كتاب الأنبياء
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أحاديث الأنبياء كذا في رواية كريمة في بعض النسخ وفي رواية أبي علي بن شبويه نحوه وقدم الآية الآتية في الترجمة على الباب ووقع في ذكر عدد الأنبياء حديث أبي ذر مرفوعا إنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر صححه بن حبان والأنبياء جمع نبي وقد قرئ بالهمز فقيل هو الأصل وتركه تسهيل وقيل الذي بالهمز من النبأ والذي بغير همز من النبوة وهي الرفعة والنبوة نعمة يمن بها على من يشاء ولا يبلغها أحد لعلمه ولا كشفه ولا يستحقها باستعداد ولايته ومعناها الحقيقي شرعا من حصلت له النبوة وليست راجعة إلى جسم النبي ولا إلى عرض من أعراضه بل ولا إلى علمه بكونه نبيا بل المرجع إلى أعلام الله له بأني نبأتك أو جعلتك نبيا وعلى هذا فلا تبطل بالموت كما لا تبطل بالنوم والغفلة

قوله باب خلق آدم وذريته ذكر المصنف آثارا ثم أحاديث تتعلق بذلك ومما لم يذكره ما رواه الترمذي والنسائي والبزار وصححه بن حبان من طريق سعيد المقبري وغيره عن أبي هريرة مرفوعا أن الله خلق آدم من تراب فجعله طينا ثم تركه حتى إذا كان حمأ مسنونا خلقه وصوره ثم تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار كان إبليس يمر به فيقول لقد خلقت لأمر عظيم ثم نفخ الله فيه من روحه وكان أول ما جرى في الروح بصره وخياشيمه فعطس فقال الحمد لله فقال الله يرحمك ربك الحديث وفي الباب عدة أحاديث منها حديث أبي موسى مرفوعا أن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وصححه بن حبان ومنها حديث أنس رفعه لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه فجعل إبليس يطيف به فلما رآه أجوف عرف أنه لا يتمالك رواه أحمد ومسلم وآدم اسم سرياني وهو عند أهل الكتاب آدام بإشباع فتحة الدال بوزن خانام وزنه فاعال وامتنع صرفه للعجمة والعلمية وقال الثعلبي التراب بالعبرانية آدام فسمى آدم به وحذفت الألف الثانية وقيل هو عربي جزم به الجوهري والجواليقي وقيل هو بوزن أفعل من الادمة وقيل من الأديم لأنه حلق من أديم الأرض وهذا عن بن عباس ووجهوه بأنه يكون كاعين ومنع الصرف للوزن والعلمية وقيل هو من أدمت بين الشيئين إذا خلطت بينهما لأنه كان ماء وطينا فخلطا جميعا قوله صلصال طين خلط برمل فصلصل كما يصلصل الفخار هو تفسير الفراء هكذا ذكره وقال أبو عبيدة الصلصال اليابس الذي لم تصبه نار فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة فإذا طبخ بالنار فهو فخار وكل شيء له صوت فهو صلصال وروى الطبري عن قتادة بإسناده صحيح نحوه قوله ويقال منتن يريدون به صل كما يقولون صر الباب وصرصر عند الاغلاق مثل كبكبته يعني كببته أما تفسيره بالمنتن فرواه الطبري عن مجاهد وروى عن بن عباس أن المنتن تفسيره المسنون وأما بقيته فكأنه من كلام المصنف قوله فمرت به استمر بها الحمل فأتمته هو قول أبي عبيدة قوله أن لا تسجد أن تسجد يعني أن لا زائدة وأخذه من كلام أبي عبيدة وكذا قاله وزاد ولا من حروف الزوائد كما قال الشاعر وتلحينني في اللهو أن لا أحبه وللهو داع دائب غير غافل وقيل ليست زائدة بل فيه حذف تقديره ما منعك من السجود فحملك على أن لا تسجد قوله وقول الله عز وجل وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة كذا وقع هنا ووقع في رواية أبي علي بن شبويه في صدر الترجمة وهو أولى ومثله للنسفي ولبعضهم هنا باب والمراد بالخليفة آدم أسنده الطبري من طريق بن سابط مرفوعا قال والأرض مكة وذكر الطبري أن مقتضى ما نقله السدي عن مشايخه أنه خليفة الله في الأرض ومن وجه آخر أنهم يعنون بني آدم يخلف بعضهم بعضا ومن ثم قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها الآية وحكى الماوردي قولين آخرين أنه خليفة الملائكة أو خليفة الجن وكل منهما بناء على أنه كان في الأرض من سكنها قبل آدم وذكر الطبري قال زعم أبو عبيدة أن إذ في قوله وإذ قال ربك صلة ورد عليه فقال القرطبي أن جميع المفسرين ردوه حتى قال الزجاج أنها جرأة من أبي عبيدة قوله لما عليها حافظ الا عليها حافظ وصله بن أبي حاتم وزاد الا عليها حافظ من الملائكة وقال أبو عبيدة في قوله ان كل نفس لما عليها حافظ ما زائدة قوله في كبد في شدة خلق هو قول بن عباس أيضا رويناه في تفسير بن عيينة بإسناد صحيح وزاد في آخره ثم ذكر مولده ونبات أسنانه وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال أبو عبيدة الكبد الشدة قال لبيد يا عين هلا بكيت أربد إذ قمنا وقام الخصوم في كبد قوله ورياشا المال هو قول بن عباس أيضا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه قوله وقال غيره الرياش والريش واحد وهو ما ظهر من اللباس هو قول أبي عبيدة وزاد تقول أعطاني ريشه أي كسوته قال والرياش أيضا المعاش قوله ما تمنون النطفة في أرحام النساء هو قول الفراء قال يقال أمنى ومنى والأول أكثر وقوله تمنون يعني النطف إذا قذفت في أرحام النساء أأنتم تخلقون ذلك أم نحن قوله وقال مجاهد على رجعه لقادر النطفة في الاحليل وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عنه وقيل معناه قادر على رجع النطفة التي في الاحليل إلى الصلب وهو محتمل ويعكر على تفسير مجاهد أن بقية الآيات دالة على أن الضمير للإنسان ورجعه يوم القيامة لقوله يوم تبلى السرائر الخ قوله كل شيء خلقه فهو شفع السماء شفع والوتر الله هو قول مجاهد أيضا وصله الفريابي والطبري ولفظه كل خلق الله شفع السماء والأرض والبر والبحر والجن والأنس والشمس والقمر ونحو هذا شفع والوتر الله وحده وبهذا زال الاشكال فإن ظاهر إيراد المصنف في اقتصاره على قوله السماء شفع يعترض عليه بأن السماوات سبع والسبع ليس بشفع وليس ذلك مراد مجاهد وإنما مراده أن كل شيء له مقابل يقابله ويذكر معه فهو بالنسبة إليه شفع كالسماء والأرض والأنس والجن الخ وروى الطبري عن مجاهد أيضا قال في قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين الكفر والإيمان والشقاء والسعادة والهدى والضلالة والليل والنهار والسماء والأرض والجن والأنس والوتر الله وروى من طريق أبي صالح نحوه وأخرج عن بن عباس من طريق صحيحة أنه قال الوتر يوم عرفة والشفع يوم الذبح وفي رواية أيام الذبح وهذا يناسب ما فسروا به قوله قبل ذلك وليال عشر أن المراد بها عشر ذي الحجة قوله في أحسن تقويم في أحسن خلق أسفل سافلين الا من آمن هو تفسير مجاهد أخرجه الفريابي أيضا قوله خسر ضلال ثم استثنى فقال الا من آمن هو تفسير مجاهد أخرجه الفريابي أيضا قال في قوله ان الإنسان لفي خسر يعني في ضلال ثم استثنى فقال الا من آمن وكأنه ذكره بالمعنى وإلا فالتلاوة الا الذين آمنوا قوله لازب لازم يريد تفسير قوله تعالى فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا أنا خلقناهم من طين لازب وقد روى الطبري عن مجاهد في قوله من طين لازب قال لازق ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال من التراب والماء يصير طينا يلزق وأما تفسيره باللازم فكأنه بالمعنى وهو تفسير أبي عبيدة قال معنى اللازب اللازم قال النابغة ولا يحسبون الشر ضربة لازب أي لازم قوله ننشئكم في أي خلق نشاء كأنه يريد تفسير قوله تعالى وننشئكم فيما لا تعلمون وقوله في أي خلق نشاء هو تفسير قوله فيما لا تعلمون قوله نسبح بحمدك نعظمك هو تفسير مجاهد نقله الطبري وغيره عنه قوله وقال أبو العالية فتلقى آدم هو قوله تعالى ربنا ظلمنا أنفسنا وصله الطبري بإسناد حسن واستشكل بأن ظاهر الآيات أن هذا التلقي كان قبل الهبوط لأن بعده قلنا اهبطوا منها جميعا ويمكن الجواب بأن قوله قلنا اهبطوا كان سابقا للتلقي وليس في الآيات صيغة ترتيب قوله وقال فازلهما استزلهما ويتسنه يتغير آسن المسنون المتغير حمأ جمع حمأة وهو الطين المتغير كذا وقع عند أبي ذر وهو يوهم أنه من كلام أبي العالية وليس كذلك بل هي من تفسير أبي عبيدة وكأنه كان في الأصل وقال غيره ووقع في رواية الأصيلي وغيره بحذف قال فكان الأمر فيه أشكل وقوله فازلهما أي دعاهما إلى الزلة وايراد قوله يتسنه يتغير في أثناء قصة آدم ذكر بطريق التبعية للمسنون لأنه قد يقال أنه مشتق منه قال الكرماني هنا بعد أن قال أن تفسير يتسنه وآسن لعله ذكره بالتبعية لقوله مسنون وفي هذا تكثير لحجم الكتاب لا لتكثير الفوائد والله أعلم بمقصوده قلت وليس من شأن الشارح أن يعترض على الأصل بمثل هذا ولا ارتياب في أن إيراد شرح غريب الألفاظ الواردة في القرآن فوائد وادعاؤه نفى تكثير الفائدة مردود وهذا الكتاب وأن كان أصل موضوعه إيراد الأحاديث الصحيحة فإن أكثر العلماء فهموا من إيراده أقوال الصحابة والتابعين وفقها الأمصار أن مقصوده أن يكون كتابه جامعا للرواية والدراية ومن جملة الدراية شرح غريب الحديث وجرت عادته أن الحديث إذا وردت فيه لفظة غريبة وقعت أو أصلها أو نظيره في القرآن أن يشرح اللفظة القرآنية فيفيد تفسير القرآن وتفسير الحديث معا ولما لم يجد في بدء الخلق وقصص الأنبياء ونحو ذلك أحاديث توافق شرطه سد مكانها ببيان تفسير الغريب الواقع في القرآن فكيف يسوغ نفي الفائدة عنه قوله يخصفان أخذ الخصاف من ورق الجنة يؤلفان الورق ويخصفان بعضه إلى بعض هو تفسير أبي عبيدة وروى الطبري عن مجاهد في قوله يخصفان قال يرقعان كهيئة الثوب وتقول العرب خصفت النعل أي خرزتها قوله سوآتهما كناية عن فرجيهما هو تفسير أبي عبيدة أيضا قوله ومتاع إلى حين الحين عند العرب من ساعة إلى ما لا يحصى عدده وهو هنا إلى يوم القيامة قال أبو عبيدة في قوله ومتاع إلى حين أي إلى وقت يوم القيامة ورواه الطبري من طريق بن عباس نحوه قوله قبيله حيله الذي هو منهم هو تفسير أبي عبيدة أيضا وروى الطبري عن مجاهد في قوله وقبيله قال الجن والشياطين ثم ذكر المصنف في الباب أحد عشر حديثا أفرد الأخير منها بباب في بعض النسخ الحديث الأول حديث أبي هريرة خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا كذا وقع من هذا الوجه وعبد الله الراوي عن معمر هو بن المبارك وقد رواه عبد الرزاق عن معمر فقال خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا وهذه الرواية تأتي في أول الاستئذان وقد تقدم الكلام على معنى هذه اللفظة في أثناء كتاب العتق وهذه الرواية تؤيد قول من قال أن الضمير لآدم والمعنى أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها لم ينتقل في النشأة أحوالا ولا تردد في الأرحام أطوارا كذريته بل خلقه الله رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح ثم عقب ذلك بقوله وطوله ستون ذراعا فعاد الضمير أيضا على آدم وقيل معنى قوله على صورته أي لم يشاركه في خلقه أحد ابطالا لقول أهل الطبائع وخص بالذكر تنبيها بالأعلى على الأدنى والله أعلم قوله ستون ذراعا يحتمل أن يريد بقدر الذراع المتعارف يومئذ عند المخاطبين والأول أظهر لأن ذراع كل أحد بقدر ربعه فلو كان بالذراع المعهود لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده قوله فلما خلقه قال أذهب فسلم سيأتي شرحه في أول الاستئذان

[ 3148 ] قوله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم أي على صفته وهذا يدل على أن صفات النقص من سواد وغيره تنتفي عند دخول الجنة وقد تقدم بيان ذلك في باب صفة الجنة وزاد عبد الرزاق في روايته هنا وطوله ستون ذراعا وإثبات الواو فيه لئلا يتوهم أن قوله طوله تفسير لقوله على صورة آدم وعلى هذا فقوله وطوله الخ من الخاص بعد العام ووقع عند أحمد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا كان طول آدم ستين ذراعا في سبعة أذرع عرضا وأما ما روى عبد الرزاق من وجه آخر مرفوعا أن آدم لما أهبط كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء فحطه الله إلى ستين ذراعا فظاهره أنه كان مفرط الطول في ابتداء خلقه وظاهر الحديث الصحيح أنه خلق في ابتداء الأمر على طول ستين ذراعا وهو المعتمد وروى بن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب مرفوعا أن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق قوله فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك وقال بن التين قوله فلم يزل الخلق ينقص أي كما يزيد الشخص شيئا فشيئا ولا يتبين ذلك فيما بين الساعتين ولا اليومين حتى إذا كثرت الأيام تبين فكذلك هذا الحكم في النقص ويشكل على هذا ما يوجد الآن من آثار الأمم السالفة كديار ثمود فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة الطول على حسب ما يقتضيه الترتيب السابق ولا شك أن عهدهم قديم وأن الزمان الذي بينهم وبين آدم دون الزمان الذي بينهم وبين أول هذه الأمة ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الاشكال الحديث الثاني حديث أبي هريرة في صفة الجنة وقد تقدم في باب صفة الجنة وقوله

[ 3149 ] الألنجوج بفتح الهمزة واللام وسكون النون بجيمين الأولى مضمومة والواو ساكنة هو العود الذي يتبخر به ولفظ الألنجوج هنا تفسير الألوة والعود تفسير التفسير وقوله في آخره على خلق رجل واحد هو بفتح أول خلق لا بضمه وقوله ستون ذراعا في السماء أي في العلو والارتفاع الحديث الثالث حديث أم سلمة في سؤالها عن غسل المرأة إذا احتلمت وقد تقدم الكلام عليه في الطهارة والغرض منه

[ 3150 ] قوله في آخره فبم يشبه الولد الحديث الرابع حديث أنس في قصة إسلام عبد الله بن سلام وسيأتي بأتم من هذا السياق في أوائل الهجرة والغرض منه بيان سبب الشبه وقد علله هنا بالسبق وفي حديث ثوبان عند مسلم بالعلو وسأذكر وجه الجمع بينهما في المكان المذكور إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث أبي هريرة

[ 3152 ] قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه لم يسبق للمتن المذكور طريق يعود عليها هذا الضمير وكأنه يشير به إلى أن اللفظ الذي حدثه به شيخه هو بمعنى اللفظ الذي ساقه فكأنه كتب من حفظه وتردد في بعضه ويؤيده أنه وقع في نسخة الصغاني بعد قوله نحوه يعني ولم أره من طريق بن المبارك عن معمر الا عند المصنف وسيأتي عنده في ذكر موسى عليه السلام من رواية عبد الرزاق عن معمر بهذا اللفظ الا أنه زاد في آخره الدهر قوله لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم يخنز بفتح أوله وسكون الخاء وكسر النون وبفتحها أيضا بعدها زاي أي ينتن والخنز التغير والنتن قيل أصله أن بني إسرائيل ادخروا لحم السلوى وكانوا نهوا عن ذلك فعوقبوا بذلك حكاه القرطبي وذكره غيره عن قتادة وقال بعضهم معناه لولا أن بني إسرائيل سنوا ادخار اللحم حتى أنتن لما ادخر فلم ينتن وروى أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال في بعض الكتب لولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنه الأغنياء عن الفقراء قوله ولولا حواء أي امرأة آدم وهي بالمد قيل سميت بذلك لأنها أم كل حي وسيأتي صفة خلقها في الحديث الذي بعده وقوله لم تخن أنثى زوجها فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهنها بالولادة ونزع العرق فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها وقريب من هذا حديث جحد آدم فجحدت ذريته وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور وينبغي لهن أن لا يتمكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن والله المستعان الحديث السادس

[ 3153 ] قوله موسى بن حزام بكسر المهملة بعدها زاي خفيفة وهو ترمذي نزل بلخ وثقه النسائي وغيره وكان زاهدا عالما بالسنة وما له في البخاري الا هذا الموضع قوله عن ميسرة هو بن عمارة الأشجعي الكوفي وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد ذكره في النكاح من وجه آخر وله حديث آخر في تفسير آل عمران قوله استوصوا قيل معناه تواصوا بهن والباء للتعدية والاستفعال بمعنى الأفعال كالاستجابة بمعنى الإجابة وقال الطيبي السين للطلب وهو للمبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن كمن يعود مريضا فيستحب له أن يحثه على الوصية والوصية بالنساء آكد لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن وقيل معناه أقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن قلت وهذا أوجه الأوجه في نظري وليس مخالفا لما قال الطيبي قوله خلقت من ضلع بكسر المعجمة وفتح اللام ويجوز تسكينها قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير أخرجه بن إسحاق وزاد اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم ومعنى خلقت أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة قال القرطبي يحتمل أن يكون معناه أن المرأة خلقت من مبلغ ضلع فهي كالضلع زاد في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم لن تستقيم لك على طريقة قوله وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها وفي استعمال أعوج استعمال لأفعل في العيوب وهو شاذ وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله قوله فإن ذهبت تقيمه كسرته قيل هو ضرب مثل للطلاق أي أن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقها ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم وأن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها ويستفاد من حديث الباب أن الضلع مذكر خلافا لمن جزم بأنه مؤنث واحتج برواية مسلم ولا حجة فيه لأن التأنيث في روايته للمرأة وقيل أن الضلع يذكر ويؤنث وعلى هذا فاللفظان صحيحان الحديث السابع حديث عبد الله وهو بن مسعود يجمع خلق أحدكم في بطن أمه الحديث بتمامه وسيأتي شرحه في كتاب القدر مستوفى إن شاء الله تعالى ومناسبته للترجمة من قوله فيها ذريته فإن فيه بيان خلق ذرية آدم الحديث الثامن حديث أنس في ذلك وسيأتي أيضا هناك الحديث التاسع حديث أنس

[ 3156 ] قوله يرفعه هي لفظة يستعملها المحدثون في موضع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك قوله أن الله تعالى يقول لأهون أهل النار عذابا يقال هو أبو طالب وسيأتي شرحه في أواخر كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى ومناسبته للترجمة من قوله وأنت في صلب آدم فإن فيه إشارة إلى قوله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الآية الحديث العاشر حديث عبد الله هو بن مسعود لا تقتل نفس ظلما الا كان على بن آدم الأول كفل من دمها وسيأتي شرحه في القصاص وأورده هنا ليلمح بقصة ابني آدم حيث قتل أحدهما الآخر ولم يصح على شرطه شيء من قصتهما وفيما قصه الله علينا في القرآن من ذلك كفاية عن غيره واختلف في اسم القاتل فالمشهور قابيل بوزن المقتول لكن أوله هاء وقيل اسم المقتول قين بلفظ الحداد وقيل قاين بزيادة ألف وذكر السدي في تفسيره عن مشايخه بأسانيده أن سبب قتل قابيل لأخيه هابيل أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن من ولده بانثى الآخر وأن أخت قابيل كانت أحسن من أخت هابيل فأراد قابيل أن يستائر باخته فمنعه آدم فلما ألح عليه أمرهما أن يقربا قربانا فقرب قابيل حزمة من زرع وكان صاحب زرع وقرب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب مواش فنزلت نار فأكلت قربان هابيل دون قابيل وكان ذلك سبب الشر بينهما وهذا هو المشهور ونقل الثعلبي بسند واه عن جعفر الصادق أنه أنكر أن يكون آدم زوج ابنا له بابنة له وإنما زوج قابيل جنية وزوج هابيل حورية فغضب قابيل فقال يا بني ما فعلته الا بأمر الله فقربا قربانا وهذا لا يثبت عن جابر ولا عن غيره ويلزم منه أن بني آدم من ذرية إبليس لأنه أبو الجن كلهم أو من ذرية الحور العين وليس لذلك أصل ولا شاهد

قوله باب الأرواح جنود مجندة كذا ثبتت هذه الترجمة في معظم الروايات وهي متعلقة بترجمة خلق آدم وذريته للإشارة إلى إنهم ركبوا من الأجسام والأرواح

[ 3158 ] قوله وقال الليث وصله المصنف في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عنه قوله الأرواح جنود مجندة الخ قال الخطابي يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد وأن الخير من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت ويحتمل أن يراد الأخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام وكانت تلتقي فتتشاءم فلما حلت بالاجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم وقال غيره المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين ومعنى تقابلها أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف قلت ولا يعكر عليه أن بعض المتنافرين ربما ائتلفا لأنه محمول على مبدأ التلاقي فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سبب وأما في ثاني الحال فيكون مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة كإيمان الكافر واحسان المسيء وقوله جنود مجندة أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة قال بن الجوزي ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضى لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم وكذلك القول في عكسه وقال القرطبي الأرواح وأن اتفقت في كونها أرواحا لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها ثم أنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها قوله وقال يحيى بن أيوب هو المصري حدثني يحيى بن سعيد بهذا يعني مثل الذي قبله وقد وصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب به ورويناه موصولا في مسند أبي يعلى وفيه قصة في أوله عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت كانت امرأة مزاحة بمكة فنزلت على امرأة مثلها في المدينة فبلغ ذلك عائشة فقالت صدق حبي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ورويناه في فوائد أبي بكر بن زنبور من طريق الليث أيضا بسنده الأول بهذه القصة بمعناها قال الإسماعيلي أبو صالح ليس من شرط هذا الكتاب ولا يحيى بن أيوب في الأصول وإنما يخرج له البخاري في الاستشهاد فأورد البخاري هذا الحديث من الطريقين بلا إسناد فصار أقوى مما لو ساقه بإسناد اه وكان سبب ذلك أن الناظر في كتابه ربما اعتقد أن له عنده إسنادا آخر ولا سيما وقد ساقه بصيغة الجزم فيعتقد أنه على شرطه وليس الأمر كذلك قلت وللمتن شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم

قوله باب قول الله تعالى ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه كذا لأبي ذر ويؤيده ما وقع في الترجمة من شرح الكلمات اللاتي من هذه القصة في سورة هود وفي رواية الحفصي واتل عليهم نبأ نوح إلى قوله من المسلمين وللباقين انا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم إلى آخر السورة وقد ذكر بعض هذا الأخير في رواية أبي ذر قبل الأحاديث المرفوعة ونوح هو بن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف بن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام بعدها معجمة بن خنوخ بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة بعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو إدريس فيما يقال وقد ذكر بن جرير أن مولد نوح كان بد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عاما وأنه بعث وهو بن ثلاثمائة وخمسين وقيل غير ذلك وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين وقيل أن مدة عمره ألف سنة الا خمسين عاما قبل البعثة وبعدها وبعد الغرق فالله أعلم وصحح بن حبان من حديث أبي أمامة أن رجلا قال يا رسول الله أنبي كان آدم قال نعم قال فكم كان بينه وبين نوح قال عشرة قرون قوله قال بن عباس بادي الرأي ما ظهر لنا وصله بن أبي حاتم عن طريق عطاء عنه أي أول النظر قبل التأمل قوله أقلعي أمسكي وفار التنور نبع الماء وصل ذلك بن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قوله وقال عكرمة وجه الأرض وصله بن جرير من طريق أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة في قوله وفار التنور قال وجه الأرض قوله وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عنه وزاد تشامخت الجبال يوم الغرق وتواضع هو لله فلم يغرق وأرسيت عليه سفينة نوح قوله دأب حال وصله الفريابي من طريق مجاهد أيضا ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث الأول حديث بن عمر في ذكر الدجال وسيأتي شرحه في الفتن والغرض منه

[ 3159 ] قوله فيه ولقد أنذره نوح قومه وخص نوحا بالذكر لأنه أول من ذكره وهو أول الرسل المذكورين في قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا الثاني حديث أبي هريرة في المعنى كذلك الثالث حديث أبي سعيد في شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم لنوح بالتبليغ وسيأتي شرحه في تفسير سورة البقرة ويأتي في تفسير سورة نوح بيان السبب في عبادة قوم نوح الأصنام الرابع حديث أبي هريرة في الشفاعة قوله فيه دعوة بضم أوله الوليمة وقوله

[ 3162 ] فرفعت إليه الذراع أي ذراع الشاة وسيأتي بيان ذلك في الأطعمة قوله فنهس بنون ومهملة أي أخذ منها بأطراف أسنانه ووقع في رواية أبي ذر في المعجمة وهو قريب من المهملة قوله أنا سيد الناس يوم القيامة خصه بالذكر لظهور ذلك له يومئذ حيث تكون الأنبياء كلهم تحت لوائه ويبعثه الله المقام المحمود كما سيأتي بيانه في الرقاق مع تتمة شرح الحديث إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا قوله فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا فأما كونه أول الرسل فقد استشكل بأن آدم كان نبيا وبالضرورة تعلم أنه كان على شريعة من العبادة وأن أولاده أخذوا ذلك عنه فعلى هذا فهو رسول إليهم فيكون هو أول رسول فيحتمل أن تكون الاولية في قول أهل الموقف لنوح مقيده بقولهم إلى أهل الأرض لأنه في زمن آدم لم يكن للأرض أهل أو لأن رسالة آدم إلى بنيه كانت كالتربية للأولاد ويحتمل أن يكون المراد أنه رسول أرسل إلى بنيه وغيرهم من الأمم الذين أرسل إليهم مع تفرقهم في عدة بلاد وآدم إنما أرسل إلى بنيه فقط وكانوا مجتمعين في بلدة واحدة واستشكله بعضهم بادريس ولا يرد لأنه اختلف في كونه جد نوح كما تقدم وقد تقدم شيء من هذا في أول كتاب التيمم فيما يتعلق بخصوصية نبينا بعموم البعثة عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام وأما قولهم وسماك الله عبدا شكورا فإشارة إلى قوله تعالى انه كان عبدا شكورا وروى عبد الرزاق بسند مقطوع أن نوحا كان إذا ذهب إلى الغائط قال الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه الخامس حديث بن مسعود في قراءة

[ 3163 ] فهل من مدكر وسيأتي في تفسير اقتربت

قوله باب وان إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون إلى وتركنا عليه في الآخرين سقط لفظ باب من رواية أبي ذر وكأن المصنف رجح عنده كون إدريس ليس من أجداد نوح فلهذا ذكره بعده وسأذكر ما في ذلك في الباب الذي يليه والياس بهمزة قطع وهو اسم عبراني وأما قوله تعالى سلام على الياسين فقرأه الأكثر بصورة الاسم المذكور وزيادة ياء ونون في آخره وقرأ أهل المدينة آل ياسين بفصل آل من ياسين وكان بعضهم يتأول أن المراد سلام على آل محمد صلى الله عليه وسلم وهو بعيد ويؤيد الأول أن الله تعالى إنما أخبر في كل موضع ذكر فيه نبيا من الأنبياء في هذه السورة بأن السلام عليه فكذلك السلام في هذا الموضع على إلياس المبدأ بذكره وإنما زيدت فيه الياء والنون كما قالوا في إدريس ادراسين والله أعلم قوله قال بن عباس وصله بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى سلام على الياسين يذكر بخير قوله ويذكر عن بن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس أما قول بن مسعود فوصله عبد بن حميد وابن أبي حاتم بإسناد حسن عنه قال إلياس هو إدريس ويعقوب هو إسرائيل وأما قول بن عباس فوصله جويبير في تفسيره عن الضحاك عنه وإسناده ضعيف ولهذا لم يجزم به البخاري وقد أخذ أبو بكر بن العربي من هذا أن إدريس لم يكن جدا لنوح وإنما هو من بني إسرائيل لأن إلياس قد ورد أنه من بني إسرائيل واستدل على ذلك بقوله عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ولو كان من أجداده لقال له كما قال له آدم وإبراهيم والابن الصالح وهو استدلال جيد الا أنه قد يجاب عنه بأنه قال ذلك على سبيل التواضع والتلطف فليس ذلك نصا فيما زعم وقد قال بن إسحاق في أول السيرة النبوية لما ساق النسب الكريم فلما بلغ إلى نوح قال بن لمك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس النبي فيما يزعمون وأشار بذلك إلى أن هذا القول مأخوذ عن أهل الكتاب واختلف في ضبطه فالأكثر خنوخ بمعجمتين بعد الأولى نون بوزن ثمود وقيل بزيادة ألف في أوله وسكون المعجمة الأولى وقيل غير ذلك لكن بحذف الواو قيل كذلك لكن بدل الخاء الأولى هاء وقيل كالثاني لكن بدل المعجمة مهملة واختلف في لفظ إدريس فقيل هو عربي واشتقاقه من الدراسة وقيل له ذلك لكثرة درسه الصحف وقيل بل هو سرياني وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه بن حبان أنه كان سريانيا ولكن لا يمنع ذلك كون لفظ إدريس عربيا إذا ثبت بأن له اسمين

قوله باب ذكر إدريس سقط لفظ باب من رواية أبي ذر وزاد في رواية الحفصي وهو جد أبي نوح وقيل جد نوح قلت الأول أولى من الثاني ما تقدم ولعل الثاني أطلق ذلك مجازا لأن جد الأب جد ونقل بعضهم الإجماع على أنه جد لنوح وفيه نظر لأنه أن ثبت ما قال بن عباس أن إلياس هو إدريس لزم أن يكون إدريس من ذرية نوح لا أن نوحا من ذريته لقوله تعالى في سورة الأنعام ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان إلى أن قال وعيسى والياس فدل على أن إلياس من ذرية نوح سواء قلنا أن الضمير في قوله ومن ذريته لنوح أو لإبراهيم لأن إبراهيم من ذرية نوح فمن كان من ذرية إبراهيم فهو من ذرية نوح لا محالة وذكر بن إسحاق في المبتدأ أن إلياس هو بن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هارون أخي موسى بن عمران فالله أعلم وذكر وهب في المبتدأ أن إلياس عمر كما عمر الخضر وأنه يبقى إلى آخر الدنيا في قصة طويلة وأخرج الحاكم في المستدرك من حديث أنس أن إلياس اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وأكلا جميعا وأن طوله ثلاثمائة ذراع وأنه قال أنه لا يأكل في السنة الا مرة واحدة أورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي وقال أنه خبر باطل قوله وقوله تعالى ورفعناه مكانا عليا ثم ساق حديث الإسراء من رواية أبي ذر وقد تقدم شرحه في أوائل الصلاة وكأنه أشار بالترجمة إلى ما وقع فيه أنه وجده في السماء الرابعة وهو مكان علي بغير شك واستشكل بعضهم ذلك بأن غيره من الأنبياء أرفع مكانا منه ثم أجاب بأن المراد أنه لم يرفع إلى السماء من هو حي غيره وفيه نظر لأن عيسى أيضا قد رفع وهو حي على الصحيح وكون إدريس رفع وهو حي لم يثبت من طريق مرفوعة قوية وقد روى الطبري أن كعبا قال لابن عباس في قوله تعالى ورفعناه مكانا عليا أن إدريس سأل صديقا له من الملائكة فحمله بين جناحيه ثم صعد به فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت فقال له أريد أن تعلمني كم بقي من أجل إدريس قال وأين إدريس قال هو معي فقال أن هذا لشيء عجيب أمرت بأن أقبض روحه في السماء الرابعة فقلت كيف ذلك وهو في الأرض فقبض روحه فذلك قوله تعالى ورفعناه مكانا عليا وهذه من الاسرائيليات والله أعلم بصحة ذلك وذكر بن قتيبة أن إدريس رفع وهو بن ثلاثمائة وخمسين سنة وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه بن حبان أن إدريس كان نبيا رسولا وأنه أول من خط بالقلم وذكر بن إسحاق له أوليات كثيرة منها أنه أول من خاط الثياب تنبيه وقع في أكثر الروايات وقال عبدان وفي روايتنا من طريق أبي ذر حدثنا عبدان وصله أيضا الجوزقي من طريق محمد بن الليث عن عبد الله بن عثمان وهو عبدان به

قوله باب قول الله تعالى وإلى عاد أخاهم هودا هو هود بن عبد الله بن رباح بن جاور بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وسماه أخا لهم لكونه من قبيلتهم لا من جهة إخوة الدين هذا هو الراجح في نسبه وأما بن هشام فقال اسمه عابر بن ارفخشد بن سام بن نوح قوله إذ أنذر قومه بالاحقاف إلى قوله كذلك نجزي القوم المجرمين الأحقاف جمع حقف بكسر المهملة وهو المعوج من الرمل والمراد به هنا مساكن عاد وروى عبد بن حميد من طريق قتادة أنهم كانوا ينزلون الرمل بأرض الشحر وما والاها وذكر بن قتيبة أنهم كانوا ثلاثة عشر قبيلة ينزلون الرمل بالدو والدهناء وعالج ووبار وعمان إلى حضرموت وكانت ديارهم أخصب البلاد وأكثرها جنانا فلما سخط الله جل وعلا عليهم جعلها مفاوز قوله فيه عطاء وسليمان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى أما رواية عطاء وهو بن أبي رباح فوصلها المؤلف في باب ذكر الريح من بدء الخلق وأوله كان إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر وفي آخره وما أدري لعله كما قال قوم عاد فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم الآية وأما رواية سليمان وهو بن يسار فوصلها المؤلف في تفسير سورة الأحقاف ويأتي بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى قوله وقول الله عز وجل وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر شديدة عاتية قال بن عيينة عتت على الخزان أما تفسير الصرصر بالشديدة فهو قول أبي عبيدة في المجاز وأما تفسير بن عيينة فرويناه في تفسيره رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن غير واحد في قوله عاتية قال عتت على الخزان وما خرج منها الا مقدار الخاتم وقد وقع هذا متصلا بحديث بن عباس الذي في هذا الباب عند الطبراني من طريق مسلم الأعور عن مجاهد عن بن عباس وأخرجه بن مردويه من وجه آخر عن مسلم الأعور فبين أن الزيادة مدرجة من مجاهد وجاء نحوها عن علي موقوفا أخرجه بن أبي حاتم من طريقه قال لم ينزل الله شيئا من الريح الا بوزن على يدي ملك الا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فعبت على الخزان ومن طريق قبيصة بن ذؤيب أحد كبار التابعين نحوه بإسناد صحيح قوله حسوما متتابعة هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله سخرها عليهم أي أدامها سبع ليال وثمانية أيام حسوما ولا متتابعة وقال الخليل هو من الحسم بمعنى القطع قوله أعجاز نخل خاوية أصولها فهل ترى لهم من باقية بقية هو تفسير أبي عبيدة أيضا قال قوله خاوية أي أصولها وهي على رأي من أنث النخل وشبههم باعجاز النخل إشارة إلى عظم أجسامهم قال وهب بن منبه كان رأس أحدهم مثل القبة وقيل كان طوله اثني عشرة ذراعا وقيل كان أكثر من عشرة وروى بن الكلبي قال كان طول أقصرهم ستين ذراعا وأطولهم مائة والكلبي بألف وفي قوله فهل ترى لهم من باقية أي من بقية وفي التفسير أن الريح كانت تحمل الرجل فترفعه في الهواء ثم تلقيه فتشدخ رأسه فيبقى جثة بلا رأس فذلك قوله كأنهم أعجاز نخل خاوية وأعجاز النخل هي التي لا رؤوس لها ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن عباس وفيه وأهلكت عاد بالدبور وورد في صفة اهلاكهم بالريح ما أخرجه بن أبي حاتم من حديث بن عمر والطبراني من حديث بن عباس رفعاه ما فتح الله على عاد من الريح الا موضع الخاتم فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض فرآهم الحاضرة فقالوا هذا عارض ممطرنا فألقتهم عليهم فهلكوا جميعا ثانيها حديث أبي سعيد الخدري في ذكر الخوارج

[ 3166 ] قوله وقال بن كثير عن سفيان كذا وقع هنا وأورده في تفسير براءة قائلا حدثنا محمد بن كثير فوصله لكنه لم يسقه بتمامه وإنما اقتصر على طرف من أوله وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا قوله لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أي قتلا فلا يبقي منهم أحدا إشارة إلى قوله تعالى فهل ترى لهم من باقية ولم يرد أنه يقتلهم بالآلة التي قتلت بها عاد بعينها ويحتمل أن يكون من الإضافة إلى الفاعل ويراد به القتل الشديد القوي إشارة إلى إنهم موصوفون بالشدة والقوة ويؤيده أنه وقع في طريق أخرى قتل ثمود ثالثها حديث عبد الله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فهل من مدكر وسيأتي في التفسير إن شاء الله تعالى

قوله باب قول الله تعالى وإلى ثمود أخاهم صالحا وقوله كذب أصحاب الحجر هو صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشخ بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عامر بن إرم بن سام بن نوح وكانت منازلهم بالحجر وهو بين تبوك والحجاز قوله الحجر موضع ثمود وأما حرث حجر حرام هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى وقالوا هذه أنعام وحرث حجر أي حرام قوله وكل ممنوع فهو حجر ومنه حجرا محجورا قال أبو عبيدة في قوله تعالى ويقولون حجرا محجورا أي حراما محرما قوله والحجر كل بناء بنيته وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر ومنه سمي حطيم البيت حجرا قال أبو عبيدة ومن الحرام سمي حجر الكعبة وقال غيره سمي حطاما لأنه أخرج من البيت وترك هو محطوما وقيل الحطيم ما بين الركن والباب سمي حطيما لازدحام الناس فيه قوله كأنه مشتق من محطوم أي الحطيم مثل قتيل من مقتول وهذا على رأي الأكثر وقيل سمي حطيما لأن العرب كانت تطرح فيه ثيابها التي تطوف فيها وتتركها حتى تتحطم وتفسد بطول الزمان وسيأتي هذا فيما بعد عن بن عباس فعلى هذا هو فعيل بمعنى فاعل وقيل سمي حطيما لأنه كان من جملة الكعبة فأخرج عنها وكأنه كسر منها فيصح لهم فعيل بمعنى مفعول وقوله مشتق ليس هو محمولا على الاشتقاق الذي حدث اصطلاحه قوله ويقال للانثى من الخيل حجر ويقال للعقل حجر وحجى هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى لذي حجر أي عقل قال ويقال للأنثى من الخيل حجر قوله وأما حجر اليمامة فهو المنزل ذكره استطرادا وإلا فهذا بفتح أوله هي قصبة اليمامة البلد المشهور بين الحجاز واليمن ثم ذكر المصنف في الباب حديث عبد الله بن زمعة في ذكر عاقر الناقة قوله ومنعة بفتح الميم والنون والمهملة

[ 3197 ] قوله في قومه كذا للأكثر وللكشميهني والسرخسي في قوة قوله كأبي زمعة هو الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى وسيأتي بيان ذلك في التفسير حيث ساقه المصنف مطولا وليس لعبد الله بن زمعة في البخاري غير هذا الحديث وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث وقد فرقها في النكاح وغيره وعاقر الناقة اسمه قدار بن سالف قيل كان أحمر أزرق أصهب وذكر بن إسحاق في المبتدأ وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة أنهم كانوا اقترحوها على صالح عليه السلام فأجابهم إلى ذلك بعد أن تقنتوا في وصفها فأخرج الله له ناقة من صخرة بالصفة المطلوبة فآمن بعض وكفر بعض واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى حيث شاءت وترد الماء يوما بعد يوم وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله وكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم للغد ثم ضاق بهم الأمر في ذلك فانتدب تسعة رهط منهم قدار المذكور فباشر عقرها فلما بلغ ذلك صالحا عليه السلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيام فوقع كذلك كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه وأخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث جابر رفعه أن الناقة كانت ترد يومها فتشرب جميع الماء ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب وفي سنده إسماعيل بن عياش وفي روايته عن غير الشاميين ضعف وهذا منها ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في بئر ثمود

[ 3198 ] قوله حدثنا سليمان هو بن بلال قوله فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء بين في رواية نافع عقب هذا عن بن عمر أنه أمرهم أن يهريقوا ما استقوا من بيارها وأن يعلفوا الإبل العجين قوله ويروى عن سبرة بن معبد وأبي الشموس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلقاء الطعام أما حديث سبرة بن معبد فوصله أحمد والطبراني من طريق عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد عن أبيه عن جده سبرة وهو بفتح المهملة وسكون الموحدة الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم لأصحابه حين راح من الحجر من كان عجن منكم من هذا الماء عجينه أو حاس به حيسا فليلقه وليس لسبرة بن معبد في البخاري الا هذا الموضع وقد أغفله المزي في الأطراف كالذي بعده وأما حديث أبي الشموس وهو بمعجمة ثم مهملة وهو بكري لا يعرف اسمه فوصل حديثه البخاري في الأدب المفرد والطبراني وابن منده من طريق سليم بن مطير عن أبيه عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فذكر الحديث وفيه فألقى ذو العجين عجينه وذو الحيس حيسه ورواه بن أبي عاصم من هذا الوجه وزاد فقلت يا رسول الله قد حسيت حيسة أفألقمها راحلتي قال نعم قوله وقال أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم من اعتجن بمائه وصله البزار من طريق عبد الله بن قدامة عنه إنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتوا على واد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم إنكم بواد ملعون فأسرعوا وقال من اعتجن عجينه أو طبخ فدرا فليكبها الحديث وقال لا أعلمه إلا بهذا الإسناد

[ 3199 ] قوله في آخر حديث نافع وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كان تردها الناقة في رواية الكشميهني التي كانت تردها الناقة وتضمنت هذه الرواية زيادة على الروايات الماضية وسئل شيخنا الإمام البلقيني من أين علمت تلك البئر فقال بالتواتر إذ لا يشترط فيه الإسلام انتهى والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها بالوحي ويحمل كلام الشيخ على من سيجيء بعد ذلك وفي الحديث كراهة الاستقاء من بيار ثمود ويلتحق بها نظائرها من الآبار والعيون التي كانت لمن هلك بتعذيب الله تعالى على كفره واختلف في الكراهة المذكورة هل هي للتنزيه أو للتحريم وعلى التحريم هل يمتنع صحة التطهر من ذلك الماء أم لا وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب من أوائل الصلاة قوله تابعه أسامة يعني بن زيد الليثي عن نافع أي عن بن عمر روينا هذه الطريق موصولة في حديث حرملة عن بن وهب قال أخبرنا أسامة بن زيد فذكر مثل حديث عبيد الله وهو بن عمر العمري وفي آخره وأمرهم أن ينزلوا على بئر ناقة صالح ويستقوا منها

[ 3200 ] قوله حدثنا محمد هو بن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك قوله لا تدخلوا مساكن الذي ظلموا زاد في رواية الكشميهني أنفسهم وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم وأن كان السبب ورد فيهم قوله في الرواية الأخرى حدثنا وهب هو بن جرير بن حازم ويونس هو بن يزيد الأيلي قوله الا أن تكونوا باكين كذا للجميع لكن زعم بن التين أنه وقع في رواية القابسي الا أن تكونوا باكين بتحتانيتين قال وليس بصحيح لأن الياء الأولى مكسورة في الأصل فاستثقلت الكسرة وحذفت إحدى الياءين لالتقاء الساكنين قوله أن يصيبكم ما أصابهم أي كراهية أو خشية أن يصيبكم والتقدير عند الكوفيين لئلا يصيبكم ويؤيد الأول أنه وقع في رواية لأحمد الا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم وروى أحمد والحاكم بإسناد حسن عن جابر قال لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح وكانت الناقة ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم وكانت تشرب يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم الا رجلا واحدا كان في حرم الله وهو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أبو رغال هو الجد الأعلى لثقيف وهو بكسر الراء وتخفيف الغين المعجمة تنبيه وقع هذا الباب في أكثر نسخ البخاري متأخرا عن هذا الموضع بعدة أبواب والصواب إثباته هنا وهذا مما يؤيد ما حكاه أبو الوليد الباجي عن أبي ذر الهروي أن نسخة الأصل من البخاري كانت ورقا غير محبوك فربما وجدت الورقة في غير موضعها فنسخت على ما وجدت فوقع في بعض التراجم اشكال بحسب ذلك وإلا فقد وقع في القرآن ما يدل على أن ثمود كانوا بعد عاد كما كان عاد بعد قوم نوح

قوله باب قول الله تعالى ويسألونك عن ذي القرنين إلى قوله سببا كذا لأبي ذر وساق غيره الآية ثم اتفقوا إلى قوله تعالى آتوني زبر الحديد وفي إيراد المصنف ترجمة ذي القرنين قبل إبراهيم إشارة إلى توهين قول من زعم أنه الإسكندر اليوناني لأن الإسكندر كان قريبا من زمن عيسى عليه السلام وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة والذي يظهر أن الإسكندر المتأخر لقب بذي القرنين تشبيها بالمتقدم لسعة ملكه وغلبته على البلاد الكثيرة أو لأنه لما غلب على الفرس وقتل ملكهم انتظم له ملك المملكتين الواسعتين الروم والفرس فلقب ذا القرنين لذلك والحق أن الذي قص الله نبأه في القرآن هو المتقدم والفرق بينهما من أوجه أحدها ما ذكرته والذي يدل على تقدم ذي القرنين ما روى الفاكهي من طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين أن ذا القرنين حج ماشيا فسمع به إبراهيم فتلقاه ومن طريق عطاء عن بن عباس أن ذا القرنين دخل المسجد الحرام فسلم على إبراهيم وصافحه ويقال أنه أول من صافح ومن طريق عثمان بن ساج أن ذا القرنين سأل إبراهيم أن يدعو له فقال وكيف وقد أفسدتم بئري فقال لم يكن ذلك عن أمري يعني أن بعض الجند فعل ذلك بغير علمه وذكر بن هشام في التيجان أن إبراهيم تحاكم إلى ذي القرنين في شيء فحكم له وروى بن أبي حاتم من طريق على بن أحمد أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة فاستفهمهما عن ذلك فقالا نحن عبدان مأموران فقال من يشهد لكما فقامت خمسة أكبش فشهدت فقال قد صدقتم قال وأظن الأكبش المذكورة حجارة ويحتمل أن تكون غنما فهذه الآثار يشد بعضها بعضا ويدل على قدم عهد ذي القرنين ثاني الأوجه قال الفخر الرازي في تفسيره كان ذو القرنين نبيا وكان الإسكندر كافرا وكان معلمه ارسطا طاليس وكان يأتمر بأمره وهو من الكفار بلا شك وسأذكر ما جاء في أنه كان نبيا أم لا ثالثها كان ذو القرنين من العرب كما سنذكر بعد وأما الإسكندر فهو من اليونان والعرب كلها من ولد سام بن نوح بالاتفاق وأن وقع الاختلاف هل هم كلهم من بني إسماعيل أو لا واليونان من ولد يافث بن نوح على الراجح فافترقا وشبهة من قال أن ذا القرنين هو الإسكندر ما أخرجه الطبري ومحمد بن ربيع الجيزي في كتاب الصحابة الذين نزلوا مصر بإسناد فيه بن لهيعة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فقال كان من الروم فأعطى ملكا فصار إلى مصر وبنى الإسكندرية فلما فرغ أتاه ملك فعرج به فقال انظر ما تحتك قال أرى مدينة واحدة قال تلك الأرض كلها وإنما أراد الله أن يريك وقد جعل لك في الأرض سلطانا فسر فيها وعلم الجاهل وثبت العالم وهذا لو صح لرفع النزاع ولكنه ضعيف والله أعلم وقد اختلف في ذي القرنين فقيل كان نبيا كما تقدم وهذا مروي أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعليه ظاهر القرآن وأخرج الحاكم من حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم لا أدري ذو القرنين كان نبيا أو لا وذكر وهب في المبتدأ أنه كان عبدا صالحا وأن الله بعثه إلى أربعة أمم أمتين بينهما طول الأرض وأمتين بينهما عرض الأرض وهي ناسك ومنسك وتاويل وهاويل فذكر قصة طويلة حكاها الثعلبي في تفسيره وقال الزبير في أوائل كتاب النسب حدثنا إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمعت بن الكوا يقول لعلي بن أبي طالب أخبرني ما كان ذو القرنين قال كان رجلا أحب الله فأحبه بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه ضربة مات منها ثم بعثه الله إليهم فضربوه على قرنه ضربة مات منها ثم بعثه الله فسمى ذو القرنين وعبد العزيز ضعيف ولكن توبع على أبي الطفيل أخرجه سفيان بن عيينة في جامعه عن بن أبي حسين عن أبي الطفيل نحوه وزاد وناصح الله فناصحه وفيه لم يكن نبيا ولا ملكا وسنده صحيح سمعناه في الأحاديث المختارة للحافظ الضياء وفيه اشكال لأن قوله ولم يكن نبيا مغاير لقوله بعثه الله إلى قومه الا أن يحمل البعث على غير رسالة النبوة وقيل كان ملكا من الملائكة حكاه الثعلبي وهذا مروي عن عمر أنه سمع رجلا يقول ياذا القرنين فقال تسمية بأسماء الملائكة وحكى الجاحظ في الحيوان أن أمه كانت من بنات آدم وأن أباه كان من الملائكة قال واسم أبيه فيرى واسم أمه غيرى وقيل كان من الملوك وعليه الأكثر وقد تقدم من حديث على ما يومئ إلى ذلك وسيأتي في ترجمة موسى في الكلام على أخبار الخضر واختلف في سبب تسميته ذا القرنين فتقدم قول علي وقيل لأنه بلغ المشرق والمغرب أخرجه الزبير بن بكار من طريق سليمان بن أسيد عن بن شهاب قال إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها وقيل لأنه ملكهما وقيل رأى في منامه أنه أخذ بقرني الشمس وقيل كان له قرنان حقيقة وهذا أنكره علي في رواية القاسم بن أبي بزة وقيل لأنه كان له ضفيرتان تواريهما ثيابه وقيل لأنه كانت له غديرتان طويلتان من شعره حتى كان يطأ عليهما وتسمية الضفيرة من الشعر قرنا معروف ومنه قول أم عطية وضفرنا شعرها ثلاثة قرون ومنه قول جميل فلثمت فاها آخذا بقرونها وقيل كانت صفحتا رأسه من نحاس وقيل لتاجه قرنان وقيل كان في رأسه شبة القرنين وقيل لأنه دخل النور والظلمة وقيل لأنه عمر حتى فني في زمنه قرنان من الناس وقيل لأن قرني الشيطان عند مطلع الشمس وقد بلغه وقيل لأنه كان كريم الطرفين أمه وأبوه من بيت شرف وقيل لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعا وقيل لأنه أعطي علم الظاهر والباطن وقيل لأنه ملك فارس والروم وقد اختلف في اسمه فروى بن مردويه من حديث بن عباس وأخرجه الزبير في كتاب النسب عن إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس قال ذو القرنين عبد الله بن الضحاك بن معد بن عدنان وإسناده ضعيف جدا لضعف عبد العزيز وشيخه وهو مباين لما تقدم أنه كان في زمن إبراهيم فكيف يكون من ذريته لا سيما على قول من قال كان بين عدنان وإبراهيم أربعون أبا أو أكثر وقيل اسمه الصعب وبه جزم كعب الأحبار وذكره بن هشام في التيجان عن بن عباس أيضا وقال أبو جعفر بن حبيب في كتاب المحبر هو المنذر بن أبي القيس أحد ملوك الحيرة وأمه ماء السماء ماوية بنت عوف بن جشم قال وقيل اسمه الصعب بن قرن بن همال من ملوك حمير وقال الطبري هو اسكندروس بن فيلبوس وقيل فيلبس وبالثاني جزم المسعودي وقيل اسمه الهميسع ذكره الهمداني في كتب النسب قال وكنيته أبو الصعب وهو بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ وقيل بن عبد الله بن قريب بن منصور بن عبد الله بن الأزد وقيل بإسقاط عبد الله الأول وأما قول بن إسحاق الذي حكاه بن هشام عنه أن اسم ذي القرنين مرزبان بن مردية بدال مهملة وقيل بزاي فقد صرح بأنه الإسكندر ولذلك اشتهر على الألسنة لشهرة السيرة لابن إسحاق قال السهيلي والظاهر من علم الأخبار أنهما اثنان أحدهما كان على عهد إبراهيم ويقال أن إبراهيم تحاكم إليه في بئر السبع بالشام فقضى لإبراهيم والآخر كان قريبا من عهد عيسى قلت لكن الأشبه أن المذكور في القرآن هو الأول بدليل ما ذكر في ترجمة الخضر حيث جرى ذكره في قصة موسى قريبا أنه كان على مقدمة ذي القرنين وقد ثبتت قصة الخضر مع موسى وموسى كان قبل زمن عيسى قطعا وتأتي بقية أخبار الخضر هناك إن شاء الله تعالى فهذا على طريقة من يقول أنه الإسكندر وحكى السهيلي أنه قيل أنه رجل من ولد يونان بن يافث اسمه هرمس ويقال هرديس وحكى القرطبي المفسر تبعا للسهيلي أنه قيل أنه أفريدون وهو الملك القديم للفرس الذي قتل الضحاك الجبار الذي يقول فيه الشاعر فكأنه الضحاك في فتكاته بالعالمين وأنت أفريدون وللضحاك قصص طويلة ذكرها الطبري وغيره والذي يقوي أن ذا القرنين من العرب كثرة ما ذكروه في أشعارهم قال أعشى بن ثعلبة والصعب ذو القرنين أمسى ثاويا بالحنو في جدث هناك مقيم والحنو بكسر المهملة وسكون النون في ناحية المشرق وقال الربيع بن ضبيع والصعب ذو القرنين عمر ملكه ألفين أمسى بعد ذاك رميما وقال قس بن ساعدة والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا باللحد بين ملاعب الأرياح وقال تبع الحميري قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ملكا تدين له الملوك وتحشد من بعده بلقيس كانت عمتي ملكتهم حتى أتاها الهدهد وقال بعض الحارثين يفتخر بكون ذي القرنين من اليمن يخاطب قوما من مضر سموا لنا واحدا منكم فنعرفه في الجاهلية لاسم الملك محتملا كالتبعين وذي القرنين يقبله أهل الحجى وأحق القول ما قبلا وقال النعمان بن بشير الأنصاري الصحابي بن الصحابي ومن ذا يعادينا من الناس معشر كرام وذو القرنين منا وحاتم انتهى ويؤخذ من أكثر هذه الشواهد أن الراجح في اسمه الصعب ووقع ذكر ذي القرنين أيضا في شعر امرئ القيس وأوس بن حجر وطرفة بن العبد وغيرهم وأخرج الزبير بن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن الضحاك بن عثمان عن أبيه عن سفيان الثوري قال بلغني أنه ملك الدنيا كلها أربعة مؤمنان وكافران سليمان النبي عليه السلام وذو القرنين ونمرود وبختنصر ورواه وكيع في تفسيره عن العلاء بن عبد الكريم سمعت مجاهدا يقول ملك الأرض أربعة فسماهم قوله سببا طريقا هو قول أبي عبيدة في المجاز وروى بن أبي شيبة من حديث علي مرفوعا أنه قيل له كيف بلغ ذو القرنين المشرق والمغرب قال سخر له السحاب وبسط له النور وبدت له الأسباب قوله زبر الحديد وأحدها زبرة وهي القطع هو قول أبي عبيدة أيضا قال زبر الحديد أي قطع الحديد وأحدها زبرة قوله حتى إذا ساوى بين الصدفين يقال عن بن عباس الجبلين وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله بين الصدفين قال بين الجبلين وقال أبو عبيدة قوله بين الصدفين أي ما بين الناحيتين من الجبلين قوله والسدين الجبلين روى بن أبي حاتم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا في قصة ذي القرنين وأنه سار حتى بلغ مطلع الشمس ثم أتى السدين وهما جبلان لينان يزلق عنهما كل شيء فبنى السدين وفي إسناده ضعف والسدين بالفتح والضم بمعنى قاله الكسائي وقال أبو عمرو بن العلاء ما كان من صنع الله فبالضم وما كان من صنع الآدمي فبالفتح وقيل بالفتح ما رأيته وبالضم ما توارى عنك قوله خرجا أجرا روى بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس قال خرجا قال أجرا عظيما قوله أتوني أفرغ عليه قطرا أصب عليه رصاصا ويقال الحديد ويقال الصفر وقال بن عباس النحاس أما القول الأول والثاني فحكاهما أبو عبيدة قال في قوله أفرغ عليه قطرا أي أصب عليه حديدا ذائبا وجعله قوم الرصاص انتهى والرصاص بفتح الراء وبكسرها أيضا وأما الثالث فرواه بن أبي حاتم من طريق الضحاك قال أفرغ عليه قطرا قال صفرا وأما قول بن عباس فوصله بن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى عكرمة عن بن عباس قال أفرغ عليه قطرا قال النحاس ومن طريق السدي قال القطر النحاس المذاب وبناه لهم بالحديد والنحاس ومن طريق وهب بن منبه قال شرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل له عرقا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد قوله فما اسطاعوا أن يظهروه يعلوه هو قول أبي عبيدة قال فما اسطاعوا أن يظهروه أي أن يعلوه تقول ظهرت فوق الجبل أي علوته قوله اسطاع استفعل من طعت له فلذلك فتح أسطاع يسطيع وقال بعضهم استطاع يستطيع يعني بفتح الهمزة من أسطاع وضم الياء من يسطيع قوله جعله دكاء ألزقه بالأرض ويقال ناقة دكاء لا سنام لها والدكداك من الأرض مثله حتى صلب وتلبد قال أبو عبيدة جعله دكاء أي تركه مدكوكا أي ألزقه بالأرض ويقال ناقة دكاء أي لا سنام لها مستوية الظهر والعرب تصف الفاعل والمفعول بمصدرهما فمن ذلك جعله دكا أي مدكوكا قوله وقال قتادة حدب أكمة قال عبد الرزاق في التفسير عن معمر عن قتادة في قوله حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون قال من كل أكمة ويأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوح روى بن مردويه والحاكم من حديث حذيفة مرفوعا يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربعمائة ألف رجل لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه كلهم قد حمل السلاح لا يمرون على شيء إذا خرجوا الا أكلوه ويأكلون من مات منهم وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وقد أشار النووي وغيره إلى حكاية من زعم أن آدم نام فاحتلم فاختلط منيه بتراب فتولد منه ولد يأجوج ومأجوج من نسله وهو قول منكر جدا لا أصل له الا عن بعض أهل الكتاب وذكر بن هشام في التيجان أن أمة منهم آمنوا بالله فتركهم ذو القرنين لما بنى السد بأرمينية فسموا الترك لذلك قوله وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم رأيت السد مثل البرد المحبر قال رأيته وصله بن أبي عمر من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن رجل من أهل المدينة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال كيف رأيته قال مثل البرد المحبر طريقة حمراء وطريقة سوداء قال قد رأيته ورواه الطبراني من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن رجلين عن أبي بكرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال فذكر نحوه وزاد فيه زيادة منكرة وهي والذي نفسي بيده لقد رأيته ليلة أسري بي لبنة من ذهب ولبنة من فضة وأخرجه البزار من طريق يوسف بن أبي مريم الحنفي عن أبي بكرة ورجل رأى السد فساقه مطولا ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث موصولة أحدها حديث زينب بنت جحش في ذكر ردم يأجوج ومأجوج وسيأتي شرحه مستوفى في آخر كتاب الفتن ثانيها حديث أبي هريرة نحوه باختصار ويأتي هناك أيضا ثالثها حديث أبي سعيد في بعث النار وسيأتي شرحه في أواخر الرقاق والغرض منه هنا ذكر يأجوج وماجوج والإشارة إلى كثرتهم وأن هذه الأمة بالنسبة إليهم نحو عشر عشر العشر وأنهم من ذرية آدم ردا على من قال خلاف ذلك

