كتاب بدء الخلق
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب بدء الخلق كذا للأكثر وسقطت البسملة لأبي ذر وللنسفي ذكر بدل كتاب وللصغاني أبواب بدل كتاب وبدء الخلق بفتح أوله وبالهمز أي ابتداؤه والمراد خلق المخلوق

قوله باب ما جاء فيقول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وقال الربيع بن خثيم بالمعجمة والمثلثة مصغر وهو كوفي من كبار التابعين والحسن هو البصري قوله كل عليه هين أي البدء والاعادة أي إنهما حملا أهون على غير التفضيل وأن المراد بها الصفة كقوله الله أكبر وكقول الشاعر لعمرك ما أدري وإني لأوجل أي وإني لوجل وأثر الربيع وصله الطبري من طريق منذر الثوري عنه نحوه وأما أثر الحسن فروى الطبري أيضا من طريق قتادة وأظنه عن الحسن ولكن لفظه واعادته أهون عليه من بدئه وكل على الله هين وظاهر هذا اللفظ إبقاء صيغة أفعل على بابها وكذا قال مجاهد فيما أخرجه بن أبي حاتم وغيره وقد ذكر عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة أن بن مسعود كان يقرؤها وهو عليه هين وحكى بعضهم عن بن عباس أن الضمير للمخلوق لأنه ابتدئ نطفة ثم علقة ثم مضغة والاعادة أن يقول له كن فيكون فهو أهون على المخلوق انتهى ولا يثبت هذا عن بن عباس بل هو من تفسير الكلبي كما حكاه الفراء لأنه يقتضي تخصيصه بالحيوان ولأن الضمير الذي بعده وهو قوله وله المثل الأعلى يصير معطوفا على غير المذكور قبله قريبا وقد روى بن أبي حاتم عن بن عباس بإسناد صحيح في قوله أهون عليه أيسر وقال الزجاج خوطب العباد بما يعقلون لأن عندهم أن البعث أهون من الابتداء فجعله مثلا وله المثل الأعلى وذكر الربيع عن الشافعي في هذه الآية قال هو أهون عليه أي في القدرة عليه لا أن شيئا يعظم على الله لأنه يقول لما لم يكن كن فيخرج متصلا وأخرجه أبو نعيم وأخرج بن أبي حاتم نحوه عن الضحاك واليه نحا الفراء والله أعلم قوله وهين وهين مثل لين ولين وميت وميت وضيق وضيق الأول بالتشديد والثاني بالتخفيف في الجميع قال أبو عبيدة في تفسير الفرقان في قوله تعالى فأحيينا به بلدة ميتا هي مخففة بمنزلة هين ولين وضيق بالتخفيف فيها والتشديد وسيأتي ذلك أيضا في آخر تفسير سورة النحل وعن بن الأعرابي أن العرب تمدح بالهين اللين مخففا وتذم بهما مثقلا فالهين بالتخفيف من الهون وهو السكينة والوقار ومنه يمشون هونا وعينه واو بخلاف الهين بالتشديد قوله أفعيينا أفاعيا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلقكم كأنه أراد أن معنى قوله أفعيينا استفهام إنكار أي ما أعجزنا الخلق الأول حين أنشأناكم وكأنه عدل عن التكلم إلى الغيبة لمراعاة اللفظ الوارد في القرآن في قوله تعالى هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وقد روى الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى أفعيينا بالخلق الأول يقول أفأعيا علينا انشاؤكم خلقا جديدا فتشكوا في البعث وقال أهل اللغة عييت بالأمر إذا لم أعرف وجهه ومنه العي في الكلام قوله لغوب النصب أي تفسير قوله وما مسنا من لغوب أي من نصب والنصب التعب وزنا ومعنى وهذا تفسير مجاهد فيما أخرجه بن أبي حاتم وأخرج من طريق قتادة قال أكذب الله جل وعلا اليهود في زعمهم أنه استراح في اليوم السابع فقال وما مسنا من لغوب أي من اعياء وغفل الداودي الشارح فظن أن النصب في كلام المصنف بسكون الصاد وأنه أراد ضبط اللغوب فقال متعقبا عليه لم أر أحدا نصب اللام في الفعل قال وإنما هو بالنصب الأحمق قوله أطوارا طورا كذا وطورا كذا يريد تفسير قوله تعالى وقد خلقكم أطوارا والاطوار الأحوال المختلفة وأحدها طور بالفتح وأخرج بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في معنى الاطوار كونه مرة نطفة ومرة علقة الخ وأخرج الطبري عن بن عباس وجماعة نحوه وقال المراد اختلاف أحوال الإنسان من صحة وسقم وقيل معناه أصنافا في الالوان واللغات ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث عمران بن حصين

[ 3018 ] قوله عن صفوان بن محرز عن عمران في رواية أبي عاصم عن سفيان في المغازي حدثنا صفوان حدثنا عمران قوله جاء نفر من بني تميم يعني وفدهم وسيأتي بيان وقت قدومهم ومن عرف منهم في أواخر المغازي قوله أبشروا بهمزة قطع من البشارة قوله فقالوا بشرتنا القائل ذلك منهم الأقرع بن حابس ذكره بن الجوزي قوله فتغير وجهه إما للأسف عليهم كيف آثروا الدنيا وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألفهم به أو لكل منهما قوله فجاءه أهل اليمن هم الاشعريون قوم أبي موسى وقد أورد البخاري حديث عمران هذا وفيه ما يستأنس به لذلك ثم ظهر لي أن المراد بأهل اليمن هنا نافع بن زيد الحميري مع من وفد معه من أهل حمير وقد ذكرت مستند ذلك في باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن وأن هذا هو السر في عطف أهل اليمن على الأشعريين مع أن الأشعريين من جملة أهل اليمن لما كان زمان قدوم الطائفتين مختلفا ولكل منهما قصة غير قصة الآخرين وقع العطف قوله اقبلوا البشرى بضم أوله وسكون المعجمة والقصر أي أقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا إذا أخذتم به بالجنة كالفقه في الدين والعمل به وحكى عياض أن في رواية الأصيلي اليسرى بالتحتانية والمهملة قال والصواب الأول قوله إذ لم يقبلها في الرواية الأخرى أن لم يقبلها وهو بفتح أن أي من أجل تركهم لها ويروي بكسر أن قوله فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بدء الخلق والعرش أي عن بدء الخلق وعن حال العرش وكأنه ضمن يحدث معنى يذكر وكأنهم سألوا عن أحوال هذا العالم وهو الظاهر ويحتمل أن يكونوا سألوا عن أول جنس المخلوقات فعلى الأول يقتضي السياق أنه أخبر أن أول شيء خلق منه السماوات والأرض وعلى الثاني يقتضي أن العرش والماء تقدم خلقهما قبل ذلك ووقع في قصة نافع بن زيد نسألك عن أول هذا الأمر

[ 3019 ] قوله قالوا جئناك نسألك كذا للكشميهني ولغيره جئناك لنسألك وزاد في التوحيد ونتفقه في الدين وكذا هي في قصة نافع بن زيد التي أشرت إليها آنفا قوله عن هذا الأمر أي الحاضر الموجود والأمر يطلق ويراد به المأمور ويراد به الشأن والحكم والحث على الفعل غير ذلك قوله كان الله ولم يكن شيء غيره في الرواية الآتية في التوحيد ولم يكن شيء قبله وفي رواية غير البخاري ولم يكن شيء معه والقصة متحدة فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت بالمعنى ولعل راويها أخذها من قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في صلاة الليل كما تقدم من حديث بن عباس أنت الأول فليس قبلك شيء لكن رواية الباب أصرح في العدم وفيه دلالة على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا غيرهما لأن كل ذلك غير الله تعالى ويكون قوله وكان عرشه على الماء معناه أنه خلق الماء سابقا ثم خلق العرش على الماء وقد وقع في قصة نافع بن زيد الحميري بلفظ كان عرشه على الماء ثم خلق القلم فقال اكتب ما هو كائن ثم خلق السماوات والأرض وما فيهن فصرح بترتيب المخلوقات بعد الماء والعرش قوله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض ولم يقع بلفظ ثم الا في ذكر خلق السماوات والأرض وقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا أن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة مكان عرشه على الماء وهذا الحديث يؤيد رواية من روى ثم خلق السماوات والأرض باللفظ الدال على الترتيب تنبيه وقع في بعض الكتب في هذا الحديث كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث نبه على ذلك العلامة تقي الدين بن تيمية وهو مسلم في قوله وهو الآن إلى آخره وأما لفظ ولا شيء معه فرواية الباب بلفظ ولا شيء غيره بمعناها ووقع في ترجمة نافع بن زيد الحميري المذكور كان الله لا شيء غيره بغير واو قوله وكان عرشه على الماء قال الطيبي هو فصل مستقل لأن القديم من لم يسبقه شيء ولم يعارضه في الأولية لكن أشار بقوله وكان عرشه على الماء إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل خلق السماوات والأرض ولم يكن تحت العرش إذ ذاك الا الماء ومحصل الحديث أن مطلق قوله وكان عرشه على الماء مقيد بقوله ولم يكن شيء غيره والمراد بكان في الأول الازلية وفي الثاني الحدوث بعد العدم وقد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا أن الماء خلق قبل العرش وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا أول ما خلق الله القلم ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة أي أنه قيل له اكتب أول ما خلق وأما حديث أول ما خلق الله العقل فليس له طريق ثبت وعلى تقدير ثبوته فهذا التقدير الأخير هو تأويله والله أعلم وحكى أبو العلاء الهمداني أن للعلماء قولين في أيهما خلق أولا العرش أو القلم قال والأكثر على سبق خلق العرش واختار بن جرير ومن تبعه الثاني وروى بن أبي حازم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال خلق الله اللوح المحفوظ مسيرة خمسمائة عام فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش اكتب فقال وما أكتب قال علمي في خلقي إلى يوم القيامة ذكره في تفسير سورة سبحان وليس فيه سبق خلق القلم على العرش بل فيه سبق العرش وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن بن عباس قال أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال يا رب وما أكتب قال أكتب القدر فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة وأخرج سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن أبي بشر عن مجاهد قال بدء الخلق العرش والماء والهواء وخلقت الأرض من الماء والجمع بين هذه الآثار واضح قوله وكتب أي قدر في الذكر أي في محل الذكر أي في اللوح المحفوظ كل شيء أي من الكائنات وفي الحديث جواز السؤال عن مبدأ الأشياء والبحث عن ذلك وجواز جواب العالم بما يستحضره من ذلك وعليه الكف إن خشي على السائل ما يدخل على معتقده وفيه أن جنس الزمان ونوعه حادث وأن الله أوجد هذه المخلوقات بعد أن لم تكن لا عن عجز عن ذلك بل مع القدرة واستنبط بعضهم من سؤال الأشعريين عن هذه القصة أن الكلام في أصول الدين وحدوث العلم مستمران في ذريتهم حتى ظهر ذلك منهم في أبي الحسن الأشعري أشار إلى ذلك بن عساكر قوله فنادى مناد في الرواية الأخرى فجاء رجل فقال يا عمران ولم أقف على اسمه في شيء من الروايات قوله ذهبت ناقتك يا بن الحصين أي انفلتت ووقع في الرواية الأولى فجاء رجل فقال يا عمران راحلتك أي أدرك راحلتك فهو بالنصب أو ذهبت راحلتك فهو بالرفع ويؤيده الرواية الأخرى ولم أقف على اسم هذا الرجل وقوله تفلتت بالفاء أي شردت قوله فإذا هي يقطع بفتح أوله دونها السراب بالضم أي يحول بيني وبين رؤيتها والسراب بالمهملة معروف وهو ما يرى نهارا في الفلاة كأنه ماء قوله فوالله لوددت أني كنت تركتها في التوحيد أنها ذهبت ولم أقم يعني لأنه قام قبل أن يكمل النبي صلى الله عليه وسلم حديثه في ظنه فتأسف على ما فاته من ذلك وفيه ما كان عليه من الحرص على تحصيل العلم وقد كنت كثير التطلب لتحصيل ما ظن عمران أنه فاته من هذه القصة إلى أن وقفت على قصة نافع بن زيد الحميري فقوي في ظني أنه لم يفته شيء من هذا القصة بخصوصها لخلو قصة نافع بن زيد عن قدر زائد على حديث عمران إلا أن في آخره بعد قوله وما فيهن واستوى على عرشه عز وجل الحديث الثاني حديث عمر قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم الحديث

[ 3020 ] قوله وروى عيسى عن رقبة كذا للأكثر وسقط منه رجل فقال بن الفلكي ينبغي أن يكون بين عيسى ورقبة أبو حمزة وبذلك جزم أبو مسعود وقال الطرقي سقط أبو حمزة من كتاب الفربري وثبت في رواية حماد بن شاكر فعنده عن البخاري روى عيسى عن أبي حمزة عن رقبة قال وكذا قال بن رميح عن الفربري قلت وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج وهو يروي الصحيح عن الجرجاني عن الفربري فالاحتلاف فيه حينئذ عن الفربري ثم رأيته سقط أيضا من رواية النسفي لكن جعل بين عيسى ورقبة ضبة ويغلب على الظن أن أبا حمزة ألحق في رواية الجرجاني وقد وصفوه بقلة الإتقان وعيسى المذكور هو بن موسى البخاري ولقبه غنجار بمعجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم جيم وليس له في البخاري إلا هذا الموضع وقد وصل الحديث المذكور من طريق عيسى المذكور عن أبي حمزة وهو محمد بن ميمون السكري عن رقبة الطبراني في مسند رقبة المذكور وهو بفتح الراء والقاف والموحدة الخفيفة بن مصقلة بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وقد تبدل سينا بعدها قاف ولم ينفرد به عيسى فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسن بن شقيق عن أبي حمزة نحوه لكن بإسناد ضعيف قوله حتى دخل أهل الجنة هي غاية قوله أخبرنا أي أخبرنا عن مبتدأ الخلق شيئا بعد شيء إلى أن انتهى الإخبار عن حال الاستقرار في الجنة والنار ووضع الماضي موضع المضارع مبالغة للتحقق المستفاد من خبر الصادق وكان السياق يقتضي أن يقول حتى يدخل ودل ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدئت إلى أن تفنى إلى أن تبعث فشمل ذلك الإخبار عن المبدأ والمعاش والمعاد وفي تيسير إيراد ذلك كله في مجلس واحد من خوارق العادة أمر عظيم ويقرب ذلك مع كون معجزاته لا مرية في كثرتها أنه صلى الله عليه وسلم أعطى جوامع الكلم ومثل هذا من جهة أخرى ما رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ثم قال للذي في شماله مثله في أهل النار وقال في آخر الحديث فقال بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير وإسناده حسن ووجه الشبه بينهما أن الأول فيه تيسير القول الكثير في الزمن القليل وهذا فيه تيسير الجرم الواضع في الظرف الضيق وظاهر قوله فنبذهما بعد قوله وفي يده كتابان أنهما كانا مرئيين لهم والله أعلم ولحديث الباب شاهد من حديث حذيفة سيأتي في كتاب القدر إن شاء الله تعالى ومن حديث أبي زيد الأنصاري أخرجه أحمد ومسلم قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى بنا الظهر ثم صعد المنبر فخطبنا ثم صلى العصر كذلك حتى غابت الشمس فحدثنا بما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا لفظ أحمد وأخرجه من حديث أبي سعيد مختصرا ومطولا وأخرجه الترمذي من حديثه مطولا وترجم له باب ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم مما هو كائن إلى يوم القيامة ثم ساقه بلفظ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة العصر ثم قام يحدثنا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه ثم ساق الحديث وقال حسن وفي الباب عن حذيفة وأبي زيد بن أخطب وأبي مريم والمغيرة بن شعبة انتهى ولم يقع له حديث عمر حديث الباب وهو على شرطه وأفاد حديث أبي زيد بيان المقام المذكور زمانا ومكانا في حديث عمر رضي الله عنه وأنه كان على المنبر من أول النهار إلى أن غابت الشمس والله أعلم ثالثها حديث أبي هريرة وهو من الالهيات

[ 3021 ] قوله عن أبي أحمد هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري وسفيان هو الثوري قوله يشتمني بن آدم بكسر التاء من يشتمني والشتم هو الوصف بما يقتضي النقص ولا شك أن دعوى الولد لله يستلزم الإمكان المستدعى للحدوث وذلك غاية النقص في حق الباري سبحانه وتعالى والمراد من الحديث هنا قوله ليس يعيدني كما بدأني وهو قول منكري البعث من عباد الأوثان رابعها حديث أبي هريرة أيضا

[ 3022 ] قوله لما قضى الله الخلق أي خلق الخلق كقوله تعالى فقضاهن سبع سماوات أو المراد أوجد جنسه وقضى يطلق بمعنى حكم وأتقن وفرغ وأمضى قوله كتب في كتابه أي أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت قريبا فقال للقلم اكتب فجرى بما هو كائن ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب اللفظ الذي قضاه وهو كقوله تعالى كتب الله لأغلبن أنا ورسلي قوله فهو عنده فوق العرش قيل معناه دون العرش وهو كقوله تعالى بعوضة فما فوقها والحامل على هذا التأويل استبعاد أن يكون شيء من المخلوقات فوق العرش ولا محذور في إجراء ذلك على ظاهره لأن العرش خلق من خلق الله ويحتمل أن يكون المراد بقوله فهو عنده أي ذكره أو علمه فلا تكون العندية مكانية بل هي إشارة إلى كمال كونه مخفيا عن الخلق مرفوعا عن حيز ادراكهم وحكى الكرماني أن بعضهم زعم أن لفظ فوق زائد كقوله فان كن نساء فوق اثنتين والمراد اثنتان فصاعدا ولم يتعقبه وهو متعقب لأن محل دعوى الزيادة ما إذا بقي الكلام مستقيما مع حذفها كما في الآية وأما في الحديث فإنه يبقى مع الحذف فهو عنده العرش وذلك غير مستقيم قوله إن رحمتي بفتح إن على أنها بدل من كتب وبكسرها على حكاية مضمون الكتاب قوله غلبت في رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد سبقت بدل غلبت والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعليق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث وبهذا التقرير يندفع استشكال من أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواطن كمن يدخل النار من الموحدين ثم يخرج بالشفاعة وغيرها وقيل معنى الغلبة الكثرة والشمول تقول غلب على فلان الكرم أي أكثر أفعاله وهذا كله بناء على أن الرحمة والغضب من صفات الذات وقال بعض العلماء الرحمة والغضب من صفات الفعل لا من صفات الذات ولا ومانع من تقدم بعض الأفعال على بعض فتكون الإشارة بالرحمة إلى إسكان آدم الجنة أول ما خلق مثلا ومقابلها ما وقع من إخراجه منها وعلى ذلك استمرت أحوال الأمم بتقديم الرحمة في خلقهم بالتوسع عليهم من الرزق وغيره ثم يقع بهم العذاب على كفرهم وأما ما أشكل من أمر من يعذب من الموحدين فالرحمة سابقة في حقهم أيضا ولولا وجودها لخلدوا أبدا وقال الطيبي في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب وأنها تنالهم من غير استحقاق وأن الغضب لا ينالهم الا باستحقاق فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما وناشئا قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك

قوله باب ما جاء في سبع أرضين أو في بيان وضعها قوله وقول الله سبحانه وتعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن الآية قال الداودي فيه دلالة على أن الأرضين بعضها فوق بعض مثل السماوات ونقل عن بعض المتكلمين أن المثلية في العدد خاصة وأن السبع متجاورة وحكى بن التين عن بعضهم أن الأرض واحدة قال وهو مردود بالقرآن والسنة قلت لعله القول بالتجاور وإلا فيصير صريحا في المخالفة ويدل للقول الظاهر ما رواه بن جرير من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن بن عباس في هذه الآية ومن الأرض مثلهن قال في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق هكذا أخرجه مختصرا وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق عطاء بن السائب عن أبي الضحى مطولا وأوله أي سبع أرضين في كل أرض آدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيسى ونبي كنبيكم قال البيهقي إسناده صحيح إلا أنه شاذ بمرة وروى بن أبي حاتم من طريق مجاهد عن بن عباس قال لو حدثتكم بتفسير هذه الآية لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس نحوه وزاد وهن مكتوبات بعضهن على بعض وظاهر قوله تعالى ومن الأرض مثلهن يرد أيضا على أهل الهيئة قولهم أن لا مسافة بين كل أرض وأرض وإن كانت فوقها وأن السابعة صماء لا جوف لها وفي وسطها المركز وهي نقطة مقدرة متوهمة إلى غير ذلك من أقوالهم التي لا برهان عليها وقد روى أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعا أن بين كل سماء وسماء خمسمائة عام وأن سمك كل سماء كذلك وأن بين كل أرض وأرض خمسمائة عام وأخرجه إسحاق بن راهويه والبزار من حديث أبي ذر نحوه ولأبي داود والترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب مرفوعا بين كل سماء وسماء إحدى أو اثنتان وسبعون سنة وجمع بين الحديثين بان اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته قوله والسقف المرفوع السماء هو تفسير مجاهد أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وغيرهما من طريق بن أبي نجيح عنه ومن طريق قتادة نحوه وسيأتي عن علي مثله في باب الملائكة ولابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس السقف المرفوع العرش كذا قال والأول أكثر وهو يقتضي الرد على من قال أن السماء كرية لأن السقف في اللغة العربية لا يكون كريا قوله سمكها بفتح المهملة وسكون الميم بناءها بالمد يريد تفسير قوله تعالى رفع سمكها أي رفع بنيانها وهو تفسير بن عباس أخرجه بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد مثله وزاد بغير عمد ومن طريق قتادة مثله قوله والحبك استواؤها وحسنها هو تفسير بن عباس أخرجه بن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه وأخرج من طريق سعد الإسكاف عن عكرمة عنه بلفظ ذات الحبك أي البهاء والجمال غير أنها كالبرد المسلسل ومن طريق علي بن أبي طلحة عنه قال ذات الحبك أي الخلق الحسن والحبك بضمتين جمع حبيكة كطرق وطريقة وزنا ومعنى وقيل واحدها حباك كمثال ومثل وقيل الحبك الطريق التي ترى في السماء من آثار الغيم وروى الطبري عن الضحاك نحوه وقيل هي النجوم أخرجه الطبري بإسناد حسن عن الحسن وروى الطبري عن عبد الله بن عمرو أن المراد بالسماء هنا السماء السابعة قوله أذنت سمعت وأطاعت يريد تفسير قوله تعالى إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت ومعنى سمعها وإطاعتها قبولها ما يراد منها وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال وأذنت لربها أي أطاعت ومن طريق الضحاك أذنت لربها أي سمعت ومن طريق سعيد بن جبير وحقت أي حق لها أن تطيع قوله وألقت أخرجت ما فيها من الموتى وتخلت أي عنهم يريد تفسير بقية الآيات وهو عند بن أبي حاتم من طريق مجاهد نحوه ومن طريق سعيد بن جبير ألقت ما استودعها الله من عباده وتخلت عنهم إليه قوله طحاها دحاها هو تفسير مجاهد أخرجه عبد بن حميد وغيره من طريقه والمعنى بسطها يمينا وشمالا من كل جانب وأخرج بن أبي حاتم أيضا من طريق بن عباس والسدي وغيرهما دحاها أي بسطها قوله بالساهرة وجه الأرض كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم هو تفسير عكرمة أخرجه بن أبي حاتم أو المراد بالأرض أرض القيامة وأخرج بن أبي حاتم من طريق مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد في قوله فإذا هم بالساهرة قال أرض بيضاء عفراء كالخبزة وسيأتي من وجه آخر عن أبي حازم مرفوعا في الرقاق لكن ليس فيه تفسير الساهرة ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث عائشة من ظلم قيد شبر وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب المظالم ثانيها حديث بن عمر في المعنى وقد تقدم هناك أيضا وعبد الله في إسناده هو بن المبارك والراوي عنه بشر بن محمد مروزي سمع من بن المبارك بخراسان وهو يؤيد البحث الذي قدمته من أنه لا يلزم من كون هذا الحديث ليس في كتب بن المبارك بخراسان أن لا يكون حدث به هناك ويحتمل أن يكون بشر صحب بن المبارك فسمعه منه بالبصرة فيصح أنه لم يحدث به إلا بالبصرة والله أعلم ثالثها حديث أبي بكرة أن الزمان قد استدار كهيئته وسيأتي بأتم من هذا السياق في آخر المغازي في الكلام على حجة الوداع ويأتي شرحه في تفسير براءة ومضى شرح أكثره في العلم وبعضه في الحج

