كتاب الخمس
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب فرض الخمس كذا وقع عند الإسماعيلي وللاكثر باب وحذفه بعضهم وثبتت البسملة للأكثر والخمس بضم المعجمة والميم ما يؤخذ من الغنيمة والمراد بقوله فرض الخمس أي وقت فرضه أو كيفية فرضه أو ثبوت فرضه والجمهور على أن ابتداء فرض الخمس كان بقوله تعالى واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول الآية وكانت الغنائم تقسم على خمسة أقسام فيعزل خمس منها يصرف فيمن ذكر في الآية وسيأتي البحث في مستحقيه بعد أبواب وكان خمس هذا الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف فيمن يستحقه بعده فمذهب الشافعي أنه يصرف في المصالح وعنه يرد على الأصناف الثمانية المذكورين في الآية وهو قول الحنفية مع اختلافهم فيهم كما سيأتي وقيل يختص به الخليفة ويقسم أربعة أخماس الغنيمة على الغانمين الا السلب فإنه للقاتل على الراجح كما سيأتي وذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث علي بن أبي طالب في قصة الشارفين

[ 2925 ] قوله كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر الشارف المسن من النوق ولا يقال للذكر عند الأكثر وحكى إبراهيم الحربي عن الأصمعي جوازه قال عياض جمع فاعل على فعل بضمتين قليل قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس قال بن بطال ظاهره أن الخمس شرع يوم بدر ولم يختلف أهل السير أن الخمس لم يكن يوم بدر وقد ذكر إسماعيل القاضي في غزوة بني قريظة قال قيل أنه أول يوم فرض فيه الخمس قال وقيل نزل بعد ذلك قال ولم يأت ما فيه بيان شاف وإنما جاء صريحا في غنائم حنين قال بن بطال وإذا كان كذلك فيحتاج قول على إلى تأويل قال ويمكن أن يكون ما ذكر بن إسحاق في سرية عبد الله بن جحش التي كانت في رجب قبل بدر بشهرين وأن بن إسحاق قال ذكر لي بعض آل جحش أن عبد الله قال لأصحابه أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض الله الخمس فعزل له الخمس وقسم سائر الغنيمة بين أصحابه قال فوقع رضا الله بذلك قال فيحمل قول علي وكان قد أعطاني شارفا من الخمس أي من الذي حصل من سرية عبد الله بن جحش قلت ويعكر عليه أن في الرواية الآتية في المغازي وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ والعجب أن بن بطال عزا هذه الرواية لأبي داود وجعلها شاهدة لما تأوله وغفل عن كونها في البخاري الذي شرحه وعن كون ظاهرها شاهدا عليه لا له ولم أقف على ما نقله عن أهل السير صريحا في أنه لم يكن في غنائم بدر خمس والعجب أنه يثبت في غنيمة السرية التي قبل بدر الخمس ويقول أن الله رضي بذلك وينفيه في يوم بدر مع أن الأنفال التي فيها التصريح بفرض الخمس نزل غالبها في قصة بدر وقد جزم الداودي الشارح بأن آية الخمس نزلت يوم بدر وقال السبكي نزلت الأنفال في بدر وغنائمها والذي يظهر أن آية قسمة الغنيمة نزلت بعد تفرقة الغنائم لأن أهل السير نقلوا أنه صلى الله عليه وسلم قسمها على السواء واعطاها لمن شهد الوقعة أو غاب لعذر تكرما منه لأن الغنيمة كانت أولا بنص أول سورة الأنفال للنبي صلى الله عليه وسلم قال ولكن يعكر على ما قال أهل السير حديث علي يعني حديث الباب حيث قال أعطاني شارفا من الخمس يومئذ فإنه ظاهر في أنه كان فيها خمس قلت ويحتمل أن تكون قسمة غنائم بدر وقعت على السواء بعد أن أخرج الخمس للنبي صلى الله عليه وسلم على ما تقدم من قصة سرية عبد الله بن جحش وأفادت آية الأنفال وهي قوله تعالى واعلموا إنما غنمتم إلى آخرها بيان مصرف الخمس لا مشروعية أصل الخمس والله أعلم وأما ما نقله عن أهل السير فأخرجه بن إسحاق بإسناد حسن يحتج بمثله عن عبادة بن الصامت قال فلما اختلفنا في الغنيمة وساءت أخلاقنا انتزعها الله منا فجعلها لرسوله فقسمها على الناس عن سواء أي على سواء ساقه مطولا وأخرجه أحمد والحاكم من طريقه وصححه بن حبان من وجه آخر ليس فيه بن إسحاق قوله ابنتي بفاطمة أي ادخل بها والبناء الدخول بالزوجة وأصله أنهم كانوا من أراد ذلك بنيت له قبة فخلا فيها بأهله واختلف في وقت دخول علي بفاطمة وهذا الحديث يشعر بأنه كان عقب وقعة بدر ولعله كان في شوال سنة اثنتين فإن وقعة بدر كانت في رمضان منها وقيل تزوجها في السنة الأولى ولعل قائل ذلك أراد العقد ونقل بن الجوزي أنه كان في صفر سنة اثنتين وقيل في رجب وقيل في ذي الحجة قلت وهذا الأخير يشبه أن يحمل على شهر الدخول بها وقيل تأخر دخوله بها إلى سنة ثلاث فدخل بها بعد وقعة أحد حكاه بن عبد البر وفيه بعد قوله واعدت رجلا صواغا بفتح الصاد المهملة والتشديد ولم أقف على اسمه ووقع في رواية بن جريج في الشرب طابع بمهملتين وموحدة وطالع بلام بدل الموحدة أي من يدله ويساعده وقد يقال أنه اسم الصائغ المذكور كذا قال بعضهم وفيه بعد قوله مناختان كذا للأكثر وهو باعتبار المعنى لأنهما ناقتان وفي رواية كريمة مناخان باعتبار لفظ الشارف قوله إلى جنب حجرة رجل من الأنصار لم اقف على اسمه قوله فرجعت حين جمعت ما جمعت زاد في رواية بن جريج عن بن شهاب في الشرب وحمزة بن عبد المطلب يشرب في ذلك البيت أي الذي أناخ الشارفين بجانبه ومعه قينه بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هي الجارية المغنية فقالت ألا يا حمز للشرف النواء والشرف جمع شارف كما تقدم والنواء بكسر النون والمد مخففا جمع ناوية وهي الناقة السمينة وحكى الخطابي أن بن جرير الطبري رواه ذا الشرف بفتح الشين وفسره بالرفعة وجعله صفة لحمزة وفتح نون النواء وفسره بالبعد أي الشرف البعيد أي مناله بعيد قال الخطابي وهو خطأ وتصحيف وحكى الإسماعيلي أن أبا يعلى حدثه به من طريق بن جريج فقال الثواء بالثاء المثلثة قال فلم نضبطه ووقع في رواية القابسي والأصيلي النوى بالقصر وهو خطأ أيضا وقال الداودي النواء الخباء وهذا أفحش في الغلط وحكى المرزباني في معجم الشعراء أن هذا الشعر لعبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي جد أبي السائب المخزومي المدني وبقيته وهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها وضرجهن حمرة بالدماء وعجل من أطايبها لشرب قديدا من طبيخ أو شواء والشرب بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة جمع شارب كتاجر وتجر والفناء بكسر الفاء والمد الجانب أي جانب الدار التي كانوا فيها والقديد اللحم المطبوخ والتضريج بمعجمة وجيم التلطيخ فإن كان ثابتا فقد عرف بعض المبهم في قوله في شرب من الأنصار لكن المخزومي ليس من الأنصار وكأن قائل ذلك أطلقه عليهم بالمعنى الأعم وأراد الذي نظم هذا الشعر وأمر القينة أن تغنى به أن يبعث همة حمزة لما عرف من كرمه على نحر الناقتين ليأكلوا من لحمهما وكأنه قال انهض إلى الشرف فانحرها وقد تبين ذلك من بقية الشعر وفي قولها للشرف بصيغة الجمع مع أنه لم يكن هناك الا ثنتان دلالة على جواز إطلاق صيغة الجمع على الإثنين وقوله يا حمز ترخيم وهو بفتح الزاي ويجوز ضمها قوله قد أجبت وقع مثله في رواية عنبسة في المغازي وهو بضم أوله وفي رواية الكشميهني هنا قد جبت بضم الجيم بغير ألف أي قطعت وهو الصواب وعند مسلم من طريق بن وهب عن يونس قد اجتبت وهو صواب أيضا والجب الاستئصال في القطع قوله وأخذ من أكبادهما زاد بن جريج قلت لابن شهاب ومن السنام قال قد جب اسنمتهما والسنام ما على ظهر البعير وقوله بقر بفتح الموحدة والقاف أي شق قوله فلم أملك عيني حين رأيت في رواية الكشميهني حيث رأيت والمراد أنه بكى من شدة القهر الذي حصل له وفي رواية بن جريج رأيت منظرا افظعني بفاء وظاء مشالة معجمة أي نزل بي أمر مفظع أي مخيف مهول وذلك لتصوره تأخر الابتناء بزوجته بسبب فوات ما يستعان به عليه أو لخشية أن ينسب في حقها إلى تقصير لا لمجرد فوات الناقتين قوله حتى أدخل كذا فيه بصيغة المضارع مبالغة في استحضار صورة الحال قوله فطفق يلوم حمزة في رواية بن جريج فدخل على حمزة فتغيظ عليه قوله هل أنتم الا عبيد لأبي في رواية بن جريج لآبائي قيل أراد أن أباه عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم ولعلي أيضا والجد يدعى سيدا وحاصله أن حمزة أراد الافتخار عليهم بأنه أقرب إلى عبد المطلب منهم قوله القهقرى هو المشي إلى خلف وكأنه فعل ذلك خشية أن يزداد عبث حمزة في حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل فأراد أن يكون ما يقع من حمزة بمرأى منه ليدفعه أن وقع منه شيء قوله وخرجنا معه زاد بن جريج وذلك قبل تحريم الخمر أي ولذلك لم يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بقوله وفي هذه الزيادة رد على من احتج بهذه القصة على أن طلاق السكران لا يقع فإنه إذا عرف أن ذلك كان قبل تحريم الخمر كات ترك المؤاخذة لكونه لم يدخل على نفسه الضرر والذي يقول يقع طلاق السكران يحتج بأنه أدخل على نفسه السكر وهو محرم عليه فعوقب بامضاء الطلاق عليه فليس في هذا الحديث حجة لإثبات ذلك ولا نفيه قال أبو داود سمعت أحمد بن صالح يقول في هذا الحديث أربع وعشرون سنة قلت وفيه أن الغانم يعطي من الغنيمة من جهتين من الأربعة اخماس بحق الغنيمة ومن الخمس إذا كان ممن له فيه حق وأن لمالك الناقة الانتفاع بها في الحمل عليها وفيه الاناخة على باب الغير إذا عرف رضاه بذلك وعدم تضرره به وأن البكاء الذي يجلبه الحزن غير مذموم وأن المرء قد لا يملك دمعه إذا غلب عليه الغيظ وفيه ما ركب في الإنسان من الأسف على فوت ما فيه نفعه وما يحتاج إليه وأن استعداء المظلوم على من ظلمه واخباره بما ظلم به خارج عن الغيبة والنميمة وفيه قبول خبر الواحد وجواز الاجتماع في الشرب المباح جواز تناول ما يوضع بين أيدي القوم وجواز الغناء بالمباح من القول وانشاد الشعر والاستماع من الأمة والتخير فيما يأكله وأكل الكبد وأن كانت دما وفيه أن السكر كان مباحا في صدر الإسلام وهو رد على من زعم أن السكر لم يبح قط ويمكن حمل ذلك على السكر الذي يفقد معه التمييز من أصله وفيه مشروعية وليمة العرس وسيأتي شرحها في النكاح ومشروعية الصياغة والتكسب بها وقد تقدم في أوائل البيوع وجواز جمع الأذخر وغيره من المباحات والتكسب بذلك وقد تقدم في أواخر الشرب وفيه الاستعانة في كل صناعة بالعارف بها قال المهلب وفيه أن العادة جرت بأن جناية ذوي الرحم مغتفرة قلت وفيه نظر لأن بن أبي شيبة روى عن أبي بكر بن عياش أن النبي صلى الله عليه وسلم أغرم حمزة ثمن الناقتين وفيه علة تحريم الخمر وفيه أن للأمام أن يمضي إلى بيت من بلغه أنهم على منكر ليغيره وقال غيره فيه حل تذكية الغاصب لأن الظاهر أنه ما بقر خواصرهما وجب أسنمتهما الا بعد التذكية المعتبرة وفيه سنة الاستئذان في الدخول وأن الإذن للرئيس يشمل أتباعه لأن زيد بن حارثة وعليا دخلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان استأذن فأذنوا له وأن السكران يلام إذا كان يعقل اللوم وأن للكبير في بيته أن يلقي رداءه تخفيفا وأنه إذا أراد لقاء أتباعه يكون على أكمل هيئة لأنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يخرج إلى حمزة أخذ رداءه وأن الصاحي لا ينبغي له أن يخاطب السكران وأن الذاهب من بين يدي زائل العقل لا يوليه ظهره كما تقدم وفيه إشارة إلى عظم قدر عبد المطلب وجواز المبالغة في المدح لقول حمزة هل أنتم الا عبيد لأبي ومراده كالعبيد ونكتة التشبيه إنهم كانوا عنده في الخضوع له وجواز تصرفه في مالهم في حكم العبيد وفيه أن الكلام يختلف باختلاف القائلين قلت وفي كثير من هذه الانتزاعات نظر والله أعلم الثاني حديث عائشة في قصة فاطمة

[ 2926 ] قوله عن صالح هو بن كيسان قوله أن فاطمة سألت أبا بكر زاد معمر عن الزهري والعباس أتيا أبا بكر وسيأتي في الفرائض قوله ما ترك هو بدل من قوله ميراثها وفي رواية الكشميهني مما ترك وفي هذه القصة رد على من قرأ قوله لا يورث بالتحتانية أوله وصدقة بالنصب على الحال وهي دعوى من بعض الرافضة فادعى أن الصواب في قراءة هذا الحديث هكذا والذي توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث لا نورث بالنون وصدقة بالرفع وأن الكلام جملتان وما تركنا في موضع الرفع بالابتداء وصدقة خبره يؤيده وروده في بعض طرق الصحيح ما تركنا فهو صدقة وقد احتج بعض المحدثين على بعض الامامية بأن أبا بكر احتج بهذا الكلام على فاطمة رضي الله عنهما فيما التمست منه من الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاراضي وهما من أفصح الفصحاء وأعلمهم بمدلولات الألفاظ ولو كان الأمر كما يقرؤه الرافضي لم يكن فيما احتج به أبو بكر حجة ولا كان جوابه مطابقا لسؤالها وهذا واضح لم أنصف قوله مما أفاء الله عليه سيأتي بيانه قريبا قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية معمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرد تأويل الداودي الشارح في قوله أن فاطمة حملت كلام أبي بكر على أنه لم يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه من غيره ولذلك غضبت وما قدمته من التأويل أولى قوله فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته في رواية معمر فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت ووقع عند عمر بن شبة من وجه آخر عن معمر فلم تكلمه في ذلك المال وكذا نقل الترمذي عن بعض مشايخه أن معنى قول فاطمة لأبي بكر وعمر لا أكلمكما أي في هذا الميراث وتعقبه الشاشي بان قرينة قوله غضبت تدل على أنها امتنعت من الكلام جملة وهذا صريح الهجر وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود من طريق أبي الطفيل قال أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله قال لا بل أهله قالت فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده فرأيت أن أرده على المسلمين قالت فأنت وما سمعته فلا يعارض ما في الصحيح من صريح الهجران ولا يدل على الرضا بذلك ثم مع ذلك ففيه لفظة منكرة وهي قول أبي بكر بل أهله فإنه معارض للحديث الصحيح أن النبي لا يورث نعم روى البيهقي من طريق الشعبي أن أبا بكر عاد فاطمة فقال لها علي هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت أتحب أن آذن له قال نعم فأذنت له فدخل عليها فترضاها حتى رضيت وهو وأن كان مرسلا فإسناده إلى الشعبي صحيح وبه يزول الاشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر وقد قال بعض الأئمة إنما كانت هجرتها انقباضا عن لقائه والاجتماع به وليس ذلك من الهجران المحرم لأن شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا وكأن فاطمة عليها السلام لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله لا نورث ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه وتمسك أبو بكر بالعموم واختلفا في أمر محتمل للتأويل فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك فإن ثبت حديث الشعبي أزال الاشكال وأخلق بالأمر أن يكون كذلك لما علم من وفور عقلها ودينها عليها السلام وسيأتي في الفرائض زيادة في هذه القصة ويأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى وقد وقع في حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عند الترمذي جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت من يرثك قال أهلي وولدي قالت فما لي لا أرث أبي قال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله قوله وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة هذا يؤيد ما تقدم من أنها لم تطلب من جميع ما خلف وإنما طلبت شيئا مخصوصا فأما خيبر ففي رواية معمر المذكورة وسهمه من خيبر وقد روى أبو داود بإسناد صحيح إلى سهل بن أبي خيثمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفها لنوائبه وحاجته ونصفها بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما ورواه بمعناه من طرق أخرى عن بشير بن يسار مرسلا ليس فيه سهل وأما فدك وهي بفتح الفاء والمهملة بعدها كاف بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل وكان من شأنها ما ذكر أصحاب المغازي قاطبة أن أهل فدك كانوا من يهود فلما فتحت خيبر أرسل أهل فدك يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يتركوا البلد ويرحلوا وروى أبو داود من طريق بن إسحاق عن الزهري وغيره قالوا بقيت بقية من خيبر تحصنوا فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم ففعل فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ولأبي داود أيضا من طريق معمر عن بن شهاب صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل فدك وقرى سماها وهو يحاصر قوما آخرين يعني بقية أهل خيبر وأما صدقته بالمدينة فروى أبو داود من طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة بني النضير فقال في آخره وكانت نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أعطاها إياه فقال