قوله باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا وقوله أن إبراهيم كان أمة قانتا لله وقوله ان إبراهيم لأواه حليم وكأنه أشار بهذه الآيات إلى ثناء الله تعالى على إبراهيم عيه السلام وإبراهيم بالسريانية معناه أب راحم والخليل فعيل بمعنى فاعل وهو من الخلة بالضم وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله وهذا صحيح بالنسبة إلى ما في قلب إبراهيم من حب الله تعالى وأما إطلاقه في حق الله تعالى فعلى سبيل المقابلة وقيل الخلة أصلها الاستصفاء وسمي بذلك لأنه يوالى ويعادي في الله تعالى وخلة الله له نصره وجعله إماما وقيل هو مشتق من الخلة بفتح المعجمة وهي الحاجة سمي بذلك لانقطاعه إلى ربه وقصره حاجته عليه وسيأتي تفسير الآية في تفسير النحل إن شاء الله تعالى وإبراهيم هو بن آزر واسمه تارح بمثناة وراء مفتوحة وآخره حاء مهملة بن ناحور بنون ومهملة مضمومة بن شاروخ بمعجمة وراء مضمومة وآخره خاء معجمة بن راغوء بغين نعجمة بن فالخ بفاء ولام مفتوحة بعدها معجمة بن عبير ويقال عابر وهو بمهملة وموحدة بن شالخ بمعجمتين بن أرفخشذ بن سام بن نوح لا يختلف جمهور أهل النسب ولا أهل الكتاب في ذلك الا في النطق ببعض هذه الأسماء نعم ساق بن حبان في أول تاريخه خلاف ذلك وهو شاذ قوله وقال أبو ميسرة الرحيم بلسان الحبشة يعني الأواه وهذا الأثر وصله وكيع في تفسيره من طريق أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال الاواه الرحيم بلسان الحبشة وروى بن أبي حاتم من طريق بن مسعود بإسناد حسن قال الأواه الرحيم ولم يقل بلسان الحبشة ومن طريق عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين قال قال رجل يا رسول الله الأواه قال الخاشع المتضرع في الدعاء ومن طريق بن عباس قال الأواه الموقن ومن طريق مجاهد قال الأواه الحفيظ الرجل يذنب الذنب سرا ثم يتوب منه سرا ومن وجه آخر عن مجاهد قال الأواه المنيب الفقيه الموفق ومن طريق الشعبي قال الأواه المسبح ومن طريق كعب الأحبار في قوله أواه قال كان إذا ذكر النار قال أواه من عذاب الله ومن طريق أبي ذر قال كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه أوه أوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لأواه رجاله ثقات الا أن فيه رجلا مبهما وذكر أبو عبيدة أنه فعال من التأوه ومعناه متضرع شفقا ولزوما لطاعة ربه ثم ذكر المصنف في الباب عشرين حديثا أحدها حديث بن عباس في صفة الحشر والمقصود منه

[ 3171 ] قوله وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام وروى البيهقي في الأسماء من وجه آخر عن بن عباس مرفوعا أول من يكسى إبراهيم حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ويؤتى بي فأكسى حلة لا يقوم لها البشر ويقال أن الحكمة في خصوصية إبراهيم بذلك لكونه ألقي في النار عريانا وقيل لأنه أول من لبس السراويل ولا يلزم من خصوصيته عليه السلام بذلك تفضيله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن المفضول قد يمتاز بشيء يخص به ولا يلزم منه الفضيلة المطلقة ويمكن أن يقال لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على القول بأن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه وسيأتي مزيد لهذا في أواخر الرقاق وقد ثبت لإبراهيم عليه السلام أوليات أخرى كثيرة منها أول من ضاف الضيف وقص الشارب واختتن ورأى الشيب وغير ذلك وقد أتيت على ذلك بأدلة في كتابي إقامة الدلائل على معرفة الأوائل وسيأتي شرح حديث الباب مستوفى في أواخر الرقاق إن شاء الله تعالى ثانيها حديث أبي هريرة يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وسيأتي شرحه في تفسير الشعراء إن شاء الله تعالى ثالثا حديث بن عباس في رؤية الصور في البيت أخرجه من وجهين وقد مضى أيضا في الحج ويأتي شرحه فيما يتعلق بالأزلام في تفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى رابعها حديث أبي هريرة قيل يا رسول الله من أكرم الناس وسيأتي شرحه في قصة يعقوب

[ 3175 ] قوله وقال أبو أسامة ومعتمر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة يعني أنهما خالفا يحيى القطان في الإسناد فلم يقولا فيه عن سعيد عن أبيه ورواية أبي أسامة وصلها المصنف في قصة يوسف ورواية معتمر وصلها المؤلف في قصة يعقوب خامسها حديث سمرة في المنام الطويل الذي تقدم مع بعض شرحه في آخر الجنائز ذكر منه هنا طرفا وهو

[ 3176 ] قوله فأتينا على رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا وأنه إبراهيم عليه السلام وسيأتي شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى في كتاب التعبير سادسها حديث بن عباس وقد سبق في الحج ويأتي شرحه في ذكر الدجال وغيره والغرض منه

[ 3177 ] قوله أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم وأشار بذلك إلى نفسه فإنه كان أشبه الناس بإبراهيم عليه السلام سابعها حديث أبي هريرة اختتن إبراهيم وهو بن ثمانين سنة بالقدوم رويناه بالتشديد عن الأصيلي والقابسي ووقع في رواية غيرهما بالتخفيف قال النووي لم يختلف الرواة عند مسلم في التخفيف وأنكر يعقوب بن شيبة التشديد أصلا واختلف في المراد به فقيل هو اسم مكان وقيل اسم آله النجار فعلى الثاني هو بالتخفيف لا غير وعلى الأول ففيه اللغتان هذا قول الأكثر وعكسه الداودي وقد أنكر بن السكيت التشديد في الآلة ثم اختلف فقيل هي قرية بالشام وقيل ثنية بالسراة والراجح أن المراد في الحديث الآلة فقد روى أبو يعلى من طريق علي بن رباح قال أمر إبراهيم بالختان فاختتن بقدوم فاشتد عليه فأوحى الله إليه أن عجلت قبل أن نأمرك بآلته فقال يا رب كرهت أن أؤخر أمرك

[ 3178 ] قوله حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد وقال بالقدوم مخففة يعني أنه روى الحديث المذكور بالإسناد المذكور أولا وصرح بتخفيف الدال وهذا يؤيد رواية الأصيلي والقابسي تنبيه وقع في بعض النسخ تقديم رواية أبي اليمان بعد رواية قتيبة والذي هنا هو المعتمد قوله تابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد وتابعه عجلان عن أبيه عن أبي هريرة ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أما متابعة عبد الرحمن بن إسحاق فوصلها مسدد في مسنده عن بشر بن المفضل عنه ولفظه اختتن إبراهيم بعد ما مرت به ثمانون واختتن بالقدوم وأما متابعة عجلان فوصلها أحمد عن يحيى القطان عن بن عجلان مثل رواية قتيبة وأما رواية محمد بن عمرو فوصلها أبو يعلى في مسنده من هذا الوجه ولفظه اختتن إبراهيم على رأس ثمانين سنة واختتن بالقدوم فاتفقت هذه الروايات على أنه كان بن ثمانين سنة عند اختتانه ووقع في الموطأ موقوفا عن أبي هريرة وعند بن حبان مرفوعا أن إبراهيم اختتن وهو بن مائة وعشرين سنة والظاهر أنه سقط من المتن شيء فإن هذا القدر هو مقدار عمره ووقع في آخر كتاب العقيقة لأبي الشيخ من طريق الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب موصولا مرفوعا مثله وزاد وعاش بعد ذلك ثمانين سنة فعلى هذا يكون عاش مائتي سنة والله أعلم وجمع بعضهم بأن الأول حسب من مبدأ نبوته والثاني من مبدأ مولده الحديث الثامن

[ 3179 ] قوله حدثنا سعيد بن تليد بفتح المثناة وكسر اللام وبعد التحتانية الساكنة مهملة الرعيني بمهملتين ونون مصغر مصري مشهور وأيوب هو السختياني ومحمد هو بن سيرين وقد أورده المصنف من وجهين عن أيوب وساقه على لفظ حماد بن زيد عن أيوب ولم يقع التصريح برفعه في روايته وقد رواه في النكاح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد فصرح برفعه لكن لم يسق لفظه ولم يقع رفعه هنا في رواية النسفي ولا كريمة وهو المعتمد في رواية حماد بن زيد وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر غير مرفوع والحديث في الأصل مرفوع كما في رواية جرير بن حازم وكما في رواية هشام بن حسان عن بن سيرين عند النسائي والبزار وابن حبان وكذا تقدم في البيوع من رواية الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا ولكن بن سيرين كان غالبا لا يصرح برفع كثير من حديثه قوله لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام الا ثلاث كذبات قال أبو البقاء الجيد أن يقال بفتح الذال في الجمع لأنه جمع كذبة بسكون الذال وهو اسم لا صفة لأنك تقول كذب كذبة كما تقول ركع ركعة ولو كان صفة لكن في الجمع وقد أورد على هذا الحصر ما رواه مسلم من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة في حديث الشفاعة الطويل فقال في قصة إبراهيم وذكر كذباته ثم ساقه من طريق أخرى من هذا الوجه وقال في آخره وزاد في قصة إبراهيم وذكر قوله في الكوكب هذا ربي وقوله لآلهتهم بل فعله كبيرهم هذا وقوله اني سقيم انتهى قال القرطبي ذكر الكوكب يقتضي أنها أربع وقد جاء في رواية بن سيرين بصيغة الحصر فيحتاج في ذكر الكوكب إلى تأويل قلت الذي يظهر أنها وهم من بعض الرواة فإنه ذكر قوله في الكوكب بدل قوله في سارة والذي اتفقت عليه الطرق ذكر سارة دون الكوكب وكأنه لم يعد مع أنه أدخل من ذكر سارة لما نقل أنه قاله في حال الطفولية فلم يعدها لأن حال الطفولية ليست بحال تكليف وهذه طريقة بن إسحاق وقيل إنما قال ذلك بعد البلوغ لكنه قاله على طريق الاستفهام الذي يقصد به التوبيخ وقيل قاله على طريق الاحتجاج على قومه تنبيها على أن الذي يتغير لا يصلح للربوبية وهذا قول الأكثر أنه قال توبيخا لقومه أو تهكما بهم وهو المعتمد ولهذا لم يعد ذلك في الكذبات وأما إطلاقه الكذب على الأمور الثلاثة فلكونه قال قولا يعتقده السامع كذبا لكنه إذا حقق لم يكن كذبا لأنه من باب المعاريض المحتملة للامرين فليس بكذب محض فقوله اني سقيم يحتمل أن يكون أراد إني سقيم أي سأسقم واسم الفاعل يستعمل بمعنى المستقبل كثيرا ويحتمل أنه أراد إني سقيم بما قدر علي من الموت أو سقيم الحجة على الخروج معكم وحكى النووي عن بعضهم أنه كان تأخذه الحمى في ذلك الوقت وهو بعيد لأنه لو كان كذلك لم يكن كذبا لا تصريحا ولا تعريضا وقوله بل فعله كبيرهم قال القرطبي هذا قاله تمهيدا للاستدلال على أن الأصنام ليست بآلهة وقطعا لقومه في قولهم أنها تضر وتنفع وهذا الاستدلال يتجوز فيه في الشرط المتصل ولهذا أردف قوله بل فعله كبيرهم بقوله فاسألوهم أن كانوا ينطقون قال بن قتيبة معناه أن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم هذا فالحاصل أنه مشترط بقوله ان كانوا ينطقون أو أنه أسند إليه ذلك لكونه السبب وعن الكسائي أنه كان يقف عند قوله بل قعله أي فعله من فعله كائنا من كان ثم يبتدئ كبيرهم هذا وهذا خبر مستقل ثم يقول فاسألوهم إلى آخره ولا يخفى تكلفه وقوله هذه أختي يعتذر عنه بأن مراده أنها أخته في الإسلام كما سيأتي واضحا قال بن عقيل دلالة العقل تصرف ظاهر إطلاق الكذب على إبراهيم وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقا به ليعلم صدق ما جاء به عن الله ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه فكيف مع وجود الكذب منه وإنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام يعني إطلاق الكذب على ذلك الا في حال شدة الخوف لعلو مقامه وإلا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعا لأعظمهما وأما تسميته إياها كذبات فلا يريد أنها تذم فإن الكذب وإن كان قبيحا مخلا لكنه قد يحسن في مواضع وهذا منها قوله ثنتين منهن في ذات الله خصهما بذلك لأن قصة سارة وإن كانت أيضا في ذات الله لكن تضمنت حظا لنفسه ونفعا له بخلاف الثنتين الأخيرتين فإنهما في ذات الله محضا وقد وقع في رواية هشام بن حسان المذكورة أن إبراهيم لم يكذب قط الا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله وفي حديث بن عباس عند أحمد والله إن جادل بهن الا عن دين الله قوله بينا هو ذات يوم وسارة في رواية مسلم وواحدة في شأن سارة فأنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت الناس واسم الجبار المذكور عمرو بن امرئ القيس بن سبأ وأنه كان على مصر ذكره السهيلي وهو قول بن هشام في التيجان وقيل اسمه صادوق وحكاه بن قتيبة وكان على الأردن وقيل سنان بن علوان بن عبيد بن عريج بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح حكاه الطبري ويقال أنه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم قوله فقيل له أن هذا رجل في رواية المستملي إن هنا رجلا وفي كتاب التيجان أن قائل ذلك رجل كان إبراهيم يشتري منه القمح فنم عليه عند الملك وذكر أن من جملة ما قاله للملك أني رأيتها تطحن وهذا هو السبب في إعطاء الملك لها هاجر في آخر الأمر وقال أن هذه لا تصلح أن تخدم نفسها قوله من أحسن الناس في صحيح مسلم في حديث الإسراء الطويل من رواية ثابت عن أنس في ذكر يوسف أعطى شطر الحسن زاد أبو يعلى من هذا الوجه أعطى يوسف وأمه شطر الحسن يعني سارة وفي رواية الأعرج الماضية في أواخر البيوع هاجر إبراهيم بسارة فدخل بها قرية فيها ملك أو جبار فقيل دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء واختلف في والد سارة مع القول بان اسمه هاران فقيل هو ملك حران وأن إبراهيم تزوجها لما هاجر من بلاد قومه إلى حران وقيل هي ابنه أخيه وكان ذلك جائزا في تلك الشريعة حكاه بن قتيبة والنقاش واستبعد وقيل بل هي بنت عمه وتوافق الاسمان وقد قيل في اسم أبيها توبل قوله فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه قال أختي فأتى سارة فقال يا سارة ليس على وجه الأرض الخ هذا ظاهر في أنه سأله عنها أولا ثم أعلمها بذلك لئلا تكذبه عنده وفي رواية هشام بن حسان أنه قال لها أن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختي وأنك أختي في الإسلام فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار فأتاه فقال لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي أن تكون الا لك فأرسل إليها الحديث فيمكن أن يجمع بينهما بأن إبراهيم أحس بأن الملك سيطلبها منه فأوصاها بما أوصاها فلما وقع ما حسبه أعاد عليها الوصية واختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه الوصية مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها أختا كانت أو زوجة فقيل كان من دين ذلك الملك أن لا يتعرض الا لذوات الأزواج كذا قيل ويحتاج إلى تتمة وهو أن إبراهيم أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما وذلك أن اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة لكن إن علم أن لها زوجا في الحياة حملته الغيرة على قتله واعدامه أو حبسه واضراره بخلاف ما إذا علم أن لها أخا فإن الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الملك فلا يبالي به وقيل أراد إن علم أنك امرأتي ألزمني بالطلاق والتقرير الذي قررته جاء صريحا عن وهب بن منبه فيما أخرجه بن حميد في تفسيره من طريقه وقيل كان من دين الملك أن الأخ أحق بأن تكون أخته زوجته من غيره فلذلك قال هي أختي اعتمادا على ما يعتقده الجبار فلا ينازعه فيها وتعقب بأنه لو كان كذلك لقال هي أختي وأنا زوجها فلم اقتصر على قوله هي أختي وأيضا فالجواب إنما يفيد لو كان الجبار يريد أن يتزوجها لا أن يغتصبها نفسها وذكر المنذري في حاشية السنن عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأى الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها فلذلك قال إبراهيم هي أختي لأنه إن كان عادلا خطبها منه ثم يرجو مدافعته عنها وإن كان ظالما خلص من القتل وليس هذا ببعيد مما قررته أولا وهذا أخذ من كلام بن الجوزي في مشكل الصحيحين فإنه نقله عن بعض علماء أهل الكتاب أنه سأله عن ذلك فأجاب به قوله ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك يشكل عليه كون لوط كان معه كما قال تعالى فآمن له لوط ويمكن أن يجاب بأن مراده بالأرض الأرض التي وقع له فيها ما وقع ولم يكن معه لوط إذ ذاك قوله فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ كذا في أكثر الروايات وفي بعضها ذهب يناولها يده وفي رواية مسلم فقام إبراهيم إلى الصلاة فلما دخلت عليه أي على الملك لم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة وفي رواية أبي الزناد عن الأعرج من الزيادة فقام إليها فقامت توضأ وتصلي وقوله في هذه الرواية فغط هو بضم المعجمة في أوله وقوله حتى ركض برجله يعني أنه اختنق حتى صار كأنه مصروع قيل الغط صوت النائم من شدة النفخ وحكى بن التين أنه ضبط في بعض الأصول فغط بفتح الغين والصواب ضمها ويمكن الجمع بأنه عوقب تارة بقبض يده وتارة بالصراعة وقوله فدعت من الدعاء في رواية الأعرج المذكورة ولفظه فقالت اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي الا على زوجي فلا تسلط علي الكافر ويجاب عن قولها أن كنت مع كونها قاطعة بأنه سبحانه وتعالى يعلم ذلك بأنها ذكرته على سبيل الفرض هضما لنفسها قوله فقال ادعى الله لي ولا أضرك في رواية مسلم فقال لها ادعى الله أن يطلق يدي ففعلت في رواية أبي الزناد المذكورة قال أبو سلمة قال أبو هريرة قالت اللهم أن يمت يقولوا هي التي قتلته قال فأرسل قوله ثم تناولها الثانية في رواية الأعرج ثم قام إليها فقامت توضأ وتصلي قوله فأخذ مثلها أو أشد في رواية مسلم فقبضت أشد من القبضة الأولى قوله فدعا بعض حجبته بفتح المهملة والجيم والموحدة جمع حاجب في رواية مسلم ودعا الذي جاء بها ولم أقف على اسمه قوله انك لم تأتني بإنسان إنما أتيتني بشيطان في رواية الأعرج ما أرسلتم إلي الا شيطانا أرجعوها إلى إبراهيم وهذا يناسب ما وقع له من الصرع والمراد بالشيطان المتمرد من الجن وكانوا قبل الإسلام يعظمون أمر الجن جدا ويرون كل ما وقع من الخوارق من فعلهم وتصرفهم قوله فأخدمها هاجر أي وهبها لها لتخدمها لأنه أعظمها أن تخدم نفسها وفي رواية مسلم فأخرجها من أرضي وأعطها آجر ذكرها بهمزة بدل الهاء وهي كذلك في رواية الأعرج والجيم مفتوحة على كل حال وهي اسم سرياني ويقال أن أباها كان من ملوك القبط وإنها من حفن بفتح المهملة وسكون الفاء قرية بمصر قال اليعقوبي كانت مدينة انتهى وهي الآن كفر من عمل ألصنا بالبر الشرقي من الصعيد في مقابلة الاشمونين وفيها آثار عظيمة باقية قوله فأتته في رواية الأعرج فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم قوله مهيم في رواية المستملي متهيا وفي رواية بن السكن مهين بنون وهي بدل الميم وكأن المستملي لما سمعها بنون ظنها نون تنوين ويقال أن الخليل أول من قال هذه الكلمة ومعناها ما الخبر قوله رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره هذا مثل تقوله العرب لمن أراد أمرا باطلا فلم يصل إليه ووقع في رواية الأعرج أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة أي جارية للخدمة وكبت بفتح الكاف والموحدة ثم مثناة أي رده خاسئا ويقال أصله كبد أي بلغ الهم كبده ثم أبدلت الدال مثناة ويحتمل أن يكون وأخدم معطوفا على كبت ويحتمل أن يكون فاعل أخدم هو الكافر فيكون استئنافا قوله قال أبو هريرة تلك أمكم يا بني ماء السماء كأنه خاطب بذلك العرب لكثرة ملازمتهم للفلوات التي بها مواقع القطر لأجل رعى دوابهم ففيه تمسك لمن زعم أن العرب كلهم من ولد إسماعيل وقيل أراد بماء السماء زمزم لأن الله أنبعها لهاجر فعاش ولدها بها فصاروا كأنهم أولادها قال بن حبان في صحيحه كل من كان من ولد إسماعيل يقال له ماء السماء لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربي بماء زمزم وهي من ماء السماء وقيل سموا بذلك لخلوص نسبهم وصفائه فأشبه ماء السماء وعلى هذا فلا متمسك فيه وقيل المراد بماء السماء عامر ولد عمرو بن عامر بن بقيا بن حارثة بن الغطريف وهو جد الأوس والخزرج قالوا إنما سمي بذلك لأنه كان إذا قحط الناس أقام لهم ماله مقام المطر وهذا أيضا على القول بأن العرب كلها من ولد إسماعيل وسيأتي زيادة في هذه المسألة في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى وفي الحديث مشروعية أخوة الإسلام وإباحة المعاريض والرخصة في الانقياد للظالم والغاصب وقبول صلة الملك الظالم وقبول هدية المشرك وإجابة الدعاء بإخلاص النية وكفاية الرب لمن أخلص في الدعاء بعمله الصالح وسيأتي نطيره في قصة أصحاب الغار وفيه ابتلاء الصالحين لرفع درجاتهم ويقال إن الله كشف لإبراهيم حتى رأى حال الملك مع سارة معاينة وأنه لم يصل منها إلى شيء ذكر ذلك في التيجان ولفظه فأمر بإدخال إبراهيم وسارة عليه ثم نحى إبراهيم إلى خارج القصر وقام إلى سارة فجعل الله القصر لإبراهيم كالقارورة الصافية فصار يراهما ويسمع كلامهما وفيه أن من نابه أمر مهم من الكرب ينبغي له أن يفزع إلى الصلاة وفيه أن الوضوء كان مشروعا للأمم قبلنا وليس مختصا بهذه الأمة ولا بالأنبياء لثبوت ذلك عن سارة والجمهور على أنها ليست بنبية الحديث التاسع

[ 3180 ] قوله حدثنا عبيد الله بن موسى أو بن سلام عنه كأن البخاري شك في سماعه له من عبيد الله بن موسى وهو من أكبر مشايخه وتحقق أنه سمعه من محمد بن سلام عنه فأورده هكذا وقد وقع له نظير هذا في أماكن عديدة قوله عن عبد الحميد بن جبير هو بن شيبة بن عثمان الحجني والإسناد كله حجازيون من بن جريج فصاعدا وفي رواية الإسماعيلي من طريق يحيى القطان وأبي عاصم عن بن جريج أخبرني عبد الحميد قوله أم شريك في رواية أبي عاصم إحدى نساء بني عامر بن لؤي ولفظ المتن أنها استأمرت النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الوزغات فأمر بقتلهن ولم يذكر الزيادة والوزغات بالفتح جمع وزغة وهي بالفتح أيضا وذكر بعض الحكماء أن الوزغ أصم وأنه لا يدخل في مكان فيه زعفران وأنه يلقح بفيه وأنه يبيض ويقال لكبارها سام أبرص وهو بتشديد الميم الحديث العاشر حديث بن مسعود لما نزل الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم الحديث مضى شرحه في كتاب الإيمان قال الإسماعيلي كذا أورد هذا الحديث في ترجمة إبراهيم ولا أعلم فيه شيئا من قصة إبراهيم كذا قال وخفي عليه أنه حكاية عن قول إبراهيم عليه السلام لأنه سبحانه لما فرغ من حكاية قول إبراهيم في الكوكب والقمر والشمس ذكر محاجة قومه له ثم حكى أنه قال لهم وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن فهذا كله عن إبراهيم وقوله ان كنتم تعلمون خطاب لقومه ثم قال

[ 3181 ] الذين آمنوا الخ يعني أن الذين هم أحق بالأمن هم الذين آمنوا وقال بعد ذلك وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه فظهر تعلق ذلك بترجمة إبراهيم وروى الحاكم في المستدرك من حديث علي رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال نزلت هذه الآية في إبراهيم وأصحابه واقتصر الكرماني على قوله مناسبة هذا الحديث لقصة إبراهيم اتصال هذه الآية بقوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه الحديث الحادي عشر حديث أبي هريرة في الشفاعة ذكر طرفا منه والغرض منه قول أهل الموقف لإبراهيم أنت نبي الله وخليله من الأرض ووقع عند إسحاق بن راهويه ومن طريقه الحاكم في المستدرك من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة في هذا الحديث فيقولون يا إبراهيم أنت خليل الرحمن قد سمع بخلتك أهل السماوات والأرض وقد تقدم القول في معنى الخلة ويأتي شرح حديث الشفاعة في الرقاق قوله أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام ووقع في حديث عائشة عند بن ماجة وأحمد أن إبراهيم لما ألقى في النار لم يكن في الأرض دابة الا أطفأت عنه الا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها

[ 3182 ] قوله تابع أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله المؤلف في التوحيد وفي غيره وسيأتي

تنبيه وقع في رواية الحموي والكشميهني قبل حديث أبي هريرة هذا ما صورته يزفون النسلان في المشي وفي رواية المستملي والباقين باب بغير ترجمة وسقط ذلك من رواية النسفي ووهم من وقع عنده باب يزفون النسلان فإنه كلام لا معنى له والذي يظهر ترجيح ما وقع عند المستملي قوله باب بغير ترجمة يقع عندهم كالفصل من الباب وتعلقه بما قبله واضح فإن الكل من ترجمة إبراهيم وأما تفسير هذه الكلمة من القرآن فإنها من جملة قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه حين كسر أصنامهم قال الله تعالى فأقبلوا إليه يزفون قال مجاهد الوزيف النسلان أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق السدي قال رجع إبراهيم عليه السلام إلى آلهتهم فإذا هي في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض فإذا هم قد جعلوا طعاما بين يدي الأصنام وقالوا إذا رجعنا وجدنا الآلهة بركت في طعامنا فأكلنا فلما نظر إليهم إبراهيم قال ألا تأكلون مالكم لا تنطقون فأخذ حديدة فبقر كل صنم في حافتيه ثم علق الفأس في الصنم الأكبر ثم خرج فلما رجعوا جمعوا لإبراهيم الحطب حتى أن المرأة لتمرض فتقول لئن عافاني الله لأجمعن لإبراهيم حطبا فلما جمعوا له وأكثروا من الحطب وأرادوا احراقه قالت السماء والأرض والجبال والملائكة ربنا خليلك إبراهيم يحرق قال أنا أعلم به وإن دعاكم فأغيثوه فقال إبراهيم اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس أحد في الأرض يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل انتهى وأظن البخاري إن كانت الترجمة محفوظة أشار إلى هذا القدر فإنه يناسب قولهم في حديث الشفاعة أنت خليل الله من الأرض الحديث الثاني عشر حديث بن عباس في قصة إسماعيل وزمزم ساقه من ثلاثة طرق الأولى

[ 3183 ] قوله عن عبد الله بن سعيد بن جبير وقع في رواية بن السكن والإسماعيلي من طريق حجاج بن الشاعر عن وهب بن جرير زيادة أبي بن كعب ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد شيخ البخاري بإسقاط عبد الله بن سعيد بن جبير وزيادة أبي بن كعب قال النسائي قال أحمد بن سعيد قال وهب وحدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه ولم يذكر أبي بن كعب فوضح أن وهب بن جرير كان إذا رواه عن أبيه لم يذكر عبد الله بن سعيد وذكر أبي بن كعب وإذا رواه عن حماد بن زيد ذكر عبد الله بن سعيد ولم يذكر أبي بن كعب وفي رواية النسائي أيضا قال وهب بن جرير أتيت سلام بن أبي مطيع فحدثته بهذا عن حماد بن زيد فأنكره إنكارا شديدا ثم قال لي فأبوك ما يقول قلت يقول عن أيوب عن سعيد بن جبير فقال قد غلط إنما هو أيوب عن عكرمة بن خالد انتهى وليس ببعيد أن يكون لأيوب فيه عدة طرق فإن إسماعيل بن علية من كبار الحفاظ وقد قال فيه عن أيوب نبئت عن سعيد بن جبير عن بن عباس ولم يذكر أبيا وهو مما يؤيد رواية البخاري أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن إسماعيل أحدهما هكذا والآخر قال فيه عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير وقد رواه معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير بلا واسطة كما أخرجه البخاري كما ترى وقد عاب الإسماعيلي على البخاري إخراجه رواية أيوب لاضطرابها والذي يظهر أن اعتماد البخاري في سياق الحديث إنما هو على رواية معمر عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير وإن كان أخرجه مقرونا بأيوب فرواية أيوب إما عن سعيد بن جبير بلا واسطة أو بواسطة ولده عبد الله ولا يستلزم ذلك قدحا لثقة الجميع فظهر أنه اختلاف لا يضر لأنه يدور على ثقات حفاظ إن كان بإثبات عبد الله بن سعيد بن جبير وأبي بن كعب فلا كلام وإن كان بإسقا طهما فأيوب قد سمع من سعيد بن جبير وأما بن عباس فإن كان لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من مرسل الصحابة ولم يعتمد البخاري على هذا الإسناد الخالص كما ترى وقد سبق إلى الاعتذار عن البخاري ورد كلام الإسماعيلي بنحو هذا الحافظ أبو علي الجياني في تقييد المهمل الطريق الثانية قوله وقال الأنصاري حدثنا بن جريج قال أما كثير بن كثير فحدثني قال إني وعثمان بن أبي سليمان جلوس مع سعيد بن جبير فقال ما هكذا حدثني بن عباس ولكنه قال أقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه عليهم السلام وهي ترضعه معها شنة لم يرفعه انتهى هكذا ساقه مختصرا معلقا وقد وصله أبو نعيم في المستخرج عن فاروق الخطابي عن عبد العزيز بن معاوية عن الأنصاري وهو محمد بن عبد الله لكنه أورده مختصرا أيضا وكذلك أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة عن محمد بن عبد الله الأنصاري وزاد في روايته أبي وعثمان وعمر بن أبي سليمان وعثمان بن حبشي جلوس مع سعيد بن جبير فكأنه كان عند الأنصاري كذلك وقد رواه الأزرقي من طريق مسلم بن خالد الزنجي والفاكهي من طريق محمد بن جعشم كلاهما عن بن جريج فبين فيه سبب قول سعيد بن جبير ما هكذا حدثني بن عباس ولفظه عن بن جريج عن كثير بن كثير قال كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في أناس مع سعيد بن جبير بأعلى المسجد ليلا فقال سعيد بن جبير سلوني قبل أن لا تروني فسأله القوم فأكثروا فكان مما سئل عنه أن قال رجل أحق ما سمعنا في المقام مقام إبراهيم أن إبراهيم حين جاء من الشام حلف لامرأته أن لا ينزل بمكة حتى يرجع فقربت إليه امرأة إسماعيل المقام فوضع رجله عليه لا ينزل فقال سعيد بن جبير ليس هكذا حدثنا بن عباس ولكن فساق الحديث بطوله وأخرجه الفاكهي عن بن أبي عمر عن عبد الرزاق بلفظ فقال يا معشر الشباب سلوني فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم فأكثر الناس مسألته فقال له رجل أصلحك الله أرأيت هذا المقام هو كما كنا نتحدث قال وما كنت تتحدث قال كنا نقول إن إبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة إسماعيل النزول فأبى أن ينزل فجاءته بذا الحجر فوضعته له فقال ليس كذلك وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن معمر

[ 3184 ] قوله أول ما اتخذ النساء المنطق بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء هو ما يشد به الوسط ووقع في رواية بن جريج النطق بضم النون والطاء وهو جمع منطق وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل فلما ولدته غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة ويقال إن إبراهيم شفع فيها وقال لسارة حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك ووقع في رواية بن علية عند الإسماعيلي أول ما أحدث العرب جر الذيول عن أم إسماعيل وذكر الحديث ويقال إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك وروى بن إسحاق عن بن أبي نجيح عن مجاهد وغيره أن الله لما بوأ لإبراهيم مكان البيت خرج بإسماعيل وهو طفل صغير وأمه قال وحملوا فيما حدثت على البراق قوله حتى وضعهما في رواية الكشميهني فوضعهما قوله عند دوحة بفتح المهملة وسكون الواو ثم مهملة الشجرة الكبيرة قوله فوق الزمزم في رواية الكشميهني فوق زمزم وهو المعروف وسيأتي شرح أمرها في أوائل السيرة النبوية قوله في أعلى المسجد أي مكان المسجد لأنه لم يكن حينئذ بني قوله وسقاء فيه ماء السقاء بكسر أوله قربة صغيرة وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير التي بعد هذه الرواية ومعها شنة بفتح المعجمة وتشديد النون وهي القربة العتيقة قوله ثم قفي إبراهيم أي ولي راجعا إلى الشام وفي رواية بن إسحاق فانصرف إبراهيم إلى أهله بالشام وترك إسماعيل وأمه عند البيت قوله فتبعته أم إسماعيل في رواية بن جريج فأدركته بكداء وفي رواية عمر بن شبة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنها نادته ثلاثا فأجابها في الثالثة فقالت له من أمرك بهذا قال الله قوله إذن لا يضيعنا في رواية عطاء بن السائب فقالت لن يضيعنا وفي رواية بن جريج فقالت حسبي وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير المذكورة بعد هذا الحديث في الباب فقالت رضيت بالله قوله حتى إذا كان عند الثنية بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتانية وقوله من طريق كداء بفتح الكاف ممدود هو الموضع الذي دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منه وهو معروف وقد مضى الكلام عليه في الحج ووقع في رواية الأصيلي البنية بالموحدة بدل المثلثة وهو تصحيف وضبط بن الجوزي كدي بالضم والقصر وقال هي التي بأسفل مكة عند قعيقعان قال لأنه وقع في الحديث أنهم نزلوا بأسفل مكة قلت وذلك ليس بمانع أن يرجع من أعلى مكة فالصواب ما وقع في الأصول بفتح الكاف والمد قوله ربنا إني أسكنت من ذريتي في رواية الكشميهني رب أني أسكنت والأول هو الموافق للتلاوة قوله حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت زاد الفاكهي من حديث أبي جهم فانقطع لبنها وفي روايته وكان إسماعيل حينئذ بن سنتين قوله فجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط في رواية الكشميهني يتلمظ وهي رواية معمر أيضا ومعنى يتلبط وهو بموحدة ومهملة يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض ويقرب منها رواية عطاء بن السائب فلما ظمئ إسماعيل جعل يضرب الأرض بعقبيه وفي رواية إبراهيم بن نافع كأنه ينشغ للموت وهو بفتح الياء وسكون النون وفتح المعجمة بعدها غين معجمة أي يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذي ينازع قوله ثم استقبلت الوادي في رواية عطاء بن السائب والوادي يومئذ عميق وفي حديث أبي جهم تستغيث ربها وتدعوه قوله ثم سمت سعي الإنسان المجهود أي الذي أصابه الجهد وهو الأمر المشق قوله سبع مرات في حديث أبي جهم وكان ذلك أول ما سعى بين الصفا والمروة وفي رواية إبراهيم بن نافع أنها كانت في كل مرة تتفقد إسماعيل وتنظر ما حدث له بعدها وقال في روايته فلم تقرها نفسها وهو بضم أوله وكسر القاف ونفسها بالرفع الفاعل أي لم تتركها نفسها مستقرة فتشاهده في حال الموت فرجعت وهذا في المرة الأخيرة قوله فقالت صه بفتح المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة كأنها خاطبت نفسها فقالت لها اسكتي وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج فقالت أغثني إن كان عندك خير قوله إن كان عندك غواث بفتح أوله للأكثر وتخفيف الواو وآخره مثلثة قيل وليس في الأصوات فعال بفتح أوله غيره وحكى بن الأثير ضم أوله والمراد به على هذا المستغيث وحكى بن قر قول كسره أيضا والضم رواية أبي ذر وجزاء الشرط محذوف تقديره فأغثني قوله فإذا هي بالملك في رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج فإذا جبريل وفي حديث علي عند الطبري بإسناد حسن فناداها جبريل فقال من أنت قالت أنا هاجر أو أم ولد إبراهيم قال فإلى من وكلكما قالت إلى الله قال وكلكما إلى كاف قوله فبحث بعقبه أو قال بجناحه شك من الراوي وفي رواية إبراهيم بن نافع فقال بعقبه هكذا وعمز عقبة على الأرض وهي تعين أن ذلك كان بعقبه وفي رواية بن جريج فركض جبريل برجله وفي حديث علي ففحص الأرض بأصبعه فنبعت زمزم وقال بن إسحاق في روايته فزعم العلماء أنهم لم يزالوا يسمعون أنها همزة جبريل قوله حتى ظهر الماء في رواية بن جريج ففاض الماء وفي رواية بن نافع فانبثق الماء وهي بنون وموحدة ومثلثة وقاف أي تفجر قوله فجعلت تحوضه بحاء مهملة وضاد معجمة وتشديد أي تجعله مثل الحوض وفي رواية بن نافع فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر وفي رواية الكشميهني من رواية بن نافع تحفن بنون بدل الراء والأول أصوب ففي رواية عطاء بن السائب فجعلت تفحص الأرض بيديها قوله وتقول بيدها هكذا هو حكاية فعلها وهذا من إطلاق القول على الفعل وفي حديث علي فجعلت تحبس الماء فقال دعيه فإنها رواء قوله لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من زمزم شك من الراوي وفي رواية بن نافع لو تركته وهذا القدر صرح بن عباس برفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه اشعار بأن جميع الحديث مرفوع قوله عينا معينا أي ظاهرا جاريا على وجه الأرض وفي رواية بن نافع كان الماء ظاهرا فعلى هذا فقوله معينا صفة الماء فلذلك ذكره ومعين بفتح أوله أن كان من عانه فهو بوزن مفعل وأصله معون فحذفت الواو وأن كان من المعن وهو المبالغة في الطلب فهو بوزن مفعول قال بن الجوزي كان ظهور زمزم نعمة من الله محضة بغير عمل عامل فلما خالطها تحويط هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك فأغنى ذلك عن توجيه تذكير معين مع أن الموصوف وهو المعين مؤنث قوله لاتخافوا الضيعة بفتح المعجمة وسكون التحتانية أي الهلاك وفي حديث أبي جهم لا تخافي أن ينفد الماء وفي رواية علي بن الوزع عن أيوب عند الفاكهي لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ فإنها عين يشرب بها ضيفان الله زاد في حديث أبي جهم فقالت بشرك الله بخير قوله فإن هذا بيت الله في رواية الكشميهني فإن ههنا بيت الله قوله يبني هذا الغلام كذا فيه بحذف المفعول وفي رواية الإسماعيلي يبنيه زاد بن إسحاق في روايته وأشار لها إلى البيت وهو يومئذ مدرة حمراء فقال هذا بيت الله العتيق واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه قوله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية بالموحدة ثم المثناة وروى بن أبي حاتم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال لما كان زمن الطوفان رفع البيت وكان الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله لإبراهيم وأعلمه مكانه وروى البيهقي في الدلائل من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بعث الله جبريل إلى آدم فأمره ببناء البيت فبناه آدم ثم أمره بالطواف به وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء أن آدم أول من بني البيت وقيل بنته الملائكة قبله وعن وهب بن منبه أول من بناه شيث بن آدم والأول أثبت وسيأتي مزيد آخر شرح هذا الحديث قوله فكانت أي هاجر كذلك أي على الحال الموصوفة وفيه اشعار بأنها كانت تغتذي بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب قوله حتى مرت بهم رفقة بضم الراء وسكون الفاء ثم قاف وهم الجماعة المختلطون سواء كانوا في سفر أم لا قوله من جرهم ذ هو بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح وقيل بن يقطن قال بن إسحاق وكان جرهم وأخوه قطورا أول من تكلم بالعربية عند تبلبل الألسن وكان رئيس جرهم مضاض بن عمرو ورئيس قطورا السميدع ويطلق على الجميع جرهم وفي رواية عطاء بن السائب وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة وقيل أن أصلهم من العمالقة قوله مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة وقع في جميع الروايات بفتح الكاف والمد واستشكله بعضهم بأن كداء بالفتح والمد في أعلى مكة وأما الذي في أسفل مكة فبالضم والقصر يعني فيكون الصواب هنا بالضم والقصر وفيه نظر لأنه لا مانع أن يدخلوها من الجهة العلياء وينزلوا من الجهة السفلى قوله فرأوا طائرا عائفا بالمهملة والفاء هو الذي يحوم على الماء ويتردد ولا يمضي عنه قوله فأرسلوا جريا بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد التحتانية أي رسولا وقد يطلق على الوكيل وعلى الأجير قيل سمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله أو لأنه يجري مسرعا في حوائجه وقوله جريا أو جريين شك من الراوي هل أرسلوا واحدا أو اثنين وفي رواية إبراهيم بن نافع فأرسلوا رسولا ويحتمل الزيادة على الواحد ويكون الأفراد باعتبار الجنس لقوله فإذا هم بالماء بصيغة الجمع ويحتمل أن يكون الإفراد باعتبار المقصود بالإرسال والجمع باعتبار من يتبعه من خادم ونحوه قوله فألفى ذلك بالفاء أي وجد أم إسماعيل بالنصب على المفعولية وهي تحب الأنس بضم الهمزة ضد الوحشة ويجوز الكسر أي تحب جنسها قوله وشب الغلام أي إسماعيل وفي حديث أبي جهم ونشأ إسماعيل بين ولدانهم قوله وتعلم العربية منهم فيه اشعار بأن لسان أمه وأبيه لم يكن عربيا وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية وقد وقع ذلك من حديث بن عباس عند الحاكم في المستدرك بلفظ أول من نطق بالعربية إسماعيل وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن قال أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وبهذا القيد يجمع بين الخبرين فتكون أوليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأولية المطلقة فيكون بعد تعلمه أصل العربية من جرهم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها ويشهد لهذا ما حكاه بن هشام عن الشرقي بن قطامي أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم ويحتمل أن تكون الأولية في الحديث مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى بقية إخوته من ولد إبراهيم فاسماعيل أول من نطق بالعربية من ولد إبراهيم وقال بن دريد في كتاب الوشاح أول من نطق بالعربية يعرب بن قحطان ثم إسماعيل قلت وهذا لا يوافق من قال إن العرب كلها من ولد إسماعيل وسيأتي الكلام فيه في أوائل السيرة النبوية قوله وأنفسهم بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي كثرت رغبهم فيه ووقع عند الإسماعيلي وأنسهم بغير فاء من الأنس وقال الكرماني أنفسهم أي رغبتهم في مصاهرته لنفاسته عندهم وقال بن الأثير أنفسهم عطفا على قوله تعلم العربية أي رغبهم فيه إذ صار نفيسا عندهم قوله زوجوه امرأة منهم حكى الأزرقي عن بن إسحاق أن اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة وفي حديث أبي جهم أنها بنت صدى ولم يسمها وحكى السهيلي أن اسمها جدي بنت سعد وعند عمر بن شبة أن اسمها حبى بنت أسعد بن عملق وعند الفاكهي عن بن إسحاق أنه خطبها إلى أبيها فزوجها منه قوله وماتت هاجر أي في خلال ذلك قوله فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل في رواية عطاء بن السائب فقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر قوله يطالع تركته بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك وضبطها بعضهم بالسكون وقال التركة بالكسر بيض النعام ويقال لها التريكة قيل لها ذلك لأنها حين تبيض تترك بيضها وتذهب ثم تعود تطلبه فتحضن ما وجدت سواء كان هو أم غيره وفيها ضرب الشاعر المثل بقوله كتاركة بيضها بالعراء وحاضنة بيض أخرى صباحا قال بن التين هذا يشعر بأن الذبيح إسحاق لأن المأمور بذبحه كان عندما بلغ السعي وقد قال في هذا الحديث إن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعا وعاد إليه وهو متزوج فلو كان هو المأمور بذبحه لذكر في الحديث أنه عاد إليه في خلال ذلك بين زمان الرضاع والتزويج وتعقب بأنه ليس في الحديث نفي هذا المجيء فيحتمل أن يكون جاء وأمر بالذبح ولم يذكر في الحديث قلت وقد جاء ذكر مجيئه بين الزمانين في خبر آخر ففي حديث أبي جهم كان إبراهيم يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام وروى الفاكهي من حديث علي بإسناد حسن نحوه وأن إبراهيم كان يزور إسماعيل وأمه على البراق فعلى هذا فقوله فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل أي بعد مجيئه قبل ذلك مرارا والله أعلم قوله فقالت خرج يبتغي لنا أي يطلب لنا الرزق وفي رواية بن جريج وكان عيش إسماعيل الصيد يخرج فيتصيد وفي حديث أبي جهم وكان إسماعيل يرعى ماشيته ويخرج متنكبا قوسه فيرمى الصيد وفي حديث بن إسحاق وكانت مسارحه التي يرعى فيها السدرة إلى السر من نواحي مكة قوله ثم سألها عن عيشهم زاد في رواية عطاء بن السائب وقال هل عندك ضيافة قوله فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه في حديث أبي جهم فقال لها هل من منزل قالت لا ها الله إذن قال فكيف عيشكم قال فذكرت جهدا فقالت أما الطعام فلا طعام وأما الشاء فلا تحلب الا المصر أي الشخب وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ انتهى والشخب بفتح المعجمة وسكون الخاء المعجمة ثم موحدة السيلان قوله جاءنا شيخ كذا وكذا في رواية عطاء بن السائب كالمستخفة بشأنه قوله عتبة بابك بفتح المهملة والمثناة والموحدة كناية عن المرأة وسماها بذلك لما فيها من الصفات الموافقة لها وهو حفظ الباب وصون ما هو داخله وكونها محل الوطء ويستفاد منه أن تغيير عتبة الباب يصح أن يكون من كنايات الطلاق كأن يقول مثلا غيرت عتبة بأبي أو عتبة بابي مغيرة وينوي بذلك الطلاق فيقع أخبرت بذلك عن شيخنا الإمام البلقيني وتمامه التفريع على شرع من قبلنا إذا حكاه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره قوله وتزوج منهم امرأة أخرى ذكر الواقدي وتبعه المسعودي ثم السهيلي أن اسمها سامة بنت مهلهل بن سعد وقيل اسمها عاتكة ورأيت في نسخة قديمة من كتاب مكة لعمر بن شبة أنها بشامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف وهي مضبوطة بشامة بموحدة ثم معجمة خفيفة قال وقيل اسمها جدة بنت الحارث بن مضاض وحكى بن سعد عن بن إسحاق أن اسمها رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمية وعن بن الكلبي أنها رعلة بنت يشجب بن يعرب بن لوذان بن جرهم وذكر الدارقطني في المختلف أن اسمها السيدة بنت مضاض وحكاه السهيلي أيضا وفي حديث أبي جهم ونظر إسماعيل إلى بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فخطبها إلى أبيها فتزوجها وحكى محمد بن سعد الجواني أن اسمها هالة بنت الحارث وقيل الحنفاء وقيل سلمى فحصلنا من اسمها على ثمانية أقوال ومن اسم أبيها على أربعة قوله نحن بخير وسعة في حديث أبي جهم نحن في خير عيش بحمد الله ونحن في لبن كثير ولحم كثير وماء طيب قوله ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء في حديث أبي جهم ذكر اللبن مع اللحم والماء قوله اللهم بارك لهم في اللحم والماء في رواية إبراهيم بن نافع اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بركة بدعوة إبراهيم وفيه حذف تقديره في طعام أهل مكة وشرابهم بركة قوله فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة الا لم يوافقاه في رواية الكشميهني لا يخلوان بالتثنية قال بن القوطية خلوت بالشىء واختليت إذا لم أخلط به غيره ويقال أخلى الرجل اللبن إذا لم يشرب غيره وفي حديث أبي جهم ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة الا اشتكى بطنه وزاد في حديثه وكذا في حديث عطاء بن السائب نحوه فقالت انزل رحمك الله فاطعم واشرب قال إني لا أستطيع النزول قالت فإني أراك أشعث أفلا أغسل رأسك وأدهنه قال بلى أن شئت فجاءته بالمقام وهو يومئذ أبيض مثل المهاة وكان في بيت إسماعيل ملقى فوضع قدمه اليمني وقدم إليها شق رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الأيمن فلما فرغ حولت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى وقدم إليها برأسه فغسلت شق رأسه الأيسر فالاثر الذي في المقام من ذلك ظاهر فيه موضع العقب والاصبع وعند الفاكهي من وجه آخر عن بن جريج عن رجل عن سعيد بن جبير عن بن عباس أن سارة داخلتها غيرة فقال لها إبراهيم لا أنزل حتى أرجع إليك ونحوه في رواية عطاء بن السائب عند عمر بن شبة قوله هل أتاكم من أحد في رواية عطاء بن السائب فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا قوله يثبت عتبة بابه زاد في حديث أبي جهم فإنها صلاح المنزل قوله أن أمسكك زاد في حديث أبي جهم ولقد كنت على كريمة وقد ازددت على كرامة فولدت لإسماعيل عشرة ذكور زاد معمر في روايته فسمعت رجلا يقول كان إبراهيم يأتي على البراق يعني في كل مرة وفي رواية عمر بن شبة وأعجب إبراهيم بجدة بنت الحارث فدعا لها بالبركة قوله يبري بفتح أوله وسكون الموحدة والنبل بفتح النون وسكون الموحدة السهم قبل أن يركب فيه نصله وريشه وهو السهم العربي ووقع عند الحاكم من رواية إبراهيم بن نافع في هذا الحديث يصلح بيتا له وكأنه تصحيف والذي في البخاري هو الموافق لغيرها من الروايات قوله دوحة هي التي نزل إسماعيل وأمه تحتها أول قدومهما كما تقدم ووقع في رواية إبراهيم بن نافع من وراء زمزم قوله فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد يعني من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد ونحو ذلك وفي رواية معمر قال سمعت رجلا يقول بكيا حتى أجابهما الطير وهذا إن ثبت يدل على أنه تباعد لقاؤهما قوله أن الله أمرني بأمر في رواية إبراهيم بن نافع أن ربك أمرني أن أبني له بيتا ووقع في حديث أبي جهم عند الفاكهي أن عمر إبراهيم كان يومئذ مائة سنة وعمر إسماعيل ثلاثين سنة قوله وتعينني قال وأعينك في رواية الكشميهني فاعينك بالفاء وفي رواية إبراهيم بن نافع أن الله قد أمرني أن تعينني عليه قال أن أفعل بنصب اللام قال بن التين يحتمل أن يقال أمره الله أن يبني أو لا وحده ثم أمره أن يعينه إسماعيل قال فيكون الحديث الثاني متأخرا بعد الأول قلت ولا يخفى تكلفه بل الجمع بينهما ممكن بأن يكون أمره أن يبني وأن إسماعيل يعينه فقال إبراهيم لإسماعيل أن الله أمرني أن أبني البيت وتعينني وتخلل بين قوله ابني البيت وبين قوله وتعينني قول إسماعيل فاصنع ما أمرك ربك قوله وأشار إلى أكمة بفتح الهمزة والكاف وقد تقدم بيان ذلك في أوائل الكلام على هذا الحديث وللفاكهي من حديث عثمان فبناه إبراهيم وإسماعيل وليس معهما يومئذ غيرهما يعني في مشاركتهما في البناء وإلا فقد تقدم أنه كان قد نزل الجرهميون مع إسماعيل قوله رفعا القواعد من البيت في رواية أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد عن بن عباس القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك وفي رواية مجاهد عند بن أبي حاتم أن القواعد كانت في الأرض السابعة ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس رفع القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك ومن طريق عطاء قال قال آدم يا رب إني لا أسمع أصوات الملائكة قال بن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بيتي الذي في السماء وفي حديث عثمان وأبي جهم فبلغ إبراهيم من الاساس أساس آدم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض يعني دوره ثلاثين ذراعا وكان ذلك بذراعهم زاد أبو جهم وأدخل الحجر في البيت وكان قبل ذلك زربا لغنم إسماعيل وإنما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا وجعل له بابا وحفر له بئرا عند بابه خزانة للبيت يلقى فيها ما يهدى للبيت وفي حديثه أيضا أن الله أوحى إلى إبراهيم أن أتبع السكينة فحلقت على موضع البيت كأنها سحابة فحفرا يريدان أساس آدم الأول وفي حديث علي عند الطبري والحاكم رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس فكلمه فقال يا إبراهيم بن علي ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص وذلك حين يقول الله وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت الآية قوله جاء بهذا الحجر يعني المقام وفي رواية إبراهيم بن نافع حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة فقام على حجر المقام زاد في حديث عثمان ونزل عليه الركن والمقام فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني عليه ويرفعه له إسماعيل فلما بلغ الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه وأخذ المقام فجعله لاصقا بالبيت فلما فرغ إبراهيم من بناء الكعبة جاء جبريل فأراه المناسك كلها ثم قام إبراهيم على المقام فقال يا أيها الناس أجيبوا ربكم فوقف إبراهيم وإسماعيل تلك المواقف وحجه إسحاق وسارة من بيت المقدس ثم رجع إبراهيم إلى الشام فمات بالشام وروى الفاكهي بإسناد صحيح من طريق مجاهد عن بن عباس قال قام إبراهيم على الحجر فقال يا أيها الناس كتب عليكم الحج فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء فأجابه من آمن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك وفي حديث أبي جهم ذهب إسماعيل إلى الوادي يطلب حجرا فنزل جبريل بالحجر الأسود وقد كان رفع إلى السماء حين غرقت الأرض فلما جاء إسماعيل فرأى الحجر الأسود قال من أين هذا من جاءك به قال إبراهيم من لم يكلني إليك ولا إلى حجرك ورواه بن أبي حاتم من طريق السدي نحوه وأنه كان بالهند وكان ياقوتة بيضاء مثل الثغامة وهي بالمثلثة والمعجمة طير أبيض كبير وروى الفاكهي من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال والله ما بنياه بقصة ولا مدر ولا كان لهما من السعة والأعوان ما يسقفانه ومن حديث علي كان إبراهيم يبني كل يوم سافا ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عنده وعند بن أبي حاتم أنه كان بناه من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان وجبل الطور وجبل الخمر قال بن أبي حاتم جبل الخمر يعني بفتح الخاء المعجمة هو جبل بيت المقدس وقال عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء أن آدم بناه من خمسة أجبل حراء وطور زينا وطور سيناء والجودى ولبنان وكان ربضه من حراء ومن طريق محمد بن طلحة التيمي قال سمعت أنه أسس البيت من ستة أجبل من أبي قبيس ومن الطور ومن قدس ومن ورقان ومن رضوى ومن أحد الطريق الثالثة