[ 3025 ] قوله عن محمد بن سيرين عن بن أبي بكرة عن أبي بكرة اسم بن أبي بكرة عبد الرحمن كما تقدم في باب رب مبلغ أوعى من سامع في كتاب العلم من وجه آخر عن أيوب وذكر أبو علي الجياني أنه سقط من نسخة الأصيلي هنا عن بن أبي بكرة وثبت لسائر الرواة عن الفربري قلت وكذا ثبت في رواية النسفي عن البخاري قال الجياني ووقع في رواية القابسي هنا عن أيوب عن محمد بن أبي بكرة وهو وهم فاحش قلت وافق الأصيلي لكن صحف عن فصارت بن فلذلك وصفه بفحش الوهم وسيأتي هذا الحديث بالسند المذكور هنا في باب حجة الوداع من كتاب المغازي على الصواب للجماعة أيضا حتى الأصيلي واستمر القابسي على وهمه فقال هناك أيضا عن محمد بن أبي بكرة رابعها حديث سعيد بن زيد في قصته مع أروى بنت أنيس في مخاصمتها له في الأرض وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في كتاب المظالم قوله كهيئته الكاف صفة مصدر محذوف تقديره استدار استدارة مثل صفته يوم خلق السماء والزمان اسم لقليل الوقت وكثيره وزعم يوسف بن عبد الملك في كتابه تفضيل الأزمنة أن هذه المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم في شهر مارس وهو آذار وهو برمهات بالقبطية وفيه يستوي الليل والنهار عند حلول الشمس برج الحمل

[ 3026 ] قوله وقال بن أبي الزناد عن هشام أي بن عروة عن أبيه قال لي سعيد بن زيد أراد المصنف بهذا التعليق بيان لقاء عروة سعيدا وقد لقي عروة من هو أقدم وفاة من سعيد كوالده الزبير وعلى وغيرهما

كقوله ولكم في الأرض مستقر نكدا قليلا قوله باب في النجوم وقال قتادة الخ وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه به وزاد في آخره وأن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة من غرس بنجم كذا كان كذا ومن سافر بنجم كذا كان كذا ولعمرى ما من النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر شيء من هذا الغيب انتهى وبهذه الزيادة تظهر مناسبة إيراد المصنف ما أورده من تفسير الأشياء التي ذكرها من القرآن وإن كان ذكر بعضها وقع استطرادا والله أعلم قال الداودي قول قتادة في النجوم حسن إلا قوله أخطأ وأضاع نفسه فإنه قصر في ذلك بل قائل ذلك كافر انتهى ولم يتعين الكفر في حق من قال ذلك وإنما يكفر من نسب الاختراع إليها وأما من جعلها علامة على حدوث أمر في الأرض فلا وقد تقدم تقرير ذلك وتفصيله في الكلام على حديث زيد بن خالد فيمن قال مطرنا بنوء كذا في باب الاستسقاء وقال أبو علي الفارسي في قوله تعالى وجعلناها رجوما الضمير للسماء أي وجعلنا شهبها رجوما على حذف مضاف فصار الضمير للمضاف إليه وذكر بن دحية في التنوير من طريق أبي عثمان النهدي عن سليمان الفارسي قال النجوم كلها معلقة كالقناديل من السماء الدنيا كتعليق القناديل في المساجد قوله وقال بن عباس هشيما متغيرا لم أره عنه من طريق موصولة لكن ذكره إسماعيل بن أبي زياد في تفسيره عن بن عباس وقال أبو عبيدة قوله هشيما أي يابسا متفتتا و تذروه الرياح أي تفرقه قوله والأب ما تأكل الأنعام هو تفسير بن عباس أيضا وصله بن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه قال الأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا تأكله الناس ومن طريق بن عباس قال الأب الحشيش ومن طريق عطاء والضحاك الأب هو كل شيء ينبت على وجه الأرض زاد الضحاك إلا الفاكهة وروى بن جرير من طريق إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن الأب فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم وهذا منقطع وعن عمر أنه قال عرفنا الفاكهة فما الأب ثم قال ان هذا لهو التكلف فهو صحيح عنه أخرجه عبد بن حميد من طريق صحيحة عن أنس عن عمر وسيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى قوله والانام الخلق هو تفسير بن عباس أيضا أخرجه بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى والأرض وضعها للانام قال للخلق والمراد بالخلق المخلوق ومن طريق سماك عن عكرمة عن بن عباس قال الأنام الناس وهذا أخص من الذي قبله ومن طريق الحسن قال الجن والإنس وعن الشعبي قال هو كل ذي روح قوله برزخ حاجب في رواية المستملي والكشميهني حاجز بالزاي وهذا تفسير بن عباس أيضا وصله بن أبي حاتم من الوجه المذكور إلا قوله وقال مجاهد ألفافا ملتفة والغلب الملتفة وصلهما عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال وجنات ألفافا قال ملتفة ومن طريقه قال وحدائق غلبا أي ملتفة وروى بن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن بن عباس الحدائق ما التفت والغلب ما غلظ ومن طريق عكرمة عنه الغلب شجر بالجبل لا يحمل يستظل به ومن طريق علي بن أبي طلحة عنه قال وجنات ألفافا أي مجتمعة وقال أهل اللغة الألفاف جمع لف أو لفيف وعن الكسائي هو جمع الجمع وقال الطبري اللفاف جمع لفيفة وهي الغليظة وليس الالتفاف من الغلظ في شيء إلا أن يراد أنه غلظ بالالتفاف قوله فراشا مهادا كقوله ولكم في الأرض مستقر هو قول قتادة والربيع بن أنس وصله الطبري عنهما ومن طريق السدي بأسانيده فراشا هي فراش يمشي عليها وهي المهاد والقرار قوله نكدا قليلا أخرجه بن أبي حاتم من طريق السدي قال لا يخرج الا نكدا قال النكد الشيء القليل الذي لا ينفع ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال هذا مثل ضرب للكفار كالبلد السبخة المالحة التي لا تخرج منها البركة

قوله باب صفة الشمس والقمر بحسبان أي تفسير ذلك وقوله قال مجاهد كحسبان الرحى وصله الفريابي في تفسيره من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد ومراده أنهما يجريان على حسب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها وقوله وقال غيره بحساب ومنازل لا يعدوانها ووقع في نسخة الصغاني هو بن عباس وقد وصله عبد بن حميد من طريق أبي مالك وهو الغفاري مثله وروى الحربي والطبري عن بن عباس نحوه بإسناد صحيح وبه جزم الفراء قوله حسبان جماعة الحساب يعني أن حسبان جماعة الحساب كشهبان جمع شهاب وهذا قول أبي عبيدة في المجاز وقال الإسماعيلي من جعله من الحساب احتمل الجمع واحتمل المصدر تقول حسب حسبانا ثم هو من الحساب بالفتح ومن الظن بالكسر أي في الماضي قوله ضحاها ضوؤها وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال والشمس وضحاها قال ضوؤها قال الإسماعيلي يريد أن الضحى يقع في صدر النهار وعنده تشتد إضاءة الشمس وروى بن أبي حاتم من طريق قتادة والضحاك قال ضحاها النهار قوله أن تدرك القمر لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر الخ وصله الفريابي في تفسيره من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بتمامه قوله نسلخ نخرج الخ وصله الفريابي من طريقه أيضا بلفظ يخرج أحدهما من الآخر ويجري كل منهما في فلك قوله واهية وهيها تشققها هو قول الفراء وروى الطبري عن بن عباس في قوله واهية قال متمزقة ضعيفة قوله أرجائها ما لم تنشق منها فهو على حافتيها يريد تفسير قوله تعالى والملك على أرجائها ووقع في رواية الكشميهني فهو على حافتها وكأنه أفرد باعتبار لفظ الملك وجمع باعتبار الجنس وروى عبد بن حميد من طريق قتادة في قوله والملك على أرجائها أي على حافات السماء وروى الطبري عن سعيد بن المسيب مثله وعن سعيد بن جبير على حافات الدنيا وصوب الأول وأخرج عن بن عباس قال والملك على حافات السماء حين تنشق والارجاء بالمد حمع رجا بالقصر والمراد النواحي قوله أغطش وجن أظلم يريد تفسير قوله تعالى أغطش ليلها وتفسير قوله فلما جن عليه الليل أي أظلم في الموضعين والأول تفسير قتادة أخرجه عبد بن حميد من طريقه قال قوله أغطش ليلها أي أظلم ليلها وقد توقف فيه الإسماعيلي فقال معنى أغطش ليلها جعله مظلما وأما أغطش غير متعد فإن ساغ فهو صحيح بالمعنى ولكن المعروف أظلم الوقت جاءت ظلمته وأظلمنا وقعنا في ظلمة قلت لم يرد البخاري القاصر لأنه في نفس الآية متعد وإنما أراد تفسير قوله أغطش فقط وأما الثاني فهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى فلما جن عليه الليل أي غطى عليه وأظلم قوله وقال الحسن كورت تكور حتى يذهب ضوؤها وصله بن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عنه وكأن هذا كان يقوله قبل أن يسمع حديث أبي سلمة عن أبي هريرة الآتي ذكره في هذا الباب وإلا فمعنى التكوير اللف تقول كورت العمامة تكويرا إذا لففتها والتكوير أيضا الجمع تقول كورته إذا جمعته وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس إذا الشمس كورت يقول أظلمت ومن طريق الربيع بن خيثم قال كورت أي رمى بها ومن طريق أبي يحيى عن مجاهد كورت قال اضمحلت قال الطبري التكوير في الأصل الجمع وعلى هذا فالمراد أنها تلف ويرمى بها فيذهب ضوؤها قوله والليل وما وسق أي جمع من دابة وصله عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن نحوه قوله اتسق استوى وصله عبد بن حميد أيضا من طريق منصور عنه في قوله والقمر إذا اتسق قال استوى قوله بروجا منازل الشمس والقمر وصله بن حميد وروى الطبري من طريق مجاهد قال البروج الكواكب ومن طريق أبي صالح قال هي النجوم الكبار وقيل هي قصور في السماء رواه عبد بن حميد من طريق يحيى بن رافع ومن طريق قتادة قال هي قصور على أبواب السماء فيها الحرس وعند أهل الهيئة أن البروج غير المنازل فالبروج اثنا عشر والمنازل ثمانية وعشرون وكل برج عبارة عن منزلتين وثلث منها قوله فالحرور بالنهار مع الشمس وصله إبراهيم الحربي عن الأثرم عن أبي عبيدة قال الحرور بالنهار مع الشمس وقال الفراء الحرور الحر الدائم ليلا كان أو نهارا والسموم بالنهار خاصة قوله وقال بن عباس ورؤبة الحرور بالليل والسموم بالنهار أما قول بن عباس فلم أره موصولا عنه بعد وأما قول رؤبة وهو بن العجاج التميمي الراجز المشهور فذكره أبو عبيدة عنه في المجاز وقال السدي المراد بالظل والحرور في الآية الجنة والنار أخرجه بن أبي حاتم عنه قوله يقال يولج يكور كذا في رواية أبي ذر ورأيت في رواية بن شبويه يكون بنون وهو أشبه وقال أبو عبيدة يولج أي ينقص من الليل فيزيد في النهار وكذلك النهار وروى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال ما نقص من أحدهما دخل في الآخر يتقاصان ذلك في الساعات ومن طريق قتادة نحوه قال يولج ليل الصيف في نهاره أي يدخل ويدخل نهار الشتاء في ليله قوله وليجة كل شيء أدخلته في شيء هو قول عبيدة قال قوله من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة والمعنى لا تتخذوا أولياء ليس من المسلمين ثم ذكر المصنف في الباب ستة أحاديث أولها حديث أبي ذر في تفسير قوله تعالى

[ 3027 ] والشمس تجري لمستقر لها وسيأتي شرحه مستوفى في تفسير سورة يس والغرض منه هنا بيان سير الشمس في كل يوم وليلة وظاهره مغاير لقول أهل الهيئة أن الشمس مرصعة في الفلك فإنه يقتضي أن الذي يسير هو الفلك وظاهر الحديث أنها هي التي تسير وتجري ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى كل في فلك يسبحون أي يدورون قال بن العربي أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن وتأوله قوم على ما هي عليه من التسخير الدائم ولا مانع أن تخرج عن مجراها فتسجد ثم ترجع قلت إن أراد بالخروج الوقوف فواضح وإلا فلا دليل على الخروج ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة أو تسجد بصورة الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين ثانيها حديث أبي هريرة

[ 3028 ] قوله عن عبد الله الداناج بتخفيف النون وآخره جيم هو لقبه ومعناه العالم بلغة الفرس وهو في الأصل داناه فعرب وعبد الله المذكور تابعي صغير واسم أبيه فيروز وذكر البزار أنه لم يرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن غير هذا الحديث ووقع في روايته من طريق يونس بن محمد عن عبد العزيز بن المختار عنه سمعت أبا سلمة يحدث في زمن خالد القسري في هذا المسجد وجاء الحسن أي البصري فجلس إليه فقال أبو سلمة حدثنا أبو هريرة فذكره ومثله أخرجه الإسماعيلي وقال في مسجد البصرة ولم يقل خالد القسري وأخرجه الخطابي من طريق يونس بهذا الإسناد فقال في زمن خالد بن عبد الله أي بن أسيد أي بفتح الهمزة وهو أصح فإن خالدا هذا كان قد ولى البصرة لعبد الملك قبل الحجاج بخلاف خالد القسري قوله مكوران زاد في رواية البزار ومن ذكر معه في النار فقال الحسن وما ذنبهما فقال أبو سلمة أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وما ذنبهما قال البزار لا يروى عن أبي هريرة الا من هذا الوجه انتهى وأخرج أبو يعلى معناه من حديث أنس وفيه ليراهما من عبدهما كما قال تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وأخرجه الطيالسي من هذا الوجه مختصرا وأخرج بن وهب في كتاب الأهوال عن عطاء بن يسار في قوله تعالى وجمع الشمس والقمر قال يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في النار ولابن أبي حاتم عن بن عباس نحوه موقوفا أيضا قال الخطابي ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلا وقيل إنهما خلقا من النار فأعيدا فيها وقال الإسماعيلي لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذابا وآله من آلات العذاب وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة وقال أبو موسى المديني في غريب الحديث لما وصفا بأنهما يسبحان في قوله كل في فلك يسبحون وأن كل من عبد من دون الله الا من سبقت له الحسنى يكون في النار وكانا في النار يعذب بهما أهلهما بحيث لا يبرحان منهما فصارا كأنهما ثوران عقيران ثالثها بقية الأحاديث عن عبد الله بن عمرو ومن بعده في ذكر الكسوف وقد تقدمت كلها مشروحة في كتاب الكسوف وقوله في الحديث الأخير عن أبي مسعود كذا في الأصول بأداة الكنية وهو أبو مسعود البدري ووقع في بعض النسخ عن بن مسعود بالموحدة والنون وهو تصحيف

قوله باب ما جاء في قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته نشرا بضم النون والمعجمة وسيأتي تفسيره في الباب قوله قاصفا تقصف كل شيء يريد تفسير قوله تعالى فيرسل عليكم قاصفا من الريح قال أبو عبيدة هي التي تقصف كل شيء أي تحطم وروى الطبري من طريق بن جريج قال قال بن عباس القاصف التي تفرق هكذا ذكره منقطعا قوله لواقح ملاقح ملقحة يريد تفسير قوله تعالى وارسلنا الرياح لواقح وأن أصل لواقح ملاقح وواحدها ملقحة وهو قول أبي عبيدة وفاقا لابن إسحاق وأنكره غيرهما قالوا لواقح جمع لاقحة ولاقح وقال الفراء فإن قيل الريح ملقحة لأنها تلقح الشجر فكيف قيل لها لواقح فالجواب على وجهين أحدهما أن تجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح فيقال ريح لافح كما يقال ماء ملاقح ويؤيده وصف ريح العذاب بأنها عقيم ثانيهما أن وصفها باللقح لكون اللقح يقع فيها كما تقول ليل نائم وقال الطبري الصواب أنها لافحة من وجه ملقحة من وجه لأن لقحها حملها الماء والقاحها عملها في السحاب ثم أخرج من طريق قوي عن بن مسعود قال يرسل الله الرياح فتحمل الماء فتلقح السحاب وتمر به فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر وقال الأزهري جعل الريح لافحا لأنها تقل السحاب وتصرفه ثم تمر به فتستدره والعرب تقول للريح الجنوب لافح وحامل وللشمال حائل وعقيم قوله إعصار ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود فيه نار يريد تفسير قوله تعالى فأصابها اعصار وهو تفسير أبي عبيدة بلفظه وروى الطبري عن السدي قال الإعصار الريح والنار السموم وعن الضحاك قال الإعصار ريح فيها برد شديد والأول أظهر لقوله تعالى فيه نار قوله صر برد يريد تفسير قوله تعالى ريح فيها صر قال أبو عبيدة الصر شدة البرد وقد أخرج بن أبي حاتم من طريق معمر قال كان الحسن يقول فأصابها اعصار يقول صر برد كذا قال قوله نشرا متفرقة هو مقتضى كلام أبي عبيدة فإنه قال قوله نشرا أي من كل مهب وجانب وناحية ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث بن عباس

[ 3033 ] قوله عن الحكم هو بن عتيبة بالمثناة والموحدة مصغر قوله نصرت بالصبا بفتح المهملة وتخفيف الموحدة مقصور هي الريح الشرقية والدبور بفتح أوله وتخفيف الموحدة المضمومة مقابلها يشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى في قصة الأحزاب فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وروى الشاقعي بإسناد فيه انقطاع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نصرب بالصبا وكانت عذابا على من كان قبلنا وقيل إن الصبا هي التي حملت ريح قميص يوسف إلى يعقوب قبل أن يصل إليه قال بن بطال في هذا الحديث تفضيل بعض المخلوقات على بعض وفيه أخبار المرء عن نفسه بما فضله الله به على سبيل التحدث بالنعمة لا على الفخر وفيه الأخبار عن الأمم الماضية واهلاكها ثانيهما حديث عائشة وقد تقدم شرحه في كتاب الاستسقاء وقوله

[ 3034 ] فيه مخيلة بفتح الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة هي السحابة التي يخال فيها المطر قوله فإذا أمطرت السماء سري عنه فيه رد على من زعم أنه لا يقال أمطرت الا في العذاب وأما الرحمة فيقال مطرت وقوله سري عنه بضم المهملة وتشديد الراء بلفظ المجهول أي كشف عنه وفي الحديث تذكر ما يذهل المرء عنه مما وقع للأمم الخالية والتحذير من السير في سبيلهم خشية من وقوع مثل ما أصابهم وفيه شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم كما وصفه الله تعالى قال بن العربي فإن قيل كيف يخشى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب القوم وهو فيهم مع قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم والجواب أن الآية نزلت بعد هذه القصة ويتعين الحمل على ذلك لأن الآية دلت على كرامة له صلى الله عليه وسلم ورفعه فلا يتخيل انحطاط درجته أصلا قلت ويعكر عليه أن آية الأنفال كانت في المشركين من أهل بدر وفي حديث عائشة اشعار بأنه كان يواظب على ذلك من صنيعه كان إذا رأى فعل كذا والأولى في الجواب أن يقال أن في آية الأنفال احتمال التخصيص بالمذكورين أو بوقت دون وقت أو مقام الخوف يقتضي غلبة عدم الأمن من مكر الله وأولى من الجميع أن يقال خشي على من ليس هو فيهم أن يقع بهم العذاب أما المؤمن فشفقة عليه لإيمانه وأما الكافر فلرجاء إسلامه وهو بعث رحمة للعالمين