[ 2927 ] ما أفاء الله على رسوله منهم الآية قال فأعطى أكثرها للمهاجرين وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في أيدي بني فاطمة وروى عمر بن شبة من طريق أبي عون عن الزهري قال كانت صدقة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أموالا لمخيريق بالمعجمة والقاف مصغر وكان يهوديا من بقايا بني قينقاع نازلا ببني النضير فشهد أحدا فقتل به فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخيريق سابق يهود وأوصى مخيريق بأمواله للنبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق الواقدي بسنده عن عبد الله بن كعب قال قال مخيريق أن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله فهي عامة صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكانت أموال مخيريق في بني النضير وعلى هذا فقوله في الحديث الآتي وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير شمل جميع ذلك قوله لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به الا عملت به في رواية شعيب عن الزهري الآتية في المناقب وإني والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تمسك به من قال أن سهم النبي يصرفه الخليفة بعده لمن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرفه له وما بقي منه يصرف في المصالح وعن الشافعي يصرف في المصالح وهو لا ينافي الذي قبله وفي وجه هو للإمام وقال مالك والثوري يجتهد فيه الإمام وقال أحمد يصرف في الخيل والسلاح وقال بن جرير يرد إلى الأربعة قال بن المنذر كان أحق الناس بهذا القول من يوجب قسم الزكاة بين جميع الأصناف فإن فقد صنف رد على الباقين يعني الشافعي وقال أبو حنيفة يرد مع سهم ذوي القربى إلى الثلاثة وقيل يرد خمس الخمس من الغنيمة إلى الغانمين ومن الفيء إلى المصالح قوله فأما صدقته أي صدقة النبي صلى الله عليه وسلم قوله فدفعها عمر على الى وعباس سيأتي بيان ذلك في الحديث الذي يليه قوله وأما خيبر أي الذي كان يخص النبي صلى الله عليه وسلم منها وفدك فأمسكها عمر أي لم يدفعا لغيره وبين سبب ذلك وقد ظهر بهذا أن صدقة النبي صلى الله عليه وسلم تختص بما كان من بني النضير وأما سهمه من خيبر وفدك فكان حكمة إلى من يقوم بالأمر بعده وكان أبو بكر يقدم نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها مما كان يصرفه فيصرفه من خيبر وفدك وما فضل من ذلك جعله في المصالح وعمل عمر بعده بذلك فلما كان عثمان تصرف في فدك بحسب ما رآه فروى أبو داود من طريق مغيرة بن مقسم قال جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق من فدك على بني هاشم ويزوج أيمهم وأن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى وكانت كذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ثم أقطعها مروان يعني في أيام عثمان قال الخطابي إنما أقطع عثمان فدك لمروان لأنه تأول أن الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض قرابته ويشهد لصنيع أبي بكر حديث أبي هريرة المرفوع الآتي بعد باب بلفظ ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة فقد عمل أبو بكر وعمر بتفصيل ذلك بالدليل الذي قام لهما وسيأتي تمام البحث في قوله لا نورث في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى قوله فهما على ذلك إلى اليوم هو كلام الزهري أي حين حدث بذلك قوله قال أبو عبد الله أي المصنف اعتراك افتعلت كذا فيه ولعله كان افتعلك وكذا وقع في المجاز لأبي عبيدة وقوله من عروته فأصبته ومنه يعروه واعتراني أراد بذلك شرح قوله يعروه وبين تصاريفه وأن معناه الإصابة كيفما تصرف وأشار إلى قوله تعالى ان تقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء وهذه عادة البخاري يفسر اللفظة الغريبة من الحديث بتفسير اللفظة الغريبة من القرآن الحديث الثالث حديث عمر مع العباس وعلي وقع قبله في رواية أبي ذر وحده قصة فدك وكأنها ترجمة لحديث من أحاديث الباب وقد بينت أمر فدك في الذي قبله قوله حدثنا إسحاق بن محمد الفروي هو شيخ البخاري الذي تقدم قريبا في باب قتال اليهود وقد حدث عنه بواسطة كما تقدم في الصلح وفي رواية بن شبويه عن الفربري حدثنا محمد بن إسحاق الفروي وهو مقلوب وحكى عياض عن رواية القابسي مثله قال وهو وهم قلت وهذا الحديث مما رواه مالك خارج الموطأ وفي هذا الإسناد لطيفة من علوم الحديث مما لم يذكره بن الصلاح وهي تشابه الطرفين مثاله ما وقع هنا بن شهاب عن مالك وعنه مالك الأعلى بن أوس والأدنى بن أنس قوله وكان محمد بن جبير أي بن مطعم قد ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك أي الآتي ذكره قوله فانطلقت حتى أدخل كذا فيه بصيغة المضارعة في موضع الماضي في الموضعين وهي مبالغة لإرادة استحضار صورة الحال ويجوز ضم أدخل على أن حتى عاطفة أي انطلقت فدخلت والفتح على أن حتى بمعنى إلى أن قوله مالك بن أوس بن الحدثان بفتح المهملتين والمثلثة وهو نصرى بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة وأبوه صحابي وأما هو فقد ذكر في الصحابة وقال بن أبي حاتم وغيره لا تصح له صحبة وحكى بن أبي خيثمة عن مصعب أو غيره أنه ركب الخيل في الجاهلية قلت فعلى هذا لعله لم يدخل المدينة الا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كما وقع لقيس بن أبي حازم دخل أبوه وصحب وتأخر هو مع إمكان ذلك وقد تشارك أيضا في أنه قيل في كل منهما أنه أخذ عن العشرة وليس لمالك بن أوس هذا في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في البيوع وفي صنيع بن شهاب ذلك أصل في طلب علو الإسناد لأنه لم يقتنع بالحديث عنه حتى دخل عليه ليشافهه به وفيه حرص بن شهاب على طلب الحديث وتحصيله تنبيه ظن قوم أن الزهري تفرد برواية هذا الحديث فقال أبو علي الكرابيسي أنكره قوم وقالوا هذا من مستنكر ما رواه بن شهاب قال فإن كانوا علموا أنه ليس بفرد فهيهات وأن لم يعلموا فهو جهل فقد رواه عن مالك بن أوس عكرمة بن خالد وأيوب بن خالد ومحمد بن عمرو بن عطاء وغيرهم قوله حين متع النهار بفتح الميم والمثناة الخفيفة بعدها مهملة أي علا وامتد وقيل هو ما قيل الزوال ووقع في رواية مسلم من طريق جويرية عن مالك حين تعالى النهار وفي رواية يونس عن بن شهاب عند عمر بن شبة بعد ما ارتفع النهار قوله إذا رسول عمر لم اقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو يرفأ الحاجب الآتي ذكره قوله على رمال سرير بكسر الراء وقد تضم وهو ما ينسج من سعف النخل وأغرب الداودي فقال هو السرير الذي يعمل من الجريد وفي رواية جويرية فوجدته في بيته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله أي ليس تحته فراش والإفضاء إلى الشيء لا يكون بحائل وفيه إشارة إلى أن العادة أن يكون على السرير فراش قوله فقال يا مال كذا هو بالترخيم أي مالك ويجوز في اللام الكسر على الأصل والضم على أنه صار اسما مستقلا فيعرب اعراب المنادى المفرد قوله أنه قدم علينا من قومك أي من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وفي رواية جويرية عند مسلم دف أهل أبيات أي ورد جماعة بأهليهم شيئا بعد شيء يسيرون قليلا قليلا والدفيف السير اللين وكأنهم كانوا قد أصابهم جدب في بلادهم فانتجعوا المدينة قوله يرضخ بفتح الراء وسكون المعجمة بعدها خاء معجمة أي عطية غير كثيرة ولا مقدرة وقوله لو أمرت به غيري قاله تحرجا من قبول الأمانة ولم يبين ما جرى له فيه اكتفاء بقرينة الحال والظاهر أنه قبضه لعزم عمر عليه ثاني مرة قوله أتاه حاجبه يرفا بفتح التحتانية وسكون الراء بعدها فاء مشبعة بغير همز وقد تهمز وهي روايتنا من طريق أبي ذر ويرفا هذا كان من موالي عمر أدرك الجاهلية ولا تعرف له صحبة وقد حج مع عمر في خلافة أبي بكر وله ذكر في حديث بن عمر قال قال عمر لمولى له يقال له يرفا إذا جاء طعام يزيد بن أبي سفيان فأعلمني فذكر قصة وروى سعيد بن منصور عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن يرفا قال قال لي عمر إني أنزلت نفسي من مال المسلمين منزلة مال اليتيم وهذا يشعر بأنه عاش إلى خلافة معاوية قوله هل لك في عثمان أي بن عفان وعبد الرحمن ولم أر في شيء من طرقه زيادة على الأربعة المذكورين الا في رواية للنسائي وعمر بن شبة من طريق عمرو بن دينار عن بن شهاب وزاد فيها وطلحة بن عبيد الله وكذا في رواية الإمامي عن بن شهاب عند عمر بن شبة أيضا وكذا أخرجه أبو داود من طريق أبي البختري عن رجل لم يسمه قال دخل العباس وعلي فذكر القصة بطولها وفيها ذكر طلحة لكن لم يذكر عثمان قوله فأذن لهم فدخلوا في رواية شعيب في المغازي فأدخلهم قوله ثم قال هل لك في علي وعباس زاد شعيب يستأذنان قوله فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا زاد شعيب ويونس فاستب علي وعباس وفي رواية عقيل عن بن شهاب في الفرائض اقض بيني وبين هذا الظالم استبا وفي رواية جويرية وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن ولم أر في شيء من الطرق أنه صدر من علي في حق العباس شيء بخلاف ما يفهم قوله في رواية عقيل استبا واستصوب المازري صنيع من حذف هذه الألفاظ من هذا الحديث وقال لعل بعض الرواة وهم فيها وأن كانت محفوظة فأجود ما تحمل عليه أن العباس قاله دلالا على علي لأنه كان عنده بمنزلة الولد فأراد ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعل ما يفعله عن عمد قال ولا بد من هذا التأويل لوقوع ذلك بمحضر الخليفة ومن ذكر معه ولم يصدر منهم إنكار لذلك مع ما علم من تشددهم في إنكار المنكر قوله وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير يأتي القول فيه قريبا قوله فقال الرهط في رواية مسلم فقال القوم وزاد فقال مالك بن أوس يخيل إلي إنهم قد كانوا قدموهم لذلك قلت ورأيت في رواية معمر عن الزهري في مسند بن أبي عمر فقال الزبير بن العوام اقض بينهما فأفادت تعيين من باشر سؤال عمر في ذلك قوله تئيدكم كذا في رواية أبي ذر بفتح المثناة وكسر التحتانية مهموز وفتح الدال قال بن التين أصلها تيدكم والتؤدة الرفق ووقع في رواية الأصيلي بكسر أوله وضم الدال وهو اسم فعل كرويدا أي اصبروا وأمهلوا وعلى رسلكم وقيل أنه مصدر تاد يتيد كما يقال سيروا سيركم ورد بأنه لم يسمع في اللغة ويؤيد الأول ما وقع في رواية عقيل وشعيب ايتدوا أي تمهلوا وكذا عند مسلم وأبي داود وللإسماعيلي من طريق بشر بن عمر عن مالك فقال عمر ايتد بلفظ الأمر للمفرد قوله أنشدكما أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك كذا فيه وفي رواية مسلم قالا نعم ومعنى أنشدكما أسألكما رافعا نشدى أي صوتي قوله أن الله قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء في رواية مسلم بخاصة لم يخصص بها غيره وفي رواية عمرو بن دينار عن بن شهاب في التفسير كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله فكانت له خاصة وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله وفي رواية سفيان عن معمر عن الزهري الآتية في النفقات كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم أي ثمر النخل وفي رواية أبي داود من طريق أسامة بن زيد عن بن شهاب كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا بنو النضير وخيبر وفدك فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل وأما خيبر فجزأها بين المسلمين ثم قسم جزءا لنفقة أهله وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يقسم في فقراء المهاجرين وفي مشترى السلاح والكراع وذلك مفسر لرواية معمر عند مسلم ويجعل ما بقي منه مجعل مال الله وزاد أبو داود في رواية أبي البختري المذكورة وكان ينفق على أهله ويتصدق بفضله وهذا لا يعارض حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة على شعير لأنه يجمع بينهما بأنه كان يدخر لأهله قوت سنتهم ثم في طول السنة يحتاج لمن يطرقه إلى إخراج شيء منه فيخرجه فيحتاج إلى أن يعوض من يأخذ منها عوضه فلذلك استدان قوله ما احتازها كذا للأكثر بحاء مهملة وزاي معجمة وفي رواية الكشميهني بخاء معجمة وراء مهملة هذا ظاهر في أن ذلك كان مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم الا أنه واسى به اقرباءه وغيرهم بحسب حاجتهم ووقع في رواية عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس عند النسائي ما يؤيد ذلك قوله ثم قال لعلي وعباس أنشدكما الله هل تعلمان ذلك زاد في رواية عقيل قالا نعم قوله ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد في رواية عقيل وأنتما حينئذ وأقبل على علي وعباس تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا وفي رواية شعيب كما تقولان وفي رواية مسلم من الزيادة فجئتما تطلب ميراثك من بن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا وكأن الزهري كان يحدث به تارة فيصرح وتارة فيكنى وكذلك مالك وقد حذف ذلك في رواية بشر بن عمر عنه عند الإسماعيلي وغيره وهو نظير ما سبق من قول العباس لعلي وهذه الزيادة من رواية عمر عن أبي بكر حذفت من رواية إسحاق الفروي شيخ البخاري وقد ثبت أيضا في رواية بشر بن عمر عنه عند أصحاب السنن والإسماعيلي وعمرو بن مرزوق وسعيد بن داود كلاهما عند الدارقطني عن مالك على ما قال جويرية عن مالك واجتماع هؤلاء عن مالك يدل على إنهم حفظوه وهذا القدر المحذوف من رواية إسحاق ثبت من روايته في موضع آخر من الحديث لكن جعل القصة فيه لعمر حيث قال جئتني يا عباس تسألني نصيبك من بن أخيك وفيه فقلت لكما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث فاشتمل هذا الفصل على مخالفة إسحاق لبقية الرواة عن مالك في كونهم جعلوا القصة عند أبي بكر وجعلوا الحديث المرفوع من حديث أبي بكر من رواية عمر عنه وإسحاق الفروي جعل القصة عند عمر وجعل الحديث المرفوع من روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة أبي بكر وقد وقع في رواية شعيب عن بن شهاب نظير ما وقع في رواية إسحاق الفروي سواء وكذلك وقع في رواية يونس عن بن شهاب عند عمر بن شبة وأما رواية عقيل الآتية في الفرائض فاقتصر فيها على أن القصة وقعت عند عمر بغير ذكر الحديث المرفوع أصلا وهذا يشعر بأن لسياق إسحاق الفروي أصلا فلعل القصتين محفوظتان واقتصر بعض الرواة على ما لم يذكره الآخر ولم يتعرض أحد من الشراح لبيان ذلك وفي ذلك اشكال شديد وهو أن أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه صلى الله عليه وسلم قال لا نورث فإن كانا سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر وأن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر والذي يظهر والله أعلم حمل الأمر في ذلك على ما تقدم في الحديث الذي قبله في حق فاطمة وأن كلا من علي وفاطمة والعباس اعتقد أن عموم قوله لا نورث مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض ولذلك نسب عمر إلى علي وعباس إنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك وأما مخاصمة علي وعباس بعد ذلك ثانيا عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على إنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث ولفظه في آخره ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من بن أخي ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي والله لا أقضي بينكما الا بذلك أي الا بما تقدم من تسليمها لهما على سبيل الولاية وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه وفي السنن لأبي داود وغيره أرادا أن عمر يقسمها لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه فامتنع عمر من ذلك وأراد أن لا يقع عليها اسم قسم ولذلك أقسم على ذلك وعلى هذا اقتصر أكثر الشراح واستحسنوه وفيه من النظر ما تقدم وأعجب من ذلك جزم بن الجوزي ثم الشيخ محيي الدين بأن عليا وعباسا لم يطلبا من عمر الا ذلك مع أن السياق صريح في أنهما جاآه مرتين في طلب شيء واحد لكن العذر لابن الجوزي والنووي إنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري والله أعلم وأما قول عمر جئتني يا عباس تسألني نصيبك من بن أخيك فإنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يقسم أن لو كان هناك ميراث لا أنه أراد الغض منهما بهذا الكلام وزاد الإمامي عن بن شهاب عند عمر بن شبة في آخره فأصلحا أمركما وإلا لم يرجع والله إليكما فقاما وتركا الخصومة وأمضيت صدقة وزاد شعيب في آخره قال بن شهاب فحدثت به عروة فقال صدق مالك بن أوس أنا سمعت عائشة تقول فذكر حديثا قال وكانت هذه الصدقة بيد على منعها عباسا فغلبه عليها ثم كانت بيد الحسن ثم بيد الحسين ثم بيد علي بن الحسين والحسن بن الحسن ثم بيد زيد بن الحسن وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مثله وزاد في آخره قال معمر ثم كانت بيد عبد الله بن حسن حتى ولي هؤلاء يعني بني العباس فقبضوها وزاد إسماعيل القاضي أن أعراض العباس عنها كان في خلافة عثمان قال عمر بن شبة سمعت أبا غسان هو محمد بن يحيى المدني يقول أن الصدقة المذكورة اليوم بيد الخليفة يكتب في عهده يولى عليها من قبله من يقبضها ويفرقها في أهل الحاجة من أهل المدينة قلت كان ذلك على رأس المائتين ثم تغيرت الأمور والله المستعان واختلف العلماء في مصرف الفيء فقال مالك الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال ويعطى الإمام أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاده وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفيء فقال الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال لا يتعدى به إلى غيرهم وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى رأي الإمام بحسب المصلحة وانفرد الشافعي كما قال بن المنذر وغيره بأن الفيء يخمس وأن أربعة أخماسه للنبي صلى الله عليه وسلم وله خمس الخمس كما في الغنيمة وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة وقال الجمهور مصرف الفيء كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا بقول عمر فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وتأول الشافعي قول عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة قال بن بطال مناسبة ذكر حديث عائشة في قصة فاطمة في باب فرض الخمس أن الذي سألت فاطمة أن تأخذه من جملته خيبر والمراد به سهمه صلى الله عليه وسلم منها وهو الخمس وسيأتي في المغازي بلفظ مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر وفي حديث عمر أنه يجب أن يتولى أمر كل قبيلة كبيرهم لأنه أعرف باستحقاق كل رجل منهم وأن للأمام أن ينادي الرجل الشريف الكبير باسمه وبالترخيم حيث لم يرد بذلك تنقيصه وفيه استعفاء المرء من الولاية وسؤاله الإمام ذلك بالرفق وفيه اتخاذ الحاجب والجلوس بين يدي الإمام والشفاعة عنده في انفاذ الحكم وتبيين الحاكم وجه حكمه وفيه إقامة الإمام من ينظر على الوقف نيابة عنه والتشريك بين الإثنين في ذلك ومنه يؤخذ جواز أكثر منهما بحسب المصلحة وفيه جواز الادخار خلافا لقول من أنكره من مشددي المتزهدين وأن ذلك لا ينافي التوكل وفيه جواز اتخاذ العقار واستغلال منفعته ويؤخذ منه جواز اتخاذ غير ذلك من الأموال التي يحصل بها النماء والمنفعة من زراعة وتجارة وغير ذلك وفيه أن الإمام إذا قام عنده الدليل صار إليه وقضى بمقتضاه ولم يحتج إلى أخذه من غيره ويؤخذ منه جواز حكم الحاكم بعلمه وأن الأتباع إذا رأوا من الكبير انقباضا لم يفاتحتهم حتى يفتحهم بالكلام واستدل به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يملك شيئا من الفيء ولا خمس الغنيمة الا قدر حاجته وحاجة من يمونه وما زاد على ذلك كان له فيه التصرف بالقسم والعطية وقال آخرون لم يجعل الله لنبيه ملك رقبة ما غنمه وإنما ملكه منافعه وجعل له منه قدر حاجته وكذلك القائم بالأمر بعده وقال بن الباقلاني في الرد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يورث احتجوا بعموم قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم قال أما من أنكر العموم فلا استغراق عنده لكل من مات أنه يورث وأما من أثبته فلا يسلم دخول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولو سلم دخوله لوجب تخصيصه لصحة الخبر وخبر الآحاد يخصص وأن كان لا ينسخ فكيف بالخبر إذا جاء مثل مجيء هذا الخبر وهو لا نورث

قوله باب أداء الخمس من الدين أورد فيه حديث بن عباس في قصة وفد عبد القيس وقد تقدم شرحه في كتاب الأيمان وترجم عليه هناك أداء الخمس من الإيمان وهو على قاعدته في ترادف الإيمان والإسلام والدين وقد تقدم في كتاب الإيمان من شرح ذلك ما فيه كفاية وتقدم في أول الخمس بيان ما يتعلق به

قوله باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث أبي هريرة لا تقتسم ورثتي دينارا وقد تقدم بهذا الإسناد في أواخر الوقف وقد تقدم ما يتعلق بشرحه قبل بباب وسيأتي بقية ما يتعلق منه بالميراث في الفرائض واختلف في المراد بقوله عاملي فقيل الخليفة بعده وهذا هو المعتمد وهو الذي يوافق ما تقدم في حديث عمر وقيل يريد بذلك العامل على النخل وبه جزم الطبري وابن بطال وأبعد من قال المراد بعامله حافر قبره عليه الصلاة والسلام وقال بن دحية في الخصائص المراد بعامله خادمه وقيل العامل على الصدقة وقيل العامل فيها كالاجير وقوله

[ 2929 ] في هذه الرواية دينار كذا وقع في رواية مالك عن أبي الزناد في الصحيحين فقيل هو تنبيه بالأدنى على الأعلى وأخرجه مسلم من رواية سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بلفظ دينارا ولا درهما وهي زيادة حسنة وتابعه عليها سفيان الثوري عن أبي الزناد عند الترمذي في الشمائل واستدل به على أجرة القسام ثانيها حديث عائشة في قصة الشعير الذي كان في رفها فكالته ففني وسيأتي بسنده ومتنه وشرحه في الرقاق وتقدم الإلمام بشيء من ذلك في باب ما يستحب من الكيل أوائل البيوع قال بن المنير وجه دخول حديث عائشة في الترجمة أنها لو لم تستحق النفقة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ الشعير منها ثالثها حديث أبي إسحاق وهو السبيعي عن عمرو بن الحارث ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الا سلاحه الحديث وقد تقدم في الوصايا وأن شرحه يأتي مستوفى في أواخر المغازي ووقع عند القابسي في أوله حدثنا يحيى عن سفيان فسقط عليه شيخ البخاري مسدد ولا بد منه نبه عليه الجياني ولو كان على ظاهر ما عنده لأمكن أن يكون يحيى هو بن موسى أو بن جعفر وسفيان هو بن عيينة