[ 3185 ] قوله حدثنا أبو عامر هو العقدي وإبراهيم بن نافع هو المخزومي المكي قوله لما كان بين إبراهيم وبين أهله يعني سارة ما كان يعني من غيرة سارة لما ولدت هاجر إسماعيل وقد مضت بقية شرح الحديث ضمن الذي قبله الحديث الثالث عشر

قوله

[ 3186 ] عبد الواحد هو بن زياد وإبراهيم التيمي هو بن يزيد بن شريك وفي رواية لمسلم وابن خزيمة من طريق أخرى عن الأعمش عن إبراهيم التيمي كنت أنا وأبي نجلس في الطريق فيعرض علي القرآن وأعرض عليه فقرأ القرآن فسجد فقلت تسجد في الطريق قال نعم سمعت أبا ذر فذكره قوله أي مسجد وضع في الأرض أول بضم اللام قال أبو البقاء وهي ضمة بناء لقطعه عن الإضافة مثل قبل وبعد والتقدير أول كل شيء ويجوز الفتح مصروفا وغير مصروف قوله ثم أي بالتنوين وتركه كما تقدم في حديث بن مسعود أي الأعمال أفضل وهذا الحديث يفسر المراد بقوله تعالى ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة ويدل على أن المراد بالبيت بيت العبادة لا مطلق البيوت وقد ورد ذلك صريحا عن علي أخرجه إسحاق بن راهويه وابن أبي حاتم وغيرهما بإسناد صحيح عنه قبله قال كانت البيوت قبله ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله قوله المسجد الأقصى يعني مسجد بيت المقدس قيل له الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة وقيل لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة وقيل لبعده عن الاقذار والخبائث والمقدس المطهر عن ذلك قوله أربعون سنة قال بن الجوزي فيه اشكال لأن إبراهيم بني الكعبة وسليمان بنى بيت المقدس وبينهما أكثر من ألف سنة انتهى ومستنده في أن سليمان عليه السلام هو الذي بني المسجد الأقصى ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بإسناد صحيح أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثا الحديث وفي الطبراني من حديث رافع بن عميرة أن داود عليه السلام ابتدأ ببناء بيت المقدس ثم أوحى الله إليه إني لأقضي بناءه على يد سليمان وفي الحديث قصة قال وجوابه أن الإشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد وليس إبراهيم أول من بني الكعبة ولا سليمان أول من بني بيت المقدس فقد روينا أن أول من بني الكعبة آدم ثم انتشر ولده في الأرض فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس ثم بني إبراهيم الكعبة بنص القرآن وكذا قال القرطبي أن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدا وضعهما لهما بل ذلك تجديد لما كان اسسه غيرهما قلت وقد مشى بن حبان في صحيحه على ظاهر هذا الحديث فقال في هذا الخبر رد على من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة وهذا عين المحال لطول الزمان بالاتفاق بين بناء إبراهيم عليه السلام البيت وبين موسى عليه السلام ثم إن في نص القرآن أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة وقد تعقب الحافظ الضياء بنحو ما أجاب به بن الجوزي وقال الخطابي يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان ثم داود وسليمان فزادا فيه ووسعاه فأضيف إليهما بناؤه قال وقد ينسب هذا المسجد إلى إيلياء فيحتمل أن يكون هو بانيه أو غيره ولست أحقق لم أضيف إليه قلت الاحتمال الذي ذكره أولا موجه وقد رأيت لغيره أن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام وقيل الملائكة وقيل سام بن نوح عليه السلام وقيل يعقوب عليه السلام فعلى الأولين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديدا كما وقع في الكعبة وعلى الأخيرين يكون الواقع من إبراهيم أو يعقوب أصلا وتأسيسا ومن داود تجديدا لذلك وابتداء بناء فلم يكمل على يده حتى أكمله سليمان عليه السلام لكن الاحتمال الذي ذكره بن الجوزي أوجه وقد وجدت ما يشهد له ويؤيد قول من قال أن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين فذكر بن هشام في كتاب التيجان أن آدم لما بني الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه وبناء آدم للبيت مشهور وقد تقدم قريبا حديث عبد الله بن عمرو أن البيت رفع زمن الطوفان حتى بوأه الله لإبراهيم وروى بن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة قال وضع الله البيت مع آدم لما هبط ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم فقال الله له يا آدم إني قد أهبطت بيتا يطاف به كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه فخرج آدم إلى مكة وكان قد هبط بالهند ومد له في خطوه فأتى البيت فطاف به وقيل إنه لما صلى إلى الكعبة أمر بالتوجه إلى بيت المقدس فاتخذ فيه مسجدا وصلى فيه ليكون قبلة لبعض ذريته وأما ظن الخطابي أن إيلياء اسم رجل ففيه نظر بل هو اسم البلد فأضيف إليه المسجد كما يقال مسجد المدينة ومسجد مكة وقال أبو عبيد البكري في معجم البلدان إيلياء مدينة بيت المقدس فيه ثلاث لغات مد آخره وقصره وحذف الياء الأولى قال الفرزدق لوى بن أبي الرقراق عينيه بعدما دنا من أعالي إيلياء وغورا وعلى ما قاله الخطابي يمكن الجمع بأن يقال إنها سميت باسم بانيها كغيرها والله أعلم قوله فصله بهاء ساكنة وهي هاء السكت وللكشميهني بحذفها قوله فإن الفضل فيه أي في فعل الصلاة إذا حضر وقتها زاد من وجه آخر عن الأعمش في آخره والأرض لك مسجد أي للصلاة فيه وفي جامع سفيان بن عيينة عن الأعمش فإن الأرض كلها مسجد أي صالحة للصلاة فيها ويخص هذا العموم بما ورد فيه النهي والله أعلم الحديث الرابع عشر والخامس عشر حديث أنس موصولا وعبد الله بن زيد معلقا في حرم المدينة وذكر أحد والغرض منهما ذكر إبراهيم وأنه حرم مكة وقد تقدم الكلام عليهما في أواخر الحج وتقدم حديث عبد الله بن زيد موصولا هناك الحديث السادس عشر حديث عائشة في قصة بناء الكعبة تقدم شرحه في أثناء الحج أيضا

[ 3188 ] قوله وقال إسماعيل عبد الله بن أبي بكر يعني إن إسماعيل بن أبي أويس روى الحديث المذكور عن مالك كما رواه عبد الله بن يوسف فقال بدل قول عبد الله بن يوسف أن أبي بكر أخبر أن عبد الله بن أبي بكر أخبر وأبو بكر جد عبد الله المذكور هو الصديق وقد ساق المصنف حديث إسماعيل في التفسير ولفظه عبد الله بن محمد بن أبي بكر وهو الواقع وكأنه عند التعليق نسبه لجده وأغفل المزي ذكر هذا التعليق في أحاديث الأنبياء الحديث السابع عشر حديث أبي حميد الساعدي في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي شرحه في الدعوات والغرض منه

[ 3189 ] قوله فيه كما صليت على إبراهيم الحديث الثامن عشر حديث كعب بن عجرة في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي شرحه في الدعوات أيضا وقد أورده في أواخر تفسير الأحزاب وتأتي الإشارة إليه هناك إن شاء الله تعالى ووهم المزي في الأطراف فعزا رواية كعب بن عجرة هذه إلى الصلاة فقال روى البخاري في الصلاة عن قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل كلاهما عن عبد الواحد بن زياد إلى آخر كلامه واغتر بذلك شيخنا بن الملقن فإنه لما وصل إلى شرح هذا الحديث هنا أحال بشرحه على الصلاة وقال تقدم في الصلاة وكأنه تبع شيخه مغلطاي في ذلك فإنه كذلك صنع ولم يتقدم هذا الحديث عند البخاري في كتاب الصلاة أصلا والله الهادي إلى الصواب الحديث التاسع عشر حديث بن عباس في التعويذ بكلمات الله التامة

[ 3191 ] قوله حدثنا جرير لعثمان بن أبي شيبة فيه شيخ آخر أخرجه الإسماعيلي عن عمران بن موسى وإبراهيم بن موسى قالا حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير وأبو حفص الأبار فرقهما عن منصور قوله عن منصور هو بن المعتمر عن المنهال هو بن عمرو والإسناد إلى سعيد بن جبير كوفيون وقد رواه النسائي من طريق جرير عن الأعمش عن المنهال فقال عن عبد الله بن الحارث بدل سعيد ولم يذكر فيه عن بن عباس ورواه الإسماعيلي من طريق أبي حفص الأبار عن الأعمش ومنصور فحمل رواية الأعمش على رواية منصور والصواب التفصيل ولذلك لم يخرج رواية الأبار قوله أن أباكما يريد إبراهيم عليه السلام وسماه أبا لكونه جدا على قوله بكلمات الله قيل المراد بها كلامه على الإطلاق وقيل أقضيته وقيل ما وعد به كما قال تعالى وتمت كلمة ربك الحسني على بني إسرائيل والمراد بها قوله تعالى ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض المراد بالتامة الكاملة وقيل النافعة وقيل الشافية وقيل المباركة وقيل القاضية التي تمضي وتستمر ولا يردها شيء ولا يدخلها نقص ولا عيب قال الخطابي كان أحمد يستدل بهذا الحديث على أن كلام الله غير مخلوق ويحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق قوله من كل شيطان يدخل تحته شياطين الإنس والجن قوله وهامة بالتشديد واحدة الهوام ذوات السموم وقيل كل ما له سم يقتل فأما ما لا يقتل سمه فيقال له السوام وقيل المراد كل نسمة تهم بسوء قوله ومن كل عين لامة قال الخطابي المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل وقال أبو عبيد أصله من ألممت الماما إنما قال لامة لأنه أراد أنها ذات لمم وقال بن الأنباري يعني أنها تأتي في وقت بعد وقت وقال لامة ليؤاخي لفظ هامة لكونه أخف على اللسان

قوله باب قوله ونبئهم عن ضيف إبراهيم الآية لا توجل لا تخف كذا اقتصر في هذا الباب على تفسير هذه الكلمة وبذلك جزم الإسماعيلي وقال ساق الآيتين بلا حديث انتهى والتفسير المذكور مروي عن عكرمة عند بن أبي حاتم ولعله كان عقب هذا في الأصل بياض فحذف وقصة أضياف إبراهيم أوردها بن أبي حاتم من طريق السدي مبينة وفيها أنه لما قرب إليهم العجل قالوا إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن قال إبراهيم إن له ثمنا قالوا وما ثمنه قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره قال فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا فلما رأى أنهم لا يأكلون فزع منهم ومن طريق عثمان بن محصن قال كانوا أربعة جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفاييل ومن طريق نوح بن أبي شداد أن جبريل مسح بجناحيه العجل فقام يدرج حتى لحق بأمه في الدار قوله وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى كذا وقع هذا الكلام لأبي ذر متصلا بالباب ووقع في رواية كريمة بدل قوله ولكن ليطمئن قلبي وحكى الإسماعيلي أنه وقع عنده باب قوله وإذ قال إبراهيم الخ وسقط كل ذلك للنسفي فصار حديث أبي هريرة تكملة الباب الذي قبله فكملت به الأحاديث عشرين حديثا وهو متجه قوله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب في رواية الطبري من طريق عمرو بن الحارث عن يونس عن الزهري أخبرني أبو سلمة وسعيد كذا قال يونس بن يزيد عن الزهري ورواه مالك عن الزهري فقال إن سعيد بن المسيب وأبا عبيدة أخبراه عن أبي هريرة وسيأتي ذلك للمصنف قريبا وتابع مالكا أبو أويس عن الزهري أخرجه أبو عوانة من طريقه ورجح ذلك عند النسائي فاقتصر عليه وكأن البخاري جنح إلى تصحيح الطريقين فأخرجهما معا وهو نظر صحيح لأن الزهري صاحب حديث وهو معروف بالرواية عن هؤلاء فلعله سمعه منهم جميعا ثم هو من الأحاديث التي حدث بها مالك خارج الموطأ واشتهر أن جويرية تفر به عنه ولكن تابعه سعيد بن داود عن مالك أخرجه الدارقطني في غرائب من طريقه قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم سقط لفظ الشك من بعض الروايات واختلف السلف في المراد بالشك هنا فحمله بعضهم على ظاهره وقال كان ذلك قبل النبوة وحمله أيضا الطبري على ظاهره وجعل سببه حصول وسوسة الشيطان لكنها لم تستقر ولا زلزلت الإيمان الثابت واستند في ذلك إلى ما أخرجه هو وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم من طريق عبد العزيز الماجشون عن محمد بن المنكدر عن بن عباس قال أرجى آية في القرآن هذه الآية وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى الآية قال بن عباس هذا لما يعرض في الصدور ويوسوس به الشيطان فرضي الله من إبراهيم عليه السلام بأن قال بلى ومن طريق معمر عن قتادة عن بن عباس نحوه ومن طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن بن عباس نحوه وهذه طرق يشد بعضها بعضا وإلى ذلك جنح عطاء فروى بن أبي حاتم من طريق بن جريج سألت عطاء عن هذه الآية قال دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال ذلك وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن إبراهيم أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع ومن طريق حجاج عن بن جريج قال بلغني أن إبراهيم أتى على جيفة حمار عليه السباع والطير فعجب وقال رب لقد علمت لتجمعنها ولكن رب أرني كيف تحيي الموتى وذهب آخرون إلى تأويل ذلك فروى الطبري وابن أبي حاتم من طريق السدي قال لما أتخذ الله إبراهيم خليلا استأذنه ملك الموت أن يبشره فأذن له فذكر قصة معه في كيفية قبض روح الكافر والمؤمن قال فقام إبراهيم يدعو ربه رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك وروى بن أبي حاتم من طريق أبي العوام عن أبي سعيد قال ليطمئن قلبي بالخلة ومن طريق قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال ليطمئن قلبي أني خليلك ومن طريق الضحاك عن بن عباس لا علم إنك أجبت دعائي ومن طريق علي بن أبي طلحة عنه لأعلم إنك تجيبني إذا دعوتك وإلى هذا الأخير جنح القاضي أبو بكر الباقلاني وحكى بن التين عن الداودي الشارح أنه قال طلب إبراهيم ذلك لتذهب عنه شدة الخوف قال بن التين وليس ذلك بالبين وقيل كان سبب ذلك أن نمرود لما قال له ما ربك قال ربي الذي يحيى ويميت فذكر ما قص الله مما جرى بينهما فسأل إبراهيم بعد ذلك ربه أن يريه كيفية أحياء الموتى من غير شك منه في القدرة ولكن أحب ذلك واشتاق إليه فأراد أن يطمئن قلبه بحصول ما أراده أخرجه الطبري عن بن إسحاق وأخرج بن أبي حاتم من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال المراد ليطمئن قلبي أنهم يعلمون إنك تحيي الموتى وقيل معناه أقدرني على أحياء الموتى فتأدب في السؤال وقال بن الحصار إنما سأل أن يحيى الله الموتى على يديه فلهذا قيل له في الجواب فصرهن إليك وحكى بن التين عن بعض من لا تحصيل عنه أنه أراد بقوله قلبي رجلا صالحا كان يصحبه سأله عن ذلك وأبعد منه ما حكاه القرطبي المفسر عن بعض الصوفية أنه سأل من ربه أن يريه كيف يحيى القلوب وقيل أراد طمأنينة النفس بكثرة الأدلة وقيل محبة المراجعة في السؤال ثم اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بالشك فقال بعضهم معناه نحن أشد اشتياقا إلى رؤية ذلك من إبراهيم وقيل معناه إذا لم نشك نحن فإبراهيم أولى أن لا يشك أي لو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أنه لم يشك وإنما قال ذلك تواضعا منه أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم وهو كقوله في حديث أنس عند مسلم أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم وقيل إن سبب هذا الحديث أن الآية لما نزلت قال بعض الناس شك إبراهيم ولم يشك نبينا فبلغه ذلك فقال نحن أحق بالشك من إبراهيم وأراد ما جرت به العادة في المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئا قال مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي ومقصوده لا تقل ذلك وقيل أراد بقوله نحن أمته الذين يجوز عليه الشك وإخراجه هو منه بدلالة العصمة وقيل معناه هذا الذي ترون أنه شك أنا أولى به لأنه ليس بشك إنما هو طلب لمزيد البيان وحكى بعض علماء العربية أن أفعل ربما جاءت لنفي المعنى عن الشيئين نحو قوله تعالى أهم خير أم قوم تبع أي لا خير في الفريقين ونحو قول القائل الشيطان خير من فلان أي لا خير فيهما فعلى هذا فمعنى قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم لا شك عندنا جميعا وقال بن عطية ترجم الطبري في تفسيره فقال وقال آخرون شك إبراهيم في القدرة وذكر أثر بن عباس وعطاء قال بن عطية ومحمل قول بن عباس عندي أنها أرجى آية لما فيها من الإدلال على الله وسؤال الأحياء في الدنيا أو لأن الإيمان يكفي فيه الإجمال ولا يحتاج إلى تنقير وبحث قال ومحمل قول عطاء دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس أي من طلب المعاينة قال وأما الحديث فمبني على نفي الشك والمراد بالشك فيه الخواطر التي لا تثبت وأما الشك المصطلح وهو التوقف بين الأمرين من غير مزية لأحدهما على الآخر فهو منفي عن الخليل قطعا لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه فكيف بمن بلغ رتبة النبوة قال وأيضا فإن السؤال لما وقع بكيف دل على حال شيء موجود مقرر عند السائل والمسئول كما تقول كيف علم فلان فكيف في الآية سؤال عن هيئة الأحياء لا عن نفس الأحياء فإنه ثابت مقرر وقال بن الجوزي إنما صار أحق من إبراهيم لما عانى من تكذيب قومه وردهم عليه وتعجبهم من أمر البعث فقال أنا أحق أن أسأل ما سأل إبراهيم لعظيم ما جرى لي مع قومي المنكرين لاحياء الموتى ولمعرفتي بتفضيل الله لي ولكن لا أسأل في ذلك قوله قال أو لم تؤمن الاستفهام للتقرير ووجهه أنه طلب الكيفية وهو مشعر بالتصديق بالاحياء قوله بلى ولكن ليطمئن قلبي أي ليزيد سكونا بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب وكأنه قال أنا مصدق ولكن للعيان لطيف معنى وقال عياض لم يشك إبراهيم بان الله يحيى الموتى ولكن أراد طمأنينة القلب وترك المنازعة لمشاهدة الأحياء فحصل له العلم الأول بوقوعه وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين وأن لم يكن في الأول شك لأن العلوم قد تتفاوت في قوتها فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين والله أعلم قوله ويرحم الله لوطا الخ يأتي الكلام عليه قريبا في ترجمة لوط قوله ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي أي لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما قدمت طلب البراءة فوصفه بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج وإنما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعا والتواضع لا يحط مرتبة الكبير بل يزيده رفعة وجلالا وقيل هو من جنس قوله لا تفضلوني على يونس وقد قيل إنه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع وسيأتي تكملة لهذا الحديث في قصة يوسف

قوله باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب إسماعيل أنه كان صادق الوعد تقدم في أواخر الشهادات سبب تسميته صادق الوعد ثم ذكر المصنف حديث سلمة بن الأكوع ارمو بني إسماعيل وقد تقدم شرحه في باب التحريض على الرمي من كتاب الجهاد واحتج به المصنف على أن اليمن من بني إسماعيل كما سيأتي في أوائل المناقب مع الكلام عليه

[ 3193 ] قوله وأنا مع بن فلان وقف في رواية الكشميهني وأنا مع بني فلان وكذا هو في الجهاد قيل والصواب الأول لقوله في حديث أبي هريرة وأنا مع بن الأدرع وقد تقدم تسمية بن الأدرع في الجهاد وقد تقدم كثير من أخبار إسماعيل فيما مضى قريبا

قوله قصة إسحاق بن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بن إسحاق أن هاجر لما حملت بإسماعيل غارت سارة فحملت بإسحاق فوضعتا معا فشب الغلامان ونقل عن بعض أهل الكتاب خلاف ذلك وأن بين مولدهما ثلاث عشرة سنة والال أولى قوله فيه بن عمر وأبو هريرة كأنه يشير بحديث بن عمر إلى ما سيأتي في قصة يوسف وبحديث أبي هريرة إلى الحديث المذكور في الباب الذي يليه وأغرب بن التين فقال لم يقف البخاري على سنده فأرسله وهو كلام من لم يفهم مقاصد البخاري لأنه يستلزم أن يكون البخاري أثبت في كتابه حديثا لا يعرف له سندا ومع ذلك ذكره مرسلا ولم تجر للبخاري بذلك عادة حتى يحمل هذا الموضع عليها ونحوه قول الكرماني قوله فيه أي الباب حديث من رواية بن عمر في قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام فأشار البخاري إليه إجمالا ولم يذكره بعينه لأنه لم يكن بشرطه اه وليس الأمر كذلك لما بينته والله المستعان

قوله باب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه الآية أورد فيه حديث أبي هريرة أكرم الناس يوسف نبي الله بن نبي الله الحديث ومناسبته لهذه الترجمة من جهة موافقة الحديث الآية في سياق نسب يوسف عليه السلام فإن الآية تضمنت أن يعقوب خاطب أولاده عند موته محرضا لهم على الثبات على الإسلام وقال له أولاده إنهم يعبدون الهه واله آبائه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن جملة أولاد يعقوب يوسف عليه السلام فنص الحديث على نسب يوسف وأنه بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وزاد أن الأربعة أنبياء في نسق

[ 3194 ] قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه الإمام المشهور قوله سمع المعتمر أي أنه سمع المعتمر وهم يحذفون أنه خطا كما يحذفون قال خطا ولا بد من ثبوتهما لفظا وعبيد الله هو بن عمر العمري قوله أكرمهم أتقاهم هو موافق لقوله تعالى ان أكرمكم عند الله أتقاكم قوله قالوا يا نبي الله ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف الجواب الأول من جهة الشرف بالأعمال الصالحة والثاني من جهة الشرف بالنسب الصالح قوله أفعن معادن العرب أي أصولهم التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها وإنما جعلت معادن لما فيها من الاستعداد المتفاوت أو شبههم بالمعادن لكونهم أوعية الشرف كما أن المعادن أوعية للجواهر قوله فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا يحتمل أن يريد بقوله خياركم جمع خير ويحتمل أن يريد أفعل التفضيل تقول في الواحد خير وأخير ثم القسمة رباعية فإن الأفضل من جمع بين الشرف في الجاهلية والشرف في الإسلام وكان شرفهم في الجاهلية بالخصال المحمودة من جهة ملائمة الطبع ومنافرته خصوصا بالانتساب إلى الآباء المتصفين بذلك ثم الشرف في الإسلام بالخصال المحمودة شرعا ثم أرفعهم مرتبة من أضاف إلى ذلك التفقه في الدين ومقابل ذلك من كان مشروفا في الجاهلية واستمر مشروفا في الإسلام فهذا أدنى المراتب والقسم الثالث من شرف في الإسلام وفقه ولم يكن شريفا في الجاهلية ودونه من كان كذلك لكن لم يتفقه والقسم الرابع من كان شريفا في الجاهلية ثم صار مشروفا في الإسلام فهذا دون الذي قبله فإن تفقه فهو أعلى رتبة من الشريف الجاهل

قوله باب ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة الى قوله فساء مطر المنذرين يقال إنه لوط بن هاران بن تارخ وهو بن أخي إبراهيم عليه السلام وقد قص الله تعالى قصته مع قومه في الأعراف وهود والشعراء والنمل والصافات وغيرها وحاصلها أنهم ابتدعوا وطء الذكور فدعاهم لوط إلى التوحيد وإلى الاقلاع عن الفاحشة فأصروا على الامتناع ولم يتفق أن يساعده منهم أحد وكانت مدائنهم تسمى سدوم وهي بغور زغر من البلاد الشامية فلما أراد الله اهلاكهم بعث جبريل وميكائيل وإسرافيل إلى إبراهيم فاستضافوه فكأن ما قص الله في سورة هود ثم توجهوا الى لوط فاستضافوه فخاف عليهم من قومه وأراد أن يخفى عليهم خبرهم فنمت عليهم امرأته فجاءوا إليه وعاتبوه على كتمانه أمرهم وظنوا أنهم ظفروا بهم فأهلكهم الله على يد جبريل فقلب مدائنهم بعد أن خرج عنهم لوط بأهل بيته الا امرأته فإنها تأخرت مع قومها أو خرجت مع لوط فادركها العذاب فقلب جبريل المدائن بطرف جناحه فصارع إليها سافلها وصار مكانها بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بشيء مما حولها

[ 3195 ] قوله يغفر الله للوط أن كان ليأوي إلى ركن شديد أي إلى الله سبحانه وتعالى يشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ويقال أن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه لأنهم من سدوم وهي من الشام وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط فبعث الله لوطا إلى أهل سدوم فقال لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت أستنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني ولهذا جاء في بعض طرق هذا الحديث كما أخرجه أحمدمن طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لوط لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال فإنه كان يأوي إلى ركن شديد ولكنه عنى عشيرته فما بعث الله نبيا الا في ذروة من قومه زاد بن مردويه من هذا الوجه ألم تر إلى قول قوم شعيب ولولا رهطك لرجمناك وقيل معنى قوله لقد كان يأوي إلى ركن شديد أي إلى عشيرته لكنه لم يأو إليهم وأوى إلى الله انتهى والأول أظهر لما بيناه وقال النووي يجوز أنه لما اندهش بحال الأضياف قال ذلك أو أنه التجأ إلى الله في باطنه واظهر هذا القول للاضياف اعتذارا وسمي العشيرة ركنا لأن الركن يستند إليه ويمتنع به فشبههم بالركن من الجبل لشدتهم ومنعتهم وسيأتي في الباب الذي بعده تفسير الركن بلفظ آخر

قوله باب فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون أي أنكرهم لوط قوله بركنه بمن معه لأنهم قوته هو تفسير الفراء وقال أبو عبيدة فتولى بركنه وبجانبه سواء إنما يعني ناحيته وقال في قوله أو آوي إلى ركن شديد أي عشيرة عزيزة منيعة كذا أورد المصنف هذه الجملة في قصة لوط وهو وهم فإنها من قصة موسى والضمير لفرعون والسبب في ذلك أن ذلك وقع تلو قصة لوط حيث قال تعالى في آخر قصة لوط وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم ثم قال عقب ذلك وفي موسى اذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه أو ذكره استطرادا لقوله في قصة لوط أو آوي إلى ركن شديد قوله تركنوا تميلوا قال أبو عبيدة في قوله ولا تركنوا إلى الذين ظلموا لا تعدلوا إليهم ولا تميلوا تقول ركنت إلى قولك أي أحببته وقبلته وهذه الآية لا تتعلق بقصة لوط أصلا ثم ظهر لي أنه ذكر هذه اللفظة من أجل مادة ركن بدليل إيراده الكلمة الأخرى وهي ولا تركنوا قوله فأنكرهم ونكرهم واستنكرهم واحد قال أبو عبيدة نكرهم وأنكرهم واحد وكذلك استنكرهم وهذا الإنكار من إبراهيم غير الإنكار من لوط لأن إبراهيم أنكرهم لما لم يأكلوا من طعامه وأما لوط فأنكرهم لما لم يبالوا بمجيء قومه إليهم ولكن لها تعلق مع كونها لإبراهيم بقصة لوط قوله يهرعون يسرعون قال أبو عبيدة يهرعون إليه أي يستحثون إليه قال الشاعر بمعجلات نحوهم نهارع أي نسارع وقيل معناه يزعجون مع الإسراع قوله دابر آخر قال أبو عبيدة في تفسير قوله ان دابر هؤلاء أي آخرهم قوله صيحة هلكة هو تفسير قوله ان كانت الا صيحة واحدة ولم أعرف وجه دخوله هنا لكن لعله أشار إلى قوله فأخذتهم الصيحة مشرقين فإنها تتعلق بقوم لوط قوله للمتوسمين للناظرين قال الفراء في قوله تعالى ان في ذلك لآيات للمتوسمين أي للمتفكرين ويقال للناظرين المتفرسين وقال أبو عبيدة أي المتبصرين المتثبتين قوله لبسبيل لبطريق هو تفسير أبي عبيدة والضمير في قوله وإنها يعود على مدائن قوم لوط وقيل يعود على الآيات ثم أورد المصنف حديث عبد الله وهو بن مسعود قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فهل من مدكر يعني بالدال المهملة وسيأتي بيان ذلك في تفسير القمر تنبيهان أحدهما هذه التفاسير وقعت في رواية المستملي وحده ثانيهما أورد المصنف عقب هذا قصة ثمود وصالح وقد قدمتها في مكانها عقب قصة عاد وهود وكأن السبب في ايرادها هنا أنه لما أورد التفاسير من سورة الحجر كان آخرها قوله وانها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآيات للمتوسمين وأن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وانهما لبامام مبين ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين الخ فجاءت قصة ثمود وهم أصحاب الحجر في هذه السورة تالية لقصة قوم لوط وتخلل بينهما قصة أصحاب الأيكة مختصرة فأوردها من أوردها على ذلك وقد قدمت الإعتذار عن ذلك فيما مضى سقط باب



قوله باب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت كذا ثبتت هذه الترجمة هنا وهي مكررة كما سبق قريبا والصواب أن حديثها تلو حديث الباب الذي يليها وهي من قصة يوسف عليه السلام وقوله

[ 3202 ] أخبرنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث قوله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وفي رواية الطبراني من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله وله من حديث بن عباس قالوا يا رسول الله من السيد قال يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله قالوا فما في أمتك سيد قال رجل أعطى ما لا حلالا ورزق سماحة وإسناده ضعيف

قوله باب قول الله تعالى لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين اسم إخوة يوسف روبيل بضم الراء وسكون الواو وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام وهو أكبرهم وشمعون بالشين المعجمة ولاوى ويهوذا ودانى ونفتالى بفاء ومثناة وكاد وأشير وأيساجر ورايلون وبنيامين وهم الأسباط وقد اختلف فيهم فقيل كانوا أنبياء ويقال لم يكن فيهم نبي وإنما المراد بالاسباط قبائل من بني إسرائيل فقد كان فيهم من الأنبياء عدد كثير ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث أحدها حديث أبي هريرة في أكرم الناس أي أصلا ذكره من وجهين عن عبد الله بن عمر ثانيهما قال فيه أخبرنا محمد بن سلام أخبرني عبدة وهو بن سليمان ووقع في المستخرج لأبي نعيم أن البخاري أخرجه عن عثمان بن أبي شيبة عن عبدة فالله أعلم وقد تقدم شرحه قريبا

[ 3204 ] الحديث الثاني حديث عائشة مروا أبا بكر فليصل بالناس وقد تقدم شرحه في أبواب الإمامة وأورده هنا مختصرا والغرض منه قوله انكن صواحب يوسف وقوله في أول الإسناد حدثنا الربيع بن يحيى في رواية أبي ذر بغير ألف ولام وزاد في رواية كريمة البصري ووقع في نسخة حدثنا النضر حدثنا زائدة وهو غلط فاحش تصحيف من البصري وقد تقدم ذكر مناسبته هناك وقد قص الله تعالى قصة يوسف مطولة في سورة لم يذكر فيها قصة لغيره وقد روى بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث الثالث حديث أبي موسى في المعنى وقد تقدم أيضا الرابع حديث أبي هريرة في الدعاء عند الرفع من الركوع اللهم أنج المستضعفين وقد تقدم شرحه في الصلاة أيضا والغرض منه

[ 3206 ] قوله اجعلها عليهم سنين كسني يوسف المراد بسنى يوسف ما قصه الله من ذكر السنين المجدبة في زمانه ويقال اسم الملك الذي رأى الرؤيا الريان بن الوليد من ذرية لاوذ بن سام بن نوح الخامس حديثه في ذكر لوط ويوسف وقد تقدم في ترجمة إبراهيم السادس حديث أم رومان والدة عائشة في قصة الإفك أورده لقول عائشة فيه فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه وسيأتي في تفسير النور في سياق قصة الإفك عن عائشة بلفظ والتمست اسم يعقوب فلم أجده فقلت ما أجد لي ولكم مثلا الا أبا يوسف ويأتي الكلام على ما قيل في هذا الإسناد من التعليل بالانقطاع والجواب عنه في غزوة بني المصطلق من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى السابع حديث عائشة في تفسير قوله تعالى

[ 3209 ] حتى إذ استيأس الرسل وسيأتي شرحه في آخر تفسير سورة يوسف قوله استيأسوا استفعلوا من يئست منه من يوسف وقع في كثير من الروايات افتعلوا والصواب الأول وفي تفسير بن أبي حاتم من طريق بن إسحاق فلما استيأسوا أي لما حصل لهم اليأس من يوسف قوله ولا تيأسوا من روح الله معناه من الرجاء وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد بن بشير عن قتادة لا تيأسوا من روح الله أي من رحمة الله تنبيه مطابقة هذا الحديث للترجمة وقوع الآية في سورة يوسف ودخوله هو في عموم قوله وما أرسلنا قبلك الا رجالا نوحي إليهم وكان مقامه في السجن تلك المدة الطويلة إلى أن جاءه النصر من عند الله تعالى بعد اليأس لأنه أمر الفتى الذي ظن أنه ناج أن يذكر قصته وأنه حبس ظلما فلم يذكرها الا بعد سبع سنين وفي مثل هذا يحصل اليأس في العادة المطردة الحديث الثامن حديث بن عمر الكريم بن الكريم الحديث تقدم شرحه قبل هذا وعبدة شيخ المصنف هو بن عبد الله المروزي وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وعبد الرحمن هو بن عبد الله بن دينار

قوله باب قول الله تعالى وأيوب إذ نادى ربه الآية يقال هو أيوب بن ساري بن رغوال بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم وقيل اسم أبيه موص والباقي سواء وقيل موص بن رزاح بن عيص وقيل أيوب بن رزاح بن موص بن عيصو ومنهم من زاد بين موص وعيص ليقرن وزعم بعض المتأخرين أنه من ذرية روم بن عيص ولا يثبت ذلك وحكى بن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام وأن أباه كان ممن آمن بإبراهيم وعلى هذا فكان قبل موسى وقال بن إسحاق الصحيح أنه كان من بني إسرائيل ولم يصح في نسبه شيء الا أن اسم أبيه امص والله أعلم وقال الطبري كان بعد شعيب وقال بن أبي حيثمة كان بعد سليمان وكان عيصو تزوج بشمت بنت عمه إسماعيل فرزق منها رغوال وهو بغين معجمة قوله اركض اضرب يركضون يعدون روى بن جرير من طريق شعبة عن قتادة في قوله اركض برجلك قال ضرب برجله الأرض فإذا عينان تنبعان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى وقال الفراء في قوله تعالى إذا هم منها يركضون أي يهربون وأخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله لا تركضوا أي لا تفروا قوله بينا أيوب أصل بينا بين أشبعت الفتحة ويغتسل خبر المبتدأ والجملة في محل الجر بإضافة بين إليه والعامل خر عليه أو هو مقدر وخر مفسر له ووقع عند أحمد وابن حبان من طريق بشير بن نهيك عن أبي هريرة لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب قوله عريانا تقدم القول فيه في كتاب الغسل قوله خر عليه أي سقط عليه وقوله رجل جراد أي جماعة جراد والجراد اسم جمع واحدة جرادة كتمر وتمرة وحكى بن سيده أنه يقال للذكر جراد وللأنثى جرادة قوله يحثي بالمثلثة أي يأخذ بيديه جميعا وفي رواية بشير بن نهيك يلتقط قوله في ثوبه في حديث بن عباس عند بن أبي حاتم فجعل أيوب ينشر طرف ثوبه فيأخذ الجراد فيجعله فيه فكلما امتلأت ناحية نشر ناحية قوله فناداه ربه يحتمل أن يكون بواسطة أو بالهمام ويحتمل أن يكون بغير واسطة قوله قال بلى أي اغنيتني قوله ولكن لا غنى لي بالقصر بغير تنوين وخبر لا قوله لي أو قوله عن بركتك وفي رواية بشير بن نهيك فقال ومن يشبع من رحمتك أو قال من فضلك وفي الحديث جواز الحرص على الاستكثار من الحلال في حق من وثق من نفسه بالشكر عليه وفيه تسمية المال الذي يكون من هذه الجهة بركة وفيه فضل الغني الشاكر وسيأتي بقية مباحث هذه الخصلة الأخيرة في الرقاق إن شاء الله تعالى واستنبط منه الخطابي جواز أخذ النثار في الاملاك وتعقبه بن التين فقال هو شيء خص الله به نبيه أيوب وهو بخلاف النثار فإنه من فعل الآدمي فيكره لما فيه من السرف ورد عليه بأنه أذن فيه من قبل الشارع أن ثبت الخبر ويستأنس فيه بهذه القصة والله أعلم تنبيه لم يثبت عند البخاري في قصة أيوب شيء فاكتفى بهذا الحديث الذي على شرطه وأصح ما ورد في قصته ما أخرجه بن أبي حاتم وابن جريج وصححه بن حبان والحاكم من طريق نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس أن أيوب عليه السلام ابتلى فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد الا رجلين من إخوانه فكانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما للآخر لقد أذنب أيوب ذنبا عظيما وإلا لكشف عنه هذا البلاء فذكره الآخر لأيوب يعني فحزن ودعا الله حينئذ فخرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه فأوحى الله إليه أن اركض برجلك فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا فجاءت امرأته فلم تعرفه فسألته عن أيوب فقال إني أنا هو وكان له اندران أحدهما للقمح والآخر للشعير فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض وروى بن أبي حاتم نحوه من حديث بن عباس وفيه فكساه الله حلة من حلل الجنة فجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت يا عبد الله هل أبصرت المبتلى الذي كان هنا فلعل الذئاب ذهبت به فقال ويحك أنا هو وروى بن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير نحو حديث أنس وفي آخره قال فسجد وقال وعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني فكشف عنه وعن الضحاك عن بن عباس رد الله على امرأته شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا وذكر وهب بن منبه ومحمد بن إسحاق في المبتدأ قصة مطولة جدا وحاصلها أنه كان بحوران وكان له البثنية سهلها وجبلها وله أهل ومال كثير وولد فسلب ذلك كله شيئا فشيئا وهو يصبر ويحتسب ثم ابتلى في جسده بأنواع من البلاء حتى ألقى خارجا من البلد فرفضه الناس الا امرأته فبلغ من أمرها أنها كانت تخدم بالأجرة وتطعمه إلى أن تجنبها الناس خشية العدوي فباعت إحدى ضفيرتيها من بعض بنات الأشراف وكانت طويلة حسنة فاشترت له به طعاما طيبا فلما أحضرته له حلف أن لا يأكله حتى تخبره من أين لها ذلك فكشفت عن رأسها فاشتد حزنه وقال حينئذ رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فعافاه الله تعالى وروى بن أبي حاتم عن مجاهد أن أيوب أول من أصابه الجدري ومن طريق الحسن أن إبليس أتى امرأته فقال لها إن أكل أيوب ولم يسم عوفي فعرضت ذلك على أيوب فحلف ليضربنها مائة فلما عوفي أمره الله أن يأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ فيضربها ضربة واحدة وقيل بل قعد إبليس على الطريق في صورة طبيب فقال لها إذا داويته فقال أنت شفيتني قنعت بذلك فعرضت ذلك عليه فغضب وكان ما كان وذكر الطبري أن اسمها ليا بنت يعقوب وقيل رحمة بنت يوسف بن يعقوب وقيل بنت افرائيم أو ميشا بن يوسف وأفاد بن خالويه أنه يقال لها أم زيد واختلف في مدة بلائه فقيل ثلاث عشرة سنة كما تقدم وقيل ثلاث سنين وهذا قول وهب وقيل سبع سنين وهو عن الحسن وقتادة وقيل أن امرأته قالت له ألا تدعو الله ليعافيك فقال قد عشت صحيحا سبعين سنة أفلا أصبر سبع سنين والصحيح ما تقدم أنه لبث في بلائه ثلاث عشرة سنة وروى الطبري أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة فعلى هذا فيكون عاش بعد أن عوفي عشر سنين والله أعلم

قوله باب واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا إلى قوله نجيا في رواية أبي ذر قول الله واذكر الخ وليس فيه باب وساق في رواية كريمة إلى قوله أخاه هارون نبيا قوله يقال للواحد والإثنين زاد الكشميهني والجمع نجى ويقال خلصوا اعتزلوا نجيا والجمع أنجية يتناجون قال أبو عبيدة في قوله تعالى خلصوا نجيا أي اعتزلوا نجيا يتناجون والنجى يقع لفظه على الواحد والجمع أيضا وقد يجمع فيقال نجى وأنجية قال لبيد وشهدت أنجية الافاقة عاليا كعبي وأرداف الملوك شهود وموسى هو بن عمران بن لاهب بن عازر بن لاوى بن يعقوب عليه السلام لا اختلاف في نسبه ذكر السدي في تفسيره بأسانيده أن بدء أمر موسى أن فرعون رأى كأن نارا أقبلت من بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميع القبط الا دور بني إسرائيل فلما استيقظ جمع الكهنة والسحرة فقالوا هذا غلام يولد من هؤلاء يكون خراب مصر على يده فأمر بقتل الغلمان فلما ولد موسى أوحى الله إلى أمه أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم قالوا فكانت ترضعه فإذا خافت عليه جعلته في تابوت وألقته في البحر وجعلت الحبل عندها فنسيت الحبل يوما فجرى به النيل حتى وقف على باب فرعون فالتقطه الجواري فاحضروه عند امرأته ففتحت التابوت فرأته فأعجبها فاستوهبته من فرعون فوهبه لها فربته حتى كان من أمره ما كان قوله تلقف تلقم هو تفسير أبي عبيدة قاله في سورة الأعراف ثم أورد المصنف طرقا من حديث بدء الوحي وقد تقدم شرحه بتمامه في أول الكتاب والغرض منه

[ 3212 ] قوله الناموس الذي أنزل على موسى قوله الناموس صاحب السر الذي يطلعه بما يستره عن غيره هو قول المصنف وقد تقدم قول من خصه بسر الخير

قوله باب قول الله عز وجل وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا إلى قوله بالوادي المقدس طوى سقط لفظ باب عند أبي ذر وكريمة قوله آنست أبصرت قال أبو عبيدة في قوله آنس من جانب الطور نارا أي أبصر قوله قال بن عباس المقدس المبارك طوى اسم الوادي هكذا وقع هذا التفسير وما بعده في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني خاصة ولم يذكره جميع رواة البخاري هنا وإنما ذكروا بعضه في تفسير سورة طه وها أنا أشرحه هنا وأبين إذا أعيد في تفسير طه إن شاء الله تعالى ما سبق منه هنا وقول بن عباس هذا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس به وروى هو والطبري من وجه آخر عن بن عباس أنه سمي طوى لأن موسى طواه ليلا قال الطبري فعلى هذا فالمعنى انك بالوادي المقدس طويته وهو مصدر أخرج من غير لفظه كأنه قال طويت الوادي المقدس طوى وعن سعيد بن جبير قال قيل له طوى أي طأ الأرض حافيا وروى الطبري عن مجاهد مثله وعن عكرمة أي طأ بالوادي ومن وجه آخر عن بن عباس كذلك وروى بن أبي حاتم من طريق مبشر بن عبيد والطبري من طريق الحسن قال قيل له طوى لأنه قدس مرتين وقال الطبري قال آخرون معنى قوله طوى أي ثنى أي ناداه ربه مرتين انك بالوادي المقدس وأنشد لذلك شاهدا قول عدي بن زيد أعاذل أن اللوم في غير حينه علي طوى من غيك المتردد وقال أبو عبيدة طوى بكسر أوله قوم كقول الشاعر وأن كان حيانا عدي آخر الدهر قال ومن جعل طوى اسم أرض لم ينونه ومن جعله اسم الوادي صرفه ومن جعله مصدرا بمعنى نودي مرتين صرفه تقول ناديته ثنى وطوى أي مرة بعد مرة وأنشد البيت المذكور قوله سيرتها حالتها وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى سنعيدها سيرتها الأولى يقول حالتها الأولى ورواه بن جرير كذلك ومن طريق مجاهد وقتادة سيرتها هيئتها قوله والنهي التقي وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى يمشون في مساكنهم أن في ذلك لآيات لأولي النهى قال لأولى التقي ومن طريق سعيد عن قتادة لأولى النهى لأولي الورع قال الطبري خص أولى النهى لأنهم أهل التفكر والاعتبار قوله بملكنا بأمرنا وصله بن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ما أخلفنا موعدك بملكنا يقول بأمرنا ومن طريق سعيد عن قتادة بملكنا أي بطاقتنا وكذا قال السدي ومن طريق بن زيد بهوانا واختلف أهل القراءة في ميم ملكنا فقرؤوا بالضم والفتح والكسر ويمكن تخريج هذه التأويلات على هذه القراءات قوله هوى شقى وصله بن أبي حاتم من الطريق المذكورة في قوله تعالى ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى قال يعني شقى وكذا أخرجه الطبري قوله فارغا الا من ذكر موسى وصله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي في تفسير بن عيينة من طريق عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال من كل الا من ذكر موسى وأخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس نحوه ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس فارغا لا تذكر الا موسى ومن طريق مجاهد وقتادة نحوه ومن طريق الحسن البصري أصبح فارغا من العهد الذي عهد إليها أنه سيرد عليها وقال أبو عبيدة في قوله فارغا أي من الحزن لعلمها أنه لم يغرق ورد ذلك الطبري وقال إنه مخالف لجميع أقوال أهل التأويل وأم موسى اسمها بادونا وقيل أباذخت ويقال يوحاند قوله ردءا كي يصدقني وصله بن أبي حاتم من الطريق المذكورة قبل وروى الطبري من طريق السدي قال كيما يصدقني ومن طريق مجاهد وقتادة ردءا أي عونا قوله ويقال مغيثا أو معينا يعني بالمعجمة والمثلثة وبالمهملة والنون قال أبو عبيدة في قوله ردءا يصدقني أي معينا يقال فيه أردأت فلانا على عدوه أي أكنفته وأعنته أي صرت له كنفا قوله يبطش ويبطش يعني بكسر الطاء وبضمها قال أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما بالطاء مكسورة ومضمومة لغتان قلت الكسر القراءة المشهورة هنا وفي قوله تعالى يوم يبطش البطشة الكبرى والضم قراءة بن جعفر ورويت عن الحسن أيضا قوله يأتمرون يتشاورون قال أبو عبيدة في قوله تعالى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك أي يهمون بك ويتآمرون ويتشاورون انتهى وهي بمعنى يتآمرون ومنه قول الشاعر أرى الناس قد أحدثوا شيمة وفي كل حادثة يؤتمر وقال بن قتيبة معناه يأمر بعضهم بعضا كقوله وائتمروا بينكم بمعروف قوله والجذوة قطعة غليظة من الخشب ليس لها لهب قال أبو عبيدة في قوله تعالى أو جذوة من النار أي قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لهب قال الشاعر باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزل الجذا غير خوار ولا دعر والجذوة مثلثة الجيم قوله سنشد سنعينك كلما عززت شيئا فقد جعلت له عضدا وقال أبو عبيدة في قوله تعالى سنشد عضدك بأخيك أي سنقويك به ونعينك تقول شد فلان عضد فلان إذا أعانه وهو من عاضدته على أمره أي عاونته قوله وقال غيره كلما لم ينطق بحرف أو فيه تمتمة أو فأفأة فهي عقدة هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى واحلل عقدة من لساني العقدة في اللسان ما لم ينطق بحرف أو كانت فيه مسكة من تمتمة أو فأفأة وروى الطبري من طريق السدي قال لما تحرك موسى أخذته آسية امرأة فرعون ترقصه ثم ناولته لفرعون فأخذ موسى بلحيته فنتفها فاستدعى فرعون الذباحين فقالت آسية إنه صبي لا يعقل فوضعت له جمرا وياقوتا وقالت أن أخذ الياقوت فاذبحه وأن أخذ الجمرة فاعرف أنه لا يعقل فجاء جبريل فطرح في يده جمرة فطرحها في فيه فاحترق لسانه فصارت في لسانه عقدة من يومئذ ومن طريق مجاهد وسعيد بن جبير نحو ذلك والتمتمة هي التردد في النطق بالمثناة الفوقانية والفأفأة بالهمزة التردد في النطق بالفاء قوله أزرى ظهري قال أبو عبيدة في قوله تعالى اشدد به أزري أي ظهري ويقال قد أزرني أي كان لي ظهرا ومعينا وأورد بإسناد لين عن بن عباس في قوله اشدد به أزري قال ظهري قوله فيسحتكم فيهلككم وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وهو قول أبي عبيدة قال وتقول سحته وأسحته بمعنى قال الطبري سحت أكثر من أسحت وروى من طريق قتادة في قوله فيسحتكم أي يستأصلكم والخطاب للسحرة ويقال أن اسم رؤسائهم غادون وسانور وخطخط والمصفا قوله المثلى تأنيث الأمثل يقول بدينكم يقال خذ المثلى خذ الامثل قال أبو عبيدة في قوله بطريقتكم أي بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه والمثلى تأنيث الأمثل تقول خذ المثلى منهما للانثيين وخذ الأمثل منهما إذا كان ذكرا والمراد بالمثلى الفضلي قوله ثم ائتوا صفا يقال هل أتيت الصف اليوم يعني المصلي الذي يصلي فيه قال أبو عبيدة في قوله ثم ائتوا صفا أي صفوفا وله معنى آخر من قولهم هل أتيت الصف اليوم أي المصلي الذي يصلي فيه قوله فأوجس أضمر خوفا فذهبت الواو من خيفة لكسرة الخاء قال أبو عبيدة في قوله تعالى فأوجس منهم خيفة أي فأضمر منهم خيفة أي خوفا فذهبت الواو فصارت ياء من أجل كسرة الخاء قال الكرماني مثل هذا الكلام لا يليق بجلالة هذا الكتاب أن يذكر فيه انتهى وكأنه رأى فيه ما يخالف اصطلاح المتأخرين من أهل علم التصريف فقال ذلك حيث قالوا في مثل هذا أصل خيفة خوفة فقلبت الواو ياء لكونها بعد كسرة وما عرف أنه كلام أحد الرءوس العلماء باللسان العربي وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري قوله في جذوع النخل على جذوع هو قول أبي عبيدة واستشهد بقول الشاعر هم صلبوا العبدي في جذع نخلة وقال إنما جاء على موضع في إشارة لبيان شدة التمكن في الظرفية قوله خطبك بالك قال أبو عبيدة في قوله قال فما خطبك أي ما بالك وشأنك قال الشاعر يا عجبا ما خطبه وخطبي وروى الطبري من طريق السدي في قول الله قال فما خطبك قال مالك يا سامري واسم السامري المذكور يأتي قوله مساس مصدر ماسه مساسا قال الفراء قوله لا مساس أي لا أمس ولا أمس والمراد أن موسى أمرهم أن لا يؤاكلوه ولا يخالطوه وقرئ لا مساس بفتح الميم وهي لغة فاشية واسم السامري موسى بن طفر وكان من قوم يعبدون البقر وقال أبو عبيدة في قوله تعالى لا مساس إذا كسرت الميم جاز النصب والرفع والجر بالتنوين وجاءت هنا منفية ففتحت بغير تنوين قال النابغة فأصبح من ذاك كالسامري إذ قال موسى له لا مساسا قال والمماسة والمخالطة واحد قال ومنهم من جعلها اسما فكسر آخرها بغير تنوين قال الشاعر تميم كرهط السامري وقوله ألا لا مريد السامري مساس أجراها مجرى قطام وحزام قوله لننسفنه لنذرينه وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله لننسفنه في اليم نسفا يقول لنذرينه في البحر قوله الضحاء الحر قال أبو عبيدة في قوله تعالى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى أي لا تعطش ولا تضحى للشمس فتجد الحر وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس لا يصيبك فيها عطش ولا حر قلت وهذا الموضع وقع استطرادا وإلا فلا تعلق له بقصة موسى عليه السلام قوله قصيه اتبعي أثره وقد يكون أن يقص الكلام نحن نقص عليك أما الأول فهو قول مجاهد والسدي وغيرهما أخرجه بن جرير وقال أبو عبيدة في قوله تعالى وقالت لأخته قصيه أي اتبعي أثره تقول قصصت آثار القوم وأما الثاني فهو من قبل المصنف وأخت موسى اسمها مريم وافقتها في ذلك مريم بنت عمران والدة عيسى عليه السلام قوله عن جنب عن بعد وعن جنابة وعن اجتناب واحد روى الطبري من طريق مجاهد في قوله عن جنب قال عن بعد وقال أبو عبيدة في قوله تعالى فبصرت به عن جنب أي عن بعد وتجنب ويقال ما تأتينا الا عن جنابة وعن جنب قال الشاعر فلا تحرمني نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب وفي حديث القنوت الطويل عن بن عباس الجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد وهو إلى جنبه لم يشعر قوله قال مجاهد على قدر موعد وصله الفريابي من طريق أبي نجيح عنه وروى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس في قوله على قدر يا موسى أي على ميقات قوله لا تنيا لا تضعفا وصله الفريابي أيضا عن مجاهد وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله لا تنيا في ذكري قال لا تبطئا قوله مكانا سوى منصف بينهم وصله الفريابي أيضا عن مجاهد وقال أبو عبيدة بضم أوله وبكسره كعدى وعدي والمعنى النصف والوسط قوله يبسا يابسا وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا أي يابسا وقال أبو عبيدة في قوله طريقا في البحر يبسا متحرك الحروف وبعضهم يسكن الباء وتقول شاة يبس بالتحريك أي يابسة ليس لها لبن قوله من زينة القوم الحلي الذي استعاروا من آل فرعون وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولكنا حملنا اوزارا من زينة القوم أي الحلي الذي استعاروا من آل فرعون وهي الأثقال أي الأوزار وروى الطبري من طريق بن زيد قال الاوزار الأثقال وهي الحلي الذي استعاروه من آل فرعون وليس المراد بها الذنوب ومن طريق فتادة قال كان الله وقت لموسى ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر فلما مضت الثلاثون قال السامري لبني إسرائيل إنما أصابكم الذي أصابكم عقوبة بالحلى الذي كان معكم وكانوا قد استعاروا ذلك من آل فرعون فساروا وهي معهم فقذفوها إلى السامري فصورها صورة بقرة وكان قد صر في ثوبه قبضة من أثر حافر فرس جبريل فقذفها مع الحلي في النار فأخرج عجلا يخور قوله فقذفتها ألقيتها ألقى صنع وقع في رواية الكشميهني فقذفناها وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فقبضت قبضة من أثر الرسول فقذفناها قال ألقيناها وفي قوله ألقى السامري أي صنع وفي قوله فنبذتها أي ألقيتها قوله فنسي موسى هم يقولونه أخطأ الرب وصله الفريابي عن مجاهد كذلك وروى الطبري من طريق السدي قال لما خرج العجل فخار قال لهم السامري هذا الهكم واله موسى فنسي أي فنسي موسى وضل ومن طريق قتادة نحوه قال نسي موسى ربه ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس فنسي أي السامري نسي ما كان عليه من الإسلام قوله أن لا يرجع إليهم قولا في العجل وصله الفريابي عن مجاهد كذلك وقال أبو عبيدة تقدير القراءة بالضم أنه لا يرجع ومن لم يضم العين نصب بأن تنبيه لمح المصنف بهذه التفاسير لما جرى لموسى في خروجه إلى مدين ثم في رجوعه إلى مصر ثم في أخباره مع فرعون ثم في غرق فرعون ثم في ذهابه إلى الطور ثم في عبادة بني إسرائيل العجل وكأنه لم يثبت عنده في ذلك من المرفوعات ما هو على شرطه وأصح ما ورد في جميع ذلك ما أخرجه النسائي وأبو يعلى بإسناد حسن عن بن عباس في حديث القنوت الطويل في قدر ثلاث ورقات وهو في تفسير طه عنده وعند بن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه وغيرهم ممن خرج التفسير المسند ثم ذكر المصنف في هذا الباب طرفا من حديث الإسراء من رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة وسيأتي بتمامه في السيرة النبوية واقتصر منه هنا على