قوله باب ذكر الملائكة جمع ملك بفتح اللام فقيل مخفف من مالك وقيل مشتق من الالوكة وهي الرسالة وهذا قول سيبويه والجمهور وأصله لاك وقيل أصله الملك بفتح ثم سكون وهو الأخذ بقوة وحينئذ لا مدخل للميم فيه وأصل وزنه مفعل فتركت الهمزة لكثرة الاستعمال وظهرت في الجمع وزيدت الهاء أما للمبالغة وأما لتأنيث الجمع وجمع على القلب وإلا لقيل مالكة وعن أبي عبيدة الميم في الملك أصلية وزنه فعل كأسد هو من الملك بالفتح وسكون اللام وهو الأخذ بقوة وعلى هذا فوزن ملائكة فعائلة ويؤيده أنهم جوزوا في جمعه أملاك وأفعال لا يكون جمعا لما في أوله ميم زائدة قال جمهور أهل الكلام من المسلمين الملائكة أجسام لطيفة أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة ومسكنها السماوات وأبطل من قال أنها الكواكب أو أنها الأنفس الخيرة التي فارقت أجسادها وغير ذلك من الأقوال التي لا يوجد في ألأدلة السمعية شيء منها وقد جاء في صفة الملائكة وكثرتهم أحاديث منها ما أخرجه مسلم عن عائشة مرفوعا خلقت الملائكة من نور الحديث ومنها ما أخرجه الترمذي وابن ماجة والبزار من حديث أبي ذر مرفوعا أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع الا وعليه ملك ساجد الحديث ومنها ما أخرجه الطبراني من حديث جابر مرفوعا ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف الا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد وللطبراني نحوه من حديث عائشة وذكر في ربيع الأبرار عن سعيد بن المسيب قال الملائكة ليسوا ذكورا ولا إناثا ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتوالدون قلت وفي قصة الملائكة مع إبراهيم وسارة ما يؤيد إنهم لا يأكلون وأما ما وقع في قصة الأكل من الشجرة أنها شجرة الخلد التي تأكل منها الملائكة فليس بثابت وفي هذا وما ورد من القرآن رد على من أنكر وجود الملائكة من الملاحدة وقدم المصنف ذكر الملائكة على الأنبياء لا لكونهم أفضل عنده بل لتقدمهم في الخلق ولسبق ذكرهم في القرآن في عدة آيات كقوله تعالى كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله وقد وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم في صفة الحج ابدؤا بما بدأ الله به ورواه النسائي بصيغة الأمر ابدأ بما بدأ الله به ولأنهم وسائط بين الله وبي الرسل في تبليغ الوحي والشرائع فناسب أن يقدم الكلام فيهم على الأنبياء ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أفضل من الأنبياء وقد ذكرت مسألة تفضيل الملائكة في كتاب التوحيد عند شرح حديث ذكرته في ملأ خير منهم والله أعلم ومن أدلة كثرتهم ما يأتي في حديث الإسراء أن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون قوله وقال أنس قال عبد الله بن سلام الخ هو طرف من حديث وصله المصنف في كتاب الهجرة وسيأتي بأتم من هذا السياق هناك مع شرحه قوله وقال بن عباس لنحن الصافون الملائكة وصله عبد الرزاق من طريق سماك عن عكرمة عنه وللطبراني عن عائشة مرفوعا ما في السماء موضع قدم الا وعليه ملك قائم أو ساجد فذلك قوله تعالى وانا لنحن الصافون ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث تزيد على ثلاثين حديثا وهو من نوادر ما وقع في هذا الكتاب أعنى كثرة ما فيه من الأحاديث فإن عادة المصنف غالبا يفصل الأحاديث بالتراجم ولم يصنع ذلك هنا وقد اشتملت أحاديث الباب على ذكر بعض من اشتهر من الملائكة كجبريل ووقع ذكره في أكثر أحاديثه وميكائيل وهو في حديث سمرة وحده والملك الموكل بتصوير بن آدم ومالك خازن النار وملك الجبال والملائكة الذين في كل سماء والملائكة الذين ينزلون في السحاب والملائكة الذين يدخلون البيت المعمور والملائكة الذين يكتبون الناس يوم الجمعة وخزنة الجنة والملائكة الذين يتعاقبون ووقع ذكر الملائكة على العموم في كونهم لا يدخلون بيتا فيه تصاوير وأنهم يؤمنون على قراءة المصلي ويقولون ربنا ولك الحمد ويدعون لمنتظر الصلاة ويلعنون من هجرت فراش زوجها وما بعد الأول محتمل أن يكون المراد خاصا منهم فأما جبريل فقد وصفه الله تعالى بأنه روح القدس وبأنه الروح الأمين وبأنه رسول كريم ذو قوة مكين مطاع أمين وسيأتي في التفسير أن معناه عبد الله وهو وأن كان سريانيا لكنه وقع فيه موافقة من حيث المعنى للغة العرب لأن الجبر هو إصلاح ما وهي وجبريل موكل بالوحي الذي يحصل به الإصلاح العام وقد قيل أنه عربي وأنه مشتق من جبروت الله واستبعد للاتفاق على منع صرفه وفي اللفظة ثلاث عشرة لغة أولها جبريل بكسر الجيم وسكون الموحدة وكسر الراء وسكون التحتانية بغير همز ثم لام خفيفة وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر ونافع ورواية عن عاصم ثانيها بفتح الجيم قرأها بن كثير ثالثها مثله لكن بفتح الراء ثم همزة قرأها حمزة والكسائي رابعها مثله بحذف ما بين الهمزة واللام قرأها يحيى بن يعمر ورويت عن عاصم خامسها بتشديد اللام رويت عن عاصم سادسها بزيادة ألف بعد الراء ثم همزة ثم ياء ثم لام خفيفة قرأها عكرمة سابعها مثلها بغير همز قرأها الأعمش ثامنها مثل السادسة الا أنها بياء قبل الهمز تاسعها جبرال بفتح ثم سكون وألف بعد الراء ولام خفيفة عاشرها مثله لكن بياء بعد الألف قرأها طلحة بن مصرف حادي عشرها جرين مثل كثير لكن بنون ثاني عشرها مثله لكن بكسر الجيم ثالث عشرها مثل حمزة لكن بنون بدل اللام لخصته من اعراب السمين وروى الطبري عن أبي العالية قال جبريل من الكروبيين وهم سادة الملائكة وروى الطبراني من حديث بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل على أي شيء أنت قال على الريح والجنود قال وعلى أي شيء ميكائيل قال على النبات والقطر قال وعلى أي شيء ملك الموت قال على قبض الأرواح الحديث وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ضعف لسوء حفظه ولم يترك وروى الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا وزيد أي من أهل السماء جبريل وميكائيل الحديث وفي الحديث الذي أخرجه الطبراني في كيفية خلق آدم ما يدل على أن خلق جبريل كان قبل خلق آدم وهو مقتضى عموم قوله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم وفي التفسير أيضا أنه يموت قبل موت ملك الموت بعد فناء العالم والله أعلم وأما ميكائيل فروى الطبراني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قال ما ضحك منذ خلقت النار وأما ملك التصوير فلم أقف على اسمه وأما مالك خازن النار فيأتي ذكره في تفسير سورة الزخرف إن شاء الله تعالى وأما ملك الجبال فلم أقف على اسمه أيضا ومن مشاهير الملائكة اسرافيل ولم يقع له ذكر في أحاديث الباب وقد روى النقاش أنه أول من سجد من الملائكة فجوزي بولاية اللوح المحفوظ وروى الطبراني من حديث بن عباس أنه الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا فأشار إليه جبريل أن تواضع فاختار أن يكون نبيا عبدا وروى أحمد والترمذي عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وانتظر أن يؤذن له الحديث وقد اشتمل كتاب العظمة لأبي الشيخ من ذكر الملائكة على أحاديث وآثار كثيرة فليطلبها منه من أراد الوقوف على ذلك وفيه عن علي أنه ذكر الملائكة فقال منهم الأمناء على وحيه والحفظة لعباده والسدنة لجنانه والثابتة في الأرض السفلى أقدامهم المارقة من السماء العليا أعناقهم الخارجة عن الأقطار أكنافهم الماسة لقوائم العرش أكتافهم الحديث الأول حديث الإسراء أورده بطوله من طريق قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة وسأذكر شرحه في السيرة النبوية قبيل أبواب الهجرة إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا ما يتعلق بالملائكة وقد ساقه هنا على لفظ خليفة وهناك على لفظ هدبة بن خالد وسأبين ما بينهما من التفاوت إن شاء الله تعالى وقوله

[ 3035 ] بطست من ذهب ملآن كذا للأكثر وللكشميهني ملأى والتذكير باعتبار الإناء والتأنيث باعتبار الطست لأنها مؤنثة ووجدت بخط الدمياطي ملئ بضم الميم على لفظ الفعل الماضي فعلى هذا لا تغاير بينه وبين قوله ملآن وقوله مراق البطن بفتح الميم وتخفيف الراء وتشديد القاف هو ما سفل من البطن ورق من جلده وأصله مرافق وسميت بذلك لأنها موضع رقة الجلد وقوله بدابة أبيض ذكره باعتبار كونه مركوبا وقوله في آخره وقال همام عن قتادة الخ يريد أن هماما فصل في سياقه قصة البيت المعمور من قصة الإسراء فروى أصل الحديث عن قتادة عن أنس وقصة البيت عن قتادة عن الحسن وأما سعيد وهو بن أبي عروبة وهشام وهو الدستوائي فأدرجا قصة البيت المعمور في حديث أنس والصواب رواية همام وهي موصولة هنا عن هدبة عنه ووهم من زعم أنها معلقة فقد روى الحسن بن سفيان في مسنده الحديث بطوله عن هدبة فاقتص الحديث إلى قوله فرفع لي البيت المعمور قال قتادة فحدثنا الحسن عن أبي هريرة أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون فيه وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وأبي يعلى والبغوي وغير واحد كلهم عن هدبة به مفصلا وعرف بذلك مراد البخاري بقوله في البيت المعمور وأخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيت المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة لو خر لخر عليها يدخله سبعون ألف ملك كل يوم إذا خرجوا منه لم يعودوا وهذا وما قبله يشعر بأن قتادة كان تارة يدرج قصة البيت المعمور في حديث أنس وتارة يفصلها وحين يفصلها تارة يذكر سندها وتارة يبهمه وقد روى إسحاق في مسنده والطبري وغير واحد من طريق خالد بن عرعرة عن علي أنه سئل عن السقف المرفوع قال السماء وعن البيت المعمور قال بيت في السماء بحيال البيت حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه وفي رواية للطبري أن السائل عن ذلك هو عبد الله بن الكوا ولابن مردويه عن بن عباس نحوه وزاد وهو على مثل البيت الحرام لو سقط لسقط عليه من حديث عائشة ونحوه بإسناد صالح ومن حديث عبد الله بن عمرو نحوه بإسناد ضعيف وهو عند الفاكهي في كتاب مكة بإسناد صحيح عنه لكن موقوفا عليه وروى بن مردويه أيضا وابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعا نحو حديث على وزاد وفي السماء نهر يقال له نهر الحيوان يدخله جبريل كل يوم فينغمس ثم يخرج فينتفض فيخر عنه سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكا فهم الذين يصلون فيه ثم لا يعودون إليه وإسناده ضعيف وقد روى بن المنذر نحوه بدون ذكر النهر من طريق صحيحة عن أبي هريرة لكن موقوفا وجاء عن الحسن ومحمد بن عباد بن جعفر أن البيت المعمور هو الكعبة والأول أكثر وأشهر وأكثر الروايات أنه في السماء السابعة وجاء من وجه آخر عن أنس مرفوعا أنه في السماء الرابعة وبه جزم شيخنا في القاموس وقيل هو في السماء السادسة وقيل هو تحت العرش وقيل أنه بناه آدم لما أهبط إلى الأرض ثم رفع زمن الطوفان وكأن هذا شبهة من قال أنه الكعبة ويسمى البيت المعمور الضراح والضريح الحديث الثاني حديث بن مسعود حدثنا الصادق المصدوق وسيأتي شرحه في كتاب القدر والغرض منه قوله فيه ثم يبعث الله ملكا ويؤمر بأربع كلمات فإن فيه أن الملك موكل بما ذكر عند تصوير الآدمي وسيأتي ما وقع فيه من الاختلاف هناك والمراد بقوله

[ 3036 ] الصادق أي في قوله والمصدوق أي فيما وعده به ربه الحديث الثالث حديث أبي هريرة أورده من طريقين موصولة ومعلقة وساقه على لفظ المعلقة وهي متابعة أبي عاصم وقد وصلها في الأدب عن عمرو بن علي عن أبي عاصم وساقه على لفظه هنا وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه قد يعلق عن بعض مشايخه ما هو عنده عنه بواسطة لأن أبا عاصم من شيوخه

[ 3037 ] قوله إذا أحب الله العبد الخ زاد روح بن عبادة عن بن جريج في آخره عند الإسماعيلي وإذا أبغض فمثل ذلك وقد أخرجه أحمد عن روح بدون الزيادة وسيأتي تمام شرحه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى الحديث الرابع حديث عائشة

[ 3038 ] قوله حدثنا محمد حدثنا بن أبي مريم قال الجياني محمد هذا هو الذهلي كذا قال وقد قال أبو ذر بعد أن ساقه محمد هذا هو البخاري وهذا هو الارجح عندي فإن الإسماعيلي وأبا نعيم لم يجدا الحديث من غير رواية البخاري فاخرجاه عنه ولو كان عند غير البخاري لما ضاق عليهما مخرجه ونصف هذا الإسناد الأعلى مدنيون ونصفه الأدنى مصريون ولليث في هذا الحديث شيخ آخر سيأتي في صفة إبليس قريبا ويأتي شرحه مستوفى في الطب وقوله العنان هو السحاب وزنا ومعنى وواحده عنانة كسحابة كذلك وقوله وهو السحاب من تفسير بعض الرواة أدرجه في الخبر الحديث الخامس حديث أبي هريرة وقد تقدم شرحه في الجمعة وقوله فيه عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن وقوله

[ 3040 ] والأغر كذا للأكثر بالمعجمة والراء الثقيلة ووقع في رواية الكشميهني والأعرج بالعين المهملة الساكنة وآخره جيم والأول أرجح فإنه مشهور من رواية الأغر نعم أخرجه النسائي من وجهين آخرين عن الزهري عن الأعرج وحده ورواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب وأبي عبد الله الأغر ثلاثتهم عن أبي هريرة أفاده الجياني عن بن السكن قال وبان بذلك أن الحديث حديث الأغر لا الأعرج قلت بل ورد من رواية الأعرج أيضا أخرجه النسائي من طريق عقيل ومن طريق عمرو بن الحارث كلاهما عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة فظهر أن الزهري حمله عن جماعة وكان تارة يفرده عن بعضهم وتارة يذكره عن اثنين منهم وتارة عن ثلاثة والله أعلم وقد تقدم في الجمعة من رواية بن أبي ذئب وأخرجه مسلم من رواية يونس عن الزهري عن الأغر وحده وأخرجه النسائي أيضا من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن أبي سلمة والأغر جمع بينهما كإبراهيم بن سعد وأخرجه مسلم والنسائي من طريق سفيان عن الزهري عن سعيد وحده ورواه مالك عن الزهري عن بن سلمة وحده الحديث السادس حديث أبي هريرة في الدعاء لحسان والغرض منه ذكر روح القدس وقد تقدم شرحه في المساجد من كتاب الصلاة وبينت أنه من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أو عن حسان وأنه لم يحضر مراجعته لحسان وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الجبار بن العلاء عن سفيان قال ما حفظت عن الزهري الا عن سعيد عن أبي هريرة فعلى هذا فكأن أبا هريرة حدث سعيدا بالقصة بعد وقوعها بمدة ولهذا قال الإسماعيلي سياق البخاري صورته صورة الإرسال وهو كما قال وقد ظهر الجواب عنه بهذه الرواية الحديث السابع حديث البراء بن عازب في ذكر حسان أيضا والغرض منه الإشارة إلى أن المراد بروح القدس في الحديث الذي قبله جبريل وسيأتي شرحه في كتاب الأدب وقوله

[ 3041 ] قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان يقتضي أنه من مسند البراء بن عازب ولكن أخرجه الترمذي من رواية يزيد بن زريع عن سعيد فجعله من رواية البراء عن حسان الحديث الثامن حديث أنس كأني أنظر إلى غبار ساطع في سكة بني غنم السكة بكسر المهملة والتشديد الزقاق وبنو غنم بفتح المعجمة وسكون النون بطن من الخزرج وهم بنو غنم بن مالك بن النجار منهم أبو أيوب الأنصاري وآخرون ووهم من زعم أن المراد بهم هنا بنو غنم حي من بني تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة فإن أولئك لم يكونوا بالمدينة يومئذ

[ 3042 ] قوله زاد موسى موكب جبريل موسى هو بن إسماعيل التبوذكي ومراده أنه روى هذا الحديث عن جرير بن حازم بالإسناد المذكور فزاد في المتن هذه الزيادة وطريق موسى هذه موصولة في المغازي عنه وهو مما يدل على أنه قد يعلق عن بعض مشايخه ما سمعه منه فلم يطرد له في ذلك عمل مستمر فإن كلا من أبي عاصم وموسى من مشايخه وقد علق عن أبي عاصم ما أخذه عنه بواسطة وعلق عن موسى ما أخذه عنه بغير واسطة ففيه رد على من قال كل ما يعلقه عن مشايخه محمول على أنه سمعه منهم وفيه رد على من قال أن الذي يذكر عن مشايخه من ذلك يكون مما حمله عنهم بالمناولة لأنه صرح في المغازي بتحديث موسى له بهذا الحديث فلو كان مناولة لم يصرح بالتحديث وقوله موكب جبريل يجوز فيه الحركات الثلاث كنظائره ورجح بن التين الخفض وإسحاق المذكور في الرواية الأولى هو بن راهويه كما بينه بن السكن وجزم به الكلاباذي وسيأتي بقية شرح المتن في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى الحديث التاسع حديث عائشة أن الحارث بن هشام سأل عن كيفية مجيء الوحي وقد تقدم شرحه في أول الكتاب وقدمت أن عامر بن صالح الزبيري رواه عن هشام فجعله من رواية عائشة عن الحارث بن هشام وإني وجدت له متابعا على ذلك عند بن منده وهو يتضمن الرد على الحاكم حيث زعم أن عامر بن صالح تفرد بالزيادة المذكورة والمتابع المذكور أخرجه بن منده من طريق عبد الله بن الحارث عن هشام عن عائشة عن الحارث بن هشام قال سألت الحديث العاشر حديث أبي هريرة من أنفق زوجين وقد تقدم الكلام عليه في أول الجهاد والغرض منه ذكر خزنة الجنة وقوله

[ 3044 ] في الإسناد حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال الإسماعيلي في الجهاد أدخل الأوزاعي بين يحيى و أبي سلمة في هذا الحديث محمد بن إبراهيم التيمي قلت روايته عنه عند النسائي ويحيى معروف بالرواية عن أبي سلمة فلعل محمدا أثبته في هذا الحديث الحديث الحادي عشر حديث عائشة في سلام جبريل وسيأتي الكلام عليه في المناقب وإسماعيل شيخ البخاري فيه هو بن أبي أويس وسليمان هو بن بلال ويونس هو بن يزيد الأيلي وقد خالفه معمر عن الزهري في إسناده فقال عن عروة عن عائشة أخرجه النسائي وقال هذا خطأ والصواب رواية يونس الحديث الثاني عشر حديث بن عباس في نزول قوله تعالى

[ 3046 ] وما نتنزل الا بأمر ربك وسيأتي شرحه في تفسير سورة مريم وسياقه هنا على لفظ وكيع ويحيى الراوي عنه هو بن موسى ويقال بن جعفر وعمر بن ذر بضم العين اتفاقا وغلط من قال فيه عمرو الحديث الثالث عشر حديثه في الأحرف السبعة وسيأتي شرحه في فضائل القرآن الحديث الرابع عشر حديثه في مدارسة جبريل في رمضان وقد تقدم شرحه في كتاب الصيام وقوله

[ 3048 ] وعن عبد الله أخبرنا معمر بهذا الإسناد هو موصول عن محمد بن مقاتل وكأن بن المبارك كان يفصل الرواية فيه عن شيخيه وقد تقدم نظير ذلك في بدء الوحي الحديث الخامس عشر والسادس عشر قوله وروى أبو هريرة وفاطمة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضه القرآن أما حديث أبي هريرة فوصله في فضائل القرآن ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وأما حديث فاطمة فوصله في علامات النبوة ويأتي شرحه هناك أيضا إن شاء الله تعالى الحديث السابع عشر حديث أبي مسعود في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وتقدم مشروحا في أوائل الصلاة وقوله

[ 3049 ] فصلى إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الهمزة من إمام وحكى بن مالك أنه روى بالكسر واستشكله لأن إمام معرفة والموضع موضع الحال فوجب جعله نكرة بالتأويل الحديث الثامن عشر حديث أبي ذر وقد تقدم مضموما إلى حديث آخر في كتاب الاستقراض ويأتي مطولا في الاستئذان ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وقوله

[ 3050 ] هنا قال وإن زنى لم يعين القائل وبين في تلك الرواية أنه أبو ذر الراوي وقوله في آخره قال وأن فيه دلالة على جواز حدف فعل الشرط والاكتفاء بحرفه قاله بن مالك وفيه نظر لأنه يتبين بالرواية الأخرى أن هذا من تصرف بعض الرواة الحديث التاسع عشر حديث أبي هريرة الملائكة يتعاقبون تقدم مشروحا في أوائل الصلاة

[ 3055 ] قوله حدثني عمرو كذا للأكثر وظن بعضهم أنه بن الحارث وهو خطأ لأنه لم يدرك سالما والصواب عمر بضم العين بغير واو وهو بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وثبت كذلك في رواية الكشميهني وكذا وقع في اللباس عن يحيى بن سليمان بهذا الإسناد وقوله وعد النبي صلى الله عليه وسلم جبريل فقال أنا لا ندخل كذا أورده هنا مختصرا وساقه في اللباس بتمامه وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى الحديث الرابع والعشرون حديث أبي هريرة إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده تقدم مشروحا في صفة الصلاة الحديث الخامس والعشرون حديثه أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه وقد تقدم مشروحا أيضا في صفة الصلاة وابن فليح هو محمد ووقع في بعض النسخ بن أفلح وهو تصحيف الحديث السادس والعشرون حديث يعلى بن أمية

