجنة وكانوا قبل أن يسلموا في السلاسل وسيأتي في تفسير آل عمران من وجه آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس قال خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام قال بن الجوزي معناه أنهم أسروا وقيدوا فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعا فدخلوا الجنة فكان الإكراه على الاسر والتقييد هو السبب الأول وكأنه أطلق على الإكراه التسلسل ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام السبب وقال الطيبي ويحتمل أن يكون المراد بالسلسلة الجذب الذي يجذبه الحق من خلص عباده من الضلالة إلى الهدى ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة إلى العروج للدرجات لكن الحديث في تفسير آل عمران يدل على أنه على الحقيقة ونحوه ما أخرجه من طريق أبي الطفيل رفعه رأيت ناسا من أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل كرها قلت يا رسول الله من هم قال قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام مكرهين وأما إبراهيم الحربي فمنع حمله على حقيقة التقييد وقال المعنى يقادون إلى الإسلام مكرهين فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة وليس المراد أن ثم سلسلة وقال غيره يحتمل أن يكون المراد المسلمين المأسورين عند أهل الكفر يموتون على ذلك أو يقتلون فيحشرون كذلك وعبر عن الحشر بدخول الجنة لثبوت دخولهم عقبة والله أعلم

قوله باب فضل من أسلم من أهل الكتابين ذكر فيه حديث أبي بردة وأنه سمع أباه يقول ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين الحديث وقد تقدم الكلام عليه في العتق قال المهلب جاء النص في هؤلاء الثلاثة لينبه به على سائر من أحسن في معنيين في أي فعل كان من أفعال البر وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في كتاب العلم ويأتي الكلام على ما يتعلق بمن يعتق الأمة ثم يتزوجها في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قال بن المنير مؤمن أهل الكتاب لا بد أن يكون مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم لما أخذ الله عليهم من العهد والميثاق فإذا بعث فإيمانه مستمر فكيف يتعدد ايمانه حتى يتعدد أجره ثم أجاب بأن ايمانه الأول بأن الموصوف بكذا رسول والثاني بأن محمدا هو الموصوف فظهر التغاير فثبت التعدد انتهى ويحتمل أن يكون تعدد أجره لكونه لم يعاند كما عاند غيره ممن أضله الله على علم فحصل له الأجر الثاني بمجاهدته نفسه على مخالفة أنظاره

قوله باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري أي هل يجوز ذلك أم لا ويبيتون مبني للمفعول وفهم من تقييده باصابة من ذكر قصر الخلاف عليه وجواز البيات إذا عري عن ذلك قال أحمد لا بأس بالبيات ولا أعلم أحدا كرهه قوله بياتا ليلا كذا في جميع النسخ بالموحدة ثم التحتانية الخفيفة وبعد الألف مثناة وهذه عادة المصنف إذا وقع في الخبر لفظة توافق ما وقع في القرآن أورد تفسير اللفظ الواقع في القرآن جمعا بين المصلحتين وتبركا بالأمرين ووقع عند غير أبي ذر من الزيادة هنا لنبيتنه ليلا بيت ليلا وهذا جميع ما وقع في القرآن من هذه المادة وهذه الأخيرة بيت يريد قوله بيت طائفة منهم غير الذي تقول وهي في السبعة قال أبو عبيدة كل شيء قدر بليل يبيت قال الشاعر هبت لتعذلني بليل أسمع سفها تبيتك الملامة فاهجعي وأغرب بن المنير فصحف بياتا فجعلها نياما بنون وميم من النوم فصارت هكذا فيصاب الولدان والذراري نياما ليلا ثم تعقبه فقال العجب من زيادته في الترجمة نياما وما هو في الحديث الا ضمنا الا أن الغالب أنهم إذا وقع بهم ليلا كان أكثرهم نياما لكن ما الحاجة إلى التقييد بالنوم والحكم سواء نياما كانوا أو أيقاظا الا أن يقال أن قتلهم نياما أدخل في الاغتيال من كونهم أيقاظا فنبه على جواز مثل ذلك انتهى وقد صحف ثم تكلف ومعنى البيات المراد في الحديث أن يغار على الكفار بالليل بحيث لا يميز بين أفرادهم

[ 2850 ] قوله عن عبيد الله هو بن عبد الله بن عتبة ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان عن الزهري أخبرني عبيد الله قوله فسئل لم أقف على اسم السائل ثم وجدت في صحيح بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم قال نعم فظهر أن الراوي هو السائل قوله عن أهل الدار أي المنزل هكذا في البخاري وغيره ووقع في بعض النسخ من مسلم سئل عن الذراري قال عياض الأول هو الصواب ووجه النووي الثاني وهو واضح قوله هم منهم أي في الحكم تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء الا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم قوله وسمعته يقول كذا للأكثر ولأبي ذر فسمعته بالفاء والأول أوضح وقوله لا حمى الا لله ولرسوله تقدم الكلام عليه في الشرب وقوله وعن الزهري هو موصول بالإسناد الأول وكان بن عيينة يحدث بهذا الحديث مرتين مرة مجردا هكذا ومرة يذكر فيه سماعه إياه أولا من عمرو بن دينار عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذكر سماعه إياه من الزهري وننبه على نكتة في المتن وهي أن في رواية عمرو بن دينار قال هم من آبائهم وفي رواية الزهري قال هم منهم وقد أوضح ذلك الإسماعيلي في روايته عن جعفر الفريابي عن علي بن المديني وهو شيخ البخاري فيه فذكر الحديث وقال قال علي ردده سفيان في هذا المجلس مرتين وقوله في سياق هذا الباب عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم يوهم أن رواية عمرو بن دينار عن الزهري هكذا بطريق الإرسال وبذلك جزم بعض الشراح وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق العباس بن يزيد حدثنا سفيان قال كان عمرو يحدثنا قبل أن يقدم المدينة الزهري عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس عن الصعب قال سفيان فقدم علينا الزهري فسمعته يعيده ويبديه فذكر الحديث وزاد الإسماعيلي في طريق جعفر الفريابي عن علي عن سفيان وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني بن كعب بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى بن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان انتهى وهذا الحديث أخرجه أبو داود بمعناه من وجه آخر عن الزهري وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب وقال مالك والأوزاعي لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم وقد أخرج بن حبان في حديث الصعب زيادة في آخره ثم نهى عنهم يوم حنين وهي مدرجة في حديث الصعب وذلك بين في سنن أبي داود فإنه قال في آخره قال سفيان قال الزهري ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان ويؤيد كون النهي في غزوة حنين ما سيأتي في حديث رياح بن الربيع الآتي فقال لأحدهم الحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا والعسيف بمهملتين وفاء الأجير وزنا ومعنى وخالد أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح وفي ذلك العام كانت غزوة حنين وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث بن عمر قال لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة أتى بامرأة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل ونهى فذكر الحديث وأخرج أبو داود في المراسيل عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال ألم أنه عن قتل النساء من صاحبها فقال رجل أنا يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني فقتلتها فأمر بها أن توارى ويحتمل في هذه التعدد والذي جنح إليه غيرهم الجمع بين الحديثين كما تقدمت الإشارة إليه وهو قول الشافعي والكوفيين وقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها وقال بن حبيب من المالكية لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت الا أن باشرت القتل وقصدت إليه قال وكذلك الصبي المراهق ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث رياح بن الربيع وهو بكسر الراء والتحتانية التميمي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى امرأة مقتولة فقال ما كانت هذه لتقاتل فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت واتفق الجميع كما نقل بن بطال وغيره على منع القصد إلى قتل النساء والولدان أما النساء فلضعفهن وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر ولما في استبقائهم جميعا من الاتنفاع بهم أما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به وحكى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي وهو غريب وسيأتي الكلام على قتل المرأة المرتدة في كتاب القصاص وفي الحديث دليل على جواز العمل بالعام حتى يرد الخاص لأن الصحابة تمسكوا بالعمومات الدالة على قتل أهل الشرك ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان فخص ذلك العموم ويحتمل أن يستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة ويستنبط منه الرد على من يتخلى عن النساء وغيرهن من أصناف الأموال زهدا لأنهم وأن كان قد يحصل منهم الضرر في الدين لكن يتوقف تجنبهم على حصول ذلك الضرر فمتى حصل اجتنبت وإلا فليتناول من ذلك بقدر الحاجة

قوله باب قتل الصبيان في الحرب أورد فيه حديث بن عمر من طريق ليث وهو بن سعد بلفظ فأنكر

قوله باب لا يعذب بعذاب الله هكذا بت الحكم في هذه المسألة لوضوح دليلها عنده ومحله إذا لم يتعين التحريق طريقا إلى الغلبة على الكفار حال الحرب

[ 2853 ] قوله عن بكير بموحدة وكاف مصغر ولأحمد عن هشام بن القاسم عن الليث حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج فأفاد نسبته وتصريحه بالتحديث قوله عن أبي هريرة كذا في جميع الطرق عن الليث ليس بين سليمان بن يسار وأبي هريرة فيه أحد وكذلك أخرجه النسائي من طريق عمرو بن الحارث وغيره عن بكير ومضى قبل أبواب معلقا وخالفهم محمد بن إسحاق فرواه في السيرة عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير فأدخل بين سليمان وأبي هريرة رجلا وهو أبو إسحاق الدوسي وأخرجه الدارمي وابن السكن وابن حبان في صحيحه من طريق بن إسحاق وأشار الترمذي إلى هذه الرواية ونقل عن البخاري أن رواية الليث أصح وسليمان قد صح سماعه من أبي هريرة يعني وهو غير مدلس فتكون رواية بن إسحاق من المزيد في متصل الأسانيد قوله بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال أن وجدتم فلانا وفلانا زاد الترمذي عن قتيبة بهذا الإسناد رجلين من قريش وفي رواية بن إسحاق بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أنا فيها قلت وكان أمير السرية المذكورة حمزة بن عمرو الأسلمي أخرجه أبو داود من طريقه بإسناد صحيح لكن قال في روايته أن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار هكذا بالافراد وكذلك رويناه في فوائد علي بن حرب عن بن عيينة عن بن أبي نجيح مرسلا وسماه هبار بن الأسود ووقع في رواية بن إسحاق أن وجدتم هبار بن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى زينب ما سبق فحرقوهما بالنار يعني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها أبو العاص بن الربيع لما أسره الصحابة ثم أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة شرط عليه أن يجهز له ابنته زينب فجهزها فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك والقصة مشهورة عند بن إسحاق وغيره وقال في روايته وكانا نخسا بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجت من مكة وقد أخرجه سعيد بن منصور عن بن عيينة عن بن أبي نجيح أن هبار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وهي في خدرها فاسقطت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقال أن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار ثم قال إني لأستحي من الله لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله الحديث فكأن افراد هبار بالذكر لكونه كان الأصل في ذلك والآخر كان تبعا له وسمي بن السكن في روايته من طريق بن إسحاق الرجل الآخر نافع بن عبد قيس وبه جزم بن هشام في زوائد السيرة عليه وحكى السهيلي عن مسند البزار أنه خالد بن عبد قيس فلعله تصحف عليه وإنما هو نافع كذلك هو في النسخ المعتمدة من مسند البزار وكذلك أورده بن بشكوال من مسند البزار وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من طريق بن لهيعة كذلك قلت وقد أسلم هبار هذا ففي رواية بن أبي نجيح المذكورة فلم تصبه السرية وأصابه الإسلام فهاجر فذكر قصة إسلامه وله حديث عند الطبراني وآخر عند بن منده وذكر البخاري في تاريخه لسليمان بن يسار عنه رواية في قصة جرت له مع عمر في الحج وعاش هبار هذا إلى خلافة معاوية وهو بفتح الهاء وتشديد الموحدة ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة فلعله مات قبل أن يسلم قوله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج في رواية بن إسحاق حتى إذا كان من الغد وفي رواية عمرو بن الحارث فأتيناه نودعه حين أردنا الخروج وفي رواية بن لهيعة فلما ودعنا وفي رواية حمزة الأسلمي فوليت فناداني فرجعت قوله وإن النار لا يعذب بها الا الله هو خبر بمعنى النهي ووقع في رواية بن لهيعة وأنه لا ينبغي وفي رواية بن إسحاق ثم رأيت أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار الا الله وروى أبو داود من حديث بن مسعود رفعه أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار الا رب النار وفي الحديث قصة واختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصا وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما وسيأتي ما يتعلق بالقصاص قريبا وقال المهلب ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمى وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها قاله الثوري والأوزاعي وقال بن المنير وغيره لا حجة فيما ذكر للجواز لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورةالى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو ومنهم من قيده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان بوحي إليه أو باجتهاد منه وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه وقد اختلف في مذهب مالك في أصل المسألة وفي التدخين وفي القصاص بالنار وفي الحديث جواز الحكم بالشيء اجتهادا ثم الرجوع عنه واستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الالباس والاستنابة في الحدود ونحوها وأن طول الزمان لا يرفع العقوبة عمن يستحقها وفيه كراهة قتل مثل البرغوث بالنار وفيه نسخ السنة بالسنة وهو اتفاق وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده وتوديع أصحابه له أيضا وفيه جواز نسخ الحكم قبل العمل به أو قبل التمكن من العمل به وهو اتفاق الا عن بعض المعتزلة فيما حكاه أبو بكر بن العربي وهذه المسألة غير المسألة المشهورة في الأصول في وجوب العمل بالناسخ قبل العلم به وقد تقدم شيء من ذلك في أوائل الصلاة في الكلام على حديث الإسراء وقد أنفقوا على أنهم أن تمكنوا من العلم به ثبت حكمة في حقهم اتفاقا فإن لم يتمكنوا فالجمهور أنه لا يثبت وقيل يثبت في الذمة كما لو كان نائما ولكنه معذور