[ 3213 ] قوله حتى أتى السماء الخامسة فإذا هارون الحديث بهذه القصة خاصة ثم قال تابعه ثابت وعباد بن أبي علي عن أنس وأراد بذلك أن هذين تابعا قتادة عن أنس في ذكر هارون في السماء الخامسة لا في جميع الحديث بل ولا في الإسناد فإن رواية ثابت موصولة في صحيح مسلم من طريق حماد بن سلمة عنه ليس فيها ذكر مالك بن صعصعة نعم فيها ذكر هارون في السماء الخامسة وكذلك في رواية عباد بن أبي علي وهو بصري ليس له في البخاري ذكر الا في هذا الموضوع ووافق ثابتا في أنه لم يذكر لأنس فيه شيخا وقد وافقهما شريك عن أنس في ذلك وفي كون هارون في الخامسة وسيأتي حديثه في أثناء السيرة النبوية وأما قتادة فقال عن أنس عن مالك بن صعصعة وأما الزهري فقال عن أنس عن أبي ذر كما مضى في أول الصلاة ولم يذكر في حديثه هارون أصلا وإلى هذا أشار المصنف بالمتابعة والله أعلم

قوله باب وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه إلى قوله هو مسرف كذاب كذا وقعت هذه الترجمة بغير حديث ولعله أخلى بياضا في الأصل فوصل كنظائره ووقع هذا في رواية النسفي مضمونا إلى ما في الباب الذي بعده وهو متجه واختلف في اسم هذا الرجل فقيل هو يوشع بن نون وبه جزم بن التين وهو بعيد لأن يوشع كان من ذرية يوسف عليه السلام ولم يكن من آل فرعون وقد قيل أن قوله من آل فرعون متعلق بيكتم إيمانه والصحيح أن المؤمن المذكور كان من آل فرعون واستدل لذلك الطبري بأنه لو كان من بني إسرائيل لم يصغ فرعون إلى كلامه ولم يستمع منه وذكر الثعلبي عن السدي ومقاتل أنه بن بن عم فرعون وقيل اسمه شمعان بالشين المعجمة قال الدارقطني في المؤتلف لا يعرف شمعان بالشين المعجمة الا هذا وصححه السهيلي وعن الطبري اسمه حيزور وقيل حزقيل برحايا وقيل حربيال قاله وهب بن منبه وقيل حابوت وعن بن عباس اسمه حبيب وهو بن عم فرعون أخرجه عبد بن حميد وقيل هو حبيب النجار وهو غلط وذكر الوزير أبو القاسم المغربي في أدب الخواص أن اسم صاحب فرعون حوتكة بن سود بن أسلم من قضاعة وعزاه لرواية أبي هريرة

قوله باب قول الله تعالى وهل أتاك حديث موسى وكلم الله موسى تكليما ذكر في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث أبي هريرة في صفة موسى وعيسى وغير ذلك ثانيها حديث بن عباس في ذلك وفيه ذكر يونس ثالثها حديثه في صوم عاشوراء وقوله

[ 3214 ] في حديث أبي هريرة رأيت موسى وإذا هو رجل ضرب بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي نحيف قوله رجل بفتح الراء وكسر الجيم أي دهين الشعر مسترسله وقال بن السكيت شعر رجل أي غير جعد قوله كأنه من رجال شنوءة بفتح المعجمة وضم النون وسكون الواو بعدها همزة ثم هاء تأنيث حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد ولقب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله والنسبة إليه شنوئى بالهمز بعد الواو وبالهمز بغير واو قال بن قتيبة سمي بذلك من قولك رجل فيه شنوءة أي تقزز والتقزز بقاف وزايين التباعد من الأدناس قال الداودي رجال الأزد معروفون بالطول انتهى ووقع في حديث بن عمر عند المصنف بعد كأنه من رجال الزط وهم معروفون بالطول والادمة قوله ورأيت عيسى سيأتي الكلام على ذلك في ترجمة عيسى قوله وأنا أشبه ولد إبراهيم به أي الخليل عليه السلام وزاد مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر ورأيت جبريل فإذا أقرب الناس به شبها دحية قوله ثم أتيت بإناءين سيأتي الكلام عليه في حديث الإسراء في السيرة النبوية إن شاء الله تعالى وقوله

[ 3215 ] في حديث بن عباس سمعت أبا العالية وهو الرياحي بكسر الراء وتخفيف التحتانية ثم مهملة واسمه رفيع بالفاء مصغر وروى عن بن عباس آخر يقال له أبو العالية وهو البراء بالتشديد نسبة إلى بري السهام واسمه زياد بن فيروز وقيل غير ذلك وحديثه عن بن عباس سبق في تقصير الصلاة قوله لا ينبغي لعبد يأتي الكلام عليه في ترجمة يونس عليه السلام قوله وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به في رواية الكشميهني ليلة أسري بي على الحكاية وهذا الحديث الواحد أفرده أكثر الرواة فجعلوه حديثين أحدهما يتعلق بيونس عليه السلام والثاني حديث آخر وقوله فقال موسى آدم طوال زعم بن التين أنه وقع هنا آدم جسيم طوال ولم أر لفظ جسيم في هذه الرواية وقوله آدم بالمد أي أسمر وطوال بضم المهملة وتخفيف الواو وأما حديث بن عباس في صوم عاشوراء فسبق شرحه في كتاب الصيام

قوله باب قول الله تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة إلى قوله وأنا أول المؤمنين ساق في رواية كريمة الآيتين كلتيهما وقوله وأتممناها بعشر فيه إشارة إلى أن المواعدة وقعت مرتين وقوله صعقا أي مغشيا عليه قوله يقال دكة زلزلة هذا ذكره هنا لقوله في قصة موسى عليه السلام فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال أبو عبيدة جعله دكا أي مستويا مع وجه الأرض وهو مصدر جعل صفة ويقال ناقة دكاء أي ذاهبة السنام مستو ظهرها ووقع عند بن مردويه مرفوعا ان الجبل ساخ في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة وسنده واه وأخرجه بن أبي حاتم من طريق أبي مالك رفعه لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بمكة حرى وثور وثبير وثلاثة بالمدينة أحد ورضوى وورقان وهذا غريب مع إرساله قوله فدكتا فدككن جعل الجبال كالواحدة كما قال الله عز وجل إن السماوات والأرض كانتا رتقا ولم يقل كن رتقا ذكر هذا استطراد إذ لا تعلق له بقصة موسى وكذا قوله رتقا ملتصقتين وقال أبو عبيدة الرتق التي ليس فيها ثقب ثم فتق الله السماء بالمطر وفتق الأرض بالشجر قوله أشربوا ثوب مشرب مصبوغ يشير إلى أنه ليس من الشرب وقال أبو عبيدة في قوله تعالى وأشربوا في قلوبهم العجل أي سقوه حتى غلب عليهم وهو من مجاز الحذف أي أشربوا في قلوبهم حب العجل ومن قال إن العجل أحرق ثم ذرى في الماء فشربوه فلم يعرف كلام العرب لأنها لا تقول في الماء أشرب فلان في قلبه قوله قال بن عباس انبجست انفجرت وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه كذلك قوله وإذ نتفنا الجبل رفعنا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه أيضا ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث أبي هريرة في أن الناس يصعقون وسيأتي شرحه قريبا ثانيها حديثه

[ 3218 ] لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم وسبق شرحه في ترجمة آدم

قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي فعله وتعلقه به ظاهر وسقط جميعه من رواية النسفي قوله طوفان من السيل ويقال للموت الكثير طوفان قال أبو عبيدة الطوفان مجاز من السيل وهو من الموت المتتابع الذريع قوله القمل الحنمان يشبه صغار الحلم قال أبو عبيدة القمل عند العرب هي الحمنان قال الأثرم الراوي عنه والحنمان يعني بالمهملة ضرب من القردان وقيل هي أصغر وقيل أكبر وقيل الدبا بفتح المهملة وتخفيف الموحدة مقصور قوله حقيق حق قال أبو عبيدة في قوله تعالى حقيق علي مجازه حق على أن لا أقول على الله إلا الحق وهذا على قراءة من قرأ حقيق علي بالتشديد وأما من قرأها على فإنه يقول معناه حريص أو محق قوله سقط كل من ندم فقد سقط في يده قال أبو عبيدة في قوله ولما سقط في أيديهم يقال لكل من ندم وعجز عن شيء سقط في يده

قوله باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام ذكر فيه حديث بن عباس عن أبي بن كعب من وجهين وسيأتي أولهما بأتم من سياقه في تفسير سورة الكهف ونستوفي شرحه هناك ووقع هنا في رواية أبي ذر عن المستملي خاصة عن الفربري

[ 3220 ] حدثنا علي بن خشرم حدثنا سفيان بن عيينة الحديث بطوله وقد تقدم التنبيه على مثل ذلك في كتاب العلم وذكر المصنف في هذا الباب حديث أبي هريرة

[ 3221 ] انما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء وتعلقه بالباب ظاهر من جهة ذكر الخضر فيه وقد زاد عبد الرزاق في مصنفه بعد أن أخرجه بهذا الإسناد الفرو الحشيش الأبيض وما أشبهه قال عبد الله بن أحمد بعد أن رواه عن أبيه عنه أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق انتهى وجزم بذلك عياض وقال الحربي الفروة من الأرض قطعة يابسة من حشيش وهذا موافق لقول عبد الرزاق وعن بن الأعرابي الفروة أرض بيضاء ليس فيها نبات وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه وحكى عن مجاهد أنه قيل له الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله والخضر قد اختلف في اسمه قبل ذلك وفي اسم أبيه وفي نسبه وفي نبوته وفي تعميره فقال وهب بن منبه هو بليا بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها تحتانية ووجد بخط الدمياطي في أول الاسم بنقطتين وقيل كالأول بزيادة ألف بعد الباء وقيل اسمه إلياس وقيل اليسع وقيل عامر وقيل خضرون والأول أثبت بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفشخند بن سام بن نوح فعلى هذا فمولده قبل إبراهيم الخليل لأنه يكون بن عم جد إبراهيم وقد حكى الثعلبي قولين في أنه كان قبل الخليل أو بعده قال وهب وكنيته أبو العباس وروى الدارقطني في الأفراد من طريق مقاتل عن الضحاك عن بن عباس قال هو بن آدم لصلبه وهو ضعيف منقطع وذكر أبو حاتم السجستاني في المعمرين أنه بن قابيل بن آدم رواه عن أبي عبيدة وغيره وقيل اسمه ارميا بن طيفاء حكاه بن إسحاق عن وهب وارميا بكسر أوله وقيل بضمه وأشبعها بعضهم واوا واختلف في اسم أبيه فقيل ملكان وقيل كلمان وقيل عاميل وقيل قابل والأول أشهر وعن إسماعيل بن أبي أويس هو المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد وحكى السهيلي عن قوم أنه كان ملكا من الملائكة وليس من بني آدم وعن بن لهيعة كان بن فرعون نفسه وقيل بن بنت فرعون وقيل اسمه خضرون بن عاييل بن معمر بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم وقيل كان أبوه فارسيا رواه الطبري من طريق عبد الله بن شوذب وحكى بن ظفر في تفسيره أنه كان من ذرية بعض من آمن بإبراهيم وقيل إنه الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه فلا يموت حتى ينفخ في الصور وروى الدارقطني في الحديث المذكور قال مد للخضر في أجله حتى يكذب الدجال وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر في قصة الذي يقتله الدجال ثم يحييه بلغني أنه الخضر وكذا قال إبراهيم بن سفيان الراوي عن مسلم في صحيحه وروى بن إسحاق في المبتدىء عن أصحابه أن آدم أخبر بنية عند الموت بأمر الطوفان ودعا بمن يحفظ جسده بالتعمير حتى يدفنه فجمع نوح بنية لما وقع الطوفان وأعلمهم بذلك فحفظوه حتى كان الذي تولى دفنه الخضر وروى خيثمة بن سليمان من طريق جعفر الصادق عن أبيه أن ذا القرنين كان له صديق من الملائكة فطلب منه أن يدله على شيء يطول به عمره فدله على عين الحياة وهي داخل الظلمة فصار إليها والخضر على مقدمته فظفر بها الخضر ولم يظفر بها ذو القرنين وروى عن مكحول عن كعب الأحبار قال أربعة من الأنبياء أحياء أمان لأهل الأرض اثنان في الأرض الخضر والياس واثنبن في السماء إدريس وعيسى وحكى بن عطية البغوي عن أكثر أهل العلم أنه نبي ثم اختلفوا هل هو رسول أم لا وقالت طائفة منهم القشيري هو ولي وقال الطبري في تاريخه كان الخضر في أيام أفريدون في قول عامة علماء الكتاب الأول وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وأخرج النقاش أخبارا كثيرة تدل على بقائه لا تقوم بشيء منها حجة قاله بن عطية قال ولو كان باقيا لكان له في ابتداء الإسلام ظهور ولم يثبت شيء من ذلك وقال الثعلبي في تفسيره هو معمر على جميع الأقوال محجوب عن الأبصار قال وقد قيل إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن وقال القرطبي هو نبي عند الجمهور والآية تشهد بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعلم ممن هو دونه ولأن الحكم بالباطل لا يطلع عليه إلا الأنبياء وقال بن الصلاح هو حي عند جمهور العلماء والعامة معهم في ذلك وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين وتبعه النووي وزاد أن ذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح وحكاياتهم في رؤيته والإجتماع به أكثر من أن تحصر انتهى والذي جزم بأنه غير موجود الآن البخاري وإبراهيم الحربي وأبو جعفر بن المنادى وأبو يعلى بن الفراء وأبو طاهر العبادي وأبو بكر بن العربي وطائفة وعمدتهم الحديث المشهور عن بن عمر وجابر وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أخر حياته لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد قال بن عمر أراد بذلك إنخرام قرنه وأجاب من أثبت حياته بأنه كان حينئذ على وجه البحر أو هو مخصوص من الحديث كما خص منه إبليس بالإتفاق ومن حجج من أنكر ذلك قوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وحديث بن عباس ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه أخرجه البخاري ولم يأت في خبر صحيح أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا قاتل معه وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فلو كان الخضر موجودا لم يصح هذا النفي وقال صلى الله عليه وسلم رحم الله موسى لوددنا لو كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما فلو كان الخضر موجودا لما حسن هذا التمني ولأحضره بين يديه وأراه العجائب وكان أدعى لإيمان الكفرة لا سيما أهل الكتاب وجاء في إجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف أخرجه بن عدي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع وهو في المسجد كلاما فقال يا أنس اذهب إلى هذا القائل فقل له يستغفر لي فذهب إليه فقال قل له إن الله فضلك على الأنبياء بما فضل به رمضان على الشهور قال فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر إسناده ضعيف وروى بن عساكر من حديث أنس نحوه بإسناد أو هي منه وروى الدارقطني في الأفراد من طريق عطاء عن بن عباس مرفوعا يجتمع الخضر والياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هؤلاء الكلمات بسم الله ما شاء الله الحديث في إسناده محمد بن أحمد بن زيد بمعجمة ثم موحدة ساكنة وهو ضعيف وروى بن عساكر من طريق هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى عن بن أبي رواد نحوه وزاد ويشربان من ماء زمزم شربة تكفيهما إلى قابل وهذا معضل ورواه أحمد في الزهد بإسناد حسن عن بن أبي رواد وزاد أنهما يصومان رمضان ببيت المقدس وروى الطبري من طريق عبد الله بن شوذب نحوه وروى عن علي أنه دخل الطواف فسمع رجلا يقول يا من لا يشغله سمع عن سمع الحديث فإذا هو الخضر أخرجه بن عساكر من وجهين في كل منهما ضعف وهو في المجالسة من الوجه الثاني وجاء في اجتماعه ببعض الصحابة فمن بعدهم أخبار أكثرها واهي الإسناد منها ما أخرجه بن أبي الدنيا والبيهقي من حديث أنس لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم دخل رجل فتخطاهم فذكر الحديث في التعزية فقال أبو بكر وعلي هذا الخضر في إسناده عباد بن عبد الصمد وهو واه وروى سيف في الردة نحوه بإسناد آخر مجهول وروى بن أبي حاتم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحوه وروى بن وهب من طريق بن المنكدر أن عمر صلى على جنازة فسمع قائلا يقول لا تسبقنا فذكر القصة وفيها أنه دعا للميت فقال عمر خذوا الرجل فتوارى عنهم فإذا أثر قدمه ذراع فقال عمر هذا والله الخضر في إسناده مجهول مع انقطاعه وروى أحمد في الزهد من طريق مسعر عن معن بن عبد الرحمن عن عون بن عبد الله قال بينا رجل بمصر في فتنة بن الزبير مهموما إذ لقيه رجل فسأله فأخبره بإهتمامه بما فيه الناس من الفتن فقال قل اللهم سلمني وسلم مني قال فقالها فسلم قال مسعر يرون أنه الخضر وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه وأبو عروبة من طريق رباح بالتحتانية بن عبيدة قال رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه فلما انصرف قلت له من الرجل قال رأيته قلت نعم قال أحسبك رجلا صالحا ذاك أخي الخضر بشرني أني سأولى وأعدل لا بأس برجاله ولم يقع لي إلى الآن خبر ولا أثر بسند جيد غيره وهذا لا يعارض الحديث الأول في مائة سنة فإن ذلك كان قبل المائة وروى بن عساكر من طريق كرز بن وبرة قال أتاني أخ لي من أهل الشام فقال أقبل مني هذه الهدية إن إبراهيم التيمي حدثني قال كنت جالسا بفناء الكعبة أذكر الله فجاءني رجل فسلم علي فلم أر أحسن وجها منه ولا أطيب ريحا فقلت من أنت فقال أنا أخوك الخضر قال فعلمه شيئا إذا فعله رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وفي إسناده مجهول وضعيف وروى بن عساكر في ترجمة أبي زرعة الرازي بسند صحيح أنه رأى وهو شاب رجلا نهاه عن غشيان أبواب الأمراء ثم رآه بعد أن صار شيخا كبيرا على حالته الأولى فنهاه عن ذلك أيضا قال فالتفت لأكلمه فلم أره فوقع في نفسي أنه الخضر وروى عمر الجمحي في فرائده والفاكهي في كتاب مكة بسند فيه مجهول عن جعفر بن محمد أنه رأى شيخا كبيرا يحدث أباه ثم ذهب فقال له أبوه رده علي قال فتطلبته فلم أقدر عليه فقال لي أبي ذاك الخضر وروى البيهقي من طريق الحجاج بن قرافصة أن رجلين كانا يتبايعان عند بن عمر فقام عليهم رجل فنهاهما عن الحلف بالله ووعظهم بموعظة فقال بن عمر لأحدهما اكتبها منه فاستعاده حتى حفظها ثم تطلبه فلم يره قال وكانوا يرون أنه الخضر

قوله باب كذا لأبي ذر وغيره بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله وتعلقه به ظاهر وأورد فيه أحاديث أحدها حديث أبي هريرة قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وسيأتي شرحه في تفسير الأعراف ثانيها حديثه أن موسى كان رجلا حييا بفتح المهملة وكسر التحتانية الخفيفة بعدها أخرى مثقلة بوزن فعيل من الحياء وقوله ستيرا بوزنه من الستر ويقال ستيرا بالتشديد قوله في الإسناد حدثنا عوف هو الأعرابي قوله عن الحسن ومحمد وخلاس أما الحسن فهو البصري وأما محمد فهو بن سيرين وسماعه من أبي هريرة ثابت فقد أخرج أحمد هذا الحديث عن عوف عن محمد وحده عن أبي هريرة وأما خلاس فبكسر المعجمة وتخفيف اللام وآخره مهملة هو بن عمر بصري يقال إنه كان على شرطة على وحديثه عنه في الترمذي والنسائي وجزم يحيى القطان بأن روايته عنه من صحيفته وقال أبو داود عن أحمد لم يسمع خلاس من أبي هريرة وقال بن أبي حاتم عن أبي زرعة كان يحيى القطان يقول روايته عن علي من كتاب وقد سمع من عمار وعائشة وابن عباس قلت إذا ثبت سماعه من عمار وكان على شرطة على كيف يمتنع سماعه من علي وقال أبو حاتم يقال وقعت عنده صحيفة عن علي وليس بقوي يعني في علي وقال صالح بن أحمد عن أبيه كان يحيى القطان يتوقى أن يحدث عن خلاس عن علي خاصة وأطلق بقية الأئمة توثيقه قلت وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرجه له مقرونا بغيره وأعاده سندا ومتنا في تفسير الأحزاب وله عنه حديث آخر أخرجه في الأيمان والنذور مقرونا أيضا بمحمد بن سيرين عن أبي هريرة ووهم المزي فنسبه إلى الصوم وأما الحسن البصري فلم يسمع من أبي هريرة عند الحفاظ النقاد وما وقع في بعض الروايات مما يخالف ذلك فهو محكوم بوهمه عندهم وما له في البخاري عن أبي هريرة سوى هذا مقرونا وله حديث آخر في بدء الخلق مقرونا بابن سيرين وثالث ذكره في أوائل الكتاب في الأيمان مقرونا بابن سيرين أيضا قوله لا يرى من جلده شيء استحياء منه هذا يشعر بأن اغتسال بني إسرائيل عراة بمحضر منهم كان جائزا في شرعهم وإنما اغتسل موسى وحده استحياء قوله وإما أدرة بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور وبفتحتين أيضا فيما حكاه الطحاوي عن بعض مشايخه ورجح الأول وتقدم بيانه في كتاب الغسل ووقع في رواية بن مردويه من طريق عثمان بن الهيثم عن عوف الجزم بأنهم قالوا إنه آدر قوله فخلا يوما وحده فوضع ثيابه في رواية الكشميهني ثيابا أي ثيابا له والأول هو المعروف وظاهره أنه دخل الماء عريانا وعليه بوب المصنف في الغسل من اغتسل عريانا وقد قدمت توجيهه في كتاب الغسل ونقل بن الجوزي عن الحسن بن أبي بكر النيسابوري أن موسى نزل إلى الماء مؤتزرا فلما خرج تتبع الحجر والمئزر مبتل بالماء علموا عند رؤيته أنه غير آدر لأن الأدرة تبين تحت الثوب المبلول بالماء انتهى وهذا إن كان هذا الرجل قاله احتمالا فيحتمل لكن المنقول يخالفه لأن في رواية علي بن زيد عن أنس عند أحمد في هذا الحديث أن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء قوله عدا بثوبه بالعين المهملة أي مضى مسرعا قوله ثوبي حجر ثوبي حجر هو بفتح الياء الأخيرة من ثوبي أي أعطني ثوبي أو رد ثوبي وحجر بالضم على حذف حرف النداء وتقدم في الغسل بلفظ ثوبي يا حجر قوله وأبرأه مما يقولون في رواية قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عند بن مردويه وابن خزيمة وأعدله صورة وفي روايته فقالت بنو إسرائيل قاتل الله الأفاكين وكانت براءته وفي رواية روح بن عبادة المذكور فرأوه كأحسن الرجال خلقا فبرأه مما قالوا قوله وقام حجر فأخذ بثوبه قلت كذا فيه وفي مسند إسحاق بن إبراهيم شيخ البخاري فيه وقام الحجر بالألف واللام وكذا أخرجه أبو نعيم وابن مردويه من طريقه قوله فوالله إن بالحجر لندبا ظاهره أنه بقية الحديث بين في رواية همام في الغسل أنه قول أبي هريرة قوله ثلاثا أو أربعا أو خمسا في رواية همام المذكور ستة أو سبعة ووقع عند بن مردويه من رواية حبيب بن سالم عن أبي هريرة الجزم بست ضربات قوله فذلك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا لم يقع هذا في رواية همام وروى بن مردويه من طريق عكرمة عن أبي هريرة قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى الآية قال إن بني إسرائيل كانوا يقولون إن موسى آدر فانطلق موسى إلى النهر يغتسل فذكر نحوه وفي رواية علي بن زيد المذكورة قريبا في آخره فرأوه ليس كما قالوا فأنزل تعالى لا تكونوا كالذين آذوا موسى وفي الحديث جواز المشي عريانا للضرورة وقال بن الجوزي لما كان موسى في خلوة وخرج من الماء فلم يجد ثوبه تبع الحجر بناء على أن لا يصادف أحدا وهو عريان فاتفق أنه كان هناك قوم فاجتاز بهم كما أن جوانب الأنهار وإن خلت غالبا لا يؤمن من وجود قوم قريب منها فبنى الأمر على أنه لا يراه أحد لأجل خلاء المكان فاتفق رؤية من رآه والذي يظهر أنه استمر يتبع الحجر على ما في الخبر حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل كان فيهم من قال فيه ما قال وبهذا تظهر الفائدة وإلا فلو كان الوقوف على قوم منهم في الجملة لم يقع ذلك الموقع وفيه جواز للنظر إلى العورة عند الضرورة الداعية لذلك من مداواة أو براءة من عيب كما لو ادعى أحد الزوجين على الآخر البرص ليفسح النكاح فأنكر وفيه أن الأنبياء في خلقهم وخلقهم على غاية الكمال وأن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقته فقد آذاه ويخشى على فاعله الكفر وفيه معجزة ظاهرة لموسى عليه السلام وأن الآدمي يغلب عليه طباع البشر لأن موسى علم أن الحجر ما سار بثوبه إلا بأمر من الله ومع ذلك عامله معاملة من يعقل حتى ضربه ويحتمل أنه أراد بيان معجزة أخرى لقومه بتأثير الضرب بالعصا في الحجر وفيه ما كان في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصبر على الجهال واحتمال أذاهم وجعل الله تعالى العاقبة لهم على من آذاهم وقد روى أحمد بن منيع في مسنده بإسناد حسن والطحاوي وابن مردويه من حديث على أن الآية المذكورة نزلت في طعن بني إسرائيل على موسى بسبب هارون لأنه توجه معه إلى زيارة فمات هارون فدفنه موسى فطعن فيه بعض بني إسرائيل وقالوا أنت قتلته فبرأه الله تعالى بأن رفع لهم جسد هارون وهو ميت فخاطبهم بأنه مات وفي الإسناد ضعف ولو ثبت لم يكن فيه ما يمنع أن يكون في الفريقين معا لصدق أن كل منهما آذى موسى فبرأه الله مما قالوا والله أعلم ثم أورد المصنف في الباب حديث بن مسعود في قول الرجل

[ 3224 ] إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله والغرض منه ذكر موسى وقد تقدم في أواخر فرض الخمس من الجهاد في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي من المؤلفة وعين هناك موضع شرحه والله أعلم

قوله باب يعكفون على أصنام لهم متبر خسران وليتبروا يدمروا ما علوا ما غلبوا ثم ساق حديث جابر

[ 3225 ] كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه قالوا أكنت ترعى الغنم قال وهل من نبي إلا وقد رعاها والكباث بفتح الكاف والموحدة الخفيفة وآخره مثلثة هو ثمر الأراك ويقال ذلك للنضيج منه كذا نقله النووي عن أهل اللغة وقال أبو عبيد هو ثمر الأراك إذا يبس وليس له عجم وقال القزاز هو الغض من ثمر الأراك وإنما قال له الصحابة أكنت ترعى الغنم لأن في قوله لهم عليكم بالأسود منه دلالة على تمييزه بين أنواع والذي يميز بين أنواع ثمر الأراك غالبا من يلازم رعي الغنم على ما ألفوه وقوله في الترجمة باب يعكفون على أصنام لهم أي تفسير ذلك والمراد تفسير قوله تعالى وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ولم يفسر المؤلف من الآية إلا قوله تعالى فيها إن هؤلاء متبر ما هم فيه فقال إن تفسير متبر خسران وهذا أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال في قوله ان هؤلاء متبر ما هم فيه قال خسران والخسران تفسير التتبير الذي اشتق منه المتبر وأما قوله وليتبروا ليدمروا فذكره استطرادا وهو تفسير قتادة أخرجه الطبري من طريق سعيد عنه في قوله وليتبروا ما علوا تتبيرا قال ليدمروا ما غلبوا عليه تدميرا وأما حديث جابر في رعي الغنم فمناسبته للترجمة غير ظاهرة وقال شيخنا بن الملقن في شرحه قال بعض شيوخنا لا مناسبة قال شيخنا بل هي ظاهر لدخول عيسى فيمن رعى الغنم كذا رأيت في النسخة وكأنه سبق قلم وإنما هو موسى لا عيسى وهذا مناسب لذكر المتن في أخبار موسى وأما مناسبة الترجمة للحديث فلا والذي يهجس في خاطري أنه كان بين التفسير المذكور وبين الحديث بياض أخلى لحديث يدخل في الترجمة ولترجمة تصلح لحديث جابر ثم وصل ذلك كما في نظائره ومناسبة حديث جابر لقصص موسى من جهة عموم قوله وهل من نبي إلا وقد رعاها فدخل فيه موسى كما أشار إليه شيخنا بل وقع في بعض طرق هذا الحديث ولقد بعث موسى وهو يرعى الغنم وذلك فيما أخرجه النسائي في التفسير من طريق أبي إسحاق عن نصر بن حزم قال افتخر أهل الإبل والشاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعث موسى وهو راعي غنم الحديث ورجال إسناده ثقات ويؤيد هذا الذي قلت أنه وقع في رواية النسفي باب بغير ترجمة وساق فيه حديث جابر ولم يذكر ما قبله وكأنه حذف الباب الذي فيه التفاسير الموقوفة كما هو الأغلب من عادته واقتصر على الباب الذي فيه الحديث المرفوع وقد تكلف بعضهم وجه المناسبة وهو الكرماني فقال وجه المناسبة بينهما أن بني إسرائيل كانوا مجهالا مستضعفين جهالا ففضلهم الله على العالمين وسياق الآية يدل عليه أي فيما يتعلق ببني إسرائيل فكذلك الأنبياء كانوا أولا مستضعفين بحيث أنهم كانوا يرعون الغنم انتهى والذي قاله الأئمة أن الحكمة في رعاية الأنبياء للغنم ليأخذوا أنفسهم بالتواضع وتعتاد قلوبهم بالخلوة ويترقوا من سياستها إلى سياسة الأمم وقد تقدم إيضاح هذا في أوائل الإجارة ولم يذكر المصنف من الآيات بالعبارة والإشارة إلا قوله متبر ما هم فيه ولا شك أن قوله وهو فضلكم على العالمين إنما ذكر بعد هذا فكيف يحمل على أنه أشار إليه دون ما قبله فالمعتمد ما ذكرته ونقل الكرماني عن الخطابي قال أراد أن الله لم يضع النبوة في أبناء الدنيا والمترفين منهم وإنما جعلها في أهل التواضع كرعاة الشاة وأصحاب الحرف قلت هذه أيضا مناسبة للمتن لا لخصوص الترجمة وقد نقل القطب الحلبي هذا عن الخطابي ثم قال وينظر في وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة

قوله باب وإذ قال موسى لقومه أن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة الآية لم يذكر فيه سوى شيء من التفسير عن أبي العالية وقصة البقرة أوردها آدم بن أبي إياس في تفسيره قال حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قال كان رجل من بني إسرائيل غنيا ولم يكن له ولد وكان له قريب وارث فقتله ليرثه ثم ألقاه على مجمع الطريق وأتى موسى فقال إن قريبي قتل وأتى إلى أمر عظيم وإني لا أجد أحدا يبين لي قاتله غيرك يا نبي الله فنادى موسى في الناس من كان عنده علم من هذا فليبينه فلم يكن عندهم علم فأوحى الله إليه قل لهم فليذبحوا بقرة فعجبوا وقالوا كيف نطلب معرفة من قتل هذا القتيل فنؤمر بذبح بقرة وكان ما قصة الله تعالى قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر يعني لا هرمة ولا صغيرة عوان بين ذلك أي نصف بين البكر والهرمة قالوا أدع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها أي صاف تسر الناظرين أي تعجبهم قالوا أدع لنا ربك يبين لنا ماهي الآية قال إنه يقول إنها بقره لا ذلول أي لم يذلها العمل تثير الأرض يعني ليست بذلول فتثير الأرض ولا تسقي الحرث يقول ولا تعمل في الحرث مسلمة أي من العيوب لا شية فيها أي لا بياض قالوا الآن جئت بالحق قالوا ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة استرضوا أي بقرة كانت لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد عليهم ولولا أنهم استثنوا فقالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون لما اهتدوا إليها أبدا فبلغنا أنهم لم يجدوها إلا عند عجوز فأغلت عليهم في الثمن فقال لهم موسى أنتم شددتم على أنفسكم فأعطوها ما سألت فذبحوها فأخذوا عظما منها فضربوا به القتيل فعاش فسمي لهم قاتله ثم مات مكانه فأخذ قاتله وهو قريبه الذي كان يريد أن يرثه فقتله الله على أسوأ عمله وأخرج بن جرير هذه القصة مطولة من طريق العوفي عن بن عباس ومن طريق السدي كذلك وأخرجها هو وابن أبي حاتم وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني أحد كبار التابعين وأما قوله صفراء أن شئت سوداء ويقال صفراء كقوله جمالات صفر فهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى صفراء فاقع لونها إن شئت صفراء وإن شئت سوداء كقوله جمالات صفر أي سود والمعنى أن الصفرة يمكن حملها على معناها المشهور وعلى معنى السواد كما في قوله جمالات صفر فإنها فسرت بأنها صفر تضرب إلى سواد وقد روى عن الحسن أنه أخذ أنها سوداء من قوله فاقع لونها وقوله فادارأتم اختلفتم هو قول أبي عبيدة أيضا قال وهو من التدارىء وهو التدافع

قوله وفاة موسى وذكره بعد كذا لأبي ذر بإسقاط باب ولغيره بإثباته وقوله وذكره بعد بضم دال بعد على البناء ثم أورد فيه أحاديث الأول حديث أبي هريرة في قصة موسى مع ملك الموت أورده موقوفا من طريق طاوس عنه ثم عقبة برواية همام عنه مرفوعا وهذا هو المشهور عن عبد الرزاق وقد رفع محمد بن يحيى عنه رواية طاوس أيضا أخرجه الإسماعيلي قوله أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه أي ضربه على عينه وفي رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم جاء ملك الموت إلى موسى فقال أجب ربك فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها وفي رواية عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عند أحمد والطبري كان ملك الموت يأتي الناس عيانا فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه

[ 3226 ] قوله لا يريد الموت زاد همام وقد فقأ عيني فرد الله عليه عينه وفي رواية عمار فقال يا رب عبدك موسى فقأ عيني ولولا كرامته عليك لشققت عليه قوله فقل له يضع يده في رواية أبي يونس فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك قوله على متن بفتح الميم وسكون المثناة هو الظهر وقيل مكتنف الصلب بين العصب واللحم وفي رواية عمار على جلد ثور قوله فله بما غطى يده في رواية الكشميهني بما غطت يده قوله ثم الموت في رواية أبي يونس قال فالآن يا رب من قريب وفي رواية عمار فأتاه فقال له ما بعد هذا قال الموت قال فالآن والآن ظرف زمان غير متمكن وهو اسم لزمان الحال الفاصل بين الماضي والمستقبل قوله فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قد تقدم شرح ذلك وبيانه في الجنائز قوله فلو كنت ثم بفتح المثلثة أي هناك قوله من جانب الطريق في رواية المستملي والكشميهني إلى جانب الطريق وهي رواية همام قوله تحت الكثيب الأحمر في روايتها عند الكثيب الأحمر وهي رواية همام أيضا والكثيب بالمثلثة وآخره موحدة وزن عظيم الرمل المجتمع وزعم بن حبان أن قبر موسى بمدين بين المدينة وبيت المقدس وتعقبه الضياء بأن أرض مدين ليست قريبة من المدينة ولا من بيت المقدس قال وقد اشتهر عن قبر بأريحاء عنده كثيب أحمر أنه قبر موسى وأريحاء من الأرض المقدسة وزاد عمار في روايته فشمه شمة فقبض روحه وكان يأتي الناس خفية يعني بعد ذلك ويقال إنه أتاه بتفاحة من الجنة فشمها فمات وذكر السدي في تفسيره أن موسى لما دنت وفاته مشى هو وفتاه يوشع بن نون فجاءت ريح سوداء فظن يوشع أنها الساعة فالتزم موسى فانسل موسى من تحت القميص فأقبل يوشع بالقميص وعن وهب بن منبه أن الملائكة تولوا دفنه والصلاة عليه وأنه عاش مائة وعشرين سنة قوله قال وأخبرنا معمر عن همام الخ هو موصول بالإسناد المذكور ووهم من قال إنه معلق فقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر ومسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق كذلك وقوله في آخره نحوه أي أن رواية معمر عن همام بمعنى روايته عن بن طاوس لا بلفظه وقد بينت ذلك فيما مضى قال بن خزيمة أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وقالوا أن كان موسى عرفة لقد استخف به وأن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقء عينه والجواب أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ وإنما بعثه إليه اختبارا وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدميا دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه وعلى تقدير أن يكون عرفه فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له ولخص الخطابي كلام بن خزيمة وزاد فيه أن موسى دفعه عن نفسه لما ركب فيه من الحدة وأن الله رد عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاءه من عند الله فلهذا استسلم حينئذ وقال النووي لا يمتنع أن يأذن الله لموسى في هذه اللطمة امتحانا للملطوم وقال غيره إنما لطمه لأنه جاء لقبض روحه من قبل أن يخيره لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يخير فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن قيل وهذا أولى الأقوال بالصواب وفيه نظر لأنه يعود أصل السؤال فيقال لم أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط فيعود الجواب أن ذلك وقع امتحانا وزعم بعضهم أن معنى قوله فقأ عينه أي أبطل حجته وهو مردود بقوله في نفس الحديث فرد الله عينه وبقوله لطمه وصكه وغير ذلك من قرائن السياق وقال بن قتيبة إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل وليست عينا حقيقية ومعنى رد الله عينه أي أعاده إلى خلقته الحقيقية وقيل على ظاهره ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية ليرجع إلى موسى على كمال الصورة فيكون ذلك أقوى في اعتباره وهذا هو المعتمد وجوز بن عقيل أن يكون موسى أذن له أن يفعل ذلك بملك الموت وأمر ملك الموت بالصبر على ذلك كما أمر موسى بالصبر على ما يصنع الخضر وفيه أن الملك يتمثل بصورة الإنسان وقد جاء ذلك في عدة أحاديث وفيه فضل الدفن في الأرض المقدسة وقد تقدم شرح ذلك في الجنائز واستدل بقوله فلك بكل شعرة سنة على أن الذي بقي من الدنيا كثير جدالان عدد الشعر الذي تواريه اليد قدر المدة التي بين موسى وبعثه نبيا صلى الله عليه وسلم مرتين وأكثر واستدل به على جواز الزيادة في العمر وقد قال به قوم في قوله تعالى وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب أنه زيادة ونقص في الحقيقة وقال الجمهور والضمير في قوله من عمره للجنس لا للعين أي ولا ينقص من عمر آخر وهذا كقولهم عندي ثوب ونصفه أي ونصف ثوب آخر وقيل المراد بقوله ولا ينقص من عمره أي وما يذهب من عمره فالجميع معلوم عند الله تعالى والجواب عن قصة موسى أن أجله قد كان قرب حضوره ولم يبق منه إلا مقدار ما دار بينه وبين ملك الموت من المراجعتين فأمر بقبض روحه أولا مع سبق علم الله أن ذلك لا يقع إلا بعد المراجعة وإن لم يطلع ملك الموت على ذلك أولا والله أعلم الحديث الثاني حديث أبي هريرة أيضا

[ 3227 ] قوله أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب كذا قال شعيب عن الزهري وتابعه محمد بن أبي عتيق عن بن شهاب كما سيأتي في التوحيد وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة والأعرج كما سيأتي في الرقاق والحديث محفوظ للزهري على الوجهين وقد جمع المصنف بين الروايتين في التوحيد إشارة إلى ثبوت ذلك عنه على الوجهين وله أصل من حديث الأعرج من رواية عبد الله بن الفضل عنه وسيأتي بعد ثلاثة أبواب ومن طريق أبي الزناد عنه كما سيأتي في الرقاق ومن طريق أبي سلمة عن أبي هريرة أخرجه الترمذي وابن ماجة من طريق محمد بن عمرو عنه ورواه مع أبي هريرة أبو سعيد وقد تقدم في الإشخاص بتمامه قوله استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود وقع في رواية عبد الله بن الفضل سبب ذلك وأول حديثه بينما يهودي يعرض سلعة أعطى بها شيئا كرهه فقال لا والذي اصطفى موسى على البشر ولم أقف على اسم هذا اليهودي في هذه القصة وزعم بن بشكوال أنه فنحاص بكسر الفاء وسكون النون ومهملتين وعزاه لابن إسحاق والذي ذكره بن إسحاق لفنحاص مع أبي بكر الصديق في لطمه إياه قصة أخرى في نزول قوله تعالى لقد سمع الله قول الذين قالوا أن الله فقير ونحن أغنياء الآية وأما كون اللاطم في هذه القصة هو الصديق فهو مصرح به فيما أخرجه سفيان بن عيينة في جامعه وابن أبي الدنيا في كتاب البعث من طريقه عن عمرو بن دينار عن عطاء وابن جدعان عن سعيد بن المسيب قال كان بين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين رجل من اليهود كلام في شيء فقال عمرو بن دينار هو أبو بكر الصديق فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على البشر فلطمه المسلم الحديث قوله فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم اليهودي أي عند سماعه قول اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين وإنما صنع ذلك فهمه من عموم لفظ العالمين فدخل فيه محمد صلى الله عليه وسلم وقد تقرر عند المسلم أن محمدا أفضل وقد جاء ذلك مبينا في حديث أبي سعيد أن الضارب قال لليهودي حين قال ذلك أي خبيث على محمد فدل على أنه لطم اليهودي عقوبة له على كذبه عنده ووقع في رواية إبراهيم بن سعد فلطم وجه اليهودي ووقع عند أحمد من هذا الوجه فلطم على اليهودي وفي رواية عبد الله بن الفضل فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه وقال أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وكذا وقع في حديث أبي سعيد أن الذي ضربه رجل من الأنصار وهذا يعكر على قول عمرو بن دينار أنه أبو بكر الصديق إلا أن كان المراد بالأنصار المعنى الأعم فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعا بل هو رأس من نصره ومقدمهم وسابقهم قوله فأخبره الذي كان من أمر المسلم زاد في رواية إبراهيم بن سعد فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره وفي رواية بن الفضل فقال أي اليهودي يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا فما بال فلان لطم وجهي فقال لم لطمت وجهه فذكره فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤى في وجهه وفي حديث أبي سعيد فقال ادعوه لي فجاء فقال أضربته قال سمعته بالسوق يحلف فذكر القصة قوله لا تخيروني على موسى في رواية بن الفضل فقال لا تفضلوا بين أنبياء الله وفي حديث أبي سعيد لا تخيروا بين الأنبياء قوله فان الناس يصعقون فأكون أول من يفيق في رواية إبراهيم بن سعد فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق لم يبين في رواية الزهري من الطريقين محل الإفاقة من أي الصعقتين ووقع في رواية عبد الله بن الفضل فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث وفي رواية الكشميهني أول من يبعث والمراد بالصعق غشي يلحق من سمع صوتا أو رأى شيئا يفزع منه وهذه الرواية ظاهرة في أن الإفاقة بعد النفخة الثانية وأصرح من ذلك رواية الشعبي عن أبي هريرة في تفسير الزمر بلفظ إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة وأما ما وقع في حديث أبي سعيد فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض كذا وقع بهذا اللفظ في كتاب الإشخاص ووقع في غيرها فأكون أول من يفيق وقد استشكل وجزم المزي فيما نقله عنه بن القيم في كتاب الروح أن هذا اللفظ وهم من راوية وأن الصواب ما وقع في رواية غيره فأكون أول من يفيق وأن كونه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض صحيح لكنه في حديث آخر ليس فيه قصة موسى انتهى ويمكن الجمع بأن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع الخلق أحيائهم وأمواتهم وهو الفزع كما وقع في سورة النمل ففزع من في السماوات ومن في الأرض ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه وللأحياء موتا ثم ينفخ الثانية للبعث فيفيقون أجمعين فمن كان مقبورا انشقت عنه الأرض فخرج من قبره ومن ليس بمقبور لا يحتاج إلى ذلك وقد ثبت أن موسى ممن قبر في الحياة الدنيا ففي صحيح مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مررت على موسى ليلة أسري بن عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره أخرجه عقب حديث أبي هريرة وأبي سعيد المذكورين ولعله أشار بذلك إلى ما قررته وقد استشكل كون جميع الخلق يصعقون مع أن الموتى لا إحساس لهم فقيل المراد أن الذين يصعقون هم أحياء وأما الموتى فهم في الاستثناء في قوله تعالى إلا من شاء الله أي إلا من سبق له الموت قبل ذلك فإنه لا يصعق وإلى هذا جنح القرطبي ولا يعارضه ما ورد في هذا الحديث أن موسى ممن استثني الله لأن الأنبياء أحياء عند الله وأن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا وقد ثبت ذلك للشهداء ولا شك أن الأنبياء أرفع رتبة من الشهداء وورد التصريح بأن الشهداء ممن استثنى الله أخرجه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى من طريق زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة وقال عياض يحتمل أن يكون المراد صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماء والأرض وتعقبه القرطبي بأنه صرح صلى الله عليه وسلم بأنه حين يخرج من قبره يلقى موسى وهو متعلق بالعرش وهذا إنما هو عند نفخة البعث انتهى ويرده قوله صريحا كما تقدم أن الناس يصعقون فأصعق معهم إلى آخر ما تقدم قال ويؤيده أنه عبر بقوله أفاق لأنه إنما يقال أفاق من الغشي وبعث من الموت وكذا عبر عن صعقة الطور بالإفاقة لأنها لم تكن موتا بلاشك وإذا تقرر ذلك كله ظهر صحة الحمل على أنها غشية تحصل للناس في الموقف هذا حاصل كلامه وتعقبه قوله فأكون أول من يفيق فلم تختلف الروايات في الصحيحين في إطلاق الأولية ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أحمد والنسائي فأكون في أول من يفيق أخرجه أحمد عن أبي كامل والنسائي من طريق يونس بن محمد كلاهما عن إبراهيم فعرف أن إطلاق الأولية في غيرها محمول عليها وسببه التردد في موسى عليه السلام كما سيأتي وعلى هذا يحمل سائر ما ورد في هذا الباب كحديث أنس عند مسلم رفعه أنا أول من تنشق عنه الأرض وحديث عبد الله بن سلام عند الطبراني قوله فإذا موسى باطش بجانب العرش أي آخذ بشيء من العرش بقوة والبطش الأخذ بقوة وفي رواية بن الفضل فإذا موسى آخذ بالعرش وفي حديث أبي سعيد آخذ بقائمة من قوائم العرش وكذا في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قوله فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله أي فلم يكن ممن صعق أي فإن كان أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة وأن كان ممن استثنى الله فلم يصعق فهي فضيلة أيضا ووقع في حديث أبي سعيد فلا أدري كان فيمن صعق أي فأفاق قبلي أم حوسب بصعقته الأولى أي التي صعقها لما سأل الرؤية وبين ذلك بن الفضل في روايته بلفظ أحوسب بصعقته يوم الطور والجمع بينه وبين قوله أو كان ممن استثنى الله أن في رواية بن الفضل وحديث أبي سعيد بيان السبب في استثنائه وهو أنه حوسب بصعقته يوم الطور فلم يكلف بصعقة أخرى والمراد بقوله ممن استثنى الله قوله إلا من شاء الله وأغرب الداودي الشارح فقال معنى قوله استثنى الله أي جعله ثانيا كذا قال وهو غلط شنيع وقد وقع في مرسل الحسن في كتاب البعث لابن أبي الدنيا في هذا الحديث فلا أدري أكان ممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة أو بعث قبلي وزعم بن القيم في كتاب الروح أن هذه الرواية وهو قوله أكان ممن استثنى الله وهم من بعض الرواة والمحفوظ أو جوزى بصعقة الطور قال لأن الذي استثنى الله قد ماتوا من صعقة النفخة لا من الصعقة الأخرى فظن بعض الرواة أن هذه صعقة النفخة وأن موسى داخل فيمن استثنى الله قال وهذا لا يلتئم على سياق الحديث فإن الإقامة حينئذ هي إفاقة البعث فلا يحسن التردد فيها وأما الصعقة العامة فإنها تقع إذا جمعهم الله تعالى لفصل القضاء فيصعق الخلق حينئذ جميعا إلا من شاء الله ووقع التردد في موسى عليه السلام قال ويدل على ذلك قوله وأكون أول من يفيق وهذا دال على أنه ممن صعق وتردد في موسى هل صعق فأفاق قبله أم لم يصعق قال ولو كان المراد الصعقة الأولى للزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جزم بأنه مات وتردد في موسى هل مات أم لا والواقع أن موسى قد كان مات لما تقدم من الأدلة فدل على أنها صعقة فزع لا صعقة موت والله أعلم ووقع في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عندابن مردويه أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فأنفض التراب عن رأسي فآتى قائمة العرش فأجد موسى قائما عندها فلا أدري أنفض التراب عن رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله ويحتمل قوله في هذه الرواية أنفض التراب قبلي تجويز المعية في الخروج من القبر أو هي كناية عن الخروج من القبر وعلى كل تقدير ففيه فضيلة لموسى كما تقدم تكميل زعم بن حزم أن النفخات يوم القيامة أربع الأولى نفخة إماتة يموت فيها من بقي حيا في الأرض والثانية نفخة إحياء يقوم بها كل ميت وينشرون من القبور ويجمعون للحساب والثالثة نفخة فزع وصعق يفيقون منها كالمغشي عليه لا يموت منها أحد والرابعة نفخة إفاقة من ذلك الغشي وهذا الذي ذكره من كون الثنتين أربعا ليس بواضح بل هما نفختان فقط ووقع التغاير في كل واحدة منهما باعتبار من يستمعها فالأول يموت بها كل من كان حيا ويغشى على من لم يمت ممن استثنى الله والثانية يعيش بها من مات ويفيق بها من غشي عليه والله أعلم قال العلماء في نهيه صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء إنما نهى عن ذلك من يقوله برأيه لا من يقوله بدليل أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يترك للمفضول فضيلة فالإمام مثلا إذا قلنا إنه أفضل من المؤذن لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان وقيل النهي عن التفضيل إنما هو في حق النبوة نفسها كقوله تعالى لا نفرق بين أحد من رسله ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على بعض لقوله تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وقال الحليمي الأخبار الواردة في النهي عن التخيير إنما هي في مجادلة أهل الكتاب وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الإزدراء بالآخر فيفضي إلى الكفر فأما إذا كان التخيير مستندا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل في النهي وسيأتي مزيد لذلك في قصة يونس إن شاء الله تعالى الحديث الثالث حديث أبي هريرة احتج آدم وموسى سيأتي شرحه في كتاب القدر والغرض منه شهادة آدم لموسى أن الله اصطفاه تنبيه

[ 3228 ] قوله ثم تلومني كذا للأكثر بالمثلثة والميم المشددة ووقع للأصيلي والمستملي بالموحدة وتخفيف الميم الحديث الرابع حديث بن عباس في عرض الأمم أورد مختصرا وسيأتي بتمامه مع شرحه في الرقاق إن شاء الله تعالى وفيه أن أمة موسى أكثر الأمم بعد أمة محمد صلى الله عليه وسلم

قوله باب قول الله تعالى وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إلى قوله وكانت من القانتين كذا للأكثر وسقط من رواية أبي ذر للذين آمنوا امرأة فرعون والغرض من هذه الترجمة ذكر آسية وهي بنت مزاحم امرأة فرعون قيل إنها من بني إسرائيل وإنها عمة موسى وقيل إنها من العماليق وقيل ابنة عم فرعون وأما مريم فسيأتي ذكرها مفردا بعد

[ 3230 ] قوله عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني مرة والد عمرو غير مرة شيخه وهو عمرو بن مرة بن عبيد الله بن طارق الجملي بفتح الجيم والميم المرادي ثقة عابد من صغار التابعين وقد وقع في الأطعمة عمرو بن مرة الجملي وأما شيخه مرة فهو بن شراحيل مخضرم ثقة عابد أيضا من كبار التابعين ويقال له مرة الطيب ومرة الخير قوله كمل بضم الميم وبفتحها قوله ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران استدل بهذا الحصر على أنهما نبيتان لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء فلو كانتا غير نبيتين للزم ألا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال ولم ينبأ من النساء إلا فلانة وفلانة ولو قال لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك في غيرهن إلا أن يكون المراد في الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم الدليل على ذلك لأجل ذلك والله أعلم وعلى هذا فالمراد من تقدم زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لأحد من نساء زمانه الا لعائشة وليس فيه تصريح بأفضلية عائشة رضي الله عنها على غيرها لأن فضل الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المؤنة وسهولة الإساغة وكان أجل أطعمتهم يومئذ وكل هذه الخصال لا تسلتزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة فقد يكون مفضولا بالنسبة لغيره من جهات أخرى وقد ورد في هذا الحديث من الزيادة بعد قوله ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد أخرجه الطبراني عن يوسف بن يعقوب القاضي عن عمرو بن مرزوق عن شعبة بالسند المذكور هنا وأخرجه أبو نعيم في الحليه في ترجمة عمرو بن مرة أحد رواته عند الطبراني بهذا الإسناد وأخرجه الثعلبي في تفسيره من طريق عمرو بن مرزوق به وقد ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة على غيرهما وذلك فيما سيأتي في قصة مريم من حديث علي بلفظ خير نسائها خديجة وجاء في طريق أخرى ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة وذلك فيما أخرجه بن حبان وأحمد وأبو يعلى والطبراني وأبو داود في كتاب الزهد والحاكم كلهم من طريق موسى بن عقبة عن كريب عن بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وله شاهد من حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني ولأحمد في حديث أبي سعيد رفعه فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران وإسناده حسن وأن ثبت ففيه حجة لمن قال إن آسية امرأة فرعون ليست نبيه وسيأتي في مناقب فاطمة قوله صلى الله عليه وسلم لها إنها سيدة نساء أهل الجنة مع مزيد بسط لهذه المسألة هناك إن شاء الله تعالى ويأتي في الأطعمة زيادة فيما يتعلق بالثريد قال القرطبي الصحيح أن مريم نبيه لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها وقال الكرماني لا يلزم من لفظ الكمال ثبوت نبوتها لأنه يطلق لتمام الشيء وتناهيه في بابه فالمراد بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء قال وقد نقل الإجماع على عدم نبوة النساء كذا قال وقد نقل عن الأشعري أن من النساء من نبىء وهن ست حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر أو نهى أو بإعلام مما سيأتي فهو نبي وقد ثبت مجيء الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله عز وجل ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن وذكر بن حزم في الملل والنحل أن هذه المسألة لم يحدث التنازع فيها إلا في عصره بقرطبة وحكى عنهم أقوالا ثالثها الوقف قال وحجة المانعين قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا قال وهذا لا حجة فيه فإن أحدا لم يدع فيهن الرسالة وإنما الكلام في النبوة فقط قال وأصرح ما ورد في ذلك قصة مريم وفي قصة أم موسى ما يدل على ثبوت ذلك لها من مبادرتها بالقاء ولدها في البحر بمجرد الوحي إليها بذلك قال وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين فدخلت في عمومه والله أعلم ومن فضائل آسية امرأة فرعون أنها اختارت القتل على الملك والعذاب في الدنيا على النعيم الذي كانت فيه وكانت فراستها في موسى عليه السلام صادقة حين قالت قرة عين لي