[ 3058 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة وعمرو هو بن دينار وعطاء هو بن أبي رباح وصفوان بن يعلى أي بن أمية وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وهم مكيون قوله يقرأ على المنبر ونادوا يا مال في رواية الكشميهني ونادوا يا مالك وسيأتي الكلام عليه في التفسير قوله قال سفيان هو بن عيينة في قراءة عبد الله أي بن مسعود ونادوا يا مال يعني بغير كاف الحديث السابع والعشرون حديث عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليكم يوم أشد من يوم أحد الحديث

[ 3059 ] قوله بن عبد يا ليل بتحتانية وبعد الألف لام مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم لام بن عبد كلال بضم الكاف وتخفيف اللام وآخره لام واسمه كنانة والذي في المغازي أن الذي كلمه هو عبد يا ليل نفسه وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه وأنه عبد يا ليل بن عمرو بن عمير بن عوف ويقال اسم بن عبد ياليل مسعود وله أخ أعمى له ذكر في السيرة في قذف النجوم عند المبعث النبوي وكان بن عبد ياليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف وقد روى عبد بن حميد في تفسيره من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى على رجل من القريتين عظيم قال نزلت في عتبة بن ربيعة وابن عبد ياليل الثقفي ومن طريق قتادة قال هما الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود ورواه بن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد وقال فيه يعني كنانة وروى الطبري من طريق السدي قال هما الوليد بن المغيرة وكنانة بن عبد بن عمرو بن عمير عظيم أهل الطائف وقد ذكر موسى بن عقبة وابن إسحاق أن كنانة بن عبد ياليل وفد مع وفد الطائف سنة عشر فأسلموا وذكره بن عبد البر في الصحابة لذلك لكن ذكر المديني أن الوفد أسلموا الا كنانة فخرج إلى الروم ومات بها بعد ذلك والله أعلم وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن بن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب توجه إلى الطائف رجاء أن يؤوه فعمد إلى ثلاثة نفر من ثقيف وهم سادتهم وهم إخوة عبد ياليل وحبيب ومسعود بنو عمرو فعرض عليهم نفسه وشكى إليهم ما انتهك منه قومه فردوا عليه أقبح رد وكذا ذكره بن إسحاق بغير إسناد مطولا وذكر بن سعد أن ذلك كان في شوال سنة عشر من المبعث وأنه كان بعد موت أبي طالب وخديجة قوله على وجهي أي على الجهة المواجهة لي قوله بقرن الثعالب هو ميقات أهل نجد ويقال له قرن المنازل أيضا وهو على يوم وليلة من مكة وقرن كل جبل صغير منقطع من جبل كبير وحكى عياض أن بعض الرواة ذكره بفتح الراء قال هو غلط وحكى القابسي أن من سكن الراء أراد الجبل ومن حركها أراد الطريق التي بقرب منه وأفاد بن سعد أن مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بالطائف كانت عشرة أيام قوله ملك الجبال أي الموكل بها قوله فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت أن شئت كذا لأبي ذر عن شيخيه وله عن الكشميهني مثله الا أنه قال فما شئت وقد رواه الطبراني عن مقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري فقال يا محمد أن الله بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك فيما شئت أن شئت قوله ذلك مبتدأ وخبره محذوف تقديره كما علمت أو كما قال جبريل وقوله ما شئت استفهام وجزاؤه مقدر أي أن شئت فعلت قوله الاخشبين بالمعجمتين هما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله وكأنه قعيقعان وقال الصغاني بل هو الجبل الأحمر الذي يشرف على قعيقعان ووهم من قال هو ثور كالكرماني وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما والمراد باطباقهما أن يلتقيا على من بمكة ويحتمل أن يريد أنهما يصيران طبقا واحدا قوله بل أرجو كذا لأكثرهم وللكشميهني أنا أرجو وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه ومزيد صبره وحلمه وهو موافق لقوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم وقوله وما أرسلناك الا رحمة للعالمين الحديث الثامن والعشرون حديث بن مسعود في قوله تعالى

[ 3060 ] فكان قاب قوسين وسيأتي الكلام عليه في تفسير سورة النجم الحديث التاسع والعشرون حديثه في قوله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى وسيأتي الكلام عليه أيضا في تفسير سورة النجم وقوله فيه رأى رفرفا أخضر كذا للأكثر وفي رواية الحموي والمستملي خضرا وهو بفتح أوله وكسر ثانيه مصروفا يقولون أخضر خضر كما قالوا أعور عور ولبعضهم بسكون ثانيه بلفظ التأنيث ويحتاج إلى ثبوت أن الرفرف يؤنث وقد زعم بعضهم أنه جمع رفرفة فعلى هذا فيتجه وقال الكرماني تبعا للخطابي يحتمل أن يكون جبريل بسط أجنحته كما يبسط الثوب وهذا لا يخفى بعده الحديث الثلاثون حديث عائشة ذكره من وجهين أحدهما من رواية القاسم عنها قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم أي دخل في أمر عظيم أو الخبر محذوف والثاني من رواية مسروق قال قلت لعائشة فأين

[ 3063 ] قوله ثم دنى فتدلى الحديث نحوه ومحمد بن يوسف شيخه فيه هو البيكندي كما جزم به أبو علي الجياني وابن أشوع بالمعجمة وزن أحمد واسمه سعيد بن عمرو بن أشوع نسبة لجده وللأكثر بن الأشوع ووهم من قال هنا عن أبي الأشوع فإنها ليست كنيته وسيأتي شرحه أيضا في تفسير سورة النجم الحديث الحادي والثلاثون حديث سمرة رأيت الليلة رجلين أتياني ذكره مختصرا جدا وقد مضى مطولا في أواخر الجنائز والمقصود منه ذكر مالك خازن النار وجبريل وميكائيل الحديث الثاني والثلاثون حديث أبي هريرة إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه الحديث

[ 3065 ] قوله تابعه شعبة وأبو حمزة وابن داود وأبو معاوية عن الأعمش أي عن أبي حازم عن أبي هريرة فأما متابعة شعبة فوصلها المؤلف في النكاح وسيأتي شرح المتن هناك وأما متابعة أبي حمزة فلم اجدها وأما متابعة بن داود وهو عبد الله الخريبي بالمعجمة والراء والموحدة مصغر فوصلها مسدد في مسنده الكبير عنه وأما متابعة أبي معاوية فوصلها مسلم والنسائي من طريقه الحديث الثالث والثلاثون حديث جابر في فترة الوحي وقد تقدم مشروحا في بدء الوحي الحديث الرابع والثلاثون حديث بن عباس في رؤية الأنبياء ومالك خازن النار وغير ذلك وسيأتي شرحه في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى قال الإسماعيلي جمع البخاري بين روايتي شعبة وسعيد وساقه على لفظ سعيد وفي روايته زيادة ظاهرة على رواية شعبة قلت سأبين ذلك هناك إن شاء الله تعالى الحديث الخامس والثلاثون والسادس والثلاثون

[ 3067 ] قوله قال أنس وأبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحرس الملائكة المدينة من الدجال أما حديث أنس فوصله المؤلف في فضل المدينة أواخر الحج وتقدم الكلام عليه هناك وكذا حديث أبي بكرة وقد وصله المؤلف أيضا في الفتن ويأتي الإلمام بما يتعلق به هناك إن شاء الله تعالى وقوله آدم طوالا هو بمد ألف آدم كلفظ جد البشر والمراد هنا وصف موسى بالأدمة وهي لون بين البياض والسواد

عقولهم وقال بن عباس دهاقا ممتلئا كواعب نواهد الرحيق الخمر التسنيم يعلو شراب أهل الجنة ختامه طينه مسك نضاختان فياضتان يقال موضونة منسوجة منه وضين الناقة والكوب ما لا أذن له ولا عروة والأباريق ذوات الآذان والعرا عربا مثقلة وأحدها عروب مثل صبور وصبر يسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة وقال مجاهد روح جنة ورخاء والريحان الرزق و المنضود الموز و المخضود الموقر حملا ويقال أيضا لا شوك له والعرب المحببات إلى أزواجهن ويقال مسكوب جار و فرش مرفوعة بعضها فوق بعض لغوا باطلا تأثيما كذبا أفنان أغصان وجنى الجنتين دان ما يجتنى قريب مدهامتان سوداوان من الري

قوله باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة أي موجودة الآن وأشار بذلك إلى الرد على من زعم من المعتزلة أنها لا توجد الا يوم القيامة وقد ذكر المصنف في الباب أحاديث كثيرة دالة على ما ترجم به فمنها ما يتعلق بكونها موجودة الآن ومنها ما يتعلق بصفتها وأصرح مما ذكره في ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله الجنة قال لجبريل أذهب فأنظر إليها الحديث قوله وقال أبو العالية مطهرة من الحيض والبول والبصاق كلما رزقوا منها الخ وصله بن أبي حاتم من طريقه مفرقا دون أوله وأخرج من طريق مجاهد نحوه وزاد ومن المني والولد ومن طريق قتادة لكن قال من الأذى والإثم وروى هذا عن قتادة موصولا قال عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا ولا يصح إسناده وأخرج الطبري نحو ذلك عن عطاء وأتم منه وروى بن أبي حاتم أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير قال يطوف الولدان على أهل الجنة بالفواكه فيأكلونها ثم يؤتون بمثلها فيقول أهل الجنة هذا الذي أتيتمونا به آنفا فيقولون لهم كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف وقيل المراد بالقبلية هنا ما كان في الدنيا وروى بن أبي حاتم أيضا والطبري ذلك من طريق السدي بأسانيده قال أتوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا ورجح هذا الطبري من جهة ما دلت عليه الآية من عموم قولهم ذلك في كل ما رزقوه قال فيدخل في ذلك أول رزق رزقوه فيتعين أن لا يكون قبله الا ما كان في الدنيا قوله يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعم هو كقول بن عباس ليس في الدنيا مما في الجنة الا الأسماء وقال الحسن معنى قوله متشابها أي خيارا لا رداءة فيه تنبيه وقع في رواية الكشميهني هذا الذي رزقنا من قبل أتينا ولغيره أوتينا وهو الصواب قال بن التين هو من أوتيته بمعنى أعطيته وليس من أتيته بالقصر بمعنى جئته قوله قطوفها يقطفون كيف شاءوا دانية قريبة أما قوله يقطفون كيف شاءوا فرواه عبد بن حميد من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال في قوله قطوفها دانية قال يتناول منها حيث شاء وأما قوله دانية قريبة فرواه بن أبي حاتم من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن البراء أيضا ومن طريق قتادة قال دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك قوله الارائك السرر رواه عبد بن حميد بإسناد صحيح من طريق حصين عن مجاهد عن بن عباس قال الارائك السرر في الحجال ومن طريق منصور عن مجاهد نحوه ولم يذكر بن عباس ومن طريق الحسن ومن طريق عكرمة جميعا أن الاريكة هي الحجلة على السرير وعن ثعلب الاريكة لا تكون الا سريرا متخذا في قبة عليه شواره قوله وقال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب رواه عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن في قوله تعالى ولقاهم نضرة وسرورا فذكره قوله وقال مجاهد سلسبيلا حديدة الجرية وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق مجاهد وحديدة بفتح المهملة وبدالين مهملتين أيضا أي قوية الجرية وذكر عياض أن القابسي رواها حريدة براء بدل الدال الأولى وفسرها بلينة قال والذي قاله لا يعرف وإنما فسروا السلسبيل بالسهلة اللينة الجرية قلت يشير بذلك إلى تفسير قتادة رواه عبد بن حميد عنه قال في قوله تعالى عينا فيها تسمى سلسبيلا قال سلسة لهم يصرفونها حيث شاءوا وقد روى عبد بن حميد أيضا عن مجاهد قال تجري شبه السيل وهذا يؤيد رواية الأصيلي أنه أراد قوة الجري والذي يظهر إنهما لم يتواردا على محل واحد بل أراد مجاهد صفة جرى العين وأراد قتادة صفة الماء وروى بن أبي حاتم عن عكرمة قال السلسبيل اسم العين المذكورة وهو ظاهر الآية ولكن استبعد لوقوع الصرف فيه وأبعد من زعم أنه كلام مفصول من فعل أمر واسم مفعول قوله غول وجع البطن ينزفون لا تذهب عقولهم رواه عبد بن حميد من طريق مجاهد قال في قوله لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون فذكره قوله وقال بن عباس دهاقا ممتلئة وصله عبد بن حميد من طريق عكرمة عنه قال الكأس الدهاق الممتلئة المتتابعة وسيأتي في أيام الجاهلية من وجه آخر قوله كواعب نواهد وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال في قوله تعالى كواعب اترابا قال نواهد انتهى وهو جمع ناهد والناهد هي التي بدا نهدها قوله الرحيق الخمر وصله بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى رحيق مختوم قال الخمر ختم المسك وقيل الرحيق هو الخالص من كل شيء قوله التسنيم يعلو شراب أهل الجنة وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال التسنيم يعلو شراب أهل الجنة وهو صرف للمقربين ويمزج لأصحاب اليمين قوله ختامه طينه مسك وصله بن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله ختامه مسك قال طينه مسك قال بن القيم في حادي الأرواح تفسير مجاهد هذا يحتاج إلى تفسير والمراد ما يبقى آخر الإناء من الدردى مثلا قال وقال بعض الناس معناه آخر شربهم يختم برائحة المسك قلت هذا أخرجه بن أبي حاتم أيضا من طريق أبي الدرداء قال في قوله ختامه مسك قال هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم وعن سعيد بن جبير ختامه آخر طعمه قوله نضاختان فياضتان وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قوله يقال موضونة منسوجة منه وضين الناقة هو قول الفراء قال في قوله موضونة أي منسوجة وإنما سمعت العرب وضين الناقة وضينا لأنه منسوج وقال أبو عبيدة في المجاز في قوله على سرر موضونة يقال متداخلة كما يوصل حلق الدرع بعضها في بعض مضاعفة قال والوضين البطان إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا وهو وضين في موضع موضون وروى بن أبي حاتم من طريق الضحاك في قوله موضونة قال التوضين التشبيك والنسج يقول وسطها مشبك منسوج ومن طريق عكرمة في قوله موضونة قال مشبكة بالدر والياقوت قوله والكوب ما لا أذن له ولا عروة والاباريق ذوات الآذان والعرى هو قول الفراء سواء وروى عبد بن حميد من طريق قتادة قال الكوب الذي دون الابريق ليس له عروة قوله عربا مثقلة أي مضمومة الراء واحدها عروب مثل صبور وصبر أي على وزنه وهذا قول الفراء وحكى عن الأعمش قال كنت أسمعهم يقولون عربا بالتخفيف وهو كالرسل والرسل بالتخفيف في لغة تميم وبكر قال الفراء والوجه التثقيل لأن كل فعول أو فعيل أو فعال جمع على هذا المثال فهو مثقل مذكرا كان أو مؤنثا قلت مرادهم بالتثقيل الضم وبالتخفيف الاسكان قوله يسميها أهل مكة العربة الخ جزم الفراء بأنها الغنجة وأخرجه بن أبي حاتم عن عكرمة ومن طريق بريدة قال هي الشكلة بلغة أهل مكة والمغنوجة لغة أهل المدينة ومثله في كتاب مكة للفاكهي وروى بن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم قال هي الحسنة الكلام ومن طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا العرب كلامهن عربي وهو ضعيف منقطع وأخرج الطبري من طريق تميم بن حذام في قوله عربا قال العربة الحسنة التبعل كانت العرب تقول إذا كانت المرأة حسنة التبعل أنها لعربة ومن طريق عبد الله بن عبيد بن عمير المكي قال العربة التي تشتهي زوجها ألا ترى أن الرجل يقول للناقة أنها لعربة قوله وقال مجاهد روح جنة ورخاء والريحان الرزق يريد تفسير قوله تعالى فروح وريحان قال الفريابي حدثنا ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فروح قال جنة وريحان قال رزق أخرجه البيهقي في الشعب من طريق آدم عن ورقاء بسنده بلفظ فروح وريحان قال الروح جنة ورخاء والريحان رزق قوله والمنضود الموز والمخضود الموقر حملا ويقال أيضا الذي لا شوك له وصله الفريابي والبيهقي عن مجاهد في قوله وطلح منضود قال الموز المتراكم والسدر المخضود الموقر حملا ويقال أيضا الذي لا شوك فيه وذلك لأنهم كانوا يعجبون بوج وظلاله من طلح وسدر قلت وج بفتح الواو وتشديد الجيم بالطائف وكأن عياضا لم يقف على ذلك فزعم في أواخر المشارق أن الذي وقع في البخاري تخليط قال والصواب والطلح الموز والمنضود الموقر حملا الذي نضد بعضه على بعض من كثرة حمله كذا قال وقد نقل الطبري القولين عن جمع من العلماء بأسانيده إليهم فنقل الأول عن مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير ونقل الثاني عن بن عباس وقتادة وعكرمة وقسامة بن زهير وغيرهم وكأن عياضا استبعد تفسير الخضد بالثقل لأن الخضد في اللغة القطع وقد نقل أهل اللغة أيضا أن الخضد التثني وعليه يحمل التأويل الأول أي أنه من كثرة حمله انثنى وأما التأويل الذي ذكره هو فقد نقل الطبري اتفاق أهل التأويل من الصحابة والتابعين على أن المراد بالطلح المنضود الموز وأسند عن على أنه كان يقولها والطلع بالعين قال فقيل له أفلا تغيرها قال أن القرآن لا يهاج اليوم فظهر بذلك فساد الاعتراض وأن الذي وقع في الأصل هو الصواب والله أعلم قوله والعرب المحببات إلى أزواجهن كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطبري وغيرهم من طريق مجاهد وغيره ورواه الفريابي من وجه آخر عن مجاهد قال العرب العواشق وأخرج الطبري نحوه عن أم سلمة مرفوعا قوله مسكوب جار يريد تفسير قوله تعالى وماء مسكوب وقوله وفرش مرفوعة بعضها فوق بعض وصله والذي قبله الفريابي أيضا عن مجاهد وقال أبو عبيدة في المجاز المرفوعة العالية تقول بناء مرتفع أي عال وروى بن حبان والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري في قوله وفرش مرفوعة قال ارتفاعها مسيرة خمسمائة عام قال القرطبي معناه أن الفرش الدرجة وهذا القدر ارتفاع قال وقيل المراد بالفرش المرفوعة النساء المرتفعات القدر لحسنهن وجمالهن قوله لغوا باطلا تأثيما كذبا يريد تفسير قوله تعالى لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما وقد وصله أيضا الفريابي عن مجاهد كذلك قوله أفنان أغصان يريد تفسير قوله تعالى ذواتا أفنان وقوله وجنى الجنتين دان ما يجتنى من قريب وصل ذلك الطبري عن مجاهد وعن الضحاك يعني أفنان ألوان من الفاكهة وواحدها على هذا فن وعلى الأول فنن وقوله مدهامتان سوداوان من الري وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ مسوادتان وقال الفراء قوله مدهامتان يعني خضراوان إلى السواد من الري وعن عطية كادتا أن تكونا سوداوين من شدة الري وهما خضراوان إلى السواد ثم ذكر المصنف في الباب ستة عشر حديثا الأول حديث بن عمر في عرض مقعد الميت عليه وقد تقدم شرحه في أواخر الجنائز وهو من أوضح الأدلة على مقصود الترجمة وقوله

[ 3068 ] في آخره فمن أهل النار زاد إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه حتى يبعثه الله يوم القيامة أخرجه الإسماعيلي وقد تقدمت هذه الزيادة أيضا والكلام عليها في الجنائز الثاني حديث أبي رجاء وهو العطاردي عن عمران بن حصين في أكثر أهل الجنة وسيأتي شرحه في كتاب الرقاق مع بيان الاختلاف فيه على أبي رجاء والغرض منه هنا

[ 3069 ] قوله اطلعت في الجنة فإنه يدل على أنها موجودة حالة اطلاعه وهو مقصود الترجمة وسلم بفتح المهملة وسكون اللام وزرير بوزن عظيم أوله زاي بعدها راء وآخره راء أيضا الثالث حديث أبي هريرة في قصة القصر الذي رأى لعمر في الجنة وسيأتي شرحه في مناقبه والغرض منه

[ 3070 ] قوله رأيتني في الجنة وهذا وأن كان مناما لكن رؤيا الأنبياء حق ومن ثم أعمل حكم غيرة عمر حتى أمتنع من دخول القصر وقد روى أحمد من حديث معاذ قال أن عمر من أهل الجنة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ما يرى في يقظته أو نومه سواء وأنه قال بينا أنا في الجنة إذ رأيت فيها جارية فقلت لمن هذه فقيل لعمر بن الخطاب الرابع حديث أبي موسى الخيمة درة مجوفة طولها كذا للأكثر وللسرخسي والمستملي در مجوف طوله وقع عندهما بصيغة المذكر ووجهه أن المقصود معنى الخيمة وهو الشيء الساتر ونحو ذلك وسيأتي شرح هذا الحديث في تفسير سورة الرحمن وقوله وقال أبو عبد الصمد والحارث بن عبيد عن أبي عمران ستون ميلا يعني أنهما رويا هذا الحديث بهذا الإسناد فقالا ستون بدل قول همام ثلاثون وطريق أبي عبد الصمد وهو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي وصلها المؤلف هناك وطريق الحارث بن عبيد وهو بن قدامة وصلها مسلم ولفظه أن للعبد في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلا الحديث الخامس حديث أبي هريرة فيما أعد لأهل الجنة سيأتي شرحه في تفسير سورة السجدة الحديث السادس والسابع حديث أبي هريرة في صفة أهل الجنة أورده من طريقين وقد ذكره من طريق ثالثة سيأتي في هذا الباب أيضا وقد ذكر بعضه في صفة آدم من وجه رابع

[ 3073 ] قوله أول زمرة أي جماعة قوله صورتهم على صورة القمر ليلة البدر أي في الاضاءة وسيأتي بيان ذلك في الرقاق بلفظ يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا تضئ وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر وفي الرواية الثانية هنا والذين على اثرهم كأشد كوكب إضاءة زاد مسلم في رواية أخرى ثم هم بعد ذلك منازل قوله لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون زاد في صفة آدم ولا يبولون ولا يتفلون وفي الرواية الثانية لا يسقمون وقد اشتمل ذلك على نفي جميع صفات النقص عنهم ولمسلم من حديث جابر يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك وكأنه مختصر مما أخرجه النسائي من حديث زيد بن أرقم قال جاء رجل من أهل الكتاب فقال يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم أن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع قال الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى قال تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك وسمى الطبراني في روايته هذا السائل ثعلبة بن الحارث قال بن الجوزي لما كانت اغذية أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ولا فضلة تستقذر بل يتولد عن تلك الأغذية أطيب ريح وأحسنه قوله آنيتهم فيها الذهب زاد في الرواية الثانية والفضة وقال في الامشاط عكس ذلك وكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما عن الآخر فإنه يحتمل أن يكون الصنفان لكل منهم ويحتمل أن يكون أحد الصنفين لبعضهم والآخر للبعض الآخر ويؤيده حديث أبي موسى مرفوعا جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما الحديث متفق عليه ويؤيد الأول ما أخرجه الطبراني بإسناد قوي عن أنس مرفوعا أن أدنى أهل الجنة درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة الحديث تنبيه المشط بتثليث الميم والأفصح ضمها قوله ومجامرهم الألوة الألوة العود الذي يبخر به قيل جعلت مجامرهم نفس العود لكن في الرواية الثانية ووقود مجامرهم الألوة فعلى هذا في رواية الباب تجوز ووقع في رواية الصغاني بعد قوله الألوة قال أبو اليمان يعني العود والمجامر جمع مجمرة وهي المبخرة سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور والالوة بفتح الهمزة ويجوز ضمها وبضم اللام وتشديد الواو وحكى بن التين كسر الهمزة وتخفيف الواو والهمزة اصلية وقيل زائدة قال الأصمعي أراها فارسية عربت وقد يقال أن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها ومن ثم قال الأسماعيلي بعد تخريج الحديث المذكور ينظر هل في الجنة نار ويجاب باحتمال أن يشتعل بغير نار بل بقوله كن وإنما سميت مجمرة باعتبار ما كان في الأصل ويحتمل أن يشتعل بنار لا ضرر فيها ولا احراق أو يفوح بغير اشتعال ونحو ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث بن مسعود مرفوعا أن الرجل في الجنة ليشتهي الطير فيخر بين يديه مشويا وفيه الاحتمالات المذكورة وقد ذكر نحو ذلك بن القيم في الباب الثاني والأربعين من حادي الأرواح وزاد في الطير أو يشوى خارج الجنة أو بأسباب قدرت لانضاجه ولا تتعين النار قال وقريب من ذلك قوله تعالى هم وأزواجهم في ظلال أكلها دائم وظلها وهي لا شمس فيها وقال القرطبي قد يقال أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك قال ويجاب بان نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظمأ أو عرى أو نتن وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية ولا حكمة في ذلك إنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وقال النووي مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا الا ما بينهما من التفاضل في اللذة ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له قوله ولكل واحد منهم زوجتان أي من نساء الدنيا فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة وأن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد رفعه أن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة وقال غريب ومن حديث المقدام بن معد يكرب عنده للشهيد ست خصال الحديث وفيه ويتزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين وفي حديث أبي أمامة عند بن ماجة والدارمي رفعه ما أحد يدخل الجنة الا زوجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين وسبعين وثنتين من أهل الدنيا وسنده ضعيف جدا وأكثر ما وقفت عليه من ذلك ما أخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في البعث من حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه أن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء أو أنه ليفضى إلى أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب وفيه راو لم يسم وفي الطبراني من حديث بن عباس أن الرجل من أهل الجنة ليفضى إلى مائة عذراء وقال بن القيم ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة على زوجتين سوى ما في حديث أبي موسى أن في الجنة للمؤمن لخيمة من لؤلؤة له فيها أهلون يطوف عليهم قلت الحديث الأخير صححه الضياء وفي حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة ثم يدخل عليه زوجتاه والذي يظهر أن المراد أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تنظيرا لقوله جنتان وعينان ونحو ذلك أوالمراد تثنية التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك ولا يخفى ما فيه واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه مسلم من طريق بن سيرين عنه وهو واضح لكن يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم رأيتكن أكثر أهل النار ويجاب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفى أكثريتهن في الجنة لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنها النساء ويحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار يلزم منه أن يكن أقل ساكني الجنة وليس ذلك بلازم لما قدمته ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة والله أعلم تنبيه قال النووي كذا وقع زوجتان بتاء التأنيث وهي لغة تكررت في الحديث والأكثر خلافها وبه جاء القرآن وذكرأبو حاتم السجستاني أن الأصمعي كان ينكر زوجة ويقول إنما هي زوج قال فأنشدناه قول الفرزدق وأن الذي يسعى ليفسد زوجتي لساع إلى أسد الشرا يستنيلها قال فسكت ثم ذكر له شواهد أخرى قوله مخ سوقهما من وراء اللحم في الرواية الثالثة والعظم والمخ بضم الميم وتشديد المعجمة ما في داخل العظم والمراد به وصفها بالصفاء البالغ وأن ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد ووقع عند الترمذي ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها ونحوه لأحمد من حديث أبي سعيد وزاد ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة قوله قلب واحد في رواية الأكثر بالإضافة وللمستملي بالتنوين قلب واحد وهو من التشبيه الذي حذفت اداته أي كقلب رجل واحد وقد فسره بقوله لا تحاسد بنهم ولا اختلاف أي أن قلوبهم طهرت عن مذموم الأخلاق قوله يسبحون الله بكرة وعشيا أي قدرهما قال القرطبي هذا التسبيح ليس عن تكليف والزام وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه فجعل تنفسهم تسبيحا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه ومن أحب شيئا أكثر من ذكره وقد وقع في خبر ضعيف أن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى فإذا نشرت كانت علامة البكور وإذا طويت كانت علامة العشي

[ 3074 ] قوله في آخر الرواية الثانية قال مجاهد الابكار أول الفجر والعشي ميل الشمس إلى أن أراه تغرب كذا في الأصل وكأن المصنف شك في لفظ تغرب فأدخل قبلها أراه وهو بضم الهمزة أي أظنه فهي جملة معترضة بين أن والفعل وقد وصله عبد بن حميد والطبري وغيره من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ إلى أن تغيب وهو بالمعنى الذي ظنه المصنف قال الطبري الابكار مصدر تقول أبكر فلان في حاجته يبكر ابكارا إذا خرج من بين طلوع الفجر إلى وقت الضحى وأما العشي فمن بعد الزوال قال الشاعر فلا الظل من برد الضحى يستطيعه ولا الفيء من برد العشي يذوق قال والفيء يكون من عند زوال الشمس ويتناهى بمغيبها الحديث الثامن حديث سهل بن سعد في عدد من يدخل الجنة بغير حساب وسيأتي شرحه في الرقاق إن شاء الله تعالى الحديث التاسع حديث أنس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس الحديث وسيأتي شرحه في كتاب اللباس ومضى معظمه في كتاب الهبة والغرض منه هنا ذكر مناديل سعد بن معاذ في الجنة الحديث العاشر حديث البراء بن عازب في ذلك وذكره عقب حديث أنس لأن في حديث أنس تعجب الناس منها وبين ذلك في حديث البراء حيث وقع فيه فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه وسيأتي شرحه أيضا في اللباس إن شاء الله تعالى الحديث الحادي عشر حديث سهل بن سعد موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها وقد تقدم شرحه في أول الجهاد من حديث أنس الحديث الثاني عشر حديث أنس أن في الجنة لشجرة

[ 3079 ] قوله حدثنا روح بن عبد المؤمن هو بفتح الراء وهو بصري مشهور وكذا بقية رجال الإسناد وسعيد هو بن أبي عروبة وليس لروح بن عبد المؤمن في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد أخرجه الترمذي من طريق معمر عن قتادة وزاد في آخر الحديث وأن شئتم فاقرءوا وظل ممدود الحديث الثالث عشر حديث أبي هريرة في ذلك وفيه الزيادة المشار إليها وفيه ولقاب قوس وهذا الأخير تقدم في الجهاد مع الكلام عليه والشجرة المذكورة قال بن الجوزي يقال أنها طوبى قلت وشاهد ذلك في حديث عتبة بن عبد السلمي عند أحمد والطبراني وابن حبان فهذا هو المعتمد خلافا لمن قال إنما نكرت للتنبيه على اختلاف جنسها بحسب شهوات أهل الجنة قوله يسير الراكب أي أي راكب فرض ومنهم من حمله على الوسط المعتدل وقوله في ظلها أي في نعيمها وراحتها ومنه قولهم عيش ظليل وقيل معنى ظلها ناحيتها وأشار بذلك إلى امتدادها ومنه قولهم أنا في ظلك أي ناحيتك قال القرطبي والمحوج إلى هذا التأويل أن الظل في عرف أهل الدنيا ما بقي من حر الشمس وأذاها وليس في الجنة شمس ولا أذى وروى بن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن بن عباس قال الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام من كل نواحيها فيخرج أهل الجنة يتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم اللهو فيرسل الله ريحا فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا الحديث الرابع عشر تقدم في السادس الحديث الخامس عشر حديث البراء لما مات إبراهيم يعني بن النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن له مرضعا في الجنة وقد تقدم الكلام عليه في الجنائز الحديث السادس عشر حديث أبي سعيد في تفاضل أهل الجنة

[ 3083 ] قوله عن صفوان بن سليم عند مسلم في رواية بن وهب عن مالك أخبرني صفوان وهذا من صحيح أحاديث مالك التي ليست في الموطأ ووهم أيوب بن سويد فرواه عن مالك عن زيد بن أسلم بدل صفوان ذكره الدارقطني في الغرائب وكأنه دخل له إسناد حديث في إسناد حديث فإن رواية مالك عن زيد بدل صفوان فهذا السند وقفت عليه في حديث آخر سيأتي في أواخر الرقاق وفي التوحيد قوله عن أبي سعيد في رواية فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه الترمذي وصححه وابن خزيمة ونقل الدارقطني في الغرائب عن الذهلي أنه قال لست أدفع حديث فليح يجوز أن يكون عطاء بن يسار حدث به عن أبي سعيد وعن أبي هريرة انتهى وقد رواه أيوب بن سويد عن مالك فقال عن أبي حازم عن سهل بن سعد ذكره الدارقطني في الغرائب وقال أنه وهم فيه أيضا قلت ولكنه له أصل من حديث سهل بن سعد عند مسلم ويأتي أيضا في باب صفة أهل الجنة والنار في الرقاق من حديث سهل أيضا لكنه مختصر عند الشيخين قوله يتراءون في رواية لمسلم يرون والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتى أن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم وقد بين ذلك في الحديث بقوله لتفاضل ما بينهم قوله الدري هو النجم الشديد الاضاءة وقال الفراء هو النجم العظيم المقدار وهو بضم المهملة وكسر الراء المشددة بعدها تحتانية ثقيلة وقد تسكن وبعدها همزة ومد وقد يكسر أوله على الحالين فتلك أربع لغات ثم قيل أن المعنى مختلف فبالتشديد كأنه منسوب إلى الدر لبياضه وضيائه وبالهمز كأنه مأخوذ من درأ أي دفع لاندفاعه عند طلوعه ونقل بن الجوزي عن الكسائي تثليث الدال قال فبالضم نسبة إلى الدر وبالكسر الجاري وبالفتح اللامع قوله الغابر كذا للأكثر وفي رواية الموطأ الغاير بالتحتانية بدل الموحدة قال عياض كأنه الداخل في الغروب وفي رواية الترمذي الغارب وفي رواية الأصيلي بالمهملة والزاي قال عياض معناه الذي يبعد للغروب وقيل معناه الغائب ولكن لا يحسن هنا لأن المراد أن بعده عن الأرض كبعد غرف الجنة عن ربضها في رأي العين والرواية الأولى هي المشهورة ومعنى الغابر هنا الذاهب وقد فسره في الحديث بقوله من المشرق إلى المغرب والمراد بالأفق السماء وفي رواية مسلم من الأفق من المشرق أو المغرب قال القرطبي من الأولى لابتداء الغاية أو هي للظرفية ومن الثانية مبينة لها وقد قيل أنها ترد لانتهاء الغاية أيضا قال وهو خروج عن أصلها وليس معروفا عند أكثر النحويين قال ووقع في نسخ البخاري إلى المشرق وهو أوضح ووقع في رواية سهل بن سهل عند مسلم كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي واستشكله بن التين وقال إنما تغور الكواكب في المغرب خاصة فكيف وقع ذكر المشرق وهذا مشكل على رواية الغاير بالتحتانية وأما بالموحدة فالغابر يطلق على الماضي والباقي فلا اشكال قوله قال بلى قال القرطبي بلى حرف جواب وتصديق والسياق يقتضي أن يكون الجواب بالاضراب عن الأول وايجاب الثاني فلعلها كانت بل فغيرت ببلى وقوله رجال خبر مبتدأ محذوف تقديره وهم رجال أي تلك المنازل منازل رجال آمنوا قلت حكى بن التين أن في رواية أبي ذر بل بدل بلى ويمكن توجيه بلى بأن التقدير نعم هي منازل الأنبياء بايجاب الله تعالى لهم ذلك ولكن قد يتفضل الله تعالى على غيرهم بالوصول إلى تلك المنازل وقال بن التين يحتمل أن تكون بلى جواب النفي في قولهم لا يبلغها غيرهم وكأنه قال بلى يبلغها رجال غيرهم قوله وصدقوا المرسلين أي حق تصديقهم وإلا لكان كل من آمن بالله وصدق رسله وصل إلى تلك الدرجة وليس كذلك ويحتمل أن يكون التنكير في قوله رجال يشير إلى ناس مخصوصين موصوفين بالصفة المذكورة ولا يلزم أن يكون كل من وصف بها كذلك لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى وكأنه سكت عن الصفة التي اقتضت لهم ذلك والسر فيه أنه قد يبلغها من له عمل مخصوص ومن لا عمل له كان بلوغها إنما هو برحمة الله تعالى وقد وقع في رواية الترمذي من وجه آخر عن أبي سعيد وأن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما وروى الترمذي أيضا عن علي مرفوعا أن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها فقال أعرابي لمن هي يا رسول الله قال هي لمن ألان الكلام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام وقال بن التين قيل أن المعنى إنهم يبلغون درجات الأنبياء وقال الداودي يعني إنهم يبلغون هذه المنازل التي وصف وأما منازل الأنبياء فإنها فوق ذلك قلت وقع في حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله ورسوله هكذا فيه بزيادة الواو العاطفة ففسد تأويل الداودي والله المستعان ويحتمل أن يقال أن الغرف المذكورة لهذه الأمة وأما من دونهم فهم الموحدون من غيرهم أو أصحاب الغرف الذين دخلوا الجنة من أول وهلة ومن دونهم من دخل بالشفاعة ويؤيد الذي قبله قوله في صفتهم هم الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين وتصديق جميع المرسلين إنما يتحقق لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف من قبلهم من الأمم فإنهم وأن كان فيهم من صدق بمن سيجيء من بعده من الرسل فهو بطريق التوقع لا بطريق الواقع والله أعلم

قوله باب صفة أبواب الجنة هكذا ترجم بالصفة ولعله أراد بالصفة العدد أو التسمية فإنه أورد فيه حديث سهل بن سعد مرفوعا في الجنة ثمانية أبواب الحديث وقال فيه قال النبي صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من باب الجنة وأشار بهذا إلى حديث أسنده في الصيام وفي الجهاد من حديث أبي هريرة وفيه فمن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة الحديث وقد سبق شرح حديث سهل بن سعد في الصيام وحديث أبي هريرة فيه وفي الجهاد ويأتي بقية شرحه في فضل أبي بكر إن شاء الله تعالى قوله فيه عبادة كأنه يشير إلى ما وصله هو في ذكر عيسى من أحاديث الأنبياء من طريق جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من شهد أن لا إله إلا الله الحديث وفيه أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء وقد وردت هذه العدة لأبواب الجنة في عدة أحاديث منها حديث أبي هريرة المعلق في الباب ومنها حديث عبادة المعلق فيه أيضا وعن عمر عند أحمد وأصحاب السنن وعن عتبة بن عبد عند الترمذي وابن ماجة وورد في صفة أبواب الجنة أن ما بين المصراعين مسيرة أربعين سنة ومن حديث أبي سعيد ومعاوية بن حيدة ولقيط بن عامر وأحاديث الثلاثة عند أحمد وهي مرفوعة ولها شاهد عند مسلم من حديث عتبة بن غزوان لكنه موقوف تنبيه وقع حديث سهل المسند مقدما على الحديثين المعلقين في رواية أبي ذر ووقع لغيره تأخير المسند عن المعلقين

قوله باب صفة النار وأنها مخلوقة القول فيه كالقول في باب صفة الجنة سواء قوله غساقا يقال غسقت عينه ويغسق الجرح وهذا مأخوذ من كلام أبي عبيدة فإنه قال في قوله تعالى إلا حميما وغساقا الحميم الماء الحار والغساق ما همي وسال يقال غسقت من العين ومن الجرح ويقال عينه تغسق أي تسيل والمراد في الآية ما سأل من أهل النار من الصديد رواه الطبري من قول قتادة ومن قول إبراهيم وعطية بن سعد وغيرهم وقيل من دموعهم أخرجه أيضا من قول عكرمة وغيره وقيل الغساق البارد الذي يحرق ببرده رواه أيضا من قول بن عباس ومجاهد وأبي العالية قال أبو عبيد الهروي من قرأه بالتشديد أراد السائل ومن قرأه بالتخفيف أراد البارد وقيل الغساق المنتن رواه الطبري عن عبد الله بن بريدة وقال أنها بالطخارية وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه الترمذي والحاكم مرفوعا لو أن دلوا من غساق يهراق إلى الدنيا لأنتن أهل الدنيا وأخرج الطبري من حديث عبد الله بن عمر موقوفا الغساق القيح الغليظ لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب لأنتن أهل المشرق قوله وكأن الغساق والغسيق واحد كذا لأبي ذر والغسيق بوزن فعيل ولغيره والغسق بفتحتين قال الطبري في قوله تعالى ومن شر غاسق إذا وقب الغاسق الليل إذا لبس الأشياء وغطاها وإنما أريد بذلك هجومه على الأشياء هجوم السيل وكأن المراد بالآية السائل من الصديد الجامع بين شدة البرد وشدة النتن وبهذا تجتمع الأقوال والله أعلم قوله غسلين كل شيء غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين فعلين من الغسل من الجرح والدبر هو كلام أبي عبيدة في المجاز وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال الغسلين صديد أهل النار والدبر بفتح المهملة والموحدة هو ما يصيب الإبل من الجراحات تنبيه قوله تعالى في هذه الآية ولا طعام إلا من غسلين يعارضه ظاهر قوله تعالى في الآية الأخرى ليس لهم طعام الا من ضريع وجمع بينهما بأن الضريع من الغسلين وهذا يرده ما سيأتي في التفسير أن الضريع نبات وقيل الاختلاف بحسب من يطعم من أهل النار فمن اتصف بالصفة الأولى فطعامه من غسلين ومن اتصف بالثانية فطعامه من ضريع والله أعلم قوله وقال عكرمة حصب جهنم حطب بالحبشية وقال غيره حاصبا الريح العاصف والحاصب ما يرمى به الريح ومنه حصب جهنم يرمى به في جهنم هم حصبها أما قول عكرمة فوصله بن أبي حاتم من طريق عبد الملك بن أبجر سمعت عكرمة بهذا وروى الطبري عن مجاهد مثله لكن لم يقل بالحبشية وروى الفراء عن علي وعائشة أنهما قرآها حطب بالطاء وروى الطبري عن بن عباس أنه قرأها بالضاد المعجمة قال وكأنه أراد أنهم الذين تسجر بهم النار لأن كل شيء هيجت به النار فهو حصب لها وأما قول غيره فقال أبو عبيدة في قوله تعالى أو يرسل عليكم حاصبا أي ريحا عاصفا يحصب وفي قوله حصب جهنم كل شيء ألقيته في النار فقد حصبتها به وروى الطبري عن الضحاك قال في قوله حصب جهنم قال تحصب بهم جهنم وهو الرمي يقول يرمي بهم فيها قوله ويقال حصب في الأرض ذهب والحصب مشتق من حصباء الحجارة روى الطبري عن بن جريج في قوله أو يرسل عليكم حاصبا قال مطر الحجارة قوله صديد قيح ودم قال أبو عبيدة في قوله تعالى ويسقى من ماء صديد قال الصديد القيح والدم قوله خبت طفئت أخرج الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى كلما خبت قال طفئت ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس سكنت ومثله قال أبو عبيدة ورجح لأنهم يقولون للنار إذا سكن لهبها وعلا الجمر رماد خبت فإن طفئ معظم الجمر قالوا خمدت فإن طفئ كله قالوا همدت ولا شك أن نار جهنم لا تطفأ قوله تورون تستخرجون أوريت أوقدت يريد تفسير قوله تعالى أفرأيتم النار التي تورون وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى تورون أي تستخرجون من أوريت قال وأكثر ما يقال وريت قوله للمقوين للمسافرين والقي القفر روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال للمقوين للمسافرين ومن طريق قتادة والضحاك مثله ومن طريق مجاهد قال للمقوين أي المستمتعين المسافر والحاضر وقال الفراء قوله تعالى ومتاعا للمقوين أي منفعة للمسافرين إذا نزلوا بالأرض والأرض القي يعني بكسر القاف والتشديد القفر الذي لا شيء فيه ورجح هذا الطبري واستشهد على ذلك قوله وقال بن عباس صراط الجحيم سواء الجحيم ووسط الجحيم روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال في وسط الجحيم ومن طريق قتادة والحسن مثله قوله لشوبا من حميم يخلط طعامهم ويساط بالحميم روى الطبري من طريق السدي قال في قوله تعالى ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم الشوب الخلط وهو المزج وقال أبو عبيدة تقول العرب كل شيء خلطته بغيره فهو مشوب قوله زفير وشهيق صوت شديد وصوت ضعيف هو تفسير بن عباس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه ومن طريق أبي العالية قال الزفير في الحلق والشهيق في الصدر ومن طريق قتادة قال هو كصوت الحمار أوله زفير وآخره شهيق وقال الداودي الشهيق هو الذي يبقى بعد الصوت الشديد من الحمار قوله وردا عطاشا روى بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا قال عطاشا ومن طريق مجاهد قال منقطعة أعناقهم من الظمأ وقوله وردا هو مصدر وردت والتقدير ذوي ورد وهذا ينافي العطش لكن لا يلزم من الورود على الماء الوصول إلى تناوله فسيأتي في حديث الشفاعة إنهم يشكون العطش فترفع لهم جهنم سراب ماء فيقال الا تردون فيردونها فيتساقطون فيها قوله غيا خسرانا أخرجه بن أبي حاتم من هذا الوجه في قوله تعالى فسوف يلقون غيا قال خسرانا وروى بن أبي حاتم من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه في هذه الآية قال واد في جهنم بعيد القصر خبيث الطعم قوله وقال مجاهد يسجرون توقد لهم النار كذا في رواية أبي ذر ولغيره بهم وهو أوضح وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد به قوله ونحاس الصفر يصب على رءوسهم أخرجه عبد بن حميد من طريق منصور عن مجاهد في قوله تعالى يرسل عليكما شواظ من نار قال قطعة من نار حمراء ونحاس قال يذاب الصفر فيصب على رءوسهم قوله يقال ذوقوا باشروا وجربوا وليس هذا من ذوق الفم لم أر هذا لغير المصنف وهو كما قال والذوق يطلق ويراد به حقيقته وهو ذوق الفم ويطلق ويراد به الذوق المعنوي وهو الإدراك وهو المراد في قوله ذوقوا ما كنتم تعملون وقوله ذلكم فذوقوه وقوله ذق انك أنت العزيز الكريم وكذلك في قوله لا يذوقون فيها الموت وبلغني عن بعض علماء العصر أنه فسره هنا بمعنى التخيل وجعل الاستثناء متصلا وهو دقيق وروى بن أبي حاتم من طريق أبي برزة الأسلمي مرفوعا والطبري من حديث عبد الله بن عمرو موقوفا لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية فذوقوا فلن نزيدكم الا عذابا قوله مارج خالص من النار روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى وخلق الجان من مارج من نار قال من خالص النار ومن طريق الضحاك عن بن عباس قال خلقت الجن من مارج وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت وسيأتي قول مجاهد في ذلك في تفسير سورة الرحمن إن شاء الله تعالى وقال الفراء المارج نار دون الحجاب ويروى خلق السماء منها ومنها هذه الصواعق قوله مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو بعضهم على بعض فهم في أمر مريج أمر ملتبس ومرج أمر الناس اختلط في رواية الكشميهني أمر منتشر وهو تصحيف قال أبو عبيدة في قوله تعالى فهم في أمر مريج أي مختلط يقال مرج أمر الناس أي اختلط وأهمل وروى الطبري عن بن عباس في قوله تعالى فهم في أمر مريج قال مختلط ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد قال ملتبس ومن طريق قتادة قال من ترك الحق مرج عليه رأيه والتبس عليه دينه قوله مرج البحرين مرجت رابتك تركتها قال أبو عبيدة في قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما هو كقولك مرجت دابتك خليت عنها وتركتها وقال الفراء قوله مرج البحرين يلتقيان قال ارسلهما ثم يلتقيان بعد وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال المراد بالبحرين هنا بحر السماء والأرض يلتقيان كل عام ومن طريق سعيد بن جبير وابن أبزى مثله ومن طريق قتادة والحسن قال هما بحرا فارس والروم قال الطبري والأول أولى لأنه سبحانه وتعالى قال بعد ذلك يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج اللؤلؤ من أصداف بحر الأرض عن قطر السماء قلت وفي هذا دفع لمن جزم بأن المراد بهما البحر الحلو والبحر الملح وجعل قوله منهما من مجاز التغليب ثم ذكر المصنف في الباب عشرة أحاديث الأول حديث أبي ذر في الأمر بالإبراد وفيه قصة وقد تقدم شرحه في المواقيت من كتاب الصلاة والغرض منه