قوله باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن وقول الله عز وجل وقرن في بيوتكن ولا تدخلوا بيوت النبي الا أن يؤذن لكم قال بن المنير غرضه بهذه الترجمة أن يبين أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين لأن نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم والسر فيه حبسهن عليه ثم ذكر فيه سبعة أحاديث الأول حديث عائشة استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ذكره مختصرا ثانيها حديثها توفي في بيتي وفي نوبتي وفيه ذكر السواك مع عبد الرحمن وسيأتي الكلام عليهما مستوفى في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى ثالثا حديث صفية بنت حيي أنها جاءت تزوره وهو معتكف والغرض منه قولها فيه عند باب أم سلمة وقد تقدم شرحه في الاعتكاف رابعها حديث بن عمر ارتقيت فوق بيت حفصة وقد تقدم شرحه في الطهارة خامسها حديث عائشة كان يصلي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها وقد تقدم شرحه في المواقيت سادسها حديث عبد الله وهو بن عمر الفتنة ههنا وسيأتي شرحه في الفتن والغرض منه قوله وأشار نحو مسكن عائشة واعترض الإسماعيلي بأن ذكر المسكن لا يناسب ما قصد لأنه يستوي فيه المالك والمستعير وغيرهما سابعها حديث عائشة أنها سمعت صوت أنسان يستأذن في بيت حفصة وقد تقدم بهذا الإسناد في الشهادات ويأتي شرحه في الرضاع تنبيه وقع في سياقه في الشهادات زيادة على سبيل الوهم في رواية أبي ذر وكذا في رواية الأصيلي عن شيخه وقد ضرب عليها في بعض نسخ أبي ذر والصواب حذفها ولفظ الزيادة فقلت يا رسول الله أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة فقالت عائشة فهذا القدر زائد والصواب حذفه كما نبه عليه صاحب المشارق قال الطبري قيل كان النبي صلى الله عليه وسلم ملك كلا من أزواجه البيت الذي هي فيه فسكن بعده فيهن بذلك التمليك وقيل إنما لم ينازعهن في مساكنهن لأن ذلك من جملة مؤنتهن التي كان النبي صلى الله عليه وسلم استثناها لهن مما كان بيده أيام حياته حيث قال ما تركت بعد نفقة نسائي قال وهذا أرجح ويؤيده أن ورثتهن لم يرثن عنهن منازلهن ولو كانت البيوت ملكا لهن لانتقلت إلى ورثتهن وفي ترك ورثتهن حقوقهم منها دلالة على ذلك ولهذا زيدت بيوتهن في المسجد النبوي بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين كما فعل فيما كان يصرف لهن من النفقات والله أعلم وادعى المهلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حبس عليهن بيوتهن ثم استدل به على أن من حبس دارا جاز له أن يسكن منها في موضع وتعقبه بن المنير بمنع أصل الدعوى ثم على التنزل لا يوافق ذلك مذهبه الا أن صرح بالاستثناء ومن أين له ذلك

قوله باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك الغرض من هذه الترجمة تثبيت أنه صلى الله عليه وسلم لم يورث ولا بيع موجوده بل ترك بيد من صار إليه للتبرك به ولو كانت ميراثا لبيعت وقسمت ولهذا قال بعد ذلك مما لم تذكر قسمته وقوله مما تبرك أصحابه أي به وحذفه للعلم به كذا للأصيلي ولأبي ذر عن شيخيه شرك بالشين من الشركة وهو ظاهر وفي رواية الكشميهني مما يتبرك به أصحابه وهو يقوي رواية الأصيلي وأما قول المهلب أنه إنما ترجم بذلك ليتأسى به ولاة الأمور في اتخاذ هذه الآلات ففيه نظر وما تقدم أولى وهو الاليق لدخوله في أبواب الخمس ثم ذكر فيه أحاديث ليس فيها مما ترجم به الا الخاتم والنعل والسيف وذكر فيه الكساء والازار ولم يصرح بهما في الترجمة فمما ذكره في الترجمة ولم يخرج حديثه في الباب الدرع ولعله أراد أن يكتب فيها حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة فلم يتفق ذلك وقد سبق في البيوع والرهن ومن ذلك العصا ولم يقع لها ذكر في الأحاديث التي أوردها ولعله أراد أن يكتب حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن بمحجن وقد مضى في الحج وسيأتي في حديث علي في تفسير سورة والليل إذا يغشى ذكر المخصرة وأنه صلى الله عليه وسلم جعل ينكت بها في الأرض وهي عصا يمسكها الكبير يتكئ عليها وكان قضيبه صلى الله عليه وسلم من شوحط وكانت عند الخلفاء بعده حتى كسرها جهجاه الغفاري في زمن عثمان ومن ذلك الشعر ولعله أراد أن يكتب فيه حديث أنس الماضي في الطهارة في قول بن سيرين عندنا شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم صار إلينا من قبل أنس وأما قوله وآنيته بعد ذكر القدح فمن عطف العام على الخاص ولم يذكر في الباب من الآنية سوى القدح وفيه كفاية لأنه يدل على ما عداه وأما الأحاديث التي أوردها في الباب فالأول منها حديث أنس في الخاتم والغرض منه

[ 2939 ] قوله فيه أن أبا بكر ختم الكتاب بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مطابق لقوله في الترجمة وما استعمل الخلفاء من ذلك وسيأتي في اللباس فيه من الزيادة أنه كان في يد أبي بكر وفي يد عمر بعده وأنه سقط من يد عثمان ويأتي شرحه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى الثاني حديثه أنه أخرج نعلين جرداوين بالجيم أي لا شعر عليهما وقيل خلقتين

[ 2940 ] قوله لهما في رواية الكشميهني لها قبالان بكسر القاف وتخفيف الموحدة قوله فحدثني ثابت القائل هو عيسى بن طهمان راوي الحديث عن أنس وكأنه رأى النعلين مع أنس ولم يسمع منه نسبتهما فحدثه بذلك ثابت عن أنس وسيأتي شرحه في اللباس أيضا إن شاء الله تعالى الثالث حديث عائشة قوله عن أبي بردة هو بن أبي موسى

[ 2941 ] قوله كساء ملبدا أي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبد ويقال المراد هنا المرقع قوله وزاد سليمان هو بن المغيرة عن حميد هو بن هلال وصله مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة به وسيأتي بقية شرحه في كتاب اللباس أيضا الرابع حديث أنس

[ 2942 ] قوله عن أبي حمزة هو السكري قوله عن عاصم عن بن سيرين كذا للأكثر ووقع في رواية أبي زيد المروزي بإسقاط بن سيرين وهو خطأ وقد أخرجه البزار في مسنده عن البخاري بهذا الإسناد وقال لا نعلم من رواه عن عاصم هكذا الا أبا حمزة وقال الدارقطني خالفه شريك عن عاصم عن أنس لم يذكر بن سيرين والصحيح قول أبي حمزة قلت قد رواه أبو عوانة عن عاصم ففصل بعضه عن أنس وبعضه عن بن سيرين عن أنس وسيأتي بيانه في الأشربة ونبه على ذلك أبو علي الجياني وسيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى قوله أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ في رواية أبي ذر بضم المثناة على البناء للمفعول وفي رواية غيره بفتحها على البناء للفاعل والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأنس وجزم بعض الشراح بالثاني واحتج برواية بلفظ فجعلت مكان الشعب سلسلة ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون فجعلت بضم الجيم على البناء للمجهول فرجع إلى الاحتمال لإبهام الجاعل قوله قال عاصم هو الأحول الراوي رأيت القدح وشربت فيه الخامس حديث المسور بن مخرمة في خطبة على بنت أبي جهل وسيأتي الكلام عليه مستوفى في النكاح والغرض منه ما دار بين المسور بن مخرمة وعلي بن الحسين في أمر سيف النبي صلى الله عليه وسلم وأراد المسور بذلك صيانة سيف النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يأخذه من لا يعرف قدره والذي يظهر أن المراد بالسيف المذكور ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر ورأى فيه الرؤيا يوم أحد وقال الكرماني مناسبة ذكر المسور لقصة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من جهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحترز عما يوجب وقوع التكدير بين الاقرباء أي فكذلك ينبغي أن تعطيني السيف حتى لا يحصل بينك وبين اقربائك كدورة بسببه أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراعي جانب بني عمه العبشميين فأنت أيضا راع جانب بني عمك النوفليين لأن المسور نوفلي كذا قال والمسور زهري لا نوفلي قال أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب رفاهية خاطر فاطمة عليها السلام فأنا أيضا أحب رفاهية خاطرك لكونك بن ابنها فأعطني السيف حتى أحفظه لك قلت وهذا الأخير هو المعتمد وما قبله ظاهر التكلف وسأذكر اشكالا يتعلق بذلك في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى السادس

[ 2943 ] قوله عن محمد بن سوقة بضم المهملة وسكون الواو ثقة عابد مشهور وهو وشيخه منذر بن يعلى أبو يعلى الثوري كوفيان قرينان من صغار التابعين

[ 2944 ] قوله لو كان على ذاكرا عثمان زاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن قتيبة ذاكرا عثمان بسوء وروى بن أبي شيبة من وجه آخر عن محمد بن سوقة حدثني منذر قال كنا عند بن الحنفية فنال بعض القوم من عثمان فقال مه فقلنا له أكان أبوك يسب عثمان فقال ما سبه ولو سبه يوما لسبه يوم جئته فذكره قوله جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان لم اقف على تعيين الشاكي ولا المشكو والسعاة جمع ساع وهو العامل الذي يسعى في استخراج الصدقة ممن تجب عليه ويحملها إلى الإمام قوله فقال لي علي أذهب إلى عثمان فأخبره أنها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أن الصحيفة التي أرسل بها إلى عثمان مكتوب فيها بيان مصارف الصدقات وقد بين في الرواية الثانية أنه قال له خذ هذا الكتاب فإن فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة وفي رواية بن أبي شيبة خذ كتاب السعاة فاذهب به إلى عثمان قوله أغنها بهمزة مفتوحة ومعجمة ساكنة وكسر النون أي اصرفها تقول أغن وجهك عني أي اصرفه ومثله قوله لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه أي يصده ويصرفه عن غيره ويقال قوله اغنها عنا بألف وصل من الثلاثي وهي كلمة معناها الترك والاعراض ومنه واستغنى الله أي تركهم الله لأن كل من استغنى عن شيء تركه تقول غنى فلان عن كذا فهو غان بوزن علم فهو عالم وفي رواية بن أبي شيبة لا حاجة لنا فيه وقيل كان علم ذلك عند عثمان فاستغنى عن النظر في الصحيفة وقال الحميدي في الجمع قال بعض الرواة عن بن عيينة لم يجد علي بدا حين كان عنده علم منه أن ينهيه إليه ونرى أن عثمان إنما رده لأن عنده علما من ذلك فاستغنى عنه ويستفاد من الحديث بذل النصيحة للأمراء وكشف أحوال من يقع منه الفساد من أتباعهم وللإمام التنقيب عن ذلك ويحتمل أن يكون عثمان لم يثبت عنده ما طعن به على سعاته أو ثبت عنده وكان التدبير يقتضي تأخير الإنكار أو كان الذي أنكره من المستحبات لا من الواجبات ولذلك عذره على ولم يذكره بسوء قوله فأخبرته فقال ضعها حيث أخذتها في رواية بن أبي شيبة ضعه موضعه قوله وقال الحميدي الخ هو في كتاب النوادر له بهذا الإسناد والحميدي من شيوخ البخاري في الفقه والحديث كما تقدم في أول هذا الكتاب وأراد بروايته هذه بيان تصريح سفيان بالتحديث وكذا التصريح بسماع محمد بن سوقة من منذر ولم أقف في شيء من طرقه على تعيين ما كان في الصحيفة لكن أخرج الخطابي في غريب الحديث من طريق عطية عن بن عمر قال بعث على إلى عثمان بصحيفة فيها لا تأخذوا الصدقة من الرخة ولا من النخة قال الخطابي النخة بنون ومعجمة أولاد الغنم والرخة براء ومعجمة أيضا أولاد الإبل انتهى وسنده ضعيف لكنه مما يحتمل

قوله باب الدليل على أن الخمس أي خمس الغنيمة لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين النوائب جمع نائبة وهو ما ينوب الإنسان من الأمر الحادث وايثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة وشكت إليه الطحن في رواية الكشميهني والطحين والرحى أن يخدمها من السبي فوكلها إلى الله تعالى ثم ذكر حديث علي أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسبي فأتته تسأله خادما فذكر الحديث وفيه ألا أدلكما على خير مما سألتما فذكر الذكر عند النوم وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وليس فيه ذكر أهل الصفة ولا الارامل وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته وهو ما أخرجه أحمد من وجه آخر عن علي في هذه القصة مطولا وفيه والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكن ابيعهم وأنفق عليهم أثمانهم وفي حديث الفضل بن الحسن الضمري عن ضباعة أو أم الحكم بنت الزبير قالت أصاب النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فذهبت أنا وأختي فاطمة نسأله فقال سبقكما يتامى بدر الحديث أخرجه أبو داود وتقدم من حديث بن عمر في الهبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أن ترسل الستر إلى أهل بيت بهم حاجة قال إسماعيل القاضي هذا الحديث يدل على أن للأمام أن يقسم الخمس حيث يرى لأن الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين والذي يختص بالامام هو الخمس وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم ابنته وأعز الناس عليه من اقربيه وصرفه إلى غيرهم وقال نحوه الطبري لو كان سهم ذوي القربى قسما مفروضا لأخدم ابنته ولم يكن ليدع شيئا اختاره الله لها وامتن به على ذوي القربى وكذا قال الطحاوي وزاد وأن أبا بكر وعمر أخذا بذلك وقسما جميع الخمس ولم يجعلا لذوي القربى منه حقا مخصوصا به بل بحسب ما يرى الإمام وكذلك فعل علي قلت في الاستدلال بحديث على هذا نظر لأنه يحتمل أن يكون ذلك من الفيء وأما خمس الخمس من الغنيمة فقد روى أبو داود من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال قلت يا رسول الله أن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس الحديث وله من وجه آخر عنه ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياته الحديث فيحتمل أن تكون قصة فاطمة وقعت قبل فرض الخمس والله أعلم وهو بعيد لأن قوله تعالى واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه الآية نزلت في غزوة بدر وقد مضى قريبا أن الصحابة اخرجوا الخمس من أول غنيمة غنموها من المشركين فيحتمل أن حصة خمس الخمس وهو حق ذوي القربى من الفيء المذكور لم يبلغ قدر الرأس الذي طلبته فاطمة فكان حقها من ذلك يسيرا جدا يلزم منه أن لو أعطاها الرأس أثرني حق بقية المستحقين ممن ذكر وقال المهلب في هذا الحديث أن للإمام أن يؤثر بعض مستحقي الخمس على بعض ويعطى الأوكد فالأوكد ويستفاد من الحديث حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من التقلل والزهد في الدنيا والقنوع بما أعد الله لأوليائه الصابرين في الآخرة قلت وهذا كله بناء على ما يقتضيه ظاهر الترجمة وأما مع الاحتمال الذي ذكرته أخيرا فلا يمكن أن يؤخذ من ذكر الايثار عدم وقوع الاشتراك في الشيء ففي ترك القسمة واعطاء أحد المستحقين دون الآخر إيثار الآخذ على الممنوع فلا يلزم منه نفي الاستحقاق وسيأتي مزيد في هذه المسألة بعد ثمانية أبواب

قوله باب قوله تعالى فان لله خمسه وللرسول يعني وللرسول قسم ذلك هذا اختيار منه لأحد الأقوال في تفسير هذه الآية والأكثر على أن اللام في قوله للرسول للملك وأن للرسول خمس الخمس من الغنيمة سواء حضر القتال أو لم يحضر وهل كان يملكه أو لا وجهان للشافعية ومال البخاري إلى الثاني واستدل له قال إسماعيل القاضي لا حجة لمن ادعى أن الخمس يملكه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول لأنه تعالى قال يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول واتفقوا على أنه قبل فرض الخمس كان يعطي الغنيمة للغانمين بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده فلما فرض الخمس تبين للغانمين أربعة اخماس الغنيمة لا يشاركهم فيها أحد وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم بنسبة الخمس إليه إشارة إلى أنه ليس للغانمين فيه حق بل هو مفوض إلى رأيه وكذلك إلى الإمام بعده وقد تقدم نقل الخلاف فيه في الباب الأول واجمعوا على أن اللام في قوله تعالى لله للتبرك الا ما جاء عن أبي العالية فإنه قال تقسم الغنيمة خمسة أسهم ثم السهم الأول يقسم قسمين قسم لله وهو للفقراء وقسم الرسول له وأما من بعده فيضعه الإمام حيث يراه قوله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي لم يقع هذا اللفظ في سياق واحد وإنما هو مأخوذ من حديثين أما حديث إنما أنا قاسم فهو طرف من حديث أبي هريرة المذكور في الباب وتقدم في العلم من حديث معاوية بلفظ وإنما أنا قاسم والله يعطي في اثناء حديث وأما حديث إنما أنا خازن والله يعطي فهو طرف من حديث معاوية المذكور ويأتي موصولا في الاعتصام بهذا اللفظ ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الأول حديث جابر ذكره من طرق قوله عن سليمان هو الأعمش وبين البخاري الاختلاف على شعبة هل أراد الأنصاري أن يسمي ابنه محمدا أو القاسم وأشار إلى ترجح أنه أراد أن يسميه القاسم برواية سفيان وهو الثوري له عن الأعمش فسماه القاسم ويترجح أنه أيضا من حيث المعنى لأنه لم يقع الإنكار من الأنصار عليه الا حيث لزم من تسمية ولده القاسم أن يصير يكنى أبا القاسم وسيأتي البحث في هذه المسألة في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله قال شعبة في حديث منصور أن الأنصاري قال حملته على عنقي هذا يقتضي أن يكون الحديث من رواية جابر عن الأنصاري بخلاف رواية غيره فإنها من مسند جابر قوله وقال حصين بعثت قاسما أقسم بينكم هو من رواية شعبة عن حصين أيضا كما سيأتي في الأدب قوله وقال عمرو هو بن مرزوق وهو من شيوخ البخاري وطريقه هذه وصلها أبو نعيم في المستخرج وكأن شبعة كان تارة يحدث به عن بعض مشايخه دون بعض وتارة يجمعهم ويفصل ألفاظهم وقوله لا تكنوا وقع في رواية الكشميهني ولا تكنوا بفتح الكاف وتشديد النون وقوله

[ 2947 ] في رواية سفيان عن الأعمش لا نكنيك ولا ننعمك عينا وقع في رواية الكشميهني بالجزم فيهما في الموضعين ومعنى قوله لا ننعمك عينا لا نكرمك ولا تقر عينك بذلك وسيأتي في الأدب من الزيادة من وجه آخر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لانصاري سم ابنك عبد الرحمن الثاني حديث معاوية وهو يشتمل على ثلاثة أحكام من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وقد تقدم شرح صدره في كتاب العلم ويأتي شرح الأخير منه في الاعتصام والغرض منه

[ 2948 ] قوله والله المعطي وأنا القاسم وهذا مطابق لأحاديث الباب الحديث الثالث حديث أبي هريرة

[ 2949 ] قوله ما أعطيكم ولا أمنعكم في رواية أحمد عن شريح بن النعمان عن فليح في أوله والله المعطي والمعنى لا اتصرف فيكم بعطية ولا منع برأيي وقوله إنما أنا القاسم اضع حيث أمرت أي لا أعطى أحدا ولا أمنع أحدا الا بأمر الله وقد أخرجه أبو داود من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ أن أنا الا خازن الرابع

[ 2950 ] قوله حدثنا عبد الله بن يزيد هو أبو عبد الرحمن المقري قوله حدثنا سعيد زاد المستملي بن أبي أيوب وأبو الأسود هو النوفلي الذي يقال له يتيم عروة والنعمان بن أبي عياش بالتحتانية والمعجمة أنصاري وهو زرقي وبذلك وصفه الدورقي واسم أبي عياش عبيد وقيل زيد بن معاوية بن الصامت قوله عن خولة الأنصارية في رواية الإسماعيلي بنت ثامر الأنصارية وزاد في أوله الدنيا خضرة حلوة وأن رجالا أخرجه الترمذي من طريق سعيد المقبري عن أبي الوليد سمعت خولة بنت قيس وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن هذا المال خضرة حلوة من أصابه بحقه بورك له فيه ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة الا النار قال الترمذي حسن صحيح وأبو الوليد اسمه عبيد قلت فرق غير واحد بين خولة بنت ثامر وبين خولة بنت قيس وقيل أن قيس بن قهد بالقاف لقبه ثامر وبذلك جزم علي بن المديني فعلى هذا فهي واحدة وقوله خضرة انث على تأويل الغنيمة بدليل قوله من مال الله ويحتمل ما هو أعم من ذلك وقوله خضرة أي مشتهاة والنفوس تميل إلى ذلك وقوله من مال الله مظهر أقيم مقام المضمر أشعارا بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي وقوله ليس له يوم القيامة الا النار حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله ففيه اشعار بالغلبة قوله يتخوضون بالمعجمتين في مال الله بغير حق أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها وبذلك تناسب الترجمة تنبيه قال الكرماني مناسبة حديث خولة للترجمة خفية ويمكن أن تؤخذ من قوله يتخوضون في مال الله بغير حق أي بغير قسمة حق واللفظ وأن كان عاما لكن خصصناه بالقسمة لتفهم منه الترجمة قلت ولا تحتاج إلى قيد الاعتذار لأن قوله بغير يدخل في عمومه الصورة المذكورة فيصح الاحتجاج به على شرطية القسمة في أموال الفيء والغنيمة بحكم العدل واتباع ما ورد في الكتاب والسنة وكأن المصنف أراد بإيراده تخويف من يخالف ذلك ويستفاد من هذه الأحاديث أن بين الاسم والمسمى به مناسبة لكن لا يلزم اطراد ذلك وأن من أخذ من الغنائم شيئا بغير قسم الإمام كان عاصيا وفيه ردع الولاة أن يأخذوا من المال شيئا بغير حقه أو يمنعوه من أهله

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أحلت لكم الغنائم كذا للجميع ووقع عند بن التين أحلت لي وهو أشبه لأنه ذكر بهذا اللفظ في هذا الباب وهذا الثاني طرف من حديث جابر الماضي في التيمم وقد تقدم بيان ما كان من قبلنا يصنع في الغنيمة قوله وقال الله عز وجل وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها الآية هذه الآية نزلت في أهل الحديبية بالاتفاق ولما انصرفوا من الحديبية فتحوا خيبر كما سيأتي في مكانه قوله فهي للعامة أي الغنيمة لعموم المسلمين ممن قاتل قوله حتى يبينه الرسول أي حتى يبين الرسول من يستحق ذلك ممن لا يستحقه وقد وقع بيان ذلك بقوله تعالى واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه الآية ثم ذكر فيه ستة أحاديث أحدها حديث عروة البارقي في الخيل وقد تقدم الكلام عليه في الجهاد والغرض منه

[ 2951 ] قوله في آخره الأجر والمغنم ثانيها حديث أبي هريرة إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وسيأتي الكلام عليه في علامات النبوة والغرض منه

[ 2952 ] قوله لتنفقن كنوزهما في سبيل الله وقد أنفقت كنوزهما في المغانم ثالثها حديث جابر بن سمرة مثله وإسحاق هو بن راهويه وجرير هو بن عبد الحميد وعبد الملك هو بن عمير وذكر أبو علي الجياني أنه لم ير إسحاق هذا منسوبا لأحد من الرواة لكن وجدناه بعده في مسند إسحاق بهذا السياق فغلب على الظن أنه المراد رابعها حديث جابر بن عبد الله ذكره مختصرا بلفظ أحلت لي الغنائم وقد تقدم شرحه مستوفى في التيمم خامسها حديث أبي هريرة تكفل الله لمن جاهد في سبيله وقد تقدم شرحه في أوائل الجهاد والغرض منه

[ 2955 ] قوله في آخره من أجر أو غنيمة سادسها حديثه في قصة النبي الذي غزا القرية

[ 2956 ] قوله عن بن المبارك كذا في جميع الروايات لكن قال أبو نعيم في المستخرج أخرجه البخاري عن محمد بن العلاء عن بن المبارك أو غيره وهذا الشك إنما هو من أبي نعيم فقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن محمد بن العلاء عن بن المبارك وحده به قوله غزا نبي من الأنبياء أي أراد أن يغزو وهذا النبي هو يوشع بن نون كما رواه الحاكم من طريق كعب الأحبار وبين تسمية القرية كما سيأتي وقد ورد أصله من طريق مرفوعة صحيحة أخرجها أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشمس لم تحبس لبشر الا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس وأغرب بن بطال فقال في باب استئذان الرجل الإمام في هذا المعنى حديث لداود عليه الصلاة والسلام أنه قال في غزوة خرج إليها لا يتبعني من ملك بضع امرأة ولم يبن بها أو بنى دارا ولم يسكنها ولم أقف على ما ذكره مسندا لكن أخرج الخطيب في ذم النجوم له من طريق أبي حذيفة والبخاري في المبتدأ له بإسناد له عن علي قال سأل قوم يوشع منه أن يطلعهم على بدء الخلق وآجالهم فاراهم ذلك في ماء من غمامة أمطرها الله عليهم فكان أحدهم يعلم متى يموت فبقوا على ذلك إلى أن قاتلهم داود على الكفر فاخرجوا إلى داود من لم يحضر أجله فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل منهم فشكى إلى الله ودعاه فحبست عليهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار فاختلط عليهم حسابهم قلت وإسناده ضعيف جدا وحديث أبي هريرة المشار إليه عند أحمد أولى فإن رجال إسناده محتج بهم في الصحيح فالمعتمد أنها لم تحبس الا ليوشع ولا يعارضه ما ذكره بن إسحاق في المبتدأ من طريق يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه أن الله لما أمر موسى بالمسير ببني إسرائيل أمره أن يحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى كاد الفجر أن يطلع وكان وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر فدعا ربه أن يؤخر الطلوع حتى فرغ من أمر يوسف ففعل لأن الحصر إنما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فلا ينفي أن يحبس طلوع الفجر لغيره وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى قال أبو تمام في قصيدة فوالله لا أدري أحلام نائم ألمت بنا أم كان في الركب يوشع ولا يعارضه أيضا ما ذكره يونس بن بكير في زياداته في مغازي بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر قريشا صبيحة الإسراء أنه رأى العير التي لهم وإنها تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير وهذا منقطع لكن وقع في الأوسط للطبراني من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار وإسناده حسن ووجه الجمع أن الحصر محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تحبس الشمس الا ليوشع وليس فيه نفي أنها تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم وروى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت وهذا أبلغ في المعجزة وقد أخطأ بن الجوزي بإيراده له في الموضوعات وكذا بن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه والله أعلم وأما ما حكى عياض أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردها الله عليه حتى صلى العصر كذا قال وعزاه للطحاوي والذي رأيته في مشكل الآثار للطحاوي ما قدمت ذكره من حديث أسماء فإن ثبت ما قال فهذه قصة ثالثة والله أعلم وجاء أيضا أنها حبست لموسى لما حمل تابوت يوسف كما تقدم قريبا وجاء أيضا أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلام وهو فيما ذكره الثعلبي ثم البغوي عن بن عباس قال قال لي علي ما بلغك في قول الله تعالى حكاية عن سليمان عليه الصلاة والسلام ردوها علي فقلت قال لي كعب كانت أربعة عشر فرسا عرضها فغابت الشمس قبل أن يصلي العصر فأمر بردها فضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها فقال علي كذب كعب وإنما أراد سليمان جهاد عدوه فتشاغل بعرض الخيل حتى غابت الشمس فقال للملائكة الموكلين بالشمس بإذن الله لهم ردوها علي فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم قلت أورد هذا الأثر جماعة ساكتين عليه جازمين بقولهم قال بن عباس قلت لعلي وهذا لا يثبت عن بن عباس ولا عن غيره والثابت عن جمهور أهل العلم بالتفسير من الصحابة ومن بعدهم أن الضمير المؤنث في قوله ردوها للخيل والله أعلم قوله بضع امرأة بضم الموحدة وسكون المعجمة البضع يطلق على الفرج والتزويج والجماع والمعاني الثلاثة لائقة هنا ويطلق أيضا على المهر وعلى الطلاق وقال الجوهري قال بن السكيت البضع النكاح يقال ملك فلان بضع فلانة قوله ولما يبن بها أي ولم يدخل عليها لكن التعبير بلما يشعر بتوقع ذلك قاله الزمخشري في قوله تعالى ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ووقع في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وابن عوانة وابن حبان لا ينبغي لرجل بنى دارا ولم يسكنها أو تزوج امرأة ولم يدخل بها وفي التقييد بعدم الدخول ما يفهم أن الأمر بعد الدخول بخلاف ذلك فلا يخفى فرق بين الأمرين وأن كان بعد الدخول ربما استمر تعلق القلب لكن ليس هو كما قبل الدخول غالبا قوله ولم يرفع سقوفها في صحيح مسلم ومسند أحمد ولما يرفع سقفها وهو بضم القاف والفاء لتوافق هذه الرواية ووهم من ضبط بالإسكان وتكلف في توجيه الضمير المؤنث للسقف قوله أو خلفات بفتح المعجمة وكسر اللام بعدها فاء خفيفة جمع خلفة وهي الحامل من النوق وقد يطلق على غير النوق وأو في قوله غنما أو خلفات للتنويع ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل لدلالة الثاني عليه أو هو على إطلاقه لأن الغنم يقل صبرها فيخشى عليها الضياع بخلاف النوق فلا يخشى عليها الا مع الحمل ويحتمل أن يكون قوله أو للشك أي هل قال غنما بغير صفة أو خلفات أي بصفة أنها حوامل كذا قال بعض الشراح والمعتمد أنها للتنويع فقد وقع في رواية أبي يعلى عن محمد بن العلاء ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات قوله وهو ينتظر ولادها بكسر الواو وهو مصدر ولد ولادا وولادة قوله فغزا أي بمن تبعه ممن لم يتصف بتلك الصفة قوله فدنا من القرية هي أريحا بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ومهملة مع القصر سماها الحاكم في روايته عن كعب وفي رواية مسلم فأدنى للقرية أي قرب جيوشه لها قوله فقال للشمس انك مأمورة في رواية سعيد بن المسيب فلقي العدو عند غيبوبة الشمس وبين الحاكم في روايته عن كعب سبب ذلك فإنه قال أنه وصل إلى القرية وقت عصر يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل وبهذا يتبين معنى قوله وأنا مأمور والفرق بين المأمورين أن أمر الجمادات أمر تسخير وأمر العقلاء أمر تكليف وخطابه للشمس يحتمل أن يكون على حقيقته وأن الله تعالى خلق فيها تمييزا وادراكا كما سيأتي البحث فيه في الفتن في سجودها تحت العرش واستئذانها من أن تطلع ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل استحضاره في النفس لما تقرر أنه لا يمكن تحولها عن عادتها الا بخرق العادة وهو نحو قول الشاعر شكى إلي جملي طول السرى ومن ثم قال اللهم احبسها ويؤيد الاحتمال الثاني أن في رواية سعيد بن المسيب فقال اللهم أنها مأمورة وإني مأمور فاحبسها علي حتى تقضي بيني وبينهم فحبسها الله عليه قوله اللهم احبسها علينا في رواية أحمد اللهم احبسها علي شيئا وهو منصوب نصب المصدر أي قدر ما تنقضي حاجتنا من فتح البلد قال عياض اختلف في حبس الشمس هنا فقيل ردت على ادراجها وقيل وقفت وقيل بطئت حركتها وكل ذلك محتمل والثالث أرجح عند بن بطال وغيره ووقع في ترجمة هارون بن يوسف الرمادي أن ذلك كان في رابع عشرى حزيران وحينئذ يكون النهار في غاية الطول قوله فحبست حتى فتح الله عليه في رواية أبي يعلى فواقع القوم فظفر قوله فجمع الغنائم فجاءت يعني النار في رواية عبد الرزاق عند أحمد ومسلم فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار زاد في رواية سعيد بن المسيب وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها قوله فلم تطعمها أي لم تذق لها طعما وهو بطريق المبالغة قوله فقال أن فيكم غلولا هو السرقة من الغنيمة كما تقدم قوله فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت فيه حذف يظهر من سياق الكلام أي فبايعوه فلزقت قوله فلزقت يد رجلين أو ثلاثة في رواية أبي يعلى فلزقت يد رجل أو رجلين وفي رواية سعيد بن المسيب رجلان بالجزم قال بن المنير جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال وفيه تنبيه على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه أو أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق إلى الإمام وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة قوله فيكم الغلول زاد في رواية سعيد بن المسيب فقالا أجل غللنا قوله فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها فجاءت النار فآكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم في رواية النسائي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك أن الله أطعمنا الغنائم رحمة رحمناها وتخفيفا خففه عنا قوله رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا في رواية سعيد بن المسيب لما رأى من ضعفنا وفيه اشعار بان إظهار العجز بين يدي الله تعالى يستوجب ثبوت الفضل وفيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر وفيها نزل قوله تعالى فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله لهم الغنيمة وقد ثبت ذلك في الصحيح من حديث بن عباس وقد قدمت في أوائل فرض الخمس أن أول غنيمة خمست غنيمة السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش وذلك قبل بدر بشهرين ويمكن الجمع بما ذكر بن سعد أنه صلى الله عليه وسلم أخر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر قال المهلب في هذا الحديث أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء لأن من ملك بضع امرأة ولم يدخل بها أو دخل بها وكان على قرب من ذلك فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها ويجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه من الطاعة وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا وهو كما قال لكن تقدم ما يعكر على الحاقه بما بعد الدخول وأن لم يطل بما قبله ويدل على التعميم في الأمور الدنيوية ما وقع في رواية سعيد بن المسيب من الزيادة أو له حاجة في الرجوع وفيه أن الأمور المهمة لا ينبغي أن تفوض الا لحازم فارغ البال لها لأن من له تعلق ربما ضعفت عزيمته وقلت رغبته في الطاعة والقلب إذا تفرق ضعف فعل الجوارح وإذا اجتمع قوي وفيه أن من مضى كانوا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها وعلامة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النار من السماء فتأكلها وعلامة عدم قبوله أن لا تنزل ومن أسباب عدم القبول أن يقع فيهم الغلول وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنيمة وستر عليهم الغلول فطوى عنهم فضيحة أمر عدم القبول فلله الحمد على نعمه تترى ودخل في عموم أكل النار الغنيمة والسبى وفيه بعد لأن مقتضاه اهلاك الذرية ومن لم يقاتل من النساء ويمكن أن يستثنوا من ذلك ويلزم استثناؤهم من تحريم الغنائم عليهم ويؤيده إنهم كانت لهم عبيد واماء فلو لم يجز لهم السبي لما كان لهم ارقاء ويشكل على الحصر أنه كان السارق يسترق كما في قصة يوسف ولم أر من صرح بذلك وفيه معاقبة الجماعة بفعل سفهائها وفيه أن أحكام الأنبياء قد تكون بحسب الأمر الباطن كما في هذه القصة وقد تكون بحسب الأمر الظاهر كما في حديث إنكم تختصمون إلي الحديث واستدل به بن بطال على جواز احراق أموال المشركين وتعقب بأن ذلك كان في تلك الشريعة وقد نسخ بحل الغنائم لهذه الأمة وأجيب عنه بأنه لا يخفى عليه ذلك ولكنه استنبط من احراق الغنيمة بأكل النار جواز احراق أموات الكفار إذا لم يوجد السبيل إلى أخذها غنيمة وهو ظاهر لأن هذا القدر لم يرد التصريح بنسخه فهو محتمل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخه واستدل به أيضا على أن قتال آخر النهار أفضل من أوله وفيه نظر لأن ذلك في هذه القصة إنما وقع اتفاقا كما تقدم نعم في قصة النعمان بن مقرن مع المغيرة بن شعبة في قتال الفرس التصريح باستحباب القتال حين تزول الشمس وتهب الرياح فالاستدلال به يغنى عن هذا

قوله باب بالتنوين الغنيمة لمن شهد الوقعة هذا لفظ أثر أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طارق بن شهاب أن عمر كتب إلى عمار أن الغنيمة لمن شهد الوقعة ذكره في قصة

[ 2957 ] قوله حدثنا صدقة هو بن الفضل وقد تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في المزارعة ووجه أخذه من الترجمة أن عمر في هذا الحديث أيضا قد صرح بما دل عليه هذا الأثر الا أنه عارض عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة فوقفها على المسلمين وضرب عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم وتأول قوله تعالى والذين جاءوا من بعدهم الآية وروى أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق بن إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد فشاور في ذلك فقال له علي دعهم يكونوا مادة للمسلمين فتركهم ومن طريق عبد الله بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ أن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبتدرون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ويأتي القوم يسدون من الإسلام مسدا فلا يجدون شيئا فأنظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأى عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم فبقي ما عدا ذلك على اختصاص الغانمين به وبه قال الجمهور وذهب أبو حنيفة إلى أن الجيش إذا فصلوا من دار الإسلام مددا لجيش آخر فوافوهم بعد الفتح إنهم يشتركون معهم في الغنيمة واحتج بما قسم صلى الله عليه وسلم للاشعريين لما قدموا مع جعفر من خيبر وبما قسم النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يحضر الوقعة كعثمان في بدر ونحو ذلك فأما قصة الأشعريين فسيأتي سياقها في غزوة خيبر والجواب عنها سيأتي بعد أبواب وأما الجواب عن مثل قصة عثمان فأجاب الجمهور عنها بأجوبة أحدها أن ذلك خاص به لا بمن كان مثله ثانيها أن ذلك حيث كانت الغنيمة كلها للنبي صلى الله عليه وسلم عند نزول يسألونك عن الانفال ثم نزلت بعد ذلك واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول فصارت أربعة اخماس الغنيمة للغانمين ثالثها على تقدير أن يكون ذلك بعد فرض الخمس فهو محمول على أنه إعطاء من الخمس وإلى ذلك جنح المصنف كما سيأتي رابعها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الإمام فيسهم له بخلاف غيره وهذا مشهور مذهب مالك وقال بن بطال لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في غير من شهد الوقعة الا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا يجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم ولذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين أول ما قدموا عليهم قال الطحاوي ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطى الأشعريين وغيرهم وهذا كله في الغنيمة المنقولة وقد تقدم في المزارعة بيان الاختلاف في الأرض التي يملكها المسلمون عنوة قال بن المنذر ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد وأن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله لولا آخر المسلمين لكن يمكن أن يقال معناه لولا آخر المسلمين ما استطبت أنفس الغانمين وأما قول عمر كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها قاله الطحاوي وأشار إلى ما روي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وما ينزل به وقسم النصف الباقي بين المسلمين فلم يكن لهم عمال فدفعوها إلى اليهود ليعملوها على نصف ما يخرج منها الحديث والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحا وبالذي قسمه ما افتتح عنوة وسيأتي بيان ذلك بأدلته في المغازي إن شاء الله تعالى قال بن المنير ترجم البخاري بأن الغنيمة لمن شهد الوقعة وأخرج قول عمر المقتضي لوقف الأرض المغنومة وهذا ضد ما ترجم به ثم أجاب بأن المطابق لترجمته قول عمر كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فأومأ البخاري إلى ترجيح القسمة الناجزة والحجة فيه أن الآتي الذي لم يوجد بعد لا يستحق شيئا من الغنيمة الحاضرة بدليل أن الذي يغيب عن الوقعة لا يستحق شيئا بطريق الأولى قلت ويحتمل أن يكون البخاري أراد التوفيق بين ما جاء عن عمر أن الغنيمة لمن شهد الوقعة وبين ما جاء عنه أنه يرى أن توقف الأرض بحمل الأول على أن عمومه مخصوص بغير الأرض قال بن المنير وجه احتجاج عمر بقوله تعالى والذين جاءوا من بعدهم أن الواو عاطفة فيحصل اشتراك من ذكر في الاستحقاق والجملة في قوله تعالى يقولون في موضع الحال فهي كالشرط للاستحقاق والمعنى إنهم يستحقون في حال الاستغفار ولو أعربناها استئنافية للزم أن كل من جاء بعدهم يكون مستغفرا لهم والواقع بخلافه فتعين الأول واختلف في الأرض التي أبقاها عمر بغير قسمة فذهب الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها وقال بعض الكوفيين ابقاها ملكا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج وقد أشتد نكير كثير من فقهاء أهل الحديث على هذه المقالة ولبسطها موضع غير هذا والله أعلم

قوله باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره ذكر فيه حديث أبي موسى قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يقاتل للمغنم الحديث وقد تقدم شرحه في أثناء الجهاد قال بن المنير أراد البخاري أن قصد الغنيمة لا يكون منافيا للأجر ولا منقصا إذا قصد معه اعلاء كلمة الله لأن السبب لا يستلزم الحصر ولهذا يثبت الحكم الواحد بأسباب متعددة ولو كان قصد الغنيمة ينافي قصد الاعلاء لما جاء الجواب عاما ولقال مثلا من قاتل للمغنم فليس هو في سبيل الله قلت وما ادعى أن مراد البخاري فيه بعد والذي يظهر أن النقص من الأجر أمر نسبي كما تقدم تحرير ذلك في أوائل الجهاد فليس من قصد اعلاء كلمة الله محضا في الأجر مثل من ضم إلى هذا القصد قصدا آخر من غنيمة أو غيرها وقال بن المنير في موضع أخر ظاهر الحديث أن من قاتل للمغنم يعني خاصة فليس في سبيل الله وهذا لا أجرا له البتة فكيف يترجم بنقص الأجر وجوابه ما قدمته

قوله باب قسمة الإمام ما يقدم عليه أي من جهة أهل الحرب قوله ويخبأ لمن لم يحضره أي في مجلس القسمة أو غاب عنه أي في غير بلد القسمة قال بن المنير فيه رد لما اشتهر بين الناس أن الهدية لمن حضر قلت قد سبق الكلام في الهبة على شيء من ذلك

[ 2959 ] قوله عن عبد الله بن أبي ملكة أن النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو المعتمد أنه من هذا الوجه مرسل ووقع في رواية الأصيلي عن بن أبي مليكة عن المسور وهو وهم ويدل عليه أن المصنف قال في آخره رواه بن علية عن أيوب أي مثل الرواية الأولى قال وقال حاتم بن وردان عن أيوب عن بن أبي مليكة عن المسور وتابعه الليث عن بن أبي مليكة فاتفق اثنان عن أيوب على إرساله ووصله ثالث عن أيوب ووافقه آخر عن شيخهم واعتمد البخاري الموصول لحفظ من وصله ورواية إسماعيل بن علية تأتي موصولة في الأدب ورواية حاتم بن وردان تقدمت موصولة في الشهادات ورواية الليث تقدمت موصولة في الهبة وسيأتي شرح الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى والغرض منه قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت له أقبية وقوله فيه خبأت لك هذا وهو مطابق لما ترجم له قال بن بطال ما أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين فحلال له أخذه لأنه فيء وله أن يهب منه ما شاء ويؤثر به من شاء كالفيء وأما من بعده فلا يجوز له أن يختص به لأنه إنما أهدى إليه لكونه أميرهم وقد مضى ما يتعلق بذلك في كتاب الهبة

قوله باب كيف قسم النبي صلى الله عليه وسلم قريظة والنضير وما أعطى من ذلك من نوائبه ذكر فيه حديث أنس كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات حتى افتتح قريظة والنضير وهو مختصر من حديث سيأتي بتمامه مع بيان الكيفية المترجم بها في المغازي وتقدم التنبيه عليه في أواخر الهبة ومحصل القصة أن أرض بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله وكانت له خالصة لكنه آثر بها المهاجرين وأمرهم أن يعيدوا إلى الأنصار ما كانوا واسوهم به لما قدموا عليهم المدينة ولا شيء لهم فاستغنى الفريقان جميعا بذلك ثم فتحت قريظة لما نقضوا العهد فحوصروا فنزلوا على حكم سعد بن معاذ وقسمها النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه وأعطى من نصيبه في نوائبه أي في نفقات أهله ومن يطرأ عليه ويجعل الباقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله كما ثبت في الصحيحين من حديث مالك بن أوس عن عمر في بعض طرقه مختصرا

قوله باب بركة الغازي في ماله هو بالموحدة من البركة وصحفها بعضهم فقال تركة بالمثناة قال عياض وهي وأن كانت متجهة باعتبار أن في القصة ذكر ما خلفه الزبير لكن قوله حيا وميتا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر يدل على أن الصواب ما وقع عند الجمهور بالموحدة وقصة الزبير بن العوام في دينه وما جرى لابنه عبد الله في وفاته من الأحاديث المذكورة في غير مظنتها والذي يدخل في المرفوع منه قول بن الزبير وما ولي إمارة قط ولا جباية خراج ولا شيئا الا أن يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القدر هو المطابق للترجمة وما عدا ذلك كله موقوف وقد ذكروه في مسند الزبير والأولى أن يذكر في مسند عبد الله بن الزبير الا أن يحمل على أنه تلقى ذلك عن أبيه ومع ذلك فلا بد من ذكره في حديث عبد الله بن الزبير لأن أكثره موقوف عليه وقد روى الترمذي من وجه آخر عن هشام بن عروة عن أبيه قال أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله يوم الجمل وقال ما مني عضو الا وقد خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله

[ 2961 ] قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة الخ لم يقل في آخره نعم وهو ثابت في مسند إسحاق بن راهويه بهذا الإسناد ولم أر هذا الحديث بتمامه الا من طريق أبي أسامة وقد ساقه أبو ذر الهروي في روايته من وجه آخر عنه عاليا فقال حدثنا أبو إسحاق المستملي حدثنا محمد بن عبيد حدثنا جويرية بن محمد حدثنا أبو أسامة ووقفت على قطع منه من رواية علي بن مسهر وغيرها سأبينها إن شاء الله تعالى قوله لما وقف الزبير يوم الجمل يريد الوقعة المشهورة التي كانت بين علي بن أبي طالب ومن معه وبين عائشة رضي الله عنها ومن معها ومن جملتهم الزبير ونسبت الوقعة إلى الجمل لأن يعلى بن أمية الصحابي المشهور كان معهم فأركب عائشة على جمل عظيم اشتراه بمائة دينار وقيل ثمانين وقيل أكثر من ذلك فوقفت به في الصف فلم يزل الذين معها يقاتلون حول الجمل حتى عقر الجمل فوقعت عليهم الهزيمة هذا ملخص القصة وسيأتي الإلمام بشيء من سببها في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وكان ذلك في جمادى الأولى أو الآخرة سنة ست وثلاثين قوله لا يقتل اليوم الا ظالم أو مظلوم قال بن بطال معناه ظالم عند خصمه مظلوم عند نفسه لأن كلا من الفريقين كان يتأول أنه على الصواب وقال بن التين معناه إنهم أما صحابي متأول فهو مظلوم وأما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم وقال الكرماني أن قيل جميع الحروب كذلك فالجواب أنها أول حرب وقعت بين المسلمين قلت ويحتمل أن تكون أو للشك من الراوي وأن الزبير إنما قال أحد اللفظين أو للتنويع والمعنى لا يقتل اليوم الا ظالم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل للظالم منهم العقوبة أو لا يقتل اليوم الا مظلوم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل له الشهادة وظن على التقديرين أنه يقتل مظلوما أما لاعتقاده أنه كان مصيبا وأما لأنه كان سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما سمع علي وهو قوله لما جاءه قاتل الزبير بشر قاتل بن صفية بالنار ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد وغيره من طريق زر بن حبيش عن علي بإسناد صحيح ووقع عند الحاكم من طريق عثام بن علي عن هشام بن عروة في هذا الحديث مختصرا قال والله لئن قتلت لاقتلن مظلوما والله ما فعلت وما فعلت يعني شيئا من المعاصي قوله وإني لا أراني بضم الهمزة من الظن ويجوز فتحها بمعنى الاعتقاد وظنه أنه سيقتل مظلوما قد تحقق لأنه قتل غدرا بعد أن ذكره علي فانصرف عن القتال فنام بمكان ففتك به رجل من بني تميم يسمى عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة وآخره زاي فروى بن أبي خيثمة في تاريخه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى قال أنا لمع علي لما التقي الصفان فقال أين الزبير فجاء الزبير فجعلنا ننظر إلى يد علي يشير بها إذ ولي الزبير قبل أن يقع القتال وروى الحاكم من طرق متعددة أن عليا ذكر الزبير بان النبي صلى الله عليه وسلم قال له لتقاتلن عليا وأنت ظالم له فرجع لذلك وروى يعقوب بن سفيان وخليفة في تاريخهما من طريق عمرو بن جاوان بالجيم قال فانطلق الزبير منصرفا فقتله عمرو بن جرموز بوادي السباع قوله وأن من أكبر همي لديني في رواية عثام انظر يا بني ديني فإني لا أدع شيئا أهم إلي منه قوله وأوصى بالثلث أي ثلث ماله وثلثه أي ثلث الثلث وقد فسره في الخبر قوله فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين فثلثه لولدك قال المهلب معناه ثلث ذلك الفضل الذي أوصى به من الثلث لبنيه كذا قال وهو كلام معروف من خارج لكنه لا يوضح اللفظ الوارد وضبط بعضهم قول فثلثه لولدك بتشديد اللام بصيغة الأمر من التثليث وهو أقرب قوله قال هشام هو بن عروة راوي الخبر وهو متصل بالإسناد المذكور قوله وكان بعض ولد عبد الله أي بن الزبير قد وازى بالزاي أي ساوى وفيه استعمال وازى بالواو خلافا للجوهري فإنه قال يقال آزى بالهمز ولا يقال وازى والمراد أنه ساواهم في السن قال بن بطال يحتمل أنه ساوى بنو عبد الله في انصبائهم من الوصية أولاد الزبير في انصبائهم من الميراث قال وهذا أولى وإلا لم يكن لذكر كثرة أولاد الزبير معنى قلت وفيه نظر لأنه في تلك الحالة لم يظهر مقدار المال الموروث ولا الموصى به وأما قوله لا يكون له معنى فليس كذلك لأن المراد أنه إنما خص أولاد عبد الله دون غيرهم لأنهم كبروا وتأهلوا حتى ساووا أعمامهم في ذلك فجعل لهم نصيبا من المال ليتوفر على أبيهم حصته وقوله خبيب بالمعجمة والموحدتين مصغر وهو أكبر ولد عبد الله بن الزبير وبه كان يكنيه من لا يريد تعظيمه لأنه كنى في الأول بكنية جده لأمه أبي بكر وقوله خبيب وعباد بالرفع أي هم خبيب وعباد وغيرهما واقتصر عليهما كالمثال وإلا ففي أولاده أيضا من ساوى بعض ولد الزبير في السن ويجوز جره على أنه بيان للبعض وقوله وله أي للزبير وأغرب الكرماني فجعله ضميرا لعبد الله فلا يغتر به وقوله تسعة بنين وتسع بنات فأما أولاد عبد الله إذ ذاك فهم خبيب وعباد وقد ذكرا وهاشم وثابت وأما سائر ولده فولدوا بعد ذلك وأما أولاد الزبير فالتسعة الذكور هم عبد الله وعروة والمنذر أمهم أسماء بنت أبي بكر وعمرو وخالد أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد ومصعب وحمزة أمهما الرباب بنت أنيف وعبيدة وجعفر أمهما زينب بنت بشر وسائر ولد الزبير غير هؤلاء ماتوا قبله والتسع الإناث هن خديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة امهن أسماء بنت أبي بكر وحبيبة وسودة وهند امهن أم خالد ورملة أمها الرباب وحفصة أمها زينب وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة قوله الا أرضين منها الغابة كذا فيه وصوابه منهما بالتثنية والغابة بالغين المعجمة والموحدة الخفيفة أرض عظيمة شهيرة من عوالي المدينة قوله ودارا بمصر استدل به على أن مصر فتحت صلحا وفيه نظر لأنه لا يلزم من قولنا فتحت عنوة امتناع بناء أحد الغانمين ولا غيرهم فيها قوله لا ولكنه سلف أي ما كان يقبض من أحد وديعة الا أن رضي صاحبها أن يجعلها في ذمته وكان غرضه بذلك أنه كان يخشى على المال أن يضيع فيظن به التقصير في حفظه فرأى أن يجعله مضمونا فيكون أوثق لصاحب المال وأبقى لمروءته زاد بن بطال وليطيب له ربح ذلك المال قلت وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة أن كلا من عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود وأبي العاص بن الربيع وعبد الله بن مسعود والمقداد بن عمرو أوصى إلى الزبير بن العوام قوله وما ولي خراجا قط الخ أي أن كثرة ماله ما حصلت من هذه الجهات المقتضية لظن السوء باصحابها بل كان كسبه من الغنيمة ونحوها وقد روى الزبير بن بكار بإسناده أن الزبير كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج وروى يعقوب بن سفيان مثله من وجه آخر قوله قال عبد الله بن الزبير هو متصل بالإسناد المذكور وقوله فحسبت بفتح السين المهملة من الحساب قوله فلقي حكيم بن حزام بالرفع على الفاعلية وعبد الله بالنصب على المفعولية قال بن بطال إنما قال له مائة ألف وكتم الباقي لئلا يستعظم حكيم ما استدان به الزبير فيظن به عدم الحزم وبعبدالله عدم الوفاء بذلك فينظر إليه بعين الاحتياج إليه فلما استعظم حكيم أمر مائة ألف أحتاج عبد الله أن يذكر له الجميع ويعرفه أنه قادر على وفائه وكان حكيم بن حزام بن عم الزبير بن العوام قال بن بطال ليس في قوله مائة ألف وكتمانه الزائد كذب لأنه أخبر ببعض ما عليه وهو صادق قلت لكن من يعتبر مفهوم العدد يراه اخبارا بغير الواقع ولهذا قال بن التين في قوله فإن عجزتم عن شيء فاستعينوا بي مع قوله في الأول ما أراكم تطيقون هذا بعض التجوز وكذا في كتمان عبد الله بن الزبير ما كان على أبيه وقد روى يعقوب بن سفيان من طريق عبد الله بن المبارك أن حكيم بن حزام بذل لعبد الله بن الزبير مائة ألف إعانة له على وفاء دين أبيه فامتنع فبذل له مائتي ألف فامتنع إلى أربعمائة ألف ثم قال لم أرد منك هذا ولكن تنطلق معي إلى عبد الله بن جعفر فانطلق معه وبعبدالله بن عمر يستشفع بهم عليه فلما دخلوا عليه قال أجئت بهؤلاء تستشفع بهم علي هي لك قال لا أريد ذلك قال فأعطني بها نعليك هاتين أو نحوها قال لا أريد قال فهي عليك إلى يوم القيامة قال لا قال فحكمك قال أعطيك بها أرضا فقال نعم فأعطاه قال فرغب معاوية فيها فاشتراها منه بأكثر من ذلك قوله وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله أي بن الزبير بألف ألف وستمائة ألف كأنه قسمها ستة عشر سهما لأنه قال بعد ذلك لمعاوية أنها قومت كل سهم بمائة ألف قوله فأتاه عبد الله بن جعفر أي بن أبي طالب قوله وقال عبد الله أي بن الزبير قوله فباع منها أي من الغابة والدور لا من الغابة وحدها لأنه تقدم أن الدين ألف ألف ومائتا ألف وأنه باع الغابة بألف ألف وستمائة ألف وقد جاء من وجه آخر أنه باع نصيب الزبير من الغابة لعبد الله بن جعفر في دينه فذكر الزبير بن بكار في ترجمة حكيم بن حزام عن عمه مصعب بن عبد الله بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال سمعت أبي يقول قال عبد الله بن الزبير قتل أبي وترك دينا كثيرا فأتيت حكيم بن حزام استعين برأيه وأستشيره فذكر قصة وفيها فقال بن أخي ذكرت دين أبيك فإن كان ترك مائة ألف فنصفها على قلت أكثر من ذلك إلى أن قال لله أنت كم ترك أبوك قال فذكرت له أنه ترك الفي ألف قال ما أراد أبوك الا أن يدعنا عالة قلت فإنه ترك وفاء وإنما جئت استشيرك فيها بسبعمائة ألف لعبد الله بن جعفر وله شرك في الغابة فقال أذهب فقاسمه فإن سألك البيع قبل القسمة فلا تبعه ثم اعرض عليه فإن رغب فبعه قال فجئت فجعل أمر القسمة إلى فقسمتها وقلت اشتر مني أن شئت فقال قد كان لي دين وقد أخذتها منك به قال قلت هي لك فبعث معاوية فاشتراها كلها منه بألفي ألف ويمكن الجمع بإطلاق الكل على المعظم فقد تقدم أنه كان بقي منها بغير بيع أربعة أسهم ونصف بأربعمائة ألف وخمسين ألفا فيكون الحاصل من ثمنها إذ ذاك ألف ألف ومائه ألف وخمسين ألفا خاصة فيبقى من الدين ألف ألف وخمسون ألفا وكأنه باع بها شيئا من الدور وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق علي بن مسهر عن هشام بن عروة قال توفي الزبير وترك عليه من الدين الفي ألف فضمنها عبد الله بن الزبير فأداها ولم تقع في التركة داره التي بمكة ولا التي بالكوفة ولا التي بمصر هكذا أورده مختصرا فأفاد أنه كان له دار بمكة ولم يقع ذكرها في الحديث الطويل ويستفاد منه ما أولته لأنه تقدم أنه كان له إحدى عشرة دارا بالمدينة وداران بالبصرة غير ما ذكر وروى أبو العباس السراج في تاريخه حدثنا أحمد بن أبي السفر حدثنا أبو أسامة بسنده المذكور قال لما قدم يعني عبد الله بن الزبير مكة فاستقر عنده أي ثبت قتل الزبير نظر فيما عليه من الدين فجاءه عبد الله بن جعفر فقال أنه كان لي على أخي شيء ولا أحسبه ترك به وفاء أفتحب أن أجعله في حل فقال له بن الزبير وكم هو قال أربعمائة ألف قال فإنه ترك بها وفاء بحمد الله قوله فقدم على معاوية أي في خلافته وهذا فيه نظر لأنه ذكر أنه أخر القسمة أربع سنين استبراء للدين كما سيأتي فيكون آخر الأربع سنة أربعين وذلك قبل أن يجتمع الناس على معاوية فلعل هذا القدر من الغابة كان بن الزبير أخذه من حصته أو من نصيب أولاده ويؤيده أن في سياق القصة ما يؤخذ منه أن هذا القدر دار بينهم بعد وفاء الدين ولا يمنعه قوله بعد ذلك فلما فرغ عبد الله من قضاء الدين لأنه يحمل على أن قصة وفادته على معاوية كانت بعد وفاء الدين وما اتصل به من تأخر القسمة بين الورثة لاستبراء بقية من له دين ثم وفد بعد ذلك وبهذا يندفع الاشكال المتقدم وتكون وفادته على معاوية في خلافته جزما والله أعلم قوله وقال بن زمعة هو عبد الله قد أخذت سهما مائة ألف هو بنصب مائة على نزع الخافض قوله فباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية أي بعد ذلك بستمائة ألف أي فربح مائتي ألف قوله وكان للزبير أربع نسوة أي مات عنهن وهن أم خالد والرباب وزينب المذكورات قبل وعاتكة بنت زيد أخت سعيد بن زيد أحد العشرة وأما أسماء وأم كلثوم فكان طلقهما وقيل أعاد أسماء وطلق عاتكة فقتل وهي في عدتها منه فصولحت كما سيأتي قوله ورفع الثلث أي الموصى به قوله فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف هذا يقتضي أن الثمن كان أربعة آلاف ألف وثمانمائة ألف قوله فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف في رواية أبي نعيم من طريق أبي مسعود الراوي عن أبي أسامة أن ميراث الزبير قسم على خمسين ألف ألف ومائتي ألف ونيف زاد على رواية إسحاق ونيف وفيه نظر لأنه إذا كان لكل زوجة ألف ألف ومائتا ألف فنصيب الأربع أربعة آلاف ألف وثمانمائة ألف وهذا هو الثمن ويرتفع من ضربه في ثمانية ثمانية وثلاثون ألف ألف وأربعمائة ألف وهذا القدر هو الثلثان فإذا ضم إليه الثلث الموصى به وهو قدر نصف الثلثين وجملته تسعة عشر ألف ألف ومائتا ألف كان جملة ماله على هذا سبعة وخمسين ألف ألف وستمائة ألف وقد نبه على ذلك قديما بن بطال ولم يجب عنه لكنه وهم فقال وتسعمائة ألف وتعقبه بن المنير فقال الصواب وستمائة ألف وهو كما قال بن التين نقص عن التحرير سبعة آلاف ألف وأربعمائة ألف يعني خارجا عن قدر الدين وهو كما قال وهذا تفاوت شديد في الحساب وقد ساق البلاذري في تاريخه هذا الحديث عن الحسين بن علي بن الأسود عن أبي أسامة بسنده فقال فيه وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة من ثمن عقاراته ألف ألف ومائة ألف وكان الثمن أربعة آلاف ألف وأربعمائة ألف وكان ثلثا المال الذي اقتسمه الورثة خمسة وثلاثين ألف ألف ومائتي ألف وكذلك أخرجه بن سعد عن أبي أسامة فعلى هذا إذا انضم إليه نصفه وهو سبعة عشر ألف ألف وستمائة ألف كان جميع المال اثنين وخمسين ألف ألف وثمانمائة ألف فيزيد عما وقع في الحديث الفي ألف وستمائة ألف وهو أقرب من الأول فلعل المراد أن القدر المذكور وهو أن لكل زوجة ألف ألف ومائة ألف كان لو قسم المال كله بغير وفاء الدين لكن خرج الدين من حصة كل أحد منهم فيكون الذي يورث ما عدا ذلك وبهذا التقرير يخف الوهم في الحساب ويبقى التفاوت أربعمائة ألف فقط لكن روى بن سعد بسند آخر ضعيف عن هشام بن عروة عن أبيه أن تركة الزبير بلغت أحدا أو اثنين وخمسين ألف ألف وهذا أقرب من الأول لكنه أيضا لا تحرير فيه وكأن القوم أتوا من عدم إلقاء البال لتحرير الحساب إذ الغرض فيه ذكر الكثرة التي نشأت عن البركة في تركة الزبير إذ خلف دينا كثيرا ولم يخلف الا العقار المذكور ومع ذلك فبورك فيه حتى تحصل منه هذا المال العظيم وقد جرت للعرب عادة بالغاء الكسور تارة وجبرها أخرى فهذا من ذاك وقد وقع الغاء الكسور في هذه القصة في عدة روايات بصفات مختلفة ففي رواية علي بن مسهر عن هشام عند أبي نعيم بلغ ثم نساء الزبير ألف ألف وترك عليه من الدين الفي ألف وفي رواية عثام بن علي عن هشام عند يعقوب بن سفيان أن الزبير قال لابنه انظر ديني وهو ألف ألف ومائتا ألف وفي رواية أبي معاوية عن هشام أن قيمة ما تركه الزبير كان خمسين ألف ألف وفي رواية السراج أن جملة ما حصل من عقاره نيف وأربعون ألف ألف وعند بن سعد من حديث بن عيينة أن ميراثه قسم على أربعين ألف ألف وهكذا أخرجه الحميدي في النوادر عن سفيان عن هشام بن عروة وفي المجالسة للدينوري من طريق محمد بن عبيد عن أبي أسامة أن الزبير ترك من العروض قيمة خمسين ألف ألف والذي يظهر أن الرواة لم يقصدوا إلى التحرير البالغ في ذلك كما تقدم وقد حكى عياض عن بن سعد ما تقدم ثم قال فعلى هذا يصح قوله أن جميع المال خمسون ألف ألف ويبقى الوهم في قوله ومائتا ألف قال فإن الصواب أن يقول مائة ألف واحدة قال وعلى هذا فقد وقع في الأصل الوهم في لقظ مائتا ألف حيث وقع في نصيب الزوجات وفي الجملة فإنما الصواب مائة ألف واحدة حيث وقع في الموضعين قلت وهو غلط فاحش يتعجب من وقوع مثله فيه مع تيقظه للوهم الذي في الأصل وتفرغ باله للجمع والقسمة وذلك أن نصيب كل زوجة إذا كان ألف ألف ومائة ألف لا يصح معه أن يكون جميع المال خمسين ألف ألف ومائة ألف بل إنما يصح أن يكون جميع المال خمسين ألف ألف ومائة ألف إذا كان نصيب كل زوجة ألف ألف وثلاثة وأربعين ألفا وسبعمائة وخمسين على التحرير وقرأت بخط القطب الحلبي عن الدمياطي أن الوهم إنما وقع في رواية أبي أسامة عند البخاري في قوله في نصيب كل زوجة أنه ألف ألف ومائتا ألف وأن الصواب أنه ألف ألف سواء بغير كسر وإذا اختص الوهم بهذه اللفظة وحدها خرج بقية ما فيه على الصحة لأنه يقتضي أن يكون الثمن أربعة آلاف ألف فيكون ثمنا من أصل اثنين وثلاثين وإذا انضم إليه الثلث صار ثمانية وأربعين وإذا انضم إليها الدين صار الجميع خمسين ألف ألف ومائتي ألف فلعل بعض رواته لما وقع له ذكر مائتا ألف عند الجملة ذكرها عند نصيب كل زوجة سهوا وهذا توجيه حسن ويؤيده ما روى أبو نعيم في المعرفة من طريق أبي معشر عن هشام عن أبيه قال ورثت كل امرأة للزبير ربع الثمن ألف ألف درهم وقد وجهه الدمياطي أيضا بأحسن منه فقال ما حاصله أن قوله فجميع مال الزبير خمسون ألف ألف ومائتا ألف صحيح والمراد به قيمة ما خلفه عند موته وأن الزائد على ذلك وهو تسعة آلاف ألف وستمائة ألف بمقتضى ما يحصل من ضرب ألف ألف ومائتي ألف وهو ربع الثمن في ثمانية مع ضم الثلث كما تقدم ثم قدر الدين حتى يرتفع من الجميع تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف حصل هذا الزائد من نماء العقار والأراضي في المدة التي أخر فيها عبد الله بن الزبير قسم التركة استبراء للدين كما تقدم وهذا التوجيه في غاية الحسن لعدم تكلفه وتبقية الرواية الصحيحة على وجهها وقد تلقاه الكرماني فذكره ملخصا ولم ينسبه لقائله ولعله من توارد الخواطر والله أعلم وأما ما ذكره الزبير بن بكار في النسب في ترجمة عاتكة وأخرجه الحاكم في المستدرك أن عبد الله بن الزبير صالح عاتكة بنت زيد عن نصيبها من الثمن على ثمانين ألفا فقد استشكله الدمياطي وقال بينه وبين ما في الصحيح بون بعيد والعجب من الزبير كيف ما تصدى لتحرير ذلك قلت ويمكن الجمع بأن يكون القدر الذي صولحت به قدر ثلثي العشر من استحقاقها وكان ذلك برضاها ورد عبد الله بن الزبير بقية استحقاقها على من صالحها له ولا ينافي ذلك أصل الجملة وأما ما أخرجه الواقدي عن أبي بكر بن أبي سبرة عن هشام بن عروة عن أبيه قال قيمة ما ترك الزبير أحد وخمسون ألف ألف فلا يعارض ما تقدم لعدم تحريره وقال بن عيينة قسم مال الزبير على أربعين ألف ألف أخرجه بن سعد وهو محمول على الغاء الكسر وفي هذا الحديث من الفوائد ندب الوصية عند حضور أمر يخشى منه الفوت وأن للوصي تأخير قسمة الميراث حتى توفى ديون الميت وتنفذ وصاياه أن كان له ثلث وأن له أن يستبرئ أمر الديون واصحابها قبل القسمة وأن يؤخرها بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده ولا يخفى أن ذلك يتوقف على إجازة الورثة وإلا فمن طلب القسمة بعد وفاء الدين الذي وقع العلم به وصمم عليها أجيب إليها ولم يتربص به انتظار شيء متوهم فإذا ثبت بعد ذلك شيء استعيد منه وبهذا يتبين ضعف من استدل بهذه القصة لمالك حيث قال أن أجل المفقود أربع سنين والذي يظهر أن بن الزبير إنما أختار التأخير أربع سنين لأن المدن الواسعة التي يؤتى الحجاز من جهتها إذ ذاك كانت أربعا اليمن والعراق والشام ومصر فبنى على أن كل قطر لا يتأخر أهله في الغالب عن الحج أكثر من ثلاثة أعوام فيحسن استيعابهم في مدة الأربع ومنهم في طول المدة يبلغ الخبر من وراءهم من الأقطار وقيل لأن الأربع هي الغاية في الآحاد بحسب ما يمكن أن يتركب منه العشرات لأن فيها واحدا واثنين وثلاثة وأربعة ومجموع ذلك عشرة واختار الموسم لأنه مجمع الناس من الآفاق وفيه جواز التربص بوفاء الدين إذا لم تكن التركة نقدا ولم يختر صاحب الدين الا النقد وفيه جواز الوصية للاحفاد إذا كان من يحجبهم من الآباء موجودا وفيه أن الاستدانة لا تكره لمن كان قادرا على الوفاء وفيه جواز شراء الوارث من التركة وأن الهبة لا تملك الا بالقبض وأن ذلك لا يخرج المال عن ملك الأول لأن بن جعفر عرض على بن الزبير أن يحللهم من دينه الذي كان على الزبير فامتنع بن الزبير وفيه بيان جود بن جعفر لسماحته بهذا المال العظيم وأن من عرض على شخص أن يهبه شيئا فامتنع أن الواهب لا يعد راجعا في هبته وأما امتناع بن الزبير فهو محمول على أن بقية الورثة وافقوه على ذلك وعلم أن غير البالغين ينفذون له ذلك إذا بلغوا وأجاب بن بطال بأن هذا ليس من الأمر المحكوم به عند التشاح وإنما يؤمر به في شرف النفوس ومحاسن الأخلاق اه والذي يظهر أن بن الزبير تحمل بالدين كله على ذمته والتزم وفاءه ورضي الباقون بذلك كما تقدمت الإشارة إليه قريبا لأنهم لو لم يرضوا لم يفدهم ترك بعض أصحاب الدين دينه لنقص الموجود في تلك الحالة عن الوفاء لظهور قلته وعظم كثرة الدين وفيه مبالغة الزبير في الإحسان لاصدقائه لأنه رضي أن يحفظ لهم ودائعهم في غيبتهم ويقوم بوصاياهم على أولادهم بعد موتهم ولم يكتف بذلك حتى احتاط لأموالهم وديعة أو وصية بأن كان يتوصل إلى تصييرها في ذمته مع عدم احتياجه إليها غالبا وإنما ينقلها من اليد للذمة مبالغة في حفظها لهم وفي قول بن بطال المتقدم كان يفعل ذلك ليطيب له ريح ذلك المال نظرا لأنه يتوقف على ثبوت أنه كان يتصرف فيه بالتجارة وأن كثرة ماله إنما زادت بالتجارة والذي يظهر خلاف ذلك لأنه لو كان كذلك لكان الذي خلفه حال موته يفي بالدين ويزيد عليه والواقع أنه كان دون الديون بكثير الا أن الله تعالى بارك فيه بأن ألقى في قلب من أراد شراء العقار الذي خلفه الرغبة في شرائه حتى زاد على قيمته اضعافا مضاعفة ثم سرت تلك البركة إلى عبد الله بن جعفر لما ظهر منه في هذه القصة من مكارم الأخلاق حتى ربح في نصيبه من الأرض ما أربحه معاوية وفيه أن لا كراهة في الاستكثار من الزوجات والخدم وقال بن الجوزي فيه رد على من كره جمع الأموال الكثيرة من جهلة المتزهدين وتعقب بأن هذا الكلام لا يناسب مقامه من حيث كونه لهجا بالوعظ فإن من شأن الواعظ التحريض على الزهد في الدنيا والتقلل منها وكون مثل هذا لا يكره للزبير وأنظاره لا يطرد وفيه بركة العقار والأرض لمافيه من النفع العاجل والآجل بغير كثير تعب ولا دخول في مكروه كاللغو الواقع في البيع والشراء وفيه إطلاق اللفظ المشترك لمن يظن به معرفة المراد والاستفهام لمن لم يتبين له لأن الزبير قال لابنه استعن عليه مولاي والمولى لفظ مشترك فجوز بن الزبير أن يكون أراد بعض عتقائه مثلا فاستفهمه فعرف حينئذ مراده وفيه منزلة الزبير عند نفسه وأنه في تلك الحالة كان في غاية الوثوق بالله والاقبال عليه والرضا بحكمه والاستعانة به ودل ذلك على أنه كان في نفسه محقا مصيبا في القتال ولذلك قال أن أكبر همه دينه ولو كان يعتقد أنه غير مصيب أو أنه آثم باجتهاده ذلك لكان اهتمامه بما هو فيه من أمر القتال أشد ويحتمل أن يكون اعتمد على أن المجتهد يؤجر على اجتهاده ولو أخطأ وفيه شدة أمر الدين لأن مثل الزبير مع ما سبق له من السوابق وثبت له من المناقب رهب من وجوه مطالبة من له في جهته حق بعد الموت وفيه استعمال التجوز في كثير من الكلام كما تقدم وقد وقع ذلك أيضا في قوله أربع سنين في المواسم لأنه أن عد موسم سنة ست وثلاثين فلم يؤخر ذلك الا ثلاث سنين ونصفا وأن لم يعده فقد أخر ذلك أربع سنين ونصفا ففيه الغاء الكسر أو جبره وفيه قوة نفس عبد الله بن الزبير لعدم قبوله ما سأله حكيم بن حزام من المعاونة وما سأله عبد الله بن جعفر من المحاللة

قوله باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة أو أمره بالمقام أي ببلده هل يسهم له أي مع الغانمين أم لا

[ 2962 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل وقوله عثمان بن موهب بوزن جعفر قال أبو علي الجياني وقع في نسخة أبي محمد عن أبي أحمد يعني الأصيلي عن الجرجاني عمرو بن عبد الله وهو غلط وذكر الحديث عن بن عمر مختصرا في قصة تخلف عثمان عن بدر وسيأتي مطولا بهذا الإسناد على الصواب في مناقب عثمان وقد تقدم بيان الاختلاف في هذه المسألة في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة

قوله باب بالتنوين ومن الدليل هو عطف على الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هنا لنوائب المسلمين وقال بعد باب ومن الدليل على أن الخمس للأمام والجمع بين هذه التراجم أن الخمس لنوائب المسلمين وإلى النبي صلى الله عليه وسلم مع تولي قسمته أن يأخذ منه ما يحتاج إليه بقدر كفايته والحكم بعده كذلك يتولى الإمام ما كان يتولاه هذا محصل ما ترجم به المصنف وقد تقدم توجيهه وتبيين الاختلاف فيه وجوز الكرماني أن تكون كل ترجمة على وفق مذهب من المذاهب وفيه بعد لأن أحدا لم يقل أن الخمس للمسلمين دون النبي صلى الله عليه وسلم ودون الإمام ولا للنبي صلى الله عليه وسلم دون المسلمين وكذا للأمام فالتوجيه الأول هو اللائق وقد أشار الكرماني أيضا إلى طريق الجمع بينها فقال لا تفاوت من حيث المعنى إذ نوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم نوائب المسلمين والتصرف فيه له وللإمام بعده قلت والأولى أن يقال ظاهر لفظ التراجم التخالف ويرتفع بالنظر في المعنى إلى التوافق وحاصل مذاهب العلماء أكثر من ثلاثة أحدها قول أئمة المخالفة الخمس يؤخذ من سهم الله ثم يقسم الباقي خمسة كما في الآية الثاني عن بن عباس خمس الخمس لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وأربعة للمذكورين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد سهم الله ورسوله لذوي القربى ولا يأخذ لنفسه شيئا الثالث قول زين العابدين الخمس كله لذوي القربى والمراد باليتامى يتامى ذوي القربى وكذلك المساكين وابن السبيل أخرجه بن جرير عنه لكن السند إليه واه الرابع هو للنبي صلى الله عليه وسلم فخمسه لخاصته وباقيه لتصرفه الخامس هو للأمام ويتصرف فيه بالمصلحة كما يتصرف في الفيء السادس يرصد لمصالح المسلمين السابع يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم لذوي القربى ومن ذكر بعدهم في الآية قوله ما سأل هوازن النبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم فتحلل من المسلمين هوازن فاعل والمراد القبيلة وأطلقها على بعضهم مجازا والنبي بالنصب على المفعولية وقوله برضاعه أي بسبب رضاعه لأن حليمة السعدية مرضعته كانت منهم وقد ذكر قصة سؤال هوازن من طريق المسور بن مخرمة ومروان موصولة ولكن ليس فيها تعرض لذكر الرضاع وإنما وقع ذلك فيما أخرجه بن إسحاق في المغازي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فذكر القصة مطولة وفيها شعر زهير بن صرد حيث قال فيه امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك يملؤه من محضها الدرر وسيأتي بيان ما في سياقه من فائدة زائدة عند الكلام على حديث المسور في المغازي إن شاء الله تعالى وتقدم شرح بعض ألفاظه في أواخر العتق

[ 2963 ] قوله وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعد الناس أن يعطيهم من الفيء والانفال من الخمس وما أعطى الأنصار وما أعطى جابر بن عبد الله من تمر خيبر أما حديث الوعد من الفيء فيظهر من سياق حديث جابر وأما حديث الأنفال من الخمس فمذكور في الباب من حديث بن عمر وأما حديث إعطاء الأنصار فتقدم من حديث أنس قريبا وأما حديث إعطاء جابر من تمر خيبر فهو في حديث أخرجه أبو داود وظهر من سياقه أن حديث جابر الذي ترجم به المصنف للباب طرف منه ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث الأول حديث المسور وقد نبهت عليه وتقدم بعضه بهذا الإسناد بعينه في الوكالة الثاني حديث أبي موسى الأشعري

[ 2964 ] قوله قال وحدثني القاسم بن عاصم الكليبي بموحدة مصغر والقائل ذلك هو أيوب بين ذلك عبد الوهاب الثقفي عن أيوب كما سيأتي في الأيمان والنذور قوله فأتى ذكر دجاجة كذا لأبي ذر فأتى بصيغة الفعل الماضي من الإتيان وذكر بكسر الذال وسكون الكاف ودجاجة بالجر والتنوين على الإضافة وكذا للنسفي وفي رواية الأصيلي فأتى بضم الهمزة على البناء لما لم يسم فاعله وذكر بفتحتين ودجاجة بالنصب والتنوين على المفعولية كأن الراوي لم يستحضر اللفظ كله وحفظ منه لفظ دجاجة قال عياض وهذا أشبه لقوله في الطريق الأخرى فأتى بلحم دجاج ولقوله في حديث الباب فدعاه للطعام أي الذي في الدجاجة وسيأتي في النذور بلفظ فأتى بطعام فيه دجاج وهو المراد قوله وعنده رجل من بني تيم الله هو نسبة إلى بطن من بني بكر بن عبد مناة وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في الأيمان والنذور وأبين هناك ما قيل في اسمه ومناسبته للترجمة من جهة أنهم سألوه فلم يجد ما يحملهم عليه ثم حضر شيء من الغنائم فحملهم منها وهو محمول على أنه حملهم على ما يختص بالخمس وإذا كان له التصرف بالتنجيز من غير تعليق فكذا له التصرف بتنجيز ما علق الثالث حديث بن عمر

[ 2965 ] قوله بعث سرية ذكرها المصنف في المغازي بعد غزوة الطائف وسيأتي بيان ذلك في مكانه قوله قبل نجد بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها قوله فغنموا إبلا كثيرة في رواية عند مسلم فأصبنا إبلا وغنما قوله فكانت سهمانهم أي أنصباؤهم والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد منهم هذا القدر وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء قال النووي وهو غلط قوله أثنى عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا هكذا رواه مالك بالشك والاختصار وإبهام الذي نفلهم وقد وقع بيان ذلك في رواية بن إسحاق عن نافع عند أبي داود ولفظه فخرجت فيها فأصبنا نعما كثيرا وأعطانا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ثم قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس وأخرجه أبو داود أيضا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافع ولفظه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وأتبعت سرية من الجيش وكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا ثلاثة عشر بعيرا وأخرجه بن عبد البر من هذا الوجه وقال في روايته أن ذلك الجيش كان أربعة آلاف قال بن عبد البر اتفق جماعة رواة الموطأ على روايته بالشك الا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن شعيب ومالك جميعا فلم يشك وكأنه حمل رواية مالك على رواية شعيب قلت وكذا أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك والليث بغير شك فكأنه أيضا حمل رواية مالك على رواية الليث قال بن عبد البر وقال سائر أصحاب نافع اثني عشر بعيرا بغير شك لم يقع الشك فيه الا من مالك قوله ونفلوا بعيرا بعيرا بلفظ الفعل الماضي من غير مسمى والنفل زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة ومنه نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض واختلف الرواة في القسم والتنفيل هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهما من أحدهما فرواية بن إسحاق صريحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي صلى الله عليه وسلم وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقررا لذلك ومجيزا له لأنه قال فيه ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية عبد الله بن عمر عنده أيضا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا وهذا يمكن أن يحمل على التقرير فتجتمع الروايتان قال النووي معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته لكل منهما وفي الحديث أن الجيش إذا انفرد منه قطعة فغنموا شيئا كانت الغنيمة للجميع قال بن عبد البر لا يختلف الفقهاء في ذلك أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو بل قال بن دقيق العيد أن الحديث يستدل به على أن المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه قال وإنما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى وهذا القيد في مذهب مالك وقال إبراهيم النخعي للامام أن ينفل السرية جميع ما غنمته دون بقية الجيش مطلقا وقيل أنه انفرد بذلك وفيه مشروعية التنفيل ومعناه تخصيص من له أثر في الحرب بشيء من المال لكنه خصه عمرو بن شعيب بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده نعم وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع إلى الثلث قبل القسم واعتل بأن القتال حينئذ يكون للدنيا قال فلا يجوز مثل هذا انتهى وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال والثلاثة الأول مذهب الشافعي والأصح عندهم أنها من خمس الخمس ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم قال بن بطال وحديث الباب يرد على هذا لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس وهذا واضح وقد زاده بن المنير ايضاحا فقال لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ويكون الخمس من الأصل ثلاثمائة بعير وخمسها ستون وقد نطق الحديث بأنهم نفلوا بعيرا بعيرا فتكون جملة ما نفلوا مائة بعير وإذا كان خمس الخمس ستين لم يف كله ببعير بعير لكل من المائة وهكذا كيفما فرضت العدد قال وقد ألجأ هذا الالزام بعضهم فادعى أن جميع ما حصل للغانمين كان اثني عشر بعيرا فقيل له فيكون خمسها ثلاثة أبعرة فيلزم أن تكون السرية كلها ثلاثة رجال كذا قيل قال بن المنير وهو سهو على التفريع المذكور بل يلزم أن يكون أقل من رجل بناء على أن النفل من خمس الخمس وقال بن التين قد انفصل من قال من الشافعية بأن النفل من خمس الخمس بأوجه منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخرى فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض ثانيها أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة ثالثها أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض قال وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد اثنا عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا فعلى هذا فقد نفلوا ثلث الخمس قلت أن ثبت هذا لم يكن فيه رد للاحتمال الأخير لأنه يحتمل أن يكون الذين نفلوا ستة من العشرة والله أعلم قال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم النفل من أصل الغنيمة وقال مالك وطائفة لا نفل الا من الخمس وقال الخطابي أكثر ما روى من الأخبار يدل على أن النفل من أصل الغنيمة والذي يقرب من حديث الباب أنه كان من الخمس لأنه أضاف الاثني عشر إلى سهمانهم فكأنه أشار إلى أن ذلك قد تقرر لهم استحقاقه من الأخماس الأربعة الموزعة عليهم فيبقى للنفل من الخمس قلت ويؤيده ما رواه مسلم في حديث الباب من طريق الزهري قال بلغني عن بن عمر قال نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بعثها قبل نجد من إبل جاءوا بها نفلا سوى نصيبهم من المغنم لم يسق مسلم لفظه وساقه الطحاوي ويؤيده أيضا ما رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مالي مما أفاء الله عليكم الا الخمس وهو مردود عليكم وصله النسائي من وجه آخر حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأخرجه أيضا بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت فإنه يدل على أن ما سوى الخمس للمقاتلة وروى مالك أيضا عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب قال كان الناس يعطون النفل من الخمس قلت وظاهره اتفاق الصحابة على ذلك وقال بن عبد البر أن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وأن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى وهذا الشرط قال به الجمهور وقال الشافعي لا يتحدد بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة وبدل له قوله تعالى قل الأنفال لله والرسول ففوض إليه أمرها والله أعلم وقال الأوزاعي لا ينفل من أول الغنمية ولا ينفل ذهبا ولا فضة وخالفه الجمهور وحديث الباب من رواية بن إسحاق يدل لما قالوا واستدل به على تعين قسمة أعيان الغنيمة لا أثمانها وفيه نظر لاحتمال أن يكون وقع ذلك اتفاقا أو بيانا للجواز وعند المالكية فيه أقوال ثالثها التخيير وفيه أن أمير الجيش إذا فعل مصلحة لم ينقضها الإمام الرابع حديثه كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش وأخرجه مسلم وزاد في آخره والخمس واجب في ذلك كله وليس فيه حجة لأن النفل من الخمس لا من غيره بل هو محتمل لكل من الأقوال نعم فيه دليل على أنه يجوز تخصيص بعض السرية بالتنفيل دون بعض قال بن دقيق العيد للحديث تعلق بمسائل الإخلاص في الأعمال وهو موضع دقيق المأخذ ووجه تعلقه به أن التنفيل يقع للترغيب في زيادة العمل والمخاطرة في الجهاد ولكن لم يضرهم ذلك قطعا لكونه صدر لهم من النبي صلى الله عليه وسلم فيدل على أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا تقدح في الإخلاص لكن ضبط قانونها وتمييزها مما تضر مداخلته مشكل جدا الخامس حديث أبي موسى في مجيئهم من الحبشة وفي آخره وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا الا لمن شهد معه الا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة خيبر من كتاب المغازي والغرض منه هذا الكلام الأخير قال بن المنير أحاديث الباب مطابقة لما ترجم به الا هذا الأخير فإن ظاهره أنه عليه الصلاة والسلام قسم لهم من أصل الغنيمة لا من الخمس إذ لو كان من الخمس لم يكن لهم بذلك خصوصية والحديث ناطق بها قال لكن وجه المطابقة أنه إذا جاز للأمام أن يجتهد وينفذ اجتهاده في الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين فيقسم منها لم لم يشهد الوقعة فلأن ينفذ اجتهاده في الخمس الذي لا يستحقه معين وأن استحقه صنف مخصوص أولى وقال بن التين يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش انتهى وهذا جزم به موسى بن عقبة في مغازيه ويحتمل أن يكون إنما أعطاهم من الخمس وبهذا جزم أبو عبيد في كتاب الأموال وهو الموافق لترجمة البخاري وأما قول بن المنير لو كان من الخمس لم يكن هناك تخصيص فظاهر لكن يحتمل أن يكون من الخمس وخصهم بذلك دون غيرهم ممن كان من شأنه أن يعطي من الخمس ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل قسمة الغنيمة وبعد حوزها وهو أحد القولين للشافعي وهذا الاحتمال يترجح بقوله أسهم لهم لأن الذي يعطي من الخمس لا يقال في حقه أسهم له الا تجوزا ولان سياق الكلام يقتضي الافتخار ويستدعي الاختصاص بما لم يقع لغيرهم كما تقدم والله أعلم السادس حديث جابر

[ 2968 ] قوله حدثنا علي هو بن عبد الله المديني وسفيان هو بن عيينة قوله لو قد جاءني مال البحرين سيأتي ذلك في أول باب الجزية من حديث عمرو بن عوف وأنه من الجزية لكن فيه فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فيحمل على أن الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم جابرا كان بعد السنة التي قدم فيها أبو عبيدة بالمال وظهر بذلك جهة المال المذكور وأنه من الجزية فأغنى ذلك عن قول بن بطال يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفيء قوله أمر أبو بكر مناديا فنادى لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون بلالا قوله فحثى لي بالمهملة والمثلثة قوله وقال مرة القائل هو سفيان بهذا السند وقد تقدم الحديث في الهبة بالسند الأول بدون هذه الزيادة إلى آخرها وتقدمت الزيادة بهذا الإسناد في الكفالة والحوالة إلى قوله خذ مثليها قوله قال سفيان هو متصل بالسند المذكور وعمرو هو بن دينار ومحمد بن علي أي بن الحسين بن علي وظهر من هذه الروية المراد من قوله في رواية بن المنكدر فحثي لي ثلاثا لكن قوله فحثي لي حثية مع قوله في الرواية التي قبلها وجعل سفيان يحثو بكفيه يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعا والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما يملأ الكف والحفنة ما يملأ الكفين نعم ذكر أبو عبيد الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى وهذا الحديث شاهد لذلك وقوله حثية من حثى يحثي ويجوز حثوة من حثا يحثوا وهما لغتان وقوله تبخل عني أي من جهتي قوله وقال يعني بن المنكدر الذي قال وقال هو سفيان والذي قال يعني هو علي بن المديني قوله وأي داء أدوى من البخل قال عياض كذا وقع أدوى غير مهموز من دوى إذا كان به مرض في جوفه والصواب أدوأ بالهمز لأنه من الداء فيحمل على أنهم سهلوا الهمزة ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان في هذا الحديث وقال بن المنكدر في حديثه فظهر بذلك اتصاله إلى أبي بكر بخلاف رواية الأصيلي فإنها تشعر بأن ذلك من كلام بن المنكدر وقد روى حديث أي داء أدوأ من البخل وقد تقدم في الكفالة توجيه وفاء أبي بكر لعدات النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في كتاب الهبة وأن وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز اخلافه فنزل منزلة الضمان في الصحة وقيل إنما فعله أبو بكر على سبيل التطوع ولم يكن يلزمه قضاء ذلك وما تقدم في باب من أمر بانجاز الوعد من كتاب الشهادات أولى وأن جابرا لم يدع أن له دينا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يطالبه أبو بكر ببينة ووفى ذلك له من بيت المال الموكول الأمر فيه إلى اجتهاد الإمام وعلى ذلك يحوم المصنف وبه ترجم وإنما أخر أبو بكر إعطاء جابر حتى قال له ما قال إما لامر أهم من ذلك أو خشية أن يحمله ذلك على الحرص على الطلب أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك ولم يرد به المنع على الإطلاق ولهذا قال ما من مرة الا وأنا أريد أن أعطيك وسيأتي في أوائل الجزية بيان الخلاف في مصرفها وظاهر إيراد البخاري هذا الحديث هنا أن مصرفها عنده مصرف الخمس والله أعلم الحديث السابع

[ 2969 ] قوله حدثنا قرة بضم القاف وتشديد الراء ثم هاء وفي الإسناد بصريان هو والراوي عنه وحجازيان شيخه والضحاك وقد خالف زيد بن الحباب مسلم بن إبراهيم فيه فقال عن قرة عن أبي الزبير بدل عمرو بن دينار أخرجه مسلم وسياقه أتم ورواية البخاري أرجح فقد وافق شيخه على ذلك عن قرة عثمان بن عمرو عند الإسماعيلي والنضر بن شميل عند أبي نعيم فاتفاق هؤلاء الحفاظ الثلاثة أرجح من انفراد زيد بن الحباب عنهم ويحتمل أن يكون الحديث عند قرة عن شيخين بدليل أن في رواية أبي الزبير زيادة على ما في رواية هؤلاء كلهم عن قرة عن عمرو وسيأتي شرحه مستوفى في استتابة المرتدين عند الكلام على حديث أبي سعيد في المعنى وفي حديث أبي سعيد بيان تسمية القائل المذكور وقوله في هذه الرواية لقد شقيت بضم المثناة للأكثر ومعناه ظاهر ولا محذور فيه والشرط لا يستلزم الوقوع لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء بل هو عادل فلا يشقى وحكى عياض فتحها ورجحه النووي وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي من طريق عثمان بن عمر عن قرة والمعنى لقد شقيت أي ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدى بمن لا يعدل أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن

قوله باب ما من النبي صلى الله عليه وسلم على الأسارى من غير أن يخمس أراد بهذه الترجمة أنه كان له صلى الله عليه وسلم أن يتصرف في الغنيمة بما يراه مصلحة فينفل من رأس الغنيمة وتارة من الخمس واستدل على الأول بأنه كان يمن على الأسارى من رأس الغنيمة وتارة من الخمس فدل على أنه كان له أن ينفل من رأس الغنيمة وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك وذكر فيه حديث جبير بن مطعم لو كان المطعم حيا وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له قال بن بطال وجه الاحتجاج به أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه أن يخبر عن شيء لو وقع لفعله وهو غير جائز فدل على أن الإمام أن يمن على الأسارى بغير فداء خلافا لمن منع ذلك كما تقدم واستدل به على أن الغنائم لا يستقر ملك الغانمين عليها إلا بعد القسمة وبه قال المالكية والحنفية وقال الشافعي يملكون بنفس الغنيمة والجواب عن حديث الباب أنه محمول على أنه كان يستطيب أنفس الغانمين وليس في الحديث ما يمنع ذلك فلا يصلح للاحتجاج به وللفريقين احتجاجات أخرى وأجوبة تتعلق بهذه المسألة لم أطل بها هنا لأنها لا تؤخذ من حديث الباب لا نفيا ولا اثباتا واستبعد بن المنير الحمل المذكور فقال إن طيب قلوب الغانمين بذلك من العقود الاختيارية فيحتمل أن لا يذعن بعضهم فكيف بت القول بأنه يعطيه إياهم مع أن الأمر موقوف على اختيار من يحتمل أن لا يسمح قلت والذي يظهر أن هذا كان باعتبار ما تقدم في أول الأمر أن الغنيمة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم يتصرف فيها حيث شاء وفرض الخمس إنما نزل بعد قسمة غنائم بدر كما تقرر فلا حجة إذا في هذا الحديث لما ذكرنا وقد أنكر الداودي دخول التخميس في أسارى بدر فقال لم يقع فيهم غير أمرين إما المن بغير فداء وإما الفداء بمال ومن لم يكن له مال علم أولاد الأنصار الكتابة وأطال في ذلك ولم يأت بطائل ولا يلزم من وقوع شيء أو شيئين مما خير فيه منع التخيير وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم منهم عقبة بن أبي معيط وغيره وادعاؤه أن قريشا لا يدخلون تحت الرق يحتاج إلى دليل خاص وإلا فأصل الخلاف هل يسترق العربي أولا ثابت مشهور والله أعلم وسيأتي بقية شرحه في غزوة بدر إن شاء الله تعالى وقوله

[ 2970 ] النتنى بنونين مفتوحتين بينهما مثناة ساكنة مقصور جمع نتن أو نتين كزمن وزمنى أو جريح وجرحى وروى بمهملة فموحدة ساكنة وهو تصحيف وأبعد من جعله هو الصواب

قوله باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام تقدم توجيه ذلك قبل بباب قوله وقال عمر بن عبد العزيز لم يعمهم أي لم يعم قريشا وقوله ولم يخص قريبا دون من أحوج إليه أي دون من هو أحوج إليه قال بن مالك فيه حذف العائد على الموصول وهو قليل ومنه قراءة يحيى بن يعمر تماما على الذي أحسن بضم النون أي الذي هو أحسن قال وإذا طال الكلام فلا ضعف ومنه وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله أي وفي الأرض هو إله قوله وإن كان الذي أعطى أي أبعد قرابة ممن لم يعط ووقع في هذا اختصار اقتضى توقفا في فهمه وقد من الله وله الحمد بتوجيهه وسياقه عند عمر بن شبة في أخبار المدينة موصولا مطولا فقال فيه وقسم لهم قسما لم يعم عامتهم ولم يخص به قريبا دون من أحوج منه ولقد كان يومئذ فيمن أعطى من هو أبعد قرابة أي ممن لم يعط وقوله لما يشكو تعليل لعطية الأبعد قرابة وقوله في جنبه أي جانبه وقوله من قومهم وحلفائهم أي وحلفاء قومهم بسبب الإسلام وأشار بذلك إلى ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة من قريش بسبب الإسلام وسيأتي بسطه في موضعه إن شاء الله تعالى

[ 2971 ] قوله عن بن المسيب في رواية يونس عن بن شهاب عند أبي داود وأخبرني سعيد بن المسيب قوله عن جبير بن مطعم في المغازي من رواية يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره قوله مشيت أنا وعثمان بن عفان زاد أبو داود والنسائي من طريق يونس عن بن شهاب فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب ولهما من رواية بن إسحاق عن بن شهاب وضع سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس وإنما اختص جبير وعثمان بذلك لأن عثمان من بني عبد شمس وجبير بن مطعم من بني نوفل وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب سواء الجميع بنو عبد مناف فهذا معنى قولهما ونحن وهم منك بمنزلة واحدة أي في الانتساب إلى عبد مناف ووقع في رواية أبي داود المذكورة وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة وله في رواية بن إسحاق فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله منهم فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا قوله شيء واحد للأكثر بالشين المعجمة المفتوحة والهمزة وقال عياض رويناه هكذا في البخاري بغير خلاف انتهى وقد وجدته في أصلي هنا من رواية الكشميهني وفي المغازي من رواية المستملي وفي مناقب قريش من روايته وفي رواية الحموي بكسر المهملة وتشديد التحتانية وكذلك كان يرويه يحيى بن معين وحده قال الخطابي هو أجود في المعنى وحكاها عياض رواية خارج الصحيح وقال الصواب رواية الكافة لقوله فيه وشبك بين أصابعه وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشيء الواحد لا على التمثيل والتنظير وهذه الزيادة التي أشار إليها وقعت في رواية بن إسحاق المذكورة ولفظه فقال إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه ووقع في رواية أبي زيد المروزي شيء أحد بغير واو وبهمز الألف فقيل هما بمعنى وقيل الأحد الذي ينفرد بشيء لا يشاركه فيه غيره والواحد أول العدد وقيل الأحد المنفرد بالمعنى والواحد المنفرد بالذات وقيل الأحد لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتاح العدد من جنسه وقيل لا يقال أحد إلا لله تعالى حكاه جميعه عياض قوله وقال الليث حدثني يونس أي بهذا الإسناد وزاد قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل هو عندي من رواية عبد الله بن يوسف أيضا عن الليث فهو متصل ويحتمل أن يكون معلقا وقد وصله المصنف في المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه وزاد أبو داود في رواية يونس بهذا الإسناد وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده وهذه الزيادة بين الذهلي في جمع حديث الزهري أنها مدرجة من كلام الزهري وأخرج ذلك مفصلا من رواية الليث عن يونس وكأن هذا هو السر في حذف البخاري هذه الزيادة مع ذكره لرواية يونس وروى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق بن شهاب عن يزيد بن هرمز عن بن عباس في سهم ذوي القربى قال هو لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان عمر عرض علينا من ذلك شيئا رأيناه دون حقنا فرددناه وللنسائي من وجه آخر وقد كان عمر دعانا أن ينكح أيمنا ويخدم عائلنا ويقضي عن غارمنا فأبينا الا أن يسلمه لنا قال فتركناه قوله وقال بن إسحاق الخ وصله المصنف في التاريخ وقوله عاتكة بنت مرة أي بن هلال من بني سليم وقوله وكان نوفل أخاهم لأبيهم لم يسم أمه وهي واقدة بالقاف بنت أبي عدي واسمه نوفل بن عبادة من بني مازن بن صعصعة وذكر الزبير بن بكار في النسب أنه كان يقال لهاشم والمطلب البدران ولعبد شمس ونوفل الابهران وهذا يدل على أن بين هاشم والمطلب ائتلافا سرى في أولادهما من بعدهما ولهذا لما كتبت قريش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصروهم في الشعب دخل بنو المطلب مع بني هاشم ولم تدخل بنو نوفل وبنو عبد شمس وستأتي الإشارة إلى ذلك في أول المبعث إن شاء الله تعالى وفي الحديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربي لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من قريش وعن عمر بن عبد العزيز هم بنو هاشم خاصة وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين وهذا الحديث يدل لالحاق بني المطلب بهم وقيل هم قريش كلها لكن يعطي الإمام منهم من يراه وبهذا قال أصبغ وهذا الحديث حجة عليه وفيه توهين قول من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم بعلة الحاجة إذ لو أعطاهم بعلة الحاجة لم يخص قوما دون قوم والحديث ظاهر في أنه أعطاهم بسبب النصرة وما أصابهم بسبب الإسلام من بقية قومهم الذين لم يسلموا والملخص أن الآية نصت على استحقاق قربى النبي صلى الله عليه وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس لأنه شقيق وفي بني نوفل إذا لم تعتبر قرابة الأم واختلف الشافعية في سبب إخراجهم فقيل العلة القرابة مع النصرة فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها وقيل الاستحقاق بالقرابة ووجد ببني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم والثالث أن القربى عام مخصوص وبينته السنة قال بن بطال وفيه رد لقوله الشافعي أن خمس الخمس يقسم بين ذوي القربى لا يفضل غني على فقير وأنه يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قلت ولا حجة فيه لما ذكر لا إثباتا ولا نفيا أما الأول فليس في الحديث إلا أنه قسم خمس الخمس بين بني هاشم والمطلب ولم يتعرض لتفضيل ولا عدمه وإذا لم يتعرض فالأصل في القسمة إذا أطلقت التسوية والتعميم فالحديث إذا حجة للشافعي لا عليه ويمكن التوصل إلى التعميم بأن يأمر الإمام نائبه في كل إقليم بضبط من فيه ويجوز النقل من مكان إلى مكان للحاجة وقيل لا بل يختص كل ناحية بمن فيها وأما الثاني فليس فيه تعرض لكيفية القسم لكن ظاهره التسوية وبها قال المزني وطائفة فيحتاج من جعل سبيله سبيل الميراث إلى دليل والله أعلم وذهب الأكثر إلى تعميم ذوي القربى في قسمة سهمهم عليهم بخلاف اليتامى فيخص الفقراء منهم عند الشافعي وأحمد وعن مالك يعمهم في الإعطاء وعن أبي حنيفة يخص الفقراء من الصنفين وحجة الشافعي أنهم لما منعوا الزكاة عموا بالسهم ولأنهم أعطوا بجهة القرابة إكراما لهم بخلاف اليتامى فإنهم أعطوا لسد الخلة واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة فإن ذوي القربى لفظ عام خص ببني هاشم والمطلب قال بن الحاجب ولم ينقل اقتران اجمالي مع أن الأصل عدمه

قوله باب من لم يخمس الاسلاب السلب بفتح المهملة واللام بعدها موحدة هو ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور وعن أحمد لا تدخل الدابة وعن الشافعي يختص بأداة الحرب قوله ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس وحكم الإمام فيه أما قوله ومن قتل قتيلا فله سلبه فهو قطعة من حديث أبي قتادة ثاني حديثي الباب وقد أخرجه المصنف بهذا القدر حسب من حديث أنس وأما قوله من غير أن يخمس فهو من تفقهه وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف في المسألة وهو شهير وإلى ما تضمنته الترجمة ذهب الجمهور وهو أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أو لم يقل ذلك وهو ظاهر حديث أبي قتادة ثاني حديثي الباب وقال إنه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن الحكم الشرعي وعن المالكية والحنفية لا يستحقه القاتل إلا إن شرط له الإمام ذلك وعن مالك يخير الإمام بين أن يعطي القاتل السلب أو يخمسه واختاره إسماعيل القاضي وعن إسحاق إذا كثرت الاسلاب خمست ومكحول والثوري بخمس مطلقا وقد حكى عن الشافعي أيضا وتمسكوا بعموم قوله واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه ولم يستثن شيئا واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه فإنه خصص ذلك العموم وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين قال مالك لم يبلغني ذلك في غير حنين وأجاب الشافعي وغيره بأن ذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن منها يوم بدر كما في أول حديثي الباب ومنها حديث حاطب بن أبي بلتعة أنه قتل رجلا يوم أحد فسلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه أخرجه البيهقي ومنها حديث جابر أن عقيل بن أبي طالب قتل يوم مؤتة رجلا فنفله النبي صلى الله عليه وسلم درعه ثم كان ذلك مقررا عند الصحابة كما روى مسلم من حديث عوف بن مالك في قصته مع خالد بن الوليد وإنكاره عليه أخذه السلب من القاتل الحديث بطوله وكما روى الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد تعال بنا ندعو فدعا سعد فقال اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه فأقاتله ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه الحديث وكما روى أحمد بإسناد قوي عن عبد الله بن الزبير قال كانت صفية في حصن حسان بن ثابت يوم الخندق فذكر الحديث في قصة قتلها اليهودي وقولها لحسان انزل فاسلبه فقال مالي بسلبه حاجة وكما روى بن إسحاق في المغازي في قصة قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود يوم الخندق أيضا فقال له عمر هلا استلبت درعه فإنه ليس للعرب خير منها فقال إنه اتقاني بسوأته وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك يوم حنين بعد أن فرغ القتال كما هو صريح في ثاني حديثي الباب حتى قال مالك يكره للإمام أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه لئلا تضعف نيات المجاهدين ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الا بعد انقضاء الحرب وعن الحنفية لا كراهة في ذلك وإذا قاله قبل الحرب أو في أثنائها استحق القاتل ثم أخرج المصنف فيه حديثين أحدهما حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل والغرض منه هنا

[ 2972 ] قوله في آخره كلاكما قتله سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح فقد احتج به من قال إن إعطاء القاتل السلب مفوض إلى رأي الإمام وقرره الطحاوي وغيره بأنه لو كان يجب للقاتل لكان السلب مستحقا بالقتل ولكان جعله بينهما لاشتراكهما في قتله فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام وأجاب الجمهور بان في السياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في القتل ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن قال المهلب نظره صلى الله عليه وسلم في السيفين واستلاله لهما هو ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفيكما أم لا لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك وإنما قال كلا كما قتله وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه ليطيب نفس الآخر وقال الإسماعيلي أقول أن الأنصاريين ضرباه فاثخناه وبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ وقد دل قوله كلاكما قتله على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها أو بما يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى اثخانه وسيأتي تتمة شرحه في غزوة بدر مع قول بن مسعود أنه قتله وتأتي كيفية الجمع هناك إن شاء الله تعالى قوله حديثة بالجر صفة للغلامين وأسنانهما بالرفع قوله بين أضلع منهما كذا للأكثر بفتح أوله وسكون المعجمة وضم اللام فجمع ضلع وروى بضم اللام وفتح العين من الضلاعة وهي القوة ووقع في رواية الحموي وحده بين أصلح منهما بالصاد والحاء المهملتين ونسبه بن بطال لمسدد شيخ البخاري وقد خالفه إبراهيم بن حمزة عند الطحاوي وموسى بن إسماعيل عند بن سنجر وعفان عند بن أبي شيبة يعني كلهم عن يوسف شيخ البخاري فيه فقالوا أضلع بالضاد المعجمة والعين قال واجتماع ثلاثة من الحفاظ أولى من انفراد واحد انتهى وقد ظهر أن الخلاف على الرواة عن الفربري فلا يليق الجزم بأن مسددا نطق به هكذا وقد رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى عن عبيد الله القواريري وبشر بن الوليد وغيرهما كلهم عن يوسف كالجماعة وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن عفان كذلك وقوله لا يفارق سواده بفتح السين وهو الشخص قوله حتى يموت الأعجل منا أي الأقرب أجلا وقيل إن لفظ الاعجل تحريف وإنما هو الاعجز وهو الذي يقع في كلام العرب كثيرا والصواب ما وقع في الرواية لوضوح معناه قوله قال محمد هو المصنف سمع يوسف يعني بن الماجشون صالحا يعني بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المذكور في الإسناد وسمع إبراهيم أباه عبد الرحمن بن عوف وهذه الزيادة لأبي ذر وأبي الوقت هنا وتقدم في الوكالة في حديث آخر بهذا الإسناد مثله وبينت هناك سماع إبراهيم من أبيه وأما سماع يوسف من صالح فوقع في رواية عفان عند الإسماعيلي ولعل البخاري أشار إلى أن الذي أدخل بين يوسف وصالح في هذا الحديث رجلا لم يضبط وذلك فيما أخرجه البزار والرجل هو عبد الواحد بن أبي عون ويحتمل أن يكون يوسف سمعه من صالح وثبته فيه عبد الواحد والله أعلم الحديث الثاني حديث أبي قتادة وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي وقوله

[ 2973 ] فيه عن بن أفلح نسبه إلى جده وهو عمر بن كثير بن أفلح وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وكلهم مدنيون إلا الراوي عن مالك وقد نزلها وقوله فاستدبرت كذا للأكثر وللكشميهني فاستدرت بغير موحدة قوله فقال رجل صدق يا رسول الله وسلبه عندي لم أقف على اسمه واستدل به على دخول من لا يسهم له في عموم قوله من قتل قتيلا وعن الشافعي في قول وبه قال مالك لا يستحق السلب إلا من استحق السهم لأنه قال إذا لم يستحق السهم فلا يستحق السلب بطريق الأولى وعورض بأن السهم علق على المظنة والسلب يستحق بالفعل فهو أولى وهذا هو الأصل واستدل به على أن السلب للقاتل في كل حال حتى قال أبو ثور وابن المنذر يستحقه ولو كان المقتول منهزما وقال أحمد لا يستحقه إلا بالمبارزة وعن الأوزاعي إذا التقي الزحفان فلا سلب واستدل به على أنه مستحق للقاتل الذي أثخنه بالقتل دون من ذهب عليه كما سيأتي في قصة بن مسعود مع أبي جهل في غزوة بدر واستدل به على أن السلب يستحقه القاتل من كل مقتول حتى لو كان المقتول امرأة وبه قال أبو ثور وابن المنذر وقال الجمهور شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة واتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادعى السلب إلا ببينة تشهد له بأنه قتله والحجة فيه قوله في هذا الحديث له عليه بينة فمفهومه أنه إذا لم تكن له بينة لا يقبل وسياق أبي قتادة يشهد لذلك وعن الأوزاعي يقبل قوله بغير بينة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه لأبي قتادة بغير بينة وفيه نظر لأنه وقع في مغازي الواقدي أن أوس بن خولى شهد لأبي قتادة وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه القاتل بطريق من الطرق وأبعد من قال من المالكية أن المراد بالبينة هنا الذي أقر له أن السلب عنده فهو شاهد والشاهد الثاني وجود السلب فإنه بمنزلة الشاهد على أنه قتله ولذلك جعل لوثا في باب القسامة وقيل إنما استحقه أبو قتادة بإقرار الذي هو بيده وهذا ضعيف لأن الإقرار إنما يفيد إذا كان المال منسوبا لمن هو بيده فيؤاخذ بإقراره والمال هنا منسوب لجميع الجيش ونقل بن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا شاهد واحد يكتفى به

قوله باب ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم سيأتي بيانهم وأنهم من أسلم ونيته ضعيفة أو كان يتوقع باعطائه إسلام نظرائه في تفسير براءة قوله وغيرهم أي غير المؤلفة ممن تظهر له المصلحة في إعطائه قوله من الخمس ونحوه أي من مال الخراج والجزية والفيء قال إسماعيل القاضي في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من الخمس دلالة على أن الخمس إلى الإمام يفعل فيه ما يرى من المصلحة وقال الطبري استدل بهذه الأحاديث من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي من أصل الغنيمة لغير المقاتلين قال وهو قول مردود بدليل القرآن والآثار الثابتة واختلف بعد ذلك من أين كان يعطي المؤلفة فقال مالك وجماعة من الخمس وقال الشافعي وجماعة من خمس الخمس قيل ليس في أحاديث الباب شيء صريح بالاعطاء من نفس الخمس قوله رواه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه الطويل في قصة حنين وسيأتي هناك موصولا مع الكلام عليه والغرض منه هنا قوله لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم الحديث ثم أورد في الباب تسعة أحاديث أحدها حديث حكيم بن حزام سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني الحديث بطوله وفيه قصته مع عمر وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى في كتاب الزكاة ثانيها حديث بن عمر في نذر عمر في الجاهلية وفيه وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين وهو موضع الترجمة

[ 2975 ] قوله عن نافع أن عمر قال يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع مرسلا ليس فيه بن عمر وسيأتي في المغازي أن البخاري نقل أن بعضهم رواه عن حماد بن زيد موصولا وهو عند مسلم وابن خزيمة لكن في القصة الثالثة المتعلقة بعمرة الجعرانة لا في جميع الحديث وذكر هنا أن معمرا وصله أيضا عن أيوب ورواية معمر وصلها في المغازي وهو في قصة المنذر فقط وذكر في المغازي أيضا أن حماد بن سلمة رواه موصولا وسيأتي بيان ذلك واضحا أيضا هناك وأنه أيضا في النذر فقط ويأتي الكلام على ما يتعلق منه بالنذر في كتاب الأيمان والنذور والذي قدمته اتفق عليه جميع رواة البخاري إلا الجرجاني فقال عن نافع عن بن عمر وهو وهم منه ويظهر ذلك من تصرف البخاري هنا وهو في المغازي وبذلك جزم أبو علي الجياني وقال الدارقطني حديث حماد بن زيد مرسل وحديث جرير بن حازم موصول وحماد أثبت في أيوب من جرير فأما رواية معمر الموصولة فهي في قصة النذر فقط دون قصة الجاريتين قال وقد روى سفيان بن عيينة عن أيوب حديث الجاريتين فوصله عنه قوم وأرسله آخرون قوله فأمره في رواية جرير بن حازم عند مسلم أن سؤاله لذلك وقع وهو بالجعرانة بعد أن رجع إلى الطائف قوله وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين أي من هوازن لم أر من سماهما وفي رواية بن عيينة عند الإسماعيلي موصولا أن عمر قال فذكر حديث النذر قال فأمرني أن أعتكف فلم أعتكف حتى كان بعد حنين وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني جارية فبينا أنا معتكف إذ سمعت تكبيرا الحديث قوله قال من رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي ستأتي صفة ذلك في المغازي وفي هذا السياق حذف تقديره فنظر أو سأل عن سبب سعيهم في السكك فقيل له فقال لعمر وفي رواية بن عيينة المذكورة فقلت ما هذا فقالوا السبي أسلموا فأرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت والجارية فأرسلها قوله قال اذهب فأرسل الجاريتين يستفاد منه الأخذ بخبر الواحد تنبيه اتفقت الروايات كلها على أن قوله ورواه معمر بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة وحكى بعض الشراح أنه بضم الميم وبعد العين مثناة مفتوحة ثم ميم مكسورة وهو تصحيف قوله قال نافع ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف على عبد الله هكذا رواه أبو النعمان شيخ البخاري مرسلا ووصله مسلم وابن خزيمة جميعا عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال في روايته عن نافع ذكر عند بن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال لم يعتمر منها وقد ذكرت في أبواب العمرة الأحاديث الوارد في اعتماره من الجعرانة وتقدم في أواخر الجهاد في باب من قسم الغنيمة في غزوه أيضا حديث أنس في ذلك وذكرت في أبواب العمرة سبب خفاء عمرة النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة على كثير من أصحابه فليراجع منه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ قال بن التين ليس كل ما علمه بن عمر حدث به نافعا ولا كل ما حدث به نافعا حفظه قلت وهذا يرده رواية مسلم التي ذكرتها فإن حاصله أن بن عمر كان يعرفها ولم يحدث بها نافعا ودلت رواية مسلم على أبن أبي عمر كان ينفيها قل وليس كل ما علمه بن عمر لم يدخل عليه فيه نسيان انتهى وهذا أيضا يقتضي أنه كان عرف بها ونسيها وليس كذلك بل لم يعرف بها لا هو ولا عدد كثير من الصحابة ثالثها حديث عمرو بن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وهو النمري بفتح النون والميم

[ 2976 ] قوله أخاف ظلعهم بفتح الظاء المعجمة المشالة واللام وبالمهملة أي اعوجاجهم وجزعهم بالجيم والزاي بوزنه وأصل الظلع الميل وأطلق هنا على مرض القلب وضعف اليقين قوله والغناء بفتح المعجمة ثم النون ومد وهو الكفاية وفي رواية الكشميهني بالكسر والقصر بلفظ ضد الفقر وقوله بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي التي قالها في حقه وهي إدخاله إياه في أهل الخير والغناء وقيل المراد الكلمة التي قالها في حق غيره فالمعنى لا أحب أن يكون لي حمر النعم بدلا من الكلمة المذكورة التي لي أو يكون لي ذلك وتقال تلك الكلمة في حقي قوله زاد أبو عاصم عن جرير هو بن حازم وقد تقدم موصولا في أواخر الجمعة عن محمد بن معمر عن أبي عاصم وهو من المواضع التي تمسك بها من زعم أن البخاري قد يعلق عن بعض شيوخه ما بينه وبينهم فيه واسطة مثل هذا فإن أبا عاصم شيخه وقد علق عنه هذا هنا ولما ساقه موصولا أدخل بينه وبين أبي عاصم واسطة قوله أو بسبي في رواية الكشميهني بشيء وهو أشمل رابعها حديث أنس في عطية المؤلفين يوم حنين ذكره مطولا ومختصرا وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة حنين فقد ذكره هناك من أربعة أوجه عن أنس خامسها حديث جبير بن مطعم وإبراهيم في إسناده هو بن سعد وصالح هو بن كيسان وعمر بن محمد بن جبير تقدم ذكره في أوائل الجهاد في باب الشجاعة في الحرب مع الكلام على بعض شرح المتن وقوله مقفله من حنين أي مرجعه كذا للكشميهني ووقع لغيره هنا مقبلا وهو منصوب على الحال والسمرة بفتح المهملة وضم الميم شجرة طويلة متفرقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب قاله بن التين وقال القزاز والعضاه شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر وقال الداودي السمرة هي العضاه وقال الخطابي ورق السمرة أثبت وظلها أكثف ويقال هي شجرة الطلح واختلف في واحدة العضاه فقيل عضة بفتحتين مثل شفة وشفاه والأصل عضهة وشفهة فحذفت الهاء وقيل واحدها عضاهة

[ 2979 ] قوله فخظفت رداءه في مرسل عمرو بن سعيد عند عمر بن شبة في كتاب مكة حتى عدلوا بناقته عن الطريق فمر بسمرات فانتهسن بظهره وانتزعن رداءه فقال ناولوني ردائي فذكر نحو حديث جبير بن مطعم وفيه فنزل ونزل الناس معه فأقبلت هوازن فقالوا جئنا نستشفع بالمؤمنين إليك ونستشفع بك إلى المؤمنين فذكر القصة وفيه ذم الخصال المذكورة وهي البخل والكذب والجبن وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها وفيه ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة كخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك ولا يكون ذلك من الفخر المذمون وفيه رضا السائل للحق بالوعد إذا تحقق عن الواعد التنجيز وفيه أن الإمام مخير في قسم الغنيمة أن شاء بعد فراغ الحرب وأن شاء بعد ذلك وقد تقدم البحث فيه سادسها حديث أنس في قصة الأعرابي الذي جبذ رداء النبي صلى الله عليه وسلم وهو في معنى الذي قبله ونجران بنون وجيم وزن شعبان بلدة مشهورة وسيأتي شرحه في الأدب والغرض منه قوله ثم أمر له بعطاء سابعها حديث بن مسعود قال لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة الحديث وسيأتي شرحه في غزوة حنين إن شاء الله تعالى وعيينة بمهملة وتحتانية مصغرا هو بن حصن الفزاري ثامنها حديث أسماء بنت أبي بكر كنت أنقل النوى من أرض الزبير الحديث وسيأتي في كتاب النكاح بأتم من هذا السياق ويأتي شرحه هناك وقوله

[ 2982 ] وقال أبو ضمرة هو أنس بن عياض وهشام هو بن عروة بن الزبير والغرض بهذا التعليق بيان فائدتين إحداهما أن أبا ضمرة خالف أبا أسامة في وصله فأرسله ثانيتهما أن في رواية أبي ضمرة تعيين الأرض المذكورة وإنها كانت مما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير فأقطع الزبير منها وبذلك يرتفع استشكال الخطابي حيث قال لا أدري كيف أقطع النبي صلى الله عليه وسلم أرض المدينة وأهلها قد أسلموا راغبين في الدين الا أن يكون المراد ما وقع من الأنصار إنهم جعلوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما لا يبلغه المأمن من أرضهم فأقطع النبي صلى الله عليه وسلم من شاء منه تاسعها حديث بن عمر في معاملة أهل خيبر وفيه قصة اجلاء عمر لهم باختصار وقد مر شرحه في كتاب المزارعة وقوله فيه نترككم من الترك وفي رواية الكشميهني نقركم من التقرير وقوله

[ 2983 ] هنا وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين كذا للأكثر وفي رواية بن السكن لما ظهر عليها لله وللرسول وللمسلمين فقد قيل أن هذا هو الصواب وقال بن أبي صفرة والذي في الأصل صحيح أيضا قال والمراد بقوله لما ظهر عليها أي لما ظهر على فتح أكثرها قبل أن يسأله اليهود أن يصالحوه فكانت لليهود فلما صالحهم على أن يسلموا له الأرض كانت لله ولرسوله ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي ثمرة الأرض ويحتمل أن يكون المراد بالأرض ما هو أعم من المفتتحة وغير المفتتحة والمراد بظهوره عليها غلبته لهم فكان حينئذ بعض الأرض لليهود وبعضها للرسول وللمسلمين وقال بن المنير أحاديث الباب مطابقة للترجمة الا هذا الأخير فليس فيه للعطاء ذكر ولكن فيه ذكر جهات مطابقة للترجمة قد علم من مكان آخر أنها كانت جهات عطاء فبهذه الطريق تدخل تحت الترجمة والله أعلم

قوله باب ما يصيب أي المجاهد من الطعام في أرض الحرب أي هل يجب تخميسه في الغانمين أو يباح أكله للمقاتلين وهي مسألة خلاف والجمهور على جواز أخذ الغانمين من القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله عموما وكذلك علف الدواب سواء كان قبل القسمة أو بعدها بإذن الإمام وبغير إذنه والمعنى فيه أن الطعام يعز في دار الحرب فأبيح للضرورة والجمهور أيضا على جواز الأخذ ولو لم تكن الضرورة ناجزة واتفقوا على جواز ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم في حال الحرب ورد ذلك بعد انقضاء الحرب وشرط الأوزاعي فيه إذن الإمام وعليه أن يرده كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك وحجته حديث رويفع بن ثابت مرفوعا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغنم فيركبها حتى إذا أعجفها ردها إلى المغانم وذكر في الثوب مثل ذلك وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والطحاوي ونقل عن أبي يوسف أنه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يبقى دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة وقال الزهري لا يأخذ شيئا من الطعام ولا غيره الا بإذن الإمام وقال سليمان بن موسى يأخذ الا أن نهى الإمام وقال بن المنذر قد وردت الأحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه وأما العلف فهو في معناه وقال مالك يباح ذبح الأنعام للأكل كما يجوز أخذ الطعام وقيده الشافعي بالضرورة إلى الأكل حيث لا طعام وقد تقدم في باب ما يكره من ذبح الإبل في أواخر الجهاد شيء من ذلك ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها قوله عن عبد الله بن مغفل بالمعجمة والغاء وزن محمد وفي رواية بهز بن أسد عن شعبة عند مسلم سمعت عبد الله بن مغفل وفي رواية سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال حدثني عبد الله بن مغفل والإسناد كله بصريون

[ 2984 ] قوله فرمى إنسان لم أقف على اسمه ولأبي داود من طريق سليمان بن المغيرة دلى بجراب يوم خيبر فالتزمته قوله بجراب بكسر الجيم قوله فنزوت بالنون والزاي أي وثبت مسرعا ووقع في رواية سليمان بن المغيرة فالتزمته فقلت لا أعطى اليوم أحدا من هذا شيئا وقد أخرج بن وهب بسند معضل أن صاحب المغانم كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري أخذ منه الجراب فقال النبي صلى الله عليه وسلم خل بينه وبين جرابه وبهذا يتبين معنى قوله فاستحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله استحيا من فعله ذلك ومن قوله معا وموضع الحجة منه عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم بل في رواية مسلم ما يدل على رضاه فإنه قال فيه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما وزاد أبو داود الطيالسي في آخره فقال هو لك وكأنه عرف شدة حاجته إليه فسوغ له الاستئثار به وفي قوله فاستحييت إشارة إلى ما كانوا عليه من توقير النبي صلى الله عليه وسلم ومن معاناة التنزه عن خوارم المروءة وفيه جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود وكانت محرمة على اليهود وكرهها مالك وعن أحمد تحريمها وسيأتي ذلك في باب مفرد في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى ثانيها حديث بن عمر كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه رواه يونس بن محمد عند أبي نعيم وأحمد بن إبراهيم عند الإسماعيلي كلاهما عن حماد بن زيد فزاد فيه والفواكه ورواه الإسماعيلي من طريق بن المبارك عن حماد بن زيد بلفظ كنا نصيب العسل والسمن في المغازي فنأكله ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب بلفظ أصبنا طعاما وأغناما يوم اليرموك فلم يقسم وهذا الموقوف لا يغاير الأول لاختلاف السياق وللاول حكم المرفوع للتصريح بكونه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما يوم اليرموك فكان بعده فهو موقوف يوافق المرفوع قوله ولا نرفعه أي ولا نحمله على سبيل الادخار ويحتمل أن يريد ولا نرفعه إلى متولى أمر الغنيمة أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاء بما سبق منه من الإذن ثالثها حديث عبد الله بن أبي أوفى في ذبحهم الحمر الأهلية يوم خيبر وفيه الأمر باراقتها وفيه اختلافهم في سبب النهي هل هو لكونها لم تخمس أو لتحريم الحمر الأهلية وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الذبائح والغرض منه هنا أنه يشعر بأن عادتهم جرت بالإسراع إلى المأكولات وانطلاق الأيدي فيها ولولا ذلك ما قدموا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد ظهر أنه لم يأمرهم بإراقة لحوم الحمر الا لأنها لم تخمس وأما حديث ثعلبة بن الحكم قال أصبنا يوم خيبر غنما فذكر الأمر باكفائها وفيه فإنها لا تحل النهبة قال بن المنذر إنما كان ذلك لأجل ما وقع من النهبة لأن أكل نعم أهل الحرب غير جائز ومن أحاديث الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى أيضا أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف أخرجه أبو داود والحاكم والطحاوي ولفظه فيأخذ منه حاجته قوله قال عبد الله هو بن أبي أوفى راوي الحديث وبين ذلك في المغازي من وجه آخر عن الشيباني بلفظ قال بن أبي أوفى فتحدثنا فذكر نحوه ولمسلم من طريق علي بن مسهر عن الشيباني قال فتحدثنا بيننا أي الصحابة وقوله وقال آخرون أي من الصحابة والحاصل أن الصحابة اختلفوا في علة النهي عن لحم الحمر هل هو لذاتها أو لعارض وسيأتي في المغازي في هذا الحديث قول من قال لأنها كانت تأكل العذرة

[ 2986 ] قوله وسألت سعيد بن جبير قائل ذلك هو الشيباني ورواية الشيباني عن سعيد بن جبير لغير هذا الحديث عند النسائي