قوله باب أن قارون كان من قوم موسى الآية هو قارون بن يصفد بن يصهر بن عم موسى وقيل كان عم موسى والأول أصح فقد روى بن أبي حاتم بإسناد صحيح عن بن عباس أنه كان بن عم موسى قال وكذا قال قتادة وإبراهيم النخعي وعبد الله بن الحارث وسماك بن حرب واختلف في تفسير بغي قارون فقيل الحسد لأنه قال ذهب موسى وهارون بالأمر فلم يبق لي شيء وقيل إنه وطأ امرأة من البغايا أن تقذف موسى بنفسها فألهمها الله أن اعترفت بأنه هو الذي حملها على ذلك وقيل الكبر لأنه طغى بكثرة ماله وقيل هو أول من أطال ثيابه حتى زادت على قامته شبرا قوله لتنوء لتثقل هو تفسير بن عباس أورده بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة يقول تثقل قوله قال بن عباس أولى القوة لا يرفعها العصبة من الرجال واختلف في العصبة فقيل عشرة وقيل خمسة عشر وقيل أربعون وقيل من عشرة إلى أربعين قوله الفرحين المرحين هو تفسير بن عباس أورده بن أبي حاتم أيضا من طريق بن أبي طلحة عنه في قوله ان الله لا يحب الفرحين أي المرحين والمعنى أنهم يبطرون فلا يشكرون الله على نعمه قوله ويكأن الله مثل ألم تر أن الله هو قول أبي عبيدة واستشهد بقول الشاعر ويكأن من يكن له نشب يجيب ومن يفتقر يعش عيش ضر وذهب قطرب إلى أن وي كلمة تفجع وكأن حرف تشبيه وعن الفراء هي كلمة موصولة قوله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسع عليه ويضيق قال أبو عبيدة في قوله قل أن ربي يبسط الرزق لمن يشاء يوسع ويكثر وفي قوله ويقدر هو مثل قوله ومن قدر عليه رزقه أي ضاق تنبيه لم يذكر المصنف في قصة قارون إلا هذه الآثار وهي ثابتة في رواية المستملى والكشميهني فقط وقد أخرج بن أبي حاتم بإسناد صحيح عن بن عباس قال كان موسى يقول لبني إسرائيل إن الله يأمركم بكذا حتى دخل عليهم في أموالهم فشق ذلك على قارون فقال لبني إسرائيل إن موسى يقول من زنى رجم فتعالوا نجعل لبغى شيئا حتى تقول إن موسى فعل بها فيرجم فنستريح منه ففعلوا ذلك فلما خطبهم موسى قالوا له وإن كنت أنت قال وأن كنت أنا فقالوا فقد زنيت فجزع فأرسلوا إلى المرأة فلما جاءت عظم عليها موسى وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل إلا صدقت فأقرت بالحق فخر موسى ساجدا يبكي فأوحى الله إليه إني أمرت الأرض أن تطيعك فأمرها بما شئت فأمرها فخسفت بقارون ومن معه وكان من قصة قارون أنه حصل أموالا عظيمة جدا حتى قيل كانت مفاتيح خزائنه كانت من جلود تحمل على أربعين بغلا وكان يسكن تنيس فحكى أن عبد العزيز الحروري ظفر ببعض كنوز قارون وهو أمير على تنيس فلما مات تأمر ابنه علي مكانه وتورع ابنه الحسن بن عبد العزيز عن ذلك فيقال إن عليا كتب إلى أخيه الحسن إني استطيبت لك من مال أبيك مائة ألف دينار فخذها فقال أنا تركت الكثير من ماله لأنه لم يطب لي فكيف آخذ هذا القليل وقد روى البخاري في هذا الصحيح عن الحسن بن عبد العزيز هذا

قوله باب قول الله تعالى وإلى مدين أخاهم شعيبا هو شعيب بن ميكيل بن يشجر بن لاوي بن يعقوب كذا قال بن إسحاق ولا يثبت وقيل يشجر بن عنقا بن مدين بن إبراهيم وقيل هو شعيب بن صفور بن عنقا بن ثابت بن مدين وكان مدين ممن آمن بإبراهيم لما حرق وروى بن حبان في حديث أبي ذر الطويل أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ومحمد فعلى هذا هو من العرب العاربة وقيل إنه من بني عنزة بن أسد ففي حديث سلمة بن سعيد العنزي أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فانتسب إلى عنزة فقال نعم الحي عنزة مبغي عليهم منصورون رهط شعيب وأختان موسى أخرجه الطبراني وفي إسناده مجاهيل قوله إلى أهل مدين لأن مدين بلد ومثله واسأل القرية واسأل العير يعني أهل القرية وأهل العير هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير سورة هود قوله وراءكم ظهريا لم يلتفتوا إليه ويقال إذا لم تقض حاجته ظهرت حاجتي وجعلتني ظهريا قال الظهري أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به قال أبو عبيدة في قوله وراءكم ظهريا أي ألقيتموه خلف ظهوركم فلم تلتفتوا إليه وتقول للذي لا يقضي حاجتك ولا يلتفت إليها ظهرت بحاجتي وجعلتها ظهرية أي خلف ظهرك قال الشاعر وجدنا بني البرصاء من ولد الظهر أي من الذين يظهرون بهم ولا يلتفتون إليهم قوله مكانتهم ومكانهم واحد هكذا وقع وإنما هو في قصة شعيب مكانتكم في قوله ويا قوم اعملوا على مكانتكم ثم هو قول أبي عبيدة قال في تفسير سورة يس في قوله مكانتهم المكان والمكانة واحد قوله يغنوا يعيشوا قال أبو عبيدة في قوله تعالى كأن لم يغنوا فيها أي لم ينزلوا فيها ولم يعيشوا فيها قال والمغنى الدار الجمع مغانى يغني بالغين المعجمة قوله تأس تحزن آسي أحزن قال أبو عبيدة في قوله فكيف آسى أي أحزن وأندم وأتوجع والصدر الأسي وأما قوله تأس تحزن فهو من قوله تعالى لموسى فلا تأس على القوم الفاسقين وذكره المصنف هنا استطراد قوله وقال الحسن إنك لأنت الحليم الرشيد يستهزئون به وصله بن أبي حاتم من طريق أبي المليح عن الحسن البصري بهذا وأراد الحسن أنهم قالوا له ذلك على سبيل الإستعارة التهكمية ومرادهم عكس ذلك قوله وقال مجاهد ليكة الأيكة يوم الظلة اظلال العذاب عليهم وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كذب أصحاب ليكة كذا قرأها وهي قراءة أهل مكة بن كثير وغيره وفي قوله عذاب يوم الظلة قال اظلال العذاب إياهم تنبيه لم يذكر المصنف في قصة شعيب سوى هذه الآثار وهي للكشميهني والمستملى فقط قد ذكر الله تعالى قصته في الأعراف وهود والشعراء والعنكبوت وغيرها وجاء عن قتادة أنه أرسل إلى أمتين أصحاب مدين وأصحاب الأيكة ورجح بأنه وصف في أصحاب مدين بأنه أخوهم بخلاف أصحاب الأيكة وقال في أصحاب مدين أخذتهم الرجفة والصيحة وفي أصحاب الأيكة أخذهم عذاب يوم الظلة والجمهور على أن أصحاب مدين هم أصحاب الأيكة وأجابوا عن ترك ذكر الأخوة في أصحاب الأيكة بأنه لما كانوا يعبدون الايكة ووقع في صدر الكلام بأنهم أصحاب الايكة ناسب أن لا يذكر الأخوة وعن الثاني بأن المغايرة في أنواع العذاب أن كانت تقتضي المغايرة في المعذبين فليكن الذين عذبوا بالرجفة غير الذين عذبوا بالصيحة والحق إنهم أصابهم جميع ذلك فإنهم أصابهم حر شديد فخرجوا من البيوت فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فرجفت بهم الأرض من تحتهم وأخذتهم الصيحة من فوقهم وسيأتي الكلام على الايكة في التفسير إن شاء الله تعالى

قوله باب قول الله تعالى وإن يونس لمن المرسلين إلى قوله وهو مليم هو يونس بن متى بفتح الميم وتشديد المثناة مقصور ووقع في تفسير عبد الرزاق أنه اسم أمه وهو مردود بما في حديث بن عباس في هذا الباب ونسبه إلى أبيه فهذا أصح ولم أقف في شيء من الأخبار على اتصال نسبه وقد قيل إنه كان في زمن ملوك الطوائف من الفرس قوله قال مجاهد مذنب يعني تفسير قوله وهو مليم وقد أخرجه بن جرير من طريق مجاهد قال فالتقمه الحوت وهو مليم من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه ثم قال الطبري المليم هو المكتسب اللوم قوله والمشحون الموقر وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال المشحون المملوء ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس المشحون الموقر قوله فلولا أنه كان من المسبحين الآية فنبدناه بالعراء بوجه الأرض قال أبو عبيدة في قوله فنبذناه بالعراء أي بوجه الأرض والعرب تقول نبذته بالعراء أي بالأرض الفضاء قال الشاعر ونبذت بالبلد العراء ثيابي والعراء الذي لا شيء فيه يواري من شجر ولا غيره وقال الفراء العراء المكان الخالي قوله من يقطين من غير ذات أصل الدباء ونحوه وصله عبد بن حميد من طريق مجاهد وزاد ليس لها ساق وكذا قال أبو عبيدة كل شجرة لا تقوم على ساق فهي يقطين نحو الدباء والحنظل والبطيخ والمشهور أنه القرع وقيل التين وقيل الموز وجاء في حديث مرفوع في القرع هي شجرة أخي يونس قوله ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم كظيم مغموم كذا فيه والذي قاله أبو عبيدة في قوله تعالى إذ نادى وهو مكظوم أي من الغم مثل كظيم وروى بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله وهو مكظوم يقول مغموم ثم ذكر حديث بن مسعود لا يقولن أحدكم أني خير من يونس بن متى وحديث بن عباس لا ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه وحديث أبي هريرة في قصة المسلم الذي لطم اليهودي وقد تقدم شرحها في أواخر قصة موسى وقال في آخره في هذه الرواية ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى وحديثه من وجه آخر مختصرا مقتصرا على مثل لفظ حديث بن عباس وقد وقع في حديث عبد الله بن جعفر عند الطبراني بلفظ لا ينبغي لنبي أن يقول الخ وهذا يؤيد أن قوله في الطريق الأولى أن المراد بها النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية للطبراني في حديث بن عباس ما ينبغي لأحد أن يقول أنا عند الله خير من يونس وفي رواية للطحاوي أنه سبح الله في الظلمات فأشار إلى جهة الخيرية المذكورة وأما

[ 3231 ] قوله في الرواية الأولى ونسبه إلى أبيه ففيه إشارة إلى الرد على من زعم أن متى اسم أمه وهو محكى عن وهب بن منبه في المبتدأ وذكره الطبري وتبعه بن الأثير في الكامل والذي في الصحيح أصح وقيل سبب قوله ونسبه إلى أبيه أنه كان في الأصل يونس بن فلان فنسي الراوي اسم الأب وكنى عنه بفلان وقيل إن ذلك هو السبب في نسبته إلى أمه فقال الذي نسي اسم أبيه يونس بن متى وهو أمه ثم اعتذر فقال ونسبه أي شيخه إلى أبيه أي سماه فنسبه ولا يخفي بعد هذا هذا التأويل وتكلفه قال العلماء إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا إن كان قال بعد أن أعلم أنه أفضل الخلق وإن كان قاله قبل علمه بذلك فلا إشكال وقيل خص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له فبالغ في ذكر فضله لسد هذه الذريعة وقد روى قصته السدي في تفسيره لأسانيده عن بن مسعود وغيره أن الله بعث يونس إلى أهل نينوى وهي من أرض الموصل فكذبوه فوعدهم بنزول العذاب في وقت معين وخرج عنهم مغاضبا لهم فلما رأوا آثار ذلك خضعوا وتضرعوا وآمنوا فرحمهم الله فكشف عنهم العذاب وذهب يونس فركب سفينة فلججت به فاقترعوا فيمن يطرحونه منهم فوقعت القرعة عليه ثلاثا فالتقمه الحوت وروى بن أبي حاتم من طريق عمرو بن ميمون عن بن مسعود بإسناد صحيح إليه نحو ذلك وفيه وأصبح يونس فأشرف على القرية فلم ير العذاب وقع عليهم وكان في شريعتهم من كذب قتل فانطلق مغاضبا حتى ركب سفينة وقال فيه فقال لهم يونس إن معهم عبدا آبقا من ربه وإنها لا تسير حتى تلقوه فقالوا لا نلقيك يا نبي الله أبدا قال فاقترعوا فخرج عليه ثلاث مرات فألقوه فالتقمه الحوت فيلغ به قرار الأرض فسمع تسبيح الحصي فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت الآية وروى البزار وابن جرير من طريق عبد الله بن نافع عن أبي هريرة رفعه لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أمر الله الحوت أن لا يكسر له عظما ولا يخدش له لحما فلما انتهى به إلى قعر البحر سبح الله فقالت الملائكة يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة قال ذاك عبدي يونس شفعوا له فأمر الحوت فقذفه في الساحل قال بن مسعود كهيئة الفرخ ليس عليه ريش وروى بن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال لبث في بطن الحوت أربعين يوما ومن طريق جعفر الصادق قال سبعة أيام ومن طريق قتادة قال ثلاثا ومن طريق الشعبي قال التقمه ضحى ولفظه عشية

قوله باب قوله تعالى واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر الجمهور أن القرية المذكورة أيلة وهي التي على طريق الحاج الذاهب إلى مكة من مصر وحكى بن التين عن الزهري أنها طبرية قوله إذ يعدون في السبت يتعدون يتجاوزون قال أبو عبيدة في قوله تعالى إذ يعدون في السبت أي يتعدون فيه عما أمروا به ويتجازون قوله شرعا شوارع إلى قوله كونوا قردة خاسئين هو قول أبي عبيدة أيضا قوله بئيس شديد قال أبو عبيدة في قوله تعالى فأخذناهم بعذاب بئيس أي شديد وزنا ومعنا قال الشاعر حنقا علي وما ترى لي فيهم أمرا بئيسا وهذا على إحدى القراءتين والأخرى بوزن حذر وقرئ شاذا بوزن هين وهين مذكرين تنبيه لم يذكر المصنف في هذه القصة حديثا مسندا وقد روى عبد الرزاق من حديث بن عباس في سند فيه مبهم وحكاه مالك عن يزيد بن رومان معضلا وكذا قال قتادة إن أصحاب السبت كانوا من أهل أيلة وأنهم لما تحيلوا على صيد السمك بأن نصبوا الشباك يوم السبت ثم صادوها يوم الأحد فأنكر عليهم قول ونهوهم فأغلظوا لهم فقالت طائفة أخرى دعوهم واعتزلوا بنا عنهم فأصبحوا يوما فلم يروا الذين اعتدوا فتحوا أبوابهم فأمروا رجلا أن يصعد على سلم فأشرف عليهم فرآهم قد صاروا قردة فدخلوا عليهم فجعلوا يلوذون بهم فيقول الذين نهوهم ألم نقل لكم ألم ننهكم فيشيرون برءوسهم وروى بن أبي حاتم من طريق مجاهد عن بن عباس أنهم لم يعيشوا إلا قليلا وهلكوا وروى بن جرير من طريق العوفي عن بن عباس صار شبابهم قردة وشيوخهم خنازير

قوله باب قول الله تعالى وآتينا داود زبورا هو داود بن إيشا بكسر الهمز وسكون التحتانية بعدها معجمة بن عوبد بوزن جعفر بمهملة وموحدة بن باعر بموحدة ومهملة مفتوحة بن سلمون بن يا رب بتحتانية وآخره موحدة بن رام بن حضرون بمهملة ثم معجمة بن فارص بفاء وآخره مهملة بن يهوذا بن يعقوب قوله الزبر الكتب وأحدها زبور زبرت كتبت قال أبو عبيدة في قوله تعالى في زبر الأولين أي كتب الأولين وأحدها زبور وقال الكسائي زبور بمعنى مزبور تقول زبرته فهو مزبور مثل كتبته فهو مكتوب وقرئ بضم أوله وهو جمع زبر قلت الضم قراءة حمزة قوله أوبي معه قال مجاهد سبحي معه وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله وعن الضحاك هو بلسان الحبشة وقال قتادة معنى أوبى سيرى قوله أن اعمل سابغات الدروع قال أبو عبيدة في قوله تعالى أن اعمل سابغات أي دروعا واسعة طويلة قوله وقدر في السرد المسامير والحلق ولا ترق المسمار فيسلس ولا تعظم فينفصم كذا في رواية الكشميهني ولغيره لا تدق بالدال بدل الراء وعندهم فيتسلسل وفي آخره فيفصم بغير نون ووافقه الأصيلي في قوله فيسلس وهو بفتح اللام ومعناه فيخرج من ا لثقب برفق أو يصير متحركا فيلين عند الخروج وأما الرواية الأخرى فيتسلسل أي يصير كالسلسلة في اللين والأول أوجه والفصم بالفاء القطع من غير ابانة وهذا التفسير وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله وقدر في السرد أي قدر المسامير والحلق وروى إبراهيم الحربي في غريب الحديث من طريق مجاهد قوله وقدر في السرد لا ترق المسامير فيسلس ولا تفظله فيفصمها وقال أبو عبيدة يقال درع مسردة أي مستديرة الحلق قال أبو ذؤيب وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع وهو مثل مسمار السفينة قوله أفرغ أنزل لم أعرف المراد من هذه الكلمة هنا واستقريت قصة داود في المواضع التي ذكرت فيها فلم أجدها وهذه الكلمة والتي بعدها في رواية الكشميهني وحده قوله بسطة زيادة وفضلا قال أبو عبيدة في قوله وزاده بسطة في العلم والجسم أي زيادة وفضلا وكثرة وهذه الكلمة في قصة طالوت وكأنه ذكرها لما كان آخرها متعلقا بداود فلمح بشيء من قصة طالوت وقد قصها الله في القرآن ثم ذكر ثلاثة أحاديث الأول حديث همام عن أبي هريرة وخفف على داود القرآن في رواية الكشميهني القراءة قيل المراد بالقرآن القراة والأصل في هذه اللفظة الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته وقيل المراد الزبور وقيل التوراة وقراءة كل نبي تطلق على كتابه الذي أوحى إليه وإنما سماه قرآنا للإشارة إلى وقوع المعجزة به كوقوع المعجزة بالقرآن أشار إليه صاحب المصابيح والأول أقرب وإنما ترددوا بين الزبور والتوراة لأن الزبور كله مواعظ وكانوا يتلقون الأحكام من التوراة قال قتادة كنا نتحدث أن الزبور مائة وخمسون سورة كلها مواعظ وثناء ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود بل كان اعتماده على التوراة أخرجه بن أبي حاتم وغيره وفي الحديث أن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير قال النووي أكثر ما بلغنا من ذلك من كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعا بالنهار وقد بالغ بعض الصوفية في ذلك فادعى شيئا مفرطا والعلم عند الله

[ 3235 ] قوله بدوابه في رواية موسى بن عقبة الآتية بدابته بالإفراد وكذا هو في التفسير ويحمل الإفراد على الجنس أو المراد بها ما يختص بركوبه وبالجمع ما يضاف إليها مما يركبه أتباعه قوله فيقرأ القرآن قبل أن تسرج في رواية موسى فلا تسرج حتى يقرأ القرآن قوله ولا يأكل إلا من عمل يده تقدم شرحه في أوائل البيوع وأن فيه دليلا على أنه أفضل المكاسب وقد استدل به على مشروعية الإجارة من جهة أن عمل اليد أعم من أن يكون للغير أو للنفس والذي يظهر أن الذي كان يعمله داود بيده هو نسج الدروع وألان الله له الحديد فكان ينسج الدروع ويبيعها ولا يأكل إلا من ثمن ذلك مع كونه كان من كبار الملوك قال الله تعالى وشددنا ملكه وفي حديث الباب أيضا ما يدل على ذلك وأنه مع سعته بحيث أنه كان له دواب تسرج إذا أراد أن يركب ويتولى خدمتها غيره ومع ذلك كان يتورع ولا يأكل إلا مما يعمل بيده قوله رواه موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم الخ وصله المصنف في كتاب خلق أفعال العباد عن أحمد بن أبي عمرو عن أبيه وهو حفص بن عبد الله عن إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة الحديث الثاني والثالث حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل وصيام النهار أورده من طريقين وقد تقدم في صلاة الليل والغرض منه

[ 3236 ] قوله صيام داود

قوله باب أحب الصلاة إلى الله صلاة داود الخ يشير إلى الحديث المذكور قبله قوله قال علي هو قول عائشة ما ألفاه السحر عندي الا نائما هكذا وقع في رواية المستملي والكشميهني وأما غيرهما فذكر الطريق الثالثة مضمومة إلى ما قبله دون الباب ودون قول علي ولم أره منسوبا وأظنه علي بن المديني شيخ البخاري وأراد بذلك بيان المراد بقوله وينام سدسه أي السدس الأخير وكأنه قال يوافق ذلك حديث عائشة ما ألفاه بالفاء أي وجده والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم والسحر الفاعل أي لم يجيء السحر والنبي صلى الله عليه وسلم عندي الا وجده نائما كما تقدم بيان ذلك في قيام الليل

قوله باب واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إلى قوله وفصل الخطاب الأيد القوة وكان داود موصوفا بفرط الشجاعة والأواب يأتي تفسيره قريبا قوله قال مجاهد الفهم في القضاء أي المراد بفصل الخطاب وروى بن أبي حاتم من طريق أبي بشر عن مجاهد قال الحكمة الصواب ومن طريق ليث عن مجاهد فصل الخطاب إصابة القضاء وفهمه ومن طريق بن جريج عن مجاهد قال فصل الخطاب العدل في الحكم وما قال من شيء أنفذه وقال الشعبي فصل الخطاب قوله أما بعد وفي ذلك حديث مسند من طريق بلال بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال أول ما قال أما بعد داود النبي صلى الله عليه وسلم وهو فصل الخطاب أخرجه بن أبي حاتم وذكر عن بن جرير بإسناد صحيح عن الشعبي مثله وروى بن أبي حاتم من طريق شريح قال فصل الخطاب الشهود والأيمان ومن طريق أبي عبد الرحمن سالمي نحوه قوله ولا تشطط لا تسرف كذا وقع هنا وقال الفراء معناه لا تجر وروى بن جرير من طريق قتادة في قوله ولا تشطط أي لا تمل ومن طريق السدي قال لا تخف قوله يقال للمرأة نعجة ويقال لها أيضا شاة قال أبو عبيدة في قوله ولي نعجة واحدة أي امرأة قال الأعشى فرميت غفلة عينه عن شاته فأصبت حبة قلبها وطحالها قوله فقال أكفلنيها مثل وكفلها زكريا ضمها قال أبو عبيدة في قوله تعالى أكفلنيها وعزني في الخطاب هو كقولة وكفلها زكريا أي ضمها إليه وتقول كفلت بالنفس أو بالمال ضمنته قوله وعزني غلبني صار أعز مني أعززته جعلته عزيزا في الخطاب يقال المحاورة قال أبو عبيدة في قوله وعزني في الخطاب أي صار أعز مني فيه وروى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال أن دعا ودعوت كان أكثر مني وأن بطشت وبطش كان أشد مني ومن طريق قتادة قال معناه قهرني وظلمني وأما قوله يقال المحاورة فمراده تفسير الخطاب بالمحاورة وهي بالحساء المهملة أي المراجعة بين الخصمين وهذا تفسير قوله تعالى وعزني في الخطاب قوله الخلطاء الشركاء حكاه بن جرير أيضا قوله فتناه قال بن عباس اختبرناه وقرأ عمر فتناه بتشديد التاء أما قول بن عباس فوصله بن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وأما قراءة عمر فمذكورة في الشواذ ولم يذكرها أبو عبيد في القراءات المشهورة ونقل التشديد أيضا عن أبي رجاء العطاردي والحسن البصري ثم ذكر حديث بن عباس في السجود في ص أورده من وجهين ومحمد شيخه في الطريق الأولى هو بن سلام والعوام هو بن حوشب بمهملة ثم معجمة قوله أنسجد بنون وللكشمهيني والمستملي أأسجد وسيأتي شرح الحديث في التفسير إن شاء الله تعالى

قوله قول الله تعالى ووهبنا لداود سليمان في رواية غير أبي ذر باب قوله الله قوله نعم العبد إنه أواب الراجع المنيب هو تفسير الأواب وقد أخرج بن جريج من طريق مجاهد قال الأواب الرجاع عن الذنوب ومن طريق قتادة قال المطيع ومن طريق السدي قال هو المسبح قوله من محاريب قال مجاهد بنيان ما دون القصور وصله عبد بن حميد عنه كذلك وقال أبو عبيدة المحارب جمع محراب وهو مقدم كل بيت وهو أيضا المسجد والمصلى قوله وجفان كالجواب كالحياض للإبل وقال بن عباس كالجوبة من الأرض أما قول مجاهد فوصله عبد بن حميد عنه وأما قول بن عباس فوصله بن أبي حاتم عنه وقال أبو عبيدة الجوابي جمع جابية وهو الحوض الذي يجبي فيه الماء قوله دابة الأرض قوله منسأته عصاه هو قول بن عباس وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال أبو عبيدة المنسأة العصا ثم ذكر تصريفها وهي مفعلة من نسأت إذا زجرت الإبل أي ضربتها بالمنسأة قوله فطفق مسحا بالسوق والأعناق يمسح أعراف الخيل وعراقيبها هو قول بن عباس أخرجه بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه وزاد في آخره حبا لها وروى من طريق الحسن قال كشف عراقيبها وضرب أعناقها وقال لا تشغلني عن عبادة ربي مرة أخرى قال أبو عبيدة ومنه قوله مسح علاوته إذا ضرب عنقه قال بن جرير وقول بن عباس أقرب إلى الصواب قوله الأصفاد الوثاق روى بن جرير من طريق السدي قال مقرنين في الأصفاد أي يجمع اليدين إلى العنق بالأغلال وقال أبو عبيدة الأصفاد الأغلال وأحدها صفد ويقال للغطاء أيضا صفد قوله قال مجاهد الصافنات صفن الفرس رفع إحدى رجليه حتى يكون على طرف الحافر وصله الفريابي من طريقه قال صفن الفرس الخ لكن قال يديه ووقع في أصل البخاري رجليه وصوب عياض ما عند الفريابي وقال أبو عبيدة الصافن الذي يجمع بين يديه ويثني مقدم حافر إحدى رجليه قوله الجياد السراع وصله الفريابي من طريق مجاهد أيضا روى بن جرير من طريق إبراهيم التيمي أنها كانت عشرين فرسا ذوات أجنحة قوله جسدا شيطانا قال الفريابي حدثنا ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وألقينا على كرسيه جسدا قال شيطانا يقال له آصف قال له سليمان كيف تفتن الناس قال أرني خاتمك أخبرك فأعطاه فنبذه آصف في البحر فساخ فذهب ملك سليمان وقعد آصف على كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهن فأنكرته أم سليمان وكان سليمان يستطعم ويعرفهم بنفسه فيكذبونه حتى أعطته امرأة حوتا فطيب بطنه فوجد خاتمه في بطنه فرد الله إليه ملكه وفر آصف فدخل البحر وروى بن جرير من وجه آخر عن مجاهد أن اسمه آصر آخره راء ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس عن اسم الجني صخر ومن طريق السدي كذلك وأخرج القصة من طريقه مطولة والمشهور أن آصف اسم الرجل الذي كان عنده علم من الكتاب والله أعلم قوله رخاء طيبة برواية الكشميهني طيبا رواه الفريابي من الوجه المذكور في قوله رخاء قال طيبة قوله حيث أصاب حيث شاء وصله الفريابي كذلك قوله فامنن أعطي بغير حساب بغير حرج وصله الفريابي من طريق مجاهد كذلك وقال أبو عبيدة في قوله بغير حساب أي بغير ثواب ولا جزاء أو بغير منة ولا قلة ثم أورد المصنف أربعة أحاديث أولها حديث أبي هريرة في تفلت العفريت على النبي صلى الله عليه وسلم

[ 3241 ] قوله تفلت عليه بتشديد اللام أي تعرض لي فلته أي بغتة قوله البارحة أي الليلة الخالية الزائلة والبارح الزائل ويقال من بعد زوال إلى آخر النهار البارحة قوله فذكرت دعوة أخي سليمان أي قوله وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي وفي هذه إشارة إلى أنه تركه رعاية لسليمان عليه السلام ويحتمل أن تكون خصوصية سليمان استخدام الجن في جميع ما يريده لا في هذا القدر فقط واستدل الخطابي بهذا الحديث على أن أصحاب سليمان كانوا يرون بأشكالهم وهيئتهم حال تصرفهم قال وأما قوله تعالى إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم فالمراد الأكثر الأغلب من أحوال بني آدم وتعقب بأن نفى رؤية الإنس للجن على هيئتم ليس بقاطع من الآية بل ظاهرها أنه ممكن فإن نفى رؤيتنا إياهم مقيد بحال رؤيتهم لنا ولا ينفي إمكان رؤيتنا لهم في غير تلك الحالة ويحتمل العموم وهذا الذي فهمه أكثر العلماء حتى قال الشافعي من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته واستدل بهذه الآية والله أعلم قوله عفريت متمرد من إنس أو جان مثل زبنية جماعته زبانية الزبانية في الأصل اسم أصحاب الشرطة مشتق من الزبن وهو الدفع وأطلق على الملائكة ذلك لأنهم يدفعون الكفار في النار وواحد الزبانية زبنية وقيل زبنى وقيل زابن وقيل زباني وقال قوم لا واحد له من لفظه وقيل واحدة زبنيت وزن عفريت ويقال عفرية لغة مستقلة ليست مأخوذة من عفريت ومراد المصنف بقوله مثل زبنية أي أنه قيل في عفريت عفرية وهي قراءة رويت في الشواذ عن أبي بكر الصديق وعن أبي رجاء العطاردي وأبي السمال بالمهملة واللام وقال ذو الرمة كأنه كوكب في أثر عفرية مصوب في ظلام الليل منتصب وقد تقدم كثير من بيان أحوال الجن في باب صفة إبليس وجنوده من بدء الخلق قال بن عبد البر الجن على مراتب فالاصل جني فإن خالط الإنس قيل عامر ومن تعرض منهم للصبيان قيل أرواح ومن زاد في الخبث قيل شيطان فإن زاد على ذلك قيل مارد فإن زاد على ذلك قيل عفريت وقال الراغب العفريت من الجن هو العارم الخبيث وإذا بولغ فيه قيل عفريت نفريت وقال بن قتيبة العفريت الموثق الخلق وأصله من العفر وهو التراب ورجل عفر بكسر أوله وثانيه وتثقيل ثالثه إذا بولغ فيه قيل عفريت بكسر أوله وثانيه وتثقيل ثالثه إذا بولغ فيه أيضا

[ 3242 ] قوله حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن هو الحزامي وليس بالمخزومي واسم جد الحزامي عبد الله بن خالد بن حزام واسم جد المخزومي الحارث بن عبد الله قوله قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة في رواية الحموي والمستملى لأطفين وهما لغتان طاف بالشيء وأطاف به إذا دار حوله وتكرر عليه وهو هنا كناية عن الجماع واللام جواب القسم وهو محذوف أي والله لأطوفن ويؤيده قوله في آخره لم يحنث لأن الحنث لا يكون إلا عن قسم والقسم لا بد له من مقسم به قوله على سبعين امرأة كذا هنا من رواية مغيرة وفي رواية شعيب كما سيأتي في الأيمان والنذور فقال تسعين وقد ذكر المصنف ذلك عقب هذا الحديث ورجح تسعين بتقديم المثناة على سبعين وذكر أن بن أبي الزناد رواه كذلك قلت وقد رواه سفيان بن عيينة عن أبي الزناد فقال سبعين وسيأتي في كفارة الأيمان من طريقه ولكن رواه مسلم عن بن أبي عمر عن سفيان فقال سبعين بتقديم السين وكذا هو في مسند الحميدي عن سفيان وكذا أخرجه مسلم من رواية ورقاء عن أبي الزناد وأخرجه الإسماعيلي والنسائي وابن حبان من طريق هشام بن عروة عن أبي الزناد قال مائة امرأة وكذا قال طاوس عن أبي هريرة كما سيأتي في الأيمان والنذور من رواية معمر وكذا قال أحمد عن عبد الرزاق من رواية هشام بن حجير عن طاوس تسعين وسيأتي في كفارة الأيمان ورواه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق فقال سبعين وسيأتي في التوحيد من رواية أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة كان لسليمان ستون امرأة ورواه أحمد وأبو عوانة من طريق هشام عن بن سيرين فقال مائة امرأة وكذا قال عمران بن خالد عن بن سيرين عند بن مردويه وتقدم في الجهاد من طريق جعفر بن ربيعة عن الأعرج فقال مائة امرأة أو تسع وتسعون على الشك فمحصل الروايات ستون وسبعون وتسعون وتسع وتسعون ومائة والجمع بينها أن الستين كن حرائر وما زاد عليهن كن سرارى أو بالعكس وأما السبعون فللمبالغة وأما التسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين فمن قال تسعون ألغى الكسر ومن قال مائة جبره ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر وأما قول بعض الشراح ليس في ذكر القليل نفى الكثير وهو من مفهوم العدد وليس بحجة عند الجمهور فليس بكاف في هذا المقام وذلك أن مفهوم العدد معتبر عند كثيرين والله أعلم وقد حكى وهب بن منبه في المبتدأ أنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرية ونحوه مما أخرج الحاكم في المستدرك من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب قال بلغنا أنه كان لسليمان ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة صريحة وسبعمائة سرية قوله تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله هذا قاله على سبيل التمني للخير وإنما جزم به لأنه غلب عليه الرجاء لكونه قصد به الخير وأمر الآخرة لا لغرض الدنيا قال بعض السلف نبه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على آفة التمني والإعراض عن التفويض قال ولذلك نسي الاستثناء ليمضي فيه القدر قوله فقال له صاحبه إن شاء الله في رواية معمر عن طاوس الآتية فقال له الملك وفي رواية هشام بن حجير فقال له صاحبه قال سفيان يعني الملك وفي هذا إشعار بأن تفسير صاحبه بالملك ليس بمرفوع ولكن في مسند الحميدي عن سفيان فقال له صاحبه أو الملك بالشك ومثلها لمسلم وفي الجملة ففيه رد على من فسر صاحبه بأنه الذي عنده علم من الكتاب وهو آصف بالمد وكسر المهملة بعدها فاء بن برخيا بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر الراء وكسر المعجمة بعدها تحتانية وقال القرطبي في قوله فقال له صاحبه أو الملك إن كان صاحبه فيعني به وزيره من الأنس والجن وإن كان الملك فهو الذي كان يأتيه بالوحي وقال وقد أبعد من قال المراد به خاطره وقال النووي قيل المراد بصاحبه الملك وهو الظاهر من لفظه وقيل القرين وقيل صاحب له آدمي قلت ليس بين قوله صاحبه والملك منافاة إلا أن لفظة صاحبه أعم فمن ثم نشأ لهم الاحتمال ولكن الشك لا يؤثر في الجزم فمن جزم بأنه الملك حجة على من لم يجزم قوله فلم يقل قال عياض بين في الطريق الأخرى بقوله فنسي قلت هي رواية بن عيينة عن شيخه وفي رواية معمر قال ونسي أن يقول إن شاء الله ومعنى قوله فلم يقل أي بلسانه لا أنه أبي أن يفوض إلى الله بل كان ذلك ثابتا في قلبه لكنه اكتفى بذلك أولا ونسي أن يجريه على لسانه لما قيل له لشيء عرض له قوله فطاف بهن في رواية بن عيينة فأطاف بهن وقد تقدم توجيهه قوله إلا واحدا ساقطا أحد شقيه في رواية شعيب فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل وفي رواية أيوب عن بن سيرين ولدت شق غلام وفي رواية هشام عنه نصف إنسان وهي رواية معمر حكى النقاش في تفسيره أن الشق المذكور هو الجسد الذي ألقي على كرسيه وقد تقدم قول غير واحد من المفسرين أن المراد بالجسد المذكور شيطان وهو المعتمد والنقاش صاحب مناكير قوله لو قالها لجاهدوا في سبيل الله في رواية شعيب لو قال إن شاء الله وزاد في آخره فرسانا أجمعون وفي رواية بن سيرين لو استثنى لحملت كل امرأة منهن فولدت فارسا يقاتل في سبيل الله وفي رواية طاوس لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته كذا عند المصنف من رواية هشام بن حجير وعند أحمد ومسلم مثله من رواية معمر وعند المصنف من طريق معمر وكان أرجى لحاجته وقوله دركا بفتحتين من الإدراك وهو كقوله تعالى لا تخاف دركا أي لحاقا والمراد أنه كان يحصل له ما طلب ولا يلزم من إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك في حق سليمان في هذه القصة أن يقع ذلك لكل من استثنى في أمنيته بل في الاستثناء رجو الوقوع وفي ترك الاستثناء خشية عدم الوقوع وبهذا يجاب عن قول موسى للخضر ستجدني إن شاء الله صابرا مع قول الخضر له آخرا ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا وفي الحديث فضل فعل الخير وتعاطي أسبابه وأن كثيرا من المباح والملاذ يصير مستحبا بالنية والقصد وفيه استحباب الإستثناء لمن قال سأفعل كذا وأن اتباع المشيئة اليمين يرفع حكمها وهو متفق عليه بشرط الإتصال وسيأتي بيان ذلك في الأيمان والنذور مع بسط فيه وقد استدل بهذا الحديث من قال الإستثناء إذا عقب اليمين ولو تخلل بينهما شيء يسير لا يضر فإن الحديث دل على أن سليمان لو قال إن شاء الله عقب قول الملك له قل إن شاء الله لأفاد مع التخلل بين كلاميه بمقدار كلام الملك وأجاب القرطبي باحتمال أن يكون الملك قال ذلك في أثناء كلام سليمان وهو احتمال ممكن يسقط به الاستدلال المذكور وفيه أن الإستثناء لا يكون إلا باللفظ ولا يكفي فيه النية وهو اتفاق إلا ما حكى عن بعض المالكية وفيه ما خص به الأنبياء من القوة على الجماع الدال ذلك على صحة البنية وقوة الفحولية وكمال الرجولية مع ما هم فيه من الإشتغال بالعبادة والعلوم وقد وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أبلغ المعجزة لأنه مع اشتغاله بعبادة ربه وعلومه ومعالجة الخلق كان متقللا من المآكل والمشارب المقتضية لضعف البدن على كثرة الجماع ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في ليلة بغسل واحد ومن إحدى عشرة امرأة وقد تقدم في كتاب الغسل ويقال إن كل من كان أتقي لله فشهوته أشد لأن الذي لا يتقي يتفرج بالنظر ونحوه وفيه جواز الإخبار عن الشيء ووقوعه في المستقبل بناء على غلبة الظن فإن سليمان عليه السلام جزم بما قال ولم يكن ذلك عن وحي وإلا لوقع كذا قيل وقال القرطبي لا يظن بسليمان عليه السلام أنه قطع بذلك على ربه إلا من جهل حال الأنبياء وأدبهم مع الله تعالى وقال بن الجوزي فإن قيل من أين لسليمان أن يخلق من مائة هذا العدد في ليلة لا جائز أن يكون بوحي لأنه ما وقع ولا جائز أن يكون الأمر في ذلك إليه لأن الإرادة لله والجواب أنه من جنس التمني على الله والسؤال له أن يفعل والقسم عليه كقول أنس بن النضر والله لا يكسر سنها ويحتمل أن يكون لما أجاب الله دعوته أن يهب له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده كان هذا عنده من جملة ذلك فجزم به وأقرب الإحتمالات ما ذكرته أولا وبالله التوفيق قلت ويحتمل أن يكون أوحى إليه بذلك مقيدا بشرط الإستثناء فنسي الإستثناء فلم يقع ذلك لفقدان الشرط ومن ثم ساغ له أولا أن يحلف وأبعد من استدل به على جواز الحلف على غلبة الظن وفيه جواز السهو على الأنبياء وأن ذلك لا يقدح في علو منصبهم وفيه جواز الإخبار عن الشيء أنه سيقع ومستند المخبر الظن مع وجود القرينة القوية لذلك وفيه جواز إضمار المقسم به في اليمين لقوله لأطوفن مع قوله عليه السلام لم يحنث فدل على أن اسم الله فيه مقدر فإن قال أحد بجواز ذلك فالحديث حجة له بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد تقديره على لسان الشارع وإن وقع الإتفاق على عدم الجواز فيحتاج إلى تأويله كأن يقال لعل التلفظ باسم الله وقع في الأصل وإن لم يقع في الحكاية وذلك ليس بممتع فإن من قال والله لأطوفن يصدق أنه قال لأطوفن فإن اللافظ بالمركب لافظ بالمفرد وفيه حجة لمن قال لا يشترط التصريح بمقسم به معين فمن قال أحلف أو أشهد ونحو ذلك فهو يمين وهو قول الحنفية وقيده المالكية بالنية وقال بعض الشافعية ليست بيمين مطلقا وفيه جواز استعمال لو ولولا وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد عقده له المصنف في أواخر الكتاب وفيه استعمال الكناية في اللفظ الذي يستقبح ذكره لقوله لأطوفن بدل قوله لأجامعن الحديث الثالث

[ 3243 ] قوله حدثنا إبراهيم التيمي عن أبيه هو يزيد بن شريك قوله أي مسجد وضع أول تقدم التنبيه عليه في أثناء قصة إبراهيم عليه السلام وقوله أدركتك الصلاة أي وقت الصلاة وفيه إشارة إلى المحافظة على الصلاة في أول وقتها ويتضمن ذلك الندب إلى معرفة الأوقات وفيه إشارة إلى أن المكان الأفضل للعبادة إذا لم يحصل لا يترك المأمور به لفواته بل يفعل المأمور في المفضول لأنه صلى الله عليه وسلم كأنه فهم عن أبي ذر من تخصيصه السؤال عن أول مسجد وضع أنه يريد تخصيص صلاته فيه فنبه على أن إيقاع الصلاة إذا حضرت لا يتوقف على المكان الأفضل وفيه فضيلة الأمة المحمدية لما ذكر أن الأمم قبلهم كانوا لا يصلون الا في مكان مخصوص وقد تقدم التنبيه عليه في كتاب التيمم وفيه الزيادة على السؤال في الجواب لا سيما إذا كان للسائل في ذلك مزيد فائدة الحديث الرابع قوله في الإسناد

[ 3244 ] عن عبد الرحمن هو الأعرج وهو كذلك في نسخة شعيب عن أبي الزناد عند الطبراني قوله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فجعل الفراش وهذه الدواب تقع في النار وقال كانت امرأتان معهما ابناهما هكذا أورده ومراده الحديث الثاني فإنه هو الذي يدخل في ترجمة سليمان وكأنه ذكر ما قبله وهو طرف من حديث طويل لكونه سمع نسخة شعيب عن أبي الزناد وهذا الحديث مقدم على الآخر وسمع الإسناد في السابق دون الذي يليه فاحتاج أن يذكر شيئا من لفظ الحديث الأول لأجل الإسناد وقد تقدم في الطهارة للمصنف مثل هذا الصنيع فذكر من هذه النسخة بعينها حديث لا يبولن أحدكم في الماء الدائم وذكر قبله طرفا من حديث نحن الآخرون السابقون ولما ذكر في الجمعة حديث نحن الآخرون السابقون لم يضم معه شيئا وذكر في الجهاد حديث من أطاعني فقد أطاع الله الحديث فقال قبله نحن الآخرون السابقون أيضا وذكر في الديات حديث لو طلع عليك رجل وقدم ذلك قبله أيضا لكنه أورد حديث المرأتين وفي الفرائض ولم يضم معه في أوله شيئا من الحديث الآخر وكذا في بقية هذه النسخة فلم يطرد للمصنف في ذلك عمل وكأنه حيث ضم إليه شيئا أراد الإحتياط وحيث لم يضم نبه على الجواز والله أعلم وأما مسلم فإنه في نسخة همام عن أبي هريرة ينبه على أنه لم يسمع الإسناد في كل حديث منها فإنه يسوق الإسناد إلى أبي هريرة ثم يقول فذكر أحاديث منها كذا وكذا وصنيعه في ذلك حسن جدا والله أعلم تنبيه لم أر الحديث الأول تاما في صحيح البخاري وقد أورده الحميدي في الجمع من طريق شعيب هذه وساق المتن بتمامه وقال إنه لفظ البخاري وأن مسلما أخرجه من رواية مغيرة وسفيان عن أبي الزناد به ومن طريق همام عن أبي هريرة وكذلك أطلق المزي أن البخاري أخرجه في أحاديث الأنبياء فإن كان عني هذا الموضع فليس هو فيه بتمامه وإن كان عنى موضعا آخر فلم أره فيه ثم وجدته في باب الإنتهاء عن المعاصي من كتاب الرقاق ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى قوله مثل أي في دعائي الناس إلى الإسلام المنقذ لهم من النار ومثل ما تزين لهم أنفسهم من التمادي على الباطل كمثل رجل الخ والمراد تمثيل الجملة بالجملة لا تمثيل فرد بفرد قوله استوقد أي أوقد وزيادة السين والتاء للإشارة إلى أنه عالج إيقادها وسعي في تحصيل آلاتها ووقع في حديث جابر عند مسلم مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا زاد أحمد ومسلم من رواية همام عن أبي هريرة فلما أضاءت ما حوله قوله فجعل الفراش بفتح الفاء والشين المعجمة معروف ويطلق الفراش أيضا على غوغاء الجراد الذي يكثر ويتراكم وقال في المحكم الفراش دواب مثل البعوض واحدتها فراشه وقد شبة الله تعالى الناس في المحشر بالفراش المبثوث أي في الكثرة والإنتشار والإسراع إلى الداعي قوله وهذه الدواب تقع في النار قلت منها البرغش والبعوض ووقع في حديث جابر فجعل الجنابذ والفراش والجنابذ جمع جنبذ وهو على القلب والمعروف الجنادب جمع جندب بفتح الدال وضمها والجيم مضمومة وقد تكسر وهو على خلقة الجرادة يصر في الليل صرا شديدا وقيل إن ذكر الجراد يسمى أيضا الجندب قوله تقع في النار كذا فيه وإنما هو في نسخة شعيب كما أخرجه أبو نعيم في المستخرج وهذه الدواب التي تقعن في النار تقعن فيها قال النووي مقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبة المخالفين له بالفراش وتساقطهم في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا مع حرصهم على الوقوع في ذلك ومنعه إياهم والجامع بينهما اتباع الهوى وضعف التمييز وحرص كل من الطائفتين على هلاك نفسه وقال القاضي أبو بكر بن العربي هذا مثل كثير المعاني والمقصود أن الخلق لا يأتون ما يجرهم إلى النار على قصد الملكة وإنما يأتونه على قصد المنفعة واتباع الشهوة كما أن الفراش يقتحم النار لا ليهلك فيها بل لما يعجبه من الضياء وقد قيل إنها لا تبصر مجال وهو بعيد وإنما قيل إنها تكون في ظلمة فإذا رأت الضياء اعتقدت أنها كوة يظهر منها النور فتقصده لأجل ذلك فتحترق وهي لا تشعر وقيل إن ذلك لضعف بصرها فتظن أنها في بيت مظلم وأن السراج مثلا كوة فترمي بنفسها إليه وهي من شدة طيرانها تجاوزه فتقع في الظلمة فنرجع إلى أن تحترق وقيل إنها تتضرر بشدة النور فنقصد إطفاءه فلشدة جهلها تورط نفسها فيما لا قدرة لها عليه ذكر مغلطاي أنه سمع بعض مشايخ الطب يقوله وقال الغزالي التمثيل وقع على صورة الإكباب على الشهوات من الإنسان بإكباب الفراش على التهافت في النار ولكن جهل الآدمي أشد من جهل الفراش لأنها باغترارها بظواهر الضوء إذا احترقت انتهى عذابها في الحال والآدمي يبقي في النار مدة طويلة أو أبدا والله المستعان قوله وقال كانت امرأتان ليس في سياق البخاري تصريح برفعه وهو مرفوع عنده عن أبي اليمان عن شعيب في أواخر كتاب الفرائض أورده هناك وكذا هو في نسخة شعيب عند الطبراني وغيره وفي رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما امرأتان قلت ولم أقف على اسم واحدة من هاتين المرأتين ولا على اسم واحد من ابنيهما في شيء من الطرق قوله فتحاكما في رواية الكشميهني فتحاكمنا وفي نسخة شعيب فاختصما قوله فقضى به للكبرى الخ قيل كان ذلك على سبيل الفتيا منهما لا الحكم ولذلك ساغ لسليمان أن ينقضه وتعقبه القرطبي بأن في لفظ الحديث أنه قضى بأنهما تحاكما وبأن فتيا النبي وحكمه سواء في وجوب تنفيذ ذلك وقال الداودي إنما كان منهما على سبيل المشاورة فوضح لداود صحة رأي سليمان فأمضاه قال بن الجوزي استويا عند داود في اليد فقدم الكبرى للسن وتعقبه القرطبي وحكى أنه قيل كان من شرع داود أن يحكم الكبرى قال وهو فاسد لأن الكبر والصغر وصف طردي كالطول والقصر والسواد والبياض ولا أثر لشيء من ذلك في الترجيح قال وهذا مما يكاد يقطع بفساده قال والذي ينبغي أن يقال إن داود عليه السلام قضى به للكبري لسبب اقتضى به عنده ترجيح قولها إذ لا بينة لواحدة منهما وكونه لم يعين في الحديث اختصارا لا يلزم منه عدم وقوعه فيحتمل أن يقال إن الولد الباقي كان في يد الكبرى وعجزة الأخرى عن إقامة البينة قال وهذا تأويل حسن جار على القواعد الشرعية وليس في السياق ما يأباه ولا يمنعه فإن قيل فكيف ساغ لسليمان نقض حكمه فالجواب أنه لم يعمد إلى نقض الحكم وإنما احتال بحيلة لطيفة أظهرت ما في نفس الأمر وذلك أنها لما أخبرنا سليمان بالقصة فدعا بالسكين ليشقه بينهما ولم يعزم على ذلك في الباطن وإنما أراد استكشاف الأمر فحصل مقصوده لذلك لجزع الصغرى الدال على عظيم الشفقة ولم يلتفت إلى إقرارها بقولها هو بن الكبرى لأنه علم أنها آثرت حياته فظهر له من قرينة شفقة الصغرى وعدمها في الكبرى مع ما انضاف إلى ذلك من القرينة الدالة على صدقها ما هجم به على الحكم للصغرى ويحتمل أن يكون سليمان عليه السلام ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه أو تكون الكبرى في تلك الحالة اعترفت بالحق لما رأت من سليمان الجد والعزم في ذلك ونظير هذه القصة ما لو حكم حاكم على مدع منكر بيمين فلما مضى ليحلفه من استخرج من المنكر ما اقتضى إقراره بما أراد أن يحلف على جحده فإنه والحالة هذه يحكم عليه بإقراره سواء كان ذلك قبل اليمين أو بعدها ولا يكون ذلك من نقض الحكم الأول ولكن من باب تبدل الأحكام بتبدل الأسباب وقال بن الجوزي استنبط سليمان لما رأى الأمر محتملا فأجاد وكلاهما حكم بالاجتهاد لأنه لو كان داود حكم بالنص لما ساغ لسليمان أن يحكم بخلافة ودلت هذه القصة على أن الفطنه والفهم موهبة من الله لا يتعلق بكبر سن ولا صغره وفيه أن الحق في جهة واحدة وأن الأنبياء يسوغ لهم الحكم بالاجتهاد وإن كان وجود النص ممكنا لديهم بالوحي لكن في ذلك زيادة في أجورهم ولعصمتهم من الخطأ في ذلك إذ لا يقرون لعصمتهم على الباطل وقال النووي إن سليمان فعل ذلك تحيلا على إظهار الحق فكان كما لو اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق لخصمه وفيه استعمال الحيل في الأحكام لاستخراج الحقوق ولا يتأتى ذلك إلا بمزيد الفطنة وممارسة الأحوال قوله لا تفعل يرحمك الله وقع في رواية مسلم والإسماعيلي من طريق ورقاء عن أبي الزناد لا يرحمك الله قال القرطبي ينبغي على هذه الرواية أن يقف قليلا بعد لا حتى يتبين للسامع أن الذي بعده كلام مستأنف لأنه إذا وصله بما بعده يتوهم السامع أنه دعا عليه وإنما هو دعاء له ويزول الإبهام في مثل هذا بزيادة واو كأن يقول لا ويرحمك الله وفيه حجة لمن قال إن الأم تستحلق والمشهور من مذهب مالك والشافعي أنه لا يصح وقد تعرض المصنف لذلك في أواخر كتاب الفرائض ويأتي البحث فيه هناك إن شاء الله تعالى قوله قال أبو هريرة يعني بالإسناد إليه وليس تعليقا وقد وقع كذلك في رواية الإسماعيلي من طريق ورقاء عن أبي الزناد والمدية مثلثة الميم قيل للسكين ذلك لأنها تقطع مدى حياة الحيوان والسكين تذكر وتؤنث قيل لها ذلك لأنها تسكن حركة الحيوان

قوله باب قول الله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة إلى قوله عظيم اختلف في لقمان فقيل كان حبشيا وقيل كان نوبيا واختلف هل كان نبيا قال السهيلي كان نوبيا من أهل أيلة واسم أبيه عنقا بن شيرون وقال غيره هو بن بأعور بن ناحر بن آزر فهو بن أخي إبراهيم وذكر وهب في المبتدأ أنه كان بن أخت أيوب وقيل بن خالته وروى الثوري في تفسيره عن أشعث عن عكرمة عن بن عباس قال كان لقمان عبدا حبشيا نجارا وفي مصنف بن أبي شيبة عن خالد بن ثابت الربعي أحد التابعين مثله وحكى أبو عبيد البكري في شرح الامالي أنه كان مولى لقوم من الأزد وروى الطبري من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب كان لقمان من سودان مصر ذومشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة وفي المستدرك بإسناد صحيح عن أنس قال كان لقمان عند داود وهو يسرد الدرع فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله عن فائدته فتمنعه حكمته أن يسأل وهذا صريح في أنه عاصر داود عليه السلام وقد ذكره بن الجوزي في التلقيح بعد إبراهيم قبل إسماعيل وإسحاق والصحيح أنه كان في زمن داود وقد أخرج الطبري وغيره عن مجاهد أنه كان قاضيا على بني إسرائيل زمن داود عليه السلام وقيل إنه عاش ألف سنة نقل عن بن إسحاق وهو غلط ممن قاله وكأنه اختلط عليه بلقمان بن عاد وقيل إنه كان يفتي قبل بعث داود وأغرب الواقدي فزعم أنه كان بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام وشبهته ما حكاه أبو عبيدة البكري أنه كان عبدا لبني الحسحاس بن الأزد والأكثر أنه كان صالحا قال شعبة عن الحكم عن مجاهد كان صالحا ولم يكن نبيا وقيل كان نبيا أخرجه بن أبي حاتم وابن جرير من طريق إسرائيل عن جابر عن عكرمة قلت وجابر هو الجعفي ضعيف ويقال إن عكرمة تفرد بقوله كان نبيا وقيل كان لرجل من بني إسرائيل فأعتقه وأعطاه ما لا يتجر فيه وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد بن بشير عن قتادة أن لقمان خير بين الحكمة والنبوة فاختار الحكمة فسئل عن ذلك فقال خفت أن أضعف عن حمل أعباء النبوة وفي سعيد بن بشير ضعف وقد روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة قال التفقه في الدين ولم يكن نبيا وقد تقدم تفسير المراد بالحكمة في أوائل كتاب العلم في شرح حديث بن عباس اللهم علمه الحكمة وقيل كان خياطا وقيل نجارا وقوله وإذ قال لقمان لابنه قال السهيلي اسم ابنه باران بموحدة وراء مهملة وقيل فيه بالدال في أوله وقيل اسمه أنعم وقيل شكور وقيل بابلي قوله ولا تصعر الإعراض بالوجه وهو تفسير لقوله تعالى ولا تصعر خدك للناس وهو تفسير عكرمة أورده عنه الطبري وأورد من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ولا تصعر خدك للناس لا تتكبر عليهم قال الطبري أصل الصعر يعني بالمهملتين داء يأخذ الإبل في أعناقها حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها فيشبه به الرجل المتكبر المعرض عن الناس انتهى وقوله تصعر هي قراءة عاصم وابن كثير وأبي جعفر وقال أبو عبيدة في القراءات له حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن أنه قرأها كذلك وقرأها الباقون تصاعر قال أبو عبيدة والأول أحب إلي لما في الثانية من المفاعلة والغالب أنه من اثنين وتكون الأولى أشمل في اجتناب ذلك وقال الطبري القراءتان مشهورتان ومعناهما صحيح والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث بن مسعود في نزول قوله تعالى