[ 3085 ] قوله فإن شدة الحر من فيح جهنم الثاني حديث أبي سعيد في ذلك وليس فيه قصة وقد تقدم كذلك الثالث حديث أبي هريرة اشتكت النار إلى ربها الحديث وقد تقدم كذلك وهذه الأحاديث من أقوى الأدلة على ما ذهب إليه الجمهور من أن جهنم موجودة الآن الرابع حديث بن عباس في أن الحمى من فيح جهنم الخامس حديث رافع بن خديج في ذلك السادس حديث عائشة في ذلك السابع حديث بن عمر في ذلك وسيأتي شرح الجميع في الطب إن شاء الله تعالى الثامن حديث أبي هريرة

[ 3092 ] قوله ناركم جزء زاد مسلم في روايته جزء واحد قوله من سبعين جزءا في رواية لأحمد من مائة جزء والجمع بأن المراد المبالغة في الكثرة لا العدد الخاص أو الحكم للزائد زاد الترمذي من حديث أبي سعيد لكل جزء منها حرها قوله أن كانت لكافية أن هي المخففة من الثقيلة أي أن نار الدنيا كانت مجزئة لتعذيب العصاة قوله فضلت عليهن كذا هنا والمعنى على نيران الدنيا وفي رواية مسلم فضلت عليها أي على النار قال الطيبي ما محصله إنما أعاد صلى الله عليه وسلم حكاية تفضيل نار جهنم على نار الدنيا إشارة إلى المنع من دعوى الأجزاء أي لا بد من الزيادة ليتميز ما يصدر من الخالق من العذاب على ما يصدر من خلقه قوله مثل حرها زاد أحمد وابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة وضربت بالبحر مرتين ولولا ذلك ما انتفع بها أحد ونحوه للحاكم وابن ماجة عن أنس وزادا فإنها لتدعو الله أن لا يعيدها فيها وفي الجامع لابن عيينة عن بن عباس رضي الله عنهما هذه النار ضربت بماء البحر سبع مرات ولولا ذلك ما انتفع بها أحد التاسع حديث يعلى بن أمية وقد تقدمت الإشارة إليه في باب الملائكة العاشر حديث أسامة بن زيد

[ 3094 ] قوله لو أتيت فلانا فكلمته هو عثمان كما في صحيح مسلم وسيأتي بيان ذلك وبيان السبب فيه في كتاب الفتن وكذا طريق غندر عن شعبة التي علقها المصنف هنا فقد وصلها هناك والله أعلم

قوله باب صفة إبليس وجنوده إبليس اسم اعجمي عند الأكثر وقيل مشتق من ابلس إذا أيئس قال بن الأنباري لو كان عربيا لصرف كاكليل وقال الطبري إنما لم يصرف وأن كان عربيا لقلة نظيره في كلام العرب فشبهوه بالعجمي وتعقب بأن ذلك ليس من موانع الصرف وبأن له نظائر كاخريط واضليت واستبعد كونه مشتقا أيضا بأنه لو كان كذلك لكان إنما سمي إبليس بعد يأسه من رحمة الله بطرده ولعنه وظاهر القرآن أنه كان يسمى بذلك قبل ذلك كذا قيل ولا دلالة فيه لجواز أن يسمى بذلك باعتبار ما سيقع له نعم روى الطبري وابن أبي الدنيا عن بن عباس قال كان اسم إبليس حيث كان مع الملائكة عزازيل ثم إبليس بعد وهذا يؤيد ذلك القول والله أعلم ومن أسمائه الحارث والحكم وكنيته أبو مرة وفي كتاب ليس لابن خالويه كنيته أبو الكروبيين وقوله وجنوده كأنه يشير بذلك إلى حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا قال إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول من أضل مسلما ألبسته التاج الحديث أخرجه بن حبان والحاكم والطبراني ولمسلم من حديث جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة واختلف هل كان من الملائكة ثم مسخ لما طرد أو لم يكن منهم أصلا على قولين مشهورين سيأتي بيانهما في التفسير إن شاء الله تعالى قوله وقال مجاهد ويقذفون يرمون دحورا مطرودين يريد تفسير قوله تعالى ويقذفون من كل جانب دحورا الآية وقد وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد كذلك وهذه صفة من يسترق السمع من الشياطين وسيأتي بيانه في التفسير أيضا قوله وقال بن عباس مدحورا مطرودا يريد تفسير قوله تعالى فتلقى في جهنم ملوما مدحورا وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة وإنما ذكره البخاري هنا استطرادا لذكره دحورا قبله وأن كان لا يتعلق بابليس وجنوده قوله ويقال مريدا متمردا هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى وان يدعون الا شيطانا مريدا أي متمردا قوله بتكه قطعه قال أبو عبيدة في قوله فليبتكن آذان الانعام أي ليقطعن يقال بتكه قطعه قوله واستفزز استخف بخيلك الفرسان والرجل الرجالة وأحدها راجل مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر هو كلام أبي عبيدة أيضا قوله لاحتنكن لاستاصلن قال أبو عبيدة في قوله تعالى لاحتنكن ذريته الا قليلا يقول لاستميلنهم ولاستأصلنهم يقال احتنك فلان ما عند فلان إذا أخذ جميع ما عنده قوله قرين شيطان روى بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى قال قائل منهم إني كان لي قرين قال شيطان وعن غير مجاهد خلافه وروى الطبري عن مجاهد والسدي في قوله تعالى وقيضنا لهم قرناء قال شياطين ثم ذكر المصنف في الباب سبعة وعشرين حديثا الأول حديث عائشة قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وسيأتي شرحه في كتاب الطب ووجه إيراده هنا من جهة أن السحر إنما يتم باستعانة الشياطين على ذلك وسيأتي إيضاح ذلك هناك وقد أشكل ذلك على بعض الشراح

[ 3095 ] قوله وقال الليث كتب إلي هشام بن عروة الخ رويناه موصولا في نسخة عيسى بن حماد رواية أبي بكر بن أبي داود عنه الحديث الثاني حديث أبي هريرة في عقد الشيطان على رأس النائم تقدم شرحه في صلاة الليل وأخو إسماعيل هو أبو بكر عبد الحميد بن أبي أويس ووهم من سماه عبد الله الحديث الثالث حديث بن مسعود في بول الشيطان في أذن النائم عن الصلاة تقدم شرحه في صلاة الليل أيضا الحديث الرابع حديث بن عباس في الندب إلى التسمية عند الجماع يأتي شرحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث بن عمر في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس تقدم شرحه في الصلاة والقائل لا أدري أي ذلك قال هشام هو عبدة بن سليمان الراوي عنه وقوله

[ 3099 ] حاجب الشمس هو طرف قرصها الذي يبدو عند طلوع الشمس ويبقى عند الغروب وقرنا الشيطان جانبا رأسه يقال أنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وكذا عند غروبها وعلى هذا فقوله تطلع بين قرني الشيطان أي بالنسبة إلى من يشاهد الشمس عند طلوعها فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها وقد تمسك به من رد على أهل الهيئة القائلين بأن الشمس في السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء ولا حجة فيه لما ذكرنا والحق أن الشمس في الفلك الرابع والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة ومحمد شيخ البخاري فيه هو بن سلام ثبت كذلك عند بن السكن وبه جزم أبو نعيم والجياني السادس حديث أبي سعيد في الإذن بقتل المار بين يدي المصلي تقدم شرحه في الصلاة السابع حديث أبي هريرة في حفظ زكاة رمضان تقدم شرحه في كتاب الوكالة الثامن حديث يأتي الشيطان

[ 3102 ] قوله من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته أي عن الاسترسال معه في ذلك بل يلجأ إلى الله في دفعه ويعلم أنه يريد افساد دينه وعقله بهذه الوسوسة فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها قال الخطابي وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع قال وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان قال والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضى بالمرء إلى الحيرة نعوذ بالله من ذلك قال الخطابي على أن قوله من خلق ربك كلام متهافت ينقض آخره أوله لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل وهو محال وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات انتهى والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه نظر لأنه ثبت في مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله فسوى في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال سألني عنها اثنان وكان السؤال عن ذلك لما كان واهيا لم يستحق جوابا أو الكف عن ذلك نظير الأمر بالكف عن الخوض في الصفات والذات قال المازري الخواطر على قسمين فالتي لا تستقر ولا يجلبها شبهة هي التي تندفع بالاعراض عنها وعلى هذا ينزل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم وسوسة وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي التي لا تندفع الا بالنظر والاستدلال وقال الطيبي إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج لأن العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء الا حيرة ومن هذا حاله فلا علاج له الا الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به وفي الحديث إشارة إلى ذم كثرة السؤال عما لا يعني المرء وعما هو مستغن عنه وفيه علم من أعلام النبوة لاخباره بوقوع ما سيقع فوقع وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى الحديث التاسع حديث أبي هريرة إذا دخل رمضان صفدت الشياطين تقدم شرحه في الصيام العاشر حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر سيأتي شرحه في التفسير الحديث الحادي عشر حديث بن عمر في طلوع الفتنة من قبل المشرق سيأتي شرحه في الفتن وحاصله أن منشأ الفتن من جهة المشرق وكذا وقع الثاني عشر حديث جابر ومحمد بن عبد الله الأنصاري المذكور في السند هو من شيوخ البخاري وحدث عنه هنا بواسطة

[ 3106 ] قوله إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل في رواية الكشميهني أو قال جنح الليل وهو بضم الجيم وبكسرها والمعنى اقباله بعد غروب الشمس يقال جنح الليل أقبل واستجنح حان جنحه أو وقع وحكى عياض أنه وقع في رواية أبي ذر استنجع بالعين المهملة بدل الحاء وهو تصحيف وعند الأصيلي أول الليل بدل قوله أو كان جنح الليل وكان في قوله وكان جنح الليل تامة أي حصل قوله فخلوهم كذا للأكثر بفتح الخاء المعجمة وللسرخسي بضم الحاء المهملة قال بن الجوزي إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبا والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره وكذلك كل سواد ولهذا قال في حديث أبي ذر فما يقطع الصلاة قال الكلب الأسود شيطان أخرجه مسلم قوله وأغلق بابك هو خطاب لمفرد والمراد به كل أحد فهو عام بحسب المعنى ولا شك أن مقابلة المفرد بالمفرد تفيد التوزيع وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى الثالث عشر حديث صفية تقدم في الاعتكاف وفيه أن الله جعل للشيطان قوة على التوصل الى باطن الإنسان وقيل ورد على سبيل الاستعارة أي أن وسوسته تصل في مسام البدن مثل جرى الدم من البدن الرابع عشر حديث سليمان بن صرد في الاستعاذة يأتي في الأدب والودج بفتح الدال وبالجيم عرق في العنق الخامس عشر حديث بن عباس تقدم في الرابع وقوله

[ 3109 ] قال وحدثنا الأعمش قائل ذلك هو شعبة فله فيه شيخان السادس عشر حديث أبي هريرة قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وقد تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في أواخر الصلاة وقوله

[ 3110 ] هنا فذكره أي ذكر تمام الحديث وتمامه هناك فدعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية الحديث وقد تقدم هناك شرح قوله فدعته ويأتي الكلام على بقية فوائده في أحاديث الأنبياء في ترجمة سليمان عليه السلام ويأتي الكلام على إمكان رؤية الجن في أول الباب الذي يلي هذا وفي الحديث إباحة ربط من خشي هربه ممن في قتله حق وفيه إباحة العمل اليسير في الصلاة وأن المخاطبة فيها إذا كانت بمعنى الطلب من الله لا تعد كلاما فلا يقطع الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق هذا الحديث أعوذ بالله منك كما سيأتي إن شاء الله تعالى الحديث السابع عشر حديث أبي هريرة إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وقد تقدم شرحه في أواخر الصلاة في الكلام على سجود السهو الحديث الثامن عشر حديثه كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بإصبعيه وسيأتي شرحه في ترجمة عيسى بن مريم من أحاديث الأنبياء وقوله

[ 3112 ] في جنبه كذا للأكثر بالإفراد ولأبي ذر الجرجاني جنبيه بالتثنية وذكر عياض أن في كتابه من رواية الأصيلي جنبه بالإفراد لكن بياء مثناة من تحت بدل الموحدة قال وهو تصحيف قلت لعل نقطته سقطت من القلم فلا ينبغي أن يعد ذلك رواية والله المستعان والمراد بالحجاب الجلدة التي فيها الجنين أو الثوب الملفوف على الطفل الحديث التاسع عشر حديث أبي الدرداء في فضل عمار أورده مختصرا جدا من وجهين وسيأتي بتمامه في المناقب والغرض منه

[ 3113 ] قوله الذي أجاره الله من الشيطان فإنه يشعر بأن له مزية بذلك على غيره ومقتضاه أن للشيطان تسلطا على من لم يجره الله منه الحديث العشرون حديث عائشة في ذكر الكهان أورده معلقا عن الليث وقد تقدمت الإشارة إليه في صفة الملائكة وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي صالح كاتب الليث عنه وقال يقال أن البخاري حمله عن عبد الله بن صالح الحديث الحادي والعشرون حديث أبي هريرة في التثاؤب وسيأتي شرحه في الأدب وبيان الاختلاف فيه على سعيد المقبري هل هو عنده عن أبي هريرة بلا واسطة أو بواسطة أبيه الحديث الثاني والعشرون حديث عائشة في قصة قتل والد حذيفة وسيأتي شرحها في غزوة أحد الحديث الثالث والعشرون حديثها في الالتفات في الصلاة وقد تقدم شرحه في الصلاة الحديث الرابع والعشرون حديث أبي قتادة الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان الحديث وأورده من وجهين وسيأتي شرحه في التعبير وفائدة الطريق الثانية وأن كانت الأولى أعلى منها التصريح فيها بتحديث عبد الله بن أبي قتادة ليحيى بن أبي كثير الحديث الخامس والعشرون حديث أبي هريرة في فضل قول لا إله إلا الله وسيأتي شرحه في الدعوات الحديث السادس والعشرون حديث سعد استأذن عمر على النبي صلى الله علي وسلم وعنده نسوة الحديث وسيأتي شرحه في المناقب الحديث السابع والعشرون حديث أبي هريرة في الأمر بالاستنثار وفيه فإن الشيطان يبيت على خيشومه والخيشوم بفتح الخاء المعجمة وبسكون الياء التحتانية وضم المعجمة وسكون الواو هو الأنف وقيل المنخر وقوله فليستنثر أكثر فائدة من قوله فليستنشق لأن الاستنثار يقع على الاستنشاق بغير عكس فقد يستنشق ولا يستنثر والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق لأن حقيقة الاستنشاق جذب الماء بريح الأنف إلى أقصاه والاستنثار إخراج ذلك الماء والمقصود من الاستنشاق تنظيف داخل الأنف والاستنثار يخرج ذلك الوسخ مع الماء فهو من تمام الاستنشاق وقيل أن الاستنثار مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف وقيل الأنف نفسه فعلى هذا فمن استنشق فقد استنثر لأنه يصدق أنه تناول الماء بأنفه أو بطرف أنفه وفيه نظر ثم أن ظاهر الحديث أن هذا يقع لكل نائم ويحتمل أن يكون مخصوصا بمن لم يحترس من الشيطان بشيء من الذكر لحديث أبي هريرة المذكور قبل حديث سعد فإن فيه فكانت له حرزا من الشيطان وكذلك آية الكرسي وقد تقدم فيه ولا يقربك شيطان ويحتمل أن يكون المراد بنفي القرب هنا أنه لا يقرب من المكان الذي يوسوس فيه وهو القلب فيكون مبيته على الأنف ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ فمن استنثر منعه من التوصل إلى ما يقصد من الوسوسة فحينئذ فالحديث متناول لكل مستيقظ ثم أن الاستنشاق من سنن الوضوء اتفاقا لكل من استيقظ أو كان مستيقظا وقالت طائفة بوجوبه في الغسل وطائفة بوجوبه في الوضوء أيضا وهل تتأدى السنة بمجرده بغير استنثار أم لا خلاف وهو محل بحث وتأمل والذي يظهر أنها لا تتم الا به لما تقدم والله أعلم

