كتاب المناقب
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم باب المناقب كذا في الأصول التي وقفت عليها من كتاب البخاري وذكر صاحب الأطراف وكذا في بعض الشروح أنه قال كتاب المناقب فعلى الأول هو من جملة كتاب أحاديث الأنبياء وعلى الثاني هو كتاب مستقل والأول أولى فإنه يظهر من تصرفه أنه قصد به سياق الترجمة النبوية بأن يجمع فيه أمور النبي صلى الله عليه وسلم من المبدأ إلى المنتهى فبدأ بمقدمتها من ذكر ما يتعلق بالنسب الشريف فذكر أشياء تتعلق بالأنساب ومن ثم ذكر أمورا تتعلق بالقبائل ثم النهي عن دعوى الجاهلية لأن معظم فخرهم كان بالأنساب ثم ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله ومعجزاته واستطرد منها لفضائل أصحابه ثم أتبعها بأحواله قبل الهجرة وما جرى له بمكة فذكر المبعث ثم إسلام الصحابة وهجرة الحبشة والمعراج ووفود الأنصار والهجرة إلى المدينة ثم ساق المغازي على ترتيبها عنده ثم الوفاة فهذا أخر هذا الباب وهو من جملة تراجم الأنبياء وختمها بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم قوله وقول الله عز وجل يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية يشير إلى ما تضمنته هذه الآية من أن المناقب عند الله إنما هي بالتقوى بأن يعمل بطاعته ويكف عن معصيته وقد ورد في الحديث ما يوضح ذلك ففي صحيحي بن خزيمة وابن حبان وتفسير بن مردويه من رواية عبد الله بن دينار عن بن عمر قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فقال أما بعد يا أيها الناس فإن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها يا أيها الناس الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله ثم تلا يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ورجاله ثقات إلا أن بن مردويه ذكر أن محمد بن المقري راوية عن عبد الله بن رجاء عن موسى بن عقبة وهم في قوله موسى بن عقبة وإنما هو موسى بن عبيدة وابن عقبة ثقة وابن عبيدة ضعيف وهو معروف برواية موسى بن عبيدة كذلك أخرجه بن أبي حاتم وغيره وروى أحمد والحارث وابن أبي حاتم من طريق أبي نضرة حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى وهو على بعير يقول يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى خيركم عند الله أتقاكم قوله لتعارفوا أي ليعرف بعضكم بعضا بالنسب يقول فلان بن فلان وفلان بن فلان أخرجه الطبري عن مجاهد قوله وقوله تعالى واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام قال بن عباس أي اتقوا الأرحام وصلوها أخرجه بن أبي حاتم عنه والأرحام جمع رحم وذووا الرحم الأقارب يطلق على كل من يجمع بينه وبين الآخر نسب والقراءة المشهورة والأرحام نصبا وعليها جاء التفسير وقرأ حمزة والأرحام بالجر واختلف في توجيهه فقبل معطوف على الضمير المجرور في به من غير إعادة الجار وهو جائز عند جمع ومنعه البصريون وقرأها بن مسعود فيما قيل بالرفع فإن ثبت فهو مبتدأ والخبر محذوف تقديره مما يتقي أو مما يسأل به والمراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى الاحتياج إلى معرفة النسب أيضا لأنه يعرف به ذوو الأرحام المأمور بصلتهم وذكر بن حزم في مقدمة كتاب النسب له فصلا في الرد على من زعم أن علم النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر بأن في علم النسب ما هو فرض على كل أحد وما هو فرض على الكفاية وما هو مستحب قال فمن ذلك أن يعلم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بن عبد الله الهاشمي فمن زعم أنه لم يكن هاشميا فهو كافر وأن يعلم أن الخليفة من قريش وأن يعرف من يلقاه بنسب في رحم محرمة ليجتنب تزويج ما يحرم عليه متهم وأن يعرف من يتصل به ممن يرثه أو يجب عليه بره من صلة أو نفقة أو معاونة وأن يعرف أمهات المؤمنين وأن نكاحهن حرام على المؤمنين وأن يعرف الصحابة وأن حبهم مطلوب وأن يعرف الأنصار ليحسن إليهم لثبوت الوصية بذلك ولأن حبهم إيمان وبغضهم نفاق قال ومن الفقهاء من يفرق في الجزية وفي الاسترقاق بين العرب والعجم فحاجته إلى علم النسب آكد وكذا من يفرق بين نصارى بني تغلب وغيرهم في الجزية وتضعيف الصدقة قال وما فرض عمر رضي الله عنه الديوان إلا على القبائل ولولا علم النسب ما تخلص له ذلك وقد تبعه على ذلك عثمان وعلي وغيرهما وقال بن عبد البر في أول كتابه النسب ولعمرى لم ينصف من زعم أن علم النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر انتهى وهذا الكلام قد روى مرفوعا ولا يثبت وروى عن عمر أيضا ولا يثبت بل ورد في المرفوع حديث تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم وله طرق أقواها ما أخرجه الطبراني من حديث العلاء بن خارجة وجاء هذا أيضا عن عمر ساقه بن حزم بإسناد رجاله موثوقون إلا أن فيه انقطاعا والذي يظهر حمل ما ورد من ذمة على التعمق فيه حتى يشتغل عما هو أهم منه وحمل ما ورد في استحسانه على ما تقدم من الوجوه التي أوردها بن حزم ولا يخفى أن بعض ذلك لا يختص بعلم النسب والله المستعان قوله وما ينهى عن دعوى الجاهلية سيأتي الكلام عليه بعد أبواب قلائل قوله الشعوب النسب البعيد والقبائل دون ذلك هو قول مجاهد أخرجه الطبري عنه وذكر أبو عبيدة مثال الشعب مضر وربيعة ومثال القبيلة من دون ذلك وأنشد لعمرو بن أحمر من شعب همدان أو سعد العشيرة أو خولان أو مذحج هاجوا له طربا

[ 3300 ] قوله حدثنا أبو بكر هو بن عياش الكوفي وكذا سائر الإسناد وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم قوله الشعوب القبائل العظام والقبائل البطون أي أن المراد بلفظ القبائل في القرآن ما هو في اصطلاح أهل النسب البطون وقد روى الطبري هذا الحديث عن خلاد بن أسلم وأبي كريب كلاهما عن أبي بكر بن عياش بهذا الإسناد لكن قال في المتن الشعوب الجماع أي الذي يجمع متفرقات البطون قال خلاد قال أبو بكر القبائل مثل بني تميم ودونها الأفخاذ انتهى وقد قسمها الزبير بن بكار في كتاب النسب إلى شعب ثم قبيلة ثم عمارة بكسر العين ثم بطن ثم فخذ فصيلة وزاد غيره قبل الشعب الجذم وبعد الفصيلة العشيرة ومنهم من زاد بعد العشيرة الأسرة ثم العترة فمثال الجذم عدنان ومثال الشعب مضر ومثال القبيلة كنانة وقتال العمارة قريش وأمثلة ما دون ذلك لا تخفي ويقع في عباراتهم أشياء مرادفة لما تقدم كقولهم حي وبيت وعقيلة وأرومة وجرثومة ورهط وغير ذلك ورتبها محمد بن أسعد النسابة المعروف بالحراني جميعها واردفها فقال جذم ثم جمهور ثم شعب ثم قبيلة ثم عمارة ثم بطن ثم فخذ ثم عشيرة ثم فصيلة ثم رهط ثم أسرة ثم عترة ثم ذرية وزاد غيره في أثنائها ثلاثة وهي بيت وحي وجماعة فزادت على ما ذكر الزبير عشرة وقال أبو إسحاق الزجاج القبائل للعرب كالأسباط لبني إسرائيل ومعنى القبيلة الجماعة ويقال لكل ما جمع على شيء واحد قبيلة أخذا من قبائل الشجرة وهو غصونها أو من قبائل الرأس وهو أعضاؤها سميت بذلك لاجتماعها ويقال المراد بالشعوب في الآية بطون العجم وبالقبائل بطون العرب ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم الحديث أورده مختصرا وقد مضى في قصة يوسف والغرض منه واضح وإنما أطلق على يوسف أكرم الناس لكونه رابع نبي في نسق ولم يقع ذلك لغيره فإنه اجتمع له الشرف في نسبه من وجهين الحديث الثاني

[ 3302 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد قوله حدثنا كليب بن وائل هذا هو المحفوظ ورواه عفان عن عبد الواحد فقال عن عاصم بن كليب أخرجه الإسماعيلي وهو خطأ من عفان وكليب بن وائل تابعي وسط كوفي أصله من المدينة وهو ثقة عند الجميع إلا أن أبا زرعة ضعفه بغير قادح وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله حدثتني ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قوله قالت ممن كان إلا من مضر في رواية الكشميهني فمن كان بزيادة فاء في الجواب وهو استفهام إنكار أي لم يكن إلا من مضر قوله مضر هو بن نزار بن معد بن عدنان والنسب ما بين عدنان إلى إسماعيل بن إبراهيم مختلف فيه كما سيأتي وأما من النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدنان فمتفق عليه وقال بن سعد في الطبقات حدثنا هشام بن الكلبي قال علمني أبي وأنا غلام نسب النبي صلى الله عليه وسلم فقال محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وهو شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وإليه جماع قريش وما كان فوق فهر فليس بقرشي بل هو كناني بن مالك بن النضر واسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة واسمه عمرو بن إلياس بن مضر وروى الطبراني بإسناد جيد عن عائشة قالت استقام نسب الناس إلى معد بن عدنان ومضر بضم الميم وفتح المعجمة يقال سمي بذلك لأنه كان مولعا بشرب اللبن الماضر وهو الحامض وفيه نظر لأنه يستدعي أنه كان له اسم غيره قبل أن يتصف بهذه الصفة نعم يمكن أن يكون هذا اشتقاقه ولا يلزم أن يكون متصفا به حالة التسمية وهو أول من حدا الإبل وروى بن حبيب في تاريخه عن بن عباس قال مات عدنان وأبوه وابنه معد وربيعة ومضر وقيس وتميم وأسد وضبة على الإسلام على ملة إبراهيم وروى الزبير بن بكار من وجه آخر عن بن عباس لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين ولابن سعد من مرسل عبد الله بن خالد رفعه لا تسبوا مضر فإنه كان قد أسلم قوله من بني النضر بن كنانة أي المذكور وروى أحمد وابن سعد من حديث الأشعث بن قيس الكندي قال قلت يا رسول الله إنا نزعم أنكم منا يعني من اليمن فقال نحن بنو النضر بن كنانة وروى بن سعد من حديث عمرو بن العاص بإسناد فيه ضعف مرفوعا أنا محمد بن عبد الله وانتسب حتى بلغ النضر بن كنانة قال فمن قال غير ذلك فقد كذب انتهى وإلى النصر تنتهي أنساب قريش وسيأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه وإلى كنانة تنتهي أنساب أهل الحجاز وقد روى مسلم من حديث واثلة مرفوعا أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ولابن سعد من مرسل أبي جعفر الباقر ثم اختار بني هاشم من قريش ثم أختار بني عبد المطلب من بني هاشم

[ 3303 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي قوله وأظنها زينب كأن قائله موسى لأن قيس بن حفص في الرواية التي قبلها قد جزم بأنها زينب وشيخهما واحد لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية حبان بن هلال عن عبد الواحد وقال لا أعلمها إلا زينب فكأن الشك فيه من شيخهم عبد الواحد كان يجزم بها نارة ويشك فيها أخرى قوله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدباء بضم المهملة وتشديد الموحدة سيأتي شرحه في كتاب الأشربة وأورده هنا لكونه سمع الحديث على هذه الصورة وهذا هو المرفوع منه فلم ير حذفه من السياق على أنه لم يطرد له في ذلك عمل فإنه تارة يأتي بالحديث على وجهه كما صنع هنا وتارة يقتصر على موضع حاجته منه كما تقدم في عدة مواطن قوله والمقير والمزفت كذا وقع هنا بالميم والقاف المفتوحة قال أبو ذر هو خطأ والصواب النقير يعني بالنون وكسر القاف وهو واضح لئلا يلزم منه التكرار إذا ذكر المزفت الحديث الثالث يشتمل على ثلاثة أحاديث أولها

[ 3304 ] قوله حدثني إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه قوله تجدون الناس معادن أي أصولا مختلفة والمعادن جمع معدن وهو الشيء المستقر في الأرض فتارة يكون نفيسا وتارة يكون خسيسا وكذلك الناس قوله خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام وجه التشبيه أن المعدن لما كان إذا استخرج ظهر ما اختفى منه ولا تتغير صفته فكذلك صفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس فإن أسلم استمر شرفه وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية وأما قوله إذا فقهوا ففيه إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين وعلى هذا فتنقسم الناس أربعة أقسام مع ما يقابلها الأول شريف في الجاهلية أسلم وتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية لم يسلم ولم يتفقه الثاني شريف في الجاهلية أسلم ولم يتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية لم يسلم وتفقه الثالث شريف في الجاهلية لم يسلم ولم يتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية أسلم ثم تفقه الرابع شريف في الجاهلية لم يسلم وتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية أسلم ولم يتفقه فأرفع الأقسام من شرف في الجاهلية ثم أسلم وتفقه ويليه من كان مشروفا ثم أسلم وتفقه ويليه من كان شريفا في الجاهلية ثم أسلم ولم يتفقه ويليه من كان مشروفا ثم أسلم ولم يتفقه وأما من لم يسلم فلا اعتبار به سواء كان شريفا أو مشروفا سواء تفقه أو لم يتفقه والله أعلم والمراد بالخيار والشرف وغير ذلك من كان متصفا بمحاسن الأخلاق كالكرم والعفة والحلم وغيرها متوقيا لمساويها كالبخل والفجور والظلم وغيرها قوله إذا فقهوا بضم القاف ويجوز كسرها ثانيها قوله ويجدون خير الناس في هذا الشأن أي الولاية والإمرة وقوله أشدهم له كراهية أي أن الدخول في عهدة الإمرة مكروه من جهة تحمل المشقة فيه وإنما تشتد الكراهة له ممن يتصف بالعقل والدين لما فيه من صعوبة العمل بالعدل وحمل الناس على رفع الظلم ولما يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم به من حقوقه وحقوق عباده ولا يخفى خيرية من خاف مقام ربه وأما قوله في الطريق التي بعد هذه وتجدون من خير الناس أشد الناس كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه فإنه قيد الإطلاق في الرواية الأولى وعرف أن من فيه مراده وأن من اتصف بذلك لا يكون خير الناس على الإطلاق وأما قوله حتى يقع فيه فاختلف في مفهومه فقيل معناه أن من لم يكن حريصا على الإمرة غير راغب فيها إذا حصلت له بغير سؤال تزول عنه الكراهة فيها لما يرى من إعانة الله له عليها فيأمن على دينه ممن كان يخاف عليه منها قبل أن يقع فيها ومن ثم أحب من أحب استمرار الولاية من السلف الصالح حتى قاتل عليها وصرح بعض من عزل منهم بأنه لم تسره الولاية بل ساءه العزل وقيل المراد بقوله حتى يقع فيه أي فإذا وقع فيه لا يجوز له أن يكرهه وقيل معناه أن العادة جرت بذلك وأن من حرص على الشيء ورغب في طلبه قل أن يحصل له ومن أعرض عن الشيء وقلت رغبته فيه يحصل له غالبا والله أعلم ثالثها قوله وتجدون شر الناس ذا الوجهين سيأتي شرحه في كتاب الأدب فقد أورده من وجه آخر مستقلا الحديث الرابع يشتمل على ثلاثة أحاديث اثنين في الذي قبله وثالثها

[ 3305 ] قوله الناس تبع لقريش قيل هو خبر بمعنى الأمر ويدل عليه قوله في رواية أخرى قدموا قريشا ولا تقدموها أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح لكنه مرسل وله شواهد وقيل هو خبر على ظاهره والمراد بالناس بعض الناس وهم سائر العرب من غير قريش وقد جمعت في ذلك تأليفا سميته لذة العيش بطرق الأئمة من قريش وسأذكر مقاصده في كتاب الأحكام مع إيضاح هذه المسألة قال عياض استدل الشافعية بهذا الحديث على إمامة الشافعي وتقديمه على غيره ولا حجة فيه تدن المراد به هنا الحلفاء وقال القرطبي صحبت المستدل بهذا غفلة مقارنة لصميم التقليد وتعقب بأن مراد المستدل أن القرشية من أسباب الفضل والتقدم كما أن من أسباب التقدم الورع مثلا فالمستويان في خصال الفضل إذا تميز أحدهما بالورع مثلا كان مقدما على رفيقه فكذلك القرشية فثبت الاستدلال بها على تقدم الشافعي ومزيته على من ساواه في العلم والدين لمشاركته له في الصفتين وتميزه عليه بالقرشية وهذا واضح ولعل الغفلة والعصبية صحبت القرطبي فلله الأمر وقوله كافرهم تبع لكافرهم وقع مصداق ذلك لأن العرب كانت تعظم قريشا في الجاهلية بسكناها الحرم فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الله توقف غالب العرب عن أتباعه وقالوا ننظر ما يصنع قومه فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وأسلمت قريش تبعتهم العرب ودخلوا في دين الله أفواجا واستمرت خلافة النبوة في قريش فصدق أن كافرهم كان تبعا لكافرهم وصار مسلمهم تبعا لمسلمهم الحديث الخامس

[ 3306 ] قوله حدثني عبد الملك هو بن ميسرة وقع منسوبا في تفسير حم عسق ويأتي شرحه مستوفي هناك ودخوله في هذه الترجمة واضح من جهة تفسير المودة المطلوبة في الآية بصلة الرحم التي بينه وبين قريش وهم الذين خوطبوا بذلك وذلك يستدعي معرفة النسب التي تحقق بها صلة الرحم قال عكرمة كانت قريش تصل الأرحام في الجاهلية فلما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله خالفوه وقاطعوه فأمرهم بصلة الرحم التي بينه وبينهم وسيأتي بيان الاختلاف في المراد بقوله المودة في القربى في التفسير وقوله هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش الا وله فيه قرابة فنزلت فيه إلا أن تصلوا قرابة بيني وبينكم كذا وقع هنا من رواية يحيى وهو القطان عن شعبة ووقع في التفسير من رواية محمد بن جعفر وهو غندر عن شعبة بلفظ الا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة وهذه الرواية واضحة والأولى مشكلة لأنها توهم أن المذكور بعد قوله فنزلت من القرآن وليس كذلك وقد مشى بعض الشراح على ظاهره فقال كان هذا قرآنا فنسخ وقال غيره يحتمل أن هذا الكلام معنى الآية فنسب إلى النزول مجازا وهو كقول حسان في قصيدته المشهورة وقال الله قد أرسلت عبدا يقول الحق ليس به خفاء يريد أنه من قول الله بالمعنى قلت والذي يظهر لي أن الضمير في قوله فنزلت للآية المسئول عنها وهي قوله قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى وقوله إلا أن تصلوا كلام بن عباس تفسير لقوله تعالى الا المودة في والقربى وقد أوضحت ذلك رواية الإسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة فقال في روايته فقال بن عباس إنه لم يكن بطن من بطون قريش الا للنبي صلى الله عليه وسلم فيه قرابة فنزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تصلوا قرابتي منكم وله من طريق يزيد بن زريع عن شعبة مثله لكن قال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة فعرف بهذا أن المراد ذكر بعض الآية بالمعنى على جهة التفسير وسبب ذلك خفاء معناها على سعيد بن جبير وسيأتي ذكر ما يتعلق بذلك في التفسير إن شاء الله تعالى الحديث السادس

[ 3307 ] قوله عن إسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم قوله يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم هذا صريح في رفعه وليس صريحا في أن الصحابي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قوله من ههنا أي المشرق قوله جاءت الفتن ذكره بلفظ الماضي مبالغة وفي تحقق وقوعه وإن كان المراد أن ذلك سيجىء قوله نحو المشرق أي وأشار إلى جهة المشرق وقد تقدم في بدء الخلق من وجه آخر عن إسماعيل حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود قال إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقوله والجفاء وغلظ القلوب قال القرطبي هما شيئان لمسمى واحد كقوله انما أشكو بثي وحزني إلى الله والبث هو الحزن ويحتمل أن يقال المراد بالجفاء أن القلب لا يلين بالموعظة ولا يخشع لتذكره والمراد بالغلظ أنها لا تفهم المراد ولا تعقل المعنى وقد مضى في الرواية التي في بدء الخلق بلفظ القسوة بدل الجفاء قوله في الفدادين تقدم شرحه في بدء الخلق قال الكرماني مناسبة هذا الحديث والذي بعده للترجمة من ضرورة أن الناس باعتبار الصفات كالقبائل وكون الأتقى منهم هو الأكرم انتهى ولقد أبعد النجعة والذي يظهر أنها من جهة ذكر ربيعة ومضر لأن معظم العرب يرجع نسبه إلى هذين الأصلين وهم كانوا أجل أهل المشرق وقريش الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم أحد فروع مضر فأما أهل اليمن فتعرض لهم في الحديث الذي بعده وسيأتي لهم ترجمة من نسب العرب كلهم إلى إسماعيل الحديث السابع

[ 3308 ] قوله في حديث أبي هريرة والإيمان يمان والحكمة يمانية ظاهره نسبة الإيمان إلى اليمن لأن أصل يمان يمني فحذفت ياء النسب وعوض بالألف بدلها وقوله يمانية هو بالتخفيف وحكى بن السيد في الإقتضاب أن التشديد لغة وحكى الجوهري وغيره أيضا عن سيبويه جواز التشديد في يماني وأنشد يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائما لهب الشواظ واختلف في المراد به فقيل معناه نسبة الإيمان إلى مكة لأن مبدأه منها ومكة يمانية بالنسبة إلى المدينة وقيل المراد نسبة الإيمان إلى مكة والمدينة وهما يمانيتان بالنسبة للشام بناء على أن هذه المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم وهو حينئذ بتبوك ويؤيده قوله في حديث جابر عند مسلم والإيمان في أهل الحجاز وقيل المراد بذلك الأنصار لأن أصلهم من اليمن ونسب الإيمان إليهم لأنهم كانوا الأصل في نصر الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حكى جميع ذلك أبو عبيدة في غريب الحديث له وتعقبه بن الصلاح بأنه لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وأن المراد تفضيل أهل اليمن على غيرهم من أهل المشرق والسبب في ذلك إذعانهم إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف أهل المشرق وغيرهم ومن اتصف بشيء وقوى قيامه به نسب إليه إشعارا بكمال حاله فيه ولا يلزم من ذلك نفى الإيمان عن غيرهم وفي ألفاظه أيضا ما يقتضي أنه أراد به أقواما بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم لا إلى بلد معين لقوله في بعض طرقه في الصحيح أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية ورأس الكفر قبل المشرق ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمل أهل اليمن على حقيقته ثم المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن اللفظ لا يقتضيه قال والمراد بالفقه الفهم في الدين والمراد بالحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله أنتهي وقد أبعد الحكيم الترمذي حيث زعم أن المراد بذلك شخص خاص وهو أويس القرني وسيأتي في باب ذكر قحطان زيادة في هذا والله أعلم قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير الواقعة وروى عن قطرب قال إنما سمي اليمن يمنا ليمنه والشام شأما لشؤمه وقال الهمداني في الأنساب لما ظعنت العرب العاربة أقبل بنو قطن بن عامر فتيامنوا فقالت العرب تيامنت بنو قطن فسموا اليمن وتشاءم الآخرون فسموا شاما وقيل إن الناس لما تفرقت ألسنتهم حين تبلبلت ببابل أخذ بعضهم عن يمين الكعبة فسموا يمنا وأخذ بعضهم عن شمالها فسموا شأما وقيل إنما سميت اليمن بيمن بن قحطان وسميت الشام بسام بن نوح وأصله شام بالمعجمة ثم عرب المهملة قوله والمشأمة الميسرة الخ يريد أنهما بمعنى قال أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة أي أصحاب الميسرة ويقال لليد اليسرى الشؤمي قال ويقال للجانب الأيسر الأشأم انتهى ويقال المراد بأصحاب المشأمة أصحاب النار لأنهم يمر بهم إليها وهي على ناحية الشمال ويقال لهم ذلك لأنهم يتناولون كتبهم بالشمال والله تعالى أعلم

قوله باب مناقب قريش هم ولد النضر بن كنانة وبذلك جزم أبو عبيدة أخرجه بن سعد عن أبي بكر بن الجهم وروى عن هشام بن الكلبي عن أبيه كان سكان مكة يزعمون أنهم قريش دون سائر بني النضر حتى رحلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه من قريش قال ومن ولد النضر بن كنانة وقيل إن قريشا هم ولد فهر بن مالك بن النضر وهذا قول الأكثر وبه جزم مصعب قال ومن لم يلده فهر فليس قرشيا وقد قدمت مثله عن بن الكلبي وقيل أول من نسب إلى قريش قصي بن كلاب فروى بن سعد أن عبد الملك بن مروان سأل محمد بن جبير متى سميت قريش قريشا قال حين اجتمعت إلى الحرم بعد تفرقها فقال ما سمعت بهذا ولكن سمعت أن قصيا كان يقال له القرشي ولم يسم أحد قريشا قبله وروى بن سعد من طريق المقداد لما فرغ قصي من نفى خزاعة من الحرم تجمعت إليه قريش فسميت يومئذ قريشا لحال تجمعها والتقرش التجمع وقيل لتلبسهم بالتجارة وقيل لأن الجد الأعلى جاء في ثوب واحد متجمعا فيه فسمى قريشا وقيل من التقرش وهو أخذ الشيء أولا فأولا وقد أكثر بن دحية من نقل الخلاف في سبب تسمية قريش قريشا ومن أول من تسمى به وحكى الزبير بن بكار عن عمه مصعب أن أول من تسمى قريشا قريش بن بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة وكان دليل بني كمنانة في حروبهم فكان يقال قدمت عير قريش فسميت قريش به قريشا وأبوه صاحب بدر الموضع المعروف وقال المطرزي سميت قريش بدابة في البحر هي سيدة الدواب البحرية وكذلك قريش سادة الناس قال الشاعر وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تترك فيه لذي جناحين ريشا هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشا ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا وقال صاحب المحكم قريش دابة في البحر لا تدع دابة في البحر إلا أكلتها فجميع الدواب تخافها وأنشد البيت الأول قلت والذي سمعته من أفواه أهل البحر القرش بكسر القاف وسكون الراء لكن البيت المذكور شاهد صحيح فلعله من تغيير العامة فإن البيت الأخير من الأبيات المذكورة يدل على أنه من شعر الجاهلية ثم ظهر لي أنه مصغر القرش الذي بكسر القاف وقد أخرج البيهقي من طريق بن عباس قال قريش تصغير قرش وهي دابة في البحر لا تمر بشيء من غث ولا سمين إلا أكلته وقيل سمي قريشا لأنه كان بقرش عن خلة الناس وحاجتهم ويسدها والتقريش هو التفتيش وقيل سموا بذلك لمعرفتهم بالطعان والتقريش وقع الأسنة وقيل التقرش التنزه عن رذائل الأمور وقيل هو من أقرشت الشجة إذا صدعت العظم ولم تهشمه وقيل أقرش بكذا إذا سعى فيه فوقع له وقيل غير ذلك ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث الأول

[ 3209 ] قوله كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث سيأتي في الأحكام الرد على من زعم أن الزهري لم يسمعه من المذكور وأذكر إن شاء الله شرح هذه المسألة هناك قوله من قحطان هو جماع اليمن وفي إنكار معاوية ذلك نظر لأن الحديث الذي استدل به مقيد بإقامة الدين فيحتمل أن يكون خروج القحطاني إذا لم تقم قريش أمر الدين وقد وجد ذلك فإن الخلافة لم تزل في قريش والناس في طاعتهم إلى أن استخفوا بأمر الدين فضعف أمرهم وتلاشى إلى أن لم يبق لهم من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار دون أكثرها وسيأتي مصداق قول عبد الله بن عمرو بعد قليل من حديث أبي هريرة وقول عبد الله بن عمرو يكون ملك من قحطان بين نعيم بن حماد في كتاب الفتن من وجه قوي عن عمرو بن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو أنه ذكر الخلفاء ثم قال ورجل من قحطان وأخرجه بإسناد جيد عن عمرو بن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو أنه ذكر الخلفاء ثم قال ورجل من قحطان وأخرجه بإسناد جيد أيضا من حديث بن عباس قال فيه ورجل من قحطان كلهم صالح وروى أحمد والطبراني من حديث ذي مخمر الحبشي مرفوعا كان الملك قبل قريش في حمير وسيعود إليهم وقال بن التين إنكار معاوية على عبد الله بن عمر لأنه حمله على ظاهره وقد يخرج القحطاني في ناحية لا أن حكمه يشمل الأقطار وهذا الذي قاله بعيد من ظاهر الخبر الحديث الثاني

[ 3311 ] قوله إنما بنوا هاشم وبنوا المطلب شيء واحد هي رواية الأكثر ووقع للحموى سى واحد بكسر المهملة وتشديد التحتانية وحكى بن التين أن أكثر الروايات بالمعجمة وأن فيها أحد بدل واحد واستشكله بأن لفظ أحد إنما يستعمل في النفي تقول ما جاءني أحد وأما في الإثبات فتقول جاءني واحد الحديث الخامس

[ 3312 ] قوله وقال الليث حدثني أبو الأسود محمد أي بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير قال ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس من بني زهرة إلى عائشة وكانت أرق شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا طرف من الحديث الذي أورده موصولا بعده عن عبد الله بن يوسف عن الليث وفيه بيان السبب في ذلك ولم أره في جميع النسخ إلا هكذا معلقا وقرابة بني زهرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين أحدهما أنهم أقارب أمه لأنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة والثاني أنهم إخوة قصي بن كلاب بن مرة وهو جد والد جد النبي صلى الله عليه وسلم والمشهور عند جميع أهل النسب أن زهرة اسم الرجل وشذ بن قتيبة فزعم أنه اسم امرأته وأن ولدها غلب عليهم النسب إليها وهو مردود بقول إمام أهل النسب هشام بن الكلبي أن اسم زهرة المغيرة فإن ثبت قول بن قتيبة فالمغيرة اسم الأب وزهرة اسم امرأته فنسب أولادهما إلى أمهم ثم غلب ذلك حتى ظن أن زهرة اسم الأب فقيل زهرة بن كلاب وزهرة بضم الزاي بلا خلاف

[ 3313 ] قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان هو الثوري عن سعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف ح قال يعقوب بن إبراهيم أي بن سعد بن إبراهيم حدثنا أبي عن أبيه أما طريق أبي نعيم فسيأتي بهذا المتن بعد ثلاثة أبواب مع شرح الحديث وأما طريق يعقوب بن إبراهيم فقال أبو مسعود حمل البخاري متن حديث يعقوب على متن حديث الثوري ويعقوب إنما قال عن أبيه عن صالح بن كيسان عن الأعرج كما أخرجه مسلم ولفظه غفار وأسلم ومزينة ومن كان من جهينة خير عند الله من أسد وغطفان وطئ انتهى فحاصله أن رواية يعقوب مخالفة لرواية الثوري في المتن والإسناد لأن الثوري يرويه عن سعد بن إبراهيم عن الأعرج ويعقوب يرويه عن أبيه عن صالح عن الأعرج قلت ولم يصب أبو مسعود فيما جزم به فإنهما حديثان متغايران متنا وإسنادا روى كلا منهما إبراهيم بن سعد أحدهما الذي أخرجه مسلم وهو عنده عن صالح عن الأعرج والآخر الذي علقه البخاري وهو عنده عن أبيه عن الأعرج ولو كان كما قال أبو مسعود لاقتضى أن البخاري أخطأ في قوله حدثنا أبي عن أبيه حدثني الأعرج وكان الصواب أن يقول حدثنا أبي عن صالح عن الأعرج ونسبه البخاري إلى الوهم في ذلك لا تقبل إلا ببيان واضح قاطع ومن أين يوجد وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي فأخرجه من طريق البخاري نفسه معلقا ولم يتعقبه ولا يلزم من عدم وجود هذا المتن بهذا الإسناد بعد التتبع عدمه في نفس الأمر والله أعلم الحديث الثالث حديث بن عمر لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان قال الكرماني ليست الحكومة في زمننا لقريش فكيف يطابق الحديث وأجاب عن ذلك بأن في بلاد الغرب خليفة من قريش وكذا في مصر وتعقب بأن الذي في الغرب هو الحفصي صاحب تونس وغيرها وهو منسوب إلى أبي حفص رقيق عبد المؤمن صاحب بن تومرت الذي كان على رأس المائة السادسة ادعى أنه المهدي ثم غلب أتباعه على معظم الغرب وسموا بالخلافة وهم عبد المؤمن وذريته ثم انتقل ذلك إلى ذرية أبي حفص ولم يكن عبد المؤمن من قريش وقد تسمى بالخلافة هو وأهل بيته وأما أبو حفص فلم يكن يدعي أنه من قريش في زمانه وإنما ادعاه بعض ولده لما غلبوا على الأمر فزعموا أنهم من ذرية أبي حفص عمر بن الخطاب وليس بيدهم الآن إلا المغرب الأدنى وأما الأقصى فمع بني الأحمر وهم منسوبون إلى الأنصار وأما الأوسط فمع بني مرين وهم من البربر وأما قوله فخليفة من مصر فصحيح ولكنه لا حل بيده ولا ربط وإنما له من الخلافة الاسم فقط وحينئذ هو خبر بمعنى الأمر وإلا فقد خرج هذا الأمر عن قريش في أكثر البلاد ويحتمل حمله على ظاهره وإن المتغلبين على النظر في أمر الرعية في معظم الأقطار وإن كانوا من غير قريش لكنهم معترفون أن الخلافة في قريش ويكون المراد بالأمر مجرد التسمية بالخلافة لا الاستقلال بالحكم والأول أظهر والله أعلم الحديث الرابع حديث جبير بن مطعم في السؤال عن بني نوفل وعبد شمس تقدم شرحه في كتاب الخمس

[ 3314 ] قوله كان عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة هو بن أختها أسماء بنت أبي بكر وكانت قد تولت تربيته حتى كانت تكنى به قوله وكانت لا تمسك شيئا أي لا تدخر شيئا مما يأتيها من المال ينبغي كأن يؤخذ على يديها أي يحجر عليها وصرح بذلك في حديث المسور بن مخرمة كما سيأتي بأوضح من هذا السياق لهذه القصة في كتاب الأدب وسأذكر شرحه هناك إن شاء الله تعالى قوله وقالت وددت أني جعلت حين حلفت عملا أعمله فأفرغ منه استدل به على انعقاد المنذر المجهول وهو قول المالكية لكنهم يجعلون فيه كفارة يمين وظاهر قول عائشة وصنيعها أن ذلك لا يكفي وأنه يحمل على أكثر ما يمكن أن ينذر ويحتمل أن تكون فعلت ذلك تورعا لتيقن براءة الذمة وأبعد من قال تمنت أن يدوم لها العمل الذي عملته للكفارة أي تصير تعتق دائما وكذا من قال تمنت أنها بادرت إلى الكفارة حين حلفت ولم تكن هجرت عبد الله بن الزبير تلك المدة ووجه بعد الأول أنه لم يكن في السياق ما يقتضى منعها من العتق فكيف تتمنى ما لا مانع لها من إيقاعه ثم إنه يقيد باقتدارها عليه لا إلزامها به مع عدم الاقتدار وأما بعد الثاني فلقوها في بعض طرق الحديث كما سيأتي أنها كانت تذكر نذرها فتبكي حتى يبل دمعها خمارها فإن فيه إشارة إلى أنها كانت تظن أنها ما وفت بما يجب عليها من الكفارة واستشكل بن التين وقوع الحنث عليها بمجرد دخول بن الزبير مع الجماعة قال إلا أن يكون لما سلموا عند دخولهم ردت عليهم السلام وهو في جملتهم فوقع الحنث قبل أن يقتحم الحجاب انتهى وغفل عما وقع في حديث المسور الذي أشرت إليه وفيه فقالت عائشة إني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت بن الزبير مع أن التأويل الذي تأوله بن التين لو لم يرد هذا التصريح لكان متعقبا ووجهه أنه يجوز لها رد السلام عليهم إذا نوت إخراجه ولا تحنث بذلك والله أعلم

قوله باب نزل القرآن بلسان قريش أورد فيه طرفا من حديث أنس في أمر عثمان بكتابة المصاحف وسيأتي مبسوطا مشروحا في فضائل القرآن ووجه دخوله في مناقب قريش ظاهر والله أعلم

قوله باب نسبة اليمن إلى إسماعيل أي بن إبراهيم الخليل ونسبه مضر وربيعة إلى إسماعيل متفق عليها وأما اليمن فجماع نسبهم ينتهي إلى قحطان واختلف في نسبه فالأكثر أنه بن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح وقيل هو من ولد هود عليه السلام وقيل بن أخيه ويقال إن قحطان أول من تكلم بالعربية وهو والد العرب المتعربة وأما إسماعيل فهو والد العرب المستعربة وأما العرب العارية فكانوا قبل ذلك كعاد وثمود وطسم وجديس وعمليق وغيرهم وقيل إن قحطان أول من قيل له أبيت اللعن وعم صباحا وزعم الزبير بن بكار إلى أن قحطان من ذرية إسماعيل وأنه قحطان بن الهميسع بن تيم بن نبت بن إسماعيل عليه السلام وهو ظاهر قول أبي هريرة المتقدم في قصة هاجر حيث قال وهو يخاطب الأنصار فتلك أمكم يا بني ماء السماء هذا هو الذي يترجح في نقدي وذلك أن عدد الآباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين قحطان متقارب من عدد الآباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين عدنان فلو كان قحطان هو هودا أو بن أخيه أو قريبا من عصره لكان في عداد عاشر جد لعدنان على المشهور أن بين عدنان وبين إسماعيل أربعة أباء أو خمسة وأما على القول بأن بين عدنان وإسماعيل نحو من أربعين أبا فذاك أبعد وهو قول غريب عند الأكثر مع أنه حكاه كثيرون وهو أرجح عند من يقول إن معد بن عدنان كان في عصر بختنصر وقد وقع في ذلك اضطراب شديد واختلاف متفاوت حتى أعرض الأكثر عن سياق النسب بين عدنان وإسماعيل وقد جمعت مما وقع لي من ذلك أكثر من عشرة أقوال فقرأت في كتاب النسب لأبي رؤبة على محمد بن نصر فذكر فيه فصلا في نسب عدنان فقال قال طائفة هو بن أدبن أدد بن زيد بن معد بن مقدم بن هميسع بن نبت بن قيدار بن إسماعيل وقالت طائفة بن أدد بن هميسع بن نبت بن سلامان بن حمل بن نبت بن قيدار وقالت طائفة بن أدد بن هميسع المقوم بن ناحور بن يسرح بن يشجب بن مالك بن أيمن بن نبت بن قيدار وقالت طائفة هو بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب بن سعد بن بريح بن نمير بن حميل بن منحيم بن لافث بن الصابوح بن كنانة بن العوام بن نابت بن قيدار وقالت طائفة بين عدنان وإسماعيل أربعون أبا قال واستخرجوا ذلك من كتاب رخيا كاتب أرميا النبي وكان رخيا قد حمل معد بن عدنان من جزيرة العرب ليالي بختنصر خوفا عليه من معرة الجيش فأثبت نسب معد بن عدنان في كتبه فهو معروف عند علماء أهل الكتاب قال ووجدت طائفة من علماء العرب قد حفظت لمعد أربعين أبا بالعربية إلى إسماعيل واحتجت في أسمائهم بأشعار من كان عالما بأمر الجاهلية كأمية بن أبي الصلت قال فقابلته يقول أهل الكتاب فوجدت العدد متفقا واللفظ مختلفا ثم ساق أسماء أربعين أبا بينهما وقد وجدت لغيره حكاية خلاف أزيد مما حكاه فعند بن إسحاق أنه عدنان بن أدد بن يشجب بن يعرب بن قندر وعنه أيضا عدنان بن أد بن مقوم بن ناحور بن يبرح بن يعرب بن يشجر بن نابت بن إسماعيل وعن إبراهيم بن المنذر هو عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نابت بن إسماعيل وحكاه مرة عن عبد الله بن عمران المدني فزاد فيه بين أدد والهميسع زيدا وحكى أبو الفرج الأصبهاني عن دغفل النسابة أنه ساق بين عدنان وإسماعيل سبعة وثلاثين أبا فذكرها وهي مغايرة للمذكور قبل وقال هشام بن الكلبي في كتاب النسب له ونقله بن سعد عنه قال أخبرت عن أبي ولم أسمع منه أنه ساق بين عدنان وإسماعيل أربعين أبا قلت فذكرها وفيها مغايرة لما تقدم قال هشام وأخبرني رجل من أهل تدمر يكنى أبا يعقوب من مسلمي أهل الكتاب وعلمائهم أن رخيا كاتب أرمياء أثبت نسب معد بن عدنان والأسماء التي عنده نحو هذه الأسماء والخلاف من قبل اللغة قال وسمعت من يقول إن معد بن عدنان كان على عهد عيسى بن مريم كذا قال وحكى الهمداني في الأنساب ما حكاه بن الكلبي ثم ساق الأسماء سياقه أخرى بأكثر من هذا العدد باثنين ثم قال وهذا مما أنكره ومما ينبغي أن يعقل ولا يذكر ولا يستعمل بمخالفتها لما هو المشهور بين الناس كذا قال والذي ترجح في نظري أن الاعتماد على ما قاله بن إسحاق أولى وأولى منه ما أخرجه الحاكم والطبراني من حديث أم سلمة قالت عدنان هو بن أد بن زيد بن بري بن أعراق الثري وأعراق الثري هو إسماعيل وهو موافق لما ذكرته آنفا عن إبراهيم بن المنذر عن عبد الله بن عمران وهو موافق من يقول إن قحطان من ذرية إسماعيل لأنه والحالة هذه يتقارب عدد الآباء بين كل من قحطان وعدنان وبين إسماعيل وعلى هذا فيكون معد بن عدنان كما قال بعضهم في عهد موسى عليه السلام لا في عهد عيسى عليه السلام وهذا أولى لأن عدد الآباء بين نبينا وبين عدنان نحو العشرين فيبعد مع كون المدة التي بين نبينا وبين عيسى عليه السلام كانت ستمائة سنة كما سيأتي في صحيح البخاري مع ما عرف من طول أعمارهم أن يكون معد في زمن عيسى وإنما رجح من رجح كون بين عدنان وإسماعيل العدد الكثير الذي تقدم مع الاضطراب فيه استبعادهم أن يكون بين معد وهو في عصر عيسى بن مريم وبين إسماعيل أربعة آباء أو خمسة مع طول المدة وما فروا منه وقعوا في نظيره كما أشرت إليه فالأقرب ما حررته وهو أن ثبت أن معد بن عدنان كان في زمن عيسى فالمعتمد أن يكون بينه وبين إسماعيل العدد الكثير من الآباء وأن كان في زمن موسى فالمعتمد أن بينهما العدد القليل والله أعلم قوله منهم أسلم بن أفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء بعدها مهملة مقصورا ووقع في رواية الجرجاني أفعى بعين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف وقوله بن حارثة بن عمرو بن عامر أي بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد قال الرشاطي الأزد جرثومة من جراثيم قحطان وفيهم قبائل فمنهم الأنصار وخزاعة وغسان وبارق وغامد والعتيك وغيرهم وهو الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وأراد المصنف أن نسب حارثة بن عمرو متصل باليمن وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بني أسلم بأنهم من بني إسماعيل كما في حديث سلمة بن الأكوع الذي في هذا الباب فدل على أن اليمن من بني إسماعيل وفي هذا الاستدلال نظر لأنه لا يلزم من كون بني أسلم من بني إسماعيل أن يكون جميع من ينسب إلى قحطان من بني إسماعيل لاحتمال أن يكون وقع في أسلم ما وقع في إخوتهم خزاعة من الخلاف هل هم من بني قحطان أو من بني إسماعيل وقد ذكر بن عبد البر من طريق القعقاع بن أبي حدرد في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بناس من بني أسلم وخزاعة وهم يتناضلون فقال ارموا بني إسماعيل فعلى هذا فلعل من كان هناك من خزاعة كانوا أكثر فقال ذلك على سبيل التغليب وأجاب الهمداني النسابة عن ذلك بأن قوله لهم يا بني إسماعيل لا يدل على أنهم من ولد إسماعيل من جهة الآباء بل يحتمل أن يكون ذلك لكونهم من بني إسماعيل من جهة الأمهات لأن القحطانية والعدنانية قد اختلطوا بالصهارة فالقحطانية من بني إسماعيل من جهة الأمهات وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في كتاب في كتاب الجهاد ومما استدل به على أن اليمن من ولد إسماعيل قول بن المنذر بن عمرو بن حرام جد حسان بن ثابت ورثنا من البهلول عمرو بن عامر وحارثة الغطريف مجدا مؤثلا مآثر من آل بن بنت بن مالك وبنت بن إسماعيل ما أن تحولا وهذا أيضا مما يمكن تأويله كما قال الهمداني والله أعلم

قوله باب كذا هو بلا ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله ووجه تعلقه به من الحديثين الأولين ظاهر وهو الزجر عن الادعاء إلى غير الأب الحقيقي لأن اليمن إذا ثبت نسبهم إلى إسماعيل فلا ينبغي لهم أن ينسبوا إلى غيره وأما الحديث الثالث فله تعلق بأصل الباب وهو أن عبد القيس ليسوا من مضر وأما الرابع فللاشارة إلى ما وقع في بعض طرقه من الزيادة بذكر ربيعة ومضر فأما الحديث الأول وهو من حديث أبي ذر فقوله في الإسناد عن الحسين هو بن واقد المعلم ووقع في رواية مسلم حدثنا حسين المعلم وقوله

[ 3317 ] عن أبي ذر في رواية الإسماعيلي حدثني أبو ذر وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وقوله ليس من رجل من زائدة والتعبير بالرجل للغالب وإلا فالمرأة كذلك حكمها قوله ادعى لغير أبيه وهو يعلمه الا كفر بالله كذا وقع هنا كفر بالله ولم يقع قوله بالله في غير رواية أبي ذر ولا في رواية مسلم ولا الإسماعيلي وهو أولى وأن ثبت ذاك فالمراد من استحل ذلك مع علمه بالتحريم وعلى الرواية المشهورة فالمراد كفر النعمة وظاهر اللفظ غير مراد وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر وقد تقدم تقرير هذه المسألة في كتاب الإيمان وقوله ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار في رواية مسلم والإسماعيلي ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار وهو أعم ما تدل عليه رواية البخاري على أن لفظة نسب وقعت في رواية الكشميهني دون غيره ومع حذفها يبقى متعلق الجار والمجرور محذوفا فيحتاج إلى تقديره ولفظ نسب أولى ما قدر لوروده في بعض الروايات وقوله فليتبوأ أي ليتخذ منزلا من النار وهو إما دعاء أو خبر بلفظ الأمر ومعناه هذا جزاؤه أن جوزي وقد يعفى عنه وقد يتوب فيسقط عنه وقد تقدم تقدير ذلك في كتاب الإيمان في حديث من كذب علي وفي الحديث تحريم الإنتقاء من النسب المعروف والإدعاء إلى غيره وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين اثباتا ونفيا لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له وفيه جواز إطلاق الكفر على المعاصي لقصد الزجر كما قررناه ويؤخذ من رواية مسلم تحريم الدعوى بشيء ليس هو للمدعي فيدخل فيه الدعاوي الباطلة كلها مالا وعلما وتعلما ونسبا وحالا وصلاحا ونعمة وولاء وغير ذلك ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتبة على ذلك واستدل به بن دقيق العيد للمالكية في تصحيحهم الدعوى على الغائب بغير مسخر لدخول المسخر في دعوى ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له والقاضي الذي يقيمه أيضا يعلم أن دعواه باطلة قال وليس هذا القانون منصوصا في الشرع حتى يخص به عموم هذا الوعيد وإنما المقصود إيصال الحق لمستحقه فترك مراعاة هذا القدر وتحصيل المقصود من إيصال الحق لمستحقه أولى من الدخول تحت هذا الوعيد العظيم الحديث الثاني

[ 3318 ] قوله حدثنا علي بن عياش بتحتانية ومعجمة قوله حدثنا حريز هو بفتح المهملة وكسر الراء وآخره زاي وهو بن عثمان الحمصي من صغار التابعين وهذا الإسناد من عوالي البخاري وشيخه عبد الواحد بن عبد الله النصري بالنون المفتوحة بعدها صاد مهملة وهو دمشقي واسم جده كعب بن عمير ويقال بسر بن كعب وهو من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وهو من صغار التابعين ففي الإسناد رواية القرين عن القرين وقد ولي إمرة الطائف لعمر بن عبد العزيز ثم ولي إمرة المدينة ليزيد بن عبد الملك وكان محمود السيرة ومات سنة بضع ومائة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد رواه عنه أيضا زيد بن أسلم وهو أكبر منه سنا ولقاء للمشايخ لكنه أدخل بين عبد الواحد وواثلة عبد الوهاب بن بخت رأيته في مستخرج بن عبدان على الصحيحين من رواية هشام بن سعد عن زيد وهشام فيه مقال وهذا عندي من المزيد في متصل الأسانيد أو هو مقلوب كأنه عن زيد بن أسلم عن عبد الوهاب بن بخت عن عبد الواحد والله أعلم قوله ان من أعظم الفرا بكسر الفاء مقصور وممدود وهو جمع فرية والفرية الكذب والبهت تقول فرى بفتح الراء فلان كذا إذا اختلق يفري بفتح أوله وافترى اختلق قوله أو يرى بضم التحتانية أوله وكسر الراء أي يدعي أن عينيه رأتا في المنام شيئا ما رأتاه ولأحمد وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن واثلة أن يفتري الرجل على عينيه فيقول رأيت ولم ير في المنام شيئا قوله أو يقول بفتح التحتانية أوله وضم القاف وسكون الواو وفي رواية المستملي بفتح المثناة والقاف وتثقيل الواو المفتوحة وفي الحديث تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة وهي الخبر عن الشيء أنه رآه في المنام ولم يكن رآه والإدعاء إلى غير الأب والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فأما هذا الأخير فتقدم البحث فيه في كتاب العلم وأما ما يتعلق بالمنام فيأتي في التعبير وأما الإدعاء فتقدم قريبا فيما قبله وتقدم بيان الحكمة في التشديد فيه والحكمة في التشديد في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم واضح فإنه إنما يخبر عن الله فمن كذب عليه كذب على الله عز وجل وقد اشتد النكير على من كذب على الله تعالى في قوله تعالى فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته فسوى بين من كذب عليه وبين الكافر وقال ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة والآيات في ذلك متعددة وقد تمسك بعض أهل الجهل بقوله تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم وجاء في بعض طرق الحديث من كذب علي وأما المنام فإنه لما كان جزاء من الوحي كان المخبر عنه بما لم يقع كالمخبر عن الله بما لم يلقه إليه أو لأن الله يرسل ملك الرؤيا فيرى النائم ما شاء فإذا أخبر عن ذلك بالكذب يكون كاذبا على الله وعلى الملك كما أن الذي يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ينسب إليه شرعا لم يقله والشرع غالبا إنما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم على لسان الملك فيكون الكاذب في ذلك كاذبا على الله وعلى الملك الحديث الثالث حديث بن عباس قدم وفد عبد القيس تقدم الكلام عليه في كتاب الأيمان ويأتي ما يتعلق بالأشربة منه في موضعه إن شاء الله تعالى وقوله

[ 3319 ] عن أبي جمرة هو بالجيم وقوله آمركم بأربعة وأنهاكم عن أربعة في رواية الكشميهني بأربع في الموضعين والشيء إذا لم يذكر مميزه يجوز تذكيره وتأنيثه ومناسبة هذا الحديث للترجمة من جهة أن جل العرب هم ربيعة ومضر ولا خلاف في نسبتهم إلى إسماعيل الحديث الرابع حديث بن عمر في أن الفتنة من قبل المشرق وقد تقدم قريبا ويأتي شرحه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى ومناسبته للترجمة من جهة ذكر المشرق وكلهم من مضر وربيعة كما تقدم قريا وفي بعض طرق هذا الحديث والأيمان يمان ففيه إشارة إلى ذكر الأصول الثلاثة فاثنان لا خلاف أنهم من بني إسماعيل وإنما الخلاف في الثالث

قوله باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع هذه خمس قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة وبني تميم بن مر وغيرهما من القبائل فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك فأما أسلم فقد تقدم ذكر نسبهم في الباب الماضي وأما غفار فبكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وهم بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغر بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وسبق منهم إلى الإسلام أبو ذر الغفاري وأخوه أنيس كما سيأتي شرح ذلك قريبا ورجع أبو ذر إلى قومه فأسلم الكثير منهم وأما مزينة فبضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتانية بعدها نون وهو اسم امرأة عمرو بن أد بن طابخة بالموحدة ثم المعجمة بن إلياس بن مضر وهي مزينة بنت كلب بن وبرة وهي أم أوس وعثمان ابني عمرو فولد هذين يقال لهم بنو مزينة والمزنيون ومن قدماء الصحابة منهم عبد الله بن مغفل بن عبد نهم المزني وعمه خزاعي بن عبد نهم وإياس بن هلال وابنه قرة بن إياس وهذا جد القاضي إياس بن معاوية بن قرة وآخرون وأما جهينة فهم بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام بن الحاف بالمهملة والفاء وزن إلياس بن قضاعة من مشهوري الصحابة منهم عقبة بن عامر الجهني وغيره واختلف في قضاعة فالأكثر أنهم من حمير فيرجع نسبهم إلى قحطان وقيل هم من ولد معد بن عدنان وأما أشجع فبالمعجمة والجيم وزن أحمر وهم بنو أشجع بن ريت بفتح الراء وسكون التحتانية بعدها مثلثة بن غطفان بن سعد بن قيس من مشهوري الصحابة منهم نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف والحاصل أن هذه القبائل الخمس من مصر أما مزينة وغفار وأشجع فبالإتفاق وأما أسلم وجهينة فعلى قول ويرجحه أن الذين ذكروا في مقايلهم وهم تميم وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر بالإتفاق وكانت منازل بني أسد بن خزيمة ظاهر مكة حتى وقع بينهم وبين خزاعة فقتل فضالة بن عبادة بن مرارة الأسدي هلال بن أمية الخزاعي فقتلت خزاعة فضالة بصاحبها فنشبت الحرب بينهم فبرحت بنو أسد عن منازلهم فحالفوا غطفان فصار يقال للطائفتين الحليفان أسد وغطفان وتأخر من بني أسد آل جحش بن رياب فحالفوا بني أمية فلما أسلم آل جحش وهاجروا احتوى أبو سفيان على دورهم بذلك الحلف ذكر ذلك عمر بن شبة في أخبار مكة ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الأول

[ 3321 ] قوله قريش والأنصار تقدم ذكر قريش وسيأتي ذكر الأنصار في أوائل الهجرة قوله موالي بتشديد التحتانية إضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو المناسب هنا وإن كان للمولى عدة معان ويروي بتخفيف التحتانية والمضاف محذوف أي موالي الله ورسوله ويدل عليه قوله ليس لهم مولى دون الله ورسوله وهذه فضيلة ظاهرية لهؤلاء القبائل والمراد من آمن منهم والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه قيل إنما خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبوا كما سبي غيرهم وهذا إذا سلم يحمل على الغالب وقيل المراد بهذا الخبر النهي عن استرقاقهم وأنهم لا يدخلون تحت الرق وهذا بعيد الحديث الثاني حديث غفار غفر الله لها

[ 3322 ] قوله حدثنا محمد بن غرير هو بالمعجمة والراء المكررة مصغر قوله أن عبد الله هو بن عمر قوله غفار غفر الله لها هو لفظ خبر يراد به الدعاء ويحتمل أن يكون خبرا على بابه ويؤيده قوله في آخره وعصية عصت الله ورسوله وعصية هم بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية بمهملتين مصغر بن خفاف بضم المعجمة وفاءين مخفف بن امرئ القيس بن بهثة بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها مثلثة بن سليم وإنما قال فيهم صلى الله عليه وسلم ذلك لأنهم عاهدوه فغدروا كما سيأتي بيان ذلك في كتاب المغازي في غزوة بئر معونة وقد تقدمت له طرق في الاستسقاء وحكى بن التين أن بني غفار كانوا يسرقون الحاج في الجاهلية فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلموا ليمحى عنهم ذلك العار ووقع في هذا الحديث من استعمال جناس الإشتقاق ما يلد على السمع لسهولته وانسجامه وهو من الإتفاقات اللطيفة تنبيه وقع هنا في رواية كريمة وغيرها باب بن أخت القوم منهم وذكر فيه حديث أنس في ذلك وهو عند أبي ذر قبل باب قصة الحبش وسيأتي ووقع بعده أيضا عندهم باب قصة زمزم وفيه حديث إسلام أبي ذر وهو عند أبي ذر بعد باب قصة خزاعة وسيأتي شرح هذين البابين في مكانهما إن شاء الله تعالى الحديث الثالث حديث أبي هريرة في ذلك

[ 3323 ] قوله حدثنا محمد هو بن سلام وقرأت بخط مغلطاي قيل هو بن سلام وقيل بن يحيى الذهلي وهذا الثاني وهم فإن الذهلي لم يدرك عبد الوهاب الثقفي والصواب أنه بن سلام كما ثبت عند أبي علي بن السكن في غير هذا الحديث ويحتمل أن يكون بن حوشب فقد خرج البخاري في تفسير اقتربت وفي الإكراه عن محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الله الثقفي فهو أولى أن يفسر به من محمد بن يحيى وقد أخرجه الإسماعيلي وأبو يعلى من طريق محمد بن المثنى عن عبد الوهاب فيحتمل أن يكون هو فإنه من شيوخ البخاري قوله عن أيوب هو السختياني ومحمد هو بن سيرين وذكر الإسماعيلي عن المنيعي أن عبد الوهاب الثقفي تفرد برواية هذا الحديث عن أيوب الحديث الرابع أورده من طرق قوله في الطريق الأول

[ 3324 ] أرأيتم المخاطب بذلك الأقرع بن حابس كما في الرواية التي بعدها قوله خيرا من بني تميم أي بن مر بضم الميم وتشديد الراء بن أد بضم الألف وتشديد الدال بن طابخة بن إلياس بن مضر وفيهم بطون كثيرة جدا قوله وبني أسد أي بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا عددا كثيرا وقد ظهر مصداق ذلك عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتد هؤلاء مع طليحة بن خويلد وارتد الذين قبلهم وهم بنو تميم مع سجاح قوله ومن بني عبد الله بن غطفان بفتح المعجمة ثم المهملة ثم الفاء والتخفيف أي بن سعد بن قيس عيلان بن مضر وكان اسم عبد الله بن غطفان في الجاهلية عبد العزي فصيره النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله وبنوه يعرفون ببني المحولة ومن بني عامر بن صعصعة أي بن معاوية بن بكر بن هوازن وسيأتي نسب هوازن في الحديث الذي بعده قوله فقال رجل نعم هو الأقرع بن حابس التميمي كما في الرواية التي بعد هذه

[ 3325 ] قوله عن محمد بن أبي يعقوب هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب نسب إلى جده وهو بصري من بني تميم قال شعبة حدثني محمد بن أبي يعقوب وهو سيد بني تميم وهو ثقة عند الجميع قوله أن الأقرع بن حابس بمهملة وموحدة مكسورة وبعدها سين مهملة قوله انما بايعك سراق الحجيج بالموحدة وبعد الألف تحتانية وفي رواية بالمثناة وبعد الألف موحدة قوله بن أبي يعقوب شك هو مقول شعبة وقد ظهر من الرواية التي قبلها أن لا أثر لشكه وأن ذلك ثابت في الخبر قوله لأخير منهم كذا فيه بوزن أفعل وهي لغة قليلة والمشهور لخير منهم وثبت كذلك في رواية الترمذي وإنما كانوا خيرا منهم لأنهم سبقوهم إلى الإسلام والمراد الأكثر الأغلب

[ 3326 ] قوله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال أسلم وغفار كذا فيه بحذف فاعل قال الثاني وهو اصطلاح لمحمد بن سيرين إذا قال عن أبي هريرة قال قال ولم يسم قائلا والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وقد نبه على ذلك الخطيب وتبعه بن الصلاح وقد أخرج مسلم هذا الحديث عن زهير بن حرب عن بن علية عن أيوب فقال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أخرجه أحمد من طريق معمر عن أيوب قوله وشيء من مزينة وجهينة فيه تقييد لما أطلق في حديث أبي بكرة الذي قبله وكذا في قوله يوم القيامة لأن المعتبر بالخير والشر إنما يظهر في ذلك الوقت قوله وهوازن وغطفان أما غطفان فتقدم ذكره في حديث أبي هريرة وأما هوازن فذكرت في حديث أبي هريرة بدل بني عامر بن صعصعة وبنو عامر بن صعصعة من بني هوازن من غير عكس فذكر هوازن أشمل من ذكر بني عامر ومن قبائل هوازن غير بني عامر بنو نصر بن معاوية وبنو سعد بن بكر بن هوازن وثقيف وهو قيس بن منبه بن بكر بن هوازن والجميع يجمعهم هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بفتح المعجمة ثم المهملة ثم الفاء والتخفيف بن قيس

قوله باب ذكر قحطان تقدم القول فيه وهل هو من ذرية إسماعيل أم لا وإلى قحطان تنتهي أنساب أهل اليمن من حمير وكندة وهمدان وغيرهم

[ 3329 ] قوله عن ثور بن زيد هو الديلي المدني وأبو الغيث شيخه اسمه سالم قوله لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان لم أقف على اسمه ولكن جوز القرطبي أن يكون جهجاه الذي وقع ذكره في مسلم من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له جهجاه أخرجه عقب حديث القحطاني قوله يسوق الناس بعصاه هو كناية عن الملك شبهه بالراعي وشبه الناس بالغنم ونكتة التشبيه التصرف الذي يملكه الراعي في الغنم وهذا الحديث يدخل في علامات النبوة من جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد وقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي وأخرج أيضا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعا يكون بعد المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه وهذا الثاني مع كونه مرفوعا ضعيف الإسناد والأول مع كونه موقوفا أصلح إسنادا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم لما تقدم أن عيسى عليه السلام إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين وفي رواية أرطاة بن المنذر أن القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنما هو لعيسى ويجاب بجواز أن يقيمه عيسى نائبا عنه في أمور مهمة عامة وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى

قوله باب ما ينهى من دعوى الجاهلية ينهى بضم أوله ودعوى الجاهلية الإستغاثة عند إرادة الحرب كانوا يقولون يا آل فلان فيجتمعون فينصرون القائل ولو كان ظالما فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك وكأن المصنف أشار إلى ما ورد في بعض طرق جابر المذكور وهو ما أخرجه إسحاق بن راهويه والمحاملي في الفوائد الأصبهانية من طريق أبي الزبير عن جابر قال اقتتل غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فذكره الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوى الجاهلية قالوا لا قال لا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما فإن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر وعرف من هذا أن الإستغاثة ليست حراما وإنما الحرام ما يترتب عليها من دعوى الجاهلية

[ 3330 ] قوله حدثنا محمد كذا للجميع غير منسوب وهو بن سلام كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وأبو علي الجياني ويؤيد ذلك ما وقع في الوصايا بمثل هذه الطريق فعند الأكثر حدثنا محمد غير منسوب وعند أبي ذر حدثنا محمد بن سلام قوله غزونا هذه الغزوة هي غزوة المريسيع قوله ثاب معه بمثلثة وموحدة أي اجتمع قوله رجل لعاب أي بطال وقيل كان يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة وهذا الرجل هو جهجاه بن قيس الغفاري وكان أجير عمر بن الخطاب والأنصاري هو سنان بن وبرة حليف بني سالم الخزرجي وسيأتي بيان ذلك في تفسير سورة المنافقين قوله فكسع بفتح الكاف والمهملتين أي ضربه على دبره قوله حتى تداعوا كذا للأكثر بسكون الواو بصيغة الجمع وفي بعض النسخ عن أبي ذر تداعوا بفتح العين والواو بصيغة التثنية والمشهور في هذا تداعيا بالياء عوض الواو وكأنه بقاها على أصلها بالواو قوله دعوها فإنها خبيثة أي دعوى الجاهلية وقيل الكسعة والأول هو المعتمد قوله ألا نقتل بالنون وبالمثناة أيضا قوله هذا الخبيث لعبد الله اللام بمعنى عن والتقدير قال عمر يريد عبد الله ألا نقتل هذا الخبيث وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في التفسير إن شاء الله تعالى

[ 3331 ] قوله وعن سفيان عن زبيد هو معطوف على قوله حدثنا سفيان عن الأعمش وهو موصول وليس بمعلق وقد تقدم في الجنائز من رواية أبي نعيم عن سفيان عن زبيد ومن رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش فكأنه كان عند ثابت بن محمد عن سفيان عن شيخه وكأنه سمعه منه مفرقا فحدث به فنقل عنه كذلك

قوله باب قصة خزاعة اختلف في نسبهم مع الاتفاق على أنهم من ولد عمرو بن لحي باللام والمهملة مصغر وهو بن حارثة بن عمرو بن عامر بن ماء السماء وقد تقدم نسبه في أسلم وأسلم هو عم عمرو بن لحي ويقال إن اسم لحي ربيعة وقد صحف بعض الرواة فقال عمرو بن يحيى ووقع مثل ذلك في الجمع للحميدي والصواب باللام وتشديد الياء آخره مصغر ووقع في حديث جابر عند مسلم رأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك وفيه تغيير لكن أفاد أن كنية عمرو أبا ثمامة ويقال لخزاعة بنو كعب نسبوا إلى جدهم كعب بن عمرو بن لحي قال بن الكلبي لما تفرق أهل سبأ بسبب سيل العرم نزل بنو مازن على ماء يقال له غسان فمن أقام به منهم فهو غساني وانخزعت منهم بنو عمرو بن لحي عن قومهم فنزلوا مكة وما حولها فسموا خزاعة وتفرقت سائر الأزد وفي ذلك يقول حسان بن ثابت ولما نزلنا بطن مر تخزعت خزاعة منا في جموع كراكر ووقع في حديث الباب أنه عمرو بن لحي بن قمعه بن خندف وهذا يؤيد قول من يقول إن خزاعة من مضر وذلك أن خندف بكسر المعجمة وسكون النون وفتح الدال بعدها فاء اسم امرأة إلياس بن مضر واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة لقبت بخندف لمشيتها والخندفة الهرولة واشتهر بنوها بالنسبة إليها دون أبيهم لأن إلياس لما مات حزنت عليه حزنا شديدا بحيث هجرت أهلها ودارها وساحت في الأرض حتى ماتت فكان من رأى أولادها الصغار يقول من هؤلاء فيقال بنو خندف إشارة إلى أنها ضيعتهم وقمعة بفتح القاف والميم بعدها مهملة خفيفة ويقال بكسر القاف وتشديد الميم وجمع بعضهم بين القولين أعني نسبة خزاعة إلى اليمن وإلى مضر فزعم أن حارثة بن عمرو لما مات قمعه بن خندف كانت امرأته حاملا بلحيي فولدته وهي عند حارثة فتبناه فنسب إليه فعلى هذا فهو من مضر بالولادة ومن اليمن بالتبني وذكر بن الكلبي أن سبب قيام عمرو بن لحي بأمر الكعبة ومكة أن أمه فهيرة بنت عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي وكان أبوها آخر من ولي أمر مكة من جرهم فقام بأمر البيت سبطه عمرو بن لحي فصار ذلك في خزاعة بعد جرهم ووقع بينهم في ذلك حروب إلى أن انجلت جرهم عن مكة ثم تولت خزاعة أمر البيت ثلاثمائة سنة إلى أن كان آخرهم يدعى أبا غبشان بضم المعجمة وسكون الموحدة بعدها معجمة أيضا واسمه المحرش بمهملة ثم معجمة بن خليل بمهملة ولامين مصغر بن حبشية بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها معجمة ثم ساء نسب بن سلول بفتح المهملة ولامين الأولى مضمومة بن عمرو بن لحي وهو خال قصي بن كلاب أخو أمه حبى بضم المهملة وتشديد الموحدة مع الإمالة وكان في عقله شيء فخدعه قصي فاشترى منه أمر البيت بأذواد من الإبل ويقال بزق خمر فغلب قصي حينئذ على أمر البيت وجمع بطون بني فهر وحارب خزاعة حتى أخرجهم من مكة وفيه يقول الشاعر أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر وشرع قصي لقريش السقاية والرفادة فكان يصنع الطعام أيام مني والحياض للماء فيطعم الحجيج ويسقيهم وهو الذي عمر دار الندوة بمكة فإذا وقع لقريش شيء اجتمعوا فيها وعقدوه بها

[ 3332 ] قوله عمرو بن لحي بن قمعه بن خندف أبو خزاعة أي هو أبو خزاعة ووقع في رواية أبي نعيم عن إسرائيل بهذا السند عند الإسماعيلي خزاعة بن قمعه بن عمرو بن خندف وفيه تغيير بالتقديم والتأخير وعنده من طريق أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل عمرو أبو خزاعة بن قمعه بن خندف وهذا يوافق الأول لكن بحذف لحي وبأن يعرب بن قمعه اعراب عمرو لا إعراب أبو خزاعة وأصوبها الأول وهكذا روى أبو حصين هذا الحديث عن أبي صالح مختصرا وأخرجه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه أتم منه ولفظه رأيت عمرو بن لحي بن قمعه بن خندف يجر قصبة في النار وأورده بن إسحاق في السيرة الكبرى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي صالح أتم من هذا ولفظه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون رأيت عمرو بن لحي يجر قصبة في النار لأنه أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي ووقع لنا بعلو في المعرفة وعند بن مردويه من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه نحوه وللحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة لكنه قال عمرو بن قمعه فنسبه إلى جده وروى الطبراني من حديث بن عباس رفعه أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعه بن خندف أبو خزاعة وذكر الفاكهي من طريق عكرمة نحوه مرسلا وفيه فقال المقداد يا رسول الله من عمرو بن لحي قال أبو هؤلاء الحي من خزاعة وذكر بن إسحاق أم سبب عبادة عمرو بن لحي الأصنام أنه خرج إلى الشام وبها يومئذ العماليق وهم يعبدون الأصنام فاستوهبهم واحدا منها وجاء به إلى مكة فنصبه إلى الكعبة وهو هبل وكان قبل ذلك في زمن جرهم قد فجر رجل يقال له أساف بامرأة يقال لها نائلة في الكعبة فمسخهما الله جل وعلا حجرين فأخذهما عمرو بن لحي فنصبهما حول الكعبة فصار من يطوف يتمسح بهما يبدأ بأساف ويختم بنائلة وذكر محمد بن حبيب عن بن الكلبي أن سبب ذلك أن عمرو بن لحي كان له تابع من الجن يقال أبو ثمامة فأتاه ليلة فقال أجب أبا ثمامة فقال لبيك من تهامة فقال ادخل بلا ملامة فقال ايت سيف جده تجد آلهة معدة فخذها ولا تهب وادع إلى عبادتها تجب قال فتوجه إلى جده فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر فحملها إلى مكة ودعا إلى عبادتها فانتشرت بسبب ذلك عبادة الأصنام في العرب وسيأتي زيادة شرح ذلك في تفسير سورة نوح إن شاء الله تعالى

[ 3333 ] قوله في الرواية الأخرى عن أبي هريرة عمرو بن عامر الخزاعي كذا وقع نسبه في حديث بن مسعود عند أحمد ولفظه أول من سيب السوائب وعبد الأصنام عمرو بن عامر أبو خزاعة وهذا مغاير لما تقدم وكأنه نسب إلى جده لأمه عمرو بن حارثة بن عمرو بن عامر وهو مغاير لما تقدم من نسبة عمرو بن لحي إلى مضر فإن عامرا هو بن ماء السماء بن سبأ وهو جد جد عمرو بن لحي عند من نسبه إلى اليمن ويحتمل أن يكون نسب إليه بطريق التبني كما تقدم قبل وسيأتي الكلام على الوصيلة والسائبة وغيرهما في تفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى

قوله باب قصة إسلام أبي ذر الغفاري هكذا في رواية أبي ذر عن الحموي وحده وسقط للباقين وكأنه أولى لأن هذه الترجمة ستأتي بعد إسلام أبي بكر وسعد وغيرهما ووقع للأكثر هنا قصة زمزم ووجه تعلقها بقصة أبي ذر ما وقع له من الاكتفاء بماء زمزم في المدة التي أقام فيها بمكة وسيأتي شرح ذلك في مكانه إن شاء الله تعالى

قوله باب قصة زمزم وجهل العرب كذا لأبي ذر ولغيره باب جهل العرب وهو أولى إذ لم يجر في حديث الباب لزمزم ذكر وأما الإسماعيلي فجمع هذه الأحاديث في ترجمة واحدة وهو متجه

[ 3334 ] قوله قد خسر الذين قتلوا أولادهم أي بناتهم وسيأتي بيان ذلك في التفسير إن شاء الله تعالى ويؤخذ من هذه الآية مطابقتها للترجمة من قول بن عباس إذا سرك أن تعرف جهل العرب

قوله باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية أي جواز ذلك خلافا لمن كرهه مطلقا فإن محل الكراهة ما إذا أورده على طريق المفاخرة والمشاجرة وقد روى أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن من حديث أبي ريحانة رفعه من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا أو كرامة فهو عاشرهم في النار قوله وقال بن عمر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكريم بن الكريم الخ تقدم حديث كل منهما موصولا في أحاديث الأنبياء ووجه دلالته للترجمة أنه لما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم نسبة يوسف عليه السلام إلى آبائه كان دليلا على جواز ذلك لغيره في غيره ويكون ذلك مطابقا لركن الترجمة الأول قوله وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا بن عبد المطلب هو طرف من حديث تقدم موصولا في الجهاد وهو في قصة غزوة حنين ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم انتسب إلى جده عبد المطلب فيكون مطابقا لركن الترجمة الثاني

[ 3335 ] قوله لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينادي يا بني فهر يا بني عدي يبطون قريش في رواية الكشميهني لبطون باللام بدل الموحدة ونداؤه للقبائل من قريش قبل عشيرته الأدنين ليكرر انذار عشيرته ولدخول قريش كلها في أقاربه ولان انذار العشيرة يقع بالطبع وإنذار غيرهم يكون بطريق الأولى قوله وقال لنا قبيصة الخ هو موصول وليس بمعلق وقد وصله الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة قوله جعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم قبائل قبائل قد فسره الذي قبله وأنه كان يسمى رؤوس القبائل كقوله يا بني عدي وأوضح منه حديث أبي هريرة الذي بعده حيث ناداهم طبقة بعد طبقة إلى أن انتهى إلى عمته صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير بن العوام وإلى ابنته فاطمة عليها السلام وسيأتي شرح ذلك مبسوطا في تفسير سورة الشعراء وهذه القصة إن كانت وقعت في صدر الإسلام بمكة فلم يدركها بن عباس لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ولا أبو هريرة لأنه إنما أسلم بالمدينة وفي نداء فاطمة يومئذ أيضا ما يقتضي تأخر القصة لأنها كانت حينئذ صغيرة أو مراهقة وإن كان أبو هريرة حضرها فلا يناسب الترجمة لأنه إنما أسلم بعد الهجرة بمدة والذي يظهر أن ذلك وقع مرتين في صدر الإسلام ورواية بن عباس وأبي هريرة لها من مرسل الصحابة وهذا هو الموافق للترجمة من جهة دخولها في مبتدأ السيرة النبوية ويؤيد ذلك ما سيأتي من أن أبا لهب كان حاضرا لذلك وهو مات في أيام بدر ومرة بعد ذلك حيث يمكن أن تدعي فيها فاطمة عليها السلام أو يحضر ذلك أبو هريرة أو بن عباس

قوله باب بن أخت القوم منهم ومولى القوم منهم أي فيما يرجع إلى المناظرة والتعاون ونحو ذلك وأما بالنسبة إلى الميراث ففيه نزاع كما سيأتي بسطه في كتاب الفرائض

[ 3327 ] قوله الا بن أخت لنا هو النعمان بن مقرن المزني كما أخرجه أحمد من طريق شعبة عن معاوية بن قرة في حديث أنس هذا ووقع ذلك في قصة أخرى كما أخرجه الطبراني من حديث عتبة بن غزوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لقريش هل فيكم من ليس منكم قالوا لا إلا بن أختنا عتبة بن غزوان فقال بن أخت القوم منهم وله من حديث عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته قال ادخلوا علي ولا يدخل علي إلا قرشي فقال هل معكم أحد غيركم قالوا معنا بن الأخت والمولى قال حليف القوم منهم ومولى القوم منهم وأخرج أحمد نحوه من حديث أبي موسى والطبراني نحوه من حديث أبي سعيد تنبيه لم يذكر المصنف حديث مولى القوم منهم مع ذكره في الترجمة فزعم بعضهم أنه لم يقع له حديث على شرطه فأشار إليه وفيه نظر لأنه قد أورده في الفرائض من حديث أنس ولفظه مولى القوم من أنفسهم والمراد بالمولى هنا المعتق بفتح المثناة أو الحليف وأما المولي من أعلى فلا يراد هنا وسيأتي في غزوة حنين بيان سبب حديث الباب ووقع في حديث أبي هريرة عند البزار مضمون الترجمة وزيادة عليها بلفظ مولى القوم منهم وحليف القوم منهم وابن أخت القوم منهم

قوله باب قصة الحبش وقول النبي صلى الله عليه وسلم يا بني أرفدة هو بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء اسم لجد لهم وقيل معنى أرفدة الأمة وقد تقدم شيء من ذلك في أبواب العيدين والحبش هم الحبشة يقال إنهم من ولد حبش بن كوش بن حام بن نوح وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر وقد غلبوا على اليمن قبل الإسلام وملكوها وغزا أبرهة من ملوكهم الكعبة ومعه الفيل وقد ذكر بن إسحاق قصته مطولة وأخرجها الحاكم ثم البيهقي من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس ملخصة وإلى هذا القدر أشار المصنف بذكرهم في مقدمة السيرة النبوية واستدل قوم من الصوفية بحديث الباب على جواز الرقص وسماع آلات الملاهي وطعن فيه الجمهور باختلاف المقصدين فإن لعب الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب فلا يحتج به للرقص في اللهو والله أعلم

قوله باب من أحب أن لا يسب نسبه هو بضم أول يسب والمراد بالنسب الأصل وبالسب الشتم والمراد أن لا يشتم أهل نسبه

[ 3338 ] قوله حدثنا عبدة هو بن سليمان وهشام هو بن عروة قوله استأذن حسان بن ثابت أي بن المنذر بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي وسبب هذا الاستئذان مبين عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهجوا المشركين فإنه أشد عليهم من رشق النبل فأرسل إلى بن رواحة فقال اهجهم فهجاهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان فقال قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه ثم قال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فرى الأديم قال لا تعجل وروى أحمد من حديث كعب بن مالك قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اهجوا المشركين بالشعر فإن المؤمن يجاهد بنفسه وما له والذي نفس محمد بيده كأنما تنضحونهم بالنبل وروى أحمد والبزار من حديث عمار بن ياسر قال لما هجانا المشركون قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا لهم كما يقولون لكم قوله كيف بنسبي فيهم أي كيف تهجوا قريشا مع اجتماعي معهم في نسب واحد وفي هذا إشارة إلى أن معظم طرق الهجو العض بالآباء قوله لأسلنك منهم أي لأخلصن نسبك من نسبهم بحيث يختص الهجو بهم دونك وفي رواية أبي سلمة المذكور فقال ائت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يخلص لك نسبي فأتاه حسان ثم رجع فقال قد محض لي نسبك قوله كما تسل الشعرة من العجين أشار بذلك إلى أن الشعرة إذا أخرجت من العجين لا يتعلق بها منه شيء لنعومتها بخلاف ما إذا سلت من العسل مثلا فإنها قد يعلق بها منه شيء وأما إذا سلت من الخبز فإنها قد تنقطع قبل أن تخلص قوله وعن أبيه هو موصول بالإسناد المذكور إلى عروة وليس بمعلق وقد أخرجه المصنف في الأدب عن محمد بن سلام عن عبدة بهذا الإسناد فقال فيه وعن هشام عن أبيه فذكر الزيادة وكذلك أخرجه في الأدب المفرد قوله كان ينافح بكسر الفاء بعدها مهملة ومعناها يدافع أو يرامي قال الكشميهني في رواية أبي ذر عنه نفحت الدابة إذا رمحت بحوافرها ونفحه بالسيف إذا تناوله من بعيد وأصل النفح بالمهملة الضرب وقيل للعطاء نفح كأن المعطي يضرب السائل به ووقع في رواية أبي سلمة المذكورة قالت عائشة فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحسان أن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله قالت وسمعته يقول هجاهم حسان فشفى وأشفى وقد تقدم في أوائل الصلاة ما يدل على أن المراد بروح القدس جبريل عليه السلام ويأتي الكلام على الشعر وأحكامه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى

قوله باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله عز وجل محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار وقوله من بعدي اسمه أحمد كأنه يشير إلى أن هذين الإسمين أشهر أسمائه وأشهرهما محمد وقد تكرر في القرآن وأما أحمد فذكر فيه حكاية عن قول عيسى عليه السلام فأما محمد فمن باب التفعيل المبالغة وأما أحمد فمن باب التفضيل وقيل سمي أحمد لأنه علم منقول من صفة وهي أفعل التفضيل ومعناه أحمد الحامدين وسبب ذلك ما ثبت في الصحيح أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله وقيل الأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدا أو أعظمهم في صفة الحمد وأما محمد فهو منقول من صفة الحمد أيضا وهو بمعنى محمود وفيه معنى المبالغة وقد أخرج المصنف في التاريخ الصغير من طريق علي بن زيد قال كان أبو طالب يقول وشق له من اسمه يجله فذو العرش محمود وهذا محمد والمحمد الذي حمد مرة بعد مرة كالممدح قال الأعشى إليك أبيت اللعن كان وجيفها إلى الماجد القرم الجواد محمد أي الذي حمد مرة بعد مرة أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة قال عياض كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحمد قيل أن يكون محمدا كما وقع في الوجود لأن تسميته أحمد وقعت في الكتب السالفة وتسميته محمدا وقعت في القرآن العظيم وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس وكذلك في الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس وقد خص بسورة الحمد وبلواء الحمد وبالمقام المحمود وشرع له الحمد بعد الأكل وبعد الشرب وبعد الدعاء وبعد القدوم من السفر وسميت أمته الحمادين فجمعت له معاني الحمد وأنواعه صلى الله عليه وسلم وذكر فيه حديثين أحدهما

[ 3339 ] قوله عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه كذا وقع موصولا عند معن بن عيسى عن مالك وقال الأكثر عن مالك عن الزهري عن محمد بن جبير مرسلا ووافق معنا على وصله عن مالك جويرية بن أسماء عند الإسماعيلي ومحمد بن المبارك وعبد الله بن نافع عند أبي عوانة وأخرجه الدارقطني في الغرائب عن آخرين عن مالك وقال أن أكثر أصحاب مالك أرسلوه قلت وهو معروف الإتصال عن غير مالك وصله يونس بن يزيد وعقيل ومعمر وحديثهم عند مسلم وشعبة وحديثه عند المصنف في التفسير وابن عيينة عند مسلم أيضا والترمذي كلهم عن الزهري ورواه عن جبير بن مطعم أيضا ولده الآخر نافع وفي حديثه زيادة وعند المصنف في التاريخ وأخرجه أحمد وابن سعد وصححه الحاكم وفي الباب عن أبي موسى الأشعري عند مسلم والمصنف في التاريخ وعن حذيفة عند المصنف في التاريخ والترمذي وابن سعد وعن بن عباس وأبي الطفيل عند بن عدي ومن مرسل مجاهد عند بن سعد وسأذكر ما في رواياتهم من زيادة فائدة قوله عن محمد بن جبير في رواية شعيب المذكورة عن الزهري أخبرني محمد بن جبير قوله لي خمسة أسماء في رواية نافع بن جبير عند بن سعد أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له أتحصي أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان جبير بن مطعم يعدها قال نعم هي ست فذكر الخمسة التي ذكرها محمد بن جبير وزاد الخاتم لكن روى البيهقي في الدلائل من طريق بن أبي حفصة عن الزهري في حديث محمد بن جبير بن مطعم وأنا العاقب قال يعني الخاتم وفي حديث حذيفة أحمد ومحمد والحاشر والمقفى ونبي الرحمة وكذا في حديث أبي موسى إلا أنه لم يذكر الحاشر وزعم بعضهم أن العدد ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذكره الراوي بالمعنى وفيه نظر لتصريحه في الحديث بقوله أن لي خمسة أسماء والذي يظهر أنه أراد أن لي خمسة أسماء أختص بها لم يسم بها أحد قبلي أو معظمه أو مشهورة في الأمم الماضية لا أنه أراد الحصر فيها قال عياض حمى الله هذه الأسماء أن يسمي بها أحد قبله وإنما تسمى بعض العرب محمدا قرب ميلاده لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبيا سيبعث في ذلك الزمان يسمى محمدا فرجوا أن يكونوا هم فسموا أبناءهم بذلك قال وهم ستة لا سابع لهم كذا قال وقال السهيلي في الروض لا يعرف في العرب من تسمى محمدا قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة محمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن أحيحة بن الجلاح ومحمد بن حمران بن ربيعة وسبق السهيلي إلى هذا القول أبو عبد الله بن خالويه في كتاب ليس وهو حصر مردود وقد جمعت أسماء من تسمى بذلك في جزء مفرد فبلغوا نحو العشرين لكن مع تكرر في بعضهم ووهم في بعض فيتلخص منهم خمسة عشر نفسا وأشهرهم محمد بن عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي السعدي روى حديثه البغوي وابن سعد وابن شاهين وابن السكن وغيرهم من طريق العلاء بن الفضل عن أبيه عن جده عبد الملك بن أبي سوية عن أبيه عن أبي سوية عن أبيه خليفة بن عبدة المنقري قال سألت محمد بن عدي بن ربيعة كيف سماك أبوك في الجاهلية محمدا قال سألت أبي عما سألتني فقال خرجت رابع أربعة من بني تميم أنا أحدهم وسفيان بن مجاشع ويزيد بن عمرو بن ربيعة وأسامة بن مالك بن حبيب بن العنبر نريد بن جفنة الغساني بالشام فنزلنا على غدير عند دير فأشرف علينا الديراني فقال لنا إنه يبعث منكم وشيكا نبي فسارعوا إليه فقلنا ما اسمه قال محمد فلما انصرفنا ولد لكل منا ولد فسماه محمدا لذلك وانتهى وقال بن سعد أخبرنا علي بن محمد عن سلمة بن محارب عن قتادة بن السكن قال كان في بني تميم محمد بن سفيان بن مجاشع قيل لأبيه إنه سيكون نبي في العرب اسمه محمد فسمى ابنه محمدا فهؤلاء أربعة ليس في السياق ما يشعر بأن فيهم من له صحبة إلا محمد بن عدي وقد قال بن سعد لما ذكره في الصحابة عداده في أهل الكوفة وذكر عبدان المروزي أن محمد بن أحيحة بن الجلاح أول من تسمى في الجاهلية محمدا وكأنه تلقى ذلك من قصة تبع لما حاصر المدينة وخرج إليه أحيحة المذكور هو والحبر الذي كان عندهم بيثرب فأخبره الحبر أن هذا بلد نبي يبعث يسمى محمدا فسمى ابنه محمدا وذكر البلاذري منهم محمد بن عقبة بن أحيحة فلا أدري أهما واحد نسب مرة إلى جده أم هما اثنان ومنهم محمد بن البراء البكري ذكر بن حبيب وضبط البلاذري أباه فقال محمد بن بر بتشديد الراء ليس بعدها ألف بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ولهذا نسبوه أيضا العتواري وغفل بن دحية فعد فيهم محمد بن عتوارة وهو هو نسب لجده الأعلى ومنهم محمد بن اليحمد الأزدي ذكره المفجع البصري في كتاب المعقد ومحمد بن خولي الهمداني وذكره بن دريد ومنهم محمد بن حرماز بن مالك اليعمري ذكره أبو موسى في الذيل ومنهم محمد بن حمران بن أبي حمران واسمه ربيعة بن مالك الجعفي المعروف بالشويعر ذكره المرزباني فقال هو أحد من سمي محمدا في الجاهلية وله قصة مع امرئ القيس ومنهم محمد بن خزاعي بن علقمة بن حرابة السلمي من بني ذكوان ذكره بن سعد عن علي بن محمد عن سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال سمي محمد بن خزاعي طمعا في النبوة وذكر الطبري أن أبرهة الحبشي توجه وأمره أن يغزو بني كنانة فقتلوه فكان ذلك من أسباب قصة الفيل وذكره محمد بن أحمد بن سليمان الهروي في كتاب الدلائل فيمن تسمى محمدا في الجاهلية وذكر بن سعد لأخيه قيس بن خزاعي يذكره من أبيات يقول فيها فذلكم ذو التاج منا محمد ورايته في حومة الموت تخفق ومنهم محمد بن عمرو بن مغفل بضم أوله وسكون المعجمة وكسر الفاء ثم لام وهو والد هبيب بموحدتين مصغر وهو على شرط المذكورين فإن لولده صحبة ومات هو في الجاهلية ومنهم محمد بن الحارث بن حديج بن حويص ذكره أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين وذكر له قصة مع عمر وقال إنه أحد من سمي في الجاهلية محمدا ومنهم محد الفقيمي ومحمد الأسيدي ذكرهما بن سعد ولم ينسبهما بأكثر من ذلك فعرف بهذا الوجه الرد على الحصر الذي ذكره السهيلي وكذا الذي ذكره القاضي وعجب من السهيلي كيف لم يقف على ما ذكره عياض مع كونه كان قبله وقد تحرر لنا من أسمائهم قدر الذي ذكره القاضي مرتين بل ثلاث مرار فإنه ذكر في الستة الذين جزم بهم محمد بن سلمة وهو غلط فإنه ولد بعد ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة ففضل له خمسة وقد خلص لنا خمسة عشر والله المستعان قوله وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر قيل المراد إزالة ذلك من جزيرة العرب وفيه نظر لأنه وقع في رواية عقيل ومعمر يمحو بي الله الكفرة ويجاب بأن المراد إزالة الكفر بإزالة أهله وإنما قيد بجزيرة العرب لأن الكفر ما انمحى من جميع البلاد وقيل إنه محمول على الأغلب أو أنه ينمحي بسببه أولا فأولا إلى أن يضمحل في زمن عيسى بن مريم فإنه يرفع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام وتعقب بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس ويجاب بجواز أن يرتد بعضهم بعد موت عيسى وترسل الريح فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة فحينئذ فلا يبقى إلا الشرار وفي رواية نافع بن جبير وأنا الماحي فإن الله يمحو به سيئات من اتبعه وهذا يشبه أن يكون من قول الراوي قوله وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي أي على أثري أي أنه يحشر قبل الناس وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى يحشر الناس على عقبي ويحتمل أن يكون المراد بالقدم الزمان أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة واستشكل التفسير بأنه يقضي بأنه محشور فكيف يفسر به حاشر وهو اسم فاعل وأجيب بأن إسناد الفعل إلى الفاعل إضافة والإضافة تصح بأدنى ملابسة فلما كان لا أمة بعد أمته لأنه لا نبي بعد نسب الحشر إليه لأنه يقع عقبة ويحتمل أن يكون معناه أنه أول من يحشر كما جاء في الحديث الآخر أنا أول من تنشق عنه الأرض وقيل معنى القدم السبب وقيل المراد على مشاهدتي قائما لله شاهدا على الأمم ووقع في رواية نافع بن جبير وأنا حاشر بعثت مع الساعة وهو يرجح الأول تنبيه قوله على عقبي بكسر الموحدة مخففا على الإفراد ولبعضهم بالتشديد على التثنية والموحدة مفتوحة قوله وأنا العاقب زاد يونس بن يزيد في روايته عن الزهري الذي ليس بعده نبي وقد سماه الله رءوفا رحيما قال البيهقي في الدلائل قوله وقد سماه الله الخ مدرج من قول الزهري قلت وهو كذلك وكأنه أشار إلى ما في آخر سورة براءة وأما قوله الذي ليس بعده نبي فظاهره الإدراج أيضا لكن وقع في رواية سفيان بن عيينة عند الترمذي وغيره بلفظ الذي ليس بعدي نبي ووقع في رواية نافع بن جبير فإنه عقب الأنبياء وهو محتمل للرفع والوقف ومما وقع من أسمائه في القرآن بالإتفاق الشاهد المبشر النذير المبين الداعي إلى الله السراج المنير وفيه أيضا المذكر والرحمة والنعمة والهادي والشهيد والأمين والمزمل والمدثر وتقدم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص المتوكل ومن أسمائه المشهورة المختار والمصطفى والشفيع المشفع والصادق المصدوق وغير ذلك قال بن دحية في تصنيف له مفرد في الأسماء النبوية قال بعضهم أسماء النبي صلى الله عليه وسلم عدد أسماء الله الحسني تسعة وتسعون اسما قال ولو بحث عنها باحث لبلغت ثلاثمائة اسم وذكر في تصنيفه المذكور أماكنها من القرآن والأخبار وضبط ألفاظها وشرح معانيها واستطرد كعادته إلى فوائد كثيرة وغالب الأسماء التي ذكرها وصف بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد الكثير منها على سبيل التسمية مثل عده اللبنة بفتح اللام وكسر الموحدة ثم النون في أسمائه للحديث المذكور في الباب بعده في القصر الذي من ذهب رفضه إلا موضع لبنة قال فكنت أنا اللبنة كذا وقع في حديث أبي هريرة وفي حديث جابر موضع اللبنة وهو المراد ونقل بن العربي في شرح الترمذي عن بعض الصوفية أن لله ألف اسم ولرسوله ألف اسم وقيل الحكمة في الاقتصار على الخمسة المذكورة في هذا الحديث أنها أشهر من غيرها موجودة في الكتب القديمة وبين الأمم السالفة الحديث الثاني

[ 3340 ] قوله سفيان هو بن عيينة قوله عن أبي الزناد في رواية حدثنا أبو الزناد قوله ألا تعجبون في رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عند المصنف في التاريخ يا عباد الله انظروا وله من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ ألم تروا كيف والباقي سواء قوله يشتمون مذمما كان الكفار من قريش من شدة كراهيتهم في النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمونه باسمه الدال على المدح فيعدلون إلى ضده فيقولون مذمم وإذا ذكروه بسوء قالوا فعل الله بمذمم ومذمم ليس هو اسمه ولا يعرف به فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفا إلى غيره قال بن التين استدل بهذا الحديث من أسقط حد القذف بالتعريض وهم الأكثر خلافا لمالك وأجاب بأنه لم يقع في الحديث أنه لا شيء عليهم في ذلك بل الواقع أنهم عوقبوا على ذلك بالقتل وغيره انتهى والتحقيق أنه لا حجة في ذلك اثباتا ولا نفيا والله أعلم واستنبط منه النسائي أن من تكلم بكلام مناف لمعنى الطلاق ومطلق الفرقة وقصد به الطلاق لا يقع كمن قال لزوجته كلي وقصد الطلاق فإنها لا تطلق لأن الأكل لا يصلح أن يفسر به الطلاق بوجه من الوجوه كما أن مذمما لا يمكن أن يفسر به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بوجه من الوجوه

قوله باب خاتم النبيين أي أن المراد بالخاتم في أسمائه أنه خاتم النبيين ولمح بما وقع في القرآن وأشار إلى ما أخرجه في التاريخ من حديث العرباض بن سارية رفعه إني عبد الله وخاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته الحديث وأخرجه أيضا أحمد وصححه بن حبان والحاكم فأورد فيه حديثي أبي هريرة وجابر ومعناهما واحد وسياق أبي هريرة أتم ووقع في آخر حديث جابر عن الإسماعيلي من طريق عفان بن سليم بن حبان فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء

[ 3341 ] قوله مثلي ومثل الأنبياء كرجل بني دارا قيل المشبه به واحد والمشبه جماعة فكيف صح التشبيه وجوابه أنه جعل الأنبياء كرجل واحد لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه إلا باعتبار الكل وكذلك الدار لا تتم إلا باجتماع البنيان ويحتمل أن يكون من التشبيه التمثيلي وهو أن يوجد وصف من أوصاف المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به فكأنه شبة الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت وزعم بن العربي أن اللبنة المشار إليها كانت في أس الدار المذكورة وأنها لولا وضعها لانقضت تلك الدار قال وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور انتهى وهذا إن كان منقولا فهو حسن وإلا فليس بلازم نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها وقد وقع في رواية همام عند مسلم إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فيظهر أن المراد أنها مكملة محسنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصا وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة قوله لولا موضع اللبنة بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها نون وبكسر اللام وسكون الموحدة أيضا هي القطعة من الطين تعجن وتجبل وتعد للبناء ويقال لها ما لم تحرق لبنة فإذا أحرقت فهي آجرة وقوله موضع اللبنة بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي لولا موضع اللبنة يوهم النقص لكان بناء الدار كاملا ويحتمل أن تكون لولا تحضيضية وفعلها محذوف تقديره لولا أكمل موضع اللبنة ووقع في رواية همام عند أحمد ألا وضعت ههنا لبنة فيتم بنيانك وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للأفهام وفضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر النبيين وأن الله ختم به المرسلين وأكمل به شرائع الدين

قوله باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كذا وقعت هذه الترجمة عند أبي ذر وسقطت من رواية النسفي ولم يذكرها الإسماعيلي وفي ثبوتها هنا نظر فإن محملها في آخر المغازي كما سيأتي والذي يظهر أن المصنف قصد بإيراد حديث عائشة هنا بيان مقدار عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقط لا خصوص زمن وفاته وأورده في الأسماء إشارة إلى أن من جملة صفاته عند أهل الكتاب أن مدة عمره القدر الذي عاشه وسيأتي نقل الخلاف في مقداره في آخر المغازي إن شاء الله تعالى

[ 3343 ] قوله قال بن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب مثل أي مثل ما أخبر عروة عن عائشة وقول بن شهاب موصول بالإسناد المذكور وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق موسى بن عقبة عن بن شهاب بالإسنادين معا مفرقا وهو من مرسل سعيد بن المسيب ويحتمل أن يكون سعيد أيضا سمعه من عائشة رضي الله عنها

قوله باب كنية النبي صلى الله عليه وسلم الكنية بضم الكاف وسكون النون مأخوذة من الكناية تقول كنيت عن الأمر بكذا إذا ذكرته بغير ما يستدل به عليه صريحا وقد اشتهرت الكنى للعرب حتى ربما غلبت على الأسماء كأبي طالب وأبي لهب وغيرهما وقد يكون للواحد كنية واحدة فأكثر وقد يشتهر باسمه وكنيته جميعا فالاسم والكنية واللقب يجمعها العلم بفتحتين وتتغاير بأن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم والكنية ما صدرت بأب أو أم وما عدا ذلك فهو اسم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا القاسم بولده القاسم وكان أكبر أولاده واختلف هل مات قبل البعثة أو بعدها وقد ولد له إبراهيم في المدينة من مارية ومضى شيء من أمره في الجنائز وفي حديث أنس أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم السلام عليك يا أبا إبراهيم وأورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث أنس أورده مختصرا وقد مضى في البيوع بأتم منه وفيه أن الرجل قال له لم أعنك وحينئذ نهى عن التكني بكنيته ثانيها حديث جابر وسالم الراوي عنه هو بن الجعد وأورده أيضا مختصرا وقد مضى في الخمس بأتم منه أيضا وقوله

[ 3345 ] في أوله حدثنا محمد بن كثير حدثنا شعبة كذا للأكثر وفي رواية أبي علي بن السكن سفيان بدل شعبة ومال الجياني إلى ترجيح الأكثر فإن مسلما أخرجه من طريق شعبة عن منصور ثالثها حديث أبي هريرة

[ 3346 ] قوله قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم كذا وقع في هذه الطريق وهو لطيف وتقدم في العلم بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف في جواز التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم فالمشهور عن الشافعي المنع على ظاهر هذه الأحاديث وقيل يختص ذلك بزمانه وقيل بمن تسمى باسمه وسيأتي بسط ذلك وتوجيه هذه المذاهب في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى

قوله باب كذا للأكثر بغير ترجمة كأبي ذر وأبي زيد من رواية القابسي عنه وكريمة وكذا للنسفي وجزم به الإسماعيلي وضمه بعضهم إلى الباب الذي قبله ولا تظهر مناسبته له ولا يصلح أن يكون فصلا من الذي قبله بل هو طرف من الحديث الذي بعده ولعل هذا من تصرف الرواة نعم وجهه بعض شيوخنا بأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ذا اسم وكنية لكن لا ينبغي أن ينادي بشيء منهما بل يقال له يا رسول الله كما خاطبته خالة السائب لما أتت به إليه ولا يخفى تكلفه

[ 3347 ] قوله جلدا بفتح الجيم وسكون اللام أي قويا صلبا قوله بن أربع وتسعين يشعر بأنه رآه سنة اثنتين وتسعين لأنه كان له يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين كما ثبت من حديثه ففيه رد لقول الواقدي إنه مات سنة إحدى وتسعين على أنه يمكن توجيه قوله وأبعد من قال مات قبل التسعين وقد قيل إنه مات سنة ست وتسعين وهو أشبه قال بن أبي داود هو آخر من مات من الصحابة بالمدينة وقال غيره بل محمود بن الربيع وقيل بل محمود بن لبيد فإنه مات سنة تسع وتسعين

قوله باب خاتم النبوة أي صفته وهو الذي كان بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وكان من علاماته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها وادعى عياض هنا أن الخاتم هو أثر شق الملكين لما بين كتفيه وتعقبه النووي فقال هذا باطل لأن الشق إنما كان في صدره وبطنه وكذا قال القرطبي وأثره إنما كان خطأ واضحا من صدره إلى مراق بطنه كما في الصحيحين قال ولم يثبت قط أنه بلغ بالشق حتى نفذ من وراء ظهره ولو ثبت للزم عليه أن يكون مستطيلا من بين كتفيه إلى قطنته لأنه الذي يحاذي الصدر من سرته إلى مراق بطنه قال فهذه غفلة من هذا الإمام ولعل ذلك وقع من بعض نساخ كتابه فإنه لم يسمع عليه فيما علمت كذا قال وقد وقفت على مستند القاضي وهو حديث عتبة بن عبد السلمي الذي أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان بدء أمرك فذكر القصة في ارتضاعه في بني سعد وفيه أن الملكين لما شقا صدره قال أحدهما للآخر خطه فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة انتهى فلما ثبت أن خاتم النبوة كان بين كتفيه حمل ذلك عياض على أن الشق لما وقع في صدره ثم خيط حتى التأم كما كان ووقع الختم بين كتفيه كان ذلك أثر الشق وفهم النووي وغيره منه أن قوله بين كتفيه متعلق بالشق وليس كذلك بل هو متعلق بأثر الختم ويؤيده ما وقع في حديث شداد بن أوس عند أبي يعلى والدلائل لأبي نعيم أن الملك لما أخرج قلبه وغسله ختم ثم أعاده عليه بخاتم في يده من نور فامتلأ نورا وذلك نور النبوة والحكمة فيحتمل أن يكون ظهر من وراء ظهره عند كتفه الأيسر لأن القلب في تلك الجهة وفي حديث عائشة عند أبي داود الطيالسي والحارث بن أبي أسامة والدلائل لأبي نعيم أيضا أن جبريل وميكائيل لما تراءيا له عند المبعث هبط جبريل فسلقني لحلاوة الغفا ثم شق عن قلبي فاستخرجه ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم ألقاني وختم في ظهري حتى وجدت مس الخاتم في قلبي وقال اقرأ الحديث هذا مستند القاضي فيما ذكره وليس بباطل ومقتضى هذه الأحاديث أن الخاتم لم يكن موجود حين ولادته ففيه تعقيب على من زعم أنه ولد به وهو قول نقله أبو الفتح اليعمري بلفظ قيل ولد به وقيل حين وضع نقله مغلطاي عن يحيى بن عائذ والذي تقدم أثبت ووقع مثله في حديث أبي ذر عند أحمد والبيهقي في الدلائل وفيه وجعل خاتم النبوة بين كتفي كما هو الآن وفي حديث شداد بن أوس في المغازي لابن عائد في قصة شق صدره وهو في بلاد بني سعد بن بكر أقبل وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه الحديث وهذا قد يؤخذ منه أن الختم وقع في موضعين من جسده والعلم عند الله

[ 3348 ] قوله حدثنا محمد بن عبيد الله بالتصغير هو أبو ثابت المدني مشهور بكنيته والإسناد كله مدنيون وأصل شيخه حاتم بن إسماعيل كوفي قوله ذهبت بي خالتي لم أقف على اسمها وأما أمه فاسمها علبة بضم المهملة وسكون اللام بعدها موحدة بنت شريح أخت مخرمة بن شريح قوله وقع بفتح الواو وكسر القاف وبالتنوين أي وجع وزنه ومعناه وقد مضى في الطهارة بلفظ وجع وجاء بلفظ الفعل الماضي مبنيا للفاعل والمراد أنه كان يشتكي رجله كما ثبت في غير هذا الطريق قوله فمسح رأسي ودعا لي بالبركة سيأتي شرحه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه في حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم أنه كان إلى جهة كتفه اليسرى قوله قال بن عبيد الله الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه وقال إبراهيم بن حمزة مثل زر الحجلة قلت هكذا وقع وكأنه سقط منه شيء لأنه يبعد من شيخه محمد بن عبيد الله أن يفسر الحجلة ولم يقع لها في سياقه ذكر وكأنه كان فيه مثل زر الحجلة ثم فسرها وكذلك وقع في أصل النسفي تضبيب بين قوله بين كتفيه وبين قوله قال بن عبيد الله وأما التعليق عن إبراهيم بن حمزة فالمراد أنه روى هذا الحديث كما رواه محمد بن عبيد الله إلا أنه خالف في هذه الكلمة وسيأتي الحديث عنه موصولا بتمامه في كتاب الطب وقد زعم بن التين أنها في رواية بن عبيد الله بضم المهملة وسكون الجيم وفي رواية بن حمزة بفتحهما وحكى بن دحية مثله وزاد في الأول كسر المهملة مع ضمها وقيل الفرق بين رواية بن حمزة وابن عبيد الله أن رواية بن عبيد الله بتقديم الزاي على الراء على المشهور ورواية بن حمزة بالعكس بتقديم الراء على الزاي وهو مأخوذ من ارتز الشيء إذا دخل في الأرض ومنه الرزة والمراد بها هنا البيضة يقال ارتز الجرادة إذا أدخلت ذنبها في الأرض لتبيض وعلى هذا فالمراد بالحجلة الطير المعروف وجزم السهيلي بأن المراد بالحجلة هنا الكلة التي تعلق على السرير ويزين بها للعروس كالبشخانات والزر على هذه حقيقة لأنها تكون ذات أزرار وعرى واستبعد قول بن عبيد الله بأنها من حجل الفرس الذي بين عينيه بأن التحجيل إنما يكون في القوائم وأما الذي في الوجه فهو الغرة وهو كما قال إلا أن منهم من يطلقه على ذلك مجازا وكأنه أراد أنها قدر الزر وإلا فالغرة لا زر لها وجزم الترمذي بأن المراد بالحجلة الطير المعروف وأن المراد بزرها بيضها وبعضده ما سيأتي أنه مثل بيضة الحمامة وقد وردت في صفة خاتم النبوة أحاديث متقاربة لما ذكر هنا منها عند مسلم عن جابر بن سمرة كأنه بيضة حمامة ووقع في رواية بن حبان من طريق سماك بن حرب كبيضة نعامة ونبه على أنها غلط وعن عبد الله بن سرجس نظرت خاتم النبوة جمعا عليه خيلان وعند بن حبان من حديث بن عمر مثل البندقة من اللحم وعند الترمذي كبضعة ناشزة من اللحم وعند قاسم بن ثابت من حديث قرة بن إياس مثل السلعة وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم أو كالشامة السوداء أو الخضراء أو مكتوب عليها محمد رسول الله أو سر فأنت المنصور أو نحو ذلك فلم يثبت منها شيء وقد أطنب الحافظ قطب الدين في استيعابها في شرح السيرة وتبعه مغلطاي في الزهر بالباسم ولم يبين شيئا من حالها والحق ما ذكرته ولا تغتر بما وقع منها في صحيح بن حبان فإنه غفل حيث صحح ذلك والله أعلم قال القرطبي اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر قدره إذا قلل قدر بيضة الحمامة وإذا كبر جمع اليد والله أعلم ووقع في حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم أن خاتم النبوة كان بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى وفي حديث عباد بن عمر وعند الطبراني كأنه ركبة عنز على طرف كتفه الأيسر ولكن سنده ضعيف قال العلماء السر في ذلك أن القلب في تلك الجهة وقد وردد في خبر مقطوع أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان فرأى الشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفه الأيسر حذاء قلبه له خرطوم البعوظة أخرجه بن عبد البر بسند قوي إلى ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز فذكره وذكره أيضا صاحب الفائق في مصنفه في م ص ر وله شاهد مرفوع عن أنس عند أبي يعلى وابن عدي ولفظه أن الشيطان واضع خطمه على قلب بن آدم الحديث وأورد بن أبي داود في كتاب الشريعة من طريق عروة بن رويم أن عيسى عليه السلام سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من بن آدم قال فإذا برأسه مثل الحية واضع رأسه على تمرة القلب فإذا ذكر العبد ربه خنس وإذا غفل وسوس قلت وسيأتي لهذا مزيد في آخر التفسير قال السهيلي وضع خاتم النبوة عند نغض كتفه صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم من وسوسة الشيطان وذلك الموضع يدخل منه الشيطان

قوله باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم أي خلقه وخلقه وأورد فيه أربعة وعشرين حديثا الأول حديث أبي بكر المشتمل على أن الحسن بن علي كان يشبه جده صلى الله عليه وسلم

[ 3349 ] قوله عن بن أبي مليكة في رواية الإسماعيلي أخبرني وفي أخرى حدثني بن أبي مليكة قوله عن عقبة بن الحارث في رواية الإسماعيلي أخبرني عقبة بن الحارث قوله صلى أبو بكر رضي الله عنه العصر ثم خرج يمشي زاد الإسماعيلي في رواية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليال وعلي يمشي إلى جانبه قوله بأبي فيه حذف تقديره أفديه بأبي ووقع في رواية الإسماعيلي وارتجز فقال وابأبي شبيه بالنبي وفي تسمية هذا رجزا نظر لأنه ليس بموزون وكأنه أطلق على السجع رجزا ووقع من بعض الرواة تغيير وتصحيف رواية الأصل ولعلها كانت وابأبي وابأبي كما دلت عليه رواية الإسماعيلي المذكورة فهذا يكون من مجزوء الرجز لكن قوله شبيه بالنبي يحتاج إلى شيء قبله فلعله كان شخص أو أنت شبيه بالنبي أو نحو ذلك وأما الثالث فموزون قوله وعلي يضحك في رواية الإسماعيلي وعلي يتبسم أي رضا بقول أبي بكر وتصديقا له وقد وافق أبا بكر على أن الحسن كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم أبو جحيفة كما سيأتي في الحديث الذي بعده ووقع في حديث أنس كما سيأتي في المناقب أن الحسين بن علي كان أشبههم بالنبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي وجه التوفيق بينهما في المناقب إن شاء الله تعالى وأذكر فيه من شاركهما في ذلك إن شاء الله تعالى وفي الحديث فضل أبي بكر ومحبته لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في المناقب قوله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وفيه ترك الصبي المميز يلعب لأن الحسن إذ ذاك كان بن سبع سنين وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه ولعبه محمول على ما يليق بمثله في ذلك الزمان من الأشياء المباحة بل على ما فيه تمرين وتنشيط ونحو ذلك والله أعلم الحديث الثاني وحديث أبي جحيفة أورده من طريقين وإسماعيل فيهما هو بن أبي خالد وابن فضيل بالتصغير هو محمد

[ 3351 ] قوله كان أبيض قد شمط بفتح المعجمة وكسر الميم أي صار سواد شعره مخالطا لبياضه وقد بين في الرواية التي تلي هذا أن موضع الشمط كان في العنفقة ويؤيد ذلك حديث عبد الله بن بسر المذكور بعده والعنفقة ما بين الذقن والشفة السفلى سواء كان عليها شعر أم لا وتطلق على الشعر أيضا وعند مسلم من رواية زهير عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه منه بيضاء وأشار إلى عنفقته قيل مثل من أنت يومئذ قال أبري النبل وأريشها قوله وأمر لنا أي له ولقومه من بني سواءة بضم المهملة وتخفيف الواو والمد والهمزة وآخره هاء تأنيث بن عارم بن صعصعة وكان أمر لهم بذلك على سبيل جائزة الوفد قوله فلوصا بفتح القاف هي الأنثى من الإبل وقيل الشابة وقيل الطويلة القوائم وقوله فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نقبضها فيه إشعار بأن ذلك كان قرب وفاته صلى الله عليه وسلم وقد شهد أبو جحيفة ومن معه من قومه حجة الوداع كما في الرواية التي بعد هذه فالذي يظهر أن أبا بكر وفي لهم بالوعد المذكور كما صنع بغيرهم ثم وجدت ذلك منقولا صريحا ففي رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن فضيل بالإسناد المذكور فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئا فلما قام أبو بكر قال من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجيء فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها وقد تقدم البحث في هذه المسألة في الهبة الحديث الثالث حديث أبي جحيفة أيضا

[ 3352 ] قوله عن وهب أبي جحيفة هو اسم أبي جحيفة وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه وكان يقال له أيضا وهب الله ووهب الخير قوله ورأيت بياضا من تحت شفته السفلى العنفقة بالكسر على أنه بدل من الشفة وبالنصب على أنه بدل من قوله بياضا ووقع عند الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا الإسناد من تحت شفته السفلى مثل موضع إصبع العنفقة وإصبع في هذه الرواية بالتنوين وإعراب العنفقة كالذي قبله وفي رواية شبابة بن سوار عن إسرائيل عنده رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شابت عنفقته الحديث الرابع وهو من ثلاثياته

[ 3353 ] قوله حدثنا عصام بن خالد هو أبو إسحاق الحمصي الحضرمي من كبار شيوخ البخاري وليس له عنه في الصحيح غيره وأما حريز فهو فتح المهملة وتقدم قريبا أنه من صغار التابعين قوله أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون أرأيت بمعنى أخبرني والنبي بالرفع على أنه اسم كان والتقدير أخبرني أكان النبي صلى الله عليه وسلم شيخا ويحتمل أن يكون أرأيت استفهاما منه هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ويكون النبي بالنصب على المفعولية وقوله كان شيخا استفهام ثان حذفت منه أداة الاستفهام ويؤيد هذا الثاني رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن حريز بن عثمان قال رأيت عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم بحمص والناس يسألونه فدنوت منه وأنا غلام فقلت أنت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قلت شيخ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شاب قال فتبسم وفي رواية له فقلت له أكان النبي صلى الله عليه وسلم صبغ قال يا بن أخي لم يبلغ ذلك قوله قال كان في عنفقته شعرات بيض في رواية الإسماعيلي إنما كانت شعرات بيض وأشار إلى عنفقته وسيأتي بعد حديثين قول أنس إنما كان شيء في صدغيه وسيأتي وجه الجمع بينهما إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث أنس من رواية ربيعة عنه وهو بن أبي عبد الرحمن فروخ الفقيه المدني المعروف بربيعة الرأي وقد أورده من طريقين أحدهما من رواية خالد وهو بن يزيد الجمحي المصري وكان من أقران الليث بن سعد لكنه مات قبله وقد أكثر عنه الليث

[ 3354 ] قوله كان ربعة بفتح الراء وسكون الموحدة أي مربوعا والتأنيث باعتبار النفس يقال رجل ربعة وامرأة ربعة وقد فسره في الحديث المذكور بقوله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير والمراد بالطويل البائن المفرط في الطول مع اضطراب القامة وسيأتي في حديث البراء بعد قليل أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا ووقع في حديث أبي هريرة عند الذهلي في الزهريات بإسناد حسن كان ربعة وهو إلى الطول أقرب قوله أزهر اللون أي أبيض مشرب بحمرة وقد وقع ذلك صريحا في حديث أنس من وجه آخر عند مسلم وعند سعيد بن منصور والطيالسي والترمذي والحاكم من حديث علي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مشربا بياضه بحمرة وهو عند بن سعد أيضا عن على وعن جابر وعند البيهقي من طرق عن علي وفي الشمائل من حديث هند بن أبي هالة أنه أزهر اللون قوله ليس بأبيض أمهق كذا في الأصول ووقع عند الداودي تبعا لرواية المروزي أمهق ليس بأبيض واعترضه الداودي وقال عياض إنه وهم قال وكذلك رواية من روى أنه ليس بالأبيض ولا الآدم ليس بصواب كذا قال وليس بجيد في هذا الثاني لأن المراد أنه ليس بالأبيض الشديد البياض ولا بالآدم الشديد الأدمة وإنما يخالط بياضه الحمرة والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر ولهذا جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار وابن منده بإسناد صحيح وصححه بن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمر وقد رد المحب الطبري هذه الرواية بقوله في حديث الباب من طريق مالك عن ربيعة ولا بالأبيض الأمهق وليس بالآدم والجمع بينهما ممكن وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أنس فذكر الصفة النبوية قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض بياضه إلى السمرة وفي حديث يزيد الرقاشي عن بن عباس في صفة النبي صلى الله عليه وسلم رجل بين رجلين جسمه ولحمه أحمر وفي لفظ أسمر إلى البياض أخرجه أحمد وسنده حسن وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالطه الحمرة والمنفى ما لا يخالطه وهو الذي تكره العرب لونه وتسميه أمهق وبهذا تبين أن رواية المروزي أمهق ليس بأبيض مقلوبة والله أعلم على أنه يمكن توجيهها بأن المراد بالأمهق الأخضر اللون الذي ليس بياضه في الغاية ولا سمرته ولا حمرته فقد نقل عن رؤبة أن المهق خضرة الماء فهذا التوجيه يتم على تقدير ثبوت الرواية وقد تقدم في حديث أبي جحيفة إطلاق كونه أبيض وكذا في حديث أبي الطفيل عند مسلم وفي رواية عند الطبراني ما أنسى شدة بياض وجهه مع شدة سواد شعره وكذا في شعر أبي طالب المتقدم في الاستسقاء وأبيض يستسقي الغمام بوجهه وفي حديث سراقة عند بن إسحاق فجعلت أنظر إلى ساقه كأنها جمارة ولأحمد من حديث محرش الكعبي في عمرة الجعرانة أنه قال فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة وعن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان شديد البياض أخرجه يعقوب بن سفيان والبزار بإسناد قوي والجمع بينهما بما تقدم وقال البيهقي يقال إن المشرب منه حمرة وإلى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح وأما ما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر قلت وهذا ذكره بن أبي خيثمة عقب حديث عائشة في صفته صلى الله عليه وسلم بأبسط من هذا وزاد ولونه الذي لا شك فيه الأبيض الأزهر وأما ما وقع في زيادات عبد الله بن أحمد في المسند من طريق علي أبيض مشرب شديد الوضح فهو مخالف لحديث أنس ليس بالأمهق وهو أصح ويمكن الجمع يحمل ما في رواية علي على ما تحت الثياب مما لا يلاقي الشمس والله أعلم قوله ليس بجعد قطط ولا سبط بفتح أوله وكسر الموحدة والجعودة في الشعر أن لا يتكسر ولا يسترسل والسبوطة ضده فكأنه أراد أنه وسط بينهما ووقع في حديث علي عند الترمذي وابن أبي خيثمة ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا وقوله رجل بكسر الجيم ومنهم من يسكنها أي متسرح وهو مرفوع على الاستئناف أي هو رجل ووقع عند الأصيلي بالخفض وهو وهم لأنه يصير معطوفا على المنفي وقد وجه على أنه خفضه على المجاورة وفي بعض الروايات بفتح اللام وتشديد الجيم على أنه فعل ماض قوله أنزل عليه في رواية مالك بعثه الله قوله وهو بن أربعين في رواية مالك على رأس أربعين وهذا إنما يتم على القول بأنه بعث في الشهر الذي ولد فيه والمشهور عند الجمهور أنه ولد في شهر ربيع الأول وأنه بعث في شهر رمضان فعلى هذا يكون له حين بعث أربعون سنة ونصف أو تسع وثلاثون ونصف فمن قال أربعين ألغى الكسر أو جبر لكن قال المسعودي وابن عبد البر إنه بعث في شهر ربيع الأول فعلى هذا يكون له أربعون سنة سواء وقال بعضهم بعث وله أربعون سنة وعشرة أيام وعند الجعابي أربعون سنة وعشرون يوما وعن الزبير بن بكار أنه ولد في شهر رمضان وهو شاذ فإن كان محفوظا وضم إلى المشهور أن المبعث في رمضان فيصح أنه بعث عند إكمال الأربعين أيضا وأبعد منه قول من قال بعث في رمضان وهو بن أربعين سنة وشهرين فإنه يقتضي أنه ولد في شهر رجب ولم أر من صرح به ثم رأيته كذلك مصرحا به في تاريخ أبي عبد الرحمن العتقي وعزاه للحسين بن علي وزاد لسبع وعشرين من رجب وهو شاذ ومن الشاذ أيضا ما رواه الحاكم من طريق يحيى بن سعيد بن سعيد بن المسيب قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وأربعين وهو قول الواقدي وتبعه البلاذري وابن أبي عاصم وفي تاريخ يعقوب بن سفيان وغيره عن مكحول أنه بعث بعد ثنتين وأربعين وقوله فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه مقتضي هذا أنه عاش ستين سنة وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثا وستين وهو موافق لحديث عائشة الماضي قريبا وبه قال الجمهور وقال الإسماعيلي لا بد أن يكون الصحيح أحدهما وجمع غيره بإلغاء الكسر وسيأتي بقية الكلام على هذا الموضع في الوفاة آخر المغازي إن شاء الله تعالى قوله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء أي بل دون ذلك ولابن أبي خيثمة من طريق أبي بكر بن عياش قلت لربيعة جالست أنسا قال نعم وسمعته يقول شاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين شيبة ههنا يعني العنفقة ولإسحق بن راهويه وابن حبان والبيهقي من حديث بن عمر كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه وقد اقتضى حديث عبد الله بن بسر أن شيبه كان لا يزيد على عشر شعرات لإيراده بصيغة جمع القلة لكن خص ذلك بعنفقته فيحمل الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء لكن وقع عند بن سعد بإسناد صحيح عن حميد عن أنس في أثناء حديث قال ولم يبلغ ما في لحيته من الشيب عشرين شعرة قال حميد وأومأ إلى عنفقته سبع عشرة وقد روى بن سعد أيضا بإسناد صحيح عن ثابت عن أنس قال ما كان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة ولابن أبي خيثمة من حديث حميد عن أنس لم يكن في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون شعرة بيضاء قال حميد كن سبع عشرة وفي مسند عبد بن حميد من طريق حماد عن ثابت عن أنس ما عددت في رأسه ولحيته إلا أربع عشرة شعرة وعند بن ماجة من وجه آخر عن أنس إلا سبع عشرة أو عشرين شعرة وروى الحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن أنس قال لو عددت ما أقبل علي من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة وفي حديث الهيثم بن زهير عند ثلاثون عددا قوله قال ربيعة هو موصول بالإسناد المذكور قوله فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسألت فقيل أحمر من الطيب لم أعرف المسئول المجيب بذلك إلا أن في رواية بن عقيل المذكورة من قبل أن عمر بن عبد العزيز قال لأنس هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم فإني رأيت شعرا من شعره قد لون فقال إنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي غير لونه فيحتمل أن يكون ربيعة سأل أنسا عن ذلك فأجابه ووقع في رجال مالك للدارقطني وهو في غرائب مالك له عن أبي هريرة قال لما مات النبي صلى الله عليه وسلم خضب من كان عنده شيء من شعره ليكون أبقى لها قلت فإن ثبت هذا استقام إنكار أنس ويقبل ما أثبته سواه التأويل وستأتي الإشارة إلى شيء من ذلك في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى الحديث السادس حديث البراء

[ 3356 ] قوله حدثنا إبراهيم بن يوسف أي بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي قوله وأحسنه خلقا بفتح المعجمة للأكثر وضبطه بن التين بضم أوله واستشهد بقوله تعالى وإنك لعلي خلق عظيم ووقع في رواية الإسماعيلي بالشك وأحسنه خلقا أو خلقا ويؤيده قوله قبله أحسن الناس وجها فإن فيه إشارة إلى الحسن الحسى فيكون في الثاني إشارة إلى الحسن المعنوي وقد وقع في حديث أنس الذي يتعلق بفرس أبي طلحة الذي قال فيه إن وجدناه لبحرا وهو عنده في مواضع منها أن في أوله في باب الشجاعة في الحرب كان أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس فجمع صفات القوي الثلاث العقلية والغضبية والشهوانية فالشجاعة تدل على الغضبية والجود يدل على الشهوية والحسن تابع لاعتدال المزاج المستتبع لصفاء النفس الذي به جودة القريحة الدال على العقل فوصف بالأحسنية في الجميع ومضى في الجهاد والخمس حديث جبير بن مطعم أنه صلى الله عليه وسلم قال ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا فأشار بعدم الجبن إلى كمال القوة الغضبية وهي الشجاعة وبعدم الكذب إلى كمال القوة العقلية وهي الحكمة وبعدم البخل إلى كمال القوة الشهوانية وهو الجود قوله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير تقدم في حديث ربيعة عن أنس أنه كان ربعة ووقع في حديث عائشة عند بن أبي خيثمة لم يكن أحد يماشيه من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسبا إلى الطول ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الربعة وقوله البائن بالموحدة اسم فاعل من بان أي ظهر على غيره أو فارق من سواء الحديث السابع حديث قتادة سألت أنسا هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما كان شيء في صدغيه الصدغ بضم المهملة وإسكان الدال بعدها معجمة ما بين الأذن والعين ويقال ذلك أيضا للشعر المتدلي من الرأس في ذلك المكان وهذا مغاير للحديث السابق أن الشعر الأبيض كان في عنفقته ووجه الجمع ما وقع عند مسلم من طريق سعيد عن قتادة عن أنس قال لم يخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ أي متفرق وعرف من مجموع ذلك أن الذي شاب من عنفقته أكثر مما شاب من غيرها ومراد أنس أنه لم يكن في شعره ما يحتاج إلى الخضاب وقد صرح بذلك في رواية محمد بن سيرين قال سألت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب قال لم يبلغ الخضاب ولمسلم من طريق حماد عن ثابت عن أنس لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه لفعلت زاد بن سعد والحاكم ما شأنه بالشيب ولمسلم من حديث جابر بن سمرة فقد شمط مقدم رأسه ولحيته وكان إذا ادهن لم يتبين فإذا لم يدهن تبين وأما ما رواه الحاكم وأصحاب السنن من حديث أبي رمثة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران وله شعر قد علاه الشيب وشيبه أحمر مخضوب بالحناء فهو موافق لقول بن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالصفرة وقد تقدم في الحج وغيره والجمع بينه وبين حديث أنس أن يحمل نفى أنس على غلبة الشيب حتى يحتاج إلى خضابه ولم يتفق أنه رآه وهو مخضب ويحمل حديث من أثبت الخضب على أنه فعله لإرادة بيان الجواز ولم يواظب عليه وأما ما تقدم عن أنس وأخرجه الحاكم من حديث عائشة قالت ما شأنه الله ببيضاء فمحمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شيء من حسنة صلى الله عليه وسلم وقد أنكر أحمد إنكار أنس أنه خضب وذكر حديث بن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخضب بالصفرة وهو في الصحيح ووافق مالك أنسا في إنكار الخضاب وتأول ما ورد في ذلك الحديث الثامن حديث البراء

[ 3358 ] قوله بعيد ما بين المنكبين أي عريض أعلى الظهر ووقع في حديث أبي هريرة عند بن سعد رحب الصدر قوله له شعر يبلغ شحمة أذنه في رواية الكشميهني أذنيه بالتثنية وفي رواية الإسماعيلي تكاد جمته تصيب شحمة أذنيه قوله وقال يوسف بن أبي إسحاق هو يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق نسبه إلى جده قوله إلى منكبيه أي زاد في روايته عن جده أبي إسحاق عن البراء في هذا الحديث له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه وطريق يوسف هذه أوردها المصنف قبل هذا بحديث لكنه اختصرها قال بن التين تبعا للداودي قوله يبلغ شحمة أذنيه مغاير لقوله إلى منكبيه وأجيب بأن المراد أن معظم شعره كان عند شحمة أذنه وما استرسل منه متصل إلى المنكب أو يحمل على حالتين وقد وقع نظير ذلك في حديث أنس عند مسلم من رواية قتادة عنه أن شعره كان بين أذنيه وعاتقه وفي حديث حميد عنه إلى أنصاف أذنيه ومثله عند الترمذي من رواية ثابت عنه وعند بن سعد من رواية حماد عن ثابت عنه لا يجاوز شعره أذنيه وهو محمول على ما قدمته أو على أحوال متغايرة وروى أبو داود من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة وفي حديث هند بن أبي هالة في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وغيره فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أي جعله وفرة فهذا القيد يؤيد الجمع المتقدم وروى أبو داود والترمذي من حديث أم هانئ قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وله أربع غدائر ورجاله ثقات الحديث التاسع حديث البراء أيضا

[ 3359 ] قوله حدثنا زهير هو بن معاوية وأبو إسحاق هو السبيعي قوله سئل البراء في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن يونس عن زهير حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال له رجل قوله مثل السيف قال لا بل مثل القمر كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول فرد عليه البراء فقال بل مثل القمر أي في التدوير ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال فقال بل فوق ذلك وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان ووقع في رواية زهير المذكورة أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حديدا مثل السيف وهو يؤيد الأول وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة أن رجلا قال له أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف قال لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا وإنما قال مستديرا للتنبيه على أنه جمع الصفتين لأن قوله مثل السيف يحتمل أن يريد به الطول أو اللمعان فرده المسئول ردا بليغا ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبا الإشراق والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرهما أتى بقوله وكان مستديرا إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معا الحسن والإستدارة ولأحمد وابن سعد وابن حبان عن أبي هريرة ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في جبهته قال الطيبي شبة جريان الشمس في فلكها يجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم وفيه عكس التشبيه للمبالغة قال ويحتمل أن يكون من باب تناهي التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للشمس وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق يونس بن أبي يعفور عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة من همدان قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لها شبهيه قالت كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله وفي حديث الربيع بنت معوذ لو رأيته لرأيت الشمس طالعة أخرجه الطبراني والدارمي وفي حديث يزيد الرقاشي المتقدم قريبا عن بن عباس جميل دوائر الوجه قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه حتى كادت تملأ نحره وروى الذهلي في الزهريات من حديث أبي هريرة في صفته صلى الله عليه وسلم كان أسيل الخدين شديد سواد الشعر أكحل العينين أهذب الأشفار الحديث وكأن قوله أسيل الخدين هو الحامل على من سأل أكان وجهه مثل السيف ووقع في حديث علي عند أبي عبيد في الغريب وكان في وجهه تدوير قال أبو عبيد في شرحه يريد أنه لم يكن في غاية من التدوير بل كان فيه سهولة وهي أحلى عند العرب الحديث العاشر

[ 3360 ] قوله حدثنا الحسن بن منصور البغدادي هو أبو علي البغدادي الشطوي بفتح المعجمة ثم المهملة لم يخرج عنه البخاري سوى هذا الموضع قوله قال شعبة هو متصل بالإسناد المذكور قوله وزاد فيه عون عن أبيه أبي جحيفة سيأتي هذا الحديث بزيادته من وجه آخر في آخر الباب وقد تقدم ما يتعلق بذلك في أوائل الصلاة قوله فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك وقع مثله في حديث جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه عند الطبراني بإسناد قوي وفي حديث جابر بن سمرة عند مسلم في أثناء حديث قال فمسح صدري فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جونة عطار وفي حديث وائل بن حجر عند الطبراني والبيهقي لقد كنت أصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يمس جلدي جلده فأتعرفه بعد في يدي وإنه لأطيب رائحة من المسك وفي حديثه عند أحمد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فشرب منه ثم مج في الدلو ثم في البئر ففاح منه مثل ريح المسك وروى مسلم حديث أنس في جمع أم سليم عرقه صلى الله عليه وسلم وجعلها إياه في الطيب وفي بعض طرقه وهو أطيب الطيب وأخرج أبو يعلى والطبراني من حديث أبي هريرة في قصة الذي استعان به صلى الله عليه وسلم على تجهيز ابنته فلم يكن عنده شيء فاستدعى بقارورة فسلت له فيها من عرقه وقال له مرها فلتطيب به فكانت إذا تطيبت به شم أهل المدينة رائحة ذلك الطيب فسموا بيت المطيبين وروى أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر في طريق من طرق المدينة وجد منه رائحة المسك فيقال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث الحادي عشر حديث بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس تقدم شرحه مستوفي في كتاب الصيام والغرض منه وصفه عليه الصلاة والسلام بالجود الحديث الثاني عشر حديث عائشة في قصة القائف وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا قولها تبرق أسارير وجهه والأسارير جمع أسرار وهي جمع سر وهي الخطوط التي تكون في الجبهة الحديث الثالث عشر حديث كعب بن مالك وهو طرف من قصة توبته وسيأتي بطوله في المغازي مستوفي شرحه إن شاء الله تعالى

[ 3363 ] قوله استنار وجهه كأنه قطعة قمر أي الموضع الذي يبين فيه السرور وهو جبينه فلذلك قال قطعة قمر ولعله كان حينئذ ملثما ويحتمل أن يكون يريد بقوله قطعة قمر القمر نفسه ووقع في حديث جبير بن مطعم عند الطبراني التفت إلينا النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه مثل شقة القمر فهذا محمول على صفته عند الالتفات وقد أخرج الطبراني حديث كعب بن مالك من طرق في بعضها كأنه دارة قمر الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة

[ 3364 ] قوله عن عمرو هو بن أبي عمرو مولى المطلب واسم أبي عمرو ميسرة قوله بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا القرن الطبقة من الناس المجتمعين في عصر واحد ومنهم من حدة بمائة سنة وقيل بسبعين وقيل بغير ذلك فحكى الحربي الاختلاف فيه من عشرة إلى مائة وعشرين ثم تعقب الجميع وقال الذي أراه أن القرن كل أمة هلكت حتى لم يبق منها أحد وقوله قرنا بالنصب حال للتفصيل قوله حتى كنت من القرن الذي كنت منه في رواية الإسماعيلي حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه وسيأتي في أول مناقب الصحابة حديث عمران بن حصين خير الناس قرني والكلام عليه مستوفي إن شاء الله تعالى الحديث الخامس عشر حديث بن عباس

[ 3365 ] قوله عن بن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة هذا هو المشهور عن بن شهاب وعنه فيه إسناد آخر أخرجه الحاكم من طريق مالك عن زياد بن سعد عن أنس سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد وأخرجه أيضا أحمد وقال تفرد به حماد بن خالد عن مالك وأخطأ فيه والصواب عن عبيد الله بن عبد الله وقال بن عبد البر الصواب عن مالك فيه عن الزهري مرسلا كما في الموطأ قوله يسدل شعره بفتح أوله وسكون المهملة وكسر الدال ويجوز ضمها أي يترك شعر ناصيته على جبهته قال النووي قال العلماء المراد إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة أي بضم القاف بعدها مهملة قوله ثم فرق بعد بفتح الفاء والراء أي ألقى شعر رأسه إلى جانبي رأسه فلم يترك منه شيئا على جبهته ويفرقون بضم الراء وبكسرها وقد روى بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة قالت أنا فرقت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه أي شعر رأسه عن يافوخة ومن طريقه أخرجه أبو داود وفي حديث هند بن أبي هالة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه أن انفرقت عقيقته أي شعر رأسه الذي على ناصيته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه قال بن قتيبة في غريبه العقيقة شعر رأس الصبي قبل أن يحلق وقد يطلق عليه بعد الحلق مجازا وقوله كان لا يفرق شعره إلا إذا انفرق محمول على ما كان أولا لما بينه حديث بن عباس قوله وكان يحب موافقة أهل الكتاب أي حيث كان عباد الأوثان كثيرين قوله فيما لم يؤمر فيه بشيء أي فيما لم يخالف شرعه لأن أهل الكتاب في زمانه كانوا متمسكين ببقايا من شرائع الرسل فكانت موافقتهم أحب إليه من موافقته عباد الأوثان فلما أسلم غالب عباد الأوثان أحب صلى الله عليه وسلم حينئذ مخالفة أهل الكتاب واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يجيء في شرعنا ما يخالفه وتعقب بأنه عبر بالمحبة ولو كان كذلك لعبر بالوجوب وعلى التسليم ففي نفس الحديث أنه رجع عن ذلك آخرا والله أعلم الحديث السادس عشر حديث عبد الله بن عمرو أي بن العاص

[ 3366 ] قوله عن أبي حمزة هو السكري والإسناد كله كوفيون سوى طرفيه وقد دخلاها قوله عن عبد الله بن عمرو أي بن العاص في رواية مسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن الأعمش بسنده دخلنا على عبد الله بن عمر حين قدم مع معاوية الكوفة فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوله فاحشا ولا متفحشا أي ناطقا بالفحش وهو الزيادة على الحد في الكلام السيء والمتفحش المتكلف لذلك أي لم يكن له الفحش خلقا ولا مكتسبا ووقع عند الترمذي من طريق أبي عبد الله الجدلي قال سألت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وتقدمت هذه الزيادة في حديث عبد الله بن عمرو من وجه آخر بأتم من هذا السياق ويأتي في تفسير سورة الفتح وقد روى المصنف في الأدب من حديث أنس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فحاشا ولا لعانا كان يقول لأحدنا عند المعتبة ماله تربت جبينه ولأحمد من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا في وجهه بشيء يكرهه ولأبي داود من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل ما بال فلان يقول ولكن يقول ما بال أقوام يقولونه قوله وكان يقول أي النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية مسلم قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ان من خياركم أحسنكم أخلاقا في رواية مسلم أحاسنكم وحسن الخلق اختيار الفضائل وترك الرذائل وقد أخرج أحمد من حديث أبي هريرة رفعه إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق وأخرجه البزار من هذا الوجه بلفظ مكارم بدل صالح وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن صفية بنت حي قالت ما رأيت أحدا أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند مسلم من حديث عائشة كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه الحديث السابع عشر حديث عائشة

[ 3367 ] قوله بين أمرين أي من أمور الدنيا يدل عليه قوله ما لم يكن إنما لأن أمور الدين لا إثم فيها وأبهم فاعل خير ليكون أعم من أن يكون من قبل الله أو من قبل المخلوقين وقوله الا أخذ أيسرهما أي أسهلهما وقوله وما لم يكن إنما أي ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم فإنه حينئذ يختار الأشد وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط إلا أختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط ووقوع التخيير بين ما فيه إثم ومالا إثم فيه من قبل المخلوقين واضح وأما من قبل الله ففيه إشكال لأن التخيير إنما يكون بين جائزين لكن إذا حملناه على ما يفضي إلى الإثم أمكن ذلك بأن يخيره بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض ما يخشى من الإشتغال به أن لا يتفرغ للعبادة مثلا وبين أن لا يؤتيه من الدنيا الا الكفاف فيختار الكفاف وأن كانت السعة أسهل منه والإثم على هذا أمر نسبي لايراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة له قوله وما انتقم لنفسه أي خاصة فلا يرد أمره بقتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل وغيرهما ممن كان يؤذيه لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله وقيل لا ينتقم إذا أرادت أنه لا ينتقم إذا أوذي في غير السبب الذي يخرج إلى الكفر كما عفا عن الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه وعن الآخر الذي جبذ بردائه حتى أثر في كتفه وحمل الداودي عدم الإنتقام على ما يختص بالمال قال وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه قال واقتص ممن لده في مرضه بعد نهيه عن ذلك بأن أمر بلدهم مع أنهم كانوا في ذلك تأولوا أنه إنما نهاهم عن عادة البشرية من كراهة النفس الدواء كذا قال وقد أخرج الحاكم هذا الحديث من طريق معمر عن الزهري بهذا الإسناد مطولا وأوله ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما بذكر أي بصريح اسمه ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله ولا سئل في شيء قط فمنعه إلا أن يسأل مأثما ولا انتقم لنفسه من شيء إلا أن تنتهك حرمات الله فيكون لله ينتقم الحديث وهذا السياق سوى صدر الحديث عند مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه به وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس وفيه وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فإن انتهكت حرمة الله كان أشد الناس غضبا لله وفي الحديث الحث على ترك الأخذ بالشيء لعسر والاقتناع باليسر وترك الإلحاح فيما لا يضطر إليه ويؤخذ من ذلك الندب إلى الأخذ بالرخص ما لم يظهر الخطأ والحث على العفو إلا في حقوق الله تعالى والندب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحل ذلك ما لم يفض إلى ما هو أشد منه وفيه ترك الحكم للنفس وأن كان الحاكم متمكنا من ذلك بحيث يؤمن منه الحيف على المحكوم عليه لكن لحسم المادة والله أعلم الحديث الثامن عشر حديث أنس أخرجه من طريق حماد بن زيد وأخرجه مسلم بمعناه من رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عنه

[ 3368 ] قوله ما مسست بمهملتين الأولى مكسورة ويجوز فتحها والثانية ساكنة وكذا القول في ميم شمعت قوله ولا ديباجا هو من عطف الخاص على العام لأن الديباج نوع من الحرير وهو بكسر المهملة وحكى فتحها وقال أبو عبيدة الفتح مولد أي ليس بعربي قوله ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل هذا يخالف ما وقع في حديث أنس الآتي في كتاب اللباس أنه كان ضخم اليدين وفي رواية له والقدمين وفي رواية له شئن القدمين والكفين وفي حديث هند بن أبي هالة الذي أخرجه الترمذي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم فإن فيه أنه كان شئن الكفين والقدمين أي غليظهما في خشونة وهكذا وصفه على من عدة طرق عنه عند الترمذي والحاكم وابن أبي خيثمة وغيرهم وكذا في صفة عائشة له عند بن أبي خيثمة والجمع بينهما أن المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن وقوته أو حيث وصف باللين واللطافة حيث لا يعمل بهما شيئا كان بالنسبة إلى أصل الخلقة وحيث وصف بالغلط والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل فإنه يتعاطى كثيرا من أموره بنفسه صلى الله عليه وسلم وسيأتي مزيد به لهذا في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وفي حديث معاذ عند الطبراني والبزار أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في سفر فما مسست شيئا قط ألين من جلده صلى الله عليه وسلم قوله أو عرفا بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء وهو شك من الراوي ويدل عليه قوله بعد أطيب من ريح أو عرف والعرف الريح الطيب ووقع في بعض الروايات بفتح الراء وبالقاف و أو على هذا للتنويع والأول هو المعروف فقد تقدم في الصيام من طريق حميد عن أنس مسكة ولا عنبرة أطيب رائحة من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله عنبرة ضبط بوجهين أحدهما بسكون النون بعدها موحدة والآخر بكسر الموحدة بعدها تحتانية والأول معروف والثاني طيب معمول من أخلاط يجمعها الزعفران وقيل هو الزعفران نفسه ووقع عند البيهقي ولا شمعت مسكا ولا عنبرا ولا عبيرا ذكرهما جميعا وقد تقدم شيء من هذا في الحديث العاشر وقوله من ريح أو عرف بخفض ريح بغير تنوين لأنه في حكم المضاف كقول الشاعر بين ذراعي وجبهة الأسد ووقع في أول حديث عند مسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى يتكفأ وما مسست الخ الحديث التاسع عشر حديث أبي سعيد أورده من طريقين

[ 3369 ] قوله عن عبد الله بن أبي عتبة بضم المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة وهو مولى أنس وهذا هو المحفوظ عن قتادة وقد رواه الطبراني من وجه آخر عن شعبة عن قتادة فقال عن أبي السوار العدوي عن عمران بن حصين به قوله أشد حياء من العذراء أي البكر وقوله في خدرها بكسر المعجمة أي في سترها وهو من باب التتميم لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة عنه لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل بها فالظاهر أن المراد تقييده بما إذا دخل عليها في خدرها لا حيث تكون منفردة فيه ومحل وجود الحياء منه صلى الله عليه وسلم في غير حدود الله ولهذا قال الذي اعترف بالزنا أنكتها لا تكني كما سيأتي بيانه في الحدود وأخرج البزار هذا الحديث من حديث أنس وزاد في آخره وكان يقول الحياء خير كله وأخرج من حديث بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وراء الحجرات وما رأى أحد عورته قط وإسناده حسن قوله حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وابن مهدي قالا حدثنا شعبة مثله يعني سندا ومتنا وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أبي موسى محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي بسنده وقال فيه سمعت عبد الله بن أبي عتبة يقول سمعت أبا سعيد الخدري يقول وأخرجه بن حبان من طريق أحمد بن سنان القطان قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي يا أبا سعيد أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها قال نعم عن مثل هذا فسل يا شعبة ف ذكره بتمامه قوله وإذا كره شيئا عرف في وجهه أي أن بن بشار زاد هذا على رواية مسدد وهذا يحتمل أن يكون في رواية عبد الرحمن بن مهدي وحده وأن يكون في رواية يحيى أيضا ولم يقع لمسدد والأول المعتمد فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية المقدمي وأبي خيثمة وابن خلاد عن يحيى بن سعيد وليس فيه الزيادة وأخرجه من رواية أبي موسى عن عبد الرحمن بن مهدي فذكرها وكذا أخرجه مسلم عن زهير بن حرب وأبي موسى محمد بن المثنى وأحمد بن سنان القطان كلهم عن بن مهدي وأخرجه من حديث معاذ والإسماعيلي من حديث علي بن الجعد كلاهما عن شعبة كذلك وأخرجه بن حبان من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة كذلك وقوله عرفناه في وجهه إشارة إلى تصحيح ما تقدم من أنه لم يكن يواجه أحدا بما يكرهه بل يتغير وجهه فيفهم أصحابه كراهيته لذلك الحديث العشرون حديث أبي هريرة

[ 3370 ] قوله عن أبي حازم هو الأشجعي واسمه سلمان وليس هو أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد قوله ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط في رواية غندر عن شعبة عند الإسماعيلي ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاما قط وهو محمول على الطعام المباح كما سيأتي تقرير ذلك في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى الحديث الحادي والعشرون حديث عبد الله بن مالك بن بحينة وهو بتنوين مالك واعراب بن بحينة إعراب بن مالك لأن مالكا أبوه وبحينة أمه

[ 3371 ] قوله الأسدي هو بسكون المهملة ويقال فيه الأزدي بسكون الزاي وهذا مشهور في هذه النسبة يقال بالزاي وبالسين وغفل الداودي فقرأه بفتح السين ثم أنكره وقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة وكذا قوله قال بن بكير أي يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا بكر أي بن مضر بالإسناد المذكور قوله بياض إبطيه أي أن يحيى زاد لفظ بياض لأن في رواية قتيبة حتى يرى إبطيه واختلف في المراد بوصف إبطيه في البياض قيل لم يكن تحتهما شعر فكانا كلون جسده ثم قيل لم يكن تحت إبطيه شعر البتة وقيل كان لدوام تعهده له لا يبقى فيه شعر ووقع عند مسلم في حديث حتى رأينا عفرة إبطيه ولا تنافي بينهما لأن الأعفر ما بياضه ليس بالناصع وهذا شأن المغابن يكون لونها في البياض دون لون بقية الجسد الحديث الثاني والعشرون حديث أنس في رفع اليدين في الاستسقاء تقدم في موضع مشروحا والغرض منه ذكر بياض إبطيه والمراد بالحصر فيه الرفع على هيئة مخصوصة لا أصل الرفع فإنه ثابت عنه كما في الخبر الذي بعده الحديث الثالث والعشرون حديث أبي موسى ذكر منه طرفا معلقا هو طرف من حديث سيأتي موصولا في المناقب في ترجمة أبي عامر الأشعري وقد علق طرفا منه في الوضوء أيضا

[ 3373 ] قوله حدثنا الحسن بن الصباح هو البزار الذي أخرج عنه الحديث الذي بعده وقيل بل هذا هو الزعفراني نسبه إلى جده لأنه الحسن بن محمد بن الصباح قوله سمعت عون بن أبي جحيفة ذكر عن أبيه في رواية شعبة عن عون سمعت أبي كما تقدم في أوائل الصلاة قوله دفعت بضم أوله أي أنه وصل إليه عن غير قصد والأبطح هو الذي خارج مكة ينزل فيه الحاج إذا رجع من مني وقوله وكان بالهاجرة استئناف أو حال وقد تقدم هذا الحديث من وجه آخر في هذا الباب وهو الحديث العاشر والمراد منه هنا قوله كأني أنظر إلى وبيص ساقيه والوبيص بالموحدة والمهملة البريق وزنا ومعنى الحديث الرابع والعشرون حديث عائشة

[ 3374 ] قوله حدثنا الحسن بن الصباح البزار بتقديم الزاي على الراء وهو واسطي سكن بغداد وكان من أئمة الحديث وسفيان هو بن عيينة فإن الحسن بن الصباح ما لحق الثوري والثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة قوله لو عده العاد لاحصاه أي لو عد كلماته أو مفرداته أو حروفه لأطاق ذلك وبلغ آخرها والمراد بذلك المبالغة في الترتيل والتفهيم هذا الحديث هو الحديث الذي بعده اختلف الرواة في سياقه بسطا واختصارا

[ 3375 ] قوله وقال الليث حدثني يونس وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عن الليث قوله ألا يعجبك بضم أوله وإسكان ثانيه من الإعجاب وبفتح ثانيه والتشديد من التعجيب قوله أبا فلان كذا للأكثر قال عياض هو منادي بكنيته قلت وليس كذلك لما سأذكره وإنما خاطبت عائشة عروة بقولها ألا يعجبك وذكرت له المتعجب منه فقالت أبا فلان وحتى السياق أن تقول أبو فلان بالرفع على أنه فاعل لكنه جاء هكذا على اللغة القليلة ثم حكت وجه التعجب فقالت جاء فجلس الخ ووقع في رواية الأصيلي وكريمة في أبو فلان ولا إشكال فيها وتبين من رواية مسلم وأبي داود أنه هو أبو هريرة فأخرجه مسلم عن هارون بن معروف وأبو داود عن محمد بن منصور الطوسي كلاهما عن سفيان لكن قال هارون عن سفيان عن هشام بن عروة وقال الطوسي عن سفيان عن الزهري وكذا أخرجه الإسماعيلي عن بن أبي عمر عن سفيان عن هشام عن أبي يعلى وعن أبي معمر عن سفيان عن الزهري وكذا أخرجه أبو نعيم من طريق القعنبي عن سفيان عن الزهري فكأن لسفيان فيه شيخين وفي رواية الجميع أنه أبو هريرة ووقع في رواية بن وهب عند الإسماعيلي ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس ولأحمد ومسلم وأبي داود من هذا الوجه ألا أعجبك من أبي هريرة ووقع للقابسي بفتح الهمزة بعدها مثناة مفتوحة فعل ماض من الإتيان وفلان بالرفع والتنوين وهو تصحيف لأنه تبين من الرواية الأخرى أنه بصيغة الكنية لا بلفظ الاسم المجرد عنها والعجب أن القابسي أنكر عين روايته وقال عياض هي الصواب لولا قوله بعده جاء قلت لأنه يصير تكرارا قوله وكنت أسبح أي أصلي نافلة أو على ظاهره أي أذكر الله والأول أوجه قوله ولو أدركته لرددت عليه أي لأنكرت عليه وبينت له أن الترتيل في التحديث أولى من السرد قوله لم يكن يسرد الحديث كسردكم أي يتابع الحديث استعجالا بعضه إثر بعض لئلا يلتبس على المستمع زاد الإسماعيلي من رواية بن المبارك عن يونس إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا فهما تفهمه القلوب واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية كثير المحفوظ فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث كما قال بعض البلغاء أريد أن أقتصر فتتزاحم القوافي علي في

قوله باب كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه في رواية الكشميهني عيناه ولا ينام قلبه قوله رواه سعيد بن ميناء عن جابر وصله في كتاب الإعتصام مطولا وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وأخرجه المصنف في الباب من حديث عائشة في صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل وفي آخره فقلت يا رسول الله تنام قبل أن توتر قال تنام عيني ولا ينام قلبي وهذا قد تقدم في صلاة التطوع وتقدم حديث بن عباس في ذلك في صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل ثم ذكر طرفا من حديث شريك عن أنس في المعراج وسيأتي بأتم من هذا في التوحيد

[ 3377 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله حدثنا أخي هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال قوله جاءه ثلالة نفر هم ملائكة ولم أتحقق أسماءهم قوله فقال أولهم أيهم هو مشعر بأنه كان نائما بين اثنين أو أكثر وقد قيل أنه كان نائما بين عمه حمزة وابن عمه جعفر بن أبي طالب قوله فكانت تلك أي القصة أي لم يقع في تلك الليلة غير ما ذكر من الكلام قوله حتى جاءوا إليه ليلة أخرى أي بعد ذلك ومن هنا يحصل رفع الإشكال في قوله قبل أن يوحى إليه كما سيأتي بيانه في مكانه قوله فيما يرى قلبه والنبي صلى الله عليه وسلم نائمة عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم قد تقدم مثل هذا من قول عبيد بن عمير في أوائل الطهارة ومثله لا يقال من قبل الرأي وهو ظاهر في أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لكنه بالنسبة للأمة وزعم القضاعي أنه مما اختص به عن الأنبياء أيضا وهذان الحديثان يردان عليه وقد تقدم في التيمم في الكلام على حديث عمران في قصة المرأة صاحبة المزادتين ما يتعلق بكونه صلى الله عليه وسلم كان تنام عيناه ولا ينام قلبه فليراجع منه من أراد الوقوف عليه

قوله باب علامات النبوة في الإسلام العلامات جمع علامة وعبر بها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة والكرامة والفرق بينهما أن المعجزة أخص لأنه يشترط فيها أن يتحدى النبي من يكذبه بأن يقول إن فعلت كذلك أتصدق بأني صادق أو يقول من يتحداه لا أصدقك حتى تفعل كذا ويشترط أن يكون المتحدي به مما يعجز عنه البشر في العادة المستمرة وقد وقع النوعان للنبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن وسميت المعجزة لعجز من يقع عندهم ذلك عن معارضتها والهاء فيها للمبالغة أو هي صفة محذوف وأشهر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن لأنه صلى الله عليه وسلم تحدى به العرب وهم أفصح الناس لسانا وأشدهم اقتدارا على الكلام بأن يأتوا بسورة مثله فعجزوا مع شدة عداوتهم له وصدهم عنه حتى قال بعض العلماء أقصر سورة في القرآن إنا أعطيناك الكوثر فكل قرآن من سورة أخرى كان قدر إنا أعطيناك الكوثر سواء كان آية أو أكثر أو بعض آية فهو داخل فيما تحداهم به وعلى هذا فتصل معجزات القرآن من هذه الحيثية إلى عدد كثير جدا ووجوه إعجاز القرآن من جهة حسن تأليفه والتئام كلماته وفصاحته وإيجازه في مقام الإيجاز وبلاغته ظاهرة جدا مع ما انضم إلى ذلك من حسن نظمه وغرابة أسلوبه مع كونه على خلاف قواعد النظم والنثر هذا إلى ما اشتمل عليه من الإخبار بالمغيبات مما وقع من أخبار الأمم الماضية مما كان لا يعلمه إلا أفراد من أهل الكتاب ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بأحد منهم ولا أخذ عنهم وبما سيقع فوقع على وفق ما أخبر به في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده هذا مع الهيبة التي تقع عند تلاوته والخشية التي تلحق سامعه وعدم دخول الملال والسآمة على قارئه وسامعه مع تيسر حفظه لمتعلميه وتسهيل سرده لتاليه ولا ينكر شيئا من ذلك إلا جاهل أو معاند ولهذا أطلق الأئمة أن معظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ومن أظهر معجزات القرآن إبقاؤه مع استمرار الإعجاز وأشهر ذلك تحديه اليهود أن يتمنوا الموت فلم يقع ممن سلف منهم ولا خلف من تصدى لذلك ولا أقدم مع شدة عداوتهم لهذا الدين وحرصهم على إفساده والصد عنه فكان في ذلك أوضح معجزة وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وانشقاق القمر ونطق الجماد فمنه ما وقع التحدي به ومنه ما وقع دالا على صدقة من غير سبق تحد ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده صلى الله عليه وسلم من خوارق العادات شيء كثير كما يقطع بوجود جود حاتم وشجاعة على وأن كانت أفراد ذلك ظنية وردت مورد الآحاد مع أن كثيرا من المعجزات النبوية قد اشتهر وانتشر ورواه العدد الكثير والجم الغفير وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار والعناية بالسير والأخبار وإن لم يصل عند غيرهم إلى هذه الرتبة لعدم عنايتهم بذلك بل لو ادعى مدع أن غالب هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نطري لما كان مستبعدا وهو أنه لامرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدثوا بهذه الأخبار في الجملة ولا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم مخالفة الراوي فيما حكاه من ذلك ولا الإنكار عليه فيما هنالك فيكون الساكت منهم كالناطق لأن مجموعهم محفوظ من الإغضاء على الباطل وعلى تقدير أن يوجد من بعضهم إنكار أو طعن على بعض من روى شيئا من ذلك فإنما هو من جهة توقف في صدق الراوي أو تهمته بكذب أو توقف في ضبطه ونسبته إلى سوء الحفظ أو جواز الغلط ولا يوجد من أحد منهم طعن في المروي كما وجد منهم في غير هذا الفن من الأحكام والآداب وحروف القرآن ونحو ذلك وقد قرر القاضي عياض ما قدمته من وجود إفادة القطع في بعض الأخبار عند بعض العلماء دون بعض تقريرا حسنا ومثل ذلك بأن الفقهاء من أصحاب مالك قد تواتر عندهم النقل أن مذهبه أجزاء النية من أول رمضان خلافا للشافعي في إيجابه لها في كل ليلة وكذا إيجاب مسح جميع الرأس في الوضوء خلافا للشافعي في إجزاء بعضها وأن مذهبهما مع إيجاب النية في أول الوضوء واشتراط الولي في النكاح خلافا لأبي حنيفة وتجد العدد الكثير والجم الغفير من الفقهاء من لا يعرف ذلك من خلافهم فضلا عمن لم ينظر في الفقه وهو أمر واضح والله أعلم وذكر النووي في مقدمة شرح مسلم أن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تزيد على ألف ومائتين وقال البيهقي في المدخل بلغت ألفا وقال الزاهدي من الحنفية ظهر على يديه ألف معجزة وقيل ثلاثة آلاف وقد اعتنى بجمعها جماعة من الأئمة كأبي نعيم والبيهقي وغيرهما قوله في الإسلام أي من حين المبعث وهل جرا دون ما وقع قبل ذلك وقد جمع ما وقع من ذلك قبل المبعث بل قبل المولد الحاكم في الإكليل وأبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى وأبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة وسيأتي منه في هذا الكتاب في قصة زيد بن عمرو بن نفيل في خروجه في ابتغاء الدين ومضى منه قصة ورقة بن نوفل وسلمان الفارسي وقدمت في باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم قصة محمد بن عدي بن ربيعة في سبب تسميته محمدا ومن المشهور ذلك قصة بحيرا الراهب وهي في السيرة لابن إسحاق وروى أبو نعيم في الدلائل من طريق شعيب أي بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جده قال كان بمر الظهران راهب يدعى عيصا فذكر الحديث وفيه أنه أعلم عبد الله بن عبد المطلب ليلة ولد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نبي هذه الأمة وذكر له أشياء من صفته وروى الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن أبيه أن أمية بن أبي الصلت قال له إني أجد في الكتب صفة نبي يبعث من بلادنا وكنت أظن أني هو ثم ظهر لي أنه من بني عبد مناف قال فنظرت فلم أجد فيهم من هو متصف بأخلاقه إلا عتبة من ربيعة إلا أنه جاوز الأربعين ولم يوح إليه فعرفت أنه غيره قال أبو سفيان فلما بعث محمد قلت لأمية عنه فقال أما إنه حق فاتبعه فقلت له فأنت ما يمنعك قال الحياء من نسيات ثقيف أني كنت أخبرهن أني هو ثم أصير تبعا لفتى من بني عبد مناف وروى بن إسحاق من حديث سلمة بن سلامة بن وقش وأخرجه أحمد وصححه بن حبان من طريقه قال كان لنا جار من اليهود بالمدينة فخرج علينا قبل البعثة بزمان فذكر الحشر والجنة والنار فقلنا له وما آية ذلك قال خروج نبي يبعث من هذه البلاد وأشار إلى مكة فقالوا متى يقع ذلك قال فرمى بطرفه إلى السماء وأنا أصغر القوم فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال فما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث الله نبيه وهو حي فآمنا به وكفر هو بغيا وحسدا وروى يعقوب بن سفيان بإسناد حسن عن عائشة قالت كان يهودي قد سكن مكة فلما كانت الليلة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم قال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا نعلم قال فإنه ولد في هذه الليلة نبي هذه الأمة بين كنفيه علامة لا يرضع ليلتين لأن عفريتا من الجن وضع يده على فمه فانصرفوا فسألوا فقيل لهم قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام فذهب اليهودي معهم إلى أمه فأخرجته لهم فلما رأى اليهودي العلامة خر مغشيا عليه وقال ذهبت النبوة من بني إسرائيل يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب قلت ولهذه القصص نظائر يطول شرحها ومما ظهر من علامات نبوته عند مولده وبعده ما أخرجه الطبراني عن عثمان بن أبي العاص الثقفي عن أمه أنها حضرت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم فلما ضربها المخاض قالت فجعلت أنظر إلى النجوم تدلى حتى أقول لتقعن علي فلما ولدت خرج منها نور أضاء له البيت والدار وشاهده حديث العرباض بن سارية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني عبد الله وخاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك إني دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بي ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وأن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام أخرجه أحمد وصححه بن حبان والحاكم وفي حديث أبي أمامة عند أحمد نحوه وأخرج بن إسحاق عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه وقالت أضاءت له بصري من أرض الشام وروى بن حبان والحاكم في قصة رضاعه صلى الله عليه وسلم من طريق بن إسحاق بإسناده إلى حليمة السعدية الحديث بطوله وفيه من العلامات كثرة اللبن في ثدييها ووجود اللبن في شارفها بعد الهزال الشديد وسرعة مشي حمارها وكثرة اللبن في شياهها بعد ذلك وخصب أرضها وسرعة نباتة وشق الملكين صدره وهذا الأخير أخرجه مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم جمعه فأعاده مكانه الحديث وفي حديث مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه قال وكان قد أتت عليه خمسون ومائة سنة قال لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسر إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرافة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فلما أصبح كسرى أفزعه ما وقع فسأل علماء أهل مملكته عن ذلك فأرسلوا إلى سطيح فذكر القصة بطولها أخرجها بن السكن وغيره في معرفة الصحابة ثم أورد المصنف في الباب نحو خمسين حديثا الحديث الأول حديث عمران بن حصين في قصة المرأة صاحبة المزادتين والمعجزة فيها تكثير الماء القليل ببركته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في أبواب التيمم وقوله في هذه الرواية إيه بكسر الهمزة وسكون التحتانية وفي بعض النسخ أيها بالتنوين مع الفتح وحكى الجوهري جواز فتح الهمزة في هذه وقوله مؤتمة أي ذات أيتام وقوله فمسح بالعزلاوين في رواية الكشميهني في العزلاوين وهما تثنية عزلاء بسكون الزاي وبالمد وهو فم القربة والجمع عزالي بكسر اللام الخفيفة وكذلك وقع في الرواية المتقدمة قوله فشربنا عطاشا أربعون رجلا أي ونحن حينئذ أربعون وفي رواية الكشميهني أربعين بالنصب وتوجيهها ظاهر وقوله وهي تكاد تبض بكسر الموحدة بعدها معجمة ثقيلة أي تسيل وحكى عياض عن بعض الرواة بالصاد المهملة من البصيص وهو اللمعان ومعناه مستبعد هنا فإن في نفس الحديث تكاد تبض من الملء بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة فكونها تكاد تسيل من الملء ظاهر وأما كونها تلمع من الملء فبعيد وقال بن التين معنى قوله تبض بالمعجمة أي تشق يقال بض الماء من العين إذا نبع وكذا بض العرق قال وفيه روايات أخرى روى تنض بنون وضاد معجمة وروى تيصر بمثناة مفتوحة بعدها تحتانية ساكنة وصاد مهملة ثم راء قال وذكر الشيخ أبو الحسن أن معناه تنشق قال ومنه صير الباب أي شق الباب ورده أبن التين بأن صير عينه حرف علة فكان يلزم أن يقول تصور وليس هذا شيء من الروايات ورأيت في رواية أبي ذر عن الكشميهني تنصب بفتح المثناه وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها موحدة فتوافق الرواية الأولى لأنها بمعنى تسيل الحديث الثاني والثالث عن أنس في نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أورده من أربعة طرق من رواية قتادة وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة والحسن البصري وحميد وتقدم عنده في الطهارة من رواية ثابت كلهم عن أنس وعند بعضهم ما ليس عند بعض وظهر لي من مجموع الروايات أنهما قصتان في موطنين للتغاير في عدد من حضر وهي مغايرة واضحة يبعد الجمع فيها وكذلك تعيين المكان الذي وقع ذلك فيه لأن ظاهر رواية الحسن أن ذلك كان في سفر بخلاف رواية قتادة فإنها ظاهرة في أنها كانت بالمدينة وسيأتي في غير حديث أنس أنها كانت في مواطن أخر قال عياض هذه القصة رواها الثقات من العدد الكثير عن الجم الغفير عن الكافة متصلة بالصحابة وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومجمع العساكر ولم يرد عن أحد منهم إنكار على راوي ذلك فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته وقال القرطبي قضية نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي قلت أخذ كلام عياض وتصرف فيه قال ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم وحديث نبع الماء جاء من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق وعن بن مسعود عند البخاري والترمذي وعن بن عباس عند أحمد والطبراني من طريقين وعن بن أبي ليلى والد عبد الرحمن عند الطبراني فعدد هؤلاء الصحابة ليس كما يفهم من إطلاقها وأما تكثير الماء بأن يلمسه بيده أو يتفل فيه أو يأمر بوضع شيء فيه كسهم من كنانته فجاء في حديث عمران بن حصين في الصحيحين وعن البراء بن عازب عند البخاري وأحمد من طريقين وعن أبي قتادة عند مسلم وعن أنس عند البيهقي في الدلائل وعن زياد بن الحارث الصدائي عنده وعن حبان بن الصنابح بضم الموحدة وتشديد المهملة الصدائي أيضا فإذا ضم هذا إلى هذا بلغ الكثرة المذكورة أو قاربها وأما من رواها من أهل القرن الثاني فهم أكثر عددا وأن كان شطر طرقه أفرادا وفي الجملة يستفاد منها الرد على بن بطال حيث قال هذا الحديث شهده جماعة كثيرة من الصحابة إلا أنه لم يرو إلا من طريق أنس وذلك لطول عمره وتطلب الناس العلو في السند انتهى وهو ينادي عليه بقلة الاطلاع والاستحضار لأحاديث الكتاب الذي شرحه وبالله التوفيق قال القرطبي ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه وقد نقل بن عبد البر عن المزني أنه قال نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى بالعصا فتفجرت منه المياه لأن خروج الماء من الحجارة معهود بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم انتهى وظاهر كلامه أن الماء نبع من نفس اللحم الكائن في الأصابع ويؤيده قوله في حديث جابر الآتي فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه وأوضح منه ما وقع في حديث بن عباس عند الطبراني فجاءوا بشن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه ثم فرق أصابعه فنبع الماء من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عصا موسى فإن الماء تفجر من نفس العصا فتمسكه به يقتضي أن الماء تفجر من بين أصابعه ويحتمل أن يكون المراد أن الماء كان ينبع من بين أصابعه بالنسبة إلى رؤية الرائي وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر وكفه صلى الله عليه وسلم في الماء فرآه الرائي نابعا من بين أصابعه والأول أبلغ في المعجزة وليس في الأخبار ما يرده وهو أولى

[ 3379 ] قوله عن سعيد هو بن أبي عروبة قوله عن أنس لم أره من رواية قتادة إلا معنعنا لكن بقية الخبر تدل على أنه سمعه من أنس لقوله قلت كم كنتم لكن أخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق مكي بن إبراهيم عن سعيد فقال عن قتادة عن الحسن عن أنس فهذا لو كان محفوظا اقتضى أن في رواية الصحيح انقطاعا وليس كذلك لأن مكي بن إبراهيم ممن سمع من سعيد بن أبي عروبة بعد الاختلاط قوله وهو بالزوراء بتقديم الزاي على الراء وبالمد مكان معروف بالمدينة عند السوق وزعم الداودي أنه كان مرتفعا كالمنارة وكأنه أخذه من أمر عثمان بالتأذين على الزوراء وليس ذلك بلازم بل الواقع أن المكان الذي أمر عثمان بالتأذين فيه كان بالزوراء لاأنه الزوراء نفسها ووقع في رواية همام عن قتادة عن أنس شهدت النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عند الزوراء أو عند بيوت المدينة أخرجه أبو نعيم وعند أبي نعيم من رواية شريك بن أني نمر عن أنس أنه هو الذي أحضر الماء وأنه أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بيت أم سلمة وأنه رده بعد فراغهم إلى أم سلمة وفيه قدر ما كان فيه أولا ووقع عنده في رواية عبيد الله بن عمر عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير ووقع في حديث جابر الآتي التصريح بأن ذلك كان في سفر ففي رواية نبيح العنزي عند أحمد عن جابر قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما في القوم من طهور فجاء رجل بفضله في إداوة فصبه في قدح فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أن القوم أتوا ببقية الطهور فقالوا تمسحوا تمسحوا فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال على رسلكم فضرب بيده في القدح في جوف الماء ثم قال أسبغوا الطهور قال جابر فوالذي أذهب بصري لقد رأيت الماء يخرج من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضؤوا أجمعون قال حسبته قال كنا مائتين وزيادة وجاء عن جابر قصة أخرى أخرجها مسلم من وجه آخر عنه في أواخر الكتاب في حديث طويل فيه أن الماء الذي أحضروه له كان قطرة في إناء من جلد لو أفرغها لشربها يابس الإناء وأنه لم يجد في الركب قطرة ماء غيرها قال فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم وغمز بيده ثم قال ناد بجفنة الركب فجئ بها فقال بيده في الجفنة فبسطها ثم فرق أصابعه ووضع تلك القطرة في قعر الجفنة فقال خذ يا جابر فصب علي وقل بسم الله ففعلت قال فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت فأتى الناس فاستقوا حتى رووا فرفع يده من الجفنة وهي ملأى وهذه القصة أبلغ من جميع ما تقدم لاشتمالها على قلة الماء وعلى كثرة من استقى منه قوله زهاء ثلاثمائة هو بضم الزاي وبالمد أي قدر ثلاثمائة مأخوذة من زهوت الشيء إذا حصرته ووقع عند الإسماعيلي من طريق خالد بن الحارث عن سعيد قال ثلاثمائة بالجزم بدون قوله زهاء والله أعلم الحديث الرابع حديث جابر في نبع الماء أيضا

[ 3383 ] قوله عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بيد يديه ركوة كذا وقع في هذه الطريق ووقع في الأشربة من طريق الأعمش عن سالم أن ذلك كان لما حضرت صلاة العصر وسيأتي شرح الحديث مستوفى في غزوة الحديبية إن شاء الله تعالى وقوله جهش وهو بفتح الجيم والهاء بعدها معجمة أي أسرعوا لأخذ الماء وفي رواية الكشميهني فجهش بزيادة فاء في أوله وقوله فجعل الماء يثور كذا للأكثر بمثلثة وللكشميهني بالفاء وهما بمعنى وقوله

[ 3384 ] روينا بكسر الواو من الري الحديث الخامس حديث البراء في تكثير الماء ببئر الحديبية وسيأتي الكلام عليه أيضا في غزوة الحديبية وأبين هناك التوفيق بينه وبين حديث جابر الذي قبله إن شاء الله تعالى

الحديث السادس حديث أنس في تكثير الطعام القليل

[ 3385 ] قوله قال أبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس وقد اتفقت الطرق على أن الحديث المذكور من مسند أنس وقد وافقه على ذلك أخوه لأمه عبد الله بن أبي طلحة فرواه مطولا عن أبيه أخرجه أبو يعلى من طريقه بإسناد حسن وأوله عن أبي طلحة قال دخلت المسجد فعرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع الحديث والمراد بالمسجد الموضع الذي أعده النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه حين محاصرة الأحزاب المدينة في غزوة الخندق قوله ضعيفا أعرف فيه الجوع فيه العمل على القرائن ووقع في رواية مبارك بن فضالة عن بكر بن عبد الله وثابت عن أنس عند أحمد أن أبا طلحة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم طاويا وعند أبي يعلى من طريق محمد بن سيرين عن أنس أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام فذهب فأجر نفسه بصاع من شعير بعمل بقية يومه ذلك ثم جاء به الحديث وفي رواية عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة وهو أخو إسحاق راوي حديث الباب عن أنس عند مسلم وأبو يعلى قال رأى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا يتقلب ظهر البطن وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عند مسلم أيضا عن أنس قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أم سليم فقال هل من شيء الحديث وفي رواية محمد بن كعب عن أنس عند أبي نعيم جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال أعندك شيء فإني مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء وقد ربط على بطنه حجرا من الجوع قوله فأخرجت أقراصا من شعير في رواية محمد بن سيرين عن أنس عند أحمد قال عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته وعند المصنف من هذا الوجه ومن غيره عن أنس أن أمه أم سليم عمدت إلى مد من شعير جرشته ثم عملته وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس عند أحمد ومسلم أتى أبو طلحة بمد من شعير فأمر به فصنع طعاما ولا منافاة بين ذلك لاحتمال أن تكون القصة تعددت وأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر ويمكن الجمع بأن يكون الشعير في الأصل كان صاعا فأفردت بعضه لعيالهم وبعضه للنبي صلى الله عليه وسلم ويدل على التعدد ما بين العصيدة والخبز المفتوت الملتوت بالسمن من المغايرة وقد وقع لأم سليم في شيء صنعته للنبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت حجش قريب من هذه القصة من تكثير الطعام وإدخال عشرة عشرة كما سيأتي في مكانه في الوليمة من كتاب النكاح ووقع عند أحمد في رواية بن سيرين عن أنس عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته ثم عمدت إلى عكة فيها شيء من سمن فاتخذت منه خطيفة الحديث والخطيفة هي العصيدة وزنا ومعنى وهذا بعينه يأتي للمصنف في الأطعمة قوله ولا تثني ببعضه أي لفتني به يقال لاث العمامة على رأسه أي عصبها والمراد أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على إبطه ووقع في الأطعمة للمصنف عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك في هذا الحديث فلفت الخبز ببعضه ودست الخبز تحت ثوبي وردتني ببعضه تقول دس الشيء يدسه دسا إذا أدخله في الشيء بقهر وقوة قوله فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم آرسلك أبو طلحة فقلت نعم قال بطعام قلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذلك قال لمن عنده قوموا وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس فيجمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحي وظهر له أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل فيحصل مقصودهم من إطعامه ويحتمل أن يكون ذلك عن رأي من أرسله عهد إليه إذا رأى كثرة الناس أن يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشيء هو ومن معه وقد عرفوا إيثار النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يأكل وحده وقد وجدت أن أكثر الروايات تقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس بعثني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأدعوه وقد جعل له طعاما وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم لنفسه خاصة ثم أرسلتني إليه وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فدخل أبو طلحة على أمي فقال هل من شيء فقالت نعم عندي كسر من خبز فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه وإن جاء أحد معه قل عنهم وجميع ذلك عند مسلم وفي رواية مبارك بن فضالة المذكورة أن أبا طلحة قال اعجنيه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل عندنا ففعلت فقالت أدع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس عند أبي نعيم وأصله عند مسلم فقال لي أبو طلحة يا أنس اذهب فقم قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قام فدعه حتى يتفرق أصحابه ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه فقل له إن أبي يدعوك وفي رواية عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عند أبي يعلى عن أنس قال لي أبو طلحة اذهب فادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند المصنف من رواية بن سيرين في الأطعمة عن أنس ثم بعثني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو في أصحابه فدعوته وعند أحمد من رواية النضر بن أنس عن أبيه قالت لي أم سليم اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له إن رأيت أن تغدي عندنا فافعل وفي رواية عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أنس عند البغوي فقال أبو طلحة أذهب يا بني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فادعه قال فجئته فقلت له أن أبي يدعوك الحديث وفي رواية محمد بن كعب فقال يا بني اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه ولا تدع معه غيره ولا تفضحني قوله آرسلك أبو طلحة بهمزة ممدودة للإستفهام وفي رواية محمد بن كعب فقال للقوم انطلقوا فانطلقوا وهم ثمانون رجلا وفي رواية يعقوب فلما قلت له إن أبي يدعوك قال لأصحابه يا هؤلاء تعالوا ثم أخذ بيدي فشدها ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنو أرسل يدي فدخلت وأنا حزين لكثرة من جاء معه قوله فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم أي قدر ما يكفيهم فقالت الله ورسوله أعلم كأنها عرفت أنه فعل ذلك عمدا ليظهر الكرامة في تكثير ذلك الطعام ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها وفي رواية مبارك بن فضالة فاستقبله أبو طلحة فقال يا رسول الله ما عندنا إلا قرص عملته أم سليم وفي رواية سعد بن سعيد فقال أبو طلحة إنما صنعت لك شيئا ونحوه في رواية بن سيرين وفي رواية عمرو بن عبد الله فقال أبو طلحة إنما هو قرص فقال إن الله سيبارك فيه ونحوه في رواية عمرو بن يحيى المازني وفي رواية يعقوب فقال أبو طلحة يا رسول الله إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى فقال ادخل فإن الله سيبارك فيما عندك وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه فدخلت على أم سليم وأنا مندهش وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى أن أبا طلحة قال يا أنس فضحتنا وللطبراني في الأوسط فجعل يرميني بالحجارة قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك كذا لأبي ذر عن الكشميهني ولغيره هلم وهي لغة حجازية هلم عندهم لا يؤنث ولا يثني ولا يجمع ومنه قوله تعالى والقائلين لإخوانهم هلم إلينا والمراد بذلك طلب ما عندهما قوله وعصرت أم سليم عكة فادمته أي صيرت ما خرج من العكة له إداما والعكة بضم المهملة وتشديد الكاف إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل وفي رواية مبارك بن فضالة فقال هل من سمن فقال أبو طلحة قد كان في العكة سمن فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى خرج ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال بسم الله فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع وفي رواية سعد بن سعيد فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة وفي رواية النضر بن أنس فجئت بها ففتح رباطها ثم قال بسم الله اللهم أعظم فيها البركة وعرف بهذا المراد بقوله وقال فيها ما شاء الله أن يقول قوله ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم دخل منزل أبي طلحة وجده وصرح بذلك في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ولفظه فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب فقال لهم اقعدوا ودخل وفي رواية يعقوب أدخل على ثمانية فما زال حتى دخل عليه ثمانون رجلا ثم دعاني ودعا أمي وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا انتهى وهذا يدل على تعدد القصة فإن أكثر الروايات فيها أنه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذه فقال إنه أدخلهم ثمانية ثمانية فالله أعلم قوله فأكلوا في رواية مبارك بن فضالة فوضع يده وسط القرص وقال كلوا بسم الله فأكلوا من حوالي القصعة حتى شبعوا وفي رواية بكر بن عبد الله فقال لهم كلوا من بين أصابعي قوله ثم خرجوا في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ثم قال لهم قوموا وليدخل عشرة مكانكم قوله والقوم سبعون أو ثمانون رجلا كذا وقع بالشك وفي غيرها بالجزم بالثمانين كما تقدم من رواية محمد بن كعب وغيره وفي رواية مبارك بن فضالة حتى أكل منه بضعة وثمانون رجلا وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرا أي فضلا وفي روايته عند أحمد قلت كم كانوا قالوا كانوا نيفا وثمانين قال وأفضل لأهل البيت ما يشبعهم ولا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون ألغى الكسر ولكن وقع في رواية بن سيرين عند أحمد حتى أكل منها أربعون رجلا وبقيت كما هي وهذا يؤيد التغاير الذي أشرت إليه وأن القصة التي رواها بن سيرين غير القصة التي رواها غيره وزاد مسلم في رواية عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة وأفضل ما بلغوا جيرانهم وفي رواية عمرو بن عبد الله وفضلت فضلة فأهديناها لجيراننا ونحوه عند أبي نعمي من رواية عمارة بن غزية عن ربيعة عن أنس بلفظ حتى أهدت أم سليم لجيراننا ولمسلم في أواخر رواية سعد بن سعيد حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع وفي رواية له من هذا الوجه ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان وقد تقدم الكلام على شيء من فوائد هذا الحديث في أبواب المساجد من أوائل كتاب الصلاة تكملة سألت في مجلس الإملاء لما ذكرت حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حكمة تبعيضهم فقلت يحتمل أن يكون عرف أن الطعام قليل وأنه في صحفة واحدة فلا يتصور أن يتحلق ذلك العدد الكثير فقيل لم لا دخل الكل وبعض لم يسعه التحليق فكان أبلغ في اشتراك الجميع في الأطلاع على المعجزة بخلاف التبعيض فإنه يطرقه احتمال تكرر وضع الطعام لصغر الصحفة فقلت يحتمل أن يكون ذلك لضيق البيت والله أعلم الحديث السابع حديث عبد الله وهو بن مسعود في نبع الماء أيضا وتسبيح الطعام

[ 3386 ] قوله كنا نعد الآيات أي الأمور الخارقة للعادات قوله بركة وأنتم تعدونها تخويفا الذي يظهر أنه أنكر عليهم عد جميع الخوارق تخويفا وإلا فليس جميع الخوارق بركة فإن التحقيق يقتضى عد بعضها بركة من الله كشبع الخلق الكثير من الطعام القليل وبعضها بتخويف من الله ككسوف الشمس والقمر كما قال صلى الله عليه وسلم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وكأن القوم الذين خاطبهم عبد الله بن مسعود بذلك تمسكوا بظاهر قوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ووقع عند الإسماعيلي من طريق الوليد بن القاسم عن إسرائيل في أول هذا الحديث سمع عبد الله بن مسعود يخسف فقال كنا أصحاب محمد نعد الآيات بركة الحديث قوله كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر هذا السفر يشبه أن يكون غزوة الحديبية لثبوت نبع الماء فيها كما سيأتي وقد وقع مثل ذلك في تبوك ثم وجدت البيهقي في الدلائل جزم بالأول لكن لم يخرج ما يصرح به ثم وجدت في بعض طرق هذا الحديث عند أبي نعيم في الدلائل أن ذلك كان في غزوة خيبر فأخرج من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن إبراهيم في هذا الحديث قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فأصاب الناس عطش شديد فقال يا عبد الله التمس لي ماء فأتيته بفضل ماء في إداوة الحديث فهذا أولى ودل على تكرر وقوع ذلك حضرا أو سفرا قوله فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه ماء قليل ووقع عند أبي نعيم في الدلائل من طريق أبي الضحى عن بن عباس قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم بلالا بماء فطلبه فلم يجده فأتاه بشن فيه ماء الحديث وفي آخره فجعل بن مسعود يشرب ويكثر وهذا يشعر بأن بن عباس حمله عن بن مسعود وأن القصة واحدة ويحتمل أن يكون كل من بن مسعود وبلال أحضر الإداوة فإن الشن بفتح المعجمة وبالنون هو الإداوة اليابسة قوله حي على الطهور المبارك أي هلموا إلى الطهور وهو بفتح الطاء والمراد به الماء ويجوز ضمها والمراد الفعل أي تطهروا قوله والبركة من الله البركة مبتدأ والخبر من الله وهو إشارة إلى أن الايجاد من الله ووقع في حديث عمار بن زريق عن إبراهيم في هذا الحديث فجعلت أبا درهم إلى الماء أدخله في جوفي لقوله البركة من الله وفي حديث بن عباس فبسط كفه فيه فنبعت تحت يده عين فجعل بن مسعود يشرب ويكثر والحكمة في طلبه صلى الله عليه وسلم في هذه المواطن فضلة الماء لئلا يظن أنه الموجد للماء ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن الله أجرى العادة في الدنيا غالبا بالتوالد وأن بعض الأشياء يقع بينها التوالد وبعضها لا يقع ومن جملة ذلك ما نشاهده من فوران بعض المائعات إذا خمرت وتركت زمانا ولم تجر العادة في الماء الصرف بذلك فكانت المعجمة بذلك ظاهرة جدا قوله ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غالبا ووقع ذلك عند الإسماعيلي صريحا أخرجه عن الحسن بن سفيان عن بندار عن أبي أحمد الزبيري في هذا الحديث كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام وله شاهد أورده البيهقي في الدلائل من طريق قيس بن أبي حازم قال كان أبو الدرداء وسليمان إذا كتب أحدهما إلى الآخر قال له بآية الصحفة وذلك أنهما بيناهما يأكلان في صحفة إذا سبحت وما فيها وذكر عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه قال مرض النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بطبق فيه عنب ورطب فأكل منه فسبح قلت وقد اشتهر تسبيح الحصي ففي حديث أبي ذر قال تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينا ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن ثم وضعهن في يد عمر فسبحن ثم وضعهن في يد عصمان فسبحن أخرجه البزار والطبراني في الأوسط وفي رواية الطبراني فسمع تسبيحهن من في الحلقة وفيه ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا قال البيهقي في الدلائل كذا رواه صالح بن أبي الأخضر ولم يكن بالحافظ عن الزهري عن سويد بن يزيد السلمي عن أبي ذر والمحفوظ ما رواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كان كبير السن ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له عن أبي ذر بهذا فائدة ذكر بن الحاجب عن بعض الشيعة أن انشقاق القمر وتسبيح الحصي وحنين الجذع وتسليم الغزالة مما نقل آحاد مع توفر الدواعي على نقله ومع ذلك لم يكذب رواتها وأجاب بأنه استغنى عن نقلها تواتر بالقرآن وأجاب غيره بمنع نقلها آحادا وعلى تسليمه فمجموعها يفيد القطع كما تقدم في أول هذا الفصل والذي أقول إنها كلها مشتهرة عندالناس وأما من حيث الرواية فليست على حد سواء فإن حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلا مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق ذلك من أئمة الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له في ذلك وأما تسبيح الحصي فليست له إلا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها وأما تسليم الغزالة فلم نجد له إسنادا لا من وجه قوي ولا من وجه ضعيف والله أعلم الحديث الثامن حديث جابر في قصة وفاء دين أبيه أورده مخصترا وقد ذكره في مواضع أخرى مطولا

[ 3387 ] قوله حدثنا زكريا هو بن أبي زائدة وعامر هو الشعبي قوله إن أباه هو عبد الله بن عمرو بن حرام بالمهملتين وفي رواية مغيرة عن الشعبي في البيوع توفي عبد الله بن عمر بن حرام وعليه دين وفي رواية فراس عن الشعبي في الوصايا أن أباه استشهد يوم أحد وترك ست بنات وترك عليه دينا وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى وفي رواية بن كعب بن مالك في الاستقراض والهبة عن جابر أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا ووقع عند أحمد من طريق نبيح العنزي عن جابر قال قال لي أبي يا جابر لا عليك أن يكون في قطاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا فذكر قصة قتل أبيه ودفنه قال وترك أبي عليه دينا من التمر فاشتد علي بعض غرمائه في التقاضي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له وقلت فأحب أن تعينني عليه لعله أن ينظرني طائفة من تمره إلى هذا الصرام المقبل قال نعم آتيك إن شاء الله قريبا من نصف النهار فذكر الحديث في الضيافة وفيه ثم قال أدع فلانا لغريمي الذي أشتد في الطلب فجاء فقال أنظر جابرا طائفة من دينك الذي على أبيه إلى الصرام المقبل فقال ما أنا بفاعل واعتل وقال إنما هو مال يتامى قوله وليس عندي إلا ما يخرج نخله يعني أنه لم يترك ما لا إلا البستان المذكور قوله ولا يبلغ ما يخرج نخله سنين أي في مدة سنين ما عليه أي من الدين قوله فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء فمشى فيه حذف تقديره فقال نعم فانطلق فوصل إلى الحائط فمشى وقد تبين من الروايات الأخرى التصريح بما وقع من ذلك ففي رواية مغيرة فقال أذهب فصنف تمرك أصنافا ثم أرسل إلي ففعلت فجاء فجلس على أعلاه وفي رواية فراس في البيوع أذهب فصنف تمرك أصنافا العجوة على حدة وعذق زيد على حدة وقوله عذق زيد بفتح المهملة وزيد الذي نسب إليه اسم لشخص كأنه هو الذي كان ابتدأ غراسه فنسب إليه والعجوة من أجود تمر المدينة قوله بيدر بفتح الموحدة وكسر المهملة وهو فعل أمر أي اجعل التمر في البيادر كل صنف في بيدر والبيدر بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح الدال المهملة للتمر كالجرن للحب قوله فدعا في رواية بن كعب بن مالك فغدا علينا فطاف في النخل ودعا في تمره بالبركة وفي رواية الديال بن حرملة عن جابر فجاء هو وأبو بكر وعمر فاستقرأ النخل يقوم تحت كل نخلة لا أدري ما يقول حتى مر على آخرها الحديث أخرجه أحمد قوله ثم آخر أي مشي حول بيدر آخر فدعا وفي رواية فراس فدخل النبي صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها فقال أفرغوه أي أفرغوه من البيدر وفي رواية مغيرة ثم قال كل للقوم فكلمتهم حتى أوفيتهم وفي رواية فراس ثم قال لجابر جد فأوف الذي له فجده بعد ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم قوله فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم في رواية مغيرة وبقي تمري وكأنه لم ينقص منه شيء وفي رواية بن كعب وبقي لنا من تمرها بقية ووقع في رواية وهب بن كيسان فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة عشر وسقا ويجمع بالحمل على تعدد الغرماء فكأن أصل الدين كان منه ليهودي ثلاثون وسقأ من صنف واحد فأوفاه وفضل من ذلك البيدر سبعة عشر وسقا وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أخر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من المجموع قدر الذي أوفاه ويؤيده قوله في رواية نبيح العنزي عن جابر فكلت له من العجوة فأوفاه الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا وكلت له من أصناف التمر فأوفاه الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا ووقع في رواية فراس عن الشعبي ما قد يخالف ذلك فعنه ثم دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظروا إليه كأنما أغروا بي تلك الساعة أي أنهم شددوا عليه في المطالبة لعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم قال فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال ادعهم فما زال يكيل لهم حتى أدى الله أمانة والدي وأنا راض أن يؤديها الله ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة فسلم الله البيادر كلها حتى أني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن لم ينقص منه تمرة واحدة ووجه المخالفة فيه أن ظاهره أن الكيل جميعه كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن التمر لم ينقص منه شيء البتة والذي مضى ظاهره أن ذلك بعد رجوعه وأن بعض التمر نقص ويجمع بأن ابتداء الكيل كان بحضرته صلى الله عليه وسلم ولقيته كان بعد انصرافه وكان بعض البيادر التي أوفى منها بعض أصحاب الدين حيث كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقص منه شيء البتة ولما انصرف بقيت آثار بركته فلذلك أوفى من أحد البيادر ثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر وفي رواية نبيح ما يؤيد ذلك ففي روايته قال كل له فإن الله سوف يوفيه وفي حديثه فإذا الشمس قد دلكت فقال الصلاة يا أبا بكر فاندفعوا إلى المسجد فقلت له أي للغريم قرب أوعيتك وفيه فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني شرارة فوجدته قد صلى فأخبرته فقال أين عمر فجاء يهرول فقال سل جابرا عن تمره وغريمه فقال ما أنا بسائله قد علمت أن الله سيوفيه الحديث وقصة عمر قد وقعت في رواية بن كعب فقيها ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر أسمع يا عمر قال ألا نكون قد علمنا إنك رسول الله والله إنك لرسول الله وفي رواية وهب فقال عمر لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن الله فيها وقوله في رواية بن كعب ألا نكون بفتح الهمزة وتشديد اللام في الروايات كلها وأصلها أن الخفيفة ضمت إليها لا النافية أي هذا السؤال إنما يحتاج إليه من لا يعلم إنك رسول الله فلذلك يشك في الخبر فيحتاج إلى الاستدلال وأما من علم إنك رسول الله فلا يحتاج إلى ذلك وزعم بعض المتأخرين أن الرواية فيه بتخفيف اللام وأن الهمزة فيه للاستفهام التقريري فأنكر عمر عدم علمه بالرسالة فأنتج إنكاره ثبوت علمه بها وهو كلام موجه إلا أن الرواية إنما هي بالتشديد وكذلك ضبطها عياض وغيره وقيل النكتة في اختصاص عمر باعلامه بذلك أنه كان معتنيا بقصة جابر مهتما بشأنه مساعدا له على وفاء دين أبيه وقيل لأنه كان حاضرا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما مشى في النخل وتحقق أن التمر الذي فيه لا يفي ببعض الدين فأراد إعلامه بذلك لكونه شاهد أول الأمر بخلاف من لم يشاهد ثم وجدت ذلك صريحا في بعض طرقه ففي رواية أبي المتوكل عن جابر عند أبي نعيم فذكر الحديث وفيه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر فقال انطلق بنا حتى نطوف بنخل هذا فذكر الحديث وفي رواية أبي نضرة عن جابر عنده في هذه القصة قال فأتاه هو وعمر فقال يا فلان خذ من جابر وأخر عنه فأبى فكاد عمر يبطش به فقال النبي صلى الله عليه وسلم مه يا عمر هو حقه ثم قال أذهب بنا إلى نخلك الحديث وفي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ائتني بعمر فأتيته فقال يا عمر سل جابرا عن نخله فذكر القصة ووقع في رواية الديال بن حرملة أن أبا بكر وعمر جميعا كانا مع النبي صلى الله عليه وسمل وقال في آخره قال فانطلق فأخبر أبا بكر وعمر قال فانطلقت فأخبرتهما الحديث ونحوه في رواية وهب بن كيسان عن جابر وجمع البيهقي بين مختلف الروايات في ذلك بأن اليهودي المذكور كان له دين من تمر ولغيره من الغرماء ديون أخرى فلما حضر الغرماء وطالبوا بحقوقهم وكال لهم جابر التمر ففضل تمر الحائط كأنه لم ينقص شيء فجاء اليهودي بعدهم فطالب بدينه فجد له جابر ما بقي على النخلات فأوفاه حقه منه وهو ثلاثون وسقا وفضلت منه سبعة عشر انتهى وهذا الجمع يقتضي أنه لم يفضل من الذي في البيادر شيء وقد صرح في الرواية المتقدمة أنها فضلت كلها كأنه لم ينقص منها شيء فما تقدم من الطريق التي جمعت به أولى والله أعلم وفي الحديث من الفوائد جواز الاستنظار في الدين الحال وجواز تأخير الغريم لمصلحة المال الذي يوفى منه وفيه مشي الإمام في حوائج رعيته وشفاعته عند بعضهم في بعض وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة لتكثير القليل إلى أن حصل به وفاء الكثير وفضل منه الحديث التاسع حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في قصة أضياف أبي بكر والمراد منه تكثير الطعام القليل

[ 3388 ] قوله عن أبيه هو سليمان بن طرخان التيمي أحد صغار التابعين وفي رواية أبي النعمان عن معتمر حدثنا أبي كما تقدم في الصلاة وأبو عثمان هو النهدي قوله إن أصحاب الصفة كانا أناسا فقراء سيأتي ذكرهم في كتاب الرقاق وأن الصفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منه أو يموت أو يسافر وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية فزادوا على المائة قوله من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث أي من أهل الصفة المذكورين ووقع في رواية مسلم فليذهب بثلاثة قال عياض وهو غلط والصواب رواية البخاري لموافقتها لسياق باقي الحديث وقال القرطبي أن حمل على ظاهره فسد المعنى لأن الذي عنده طعام اثنين إذا ذهب معه بثلاثة لزم أن يأكله في خمسة وحينئذ لا يكفيهم ولا يسد رمقهم بخلاف ما إذا ذهب بواحد فإنه يأكله في ثلاثة ويؤيده قوله في الحديث الآخر طعام الإثنين يكفي أربعة أي القدر الذي يشبع الإثنين يسد رمق أربعة ووجهها النووي بأن التقدير فليذهب بمن يتم من عنده ثلاثة أو فليذهب بتمام ثلاثة قوله ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس أو كما قال أي فليذهب بخامس أن لم يكن عنده ما يقتضي أكثر من ذلك وإلا فليذهب بسادس مع الخامس أن كان عنده أكثر من ذلك والحكمة في كونه يزيد كل أحد واحد فقط أن عيشهم في ذلك الوقت لم يكن متسعا فمن كان عنده مثلا ثلاثة أنفس لا يضيق عليه أن يطعم الرابع من قوتهم وكذلك الأربعة وما فوقها بخلاف ما لو زيدت الأضياف بعدد العيال فإنما ذلك إنما يحصل الاكتفاء فيه عند اتساع الحال ووقع في رواية أبي النعمان وأن أربع فخامس أو سادس وأو فيه للتنويع أو للتخيير كما في الرواية الأخرى ويحتمل أن يكون معنى أو سادس وأن كان عنده طعام خمس فليذهب بسادس فيكون من عطف الجملة على الجملة وقوله وأن أربع فخامس بالجر فيهما والتقدير فإن كان عنده طعام أربع فليذهب بخامس أو بسادس فحذف عامل الجر وأبقى عمله كما يقال مررت برجل صالح وإن لا صالح فطالح أي إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالح ويجوز الرفع على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو أوجه قال بن مالك تضمن هذا الحديث حذف فعلين وعاملي جر مع بقاء عملهما بعد إن وبعد الفاء والتقدير من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وأن قام بأربعة فليذهب بخامس أو سادس اه وهذا قاله في الرواية التي في الصلاة وأما هذه الرواية وهي قوله بخامس بسادس فيكون حذف منها شيء آخر والتقدير أو إن قام بخمسة فليذهب بسادس قوله وإن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة عبر عن أبي بكر بلفظ المجيء لبعد منزله من المسجد وعن النبي صلى الله عليه وسلم بالانطلاق لقربه وقوله بعد ذلك وأبو بكر ثلاثة بالنصب للأكبر أي أخذ ثلاثة فلا يكون قوله قبل ذلك جاء بثلاثة تكرارا لأن هذا بيان لابتداء ما جاء في نصيبه والأول لبيان من أحضرهم إلى منزله وأبعد من قال ثلاثة بالرفع وقدره وأبو بكر أهله ثلاثا أي عدد أضيافه ودل ذلك على أن أبا بكر كان عنده طعام أربعة ومع ذلك فأخذ خامسا وسادسا وسابعا فكأن الحكمة في أخذه واحدا زائدا عما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يؤثر السابع بنصيبه إذا ظهر له أنه لم يأكل أولا معهم ووقع في رواية الكشميهني وأبو بكر بثلاثة فيكون معطوفا على قوله وانطلق النبي أي وانطلق أبو بكر بثلاثة وهي رواية مسلم والأول أوجه والله أعلم قوله قال فهو أنا وأبي وأمي القائل هو عبد الرحمن بن أبي بكر وقوله فهو أي الشأن وقوله أنا مبتدأ وخبره محذوف يدل عليه السياق وتقديره في الدار قوله ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي في رواية الكشميهني وخادم بغير إضافة والقائل هل قال هو أبو عثمان الراوي عن عبد الرحمن كأنه شك في ذلك وقوله بين بيتنا أي خدمتها مشتركة بين بيتنا وبيت أبي بكر وهو ظرف للخادم وأم عبد الرحمن هي أم رومان مشهورة بكنيتها واسمها زينب وقيل وعلة بنت عامر بن عويمر وقيل عميرة من ذرية الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة كانت قبل أبي بكر عند الحارث بن سخبرة الأزدي فقدم مكة فمات وخلف منها ابنه الطفيل فتزوجها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة وأسلمت أم رومان قديما وهاجرت ومعها عائشة وأما عبد الرحمن فتأخر إسلامه وهجرته إلى هدنة الحديبية فقدم في سنة سبع أو أول سنة ثمان واسم امرأته والدة أكبر أولاده أبي عتيق محمد أميمة بنت عدي بن قيس السهمية والخادم لم أعرف اسمها قوله وان أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع ووقع في الرواية التي في الصلاة ثم لبث حتى صليت العشاء وفي رواية حيث صليت ثم رجع فشرحه الكرماني فقال هذا يشعر بأن تعشى أبي بكر كان بعد الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والذي تقدم بعكسه والجواب أن الأول بيان حال أبي بكر في عدم احتياجه إلى الطعام عند أهله والثاني فيه سياق القصة على الترتيب الواقع الأول تعشى الصديق والثاني تعشى النبي صلى الله عليه وسلم والأول من العشاء بفتحها أي الأكل والثاني بكسرها أي الصلاة فأحد هذه الإحتمالات أن أبا بكر لما جاء بالثلاثة إلى منزله لبث إلى وقت صلاة العشاء فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى تعشى عنده وهذا لا يصح لأنه يخالف صريح قوله في حديث الباب وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم أن الذي وقع عند البخاري بلفظ ثم رجع بالجيم ليس متفقا عليه من الرواة لما سأذكره وظاهر قوله في هذه الرواية ثم رجع أي إلى منزله وعلى هذا ففي قوله فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله تكرار وفائدته الإشارة إلى أن تأخره عند النبي صلى الله عليه وسلم كان بمقدار أن تعشى معه وصلى العشاء وما رجع إلى منزله إلا بعد أن مضى من الليل قطعة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يؤخر صلاة العشاء كما تقدم في حديث أبي برزة ووقع عند الإسماعيلي ثم ركع بالكاف أي صلى النافلة بعد العشاء فعلى هذا فالتكرار في قوله فلبث حتى تعشى فقط وفائدته ما تقدم ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي أيضا فلبث حتى نعس بعين وسين مهملتين مفتوحتين من النعاس وهو أوجه وقال عياض إنه الصواب وبه ينتفي التكرار من المواضع كلها إلا في قوله لبث وسببه اختلاف تعلق اللبث فالأول قال لبث حتى صلى العشاء ثم قال فلبث حتى نعس والحاصل أنه تأخر عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى صلى العشاء ثم تأخر حتى نعس النبي صلى الله عليه وسلم وقام لينام فرجع أبو بكر حينئذ إلى بيته وقد ترجم عليه المصنف في أبواب الصلاة قبيل الأذان باب السمر مع الضيف والأهل وأخذه من كون أبي بكر رجع إلى أهله وضيفاته بعد أن صلى العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم فدار بينهم وبينه ما ذكر في الحديث ووقع في رواية أبي داود من رواية الجريري عن أبي عثمان أو أبي السليل عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال نزل بنا أضياف وكان أبو بكر يتحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا أرجع إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء ونحوه يأتي في الأدب من طريق أخرى عن الجريري عن أبي عثمان بلفظ أن أبا بكر تضيف رهطا فقال لعبد الرحمن دونك أضيافك فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فافرغ من قراهم قبل أن أجىء وهذا يدل على أن أبا بكر أحضرهم إلى منزله وأمر أهله أن يضيفوهم ورجع هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه صريح قوله في حديث الباب وإن أبا بكر جاء بثلاثة قوله قالت له امرأته ما حبسك من أضيافك في رواية الكشميهني عن أضيافك وكذا هو في الصلاة ورواية مسلم قوله أو ضيفك شك من الراوي والمراد به الجنس لأنهم ثلاثة واسم الضيف يطلق على الواحد وما فوقه وقال الكرماني أو هو مصدر يتناول المثنى والجمع كذا قال وليس بواضح قوله أو عشيتهم في رواية الكشميهني أو ما عشيتهم بزيادة ما النافية وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي والهمزة للإستفهام والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة وفي بعضها عشيتيهم بإشباع الكسرة قوله قد عرضوا عليهم بفتح العين والراء والفاعل محذوف أي الخدم أو الأهل أو نحو ذلك فغلبوهم أي أن آل أبي بكر عرضوا على الأضياف العشاء فأبوا فعالجوهم فامتنعوا حتى غلبوهم وفي الرواية التي في الصلاة قد عرضوا بضم أوله وتشديد الراء أي أطعموا من العراضة وهي الهدية قاله عياض قال وهو في الرواية بتخفيف الراء وحكى بن قرقول أن القياس بتشديد الراء وبه جزم الجوهري وقال الكرماني موجها للتخفيف أي عرض الطعام عليهم فحذف الجار ووصل الفعل فهو من القلب كعرضت الناقة على الحوض ووقع في الصلاة قد عرضنا عليهم فامتنعوا وحكى بن التين أنه وقع في بعض الروايات عرصوا بصاد مهملة قال ولا أعرف لها وجها ووجهها غيره أنها من قولهم عرص إذا نشط فكأنه يريد أنهم نشطوا في العزيمة عليهم ولا يخفى تكلفه وفي رواية الجريري فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده فقال أطعموا قالوا أين رب منزلنا قال أطعموا قالوا ما نحن بآكلين حتى يجيء قال أقبلوا عنا قراكم فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه أي شرا فأبوا وفي رواية مسلم ألا تقبلوا عنا قراكم ضبطه عياض عن الأكثر بتخفيف اللام على استفتاح الكلام قال القرطبي ويلزم عليه أن تثبت النون في تقبلون إذ لا موجب لحذفها وضبطها بن أبي جعفر بتشديد اللام وهو الوجه قوله قال فذهبت فاختبأت أي خوفا من خصام أبي بكر له وتغبظه عليه وفي رواية الجريري فعرفت أنه يجد على أي يغضب فلما جاء تغيبت عنه فقال يا عبد الرحمن فسكت ثم قال يا عبد الرحمن فسكت قوله فقال يا غنثر فجدع وسب في رواية الجريري فقال يا غنثر أقسمت عليك أن كنت تسمع صوتي لما جئت قال فخرجت فقلت والله مالي ذنب هؤلاء أضيافك فسلهم قالوا صدقك قد أتانا وقوله فجدع وسب أي دعا عليه بالجدع وهو قطع الأذن أو الأنف أو الشفة وقيل المراد به السب والأول أصح وفي رواية الجريري فجزع بالزاي بدل الدال أي نسبه إلى الجزع بفتحتين وهو الخوف وقيل المجازعة المخاصمة فالمعنى خاصم قال القرطبي ظن أبو بكر أن عبد الرحمن فرط في حق الأضياف فلما تبين له الحال أدبهم بقوله كلوا لاهنيئا وسب أي شتم وحذف المفعول للعلم به قوله غنثر بضم المعجمة وسكون النون وفتح المثلثة هذه الرواية المشهورة وحكى ضم المثلثة وحكى عياض عن بعض شيوخه فتح أوله مع فتح المثلثة وحكاه الخطابي بلفظ عنتر بلفظ اسم الشاعر المشهور وهو بالمهملة والمثناة المفتوحتين بينهما النون الساكنة وروى عن أبي عمر عن ثعلب أن معناه الذباب وأنه سمي بذلك لصوته فشبهه به حيث أراد تحقيره وتصغيره وقال غيره معنى الرواية المشهورة الثقيل الوخم وقيل الجاهل وقيل السفيه وقيل اللئيم وهو مأخوذ من الغثر ونونه زائدة وقيل هو ذباب أزرق شبهه به لتحقيره كما تقدم قوله وقال كلوا زاد في الصلاة لاهنيئا وكذا في رواية مسلم أي لا أكلتم هنيئا وهو دعاء عليهم وقيل خبر أي لم تتهيئوا في أول نضجه ويستفاد من ذلك جواز الدعاء على من لم يحصل منه الإنصاف ولا سيما عند الحرج والتغيظ وذلك أنهم تحكموا على رب المنزل بالحضور معهم ولم يكتفوا بولده مع إذنه لهم في ذلك وكأن الذي حملهم على ذلك رغبتهم في التبرك بمؤاكلته ويقال إنه إنما خاطب بذلك أهله لا الأضياف وقيل لم يرد الدعاء وإنما أخبر أنهم فإنهم الهناء به إذ لم يأكلوه في وقته قوله وقال لا أطعمه أبدا في رواية مسلم وكذا هو في الصلاة فقال والله لا أطعمه أبدا وفي رواية الجريري فقال فإنما انتظرتموني والله لا أطعمه أبدا فقال الآخر والله لا نطعمه وفي رواية أبي داود من هذا الوجه فقال أبو بكر فما منعكم قالوا مكانك قال والله لا أطعمه أبدا ثم اتفقا فقال لم أر في الشر كالليلة ويلكم ما أنتم لم تقبلون عنا قراكم هات طعامك فوضع فقال بسم الله الأول من الشيطان فأكل وأكلوا قال بن التين لم يخاطب أبو بكر أضيافه بذلك إنما خاطب أهله والرواية التي ذكرتها ترد عليه ووقع في رواية مسلم ألا تقبلون وهو بتشديد اللام للأكثر ولبعضهم بتخفيفها قوله وأيم الله همزته همزة وصل عند الجمهور وقيل يجوز القطع وهو مبتدأ وخبره محذوف أي أيم الله قسمي وأصله أيمن الله فالهمزة حينئذ همزة قطع لكنها لكثرة الإستعمال خففت فوصلت وحكى فيها لغات أيمن الله مثلثة النون ومن الله مختصرة من الأولى مثلثة النون أيضا وأيم الله كذلك وم الله كذلك وبكسر الهمزة أيضا وأم الله قال بن مالك وليس الميم بدلا من الواو ولا أصلها من خلافا لمن زعم ذلك ولا أيمن جمع يمين خلافا للكوفيين وسيأتي تمام هذا في كتاب الأيمان والنذور قوله الا ربا أي زاد وقوله من أسفلها أي الموضع الذي أخذت منه قوله فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر والتقدير فإذا هي شيء أي قدر الذي كان كذا عند المصنف هنا ووقع في الصلاة فإذا هي أي الجفنة كما هي أي كما كانت آولا أو أكثر وكذلك في رواية مسلم والإسماعيلي وهو الصواب قوله يا أخت بني فراس زاد في الصلاة ما هذا وخاطب أبو بكر بذلك امرأته أم رومان وبنو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره مهملة بن غنم بن مالك بن كنانة وقال النووي التقدير يا من هي من بني فراس وفيه نظر والعرب تطلق على من كان منتسبا إلى قبيلة أنه أخوهم كما تقدم في العلم ضمام أخو بني سعد بن بكر وقد تقدم أن أم رومان من ذرية الحارث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم فلعل أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث ويقع في النسب كثير من ذلك وينسبون أحيانا إلى أخي جدهم أو المعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس ولا شك أن الحارث أخو فراس فأولاد كل منهما إخوة للآخرين لكونهم في درجتهم وحكى عياض أنه قيل في أم رومان أنها من بني فراس بن غنم لا من بني الحارث وعلى هذا فلا حاجة إلى هذا التأويل ولم أر في كتاب بن سعد لها نسبا إلا إلى بني الحارث بن غنم ساق لها نسبين مختلفين فالله أعلم قوله قالت لا وقرة عين قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه يقال ذلك لأن عينه قرت أي سكنت حركتها من التلفت لحصول فرضها فلا تستشرف لشيء آخر فكأنه مأخوذ من القرار وقيل معناه أنام الله عينك وهو يرجع إلى هذا وقيل بل هو مأخوذ من القر وهو البرد أي أن عينه باردة لسروره ولهذا قيل دمعة الحزن حارة ومن ثم قيل في ضده أسخن الله عينه وإنما حلفت أم رومان بذلك لما وقع عندها من السرور بالكرامة التي حصلت لهم ببركة الصديق رضي الله عنه وزعم الداودي أنها أرادت بقرة عينها النبي صلى الله عليه وسلم فأقسمت به وفيه بعد ولا في قوله لا وقره عيني زائدة أو نافية على حذف تقديره لا شيء غير ما أقول قوله لهي أي الجفنة أو البقية أكثر مما قبل كذا هنا وفي رواية مسلم أكثر منها قبل وهو أوجه و أكثر للأكثر بالمثلثة ولبعضهم بالموحدة قوله فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان الشيطان يعني يمينه كذا هنا وفيه حذف تقدمها تقديره وإنما كان الشيطان الحامل على ذلك يعني الحامل على يمينه التي حلفها في قوله والله لا أطعمه ووقع عند مسلم والإسماعيلي وإنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه وهو أوجه وأبعد من قال الضمير في قوله هذه اللقمة التي أكل أي هذه اللقمة لقمع الشيطان وإرغامة لأنه قصد بتزيينه له اليمين إيقاع الوحشة بينه وبين أضيافه فأخزاه أبو بكر بالحنث الذي هو خير وظاهر هذا السياق مخالف لرواية الجريري فقال عياض في هذا السياق خطأ وتقديم وتأخير ثم ذكر ما حاصله أن الصواب ما في رواية الجريري وهو أن رواية سليمان التيمي هذه تقتضي أن سبب أكل أبي بكر من الطعام ما رآه من البركة فيه فرغب في الأكل منه وأعرض عن يمينه التي حلف لما رجح عنده من التناول من البركة ورواية الجريري تقتضي أن سبب أكله من الطعام لجاج الأضياف وحلفهم فإنهم لا يطعمون من الطعام حتى يأكل أبو بكر ولا شك في كونها أوجه لكن يمكن رد رواية سليمان التيمي إليها بأن يكون قوله فأكل منها أبو بكر معطوفا على قوله والله لا أطعمه لا على القصة التي دلت على بركة الطعام وغايته أن حلف الأضياف أن لا يطعموه لم يقع في رواية سليمان والله أعلم ثم ظهر لي أن ذلك من معتمر بن سليمان لا من أبيه فقد وقع في الأدب عند المصنف من رواية بن أبي عدي عن سليمان التيمي فحلفت المراة لا تطعمه حتى تطعموه فقال أبو بكر كأن هذه من الشيطان فدعا بالطعام فأكل وأكلوا فجعلوا لا يرفعون اللقمة إلا ربا من أسفلها ويحتمل أن يجمع بأن يكون أبو بكر أكل لأجل تحليل يمينهم شيئا ثم لما رأى البركة الظاهرة عاد فأكل منها لتحصل له وقال كالمعتذر عن يمينه التي حلف إنما كان ذلك من الشيطان والحاصل أن الله أكرم أبا بكر فأزال ما حصل له من الحرج فعاد مسرورا وانفك الشيطان مدحورا واستعمل الصديق مكارم الأخلاق فحنث نفسه زيادة في إكرام ضيفانه ليحصل مقصوده من أكلهم ولكونه أكثر قدرة منهم على الكفارة ووقع في رواية الجريري عند مسلم فقال أبو بكر يا رسول الله بروا وحنثت فقال بل أنت أبرهم وخيرهم قال ولم يبلغني كفارة وسقط ذلك من رواية الجريري عند المصنف وكأن سبب حذفه لهذه الزيادة أن فيها إدراجا بينته رواية أبي داود حيث جاء فيها فأخبرت بضم الهمزة أنه أصبح فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم الخ وقوله أبرهم أي أكثرهم برا أي طاعة وقوله وخيرهم أي لأنك حنثت في يمينك حنثا مندوبا إليه مطلوبا فأنت أفضل منهم بهدا الإعتبار وقوله ولم يبلغني كفارة استدل به على أنه لا تجب الكفارة في يمين اللجاج والغضب ولا حجة فيه لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوجود فلمن أثبت الكفارة أن يتمسك بعموم قوله ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل مشروعية الكفارة في الأيمان لكن يعكر عليه ما سيأتي من حديث عائشة أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى نزلت الكفارة وقال النووي قوله ولم تبلغني كفارة يعني أنه لم يكفر قبل الحنث فأما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه كذا قال وقال غيره يحتمل أن يكون أبو بكر لما حلف أن لا يطعمه أضمر وقتا معينا أو صفة مخصوصة أي لا أطعمه الآن أو لا أطعمه معكم أو عند الغضب وهو مبني على أن اليمين هل تقبل التقييد في النفس أم لا ولا يخفى ما فيه من التكلف وقول أبي بكر والله لا أطعمه أبدا يمين مؤكده ولا تحتمل أن تكون من لغو الكلام ولا من سبق اللسان قوله ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده أي الجفنة على حالها وإنما لم يأكلوا منها في الليل لكون ذلك وقع بعد أن مضى من الليل مدة طويلة قوله ففرقنا اثنا عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس كذا هو هنا من التفريق أي جعلهم اثنى عشر فرقة وحكى الكرماني أن في بعض الروايات فقرينا بقاف وتحتانية من القرى وهو الضيافة ولم أقف على ذلك اثنا عشر رجلا كذا للمصنف وعند مسلم اثنى عشر بالنصب وهو ظاهر والأول على طريق من يجعل المثنى بالرفع في الأحوال الثلاثة ومنه قوله تعالى ان هذان لساحران ويحتمل أن يكون ففرقنا بضم أوله على البناء للمجهول فارتفع اثنا عشر على أنه مبتدأ وخبره مع كل رجل منهم قوله الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم يعني أنه تحقق أنه جعل عليهم اثنا عشر عريفا لكنه لا يدري كم كان تحت يد كل عريف منهم لأن ذلك يحتمل الكثرة والقلة غير أنه يتحقق أنه بعث معهم أي مع كل ناس عريفا قوله قال أكلوا منها أجمعون أو كما قال هو شك من أبي عثمان في لفظ عبد الرحمن وأما المعنى فالحاصل أن جميع الجيش أكلوا من تلك الجفنة التي أرسل بها أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وظهر بذلك أن تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم لأن الذي وقع فيها في بيت أبي بكر ظهور أوائل البركة فيها وأما انتهاؤها إلى أن تكفي الجيش كلهم فما كان إلا بعد أن صارت عند النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهر الخبر والله أعلم وقد روى أحمد والترمذي والنسائي من حديث سمرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها ثريد فأكل وأكل القوم فما زالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر يأكل قوم ثم يقومون ويجيء قوم فيتعاقبونه فقال رجل هل كانت تمد بطعام قال أما من الأرض فلا إلا أن تكون كانت تمد من السماء قال بعض شيوخنا يحتمل أن تكون هذه القصعة هي التي وقع فيها في بيت أبي بكر ما وقع والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم التجاء الفقراء إلى المساجد عند الإحتياج إلى المواساة إذا لم يكن في ذلك الحاح ولا إلحاف ولا تشويش على المصلين وفيه استحباب مواساتهم عند اجتماع هذه الشروط وفيه التوظيف في المخمصة وفيه جواز الغيبة عن الأهل والولد والضيف إذا أعدت لهم الكفاية وفيه تصرف المرأة فيما تقدم للضيف والإطعام بغير إذن خاص من الرجل وفيه جواز سب الوالد للولد على وجه التأديب والتمرين على أعمال الخير وتعاطيه وفيه جواز الحلف على ترك المباح وفيه توكيد الرجل الصادق لخبره بالقسم وجواز الحنث بعد عقد اليمين وفيه التبرك بطعام الأولياء والصلحاء وفيه عرض الطعام الذي تظهر فيه البركة على الكبار وقبولهم ذلك وفيه العمل بالظن الغالب لأن أبا بكر ظن أن عبد الرحمن فرط في أمر الأضياف فبادر إلى سبه وقوى القرينة عنده اختباؤه منه وفيه ما يقع من لطف الله تعالى بأوليائه وذلك أن خاطر أبي بكر تشوش وكذلك ولده وأهله وأضيافه بسبب امتناعهم من الأكل وتكدر خاطر أبي بكر من ذلك حتى أحتاج إلى ما تقدم ذكره من الحرج بالحلف وبالحنث وبغير ذلك فتدارك الله ذلك ورفعه عنه بالكرامة التي أبداها له فانقلب ذلك الكدر صفاء والنكد سرورا ولله الحمد والمنة الحديث العاشر حديث أنس في الاستسقاء والمراد منه وقوع إجابة الدعاء في الحال وقد تقدم شرحه في الاستسقاء وأورده هنا من طريقين لحماد بن زيد فقوله وعن يونس هو بن عبيد وهو معطوف على

[ 3389 ] قوله عن عبد العزيز بن صهيب وحاصله أن حمادا سمعه عن أنس عاليا ونازلا وذلك لأنه سمع من ثابت وحدث عنه هنا بواسطه وذكر البزار أن حمادا تفرد بطريق يونس بن عبيد هذه قوله وغيره يقول فعرفنا وهو من العرافة وكذا اختلفت الرواة عند مسلم هل قال فرقنا أو عرفنا وفي رواية الإسماعيلي فعرفنا من العرافة وجها واحدا وسمي العريف عريفا لأنه يعرف الإمام أحوال العسكر وزعم الكرماني أن فيه حذفا تقديره فرجعنا إلى المدينة فعرفنا قلت ولا يتعين ذلك لجواز أن يكون تعريفهم وإرسالهم قبل الرجوع إلى المدينة قوله هلكت الكراع بضم أوله وحكى عن رواية الأصيلي كسرها وخطىء والمراد به الخيل وقد يطلق على غيرها من الحيوان لكن المراد به هنا الحقيقة لأنه عطف عليه بعد ذلك غيره قوله كمثل الزجاجة أي من شدة الصفاء ليس فيها شيء من السحاب قوله فهاجت ريح أنشأت سحابا قال بعض شراح البخاري هذا فيه نظر لأنه إنما يقال نشأ السحاب إذا ارتفع وأنشأ الله السحاب لقوله وينشىء السحاب الثقال قلت المراد في حديث الباب الثاني ونسبه الإنشاء إلى الريح مجازية وذلك بإذن الله والأصل أن الكل بانشاء الله وهو كقوله أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون وقد تقدم في بدء الخلق أن الريح تلقح السحاب قوله عزاليها بالزاي الخفيفة واللام المفتوحة بعدها تحتانية ساكنة تثنية عزلى وقد تقدم ضبطها وتفسيرها قريبا قوله فقام إليه ذلك الرجل أو غيره تقدم في الاستسقاء ما يقرب أنه خارجة بن حصن الفزاري وما يوضح أن الذي قام أولا هو الذي قام ثانيا وأن أنسا جزم به تارة وشك فيه أخرى قوله تصدع في رواية الكشميهني تتصدع وهو الأصل قوله إكليل بكسر الهمزة وسكون الكاف هي العصابة التي تحيط بالرأس وأكثر ما تستعمل فيما إذا كانت العصابة مكللة بالجوهر وهي من سمات ملوك الفرس وقد قيل إن أصله ما أحاط بالظفر من اللحم ثم أطلق على كل ما أحاط بشيء والله أعلم

الحديث الحادي عشر والثاني عشر حديث بن عمر وجابر في حنين الجذع أورده عنهما من طرق أما حديث بن عمر فقوله في الطريق الأولى حدثنا أبو حفص واسمه عمر بن العلاء أخو عمرو بن العلاء تسمية أبي حفص لم أرها إلا في رواية البخاري والظاهر أنه هو الذي سماه وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار عن يحيى بن كثير فقال حدثنا أبو حفص بن العلاء فذكر الحديث ولم يسمه وقد تردد الحاكم أبو أحمد في ذلك فذكر في ترجمة أبي حفص في الكنى هذا الحديث فساقه من طريق عبد الله بن رجاء الغداني حدثنا أبو حفص بن العلاء فذكر حديث الباب ولم يقل اسمه عمر ثم ساقه من طريق عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء به ثم أخرج من طريق معتمر بن سليمان عن معاذ بن العلاء أبي غسان قال وكذا ذكر البخاري في التاريخ أن معاذ بن العلاء يكنى أبا غسان قال الحاكم فالله أعلم أنهما أخوان أحدهما يسمى عمر والآخر يسمى معاذا وحدثا معا عن نافع بحديث الجذع أو أحد الطريقين غير محفوظ لأن المشهور من أولاد العلاء أبو عمرو صاحب القراءات وأبو سفيان ومعاذ فأما أبو حفص عمر فلا أعرفه إلا في الحديث المذكور والله لا أعلم قلت وليس لمعاذ ولا لعمر في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع وأما أبو عمرو بن العلاء فهو أشهر الإخوة وأجلهم وهو إمام يجوز القراءات بالبصرة وشيخ العربية بها وليس له أيضا في البخاري رواية ولا ذكر إلا في هذا الموضع واختلف في اسمه اختلافا كثيرا والأظهر أن اسمه كنيته وأما أخوه أبو سفيان بن العلاء فأخرج حديثه الترمذي

[ 3390 ] قوله فأتاه فمسح يده عليه في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن السكن عن معاذ فأتاه فاحتضنه فسكن فقال لو لم أفعل لما سكن نحوه في حديث بن عباس عند الدارمي بلفظ لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ولأبي عوانة وابن خزيمة وأبي نعيم في حديث أنس والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر به فدفن وأصله في الترمذي دون الزيادة ووقع في حديث الحسن عن أنس كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث يقول يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه وفي حديث أبي سعيد عند الدارمي فأمر به أن يحفر له ويدفن وفي حديث سهل بن سعد عند أبي نعيم فقال ألا تعجبون من حنين هذه الخشبة فأقبل الناس عليها فسمعوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم وأما حديث جابر فقوله في الطريق الأولى كان يقوم إلى شجرة أو نخلة هو شك من الراوي وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن عبد الواحد فقام إلى نخلة ولم يشك وقوله فقالت امرأة من الأنصار أو رجل شك من الراوي والمعتمد الأول وقد تقدم بيانه في كتاب الجمعة والخلاف في اسمها والكلام على المتن مستوفى قوله وقال عبد الحميد أخبرنا عثمان بن عمر عبد الحميد هذا لم أر من ترجم له في رجال البخاري إلا أن المزي ومن تبعه جزموا بأنه عبد بن حميد الحافظ المشهور وقالوا كان اسمه عبد الحميد وإنما قيل له عبد بغير إضافة تخفيفا وقد راجعت الموجود من مسنده وتفسيره فلم أر هذا الحديث فيه نعم وجدته من حديث رفيقه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخرجه في مسنده المشهور عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد قوله أخبرنا معاذ بن العلاء في رواية الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة الحداد عن معاذ بن العلاء وهو أخو أبي عمرو بن العلاء القارئ قوله عن نافع في رواية الإسماعيلي وابن حبان سمعت نافعا قوله ورواه أبو عاصم هو النبيل من كبار شيوخ البخاري قوله عن بن أبي رواد يعني عبد العزيز ورواد بفتح الراء المهملة وتشديد الواو اسمه ميمون وطريق أبي عاصم هذه وصلها البيهقي من طريق سعيد بن عمر عن أبي عاصم مطولا وأخرجه أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي عاصم مختصرا قوله دفع بضم أوله بالدال وللكشميهني بالراء قوله فضمه إليه أي الجذع في رواية الكشميهني فضمها أي الخشبة قوله في الطريق الأخرى حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه هو أبو بكر ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وروايته عن حفص من رواية الأقران لأنه في طبقته قوله كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل أي إن الجذوع كانت له كالأعمدة قوله فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع منها أي حين يخطب وبه صرح الإسماعيلي بلفظ كان إذا خطب يقوم إلى جذع قوله كصوت العشار بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة جمع عشرا تقدم شرحه في الجمعة والعشراء الناقة التي انتهت في حملها إلى عشرة أشهر ووقع في رواية عبد الواحد بن أيمن فصاحت النخلة صياح الصبي وفي حديث أبي الزبير عن جابر عند النسائي في الكبير اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج انتهى والخلوج بفتح الخاء المعجمة وضم اللام الخفيفة وآخره جيم الناقة التي انتزع منها ولدها وفي حديث أنس عند بن خزيمة فحنت الخشبة حنين الولد وفي روايته الأخرى عند الدارمي خار ذلك الجذع كخوار الثور وفي حديث أبي بن كعب عند أحمد والدارمي وابن ماجة فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق وفي حديثه فأخذ أبي بن كعب ذلك الجذع لما هدم المسجد فلم يزل عنده حتى بلى وعاد رفاتا وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه دفن لاحتمال أن يكون ظهر بعد الهدم عند التنظيف فأخذه أبي بن كعب وفي حديث بريدة عند الدارمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت يعني قبل أن تصير جذعا وإن شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل منك أولياء الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إختار أن أغرسه في الجنة قال البيهقي قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكا كالحيوان بل كاشرف الحيوان وفيه تأييد لقول من يحمل وإن من شيء إلا يسبح بحمده على ظاهره وقد نقل بن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشافعي قال ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا فقلت أعطى عيسى إحياء الموتى قال أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك

[ 3393 ] الحديث الثالث عشر حديث حذيفة في ذكر الفتنة قوله حدثنا محمد هو بن جعفر الذي يقال له غندر قوله عن سليمان هو الأعمش وقد وافقه على رواية أصل الحديث عن أبي وائل وهو شقيق بن سلمة جامع بن شداد أخرجه المصنف في الصوم ووافق شقيقا على روايته عن حذيفة ربعي بن حراش أخرجه أحمد ومسلم قوله ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أيكم يحفظ في رواية يحيى القطان عن الأعمش في الصلاة كنا جلوسا عند عمر فقال أيكم والمخاطب بذلك الصحابة ففي رواية ربعي عن حذيفة أنه قدم من عند عمر فقال سأل عمر أمس أصحاب محمد أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة قال أنا أحفظ كما قال في رواية المصنف في الزكاة أنا أحفظه كما قاله قوله قال هات انك لجرىء في الزكاة انك عليه لجريء فكيف قوله فتنة الرجل في أهله وما له وجاره زاد في الصلاة وولده قوله تكفرها الصلاة والصدقة زاد في الصلاة والصوم قال بعض الشراح يحتمل أن يكون كل واحدة من الصلاة وما معها مكفرة للمذكورات كلها لا لكل واحدة منها وأن يكون من باب اللف والنشر بأن الصلاة مثلا مكفرة للفتنة في الأهل والصوم في الولد الخ والمراد بالفتنة ما يعرض للإنسان مع من ذكر من البشر أو الالتهاء بهم أو أن يأتي لأجلهم بما لا يحل له أو يخل بما يجب عليه واستشكل بن أبي جمرة وقوع التكفير بالمذكورات للوقوع في المحرمات والإخلال بالواجب لأن الطاعات لا تسقط ذلك فإن حمل على الوقوع في المكروه والإخلال بالمستحب لم يناسب إطلاق التكفير والجواب التزام الأول وأن الممتنع من تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة فهي التي فيها النزاع وأما الصغائر فلا نزاع أنها تكفر لقوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الآية وقد مضى شيء من البحث في هذا في كتاب الصلاة وقال الزبن بن المنير الفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار حتى في أولادهن ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن وبالمال يقع الاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله والفتنة بالأولاد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاقد ثم قال وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات ففيه إشارة إلى تعظيم قدرها لا نفى أن غيرها من الحسنات ليس فيها صلاحية التكفير ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع بنفس فعل الحسنات المذكورة ويحتمل أن يقع بالموازنة والأول أظهر والله أعلم وقال بن أبي جمرة خص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم ثم أشار إلى أن التكفير لا يختص بالأربع المذكورات بل نبه بها على ما عداها والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر بل نبه به على ما عداها فذكر من عبادة الأفعال الصلاة والصيام ومن عبادة المال الصدقة ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف قوله ولكن التي تموج أي الفتنة وصرح بذلك في الرواية التي في الصلاة والفتنة بالنصب بتقدير فعل أي أريد الفتنة ويحتمل الرفع أي مرادي الفتنة قوله تموج كموج البحر أي تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة قوله يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها زاد في رواية ربعي تعرض الفتن على القلوب فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير أبيض مثل الصفاة لا تضره فتنة وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى يصير أسود كالكوز منكوسا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وحدثته أن بينها وبينه بابا مغلقا قوله إن بينك وبينها بابا مغلقا أي لا يخرج منها شيء في حياتك قال بن المنير آثر حذيفة الحرص على حفظ السر ولم يصرح لعمر بما سأل عنه وإنما كنى عنه كناية وكأنه كان مأذونا له في مثل ذلك وقال النووي يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل لأن عمر كان يعلم أنه الباب فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل انتهى وفي لفظ طريق ربعي ما يعكر على ذلك على ما سأذكره وكأنه مثل الفتن بدار ومثل حياة عمر بباب لها مغلق ومثل موته بفتح ذلك الباب فما دامت حياة عمر موجودة فهي الباب المغلق لا يخرج مما هو داخل تلك الدار شيء فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب فخرج ما في تلك الدار قوله قال يفتح الباب أو يكسر قال لا بل يكسر قال ذلك أحرى أن لا يغلق زاد في الصيام ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة قال بن بطال إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح فأما إذا انكسر فلا يتصور غلقه حتى يجبر انتهى ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح وعن القتل بالكسر ولهذا قال في رواية ربعي فقال عمر كسرا لا أبا لك لكن بقية رواية ربعي تدل على ما قدمته فإن فيه وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت وإنما قال عمر ذلك اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة وسيأتي في الاعتصام حديث جابر في قوله تعالى أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض الآية وقد وافق حذيفة على معنى روايته هذه أبو ذر فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات أنه لقي عمر فأخذ بيده فغمزها فقال له أبو ذر أرسل يدي يا قفل الفتنة الحديث وفيه أن أبا ذر قال لا يصيبكم فتنة ما دام فيكم وأشار إلى عمر وروى البزار من حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر يا غلق الفتنة فسأله عن ذلك فقال مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا غلق الفتنة لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش قوله قلنا علم عمر الباب في رواية جامع بن شداد فقلنا لمسروق سله أكان عمر يعلم من الباب فسأله فقال نعم وفي رواية أحمد عن وكيع عن الأعمش فقال مسروق لحذيفة يا أبا عبد الله كان عمر يعلم قوله كما أن دون غد الليلة أي أن ليلة غد أقرب إلى اليوم من غد قوله إني حدثته هو بقية كلام حذيفة والأغاليط جمع أغلوطة وهو ما يغالط به أي حدثته حديثا صدقا محققا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا عن اجتهاد ولا رأي قال بن بطال إنما علم عمر أنه الباب لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء وأبو بكر وعثمان فرجف فقال إثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان أو فهم ذلك من قول حذيفة بل يكسر انتهى والذي يظهر أن عمر علم الباب بالنص كما قدمت عن عثمان بن مظعون وأبي ذر فلعل حذيفة حضر ذلك وقد تقدم في بدء الخلق حديث عمر أنه سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وسيأتي في هذا الباب حديث حذيفة أنه قال أنا أعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة وفيه أنه سمع ذلك معه من النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ماتوا قبله فإن قيل إذا كان عمر عارفا بذلك فلم يشك فيه حتى سأل عنه فالجواب أن ذلك يقع مثله عند شدة الخوف أو لعله خشي أن يكون نسي فسأل من يذكره وهذا هو المعتمد قوله فهبنا بكسر الهاء أي خفنا ودل ذلك على حسن تأدبهم مع كبارهم قوله وأمرنا مسروقا هو بن الأجدع من كبار التابعين وكان من أخصاء أصحاب بن مسعود وحذيفة وغيرهما من كبار الصحابة قوله فسأله فقال من الباب قال عمر قال الكرماني تقدم قوله أن بين الفتنة وبين عمر بابا فكيف يفسر الباب بعد ذلك أنه عمر والجواب أن في الأول تجوزا والمراد بين الفتنة وبين حياة عمر أو بين نفس عمر وبين الفتنة بدنه لأن البدن غير النفس تنبيه غالب الأحاديث المذكورة في هذا الباب من حديث حذيفة وهلم جرا يتعلق بإخباره صلى الله عليه وسلم عن الأمور الآتية بعده فوقعت على وفق ما أخبر به واليسير منها وقع في زمانه وليس في جميعها ما يخرج عن ذلك إلا حديث البراء في نزول السكينة وحديثه عن أبي بكر في قصة سراقة وحديث أنس في الذي ارتد فلم تقبله الأرض الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة وهو يشتمل على أربعة أحاديث أحدها قتال الترك وقد أتى رده من وجهين آخرين عن أبي هريرة كما سأتكلم عليه ثانيها حديث تجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الشأن وقد تقدم شرحه في أول المناقب وقوله

[ 3394 ] في هذا الموضع وتجدون أشد الناس كراهية لهذا الأمر حتى يقع فيه كذا وقع عند أبي ذر مختصرا إلا في روايته عن المستملي فأورده بتمامه وبه يتم المعنى ثالثها حديث الناس معادن وقد تقدم شرحه في المناقب أيضا رابعها حديث يأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وما له قال عياض وقد وقع للجميع ليأتين على أحدكم لكن وقع لأبي زيد المروزي في عرضه بغداد أحدهم بالهاء والصواب بالكاف كذا أخرجه مسلم انتهى والأحاديث الأبعة تدخل في علامات النبوة لإخباره فيها عما لا يقع فوقع كما قال لا سيما الحديث الأخير فإن كل أحد من الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم كان يود لو كان رآه وفقد مثل أهله وما له وإنما قلت ذلك لأن كل أحد ممن بعدهم إلى زماننا هذا يتمنى مثل ذلك فكيف بهم مع عظيم منزلته عندهم ومحبتهم فيه الحديث الخامس عشر حديث أبي هريرة أورده من طرق

[ 3395 ] قوله لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا هو بضم الخاء المعجمة وسكون الواو بعدها زاي قوم من العجم وقال أحمد وهم عبد الرزاق فقال بالجيم بدل الخاء المعجمة وقوله وكرمان هو بكسر الكاف على المشهور ويقال بفتحها وهو ما صححه بن السمعاني ثم قال لكن اشتهر بالكسر وقال الكرماني نحن أعلم ببلدنا قلت جزم بالفتح بن الجواليقي وقبله أبو عبيد البكري وجزم بالكسر الأصيلي وعبدوس وتبع بن السمعاني ياقوت والصغاني لكن نسب الكسر للعامة وحكى النووي الوجهين والراء ساكنة على كل حال وتقدم في الرواية التي قبلها تقاتلون الترك واستشكل لأن خوزا وكرمان ليسا من بلاد الترك أما خوز فمن بلاد الأهواز وهي من عراق العجم وقيل الخوز صنف من الأعاجم وأما كرمان فبلدة مشهورة من بلاد العجم أيضا بين خراسان وبحر الهند ورواه بعضهم خور كرمان براء مهملة وبالإضافة والإشكال باق ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث غير حديث قتال الترك ويجتمع منهما الإنذار بخروج الطائفتين وقد تقدم من الإشارة إلى شيء من ذلك في الجهاد ووقع في رواية مسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما كأن وجوههم المجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر قوله حمر الوجوه فطس الأنوف الفطس الانفراش وفي الرواية التي قبلها دلف الأنوف جمع أدلفة بالمهملة والمعجمة وهو الأشهر قيل معناه الصغر وقيل الدلف الاستواء في طرف الأنف ليس بحد غليظ وقيل تشمير الأنف عن الشفة العليا ودلف بسكون اللام جمع أدلف مثل حمر وأحمر وقيل الدلف غلظ في الأرنبة وقيل تطامن فيها وقيل ارتفاع طرفه مع صغر أرنبته وقيل قصره مع انبطاحه وقد تقدم بقية القول فيه في أثناء الجهاد قوله وجوههم المجان المطرقة في الرواية الماضية كأن وجوههم المجان المطرقة وقد تقدم ضبطه في أثناء الجهاد في باب قتال الترك قيل إن بلادهم ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين وشمال الهند إلى أقصى المعمور قال البيضاوي شبة وجوههم بالترسة لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها قوله نعالهم الشعر تقدم القول فيه في أثناء الجهاد في باب قتال الترك قيل المراد به طول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال وقيل المراد أن نعالهم من الشعر بأن يجعلوا نعالهم من شعر مضفور وقد تقدم التصريح بشيء من ذلك في باب قتال الترك من كتاب الجهاد ووقع في رواية لمسلم كما تقدم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة يلبسون الشعر وزعم بن دحية أن المراد به القندس الذي يلبسونه في الشرابيش قال وهو جلد كلب الماء قوله تابعه غيره عن عبد الرزاق كذا في الأصول التي وقفت عليها وكذا ذكره المزي في الأطراف ووقع في بعض النسخ تابعه عبدة وهو تصحيف وقد أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق وجعله أحمد حديثين فصل آخره فقال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نقوم الساعة حتى تقاتلوا أقواما نعالهم الشعر

[ 3396 ] قوله في الرواية الأخرى حدثنا سفيان هو بن عيينة وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم قوله أتينا أبا هريرة في رواية أحمد عن سفيان عن إسماعيل عن قيس قال نزل علينا أبو هريرة بالكوفة وكان بينه وبين مولانا قرابة قال سفيان وهم أي آل قيس بن أبي حازم موالي لأحمس فاجتمعت أحمس قال قيس فأتيناه نسلم عليه فقال له أبي يا أبا هريرة هؤلاء أنسابك أتوك ليسلموا عليك وتحدثهم قال مرحبا بهم وأهلا صحبت فذكره قوله ثلاث سنين كذا وقع فيه شيء لأنه قدم في خيبر سنة سبع وكانت خيبر في صفر ومات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة فتكون المدة أربع سنين وزيادة وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري قال صحبت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة أخرجه أحمد وغيره فكأن أبا هريرة اعتبر المدة التي لازم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة الشديدة وذلك بعد قدومهم من خيبر أولم يعتبر الأوقات التي وقع فيها سفر النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه وحجه وعمره لأن ملازمته له فيها لم تكن كملازمته له في المدينة أو المدة المذكورة بقيد الصفة التي ذكرها من الحرص وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص المذكور أو وقع له لكن كان حرصه فيها أقوى والله أعلم قوله لم أكن في سني بكسر المهملة والنون وتشديد التحتانية على الإضافة أي في سني عمري ووقع في رواية الكشميهني في شيء بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها همزة واحد الأشياء وقوله أحرص مني هو أفعل تفضيل والمفضل عليه هو أبو هريرة لكن باعتبارين فالأفضل المدة التي هي ثلاث سنين والمفضول بقية عمره ووقع في رواية أحمد عن يحيى القطان عن إسماعيل بلفظ ما كنت أعقل مني فيهن ولا أحب أن أعي ما يقول منها قوله وهو هذا البارز وقال سفيان مرة وهم أهل البارز وقع ضبط الأولى بفتح الراء بعدها زاي وفي الثانية بتقديم الزاي على الراء والمعروف والأول ووقع عند بن السكن وعبدوس بكسر الزاي وتقديمها على الراء وبه جزم الأصيلي وابن السكن ومنهم من ضبطه بكسر الراء قال القابسي معناه البارزين لقتال أهل الإسلام أي الظاهرين في براز من الأرض كما جاء في وصف علي أنه بارز وظاهر ويقال معناه أن القوم الذين يقاتلون تقول العرب هذا البارز إذا أشارت إلى شيء ضار وقال بن كثير قول سفيان المشهور في الرواية تقديم الراء على الزاي وعكسه تصحيف كأنه اشتبه على الراوي من البارز وهو السوق بلغتهم وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق مروان بن معاوية وغيره عن إسماعيل وقال فيه أيضا وهم هذا البارز وأخرجه أبو نعيم من طريق إبراهيم بن بشار عن سفيان وقال في آخره قال أبو هريرة وهم هذا البارز يعني الأكراد وقال غيره البارز الديلم لأن كلا منهما يسكنون في براز من الأرض أو الجبال وهي بارزة عن وجه الأرض وقيل هي أرض فارس لأن منهم من يجعل الفاء موحدة والزاي سينا وقيل غير ذلك وقال بن الأثير ذكره أبو موسى في الباء والزاي وقيل البارز ناحية قريبة من كرمان بها جبال فيها أكراد فكأنهم سموا باسم بلادهم أو هو على حذف أهل والذي في البخاري بتقديم الراء على الزاي وهم أهل فارس فكأنه أبدل السين زايا أي والفاء باء وقد ظهر مصادق هذا الخبر وقد كان مشهورا في زمن الصحابة حديث اتركوا الترك ما تركوكم فروى الطبراني من حديث معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله وروى أبو يعلى من وجه آخر عن معاوية بن خديج قال كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه وقع بالترك وهزمهم فغضب معاوية من ذلك ثم كتب إليه لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الترك تجلي العرب حتى تلحقها بمنابت الشيخ قال فأنا أكره قتالهم لذلك وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودا إلى أن فتح ذلك شيئا بعد شيء وكثر السبي منهم وتنافس الملوك فيهم لما فيهم من الشدة والبأس حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنه المتوكل ثم أولاده واحدا بعد واحد إلى أن خالط المملكة الديلم ثم كان الملوك السامانية من الترك أيضا فملكوا بلاد العجم ثم غلب على تلك الممالك آل سبكتكين ثم آل سلجوق وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم ثم كان بقايا أتباعهم بالشام وهم آل زنكي وأتباع هؤلاء وهم بيت أيوب واستكثر هؤلاء أيضا من الترك فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية الشامية والحجازية وخرج على آل سلجون في المائة الخامسة الغز فخربوا البلاد وفتكوا في العباد ثم جاءت الطامة الكبرى بالطر فكان خروج جنكزخان بعد الستمائة فأسعرت بهم الدنيا نارا خصوصا المشرق بأسره حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المسعتصم آخر خلفائهم على أيديهم في سنة ست وخمسين وستمائة ثم لم تزل بقاياهم يخربون إلى أن كان آخرهم اللنك ومعناه الأعرج واسمه تمر بفتح المثناة وضم الميم وربما أشبعت فطرق الديار الشامية وعاث فيها وحرق دمشق حتى صارت خاوية على عروشها ودخل الروم والهند وما بين ذلك وطالت مدته إلى أن أخذه الله وتفرق بنوه البلاد وظهر بجميع ما أوردته مصداق قوله صلى الله عليه وسلم إن بني قنطورا أول من سلب أمتي ملكهم وهو حديث أخرجه الطبراني من حديث معاوية والمراد ببني قنطورا الترك وقنطورا قيده بن الجواليقي في المعرب بالمد وفي كتاب البارع بالقصر قيل كانت جارية لإبراهيم الخليل عليه السلام فولدت له أولادا فانتشر منهم الترك حكاه بن الأثير واستبعده وأما شيخنا في القاموس فجزم به وحكى قولا آخر أن المراد بهم السودان وقد تقدم في باب قتال الترك من الجهاد بقية ذلك وكأنه يريد بقوله أمتي أمة النسب لا أمة الدعوة يعني العرب والله أعلم الحديث السادس عشر حديث عمرو بن تغلب في معنى حديث أبي هريرة وهو شاهد قوي وقد تقدم شرحه بما فيه غنية وتقدم ضبطه في أثناء كتاب الجهاد الحديث السابع عشر حديث بن عمر تقاتلكم اليهود الحديث تقدم من وجه آخر في الجهاد في باب قتال اليهود

[ 3398 ] قوله تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم في رواية أحمد من طريق أخرى عن سالم عن أبيه ينزل الدجال هذه السبخة أي خارج المدينة ثم يسلط الله عليه المسلمين فيقتلون شيعته حتى أن اليهودي ليختبئ تحت الشجرة والحجر فيقول الحجر والشجرة للمسلم هذا يهودي فاقتله وعلى هذا فالمراد بقتال اليهود وقوع ذلك إذا خرج الدجال ونزل عيسى وكما وقع صريحا في حديث أبي أمامة في قصة خروج الدجال ونزول عيسى وفيه وراء الدجال سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلي فيدركه عيسى عند باب لد فيقتله وينهزم اليهود فلا يبقى شيء مما يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء فقال يا عبد الله للمسلم هذا يهودي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنها من شجرهم أخرجه بن ماجة مطولا وأصله عند أبي داود ونحوه في حديث سمرة عند أحمد بإسناد حسن وأخرجه بن منده في كتاب الإيمان من حديث حذيفة بإسناد صحيح وفي الحديث ظهور الآيات قرب قيام الساعة من كلام الجماد من شجرة وحجر وظاهره أن ذلك ينطق حقيقة ويحتمل المجاز بأن يكون المراد أنهم لا يفيدهم الاختباء والأول أولى وفيه أن الإسلام يبقى إلى يوم القيامة وفي قوله صلى الله عليه وسلم تقاتلكم اليهود جواز مخاطبة الشخص والمراد من هو منه بسبيل لأن الخطاب كان للصحابة والمراد من يأتي بعدهم بدهر طويل لكن لما كانوا مشتركين معهم في أصل الإيمان ناسب أن يخاطبوا بذلك

الحديث الثامن عشر حديث أبي سعيد يأتي على الناس زمان يغزون فيه الحديث يأتي في أول مناقب الصحابة بأتم من هذا السياق وقد تقدم في باب من استعان بالضعفاء من كتاب الجهاد

[ 3400 ] الحديث التاسع عشر حديث عدي بن حاتم أورده من وجهين قوله أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر لم أقف على اسم أحد منهما قوله الظعينة بالمعجمة المرأة في الهودج وهو في الأصل اسم للهودج قوله الحيرة بكسر المهملة وسكون التحتانية وفتح الراء كانت بلد ملوك العرب الذين تحت حكم آل فارس وكان ملكهم يومئذ إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت يدي كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر ولهذا قال عدي بن حاتم فأين دعار طيء ووقع في رواية لأحمد من طريق الشعبي عند عدي بن حاتم قلت يا رسول الله فأين مقاتب طيء ورجالها ومقاتب بالقاف جمع مقتب وهو العسكر ويطلق على الفرسان قوله حتى تطوف بالكعبة زاد أحمد من طريق أخرى عن عدي في غير جواز أحد قوله فأين دعار طيء الدعار جمع داعر وهو بمهملتين وهو الشاطر الخبيث المفسد وأصله عود داعر إذا كان كثير الدخان قال الجواليقي والعامة تقوله بالذال المعجمة فكأنهم ذهبوا به إلى معنى الفزع والمعروف الأول والمراد قطاع الطريق وطئ قبيلة مشهورة منها عدي بن حاتم المذكور وبلادهم ما بين العراق والحجاز وكانوا يقطعون الطريق على من مر عليهم بغير جواز ولذلك تعجب عدي كيف تمر المرأة عليهم وهي غير خائفة قوله قد سعروا البلاد أي أوقدوا نار الفتنة أي ملؤا الأرض شرا وفسادا وهو مستعار من استعار النار وهو توقدها قوله كنوز كسرى وهو علم على من ملك الفرس لكن كانت المقالة في زمن كسرى بن هرمز ولذلك استفهم عدي بن حاتم عنه وإنما قال ذلك لعظمة كسرى في نفسه إذ ذاك قوله فلا يجد أحدا يقبله منه أي لعدم الفقراء في ذلك الزمان تقدم في الزكاة قول من قال إن ذلك عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز وبذلك جزم البيهقي وأخرج في الدلائل من طريق يعقوب بن سفيان بسنده إلى عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال إنما ولي عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهرا ألا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيه فلا يجده قد أغنى عمر الناس قال البيهقي فيه تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم انتهى ولا شك في رجحان هذا الاحتمال على الأول لقوله في الحديث ولئن طالت بك حياة قوله بشق تمرة بكسر المعجمة أي نصفها وفي رواية المستملي بشقة تمرة وكذا اختلفوا في قوله بعده فمن يجد شق تمرة قال المستملي شقة وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب الزكاة قوله ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم هو مقول عدي بن حاتم وقوله يخرج ملء كفه أي من المال فلا يجد من يقبله رواية أحمد المذكورة والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قالها وقد وقع ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به عدي وقد تقدم في أواخر كتاب الحج من استدل به على جواز سفر المرأة وحدها في الحج الواجب والبحث في ذلك وتوجيه الاستدلال به بما أغنى عن اعادته هنا وبالله التوفيق قوله حدثنا سعدان بن بشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة يقال اسمه سعيد وسعدان لقبه وليس له في البخاري ولا لشيخه ولا لشيخ شيخه غير هذا الحديث الواحد قوله حدثنا أبو مجاهد هو سعد الطائي المذكور في الإسناد الذي قبله ومحل بن خليفة في الإسنادين هو بضم الميم وكسر المعجمة بعدها لام وقد قيل فيه بفتح المهملة وتقدم سياق متن هذا الحديث في كتاب الزكاة وهو أخصر من سياق الذي قبله وإطلاق المصنف قد يوهم أنهما سواء والله أعلم الحديث العشرون حديث عقبة وهو بن عامر الجهني

[ 3401 ] قوله عن يزيد هو بن أبي حبيب وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله والإسناد كله بصريون قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما هذا مما حذف فيه لفظ إنه وهي تحذف كثيرا من الخط ولا بد من النطق بها وقل من نبه على ذلك فقد نبهوا على حذف قال خطا وقال بن الصلاح لا بد من النطق بها وفيه بحث ذكرته في النكت ووقع هنا لغير أبي ذر بلفظ أن بدل عن قوله فصلى على أهل أحد تقدم الكلام عليه مستوفي في الجنائز وقوله ألا وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الخ هو موافق لحديث أبي هريرة والكلام عليه مستغن عن إعادته ووقع هنا لأبي ذر عن المستملي والسرخسي خزائن مفاتيح على القلب وقد تقدم في الجنائز والمغازي بلفظ مفاتيح خزائن وكذا عند مسلم والنسائي قوله ولكني أخاف أن تنافسوا فيها فيه انذار بما سيقع فوقع كما قال صلى الله عليه وسلم وقد فتحت عليهم الفتوح بعده وآل الأمر إلى أن تحاسدوا وتقاتلوا ووقع ما هو المشاهد المحسوس لكل أحد مما يشهد بمصداق خبره صلى الله عليه وسلم ووقع من ذلك في هذا الحديث إخباره بأنه فرطهم أي سابقهم وكان كذلك وأن أصحابه لا يشركون بعده فكان كذلك ووقع ما أنذر به من التنافس في الدنيا وتقدم في معنى ذلك حديث عمرو بن عوف مرفوعا ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم وحديث أبي سعيد في معناه فوقع كما أخبر وفتحت عليهم الفتوح الكثيرة وصبت عليهم الدنيا صبا وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق الحديث الحادي والعشرون حديث أسامة بن زيد وقد تقدم شرح بعضه في أواخر الحج ويأتي الكلام عليه في الفتن إن شاء الله تعالى الحديث الثاني والعشرون حديث زينب بنت جحش ويل للعرب من شر قد اقترب وسيأتي شرحه مستوفي في آخر كتاب الفتن إن شاء الله تعالى الحديث الثالث والعشرون حديث أم سلمة قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن أورده مختصرا وسيأتي بتمامه في كتاب الفتن مع شرحه إن شاء الله تعالى وقوله

[ 3403 ] فيه وعن الزهري هو معطوف على إسناد حديث زينب بنت جحش وهو أبو اليمان عن شعيب عن الزهري ووهم من زعم أنه معلق فإنه أورده بتمامه في الفتن عن أبي اليمان بهذا الإسناد الحديث الرابع والعشرون حديث أبي سعيد يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم الحديث وسيأتي الكلام عليه في الفتن إن شاء الله تعالى وقوله

[ 3305 ] في الإسناد عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي صعصعة نسب إلى جده الأعلى وروايته لهذا الحديث عن أبيه عبد الله لا عن أبي صعصعة ولا غيره من آبائه وقد تقدم إيضاح ذلك في كتاب الإيمان وقوله في هذه الرواية شعف الجبال أو سعف الجبال بالعين المهملة فيهما وبالشين المعجمة في الأولى أو المهملة في الثانية والتي بالشين المعجمة معناها رؤوس الجبال والتي بالمهملة معناها جريد النخل وقد أشار صاحب المطالع إلى توهيمها لكن يمكن تخريجها على إرادة تشبيه أعلى الجبل بأعلى النخلة وجريد النخل يكون غالبا أعلى ما في النخلة لكونها قائمة والله أعلم الحديث الخامس والعشرون حديث أبي هريرة ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم الحديث وسيأتي الكلام عليه في كتاب الفتن الحديث السادس والعشرون حديث نوفل بن معاوية قال مثل حديث أبي هريرة وسيأتي شرح المتن في الفتن وقوله وعن الزهري هو بإسناد حديث أبي هريرة إلى الزهري ووهم من زعم أنه معلق وقد أخرجه مسلم بالإسنادين معا من طريق صالح بن كيسان عن الزهري وقوله

[ 3407 ] الا أن أبا بكر يعني بن عبد الرحمن شيخ الزهري وقوله يزيد من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وما له يحتمل أن يكون أبو بكر زاد هذا مرسلا ويحتمل أن يكون زاده بالإسناد المذكور عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود عن نوفل بن معاوية وعبد الرحمن هذا هو أخو عبد الله بن مطيع الذي ولي الكوفة وهو مذكور في الصحابة وأما عبد الرحمن فتابعي على الصحيح وقد ذكره بن حبان وابن منده في الصحابة وليس له في البخاري غير هذا الحديث وشيخه نوفل بن معاوية صحابي قليل الحديث من مسلمة الفتح عاش إلى خلافة يزيد بن معاوية ويقال إنه جاوز المائة وليس له في البخاري أيضا غير هذا الحديث وهو خال عبد الرحمن بن مطيع الراوي عنه قال الزبير بن بكار اسم أمه كلثوم والمراد بالصلاة المذكورة صلاة العصر كذا أخرجه النسائي مفسرا من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن نوفل بن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من الصلاة صلاة فذكر مثل لفظ أبي بكر بن عبد الرحمن وزاد قال فقال بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي صلاة العصر وقد تقدم في الصلاة في المواقيت حديث بريدة في ذلك مشروحا وهو شاهد لصحة قول بن عمر هذا والله أعلم تنبيه ذكر البخاري هذه الزيادة هنا استطرادا لوقوعها في الحديث الذي أراده إيراده في هذا الباب والله أعلم الحديث السابع والعشرون حديث بن مسعود ستكون أثرة يأتي الكلام عليه أيضا في الفتن إن شاء الله تعالى الحديث الثامن والعشرون حديث أبي هريرة في قريش وسيأتي أيضا في الفتن وقوله

[ 3409 ] هنا في الطريق الأولى قال محمود حدثنا أبو داود أراد بذلك تصريح أبي التياح بسماعه له من أبي زرعة بن عمرو وأبو داود هذا هو الطيالسي ولم يخرج له المصنف الا استشهادا ومحمود هذا هو بن غيلان أحد مشايخه المشهورين وقد نزل المصنف في الإسناد الأول درجة بالنسبة إلى أبي أسامة لأنه سمع من الجمع الكثير من أصحابه حتى من شيخ شيخه في هذا الحديث وهو أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة والإسماعيلي من رواية أبي بكر وعثمان بن أبي أسامة وهما ممن أكثر عنهما البخاري وكأنه فاته عنهما ونزل فيه أيضا بالنسبة لرواية شعبة درجتين لأنه سمع من جماعة من أصحابه وهو من غرائب حديث شعبة وقوله

[ 3410 ] في الطريق الثانية فقال مروان غلمة قال الكرماني تعجب مروان من وقوع ذلك من غلمة فأجابه أبو هريرة أن شئت صرحت بأسمائهم انتهى وكأنه غفل عن الطريق المذكورة في الفتن فإنها ظاهرة في أن مروان لم يوردها مورد التعجب فإن لفظه هناك فقال مروان لعنة الله عليهم غلمة فظهر أن في هذا الطريق اختصارا ويحتمل أن يتعجب من فعلهم ويلعنهم مع ذلك والله أعلم

الحديث التاسع والعشرون حديث حذيفة كان الناس يسألون عن الخير يأتي في الفتن مع شرحه مستوفي إن شاء الله تعالى وقوله

[ 3412 ] في الطريق الأخرى تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر هو طرف من الطريق الآخر وهو بمعناه وقد أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه باللفظ الأول إلا أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل قوله كان الناس الحديث الثلاثون حديث أبي هريرة لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان الحديث أورده من طريقين وفي الثانية ذكر الدجالين وهو حديث آخر مستقل من صحيفة همام وقد أفرده أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم وقوله فئتان بكسر الفاء بعدها همزة مفتوحة تثنية فئة أي جماعة ووصفهما في الرواية الأخرى بالعظم أي بالكثرة والمراد بهما من كان مع علي ومعاوية لما تحاربا بصفين وقوله دعواهما واحدة أي دينهما واحد لأن كلا منهما كان يتسمى بالإسلام أو المراد أن كلا منهما كان يدعي أنه المحق وذلك أن عليا كان إذ ذاك إمام المسلمين وأفضلهم يومئذ باتفاق أهل السنة ولان أهل الحل والعقد بايعوه بعد قتل عثمان وتخلف عن بيعته معاوية في أهل الشام ثم خرج طلحة والزبير ومعهما عائشة إلى العراق فدعوا الناس إلى طلب قتلة عثمان لأن الكثير منهم انضموا إلى عسكر علي فخرج علي إليهم فراسلوه في ذلك فأبى أن يدفعهم إليهم إلا بعد قيام دعوى من ولي الدم وثبوت ذلك على من باشره بنفسه وكان بينهم ما سيأتي بسطه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى ورحل علي بالعساكر طالبا الشام داعيا لهم إلى الدخول في طاعته مجيبا لهم عن شبههم في قتلة عثمان بما تقدم فرحل معاوية بأهل الشام فالتقوا بصفين بين الشام والعراق فكانت بينهم مقتلة عظيمة كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وآل الأمر بمعاوية ومن معه عند ظهور علي عليهم إلى طلب التحكيم ثم رجع علي إلى العراق فخرجت عليه الحرورية فقتلهم بالنهروان ومات بعد ذلك وخرج ابنه الحسن بن علي بعده بالعساكر لقتال أهل الشام وخرج إليه معاوية فوقع بينهم الصلح كما أخبر به صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة الآتي في الفتن أن الله يصلح به بين فئتين من المسلمين وسيأتي بسط جميع ذلك هناك إن شاء الله تعالى الحديث الحادي والعشرون حديث أبي هريرة المذكور

[ 3413 ] قوله حتى يبعث بضم أوله أي يخرج وليس المراد بالبعث معنى الإرسال المقارن للنبوة بل هو كقوله تعالى انا أرسلنا الشياطين على الكافرين قوله دجالون كذابون الدجل التغطية والتمويه ويطلق على الكذب أيضا فعلى هذا كذابون تأكيد وقوله قريبا من ثلاثين كذا وقع بالنصب وهو على الحال من النكرة الموصوفة ووقع في رواية أحمد قريب بالرفع على الصفة وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة الجزم بالعدد المذكور بلفظ أن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا كلهم يزعم أنه نبي وروى أبو يعلى بإسناد حسن عن عبد الله بن الزبير تسمية بعض الكذابين المذكورين بلفظ لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسي والمختار قلت وقد ظهر مصداق ذلك في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة باليمامة والأسود العنسي باليمن ثم خرج في خلافة أبي بكر طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة وسجاح التميمية في بني تميم وفيها يقول شبيب بن ربعي وكان مؤدبها أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا وقتل الأسود قبل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم وقتل مسيلمة في خلافة أبي بكر وتاب طليحة ومات على الإسلام على الصحيح في خلافة عمر ونقل أن سجاح أيضا تابت وأخبار هؤلاء مشهورة عند الأخباريين ثم كان أول من خرج منهم المختار بن أبي عبيد الثقفي غلب على الكوفة في أول خلافة بن الزبير فأظهر محبة أهل ا لبيت ودعا الناس إلى طلب قتلة الحسين فتبعهم فقتل كثيرا ممن باشر ذلك أو أعان عليه فأحبه الناس ثم إنه زين له الشيطان أن ادعى النبوة وزعم أن جبريل يأتيه فروى أبو داود الطيالسي بإسناد صحيح عن رفاعة بن شداد قال كنت أبطن شيء بالمختار فدخلت عليه يوما فقال دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي وروى يعقوب بن سفيان بإسناد حسن عن الشعبي أن الأحنف بن قيس أراه كتاب المختار إليه يذكر أنه نبي وروى أبو داود في السنن من طريق إبراهيم النخعي قال قلت لعبيدة بن عمرو أترى المختار منهم قال أما إنه من الرءوس وقتل المختار سنة بضع وستين ومنهم الحارث الكذاب خرج في خلافة عبد الملك بن مروان فقتل وخرج في خلافة بني العباس جماعة وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقا فإنهم لا يحصون كثرة لكون غالبهم ينشأ لهم ذلك عن جنون أو سوداء وإنما المراد من قامت له شوكة وبدت له شبهة كمن وصفنا وقد أهلك الله تعالى من وقع له ذلك منهم وبقي منهم من يلحقه بأصحابه وأخرهم الدجال الأكبر وسيأتي بسط كثير من ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى

الحديث الثاني والثلاثون حديث أبي سعيد في ذكرى ذي الخويصرة وقد تقدم طرف منه في قصة عاد من أحاديث الأنبياء وأحلت على شرحه في المغازي وهو في أواخرها من وجه آخر مطولا وقوله في هذه الرواية فقال عمر ائذن لي أضرب عنقه لا ينافي قوله في تلك الرواية فقال خالد لاحتمال أن يكون كل منهما سأل في ذلك وقوله

[ 3414 ] هنا دعه فإن له أصحابا ليس الفاء للتعليل وإنما هي لتعقيب الأخبار والحجة لذلك ظاهرة في الرواية الآتية وقوله لا يجاوز ويحتمل أنه لكونه لا تفقهه قلوبهم ويحملونه على غير المراد به ويحتمل أن يكون المراد أن تلاوتهم لا ترتفع إلى الله وقوله يمرقون من الدين أن كان المراد به الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج ويحتمل أن يكون المراد بالدين الطاعة فلا يكون فيه حجة وإليه جنح الخطابي وقوله الرمية بوزن فعيلة بمعنى مفعولة وهو الصيد المرمي شبة مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه ومن شدة سرعة خروجه لقوة الرامي لا يعلق من جسد الصيد شيء وقوله ينظر في نصله أي حديدة السهم ورصافه بكسر الراء ثم مهملة ثم فاء أي عصبه الذي يكون فوق مدخل النصل والرصاف جمع واحدة رصفة بحركات ونضيه بفتح النون وحكى ضمها وبكسر المعجمة بعدها تحتانية ثقيلة قد فسره في الحديث بالقدح بكسر القاف وسكون الدال أي عود السهم قبل أن يراش وينصل وقيل هو ما بين الريش والنصل قاله الخطابي قال بن فارس سمي بذلك لأنه برى حتى عاد نضوا أي هزيلا وحكى الجوهري عن بعض أهل اللغة أن النضي النصل والأول أولى والقذذ بضم القاف ومعجمتين الأولى مفتوحة جمع قذة وهي ريش السهم يقال لكل واحدة قذة ويقال هو أشبه به من القذة بالقذة لأنها تجعل على مثال واحد وقوله آيتهم أي علامتهم وقوله بضعة بفتح الموحدة أي قطعة لحم وقوله تدردر بدالين وراءين مهملات أي تضطرب والدردرة صوت إذا اندفع سمع له اختلاط وقوله علي حين فرقة أي زمان فرقة وهو بضم الفاء أي افتراق وفي رواية الكشميهني على خير بخاء معجمة وراء أي أفضل وفرقة بكسر الفاء أي طائفة وهي رواية الإسماعيلي ويؤيد الأول حديث مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد تمريق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحق أخرجه هكذا مختصرا من وجهين وفي هذا وفي قوله صلى الله عليه وسلم تقتل عمارا الفئة الباغية دلالة واضحة على أن عليا ومن معه كانوا على الحق وأن من قاتلهم كانوا مخطئين في تأويلهم والله أعلم وقوله في آخر الحديث فأتى به أي بذي الخويصرة حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته يريد ما تقدم من كونه أسود إحدى عضديه مثل ثدي المراة الخ قال بعض أهل اللغة النعت يختص بالمعاني كالطول والقصر والعمى والخرس والصفة بالفعل كالضرب والجروح وقال غيره النعت للشيء الخاص والصفة أعم الحديث الثالث والثلاثون حديث علي في الخوارج وسيأتي شرحه في استتابة المرتدين وقوله سويد بن غفلة بفتح المعجمة والفاء قال حمزة الكناني صاحب النسائي ليس يصح لسويد عن علي غيره وقوله

[ 3415 ] الحرب خدعة تقدم ضبطه وشرحه في الجهاد وقوله حدثاء الأسنان أي صغارها وسفهاء الأحلام أي ضعفاء العقول وقوله يقولون من قول خير البرية أي من القرآن كما في حديث أبي سعيد الذي قبله يقرأون القرآن وكان أول كلمة خرجوا بها قوله لا حكم إلا الله وانتزعوها من القرآن وحملوها على غير محملها وقوله فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم في رواية الكشميهني فإن قتلهم

الحديث الرابع والثلاثون حديث خباب وسيأتي شرحه قريبا في باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة وقوله

[ 3416 ] فيه فيجاء كذا للأكثر بالجيم وقال عياض وقع في رواية الأصيلي بالحاء المهملة وهو تصحيف والفيح الباب الواسع ولا معنى له هنا قوله حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت يحتمل أن يريد صنعاء اليمن وبينها وبين حضرموت من اليمن أيضا مسافة بعيدة نحو خمسة أيام ويحتمل أن يريد صنعاء الشام والمسافة بينهما أبعد بكثير والأول أقرب قال ياقوت هي قرية على باب دمشق عند باب الفراديس تتصل بالعقيبة قلت وسميت باسم من نزلها من أهل صنعاء اليمن

الحديث الخامس والثلاثون حديث أنس في قصة ثابت بن قيس بن شماس

[ 3417 ] قوله أنبأني موسى بن أنس كذا رواه من طريق أزهر عن بن عون وأخرجه أبو عوانة عن يحيى بن أبي طالب عن أزهر وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية يحيى بن أبي طالب ورواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين عن أزهر فقال عن بن عون عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بدل موسى بن أنس أخرجه أبو نعيم عن الطبراني عنه وقال لا أدري ممن الوهم قلت لم أره في مسند أحمد وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بن المبارك عن بن عون عن موسى بن أنس قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم قعد ثابت بن قيس في بيته الحديث وهذا صورته مرسل إلا أنه يقوي أن الحديث لابن عون عن موسى لا عن ثمامة قوله افتقد ثابت بن قيس أي بن شماس خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس قال كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار قوله فقال رجل وقع في رواية لمسلم من طريق حماد عن ثابت عن أنس فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال يا أبا عمرو وما شأن ثابت آشتكي فقال سعد إنه كان لجاري وما علمت له بشكوى واستشكل ذلك الحفاظ بأن نزول الآية المذكورة كان في زمن الوفود بسبب الأقرع بن حابس وغيره وكان ذلك في سنة تسع كما سيأتي في التفسير وسعد بن معاذ مات قبل لك في بني قريظة وذلك سنة خمس ويمكن الجمع بان الذي نزل في القصة ثابت مجرد رفع الصوت والذي نزل في قصة الأقرع أول السورة وهو قوله لاتقدموا بين يدي الله ورسوله وقد نزل من هذه السورة سابقا أيضا قوله وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فقد تقدم في كتاب الصلح من حديث أنس وفي آخره أنها نزلت في قصة عبد الله بن أبي بن سلول وفي السياق وذلك قبل أن يسلم عبد الله وكان إسلام عبد الله بعد وقعة بدر وقد روى الطبري وابن مردويه من طريق زيد بن الحباب حدثني أبو ثابت بن ثابت بن قيس قال لما نزلت هذه الآية قعد ثابت يبكي فمر به عاصم بن عدي فقال ما يبكيك قال أتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في فقال له رسول الله أما ترضى أن تعيش حميدا الحديث وهذا لا يغاير أن يكون الرسول إليه من النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وروى بن المنذر في تفسيره من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس في هذه القصة فقال سعد بن عبادة يا رسول الله هو جاري الحديث وهذا أشبه بالصواب لأن سعد بن عبادة من قبيلة ثابت بن قيس فهو أشبه أن يكون جاره من سعد بن معاذ لأنه من قبيلة أخرى قوله أنا أعلم لك علمه كذا للأكثر وفي رواية حكاها الكرماني ألا بلام بدل النون وهي للتنبيه وقوله أعلم لك أي لأجلك وقوله علمه أي خبره قوله كان برفع صوته كذا ذكره بلفظ الغيبة وهو التفات وكان السياق يقتضي أن يقول كنت أرفع صوتي قوله فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا أي مثل ما قال ثابت إنه لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي جلس في بيته وقال أنا من أهل النار وفي رواية لمسلم فقال ثابت أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا قوله فقال موسى بن أنس هو متصل بالإسناد المذكور إلى موسى لكن ظاهره أن باقي الحديث مرسل وقد أخرجه مسلم متصلا بلفظ قال فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال بل هو من أهل الجنة قوله ببشارة عظيمة هي بكسر الموحدة وحكى ضمها قوله ولكن من أهل الجنة قال الإسماعيلي إنما يتم الغرض بهذا الحديث أي من إيراده في باب علامة النبوة بالحديث الآخر أي الذي مضى في كتاب الجهاد في باب التحنط عند القتال فإن فيه أنه قتل باليمامة شهيدا يعني وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم إنه من أهل الجنة لكونه استشهد قلت ولعل البخاري أشار إلى ذلك إشارة لأن مخرج الحديثين واحد والله أعلم ثم ظهر لي أن البخاري أشار إلى ما في بعض طرق حديث نزول الآية المذكورة وذلك فيما رواه بن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت قال قال ثابت بن قيس بن شماس يا رسول الله إني أخشى أن أكون قد هلكت فقال وما ذاك قال نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا جهير الحديث وفيه فقال له عليه الصلاة والسلام أما نرضى أن تعيش سعيدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة وهذا مرسل قوي الإسناد أخرجه بن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عنه وأخرجه الدارقطني في الغرائب من طريث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك كذلك ومن طريق سعيد بن كثير عن مالك فقال فيه عن إسماعيل عن ثابت بن قيس وهو مع ذلك مرسل لأن إسماعيل لم يلحق ثابتا وأخرجه بن مردويه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري فقال عن محمد بن ثابت بن قيس إن ثابتا فذكر نحوه وأخرجه بن جرير من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري معضلا ولم يذكر فوقه أحدا وقال في آخره فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة وأصرح من ذلك ما روى بن سعد بإسناد صحيح أيضا من مرسل عكرمة قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم الآية قال ثابت بن قيس كنت أرفع صوتي فأنا من أهل النار فقعد في بيته فذكر الحديث نحو حديث أنس وفي آخره بل هو من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة انهزم المسلمون فقال ثابت أف لهؤلاء ولما يعبدون وأف لهؤلاء ولما يصنعون قال ورجل قائم على ثلمه فقتله وقتل وروى بن أبي حاتم في تفسيره من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس في قصة ثابت بن قيس فقال في آخرها قال أنس فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف فأقبل وقد تكفن وتحنط فقاتل حتى قتل وروى بن المتذر في تفسيره من طريق عطاء الخراساني قال حدثتني بنت ثابت بن قيس قالت لما أنزل الله هذه الآية دخل ثابت بينه فأغلق بابه فذكر القصة مطولة وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم تعيش حميدا وتموت شهيدا وفيها فلما كان يوم اليمامة ثبت حتى قتل

الحديث السادس والثلاثون حديث البراء قرأ رجل الكهف هو أسيد بن حضير كما سيأتي بيان ذلك في فضائل القرآن بأتم منه

الحديث السابع والثلاثون حديث البراء عن أبي بكر في قصة الهجرة وقد تقدم شرح بعضه في آخر اللقطة وقوله

[ 3419 ] هنا في أوله حدثنا محمد بن يوسف هو البيكندي وهو من صغار شيوخه وشيخه الآخر محمد بن يوسف الفريابي أكبر من هذا وأقدم سماعا وقد أكثر البخاري عنه وأحمد بن يزيد يعرف بالورتنيسي بفتح الواو وسكون الراء وفتح المثناة وتشديد النون المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة وزهير بن معاوية هو أبو خيثمة الجعفي قال البزار لم يرو هذا الحديث تاما عن أبي إسحاق إلا زهير وأخوه خديج وإسرائيل وروى شعبة منه قصة اللبن خاصة انتهى وقد رواه عن إسحاق مطولا أيضا حفيده يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق وهو في باب الهجرة إلى المدينة لكنه لم يذكر فيه قصة سراقة وزاد فيه قصة غيرها كما سيأتي قوله جاء أبو بكر أي الصديق إلى أبي هو عازب بن الحارث بن عدي الأوسي من قدماء الأنصار قوله فاشترى منه رجلا بفتح الراء وسكون المهملة هو للناقة كالسرج للفرس قوله ابعث ابنك يحمله معي قال فحملته وخرج أبي ينتقد ثمنه فقال لي أبي يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما ووقع في رواية إسرائيل الآتية في فضل أبي بكر أن عازبا امتنع من إرسال ابنه مع أبي بكر حتى يحدثه أبو بكر بالحديث وهي زيادة ثقة مقبولة لا تنافي هذه الرواية بل يحتمل قوله فقال لي أبي أي من قبل أن أحمله معه أو أعاد عازبا سؤال أبي بكر عن التحديث بعد أن شرطه عليه أولا وأجابه إليه قوله حين سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم أسرينا هكذا استعمل كل منهما إحدى اللغتين فإنه يقال سريت وأسريت في سير الليل قوله ليلتنا أي بعضها وذلك حين خرجوا من الغار كما سيأتي بيانه في حديث عائشة في الهجرة إلى المدينة ففيها أنهما لبثا في الغار ثلاث ليال ثم خرجا وقوله ومن الغد فيه تجوز لأن السير الذي عطف عليه سير الليل قوله حتى قام قائم الظهيرة أي نصف النهار وسمي قائما لأن الظل لا يظهر حينئذ فكأنه واقف ووقع في رواية إسرائيل أسرينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا أي دخلنا في وقت الظهر قوله فرفعت لنا صخرة أي ظهرت قوله لم تأت عليها أي على الصخرة وللكشميهني لم تأت عليه أي على الظل قوله وبسطت عليه فروة هي معروفة ويحتمل أن يكون المراد شيء من الحشيش اليابس لكن يقوي الأول أن في رواية يوسف بن إسحاق ففرشت له فروة معي وفي رواية خديج في جزء لوين فروة كانت معي قوله وأنا أنفض لك ما حولك يعني من الغبار ونحو ذلك حتى لا يثيره عليه الريح وقيل معنى النفض هنا الحراسة يقال نفضت المكان إذا نظرت جميع ما فيه ويؤيده قوله في رواية إسرائيل ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدا قوله لرجل من أهل المدينة أو مكة هو شك من الراوي أي اللفظين قال وكأن الشك من أحمد بن يزيد فإن مسلما أخرجه من طريق الحسن بن محمد بن أعين عن زهير فقال فيه لرجل من أهل المدينة ولم يشك ووقع في رواية خديج فسمى رجلا من أهل مكة ولم يشك والمراد بالمدينة مكة ولم يرد بالمدينة النبوية لأنها حينئذ لم تكن تسمى المدينة وإنما كان يقال لها يثرب وأيضا فلم تجر العادة للرعاة أن يبعدوا في المراعي هذه المسافة البعيدة ووقع في رواية إسرائيل فقال لرجل من قريش سماه فعرفته وهذا يؤيد ما قررته لأن قريشا لم يكونوا يسكنون المدينة النبوية إذ ذاك قوله أفي غنمك لبن بفتح اللام والموحدة وحكى عياض أن في رواية لب بضم اللام وتشديد الموحدة جمع لابن أي ذوات لبن قوله أفتحلب قال نعم الظاهر أن مراده بهذا الاستفهام أمعك إذن في الحلب لمن يمر بك على سبيل الضيافة وبهذا التقرير يندفع الإشكال الماضي في أواخر اللقطة وهو كيف استجاز أبو بكر أخذ اللبن من الراعي بغير إذن مالك الغنم ويحتمل أن يكون أبو بكر لما عرفة عرف رضاه بذلك بصداقته له أو إذنه العام لذلك وقد تقدم باقي ما يتعلق بذلك هنا قوله فقلت انفض الضرع أي ثدي الشاة وفي رواية إسرائيل الآتية وأمرته فاعتقل شاة أي وضع رجلها بين فخديه أو ساقيه يمنعها من الحركة قوله فأخذت قدحا فحلبت في رواية فأمرت الراعي فحلب ويجمع بأنه تجوز في قوله فحلبت ومراده أمرت بالحلب قوله كثبة بضم الكاف وسكون المثلثة وفتح الموحدة أي قدر قدح وقيل حلبة خفيفة ويطلق على القليل من الماء واللبن وعلى الجرعة تبقى في الإناء وعلى القليل من الطعام والشراب وغيرهما من كل مجتمع قوله واتبعنا سراقة بن مالك في رواية إسرائيل فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا غير سراقة بن مالك جعشم قوله فارتطمت بالطاء المهملة أي غاصت قوائمها قوله أرى بضم الهمزة في جلد من الأرض شك زهير أي الراوي هل قال هذه اللفظة أم لا والجلد بفتحتين الأرض الصلبة وفي رواية مسلم أن الشك من زهير في قول سراقة قد علمت أنكما قد دعوتما علي ووقع في رواية خديج بن معاوية وهو أخو زهير ونحن في أرض شديدة كأنها مجصصة فإذا بوقع من خلفي فالتفت فإذا سراقة فبكى أبو بكر فقال أتينا يا رسول الله قال كلا ثم دعا بدعوات وستأتي قصة سراقة في أبواب الهجرة إلى المدينة من حديث سراقة نفسه بأتم من سياق البراء فلذلك أخرت شرحها إلى مكانها وفي الحديث معجزة ظاهرة وفيه فوائد أخرى يأتي ذكرها في مناقب أبي بكر الصديق

الحديث الثامن والثلاثون حديث بن عباس في قصة الأعربي الذي أصابته الحمى فقال حمى تفور على شيخ كبير الحديث وسيأتي شرحه في كتاب الطب ووجه دخوله في هذا الباب أن في بعض طرقه زيادة تقتضي إيراده في علامات النبوة أخرجه الطبراني وغيره ومن رواية شرحبيل والد عبد الرحمن فذكر نحو حديث بن عباس وفي آخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إذا أبيت فهي كما تقول قضاء الله كائن فما أمسى من الغد إلا ميتا وبهذه الزيادة يظهر دخول هذا الحديث في هذا الباب وعجبت للإسماعيلي كيف نبه على مثل ذلك في قصة ثابت بن قيس وأغفله هنا ووقع في ربيع الأبرار أن اسم هذا الأعرابي قيس فقال في باب الأمراض والعلل دخل النبي صلى الله عليه وسلم على قيس بن أبي حازم يعوده فذكر القصة ولم أر تسميته لغيره فهذا إن كان محفوظا فهو غير قيس بن أبي حازم أحد المخضرمين لأن صاحب القصة مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقيس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في حال إسلامه فلا صحبة له ولكن أسلم في حياته ولأبيه صحبة وعاش بعده دهرا طويلا الحديث التاسع والثلاثون حديث أنس في الذي أسلم ثم ارتد فدفن فلفظته الأرض

[ 3421 ] قوله كان رجلا نصرانيا لم أقف على اسمه لكن في رواية مسلم من طريق ثابت عن أنس كان منا رجل من بني النجار قوله فعاد نصرانيا في رواية ثابت فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب فرفعوه قوله ما يدري محمد إلا ما كتبت له في رواية الإسماعيلي وكان يقول ما أرى يحسن محمد إلا ما كنت أكتب له وروى بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه قوله فأماته الله في رواية ثابت فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم قوله لما هرب منهم في رواية الإسماعيلي لما لم يرض دينهم قوله لفظته الأرض بكسر الفاء أي طرحته ورمته وحكى فتح الفاء قوله في آخره فألقوه في رواية ثابت فتركوه منبوذا

الحديث الأربعون حديث أبي هريرة إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده

[ 3422 ] قوله كسرى بكسر الكاف ويجوز الفتح وهو لقب لكل من ولي مملكة الفرس وقيصر لقب لكل من ولي مملكة الروم قال بن الأعرابي الكسر أفصح في كسرى وكان أبو حاتم يختاره وأنكر الزجاج الكسر على ثعلب واحتج بأن النسبة إليه كسروي بالفتح ورد عليه بن فارس بأن النسبة قد يفتح فيها ما هو في الأصل مكسور أو مضموم كما قالوا في بني تغلب بكسر اللام تغلبي بفتحها وفي سلمة كذلك فليس فيه حجة على تخطئة الكسر والله أعلم وقد استشكل هذا مع بقاء مملكة الفرس لأن آخرهم قتل في زمان عثمان واستشكل أيضا مع بقاء مملكة الروم وأجيب عن ذلك بأن المراد لا يبقى كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام وهذا منقول عن الشافعي قال وسبب الحديث أن قريشا كانوا يأتون الشام والعراق تجارا فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليها لدخولهم في الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لهم تطبيبا لقلوبهم وتبشيرا لهم بأن ملكهما سيزول عن الاقليمين المذكورين وقيل الحكمة في أن قيصر بقي ملكه وإنما ارتفع من الشام وما والاها وكسرى ذهب ملكه أصلا ورأسا أن قيصر لما جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبله وكاد أن يسلم كما مضى بسط ذلك في أول الكتاب وكسرى لما أتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مزقه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزق ملكه كل ممزق فكان كذلك قال الخطابي معناه فلا قيصر بعده يملك مثل ما يملك وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نسك إلا به ولا يملك على الروم أحد إلا كان قد دخله إما سرا وإما جهرا فانجلى عنها قيصر واستفتحت خزائنه ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعده ووقع في الرواية التي في باب الحرب خدعة من كتاب الجهاد هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده وليهلكن قيصر قيل والحكمة فيه أنه قال ذلك لما هلك كسرى بن هرمز كما سيأتي في حديث أبي بكرة في كتاب الأحكام قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم امرأة الحديث وكان ذلك لما مات شيرويه بن كسرى فأمروا عليهم بنته بوران وأما قيصر فعاش إلى زمن عمر سنة عشرين على الصحيح وقيل مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والذي حارب المسلمين بالشام ولده وكان يلقب أيضا قيصر وعلى كل تقدير فالمراد من الحديث وقع لا محالة لأنهما لم تبق مملكتها على الوجه الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قررته قال القرطبي في الكلام على الرواية التي لفظها إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وعلى الرواية التي لفظها هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده بين اللفظين بون ويمكن الجمع بأن يكون أبو هريرة سمع أحد اللفظين قبل أن يموت كسرى والآخر بعد ذلك قال ويحتمل أن يقع التغاير بالموت والهلاك فقوله إذا هلك كسرى أي هلك ملكه وارتفع وأما قوله مات كسرى ثم لا يكون كسرى بعده فالمراد به كسرى حقيقة اه ويحتمل أن يكون المراد بقوله هلك كسرى تحقق وقوع ذلك حتى عبر عنه بلفظ الماضي وإن كان لم يقع بعد للمبالغة في ذلك كما قال تعالى أتى أمر الله فلا تستعجلوه وهذا الجمع أولى لأن مخرج الروايتين متحد فحمله على التعدد على خلاف الأصل فلا يصار إليه مع إمكان هذا الجمع والله أعلم الحديث الحادي والأربعون حديث جابر بن سمرة قوله رفعه تقدم في الجهاد ووقع في رواية الإسماعيلي التي سأذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا تقدم في فرض الخمس من رواية جريج عن عبد الملك بن عمير قوله وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده كذا ثبت لأبي ذر وسقط لغيره ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة شيخ البخاري فيه ومن وجه آخر عن سفيان وهو الثوري مثل رواية الجماعة قال وكذا قال لم يذكر قيصر وقال كنوزهما قوله وذكر وقال لتنفقن كنوزهما في سبيل الله وقع في رواية النسفي وذكره وهو متجه كأنه يقول وذكر الحديث أي مثل الذي قبله وأما على رواية الباقين ففيه حذف تقديره وذكر كلاما أو حديثا ولم تقع هذه الزيادة في رواية الإسماعيلي المذكورة

الحديث الثاني والأربعون حديث بن عباس في قدوم مسيلمة وفيه قول بن عباس فأخبرني أبو هريرة فذكر المنام وسيأتي شرح ذلك كله مبسوطا في أواخر المغازي وقد ذكره هناك بالإسناد المذكور الحديث الثالث والأربعون حديث أبي موسى في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالهجرة وبأحد وسيأتي في ذكر غزوة أحد بهذا الإسناد بعينه وأذكر هناك شرحه إن شاء الله تعالى وقد أفرد ما يتعلق منه بغزوة بدر في باب فضل من شهد بدرا وشرحته هناك وعلق في باب الهجرة إلى المدينة أوله عن أبي موسى وذكرت شرحه أيضا هناك

[ 3428 ] إذا جاء نصر الله والفتح وسيأتي شرحه في تفسير سورة النصر الحديث السادس والأربعون حديث بن عباس أيضا في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره وفيه وصيته بالأنصار وسيأتي شرحه في مناقب الأنصار إن شاء الله تعالى الحديث السابع والأربعون حديث أبي بكرة في أن الحسن سيد وسيأتي شرحه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى الحديث الثامن والأربعون حديث أنس في قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب أورده مختصرا وسيأتي شرحه في شرح غزوة مؤتة إن شاء الله تعالى الحديث التاسع والأربعون حديث جابر في ذكر الأنماط وهي جمع نمط بفتحات مثل خبر وأخبار والنمط بساط له خمل رقيق وسيأتي شرحه في النكاح وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذلك لما تزوج وقوله هنا فأنا أقول مالها يعني امرأته كذا في الأصل وسيأتي تسمية امرأته هناك وفي استدلالها على جواز اتخاذ الأنماط بإخباره صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون نظر لأن الأخبار بأن الشيء سيكون لا يقتضي إباحته إلا إن استدل المستدل به على التقرير فيقول أخبر الشارع بأنه سيكون ولم ينه عنه فكأنه أقره وقد وقع قريب من هذا في حديث عدي بن حاتم الماضي في هذا الباب في خروج الظعينة من الحيرة إلى مكة بغير خفير فاستدل به بعض الناس على جواز سفر المرأة بغير محرم وفيه من البحث ما ذكر الحديث الخمسون حديث عبد الله بن مسعود في إخبار سعد بن معاذ لأمية بن خلف أنه سيقتل وسيأتي شرحه مستوفى في أول المغازي إن شاء الله تعالى وقد شرحه الكرماني على أن المراد بقول سعد بن معاذ لأمية بن خلف إنه قاتلك أي أبو جهل ثم استشكل ذلك بكون أبي جهل على دين أمية ثم أجاب بأنه كان السبب في خروجه وقتله فنسب قتله إليه وهو فهم عجيب وإنما أراد سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقتل أمية وسيأتي التصريح بذلك في مكانه بما يشفى الغليل إن شاء الله تعالى الحديث الحادي والخمسون حديث أسامة بن زيد في ذكر جبريل وسيأتي شرحه في غزوة قريظة إن شاء الله تعالى الحديث الثاني والخمسون حديث بن عمر في رؤيا أبي بكر ينزع ذنوبا أو ذنوبين الحديث وسيأتي شرحه في تعبير الرؤيا إن شاء الله تعالى الحديث الثالث والخمسون حديث أبي هريرة في ذلك أورد منه طرفا معلقا وهو موصول في التعبير أيضا من هذا الوجه ومن غيره والله أعلم

قوله باب قوله الله تعالى يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أورد فيه حديث بن عمر في قصة اليهوديين اللذين زنيا وسيأتي شرحه مستوفي في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى ونذكر هناك تسمية من أبهم في هذا الخبر وقوله في آخره قال عبد الله فرأيت الرجل عبد الله المذكور هو بن عمر راوي الحديث وقد وقع في الحديث ذكر عبد الله بن سلام وذكر عبد الله بن صوريا الأعور وليس واحد منهما مرادا بقوله قال عبد الله ووجه دخول هذه الترجمة في أبواب علامات النبوة من جهة أنه أشار في الحديث إلى حكم التوراة وهو أمي لم يقرأ التوراة قبل ذلك فكان الأمر كما أشار إليه

قوله باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر فذكر فيه حديث بن مسعود وأنس وابن عباس في ذلك وقد ورد انشقاق القمر أيضا من حديث على وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عمر وغيرهم فأما أنس وابن عباس فلم يحضرا ذلك لأنه كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين وكان بن عباس إذ ذاك لم يولد وأما أنس فكان بن أربع أو خمس بالمدينة وأما غيرهما فيمكن أن يكون شاهد ذلك وممن صرح برؤية ذلك بن مسعود وقد أورد المصنف حديثه هنا مختصرا وليس فيه التصريح بحضور ذلك وأورده في التفسير من طريق إبراهيم عن أبي معمر بتمامه وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشهدوا وبين في رواية معلقة تأتي قبل هجرة الحبشة أن ذلك كان بمكة ووقع في راوية لأبي نعيم في الدلائل من طريق عتبة بن عبد الله بن عتبة عن عم أبيه بن مسعود فلقد رأيت أحد شقيه على الجبل الذي بمنى ونحن بمكة وسيأتي بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى

قوله باب كذا في الأصول بغير ترجمة وكان من حقه أن يكون قبل البابين اللذين قبله لأنه ملحق بعلامات النبوة وهو كالفصل منها لكن لما كان كل من البابين راجعا إلى الذي قبله وهو علامات النبوة سهل الأمر في ذلك وذكر فيه أحاديث الحديث الأول حديث أنس

[ 3440 ] قوله إن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر وسيأتي بيان ذلك في فضائل الصحابة قريبا إن شاء الله تعالى الحديث الثاني حديث المغيرة بن شعبة لا يزال ناس من أمتي ظاهرين الحديث وسيأتي الكلام عليه في الإعتصام إن شاء الله تعالى الحديث الثالث والرابع حديث معاوية ومعاذ في المعنى والوليد في الإسناد هو بن مسلم وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد جابر ومالك بن يخامر بضم التحتانية بعدها معجمة خفيفة والميم مكسورة وهو السكسكي نزل حمص وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أعاده بإسناده ومتنه في التوحيد وهو من كبار التابعين وقد قيل إن له صحبة ولا يصح ويأتي البحث في المراد بالذين لا يزالون ظاهرين قائمين بأمر الدين إلى يوم القيامة في كتاب الإعتصام إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث عروة وهو البارقي

[ 3443 ] قوله حدثنا شبيب بن غرقدة هو بفتح المعجمة وموحدتين وزن سعيد وغرقدة بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها قاف تابعي صغير ثقة عندهم ما له في البخاري سوى هذا الحديث قوله سمعت الحي يتحدثون أي قبيلته وهم منسوبون إلى بارق جبل باليمن نزله بنو سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر مزبقيا فنسبوا إليه وهذا يقتضي أن يكون سمعه من جماعة أقلهم ثلاثة قوله عن عروة هو بن الجعد أو بن أبي الجعد وقد تقدم بيان الصواب من ذلك في ذكر الخيل من كتاب الجهاد قوله أعطاه دينارا يشتري له به شاة في رواية أبي لبيد عند أحمد وغيره عن عروة بن أبي الجعد قال عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا فقال أي عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة قال فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار قوله فباع إحداهما بدينار أي وبقي معه دينار وفي رواية أبي لبيد فلقيني رجل فساومني فبعته شاة بدينار وجئت بالدينار والشاة قوله فدعا له بالبركة في بيعه في رواية أبي لبيد عن عروة فقال اللهم بارك له في صفقة يمينه وفيه أنه أمضى له ذلك وارتضاه واستدل به على جواز بيع الفضولي وتوقف الشافعي فيه فتارة قال لا يصح لأن هذا الحديث غير ثابت وهذه رواية المزني عنه وتارة قال إن صح الحديث قلت به وهذه رواية البويطي وقد أجاب من لم يأخذ بها بأنها واقعة عين فيحتمل أن يكون عروة كان وكيلا في البيع والشراء معا وهذا بحث قوي يقف به الاستدلال بهذا الحديث على تصرف الفضولي والله أعلم وأما قوله الخطابي والبيهقي وغيرهما أنه غير متصل لأن الحي لم يسم أحد منهم فهو على طريقة بعض أهل الحديث يسمون ما في إسناده مبهم مرسلا أو منقطعا والتحقيق إذا وقع التصريح بالسماع أنه متصل في إسناده مبهم إذ لا فرق فيهما يتعلق بالإتصال والإنقطاع بين رواية المجهول والمعروف فالمبهم نظير المجهول في ذلك ومع ذلك فلا يقال في إسناد صرح كل من فيه بالسماع من شيخه إنه منقطع وإن كانوا أو بعضهم غير معروف قوله وكان لو اشترى التراب لربح فيه في رواية أبي لبيد المذكورة قال فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفا قبل أن أصل إلى أهلي قال وكان يشتري الجواري ويبيع قوله قال سفيان هو بن عيينة وهو موصول بالإسناد المذكور قوله كان الحسن بن عمارة هو الكوفي أحد الفقهاء المتفق على ضعف حديثهم وكان قاضي بغداد في زمن المنصور ثاني خلفاء بني العباس ومات في خلافته سنة ثلاث أو أربع وخمسين ومائة وقال بن المبارك جرحه عندي شعبة وسفيان كلاهما وقال بن حبان كان يدلس عن الثقات ما سمعه من الضعفاء عنهم فالتصقت به تلك الموضوعات قلت وما له في البخاري إلا هذا الموضع قوله جاءنا بهذا الحديث عنه أي عن شبيب بن غرقدة قوله قال أي الحسن سمعه شبيب من عروة فأتيته القائل سفيان والضمير لشبيب وأراد البخاري بذلك بيان ضعف رواية الحسن بن عمارة وأن شبيبا لم يسمع الخبر من عروة وإنما سمعه من الحي ولم يسمعه عن عروة فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم لكن وجد له متابع عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجة من طريق سميد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد قال حدثني عروة البارقي فذكر الحديث بمعناه وقد قدمت ما في روايته من الفائدة وله شاهد من حديث حكيم بن حزام وقد أخرجه بن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان عن شبيب عن عروة ولم يذكر بينهما أحدا ورواية علي بن عبد الله وهو بن المديني شيخ البخاري فيه تدل على أنه وقعت في هذه الرواية تسوية وقد وافق عليا على إدخاله الواسطة بين شبيب وعروة أحمد والحميدي في مسنديهما وكذا مسدد عند أبي داود وابن أبي عمر والعباس بن الوليد عند الإسماعيلي وهذا هو المعتمد قوله قال سفيان يشتري له شاة كأنها أضحية وهو موصول أيضا ولم أر في شيء من طرقه أنه أراد أضحية وحديث الخيل تقدم الكلام عليه في الجهاد مستوفي وزعم بن القطان أن البخاري لم يرد بسياق هذا الحديث إلا حديث الخيل ولم يرد حديث الشاة وبالغ في الرد على من زعم أن البخاري أخرج حديث الشاة محتجا به لأنه ليس على شرطه لإبهام الواسطة فيه بين شبيب وعروة وهو كما قال لكن ليس في ذلك ما يمنع تخريجه ولا ما يحطه عن شرطه لأن الحي يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب ويضاف إلى ذلك ورود الحديث من الطريق التي هي الشاهد لصحة الحديث ولان المقصود منه الذي يدخل في علامات النبوة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعروة فاستجيب له حتى كان لو اشترى التراب لربح فيه وأما مسألة بيع الفضولي فلم يردها إذ لو أرادها لأوردها في البيوع كذا قرره المنذري وفيه نظر لأنه لم يطرد له في ذلك عمل فقد يكون الحديث على شرطه ويعارضه عنده ما هو أولى بالعمل به من حديث آخر فلا يخرج ذلك الحديث في بابه ويخرجه في باب آخر أخفى لينبه بذلك على أنه صحيح إلا أن ما دل ظاهره عليه غير معمول به عنده والله أعلم الحديث السادس والسابع حديث بن عمر وأنس في الخيل أيضا وقد تقدم في الجهاد أيضا الحديث الثامن حديث أبي هريرة الخيل لثلاثة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الجهاد ولم يظهر لي وجه إيراد هذه الأحاديث في أبواب علامات النبوة إلا أن يكون من جملة ما أخبر به فوقع كما أخبر وقد تقدم تقرير هذا التوجيه في أوائل الجهاد في باب الجهاد ماض مع البر والفاجر والحديث التاسع حديث أنس في

[ 3447 ] قوله الله أكبر خربت خيبر وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي ووجه إيراده هنا من جهة أنه فهم من قوله خربت خيبر الإخبار بذلك قبل وقوعه فوقع كذلك الحديث العاشر حديث أبي هريرة في سبب عدم نسيانه الحديث وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب العلم والله أعلم خاتمة اشتملت المناقب النبوة من أول المناقب إلى هنا من الأحاديث المرفوعة وما لها حكم المرفوع على مائة وتسعة وتسعين حديثا المعلق منها سبعة عشر طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيها وفيما مضى ثمانية وسبعون حديثا والخالص مائة حديث وحديث وافقه مسلم على تخريجها سوى ثمانية وعشرين حديثا وهي حديث بن عباس في الشعوب وحديث زينب بنت أبي سلمة من مضر وفي النبيد وحديث بن عباس في تفسير المودة في القربي وحديث معاوية أن هذا الأمر في قريش وحديث عائشة والمسور في المنذر وحديث واثلة من أعظم الفري وحديث أبي هريرة أسلم وغفار خير من أسد وتميم وحديث أبي هريرة بن عمرو بن لحي وحديث بن عباس إن سرك أن تعلم جهل العرب وحديث أبي هريرة ألا تعجبون كيف يصرف الله عنى شتم قريش وحديث أبي بكر الصديق في قوله وبأبي شبيه بالنبي وحديث عبد الله بن بسر في صفة شيب النبي صلى الله عليه وسلم وحديث البراء كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل القمر وحديث أبي هريرة بعثت من خير قرون بني آدم وحديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه أورده معلقا وحديث بن مسعود كنا نعد الآيات بركة وحديث البراء كنا بالحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فئزحناها الحديث وحديث جابر في حنين الجذع وحديث بن عمر فيه وحديث عمرو بن تغلب في قتال الترك وحديث خباب ألا تستنصر لنا وحديث بن عباس في الذي قال شيخ كبير به حمى تفور وحديث بن عباس في تفسير إذا جاء نصر الله وحديثه في الوصية بالأنصار وحديث سعد بن معاذ في قتل أمية بن خلف وحديث معاذ في الذين لا يزالون ظاهرين بالشام وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار والله أعلم بالصواب