[ 3245 ] الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وسيأتي شرحه في تفسير الأنعام أورده من وجهين وإسحاق شيخه في الطريق الثانية هو بن راهويه وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج

قوله باب واضرب لهم مثلا أصحاب القرية الآية فعززنا قال مجاهد شددنا وقال بن عباس طائركم مصائبكم أما قول مجاهد فوصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عنه بهذا وأما قول بن عباس فوصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه به والقرية المراد بها أنطاكية فيما ذكر بن إسحاق ووهب في المبتدأ ولعلها كانت مدينة بالقرب من هذه الموجودة لأن الله أخبر أنه أهلك أهلها وليس لذلك أثر في هذه المدينة الموجودة الآن ولم يذكر المصنف في ذلك حديثا مرفوعا وقد روى الطبراني من حديث بن عباس مرفوعا السبق ثلاثة يوشع إلى موسى وصاحب يس إلى عيسى وعلي إلى محمد صلى الله عليه وسلم وفي إسناده حسين بن حسين الأشقر وهو ضعيف فإن ثبت دل على أن القصة كانت في زمن عيسى أو بعده وصنيع المصنف يقتضي أنها قبل عيسى وروى بن إسحاق في المبتدأ عن أبي طوالة عن كعب الأحبار أن اسم صاحب يس حبيب النجار وروى الثوري في تفسيره عن عاصم عن أبي مجلز قال كان اسمه حبيب بن بري وعن حبيب بن بشر عن عكرمة عن بن عباس هو حبيب النجار وعن السدي كان قصارا وقيل كان إسكافا قال بن إسحاق واسم الرسل الثلاثة صادق وصدوق وشلوم وقال بن جريج عن وهب بن سليمان عن شعيب الجبئي بالجيم والموحدة والهمز بلا مد كان اسم الرسولين شمعون ويوحنا واسم الثالث بولص وعن قتادة كانوا رسلا من قبل المسيح والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى ذكر رحمة ربك عبدة زكريا إلى قوله لم نجعل له من قبل سميا في زكريا أربع لغات المد والقصر وحذف الألف مع تخفيف الياء وفيه تشديدها أيضا وحذفها وقال الجوهري لا يصرف مع المد والقصر قوله قال بن عباس مثلا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى هل تعلم له سميا يقول هل تعلم له مثلا أو شبها ومن طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس في قوله لم نجعل له من قبل سميا قال لم يسم يحيى قبله غيره وأخرجه الحاكم في المستدرك قوله يقال رضيا مرضيا حكاه الطبري قال مرضيا ترضاه أنت وعبادك قوله عتيا عصيا عتا يعتو كذا فيه بالصاد المهملة والصواب بالسين وروى الطبري بإسناد صحيح عن بن عباس قال ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عتيا أو عسيا وقال أبو عبيدة في قوله تعالى وقد بلغت من الكبر عتيا كل مبالغ من كبر أو كفر أو فساد فقد عتا يعتو عتيا قوله ثلاث ليال سويا ويقال صحيحا هو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أخرجه بن أبي حاتم عنه قال في قوله ثلاث ليال سويا وأنت صحيح فحبس لسانه فكان لا يستطيع أن يتكلم وهو يقرأ للتوراة ويسبح ولا يستطيع أن يكلم الناس أخرجه بن أبي حاتم من طريقه وأخرج من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال اعتقل لسانه من غير مرض قوله فأوحى فأشار هو قول محمد بن كعب ومجاهد وغير واحد أخرجه بن أبي حاتم عنهم قوله حفيا لطيفا هو قول بن عباس أخرجه بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وقال أبو عبيدة في قوله إنه كان بي حفيا أي محتفيا يقال تحفيت بفلان قوله عاقرا الذكر والأنثى سواء قال أبو عبيدة العاقر التي لا تلد والعاقر الذي لا يلد قال عامر بن الطفيل لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر وقال أيضا لفظ الذكر فيه مثل لفظ الأنثى قال الثعلبي ولد يحيى وعمر زكريا مائة وعشرون سنة وقيل تسعين وقيل اثنين وتسعين وقيل مائة إلا سنتين وقيل إلا سنة ثم أورد المصنف طرقا من حديث الإسراء من رواية أنس عن مالك بن صعصعة والغرض منه ذكر يحيى بن زكريا وقال فيه وفي عيسى بن مريم إنهما ابنا خالة وزكريا هو بن ادن ويقال بن شبوي ويقال بن بارخيا ويقال بن أبي بن بارخيا ومريم بنت عمران بن ناشي وهما من ذرية سليمان بن داود عليهما السلام واسم أم مريم حنة بمهملة ونون بنت فاقود واسم أختها والدة يحيى ايشاع قال بن إسحاق في المبتدأ كانت حنا عند عمران وأختها عند زكريا وكانت حنة أمسك عنها الولد ثم حملت بمريم فمات عمران وهي حامل وروى بن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن القاسم سمعت مالك بن أنس يقول بلغني أن عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا كان حملهما جميعا فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك قال مالك أراه لفضل عيسى على يحيى وقال الثعلبي ولد يحيى قبل عيسى بستة أشهر واختلف في قوله وآتيناه الحكم صبيا فقيل نبىء وهو بن تسع سنين وقيل أقل من ذلك والمراد بالحكم الفهم في الدين قال بن إسحاق كان زكريا وابنه آخر من بعث من بني إسرائيل قبل عيسى وقال أيضا أراد بنو إسرائيل قتل زكريا ففر منهم فمر بشجرة فانفلقت له فدخل فيها فالتأمت عليه فأخذ الشيطان يهدبه ثوبه فرأوها فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروها حتى قطعوه من وسطه في جوفها وأما يحيى فقتل بسبب امرأة أراد ملكهم أن يتزوجها فقال له يحيى إنها لا تحل لك لكونها كانت بنت امرأته فتوصلت إلى الملك حتى قتل يحيى قال بن إسحاق كان ذلك قبل أن يرفع عيسى وروى أصل هذه القصة الحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن الزبير وروى أيضا من حديث بن عباس أن دم يحيى كان يفور حتى قتل عليه بختنصر من بني إسرائيل سبعين ألفا فسكن

قوله باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا وقوله إذ قالت الملائكة يا مريم أن الله يبشرك بكلمة وقوله ان الله اصطفى آدم ونوحا هذه الترجمة معقودة لأخبار مريم عليها السلام وقد قدمت شيئا من شأنها في الباب الذي قبله ومريم بالسريانية الخادم وسميت به والدة عيسى فامتنع الصرف للتأنيث والعلمية ويقال إن مريم بلسان العرب من تكثر من زيارة الرجال من النساء كالزير وهو من يكثر زيارة النساء واستشهد من زعم هذا بقول رؤبة قلت لزير لم تصله مريم حكاه أبو حبان في تفسير سورة البقرة وفيه نظر قوله قال بن عباس وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد صلى الله عليه وسلم يقولان أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهم المؤمنون وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وحاصله أن المراد بالاصطفاء بعض آل عمران وأن كان اللفظ عاما فالمراد به الخصوص قوله ويقال آل يعقوب أهل يعقوب إذا صغروا آل ردوه إلى الأصل قالوا أهيل اختلف في آل فقيل أصله أهل فقلبت الهاء همزة بدليل ظهور ذلك في التصغير هو يرد الأشياء إلى أصلها وهذا قول سيبويه والجمهور وقيل أصله أول من آل يئول إذا رجع لأن الإنسان يرجع إلى أهله فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وتصغيره على أويل

[ 3248 ] قوله عن الزهري قال حدثني سعيد بن المسيب كذا قال أكثر أصحاب الزهري وقال السدي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أخرجه الطبري قوله ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة الماضية في باب صفة إبليس بيان المس المذكور لفظه كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب أي في المشيمة التي فيها الولد قال القرطبي هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط فحفظ الله مريم وابنها منه ببركة دعوة أمها حيث قالت إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ولم يكن لمريم ذرية غير عيسى ووقع في رواية معمر عن الزهري عند مسلم إلا نخسه الشيطان بنون وخاء معجمة ثم مهملة قوله فيستهل صارخا من مس الشيطان في رواية معمر المذكورة من نخسه الشيطان أي سبب صراخ الصبي أول ما يولد الألم من مس الشيطان إياه والاستهلال الصياح قوله غير مريم وابنها تقدم في باب إبليس بذكر عيسى خاصة فيحتمل أن يكون هذا بالنسبة إلى المس وذاك بالنسبة إلى الطعن في الجنب ويحتمل أن يكون ذاك قبل الإعلام بما زاد وفيه بعد لأنه حديث واحد وقد رواه خلاس عن أبي هريرة بلفظ كل بني آدم قد طعن الشيطان فيه حين ولد غير عيسى وأمه جعل الله دون الطعنة حجابا فأصاب الحجاب ولم يصبها والذي يظهر أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر والزيادة من الحافظ مقبولة وأما قول بعضهم يحتمل أن يكون من العطف التفسيري والمقصود الابن كقولك أعجبني زيد وكرمه فهو تعسف شديد قوله ثم يقول أبو هريرة وإني أعيذها بك الخ فيه بيان لأن في رواية أبي صالح عن أبي هريرة إدراجا أن تلاوة الآية موقوفة على أبي هريرة

قوله باب وإذ قالت الملائكة يا مريم أن الله اصطفاك الآية إلى قوله أيهم يكفل مريم يقال يكفل يضم كفلها ضمها مخففة ليس من كفالة الديون وشبهها أشار بقوله مخففة إلى قراءة الجمهور وقرأها الكوفيون كفلها بالتشديد أي كفلها الله زكريا وفي قراءاتهم زكريا بالقصر إلا أن أبا بكر بن عياش قرأه بالمد فاحتاج إلى أن يقرأ زكريا بفتح الهمزة وقال أبو عبيدة في قولة تعالى وكفلها زكريا يقال كفلها بفتح الفاء وكسرها أي ضمها وفي قوله أيهم يكفل مريم أي يضم انتهى وكسر الفاء هو في قراءة بعض التابعين واستدل بقوله تعالى ان الله اصطفاك على أنها كانت نبيه وليس بصريح في ذلك وأيد بذكرها مع الأنبياء في سورة مريم ولا يمنع وصفها بأنها صديقة فقد وصف يوسف بذلك وقد نقل عن الأشعري أن في النساء عدة نبيات وحصرهن بن حزم في ست حواء وسارة وهاجر وأم موسى وآسية ومريم وأسقط القرطبي سارة وهاجر ونقله في التمهيد عن أكثر الفقهاء وقال القرطبي الصحيح أنه مريم نبيه وقال عياض الجمهور على خلافه ونقل النووي في الأذكار أن الإمام نقل الإجماع على أن مريم ليست نبيه وعن الحسن ليس في النساء نبيه ولا في الجن وقال السبكي الكبير لم يصح عندي في هذه المسألة شيء ونقله السهيلي في آخر الروض عن أكثر الفقهاء

[ 3249 ] قوله حدثنا النضر هو بن شميل وهشام هو بن عروة بن الزبير وعبد الله بن جعفر أي بن أبي طالب قال الدارقطني رواه أصحاب هشام بن عروة عنه هكذا وخالفهم بن جريج وابن إسحاق فروياه عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن جعفر زاد في الإسناد عبد الله بن الزبير والصواب اسقاطه والله أعلم قوله خير نسائها مريم أي نساء أهل الدنيا في زمانها وليس المراد أن مريم خير نسائها لأنه يصير كقولهم زيد أفضل إخوانه وقد صرحوا بمنعه فهو كما لو قيل فلان أفضل الدنيا وقد رواه النسائي من حديث بن عباس بلفظ أفضل نساء أهل الجنة فعلى هذا فالمعنى خير نساء أهل الجنة مريم وفي رواية خير نساء العالمين وهو كقوله تعالى واصطفاك على نساء العالمين وظاهره أن مريم أفضل من جميع النساء وهذا لا يمتنع عند من يقول إنها نبيه وأما من قال ليست بنبية فيحمله على عالمي زمانها وبالأول جزم الزجاج وجماعة واختاره القرطبي ويحتمل أيضا أن يراه نساء بني إسرائيل أو نساء تلك الأمة أو من فيه مضمرة والمعنى أنها من جملة النساء الفاضلات ويدفع ذلك حديث أبي موسى المتقدم بصيغة الحصر أنه لم يكمل من النساء غيرها وغير آسية قوله وخير نسائها خديجة أي نساء هذه الأمة قال القاضي أبو بكر بن العربي خديجة أفضل نساء الأمة مطلقا لهذا الحديث وقد تقدم في آخر قصة موسى حديث أبي موسى في ذكر مريم وآسية وهو يقتضي فضلهما على غيرهما من النساء ودل هذا الحديث على أن مريم أفضل من آسية وأن خديجة أفضل نساء هذه الأمة وكأنه لم يتعرض في الحديث الأول لنساء هذه الأمة حيث قال ولم يكمل من النساء أي من نساء الأمم الماضية إلا إن حملنا الكمال على النبوة فيكون على إطلاقه وعند النسائي بإسناد صحيح عن بن عباس أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية وعند الترمذي بإسناد صحيح عن أنس حسبك من نساء العالمين فذكرهن وللحاكم من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملك فبشره أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وسيأتي مزيد لذلك في ترجمة خديجة من مناقب الصحابة

قوله باب قول الله تعالى إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وقع في رواية أبي ذر بزيادة واو في أول هذه الآية وهو غلط وإنما وقعت الواو في أول الآية التي قبلها وأما هذه فبغير واو قوله يبشرك ويبشرك واحد يعني بفتح أوله وسكون الموحدة وضم المعجمة وبضم أوله وفتح الموحدة وتشديد المعجمة والأولى وهي بالتخفيف قراءة يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي والبشير هو الذي يخبر المرء بما يسره من خير وقد يطلق في الشر مجازا قوله وجيها أي شريفا قال أبو عبيدة الوجيه الذي يشرف وتوجهه الملوك أي تشرفه وانتصب قوله وجيها على الحال قوله وقال إبراهيم المسيح الصديق وصله سفيان الثوري في تفسير رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عنه عن منصور عن إبراهيم هو النخعي قال المسيح الصديق قال الطبري مراد إبراهيم بذلك أن الله مسحه فطهره من الذنوب فهو فعيل بمعنى مفعول قلت وهذا بخلاف تسمية الدجال المسيح فإنه فعيل بمعنى فاعل يقال إنه سمي بذلك لكونه يمسح الأرض وقيل سمي بذلك لأنه ممسوح العين فهو بمعنى مفعول قيل في المسيح عيسى أيضا إنه مشتق من مسح الأرض لأنه لم يكن يستقر في مكان ويقال سمي بذلك لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ وقيل لأنه مسح بدهن البركة مسحه زكريا وقيل يحيى وقيل لأنه كان ممسوح الأخمصين وقيل لأنه كان جميلا يقال مسحه الله أي خلقه خلقا حسنا ومنه قولهم به مسحة من جمال وأغرب الداودي فقال لأنه كان يلبس المسوح قوله وقال مجاهد الكهل الحليم وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وكهلا ومن الصالحين قال الكهل الحليم انتهى وقد قال أبو جعفر النحاس إن هذا لا يعرف في اللغة وإنما الكهل عندهم من ناهز الأربعين أو قاربها وقيل من جاوز الثلاثين وقيل بن ثلاث وثلاثين انتهى والذي يظهر أن مجاهدا فسره بلازمه الغالب لأن الكهل غالبا يكون فيه وقار وسكينة وقد اختلف أهل العربية في قوله وكهلا هل هو معطوف على قوله وجيها أو هو حال من الضمير في يكلم أي يكلمهم صغيرا وكهلا وعلى الأول يتجه تفسير مجاهد قوله الأكمه من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل وقال غيره من يولد أعمى أما قول مجاهد فوصله الفريابي أيضا وهو قول شاذ تفرد به مجاهد والمعروف أن ذلك هو الأعشى وأما قول غيره قول الجمهور وبه جزم أبو عبيدة وأخرجه الطبري عن بن عباس وروى عبد بن حميد من طريق سعيد عن قتادة كنا نتحدث أن الأكمه الذي يولد وهو مضموم العين ومن طريق عكرمة الأكمه الأعمى وكذا رواه الطبري عن السدي وعن بن عباس أيضا وعن الحسن ونحوهم قال الطبري الأشبه بتفسير الآية قول قتادة لأن علاج مثل ذلك لا يدعيه أحد والآية سيقت لبيان معجزة عيسى عليه السلام فالأشبه أن يحمل المراد عليها ويكون أبلغ في إثبات المعجزة والله أعلم ثم ذكر المصنف حديثين أحدهما حديث أبي موسى الأشعري في فضل مريم وآسية وقد تقدم شرحه في آخر قصة موسى عليه السلام ثانيهما حديث أبي هريرة في فضل نساء قريش

[ 3251 ] قوله وقال بن وهب الخ وصله مسلم عن حرملة عن بن وهب وكذلك أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن حرملة وسيأتي للمصنف موصولا من وجه آخر عن بن وهب في النكاح قال القرطبي هذا تفضيل لنساء قريش على نساء العرب خاصة لأنهم أصحاب الإبل غالبا وسيأتي بقية شرحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قوله احناه أشفقه حتى يحنو ويحنى من الثلاثي وأحنى يحنى من الرباعي أشفق عليه وعطف والحانية التي تقوم بولدها بعد موت الأب قال وحنت المرأة على ولدها إذا لم تتزوج بعد موت الأب قال بن التين فإن تزوجت فليست بحانية قال الحسن في الحانية التي لها ولد ولا تتزوج وفي بعض الكتب أحنى بتشديد النون والتنوين حكاه بن التين وقال لعله مأخوذ من الحنان بفتح وتخفيف وهو الرحمة وحنت المرأة إلى ولدها وإلى زوجها سواء كان بصوت أم لا ومن الذي بالصوت حنين الجذع وأصله ترجيع صوت الناقة على أثر ولدها وكان القياس احناهن لكن جرى لسان العرب بالإفراد وقوله ولم تركب مريم بعيرا قط إشارة إلى أن مريم لم تدخل في هذا التفضيل بل هو خاص بمن يركب الإبل والفضل الوارد في خديجة وفاطمة وعائشة هو بالنسبة إلى جميع النساء إلى من قيل إنها نبيه فإن ثبت في حق امرأة أنها نبيه فهي خارجة بالشرع لأن درجة النبوة لا شيء بعدها وأن لم يثبت فيحتاج من يخرجهن إلى دليل خاص لكل منهن فأشار أبو هريرة إلى أن مريم لم تدخل في هذا العموم لأنه قيد أصل الفضل بمن يركب الإبل ومريم لم تركب بعيرا قط وقد اعترض بعضهم فقال كأن أبا هريرة ظن أن البعير لا يكون إلا من الإبل وليس كما ظن بل يطلق البعير على الحمار وقال بن خالويه لم نكن إخوة يوسف ركبانا إلى على أحمرة ولم يكن عندهم إبل وإنما كانت تحملهم في أسفارهم وغيرها الأحمرة وكذا قال مجاهد هنا البعير الحمار وهي لغة حكاها الكواشي واستدل بقوله اصطفاك على نساء العالمين على أنها كانت نبيه ويؤيد ذكرها في سورة مريم بمثل ما ذكر به الأنبياء ولا يمنع وصفها بأنها صديقة فإن يوسف وصف بذلك مع كونه نبيا وقد نقل عن الأشعري أن في النساء نبيات وجزم بن حزم بست حواء وسارة وهاجر وأم موسى وآسية ومريم ولم يذكر القرطبي سارة ولا هاجر ونقله السهيلي في آخر الروض عن أكثر الفقهاء وقال القرطبي الصحيح أن مريم نبيه وقال عياض الجمهور على خلافه وذكر النووي في الأذكار عن إمام الحرمين أنه نقل الإجماع على أن مريم ليست نبيه ونسبه في شرح المهذب لجماعة وجاء عن الحسن البصري ليس في النساء نبيه ولا في الجن وقال السبكي اختلف في هذه المسألة ولم يصح عندي في ذلك شيء قوله يقول أبو هريرة على أثر ذلك ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط في رواية لأحمد وأبي يعلى وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مريم لم تركب بعيرا قط أراد أبو هريرة بذلك أن مريم لم تدخل في النساء المذكورات بالخيرية لأنه قيدهن بركوب الإبل ومريم لم تكن ممن يركب الإبل وكأنه كان يرى أنها أفضل النساء مطلقا قوله تابعه بن أخي الزهري وإسحاق الكلبي عن الزهري أما متابعة بن أخي الزهري وهو محمد بن عبد الله بن مسلم فوصلها أبو أحمد بن عدي في الكامل من طريق الدراوردي عنه وأما متابعة إسحاق الكلبي فوصلها الزهري في الزهريات عن يحيى بن صالح عنه

قوله باب قوله تعالى يا أهل الكتاب لا نغلوا في دينكم إلى وكيلا قال عياض وقع في رواية الأصيلي قل يا أهل الكتاب ولغيره بحذف قل وهو الصواب قلت هذا هو الصواب في هذه الآية التي هي من سورة النساء لكن قد ثبت قل في الآية الأخرى في سورة المائدة قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق الآية ولكن مراد المصنف آية سورة النساء بدليل إيراده لتفسير بعض ما وقع فيها فالإعتراض متجه قوله قال أبو عبيد كلمته كن فكان هكذا في جميع الأصول والمراد به أبو عبيد القاسم بن سلام ووقع نظيره في كلام أبي عبيدة معمر بن المثنى وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله قوله وقال غيره وروح منه أحياه فجعله روحا هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى وكلمته ألقاها إلى مريم قوله كن فكان وروح منه الله تبارك وتعالى أحياه فجعله روحا ولا تقولوا ثلاثة أي لا تقولوا هم ثلاثة قوله ولا تقولوا ثلاثة هو بقية الآية التي فسرها أبو عبيدة

[ 3252 ] قوله عن الأوزاعي في رواية الإسماعيلي من طريق علي بن المديني عن الوليد حدثنا الأوزاعي قوله عن عبادة هو بن الصامت في رواية بن المديني المذكورة حدثني عبادة وفي رواية مسلم عن جنادة حدثنا عبادة بن الصامت قوله وأن عيسى عبد الله ورسوله زاد بن المديني في روايته وابن أمته قال القرطبي مقصود هذا الحديث التنبيه على ما وقع للنصارى من الضلال في عيسى وأمه ويستفاد منه ما يلقنه النصراني إذا أسلم قال النووي هذا حديث عظيم الموقع وهو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد فإنه جمع فيه ما يخرج عنه جميع ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدهم وقال غيره في ذكر عيسى تعريض بالنصارى وايذان بان إيمانهم مع قولهم بالتثليث شرك محض وكذا قوله عبدة وفي ذكر رسوله تعريض باليهود في انكارهم رسالته وقذفه بما هو منزه عنه وكذا أمه وفي قوله وابن أمته تشريف له وكذا تسميته بالروح ووصفه بأنه منه كقوله تعالى وسخر لكم ما في الأرض جميعا منه فالمعنى أنه كائن منه كما أن معنى الآية الأخرى أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه أي أنه مكون كل ذلك وموجده بقدرته وحكمته وقوله وكلمته إشارة إلى أنه حجة الله على عباده أبدعه من غير أب وأنطقه في غير أوانه وأحيى الموتى على يده وقيل سمي كلمة الله لأنه أوجده بقوله كن فلما كان بكلامه سمي به كما يقال سيف الله وأسد الله وقيل لما قال في صغره أني عبد الله وأما تسميته بالروح فلما كان أقدره عليه من إحياء الموتى وقيل لكونه ذا روح وجد من غير جزء من ذي روح وقوله أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة شاء يقتضي دخوله الجنة وتخييره في الدخول من أبوابها وهو بخلاف ظاهر حديث أبي هريرة الماضي في بدء الخلق فإنه يقتضي أن لكل داخل الجنة بابا معينا بدخل منه قال ويجمع بينهما بأنه في الأصل مخير لكنه يرى أن الذي يختص به أفضل في حقه فيختاره فيدخله مختارا لا مجبورا ولا ممنوعا من الدخول من غيره قلت ويحتمل أن يكون فاعل شاء هو الله والمعنى أن الله يوفقه لعمل يدخله برحمة الله من الباب المعد لعامل ذلك العمل قوله قال الوليد هو بن مسلم وهو موصول بالإسناد المذكور وقد أخرجه مسلم عن داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن بن جابر وحده به ولم يذكر الأوزاعي وأخرجه من وجه آخر عن الأوزاعي قوله عن جنادة وزاد أي عن جنادة عن عبادة بالحديث المذكور وزاد في آخره وكذا أخرجه مسلم بالزيادة ولفظه أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء وقد تقدمت الإشارة إليه في صفة الجنة من بدء الخلق وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بدخول جميع الموحدين الجنة في كتاب الأيمان بما أغنى عن اعادته ومعنى قوله على ما كان من العمل أي من صلاح أو فساد لكن أهل التوحيد لا بد لهم من دخول الجنة ويحتمل أن يكون معنى قوله على ما كان من العمل أي يدخل أهل الجنة الجنة على حسب أعمال كل منهم في الدرجات تنبيه وقع في رواية الأوزاعي وحده فقال في آخره أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل بدل قوله في رواية بن جابر من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء وبينه مسلم في روايته وأخرج مسلم من هذا الحديث قطعة من طريق الصنابحي عن عبادة من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله حرم الله عليه النار وهو يؤيد ما سيأتي ذكره في الرقاق في شرح حديث أبي ذر أن بعض الرواة يختصر الحديث وأن المتعين على من يتكلم على الأحاديث أن يجمع طرقها ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطرق ويشرحها على أنه حديث واحد فإن الحديث أولى ما فسر بالحديث قال البيضاوي في قوله على ما كان عليه من العمل دليل على المعتزلة من وجهين دعواهم أن العاصي يخلد في النار وأن من لم يتب يجب دخوله في النار لأن قوله على ما كان من العمل حال من قوله أدخله الله الجنة والعمل حينئذ غير حاصل ولا يتصور ذلك في حق من مات قبل التوبة إلا إذا أدخل الجنة قبل العقوبة وأما ما ثبت من لازم أحاديث الشفاعة أن بعض العصاة يعذب ثم يخرج فيخص به هذا العموم وإلا فالجميع تحت الرجاء كما أنهم تحت الخوف وهذا معنى قول أهل السنة إنهم في خطر المشيئة

قوله باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها هذا الباب معقود لأخبار عيسى عليه السلام والأبواب التي قبله لأخبار أمه مريم وقد روى الطبري من طريق السدي قال أصاب مريم حيض فخرجت من المسجد فأقامت شرقي المحراب قوله فنبذناه ألقيناه وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى فنبذناه قال ألقيناه وقال أبو عبيدة في قوله إذ انتبذت أي اعتزلت وتنحت قوله اعتزلت شرقيا مما يلي الشرق قال أبو عبيدة في قوله مكانا شرقيا مما يلي الشرق وهو عند العرب خير من الغربي الذي يلي الغرب قوله فأجاءها أفعلت من جئت ويقال ألجأها اضطرها قال أبو عبيدة في قوله فأجاءها المخاض مجازه أفعلها من جاءت وأجاءها غيرها إليه يعني فهو من مزيد جاء قال زهير وجاء وسار متعمدا إليكم أجاءته المخافة والرجاء والمعنى ألجأته وقال الزمخشري إن أجاء منقول من جاء إلا أن استعماله تغير بعد النقل إلى معنى الالجاء قوله تساقط تسقط هو قول أبي عبيدة وضبط تسقط بضم أوله من الرباعي والفاعل النخلة عند من قرأها بالمثناة أو الجذع عند من قرأها بالتحتانية قوله قصيا قاصيا هو تفسير مجاهد أخرجه الطبري عنه وقال أبو عبيدة في قوله مكانا قصيا أي بعيدا قوله فريا عظيما هو تفسير مجاهد وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عنه ومن طريق سعيد عن قتادة كذلك قال أبو عبيدة في قوله لقد جئت شيئا فريا أي عجبا فائقا قوله قال بن عباس نسيا لم أكن شيئا وصله بن جرير من طريق بن جريج أخبرني عطاء عن بن عباس في قوله يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا أي لم أخلق ولم أكن شيئا قوله وقال غيره النسي الحقير هو قول السدي وقيل هو ما سقط في منازل المرتحلين من رذالة أمتعتهم وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال في قوله وكنت نسيا أي شيئا لا يذكر قوله وقال أبو وائل علمت مريم أن التقي ذو نهية حين قالت إن كنت تقيا وصله عبد بن حميد من طريق عاصم قال قرأ أبو وائل اني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال لقد علمت مريم أن التقي ذو نهية وقوله نهية بضم النون وسكون الهاء أي ذو عقل وانتهاء عن فعل القبيح وأغرب من قال إنه اسم رجل يقال له تقي كان مشهورا بالفساد فاستعاذت منه قوله وقال وكيع عن إسرائيل الخ ذكر خلف في الأطراف أن البخاري وصله عن يحيى عن وكيع وأن ذلك وقع في التفسير ولم نقف عليه في شيء من النسخ فلعله في رواية حماد بن شاكر عن البخاري قوله سريا نهر صغير بالسريانية كذا ذكره موقوفا من حديث البراء معلقا وأورده الحاكم في المستدرك وابن أبي حاتم من طريق الثوري والطبري من طريق شعبة كلاهما عن أبي إسحاق مثله وأخرجه بن مردويه من طريق آدم عن إسرائيل به لكن لم يقل بالسريانية وإنما قال البراء السري الجدول وهو النهر الصغير وقد ذكر أبو عبيدة أن السري النهر الصغير بالعربية أيضا وأنشد للبيد بن ربيعة فرمى بها عرض السري فغادرا مسجورة متجاوز أقلامها والعرض بالضم الناحية وروى الطبري من طريق حصين عن عمرو بن ميمون قال السري الجدول من طريق الحسن البصري قال السري هو عيسى وهذا شاذ وقد روى بن مردويه في تفسيره من حديث بن عمر مرفوعا السري في هذه الآية نهر أخرجه الله لمريم لتشرب منه ثم ذكر المصنف في الباب عشرة أحاديث أولها حديث أبي هريرة في قصة جريج الراهب وغيره والغرض منه ذكر الذين تكلموا في المهد وأورده في ترجمة عيسى لأنه وأولهم

[ 3253 ] قوله لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة قال القرطبي في هذا الحصر نظر إلا أنه يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك وفيه بعد ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيدا بالمهد وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد لكنه يعكر عليه أن في رواية بن قتيبة أن الصبي الذي طرحته أمه في الأخدود كان بن سبعة أشهر وصرح بالمهد في حديث أبي هريرة وفيه تعقب على النووي في قوله أن صاحب الأخدود لم يكن في المهد والسبب في قوله هذا ما وقع في حديث بن عباس عند أحمد والبزار وابن حبان والحاكم لم يتكلم في المهد إلا أربعة فلم يذكر الثالث الذي هنا وذكر شاهد يوسف والصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار اصبري يا أمة فأنا على الحق وأخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة فيجتمع من هذا خمسة ووقع ذكر شاهد يوسف أيضا في حديث عمران بن حصين لكنه موقوف وروى بن أبي شيبة من مرسل هلال بن يساف مثل حديث بن عباس إلا أنه لم يذكر بن الماشطة وفي صحيح مسلم من حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود أن امرأة جىء بها لتلقى في النار أو لتكفر ومعها صبي يرضع فتقاعست فقال لها يا أمه اصبري فإنك على الحق وزعم الضحاك في تفسيره أن يحيى تكلم في المهد أخرجه الثعلبي فإن ثبت صاروا سبعة وذكر البغوي في تفسيره أن إبراهيم الخليل تكلم في المهد وفي سير الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم أوائل ما ولد وقد تكلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مبارك اليمامة وقصته في دلائل النبوة للبيهقي من حديث معرض بالضاد المعجمة والله أعلم على أنه اختلف في شاهد يوسف فقيل كان صغيرا وهذا أخرجه بن أبي حاتم عن بن عباس وسنده ضعيف وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وأخرج عن بن عباس أيضا ومجاهد أنه كان ذا لحية وعن قتادة والحسن أيضا كان حكيما من أهلها قوله وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج يجيمين مصغر وقد روى حديثه عن أبي هريرة محمد بن سيرين كما هنا وتقدم في المظالم من طريقه بهذا الإسناد والأعرج كما تقدم في أواخر الصلاة وأبو رافع وهو عند مسلم وأحمد وأبو سلمة وهو عند أحمد ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة وعمران بن حصين وسأذكر ما في رواية كل منهم من الفائدة وأول حديث أبي سلمة كان رجل في بني إسرائيل تاجرا وكان ينقص مرة ويزيد أخرى فقال ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارة هي خير من هذه فبنى صومعة وترهب فيها وكان يقال له جريج فذكر الحديث ودل ذلك على أنه كان بعد عيسى بن مريم وأنه كان من أتباعه لأنهم الذين ابتدعوا الترهب وحبس النفس في الصوامع والصومعة بفتح المهملة وسكون الواو هي البناء المرتفع المحدد أعلاه ووزنها فوعلة من صمعت إذا دققت لأنها دقيقة الرأس قوله جاءته أمه في رواية الكشميهني فجاءته أمه وفي رواية أبي رافع كان جريج يتعبد في صومعته فأتته أمه ولم أقف في شيء من الطرق على اسمها وفي حديث عمران بن حصين وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يوما وهو في صلاته وفي رواية أبي رافع عند أحمد فأتته أمه ذات يوم فنادته قالت أي جريج أشرف علي أكلمك أنا أمك قوله فدعته فقال أجيبها أو أصلي زاد المصنف في المظالم بالإسناد الذي ذكره هنا فأبى أن يجيبها ومعنى قوله أمي وصلاتي أي اجتمع علي إجابة أمي وإتمام صلاتي فوفقني لافضلهما وفي رواية أبي رافع فصادفته يصلي فوضعت يدها على حاجبها فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فاختار صلاته فرجعت ثم أتته فصادفته يصلي فقالت يا جريج أنا أمك فكلمني فقال مثله فذكره وفي حديث عمران بن حصين أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات وفي رواية الأعرج عند الإسماعيلي فقال أمي وصلاتي لربي أوثر صلاتي على أمي ذكره ثلاثا وكل ذلك محمول على أنه قاله في نفسه لا أنه نطق به ويحتمل أن يكون نطق به على ظاهره لأن الكلام كان مباحا عندهم وكذلك كان في صدر الإسلام وقد قدمت في أواخر الصلاة ذكر حديث يزيد بن حوشب عن أبيه رفعه لو كان جريج عالما لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته قوله فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وفي رواية الأعرج حتى بنظر في وجوه المياميس ومثله في رواية أبي سلمة وفي رواية أبي رافع حتى تريه المومسة بالإفراد وفي حديث عمران بن حصين فغضبت فقالت اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات والمومسات جمع مومسة بضم الميم وسكون الواو وكسر الميم بعدها مهملة وهي الزانية وتجمع على مواميس بالواو وجمع في الطريق المذكورة بالتحتانية وأنكره بن الخشاب أيضا ووجهه غيره كما تقدم في أواخر الصلاة وجوز صاحب المطالع فيه الهمزة بدل الياء بل أثبتها رواية ووقع في رواية الأعرج فقالت أبيت أن تطلع إلي وجهك لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة قوله فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها وفي رواية وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عند أحمد فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج فقالت بغى منهم إن شئتم لأفتنته قالوا قد شئنا فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج ولم أقف على اسم هذه المرأة لكن في حديث عمران بن حصين أنها كانت بنت ملك القرية وفي رواية الأعرج وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم ونحوه في رواية أبي رافع عند أحمد وفي رواية أبي سلمة وكان عند صومعته راعي ضأن وراعية معزى ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأنها خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرة وكانت تعمل الفساد إلى أن ادعت أنها تستطيع أن تفتن جريحا فاحتالت بأن خرجت في صورة راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته قوله فولدت غلاما فيه حذف تقديره فحملت حتى انقضت أيامها فولدت وكذا قوله فقالت من جريج فيه حذف تقديره فسئلت ممن هذا فقالت من جريج وفي رواية أبي رافع التصريح بذلك ولفظه فقيل لها ممن هذا فقالت هو من صاحب الدير وزاد في رواية أحمد فأخذت وكان من زنى منهم قتل فقيل لها ممن هذا قالت هو من صاحب الصومعة زاد الأعرج نزل إلى من صومعته وفي رواية الأعرج فقيل لها من صاحبك قالت جريج الراهب نزل إلي فأصابني زاد أبو سلمة في روايته فذهبوا إلى الملك فأخبروه قال أدركوه فأتوني به قوله فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وفي رواية أبي رافع فأقبلوا بفئوسهم ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأقبلوا يهدمون ديره وفي حديث عمران فما شعر حتى سمع بالفئوس في أصل صومعته فجعل يسألهم ويلكم مالكم فلم يجيبوه فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى قوله وسبوه زاد أحمد عن وهب بن جرير وضربوه فقال ما شأنكم قالوا انك زنيت بهذه وفي رواية أبي رافع عنده فقالوا أي جريج انزل فأبى يقبل على صلاته فأخذوا في هدم صومعته فلما رأى ذلك نزل فجعلوا في عنقه وعنقها حبلا وجعلوا يطوفون بهما في الناس وفي رواية أبي سلمة فقال له الملك ويحك يا جريج كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه اذهبوا به فاصلبوه وفي حديث عمران فجعلوا يضربونه ويقولون مراء تخادع الناس بعملك وفي رواية الأعرج فلما مروا به نحو بيت الزواني خرجن ينظرن فتبسم فقالوا لم يضحك حتى مر بالزواني قوله فتوضأ وصلى وفي رواية وهب بن جرير فقام وصلى ودعا وفي حديث عمران قال فتولوا عني فتولوا عنه فصلى ركعتين قوله ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام فقال الراعي زاد في رواية وهب بن جرير فطعنه بإصبعه فقال بالله يا غلام من أبوك فقال أنا بن الراعي وفي مرسل الحسن عند بن المبارك في البر والصلة أنه سألهم أن ينظروه فأنظروه فرأى في المنام من أمره أن يطعن في بطن المرأة فيقول أيتها السخلة من أبوك ففعل فقال راعي الغنم وفي رواية أبي رافع ثم مسح رأس الصبي فقال من أبوك قال راعي الضأن وفي روايته عند أحمد فوضع أصبعه على بطنها وفي رواية أبي سلمة فأتى بالمرأة والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج يا غلام من أبوك فنزع الغلام فاه من الثدي وقال أبي راعي الضأن وفي رواية الأعرج فلما أدخل على ملكهم قال جريج أين الصبي الذي ولدته فأتى به فقال من أبوك قال فلان سمي أباه قلت ولم أقف على اسم الراعي ويقال إن اسمه صهيب وأما الابن فتقدم في أواخر الصلاة بلفظ فقال يا أبا بوس وتقدم شرحه أواخر الصلاة وأنه ليس اسمه كما زعم الداودي وإنما المراد به الصغير وفي حديث عمران ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصنا ثم أتى الغلام وهو في مهده فضربه بذلك الغصن فقال من أبوك ووقع في التنبيه لأبي الليث السمرقندي بغير إسناد أنه قال للمرأة أين أصبتك قالت تحت شجرة فأتى تلك الشجرة فقال يا شجرة أسألك بالذي خلقك من زنى بهذه المرأة فقال كل غصن منها راعي الغنم ويجمع بين هذا الاختلاف بوقوع جميع ما ذكر بأنه مسح رأس الصبي ووضع إصبعه على بطن أمه وطعنه بإصبعه وضربه بطرف العصا التي كانت معه وأبعد من جمع بينها بتعدد القصة وأنه استنطقه وهو في بطنها مرة قبل أن تلد ثم استنطقه بعد أن ولد زاد في رواية وهب بن جرير فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه وزاد الأعرج في روايته فأبرأ الله جريجا وأعظم الناس أمر جريج وفي رواية أبي سلمة فسبح الناس وعجبوا قوله قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين وفي رواية وهب بن جرير ابنوها من طين كما كانت وفي رواية أبي رافع فقالوا نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن أعيدوه كما كان ففعلوا وفي نقل أبي الليث فقال له الملك نبنيها من ذهب قال لا قال من فضة قال لا إلا من طين زاد في رواية أبي سلمة فردوها فرجع في صومعته فقالوا له بالله مم ضحكت فقال ما ضحكت إلا من دعوة دعتها على أمي وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع لأن الإستمرار فيها نافلة وإجابة الأم وبرها واجب قال النووي وغيره إنما دعت عليه فاجيبت لأنه كان يمكنه أن يخفف ويجيبها لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا وتعلقاتها كذا قال النووي وفيه نظر لما تقدم من أنها كانت تأتيه فيكلمها والظاهر أنها كانت تشتاق إليه فتزوره وتقتنع برؤيته وتكليمه وكأنه إنما لم يخفف ثم يجيبها لأنه خشي أن ينقطع خشوعه وقد تقدم في أواخر الصلاة من حديث يزيد بن حوشب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه أخرجه الحسن بن سفيان وهذا إذا حمل على إطلاقه استفيد منه جواز قطع الصلاة مطلقا لإجابة نداء الأم نفلا كانت أو فرضا وهو وجه في مذهب الشافعي حكاه الروياني وقال النووي تبعا لغيره هذا محمول على أنه كان مباحا في شرعهم وفيه نظر قدمته في أواخر الصلاة والأصح عند الشافعية أن الصلاة إن كانت نفلا وعلم تأذى الوالد بالترك وجبت الإجابة وإلا فلا وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة وإن لم يضق وجب عند إمام الحرمين وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع وعند المالكية أن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها وحكى القاضي أبو الوليد أن ذلك يختص بالأم دون الأب وعند بن أبي شيبة من مرسل محمد بن المنكدر ما يشهد له وقال به مكحول وقيل إنه لم يقل به من السلف غيره وفي الحديث أيضا عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذورا لم يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد وفيه الرفق بالتابع إذا جرى منه ما يقتضي التأديب لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة ولولا طلبها الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو الفتل وفيه أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن وفيه قوة يقين جريج المذكور وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه وفيه أن الأمرين إذا تعارضا بدئ بأهمهما وأن الله يجعل لأوليائه عند ابتلائهم مخارج وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا وزيادة لهم في الثواب وفيه اثبات كرامات الأولياء ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم وقال بن بطال يحتمل أن يكون جريج كان نبيا فتكون معجزة كذا قال وهذا الإحتمال لا يتأتى في حق المرأة التي كلمها ولدها المرضع كما في بقية الحديث وفيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه قوة على ذلك واستدل به بعضهم على أن بني إسرائيل كان من شرعهم أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطء ويلحق به الولد وأنه لا ينفعه جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة وأن المفزع في الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة واستدل بعض المالكية بقول جريج من أبوك يا غلام بأن من زنى بامرأة فولدت بنتا لا يحل له التزوج بتلك البنت خلافا للشافعية ولان الماجشون من المالكية ووجه الدلالة أن جريجا نسب بن الزنا للزاني وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق المولود بشهادته له بذلك وقوله أبي فلان الراعي فكانت تلك النسبة صحيحة فيلزم أن يجري بينهما أحكام الأبوة والبنوة خرج التوارث والولاء بدليل فبقي ما عدا ذلك على حكمة وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافا لمن زعم ذلك وإنما الذي يختص بها الغرة والتحجيل في الآخرة وقد تقدم في قصة إبراهيم أيضا مثل ذلك في خبر سارة مع الجبار والله أعلم قوله وكانت امرأة بالرفع ولم أقف على اسمها ولا على اسم ابنها ولا على اسم أحد ممن ذكر في القصة المذكورة قوله إذ مر بها راكب وفي رواية خلاس عن أبي هريرة عند أحمد فارس متكبر قوله ذو شارة بالشين المعجمة أي صاحب حسن وقيل صاحب هيئة ومنظر وملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه وفي رواية خلاس ذو شارة حسنة قوله قال أبو هريرة كأني أنظر هو موصول بالإسناد المذكور وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل قوله ثم مر بضم الميم على البناء للمجهول قوله بأمة زاد أحمد عن وهب بن جرير تضرب وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة الآتية في ذكر بني إسرائيل تجرر ويلعب بها وهي بجيم مفتوحة بعدها راء ثقيلة ثم راء أخرى قوله فقالت له ذلك أي سألت الأم ابنها عن سبب كلامه قوله قال الراكب جبار في رواية أحمد فقال يا أمتاه أما الراكب ذو الشارة فجبار من الجبابرة وفي رواية الأعرج فإنه كافر قوله يقولون سرقت زنيت بكسر المثناة فيهما على المخاطبة وبسكونها على الخبر قوله ولم تفعل في رواية أحمد يقولون سرقت ولم تسرق زنيت ولم تزن وهي تقول حسبي الله وفي رواية الأعرج يقولون لها تزني وتقول حسبي الله ويقولون لها تسرق وتقول حسبي الله ووقع في رواية خلاس المذكورة أنها كانت حبشية أو زنجية وأنها ماتت فجروها حتى ألقوها وهذا معنى قوله في رواية الأعرج تجرر وفي الحديث أن نفوس أهل الدنيا تقف مع الخيال الظاهر فتخاف سوء الحال بخلاف أهل التحقيق فوقوفهم مع الحقيقة الباطنة فلا يبالون بذلك مع حسن السريرة كما قال تعالى حكاية عن أصحاب قارون حيث خرج عليهم يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير وفيه أن البشر طبعوا على إيثار الأولاد على الأنفس بالخير لطلب المرأة الخير لابنها ودفع الشر عنه ولم تذكر نفسها الحديث الثاني حديث أبي هريرة في ذكر موسى وعيسى وقد تقدم في قصة موسى من هذا الوجه لكن زاد هنا إسنادا آخر فقال حدثنا محمود وهو بن غيلان عن عبد الرزاق وساقه على لفظه وكان ساقه هناك على لفظ هشام بن يوسف وقوله في هذه الرواية فإذا رجل حسبته قال مضطرب القائل حسبته هو عبد الرزاق والمضطرب الطويل غير الشديد وقيل الخفيف اللحم وتقدم في رواية هشام بلفظ ضرب وفسر بالنحيف ولا منافاة بينهما وقال بن التين هذا الوصف مغاير لقوله بعد هذا أنه جسيم يعني في الرواية التي بعد هذه وقال والذي وقع نعته بأنه جسيم إنما هو الدجال وقال عياض رواية من قال ضرب أصح من رواية من قال مضطرب لما فيها من الشك قال وقد وقع في الرواية الأخرى جسيم وهو ضد الضرب الا أن يراد بالجسيم الزيادة في الطول وقال التيمي لعل بعض لفظ هذا الحديث دخل في بعض لأن الجسيم إنما ورد في صفة الدجال لا في صفة موسى انتهى والذي يتعين المصير إليه ما جوزه عياض أن المراد بالجسيم في صفة موسى الزيادة في الطول ويؤيده قوله في الرواية التي بعد هذه كأنه من رجال الزط وهم طوال غير غلاظ ووقع في حديث الإسراء وهو في بدء الخلق رأيت موسى جعدا طوالا واستنكره الداودي فقال لا أراه محفوظا لأن الطويل لا يوصف بالجعد وتعقب بأنهما لا يتنافيان وقال النووي الجعودة في صفة موسى جعودة الجسم وهو اكتنازه واجتماعه لا جعودة الشعر لأنه جاء أنه كان رجل الشعر

[ 3254 ] قوله في صفة عيسى ربعة هو بفتح الراء وسكون الموحدة ويجوز فتحها وهو المربوع والمراد أنه ليس بطويل جدا ولا قصير جدا بل وسط وقوله من ديماس هو بكسر المهملة وسكون التحتانية وآخره مهملة قوله يعني الحمام هو تفسير عبد الرزاق ولم يقع ذلك في رواية هشام والديماس في اللغة السرب ويطلق أيضا على الكن والحمام من جملة الكن والمراد من ذلك وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى كأنه كان في موضع كن فخرج منه وهو عرقان وسيأتي في رواية بن عمر بعد هذا ينطف رأسه ماء وهو محتمل لأن يراد الحقيقة وأنه عرق حتى قطر الماء من رأسه ويحتمل أن يكون كناية عن مزيد نضارة وجهه ويؤيده أن في رواية عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود يقطر رأسه ماء وأن لم يصبه بلل قوله وأتيت بإناءين يأتي الكلام عليه في الكلام على الإسراء في السيرة النبوية إن شاء الله تعالى الحديث الثالث

[ 3255 ] قوله أخبرنا عثمان بن المغيرة هو الثقفي مولاهم الكوفي ويقال له عثمان بن أبي زرعة وهو ثقة من صغار التابعين وليس له في البخاري غير هذا الحديث الواحد قوله عن بن عمر كذا وقع في جميع الروايات التي وقعت لنا من نسخ البخاري وقد تعقبه أبو ذر في روايته فقال كذا وقع في جميع الروايات المسموعة عن الفربري مجاهد عن بن عمر قال ولا أدري أهكذا حدث به البخاري أو غلط فيه الفربري لأني رأيته في جميع الطرق عن محمد بن كثير وغيره عن مجاهد عن بن عباس ثم ساقه بإسناده إلى حنبل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن كثير وقال فيه بن عباس قال وكذا رواه عثمان بن سعيد الدارمي عن محمد بن كثير قال وتابعه نصر بن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل وكذا رواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن إسرائيل انتهى وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عن أحمد بن مسلم الخزاعي عن محمد بن كثير وقال رواه البخاري عن محمد بن كثير فقال مجاهد عن بن عمر ثم ساقه من طريق نصر بن علي عن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل فقال بن عباس انتهى وأخرجه بن منده في كتاب الإيمان من طريق محمد بن أيوب بن الضريس وموسى بن سعيد الدنداني كلاهما عن محمد بن كثير فقال فيه بن عباس ثم قال قال البخاري عن محمد بن كثير عن بن عمر والصواب عن بن عباس وقال أبو مسعود في الأطراف إنما رواه الناس عن محمد بن كثير فقال مجاهد عن بن عباس ووقع في البخاري في سائر النسخ مجاهد عن بن عمر وهو غلط قال وقد رواه أصحاب إسرائيل منهم يحيى بن أبي زائدة وإسحاق بن منصور والنضر بن شميل وآدم بن أبي إياس وغيرهم عن إسرائيل فقالوا بن عباس قال وكذلك رواه بن عون عن مجاهد عن بن عباس انتهى ورواية بن عون تقدمت في ترجمة إبراهيم عليه السلام ولكن لا ذكر لعيسى عليه السلام فيها وأخرجها مسلم عن شيخ البخاري فيها وليس فيها لعيسى ذكر إنما فيها ذكر إبراهيم وموسى حسب وقال محمد بن إسماعيل التيمي ويقع في خاطري أن الوهم فيه من غير البخاري فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق نصر بن علي عن أبي أحمد وقال فيه عن بن عباس ولم ينبه على أن البخاري قال فيه عن بن عمر فلو كان وقع له كذلك لنبه عليه كعادته والذي يرجح أن الحديث لابن عباس لا لابن عمر ما سيأتي من إنكار بن عمر على من قال أن عيسى أحمر وحلفه على ذلك وفي رواية مجاهد هذه فأما عيسى فأحمر جعد فهذا يؤيد أن الحديث لمجاهد عن بن عباس لا عن بن عمر والله أعلم قوله سبط بفتح المهملة وكسر الموحدة أي ليس بجعد وهذا نعت لشعر رأسه قوله كأنه من رجال الزط بضم الزاي وتشديد المهملة جنس من السودان وقيل هم نوع من الهنود وهم طوال الأجسام مع نحافة فيها وقد زعم بن التين أن قوله في صفة موسى جسيم مخالف لقوله في الرواية الأخرى في ترجمته ضرب من الرجال أي خفيف اللحم قال فلعل راوي الحديث دخل له بعض لفظه في بعض لأن الجسيم ورد في صفة الدجال وأجيب بأنه لا مانع أن يكون مع كونه خفيف اللحم جسيما بالنسبة لطوله فلو كان غير طويل لاجتمع لحمه وكان جسيما الحديث الرابع حديث بن عمر في ذكر عيسى والدجال أورده من طريق نافع عنه من وجهين موصولة ومعلقة ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه

[ 3256 ] قوله حدثنا موسى هو بن عقبة قوله بين ظهراني بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء بلفظ التثنية أي جالسا في وسط الناس والمراد أنه جلس بينهم مستظهرا لا مستخفيا وزيدت فيه الألف والنون تأكيدا أو معناه أن ظهرا منه قدامة وظهرا خلفه وكأنهم حفوا به من جانبيه فهذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين قوم مطلقا ولهذا زعم بعضهم أن لفظة ظهراني في هذا الموضع زائدة قوله إلا أن المسيح الدجال أعور العين اليمني كأنه عينه عنبة طافية أي بارزة وهو من طفا الشيء يطفا بغير همز إذا علا على غيره وشبهها بالعنبة التي تقع في العنقود بارزة عن نظائرها وسيأتي بسط ذلك في كتاب الفتن قوله وأراني بفتح الهمزة ذكر بلفظ المضارع مبالغة في استحضار صورة الحال قوله آدم بالمد أي أسمر قوله كأحسن ما يرى في رواية مالك عن نافع الآتية في كتاب اللباس كأحسن ما أنت راء قوله تضرب لمته بكسر اللام أي شعر رأسه ويقال له إذا جاوز شحمة الأذنين وألم بالمنكبين لمة وإذا جاوزت المنكبين فهي جمة وإذا قصرت عنهما فهي وفرة قوله رجل الشعر بكسر الجيم أي قد سرحه ودهنه وفي رواية مالك له لمة قد رجلها فهي تقطر ماء وقد تقدم أنه يحتمل أن يريد أنها تقطر من الماء الذي سرحها به أو أن المراد الاستنارة وكنى بذلك عن مزيد النظافة والنضارة ووقع في رواية سالم الآتية في نعت عيسى أنه آدم سبط الشعر وفي الحديث الذي قبله في نعت عيسى أنه جعد والجعد ضد السبط فيمكن أن يجمع بينهما بأنه سبط الشعر ووصفه لجعودة في جسمه لا شعره والمراد بذلك اجتماعه واكتنازه وهذا الاختلاف نظير الاختلاف في كونه آدم أو أحمر والأحمر عند العرب الشديد البياض مع الحمرة والآدم الأسمر ويمكن الجمع بين الوصفين بأنه أحمر لونه بسبب كالتعب وهو في الأصل أسمر وقد وافق أبو هريرة على أن عيسى أحمر فظهر أن بن عمر أنكر شيئا حفظه غيره وأما قول الداودي أن رواية من قال آدم أثبت فلا أدري من أين وقع له ذلك مع اتفاق أبي هريرة وابن عباس على مخالفة بن عمر وقد وقع في رواية عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة في نعت عيسى إنه مربوع إلى الحمرة والبياض والله أعلم قوله واضعا يده على منكبي رجلين لم أقف على اسمهما وفي رواية مالك متكئا على عواتق رجلين والعواتق جمع عاتق وهو ما بين المنكب والعنق قوله قططا بفتح القاف والمهملة بعدها مثلها هذا هو المشهور وقد تكسر الطاء الأولى والمراد به شدة جعودة الشعر ويطلق في وصف الرجل ويراد به الذم يقال جعد اليدين وجعد الأصابع أي بخيل ويطلق على القصير أيضا وأما إذا أطلق في الشعر فيحتمل الذم والمدح قوله كأشبه من رأيت بابن قطن بفتح القاف والمهملة يأتي في الطريق التي تلي هذه قوله تابعه عبيد الله يعني بن عمر العمري عن نافع أي عن بن عمر وروايته وصلها أحمد ومسلم من طريق أبي أسامة ومحمد بن بشر جميعا عن عبد الله بن عمر في ذكر المسيح الدجال فقط إلى قوله عنبة طافية ولم يذكر ما بعده وهذا يشعر بأنه يطلق المتابعة ويريد أصل الحديث لا جميع ما اشتمل عليه