قوله باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم أشار بهذه الترجمة إلى اثبات وجود الجن وإلى كونهم مكلفين فأما اثبات وجودهم فقد نقل إمام الحرمين في الشامل عن كثير من الفلاسفة والزنادقة والقدرية إنهم أنكروا وجودهم رأسا قال ولا يتعجب ممن أنكر ذلك من غير المشرعين إنما العجب من المشرعين مع نصوص القرآن والأخبار المتواترة قال وليس في قضية العقل ما يقدح في اثباتهم قال وأكثر ما استروح إليه من نفاهم حضورهم عند الإنس بحيث لا يرونهم ولو شاءوا لأبدوا أنفسهم قال وإنما يستبعد ذلك من لم يحط علما بعجائب المقدورات وقال القاضي أبو بكر وكثير من هؤلاء يثبتون وجودهم وينفونه الآن ومنهم من يثبتهم وينفي تسلطهم على الأنس وقال عبد الجبار المعتزلي الدليل على اثباتهم السمع دون العقل إذ لا طريق إلى اثبات اجسام غائبة لأن الشيء لا يدل على غيره من غير أن يكون بينهما تعلق ولو كان اثباتهم باضطرار لما وقع الاختلاف فيه الا أنا قد علمنا بالاضطرار أن النبي صلى الله علي وسلم كان يتدين باثباتهم وذلك أشهر من أن يتشاغل بإيراده وإذا ثبت وجودهم فقد تقدم في أوائل صفة النار تفسير قوله تعالى وخلق الجان من مارج من نار واختلف في صفتهم فقال القاضي أبو بكر الباقلاني قال بعض المعتزلة الجن أجساد رقيقة بسيطة قال وهذا عندنا غير ممتنع أن ثبت به سمع وقال أبو يعلى بن الفراء الجن أجسام مؤلفة وأشخاص ممثلة يجوز أن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة خلافا للمعتزلة في دعواهم أنها رقيقة وأن امتناع رؤيتنا لهم من جهة رقتها وهو مردود فإن الرقة ليست بمانعة عن الرؤية ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا ادراكها وروى البيهقي في مناقب الشافعي بإسناده عن الربيع سمعت الشافعي يقول من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته الا أن يكون نبيا انتهى وهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها وأما من ادعى أنه يرى شيئا منهم بعد أن يتطور على صور شتى من الحيوان فلا يقدح فيه وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور واختلف أهل الكلام في ذلك فقيل هو تخييل فقط ولا ينتقل أحد عن صورته الأصلية وقيل بل ينتقلون لكن لا باقتدارهم على ذلك بل بضرب من الفعل إذا فعله انتقل كالسحر وهذا قد يرجع إلى الأول وفيه أثر عن عمر أخرجه بن أبي شيبة بإسناد صحيح أن الغيلاني ذكروا عند عمر فقال أن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم ذلك فأذنوا وإذا ثبت وجودهم فقد اختلف في أصلهم فقيل أن أصلهم من ولد إبليس فمن كان منهم كافرا سمي شيطانا وقيل أن الشياطين خاصة أولاد إبليس ومن عداهم ليسوا من ولده وحديث بن عباس الآتي في تفسير سورة الجن يقوي أنهم نوع واحد من أصل واحد واختلف صنفه فمن كان كافرا سمي شيطانا وإلا قيل له جني وأما كونهم مكلفين فقال بن عبد البر الجن عند الجماعة مكلفون وقال عبد الجبار لا نعلم خلافا بين أهل النظر في ذلك الا ما حكى زرقان عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وليسوا بمكلفين قال والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم وما أعد لهم من العذاب وهذه الخصال لا تكون الا لمن خالف الأمر وارتكب النهي مع تمكنه من أن لا يفعل والآيات والأخبار الدالة على ذلك كثيرة جدا وإذا تقرر كونهم مكلفين فقد اختلفوا هل كان فيهم نبي منهم أم لا فروى الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم اثبات ذلك قال ومن قال بقول الضحاك احتج بان الله تعالى أخبر أن من الجن والأنس رسلا أرسلوا إليهم فلو جاز أن المراد برسل الجن رسل الإنس لجاز عكسه وهو فاسد انتهى وأجاب الجمهور عن ذلك بأن معنى الآية أن رسل الإنس رسل من قبل الله إليهم ورسل الجن بثهم الله في الأرض فسمعوا كلام الرسل من الإنس وبلغوا قومهم ولهذا قال قائلهم انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى الآية واحتج بن حزم بأنه صلى الله عليه وسلم قال وكان النبي يبعث إلى قومه قال وليس الجن من قوم الإنس فثبت أنه كان منهم أنبياء إليهم قال ولم يبعث إلى الجن من الإنس نبي الا نبينا صلى الله عليه وسلم لعموم بعثته إلى الجن والأنس باتفاق انتهى وقال بن عبد البر لا يختلفون أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن وهذا مما فضل به على الأنبياء ونقل عن بن عباس في قوله تعالى في سورة غافر ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات قال هو رسول الجن وهذا ذكره وقال إمام الحرمين في الإرشاد في أثناء الكلام مع العيسوية وقد علمنا ضرورة أنه صلى الله عليه وسلم ادعى كونه مبعوثا إلى الثقلين وقال بن تيمية اتفق على ذلك علماء السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين قلت وثبت التصريح بذلك في حديث وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الإنس والجن فيما أخرجه البزار بلفظ وعن بن الكلبي كان النبي يبعث إلى الإنس فقط وبعث محمد إلى الإنس والجن وإذا تقرر كونهم مكلفين فهم مكلفون بالتوحيد وأركان الإسلام وأما ما عداه من الفروع فاختلف فيه لما ثبت من النهي عن الروث والعظم وأنهما زاد الجن وسيأتي في السيرة النبوية حديث أبي هريرة وفي آخره فقلت ما بال الروث والعظم قال هما طعام الجن الحديث فدل على جواز تناولهم للروث وذلك حرام على الإنس وكذلك روى أحمد والحاكم من طريق عكرمة عن بن عباس قال خرج رجل من خيبر فتبعه رجلان وآخر يتلوهما يقول ارجعا حتى ردهما ثم لحقه فقال له أن هذين شيطانان فإذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئ عليه السلام وأخبره أنا في جمع صدقاتنا ولو كانت تصلح له لبعثنا بها إليه فلما قدم الرجل المدينة أخبر النبي صلى الله علي وسلم بذلك فنهى عن الخلوة أي السفر منفردا واختلف أيضا هل يأكلون ويشربون ويتناكحون أم لا فقيل بالنفي وقيل بمقابله ثم اختلفوا فقيل أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع وهو مردود بما رواه أبو داود من حديث أمية بن مخشى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يأكل ولم يسم ثم سمى في آخره فقال النبي صلى الله علي وسلم ما زال الشيطان يأكل معه فلما سمى استقاء ما في بطنه وروى مسلم من حديث بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكلن أحدكم بشماله ويشرب بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وروى بن عبد البر عن وهب بن منبه أن الجن أصناف فخالصهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون وجنس منهم يقع منهم ذلك ومنهم السعالى والغول والقطرب وهذا أن ثبت كان جامعا للقولين الأولين ويؤيده ما روى بن حبان والحاكم من حديث أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن على ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وعقارب وصنف يحلون ويظعنون وروى بن أبي الدنيا من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه لكن قال في الثالث وصنف عليم الحساب والعقاب وسيأتي شيء من هذا في الباب الذي يليه وروى بن أبي الدنيا من طريق يزيد بن يزيد بن جابر أحد ثقات الشاميين من صغار التابعين قال ما من أهل بيت الا وفي سقف بيتهم من الجن وإذا وضع الغداء نزلوا فتغدوا معهم والعشاء كذلك واستدل من قال بأنهم يتناكحون بقوله تعالى لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان وبقوله تعالى أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني والدلالة من ذلك ظاهرة واعتل من أنكر ذلك بأن الله تعالى أخبر أن الجان خلق من نار وفي النار من اليبوسة والخفة ما يمنع معه التوالد والجواب أن أصلهم من النار كما أن أصل الآدمي من التراب وكما أن الآدمي ليس طينا حقيقة كذلك الجني ليس نارا حقيقة وقد وقع في الصحيح في قصة تعرض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فأخذته فخنقته حتى وجدت برد ريقه على يدي قلت وبهذا الجواب يندفع إيراد من استشكل قوله تعالى الا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب فقال كيف تحرق النار النار وأما قول المصنف وثوابهم وعقابهم فلم يختلف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي واختلف هل يثابون فروى الطبري وابن أبي حاتم من طريق أبي الزناد موقوفا قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال الله لمؤمن الجن وسائر الأمم أي من غير الإنس كونوا ترابا فحينئذ يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وروى بن أبي الدنيا عن ليث بن أبي سليم قال ثواب الجن أن يجاروا من النار يقال لهم كونوا ترابا وروى عن أبي حنيفة نحو هذا القول وذهب الجمهور إلى أنهم يثابون على الطاعة وهو قول الأئمة الثلاثة والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهم ثم اختلفوا هل يدخلون مدخل الإنس على أربعة أقوال أحدها نعم وهو قول الأكثر وثانيها يكونون في ربض الجنة وهو منقول عن مالك وطائفة وثالثها أنهم أصحاب الأعراف ورابعها التوقف عن الجواب في هذا وروى بن أبي حاتم من طريق أبي يوسف قال قال بن أبي ليلى في هذا لهم ثواب قال فوجدنا مصداق ذلك في كتاب الله تعالى ولكل درجات مما عملوا قلت وإلى هذا أشار المصنف بقوله قبلها يا معشر الجن ألم يأتكم رسل منكم فإن قوله ولكل درجات مما عملوا يلي الآية التي بعد هذه الآية واستدل بهذه الآية أيضا بن عبد الحكم واستدل بن وهب بمثل ذلك بقوله تعالى أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والأنس الآية فإن الآية بعدها أيضا ولكل درجات مما عملوا وروى أبو الشيخ في تفسيره عن مغيث بن سمى أحد التابعين قال ما من شيء الا وهو يسمع زفير جهنم الا الثقلين الذين عليهم الحساب والعقاب ونقل عن مالك أنه استدل على أن عليهم العقاب ولهم الثواب بقوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان ثم قال فبأي آلاء ربكما تكذبان والخطاب للإنس والجن فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين والمؤمن من شأنه أن يخاف مقام ربه ثبت المطلوب والله أعلم قوله بخسا نقصانا يريد تفسير قوله تعالى حكاية عن الجن فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا قال يحيى الفراء البخس النقص والرهق الظلم ومفهوم الآية أن من يكفر فإنه يخاف فدل ذلك على ثبوت تكليفهم قوله وقال مجاهد وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا الخ وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد به وفيه فقال أبو بكر فمن أمهاتهم قالوا بنات سروات الجن الخ وفيه قال علمت الجن أنهم سيحضرون للحساب قلت وهذا الكلام الأخير هو المتعلق بالترجمة وسروات بفتح المهملة والراء جمع سرية بتخفيف الراء أي شريفة ووقع هنا في رواية أبي ذر وأمهاتهن ولغيره وأمهاتهم وهو أصوب ووقع أيضا لغير الكشميهني جند محضرون بالافراد روايته أشبه قوله جند محضرون عند الحساب وصله الفريابي أيضا بالإسناد المذكور عن مجاهد ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس الا شهد له وقد تقدم مشروحا في كتاب الأذان والغرض منه هنا أنه يدل على أن الجن يحشرون يوم القيامة والله أعلم

قوله أولئك في ضلال مبين مصرفا معدلا صرفنا أي وجهنا قوله باب قوله عز وجل وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن إلى قوله أولئك في ضلال مبين سيأتي القول في تعيينهم وتعيين بلدهم في التفسير إن شاء الله تعالى قوله صرفنا أي وجهنا هو تفسير المصنف وقوله مصرفا معدلا هو تفسير أبي عبيدة واستشهد بقول أبي كبير بالموحدة الهذلي أزهير هل عن ميتة من مصرف أم لا خلود لباذل متكلف تنبيه لم يذكر المصنف في هذا الباب حديثا واللائق به حديث بن عباس الذي تقدم في صفة الصلاة في توجه النبي صلى الله علي وسلم إلى عكاظ واستماع الجن لقراءته وسيأتي شرحه بتمامه في التفسير إن شاء الله تعالى وقد أشار إليه المصنف بالآية التي صدر بها هذا الباب

قوله باب قول الله تعالى وبث فيها من كل دابة كأنه أشار إلى سبق خلق الملائكة والجن على الحيوان أو سبق جميع ذلك على خلق آدم والدابة لغة ما دب من الحيوان واستثنى بعضهم الطير لقوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه والأول أشهر لقوله تعالى ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها وعرفا ذوات الأربع وقيل يختص بالفرس وقيل بالحمار والمراد هنا المعنى اللغوي وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن خلق الدواب كان يوم الأربعاء وهو دال على أن ذلك قبل خلق آدم قوله قال بن عباس الثعبان الحية الذكر وصله بن أبي حاتم من طريقه وقيل الثعبان الكبير من الحيات ذكرا كان أو أنثى قوله يقال الحيات أجناس الجان والافاعي والأساود في رواية الأصيلي الجان أجناس قال عياض الأول هو الصواب قلت هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير سورة القصص قال في قوله كأنها جان وفي قوله حية تسعى كأنها جان من الحيات أو من حية الجان فجرى على أن ذلك شيء واحد وقيل كانت العصا في أول الحال جانا وهي الحية الصغيرة ثم صارت ثعبانا فحينئذ ألقى العصا وقيل اختلف وصفها باختلاف أحوالها فكانت كالحية في سعيها وكالجان في حركتها وكالثعبان في ابتلاعها والافاعي جمع أفعى وهي الأنثى من الحيات والذكر منها أفعوان بضم الهمزة والعين وكنية الأفعوان أبو حيان وأبو يحيى لأنه يعيش ألف سنة وهو الشجاع الأسود الذي يواثب الإنسان ومن صفة الأفعى إذا فقئت عينها عادت ولا تغمض حدقتها البتة والاساود جمع أسود قال أبو عبيد هي حية فيها سواد وهي أخبث الحيات ويقال له أسود سالخ لأنه يسلخ جلده كل عام وفي سنن أبي داود والنسائي عن بن عمر مرفوعا أعوذ بالله من أسد وأسود وقيل هي حية رقيقة رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس وربما كانت ذات قرنين والهاء في الحية للوحدة كدجاجة وقد عد لها بن خالويه في كتاب ليس سبعين اسما قوله آخذ بناصيتها في ملكه وسلطانه قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها أي في قبضته وملكه وسلطانه وخص الناصية بالذكر على عادة العرب في ذلك تقول ناصية فلان في يد فلان إذا كان في طاعته ومن ثم كانوا يجزون ناصية الأسير إذا أطلقوه قوله ويقال صافات بسط أجنحتهن وقوله يقبضن يضربن بأجنحتهن هو قول أبي عبيدة أيضا قال في قوله تعالى أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات أي باسطات أجنحتهن و يقبضن يضربن بأجنحتهن وروى بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى صافات قال بسط أجنحتهن ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الأول حديث أبي لبابة قوله واقتلوا ذا الطفيتين تثنية طفية بضم الطاء المهملة وسكون الفاء وهي خوصة المقل والطفي خوص المقل شبة به الخط الذي على ظهر الحية وقال بن عبد البر يقال أن ذا الطفيتين جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان

[ 3123 ] قوله والأبتر هو مقطوع الذنب زاد النضر بن شميل أنه أزرق اللون لا تنظر إليه حامل الا ألقت وقيل الأبتر الحية القصيرة الذنب قال الداودي هو الأفعى التي تكون قدر شبر أو أكبر قليلا وقوله والأبتر يقتضي التغاير بين ذي الطفيتين والأبتر ووقع في الطريق الآتية لا تقتلوا الحيات الا كل أبتر ذي طفيتين وظاهره اتحادهما لكن لا ينفي المغايرة قوله فإنهما يطمسان البصر أي يمحوان نوره وفي رواية أبن أبي مليكة عن بن عمر ويذهب البصر وفي حديث عائشة فإنه يلتمس البصر قوله ويستسقطان الحبل هو بفتح المهملة والموحدة الجنين وفي رواية بن أبي مليكة عن بن عمر الآتية بعد أحاديث فإنه يسقط الولد وفي حديث عائشة الآتي بعد أحاديث ويصيب الحبل وفي رواية أخرى عنها ويذهب الحبل وكلها بمعنى قوله قال عبد الله هو بن عمر وفي رواية يونس عن الزهري التي يأتي التنبيه عليها قال بن عمر فكنت لا أترك حية الا قتلتها حتى طاردت حية من ذوات البيوت الحديث وقوله أطارد أي أتبع وأطلب قوله فناداني أبو لبابة بضم اللام وبموحدتين صحابي مشهور اسمه بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة وقيل مصغر وقيل بتحتانية ومهملة مصغر وقيل رفاعة وقيل بل اسمه كنيته ورفاعة وبشير أخواه واسم جده زنبر بزاي ونون وموحدة وزن جعفر وهو أوسى من بني أمية بن زيد وشذ من قال اسمه مروان وليس له في الصحيح الا هذا الحديث وكان أحد النقباء وشهد أحدا ويقال شهد بدرا واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة وكانت معه راية قومه يوم الفتح ومات في أول خلافة عثمان على الصحيح قوله أنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت أي اللاتي يوجدن في البيوت وظاهره التعميم في جميع البيوت وعن مالك تخصيصه ببيوت أهل المدينة وقيل يختص ببيوت المدن دون غيرها وعلى كل قول فتقتل في البراري والصحارى من غير انذار وروى الترمذي عن بن المبارك أنها الحية التي تكون كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها قوله وهي العوامر هو كلام الزهري أدرج في الخبر وقد بينه معمر في روايته عن الزهري فساق الحديث وقال في آخره قال الزهري وهي العوامر قال أهل اللغة عمار البيوت سكانها من الجن وتسميتهن عوامر لطول لبثهن في البيوت مأخوذ من العمر وهو طول البقاء وعند مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعا أن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئا فحرجوا عليه ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه واختلف في المراد بالثلاث فقيل ثلاث مرات وقيل ثلاثة أيام ومعنى قوله حرجوا عليهن أن يقال لهن أنتن في ضيق وحرج أن لبثت عندنا أو ظهرت لنا أو عدت إلينا قوله وقال عبد الرزاق عن معمر فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب يريد أن معمرا رواه عن الزهري بهذا الإسناد على الشك في اسم الذي لقي عبد الله بن عمر وروايته هذه أخرجها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أحمد والطبراني من طريقه قوله وتابعه يونس أي بن يزيد وابن عيينة أي سفيان وإسحاق الكلبي والزبيدي أي أن هؤلاء الأربعة تابعوا معمرا على روايته بالشك المذكور فأما رواية يونس فوصلها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أبو عوانة وأما رواية بن عيينة فأخرجها أحمد والحميدي في مسنديهما عنه ووصلها مسلم وأبو داود من طريقه وفي رواية مسلم وكان بن عمر يقتل كل حية وجدها فأبصره أبو لبابة بن عبد المنذر أو زيد بن الخطاب وأما رواية إسحاق وهو بن يحيى الكلبي فرويناها في نسخته وأما رواية الزبيدي وهو محمد بن الوليد الحمصي فوصلها مسلم وفي روايته قال عبد الله بن عمر فكنت لا أترك حية أراها الا قتلتها وزاد في روايته قال الزهري وترى ذلك من سميتها قوله وقال صالح وابن أبي حفصة وابن مجمع الخ يعني أن هؤلاء الثلاثة رووا الحديث عن الزهري فجمعوا فيه بين أبي لبابة وزيد بن الخطاب فأما رواية صالح وهو بن كيسان فوصلها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أبو عوانة وأما رواية بن أبي حفصة واسمه محمد فرويناها في نسخته من طريق أبي أحمد بن عدي موصولة وأما رواية بن مجمع وهو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بالجيم وتشديد الميم الأنصاري المدني فوصلها البغوي وابن السكن في كتاب الصحابة قال بن السكن لم أجد من جمع بين أبي لبابة وزيد بن الخطاب الا بن مجمع هذا وجعفر بن برقان وفي روايتهما عن الزهري مقال انتهى وغفل عما ذكره البخاري وهو عنده عن الفربري عنه فسبحان من لا يذهل ويحتمل أنه لم تقع له موصولة من رواية بن أبي حفصة وصالح فصار من رواه بالجمع أربعة لكن ليس فيهم من يقارب الخمسة الذين رووه بالشك الا صالح بن كيسان وسيأتي في الباب الذي يليه من وجه آخر أن الذي رأى بن عمر هو أبو لبابة بغير شك وهو يرجح ما جنح إليه البخاري من تقديمه لرواية هشام بن يوسف عن معمر المقتصرة على ذكر أبي لبابة والله أعلم وليس لزيد بن الخطاب أخي عمر رواية في الصحيح الا في هذا الموضع وزعم الداودي أن الجن لا تتمثل بذي الطفيتين والأبتر فلذلك أذن في قتلهما وسيأتي التعقب عليه بعد قليل وفي الحديث النهي عن قتل الحيات التي في البيوت الا بعد الإنذار الا أن يكون أبتر أو ذا طفيتين فيجوز قتله بغير انذار ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم الإذن في قتل غيرهما بعد الإنذار وفيه فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر قال القرطبي والأمر في ذلك للإرشاد نعم ما كان منها محقق الضرر وجب دفعه

[ 3125 ] قوله رأس الكفر نحو المشرق في رواية الكشميهني قبل المشرق وهو بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته وفي ذلك إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة وكانوا في غاية القسوة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه واستمرت الفتن من قبل المشرق كما سيأتي بيانه واضحا في الفتن قوله والفخر بالخاء المعجمة معروف ومنه الإعجاب بالنفس والخيلاء بضم المعجمة وفتح التحتانية والمد الكبر واحتقار الغير قوله الفدادين بتشديد الدال عند الأكثر وحكى أبو عبيد عن أبي عمرو الشيباني أنه خففها وقال أنه جمع فدان والمراد به البقر التي يحرث عليها وقال الخطابي الفدان آلة الحرث والسكة فعلى الأول فالفدادون جمع فدان وهو من يعلو صوته في إبله وخيله وحرثه ونحو ذلك والفديد هو الصوت الشديد وحكى الأخفش ووهاه أن المراد بالفدادين من يسكن الفدافد جمع فدفد وهي البراري والصحارى وهو بعيد وحكى أبو عبيدة معمر بن المثنى أن الفدادين هم أصحاب الإبل الكثيرة من المائتين إلى الألف وعلى ما حكاه أبو عمرو الشيباني من التخفيف فالمراد أصحاب الفدادين على حذف مضاف ويؤيد الأول لفظ الحديث الذي بعده وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل وقال أبو العباس الفدادون هم الرعاة والجمالون وقال الخطابي إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم وذلك يفضى إلى قساوة القلب قوله أهل الوبر بفتح الواو والموحدة أي ليسوا من أهل المدر لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر وعن أهل البادية بأهل الوبر واستشكل بعضهم ذكر الوبر بعد ذكر الخيل وقال أن الخيل لا وبر لها ولا اشكال فيه لأن المراد ما بينته وقوله

[ 3126 ] في آخر الحديث في ربيعة ومضر أي في الفدادين منهم قوله والسكينة تطلق على الطمأنينة والسكون والوقار والتواضع قال بن خالويه لا نظير لها أي في وزنها الا قولهم على فلان ضريبة أي خراج معلوم وإنما خص أهل الغنم بذلك لأنهم غالبا دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من سبب الفخر والخيلاء وقيل أراد بأهل الغنم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب إبل وروى بن ماجة من حديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اتخذي الغنم فإن فيها بركة الرابع حديث أبي مسعود قوله حدثنا يحيى هو القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم قوله أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال الإيمان فيه تعقب على من زعم أن المراد بقوله يمان الأنصار لكون أصلهم من أهل اليمن لأن في اشارته إلى جهة اليمن ما يدل على أن المراد به أهلها حينئذ لا الذين كان أصلهم منها وسبب الثناء على أهل اليمن اسراعهم إلى الإيمان وقبولهم وقد تقدم قبولهم البشرى حين لم تقبلها بنو تميم في أول بدء الخلق وسيأتي بقية شرحه في أول المناقب وبيان الاختلاف بقوله الإيمان يمان وقوله قرنا الشيطان أي جانبا رأسه قال الخطابي ضرب المثل بقرني الشيطان فيما لا يحمد من الأمور وقوله أرق أفئدة أي أن غشاء قلب أحدهم رقيق وإذا رق الغشاء أسرع نفوذ الشيء إلى ما وراءه الحديث الخامس حديث أبي هريرة

[ 3127 ] قوله عن جعفر بن ربيعة هذا الحديث مما اتفق الأئمة الخمسة أصحاب الأصول على إخراجه عن شيخ واحد وهو قتيبة بهذا الإسناد قوله إذا سمعتم صياح الديكة بكسر المهملة وفتح التحتانية جمع ديك وهو ذكر الدجاج وللديك خصيصة ليست لغيره من معرفة الوقت الليلي فإنه يقسط أصواته فيها تقسيطا لا يكاد يتفاوت ويوالى صياحه قبل الفجر وبعده لا يكاد يخطئ سواء أطال الليل أم قصر ومن ثم أفتى بعض الشافعية باعتماد الديك المجرب في الوقت ويؤيده الحديث الذي سأذكره عن زيد بن خالد قوله فإنها رأت ملكا بفتح اللام قال عياض كان السبب فيه رجاء تأمين الملائكة على دعائه واستغفارهم له وشهادتهم له بالإخلاص ويؤخذ منه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين تبركا بهم وصحح بن حبان وأخرجه أبو داود وأحمد من حديث زيد بن خالد رفعه لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة وعند البزار من هذا الوجه سبب قوله صلى الله عليه وسلم ذلك وأن ديكا صرخ فلعنه رجل فقال ذلك قال الحليمي يؤخذ منه أن كل من استفيد منه الخير لا ينبغي أن يسب ولا أن يستهان به بل يكرم ويحسن إليه قال وليس معنى قوله فإنه يدعو إلى الصلاة أن يقول بصوته حقيقة صلوا أو حانت الصلاة بل معناه أن العادة جرت بأنه يصرخ عند طلوع الفجر وعند الزوال فطرة فطره الله عليها قوله وإذا سمعتم نهاق الحمير زاد النسائي والحاكم من حديث جابر ونباح الكلاب قوله فإنها رأت شيطانا روى الطبراني من حديث أبي رافع رفعه لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانا أو يتمثل له شيطان فإذا كان ذلك فاذكروا الله وصلوا علي قال عياض وفائدة الأمر بالتعوذ لما يخشى من شر الشيطان وشر وسوسته فيلجأ إلى الله في دفع ذلك قال الداودي يتعلم من الديك خمس خصال حسن الصوت والقيام في السحر والغيرة والسخاء وكثرة الجماع السادس حديث جابر أورده من وجه آخر وسيأتي شرحه في أثناء هذا الباب والقائل قال وأخبرني عمرو هو بن جريج وإسحاق المذكور في أوله هو بن راهويه كما عند أبي نعيم ويحتمل أن يكون بن منصور وقد أهمل المزي في الأطراف تبعا لخلف عزوه إلى هذا الموضع السابع حديث أبي هريرة

[ 3129 ] قوله عن خالد هو الحذاء ومحمد هو بن سيرين والإسناد كله بصريون إلى أبي هريرة قوله وإني لا أراها الا الفأر بإسكان الهمزة وعند مسلم من طريق أخرى عن بن سيرين بلفظ الفأرة مسخ وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تشربه قوله فحدثت كعبا قائل ذلك هو أبو هريرة ووقع في رواية مسلم فقال له كعب أنت سمعت هذا قوله فقلت أفأقرأ التوراة هو استفهام إنكار وفي رواية مسلم أفأنزلت علي التوراة وفيه أن أبا هريرة لم يكن يأخذ عن أهل الكتاب وأن الصحابي الذي يكون كذلك إذا أجبر بما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه يكون للحديث حكم الرفع وفي سكوت كعب عن الرد على أبي هريرة دلالة على تورعه وكأنهما جميعا لم يبلغهما حديث بن مسعود قال وذكر عند النبي صلى الله علي وسلم القردة والخنازير فقال أن الله لم يجعل للمسخ نسلا ولا عقبا وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم لا أراها الا الفأر وكأنه كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها ليست هي قال بن قتيبة أن صح هذا الحديث وإلا فالقردة والخنازير هي الممسوخ بأعيانها توالدت قلت الحديث صحيح وسيأتي مزيد لذلك في أواخر أحاديث الأنبياء الثامن حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزغ فويسق ولم أسمعه أمر بقتله هو قول عائشة رضي الله عنها قال بن التين هذا لا حجة فيه لأنه لا يلزم من عدم سماعها عدم الوقوع وقد حفظ غيرها كما ترى قلت قد جاء عن عائشة من وجه آخر عند أحمد وابن ماجة أنه كان في بيتها رمح موضوع فسئلت فقالت نقتل به الوزغ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة الا أطفأت عنه النار الا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه فأمر النبي صلى الله علي وسلم بقتلها انتهى والذي في الصحيح أصح ولعل عائشة سمعت ذلك من بعض الصحابة وأطلقت لفظ أخبرنا مجازا أي أخبر الصحابة كما قال ثابت البناني خطبنا عمران وأراد أنه خطب أهل البصرة فإنه لم يسمع منه والله أعلم

[ 3130 ] قوله وزعم سعد بن أبي وقاص قائل ذلك يحتمل أن يكون عروة فيكون متصلا فإنه سمع من سعد ويحتمل أن تكون عائشة فيكون من رواية القرين عن قرينه ويحتمل أن يكون من قول الزهري فيكون منقطعا وهذا الاحتمال الأخير أرجح فإن الدارقطني أخرجه في الغرائب من طريق بن وهب عن يونس ومالك معا عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزغ فويسق وعن بن شهاب عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقد أخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن حبان حديث عائشة من طريق بن وهب وليس عندهم حديث سعد وقد أخرج مسلم وأبو داود وأحمد وابن حبان من طريق معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا وكأن الزهري وصله لمعمر وأرسله ليونس ولم أر من نبه على ذلك من الشراح ولا من أصحاب الأطراف فلله الحمد التاسع حديث أم شريك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ هكذا أورده مختصرا وسيأتي بأتم من هذا في قصة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وقد تقدم في الذي قبله حديث عائشة بأتم منه وأم شريك اسمها غزية بالمعجمتين مصغر وقيل غزيلة يقال هي عامرية قرشية ويقال أنصارية ويقال دوسية العاشر حديث عائشة في قتل ذي الطفيتين والأبتر أورده بإسنادين إليها في كل واحد منهما وأورد بعده حديث بن عمر في ذلك عن أبي لبابة من وجهين وقد تقدم من وجه آخر في أول الباب

[ 3132 ] قوله في أول طريق حديث عائشة تابعه حماد بن سلمة يريد أن حمادا تابع أبا أسامة في روايته إياه عن هشام واسم أبي أسامة أيضا حماد ورواية حماد بن سلمة وصلها أحمد عن عفان عنه

[ 3134 ] قوله عن أبي يونس القشيري هو حاتم بن أبي صغيرة وهو بصري ومن دونه وأما من فوقه فمدني قوله أن بن عمر كان يقتل الحيات ثم نهى هو بفتح النون وفاعل نهى هو بن عمر وقد بين بعد ذلك سبب نهيه عن ذلك وكان بن عمر أولا يأخذ بعموم أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الحيات وقد أخرج أبو داود من حديث عائشة مرفوعا اقتلوا الحيات فمن تركهن مخافة ثأرهن فليس مني قوله أن النبي صلى الله علي وسلم هدم حائطا له فوجد فيه سلخ حية هو بكسر السين المهملة وسكون اللام بعدها معجمة وهو جلدها كذا وقع هنا مرفوعا وأخرجه مسلم من وجه آخر موقوفا فأخرج من طريق الليث عن نافع أن أبا لبابة كلم بن عمر ليفتح له بابا في داره يستقرب بها إلى المسجد فوجد الغلمان جلد جان فقال بن عمر التمسوه فاقتلوه فقال أبو لبابة لا تقتلوه ومن طريق يحيى بن سعيد وعمر بن نافع عن نافع نحوه ويحتمل أن تكون القصة وقعت مرتين ويدل لذلك قول بن عمر في هذه الرواية وكنت أقتلها لذلك وهو القاتل فلقيت أبا لبابة قوله لا تقتلوا الجنان الا كل ذي طفيتين أن كان الاستثناء متصلا ففيه تعقب على من زعم أن ذا الطفيتين والأبتر ليس من الجنان ويحتمل أن يكون منقطعا أي لكن كل ذي طفيتين فاقتلوه والجنان بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان وهي الحية الصغيرة وقيل الرقيقة الخفيفة وقيل الدقيقة البيضاء الحادي عشر حديث عائشة وابن عمر في الخمس التي لا جناح على المحرم في قتلهن وقع في حديث عائشة الحديا وفي حديث بن عمر الحدأة والحديا بصيغة التصغير وقد أنكر ثابت في الدلائل هذه الصيغة وقال الصواب الحديأه أو الحدية أي بهمزة وزيادة هاء أو بالتشديد بغير همز قال والصواب أن الحدياه ليس من هذا وإنما هو من التحدي يقولون فلان يتحدى فلانا أي ينازعه ويغالبه وعن بن أبي حاتم أهل الحجاز يقولون لهذا الطائر الحديا ويجمعونه الحدادي وكلاهما خطأ وأما الأزهري فصوبه وقال الحدياه تصغير الحدى وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الحج

[ 3138 ] قوله حدثنا كثير هو بن شنظير بكسر المعجمة وسكون النون بعدها ظاء معجمة بصري قد قال فيه بن معين ليس بشيء قال الحاكم مراده بذلك أنه ليس له من الحديث ما يشتغل به وقد قال فيه بن معين مرة صالح وكذا قال أحمد وقال بن عدي أرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة قلت وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد توبع عليه كما تراه في آخر الحديث وآخر في السلام على المصلى وله متابع عند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر قوله رفعه كذا هنا ووقع عند الإسماعيلي من وجهين عن حماد بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله خمروا الآنية أي غطوها ومضى في الرواية التي في صفة إبليس وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو أن تعرض عليه شيئا وهو بضم الراء وبكسرها وسيأتي مزيد لذلك في الأشربة قوله وأوكئوا بكسر الكاف بعدها همزة أي اربطوها وشدوها والوكاء اسم ما يسد به فم القربة قوله وأجيفوا بالجيم والفاء أي أغلقوها تقول أجفت الباب إذا أغلقته وقال القزاز تقول جفأت الباب أغلقته قال بن التين لم أر من ذكره هكذا غيره وفيه نظر فإن أجيفوا لامه فاء وجفأت لامه همزة زاد في الرواية الماضية وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا قوله وأكفتوا بهمزة وصل وكسر الفاء ويجوز ضمها بعدها مثناة أي ضموهم إليكم والمعنى امنعوهم من الحركة في ذلك الوقت قوله عند المساء في الرواية المتقدمة في هذا الباب إذا جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم قوله فإن للجن انتشارا وخطفة بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة والفاء في الرواية الماضية فإن الشياطين تنتشر حينئذ وإذا ذهبت ساعة من الليل وفي رواية الكشميهني فإذا ذهب وكأنه ذكره باعتبار الوقت قوله فإن الفويسقة هي الفأرة قد تقدم في تفسير ذلك في الحج قوله اجترت بالجيم وتشديد الراء في رواية الإسماعيلي ربما جرت وسيأتي في الاستئذان حديث بن عمر مرفوعا لا تتركوا النار في بيوتكم حين تناموا قال النووي هذا عام يدخل فيه نار السراج وغيره وأما القناديل المعلقة فإن خيف بسببها حريق دخلت في ذلك وأن حصل الأمن منها كما هو الغالب فلا بأس بها لانتفاء العلة وقال القرطبي جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة ويحتمل أن تكون للندب ولا سيما في حق من يفعل ذلك بنية امتثال الأمر وقال بن العربي ظن قوم أن الأمر بغلق الأبواب عام في الأوقات كلها وليس كذلك وإنما هو مقيد بالليل وكأن اختصاص الليل بذلك لأن النهار غالبا محل التيقظ بخلاف الليل والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان فإنه هو الذي يسوق الفأرة إلى حرق الدار قوله قال بن جريج وحبيب عن عطاء فإن للشياطين يعني أن بن جريج وحبيبا وهو المعلم رويا هذا الحديث عن عطاء عن عائشة كما رواه كثير بن شنظير الا أنهما قالا في روايتهما فإن للشيطان بدل قول كثير في روايته فإن للجن ورواية بن جريج قد تقدمت موصولة في أوائل هذا الباب ورواية حبيب وصلها أحمد وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عن حبيب المذكور الحديث الثالث عشر حديث بن مسعود في قصة الحية

[ 3139 ] قوله وعن إسرائيل عن الأعمش يعني أن يحيى بن آدم رواه عن إسرائيل عن شيخين أفردهما ولم يختلف عليه في أنه من رواية إبراهيم وهو النخعي عن علقمة قوله رطبة أي غضة طرية في أول ما تلاها ووصفت هي بالرطوبة والمراد بالرطوبة رطوبة فيه أي أنهم أخذوها عنه قبل أن يجف ريقه من تلاوتها ويحتمل أن يكون وصفها بالرطوبة لسهولتها والأول أشبه وقوله وقيت شركم ووقيتم شرها أي قتلكم إياها هو شر بالنسبة إليها وأن كان خيرا بالنسبة إليهم وفيه جواز قتل الحية في الحرم وجواز قتلها في حجرها والجحر بضم الجيم وسكون المهملة معروف الحديث الرابع عشر والخامس عشر حديث بن عمر وأبي هريرة معا وهو من طريق عبيد الله بالتصغير وهو بن عمر العمري عن نافع عن بن عمر وعن سعيد المقبري عن أبي هريرة والقائل قال وحدثنا عبيد الله هو بن عبد الأعلى المذكور في الإسناد المذكور وهو بن عبد الأعلى البصري قوله وتابعه أبو عوانة عن مغيرة أي عن إبراهيم وطريق أبي عوانة سيأتي في تفسير المرسلات قوله وقال حفص هو بن غياث وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله يعني أن هؤلاء الثلاثة خالفوا إسرائيل فجعلوا الأسود بدل علقمة ورواية حفص وصلها المؤلف في الحج وأما رواية أبي معاوية فأخرجها أحمد عنه وهي عند مسلم وأما رواية سليمان بن قرم فلم أقف عليها موصولة قوله دخلت امرأة لم أقف على اسمها ووقع في رواية أنها حميرية وفي أخرى أنها من بني إسرائيل وكذا لمسلم ولا تضاد بينهما لأن طائفة من حمير كانوا قد دخلوا في اليهودية فنسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى وقد وقع ما يدل على ذلك في كتاب البعث للبيهقي وأبداه عياض احتمالا وأغرب النووي فأنكره

[ 3140 ] قوله في هرة أي بسبب هرة ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند مسلم من جرا هرة وهو بمعناه وجرا بفتح الجيم وتشديد الراء مقصور ويجوز فيه المد والهرة أنثى السنور والهر الذكر ويجمع الهر على هررة كقرد وقردة وتجمع الهرة على هرر كقربة وقرب ووقع في حديث جابر الماضي في الكسوف وعرضت علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها الحديث قوله من خشاش الأرض بفتح المعجمة ويجوز ضمها وكسرها وبمعجمتين بينهما ألف الأولى خفيفة والمراد هوام الأرض وحشراتها من فأرة ونحوها وحكى النووي أنه روى بالحاء المهملة والمراد نبات الأرض قال وهو ضعيف أو غلط وظاهر هذا الحديث أن المرأة عذبت بسبب قتل هذه الهرة بالحبس قال عياض يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بالنار حقيقة أو بالحساب لأن من نوقش الحساب عذب ثم يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بكفرها وزيدت عذابا بسبب ذلك أو مسلمة وعذبت بسبب ذلك قال النووي الذي يظهر أنها كانت مسلمة وإنما دخلت النار بهذه المعصية كذا قال ويؤيد كونها كافرة ما أخرجه البيهقي في البعث والنشور وأبو نعيم في تاريخ أصبهان من حديث عائشة وفيه قصة لها مع أبي هريرة وهو بتمامه عند أحمد وفيه جواز اتخاذ الهرة ورباطها إذا لم يهمل اطعامها وسقيها ويلتحق بذلك غير الهرة مما في معناها وأن الهر لا يملك وإنما يجب اطعامه على من حبسه كذا قال القرطبي وليس في الحديث دلالة على ذلك وفيه وجوب نفقة الحيوان على مالكه كذا قال النووي وفيه نظر لأنه ليس في الخبر أنها كانت في ملكها لكن في قوله هرة لها كما هي رواية همام ما يقرب من ذلك الحديث السادس عشر حديث أبي هريرة قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس

[ 3141 ] قوله نزل نبي من الأنبياء قيل هو العزيز وروى الحكيم الترمذي في النوادر أنه موسى عليه السلام وبذلك جزم الكلاباذي في معاني الأخبار والقرطبي في التفسير قوله فلدغته بالدال المهملة والغين المعجمة أي قرصته وليس هو بالذال المعجمة والعين المهملة فإن ذاك معناه الاحراق قوله فأمر بجهازه بفتح الجيم ويجوز كسرها بعدها زاي أي متاعه قوله ثم أمر ببيتها فأحرق أي بيت النمل وفي رواية الزهري الماضية في الجهاد فأمر بقرية النمل فأحرقت وقرية النمل موضع اجتماعهن والعرب تفرق في الأوطان فيقولون لمسكن الإنسان وطن ولمسكن الإبل عطن وللأسد عرين وغابة وللظبي كناس وللضب وجار وللطائر عش وللزنبور كور ولليربوع نافق وللنمل قرية قوله فهلا نملة واحدة يجوز فيه النصب على تقدير عامل محذوف تقديره فهلا أحرقت نملة واحدة وهي التي آذتك بخلاف غيرها فلم يصدر منها جناية واستدل بهذا الحديث على جواز احراق الحيوان المؤذي بالنار من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا ما يرفعه ولا سيما أن ورد على لسان الشارع ما يشعر باستحسان ذلك لكن ورد في شرعنا النهي عن التعذيب بالنار قال النووي هذا الحديث محمول على أنه كان جائزا في شرع ذلك النبي جواز قتل النمل وجواز التعذيب بالنار فإنه لم يقع عليه العتب في أصل القتل ولا في الاحراق بل في الزيادة على النملة الواحدة وأما في شرعنا فلا يجوز احراق الحيوان بالنار الا في القصاص بشرطه وكذا لا يجوز عندنا قتل النمل لحديث بن عباس في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة انتهى وقد قيد غيره كالخطابي النهي عن قتله من النمل بالسليماني وقال البغوي النمل الصغير الذي يقال له الذر يجوز قتله ونقله صاحب الاستقصاء عن الصيمري وبه جزم الخطابي وفي قوله أن القتل والاحراق كان جائزا في شرع ذلك النبي نظر لأنه لو كان كذلك لم يعاتب أصلا ورأسا إذا ثبت أن الأذى طبعه وقال عياض في هذا الحديث دلالة على جواز قتل كل مؤذ ويقال أن لهذه القصة سببا وهو أن هذا النبي مر على قرية أهلكها الله تعالى بذنوب أهلها فوقف متعجبا فقال يا رب قد كان فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذنبا ثم نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة فنبهه الله جل وعلا على أن الجنس المؤذي يقتل وأن لم يؤذ وتقتل أولاده وأن لم تبلغ الأذى انتهى وهذا هو الظاهر وأن ثبتت هذه القصة تعين المصير إليه والحاصل أنه لم يعاتب إنكارا لما فعل بل جوابا له وأيضاحا لحكمة شمول الهلاك لجميع أهل تلك القرية فضرب له المثل بذلك أي إذا اختلط من يستحق الاهلاك بغيره وتعين اهلاك الجميع طريقا إلى اهلاك المستحق جاز اهلاك الجميع ولهذا نظائر كتترس الكفار بالمسلمين وغير ذلك والله سبحانه أعلم وقال الكرماني النمل غير مكلف فكيف أشير في الحديث إلى أنه لو أحرق نملة واحدة جاز مع أن القصاص إنما يكون بالمثل لقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها ثم أجاب بتجويز أن التحريق كان جائزا عنده ثم قال يرد على قولنا كان جائزا لو كان كذلك لما ذم عليه وأجاب بأنه قد يذم الرفيع القدر على خلاف الأولى انتهى والتعبير بالذم في هذا لا يليق بمقام النبي فينبغي أن يعبر بالعتاب وقال القرطبي ظاهر هذا الحديث أن هذا النبي إنما عاتبه الله حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع آذاه منه واحد وكان الأولى به الصبر والصفح وكأنه وقع له أن هذا النوع مؤذ لبني آدم وحرمة بني آدم أعظم من حرمة الحيوان فلو انفرد هذا النظر ولم ينضم إليه التشفي لم يعاتب قال والذي يؤيد هذا التمسك بأصل عصمة الأنبياء وأنهم أعلم بالله وبأحكامه من غيرهم وأشدهم له خشية انتهى تكملة النملة واحدة النمل وجمع الجمع نمال والنمل أعظم الحيوانات حيلة في طلب الرزق ومن عجيب أمره أنه إذا وجد شيئا ولو قل أنذر الباقين ويحتكر في زمن الصيف للشتاء وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض وإذا حفر مكانه اتخذها تعاريج لئلا يجري إليها ماء المطر وليس في الحيوان ما يحمل أثقل منه غيره والذر في النمل كالزنبور في النحل قوله أمة من الأمم مسبحة استدل به على أن الحيوان يسبح الله تعالى حقيقة ويتأيد به قول من حمل قوله وان من شيء الا يسبح بحمده على الحقيقة وتعقب بأن ذلك لا يمنع الحمل على المجاز بأن يكون سببا للتسبيح