[ 2854 ] قوله عن أيوب صرح الحميدي عن سفيان بتحديث أيوب له به قوله أن عليا حرق قوما في رواية الحميدي المذكورة أن عليا أحرق المرتدين يعني الزنادقة وفي رواية بن أبي عمر ومحمد بن عباد عند الإسماعيلي جميعا عن سفيان قال رأيت عمرو بن دينار وأيوب وعمارا الدهني اجتمعوا فتذاكروا الذين حرقهم علي فقال أيوب فذكر الحديث فقال عمار لم يحرقهم ولكن حفر لهم حفائر وخرق بعضها إلى بعض ثم دخن عليهم فقال عمرو بن دينار قال الشاعر لترم بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين إذا ما أججوا حطبا ونارا هناك الموت نقدا غير دين انتهى وكأن عمرو بن دينار أراد بذلك الرد على عمار الدهني في إنكاره أصل التحريق ثم وجدت في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص حدثنا لوين حدثنا سفيان بن عيينة فذكره عن أيوب وحده ثم أورده عن عمار وحده قال بن عيينة فذكرته لعمرو بن دينار فأنكره وقال فأين قوله أوقدت ناري ودعوت قنبرا فظهر بهذا صحة ما كنت ظننته وسيأتي للمصنف في استتابة المرتدين في آخر الحدود من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال أتى على بزنادقة فأحرقهم ولأحمد من هذا الوجه أن عليا أتى بقوم من هؤلاء الزنادقة ومعهم كتب فأمر بنار فأججت ثم أحرقهم وكتبهم وروى بن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال كان ناس يعبدون الأصنام في السر ويأخذون العطاء فأتى بهم على فوضعهم في السجن واستشار الناس فقالوا اقتلهم فقال لا بل أصنع بهم كما صنع بأبينا إبراهيم فحرقهم بالنار قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله هذا أصرح في النهي من الذي قبله وزاد أحمد وأبو داود والنسائي من وجه آخر عن أيوب في آخره فبلغ ذلك عليا فقال ويح بن عباس وسيأتي الكلام على قوله من بدل دينه فاقتلوه في استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى

قوله باب فإما منا بعد وأما فداء فيه حديث ثمامة كأنه يشير إلى حديث أبي هريرة في قصة إسلام ثمامة بن آثال وستأتي موصولة مطولة في أواخر كتاب المغازي والمقصود منها هنا قوله فيه أن تقتل تقتل ذا دم وأن تنعم تنعم على شاكر وأن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك ولم ينكر عليه التقسيم ثم من عليه بعد ذلك فكان في ذلك تقوية لقول الجمهور أن الأمر في أسرى الكفرة من الرجال إلى الإمام يفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين وقال الزهري ومجاهد وطائفة لا يجوز أخذ الفداء من أسارى الكفار أصلا وعن الحسن وعطاء لا تقتل الأسارى بل يتخير بين المن والفداء وعن مالك لا يجوز المن بغير فداء وعن الحنفية لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره فيرد الأسير حربيا قال الطحاوي وظاهر الآية حجة للجمهور وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة لكن في قصة ثمامة ذكر القتل وقال أبو بكر الرازي احتج أصحابنا لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى لولا كتاب من الله سبق الآية ولا حجة لهم لأن ذلك كان قبل حل الغنيمة فإن فعله بعد إباحة الغنيمة فلا كراهة انتهى وهذا هو الصواب فقد حكى بن القيم في الهدى اختلافا أي الامرين أرجح ما أشار به أبو بكر من أخذ الفداء أو ما أشار به عمر من القتل فرجحت طائفة رأى عمر لظاهر الآية ولما في القصة من حديث عمر من قول النبي صلى الله عليه وسلم أبكي لما عرض على أصحابك من العذاب لاخذهم الفداء ورجحت طائفة رأي أبي بكر لأنه الذي استقر عليه الحال حينئذ ولموافقة رأيه الكتاب الذي سبق ولموافقة حديث سبقت رحمتي غضبي ولحصول الخير العظيم بعد من دخول كثير منهم في الإسلام والصحبة ومن ولد لهم من كان ومن تجدد إلى غير ذلك مما يعرف بالتأمل وحملوا التهديد بالعذاب على من أختار الفداء فيحصل عرض الدنيا مجردا وعفا الله عنهم ذلك وحديث عمر المشار إليه في هذه القصة أخرجه أحمد مطولا وأصله في صحيح مسلم بالسند المذكور قوله وقوله عز وجل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض يعني يغلب في الأرض تريدون عرض الدنيا الآية كذا وقع في رواية أبي ذر وكريمة وسقط للباقين وتفسير يثخن بمعنى يغلب قاله أبو عبيدة وزاد ويبالغ وعن مجاهد الاثخان القتل وقيل المبالغة فيه وقيل معناه حتى يتمكن في الأرض وأصل الاثخان في اللغة الشدة والقوة وأشار المصنف بهذه الآية إلى قول مجاهد وغيره ممن منع أخذ الفداء من أسارى الكفار وحجتهم منها أنه تعالى أنكر إطلاق أسرى كفار بدر على مال فدل على عدم جواز ذلك بعد واحتجوا بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال فلا يستثنى من ذلك الا من يجوز أخذ الجزية منه وقال الضحاك بل قوله تعالى فاما منا بعد وأما فداء ناسخ لقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال أبو عبيد لا نسخ في شيء من هذه الآيات بل هي محكمة وذلك أنه صلى الله عليه وسلم عمل بما دلت عليه كلها في جميع أحكامه فقتل بعض الكفار يوم بدر وفدى بعضا ومن على بعض وكذا قتل بني قريظة ومن على بني المصطلق وقتل بن خطل وغيره بمكة ومن على سائرهم وسبى هوازن ومن عليهم ومن على ثمامة بن أثال فدل كل ذلك على ترجيح قول الجمهور أن ذلك راجع إلى رأي الإمام ومحصل أحوالهم تخيير الإمام بعد الأسر بين ضرب الجزية لمن شرع أخذها منه أو القتل أو الاسترقاق أو المن بلا عوض أو بعوض هذا في الرجال وأما النساء والصبيان فيرقون بنفس الاسر ويجوز المفاداة بالأسيرة الكافرة بأسير مسلم أو مسلمة عند الكفار ولو أسلم الأسير زال القتل اتفاقا وهل يصير رقيقا أو تبقى بقية الخصال قولان للعلماء

قوله باب هل للاسير أن يقتل أو يخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة فيه المسور عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بذلك إلى قصة أبي بصير وقد تقدم بسطها في أواخر الشروط وهي ظاهرة فيما ترجم له وهي من مسائل الخلاف أيضا ولهذا لم يبت الحكم فيها قال الجمهور أن ائتمنوه يف لهم بالعهد حتى قال مالك لا يجوز أن يهرب منهم وخالفه أشهب فقال لو خرج به الكافر ليفادي به فله أن يقتله وقال أبو حنيفة والطبري إعطاؤه العهد على ذلك باطل ويجوز له أن لا يفي لهم به وقال الشافعية يجوز أن يهرب من أيديهم ولا يجوز أن يأخذ من أموالهم قالوا وأن لم يكن بينهم عهد جاز له أن يتخلص منهم بكل طريق ولو بالقتل وأخذ المال وتحريق الدار وغير ذلك وليس في قصة أبي بصير تصريح بأنه كان بينه وبين من تسلمه ليرده إلى المشركين عهد ولهذا تعرض للقتل فقتل أحد الرجلين وانفلت الآخر ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم مستوفى

قوله باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق أي جزاء بفعله هذه الترجمة تليق أن تذكر قبل بابين فلعل تأخيرها من تصرف النقلة ويؤيد ذلك أنهما سقطا جميعا للنسفي وثبت عنده ترجمة إذا حرق المشرك تلو ترجمة لا يعذب بعذاب الله وكأنه أشار بذلك إلى تخصيص النهي قي قوله لا يعذب بعذاب الله بما إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك وقد أورد المصنف في الباب حديث أنس في قصة العرنيين وليس فيه التصريح بأنهم فعلوا ذلك بالرعاء لكنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه وذلك فيما أخرجه مسلم من وجه آخر عن أنس قال إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء قال بن بطال ولو لم يرد ذلك لكان أخذ ذلك من قصة العرنيين بطريق الأولى لأنه إذا جاز سمل أعينهم وهو تعذيب بالنار ولو لم يفعلوا ذلك بالمسلمين فجوازه أن فعلوه أولى وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الطهارة في باب أبوال الإبل وهو في أواخر أبواب الوضوء قبيل كتاب الغسل وقوله

[ 2855 ] حدثنا معلى بضم الميم وهو بن أسد وثبت كذلك في رواية الأصيلي وآخرين وقوله فيه أبغنا رسلا أي أعنا على طلبه والرسل بكسر الراء الدر من اللبن والذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة الثلاث من الإبل إلى العشرة والصريخ صوت المستغيث وترجل بالجيم أي ارتفع

قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب قبله والمناسبة بينهما أن لا يتجاوز بالتحريق حيث يجوز إلى من لم يستوجب ذلك فإنه أورد حديث أبي هريرة في تحريق قرية النمل وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه أن الله أوحى إليه فهلا نملة واحدة فإن فيه إشارة إلى أنه لو حرق التي قرصته وحدها لما عوتب ولا يخفى أن صحة الاستدلال بذلك متوقفة على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في بدء الخلق إن شاء الله تعالى

قوله باب حرق الدور والنخيل أي التي للمشركين كذا وقع في جميع النسخ حرق وضبطوه بفتح أوله واسكان الراء وفيه نظر لأنه لا يقال في المصدر حرق وإنما يقال تحريق واحراق لأنه رباعي فلعله كان حرق بتشديد الراء بلفظ الفعل الماضي وهو المطابق للفظ الحديث والفاعل محذوف تقديره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله أو بإذنه وقد ترجم في التي قبلها باب إذا حرق وعلى هذا فقوله الدور منصوب بالمفعولية والنخيل كذلك نسقا عليه ثم ذكر فيه حديثين ظاهرين فيما ترجم له أحدهما عن جرير في قصة ذي الخلصة بفتح المعجمة واللام والمهملة وحكى تسكين اللام وسيأتي شرحه في أواخر المغازي وقوله

[ 2857 ] فيه كعبة اليمانية أي كعبة الجهة اليمانية على رأي البصريين ثانيهما حديث بن عمر حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير أورده مختصرا هكذا وسيأتي بتمامه في المغازي مع شرحه إن شاء الله تعالى وقد ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف وهو نحو ما أجاب به في النهي عن قتل النساء والصبيان وبهذا قال أكثر أهل العلم ونحو ذلك القتل بالتغريق وقال غيره إنما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد ستفتح فأراد ابقاءها على المسلمين والله أعلم

قوله باب قتل المشرك النائم ذكر فيه قصة قتل أبي رافع اليهودي من حديث البراء بن عازب أورده من وجهين مطولا ومختصرا وسيأتي شرحها في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وهي ظاهرة فيما ترجم له لأن الصحابي طلب قتل أبي رافع وهو نائم وإنما ناداه ليتحقق أنه هو لئلا يقتل غيره ممن لا غرض له إذ ذاك في قتله وبعد أن أجابه كان في حكم النائم لأنه حينئذ استمر على خيال نومه بدليل أنه بعد أن ضربه لم يفر من مكانه ولا تحول من مضجعه حتى عاد إليه فقتله وفيه جواز التجسيس على المشركين وطلب غرتهم وجواز اغتيال ذوي الأذية البالغة منهم وكان أبو رافع يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤلب عليه الناس ويؤخذ منه جواز قتل المشرك بغير دعوة أن كان قد بلغته الدعوة قبل ذلك وأما قتله إذا كان نائما فمحله أن يعلم أنه مستمر على كفره وأنه قد يئس من فلاحه وطريق العلم بذلك أما بالوحي وأما بالقرائن الدالة على ذلك

قوله باب لا تمنوا لقاء العدو ذكر فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى في ذلك وقد تقدم مقطعا في أبواب منها الجنة تحت البارقة واقتصر على

[ 2861 ] قوله واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ومنها الصبر عند القتال والقتصر على قوله وإذا لقيتموهم فاصبروا ومنه الدعاء على المشركين بالهزيمة واقتصر على الفصل المتعلق بالحديث منه وقد تقدم الكلام فيه على شيء في إسناده في أول ترجمة وأورده بتمامه في القتال بعد الزوال وتقدم الكلام فيما يتعلق بذلك فيه قوله لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا قال بن بطال حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر وهو نظير سؤال الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا قال بن بطال حمة النهى أن أبتلى فأصبر وقال غيره إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم وقيل يحمل النهي على ما إذا وقع الشك في المصلحة أو حصول الضرر وإلا فالقتال فضيلة وطاعة ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله وسلوا الله العافية وأخرج سعيد بن منصور من طريق يحيى بن أبي كثير مرسلا لا تمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون عسى أن تبتلوا بهم وقال بن دقيق العيد لما كان لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس وكانت الأمور الغائبة ليست كالامور المحققة لم يؤمن أن يكون عند الوقوع كما ينبغي فيكره التمني لذلك ولما فيه لو وقع من احتمال أن يخالف الإنسان ما وعد من نفسه ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة انتهى واستدل بهذا الحديث على منع طلب المبارزة وهو رأي الحسن البصري وكان علي يقول لا تدع إلى المبارزة فإذا دعيت فأجب تنصر لأن الداعي باغ وقد تقدم قول على في ذلك قوله ثم قال اللهم منزل الكتاب الخ أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم فبالكتاب إلى قوله تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وبمجرى السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله تعالى وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم وبانزال المطر إلى غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم وبعدمه إلى هزيمتهم حيث لا يحصل الظفر بشيء منهم وكلها أحوال صالحة للمسلمين وأشار بهازم الأحزاب إلى التوسل بالنعمة السابقة وإلى تجريد التوكل واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعل وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث فإن بانزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية وهي الإسلام وباجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين وكأنه قال اللهم كما أنعمت بعظيم النعمتين الاخروية والدنيوية وحفظتهما فأبقهما وروى الإسماعيلي في هذا الحديث من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم دعا أيضا فقال اللهم أنت ربنا وربهم ونحن عبيدك وهم عبيدك نواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم ولسعيد بن منصور من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا نحوه لكن بصيغة الأمر عطفا على قوله وسلوا الله العافية فإن بليتم بهم فقولوا اللهم فذكره وزاد وغضوا أبصاركم واحملوا عليهم على بركة الله

[ 2862 ] قوله وقال موسى بن عقبة الخ هو معطوف على الإسناد الماضي وكأنه يشير إلى أنه عنده بالإسناد الواحد على وجهين مطولا ومختصرا وهذا ما في رواية أبي ذر واقتصر غيره لهذا المتن المختصر على الإسناد المذكور ولم يسوقوه مطولا والله أعلم

[ 2863 ] قوله وقال أبو عامر هو العقدي وقال الكرماني لعله عبد الله بن براد الأشعري كذا قال ولم يصب فإنه ما لا بن براد رواية عن المغيرة وقد وصله مسلم والنسائي والإسماعيلي وغيرهم من طرق عن أبي عامر العقدي عن مغيرة به وفي الحديث استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار ووصية المقاتلين بما فيه صلاح أمرهم وتعليمهم بما يحتاجون إليه وسؤال الله تعالى بصفاته الحسنى وبنعمه السالفة ومراعاة نشاط النفوس لفعل الطاعة والحث على سلوك الأدب وغير ذلك

قوله باب الحرب خدعة أورده من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مطولا ومختصرا ومن حديث جابر مختصرا وفي أول المطول ذكر كسرى وقيصر وسيأتي الكلام على هذا في علامات النبوة وقوله خدعة بفتح المعجمة وبضمها مع سكون المهملة فيهما وبضم أوله وفتح ثانيه قال النووي اتفقوا على أن الأولى ألأفصح حتى قال ثعلب بلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز والثانية ضبطت كذلك في رواية الأصيلي قال أبو بكر بن طلحة أراد ثعلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل هذه البنية كثيرا لوجازة لفظها ولكونها تعطي معنى البنيتين الأخيرتين قال ويعطى معناها أيضا الأمر باستعمال الحيلة مهما أمكن ولو مرة وإلا فقاتل قال فكانت مع اختصارها كثيرة المعنى ومعنى خدعة بالإسكان أنها تخدع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر أو أنها وصف المفعول كما يقال هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه وقال الخطابي معناه أنها مرة واحدة أي إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرته وقيل الحكمة في الإتيان بالتاء للدلالة على الوحدة فإن الخداع أن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة وأن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنهم من المفسدة ولو قل وفي اللغة الثالثة صيغة المبالغة كهمزة ولمزة وحكى المنذري لغة رابعة بالفتح فيهما قال وهو جمع خادع أي أن أهلها بهذه الصفة وكأنه قال أهل الحرب خدعة قلت وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة خامسة كسر أوله مع الاسكان قرأت ذلك بخط مغلطاي وأصل الخدع إظهار أمر واضمار خلافه وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار وأن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه قال النووي واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن الا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز قال بن العربي الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث وهو كقوله الحج عرفة قال بن المنير معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر تكميل ذكر الواقدي أن أول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة في غزوة الخندق

قوله باب الكذب في الحرب ذكر فيه حديث جابر في قصة قتل كعب بن الأشرف وسيأتي مطولا مع شرحه في كتاب المغازي قال بن المنير الترجمة غير مطابقة لأن الذي وقع منهم في قتل كعب بن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا لأن قولهم عنانا أي كلفنا بالأوامر والنواهي وقولهم سألنا الصدقة أي طلبها منا ليضعها مواضعها وقولهم فنكره أن ندعه الخ معناه نكره فراقه ولا شك أنهم كانوا يحبون الكون معه أبدا انتهى والذي يظهر أنه لم يقع منهم فيما قالوه بشيء من الكذب أصلا وجميع ما صدر منهم تلويح كما سبق لكن ترجم بذلك لقول محمد بن مسلمة للنبي صلى الله عليه وسلم أولا ائذن لي أن أقول قال قل فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحا وتلويحا وهذه الزيادة وأن لم تذكر في سياق حديث الباب فهي ثابتة فيه كما في الباب الذي بعده على أنه لو لم يرد ذلك لما كانت الترجمة منافرة للحديث لأن معناها حينئذ باب الكذب في الحرب هل يسوغ مطلقا أو يجوز منه الإيماء دون التصريح وقد جاء من ذلك صريحا ما أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا لا يحل الكذب الا في ثلاث تحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب وفي الإصلاح بين الناس وقد تقدم في كتاب الصلح ما في حديث أم كلثوم بنت عقبة لهذا المعنى من ذلك ونقل الخلاف في جواز الكذب مطلقا أو تقييده بالتلويح قال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى وقال بن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى ويقويه ما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم في استئذانه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وأذن له النبي صلى الله عليه وسلم واخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين وغير ذلك مما هو مشهور فيه ولا يعارض ذلك ما أخرجه النسائي من طريق مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح وقول الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم لما كف عن بيعته هلا أومأت إلينا بعينك قال ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين لأن طريق الجمع بينهما أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصة وأما حال المبايعة فليست بحال حرب كذا قال وفيه نظر لأن قصة الحجاج بن علاط أيضا لم تكن في حال حرب والجواب المستقيم أن تقول المنع مطلقا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وأن كان مباحا لغيره ولا يعارض ذلك ما تقدم من أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها فإن المراد أنه كان يريد أمرا فلا يظهره كأن يريد أن يغزو وجهة الشرق فيسأل عن أمر في جهة الغرب ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أنه يريد جهة الغرب وأما أن يصرح بإرادته الغرب وإنما مراده الشرق فلا والله أعلم وقال بن بطال سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث فقال الكذب المباح في الحرب ما يكون من المعاريض لا التصريح بالتأمين مثلا قال وقال المهلب موضع الشاهد للترجمة من حديث الباب قول محمد بن مسلمة قد عنانا فإنه سألنا الصدقة لأن هذا الكلام يحتمل أن يفهم أن أتباعهم له إنما هو للدنيا فيكون كذبا محضا ويحتمل أن يريد أنه أتعبنا بما يقع لنا من محاربة العرب فهو من معاريض الكلام وليس فيه شيء من الكذب الحقيقي الذي هو الأخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ثم قال ولا يجوز الكذب الحقيقي في شيء من الدين أصلا قال ومحال أن يأمر بالكذب من يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار انتهى وقد تقدم جواب ذلك بما يغني عن اعادته

قوله باب الفتك بأهل الحرب أي جواز قتل الحربي سرا وبين هذه الترجمة وبين الترجمة الماضية وهي قتل المشرك النائم عموم وخصوص وجهي وذكر هنا طرفا من حديث جابر في قصة قتل كعب بن الأشرف وقد تقدم التنبيه عليه في الباب الذي قبله وإنما فتكوا به لأنه نقض العهد وأعان على حرب النبي صلى الله عليه وسلم وهجاه ولم يقع لأحد ممن توجه إليه تأمين له بالتصريح وإنما أوهموه ذلك وآنسوه حتى تمكنوا من قتله

قوله باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من يخشى معرته بفتح الميم والمهملة وتشديد الراء أي شره وفساده

[ 2869 ] قوله وقال الليث إلى آخره وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح كلاهما عن الليث وقد علق المصنف طرفا منه في أواخر الجنائز كما مضى وسيأتي شرحه قريبا بعد ستة عشر بابا

قوله باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق الرجز بفتح الراء والجيم والزاي من بحور الشعر على الصحيح وجرت عادة العرب باستعماله في الحرب ليزيد في النشاط ويبعث الهمم وفيه جواز تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بشعر غيره وسيأتي بسط ذلك في أوائل المغازي إن شاء الله تعالى وفيه جواز رفع الصوت في عمل الطاعة لينشط نفسه وغيره قوله فيه سهل وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه يزيد عن سلمة أما حديث سهل وهو بن سعد فوصله في غزوة الخندق وفيه اللهم لا عيش الا عيش الآخرة وسيأتي وأما حديث أنس فقد تقدم موصولا في باب حفر الخندق في أوائل الجهاد وفيه مثل ذلك أيضا بزيادة وأما حديث يزيد وهو بن أبي عبيد عن سلمة وهو بن الأكوع فسيأتي في غزوة خيبر وفيه اللهم لولا أنت ما اهتدينا وقصة عامر بن الأكوع وسيأتي أيضا بعد أربعة أبواب ارتجاز سلمة أيضا بقوله واليوم يوم الرضع وقوله

[ 2870 ] هنا في حديث البراء أن العدا قد بغوا علينا يأتي الكلام عليه في كتاب التمني عقب كتاب الأحكام وكأن المصنف أشار في الترجمة بقوله ورفع الصوت في حفر الخندق إلى أن كراهة رفع الصوت في الحرب مختصة بحالة القتال وذلك فيما أخرجه أبو داود من طريق قيس بن عباد قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال

قوله باب من لا يثبت على الخيل أي ينبغي لأهل الخير أن يدعوا له بالثبات وفيه إشارة إلى فضيلة ركوب الخيل والثبات عليها ذكر فيه حديث جرير ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت وسيأتي الكلام عليه في المناقب وقوله

[ 2871 ] الا تبسم في وجهه فيه التفات من التكلم إلى الغيبة ووقع في رواية السرخسي والكشميهني على الأصل بلفظ في وجهي وقوله ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل هو موضع الترجمة وقد تقدم في باب حرق الدور والنخيل ويأتي شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى وقوله هاديا مهديا زعم بن بطال أن فيه تقديما وتأخيرا قال لأنه لا يكون هاديا لغيره الا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا انتهى وليست هنا صيغة ترتيب

قوله باب دواء الجرح باحراق الحصير وغسل المرأة عن أبيها الدم عن وجهه وحمل الماء في الترس اشتمل هذا الباب على ثلاثة أحكام وحديث الباب ظاهر فيها وقد أفرد الثاني منها في كتاب الطهارة وأورد فيه هذا الحديث بعينه وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب أي من المقاتلة في أحوال الحرب قوله وعقوبة من عصى امامه أي بالهزيمة وحرمان الغنيمة قوله وقال الله عز وجل ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم يعني الحرب كذا لأبي ذر وقوله يعني الحرب للكشميهني وحده ووقع في رواية الأصيلي في هذا الموضع قال قتادة الريح الحرب وهذا قد وصله عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة بهذا نحوه وهو تفسير مجازي فالمراد بالريح القوة في الحرب والفشل بفتح الفاء والمعجمة الجبن يقال فشل إذا هاب أن يقدم جبنا وذكر في الباب حديثين أحدهما حديث أبي موسى وفيه ولا تختلفا وسيأتي شرحه في مكانه من أواخر المغازي ثانيهما حديث البراء في قصة غزاة أحد والغرض منه أن الهزيمة وقعت بسبب مخالفة الرماة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تبرحوا من مكانكم وسيأتي شرحه أيضا مستوفى في الكلام على غزوة أحد إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا فزعوا بالليل أي ينبغي لأمير العسكر أن يكشف الخبر بنفسه أو بمن يندبه لذلك ذكر فيه حديث أنس في فرس أبي طلحة وقد تقدم شرحه في أواخر الهبة وتقدم في كتاب الجهاد مرارا

قوله باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس ذكر فيه حديث سلمة بن الأكوع في قصة غطفان وفزارة وسيأتي شرحه في غزوة ذي قرد من كتاب المغازي وقوله

[ 2876 ] يا صباحاه هو منادى مستغاث والالف للاستغاثة والهاء للسكت وكأنه نادى الناس استغاثة بهم في وقت الصباح وقال بن المنير الهاء للندبة وربما سقطت في الوصل وقد ثبتت في الرواية فيوقف عليها بالسكون وكانت عادتهم يغيرون في وقت الصباح فكأنه قال تأهبوا لما دهمكم صباحا وقوله الرضع بتشديد المعجمة بصيغة الجمع والمراد بهم اللئام أي اليوم يوم هلاك اللئام وقوله فأسجح بخمزة قطع أي أحسن أو أرفق وقوله يقرون بضم أوله والتخفيف من القرى والراء مفتوحة ومضمومة وقيل معنى الضم يجمعون الماء واللبن وقيل يغزون بغين معجمة وزاي وهو تصحيف قال بن المنير موضع هذه الترجمة أن هذه الدعوة ليست من دعوى الجاهلية المنهي عنها لأنها استغاثة على الكفار

قوله باب من قال خذها وأنا بن فلان هي كلمة تقال عند التمدح قال بن المنير موقعها من الأحكام أنها خارجة عن الافتخار المنهي عنه لاقتضاء الحال ذلك قلت وهو قريب من جواز الاختيال بالخاء المعجمة في الحرب دون غيرها قوله وقال سلمة خذها وأنا بن الأكوع هذا طرف من حديثه المذكور في الباب الذي قبله لكنه بمعناه وقد أخرجه مسلم بلفظه من طريق أخرى عن سلمة بن الأكوع وقال فيه فخرجت في آثار القوم وألحق رجلا منهم فاصكه سهما في رجله حتى خلص نصل السهم من كتفه قال قلت خذها وأنا بن الأكوع واليوم يوم الرضع الحديث ثم ذكر المصنف حديث البراء بن عازب في ثبات النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وقوله

[ 2877 ] أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب وسيأتي شرحه في غزوة حنين إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا نزل العدو على حكم رجل أي فأجازه الإمام نفذ ذكر فيه حديث أبي سعيد في نزول بني قريظة على حكم سعد بن معاذ وسيأتي شرحه في غزوة بني قريظة إن شاء الله تعالى قال بن المنير يستفاد من الحديث لزوم حكم المحكم برضا الخصمين

قوله باب قتل الأسير وقتل الصبر في رواية الكشميهني قتل الأسير صبرا وهي أخصر أورد فيه حديث أنس في قتل بن خطل وقد تقدم شرحه في أواخر الحج وقد تقدم أن الإمام يتخير متبعا ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين بين قتل الأسير أو المن عليه بفداء أو بغير فداء أو استرقاقه

قوله باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأسر أي هل يسلم نفسه للأسر أم لا ومن صلى ركعتين عند القتل ذكر فيه حديث أبي هريرة في بعث عاصم بن ثابت ومن معه مع بني لحيان وقصة قتل خبيب بن عدي وسيأتي شرحها مستوفى في المغازي وفيها ما ترجم له من الأمور الثلاثة وقوله

[ 2880 ] فيه فأخبرني عبيد الله بن عياض القائل فأخبرني هو بن شهاب كما سيأتي إيضاحه هناك

قوله باب فكاك الأسير أي من أيدي العدو بمال أو بغيره والفكاك بفتح الفاء ويجوز كسرها التخليص وأورد فيه حديثين أحدهما حديث أبي موسى فكوا العاني أي الأسير كذا وقع في تفسير العاني في الحديث وهو بالمهملة والنون وزن القاضي والتفسير من قبل جرير أو قتيبة وإلا فقد أخرج المصنف في الطب من طريق أبي عوانة عن منصور فلم يذكره وأخرجه في الأطعمة من طريق الثوري عن منصور وقال في آخره قال سفيان العاني الأسير قال بن بطال فكاك الأسير واجب على الكفاية وبه قال الجمهور وقال إسحاق بن راهويه من بيت المال وروى عن مالك أيضا وقال أحمد يفادى بالرءوس وأما بالمال فلا أعرفه ولو كان عند المسلمين أسارى وعند المشركين أسارى واتفقوا على المفاداة تعينت ولم تجز مفاداة أسارى المشركين بالمال ثانيهما حديث أبي جحيفة قلت لعلي هل عندكم شيء من الوحي الحديث وقد مضى شرحه في كتاب العلم وسيأتي الكلام على بقية ما فيه في الديات إن شاء الله تعالى

قوله باب فداء المشركين أي بمال يؤخذ منهم تقدم في الباب الذي قبله القول في شيء من ذلك وأورد فيه ثلاثة أحاديث أولها حديث أنس في استئذان الأنصار أن يتركوا للعباس فداءه وقد تقدم إيراده في كتاب العتق ثانيها حديثه قال أتى بمال من البحرين فقال العباس أعطني فإني فاديت نفسي وعقيلا وأورده معلقا مختصرا وقد تقدم بأتم منه في المساجد وبيان من وصله وقوله

[ 2884 ] فاديت نفسي وعقيلا يريد بن أبي طالب ويقال أنه أسر معهما أيضا الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأن العباس افتداه أيضا وقد ذكر بن إسحاق كيفية ذلك واستدل به بن بطال على جواز إعطاء بعض الأصناف من الزكاة ولا دلالة فيه لأن المال لم يكن من الزكاة وعلى تقدير كونه منها فالعباس ليس من أهل الزكاة فإن قيل إنما أعطاه من سهم الغارمين كما أشار إليه الكرماني فقد تعقب ولكن الحق أن المال المذكور كان من الخراج أو الجزية وهما من مال المصالح وسيأتي بيان ذلك في كتاب الجزية ثالثها حديث جبير بن مطعم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ذكره لقوله فيه وكان جاء في أسارى بدر أي في طلب فداء أسارى بدر وقد تقدم شرح المتن في القراءة في الصلاة ويأتي الكلام على ما تضمنته هذه الأحاديث الثلاثة في غزوة بدر من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان هل يجوز قتله وهي من مسائل الخلاف قال مالك يتخير فيه الإمام وحكمه حكم أهل الحرب وقال الأوزاعي والشافعي أن ادعى أنه رسول قبل منه وقال أبو حنيفة وأحمد لا يقبل ذلك منه وهو فيء للمسلمين

[ 2886 ] قوله أبو العميس بالمهملتين مصغر قوله عن إياس بكسر الهمزة وتخفيف التحتانية وفي رواية الطحاوي من طريق أخرى عن أبي نعيم عن أبي العميس حدثنا إياس قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين لم أقف على اسمه ووقع في رواية عكرمة بن عمار عن إياس عند مسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن وسمي الجاسوس عينا لأن جل عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا قوله فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل في رواية النسائي من طريق جعفر بن عون عن أبي العميس فلما طعم انسل وفي رواية عكرمة عند مسلم فقيد الجمل ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة في الظهر إذ خرج يشتد قوله اطلبوه واقتلوه زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى الحماني عن أبي العميس أدركوه فإنه عين زاد أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي نعيم فيه فسبقتهم إليه فقتلته قوله فقتلته فنفله سلبه كذا فيه وفيه التفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة وكان السياق يقتضي أن يقول فنفلني وهي رواية أبي داود وزاد هو ومسلم من طريق عكرمة بن عمار المذكور فاتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء فخرجت أعدو حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبته بالأرض اخترطت سيفي فأضرب رأسه فبدر فجئت براحلته وما عليها أقودها فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من قتل الرجل قالوا بن الأكوع قال له سلبه أجمع وترجم عليه النسائي قتل عيون المشركين وقد ظهر من رواية عكرمة الباعث على قتله وأنه اطلع على عورة المسلمين وبادر ليعلم أصحابه فيغتنمون غرتهم وكان في قتله مصلحة للمسلمين قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا وفيه حجة لمن قال أن السلب كله للقاتل وأجاب من قال لا يستحق ذلك الا بقول الإمام أنه ليس في الحديث ما يدل على أحد الأمرين بل هو محتمل لهما لكن أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن ربيعة عن أبي العميس بلفظ قام رجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عين للمشركين فقال من قتله فله سلبه قال فأدركته فقتلته فنفلني سلبه فهذا يؤيد الاحتمال الثاني بل قال القرطبي لو قال القاتل يستحق السلب بمجرد القتل لم يكن لقول النبي صلى الله عليه وسلم له سلبه أجمع مزيد فائدة وتعقب باحتمال أن يكون هذا الحكم إنما ثبت من حينئذ وقد استدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لأن قوله تعالى واعلموا إنما غنمتم من شيء عام في كال غنيمة فبين صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بزمن طويل أن السلب للقاتل سواء قيدنا ذلك بقول الإمام أم لا وأما قول مالك لم يبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك الا يوم حنين فإن أراد أن ابتداء هذا الحكم كان يوم حنين فهو مردود لكن على غير مالك ممن منعه فإن مالكا إنما نفى البلاغ وقد ثبت في سنن أبي داود عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد في غزوة مؤتة ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل وكانت مؤتة قبل حنين بالاتفاق وقال القرطبي فيه أن للإمام أن ينفل جميع ما أخذته السرية من الغنيمة لمن يراه منهم وهذا يتوقف على أنه لم يكن هناك غنيمة الا ذلك السلب قلت وما أبداه احتمالا هو الواقع فقد وقع في رواية عكرمة بن عمار أن ذلك كان في غزوة هوازن وقد اشتهر ما وقع فيها بعد ذلك من الغنائم قال بن المنير ترجم بالحربي إذا دخل بغير أمان وأورد الحديث المتعلق بعين المشركين وهو جاسوسهم وحكم الجاسوس مخالف لحكم الحربي المطلق الداخل بغير أمان فالدعوى أعم من الدليل وأجيب بأن الجاسوس المذكور أوهم أنه ممن له أمان فلما قضى حاجته من التجسيس انطلق مسرعا ففطن له فظهر أنه حربي دخل بغير أمان وقد تقدم بيان الاختلاف فيه

قوله باب يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون أي ولو نقضوا العهد أورد فيه طرفا من قصة قتل عمر بن الخطاب وهو

[ 2887 ] قوله وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله الحديث وسيأتي مبسوطا في المناقب وقد تعقبه بن التين بأنه ليس في الحديث ما يدل على ما ترجم به من عدم الاسترقاق وأجاب بن المنير بأنه أخذ من قوله وأوصيه بذمة الله فإن مقتضى الوصية بالاشفاق أن لا يدخلوا في الاسترقاق والذي قال إنهم يسترقون إذا نقضوا العهد بن القاسم وخالفه أشهب والجمهور ومحل ذلك إذا سبى الحربي الذمي ثم أسر المسلمون الذمي وأغرب بن قدامة فحكى الإجماع وكأنه لم يطلع على خلاف بن القاسم وكأن البخاري اطلع عليه فلذلك ترجم به

قوله باب جوائز الوفد باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم كذا في جميع النسخ من طريق الفربري الا أن في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري تأخير ترجمة جوائز الوفد عن الترجمة هل يستشفع وكذا هو عند الإسماعيلي وبه يرتفع الاشكال فإن حديث بن عباس مطابق لترجمة جوائز الوفد لقوله فيه واجيزوا الوفد بخلاف الترجمة الأخرى وكأنه ترجم بها وأخلى بياضا ليورد فيها حديثا يناسبها فلم يتفق ذلك ووقع للنسفي حذف ترجمة جوائز الوفد أصلا واقتصر على ترجمة هل يستشفع وأورد فيها حديث بن عباس المذكور وعكسه رواية محمد بن حمزة عن الفربري وفي مناسبته لها غموض ولعله من جهة أن الإخراج يقتضي رفع الاستشفاع والحض على إجازة الوفد يقتضي حسن المعاملة أو لعل إلى في الترجمة بمعنى اللام أي هل يستشفع لهم عند الإمام وهل يعاملون ودلالة أخرجوهم من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد لذلك ظاهرة والله أعلم وسيأتي شرح حديث بن عباس المذكور في الوفاة من آخر المغازي وقوله

[ 2888 ] حدثنا قبيصة حدثنا بن عيينة كذا لأكثر الرواة عن الفربري وكذا في رواية النسفي ولم يقع في الكتاب لقبيصة رواية عن سفيان بن عيينة الا هذه وروايته فيه عن سفيان الثوري كثيرة جدا وحكى الجياني عن رواية بن السكن عن الفربري في هذا قتيبة بدل قبيصة وروايته عن قتيبة لهذا الحديث بعينه ستأتي في أواخر المغازي وقتيبة مشهور بالرواية عن بن عيينة دون قبيصة والحديث حديث بن عيينة لا الثوري قوله وقال يعقوب بن محمد أي بن عيسى الزهري وأثره هذا وصله إسماعيل القاضي في كتاب أحكام القرآن عن أحمد بن المعدل عن يعقوب وأخرجه يعقوب بن شبة عن أحمد بن المعدل عن يعقوب بن محمد عن مالك بن أنس مثله وقال الزبير بن بكار في أخبار المدينة أخبرت عن مالك عن بن شهاب قال جزيرة العرب المدينة قال الزبير قال غيره جزيرة العرب ما بين العذيب إلى حضرموت قال الزبير وهذا أشبه وحضرموت آخر اليمن وقال الخليل بن أحمد سميت جزيرة العرب لأن بحر فارس وبحر الحبشة والفرات ودجلة أحاطت بها وهي أرض العرب ومعدنها وقال الأصمعي هي ما لم يبلغه ملك فارس من أقصى عدن إلى أطراف الشام وقال أبو عبيد من أقصى عدن إلى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها من الساحل إلى أطراف الشام عرضا قوله قال يعقوب والعرج أول تهامة العرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم موضع بين مكة والمدينة وهو غير العرج بفتح الراء الذي من الطائف وقال الأصمعي جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها إلى أطراف الشام عرضا وسميت جزيرة العرب لاحاطة البحار بها يعني بحر الهند وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الحبشة وأضيفت إلى العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم لكن الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من شبه جزيرة العرب هذا مذهب الجمهور وعن الحنفية يجوز مطلقا الا المسجد وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة وقال الشافعي لا يدخلون الحرم أصلا الا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين خاصة

قوله باب التجمل للوفد ذكر فيه حديث بن عمر في حلة عطارد وسيأتي شرحه في اللباس قال بن المنير موضع الترجمة أنه ما أنكر عليه طلبه للتجمل للوفود ولما ذكر وإنما أنكر التجمل بهذا الصنف المنهي عنه

قوله باب كيف يعرض الإسلام على الصبي ذكر فيه حديث بن عمر في قصة بن صياد وقد تقدم توجيه هذه الترجمة في باب هل يعرض الإسلام على الصبي في كتاب الجنائز ووجه مشروعية عرض الإسلام على الصبي في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد أتشهد أني رسول الله وكان إذ ذاك لم يحتلم فإنه يدل على المدعى ويدل على صحة إسلام الصبي وأنه لو أقر لقبل لأنه فائدة العرض

[ 2890 ] قوله أن عمر انطلق الخ هذا الحديث فيه ثلاث قصص أوردها المصنف تامة في الجنائز من طريق يونس وهنا من طريق معمر وفي الأدب من طريق شعيب واقتصر في الشهادات على الثانية وذكرها أيضا فيما مضى من الجهاد من وجه آخر واقتصر في الفتن على الثالثة وقد مضى شرح أكثر مفرداته في الجنائز وقوله قبل بن صياد بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جهته وقوله وقد قارب بن صياد يومئذ يحتلم في رواية يونس وشعيب وقد قارب بن صياد الحلم ولم يقع ذلك في رواية الإسماعيلي فاعترض به فقال لا يلزم من كونه غلاما أن يكون لم يحتلم قوله أشهد إنك رسول الأميين فيه اشعار بأن اليهود الذين كان بن صياد منهم كانوا معترفين ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن يدعون أنها مخصوصة بالعرب وفساد حجتهم واضح جدا لأنهم إذا أقروا بأنه رسول الله استحال أن يكذب على الله فإذا ادعى أنه رسوله إلى العرب وإلى غيرها تعين صدقه فوجب تصديقه قوله فقال بن صياد أتشهد أني رسول الله في حديث أبي سعيد عند الترمذي فقال أتشهد أنت أني رسول الله قوله قال له النبي صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسله وللمستملي ورسوله بالافراد وفي حديث أبي سعيد آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قال الزين بن المنير إنما عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام على بن صياد بناء على أنه ليس الدجال المحذر منه قلت ولا يتعين ذلك بل الذي يظهر أن أمره كان محتملا فأراد اختباره بذلك فإن أجاب غلب ترجيح أنه ليس هو وأن لم يجب تمادى الاحتمال أو أراد باستنطاقه إظهار كذبه المنافي لدعوى النبوة ولما كان ذلك هو المراد أجابه بجواب منصف فقال آمنت بالله ورسله وقال القرطبي كان بن صياد على طريقة الكهنة يخبر بالخبر فيصح تارة ويفسد أخرى فشاع ذلك ولم ينزل في شأنه وحي فأراد النبي صلى الله عليه وسلم سلوك طريقة يختبر حاله بها أي فهو السبب في انطلاق النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقد روى أحمد من حديث جابر قال ولدت امرأة من اليهود غلاما ممسوحة عينه والأخرى طالعة ناتئة فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هو الدجال وللترمذي عن أبي بكرة مرفوعا يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عاما لا يولد لهما ثم يولد لهما غلام أضر شيء وأقله منفعة قال ونعتهما فقال أما أبوه فطويل ضرب اللحم كأن أنفه منقار وأما أمه ففرضاخة أي بفاء مفتوحة وراء ساكنة وبمعجمتين والمعنى أنها ضخمة طويلة اليدين قال فسمعنا بمولود بتلك الصفة فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه يعني بن صياد فإذا هما بتلك الصفة ولأحمد والبزار من حديث أبي ذر قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه فقال سلها كم حملت به فقالت حملت به اثني عشر شهرا فلما وقع صاح صياح الصبي بن شهر انتهى فكأن ذلك هو الأصل في إرادة استكشاف أمره قوله ماذا ترى قال بن صياد يأتيني صادق وكاذب في حديث جابر عند الترمذي ونحوه لمسلم فقال أرى حقا وباطلا وأرى عرشا على الماء وفي حديث أبي سعيد عنده أرى صادقين وكاذبا ولأحمد أرى عرشا على البحر حوله الحيتان قوله قال لبس بضم اللام وتحفيف الموحدة المكسورة بعدها مهملة أي خلط وفي حديث أبي الطفيل عند أحمد فقال تعوذوا بالله من شر هذا قوله إني قد خبأت لك خبئا بكسر المعجمة وبفتحها وسكون الموحدة بعدها همز وبفتح المعجمة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم همز أي أخفيت لك شيئا قوله هو الدخ بضم المهملة بعدها معجمة وحكى صاحب المحكم الفتح ووقع عند الحاكم الزخ بفتح الزاي بدل الدال وفسره بالجماع واتفق الأئمة على تغليطه في ذلك ويرده ما وقع في حديث أبي ذر المذكور فأراد أن يقول الدخان فلم يستطع فقال الدخ وللبزار والطبراني في الأوسط من حديث زيد بن حارثة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم خبأ له سورة الدخان وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها فإن عند أحمد عن عبد الرزاق في حديث الباب وخبأت له يوم تأتي السماء بدخان مبين وأما جواب بن صياد بالدخ فقيل أنه اندهش فلم يقع من لفظ الدخان الا على بعضه وحكى الخطابي أن الآية حينئذ كانت مكتوبة في يد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يهتد بن صياد منها الا لهذا القدر الناقص على طريقة الكهنة ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم لن تعدو قدرك أي قدر مثلك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء شياطينهم ما يحفظونه مختلطا صدقه بكذبه وحكى أبو موسى المديني أن السر في امتحان النبي صلى الله عليه وسلم له بهذه الآية الإشارة إلى أن عيسى بن مريم يقتل الدجال بحبل الدخان فأراد التعريض لابن صياد بذلك واستبعد الخطابي ما تقدم وصوب أنه خبأ له الدخ وهو نبت يكون بين البساتين وسبب استبعاده له أن الدخان لا يخبأ في اليد ولا الكم ثم قال الا أن يكون خبأ له اسم الدخان في ضميره وعلى هذا فيقال كيف اطلع بن صياد أو شيطانه على ما في الضمير ويمكن أن يجاب باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تحدث مع نفسه أو أصحابه بذلك قبل أن يختبره فاسترق الشيطان ذلك أو بعضه قوله اخسأ سيأتي الكلام عليها في كتاب الأدب في باب مفرد قوله فلن تعدو قدرك أي لن تجاوز ما قدر الله فيك أو مقدار أمثالك من الكهان قال العلماء استكشف النبي صلى الله عليه وسلم أمره ليبين لأصحابه تمويهه لئلا يلتبس حاله على ضعيف لم يتمكن في الإسلام ومحصل ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له على طريق الفرض والتنزل أن كنت صادقا في دعواك الرسالة ولم يختلط عليك الأمر آمنت بك وأن كنت كاذبا وخلط عليك الأمر فلا وقد ظهر كذبك والتباس الأمر عليك فلا تعدو قدرك قوله أن يكن هو كذا للأكثر وللكشميهني أن يكن على وصل الضمير واختار بن مالك جوازه ثم الضمير لغير مذكور لفظا وقد وقع في حديث بن مسعود عند أحمد أن يكون هو الذي تخاف فلن تستطيعه وفي مرسل عروة عند الحارث بن أبي أسامة أن يكن هو الدجال قوله فلن تسلط عليه في حديث جابر فلست بصاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم قوله وأن لم يكن هو فلا خير لك في قتله قال الخطابي وإنما لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله مع ادعائه النبوة بحضرته لأنه كان غير بالغ ولأنه كان من جملة أهل العهد قلت الثاني هو المتعين وقد جاء مصرحا به في حديث جابر عند أحمد وفي مرسل عروة فلا يحل لك قتله ثم أن في السؤال عندي نظرا لأنه لم يصرح بدعوى النبوة وإنما أوهم أنه يدعي الرسالة ولا يلزم من دعوى الرسالة دعوى النبوة قال الله تعالى إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين الآية

[ 2891 ] قوله قال بن عمر انطلق النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبي بن كعب هذه هي القصة الثانية من هذا الحديث وهو موصول بالإسناد الأول وقد أفردها أحمد عن عبد الرزاق بإسناد حديث الباب ووقع في حديث جابر ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر ونفر من المهاجرين والأنصار وأنا معهم ولأحمد من حديث أبي الطفيل أنه حضر ذلك أيضا وقد تقدم في الجنائز شرح ما في هذا الفصل من المفردات وبيان اختلاف الرواة وقوله طفق أي جعل ويتقي أي يستتر ويختل أي يسمع في خفية ووقع في حديث جابر رجاء أن يسمع من كلامه شيئا ليعلم أصادق هو أم كاذب قوله أي صاف بمهملة وفاء وزن باغ زاد في رواية يونس هذا محمد وفي حديث جابر فقالت يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء وكأن الراوي عبر باسمه الذي تسمى به في الإسلام وأما اسمه الأول فهو صاف قوله لو تركته بين أي أظهر لنا من حاله ما نطلع به على حقيقته والضمير لأم بن صياد أي لو لم تعلمه بمجيئنا لتمادى على ما كان فيه فسمعنا ما يستكشف به أمره وغفل بعض الشراح فجعل الضمير للزمزمة أي لو لم يتكلم بها لفهمنا كلامه لكن عدم فهمنا لما يقول كونه يهمهم كذا قال والأول هو المعتمد

[ 2892 ] قوله وقال سالم قال بن عمر هذه هي القصة الثالثة وهي موصولة بالإسناد المذكور وقد أفردها أحمد أيضا وسيأتي الكلام عليها في الفتن وفي قصة بن صياد اهتمام الإمام بالأمور التي يخشى منها الفساد والتنقيب عليها وإظهار كذب المدعى الباطل وامتحانه بما يكشف حاله والتجسس على أهل الريب وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيما لم يوح إليه فيه وقد اختلف العلماء في أمر بن صياد اختلافا كثيرا سأستوفيه إن شاء الله تعالى في الكلام على حديث جابر أنه كأنه يحلف أن بن صياد هو الدجال حيث ذكره المصنف في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وفيه الرد على من يدعي الرجعة إلى الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر أن يكن هو الذي تخاف منه فلن تستطيعه لأنه لو جاز أن الميت يرجع إلى الدنيا لما كان بين قتل عمر له حينئذ وكون عيسى بن مريم هو الذي يقتله بعد ذلك منافاة والله أعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود أسلموا تسلموا قاله المقبري عن أبي هريرة هو طرف من حديث سيأتي موصولا مع الكلام عليه في الجزية

قوله باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم أشار بذلك إلى الرد على من قال من الحنفية أن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله الا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئا للمسلمين وقد خالفهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور ويوافق الترجمة حديث أخرجه أحمد عن صخر بن العيلة البجلي قال فر قوم من بني سليم عن أرضهم فأخذتها فأسلموا وخاصموني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها عليهم وقال إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وما له

[ 2893 ] قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وقوله حدثنا عبد الله هو بن المبارك وهذه رواية أبي ذر وحده وللباقين عبد الرزاق بدل عبد الله وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم قوله قلت يا رسول الله أين تنزل غدا الحديث ذكره مختصرا وقد تقدم في باب توريث دور مكة وشرائها من كتاب الحج بتمامه وتقدم شرحه هناك وفيه ما ترجم له هنا لكنه مبني على أن مكة فتحت عنوة والمشهور عند الشافعية أنها فتحت صلحا وسيأتي تحرير مباحث ذلك في غزوة الفتح من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى ويمكن أن يقال لما أقر النبي صلى الله عليه وسلم عقيلا على تصرفه فيما كان لاخويه على وجعفر وللنبي صلى الله عليه وسلم من الدور والرباع بالبيع وغيره ولم يغير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا انتزعها ممن هي في يده لما ظفر كان في ذلك دلالة على تقرير من بيده دار أو أرض إذا أسلم وهي في يده بطريق الأولى وقال القرطبي يحتمل أن يكون مراد البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم من على أهل مكة بأموالهم ودورهم من قبل أن يسلموا فتقرير من أسلم يكون بطريق الأولى قوله وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤووهم هكذا وقع هذا القدر معطوفا على حديث أسامة وذكر الخطيب أن هذا مدرج في رواية الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة وإنما هو عند الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وذلك أن بن وهب رواه عن يونس عن الزهري ففصل بين الحديثين وروى محمد بن أبي حفصة عن الزهري الحديث الأول فقط وروى شعيب والنعمان بن راشد وإبراهيم بن سعد والأوزاعي عن الزهري الحديث الثاني فقط لكن عن أبي سلمة عن أبي هريرة قلت أحاديث الجميع عند البخاري وطريق بن وهب عنده لحديث أسامة في الحج ولحديث أبي هريرة في التوحيد وأخرجهما مسلم معا في الحج وقد قدمت في الكلام على حديث أسامة في الحج ما وقع فيه من ادراج أيضا والله المستعان

[ 2894 ] قوله أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هنيا بالنون مصغر بغير همز وقد يهمز وهذا المولى لم أر من ذكره في الصحابة مع ادراكه وقد وجدت له رواية عن أبي بكر وعمر وعمرو بن العاص روى عنه ابنه عمير وشيخ من الأنصار وغيرهما وشهد صفين مع معاوية ثم تحول إلى علي لما قتل عمار ثم وجدت في كتاب مكة لعمر بن شبة أن آل هني ينتسبون في همدان وهم موالي آل عمر انتهى ولولا أنه كان من الفضلاء النبهاء الموثوق بهم لما استعمله عمر قوله على الحمى بين بن سعد من طريق عمير بن هنى عن أبيه أنه كان على حمى الربذة وقد تقدم بعض ذلك في كتاب الشرب قوله اضمم جناحك عن المسلمين أي اكفف يدك عن ظلمهم وفي رواية معن بن عيسى عن مالك عند الدارقطني في الغرائب اضمم جناحك للناس وعلى هذا فمعناه استرهم بجناحك وهو كناية عن الرحمة والشفقة قوله واتق دعوة المسلمين في رواية الإسماعيلي والدارقطني وأبي نعيم دعوة المظلوم قوله وأدخل بهمزة مفتوحة ومعجمة مكسورة والصريمة بالمهملة مصغر وكذا الغنيمة أي صاحب القطعة القليلة من الإبل والغنم ومتعلق الادخال محذوف والمراد المرعى قوله وإياي فيه تحذير المتكلم نفسه وهو شاذ عند النحاة كذا قيل والذي يظهر أن الشذوذ في لفظه وإلا فالمراد في التحقيق إنما هو تحذير المخاطب وكأنه بتحذير نفسه حذره بطريق الأولى فيكون أبلغ ونحوه نهي المرء نفسه ومراده نهى من يخاطبه كما سيأتي قريبا في باب الغلول وقوله فيه بن عوف هو عبد الرحمن وابن عفان هو عثمان وخصهما بالذكر على طريق المثال لكثرة نعمهما لأنهما كانا من مياسير الصحابة ولم يرد بذلك منعهما البتة وإنما أراد أنه إذا لم يسع المرعى الا نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى فنهاه عن ايثارهما على غيرهما أو تقديمهما قبل غيرهما وقد بين حكمة ذلك في نفس الخبر قوله ببيته كذا للأكثر بمثناة قبلها تحتانية ساكنة بلفظ مفرد البيت وللكشميهني بنون قبل التحتانية بلفظ جمع البنين والمعنى متقارب قوله يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين حذف المقول لدلالة السياق عليه ولأنه لا يتعين في لفظ والتقدير يا أمير المؤمنين أنا فقير يا أمير المؤمنين أنا أحق ونحو ذلك قوله أفتاركهم أنا استفهام إنكار ومعناه لا أتركهم محتاجين وقوله لا أبا لك بفتح الهمزة والموحدة وظاهره الدعاء عليه لكنه على مجازه لا على حقيقته وهو بغير تنوين لأنه صار شبيها بالمضاف وإلا فالاصل لا أبا لك والحاصل أنهم لو منعوا من الماء والكلأ لهلكت مواشيهم فاحتاج إلى تعويضهم بصرف الذهب والفضة لهم لسد خلتهم وربما عارض ذلك الاحتياج إلى النقد في صرفه في مهم آخر قوله إنهم ليرون بضم التحتانية أوله بمعنى الظن وبفتحها بمعنى الاعتقاد وقوله أني قد ظلمتهم قال بن التين يريد أرباب المواشي الكثيرة كذا قال والذي يظهر لي أنه أراد أرباب المواشي القليلة لأنهم المعظم والأكثر وهم أهل تلك البلاد من بوادي المدينة ويدل على ذلك قول عمر أنها لبلادهم وإنما ساغ لعمر ذلك لأنه كان مواتا فحماه لنعم الصدقة لمصلحة عموم المسلمين وقد أخرج بن سعد في الطبقات عن معن بن عيسى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن عمر أتاه رجل من أهل البادية فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام ثم تحمى علينا فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه وأخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق بن وهب عن مالك بنحوه وزاد فلما رأى الرجل ذلك ألح عليه فلما أكثر عليه قال المال مال الله والعباد عباد الله ما أنا بفاعل وقال بن المنير لم يدخل بن عفان ولا بن عوف في قوله قاتلوا عليها في الجاهلية فالكلام عائد على عموم أهل المدينة لا عليهما والله أعلم وقال المهلب إنما قال عمر ذلك لأن أهل المدينة أسلموا عفوا وكانت أموالهم لهم ولهذا ساوم بني النجار بمكان مسجده قال فاتفق العلماء على أن من أسلم من أهل الصلح فهو أحق بأرضه ومن أسلم من أهل العنوة فأرضه فيء للمسلمين لأن أهل العنوة غلبوا على بلادهم كما غلبوا على أموالهم بخلاف أهل الصلح في ذلك وفي نقل الاتفاق نظر لما بينا أول الباب وهو ومن بعده حملوا الأرض على أرض أهل المدينة التي أسلم أهلها عليها وهي في ملكهم وليس المراد ذلك هنا وإنما حمى عمر بعض الموات مما فيه نبات من غير معالجة أحد وخص إبل الصدقة وخيول المجاهدين وأذن لمن كان مقلا أن يرعى فيه مواشيه رفقا به فلا حجة فيه للمخالف وأما قوله يرون أني ظلمتهم فأشار به إلى أنهم يدعون أنهم أولى به لا أنهم منعوا حقهم الواجب لهم قوله لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله أي من الإبل التي كان يحمل عليها من لا يجد ما يركب وجاء عن مالك أن عدة ما كان في الحمى في عهد عمر بلغ أربعين ألفا من إبل وخيل وغيرها وفي الحديث ما كان فيه عمر من القوة وجودة النظر والشفقة على المسلمين وهذا الحديث ليس في الموطأ قال الدارقطني في غرائب مالك هو حديث غريب صحيح

قوله باب كتابة الإمام الناس أي من المقاتلة أو غيرهم والمراد ما هو أعم من كتابته بنفسه أو بأمره قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري

[ 2895 ] قوله اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام في رواية أبي معاوية عن الأعمش عند مسلم احصوا بدل اكتبوا وهي أعم من اكتبوا وقد يفسر احصوا باكتبوا قوله فقلنا نخاف هو استفهام تعجب وحذفت منه أداة الاستفهام وهي مقدرة وزاد أبو معاوية في روايته فقال إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا وكأن ذلك وقع عند ترقب ما يخاف منه ولعله كان عند خروجهم إلى أحد أو غيرها ثم رأيت في شرح بن التين الجزم بأن ذلك كان عند حفر الخندق وحكى الداودي احتمال أن ذلك وقع لما كانوا بالحديبية لأنه قد اختلف في عددهم هل كانوا ألفا وخمسمائة أو ألفا وأربعمائة أو غير ذلك مما سيأتي في مكانه وأما قول حذيفة فلقد رأيتنا ابتلينا الخ فيشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها وكان بعض الورعين يصلي وحده سرا ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة وقيل كان ذلك حين أتم عثمان الصلاة في السفر وكان بعضهم يقصر سرا وحده خشية الإنكار عليه ووهم من قال أن ذلك كان أيام قتل عثمان لأن حذيفة لم يحضر ذلك وفي ذلك علم من أعلام النبوة من الأخبار بالشيء قبل وقوعه وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره قوله حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش فوجدناهم خمسمائة يعني أن أبا حمزة خالف الثوري عن الأعمش في هذا الحديث بهذا السند فقال خمسمائة ولم يذكر الألف قوله قال أبو معاوية ما بين ستمائة إلى سبعمائة أي أن أبا معاوية خالف الثوري أيضا عن الأعمش بهذا الإسناد في العدة وطريق أبي معاوية هذه وصلها مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجة وكأن رواية الثوري رجحت عند البخاري فلذلك اعتمدها لكونه أحفظهم مطلقا وزاد عليهم وزيادة الثقة الحافظ مقدمة وأبو معاوية وأن كان أحفظ أصحاب الأعمش بخصوصه ولذلك اقتصر مسلم على روايته لكنه لم يجزم بالعدد فقدم البخاري رواية الثوري لزيادتها بالنسبة لرواية الإثنين ولجزمها بالنسبة لرواية أبي معاوية وأما ما ذكره الإسماعيلي أن يحيى بن سعيد الأموي وأبا بكر بن عياش وافقا أبا حمزة في قوله خمسمائة فتتعارض الأكثرية والأحفظية فلا يخفى بعد ذلك الترجيح بالزيادة وبهذا يظهر رجحان نظر البخاري على غيره وسلك الداودي الشارح طريق الجمع فقال لعلهم كتبوا مرات في مواطن وجمع بعضهم بأن المراد بالألف وخمسمائة جميع من أسلم من رجل وامرأة وعبد وصبي وبما بين الستمائة إلى السبعمائة الرجال خاصة وبالخمسمائة المقاتلة خاصة وهو أحسن من الجمع الأول وأن كان بعضهم أبطله بقوله في الرواية الأولى ألف وخمسمائة رجل لا مكان أن يكون الراوي أراد بقوله رجل نفس وجمع بعضهم بأن المراد بالخمسمائة المقاتلة من أهل المدينة خاصة وبما بين الستمائة إلى السبعمائة هم ومن ليس بمقاتل وبالأف وخمسمائة هم ومن حولهم من أهل القرى والبوادي قلت ويخدش في وجوه هذه الاحتمالات كلها اتحاد مخرج الحديث ومداره على الأعمش بسنده واختلاف أصحابه عليه في العدد المذكور والله أعلم وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش وقد يتعين ذلك عند الاحتياج إلى تمييز من يصلح للمقاتلة بمن لا يصلح وفيه وقوع العقوبة على الإعجاب بالكثرة وهو نحو قوله تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم الآية وقال بن المنير موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل أن كتابة الجيش واحصاء عدده يكون ذريعة لارتفاع البركة بل الكتابة المأمور بها لمصلحة دينية والمؤاخذة التي وقعت في حنين كانت من جهة الإعجاب ثم ذكر المصنف حديث بن عباس قال رجل يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وهو يرجح الرواية الأولى بلفظ اكتبوا لأنها مشعرة بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج في المغازي وقد تقدم شرح الحديث في الحج مستوفى

قوله باب أن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة الرجل الذي قاتل وقال النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار وظهر بعد ذلك أنه قتل نفسه وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي وهو ظاهر فيما ترجم به وساقه هنا على لفظ معمر وهذا هو السبب في عطفه لطريقه على طريق شعيب وقال المهلب وغيره لا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم لا نستعين بمشرك لأنه أما خاص بذلك الوقت وأما أن يكون المراد به الفاجر غير المشرك قلت الحديث أخرجه مسلم وأجاب عنه الشافعي بالأول وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك وقصته مشهورة في المغازي وأجاب غيره في الجمع بينهما بأوجه غير هذه منها أنه صلى الله عليه وسلم تفرس في الذي قال له لا أستعين بمشرك الرغبة في الإسلام فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه ومنها أن الأمر فيه إلى رأي الإمام وفي كل منهما نظر من جهة أنها نكرة في سياق النفي فيحتاج مدعى التخصيص إلى دليل وقال الطحاوي قصة صفوان لا تعارض قوله لا أستعين بمشرك لأن صفوان خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم باختياره لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك قلت وهي تفرقة لا دليل عليها ولا أثر لها وبيان ذلك أن المخالف لا يقول به مع الإكراه وأما الأمر فالتقرير يقوم مقامه قال بن المنير موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل في الإمام إذا حمى حوزة الإسلام وكان غير عادل أنه يطرح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه فأراد أن هذا التخيل مندفع بهذا النص وأن الله قد يؤيد دينه بالفاجر وفجوره على نفسه

قوله باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو أي جاز ذلك ذكر فيه حديث أنس في قصة أخذ خالد الراية في يوم مؤتة وسيأتي شرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وهو ظاهر فيما ترجم له به أيضا قال بن المنير يؤخذ من حديث الباب أن من تعين لولاية وتعذرت مراجعة الإمام أن الولاية تثبت لذلك المعين شرعا وتجب طاعته حكما كذا قال ولا يخفى أن محله ما إذا اتفق الحاضرون عليه قال ويستفاد منه صحة مذهب مالك في أن المرأة إذا لم يكن لها ولي الا السلطان فتعذر إذن السلطان أن يزوجها الآحاد وكذا إذا غاب إمام الجمعة قدم الناس لأنفسهم

قوله باب العون بالمدد بفتح الميم ما يمد به الأمير بعض العسكر من الرجال ذكر فيه حديث أنس في قصة بئر معونة وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي وهو ظاهر فيما ترجم به أيضا قال بن المنير وفيه أن الاجتهاد والعمل بالظاهر لا يضر صاحبه أن يقع التخلف ممن ظن به الوفاء تنبيه قال الدمياطي

[ 2899 ] قوله في هذه الطريق أتاه رعل وذكوان وعصية ولحيان وهم لأن هؤلاء ليسوا أصحاب بئر معونة وإنما هم أصحاب الرجيع وهو كما قال وسأبين ذلك واضحا في المغازي إن شاء الله تعالى

قوله باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثا العرصة بفتح المهملتين وسكون الراء بينهما هي البقعة الواسعة بغير بناء من دار وغيرها

[ 2900 ] قوله ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة كذا رواه قتادة ورواه ثابت عن أنس بغير ذكر أبي طلحة وهذه الطريق عن روح بن عبادة عن سعيد وهو بن أبي عروبة مختصرة وقد أوردها المصنف في المغازي في غزوة بدر عن شيخ آخر عن روح بأتم من هذا السياق ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى قوله تابعه معاذ وعبد الأعلى عن قتادة الخ أما متابعة معاذ وهو بن معاذ العنبري فوصلها أصحاب السنن الثلاثة من طريقه ولفظه أحب أن يقيم بالعرصة ثلاثا وأما متابعة عبد الأعلى وهو بن عبد الأعلى السامي بالمهملة فوصلها أبو بكر بن أبي شيبة عنه ومن طريق الإسماعيلي وأخرجها مسلم عن يوسف بن حماد عنه قال المهلب حكمة الإقامة لاراحة الظهر والانفس ولا يخفى أن محله إذا كان في أمن من عدو وطارق والاقتصار على ثلاث يؤخذ منه أن الأربعة إقامة وقال بن الجوزي إنما كان يقيم ليظهر تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وقلة الاحتفال فكأنه يقول من كانت فيه قوة منكم فليرجع إلينا وقال بن المنير يحتمل أن يكون المراد أن تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بايقاع الطاعة فيها بذكر الله وإظهار شعار المسلمين وإذا كان ذلك في حكم الضيافة ناسب أن يقيم عليها ثلاثا لأن الضيافة ثلاثة

قوله باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره أشار بذلك إلى الرد على قول الكوفيين أن الغنائم لا تقسم في دار الحرب واعتلوا بأن الملك لا يتم عليها الا بالاستيلاء ولا يتم الاستيلاء الا باحرازها في دار الإسلام وقال الجمهور هو راجع إلى نظر الإمام واجتهاده وتمام الاستيلاء يحصل باحرازها بأيدي المسلمين ويدل على ذلك أن الكفار لو أعتقوا حينئذ رقيقا لم ينفذ عتقهم ولو أسلم عبد الحربي ولحق بالمسلمين صار حرا ثم ذكر فيه طرفا من حديث رافع وهو بن خديج معلقا وسيأتي بتمامه موصولا مع شرحه في كتاب الذبائح وحديث أنس اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين وهو طرف من حديثه المتقدم في الحج بهذا الإسناد وسيأتي في غزوة الحديبية أيضا بتمامه وكلا الحديثين ظاهر فيما ترجم له

قوله باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم أي هل يكون أحق به أو يدخل الغنيمة وهذا مما اختلف فيه فقال الشافعي وجماعة لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئا من مال المسلم ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها وعن علي والزهري وعمرو بن دينار والحسن لا يرد أصلا ويختص به أهل المغانم وقال عمر وسليمان بن ربيعة وعطاء والليث ومالك وأحمد وآخرون وهي رواية عن الحسن أيضا ونقلها بن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء السبعة أن وجده صاحبه قبل القسمة فهو أحق به وأن وجده بعد القسمة فلا يأخذه الا بالقسمة واحتجوا بحديث عن بن عباس مرفوعا بهذا التفصيل أخرجه الدارقطني وإسناده ضعيف جدا وعن أبي حنيفة كقول مالك الا في الآبق فقال هو والثوري صاحبه أحق به مطلقا

[ 2902 ] قوله وقال بن نمير يعني عبد الله وطريقه هذه وصلها أبو داود وابن ماجة قوله ذهب وقوله فأخذه في رواية الكشميهني ذهبت وقال فأخذها والفرس اسم جنس يذكر ويؤنث قوله في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقع في رواية بن نمير أن قصة الفرس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقصة العبد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه يحيى وهو القطان عن عبيد الله وهو العمري كما هي الرواية الثانية في الباب فجعلهما معا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكذا وقع في رواية موسى بن عقبة عن نافع وهي الرواية الثالثة في الباب فصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر وقد وافق بن نمير إسماعيل بن زكريا أخرجه الإسماعيلي من طريقه وأخرجه من طريق بن المبارك عن عبيد الله فلم يعين الزمان لكن قال في روايته أنه افتدى الغلام بروميين وكأن هذا الاختلاف هو السبب في ترك المصنف الجزم في الترجمة بالحكم لتردد الرواة في رفعه ووقفه لكن للقائل به أن يحتج بوقوع ذلك في زمن أبي بكر الصديق والصحابة متوافرون من غير نكير منهم وقوله في رواية موسى بن عقبة يوم لقي المسلمون كذا هنا بحذف المفعول وبينه الإسماعيلي في روايته عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وأبو نعيم من طريق أحمد بن يحيى الحلواني كلاهما عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه فقال فيه يوم لقي المسلمون طيئا وأسدا وزاد فيه سبب أخذ العدو لفرس بن عمر ففيه فاقتحم الفرس بعبد الله بن عمر جرفا فصرعه وسقط بن عمر فعار الفرس والباقي مثله وروى عبد الرزاق أن العبد الذي أبق لابن عمر كان يوم اليرموك أخرجه عن معمر عن أيوب عن نافع عنه

[ 2903 ] قوله قال أبو عبد الله عار بمهملة وراء مشتق من العير وهو حمار وحش أي هرب قال بن التين أراد أنه فعل فعله في النفار وقال الخليل يقال عار الفرس والكلب عيارا أي أفلت وذهب وقال الطبري يقال ذلك للفرس إذا فعله مرة بعد مرة ومنه قيل للبطال من الرجال الذي لا يثبت على طريقه عيار ومنه سهم عاير إذا كان لا يدري من أين أتى

قوله باب من تكلم بالفارسية أي بلسان الفرس قيل إنهم ينتسبون إلى فارس بن كومرث واختلف في كومرث قيل أنه من ذرية سام بن نوح وقيل من ذرية يافث بن نوح وقيل أنه ولد آدم لصلبه وقيل أنه آدم نفسه وقيل لهم الفرس لأن جدهم الأعلى ولد له سبعة عشر ولدا كان كل منهم شجاعا فارسا فسموا الفرس وفيه نظر لأن الاشتقاق يختص باللسان العربي والمشهور أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من ذللت له الخيل والفروسية ترجع إلى الفرس من الخيل وأمة الفرس كانت موجودة قوله والرطانة بكسر الراء ويجوز فتحها هو كلام غير العربي قالوا فقه هذا الباب يظهر في تأمين المسلمين لأهل الحرب بألسنتهم وسيأتي مزيد لذلك في أواخر الجزية في باب إذا قالوا صبأنا ولم يقولوا أسلمنا وقال الكرماني الحديث الأول كان في غزوة الخندق والآخران بالتبعية كذا قال ولا يخفى بعده والذي أشرت إليه أقرب قوله وقول الله عز وجل واختلاف ألسنتكم وألوانكم وقال وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته فاقتضى أن يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه ويحتمل أن يقال لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لا مكان الترجمان الموثوق به عندهم ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها طرف من حديث جابر في قصة بركة الطعام الذي صنعه بالخندق وسيأتي بتمامه بهذا الإسناد مع شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى والغرض منه

[ 2905 ] قوله أن جابرا قد صنع سورا وهو بضم المهملة وسكون الواو قال الطبري السور بغير همز الصنيع من الطعام الذي يدعى إليه وقيل الطعام مطلقا وهو بالفارسية وقيل بالحبشية وبالهمز بقية الشيء والأول هو المراد هنا قال الإسماعيلي السور كلمة بالفارسية قيل له أليس هو الفضلة قال لم يكن هناك شيء فضل ذلك منه إنما هو بالفارسية من أتى دعوة وأشار المصنف إلى ضعف ما ورد من الأحاديث الواردة في كراهة الكلام بالفارسية كحديث كلام أهل النار بالفارسية وكحديث من تكلم بالفارسية زادت في خبثه ونقصت من مروءته أخرجه الحاكم في مستدركه وسنده واه وأخرج فيه أيضا عن عمر رفعه من أحسن العربية فلا يتكلمن بالفارسية فإنه يورث النفاق الحديث وسنده واه أيضا ثانيها حديث أم خالد بنت خالد وسيأتي بهذا الإسناد في كتاب الأدب ويأتي شرحه في اللباس والغرض منه

[ 2906 ] قوله سنه سنه وهو بفتح النون وسكون الهاء وفي رواية الكشميهني سناه بزيادة ألف والهاء فيهما للسكت وقد تحذف قال بن قرقول هو بفتح النون الخفيفة عند أبي ذر وشددها الباقون وهي بفتح أوله للجميع الا القابسي فكسره قوله في آخره قال عبد الله فبقيت حتى ذكر أي ذكر الراوي من بقائها أمدا طويلا وفي نسخة الصغاني وغيرها حتى ذكرت ولبعضهم حتى دكن بمهملة وآخره نون أي اتسخ وسيأتي في كتاب الأدب ووقع في نسخة الصغاني هنا من الزيادة في آخر الباب قال أبو عبد الله هو المصنف لم تعش امرأة مثل ما عاشت هذه يعني أم خالد قلت وادراك موسى بن عقبة لها دال على طول عمرها لأنه لم يلق من الصحابة غيرها تنبيه خالد بن سعيد المذكور في السند شيخ عبد الله وهو بن المبارك هو خالد بن سعيد بن عمر بن سعيد بن العاص أخو إسحاق بن سعيد وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد كرره عنه كما نبهت عليه وفي طبقته خالد بن سعيد بن أبي مريم المدني لكن لم يخرج له البخاري ولا لابن المبارك عنه رواية وأوهم الكرماني أن شيخ بن المبارك هنا هو خالد بن الزبير بن العوام ولا أدري من أين له ذلك بل لم أر لخالد بن الزبير رواية في شيء من الكتب الستة ثم راجعت كلامه فعلمت مراده فإنه قال لفظ خالد المذكور هنا ثلاث مرار والثاني غير الأول وهو خالد بن الزبير بن العوام والثالث غير الثاني وهو خالد بن سعيد بن العاص فقوله والثاني يوهم أن المراد خالد بن سعيد وإنما مراده خالد المذكور في كنية أم خالد وكان يغني عن هذا التطويل أن يقول أن أم خالد سمعت ولدها باسم والدها وكان الزبير بن العوام تزوجها فولدت له خالد بن الزبير فهذا يوضح المراد مع مزيد الفائدة والذي نبه عليه ليس تحته كبير أمر فإن خالد بن سعيد الراوي عن أم خالد لا يظن أحد أنه أبوها الا من يقف مع مجرد التجويز العقلي فإن من المقطوع به عند المحدثين أن عبد الله بن المبارك ما أدركها فضلا عن أن يروي عن أبيها وأبوها استشهد في خلافة أبي بكر أو عمر فانحصرت الفائدة في التنبيه على سبب كنية أم خالد ثالثها حديث أبي هريرة أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة الحديث والغرض منه

[ 2907 ] قوله كخ كخ وهي كلمة زجر للصبي عما يريد فعله وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الزكاة وقد نازع الكرماني في كون الألفاظ الثلاثة عجمية لأن الأول يجوز أن يكون من توافق اللغتين والثاني يجوز أن يكون أصله حسنة فحذف أوله ايجازا والثالث من أسماء الأصوات وقد أجاب عن الأخير بن المنير فقال وجه مناسبته أنه صلى الله عليه وسلم خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل فهو كمخاطبة العجمي بما يفهمه من لغته قلت وبهذا يجاب عن الباقي ويزاد بأن تجويزه حذف أول حرف من الكلمة لا يعرف وتشبيهه بقوله كفى بالسيف شا لا يتجه لأن حذف الأخير معهود في الترخيم والله أعلم

قوله باب الغلول بضم المعجمة واللام أي الخيانة في المغنم قال بن قتيبة سمي بذلك لأن آخذه يغله في متاعه أي يخفيه فيه ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر قوله وقول الله عز وجل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة أورد فيه حديث أبي هريرة قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه الحديث ويحيى هو القطان وأبو حيان هو يحيى بن سعيد التيمي

[ 2908 ] قوله لا ألفين بضم أوله وبالفاء أي لا أجد هكذا الرواية للأكثر بلفظ النفي المؤكد والمراد به النهي وبالفاء وكذا عند الحموي والمستملي لكن روى بفتح الهمزة وبالقاف من اللقاء وكذا لبعض رواة مسلم والمعنى قريب ومنهم من حذف الألف على أن اللام للقسم وفي توجيهه تكلف والمعروف أنه بلفظ النفي المراد به النهي وهو وأن كان من نهى المرء نفسه فليس المراد ظاهره وإنما المراد نهي من يخاطبه عن ذلك وهو أبلغ قوله أحدكم يوم القيامة على رقبته في رواية مسلم يجيء يوم القيامة وعلى رقبته وهو حال من الضمير في يجيء وشاة فاعل الظرف لاعتماده أي هي حالة شنيعة ولا ينبغي لكم أن أراكم عليها يوم القيامة وفي حديث عبادة بن الصامت في السنن إياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة قوله على رقبته شاة لها ثغاء بضم المثلثة وتخفيف المعجمة وبالمد صوت الشاة يقال ثغت تثغو وقوله فرس له حمحمة يأتي في آخر الحديث قوله لا أملك لك شيئا أي من المغفرة لأن الشفاعة أمرها إلى الله وقوله قد بلغتك أي فليس لك عذر بعد الابلاغ وكأنه صلى الله عليه وسلم أبرز هذا الوعيد في مقام الزجر والتغليظ وإلا فهو في القيامة صاحب الشفاعة في مذنبي الأمة قوله بعير له رغاء بضم الراء وتخفيف المعجمة وبالمد صوت البعير قوله صامت أي الذهب والفضة وقيل ما لا روح فيه من أصناف المال وقوله رقاع تخفق أي تتقعقع وتضطرب إذا حركتها الرياح وقيل معناه تلمع والمراد بها الثياب قاله بن الجوزي وقال الحميدي المراد بها ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع واستبعده بن الجوزي لأن الحديث سيق لذكر الغلول الحسي فحمله على الثياب أنسب وزاد في رواية مسلم نفس لها صياح وكأنه أراد بالنفس ما يغله من الرقيق من امرأة أو صبي قال المهلب هذا الحديث وعيد لمن أنفذه الله عليه من أهل العاصي ويحتمل أن يكون الحمل المذكور لا بد منه عقوبة له بذلك ليفتضح على رؤوس الأشهاد وأما بعد ذلك فإلى الله الأمر في تعذيبه أو العفو عنه وقال غيره هذا الحديث يفسر قوله عز وجل يأت بما غل يوم القيامة أي يأت به حاملا له على رقبته ولا يقال أن بعض ما يسرق من النقد أخف من البعير مثلا والبعير أرخص ثمنا فكيف يعاقب الأخف جناية بألاثقل وعكسه لأن الجواب أن المراد بالعقوبة بذلك فضيحة الحامل على رءوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم لا بالثقل والخفة قال بن المنير أظن الأمراء فهموا تجريس السارق ونحوه من هذا الحديث وقد تقدم شرح بعض هذا الحديث في أوائل الزكاة تكميل قال بن المنذر أجمعوا على أن على الغال أن يعيد ما غل قبل القسمة وأما بعدها فقال الثوري والأوزاعي والليث ومالك يدفع إلى الإمام خمسة ويتصدق بالباقي وكان الشافعي لا يرى بذلك ويقول أن كان ملكه فليس عليه أن يتصدق به وأن كان لم يملكه فليس له الصدقة بمال غيره قال والواجب أن يدفعه إلى الإمام كالأموال الضائعة قوله وقال أيوب عن أبي حيان فرس له حمحمة كذا للأكثر في الموضعين فرس له حمحمة بمهملتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة ثم ميم قبل الهاء وهو صوت الفرس عند العلف وهو دون الصهيل ووقع في رواية الكميهني في الرواية الأولى على رقبته له حمحمة بحذف لفظ فرس وكذا هو في رواية النسفي وأبي علي بن شبويه فعلى هذا تكون فائدة ذكر طريق أيوب التنصيص على ذكر الفرس ولمسلم من طريق بن علية عن أبي حيان بالإسناد الأول فرس له حمحمة وهو الموجود في الروايات كلها وطريق أيوب وصلها مسلم من طريق حماد ومن طريق عبد الوارث جميعا عن أيوب عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة ولم يسق لفظها وقد رويناها في كتاب الزكاة ليوسف القاضي بالحديث بتمامه وفيه ويجئ رجل على عنقه فرس له حمحمة ورأيت في بعص النسخ في الرواية الأولى فرس له حمحة بميم واحدة ولا معنى له فإن كان مضبوطا فكأنه نبه بهذه الرواية المعلقة على وجه الصواب

قوله باب القليل من الغلول أي هل يلتحق بالكثير في الحكم أم لا قوله ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه يعني في حديثه الذي ساقه في الباب في قصة الذي غل العباءة وقوله وهذا أصح أشار إلى تضعيف ما روى عن عبد الله بن عمرو في الأمر بحرق رحل الغال والإشارة بقوله هذا إلى الحديث الذي ساقه والأمر بحرق رحل الغال أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء قال دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فأتى برجل قد غل فسأل سالما أي بن عبد الله بن عمر عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه ثم ساقه من وجه آخر عن سالم موقوفا قال أبو داود هذا أصح وقال البخاري في التاريخ يحتجون بهذا الحديث في احراق رحل الغال وهو باطل ليس له أصل وراويه لا يعتمد عليه وروى الترمذي عنه أيضا أنه قال صالح منكر الحديث وقد جاء في غير حديث ذكر الغال وليس فيه الأمر بحرق متاعه قلت وجاء من غير طريق صالح بن محمد أخرجه أبو داود أيضا من طريق زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم أخرجه من وجه آخر عن زهير عن عمرو بن شعيب موقوفا عليه وهو الراجح وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد في رواية وهو قول مكحول والأوزاعي وعن الحسن يحرق متاعه كله الا الحيوان والمصحف وقال الطحاوي لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال تنبيه حكى بعض الشراح عن رواية الأصيلي أنه وقع فيها هنا ويذكر عن عبد الله بن عمرو الخ بدل قوله ولم يذكر عبد الله بن عمرو فإن كان كما ذكر فقد عرف المراد بذلك ويكون قوله هذا أصح إشارة إلى أن حديث الباب الذي لم يذكر فيه التحريق أصح من الرواية التي ذكرها بصيغة التمريض وهي التي أشرت إليها من نسخة عمرو بن شعيب

[ 2909 ] قوله عن عمرو هو بن دينار وكذا هو عند بن ماجة عن هشام بن عمار عن سفيان قوله على ثقل بمثلثة وقاف مفتوحتين العيال وما يثقل حمله من الامتعة قوله كركرة ذكر الواقدي أنه كان أسود يمسك دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال وروى أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى أنه كان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقه وذكر البلاذري أنه مات في الرق أو اختلف في ضبطه فذكر عياض أنه يقال بفتح الكافين وبكسرهما وقال النووي إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقا وقد أشار البخاري إلى الخلاف في ذلك بقوله في آخر الحديث قال بن سلام كركرة وأراد بذلك أن شيخه محمد بن سلام رواه عن بن عيينة بهذا الإسناد بفتح الكاف وصرح بذلك الأصيلي في روايته فقال يعني بفتح الكاف والله أعلم قال عياض هو للأكثر بالفتح في رواية علي وبالكسر في رواية بن سلام وعند الأصيلي بالكسر في الأول وقال القابسي لم يكن عند المروزي فيه ضبط الا إني أعلم أن الأول خلاف الثاني وفي الحديث تحريم قليل الغلول وكثيره وقوله هو في النار أي يعذب على معصيته أو المراد هو في النار إن لم يعف الله عنه

قوله باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم ذكر فيه حديث رافع بن خديج في ذبحهم الإبل التي أصابوها لأجل الجوع ونصبهم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور وفيه قصة البعير الذي ند وفيه السؤال عن الذبح بالقصب وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في كتاب الذبائح وقد مضى في الشركة وغيرها وموضع الترجمة منه أمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور فإنه مشعر بكراهة ما صنعوا من الذبح بغير إذن وقال المهلب إنما أكفأ القدور ليعلم أن الغنيمة إنما يستحقونها بعد قسمته لها وذلك أن القصة وقعت في دار الإسلام لقوله فيها بذي الحليفة وأجاب بن المنير بأنه قد قيل أن الذبح إذا كان على طريق التعدي كان المذبوح ميتة وكأن البخاري انتصر لهذا المذهب أو حمل الأكفاء على العقوبة بالمال وأن كان ذلك المال لا يختص بأولئك الذين ذبحوا لكن لما تعلق به طمعهم كانت النكاية حاصلة لهم قال وإذا جوزنا هذا النوع من العقوبة فعقوبة صاحب المال في ماله أولى ومن ثم قال مالك يراق اللبن المغشوش ولا يترك لصاحبه وأن زعم أنه ينتفع به بغير البيع أدبا له انتهى وقال القرطبي المأمور باكفائه إنما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا وأما نفس اللحم فلم يتلف بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغانم لأن النهي عن إضاعة المال تقدم والجناية بطبخه لم تقع من الجميع إذ من جملتهم أصحاب الخمس ومن الغانمين من لم يباشر ذلك وإذا لم ينقل إنهم أحرقوه وأتلفوه تعين تأويله على وفق القواعد الشرعية ولهذا قال في الحمر الأهلية لما أمر باراقتها أنها رجس ولم يقل ذلك في هذه القصة فدل على أن لحومها لم تترك بخلاف تلك والله أعلم وسيأتي بيان ما أبيح للغازي من الأكل من المغانم ما داموا في بلاد العدو في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب في أواخر فرض الخمس

قوله باب البشارة في الفتوح ذكر فيه حديث جرير في قصة ذي الخلصة وسيأتي شرحه في أواخر المغازي والمراد منه قوله في آخره فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره وقوله

[ 2911 ] في آخره قال مسدد بيت في خثعم يريد أن مسددا رواه عن يحيى القطان بالإسناد الذي ساقه المصنف عن محمد بن المثنى عن يحيى فقال بدل قوله وكان بيتا في خثعم وهذه الرواية هي الصواب وقد رواه أحمد في مسنده عن يحيى فقال بيتا لخثعم وهي موافقة لرواية مسدد

قوله باب ما يعطى للبشير وأعطى كعب بن مالك ثوبين حين بشر بالتوبة يشير إلى حديثه الطويل في قصة تخلفه في غزوة تبوك وسيأتي في المغازي وهو ظاهر فيما ترجم له وسيأتي أن البشير هو سلمة بن الأكوع

قوله باب لا هجرة بعد الفتح أي فتح مكة أو المراد ما هو أعم من ذلك إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها فلا تجب الهجرة من بلد قد فتحه المسلمون أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين أحد ثلاثة الأول قادر على الهجرة منها لا يمكنه إظهار دينه ولا أداء واجباته فالهجرة منه واجبة الثاني قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين بها ومعونتهم وجهاد الكفار والامن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم الثالث عاجز يعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر وقد ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن عباس وقد تقدم في باب وجوب النفير في أوائل الجهاد الثاني حديث مجاشع بن مسعود وقد تقدم في باب البيعة في الحرب الثالث حديث عائشة انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه مكة وسيأتي بأتم من هذا السياق في باب الهجرة إلى المدينة أول المغازي

قوله باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن أورد فيه حديث علي في قصة المرأة التي كتب معها حاطب إلى أهل مكة ومناسبته للترجمة ظاهرة في رؤية الشعر من قوله في الرواية الأخرى فأخرجته من عقاصها وهي ذوائبها المضفورة وفي التجريد من قول علي لأجردنك وقد تقدم في باب الجاسوس من وجه آخر عن علي ويأتي شرحه في تفسير سورة الممتحنة وقوله

[ 2915 ] في الإسناد عن أبي عبد الرحمن هو السلمي وقوله وكان عثمانيا أي يقدم عثمان على علي في الفضل وقوله فقال لابن عطية هو حبان بكسر المهملة وبالموحدة على الصحيح كما سيأتي في استتابة المرتدين وقوله وكان علويا أي يقدم عليا في الفضل على عثمان وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل السنة بالكوفة قال بن المنير ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة مسلمة أو ذمية لكن لما استوى حكمهما في تحريم النظر لغير حاجة شملهما الدليل وقال بن التين أن كانت مشركة لم توافق الترجمة وأجيب بأنها كانت ذات عهد فحكمها حكم أهل الذمة وقوله فأخرجت من حجزتها كذا هنا بحذف المفعول وفي الأخرى فأخرجته والحجزة بضم المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معقد الإزار والسراويل ووقع في رواية القابسي من حزتها بحذف الجيم قيل هي لغة عامية وتقدم في باب الجاسوس أنها أخرجته من عقاصها وجمع بينهما بأنها أخرجته من حجزتها فاخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى إخراجه أو بالعكس أو بان تكون عقيصتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته بحجزتها وهذا الاحتمال أرجح وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون معها كتابان إلى طائفتين أو المراد بالحجزة العقدة مطلقا وتكون رواية العقيصة أوضح من رواية الحجزة أو المراد بالحجزة الحبل لأن الحجز هو شد وسط يدي البعير بحبل ثم يخالف فتعقد رجلاه ثم يشد طرفاه إلى حقويه ويسمى أيضا الحجاز

قوله باب استقبال الغزاة أي عند رجوعهم

[ 2916 ] قوله حدثنا عبد الله بن الأسود في رواية الكشميهني بن أبي الأسود وهو عبد الله بن محمد بن حميد الأسود وحميد جده يكنى أبا الأسود وهو الذي قرنه بيزيد بن زريع فنسب تارة إلى جده وأخرى إلى جد أبيه وما لحميد بن الأسود في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في تفسير سورة البقرة وقرنه فيه أيضا بيزيد بن زريع وعبد الله شيخ البخاري يكنى أبا بكر وهو بها أشهر وكان من الحفاظ وهو بن أخت عبد الرحمن بن مهدي قوله قال بن الزبير لابن جعفر كل منهما يسمى عبد الله قوله قال نعم فحملنا وتركك ظاهره أن القائل فحملنا هو عبد الله بن جعفر وأن المتروك هو بن الزبير وأخرجه مسلم من طريق أبي أسامة وابن علية كلاهما عن حبيب بن الشهيد بهذا الإسناد مقلوبا ولفظه قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير جعل المستفهم عبد الله بن جعفر والقائل فحملنا عبد الله بن الزبير والذي في البخاري أصح ويؤيده ما تقدم في الحج عن بن عباس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة استقبلته أغيلمة من بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه فإن بن جعفر من بني عبد المطلب بخلاف بن الزبير وأن كان عبد المطلب جد أبيه لكنه جده لأمه وأخرج أحمد والنسائي من طريق خالد بن سارة عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم حمله خلفه وحمل قثم بن عباس بين يديه وقد حكى بن التين عن الداودي أنه قال في هذا الحديث من الفوائد حفظ اليتيم يشير إلى أن جعفر بن أبي طالب كان مات فعطف النبي صلى الله عليه وسلم على ولده عبد الله فحمله بين يديه وهو كما قال وأغرب بن التين فقال أن في الحديث النص بأنه صلى الله عليه وسلم حمل بن عباس وابن الزبير ولم يحمل بن جعفر قال ولعل الداودي ظن أن قوله فحملنا وتركك من كلام بن جعفر وليس كذلك كذا قال والذي قاله الداودي هو الظاهر من سياق البخاري فما أدري كيف قال بن التين أنه نص في خلافه وقد نبه عياض على أن الذي وقع في البخاري هو الصواب قال وتأويل رواية مسلم أن يجعل الضمير في حملنا لابن جعفر فيكون المتروك بن الزبير قال ووقع على الصواب أيضا عند بن أبي شيبة وابن أبي خيثمة وغيرهما قلت وقد روى أحمد الحديث عن بن علية فبين سبب الوهم ولفظه مثل مسلم لكن زاد بعد قوله قال نعم قال فحملنا قال أحمد وحدثنا به مرة أخرى فقال فيه قال نعم فحملنا يعني وأسقط قال التي بعد نعم قلت وباثباتها توافق رواية البخاري وبحذفها تخالفها والله أعلم وفي حديث بن جعفر أيضا جواز الفخر بما يقع من إكرام النبي صلى الله عليه وسلم وثبوت الصحبة له ولابن الزبير وهما متقاربان في السن وقد حفظا غير هذا ثم ذكر المصنف حديث السائب بن يزيد في الملاقاة وسيأتي في أواخر المغازي ووقع لابن التين هنا في المراد بثنية الوداع شيء رده عليه شيخنا بن الملقن والصواب مع بن التين

قوله باب ما يقول إذا رجع من الغزو ذكر فيه حديثين أحدهما حديث بن عمر في

[ 2918 ] قوله آيبون تائبون الحديث وقد تقدم شرحه في أواخر الحج ثانيهما حديث أنس في قصة وقوع صفية عن الناقة أخرجه من وجهين الثاني منهما في رواية الكشميهني وحده وسيأتي شرحه في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى وقوله

[ 2919 ] فيه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفله من عسفان قال الدمياطي هذا وهم لأن غزوة عسفان إلى بني لحيان كانت سنة ست وارداف صفية كان في غزوة خيبر سنة سبع وجوز بعضهم أن يكون في طريق خيبر مكان يقال له عسفان وهو مردود والذي يظهر أن الراوي أضاف المقفل إلى عسفان لأن غزوة خيبر كانت عقبها وكأنه لم يعتد بالإقامة المتخللة بين الغزوتين لتقاربهما وهذا كما قيل في حديث سلمة بن الأكوع الآتي في تحريم المتعة في غزوة أوطاس وإنما كان تحريم المتعة بمكة فأضافها إلى أوطاس لتقاربهما والعلم عند الله تعالى

قوله باب الصلاة إذا قدم من سفر ذكر فيه حديث جابر في ذلك وقد تقدم في أبواب الصلاة وهو ظاهر فيما ترجم له وكذا الذي بعده وحديث كعب بن مالك تقدم في الصلاة أيضا وهو طرف من حديثه الطويل

قوله باب الطعام عند القدوم أي من السفر وهذا الطعام يقال له النقيعة بالنون والقاف قيل اشتق من النقع وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر وقيل النقيعة من اللبن إذا برد وقيل غير ذلك قوله وكان بن عمر يفطر لمن يغشاه أي لأجل من يغشاه والأصل فيه أن بن عمر كان لا يصوم في السفر لا فرضا ولا تطوعا وكان يكثر من صوم التطوع في الحضر وكان إذا سافر أفطر وإذا قدم صام أما قضاء أن كان سافر في رمضان وأما تطوعا أن كان في غيره لكنه يفطر أول قدومه لأجل الذين يغشونه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم ثم يصوم ووقع في رواية الكشميهني يصنع بدل يفطر والمعنى صحيح لكن الأول أصوب فقد وصله إسماعيل القاضي في كتاب أحكام القرآن من طريق أيوب عن نافع قال كان بن عمر إذا كان مقيما لم يفطر وإذا كان مسافرا لم يصم فإذا قدم أفطر أياما لغاشيته ثم يصوم قال بن بطال فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر وهو مستحب عند السلف ويسمى النقيعة بنون وقاف وزن عظيمة ونقل عن المهلب أن بن عمر كان إذا قدم من سفر أطعم من يأتيه ويفطر معهم ويترك قضاء رمضان لأنه كان لا يصوم في السفر فإذا انتهى الطعام ابتدأ قضاء رمضان قال وقد جاء هذا مفسرا في كتاب الأحكام لإسماعيل القاضي وتعقبه بن بطال بأن الأثر الذي أخرجه إسماعيل ليس فيه ما ادعاه المهلب يعني من التقييد برمضان وأن كان يتناوله بعمومه وإنما حمل المهلب على ذلك ما جاء عن بن عمر أنه كان يقول فيمن نوى الصوم ثم أفطر أنه متلاعب وأنه دعي إلى وليمة فحضر ولم يأكل واعتذر بأنه نوى الصوم فاحتاج أن يقيده بقضاء رمضان والحق أنه لا يحتاج إلى ذلك إذا حمل على الصورة التي ابتدأت بها وهو أنه لا ينوي الصوم حينئذ بل يقصد الفطر لأجل ما ذكر ثم يستأنف الصوم تطوعا كان أو قضاء والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث جابر في قصة بيع جمله من طريق محارب عنه باختصار والغرض منه

[ 2923 ] قوله فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها الحديث وصرار بكسر المهملة والتخفيف ووهم من ذكره بمعجمة أوله وهو موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال منها من جهة المشرق وقوله في أول السند حدثنا محمد هو بن سلام وقد حدث به عن وكيع وممن يسمى محمد من شيوخ البخاري محمد بن المثنى ومحمد بن العلاء وغيرهما ولكن تقرر أن البخاري حيث يطلق محمد لا يريد الا الذهلي أو بن سلام ويعرف تعيين أحدهما من معرفة من يروي عنه والله أعلم وقوله زاد معاذ أي بن معاذ العنبري وهو موصول عند مسلم وأراد البخاري بإيراد طريق أبي الوليد الإشارة إلى أن القدر الذي ذكره طرف من الحديث وبهذا يندفع اعتراض من قال أن حديث أبي الوليد لا يطابق الترجمة وأن اللائق به الباب الذي قبله والحاصل أن الحديث عند شعبة عن محارب فروى وكيع طرفا منه وهو ذبح البقرة عند قدوم المدينة وروى أبو الوليد وسليمان بن حرب عنه طرفا منه وهو أمره جابرا بصلاة ركعتين عند القدوم وروى عنه معاذ جميعه وفيه قصة البعير وذكر ثمنه لكن باختصار وقد تابع كلا من هؤلاء عن شعبة في سياقه جماعة خاتمة اشتمل كتاب الجهاد من أوله إلى هنا من الأحاديث المرفوعة على ثلاثمائة وستة وسبعين حديثا المعلق منها أربعون طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائتان وستة وستون والخالص مائة وعشرة أحاديث وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة الجنة مائة درجة وحديثه لولا أن رجالا وحديث جابر اصطبح ناس الخمر وحديث أنس عن أبي طلحة وحديثه في قصة ثابت بن قيس وحديث سهل في أسماء الخيل وحديث أنس في العضباء لا تسبق وحديث سعد إنما تنصرون بضعفائكم وحديث سلمة ارموا وأنا مع بن الأدرع وحديث أبي أسيد إذا أكثبوكم وحديث أبي أمامة في حلية السيوف وحديث بن عمر بعثت بين يدي الساعة وحديث بن عباس في الدعاء ببدر لكن أخرجه من طريق أخرى عن بن عباس عن عمر وحديث عمرو بن تغلب في قتال الترك وحديث أبي هريرة في التحريق وحديث بن مسعود فيما غبر من الدنيا وحديث قيس بن سعد في الترجيل وحديث العباس في الراية وحديث جابر في التسبيح وحديث أبي موسى إذا مرض العبد وحديث بن عمر في السير وحده وحديث أبي هريرة في الأسارى وحديث بن عباس مع علي وحديث أبي هريرة في قصة قتل خبيب وفيه حديث بنت عياض وحديث سلمة في عين المشركين وحديث عمر في مني وحديث عبد الله بن عمرو في قصة الغال وحديث السائب بن يزيد في الملاقاة وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة وعشرون أثرا والله أعلم