[ 3257 ] قوله حدثنا أحمد بن محمد المكي هو الأزرقي واسم جده الوليد بن عقبة ووهم من قال أنه القواس واسم جد القواس عون قوله عن سالم هو بن عبد الله بن عمر قوله لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر اللام في قوله لعيسى بمعنى عن وهي كقوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وقد تقدم بيان الجمع بين ما أنكره بن عمر وأثبته غيره وفيه جواز اليمين على غلبة الظن لأن بن عمر ظن أن الوصف اشتبه على الراوي وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجال لا عيسى وقرب ذلك أن كلا منهما يقال له المسيح وهي صفة مدح لعيسى وصفة ذم للدجال كما تقدم وكأن بن عمر قد سمع سماعا جزما في وصف عيسى أنه آدم فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أن من وصفه بأنه أحمر واهم بينا أنا نائم أطوف بالكعبة هذا يدل على أن رؤيته للأنبياء في هذه المرة غير المرة التي تقدمت في حديث أبي هريرة فإن تلك كانت ليلة الإسراء وإن كان قد قيل في الإسراء إن جميعه منام لكن الصحيح أنه كان في اليقظة وقيل كان مرتين أو مرارا كما سيأتي في مكانه ومثله ما أخرجه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه ليلة أسري بي وضعت قدمي حيث يضع الأنبياء أقدامهم من بيت المقدس فعرض على عيسى بن مريم الحديث قال عياض رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء على ما ذكر في هذه الأحاديث إن كان مناما فلا إشكال فيه وإن كان في اليقظة ففيه إشكال وقد تقدم في الحج ويأتي في اللباس من رواية بن عون عن مجاهد عن بن عباس في حديث الباب من الزيادة وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي وهذا مما يزيد الإشكال وقد قيل عن ذلك أجوبة أحدها أن الأنبياء أفضل من الشهداء والشهداء أحياء عند ربهم فكذلك الأنبياء فلا يبعد أن يصلوا ويحجوا ويتقربوا إلى الله بما استطاعوا ما دامت الدنيا وهي دار تكليف باقية ثانيها أنه صلى الله عليه وسلم أرى حالهم التي كانوا في حياتهم عليها فمثلوا له كيف كانوا وكيف كان حجهم وتلبيتهم ولهذا قال أيضا في رواية أبي العالية عن بن عباس عند مسلم كأني أنظر إلى موسى وكأني أنظر إلى يونس وثالثها أن يكون أخبر عما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم فلهذا أدخل حرف التشبيه في الرواية وحيث أطلقها فهي محمولة على ذلك والله أعلم وقد جمع البيهقي كتابا لطيفا في حياة الأنبياء في قبورهم أورد فيه حديث أنس الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون أخرجه من طريق يحيى بن أبي كثير وهو من رجال الصحيح عن المستلم بن سعيد وقد وثقه أحمد وابن حبان عن الحجاج الأسود وهو بن أبي زياد البصري وقد وثقه أحمد وابن معين عن ثابت عنه وأخرجه أيضا أبو يعلى في مسنده من هذا الوجه وأخرجه البزار لكن وقع عنده عن حجاج الصواف وهو وهم والصواب الحجاج الأسود كما وقع التصريح به في رواية البيهقي وصححه البيهقي وأخرجه أيضا من طريق الحسن بن قتيبة عن المستلم وكذلك أخرجه البزار وابن عدي والحسن بن قتيبة ضعيف وأخرجه البيهقي أيضا من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد فقهاء الكوفة عن ثابت بلفظ آخر قال أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور ومحمد سيء الحفظ وذكر الغزالي ثم الرافعي حديثا مرفوعا أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث ولا أصلي له إلا أن أخذ من رواية بن أبي ليلى هذه وليس الأخذ بجيد لأن رواية بن أبي ليلى قابلة للتأويل قال البيهقي أن صح فالمراد أنهم لا يتركون يصلون إلا هذا المقدار ثم يكونون مصلين بين يدي الله قال البيهقي وشاهد الحديث الأول ما ثبت في صحيح مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رفعه مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره وأخرجه أيضا من وجه آخر عن أنس فإن قيل هذا خاص بموسى قلنا قد وجدنا له شاهدا من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضا من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي الحديث وفيه وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه وفيه وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم فحانت الصلاة فأممتهم قال البيهقي وفي حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه لقيهم ببيت المقدس فحضرت الصلاة فأمهم نبينا صلى الله عليه وسلم ثم اجتمعوا في بيت المقدس وفي حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة في قصة الإسراء أنه لقيهم بالسماوات وطرق ذلك صحيحة فيحمل على أنه رأى موسى قائما يصلي في قبره ثم عرج به هو ومن ذكر من الأنبياء إلى السماوات فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم اجتمعوا في بيت المقدس فحضرت الصلاة فأمهم نبينا صلى الله عليه وسلم قال وصلاتهم في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة لا يرده العقل وقد ثبت به النقل فدل ذلك على حياتهم قلت وإذا ثبت أنهم أحياء من حيث النقل فإنه يقويه من حيث النظر كون الشهداء أحياء بنص القرآن والأنبياء أفضل من الشهداء ومن شواهد الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه وقال فيه وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم سنده صحيح وأخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب بسند جيد بلفظ من صلى على عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته وعند أبي داود والنسائي وصححه بن خزيمة وغيره عن أوس بن أوس رفعه في فضل يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ومما يشكل على ما تقدم ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ورواته ثقات ووجه الإشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه وهو الموت وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة أحدها أن المراد بقوله رد الله علي روحي أن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد الثاني سلمنا لكن ليس هو نزع موت بل لا مشقة فيه الثالث أن المراد بالروح الملك الموكل بذلك الرابع المراد بالروح النطق فتجوز فيه من جهة خطابنا بما نفهمه الخامس أنه يستغرق في أمور الملأ الأعلى فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه ليجيب من سلم عليه وقد استشكل ذلك من جهة أخرى وهو أنه يستلزم استغراق الزمن كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصي كثرة وأجيب بأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة والله أعلم قوله سبط الشعر تقدم ما فيه قوله يهادي أي يمشي متمايلا بينهما قوله ينطف بكسر الطاء المهملة أي يقطر ومنه النطفة كذا قال الداودي وقال غيره النطفة الماء الصافي وقوله أو يهراق وهو شك من الراوي قوله أعور عينه اليمنى كذا هو بالإضافة وعينه بالجر للأكثر وهو من إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عند الكوفيين وتقديره عند البصريين عين صفحة وجهه اليمني ورواه الأصيلي عينه بالرفع كأنه وقف على وصفه إنه أعور وابتدأ الخبر عن صفة عينه فقال عينه كأنها كذا وأبرز الضمير وفيه نظر لأنه بصير كأنه قال عينه كأن عينه ويحتمل أن يكون رفع على البدل من الضمير في أعور الراجع على الموصوف وهو بدل بعض من كل وقال السهيلي لا يجوز أن يرتفع بالصفة كما ترفع الصفة المشبهة باسم الفاعل لأن أعور لا يكون نعتا إلا لمذكر ويجوز أن تكون عينه مرتفعة بالابتداء وما بعدها الخبر وقوله كأن عنبة طافية بالنصب على اسم كأن والخبر مقدر محذوف تقديره كأن في وجهه وشاهده قول الشاعر أن محلا وأن مرتحلا أي أن لنا محلا وأن لنا مرتحلا قوله كأن عنبة طافية كذا للكشمهيني ولغيره كأن عينه عنبة طافية وقد تقدم ضبطه قبل قوله وأقرب الناس به شبها بن قطن قال الزهري أي بالإسناد المذكور رجل أي بن قطن من خزاعة هلك في الجاهلية قلت اسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو بن جندب بن سعيد بن عائد بن مالك بن المصطلق وأمه هالة بنت خويلد أفاده الدمياطي قال وقال ذلك أيضا عن أكثم بن أبي الجون وأنه قال يا رسول الله هل يضرني شبهة قال لا أنت مسلم وهو كافر حكاه عن بن سعد والمعروف في الذي شبة به صلى الله عليه وسلم أكثم بن عمرو بن لحي جد خزاعة لا الدجال كذلك أخرجه أحمد وغيره وفيه دلالة على أن قوله صلى الله عليه وسلم أن الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة أي في زمن خروجه ولم يرد بذلك نفي دخوله في الزمن الماضي والله أعلم الحديث الخامس حديث أبي هريرة في ذكر عيسى بن مريم أورده من ثلاثة طرق طريقين موصولين وطريقة معلقة

[ 3258 ] قوله أنا أولى الناس بابن مريم في رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة أي أخص الناس به وأقربهم إليه لأنه بشر بأنه يأتي من بعده قال الكرماني التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله تعالى ان أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهذا النبي أن الحديث وارد في كونه صلى الله عليه وسلم متبوعا والآية واردة في كونه تابعا كذا قال ومساق الحديث كمساق الآية فلا دليل على هذه التفرقة والحق أنه لا منافاة ليحتاج إلى الجمع فكما أنه أولى الناس بإبراهيم كذلك هو أولى الناس بعيسى ذاك من جهة قوة الافتداء به وهذا من جهة قوة قرب العهد به قوله والأنبياء أولاد علات في رواية عبد الرحمن المذكورة والأنبياء إخوة لعلات والعلات بفتح المهملة الضرائر وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عل منها والعلل الشرب بعد الشرب وأولاد العلات الأخوة من الأب وأمهاتهم شتى وقد بينه في رواية عبد الرحمن فقال وأمهاتهم شتى ودينهم واحد وهو من باب التفسير كقوله تعالى ان الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وأن اختلفت فروع الشرائع وقيل المراد أن أزمنتهم مختلفة قوله ليس بيني وبينه نبي هذا أورده كالشاهد لقوله إنه أقرب الناس إليه ووقع في رواية عبد الرحمن بن آدم وأنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي واستدل به على أنه لم يبعث بعد عيسى أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم وفيه نظر لأنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين وكانا بعد عيسى والجواب أن هذا الحديث يضعف ما ورد من ذلك فإنه صحيح بلا تردد وفي غيره مقال أو المراد أنه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة وإنما بعث بعده من بعث بتقرير شريعة عيسى وقصة خالد بن سنان أخرجها الحاكم في المستدرك من حديث بن عباس ولها طرق جمعتها في ترجمته في كتابي في الصحابة الحديث السادس حديث أبي هريرة رأى عيسى رجلا يسرق الحديث أورده من طريقين موصولة ومعلقة

[ 3259 ] قوله وقال إبراهيم بن طهمان الخ وصله النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم وأحمد من شيوخ البخاري

[ 3260 ] قوله كلا والذي لا إله إلا الله في رواية الكشميهني إلا هو وفي رواية بن طهمان عند النسائي فقال لا والذي لا إله إلا هو قوله وكذبت عيني بالتشديد على التثنية ولبعضهم بالافراد وفي رواية المستملى كذبت بالتخفيف وفتح الموحدة وعيني بالافراد في محل رفع ووقع في رواية مسلم وكذبت نفسي وفي رواية بن طهمان وكذبت بصري قال بن التين قال عيسى ذلك على المبالغة في تصديق الحالف وأما قوله وكذبت عيني فلم يرد حقيقة التكذيب وإنما أراد كذبت عيني في غير هذا قاله بن الجوزي وفيه بعد وقيل إنه أراد بالتصديق والتكذيب ظاهر الحكم لا باطن الأمر وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف يكذب عينه ويصدق قول المدعي ويحتمل أن يكون رآه مد يده إلى الشيء فظن أنه تناوله فلما حلف له رجع عن ظنه وقال القرطبي ظاهر قول عيسى للرجل سرقت أنه خبر جازم عما فعل الرجل من السرقة لكونه رآه أخذ ما لا من حرز في خفية وقول الرجل كلا نفي لذلك ثم أكده باليمين وقول عيسى آمنت بالله وكذبت عيني أي صدقت من حلف بالله وكذبت ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقة فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ماله فيه حق أو ما أذن له صاحبه في أخذه أو أخذه ليقلبه وينظر فيه ولم يقصد الغصب والإستيلاء قال ويحتمل أن يكون عيسى كان غير جازم بذلك وإنما أراد استفهامه بقوله سرقت وتكون أداة الاستفهام محذوفة وهو سائغ كثير انتهى واحتمال الاستفهام بعيد مع جزمه صلى الله عليه وسلم بأن عيسى رأى رجلا يسرق واحتمال كونه يحل له الأخذ بعيد أيضا بهذا الجزم بعينه والأول مأخوذ من كلام القاضي عياض وقد تعقبه بن القيم في كتابه اغاثة اللهفان فقال هذا تأويل متكلف والحق أن الله كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كذبا فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره فرد التهمة إلى بصره كما ظن آدم صدق إبليس لما حلف له أنه له ناصح قلت وليس بدون تأويل القاضي في التكلف والتشبيه غير مطابق والله أعلم واستدل به على درء الحد بالشبهة وعلى منع القضاء بالعلم والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقا وعند الشافعية جوازه إلا في الحدود وهذه الصورة من ذلك وسيأتي بسطه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى الحديث السابع حديث بن عباس عن عمر هو من رواية الصحابي عن الصحابي

[ 3261 ] قوله لا تطروني بضم أوله والإطراء المدح بالباطل تقول أطريت فلانا مدحته فأفرطت في مدحه قوله كما أطرت النصارى بن مريم أي في دعواهم فيه الإلهية وغير ذلك وهذا الحديث طرف من حديث السقيفة وقد ساقه المصنف مطولا في كتاب المحاربين وذكر منه قطعا متفرقة فيما مضى ويأتي التنبيه عليها في مكانها الحديث الثامن

[ 3262 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله إن رجلا من أهل خراسان قال للشعبي فقال الشعبي حذف السؤال وقد بينه في رواية حبان بن موسى عن بن المبارك فقال أن رجلا من أهل خراسان قال للشعبي إنا نقول عندنا إن الرجل إذا أعتق أم ولده ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته فقال الشعبي فذكره أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عنه قوله إذا أدب الرجل أمته يأتي الكلام عليه في النكاح قوله وإذا آمن الرجل بعيسى ثم آمن بي فله أجران تقدم مباحث ذلك في كتاب العلم مستوفاة وفيه إشارة إلى أنه لم يكن بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي وقد تقدم البحث في ذلك قوله والعبد إذا اتقى ربه الخ تقدمت الإشارة إليه في كتاب العتق الحديث التاسع حديث بن عباس إنكم محشورون إلى الله حفاة الحديث وسيأتي البحث فيه في أواخر القاق والغرض منه ذكر عيسى بن مريم في

[ 3263 ] قوله وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم قوله قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله هو البخاري عن قبيصة هو بن عقبة أحد شيوخ البخاري أي إنه حمل قوله من أصحابي أي باعتبار ما كان قبل الردة لا أنهم ماتوا على ذلك ولا شك أن من ارتد سلب اسم الصحبة لأنها نسبة شريفة اسلامية فلا يستحقها من ارتد بعد أن اتصف بها وقد أخرج الإسماعيلي الحديث المذكور عن إبراهيم بن موسى عن إسحاق من قبيصة عن سفيان الثوري به

قوله نزول عيسى بن مريم يعني في أواخر الزمان كذا لأبي ذر بغير باب وأثبته غيره وذكر فيه المصنف حديثين عن أبي هريرة أحدهما حديث والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم بن مريم الحديث

[ 3264 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن إبراهيم المعروف بابن راهويه وإنما جزمت بذلك مع تجويز أبي علي الجياني أن يكون هو أو إسحاق بن منصور لتعبيره بقوله أخبرنا يعقوب بن إبراهيم لأن هذه العبارة يعتمدها إسحاق بن راهويه كما عرف بالإستقراء من عادته أنه لا يقول الا أخبرنا ولا يقول حدثنا وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من مسند إسحاق بن راهويه وقال أخرجه البخاري عن إسحاق قوله أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قوله والذي نفسي بيده فيه الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده قوله ليوشكن بكسر المعجمة أي ليقربن أي لا بد من ذلك سريعا قوله أن ينزل فيكم أي في هذه الأمة فإنه خطاب لبعض الأمة ممن لا يدرك نزوله قوله حكما أي حاكما والمعنى أنه ينزل حاكما بهذه الشريعة فإن هذه الشريعة باقية لا تنسخ بل يكون عيسى حاكما من حكام هذه الأمة وفي رواية الليث عن بن شهاب عند مسلم حكما مقسطا وله من طريق بن عيينة عن بن شهاب إماما مقسطا والمقسط العادل بخلاف القاسط فهو الجائر ولأحمد من وجه آخر عن أبي هريرة أقرءوه من رسول الله السلام وعند أحمد من حديث عائشة ويمكث عيسى في الأرض أربعين سنة وللطبراني من حديث عبد الله بن مغفل ينزل عيسى بن مريم مصدقا بمحمد على ملته قوله فيكسر الصليب ويقتل الخنزير أي يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه ويستفاد منه تحريم اقتناء الخنزير وتحريم أكله وأنه نجس لأن الشيء المنتفع به لا يشرع إتلافه وقد تقدم ذكر شيء من ذلك في أواخر البيوع ووقع للطبراني في الأوسط من طريق أبي صالح عن أبي هريرة فيكسر الصليب ويقتل الخنزير والقرد زاد فيه القرد وإسناده لا بأس به وعلى هذا فلا يصح الاستدلال به على نجاسة عين الخنزير لأن القرد ليس بنجس العين اتفاقا ويستفاد منه أيضا تغيير المنكرات وكسر آلة الباطل ووقع في رواية عطاء بن ميناء عن أبي هريرة عند مسلم ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد قوله ويضع الحرب في رواية الكشميهني الجزية والمعنى أن الدين يصير واحدا فلا يبقى أحد من أهل الذمة يؤدي الجزية وقيل معناه أن المال يكثر حتى لا يبقى من يمكن صرف مال الجزية له فتترك الجزية استغناء عنها وقال عياض يحتمل أن يكون المراد بوضع الجزية تقريرها على الكفار من غير محاباة ويكون كثرة المال بسبب ذلك وتعقبه النووي وقال الصواب أن عيسى لا يقبل إلا الإسلام قلت ويؤيده أن عند أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة وتكون الدعوى واحدة قال النووي ومعنى وضع عيسى الجزية مع أنها مشروعة في هذه الشريعة أن مشروعيتها مقيدة بنزول عيسى لما دل عليه هذا الخبر وليس عيسى بناسخ لحكم الجزية بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ بقوله هذا قال بن بطال وإنما قبلناها قبل نزول عيسى للحاجة إلى المال بخلاف زمن عيسى فإنه لا يحتاج فيه إلى المال فإن المال في زمنه يكثر حتى لا يقبله أحد ويحتمل أن يقال إن مشروعية قبولها من اليهود والنصارى لما في أيديهم من شبهة الكتاب وتعلقهم بشرع قديم بزعمهم فإذا نزل عيسى عليه السلام زالت الشبهة بحصول معاينته فيصيرون كعبدة الأوثان في انقطاع حجتهم وانكشاف أمرهم فناسب أن يعاملوا معاملتهم في عدم قبول الجزية منهم هكذا ذكره بعض مشايخنا احتمالا والله أعلم قوله ويفيض المال بفتح أوله وكسر الفاء وبالضاد المعجمة أي يكثر وفي رواية عطاء بن ميناء المذكورة وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد وسبب كثرته نزول البركات وتوالي الخيرات بسبب العدل وعدم الظلم وحينئذ تخرج الأرض كنوزها وتقل الرغبات في اقتناء المال لعلمهم بقرب الساعة قوله حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها أي أنهم حينئذ لا يتقربون إلى الله إلا بالعبادة لا بالتصدق بالمال وقيل معناه أن الناس يرغبون عن الدنيا حتى تكون السجدة الواحدة أحب إليهم من الدنيا وما فيها وقد روى بن مردويه من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري بهذا الإسناد في هذا الحديث حتى تكون السجدة واحدة لله رب العالمين قوله ثم يقول أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم وأن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته الآية هو موصول بالإسناد المذكور قال بن الجوزي إنما تلا أبو هريرة هذه الآية للإشارة إلى مناسبتها لقوله حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها فإنه يشير بذلك إلى صلاح الناس وشدة إيمانهم واقبالهم على الخير فهم لذلك يؤثرون الركعة الواحدة على جميع الدنيا والسجدة تطلق ويراد بها الركعة قال القرطبي معنى الحديث أن الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة لكثرة المال إذ ذاك وعدم الإنتفاع به حتى لا يقبله أحد وقوله في الآية وان بمعنى ما أي لا يبقى أحد من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى إذا نزل عيسى الا آمن به وهذا مصير من أبي هريرة إلى أن الضمير في قوله الا ليؤمنن به وكذلك في قوله قبل موته يعود على عيسى أي إلا ليؤمن بعيسى قبل موت عيسى وبهذا جزم بن عباس فيما رواه بن جرير من طريق سعيد بن جبير عنه بإسناد صحيح ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال قبل موت عيسى والله إنه الآن لحي ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون ونقله عن أكثر أهل العلم ورجحه بن جرير وغيره ونقل أهل التفسير في ذلك أقوالا أخر وأن الضمير في قوله به يعود لله أو لمحمد وفي موته يعود على الكتابي على القولين وقيل على عيسى وروى بن جرير من طريق عكرمة عن بن عباس لا يموت يهودي ولا نصراني حتى يؤمن بعيسى فقال له عكرمة أرأيت أن خر من بيت أو احترق أو أكله السبع قال لا يموت حتى يحرك شفتيه بالإيمان بعيسى وفي إسناده خصيف وفيه ضعف ورجح جماعة هذا المذهب بقراءة أبي بن كعب الا ليؤمنن به قبل موته أي أهل الكتاب قال النووي معنى الآية على هذا ليس من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند المعاينة قبل خروج روحه بعيسى وأنه عبد الله وابن أمته ولكن لا ينفعه هذا الإيمان في تلك الحالة كما قال تعالى وليست التوبة الذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال وهذا المذهب أظهر لأن الأول يخص الكتابي الذي يدرك نزول عيسى وظاهر القرآن عمومه في كل كتابي في زمن نزول عيسى وقبله قال العلماء الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه فبين الله تعالى كذبهم وأنه الذي يقتلهم أو نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها وقيل إنه دعا الله لما رأى صفة محمد وأمته أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان مجددا لأمر الإسلام فيوافق خروج الدجال فيقتله والأول أوجه وروى مسلم من حديث بن عمر في مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين وروى نعيم بن حماد في كتاب الفتن من حديث بن عباس أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض ويقيم بها تسع عشرة سنة وبإسناد فيه مبهم عن أبي هريرة يقيم بها أربعين سنة وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مثله مرفوعا وفي هذا الحديث ينزل عيسى عليه ثوبان ممصران فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام ويهلك الله في زمانه الملل كلها الا الإسلام وتقع الآمنة في الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل وتلعب الصبيان بالحيات وقال في آخره ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون وروى أحمد ومسلم من طريق حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة ليهلن بن مريم بفج الروحاء بالحج والعمرة الحديث وفي رواية لأحمد من هذا الوجه ينزل عيسى فيقتل الخنزير ويمحي الصليب وتجمع له الصلاة ويعطي المال حتى لا يقبل ويضع الخراج وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما وتلا أبو هريرة وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به الآية قال حنظلة قال أبو هريرة يؤمن به قبل موت عيسى وقد اختلف في موت عيسى عليه السلام قبل رفعه والأصل فيه قوله تعالى أني متوفيك ورافعك فقيل على ظاهره وعلى هذا فإذا نزل إلى الأرض ومضت المدة المقدرة له يموت ثانيا وقيل معنى قوله متوفيك من الأرض فعلى هذا لا يموت الا في آخر الزمان واختلف في عمره حين رفع فقيل بن ثلاث وثلاثين وقيل مائة وعشرين الحديث العاشر

[ 3265 ] قوله عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري هو أبو محمد بن عياش الأفرع قال بن حبان هو مولى امرأة من غفار وقيل له مولى أبي قتادة لملازمته له قلت وليس له عن أبي هريرة في الصحيح سوى هذا الحديث الواحد قوله كيف أنتم إذا نزل بن مريم فيكم وإمامكم منكم سقط قوله فيكم من رواية أبي ذر قوله تابعه عقيل والأوزاعي يعني تابعا يونس عن بن شهاب في هذا الحديث فأما متابعة عقيل فوصلها بن منده في كتاب الإيمان من طريق الليث عنه ولفظه مثل سياق أبي ذر سواء وأما متابعة الأوزاعي فوصلها بن منده أيضا وابن حبان والبيهقي في البعث وابن الأعرابي في معجمه من طريق عنه ولفطه مثل رواية يونس وقد أخرجه مسلم من طريق بن أبي ذئب عن بن شهاب بلفظ وأمكم منكم قال الوليد بن مسلم فقلت لابن أبي ذئب إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري فقال وإمامكم منكم قال بن أبي ذئب أتدري ما أمكم منكم قلت تخبرني قال فأمكم بكتاب ربكم وأخرجه مسلم من رواية بن أخي الزهري عن عمه بلفظ كيف بكم إذا نزل فيكم بن مريم فأمكم وعند أحمد من حديث جابر في قصة الدجال ونزول عيسى وإذا هم بعيسى فيقال تقدم يا روح الله فيقول ليتقدم إمامكم فليصل بكم ولابن ماجة في حديث أبي أمامة الطويل في الدجال قال وكلهم أي المسلمون ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح قد تقدم ليصلي بهم إذ نزل عيسى فرجع الإمام ينكص ليتقدم عيسى فيقف عيسى بين كتفيه ثم يقول تقدم فإنها لك أقيمت وقال أبو الحسن الخسعي الأبدي في مناقب الشافعي تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى يصلي خلفه ذكر ذلك ردا للحديث الذي أخرجه بن ماجة عن أنس وفيه ولا مهدي إلا عبسي وقال أبو ذر الهروي حدثنا الجوزقي عن بعض المتقدمين قال معنى قوله وإمامكم منكم يعني أنه يحكم بالقرآن لا بالإنجيل وقال بن التين معنى قوله وإمامكم منكم أن الشريعة المحمدية متصلة إلى يوم القيامة وأن في كل قرن طائفة من أهل العلم وهذا والذي قبله لا يبين كون عيسى إذا نزل يكون إماما أو مأموما وعلى تقدير أن يكون عيسى إماما فمعناه أنه يصير معكم بالجماعة من هذه الأمة قال الطيبي المعنى يؤمكم عيسى حال كونه في دينكم ويعكر عليه قوله في حديث آخر عند مسلم فيقال له صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة وقال بن الجوزي لو تقدم عيسى إماما لوقع في النفس إشكال ولقيل أتراه تقدم نائبا أو مبتدئا شرعا فصلى مأموما لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله لا نبي بعدي وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة والله أعلم

قوله باب ما ذكر عن بني إسرائيل أي ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وإسرائيل لقب يعقوب أي من الأعاجيب التي كانت في زمانهم ذكر فيه أربعة وثلاثين حديثا الحديث الأول وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث وقوله

[ 3266 ] حدثنا موسى بن إسماعيل هذا هو الصواب ولبعضهم حدثنا مسدد بدل موسى وليس بصواب لأن رواية مسدد ستأتي في آخر هذا الباب موصولة ورواية موسى معلقة من أجل كلمة اختلفا فيها على أبي عوانة وكلام أبي علي الغساني يوهم أن ذلك وقع هنا وليس كذلك وقوله حدثنا عبد الملك هو بن عمير قوله قال عقبة بن عمرو هو أبو مسعود الأنصاري المعروف بالبدري قوله أن مع الدجال إذا خرج ماء الحديث يأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الفتن والغرض منه هنا إيراد ما يليه وهو قصة الرجل الذي كان يبايع الناس وقصة الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه فأما قصة الذي كان يبايع الناس فقد أوردها أيضا في أواخر هذا الباب من حديث أبي هريرة وتقدم الكلام عليه في أثناء كتاب البيوع وقوله في هذه الرواية كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم أي أقاضيهم والمجازاة المقاضاة أي آخذ منهم وأعطي ووقع في رواية الإسماعيلي وأجازفهم بالجيم والزاي والفاء وفي أخرى بالمهملة والراء وكلاهما تصحيف لا يظهر والله أعلم وأما قصة الذي أوصى بنيه أن يحرقوه فسيأتي الكلام عليها في أواخر هذا الباب حيث أورده المصنف مفردا إن شاء الله تعالى قوله فامتحشت بضم المثناة وكسر المهملة بعدها معجمة أي احترقت ولبعضهم بوزن احترقت وهو أشبه وقوله ثم انظروا يوما راحا أي شديد الريح قوله في آخره قال عقبة بن عمرو وأنا سمعته يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذاك وكان نباشا ظاهره أن الذي سمعه أبو مسعود هو الحديث الأخير فقط لكن تبين من رواية شعبة عن عبد الملك بن عمير أنه سمع الجميع فإنه أورد في الفتن قصة الذي كان يبايع الناس من حديث حذيفة وقال في آخره قال أبو مسعود وأنا سمعنه وكذلك قال في حديث الذي أوصى بنيه كما سيأتي في أواخر هذا الباب وقوله وكان نباشا ظاهره أنه من زيادة أبي مسعود في الحديث لكن أورده بن حبان من طريق ربعي عن حذيفة قال توفي رجل كان نباشا فقال لولده أحرقوني فدل على أن قوله وكان نباشا من رواية حذيفة وأبي مسعود معا ووقع في رواية للطبراني بلفظ بينما حذيفة وأبو مسعود جالسين فقال أحدهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن رجلا من بني إسرائيل كان ينبش القبور فذكره وعرف منها وجه دخوله في هذا الباب الحديث الثاني

[ 3267 ] قوله لما نزل بضم أوله وفي نسخة عند أبي ذر بفتحتين برسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الموت أو ملك الموت ونقل النووي أنه في مسلم للأكثر بالضم وفي رواية بزيادة مثناة يعني المنية أورده مختصرا وقد تقدم بأتم من هذا في الصلاة ويأتي شرحه في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى والغرض منه ذم اليهود والنصارى في اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد وعبد الله الذي في الإسناد هو بن المبارك الحديث الثالث

[ 3268 ] قوله عن فرات الفزاز بقاف وزايين معجمتين وهو فرات بضم الفاء وتخفيف الراء آخره مثناة بن عبد الرحمن وأبو حازم هو سلمان الأشجعي قوله تسوسهم الأنبياء أي أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبيا يقيم لهم أمرهم ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة وفيه إشارة إلى أنه لا بد للرعية من قائم بأمورها يحملها على الطريق الحسنة وينصف المظلوم من الظالم قوله وإنه لا نبي بعدي أي فيفعل ما كان أولئك يفعلون قوله وسيكون خلفاء أي بعدي وقوله فيكثرون بالمثلثة وحكى عياض أن منهم من ضبطه بالموحدة وهو تصحيف ووجه بأن المراد إكبار قبيح فعلهم قوله فوا فعل أمر بالوفاء والمعنى أنه إذا بويع الخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة قال النووي سواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أم لا سواء كانوا في بلد واحد أو أكثر سواء كانوا في بلد الإمام المنفصل أم لا هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور وقيل تكون لمن عقدت له في بلد الإمام دون غيره وقيل يقرع بينهما قال وهما قولان فاسدان وقال القرطبي في هذا الحديث حكم بيعة الأول وأنه يجب الوفاء بها وسكت عن بيعة الثاني وقد نص عليه في حديث عرفجة في صحيح مسلم حيث قال فاضربوا عنق الآخر قوله أعطوهم حقهم أي أطيعوهم وعاشروهم بالسمع والطاعة فإن الله يحاسبهم على ما يفعلونه بكم وستأتي تتمة القول في ذلك في أوائل كتاب الفتن قوله فإن الله سائلهم عما استرعاهم هو كحديث بن عمر المتقدم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته وسيأتي شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وفي الحديث تقديم أمر الدين على أمر الدنيا لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بتوفية حق السلطان لما فيه من إعلاء كلمة الدين وكف الفتنة والشر وتأخير أمر المطالبة بحقه لا يسقطه وقد وعده الله أنه يخلصه ويوفيه إياه ولو في الدار الآخرة الحديث الرابع حديث أبي سعيد

[ 3269 ] قوله لتتبعن بضم العين وتشديد النون سنن بفتح المهملة أي طريق من قبلكم أي الذين قبلكم قوله جحر بضم الجيم وسكون المهملة ضب بفتح المعجمة وتشديد الموحدة دويبة معروفة يقال خصت بالذكر لأن الضب يقال له قاضي البهائم والذي يظهر أن التخصيص إنما وقع لجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم وأتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الردىء لتبعوهم قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن هو استفهام انكاري أي ليس المراد غيرهم وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الاعتصام الحديث الخامس حديث أنس ذكروا النار والناقوس الحديث أورده مختصرا وقد مضى شرحه تاما في كتاب الصلاة الحديث السادس حديث عائشة كانت تكره أن يجعل المصلي يده في خاصرته وتقول أن اليهود تفعله في رواية أبي نعيم من طريق أحمد بن الفرات عن محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه بلفظ إنها كرهت الاختصار في الصلاة وقالت إنما يفعل ذلك اليهود ووقع عند الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان وهو الثوري بهذا الإسناد يعني وضع اليد على الخاصرة في الصلاة وقد تقدم البحث في هذه المسألة في أواخر الصلاة في الكلام على حديث أبي هريرة نهى عن الخصر في الصلاة

[ 3271 ] قوله تابعه شعبة عن الأعمش وصله بن أبي شيبة من طريقه الحديث السابع حديث بن عمر مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا الحديث تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصلاة الحديث الثامن حديث عمر قاتل الله فلانا أورده مختصرا وقد تقدم تاما في كتاب البيوع في أواخره مع شرحه

[ 3273 ] قوله تابعه جابر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في تحريم شحوم الميتة دون القصة فأما حديث جابر فوصله المصنف في أواخر البيوع وفيه غير ذلك وتقدم شرحه هناك وأما حديث أبي هريرة فوصله المصنف في أواخر البيوع أيضا من طريق سعيد بن المسيب عنه الحديث التاسع

[ 3274 ] قوله عن أبي كبشة السلولي تقدم ذكره في كتاب الهبة في حديث آخر وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين قوله بلغوا عني ولو آية قال المعافى النهرواني في كتاب الجليس له الآية في اللغة تطلق على ثلاثة معان العلامة الفاصلة والاعجوبة الحاصلة والبلية النازلة فمن الأول قوله تعالى آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ومن الثاني إن في ذلك لآية ومن الثالث جعل الأمير فلانا اليوم آية ويجمع بين هذه المعاني الثلاثة أنه قيل لها آية لدلالتها وفصلها وإبانتها وقال في الحديث ولو آية أي واحدة ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم اه كلامه قوله وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار وقيل معنى قوله لا حرج لا تضيق صدوركم بما تسمعونه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك وقع لهم كثيرا وقيل لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم لأن قوله أولا حدثوا صيغة أمر تقتضي الوجوب فأشار إلى عدم الوجوب وأن الأمر فيه للإباحة بقوله ولا حرج أي في ترك التحديث عنهم وقيل المراد رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ الشنيعة نحو قولهم اذهب أنت وربك فقاتلا وقولهم اجعل لنا إلها وقيل المراد ببني إسرائيل أولاد إسرائيل نفسه وهم أولاد يعقوب والمراد حدثوا عنهم بقصتهم مع أخيهم يوسف وهذا أبعد الأوجه وقال مالك المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن أما ما علم كذبه فلا وقيل المعنى حدثوا عنهم بمثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح وقيل المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الإتصال في التحدث عنهم بخلاف الأحكام الإسلامية فإن الأصل في التحدث بها الإتصال ولا يتعذر ذلك لقرب العهد وقال الشافعي من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحدث بالكذب فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم وهو نظير قوله إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ولم يرد الإذن ولا المنع من التحدث بما يقطع بصدقه قوله ومن كذب علي متعمدا تقدم شرحه مستوفى في كتاب العلم وذكرت عدد من رواه وصفة مخارجه بما يغني عن الإعادة وقد اتفق العلماء على تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه من الكبائر حتى بالغ الشيخ أبو محمد الجويني فحكم بكفر من وقع منه ذلك وكلام القاضي أبي بكر العربي يميل إليه وجهل من قال من الكرامية وبعض المتزهدة إن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يجوز فيما يتعلق بتقوية أمر الدين وطريقة أهل السنة والترغيب والترهيب واعتلوا بأن الوعيد ورد في حق من كذب عليه لا في الكذب له وهو اعتلال باطل لأن المراد بالوعيد من نقل عنه الكذب سواء كان له أو عليه والدين بحمد الله كامل غير محتاج إلى تقويته بالكذب الحديث العاشر

[ 3275 ] قوله ان اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم يقتضي مشروعية الصبغ والمراد به صبغ شيب الليحة والرأس ولا يعارضه ما ورد من النهي عن إزالة الشيب لأن الصبغ لا يقتضي الإزالة ثم إن المأذون فيه مقيد بغير السواد لما أخرجه مسلم من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال غيروه وجنبوه السواد ولأبي داود وصححه بن حبان من حديث بن عباس مرفوعا يكون قوم في آخر الزمان يخضبون كحواصل الحمام لا يجدون ريح الجنة وإسناده قوي إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه وعلى تقدير ترجيح وقفه فمثله لا يقال بالرأي فحكمه الرفع ولهذا أختار النووي أن الصبغ بالسواد يكره كراهية تحريم وعن الحليمي أن الكراهة خاصة بالرجال دون النساء فيجوز ذلك للمرأة لأجل زوجها وقال مالك الحناء والكتم واسع والصبغ بغير السواد أحب إلي ويستثني من ذلك المجاهد اتفاقا وليس المراد بالصبغ في هذا الحديث صبغ الثياب ولا خضب اليدين والرجلين بالحناء مثلا لأن اليهود والنصار لا يتركون ذلك وقد صرح الشافعية بتحريم لبس الثياب المزعفرة للرجل وبتحريم خضب الرجال أيديهم وأرجلهم إلا للتداوي وسيأتي بسط القول في ذلك في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى الحديث الحادي عشر

[ 3276 ] قوله حدثنا محمد هو بن معمر نسبه بن السكن عن الفربري وقيل هو الذهلي قوله حدثنا حجاج هو بن منهال وجرير هو بن حازم والحسن هو البصري قوله في هذا المسجد هو مسجد البصرة قوله وما نسينا منذ حدثنا أشار بذلك إلي تحققه لما حدث به وقرب عهده به واستمرار ذكره له قوله وما تخشي أن يكون جندب كذب فيه إشارة إلى أن الصحابة عدول وأن الكذب مأمون من قبلهم ولا سيما على النبي صلى الله عليه وسلم قوله كان فيمن كان قبلكم رجل لم أقف على اسمه قوله به جرح بضم الجيم وسكون الراء بعدها مهملة وتقدم في الجنائز بلفظ به جراح وهو بكسر الجيم وذكره بعضهم بضم المعجمة وآخره جيم وهو تصحيف ووقع في رواية مسلم أن رجلا خرجت به قرحة وهي بفتح القاف وسكون الراء حبة تخرج في البدن وكأنه كان به جرح ثم صار قرحة قوله فجزع أي فلم يصبر على ألم تلك القرحة قوله فأخذ سكينا فحز بها يده السكين تذكر وتؤنث وقوله حز بالحاء المهملة والزاي هو القطع بغير إبانة ووقع في رواية مسلم فلما آذته انتزع سهما من كنانته فنكأها وهو بالنون والهمز أي نخس موضع الجرح ويمكن الجمع بأن يكون فجر الجرح بذبابة السهم فلم ينفعه فحز موضعه بالسكين ودلت رواية البخاري على أن الجرح كان في يده قوله فما رقأ الدم بالقاف والهمز أي لم ينقطع قوله قال الله عز وجل بادرني عبدي بنفسه هو كناية عن استعجال المذكور الموت وسيأتي البحث فيه وقوله حرمت عليه الجنة جار مجرى التعليل للعقوبة لأنه لما استعجل الموت بتعاطي سببه من أنفاذ مقاتله فجعل له فيه اختيارا عصى الله به فناسب أن يعاقبه ودل ذلك على أنه حزها لإرادة الموت لا لقصد المداواة التي يغلب على الظن الإنتفاع بها وقد استشكل قوله بادرني بنفسه وقوله حرمت عليه الجنة لأن الأول يقتضي أن يكون من قتل فقد مات قبل أجله لما يوهمه سياق الحديث من أنه لو لم يقتل نفسه كان قد تأخر عن ذلك الوقت وعاش لكنه بادر فتقدم والثاني يقتضي تخليد الموحد في النار والجواب عن الأول أن المبادرة من حيث التسبب في ذلك والقصد له والإختيار وأطلق عليه المبادرة لوجود صورتها وإنما استحق المعاقبة لأن الله لم يطلعه على انقضاء أجله فاختار هو قتل نفسه فاستحق المعاقبة لعصيانه وقال القاضي أبو بكر قضاء الله مطلق ومقيد بصفة فالمطلق يمضي على الوجه بلا صارف والمقيد على الوجهين مثاله أن يقدر لواحد أن يعيش عشرين سنة إن قتل نفسه وثلاثين سنة إن لم يقتل وهذا بالنسبة إلى ما يعلم به المخلوق كملك الموت مثلا وأما بالنسبة إلى علم الله فإنه لا يقع إلا ما علمه ونظير ذلك الواجب المخير فالواقع منه معلوم عند الله والعبد مخير في أي الخصال يفعل والجواب عن الثاني من أوجه أحدها أنه كان استحل ذلك الفعل فصارا كافرا ثانيها كان كافرا في الأصل وعوقب بهذه المعصية زيادة على كفره ثالثها أن المراد أن الجنة حرمت عليه في وقت ما كالوقت الذي يدخل فيه السابقون أو الوقت الذي يعذب فيه الموحدون في النار ثم يخرجون رابعها أن المراد جنة معينة كالفردوس مثلا خامسها أن ذلك ورد في سبيل التغليظ والتخويف وظاهره غير مراد سادسها أن التقدير حرمت عليه الجنة أن شئت استمرار ذلك سابعها قال النووي يحتمل أن يكون ذلك شرع من مضيى أن أصحاب الكبائر يكفرون بفعلها وفي الحديث تحريم قتل النفس سواء كانت نفس القاتل أم غيره وقتل الغير يؤخذ تحريمه من هذا الحديث بطريق الأولى وفيه الوقوف عند حقوق الله ورحمته بخلقه حيث حرم عليهم قتل نفوسهم وأن الأنفس ملك الله وفيه التحديث عن الأمم الماضية وفضيلة الصبر على البلاء وترك التضجر من الآلام لئلا يفضي إلى أشد منها وفيه تحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى قتل النفس وفيه التنبيه على أن حكم السراية على ما يترتب عليه ابتداء القتل وفيه الإحتياط في التحديث وكيفية الضبط له والتحفظ فيه بذكر المكان والإشارة إلى ضبط المحدث وتوثيقه لمن حدثه ليركن السامع لذلك والله أعلم

قوله حديث أبرص وأقرع وأعمى هكذا ترجم لهذا الحديث في أثناء ذكر بني إسرائيل وهو الحديث الثاني عشر

[ 3277 ] قوله حدثنا أحمد بن إسحاق هو السرماري بفتح المهملة يجوز كسرها وبعدها راء ساكنة نسبة إلى سرمارة من قرى بخاري الزاهد المجاهد وهو من أقران البخاري مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين قوله في السند الثاني وحدثني محمد حدثنا عبد الله بن رجاء يقال إن محمدا هذا هو الذهلي ويقال إنه المصنف نفسه كما قيل في الحديث الذي قبله ويؤيد ذلك أنه روى عن عبد الله بن رجاء في اللقطة وعدة مواضع بغير واسطة لكن جزم أبو ذر بأنه عند المصنف عن محمد غير منسوب عن عبد الله بن رجاء وجوز أنه الذهلي وساقه عن الجوزقي عن مكي بن عبدان عن الذهلي بطوله وكذلك جزم أبو نعيم وساقه من طريق موسى بن العباس عن محمد بن يحيى وسيأتي في التوحيد حديث آخر أخرجه البخاري بهذين السندين سواء إلى أبي هريرة وليس في البخاري لإسحاق بن أبي طلحة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة سوى هذين الحديثين قوله عن إسحاق بن عبد الله هو بن أبي طلحة صرح به شيبان في روايته عن همام عند مسلم والإسماعيلي قوله بدا الله بتخفيف الدال المهملة بغير همز أي سبق في علم الله فأراد إظهاره وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافيا لأن ذلك محال في حق الله تعالى وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ أراد الله أن يبتليهم فلعل التغيير فيه من الرواة مع أن في الرواية أيضا نظرا لأنه لم يزل مريدا والمعنى أظهر الله ذلك فيهم وقيل معنى أراد قضى وقال صاحب المطالع ضبطناه على متقني شيوخنا بالهمز أي ابتدأ الله أن يبتليهم قال ورواه كثير من الشيوخ بغير همز وهو خطأ انتهى وسبق إلى التخطئة أيضا الخطابي وليس كما قال لأنه موجه كما ترى وأولى ما يحمل عليه أن المراد قضى الله أن يبتليهم وأما البدء الذي يراد به تغير الأمر عما كان عليه فلا قوله قذرني الناس بفتح القاف والذال المعجمة المكسورة أي اشمأزوا من رؤيتي وفي رواية حكاها الكرماني قذروني الناس وهي على لغة أكلوني البراغيث قوله فمسحه أي مسح على جسمه قوله فقال وأي المال في رواية الكشميهني بحذف الواو قوله الإبل أو قال البقر هو شك في ذلك أن الأبرص والأقرع قال أحدهما الإبل وقال آخر البقر وقع عند مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام التصريح بأن الذي شك في ذلك هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة راوي الحديث قوله فأعطى ناقة عشرا أي الذي تمنى الإبل والعشراء بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة مع المدهى الحامل التي أتى عليها في حملها عشرة أشهر من يوم طرقها الفحل وقيل يقال لها ذلك إلى أن تلد وبعد ما تضع وهي من أنفس المال قوله يبارك لك فيها كذا وقع يبارك بضم أوله وفي رواية شيبان بارك الله بلفظ الفعل الماضي وابراز الفاعل قوله فمسحه أي مسح على عينيه قوله شاة والدا أي ذات ولد ويقال حامل قوله فأنتج هذان أي صاحب الإبل والبقر وولد هذا أي صاحب الشاة وهو بتشديد اللام وأنتج في مثل هذا شاذ والمشهور في اللغة نتجت الناقة بضم النون ونتج الرجل الناقة أي حمل عليها الفحل وقد سمع أنتجت الفرس إذا ولدت فهي نتوج قوله ثم إنه أتى الأبرص في صورته أي في الصورة التي كان عليها لما اجتمع به وهو أبرص ليكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة عليه قوله رجل مسكين زاد شيبان وابن سبيل تقطعت به الحبال في سفره في رواية الكشميهني بي الحبال في سفري والحبال بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة جمع حبل أي الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق وقيل العقبات وقيل الحبل هو المستطيل من الرمل ولبعض رواة مسلم الحيال بالمهملة والتحتانية جمع حيلة أي لم يبق لي حيلة ولبعض رواة البخاري الجبال وبالجيم والموحدة وهو تصحيف قال بن التين قول الملك له رجل مسكين الخ أراد أنك كنت هكذا وهو من المعاريض والمراد به ضرب المثل ليتيقظ المخاطب قوله أتبلغ عليه في رواية الكشميهني أتبلغ به وأتبلغ بالغين المعجمة من البلغة وهي الكفاية والمعنى أتوصل به إلى مرادي قوله لقد ورثت لكابر عن كابر في رواية الكشميهني كابرا عن كابر وفي رواية شيبان إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر أي كبير عن كبير في العز والشرف قوله فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله أورده بلفظ الفعل الماضي لأنه أراد المبالغة في الدعاء قوله فخذ ما شئت زاد شيبان ودع ما شئت قوله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله كذا في البخاري بالمهملة والميم كذا قال عياض أن رواة البخاري لم تختلف في ذلك وليس كما قال والمعنى لا أحمدك على ترك شيء تحتاج إليه من مالي كما قال الشاعر وليس على طول الحياة تندم أي فوت طول الحياة وفي رواية كريمة وأكثر روايات مسلم لا أجهدك بالجيم والهاء أي لا أشق عليك في رد شيء تطلبه مني أو تأخذه قال عياض لم يتضح هذا المعنى لبعض الناس فقال لعله لا أحدك بمهملة وتشديد الدال بغير ميم أي لا أمنعك قال وهذا تكلف انتهى ويحتمل أن يكون قوله أحمدك بتشديد الميم أي لا أطلب منك الحمد من قولهم فلان يتحمد على فلان أي يمتن عليه أي لا أمتن عليك قوله فإنما ابتليتم أي امتحنتم قوله فقد رضي عنك بضم أوله على البناء للمجهول في رضي وسخط قال الكرماني ما محصله كان مزاج الأعمى أصح من مزاج رفيقيه لأن البرص مرض يحصل من فساد المزاج وخلل الطبيعة وكذلك القرع بخلاف العمي فإنه لا يستلزم ذلك بل قد يكون من أمر خارج فلهذا حسنت طباع الأعمى وساءت طباع الآخرين وفي الحديث جواز ذكر ما اتفق لمن مضى ليتعظ به من سمعه ولا يكون ذلك غيبة فيهم ولعل هذا هو السر في ترك تسميتهم ولم يفصح بما اتفق لهم بعد ذلك والذي يظهر أن الأمر فيهم وقع كما قال الملك وفيه التحذير من كفران النعم والترغيب في شكرها والإعتراف بها وحمد الله عليها وفيه فضل الصدقة والحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم مآربهم وفيه الزجر عن البخل لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة الله تعالى

قوله أم حسبت أن أصحاب الكهف كذا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وحدهما إلى آخر الترجمة ولغيره في أوله باب ولم يورد في ذلك إلا تفاسير مما وقع في قصة أصحاب الكهف وسقط كله من رواية النسفي قوله الكهف الفتح في الجبل هو قول الضحاك أخرجه عنه بن أبي حاتم واختلف في مكان الكهف فالذي تضافرت به الأخبار أنه في بلاد الروم وروى الطبري بإسناد ضعيف عن بن عباس أنه بالقرب من أيلة وقيل بالقرب من طرسوس وقيل بين أيلة وفلسطين وقيل بقرب زيزاء وقيل بغرناطة من الأندلس وفي تفسير بن مردويه عن بن عباس أصحاب الكهف أعوان المهدي وسنده ضعيف فإن ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي وقد ورد في حديث آخر بسند واه أنهم يحجون مع عيسى بن مريم قوله والرقيم الكتاب مرقوم مكتوب من الرقم روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال الرقيم الكتاب وقوله مرقوم مكتوب هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير قوله وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ووراء ذلك أقوال أخرى فأخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة ومن طريق عطية العوفي وكذا قال أبو عبيدة الرقيم الوادي الذي فيه الكهف وأخرج الطبري أيضا من طريق بن عباس عن كعب الأحبار قال هو اسم القرية وروى بن أبي حاتم من طريق أنس بن مالك ومن طريق سعيد بن جبير أن الرقيم اسم الكلب وقيل الرقيم هو الغار كما سأبينه في حديث الغار وقيل الرقيم الصخرة التي أطبقت على الوادي وسيأتي في تفسير سورة الكهف قول بن عباس إن الرقيم لوح من رصاص كتبت فيه أسماء أصحاب الكهف لما توجهوا عن قومهم ولم يدروا أين توجهوا وسأشير إليه هنا مختصرا قيل إن الذي كان مكتوبا في الرقيم شرعهم الذي كانوا عليه وقيل الرقيم الدواة وقال قوم أخبر الله عن قصة أصحاب الكهف ولم يخبر عن قصة أصحاب الرقيم قلت وليس كذلك بل السياق يقتضي أن أصحاب الكهف هم أصحاب الرقيم والله أعلم قوله ربطنا على قلوبهم ألهمناهم صبرا هو قول أبي عبيدة قوله شططا إفراطا قال أبو عبيدة في قوله لقد قلنا إذا شططا أي جورا وغلوا قال الشاعر ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي ويزعمن أن أودي بحقي باطلي وروى الطبري عن سعيد عن قتادة في قوله شططا قال كذبا قوله الوصيد الفناء هو بكسر الفاء والمد وهو قول بن عباس أخرجه بن أبي حاتم وابن جريج عن سعيد بن جبير قوله وجمعه وصائد ووصد ويقال الوصيد الباب مؤصدة مطبقة آصد الباب وأوصد قال أبو عبيدة في قوله وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد أي على الباب وبفناء الباب لأن الباب يؤصد أي يغلق والجمع وصائد ووصد وقالوا الوصيد عتبة الباب أيضا تقول أوصد بابك وآصده وذكر الطبري عن أبي عمرو بن العلاء أن أهل اليمن وتهامة يقولون الوصيد وأهل نجد يقولون الأصيد قوله مؤصدة مطبقة قال أبو عبيدة في قوله نار مؤصدة أي مطبقة تقول أوصدت وآصدت أي أطبقت وهذا ذكره المؤلف استطرادا قوله بعثناهم أحييناهم هو قول أبي عبيدة أيضا قوله أزكى أكثر ريعا قال أبو عبيدة في قوله أيها أزكى طعاما أي أكثر قال الشاعر قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب وروى عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله أزكى طعاما قال خير طعاما وروى الطبري عن سعيد بن جبير أحل ورجحه الطبري قوله فضرب الله على آذانهم فناموا هو قول بن عباس كما سأذكره من طريقه وقيل معنى فضربنا على آذانهم أي سددنا عن نفوذ الأصوات إليها قوله رجما بالغيب لم يستبن قال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله رجما بالغيب قال قذفا بالظن وقال أبو عبيدة في قوله رجما بالغيب قال الرجم ما لم يستيقنه من الظن قال الشاعر وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم قوله وقال مجاهد تقرضهم تتركهم يأتي الكلام عليه في التفسير تنبيه لم يذكر المصنف في هذه الترجمة حديثا مسندا وقد روى عبد بن حميد بإسناد صحيح عن بن عباس قصة أصحاب الكهف مطولة غير مرفوعة وملخص ما ذكر أن بن عباس غزا مع معاوية الصائفة فمروا بالكهف الذي ذكر الله في القرآن فقال معاوية أريد أن أكشف عنهم فمنعه بن عباس فصمم وبعث ناسا فبعث الله ريحا فأخرجتهم قال فبلغ بن عباس فقال إنهم كانوا في مملكة جبار يعبد الأوثان فلما رأوا ذلك خرجوا منها فجمعهم الله على غير ميعاد فأخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق فجاء أهاليهم يطلبونهم ففقدوهم فأخبروا الملك فأمر بكتابة أسمائهم في لوح من رصاص وجعله في خزانته فدخل الفتية الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا فأرسل الله من يقلبهم وحول الشمس عنهم فلو طلعت عليهم لأحرقتهم ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض ثم ذهب ذلك الملك وجاء آخر فكسر الأوثان وعبد الله وعدل فبعث الله أصحاب الكهف فأرسلوا واحد منهم يأتيهم بما يأكلون فدخل المدينة مستخفيا فرأى هيئة وناسا أنكرهم لطول المدة فدفع درهما إلى خباز فاستنكر ضربه وهم بأن يرفعه إلى الملك فقال أتخوفني بالملك وأبي دهقانة فقال من أبوك قال فلان فلم يعرفه فاجتمع الناس فرفعوه إلى الملك فسأله فقال علي باللوح وكان قد سمع به فسمى أصحابه فعرفهم من اللوح فكبر الناس وانطلقوا إلى الكهف وسبق الفتى لئلا يخافوا من الجيش فلما دخل عليهم عمي الله على الملك ومن معه المكان فلم يدر أين يذهب الفتى فاتفق رأيهم على أن يبنوا عليهم مسجدا فجعلوا يستغفرون لهم ويدعون لهم وذكر بن أبي حاتم في تفسيره عن شهر بن حوشب قال كان لي صاحب قوي النفس فمر بالكهف فأراد أن يدخله فنهي فأبى فأشرف عليهم فابيضت عيناه وتغير شعره وعن عكرمة أن السبب فيما جرى لهم أنهم تذكروا هل يبعث الله الروج والجسد أو الروح فقط فألقى الله عليهم النوم فناموا المدة المذكورة ثم بعثهم فعرفوا أن الجسد يبعث كما تبعث الروح وعن بن عباس أن اسم الملك الأول دقيانوس واسم الفتية مكسلمينا ومخشليشا وتمليخا ومرطونس وكنشطونس وبيرونس ودنيموس وفي النطق بها اختلاف كثير ولا يقع الوثوق من ضبطها بشيء وأخرج أيضا عن مجاهد أن اسم كلبهم قطميروا وعن الحسن قطمير وقيل غير ذلك وأما لونه فقال مجاهد كان أصفر وقيل غير ذلك وعن مجاهد أن دراهمهم كان كخفاف الإبل وأن تمليخا هو الذي كان رسولهم لشراء الطعام وقد ساق بن إسحاق قصتهم في المبتدأ مطولة وأفاد أن اسم الملك الصالح الذي عاشوا في زمنه بتدرسيس وروى الطبري من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير أن الكلب الذي كان معهم كان كلب صيد وعن وهب بن منيه أنه كان كلب حرث وعن مقاتل كان الكلب لكبيرهم وكان كلب غنم وقيل كان إنسانا طباخا تبعهم وليس بكلب حقيقة والأول المعتمد

الحديث الثالث عشر قوله حديث الغار عقب المصنف قصة أصحاب الكهف بحديث الغار إشارة إلى ما ورد أنه قد قيل إن الرقيم المذكور في قوله تعالى أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم هو الغار الذي أصاب فيه الثلاثة ما أصابهم وذلك فيما أخرجه البزار والطبراني بإسناد حسن عن النعمان بن بشير أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم قال انطلق ثلاثة فكانوا في كهف فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم فذكر الحديث

[ 3278 ] قوله بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم لم أقف على اسم واحد منهم وفي حديث عقبة بن عامر عند الطبراني في الدعاء أن ثلاثة نفر من بني إسرائيل قوله يمشون في حديث عقبة وكذا في حديث أبي هريرة عند بن حبان والبزار أنهم خرجوا يرتادون لأهليهم قوله فأووا إلى غار يجوز قصر ألف أووا ومدها وفي حديث أنس عند أحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني فدخلوا غارا فسقط عليهم حجر متجاف حتى ما يرون منه خصاصه وفي رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه حتى أووا المبيت إلى غار كذا للمصنف ولمسلم من هذا الوجه حتى أواهم المبيت وهو أشهر في الإستعمال والمبيت في هذه الرواية منصوب على المفعولية وتوجيهه أن دخول الغار من فعلهم فحسن أن ينسب الإيواء إليهم قوله فانطبق عليهم أي باب الغار وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع في المزارعة فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم ويأتي في الأدب بلفظ فانطبقت عليهم وفيه حذف المفعول والتقدير نفسها أو المنفذ ويؤيده أن في رواية سالم فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار زاد الطبراني في حديث النعمان بن بشير من وجه آخر إذ وقع شجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سد فم الغار قوله فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه في رواية موسى بن عقبة المذكورة انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله ومثله لمسلم وفي رواية الكشميهني خالصة ادعوا الله بها ومن طريقه في البيوع ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه وفي رواية سالم إنه لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم وفي حديث أبي هريرة وأنسن جميعا فقال بعضهم لبعض عفا الأثر ووقع الحجر ولا يعلم بمكانكم إلا الله ادعوا الله بأوثق أعمالكم وفي حديث علي عند البزار تفكروا في أحسن أعمالكم فادعوا الله بها لعل الله يفرج عنكم وفي حديث النعمان بن بشير إنكم لن تجدوا شيئا خيرا من أن يدعو كل امرئ منكم بخير عمل عمله قط قوله فقال اللهم إن كنت تعلم كذا لأبي ذر والنسفي وأبي الوقت لم يذكر القائل وللباقين فقال واحد منهم قوله اللهم أن كنت تعلم فيه إشكال لأن المؤمن يعلم قطعا أن الله يعلم ذلك وأجيب بأنه تردد في عمله ذلك هل له اعتبار عند الله أم لا وكأنه قال أن كان عملي ذلك مقبولا فأجب دعائي وبهذا التقرير يظهر أن قوله اللهم على بابها في النداء وقد ترد بمعنى تحقق الجواب كمن يسأل آخر عن شيء كأن يقول رأيت زيدا فيقول اللهم نعم وقد ترد أيضا لندرة المستثنى كأن يقول شيئا ثم يستثني منه فيقول اللهم إلا إن كان كذا قوله على فرق بفتح الفاء والراء بعدها قاف وقد تسكن الراء وهو مكيال يسع ثلاثة آصع لقوله من ارز فيه ست لغات فتح الألف وضمها مع ضم الراء وبضم الألف مع سكون الراء وتشديد الزاي وتخفيفها وقد تقدم في المزارعة أنه فرق ذرة وتقدم هناك بيان الجمع بين الروايتين ويحتمل أنه استأجر أكثر من واحد وكان بعضهم بفرق ذرة وبعضهم بفرق أرز ويؤيد ذلك أنه وقع في رواية سالم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب وفي حديث النعمان بن بشير نحوه كما سأذكره ووقع في حديث عبد الله بن أبي أوفي عند الطبراني في الدعاء استأجرت قوما كل واحد منهم بنصف درهم فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم فقال أحدهم والله لقد عملت عمل اثنين والله لا آخذ إلا درهما فذهب وتركه فبذرت من ذلك النصف درهم الخ ويجمع بينهما بأن الفرق المذكور كانت قيمته نصف درهم إذ ذاك قوله فذهب وتركه في رواية موسى بن عقبة فأعطيته فأبى ذاك أن يأخذ وفي روايته في المزارعة فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه حقه فرغب عنه وفي حديث أبي هريرة فعمل لي نصف النهار فأعطيته أجرا فسخطه ولم يأخذه ووقع في حديث النعمان بن بشير بيان السبب في ترك الرجل أجرته ولفظه كان لي أجراء يعملون فجاءني عمال فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم فجاء رجل ذات يوم نصف النهار فاستأجرته بشرط أصحابه فعمل في نصف نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله فرأيت علي في الذمام أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله فقال رجل منهم تعطي هذا مثل ما أعطيتني فقلت يا عبد الله لم أبخسك شيئا من شرطك وإنما هو مال أحكم فيه بما شئت قال فغضب وذهب وترك أجره وأما ما وقع في حديث أنس فأتاني يطلب أجره وأنا غضبان فزبرته فانطلق وترك أجره فلا ينافي ذلك وطريق الجمع أن الأجير لما حسد الذي عمل نصف النهار وعاتب المستأجر غضب منه وقال له لم أبخسك شيئا الخ وزبره فغضب الأجير وذهب ووقع في حديث علي وترك واحد منهم أجره وزعم أن أجره أكثر من أجور أصحابه قوله واني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت وفي رواية الكشميهني أن اشتريت منه بقرا وأنه أتاني يطلب أجره فقلت له أعمد إلى تلك البقر فسقها وفي رواية موسى بن عقبة فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها وفيه فقال أنستهزيء بي فقلت لا وفي رواية أبي ضمرة فأخذها وفي رواية سالم فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال وفيه فقلت لا وفي رواية أبي ضمرة فأخذها وفي رواية سالم فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال وفيه فقلت له كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق من أجرك وفي رواية الكشميهني من أجلك وفيه فاستاقه فلم يترك منه شيئا ودلت هذه الرواية على أن قوله في رواية نافع اشتريت بقرا أنه لم يرد أنه لم يشتر غيرها وإنما كان الأكثر الأغلب البقر فلذلك اقتصر عليها وفي حديث أنس وأبي هريرة جميعا فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال وقال في فأعطيته ذلك كله ولو شئت لم أعطه إلا الأجر الأول ووقع في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنه دفع إليه عشرة آلاف درهم وهو محمول على أنها كانت قيمة الأشياء المذكورة وفي حديث النعمان بن بشير فبذرته على حدة فأضعف ثم بذرته فأضعف حتى كثر الطعام وفيه فقال أتظلمني وتسخر بي وفي رواية له ثم مرت بي بقر فاشتريت منها فصيلة فبلغت ما شاء الله والجمع بينهما ممكن بأن يكون زرع أولا ثم اشترى من بعضه بقرة ثم نتجت قوله فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك وفي رواية موسى بن عقبة ابتغاء وجهك وكذا في رواية سالم والجمع بينهما ممكن وقد وقع في حديث على عند الطبراني من مخافتك وابتغاء مرضاتك وفي حديث النعمان رجاء رحمتك ومخافة عذابك قوله ففرج عنا في رواية موسى بن عقبة فافرج يوصل وضم الراء من الثلاثي وضبطه بعضهم بهمزة وكسر الراء من الرباعي وزاد في روايته فافرج عنا فرجة نرى منها السماء وفيه تقييد لإطلاق قوله في رواية سالم ففرج عنا ما نحن فيه وقوله قال ففرج عنهم وفي رواية أبي ضمرة ففرج الله فراو السماء ولمسلم من هذا الوجه ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء قوله فانساخت عنهم الصخرة أي انشقت وأنكره الخطابي لأن معنى انساخ بالمعجمة غاب في الأرض ويقال انصاخ بالصاد المهملة بدل السين أي انشق من قبل نفسه قال والصواب انساحت بالحاء المهملة أي اتسعت ومنه ساحة الدار قال وانصاح بالصاد المهملة بدل السين أي تصدع يقال ذلك للبرق قلت الرواية بالخاء المعجمة صحيحة وهي بمعنى انشقت وإن كان أصله بالصاد فالصاد قد تقلب سينا ولا سيما مع الخاء المعجمة كالصخر والسخر ووقع في حديث سالم فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج وفي حديث النعمان بن بشير فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء وفي حديث على فانصدع الجبل حتى طمعوا في الخروج ولم يستطيعوا وفي حديث أبي هريرة وأنس فزال ثلث الحجر قوله فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي كذا للأكثر ولأبي ذر محذف أنه قوله أبوان هو من التغليب والمراد الأب والأم وصرح بذلك في حديث بن أبي أوفى قوله شيخان كبيران زاد في رواية أبي ضمرة عن موسى ولي صبية صغار فكنت أرعى عليهم وفي حديث على أبوان ضعيفان فقيران ليس لهما خادم ولا راع ولا ولي غيري فكنت أرعى لهما بالنهار وآوى إليهما بالليل قوله فأبطأت عنهما ليلة وفي رواية سالم قنأى بي طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما وقد تقدم شرح قوله نأي والشي لم يفسر ما هو في هذه الرواية وقد بين في رواية مسلم من طريق أبي ضمرة ولفظه وإني نأي بي ذات يوم الشجر والمراد أنه استطرد مع غنمه في الرعي إلى أن بعد عن مكانه زيادة على العادة فلذلك أبطأوا في حديث علي فإن الكلأ تناءى على أي تباعد والكلأ المرعى قوله وأهلي وعيالي قال الداودي يريد بذلك الزوجة والأولاد والرقيق والدواب وتعقبه بن التين بأن الدواب لا معنى لها هنا قلت إنما قال الداودي ذلك في رواية سالم وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا ما لا وهو متجه فإنه إذا كان لا يقدم عليهما أولاده فكذلك لا يقدم عليهما دوابه من باب الأولى قوله يتضاغون بالمعجمتين والضغاء بالمد الصياح ببكاء وقوله من الجوع أي بسبب الجوع وفيه رد على من قال لعل الصياح كان بسبب غير الجوع وفي رواية موسى بن عقبة والصبية يتضاغون قوله وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما أما كراهته لإيقاظهما فظاهر لأن الإنسان يكره أن يوقظ من نومه ووقع في حديث علي ثم جلست عند رؤوسهما بإنائي كراهية أؤرقهما أو أوذيهما وفي حديث أنس كراهية أن أردوسنهما وفي حديث بن أبي أوفى وكرهت أن أوقظهما من نومهما فيشق ذلك عليهما وأما كراهته أن يدعهما فقد فسره بقوله فيستكنا لشربتهما أي يضعفا لأنه عشاؤهما وترك العشاء يهرم وقوله يستكنا من الاستكانة وقوله لشربتهما أي لعدم شربتهما فيصيران ضعيفين مسكينين والمسكين الذي لا شيء له قوله من أحب الناس إلى هو مقيد لإطلاق رواية سالم حيث قال فيها كانت أحب الناس إلى وفي رواية موسى بن عقبة كأشد ما يحب الرجل النساء والكاف زائدة أو أراد تشبيه محبته بأشد المحبات قوله راودتها عن نفسها أي بسبب نفسها أو من جهة نفسها وفي رواية سالم فأردتها على نفسها أي ليستعلى عليها قوله فأبت في رواية موسى بن عقبة فقالت لا ينال ذلك منها حتى قوله إلا أن آتيها بمائة دينار وفي رواية سالم فأعطيتها عشرين ومائة دينار ويحمل على أنها طلبت منه المائة فزادها هو من قبل نفسه عشرين أو ألغى غير سالم الكسر ووقع في حديث النعمان وعقبة بن عامر مائة دينار وأبهم ذلك في حديث علي وأنس وأبي هريرة وقال في حديث بن أبي أوفى ما لا ضخما قوله فلما قعدت بين رجليها في رواية سالم حتى إذا قدرت عليها زاد في حديث بن أبي أوفى وجلست منها مجلس الرجل من المرأة وفي حديث النعمان بن بشير فلما كشفتها وبين في رواية سالم سبب اجابتها بعد امتناعها فقال فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة أي سنة قحط فجاءتني فأعطيتها ويجمع بينه وبين رواية نافع بأن امتنعت أولا عفة ودافعت بطلب المال فلما احتاجت أجابت قوله ولا تفض بالفاء والمعجمة أي لا تكسر والخاتم كناية عن عذرتها وكأنها كانت بكرا وكنت عن الافضاء بالكسر وعن الفرج بالخاتم لأن في حديث النعمان ما يدل على أنها لم تكن بكرا ووقع في رواية أبي ضمرة ولا تفتح الخاتم والألف واللام بدل من الضمير أي خاتمي ووقع كذلك في حديث أبي العالية عن أبي هريرة عند الطبراني في الدعاء بلفظ إنه لا يحل لك أن تفض خاتمي إلا بحقه وقولها بحقه أرادت به الحلال أي لا أحل لك أن تقربني إلا بتزويج صحيح ووقع في حديث علي فقالت أذكرك الله أن تركب مني ما حرم الله عليك قال فقلت أنا أحق أن أخاف ربي وفي حديث النعمان بن بشير فلما أمكنتني من نفسها بكت فقلت ما يبكيك قالت فعلت هذا من الحاجة فقالت انطلقي وفي رواية أخرى عن النعمان أنها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب منه شيئا من معروفة ويأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها وقال لها أغنى عيالك قال فرجعت فناشدتني بالله فأبيت عليها فأسلمت إلى نفسها فلما كشفتها ارتعدت من تحتي فقلت مالك قالت آخاف الله رب العالمين فقلت خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها وفي حديث بن أبي أوفى فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة أذكرت النار فقمت عنها والجمع بين هذه الروايات ممكن والحديث يفسر بعضه بعضا وفي هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل واستنجاز وعده بسؤاله واستنبط منه بعض الفقهاء استحباب ذكر ذلك في الاستسقاء واستشكله المحب الطبري لما فيه من رؤية العمل والإحتقار عند السؤال في الاستسقاء أولى لأنه مقام التضرع وأجاب عن قصة أصحاب الغار بأنهم لم يستشفعوا بأعمالهم وإنما سألوا الله إن كانت أعمالهم خالصة وقبلت أن يجعل جزاءها الفرج عنهم فتضمن جوابه تسليم السؤال لكن بهذا القيد وهو حسن وقد تعرض النووي لهذا فقال في كتاب الأذكار باب دعاء الإنسان وتوسله بصالح عمله إلى الله وذكر هذا الحديث ونقل عن القاضي حسين وغيره استحباب ذلك في الاستسقاء ثم قال وقد يقال إن فيه نوعا من ترك الإفتقار المطلق ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم بفعلهم فدل على تصويب فعلهم وقال السبكي الكبير ظهر لي أن الضرورة قد تلجىء إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا وأن هذا منه ثم ظهر لي أنه ليس في الحديث رؤية عمل بالكلية لقول كل منهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فلم يعتقد أحد منهم في عمله الإخلاص بل أحال أمره إلى الله فإذا لم يجزموا بالإخلاص فيه مع كونه أحسن أعمالهم فغيره أولى فيستفاد منه أن الذي يصلح في مثل هذا أن يعتقد الشخص تقصيره في نفسه ويسىء الظن بها ويبحث على كل واحد من عمله يظن أنه أخلص فيه فيفوض أمره إلى الله ويعلق الدعاء على علم الله به فحينئذ يكون إذا دعا راجيا للإجابة خائفا من الرد فإن لم يغلب على ظنه إخلاصه ولو في عمل واحد فليقف عند حده ويستحي أن يسأل بعمل ليس بخالص قال وإنما قالوا ادعوا الله بصالح أعمالكم في أول الأمر ثم عند الدعاء لم يطلقوا ذلك ولا قال واحد منهم أدعوك بعملي وإنما قال إن كنت تعلم ثم ذكر عمله انتهى ملخصا وكأنه لم يقف على كلام المحب الطبري الذي ذكرته فهو السابق إلى التنبيه على ما ذكر والله أعلم وفيه فضل الإخلاص في العلم وفضل بر الوالدين وخدمتهما وايثارهما على الولد والأهل وتحمل المشقة لأجلهما وقد استشكل تركه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما مع قدرته على تسكين جوعهم فقيل كان في شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم وقيل يحتمل أن بكاءهم ليس عن الجوع وقد تقدم ما يرده وقيل لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سد الرمق وهذا أولى وفيه فضل العفة والإنكفاف عن الحرام مع القدرة وأن ترك المعصية يمحو مقدمات طلبها وأن التوبة تجب ما قبلها وفيه جواز الإجارة بالطعام المعلوم بين المتآجرين وفضل أداء الأمانة وإثبات الكرامة للصالحين واستدل به على جواز بيع الفضولي وقد تقدم البحث فيه في البيوع وفيه أن المستودع إذا اتجر في مال الوديعة كان الربح لصاحب الوديعة قاله أحمد وقال الخطابي خالفه الأكثر فقالوا إذا ترتب المال في ذمة الوديع وكذا المضارب كأن تصرف فيه بغير ما أذن له فيلزم ذمته آنه إن اتجر فيه كان الربح له وعن أبي حنيفة الغرامة عليه وأما الربح فهو له لكن يتصدق به وفصل الشافعي فقال أن اشترى في ذمته ثم نفذ الثمن من مال الغير فالعقد له والربح له وأن اشترى بالعين فالربح للمالك وقد تقدم نقل الخلاف فيه في البيوع أيضا وفيه الإخبار عما جرى للأمم الماضية ليعتبر السامعون بأعمالهم فيعمل بحسنها ويترك قبيحها والله أعلم تنبيه لم يخرج الشيخان هذا الحديث إلا من رواية بن عمر وجاء بإسناد صحيح عن أنس أخرجه الطبراني في الدعاء من وجه آخر حسن وبإسناد حسن عن أبي هريرة وهو في صحيح بن حبان وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن أبي هريرة وعن النعمان بن بشير من ثلاثة أوجه حسان أحدها عند أحمد والبزار وكلها عند الطبراني وعن علي وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي أوفى بأسانيد ضعيفة وقد استوعب طرقه أبو عوانة في صحيحه والطبراني في الدعاء واتفقت الروايات كلها على أن القصص الثلاثة في الأجير والمرأة والأبوين إلا حديث عقبة بن عامر ففيه بدل الأجير أن الثالث قال كنت في غنم أرعاها فحضرت الصلاة فقمت أصلي فجاء الذئب فدخل الغنم فكرهت أن أقطع صلاتي فصبرت حتى فرغت فلو كان إسناده قويا لحمل على تعدد القصة ووقع في رواية الباب من طريق عبيد الله العمري عن نافع تقديم الأجير ثم الأبوين ثم المرأة وخالفه موسى بن عقبة من الوجهين فقدم الأبوين ثم المرأة ثم الأجير ووافقته رواية سالم وفي حديث أبي هريرة المرأة ثم الأبوين ثم الأجير وفي حديث أنس الأبوين ثم الأجير ثم المرأة وفي حديث النعمان الأجير ثم المرأة ثم الأبوين وفي حديث علي وابن أبي أوفى معا المرأة ثم الأجير ثم الأبوين وفي اختلافهم دلالة على أن الرواية بالمعنى عندهم سائغة شائعة وأن لا أثر للتقديم والتأخير في مثل ذلك وأرجحها في نظري رواية موسى بن عقبة لموافقة سالم لها فهي أصح طرق هذا الحديث وهذا من حيث الإسناد وأما من حيث المعنى فينظر أي الثلاثة كان أنفع لأصحابه والذي يظهر أنه الثالث لأنه هو الذي أمكنهم أن يخرجوا بدعائه وإلا فالأول أفاد إخراجهم من الظلمة والثاني أفاد الزيادة في ذلك وامكان التوسل إلى الخروج بأن يمر مثلا هناك من يعالج لهم والثالث هو الذي تهيأ لهم الخروج بسببه فهو أنفعهم لهم فينبغي أن يكون عمل الثالث أكثر فضلا من عمل الأخيرين ويظهر ذلك من الأعمال الثلاثة فصاحب الأبوين فضيلته مقصورة على نفسه لأنه أفاد أنه كان بارا بأبويه وصاحب الأجير نفعه متعد وأفاد بأنه كان عظيم الأمانة وصاحب المرأة أفضلهم لأنه أفاد أنه كان في قلبه خشية ربه وقد شهد الله لمن كان كذلك بأن له الجنة حيث قال وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى وقد أضاف هذا الرجل إلى ذلك ترك الذهب الذي أعطاه للمرأة فأضاف إلى النفع القاصر النفع المتعدي ولا سيما وقد قال إنها كانت بنت عمه فتكون فيه صلة رحم أيضا وقد تقدم أن ذلك كان في سنة قحط فتكون الحاجة إلى ذلك أحرى فيترجح على هذا رواية عبيد الله عن نافع وقد جاءت قصة المرأة أيضا أخيرة في حديث أنس والله أعلم

[ 3279 ] الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة في قصة المرأة التي كانت ترضع ولدها فتكلم وقد تقدم شرحه في قصة عيسى بن مريم وعبد الرحمن المذكور في الإسناد هو الأعرج الحديث الخامس عشر حديثه في قصة المراة التي سقت الكلب

[ 3280 ] قوله يطيف بضم أوله من أطاف يقال أطفت بالشيء إذا أدمت المرور حوله قوله بركية بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتانية البئر مطوية أو غير مطوية وغير المطوية يقال لها جب وقليب ولا يقال لها بئر حتى تطوى وقيل الركي البئر قبل أن تطوى فإذا طويت فهي الطوي قوله بغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة هي الزانية وتطلق على الأمة مطلقا قوله موقها بضم الميم وسكون الواو بعدها قاف هو الخف وقيل ما يلبس فوق الخف قوله فغفر لها زاد الكشميهني به وقد تقدم الكلام على هذا الحديث مشروحا في كتاب الشرب لكن وقع هناك وفي الطهارة أني الذي سقى الكلب رجل وأنه سقاه في خفه ويحتمل تعدد القصة وقدمت بقية الكلام في كتاب الشرب والله أعلم الحديث السادس عشر حديث معاوية

[ 3281 ] قوله عام حج في رواية سعيد بن المسيب الآتية آخر الباب آخر قدمة قدمها قلت وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين وهي آخر حجة حجها في خلافته قوله فتناول قصة بضم القاف وتشديد المهملة هي شعر الناصية والحرسي منسوب إلى الحرس وهو واحد الحراس قوله أين علماؤكم فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم كانوا قد قلوا وهو كذلك لأن غالب الصحابة كانوا يومئذ قد ماتوا وكأنه رأى جهال عوامهم صنعوا ذلك فأراد أن يذكر علماءهم وينبئهم بما تركوه من إنكار ذلك ويحتمل أن يكون ترك من بقي من الصحابة ومن أكابر التابعين إذ ذاك الإنكار إما لاعتقاد عدم التحريم ممن بلغه الخبر فحمله على كراهة التنزيه أو كان يخشى من سطوة الأمراء في ذلك الزمان على من يستبد بالإنكار لئلا ينسب إلى الإعتراض على أولي الأمر أو كانوا ممن لم يبلغهم الخبر أصلا أو بلغ بعضهم لكن لم يتذكروه حتى ذكرهم به معاوية فكل هذه أعذار ممكنة لمن كان موجودا إذ ذاك من العلماء وأما من حضر خطبة معاوية وخاطبهم بقوله أين علماؤكم فلعل ذلك كان في خطبة غير الجمعة ولم يتفق أن يحضره إلا من ليس من أهل العلم فقال أين علماؤكم لأن الخطاب بالإنكار لا يتوجه الا على من علم الحكم وأقره قوله ويقول هو معطوف على ينهى وفاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قوله انما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم فيه إشعار بأن ذلك كان حراما عليهم فلما فعلوه كان سببا لهلاكهم مع ما انضم إلى ذلك من ارتكابهم ما ارتكبوه من المناهي وسيأتي شرح ذلك مبسوطا في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى الحديث السابع عشر حديث أبي هريرة

[ 3282 ] قوله عن أبيه هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قوله عن أبي هريرة هذا هو المشهور عن إبراهيم بن سعد وقيل عنه عن أبيه عن أبي سلمة عن عائشة كما سيأتي قوله انه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون بفتح الدال المهملة وسيأتي شرحه مستوفي في مناقب عمر فإن فيه أنهم كانوا من بني إسرائيل قوله وأنه أن كان في أمتي هذه منهم في رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد وأنه أن كان في أمتي أحد منهم قوله فإنه عمر بن الخطاب كذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التوقع وكأنه لم يكن اطلع على أن ذلك كائن وقد وقع بحمد الله ما توقعه النبي صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه ووقع من ذلك لغيره ما لا يحصى ذكره الحديث الثامن عشر حديث أبي سعيد

[ 3283 ] قوله عن أبي الصديق الناجي في رواية مسلم من طريق معاذ عن شعبة عن قتادة أنه سمع أبا الصديق الناجي واسم أبي الصديق وهو بكسر الصاد المهملة وتشديد الدال المكسورة بكر واسم أبيه عمرو وقيل قيس وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله كان في بني إسرائيل رجل لم أقف على اسمه ولا على اسم أحد من الرجال ممن ذكر في القصة زاد مسلم من طريق هشام عن قتادة عند مسلم فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب قوله فأتى راهبا فيه إشعار بأن ذلك كان بعد رفع عيسى عليه السلام لأن الرهبانية إنما ابتدعها أتباعه كما نص عليه في القرآن قوله فقال له توبة بحدف أداة الإستفهام وفيه تجريد أو التفات لأن حق السياق أن يقول لي توبة ووقع في رواية هشام فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة وزاد ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم وقال فيه ومن يحول بينه وبين التوبة قوله فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا زاد في رواية هشام فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه ملك الموت ووقعت لي تسمية القريتين المذكورتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا في المعجم الكبير للطبراني قال فيه إن اسم الصالحة نصرة واسم القرية الأخرى كفرة قوله فناء بنون ومد أي بعد أو المعنى مال أو نهض مع تثاقل فعلى هذا فالمعنى فمال إلى الأرض التي طلبها هذا هو المعروف في هذا الحديث وحكى بعضهم فيه فنأى بغير مد قبل الهمز وباشباعها بوزن سعى تقول نأى ينأى نأيا أي بعد وعلى هذا فالمعنى فبعد على الأرض التي خرج منها ووقع في رواية هشام عن قتادة ما يشعر بأن قوله فناء بصدره إدراج فإنه قال في آخر الحديث قال قتادة قال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت ناء بصدره قوله فاختصمت فيه في رواية هشام من الزيادة فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاه ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو لها قوله فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي أي إلى القرية التي خرج منها والى هذه أن تقربي أي القرية التي قصدها وفي رواية هشام فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد قوله أقرب بشبر فغفر له في رواية معاذ عن شعبة فجعل من أهلها وفي رواية هشام فقبضته ملائكة الرحمة وفي الحديث مشروعية التوية من جميع الكبائر حتى من قتل الأنفس ويحمل على أن الله تعالى إذا قبل توبة القاتل تكفل برضا خصمه وفيه أن المفتي قد يجيب بالخطأ وغفل من زعم أنه إنما قتل الأخير على سبيل التأول لكونه أفتاه بغير علم لأن السياق يقتضي أنه كان غير عالم بالحكم حتى استمر يستفتي وأن الذي أفتاه استبعد أن تصح توبته بعد قتله لمن ذكر أنه قتله بغير حق وأنه إنما قتله بناء على العمل بفتواه لأن ذلك اقتضى عنده أن لا نجاة له فيئس من الرحمة ثم تداركه الله فندم على ما صنع فرجع يسأل وفيه إشارة إلى قلة فطنة الراهب لأنه كان من حقه التحرز ممن اجترأ على القتل حتى صار له عادة بأن لا يواجهه بخلاف مراده وأن يستعمل معه المعاريض مداراة عن نفسه هذا لو كان الحكم عنده صريحا في عدم قبول توبة القاتل فضلا عن أن الحكم لم يكن عنده إلا مظنونا وفيه أن الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعا أو عاصيا وأنهم يختصمون في ذلك حتى يقضي الله بينهم وفيه فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك إما لتذكره لافعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه ولهذا قال له الأخير ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية والتحول منها كلها والإشتغال بغيرها وفيه فضل العالم على العابد لأن الذي أفتاه أولا بان لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة قال عياض وفيه أن التوبة تنفع من القتل كما تنفع من سائر الذنوب وهو وإن كان شرعا لمن قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف لكن ليس هذا من موضع الخلاف لأن موضع الخلاف إذا لم يرد في شرعنا تقريره وموافقته أما إذا ورد فهو شرع لنا بلا خلاف ومن الوارد في ذلك قوله تعالى ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وحديث عبادة بن الصامت ففيه بعد قوله ولا تقتلوا النفس وغير ذلك من المنهيات فمن أصاب من ذلك شيئا فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وأن شاء عذبه متفق عليه قلت ويؤخذ ذلك أيضا من جهة تخفيف الآصار عن هذه الأمة بالنسبة إلى من قبلهم من الأمم فإذا شرع لهم قبول توبة القاتل فمشروعيتها لنا بطريق الأولى وسيأتي البحث في قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية في التفسير إن شاء الله تعالى واستدل به على أن في بني آدم من يصلح للحكم بين الملائكة إذا تنازعوا وفيه حجة لمن أجاز التحكيم وأن من رضي الفريقان بتحكيمه فحكمه جائز عليهم وسيأتي نقل الخلاف في ذلك في الحديث الذي يلي ما بعده وفيه أن للحاكم إذا تعارضت عنده الأحوال وتعددت البينات أن يستدل بالقرائن على الترجيح

[ 3284 ] الحديث التاسع عشر حديث أبي هريرة في قصة البقرة التي تكلمت قوله عن الأعرج عن أبي سلمة هو من رواية الأقران وقد رواه الزهري أيضا عن أبي سلمة وسيأتي مع شرحه مستوفي في المناقب قوله بينا رجل يسوق بقرة لم أقف على اسمه قوله إذ ركبها فضربها فقالت إنا لم نخلق لهذا استدل به على أن الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه ويحتمل أن يكون قولها إنما خلقنا للحرث للإشارة إلى معظم ما خلقت له ولم ترد الحصر في ذلك لأنه غير مراد اتفاقا لأن من أجل ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالإتفاق وقد تقدم قول بن بطال في ذلك في كتاب المزارعة قوله فاني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر هو محمول على أنه كان أخبرهما بذلك فصدقاه أو أطلق ذلك لما اطلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا يترددان فيه قوله وما هما ثم بفتح المثلثة أي ليسا حاضرين وهو من كلام الراوي ولم يقع ذلك في رواية الزهري قوله وبينا رجل هو معطوف على الخبر الذي قبله بالإسناد المذكور قوله إذا عدا الذئب بالعين المهملة من العدوان قوله هذا استنفذتها مني في رواية الكشميهني استنقذها بإبهام الفاعل قوله حدثنا علي حدثنا سفيان عن مسعر هذا يدل على أنه سمعه من شيخه مفرقا والحاصل أن لسفيان فيه إسنادين أحدهما أبو الزناد عن الأعرج والآخر مسعر عن سعد بن إبراهيم كلاهما عن أبي سلمة وفي كل من الإسنادين رواية القرين عن قرينه لأن الأعرج قرين أبي سلمة كما تقدم لأنه شاركه في أكثر شيوخه ولا سيما أبو هريرة وأن كان أبو سلمة أكبر سنا من الأعرج وسفيان بن عيينة قرين مسعر لأنه شاركه في أكثر شيوخه لا سيما سعد بن إبراهيم وإن كان مسعر أكبر سنا من سفيان الحديث العشرون حديث أبي هريرة أيضا اشترى رجل من رجل عقارا لم أقف على اسمهما ولا على اسم أحد ممن ذكر في هذه القصة لكن في المبتدأ لوهب بن منبه أن الذي تحاكما إليه هو داود النبي عليه السلام وفي المبتدأ لإسحاق بن بشر أن ذلك وقع في زمن ذي القرنين من بعض قضاته فالله أعلم وصنيع البخاري يقتضي ترجيح ما وقع عند وهب لكونه أورده في ذكر بني إسرائيل

[ 3285 ] قوله عقارا العقار في اللغة المنزل والضيعة وخصه بعضهم بالنخل ويقال المتاع النفيس الذي للمنزل عقار أيضا وأما عياض فقال العقار الأصل من المال وقيل المنزل والضيعة وقيل متاع البيت فجعله خلافا والمعروف في اللغة أنه مقول بالإشتراك على الجميع والمراد به هنا الدار وصرح بذلك في حديث وهب بن منبه قوله فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له خذ ذهبك فإنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع الذهب وهذا صريح في أن العقد إنما وقع بينهما على الأرض خاصة فاعتقد البائع دخول ما فيها ضمنا واعتقد المشتري أنه لا يدخل وأما صورة الدعوى بينهما فوقعت على هذه الصورة وأنهما لم يختلفا في صورة العقد التي وقعت والحكم في شرعنا على هذا في مثل ذلك أن القول قول المشتري وأن الذهب باق على ملك البائع ويحتمل أنهما اختلفا في صورة العقد بأن يقول المشتري لم يقع تصريح ببيع الأرض وما فيها بل ببيع الأرض خاصة والبائع يقول وقع التصريح بذلك والحكم في هذه الصورة أن يتحالفا ويستردا المبيع وهذا كله بناء على ظاهر اللفظ أنه وجد فيه جرة من ذهب لكن في رواية إسحاق بن بشر أن المشتري قال إنه اشترى دارا فعمرها فوجد فيها كنزا وأن البائع قال له لما دعاه إلى أخذه ما دفنت ولا علمت وأنهما قالا للقاضي ابعث من يقبضه وتضعه حيث رأيت فامتنع وعلى هذا فحكم هذا المال حكم الركاز في هذه الشريعة إن عرف أنه من دفين الجاهلية وإلا فإن عرف أنه من دفين المسلمين فهو لقطة وأن جهل فحكمه حكم المال الضائع يوضع في بيت المال ولعلهم لم يكن في شرعهم هذا التفصيل فلهذا حكم القاضي بما حكم به قوله وقال الذي له الأرض أي الذي كانت له ووقع في رواية أحمد عن عبد الرزاق بيان المراد من ذلك ولفظه فقال الذي باع الأرض إنما بعتك الأرض ووقع في نسخ مسلم اختلاف فالأكثر رووه بلفظ فقال الذي شرى الأرض والمراد باع الأرض كما قال أحمد ولبعضهم فقال الذي اشترى الأرض ووهمها القرطبي قال إلا إن ثبت أن لفظ اشترى من الأضداد كشرى فلا وهم وقوله فتحا كما ظاهره أنهما حكماه في ذلك لكن في حديث إسحاق بن بشر التصريح بأنه كان حاكما منصوبا للناس فإن ثبت ذلك فلا حجة فيه لمن جوز للمتداعيين أن يحكما بينهما رجلا وينفذ حكمة وهي مسألة مختلف فيها فأجاز ذلك مالك والشافعي بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم وأن يحكم بينهما بالحق سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا واستثنى الشافعي الحدود وشرط أبو حنيفة أن لا يخالف ذلك رأى قاضي البلد وجزم القرطبي بأنه لم يصدر منه حكم على أحد منهما وإنما أصلح بينهما لما ظهر له أن حكم المال المذكور حكم المال الضائع فرأى أنهما أحق بذلك من غيرهما لما ظهر له من ورعهما وحسن حالهما وارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما ويرده ما جزم به الغزالي في نصحية الملوك أنهما تحاكما إلى كسرى فإن ثبت هذا ارتفعت المباحث الماضية المتعلقة بالتحكيم لأن الكافر لا حجة فيما يحكم به ووقع في روايته عن أبي هريرة لقد رأيتنا يكثر تمارينا ومنازعتنا عند النبي صلى الله عليه وسلم أيهما أكثر أمانة قوله ألكما ولد بفتح الواو واللام والمراد الجنس لأنه يستحيل أن يكون المرجلين جميعا ولد واحد والمعنى ألكل منكما ولد ويجوز أن يكون قوله ألكما ولد بضم الواو وسكون اللام وهي صيغة جمع أي أولاد ويجوز كسر الواو أيضا في ذلك قوله فقال أحدهما لي غلام بين في رواية إسحاق بن بشر أن الذي قال لي غلام هو الذي اشترى العقار قوله أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا هكذا وقع بصيغة الجمع الإنكاح والإنفاق وبصيغة التثنية في النفسين وفي التصدق وكأن السر في ذلك أن الزوجين كانا محجوزين وإنكاحهما لا بد فيه مع ولييهما من غيرهما كالشاهدين وكذلك الإنفاق قد يحتاج فيه إلى المعين كالوكيل وأما تثنية النفسين فللإشارة إلى اختصاص الزوجين بذلك وقد وقع في رواية إسحاق بن بشر ما يشعر بذلك ولفظه اذهبا فزوج ابنتك من بن هذا وجهزوهما من هذا المال وادفعا إليهما ما بقي يعيشان به وأما تثنية التصدق فللإشارة إلى أن يباشرها بغير واسطة لما في ذلك من الفضل وأيضا فهي تبرع لا يصدر من غير الرشيد ولا سيما ممن ليس له فيها ملك ووقع في رواية مسلم وأنفقا على أنفسكما والأول أوجه والله أعلم الحديث الحاديث والعشروم حديث أسامة بن زيد في الطاعون وسيأتي شرحه مستوفى في الطب والغرض منه هنا قوله في الحديث الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل ووقع هنا رجس بالسين المهملة بدل الزاي والمحفوظ بالزاي ووجهه القاضي بأن الرجس يقع على العقوبة أيضا وقد قال الفارابي والجوهري الرجس العذاب قوله في آخر الحديث فلا تخرجوا فرارا منه قال أبو النضر لا يخرجك الا فرارا منه يريد أن الأولى رواية محمد بن المنكدر والثانية رواية أبي النضر فأما رواية بن المنكدر فلا إشكال فيها وأما رواية أبي النضر فروايتها بالنصب كالذي هنا مشكلة ورواها جماعة بالرفع ولا إشكال فيها قال عياض في الشرح وقع لأكثر رواة الموطأ بالرفع وهو بين أن السبب الذي يخرجكم الفرار ومجرد قصده لا غير ذلك لأن الخروج إلى الأسفار والحوائج مباح ويطابق الرواية الأخرى فلا تخرجوا فرار منه قال ورواه بعضهم إلا فرارا منه قال وقال بن عبد البر جاء بالوجهين ولعل ذلك كان من مالك وأهل العربية يقولون دخول إلا هنا بعد النفي لإيجاب بعض ما نفى قبل من الخروج فكأنه نهى عن الخروج إلا للفرار خاصة وهو ضد المقصود فإن المنهي عنه إنما هو الخروج للفرار خاصة لا لغيره قال وجوز ذلك بعضهم وجعل قوله الا حالا من الإستثناء أي لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم الا للفرار قال عياض ووقع لبعض رواة الموطأ لا يخرجكم الإفرار بأداة التعريف وبعدها إفرار بكسر الهمزة وهو وهم ولحن وقال في المشارق ما حاصله يجوز أن تكون الهمزة للتعدية يقال أفره كذا من كذا ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم أن كان لا يفرك من هذا إلا ما ترى فيكون المعنى لا يخرجكم إقراره إياكم وقال القرطبي في المفهم هذه الرواية غلط لأنه لا يقال أفر إنما يقال فرر قال وقال جماعة من العلماء إدخال إلا فيه غلط وقال بعضهم هي زائدة وتجوز زيادته كما تزاد لا وخرجه بعضهم بأنها للإيجاب فذكر نحو ما مضى قال والأقرب أن تكون زائدة وقال الكرماني الجمع بين قول بن المنكدر لا تخرجوا فرارا منه وبين قول أبي النضر لا يخرجكم إلا فرارا منه مشكل فإن ظاهره التناقض ثم أجاب بأجوبة أحدها أن غرض الراوي أن أبا النضر فسر لا تخرجوا بأن المراد منه الحصر يعني الخروج المنهي هو الذي يكون لمجرد الفرار لا لغرض آخر فهو تفسير للمعلل المنهي عنه لا للنهي قلت وهو بعيد لأنه يقتضي أن هذا اللفظ من كلام أبي النضر زاده بعد الخبر وأنه موافق لابن المنكدر على اللفظ الأول رواية والمتبادر خلاف ذلك والجواب الثاني كالأول والزيادة مرفوعة أيضا فيكون روى اللفظين ويكون التفسير مرفوعا أيضا الثالث إلا زائدة بشرط أن تثبت زيادتها في كلام العرب الحديث الثاني والعشرون حديث عائشة في ذلك وسيأتي شرحه في الطب أيضا الحديث الثالث والعشرون حديث عائشة في قصة المخزومية التي سرقت وسيأتي شرحه في كتاب الحدود وأورده هنا بلفظ إنما أهلك الذين من قبلكم وفي بعض طرقه أن بني إسرائيل كانوا وهو المطابق للترجمة وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى الحديث الرابع والعشرون وحديث بن مسعود في النهي عن الاختلاف في القراءة وسيأتي شرحه في فضائل القرآن الحديث الخامس والعشرون حديث عبد الله وهو بن مسعود وشقيق هو أبو وائل

[ 3290 ] قوله كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه لم أقف على اسم هذا النبي صريحا ويحتمل أن يكون هو نوح عليه السلام فقد ذكر بن إسحاق في المبتدأ وأخرجه بن أبي حاتم في تفسير الشعراء من طريق بن إسحاق قال حدثني من لا أتهم عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه أن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون قلت وأن صح ذلك فكأن ذلك كان في ابتداء الأمر ثم لما يئس منهم قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وقد ذكر مسلم بعد تخريج هذا الحديث حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال في قصة أحد كيف يفلح قوم دموا وجه نبيهم فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء ومن ثم قال القرطبي أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكي والمحكي كما سيأتي وأما النووي فقال هذا النبي الذي جرى له ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم من المتقدمين وقد جرى لنبينا نحو ذلك يوم أحد قوله وهو يمسح الدم عن وجهه يحتمل أن ذلك لما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم ذكر لأصحابه أنه وقع لنبي آخر قبله وذلك فيما وقع له يوم أحد لما شج وجهه وجرى الدم منه فاستحضر في تلك الحالة قصة ذلك النبي الذي كان قبله فذكر قصته لأصحابه تطبيبا لقلوبهم وأغرب القرطبي فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكي وهو المحكي عنه قال وكأنه أوحى إليه بذلك قبل وقوع القصة ولم يسم ذلك النبي فلما وقع له ذلك تعين إنه هو المعني بذلك قلت ويعكر عليه أن الترجمة لبني إسرائيل فيتعين الحمل على بعض أنبيائهم وفي صحيح بن حبان من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون قال بن حبان معنى هذا الدعاء الذي قال يوم أحد لما شج وجهه أي اغفر لهم ذنبهم في شج وجهي لا أنه أراد الدعاء لهم بالمغفرة مطلقا إذ لو كان كذلك لاجيب ولو أجيب لاسلموا كلهم كذا قال وكأنه بناه على أنه لا يجوز أن يتخلف بعض دعائه على بعض أو عن بعض وفيه نظر لثبوت أعطاني اثنتين ومنعني واحدة وسيأتي في تفسير سورة الأنعام ثم وجدت في مسند أحمد من طريق عاصم عن أبي وائل ما يمنع تأويل القرطبي ويعين الغزوة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولفظه قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين بالجعرانة قال فازدحموا عليه فقال أن عبدا من عباد الله بعثه الله إلى قومه فكذبوه وشجوه فجعل يمسح الدم عن جبينه ويقول رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون قال عبد الله فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح جبهته يحكي الرجل قلت ولا يلزم من هذا الذي قاله عبد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مسح أيضا بل الظاهر أنه حكى صفة مسح جبهته خاصة كما مسحها ذلك النبي وظهر بذلك فساد ما زعمه القرطبي الحديث السادس والعشرون والسابع والعشرون والثامن والعشرون أحاديث أبي سعيد وحذيفة وأبي هريرة في قصة الذي أوصى بأن يحرق إذا مات أورده من طرق وتقدم في هذه الترجمة من وجه آخر وسأذكر جميع فوائده هنا إن شاء الله تعالى

[ 3291 ] قوله عن عقبة بن عبد الغافر بين في الرواية المعلقة تلو هذه سماع قتادة من عقبة وعقبة المذكور أزدى بصري وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر تقدم في الوكالة وطريق معاذ هذه وصلها مسلم عن عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه به قوله رغسه الله بفتح الراء والغين المعجمة بعدها سين مهملة أي كثر مالك وقيل رغس كل شيء أصله فكأنه قال جعل له أصلا من مال ووقع في مسلم رأسه الله بهمز بدل الغين المعجمة قال بن التين وهو غلط فإن صح أي من جهة الرواية فكأنه كان فيه راشه يعني بألف ساكنة بغير همز وبشين معجمة والريش والرياش المال انتهى ويحتمل في توجيه رواية مسلم أن يقال معنى رأسه جعله رأسا ويكون بتشديد الهمزة وقوله ما لا أي بسبب المال

[ 3292 ] قوله قال عقبة لحذيفة هو عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري البدري قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي وفي رواية الكشميهيني حدثنا مسدد وصوب أبو ذر رواية الأكثر وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج أنه عن موسى وموسى ومسدد جميعا قد سمعا من أبي عوانة لكن الصواب هنا موسى لأن المصنف ساق الحديث عن مسدد ثم بين أن موسى خالفه في لفظه منه وهي قوله في يوم راح فإن في رواية مسدد يوم حار وقد تقدم سياق موسى في أول باب ذكر بني إسرائيل وقال فيه انظروا يوما راحا وقوله راحا أي كثير الريح ويقال ذلك للموضع الذي تخترقه الرياح قال الجوهري يوم راح أي شديد الريح وإذا كان طيب الريح يقال الريح بتشديد الياء وقال الخطابي يوم راح أي ذو ريح كما يقال رجل مال أي ذو مال وأما رواية الباب فقوله في يوم حار فهو بتخفيف الراء قال بن فارس الحور ريح تحن كحنين الإبل وقد نبه أبو علي الجياني على ما وقع من ذلك وظن بعض المتأخرين أنه عني بذلك ما وقع في أول ذكر بني إسرائيل فاعترض عليه بأنه ليس هناك إلا روايته عن موسى بن إسماعيل في جميع الطرق وهو صحيح لكن مراد الجياني ما وقع هنا وهو بين لمن تأمل ذلك قوله حدثنا عبد الملك هو بن عمير المذكور في الإسناد الذي قبله فمراده أن عبد الملك رواه بالإسناد المذكور مثل الرواية التي قبله إلا في هذه اللفظة وهذا يقتضي خطأ من أورده في الرواية الأولى بلفظ راح وهي رواية السرخسي وقد رواه أبو الوليد عن أبي عوانة فقال فيه في ريح عاصف أخرجه المصنف في الرقاق

[ 3294 ] قوله حدثنا هشام هو بن يوسف قوله كان رجل يسرف على نفسه تقدم في حديث حذيفة أنه كان نباشا وفي الرواية التي في الرقاق أنه كان يسيء الظن بعمله وفيه أنه لم يبتئر خيرا وسيأتي نقل الخلاف في تحريرها هناك إن شاء الله تعالى وفي حديث أبي سعيد أن رجلا كان قبلكم قوله أوروا بفتح الهمزة وسكون الواو وضم الراء أي اقدحوا وأشعلوا قوله إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني بضم المعجمة وتشديد الراء في حديث أبي سعيد فقال لبنيه لما حضر بضم المهملة وكسر المعجمة أي حضره الموت أي أبي كنت لكم قالوا خير أبي قال فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني بفتح أوله والتخفيف وفي رواية الكشميهني ثم اذرني بزيادة همزة مفتوحة في أوله فالأول بمعنى دعوني أي اتركوني والثاني من قوله اذرت الريح الشيء إذا فرقته بهبوبها وهو موافق لرواية أبي هريرة قوله في الريح تقدم ما في رواية حذيفة من الخلاف في هذه اللفظة وفي حديث أبي سعيد في يوم عاصف أي عاصف ريحه وفي حديث معاذ عن شعبة عند مسلم في ريح عاصف ووقع في حديث موسى بن إسماعيل في أول الباب حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي وامتحشت وهو بضم المثناة وكسر المهملة بعدها شين معجمة أي وصل الحرق العظام والمحش إحراق النار الجلد قوله فوالله لإن قدر الله على في رواية الكشميهني لإن قدر علي ربي قال الخطابي قد يستشكل هذا فيقال كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى والجواب أنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب وقد ظهر إيمانه بإعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله قال بن قتيبة قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك ورده بن الجوزي وقال جحده صفة القدرة كفر اتفاقا وإنما قيل إن معنى قوله لإن قدر الله على أي ضيق وهي كقوله ومن قدر عليه رزقه أي ضيق وأما قوله لعلي أضل الله فمعناه لعلي أفوته يقال ضل الشيء إذا فات وذهب وهو كقوله لا يضل ربي لا ينسى ولعل هذا الرجل قال ذلك من شدة جزعه وخوفه كما غلظ ذلك الآخر فقال أنت عبدي وأنا ربك أو يكون قوله لإن قدر علي بتشديد الدال أي قدر على أن يعذبني ليعذبني أو على أنه كان مثبتا للصانع وكان في زمن الفترة فلم تبلغه شرائط الإيمان وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه وأبعد الأقوال قوله من قال إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر قوله فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت وفي حديث سلمان الفارسي عن أبي عوانة في صحيحه فقال الله له كن فكان كأسرع من طرفة العين وهذا جميعه كما قال بن عقيل أخبار عما سيقع له يوم القيامة وليس كما قال بعضهم إنه خاطب روحه فإن ذلك لا يناسب قوله فجمعه الله لأن التحريق والتفريق إنما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث قوله وقال غيره خشيتك الغير المذكور هو عبد الرزاق كذا رواه عن معمر بلفظ خشيتك بدل مخافتك وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق بهذا وقد وقع في حديث أبي سعد مخافتك وفي حديث حذيفة خشيتك قوله في آخر حديث أبي سعيد فتلقاه رحمته في رواية الكشميهني فتلافاه قال بن التين أما تلقاه بالقاف فواضح لكن المشهور تعديته بالباء وقد جاء هنا بغير تعدية وعلى هذا فالرحمة منصوبة على المفعولين ويحتمل أن يكون ذكر الرحمة وهي على هذا بالرفع قال وأما تلافاه بالفاء فلا أعرف له وجها إلا أن يكون أصله فتلففه أي غشاه فلما اجتمع الثلاث فآت أبدلت الأخيرة ألفا مثل دساها كذا قال ولا يخفى تكلفه والذي يظهر أنه من الثلاثي والقول فيه كالقول في التلقي وقد وقع في حديث سلمان مما تلافاه عندها أن غفر له الحديث التاسع والعشرون حديث أبي هريرة في الذي كان يداين الناس قد تقدم في البيوع الحديث الثلاثون حديث عبد الله وهو بن عمرو في التي ربطت الهرة ولم أقف على اسمها لكن تقدم أنها سوداء وأنها حميرية وأنها من بني إسرائيل وإنه لا تنافي بين ذلك ويقدم شرحه في أواخر بدء الخلق الحديث الحادي والثلاثون

[ 3296 ] قوله عن أبي مسعود هذا هو المحفوظ ورواه إبراهيم بن سعد عن منصور عن عبد الملك فقال عن ربعي بن حراش عن حذيفة حكاه الدارقطني في العلل قال ورواه أبو مالك الأشجعي أيضا عن ربعي عن حذيفة قلت روايته عند أحمد وليس ببعيد أن يكون ربعي سمعه من أبي مسعود ومن حذيفة جميعا قوله إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الناس بالرفع في جميع الطرق ويجوز النصب أي مما بلغ الناس وقوله من كلام النبوة أي مما اتفق عليه الأنبياء أي إنه مما ندب إليه الأنبياء ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم لأنه أمر أطبقت عليه العقول وزاد أبو داود وأحمد وغيرهما النبوة الأولى أي التي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم قوله فاصنع ما شئت هو أمر بمعنى الخبر أو هو للتهديد أي اصنع ما شئت فإن الله يجزيك أو معناه انظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحي منه فافعله وأن كان مما يستحي منه فدعه أو المعنى إنك إذا لم تستح من الله من شيء يجب أن لا تستحي منه من أمر الدين فافعله ولا تبال بالخلق أو المراد الحث على الحياء والتنويه بفضله أي لما لم يجر صنع جميع ما شئت لم يجز ترك الاستحياء الحديث الثاني والثلاثون حديث بن عمر بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به سيأتي شرحه مستوفى في كتاب اللباس وعبد الله هو بن المبارك وقد رواه عن يونس أيضا عبد الله بن وهب أخرجه النسائي وأبو عوانة في صحيحه

[ 3297 ] قوله تابعه عبد الرحمن بن خالد أي بن مسافر عن الزهري أي بهذا الإسناد وطريق عبد الرحمن هذه وصلها المؤلف في كتاب اللباس الحديث الثالث والثلاثون حديث أبي هريرة في فضل يوم الجمعة تقدم شرحه مستوفي في كتاب الجمعة الحديث الرابع والثلاثون حديث معاوية في النهي عن الوصل في الشعر وقد تقدم في هذا الباب من وجه آخر وتقدمت الإشارة إلى مكان شرحه

[ 3299 ] قوله تابعه غندر عن شعبة وصله مسلم والنسائي من طريقه وأخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن غندر وهو محمد بن جعفر به خاتمة اشتمل كتاب أحاديث الأنبياء وما بعده من ذكر بني إسرائيل من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وتسعة أحاديث المكرر منها في وفي ما مضى مائة وسبعة وعشرون حديثا والخالص اثنان وثمانون حديثا المعلق منها ثلاثون طريقا وسائرها موصول وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة الأرواح جنود وحديث قال رجل رأيت السد وهذان معلقان وحديث أبي هريرة يلقي إبراهيم أباه وحديث بن عباس في قصة زمزم وبناء البيت بطوله وحديثه في تعويذ الحسن والحسين وحديث سبرة بن معبد وحديث أبي الشموس وحديث أبي ذر وهذه الثلاثة معلقات وحديث أم رومان في قصة الإفك وحديث أبي هريرة إنما سمي الخضر وحديث بن مسعود في يونس عليه السلام وحديث أبي هريرة خفف على داود القرآن وحديث عمر لا تطروني وحديث عائشة في كراهية الإتكاء على الخاصرة وحديث عبد الله بن عمرو بلغوا عني وحديث أبي هريرة إن اليهود لا يصبغون وحديث عائشة في الطاعون وحديث أبي مسعود في الحياة وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ستة وثمانون أثرا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم