كتاب فضائل الصحابة
 قوله باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بطريق الإجمال ثم التفصيل اما الإجمال فيشمل جميعهم لكنه اقتصر فيه على شيء مما يوافق شرطه واما التفصيل فلمن ورد فيه شيء بخصوصه على شرطه وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر وحده قوله ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من اصحابه يعني ان اسم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم مستحق لمن صحبه أقل ما يطلق عليه اسم صحبة لغة وان كان العرف يخص ذلك ببعض الملازمة ويطلق أيضا على من رآه رؤية ولو على بعد وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح الا انه هل يشترط في الرائي ان يكون بحيث يميز ماراه أو يكتفى بمجرد حصول الرؤية محل النظر وعمل من صنف في الصحابة يدل على الثاني فانهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق وانما ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة اشهر وأيام كما ثبت في الصحيح ان أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع قبل ان يدخلوا مكة وذلك في اواخر ذي القعدة سنة عشر من الهجرة ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الاسفرايني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء لان احاديثهم لامن قبيل مراسيل كبار التابعين ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما يلغز به فيقال صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة الا من صحب الصحبة العرفية كما جاء عن عاصم الأحول قال رأى عبد الله بن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم غير انه لم يكن له صحبة أخرجه أحمد هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن وأكثرها من رواية عاصم عنه ومن جملتها قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له فهذا رأي عاصم ان الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية وكذا روي عن سعيد بن المسيب انه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعدا أو غزا معه غزوة فصاعدا والعمل على خلاف هذا القول لأنهم اتفقوا على جمع جم في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم الا في حجة الوداع ومن اشترط الصحبة العرفية اخرج من له رؤية أو من اجتمع به لكن فارقه عن قرب كما جاء عن أنس انه قيل له هل بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غيرك قال لا مع انه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من الاعراب ومنهم من اشترط في ذلك ان يكون حين اجتماعه به بالغا وهو مردود أيضا لأنه يخرج مثل الحسن بن علي ونحوه من احداث الصحابة والذي جزم به البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين وقول البخاري من المسلمين قيد يخرج به من صحبه أو من رآه من الكفار فاما من اسلم بعد موته منهم فان كان قوله من المسلمين حالا خرج من هذه صفته وهو المعتمد ويرد على التعريف من صحبه أو رآه مؤمنا به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعد الى الإسلام فإنه ليس صحابيا اتفاقا فينبغي ان يزاد فيه ومات على ذلك وقد وقع في مسند أحمد حديث ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي وهو ممن اسلم في الفتح وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وحدث عنه بعد موته ثم لحقه الخذلان فلحق في خلافة عمر بالروم وتنصر بسبب شيء اغضبه واخراج حديث مثل هذا مشكل ولعل من أخرجه لم يقف على قصة ارتداده والله اعلم فلو ارتد ثم عاد الى الإسلام لكن لم يره ثانيا بعد عوده فالصحيح انه معدود في الصحابة لاطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس ونحوه ممن وقع له ذلك واخراجهم أحاديث في المسانيد وهل يختص جميع ذلك ببني ادم أو يعم غيرهم من العقلاء محل النظر اما الجن فالراجح دخولهم لان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم قطعا وهم مكلمون فيهم العصاة والطائعون فمن عرف اسمه لا ينبغي التردد في ذكره في الصحابة وان كان بن الأثير عاب ذلك على أبي موسى فلم يستند في ذلك الى حجة واما الملائكة فيتوقف عدهم فيهم على ثبوت بعثته إليهم فان فيه خلافا بين الاصوليين حتى نقل بعضهم الإجماع على ثبوته وعكس بعضهم وهذا كله فيمن رآه وهو في قيد الحياة الدنيوية اما من رآه بعد موته وقبل دفنه فالراجح انه ليس بصحابي والا لعد من اتفق ان يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الإعصار وكذلك من كشف له عنه من الأولياء فراه كذلك على طريق الكرامة إذ حجة من اثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه انه مستمر الحياة وهذه الحياة ليست دنيوية وانما هي أخروية لا تتعلق بها احكام الدنيا فان الشهداء احياء ومع ذلك فان الاحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على احكام غيرهم من الموتى والله اعلم وكذلك المراد بهذه الرؤية من اتفقت له ممن تقدم شرحه وهو يقظان اما من رآه في المنام وان كان قد رآه حقا فذلك مما يرجع الى الأمور المعنوية لا الاحكام الدنيوية فلذلك لا يعد صحابيا ولا يجب عليه ان يعمل بما امره به في تلك الحالة والله اعلم وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني فقرات في المستخرج لأبي القاسم بن منده بسنده الى أحمد بن سيار الحافظ المروزي قال سمعت أحمد بن عتيك يقول قال علي بن المديني من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد بسطت هذه المسألة فيما جمعته من علوم الحديث وهذا القدر في هذا المكان كاف ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث جابر بن عبد الله عن أبي سعيد وهو من رواية صحابي عن صحابي

[ 3449 ] قوله يأتي على الناس زمان فيغزو فئام بكسر الفاء ثم تحتانية بهمزة وحكي فيه ترك الهمزة أي جماعة وقد تقدم ضبطه في باب من استعان بالضعفاء في أوائل الجهاد ويستفاد منه بطلان قول من ادعى في هذه الإعصار المتاخرة الصحبة لان الخبر يتضمن استمرار الجهاد والبعوث الى بلاد الكفار وانهم يسالون هل فيكم أحد من أصحابة فيقولون لا وكذلك في التابعين وفي اتباع التابعين وقد وقع كل ذلك فيما مضى وانقطعت البعوث عن بلاد الكفار في هذه الإعصار بل انعكس الحال في ذلك على ما هو معلوم مشاهد من مدة متطاولة ولا سيما في بلاد الأندلس وضبط أهل الحديث اخر من مات من الصحابة وهو على الإطلاق أبو الطفيل عامر بن وائلة الليثي كما جزم به مسلم في صحيحه وكان موته سنة مائة وقيل سنة سبع ومائة وقيل سنة عشر ومائة وهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر على راس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد ووقع في رواة أبي الزبير عن جابر عند مسلم ذكر طبقة رابعة ولفظه يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيوجد الرجل فيفتح لهم ثم يبعث البعث الثاني فيقولون انظروا الى ان قال ثم يكون البعث الرابع وهذه الرواية شاذة وأكثر الروايات مقتصر على الثلاثة كما سأوضح ذلك في الحديث الذي بعده ومثله حديث وائلة رفعه لاتزالون بخير ما دام فيكم من راني وصاحبني والله لاتزالون بخير ما دام فيكم من راني وصاحبني الحديث أخرجه بن أبي شيبة وإسناده حسن الحديث الثاني

[ 3450 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه وبذلك جزم بن السكن وأبو نعيم في المستخرج والنضر هو بن شميل وأبو جمرة بالجيم والراء صاحب بن عباس وحدث هنا عن تابعي مثله قوله خير أمتي قرني أي أهل قرني والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة ويقال ان ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة واحدة أو مذهب أو عمل ويطلق القرن على مدة من الزمان واختلفوا في تحديدها من عشرة اعوام الى مائة وعشرين لكن لم ار من صرح بالسبعين ولا بمائة وعشرة وما عدا ذلك فقد قال به قائل وذكر الجوهري بين الثلاثين والثمانين وقد وقع في حديث عبد الله بن بسر عند مسلم ما يدل على ان القرن مائة عام وهو المشهور وقال صاحب المطالع القرن امة هلكت فلم يبق منهم أحد وثبتت المائة في حديث عبد الله بن بسر وهي ماعند أكثر أهل العراق ولم يذكر صاحب المحكم الخمسين وذكر من عشر الى سبعين ثم قال هذا هو القدر المتوسط من اعمار أهل كل زمن وهذا اعدل الأقوال وبه صرح بن الأعرابي وقال انه مأخوذ من الأقران ويمكن ان يحمل عليه المختلف من الأقوال المتقدمة ممن قال ان القرن أربعون فصاعدا اما من قال انه دون ذلك فلا يلتئم على هذا القول والله اعلم والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة وقد سبق في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله وبعثت في خير قرون بني ادم وفي رواية بريدة عند أحمد خير هذه الأمة القرن الذين بعثت فيهم وقد ظهر ان الذي بين البعثة واخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل وان اعتبر ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين واما قرن التابعين فان اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين واما الذين بعدهم فان اعتبر منها كان نحوا من خمسين فظهر بذلك ان مدة القرن تختلف باختلاف اعمار أهل كل زمان والله اعلم واتفقوا ان اخر من كان من اتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش الى حدود العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا واطلقت المعتزلة السنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القران وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ولم يزل الأمر في نقص الى الان وظهر قوله صلى الله عليه وسلم ثم يفشو الكذب ظهورا بينا حتى يشمل الأقوال والافعال والمعتقدات والله المستعان قول ثم الذين يلونهم أي القرن الذي بعدهم وهم التابعون ثم الذين يلونهم وهم اتباع التابعين واقتضى هذا الحديث ان تكون الصحابة أفضل من التابعين والتابعون أفضل من اتباع التابعين لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة الى المجموع أو الافراد محل بحث والى الثاني نحا الجمهور والأول قول بن عبد البر والذي يظهر ان من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بامره أو انفق شيئا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنا من كان واما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث والأصل في ذلك قوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا الآية واحتج بن عبد البر بحديث مثل أمتي مثل المطر لايدرى أوله خير أم اخره وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها الى الصحة وأغرب النووي فعزاه في فتاويه الى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف مع انه عند الترمذي بإسناد أقوى منه في حديث أنس وصححه بن حبان من حديث عمار وأجاب عنه النووي بما حاصله ان المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم عليه السلام ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام ودحض كلمة الكفر فيشتبه الحال على من شاهد ذلك أي الزمانين خير وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني والله اعلم وقد روى بن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين بإسناد حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدركن المسيح أقواما انهم لمثلكم أو خير ثلاثا ولن يخزي الله امة انا أولها والمسيح اخرها وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة رفعه تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وهو شاهد لحديث مثل أمتي مثل المطر واحتج بن عبد البر أيضا بحديث عمر رفعه أفضل الخلق ايمانا قوم في اصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني الحديث أخرجه الطيالسي وغيره لكن إسناده ضعيف فلا حجة فيه وروى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال قال أبو عبيدة يا رسول الله أحد خير منا اسلمنا معك وجاهدنا معك قال قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني وإسناده حسن وقد صححه الحاكم واحتج أيضا بان السبب في كون القرن الأول خير القرون انهم كانوا غرباء في ايمانهم لكثرة الكفار حينئذ وصبرهم على اذاهم وتمسكهم بدينهم قال فكذلك اواخرهم إذا اقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا أيضا عند ذلك غرباء وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة رفعه بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء وقد تعقب كلام بن عبد البر بأن مقتضى كلامه ان يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة وبذلك صرح القرطي لكن كلام بن عبد البر ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية نعم والذي ذهب اليه الجمهور ان فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم واما من اتفق له الذب عنه والسبق اليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقي عنه وتبلغيه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة الا والذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده فظهر فضلهم ومحصل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له الا مجرد المشاهدة كما تقدم فان جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجها على ان حديث للعامل منهم أجر خمسين منكم لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة لان مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية وأيضا فالاجر انما يقع تفاضله بالنسبة الى ما يماثله في ذلك العمل فاما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث المتقدمة واما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم ورواه بعضهم بلفظ قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا اجرا الحديث أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية أقوى من الرواية المتقدمة وهي توافق حديث أبي ثعلبة وقد تقدم الجواب عنه والله أعلم قوله فلا أدري اذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة وقع مثل هذا الشك في حديث بن مسعود وأبي هريرة عند مسلم وفي حديث بريدة عند أحمد وجاء في أكثر الطرق بغير شك منها عن النعمان بن بشير عند أحمد وعن مالك عند مسلم عن عائشة قال رجل يا رسول الله أي الناس خير قال القرن الذي انا فيه ثم الثاني ثم الثالث ووقع في رواية الطبراني وسمويه ما يفسر به هذا السؤال وهو ما أخرجاه من طريق بلال بن سعد بن تميم عن أبيه قال قلت يا رسول الله أي الناس خير فقال انا وقرني فذكر مثله وللطيالسي من حديث عمر رفعه خير أمتي القرن الذي انا منهم ثم الثاني ثم الثالث ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند بن أبي شيبة والطبراني اثبات القرن الرابع ولفظه خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الاخرون اردأ ورجاله ثقات الا ان جعدة مختلف في صحبته والله اعلم قوله ثم ان بعدهم قوما كذا للأكثر ولبعضهم قوم فيحتمل ان يكون من الناسخ على طريقة من لايكتب الالف في المنصوب ويحتمل ان تكون ان تقريرية بمعنى نعم وفيه بعد وتكلف واستدل بهذا الحديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وان تفاوتت منازلهم في الفضل وهذا محمول على الغالب والاكثرية فقد وجد فيمن بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه الصفات المذكورة المذمومة لكن بقلة بخلاف من بعد القرون الثلاثة فان ذلك كثر فيهم واشتهر وفيه بيان من ترد شهادتهم وهم من اتصف بالصفات المذكورة والى ذلك الإشارة بقوله ثم يفشو الكذب أي يكثر واستدل به على جواز المفاضلة بين الصحابة قاله المازري وقد تقدم باقي شرحه في الشهادات الحديث الثالث حديث بن مسعود في المعنى وقد تقدم في الشهادات سندا ومتنا وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق بالشهادات والله اعلم

قوله باب مناقب المهاجرين وفضلهم سقط لفظ باب من رواية أبي ذر والمراد بالمهاجرين من عدا الأنصار ومن اسلم يوم الفتح وهلم جرا فالصحابة من هذه الحيثية ثلاثة أصناف والأنصار هم الأوس والخزرج وحلفاؤهم ومواليهم قوله منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي هكذا جزم بأن اسم أبي بكر عبد الله وهو المشهور ويقال كان اسمه قبل الإسلام عبد الكعبة وكان يسمى أيضا عتيقا واختلف هل هو اسم له أصلي أو قيل له ذلك لأنه ليس في نسبه ما يعاب به أو لقدمه في الخير وسبقه الى الإسلام أو قيل له ذلك لحسنه أو لان أمه كان لا يعيش لها ولد فلما ولد استقبلت به البيت فقالت اللهم هذا عتيقك من الموت أو لان النبي صلى الله عليه وسلم بشره بان الله أعتقه من النار وقد ورد في هذا الأخير حديث عن عائشة عند الترمذي واخر عن عبد الله بن الزبير عند البزار وصححه بن حبان وزاد فيه وكان اسمه قبل ذلك عبد الله بن عثمان وعثمان اسم أبي قحافة لم يختلف في ذلك كما لم يختلف في كنيته الصديق ولقب الصديق لسبقه الى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وقيل كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الإسراء وروى الطبراني من حديث على انه كان يحلف ان الله انزل اسم أبي بكر من السماء الصديق رجاله ثقات واما نسبه فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب وعدد آبائهما الى مرة سواء وأم أبي بكر سلمى وتكنى أم الخير بنت صخر بن مالك بن عامر بن عمرو المذكور أسلمت وهاجرت وذلك معدود من مناقبه لأنه انتظم إسلام أبويه وجميع أولاده قوله وقول الله عز وجل للفقراء المهاجرين الآية ساقها الأصيلي وكريمة الى قوله هم الصادقون وأشار المصنف بهذه الآية الى ثبوت فضل المهاجرين لما اشتملت عليه من اوصافهم الجميلة وشهادة الله تعالى لهم بالصدق قوله وقال الله تعالى الا تنصروه فقد نصره الله الآية ساق في رواية الأصيلي وكريمة الى قوله ان الله معنا وأشار المصنف بها الى ثبوت فضل الأنصار فانهم امتثلوا الأمر في نصره وكان نصر الله له في حال التوجه الى المدينة بحفظه من أذى المشركين الذين اتبعوه ليردوه عن مقصده وفي الآية أيضا فضل أبي بكر الصديق لأنه انفرد بهذه المنقبة حيث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة ووقاه بنفسه كما سيأتي وشهد الله له فيها بأنه صاحب نبيه قوله وقالت عائشة وأبو سعيد وابن عباس كان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار أي لما خرجا من مكة الى المدينة حديث عائشة سيأتي مطولا في باب الهجرة الى المدينة وفيه ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور الحديث وحديث أبي سعيد أخرجه بن حبان من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عنه في قصة بعث أبي بكر الى الحج وفيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أخي وصاحبي في الغار الحديث وحديث بن عباس في تفسير براءة في قصة بن عباس مع بن الزبير وفيها قول بن عباس واما جده فصاحب الغار يريد أبا بكر ولابن عباس حديث اخر لعله امس بالمراد أخرجه أحمد والحاكم من طريق عمرو بن ميمون عنه قال كان المشركون يرمون عليا وهم يظنون انه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر فقال يا رسول الله فقال له علي انه انطلق نحو بئر ميمون فأدركه قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار الحديث وأصله في الترمذي والنسائي دون المقصود منه هنا وروى الحاكم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله تعالى فانزل الله سكينته عليه قال على أبي بكر وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من وجه اخر عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار الحديث ورجاله ثقات

[ 3452 ] قوله حدثنا عبد الله بن رجاء هو الغذائي بضم المعجمة وتخفيف الدال المهملة وبعد الالف نون بصري ثقة وكذا بقية رجال الإسناد قوله فقال عازب لا حتى تحدثنا كذا وقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق وقد تقدم في علامات النبوة من رواية زهير عن أبي إسحاق بلفظ فقال لعازب ابعث ابنك يحمله معي قال فحملته معه وخرج أبي ينتقد ثمنه فقال له أبي يا أبا بكر حدثني وظاهرهما التخالف فان مقتضى رواية إسرائيل ان عازبا امتنع من إرسال ولده مع أبي بكر حتى يحدثهم ومقتضى رواية زهير انه لم يعلق التحديث على شرط ويمكن الجمع بين الروايتين بان عازبا اشترط اولا وأجابه أبو بكر الى سؤاله فلما شرعوا في التوجه استنجز عازب منه ما وعده به من التحديث ففعل قال الخطابي تمسك بهذا الحديث من استجاز اخذ الأجرة على التحديث وهو تمسك باطل لان هؤلاء اتخذوا التحديث بضاعة واما الذي وقع بين عازب وأبي بكر فانما هو على مقتضى العادة الجارية بين التجار بأن اتباعهم يحملون السلعة مع المشتري سواء اعطاهم اجرة أم لا كذا قال ولا ريب ان في الاستدلال للجواز بذلك بعدا لتوقفه على ان عازبا لو استمر على الامتناع من إرسال ابنه لاستمر أبو بكر على الامتناع من التحديث والله اعلم قوله فإذا انا براع لم اقف على تسميته ولا على تسمية صاحب الغنم الا انه جاء في حديث عبد الله بن مسعود شيء تمسك به من زعم انه الراعي وذلك فيما أخرجه أحمد وابن حبان من طريق عاصم عن زر عن بن مسعود قال كنت ارعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال يا غلام هل من لبن قلت نعم ولكني مؤتمن الحديث وهذا لا يصلح ان يفسر به الراعي في حديث البراء لان ذاك قيل له هل أنت حالب فقال نعم وهذا أشار بأنه غير حالب وذاك حلب من شاة حامل وهذا من شاة لم تطرق ولم تحمل ثم ان في بقية هذا الحديث ما يدل على ان قصته كانت قبل الهجرة لقوله فيه ثم اتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله علمني من هذا القول فان هذا يشعر بأنها كانت قبل إسلام بن مسعود واسلام بن مسعود كان قديما قبل الهجرة بزمان فبطل ان يكون هو صاحب القصة في الهجرة والله اعلم قوله فشرب حتى رضيت وقع في رواية أوس عن خديج عن أبي إسحاق قال أبو إسحاق فتكلم بكلمة والله ماسمعتها من غيره كأنه يعني قوله حتى رضيت فانها مشعرة بأنه امعن في الشرب وعادته المألوفة كانت عدم الامعان قوله قد ان الرحيل يا رسول الله أي دخل وقته وتقدم في علامات النبوة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يأن للرحيل قلت بلى فيجمع بينهما بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بدا فسأل فقال له أبو بكر بلى ثم أعاد عليه بقوله قد ان الرحيل قال المهلب بن أبي صفرة انما شرب النبي صلى الله عليه وسلم من لبن تلك الغنم لأنه كان حينئذ في زمن المكارمة ولا يعارضه حديثه لا يحلبن أحد ماشية أحد الا بإذنه لان ذلك وقع في جو من التشاح أو الثاني محمول على التسور والاختلاس والأول لم يقع فيه ذلك بل قدم أبو بكر سؤال الراعي هل أنت حالب فقال نعم كأنه سأله هل اذن لك صاحب الغنم في حلبها لمن يرد عليك فقال نعم أو جرى على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك والاذن في الحلب على المار ولابن السبيل فكان كل راع ماذونا له في ذلك وقال الداودي انما شرب من ذلك على انه بن سبيل وله شرب ذلك إذا احتاج ولا سيما النبي صلى الله عليه وسلم وأبعد من قال انما استجازه لأنه مال مربي لان القتال لم يكن فرض بعد ولا ابيحت الغنائم وقد تقدم شيء من هذه المباحث في هذه المسألة في اخر اللقطة وفيها الكلام على إباحة ذلك للمسافر مطلقا وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم خدمة التابع إلى للمتبوع في يقظته والذب عنه عند نومه وشدة محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وادبه معه وايثاره له على نفسه وفيه أدب الأكل والشرب واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب وفيه استصحاب الة السفر كالإداوة والسفرة ولا يقدح ذلك في التوكل وستاتي قصة سراقة في الهجرة مستوفاة ان شاء الله تعالى واوردها هنا مختصرة جدا وفي علامات النبوة أتم منه تنبيه اورد الإسماعيلي هذا الحديث عن أبي خليفة عن عبد الله بن رجاء شيخ البخاري فيه فزاد في اخره ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا معه حتى أتينا المدينة ليلا فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه فذكر القصة مطولة وساذكر ما فيها من الفوائد في باب الهجرة ان شاء الله تعالى قوله تريحون بالعشي تسرحون بالغداة هو تفسير قوله تعالى ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وهو تفسير أبي عبيدة في المجاز وثبت هذا في رواية الكشميهني وحده والصواب ان يثبت في حديث عائشة في قصة الهجرة فان فيه ويرعى عليها عامر بن فهيرة ويريحهما عليهما فهذا هو محل شرح هذه اللفظة بخلاف حديث البراء فلم يجر فيه لهذه اللفظة ذكر والله تعالى اعلم

[ 3453 ] قوله عن ثابت في رواية حبان بن هلال في التفسير عن همام حدثنا ثابت قوله عن أنس عن أبي بكر في رواية حبان المذكورة حدثنا أنس حدثني أبو بكر قوله قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وانا في الغار زاد في رواية حبان المذكورة فرأيت اثار المشركين وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام في الهجرة فرفعت رأسي فإذا انا بأقدام القوم قوله لو ان أحدهم نظر تحت قدميه فيه مجيء لو الشرطية للاستقبال خلافا للأكثر واستدل من جوزه بمجيء الفعل المضارع بعدها كقوله تعالى لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم وعلى هذا فيكون قاله حالة وقوفهم على الغار وعلى القول الأكثر يكون قاله بعد مضيهم شكرا لله تعالى على صيانتهما منهم قوله لو ان أحدهم نظر تحت قدميه في رواية موسى لو ان بعضهم طأطأ بصره وفي رواية حبان رفع قدميه ووقع مثله في حديث حبشي بن جنادة أخرجه بن عساكر وهي مشكلة فان ظاهرها ان باب الغار استتر بأقدامهم وليس كذلك الا ان يحمل على ان المراد انه استتر بثيابهم وقد أخرجه مسلم من رواية حبان المذكورة بلفظ لو ان أحدهم نظر الى قدميه أبصرنا تحت قدميه وكذا أخرجه أحمد عن عفان عن همام ووقع في مغازي عروة بن الزبير في قصة الهجرة قال واتى المشركون على الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه وسمع أبو بكر أصواتهم فاقبل عليه الهم والخوف فعند ذلك يقول له النبي صلى الله عليه وسلم لا تحزن ان الله معنا ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه السكينة وفي ذلك يقول الله عز وجل إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا الآية وهذا يقوي انه قال ما في حديث الباب حينئذ ولذلك اجابه بقوله لا تحزن قوله ماظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما في رواية موسى فقال اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما وقوله اثنان خبر مبتدأ محذوف تقديره نحن اثنان ومعنى ثالثهما ناصرهما ومعينهما والا فالله ثالث كل اثنين بعلمه وستاتي الإشارة الى ذلك في تفسير براءة وفي الحديث منقبة ظاهرة لأبي بكر وفيه ان باب الغار كان منخفضا الا انه كان ضيقا فقد جاء في السير للواقدي ان رجلا كشف عن فرجه وجلس يبول فقال أبو بكر قد رانا يا رسول الله قال لو رانا لم يكشف عن فرجه وسيأتي مزيد لذلك في قصة الهجرة ان شاء الله تعالى تنبيه اشتهر ان حديث الباب تفرد به همام عن ثابت وممن صرح بذلك الترمذي والبزار وقد أخرجه بن شاهين في الافراد من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت بمتابعة همام وقد قدمت له شاهدا من حديث حبشي بن جنادة ووجدت له اخر عن بن عباس أخرجه الحاكم في الإكليل

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب الا باب أبي بكر قاله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله المصنف في الصلاة بلفظ سدوا عني كل خوخة فكأنه ذكره بالمعنى

[ 3454 ] قوله حدثنا أبو عامر هو العقدي و فليح هو بن سليمان وهو ومن فوقه مدنيون قوله عن عبيد بن حنين تقدم بيان الاختلاف في إسناده في باب الخوخة في المسجد في أوائل الصلاة قوله خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية مالك عن أبي النضر الآتية في الهجرة الى المدينة جلس على المنبر فقال وفي حديث بن عباس الماضي تلو حديث أبي سعيد في باب الخوخة من أوائل الصلاة في مرضه الذي مات فيه ولمسلم من حديث جندب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل ان يموت بخمس ليال وفي حديث أبي بن كعب الذي سأنبه عليه قريبا ان أحدث عهدي بنبيكم قبل وفاته بثلاث فذكر الحديث في خطبة أبي بكر وهو طرف من هذا وكان أبا بكر رضي الله عنه فهم الرمز الذي أشار به النبي صلى الله عليه وسلم من قرينة ذكره ذلك في مرض موته فاستشعر منه انه أراد نفسه فلذلك بكى قوله بين الدنيا وبين ما عنده في رواية مالك المذكورة بين ان يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده قوله فعجبنا لبكائه وقع في رواية محمد بن سنان في باب الخوخة المذكورة فقلت في نفسي وفي رواية مالك فقال الناس انظروا الى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد وهو يقول فديناك ويجمع بان أبا سعيد حدث نفسه بذلك فوافق تحديث غيره بذلك فنقل جميع ذلك قوله وكان أبو بكر اعلمنا في رواية مالك وكان أبو بكر هو اعلمنا به أي بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالمراد من الكلام المذكور زاد في رواية محمد بن سنان فقال يا أبا بكر لا تبك قوله إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر في رواية مالك كذلك وفي رواية محمد بن سنان ان من امن الناس علي بزيادة من وقال فيها أبا بكر بالنصب للأكثر ولبعضهم أبو بكر بالرفع وقد قيل ان الرفع خطأ والصواب النصب لأنه اسم ان ووجه الرفع بتقدير ضمير الشان أي انه والجار والمجرور بعده خبر مقدم وأبو وبكر مبتدا مؤخر أو على ان مجموع الكنية اسم فلا يعرب ما وقع فيها من الاداة أو ان بمعنى نعم أو ان من زائدة على رأي الكسائي وقال بن بري يجوز الرفع إذا جعلت من صفة لشيء محذوف تقديره ان رجلا أو انسانا من امن الناس فيكون اسم ان محذوفا والجار والمجرور في موضع الصفة وقوله أبو بكر الخبر وقوله امن افعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل بمعنى ان ابذل الناس لنفسه وماله لا من المنة التي تفسد الصنيعة وقد تقدم تقرير ذلك في باب الخوخة وأغرب الداودي فشرحه على انه من المنة وقال تقديره لو كان يتوجه لاحد الامتنان على نبي الله صلى الله عليه وسلم لتوجه له والأول أولى وقوله امن الناس في رواية الباب مايوافق حديث بن عباس بلفظ ليس أحد من الناس امن علي في نفسه وماله من أبي بكر واما الرواية التي فيها من فان قلنا زائدة فلا تخالف والا فتحمل على ان المراد ان لغيره مشاركة ما في الأفضلية الا انه مقدم في ذلك بدليل ما تقدم من السياق وما تاخر ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ ما لاحد عندنا يد الا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر فان له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة فان ذلك يدل على ثبوت يد لغيره الا ان لأبي بكر رجحانا فالحاصل انه حيث اطلق أراد انه ارجحهم في ذلك وحيث لم يطلق أراد الإشارة الى من شاركه في شيء من ذلك ووقع بيان ذلك في حديث اخر لابن عباس رفعه نحو حديث الترمذي وزاد منه اعتق بلالا ومنة هاجر بنبيه أخرجه الطبراني وعنه في طريق أخرى ما أحد أعظم عندي يدا من أبي بكر واساني بنفسه وماله وانكحني ابنته أخرجه الطبراني وفي حديث مالك بن دينار عن أنس رفعه ان أعظم الناس علينا منا أبو بكر زوجني ابنته وواساني بنفسه وان خير المسلمين مالا أبو بكر اعتق بلالا وحملني الى دار الهجرة أخرجه بن عساكر واخرج من رواية بن حبان التيمي عن أبيه عن علي نحوه وجاء عن عائشة مقدار المال الذي انفقه أبو بكر فروى بن حبان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انها قالت انفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين الف درهم وروى الزبير بن بكار عن عروة عن عائشة انه لما مات ما ترك دينارا ولا درهما قوله لو كنت متخذا خليلا يأتي الكلام عليه بعد باب قال الداودي لا ينافي هذا قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما أخبرني خليلي صلى الله عليه وسلم لان ذلك جائز لهم ولا يجوز للواحد منهم ان يقول انا خليل النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا يقال إبراهيم خليل الله ولا يقال الله خليل إبراهيم قلت ولا يخفى ما فيه قوله ولكن اخوة الإسلام ومودته أي حاصلة ووقع في حديث بن عباس الاتي بعد باب أفضل وكذا أخرجه الطبراني من طريق عبيد الله بن تمام عن خالد الحذاء بلفظ ولكن اخوة الإيمان والإسلام أفضل وأخرجه أبو يعلى من طريق يعلى بن حكيم عن عكرمة بلفظ ولكن خلة الإسلام أفضل وفيه اشكال فإن الخلة أفضل من اخوة الإسلام لأنها تستلزم ذلك وزيادة فقيل المراد ان مودة الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من مودته مع غيره وقيل أفضل بمعنى فاضل ولا يعكر على ذلك اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة لان رجحان أبي بكر عرف من غير ذلك وأخوة الإسلام ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين واعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة الثواب ولأبي بكر من ذلك اعظمه واكثره والله اعلم ووقع في بعض الروايات ولكن خوة الإسلام بغير الف فقال بن بطال لا اعرف معنى هذه الكلمة ولم أجد خوة بمعنى خلة في كلام العرب وقد وجدت في بعض الروايات ولكن خلة الإسلام وهو الصواب وقال بن التين لعل الالف سقطت من الرواية فانها ثابتة في سائر الروايات ووجهه بن مالك بأنه نقلت حركة الهمزة الى النون فحذف الالف وجوز مع حذفها ضم نون لكن وسكونها قال ولا يجوز مع اثبات الهمزة الا سكون النون فقط وفي قوله ولو كنت متخذا خليلا الخ منقبة عظيمة لأبي بكر لم يشاركه فيها أحد ونقل بن التين عن بعضهم ان معنى قوله ولو كنت متخذا خليلا لو كنت أخص أحدا بشيء من أمر الدين لخصصت أبا بكر قال وفيه دلالة على كذب الشيعة في دعواهم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان خص عليا بأشياء من القران وامور الدين لم يخص بها غيره قلت والاستدلال بذلك متوقف على صحة التاويل المذكور وما ابعدها قوله لا يبقين بفتح أوله وبنون التاكيد وفي إضافة النهي الى الباب تجوز لان عدم بقائه لازم النهي عن ابقائه فكأنه قال لا تبقوه حتى لا يبقى وقد رواه بعضهم بضم أوله وهو واضح قوله الأسد بضم المهملة وفي رواية مالك خوخة بدل باب والخوخة طاقة في الجدار تفتح لاجل الضوء ولا يشترط علوها وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لا ستقراب الوصول الى مكان مطلوب وهو المقصود هنا ولهذا اطلق عليها باب وقيل لايطلق عليها باب الا إذا كانت تغلق قوله الا باب أبي بكر هو استثناء مفرغ والمعنى لا تبقوا بابا غير مسدود الا باب أبي بكر فاتركوه بغير سد قال الخطابي وابن بطال وغيرهما في هذا الحديث اختصاص ظاهر لأبي بكر وفيه إشارة قوية الى استحقاقه للخلافة ولا سيما وقد ثبت ان ذلك كان في اخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي أمرهم فيه ان لا يؤمهم الا أبو بكر وقد ادعى بعضهم ان الباب كناية عن الخلافة والأمر بالسد كناية عن طلبها كأنه لا يطلبن أحد الخلافة الا أبا بكر فإنه لا حرج عليه في طلبها والى هذا جنح بن حبان فقال بعد ان اخرج هذا الحديث في هذا دليل علة على انه الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حسم بقوله سدوا عني كل خوخة في المسجد اطماع الناس كلهم ان يكونوا خلفاء بعده وقوى بعضهم ذلك بأن منزل أبي بكر كان بالسنح من عوالي المدينة كما سيأتي قريبا بعد باب فلا يكون له خوخة الى المسجد وهذا الإسناد ضعيف لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح ان لا يكون له دار مجاورة للمسجد ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل اصهاره من الأنصار وقد كان له إذ ذاك زوجة أخرى وهي أسماء بنت عميس بالاتفاق وأم رومان على القول بأنها كانت باقية يومئذ وقد تعقب المحب الطبري كلام بن حبان فقال وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة ان دار أبي بكر التي اذن له في ابقاء الخوخة منها الى المسجد كانت ملاصقة للمسجد ولم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج الى شيء يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها فاشترتها منه حفصة أم المؤمنين بأربعة آلاف درهم فلم تزل بيدها الى ان أرادوا توسيع المسجد في خلافة عثمان فطلبوها منها ليوسعوا بها المسجد فامتنعت وقالت كيف بطريقي الى المسجد فقيل لها نعطيك دارا أوسع منها ونجعل لك طريقا مثلها فسلمت ورضيت قوله الا باب أبي بكر زاد الطبراني من حديث معاوية في اخر هذا الحديث بمعناه فاني رأيت عليه نورا تنبيه جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب منها حديث سعد بن أبي وقاص قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي وفي رواية للطبراني في الأوسط رجالها ثقات من الزيادة فقالوا يا رسول الله سددت ابوابنا فقال ما انا سددتها ولكن الله سدها وعن زيد بن أرقم قال كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سدوا هذه الأبواب الا باب علي فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات وعن بن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسدت الا باب علي وفي رواية وامر بسد الأبواب غير باب علي فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره اخرجهما أحمد والنسائي ورجالهما ثقات وعن جابر بن سمرة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي فربما مر فيه وهو جنب أخرجه الطبراني وعن بن عمر قال كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد أعطى علي بن أبي طالب ثلاث خصال لان يكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب الا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر أخرجه أحمد وإسناده حسن واخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال فقلت لابن عمر أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث وفيه واما علي فلا تسأل عنه أحدا وانظر الى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سد ابوابنا في المسجد واقر بابه ورجاله رجال الصحيح الا العلاء وقد وثقه يحيى بن معين وغيره وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها وقد اورد بن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم واعله ببعض من تكلم فيه من رواته وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق واعله أيضا بأنه مخالف للاحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر وزعم انه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر انتهى وأخطا في ذلك خطا شنيعا فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة مع ان الجمع بين القصتين ممكن وقد أشار الى ذلك البزار في مسنده فقال ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر فان ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري يعني الذي أخرجه الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لاحد ان يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك والمعنى ان باب علي كان الى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في احكام القران من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لاحد ان يمر في المسجد وهو جنب الا لعلي بن أبي طالب لان بيته كان في المسجد ومحصل الجمع ان الأمر بسد الأبواب وقع مرتين ففي الأولى استثنى علي لما ذكره وفي الأخرى استثنى أبو بكر ولكن لا يتم ذلك الا بان يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي والمراد به الخوخه كما صرح به في بعض طرقه وكانهم لما امرو بسد الأبواب سدوها واحدثوا خوخا يستقربون الدخول الى المسجد منها فامروا بعد ذلك بسدها فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار وهو في أوائل الثلث الثالث منه وأبو بكر الكلاباذي في معاني الاخبار وصرح بان بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة الى داخل المسجد وبيت علي لم يكن له باب الا من داخل المسجد والله اعلم وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق وانه كان متأهلا لان يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلا لولا المانع المتقدم ذكره ويؤخذ منه ان للخليل صفة خاصة تقتضي عدم المشاركة فيها وان المساجد تصان عن التطرق إليها لغير ضرورة مهمة والإشارة بالعلم الخاص دون التصريح لاثارة افهام السامعين وتفاوت العلماء في الفهم وان من كان ارفع في الفهم استحق ان يطلق عليه اعلم وفيه الترغيب في اختيار ما في الآخرة على ما في الدنيا وفيه شكر المحسن والتنويه بفضله والثناء عليه وقال بن بطال فيه ان المرشح للامامة يخص بكرامة تدل عليه كما وقع في حق الصديق في هذه القصة

قوله باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أي في رتبة الفضل وليس المراد البعدية الزمانية فان فضل أبي بكر كان ثابتا في حياته صلى الله عليه وسلم كما دل عليه حديث الباب

[ 3455 ] قوله حدثنا سليمان هو بن بلال ويحي بن سعيد هو الأنصاري والإسناد كله مدنيون قوله كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نقول فلان خير من فلان الخ وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الآتية في مناقب عثمان كنا لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم وقوله لا نعدل بابي بكر أي لا نجعل له مثلا وقوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الكلام فيه ولأبي داود من طريق سالم عن بن عمر كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل امة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبراني في رواية فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره وروى خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن بن عمر كنا نقول إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق بن أبي أويس عن سليمان بن بلال في حديث الباب دون اخره وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة وذهب بعض السلف الى تقديم علي على عثمان وممن قال به سفيان الثوري ويقال انه رجع عنه وقال به بن خزيمة وطائفة قبله وبعده وقيل لا يفضل أحدهما على الاخر قاله مالك في المدونة وتبعه جماعة منهم يحيى القطان ومن المتأخرين بن حزم وحديث الباب حجة للجمهور وقد طعن فيه بن عبد البر واستند الى ما حكاه عن هارون بن إسحاق قال سمعت بن معين يقول من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقيته فهو صاحب سنة قال فذكرت له من يقول أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ وتعقب بان بن معين انكر رأي قوم وهم العثمانية الذين يغالون في حب عثمان وينتقصون عليا ولا شك في ان من اقتصر على ذلك ولم يعرف لعلي بن أبي طالب فضله فهو مذموم وادعى بن عبد البر أيضا ان هذا الحديث خلاف قول أهل السنة ان عليا أفضل الناس بعد الثلاثة فانهم اجمعوا على ان عليا أفضل الخلق بعد الثلاثة ودل هذا الإجماع على ان حديث بن عمر غلط وان كان السند اليه صحيحا وتعقب أيضا بأنه لا يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله على الدوام وبان الإجماع المذكور انما حدث بعد الزمن الذي قيده بن عمر فيخرج حديثه عن ان يكون غلطا والذي اظن ان بن عبد البر انما انكر الزيادة التي وقعت في رواية عبيد الله بن عمر وهي قول بن عمر ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ لكن لم ينفرد بها نافع فقد تابعه بن الماجشون أخرجه خيثمة من طريق يوسف بن الماجشون عن أبيه عن بن عمر كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ثم ندع أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم ومع ذلك فلا يلزم من تركهم التفاضل إذ ذاك ان لا يكونوا اعتقدوا بعد ذلك تفضيل علي على من سواه والله اعلم وقد اعترف بن عمر بتقديم علي على غيره كما تقدم في حديثه الذي اوردته في الباب الذي قبله وقد جاء في بعض الطرق في حديث بن عمر تقييد الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلق بالخلافة وذلك فيما أخرجه بن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن بن عمر قال انكم لتعلمون انا كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان يعني في الخلافة كذا في أصل الحديث ومن طريق عبيد الله عن نافع عن بن عمر كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يكون أولى الناس بهذا الأمر فنقول أبو بكر ثم عمر وذهب قوم الى ان أفضل الصحابة من استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعين بعضهم منهم جعفر بن أبي طالب ومنهم من ذهب الى العباس وهو قول مرغوب عنه ليس قائله من أهل السنة بل ولا من أهل الإيمان ومنهم من قال افضلهم مطلقا عمر متمسكا بالحديث الاتي في ترجمته في المنام الذي فيه في حق أبي بكر وفي نزعه ضعف وهو تمسك واه ونقل البيهقي في الاعتقاد بسنده الى أبي ثور عن الشافعي انه قال اجمع الصحابة واتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا قاله أبو سعيد يشير الى حديثه السابق قبل بباب ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الحديث الأول حديث أبي سعيد المذكور الحديث الثاني حديث بن عباس أخرجه من طرق ثلاثة الأولى قوله لو كنت متخذا خليلا زاد في حديث أبي سعيد غير ربي وفي حديث بن مسعود عند مسلم وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا وقد تواردت هذه الأحاديث على نفي الخلة من النبي صلى الله عليه وسلم لاحد من الناس واما ما روي عن أبي بن كعب قال ان أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه وهو يقول انه لم يكن نبي الا وقد اتخذ من أمته خليلا وان خليلي أبو بكر الا وان الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا أخرجه أبو الحسن الحربي في فوائده وهذا يعارضه ما في رواية جندب عند مسلم كما قدمته انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل ان يموت بخمس اني ابرا الى الله ان يكون لي منكم خليل فان ثبت حديث أبى أمكن ان يجمع بينهما بأنه لما بريء من ذلك تواضعا لربه وإعظاما له اذن الله تعالى له فيه من ذلك اليوم لما رأى من تشوفه اليه واكراما لأبي بكر بذلك فلا يتنافى الخبران أشار الى ذلك المحب الطبري وقد روى من حديث أبي امامة نحو حديث أبي بن كعب دون التقييد بالخمس أخرجه الواحدي في تفسيره والخبران واهيان والله اعلم

[ 3456 ] قوله ولكن أخي وصاحبي في رواية خيثمة في فضائل الصحابة عن أحمد بن الأسود عن مسلم بن إبراهيم وهو شيخ البخاري فيه ولكنه أخي وصاحبي في الله تعالى وفي الرواية التي بعدها ولكن اخوة الإسلام أفضل وقد تقدم توجيهها قبل باب وقوله

[ 3457 ] في الرواية الثانية حدثنا معلى بن أسد وموسى بن إسماعيل التبوذكي كذا للأكثر وهو الصواب ووقع في رواية أبي ذر وحده التنوخي وهو تصحيف وقد تقدم تفسير الخليل في ترجمة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء واختلف في المودة والخلة والمحبة والصداقة هل هي مترادفة أو مختلفة قال أهل اللغة الخلة ارفع رتبة وهو الذي يشعر به حديث الباب وكذا قوله عليه السلام لو كنت متخذا خليلا غير ربي فإنه يشعر بأنه لم يكن له خليل من بني ادم وقد ثبتت محبته لجماعة من اصحابه كابي بكر وفاطمة وعائشة والحسنين وغيرهم ولا يعكر على هذا اتصاف إبراهيم عليه السلام بالخلة ومحمد صلى الله عليه وسلم بالمحبة فتكون المحبة ارفع رتبة من الخلة لأنه يجاب عن ذلك بان محمدا صلى الله عليه وسلم قد ثبت له الامران معا فيكون رجحانه من الجهتين والله اعلم وقال الزمخشري الخليل هو الذي يوافقك في خلالك ويسايرك في طريقك أو الذي يسد خلك وتسد خلله أو يداخلك خلال منزلك انتهى وكأنه جوز ان يكون اشتقاقه مما ذكر وقيل أصل الخلة انقطاع الخليل الى خليله وقيل الخليل من يتخلله سرك وقيل من لا يسع قلبه غيرك وقيل أصل الخلة الاستصفاء وقيل المختص بالمودة وقيل اشتقاق الخليل من الخلة بفتح الخاء وهي الحاجة فعلى هذا فهو المحتاج الى من يخاله وهذا كله بالنسبة الى الإنسان اما خلة الله للعبد فبمعنى نصره له ومعاونته الحديث الثالث حديث بن الزبير في المعنى وسيأتي الكلام على ما يتعلق منه بالجد في كتاب الفرائض ان شاء الله تعالى والمراد بقوله كتب أهل الكوفة بعض أهلها وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان بن الزبير جعله على قضاء الكوفة أخرجه أحمد من طريق سعيد بن جبير قال كنت عند عبد الله بن عتبة وكان بن الزبير جعله على القضاء فجاءه كتابه كتبت تسالني عن الجد فذكر نحوه وزاد بعد قوله لاتخذت أبا بكر ولكنه أخي في الدين وصاحبي في الغار ووقع في رواية أحمد من طريق بن جريج عن بن أبي مليكة في هذا الحديث لو كنت متخذا خليلا سوى الله حتى ألقاه الحديث الرابع حديث محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه

[ 3459 ] قوله اتت امرأة لم اقف على اسمها قوله ارايت أي أخبرني قوله ان جئت ولم اجدك كأنها تقول الموت في رواية يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد البلاذري قالت فان رجعت فلم اجدك تعرض بالموت وكذا عند الإسماعيلي من طريق بن معمر عن إبراهيم وهو يقوي جزم القاضي عياض انه كلام جيد وفي رواية الحميدي الاتي ذكرها في الاحكام كأنها تعني الموت ومرادها ان جئت فوجدتك قد مت ماذا اعمل واختلف في تعيين قائل كأنها فجزم عياض بأنه جبير بن مطعم راوي الحديث وهو الظاهر ويحتمل من دونه وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال قلنا يا رسول الله الى من ندفع صدقات اموالنا بعدك قال الى أبي بكر الصديق وهذا لو ثبت كان أصرح في حديث الباب من الإشارة الى انه الخليفة بعده لكن إسناده ضعيف وروى الإسماعيلي في معجمه من حديث سهل بن أبي خيثمة قال بايع النبي صلى الله عليه وسلم اعرابيا فسأله ان اتى عليه أجله من يقضيه فقال أبو بكر ثم سأله من يقضيه بعده قال عمر الحديث وأخرجه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه مختصرا وفي الحديث ان مواعيد النبي صلى الله عليه وسلم كانت على من يتولى الخلافة بعده تنجيزها وفيه رد على الشيعة في زعمهم انه نص على استخلاف علي والعباس وسيأتي من ذلك في باب الاستخلاف من كتاب الاحكام ان شاء الله تعالى الحديث الخامس

[ 3460 ] قوله حدثنا أحمد بن أبي الطيب هو المروزي بغدادي الأصل يكنى أبا سلمان واسم أبيه سليمان وصفه أبو زرعة بالحفظ وضعفه أبو حاتم وليس له في البخاري غير هذا الحديث وقد أخرجه من رواية غيره كما سيأتي في باب إسلام أبي بكر قوله حدثنا إسماعيل بن مجالد بالجيم هو الكوفي قواه يحيى بن معين وجماعة ولينه بعضهم وليس له عند البخاري أيضا غير هذا الحديث ووبرة بفتح الواو والموحدة تابعي صغير قوله عن همام هو بن الحارث وعند الإسماعيلي من طريق جهور بن منصور عن إسماعيل سمعت همام بن الحارث وهو من كبار التابعين وعمار هو بن ياسر والإسناد من إسماعيل فصاعدا كوفيون قوله وما معه أي ممن اسلم قوله الا خمسة اعبد وامراتان وأبو بكر اما الاعبد فهم بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر فإنه اسلم قديما مع أبي بكر وروى الطبراني من طريق عروة انه كان ممن كان يعذب في الله فاشتراه أبو بكر واعتقه وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف ذكر بن إسحاق انه اسلم حين اسلم بلال فعذبه أمية فاشتراه أبو بكر فأعتقه واما الخامس فيحتمل ان يفسر بشقران فقد ذكر بن السكن في كتاب الصحابة عن عبد الله بن داود ان النبي صلى الله عليه وسلم ورثه من أبيه هو وأم ايمن وذكر بعض شيوخنا بدل أبي فكيهة عمار بن ياسر وهو محتمل وكان ينبغي ان يكون منهم أبوه وأمه فان الثلاثة كانوا ممن يعذب في الله وأمه أول من استشهدت في الإسلام طعنها أبو جهل في قبلها بحربة فماتت واما المراتان فخديجة والأخرى أم ايمن أو سمية وذكر بعض شيوخنا تبعا الدمياطي انها أم الفضل زوج العباس وليس بواضح لأنها وان كانت قديمة الإسلام الا انها لم تذكر في السابقين ولو كان كما قال لعد أبو رافع مولى العباس لأنه اسلم حين أسلمت أم الفضل كذا عند بن إسحاق وفي هذا الحديث ان أبا بكر أول من اسلم من الأحرار مطلقا ولكن مراد عمار بذلك ممن أظهر إسلامه والا فقد كان حينئذ جماعة ممن اسلم لكنهم كانوا يخفونه من اقاربهم وسيأتي قول سعد انه كان ثلث الإسلام وذلك بالنسبة الىمن اطلع على إسلامه ممن سبق إسلامه الحديث السادس

[ 3461 ] قوله حدثنا زيد بن واقد هو الدمشقي ثقة قليل الحديث وليس له في البخاري غير هذا الحديث الواحد وكلهم دمشقيون وبسر بضم الموحدة وبالمهملة قوله عن بسر بن عبيد الله في رواية عبد الله بن العلاء بن زيد عند المصنف في التفسير حدثني بسر بن عبيد الله حدثني أبو إدريس سألت أبا الدرداء قوله اما صاحبكم في رواية الكشميهني اما صاحبك بالافراد قوله فقد غامر بالغين المعجمة أي خاصم والمعنى دخل في غمرة الخصومة والغامر الذي يرمي بنفسه في الأمر العظيم كالحرب وغيره وقيل هو من الغمر بكسر المعجمة وهو الحقد أي صنع أمرا اقتضى له ان يحقد على من صنعه معه ويحقد الاخر عليه ووقع في تفسير الأعراف في رواية أبي ذر وحده قال أبو عبد الله هو المصنف غامر أي سبق بالخير وذكر عياض انه في رواية المستملي وحده عن أبي ذر وهوتفسير مستغرب والأول أظهر وقد عزاه المحب الطبري لأبي عبيدة بن المثنى أيضا فهو سلف البخاري فيه وقسيم قوله اما صاحبكم محذوف أي وأما غيره فلا قوله فسلم بتشديد اللام من السلام ووقع في رواية محمد بن المبارك عن صدقة بن خالد عند أبي نعيم في الحلية حتى سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقع في الحديث ذكر الرد وهو مما يحذف للعلم به قوله كان بيني وبين بن الخطاب شيء في الرواية التي في التفسير محاورة وهو بالحاء المهملة أي مراجعة وفي حديث أبي امامة عند أبي يعلى معاتبة وفي لفظ مقاولة قوله فاسرعت اليه في التفسير فاغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه مغضبا فاتبعه أبو بكر قوله ثم ندمت زاد محمد بن المبارك على ما كان قوله فسألته ان يغفر لي في الرواية التي في التفسير ان يستغفر لي فلم يفعل حتى اغلق بابه في وجهه قوله فأبى علي زاد محمد بن المبارك فتبعته الى البقيع حتى خرج من داره وللإسماعيلي عن الهسنجاني عن هشام بن عمار وتحرز مني بداره وفي حديث أبي امامة فاعتذر أبو بكر الى عمر فلم يقبل منه قوله يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا أي أعاد هذه الكلمة ثلاث مرات قوله يتمعر بالعين المهملة المشددة أي تذهب نضارته من الغضب واصله من العر وهو الجرب يقال أمعر المكان إذا اجرب وفي بعض النسخ يتمغر بالغين المعجمة أي يحمر من الغضب فصار كالذي صبغ بالمغرة وللمؤلف في التفسير وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي امامة عند أبي يعلى في نحو هذه القصة فجلس عمر فاعرض عنه أي النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحول فجلس الى الجانب الاخر فاعرض عنه ثم قام فجلس بين يديه فاعرض عنه فقال يا رسول الله ما أرى اعراضك الا لشيء بلغك عني فما خير حياتي وأنت معرض عني فقال أنت الذي اعتذر إليك أبو بكر فلم تقبل منه ووقع في حديث بن عمر عند الطبراني في نحو هذه القصة يسالك أخوك ان تستغفر له فلا تفعل فقال والذي بعثك بالحق ما من مرة يسالني الا وانا استغفر له وما خلق الله من أحد احب الي منه بعدك فقال أبو بكر وانا والذي بعثك بالحق كذلك قوله حتى اشفق أبو بكر زاد محمد بن المبارك ان يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم الى عمر ما يكره قوله فجثا بالجيم والمثلثة أي برك قوله والله انا كنت أظلم في القصة المذكورة وانما قال ذلك لأنه الذي بدا كما تقدم في أول القصة قوله مرتين أي قال ذلك القول مرتين ويحتمل انه من قول أبي بكر فيكون معلقا بقوله كنت أظلم قوله وواساني في رواية الكشميهني وحده واساني والأول أوجه وهو من المواساة وهي بلفظ المفاعلة من الجانبين والمراد به ان صاحب المال يجعل يده ويد صاحبه في ماله سواء قوله تاركو لي صاحبي في التفسير تاركون لي صاحبي وهي الموجهة حتى قال أبو البقاء ان حذف النون من خطا الرواة لان الكلمة ليست مضافة ولا فيها الف ولام وانما يجوز الحذف في هذين الموضعين ووجهها غيره بوجهين أحدهما ان يكون صاحبي مضافا وفصل بين المضاف والمضاف اليه بالجار والمجرور عناية بتقديم لفظ الإضافة وفي ذلك جمع بين إضافتين الى نفسه تعظيما للصديق ونظيره قراءة بن عامر وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم بنصب أولادهم وخفض شركائهم وفصل بين المضافين بالمفعول والثاني ان يكون استطال الكلام فحذف النون كما يحذف من الموصول المطول ومنه ما ذكروه في قوله تعالى وخضتم كالذي خاضوا قوله مرتين أي قال ذلك القول مرتين وفي رواية محمد بن المبارك ثلاث مرات قوله فما اوذي بعدها أي لما اظهره النبي صلى الله عليه وسلم لهم من تعظيمه ولم ار هذه الزيادة من غير رواية هشام بن عمار ووقع لأبي بكر مع ربيعة بن جعفر قصة نحو هذه فاخرج أحمد من حديث ربيعة ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ارضا وأعطى أبا بكر ارضا قال فاختلفا في عذق نخلة فقلت انا هي في حدي وقال أبو بكر هي في حدي فكان بيننا كلام فقال له أبو بكر كلمة ثم ندم فقال رد علي مثلها حتى يكون قصاصا فأبيت فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالك وللصديق فذكر القصة فقال اجل فلا ترد عليه ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر فقلت فولى أبو بكر وهو يبكي وفي الحديث من الفوائد فضل أبي بكر على جميع الصحابة وان الفاضل لا ينبغي له ان يغاضب من هو أفضل منه وفيه جواز مدح المرء في وجهه ومحله إذا امن عليه الافتتان والاغترار وفيه ماطبع عليه الإنسان من البشرية حتى يحمله الغضب على ارتكاب خلاف الأولى لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع الى الأولى كقوله تعالى ان الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا وفيه ان غير النبي ولد بلغ من الفضل الغاية ليس بمعصوم وفيه استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم وفيه ان من غضب على صاحبه نسبه الى أبيه أو جده ولم يسمه باسمه وذلك من قول أبي بكر لما جاء وهو غضبان من عمر كان بيني وبين بن الخطاب فلم يذكره باسمه ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم الا إذا كان بن أبي طالب يريد ان ينكح ابنتهم وفيه ان الركبة ليست عورة الحديث السابع

[ 3462 ] قوله خالد الحذاء حدثنا هو من تقديم الاسم على الصفة وقد استعملوه كثيرا والإسناد كله بصريون الا الصحابي وأبو عثمان هو النهدي قوله بعثه على جيش ذات السلاسل بالمهملتين والمشهور انها بفتح الأولى على لفظ جمع السلسلة وضبطه كذلك أبو عبيد البكري قيل سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة وضبطها بن الأثير بالضم وقال هو بمعنى السلسال أي السهل وسيأتي شرحها وتسميتها في المغازي ان شاء الله تعالى قوله أي الناس احب إليك زاد في رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص يا رسول الله فأحبه أخرجه بن عساكر من طريق علي بن مسهر عن إسماعيل عن قيس وقع عند بن سعد سبب هذا السؤال وانه وقع في نفس عمر ولما امره النبي صلى الله عليه وسلم على الجيش وفيهم أبو بكر وعمر انه مقدم عنده في المنزلة عليهم فسأله لذلك قوله فقلت من الرجال في رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو عند بن خزيمة وابن حبان قلت اني لست اعني النساء اني اعني الرجال وفي حديث أنس عند بن حبان أيضا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من احب الناس إليك قال عائشة قيل له ليس عن أهلك نسالك وعرف بحديث عمر اسم السائل في حديث أنس قوله فقلت ثم من قال ثم عمر بن الخطاب فعد رجالا زاد في المغازي من وجه اخر فسكت مخافة ان يجعلني في اخرهم ووقع في حديث عبد الله بن شفيق قال قلت لعائشة أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان احب اليه قالت أبو بكر قلت ثم من قالت عمر قلت ثم من قالت أبو عبيدة بن الجراح قلت ثم من فسكتت أخرجه الترمذي وصححه فيمكن ان يفسر بعض الرجال الذين ابهموا في حديث الباب بابي عبيدة واخرج أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح عن النعمان بن بشير قال استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول والله لقد علمت ان عليا احب إليك من أبي الحديث فيكون علي ممن ابهمه عمرو بن العاص وهو أيضا وان كان في الظاهر يعارض حديث عمرو ولكن يرجح حديث عمرو انه من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من تقريره ويمكن الجمع باختلاف جهة المحبة فيكون في حق أبي بكر على عمومه بخلاف علي ويصح حينئذ دخوله فيمن ابهمه عمرو ومعاذ الله ان نقول كما تقول الرافضة من إبهام عمرو فيما روى لما كان بينه وبين علي رضي الله عنهما فقد كان النعمان مع معاوية على علي ولم يمنعه ذلك من التحديث بمنقبة علي ولا ارتياب في ان عمرا أفضل من النعمان والله اعلم الحديث الثامن حديث أبي هريرة في قصة الذئب الذي كلم الراعي وفي قصة البقرة التي كلمت من حملها وقد تقدم الكلام على ما في إسناده في ذكر بني إسرائيل

[ 3463 ] قوله بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن اهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت والله ما رأيت شيئا اعجب من هذا فقال اعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين النخلات يدعو الى الله قال فأتى اهبان الى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان يكون اهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني اومن بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه اخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل ان يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق ايمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما قوله يوم السبع قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها الا ان الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف وقال بن العربي هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال وقال بن الجوزي هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا اخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه واكون انا قريبا منه ارعى ما يفضل لي منها وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد فتفر أنت منه فياخذ منها حاجته واتخلف انا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل انما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها واما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن بن الأعرابي ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الاسماعيل عن أبي عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من اسبعته إذا اهملته أي من لها يوم الاهمال قال الأصمعي السبع الهمل واسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الأكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية اخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال اسبعت وأضيعت بمعنى وهذا نقله بن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن بن عباس انه سئل عن مسألة فقال اجرأ من سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله اعلم قوله وبينما رجل يسوق بقرة تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في اخره في القصتين فقال الناس امنا بما امن به رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف الحديث التاسع حديث أبي هريرة في رؤيا النزع من القليب وسيأتي شرحه في التعبير ان شاء الله تعالى الحديث العاشر حديث بن عمر في الزجر عن جر الثوب خيلاء وسيأتي شرحه في كتاب اللباس وفيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر لشحه على دينه ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بما ينافي ما يكره

[ 3465 ] قوله فقلت لسالم هو مقول موسى بن عقبة وسيأتي هناك الإشارة الى تسوية بن عمر بين الثوب والازار في الحكم الحديث الحادي عشر حديث أبي هريرة فيمن انفق زوجين أي شيئين

[ 3466 ] قوله من شيء من الأشياء أي من أصناف المال قوله في سبيل الله أي في طلب ثواب الله وهو أعم من الجهاد وغيره من العبادات قوله دعي من أبواب يعني الجنة كذا وقع هنا وكان لفظة الجنة سقطت من بعض الرواة فلاجل مراعاة المحافظة على اللفظ زاد يعني وقد تقدم في الصيام من وجه اخر عن الزهري بلفظ من أبواب الجنة بغير تردد ومعنى الحديث ان كل عامل يدعى من باب ذلك العمل وقد جاء ذلك صريحا من وجه اخر عن أبي هريرة لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل أخرجه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح قوله يا عبد الله هذا خير لفظ خير بمعنى فاضل لا بمعنى أفضل وان كان اللفظ قد يوهم ذلك ففائدته زيادة ترغيب السامع في طلب الدخول من ذلك الباب وتقدم في أوائل الجهاد بيان الداعي من وجه اخر عن أبي هريرة ولفظه دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي خزنة كل باب أي فل هلم ولفظة فل لغة في فلان وهي بالضم وكذا ثبت في الرواية وقيل انها ترخيمها فعلى هذا فتفتح اللام قوله فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة وتقدم في أوائل الجهاد وان أبواب الجنة ثمانية وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك واما الثلاثة الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن أشعث عن الحسن مرسلا ان لله بابا في الجنة لايدخله الا من عفا عن مظلمة ومنها الباب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب واما الثالث فلعله باب الذكر فان عند الترمذي ما يومئ اليه ويحتمل ان يكون باب العلم والله اعلم ويحتمل ان يكون المراد بالأبواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية لان الأعمال الصالحة أكثر عددا من ثمانية والله اعلم قوله فقال أبو بكر ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة زاد في الصيام فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها وفي الحديث اشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها وفيه إشارة الى ان المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات ثم من يجتمع له ذلك انما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له والا فدخوله انما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون اغلب عليه والله اعلم واما ما أخرجه مسلم عن عمر من توضأ ثم قال اشهد ان لا إله إلا الله الحديث وفيه فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء فلا ينافي ما تقدم وان كان ظاهره انه يعارضه لأنه محمل على انها تفتح له على سبيل التكريم ثم عند دخوله لا يدخل الا من باب العمل الذي يكون اغلب عليه كما تقدم والله اعلم تنبيه الإنفاق في الصلاة والجهاد والعلم والحج ظاهر واما الإنفاق في غيرها فمشكل ويمكن ان يكون المراد بالإنفاق في الصلاة فيما يتعلق بوسائلها من تحصيل آلاتها من طهارة وتطهير ثوب وبدن ومكان والانفاق في الصيام بما يقويه على فعله وخلوص القصد فيه والانفاق في العفو عن الناس يمكن ان يقع بترك ما يجب له من حق والانفاق في التوكل بما ينفقه على نفسه في مرضه المانع له من التصرف في طلب المعاش مع الصبر على المصيبة أو ينفق على من اصابه مثل ذلك طلبا للثواب والانفاق في الذكر على نحو من ذلك والله اعلم وقيل المراد بالإنفاق في الصلاة والصيام بذل النفس فيهما فان العرب تسمي ما يبذله المرء من نفسه نفقة كما يقال أنفقت في طلب العلم عمري وبذلت فيه نفسي وهذا معنى حسن وأبعد من قال المراد بقوله زوجين النفس والمال لان المال في الصلاة والصيام ونحوهما ليس بظاهر الا بالتأويل المتقدم وكذلك من قال النفقة في الصيام تقع بتفطير الصائم والانفاق عليه لان ذلك يرجع الى باب الصدقة قوله وأرجو ان تكون منهم قال العلماء الرجاء من الله ومن نبيه واقع وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر ووقع في حديث بن عباس عند بن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه قال اجل وأنت هو يا أبا بكر وفي الحديث من الفوائد ان من أكثر من شيء عرف به وان أعمال البر قل ان تجتمع جميعها لشخص واحد على السواء وان الملائكة يحبون صالحي بني ادم ويفرحون بهم فان الإنفاق كلما كان أكثر كان أفضل وان تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب الحديث الثاني عشر حديث عائشة في الوفاة وقصة السقيفة وسيأتي ما يتعلق بالوفاة في مكانها في اواخر المغازي واما السقيفة فتتضمن بيعة أبي بكر بالخلافة وقد أوردها المصنف أيضا من طريق بن عباس عن عمر في الحدود وذكر شيئا منها في الاحكام من طريق أنس عن عمر أيضا وأتمها رواية بن عباس وساذكر هنا ما فيها من فائدة زائدة

[ 3467 ] قوله مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح تقدم ضبطه في أول الجنائز وانه بسكون النون وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال انه منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي وبينه وبين المسجد النبوي ميل قوله قال إسماعيل هو شيخ المصنف فيه وهو بن أبي أويس وقوله يعني بالعالية أراد تفسير قول عائشة بالسنح قوله ما كان يقع في نفسي الا ذاك يعني عدم موته صلى الله عليه وسلم حينئذ وقد ذكر عمر مستنده في ذلك كما سابينه في موضعه قوله لا يذيقك الله الموتتين تقدم شرحه في أوائل الجنائز وقد تمسك به من انكر الحياة في القبر وأجيب عن أهل السنة المثبتين لذلك بان المراد نفي الموت اللازم من الذي أثبته عمر بقوله وليبعثه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته وليس فيه تعرض لما يقع في البرزخ واحسن من هذا الجواب ان يقال ان حياته صلى الله عليه وسلم في القبر لايعقبها موت بل يستمر حيا والأنبياء احياء في قبورهم ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين حيث قال لايذيقك الله الموتتين المعروفتين المشهورتين الواقعتين لكل أحد غير الأنبياء واما وقوع الحلف من عمر على ما ذكره فبناه على ظنه الذي اداه اليه اجتهاده وفيه بيان رجحان علم أبي بكر على عمر فمن دونه وكذلك رجحانه عليهم لثباته في مثل ذلك الأمر العظيم قوله أيها الحالف على رسلك بكسر الراء اى هينتك ولا تستعجل وتقدم في الطريق الذي بالجنائز ان أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال اجلس فأبي فتشهد أبو بكر فمال الناس اليه وتركوا عمر وقد اعتذر عمر عن ذلك كما سيأتي في باب الاستخلاف من كتاب الاحكام قوله فنشج الناس بفتح النون وكسر المعجمة بعدها جيم أي بكوا بغير انتحاب والنشج ما يعرض في حلق الباكي من الغصة وقيل هو صوت معه ترجع كما يردد الصبي بكاءه في صدره قوله واجتمعت الأنصار الى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي ثم الساعدي وكان كبير الخزرج في ذلك الوقت وذكر بن إسحاق في اخر السيرة ان اسيد بن حضير في بني عبد الأشهل انحازوا الى أبي بكر ومن معه وهؤلاء من الأوس وفي حديث بن عباس عن عمر تخلف عنا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة فيجمع بانهم اجتمعوا اولا ثم افترقوا وذلك ان الخزرج والاوس كانوا فريقين وكان بينهم في الجاهلية من الحروب ما هو مشهور فزال ذلك بالإسلام وبقي من ذلك شيء في النفوس فكأنهم اجتمعوا اولا فلما رأى اسيد ومن معه من الأوس أبا بكر ومن معه افترقوا من الخزرج ايثارا لتأمير المهاجرين عليهم دون الخزرج وفيه ان عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع المهاجرون الى أبي بكر قوله فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة في رواية بن عباس المذكورة فقلت له يا أبا بكر انطلق بنا الى إخواننا من الأنصار وزاد أبو يعلى من رواية مالك عن الزهري فيه فبينما نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل ينادي من وراء الجدار ان اخرج الي يا بن الخطاب فقلت إليك عني فانا عنك مشاغيل يعني بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له انه قد حدث أمر فان الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة فادركوهم قبل ان يحدثوا أمرا يكون فيه حرب فقلت لأبي بكر انطلق فذكره قال فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فقالا لا عليكم الا تقربوهم واقضوا امركم قال فقلت والله لناتينهم فانطلقنا فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة وذكر في اخر الحديث عن عروة ان الرجلين اللذين لقياهم هما عويم بن ساعدة بن عابس بن قيس بن النعمان من بني مالك بن عوف ومعن بن عدي بن الجعد بن العجلان حليفهم وهما من الأوس أيضا وكذا وقعت تسميتهما في رواية بن عيينة عن الزهري أخرجه الزبير بن بكار قوله فذهب عمر يتكلم فاسكته أبو بكر الخ وفي رواية بن عباس قال عمر أردت ان اتكلم وقد كنت زورت أي هيأت وحسنت مقالة اعجبتني أريد ان اقدمها بين يدي أبي بكر وكنت اداري منه بعض الحد أي الحدة فقال على رسلك فكرهت ان اغضبه قوله ثم تكلم أبو بكر فتكلم ابلغ الناس بنصب ابلغ على الحال ويجوز الرفع على الفاعلية أي تكلم رجل هذه صفته وقال السهيلي النصب أوجه ليكون تاكيدا لمدحه وصرف الوهم عن ان يكون أحد موصوفا بذلك غيره وفي رواية بن عباس قال قال عمر والله ما ترك كلمة اعجبتني في تزويري الا قالها في بديهته وافضل حتى سكت قوله فقال في كلامه وقع في رواية حميد بن عبد الرحمن بيان ما قاله في روايته فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا انزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شانهم الا ذكره ووقع في رواية بن عباس بيان بعض ذلك الكلام وهو اما بعد فما ذكرتم من خير فانتم أهله ولن تعرف العرب هذا الأمر الا لهذا الحي من قريش وهم أوسط العرب نسبا ودارا وعرف المراد بقوله بعد في هذه الرواية هم أوسط العرب دارا واعربهم احسابا والمراد بالدار مكة وقال الخطابي أراد بالدار أهل الدار ومنه قوله خير دور الأنصار بنو النجار وقوله احسابا الحسب الفعال الحسان ماخوذ من الحساب إذا عدوا مناقبهم فمن كان أكثر كان أعظم حسبا ويقال النسب للآباء والحسب للافعال قوله فقال حباب بضم المهملة وموحدتين الأولى خفيفة بن المنذر أي بن عمرو بن الجموح الخزرجي ثم السلمي بفتحتين وكان يقال له ذو الرأي قوله لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير زاد في رواية بن عباس انه قال انا جديلها المحكك وعذيقها المرجب وشرح هاتين الكلمتين ان العذيق بالذال المعجمة تصغير عذق وهو النخلة المرجب بالجيم والموحدة أي يدعم النخلة إذا كثر حملها والجديل بالتصغير أيضا وبالجيم والجدل عود ينصب للابل الجرباء لتحتك فيه والمحكك بكافين الأولى مفتوحة فأراد انه يستشفي برايه ووقع عند بن سعد من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد فقام حباب بن المنذر وكان بدريا فقال منا أمير ومنكم أمير فانا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر ولكنا نخاف ان يليه أقوام قتلنا اباءهم واخوتهم قال فقال له عمر إذا كان ذلك فمت ان استطعت قال فتكلم أبو بكر فقال نحن الأمراء وأنتم الوزراء وهذا الأمر بيننا وبينكم قال فبايع الناس وأولهم بشير بن سعد والد النعمان وعند أحمد من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد فقام خطيب الأنصار فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرنه برجل منا فتبايعوا على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وانما الامام من المهاجرين فنحن انصار الله كما كنا انصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر جزاكم الله خيرا فبايعوه ووقع في اخر المغازي لموسى بن عقبة عن بن شهاب ان أبا بكر قال في خطبته وكنا معشر المهاجرين أول الناس اسلاما ونحن عشيرته واقاربه وذوو رحمه ولن تصلح العرب الا برجل من قريش فالناس لقريش تبع وأنتم إخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في دين الله وأحب الناس إلينا وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم لفضيلة إخوانكم وان لا تحسدوهم على خير وقال فيه ان الأنصار قالوا اولا نختار رجلا من المهاجرين وإذا مات اخترنا رجلا من الأنصار فإذا مات اخترنا رجلا من المهاجرين كذلك ابدا فيكون اجدر ان يشفق القرشي إذا زاغ ان ينقض عليه الأنصاري وكذلك الأنصاري قال فقال عمر لا والله لا يخالفنا أحد الا قتلناه فقام حباب بن المنذر فقال كما تقدم وزاد وان شئتم كررناها خدعة أي اعدنا الحرب قال فكثر القول حتى كاد ان يكون بينهم حرب فوثب عمر فأخذ بيد أبي بكر وعند أحمد من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة فذكر الحديث قال فتكلم أبو بكر فقال والله لقد علمت يا سعد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا الأمر فقال له سعد صدقت قوله هم أوسط العرب أي قريش قوله فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة في رواية بن عباس عن عمر وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة فلم أكره مما قال غيرها وقد استشكل قول أبي بكر هذا مع معرفته بأنه الاحق بالخلافة بقرينة تقديمه في الصلاة وغير ذلك والجواب انه استحي ان يزكي نفسه فيقول مثلا رضيت لكم نفسي وانضم الى ذلك انه علم ان كلا منهما لا يقبل ذلك وقد أفصح عمر بذلك في القصة وأبو عبيدة بطريق الأولى لأنه دون عمر في الفضل باتفاق أهل السنة ويكفي أبا بكر كونه جعل الاختيار في ذلك لنفسه فلم ينكر ذلك عليه أحد ففيه إيماء الى انه الاحق فظهر انه ليس في كلامه تصريح بتخليه من الأمر قوله فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افرد بعض الرواة هذا القدر من هذا الحديث فأخرجه الترمذي عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن إسماعيل بن أبي أويس شيخ المصنف فيه بهذا الإسناد ان عمر قال لأبي بكر أنت سيدنا الخ وأخرجه بن حبان من هذا الوجه وهو أوضح ما يدخل في هذا الباب من هذا الحديث قوله فأخذ عمر بيده فبايعه في رواية بن عباس عن عمر قال فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم الأنصار وفي مغازي موسى بن عقبة عن بن شهاب قال فقام اسيد بن الحضير وبشير بن سعد وغيرهما من الأنصار فبايعوا أبا بكر ثم وثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة ووقع في حديث سالم بن عبيد عند البزار وغيره في قصة الوفاة فقالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فقال عمر وأخذ بيد أبي بكر وسيفان في غمد واحد لايصطلحان وأخذ بيد أبي بكر فقال من له هذه الثلاثة إذ هما في الغار من هما إذ يقول لصاحبه من صاحبه ان الله معنا مع من ثم بسط يده فبايعه ثم قال بايعوه فبايعه الناس قوله فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة أي كدتم تقتلونه وقيل هو كناية عن الاعراض والخذلان ويرده ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب فقال قائل من الأنصار ابقوا سعد بن عبادة لا تطئوه فقال عمر اقتلوه قتله الله نعم لم يرد عمر الأمر بقتله حقيقة واما قوله قتله الله فهو دعاء عليه وعلى الأول هو أخبار عن إهماله والاعراض عنه وفي حديث مالك فقلت وانا مغضب قتل الله سعدا فإنه صاحب شر وفتنة قال بن التين انما قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير على ما عرفوه من عادة العرب ان لا يتأمر على القبيلة الا من يكون منها فلما سمعوا حديث الأئمة من قريش رجعوا عن ذلك واذعنوا قلت حديث الأئمة من قريش سيأتي ذكر من أخرجه بهذا اللفظ في كتاب الاحكام ولم يقع في هذه القصة الا بمعناه وقد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابيا لما بلغني ان بعض فضلاء العصر ذكر انه لم يرو الا عن أبي بكر الصديق واستدل به الداودي على ان إقامة الخليفة سنة مؤكدة لأنهم اقاموا مدة لم يكن لهم امام حتى بويع أبو بكر وتعقب بالاتفاق على فرضيتها وبانهم تركوا لاجل اقامتها أعظم المهمات وهو التشاغل بدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى فرغوا منها والمدة المذكورة زمن يسير في بعض يوم يغتفر مثله لاجتماع الكلمة واستدل بقول الأنصار منا أمير ومنكم أمير على ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وبذلك صرح عمر كما سيأتي ووجه الدلالة انهم قالوا ذلك في مقام من لا يخاف شيئا ولا يتقيه وكذلك ما أخرجه مسلم عن بن أبي مليكة سألت عائشة من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا قالت أبو بكر قيل ثم من قالت عمر قيل ثم من قالت أبو عبيدة بن الجراح ووجدت في الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق ما يدل على انه هو الذي سأل عائشة عن ذلك قال القرطبي في المفهم لو كان عند أحد من المهاجرين والأنصار نص من النبي صلى الله عليه وسلم على تعيين أحد بعينه للخلافة لما اختلفوا في ذلك ولا تفاوضوا فيه قال وهذا قول جمهور أهل السنة واستند من قال انه نص على خلافة أبي بكر بأصول كلية وقرائن حالية تقتضي انه أحق بالإمامة واولى بالخلافة قلت وقد تقدم بعضها في ترجمته وسيأتي بعضها في الوفاة النبوية اخر المغازي ان شاء الله تعالى الحديث الثالث عشر قوله قال عبد الله بن سالم هو الحمصي الأشعري تقدم ذكره في المزارعة والزبيدي هو محمد بن الوليد صاحب الزهري وعبد الرحمن بن القاسم أي بن أبي بكر الصديق وهذه الطريق لم يوردها البخاري الا معلقة ولم يسقها بتمامها وقد وصلها الطبراني في مسند الشاميين وقوله شخص بفتح المعجمتين ثم مهملة أي ارتفع وقوله وقص الحديث يعني فيما يتعلق بالوفاة وقول عمر انه لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وارجلهم وقول أبي بكر انه مات وتلاوته الايتين كما تقدم قوله قالت عائشة فما كانت من خطبتهما من خطبة الا نفع الله بها أي من خطبتي أبي بكر وعمر و من الأولى تبعيضية أو بيانية والثانية زائدة ثم شرحت ذلك فقالت لقد خوف عمر الناس أي بقوله المذكور ووقع في رواية الأصيلي لقد خوف أبو بكر الناس وهو غلط وقولها وان فيهم لنفاقا أي ان في بعضهم منافقين وهم الذين عرض بهم عمر في قوله المتقدم ووقع في رواية الحميدي في الجمع بين الصحيحين وان فيهم لتقي فقيل انه من اصلاحه وانه ظن ان قوله وان فيهم لنفاقا تصحيف فصيره لتقي كأنه استعظم ان يكون في المذكورين نفاقا وقال عياض لا أدري هو إصلاح منه أو رواية وعلى الأول فلا استعظام فقد ظهر في أهل الردة ذلك ولا سيما عند الحادث العظيم الذي اذهل عقول الأكابر فكيف بضعفاء الإيمان فالصواب ما في النسخ انتهى وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق البخاري وقال فيه ان فيهم لنفاقا الحديث الرابع عشر

[ 3468 ] قوله حدثنا أبو يعلى هو منذر بن يعلى الكوفي الثوري وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه والإسناد كله كوفيون ومحمد بن الحنفية هو بن علي بن أبي طالب واسم الحنفية خولة بنت جعفر كما تقدم قوله قلت لأبي أي الناس خير في رواية محمد بن سوقة عن منذر عن محمد بن علي قلت لأبي يا ابتي من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو ما تعلم يا بني قلت لا قال أبو بكر أخرجه الدارقطني وفي رواية الحسن بن محمد بن الحنفية عن أبيه قال سبحان الله يا بني أبو بكر وفي رواية بن جحيفة عند أحمد قال لي علي يا أبا جحيفة الا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها قلت بلى قال ولم أكن أرى ان أحدا أفضل منه وقال في اخره وبعدهما اخر ثالث لم يسمه وفي رواية للدارقطني في الفضائل من طريق أبي الضحى عن أبي جحيفة وان شئتم اخبرتكم بخير الناس بعد عمر فلا أدري استحي ان يذكر نفسه أو شغله الحديث قوله وخشيت ان يقول عثمان قلت ثم أنت قال ما انا الا رجل من المسلمين في رواية محمد بن سوقة ثم عجلت للحداثة فقلت ثم أنت يا ابتي فقال أبوك رجل من المسلمين زاد في رواية الحسن بن محمد لي ما لهم وعلي ما عليهم وهذا قاله علي تواضعا مع معرفته حين المسئلة المذكورة انه خير الناس يومئذ لان ذلك كان بعد قتل عثمان واما خشية محمد بن الحنفية ان يقول عثمان فلأن محمدا كان يعتقد ان أباه أفضل فخشي ان عليا يقول عثمان على سبيل التواضع منه والهضم لنفسه فيضطرب حال اعتقاده ولا سيما وهو في سن الحداثة كما أشار اليه في الرواية المذكورة وروى خيثمة في فضائل الصحابة من طريق عبيد بن أبي الجعد عن أبيه ان عليا قال فذكر هذا الحديث وزاد ثم قال الا أخبركم بخير امتكم بعد عمر ثم سكت فظننا انه يعني نفسه وفي رواية عبيد خبر عن علي انه قال ذلك بعد وقعة النهروان وكانت في سنة ثمان وثلاثين وزاد في اخر حديثه أحدثنا أمورا يفعل الله فيها ما يشاء واخرج بن عساكر في ترجمة عثمان من طريق ضعيفة في هذا الحديث ان عليا قال ان الثالث عثمان ومن طريق أخرى ان أبا جحيفة قال فرجعت الموالي يقولون كنى عن عثمان والعرب تقول كنى عن نفسه وهذا يبين انه لم يصرح بأحد وقد سبق بيان الاختلاف في أي الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر عثمان أو علي وان الإجماع انعقد بآخرة بين أهل السنة ان ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم أجمعين قال القرطبي في المفهم ما ملخصه الفضائل جمع فضيلة وهي الخصلة الجميلة التي يحصل لصاحبها بسببها شرف وعلو منزلة اما عند الحق واما عند الخلق والثاني لا عبرة به الا ان اوصل الى الأول فإذا قلنا فلان فاضل فمعناه ان له منزلة عند الله وهذا لا توصل اليه الا بالنقل عن الرسول فإذا جاء ذلك عنه ان كان قطعيا قطعنا به أو ظنيا عملنا به وإذا لم نجد الخبر فلا خفاء انا إذا رأينا من اعانه الله على الخير ويسر له أسبابه انا نرجو حصول تلك المنزلة له لما جاء في الشريعة من ذلك قال وإذا تقرر ذلك فالمقطوع به بين أهل السنة بافضلية أبي بكر ثم عمر ثم اختلفوا فيمن بعدهما فالجمهور على تقديم عثمان وعن مالك التوقف والمسالة اجتهادية ومستندها ان هؤلاء الأربعة اختارهم الله تعالى لخلافة نبيه وإقامة دينه فمنزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة والله اعلم الحديث الخامس عشر حديث عائشة في نزول اية للتيمم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم والغرض منه قول اسيد بن الحضير في اخره ما هي باول بركتكم يا ال أبي بكر وقد تقدم هناك ذكر ألفاظ أخرى تدل على فضلهم الحديث السادس عشر حديث أبي سعيد

[ 3470 ] قوله سمعت ذكوان هو أبو صالح السمان قوله عن أبي سعيد في رواية أخرى سأبينها عن أبي هريرة والأول أولى كما سيأتي قوله لا تسبوا أصحابي وقع في رواية جرير ومحاضر عن الأعمش وكذا في رواية عاصم عن أبي صالح ذكر سبب لهذا الحديث وهو ما وقع في أوله قال كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فذكر الحديث وسيأتي بيان من أخرجه قوله فلو ان أحدكم فيه اشعار بان المراد بقوله اولا أصحابي أصحاب مخصوصون والا فالخطاب كان للصحابة وقد قال لو ان أحدكم انفق وهذا كقوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل الآية ومع ذلك فنهى بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب الأولى وغفل من قال ان الخطاب بذلك لغير الصحابة وانما المراد من سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تنزيلا لمن سيوجد منزلة الموجود للقطع بوقوعه ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق قوله انفق مثل أحد ذهبا زاد البرقاني في المصافحة من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش كل يوم قال وهي زيادة حسنة قوله مد أحدهم ولا نصيفه أي المد من كل شيء والنصيف بوزن رغيف هو النصف كما يقال عشر وعشير وثمن وثمين وقيل النصيف مكيال دون المد والمد بضم الميم مكيال معروف ضبط قدره في كتاب الطهارة وحكى الخطابي انه روي بفتح الميم قال والمراد به الفضل والطول وقد تقدم في أول باب فضائل الصحابة تقرير أفضلية الصحابة عمن بعدهم وهذا الحديث دال لما وقع الاختيار له مما تقدم من الاختلاف والله اعلم قال البيضاوي معنى الحديث لا ينال أحدكم بانفاق مثل أحد ذهبا من الفضل والاجر ما ينال أحدهم بانفاق مد طعام أو نصيفه وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية قلت واعظم من ذلك في سبب الأفضلية عظم موقع ذلك لشدة الاحتياج اليه وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق الى الأفضلية بسبب القتال كما وقع في الآية من انفق من قبل الفتح وقاتل فان فيها إشارة الى موقع السبب الذي ذكرته وذلك ان الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيما لشدة الحاجة اليه وقلة المعتني به بخلاف ما وقع بعد ذلك لان المسلمين كثروا بعد الفتح ودخل الناس في دين الله افواجا فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم والله اعلم قوله تابعه جرير هو بن عبد الحميد وعبد الله بن داود هو الخريبي بالمعجمة والموحدة مصغر وأبو معاوية هو الضرير ومحاضر بمهملة ثم معجمة بوزن مجاهد عن الأعمش أي عن أبي صالح عن أبي سعيد فاما رواية جرير فوصلها مسلم وابن وأبو يعلى وغيرهم واما رواية محاضر فرويناها موصولة في فوائد أبي الفتح الحداد من طريق أحمد بن يونس الضبي عن محاضر المذكور فذكره مثل رواية جرير لكن قال بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر بدل عبد الرحمن بن عوف وقول جرير أصح وقد وقع كذلك في رواية عاصم عن أبي صالح الاتي ذكرها واما رواية عبد الله بن داود فوصلها مسدد في مسنده عنه وليس فيه القصة وكذا أخرجها أبو داود عن مسدد واما رواية أبي معاوية فوصلها أحمد عنه هكذا وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب ويحي بن يحيى ثلاثتهم عن أبي معاوية لكن قال فيه عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وهو وهم كما جزم به خلف وأبو مسعود وأبو علي الجياني وغيرهم قال المزي كان مسلما وهم في حال كتابته فإنه بدا بطريق أبي معاوية ثم ثنى بحديث جرير فساقه بإسناده ومتنه ثم ثلث بحديث وكيع وربع بحديث شعبة ولم يسق اسنادهما بل قال بإسناد جرير وأبي معاوية فلولا ان إسناد جرير وأبي معاوية عنده واحد لما أحال عليهما معا فان طريق وكيع وشعبة جميعا تنتهي الى أبي سعيد دون أبي هريرة اتفاقا انتهى كلامه وقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة أحد شيوخ مسلم فيه في مسنده ومصنفه عن أبي معاوية فقال عن أبي سعيد كما قال أحمد وكذا رويناه من طريق أبي نعيم في المستخرج من رواية عبيد بن غنام عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو نعيم أيضا من رواية أحمد ويحيى بن عبد الحميد وأبي خيثمة وأحمد بن جواس كلهم عن أبي معاوية فقال عن أبي سعيد وقال بعده أخرجه مسلم عن أبي بكر وأبي كريب ويحيى بن يحيى فدل على ان الوهم وقع فيه ممن دون مسلم إذ لو كان عنده عن أبي هريرة لبينه أبو نعيم ويقوي ذلك أيضا ان الدارقطني مع جزمه في العلل بان الصواب انه من حديث أبي سعيد لم يتعرض في تتبعه أوهام الشيخين الى رواية أبي معاوية هذه وقد أخرجه أبو عبيدة في غريب الحديث والجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم وخيثمة من طريق سعيد بن يحيى والإسماعيلي وابن حبان من طريق علي بن الجعد كلهم عن أبي معاوية فقالوا عن أبي سعيد وأخرجه بن ماجة عن أبي كريب أحد شيوخ مسلم فيه أيضا عن أبي معاوية فقال عن أبي سعيد كما قال الجماعة الا انه وقع في بعض النسخ عن بن ماجة اختلاف ففي بعضها عن أبي هريرة وفي بعضها عن أبي سعيد والصواب عن أبي سعيد لان بن ماجة جمع في سياقه بين جرير ووكيع وأبي معاوية ولم يقل أحد في رواية وكيع وجرير انها عن أبي هريرة وكل من أخرجها من المصنفين والمخرجين أورده عنهما من حديث أبي سعيد وقد وجدته في نسخة قديمة جدا قرئت في سنة بضع وسبعين وثلثمائة وهي في غاية الإتقان وفيها عن أبي سعيد واحتمال كون الحديث عند أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة جميعا مستبعد إذ لو كان كذلك لجمعها ولو مرة فلما كان غالب ما وجد عنه ذكر أبي سعيد دون ذكر أبي هريرة دل على ان في قول من قال عنه عن أبي هريرة شذوذا والله اعلم وقد جمعهما أبو عوانة عن الأعمش ذكره الدارقطني وقال في العلل رواه مسدد وأبو كامل وشيبان عن أبي عوانة كذلك ورواه عفان ويحيى بن حماد عن أبي عوانة فلم يذكرا فيه أبا سعيد قال ورواه زيد بن أبي انيسة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وكذلك قال نصر بن على عن عبد الله بن داود قال والصواب من روايات الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد لا عن أبي هريرة قال وقد رواه عاصم عن أبي صالح فقال عن أبي هريرة والصحيح عن أبي صالح عن أبي سعيد انتهى وقد سبق الى ذلك على بن المديني فقال في العلل رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد ورواه عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال والأعمش اثبت في أبي صالح من عاصم فعرف من كلامه ان من قال فيه عن أبي صالح عن أبي هريرة فقد شذ وكان سبب ذلك شهرة أبي صالح بالرواية عن أبي هريرة فيسبق اليه الوهم ممن ليس بحافظ واما الحفاظ فيميزون ذلك ورواية زيد بن أبي انيسة التي أشار إليها الدارقطني أخرجها الطبراني في الأوسط قال ولم يروه عن الأعمش الا زيد بن أبي انيسة ورواه شعبة وغيره عن الأعمش فقالوا عن أبي سعيد انتهى واما رواية عاصم فاخرجها النسائي في الكبرى والبزار في مسنده وقال ولم يروه عن عاصم الا زائدة وممن رواه عن الأعمش فقال عن أبي سعيد أبو بكر بن عياش عند عبد بن حميد ويحي بن عيسى الرملي عند أبي عوانة وأبو الأحوص عند بن أبي خيثمة وإسرائيل عند تمام الرازي واما ما حكاه الدارقطني عن رواية أبي عوانة فقد وقع لي من رواية مسدد وأبي كامل وشيبان عنه على الشك قال في روايته عن أبي سعيد أو أبي هريرة وأبو عوانة كان يحدث من حفظه فربما وهم وحديثه من كتابه اثبت ومن لم يشك أحق با لتقديم ممن شك والله اعلم وقد امليت على هذا الموضع جزءا مفردا لخصت مقاصده هنا بعون الله تعالى تكملة اختلف في ساب الصحابي فقال عياض ذهب الجمهور الى انه يعزر وعن بعض المالكية يقتل وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين وقواه السبكي في حق من كفر الشيخين وكذا من كفر من صرح النبي صلى الله عليه وسلم بايمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابع عشر حديث أبي موسى

[ 3471 ] قوله عن شريك بن أبي نمر هو بن عبد الله وأبو نمر جده قوله خرج ووجهه ههنا كذا للأكثر بفتح الواو وتشديد الجيم أي توجه أو وجه نفسه وفي رواية الكشميهني بسكون الجيم بلفظ الاسم مضافا الى الظرف أي جهة كذا قوله حتى دخل بئر اريس بفتح الالف وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة بستان بالمدينة معروف يجوز فيه الصرف وعدمه وهو بالقرب من قباء وفي بئرها سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من أصبع عثمان رضي الله عنه قوله وتوسط قفها بضم القاف وتشديد الفاء هو الداكة التي تجعل حول البئر واصله ما غلظ من الأرض وارتفع والجمع فيه قفاف ووقع في رواية عثمان بن غياث عن أبي عثمان عند مسلم بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ ينكت بعود معه بين الماء والطين قوله فقلت لأكونن بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم اليوم ظاهره انه اختار ذلك وفعله من تلقاء نفسه وقد صرح بذلك في رواية محمد بن جعفر عن شريك في الأدب فزاد فيه ولم يامرني قال بن التين فيه ان المرء يكون بوابا للامام وان لم يأمره كذا قال وقد وقع في رواية أبي عثمان الآتية في مناقب عثمان عن أبي موسى ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمره بحفظ باب الحائط ووقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب في هذا الحديث فقال يا أبا موسى املك علي الباب فانطلق فقضى حاجته وتوضأ ثم جاء فقعد على قف البئر أخرجه أبو عوانة في صحيحه والروياني في مسنده وفي رواية الترمذي من طريق أبي عثمان عن أبي موسى فقال لي يا أبا موسى املك علي الباب فلا يدخلن علي أحد فيجمع بينهما بأنه لما حدث نفسه بذلك صادف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بان يحفظ عليه الباب واما قوله ولم يامرني فيريد انه لم يأمره ان يستمر بوابا وانما امره بذلك قدر ما يقضي حاجته ويتوضأ ثم استمر هو من قبل نفسه وسيأتي له توجيه اخر في خبر الواحد فبطل ان يستدل به لما قاله بن التين والعجب انه نقل ذلك بعد عن الداودي وهذا من مختلف الحديث وكأنه خفي عليه وجه الجمع الذي قررته ثم ان قول أبي موسى هذا لا يعارض قول أنس انه صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب كما سبق في كتاب الجنائز لان مراد أنس انه لم يكن له بواب مرتب لذلك على الدوام قوله فدفع الباب في رواية أبي بكر فجاء رجل يستأذن قوله يبشرك بالجنة زاد أبو عثمان في روايته فحمد الله وكذا قال في عمر قوله وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني كان لأبي موسى اخوان أبو رهم وأبو بردة وقيل ان له أخا اخر اسمه محمد واشهرهم أبو بردة واسمه عامر وقد خرج عنه أحمد في مسنده حديثا قوله فإذا انسان يحرك الباب فيه حسن الأدب في الاستئذان قال بن التين ويحتمل ان يكون هذا قبل نزول قوله لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا قلت وما ابعد ما قال فقد وقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة فجاء رجل فاستأذن وسيأتي في اخر مناقب عمر من طريق أبي عثمان النهدي عن أبي موسى بلفظ فجاء رجل فاستفتح فعرف ان قوله يحرك الباب انما حركه مستأذنا لا دافعا له ليدخل بغير اذن قوله فقال عثمان فقلت على رسلك فجئت الى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ائذن له في رواية أبي عثمان ثم جاء اخر يستأذن فسكت هنية ثم قال ائذن له قوله وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك في رواية أبي عثمان فحمد الله ثم قال الله المستعان وفي رواية عند أحمد فجعل يقول اللهم صبرا حتى جلس وفي رواية عبد الرحمن بن حرملة فدخل وهو يحمد الله ويقول اللهم صبرا ووقع في حديث زيد بن أرقم عند البيهقي في الدلائل قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فقال انطلق حتى تأتي أبا بكر فقل له ان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك أبشر بالجنة ثم انطلق الى عمر كذلك ثم انطلق الى عثمان كذلك وزاد بعد بلاء شديد قال فانطلق فذكر انه وجدهم على الصفة التي قال له وقال أين نبي الله قلت في مكان كذا وكذا فانطلق اليه وقال في عثمان فأخذ بيدي حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان زيدا قال لي كذا والذي بعثك بالحق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك فأي بلاء يصيبني قال هو ذاك قال البيهقي إسناده ضعيف فان كان محفوظا احتمل ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن أرقم قبل ان يجيء أبو موسى فلما جاؤوا كان أبو موسى قد قعد على الباب فراسلهم على لسانه بنحو ما أرسل به إليهم زيد بن أرقم والله اعلم قلت ووقع نحو قصة أبي موسى لبلال وذلك فيما أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط المدينة فقال لبلال امسك علي الباب فجاء أبو بكر يستأذن فذكر نحوه وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد نحوه وهذا ان صح حمل على التعدد ثم ظهر لي ان فيه وهما من بعض رواته فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو وفي حديثه ان نافع بن عبد الحارث هو الذي كان يستأذن وهو وهم أيضا فقد رواه أحمد من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة عن نافع فذكره وفيه فجاء أبو بكر فاستأذن فقال لأبي موسى فيما اعلم ائذن له وأخرجه النسائي من طريق أبي الزناد عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى وهو الصواب فرجع الحديث الى أبي موسى واتحدت القصة والله اعلم وأشار صلى الله عليه وسلم بالبلوى المذكورة الى ما أصاب عثمان في اخر خلافته من الشهادة يوم الدار وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أصرح من هذا فروى أحمد من طريق كليب بن وائل عن بن عمر قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر رجل فقال يقتل فيها هذا يومئذ ظلما قال فنظرت فإذا هو عثمان إسناده صحيح قوله فجلس وجاهه بضم الواو وبكسرها أي مقابله قوله قال شريك هو موصول بالإسناد الماضي قوله قال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم فيه وقوع التأويل في اليقظة وهو الذي يسمى الفراسة والمراد اجتماع الصاحبين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدفن وانفراد عثمان عنهم في البقيع وليس خصوص صورة الجلوس الواقعة وقد وقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال سعيد فاولت ذلك انتباذ قبره من قبورهم وسيأتي في الفتن بلفظ اجتمعت ههنا وانفرد عثمان ولو ثبت الخبر الذي أخرجه أبو نعيم عن عائشة في صفة القبور الثلاثة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره لكان فيه تمام التشبيه ولكن سنده ضعيف وعارضه ما هو أصح منه واخرج أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد قال قلت لعائشة يا اماه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فكشفت لي الحديث وفيه فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبو بكر رأسه بين كتفيه وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الثامن عشر

[ 3472 ] قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وسعيد هو بن أبي عروبة قوله صعد أحدا هو الجبل المعروف بالمدينة ووقع في رواية لمسلم ولأبي يعلى من وجه اخر عن سعيد حراء والأول أصح ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة ثم ظهر لي ان الاختلاف فيه من سعيد فاني وجدته في مسند الحارث بن أبي أسامة عن روح بن عبادة عن سعيد فقال فيه أحدا أو حراء بالشك وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ حراء وإسناده صحيح وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ أحد وإسناده صحيح فقوي احتمال تعدد القصة وتقدم في اواخر الوقف من حديث عثمان أيضا نحوه وفيه حراء واخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيد تعدد القصة فذكر انه كان على حراء ومعه المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم والله اعلم قوله وأبو بكر وعمر قال بن التين انما رفع أبو بكر عطفا على الضمير المرفوع الذي في صعد وهو جائز اتفاقا لوجود الحائل وهو قوله أحدا وهو بخلاف قوله الاتي في اخر الباب كنت وأبو بكر وعمر وقوله اثبت وقع في مناقب عمر فضربه برجله وقال اثبت بلفظ الأمر من الثبات وهو الاستقرار واحد منادى ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز وحمله على الحقيقة أولى وقد تقدم شيء منه في قوله أحد جبل يحبنا ونحبه ويؤيده ما وقع في مناقب عمر انه ضربه برجله وقال اثبت قوله فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان في رواية يزيد بن زريع عن سعيد الآتية في مناقب عمر فما عليك الا نبي أو صديق أو شهيد و أو فيها للتنويع و شهيد للجنس الحديث التاسع عشر

[ 3473 ] قوله حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله هو الرباطي واسم جده إبراهيم واما السرخسي فكنيته أبو جعفر واسم جده صخر قوله حدثنا صخر هو بن جويرية قوله بينا انا على بئر أي في المنام كما تقدم التصريح به في هذا الباب من حديث أبي هريرة بينا انا نائم وسبق من وجه اخر عن بن عمر قبل مناقب الصحابة بباب رأيت الناس مجتمعين في صعيد واحد ويأتي في مناقب عمر بلفظ رأيت في المنام قوله انزع منها أي املأ الماء بالدلو قوله فنزع ذنوبا أو ذنوبين بفتح المعجمة وبالنون واخره موحدة الدلو الكبيرة إذا كان فيها الماء واتفق من شرح هذا الحديث على ان ذكر الذنوب إشارة الى مدة خلافته وفيه نظر لأنه ولي سنتين وبعض سنة فلو كان ذلك المراد لقال ذنوبين أو ثلاثة والذي يظهر لي ان ذلك إشارة الى ما فتح في زمانه من الفتوح الكبار وهي ثلاثة ولذلك لم يتعرض في ذكر عمر الى عدد ما نزعه من الدلاء وانما وصف نزعه بالعظمة إشارة الى كثرة ما وقع في خلافته من الفتوحات والله اعلم وقد ذكر الشافعي تفسير هذا الحديث في الام فقال بعد ان ساقه ومعنى قوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته انتهى فجمع في كلامه ما تفرق في كلام غيره ويؤيد ذلك ما وقع في حديث بن مسعود في نحو هذه القصة فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم فاعبرها يا أبا بكر فقال الي الأمر من بعدك ثم يليه عمر قال كذلك عبرها الملك أخرجه الطبراني لكن في إسناده أيوب بن جابر وهو ضعيف قوله وفي نزعه ضعف أي انه على مهل ورفق قوله والله يغفر له قال النووي هذا دعاء من المتكلم أي انه لا مفهوم له وقال غيره فيه إشارة الى قرب وفاة أبي بكر وهو نظير قوله تعالى لنبيه عليه السلام فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا فانها إشارة الى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قلت ويحتمل ان يكون فيه إشارة الى ان قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه لان سببه قصر مدته فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه قوله فاستحالت في يده غربا بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي دلوا عظيمة قوله فلم ار عبقريا بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها قاف مفتوحة وراء مكسورة وتحتانية ثقيلة والمراد به كل شيء بلغ النهاية واصله ارض يسكنها الجن ضرب بها العرب المثل في كل شيء عظيم وقيل قرية يعمل فيها الثياب البالغة في الحسن وسيأتي بقية ما فيه في مناقب عمر قوله يفري بفتح أوله وسكون الفاء وكسر الراء وسكون التحتانية وقوله فرية بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتانية المفتوحة وروي بسكون الراء وخطأه الخليل ومعناه يعمل عمله البالغ ووقع في حديث أبي عمر ينزع نزع عمرا قوله حتى ضرب الناس بعطن بفتح المهملتين واخره نون هو مناخ الإبل إذا شربت ثم صدرت وسيأتي في مناقب عمر بلفظ حتى روي الناس وضربوا بعطن ووقع في حديث أبي الطفيل بإسناد حسن عند البزار والطبراني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا انا انزع الليلة إذ وردت علي غنم سود وعفر فجاء أبو بكر فنزع فذكره وقال في عمر فملأ الحياض واروى الواردة وقال فيه فاولت السود العرب والعفر العجم قوله قال وهب هو بن جرير شيخ شيخه في هذا الحديث وكلامه هذا موصول بالسند المذكور وقوله يقول حتى رويت الإبل فأناخت هو مقول وهب المذكور وسيأتي شيء من مباحثه في كتاب التعبير ان شاء الله تعالى قال البيضاوي أشار بالبئر الى الدين الذي هو منبع ماؤه حياة النفوس وتمام أمر المعاش والمعاد والنزع منه إخراج الماء وفيه إشارة الى اشاعة امره واجراء احكامه وقوله يغفر الله له إشارة الى ان ضعفه المراد به الرفق غير قادح فيه أو المراد بالضعف ما وقع في أيامه من أمر الردة واختلاف الكلمة الى ان اجتمع ذلك في اخر أيامه وتكمل في زمان عمر واليه الإشارة بالقوة وقد وقع عند أحمد من حديث سمرة ان رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن دلوا من السماء دليت فجاء أبو بكر فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فشرب حتى تضلع الحديث ففي هذا إشارة الى بيان المراد بالنزع الضعيف والنزع القوي والله اعلم الحديث العشرون

[ 3474 ] قوله حدثنا الوليد بن صالح هو أبو محمد الضبي الجزري النخاس بالنون والخاء المعجمة وثقه أبو حاتم وغيره ولم يكتب عنه أحمد لأنه كان من أصحاب الرأي فراه يصلي فلم تعجبه صلاته وليس له في البخاري الا هذا الحديث الواحد وسيأتي من وجه اخر في مناقب عمر عن بن أبي حسين فظهر ان البخاري لم يحتج به قوله كنت وأبو بكر وعمر قال بن التين الاحسن عند النحاة ان لايعطف على الضمير المرفوع الا بعد تاكيده حتى قال بعضهم انه قبيح لكن يرد عليهم قوله تعالى ماأشركنا ولا اباؤنا وأجيب بأنه قد وقع الحائل وهو قوله لا وتعقب بان العطف قد حصل قبل لا قال ويرد عليهم أيضا هذا الحديث انتهى والتعقيب مردود فإنه وجد فاصل في الجملة واما هذا الحديث فلم تتفق الرواة على لفظه وسيأتي في مناقب عمر من وجه اخر بلفظ ذهبت انا وأبو بكر وعمر فعطف مع التاكيد مع اتحاد المخرج فدل على انه من تصرف الرواة وسيأتي شرح هذا الحديث قريبا في مناقب عمر ان شاء الله تعالى الحديث الحادي والعشرون

[ 3475 ] قوله حدثنا محمد بن يزيد الكوفي قيل هو أبو هشام الرفاعي وهو مشهور بكنيته وقال الحاكم والكلاباذي هو غيره ووقع في رواية بن السكن عن الفربري محمد بن كثير وهو وهم نبه عليه أبو علي الجياني لان محمد بن كثير لا تعرف له رواية عن الوليد والوليد هو بن مسلم وسيأتي الحديث في باب مالقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة من وجه اخر عن الوليد وفيه تصريحه وتصريح الأوزاعي بالتحديث ويأتي شرحه هناك ان شاء الله تعالى فائدة مات أبو بكر رضي الله عنه بمرض السل على ما قاله الزبير بن بكار وعن الواقدي انه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما وقيل بل سمته اليهود في حريرة أو غيرها وذلك على الصحيح لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة فكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة اشهر واياما وقيل غير ذلك ولم يختلفوا انه استكمل سن النبي صلى الله عليه وسلم فمات وهو بن ثلاث وستين والله اعلم

قوله باب مناقب عمر بن الخطاب أي بن نفيل بنون وفاء مصغر بن عبد العزى بن رياح بكسر الراء بعدها تحتانية واخره مهملة بن عبد الله بن قرط بن رزاح بفتح الراء بعدها زاي واخره مهملة بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب وعدد ما بينهما من الإباء الى كعب متفاوت بواحد بخلاف أبي بكر فبين النبي صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة اباء وبين عمر وبين كعب ثمانية وأم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عم أبي جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة ووقع عند بن منده انها بنت هشام أخت أبي جهل وهو تصحيف نبه عليه بن عبد البر قوله أبي حفص القرشي العدوي اما كنيته فجاء في السيرة لابن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم كناه بها وكانت حفصة أكبر أولاده واما لقبه فهو الفاروق باتفاق فقيل أول من لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه عن طريق بن عباس عن عمر ورواه بن سعد من حديث عائشة وقيل أهل الكتاب أخرجه بن سعد من الزهري وقيل جبريل رواه البغوي ثم ذكر المصنف في هذه الترجمة ستة عشر حديثا الحديث الأول حديث جابر وهو مشتمل على ثلاثة أحاديث

[ 3476 ] قوله حدثنا عبد العزيز بن الماجشون كذا لأبي ذر وسقط لفظ بن من رواية غيره وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني والماجشون لقب جده وتلقب به أولاده قوله حدثنا محمد بن المنكدر هكذا رواه الأكثر بن الماجشون ورواه صالح بن مالك عنه عن حميد عن أنس أخرجه البغوي في فوائده فلعل لعبد العزيز فيه شيخين ويؤيده اقتصاره في حديث حميد على قصة القصر فقط وقد أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان من وجه اخر عن حميد كذلك قوله رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة هي أم سليم والرميصاء بالتصغير صفة لها لرمض كان بعينها واسمها سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك وقيل هو اسمها ويقال فيه بالغين المعجمة بدل الراء وقيل هو اسم أختها أم حرام وقال أبو داود هو اسم أخت أم سليم من الرضاعة وجوز بن التين ان يكون المراد امرأة أخرى لأبي طلحة وقوله رأيتني بضم المثناة والضمير من المتكلم وهو من خصائص افعال القلوب قوله وسمعت خشفة بفتح المعجمتين والفاء أي حركة وزنا ومعنى ووقع لأحمد سمعت خشفا يعني صوتا قال أبو عبيد الخشفة الصوت ليس بالشديد قيل واصله صوت دبيب الحية ومعنى الحديث هنا ما يسمع من حس وقع القدم قوله فقلت من هذا فقال هذا بلال وهذا قد تقدم في صلاة الليل من حديث أبي هريرة مطولا وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق به وتقدم بعض الكلام عليه في صفة الجنة حيث اورد هناك من حديث أبي هريرة قوله ورأيت قصرا بفنائه جارية في حديث أبي هريرة الذي بعده تتوضأ الى جانب قصر وفي حديث أنس عند الترمذي قصر من ذهب والفناء بكسر الفاء وتخفيف النون مع المد جانب الدار قوله فقلت لمن هذا فقال في رواية الكشميهني فقالوا والظاهر ان المخاطب له بذلك جبريل أو غيره من الملائكة وقد افرد هذه القصة في النكاح وفي التعبير من وجه اخر عن بن المنكدر قوله فذكرت غيرتك في الرواية التي في النكاح فأردت ان أدخله فلم يمنعني الا علمي بغيرتك ووقع في رواية بن عيينة عن بن المنكدر وعمرو بن دينار جميعا عن جابر في هذه القصة الأخيرة دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا يسمع فيه ضوضاء فقلت لمن هذا فقيل لعمر والضوضاء بمعجمتين مفتوحتين بينهما واو وبالمد ووقع في حديث أبي هريرة ان عمر بكى ويأتي في النكاح بلفظ فبكى عمر وهو في المجلس وقوله بابي وامي أي أفديك بهما وقوله أعليك اغار معدود من القلب والأصل أعليها اغار منك قال بن بطال فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه قال وبكاء عمر يحتمل ان يكون سرورا ويحتمل ان يكون تشوقا أو خشوعا ووقع في رواية أبي بكر بن عياش عن حميد من الزيادة فقال عمر وهل رفعني الله الا بك وهل هداني الله الا بك رويناه في فوائد عبد العزيز الحربي من هذا الوجه وهي زيادة غريبة الحديث الثاني حديث أبي هريرة في المعنى ذكره مقتصرا على قصة رؤيا المرأة الى جانب القصر وزاد فيه قالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبرا وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مراعاة الصحبة وفيه فضيلة ظاهرة لعمر وقوله فيه تتوضأ يحتمل ان يكون على ظاهره ولا ينكر كونها تتوضأ حقيقة لان الرؤيا وقعت في زمن التكليف والجنة وان كان لا تكليف فيها فذاك في زمن الاستقرار بل ظاهر

[ 3477 ] قوله تتوضأ الى جانب قصر انها تتوضأ خارجة منه أو هو على غير الحقيقة ورؤيا المنام لاتحمل دائما على الحقيقة بل تحتمل التأويل فيكون معنى كونها تتوضأ انها تحافظ في الدنيا على العبادة أو المراد بقوله تتوضأ أي تستعمل الماء لاجل الوضاءة على مدلوله اللغوي وفيه بعد وأغرب بن قتيبة وتبعه الخطابي فزعم ان قوله تتوضأ تصحيف وتغيير من الناسخ وانما الصواب امرأة شوهاء ولم يستند في هذه الدعوى الا على استبعاد ان يقع في الجنة وضوء لأنه لا عمل فيها وعدم الاطلاع على المراد من الخبر لايقتضي تغليط الحفاظ ثم اخذ الخطابي في نقل كلام أهل اللغة في تفسير الشوهاء فقيل هي الحسناء ونقله عن أبي عبيدة وانما تكون حسناء إذا وصفت بها الفرس قال الجوهري فرس شوهاء صفة محمودة و الشوهاء الواسعة الفم وهو مستحسن في الخيل والشوهاء من النساء القبيحة كما جزم به بن الأعرابي وغيره وقد تعقب القرطبي كلام الخطابي لكن نسبه الى بن قتيبة فقط قال بن قتيبة بدل تتوضأ شوهاء ثم نقل ان الشوهاء تطلق على القبيحة والحسناء قال القرطبي والوضوء هنا لطلب زيادة الحسن لا للنظافة لان الجنة منزهة عن الاوساخ والأقذار وقد ترجم عليه البخاري في كتاب التعبير باب الوضوء في المنام فبطل ما تخيله الخطابي وفي الحديث فضيلة الرميصاء وانها كانت مواظبة على العبادة كذا نقله بن التين عن غيره وفيه نظر الحديث الثالث

[ 3478 ] قوله حدثنا محمد بن الصلت أبو جعفر هو الاسيدي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وله شيخ اخر يقال له محمد بن الصلت يكنى أبا يعلى وهو بصري وأبو جعفر أكبر من أبي يعلى واقدم سماعا قوله شربت يعني اللبن كذا أورده مختصرا وسيأتي في التعبير عن عبدان عن بن المبارك بلفظ بينا انا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه أي من ذلك اللبن قوله حتى انظر الى الري في رواية عبدان حتى اني ويجوز فتح همزة اني وكسرها ورؤية الري على سبيل الاستعارة كأنه لما جعل الري جسما أضاف اليه ما هو من خواص الجسم وهو كونه مرئيا واما قوله انظر فانما اتي به بصيغة المضارعة والأصل انه ماض استحضارا لصورة الحال وقوله انظر يؤيد ان قوله أرى في الرواية التي في العلم من رؤية البصر لا من العلم والري بكسر الراء ويجوز فتحها قوله يجري أي اللبن أو الري وهو حال قوله في ظفري أو اظفاري شك من الراوي وفي رواية عبدان من اظفاري ولم يشك وكذا في رواية عقيل في العلم لكن قال في اظفاري قوله ثم ناولت عمر في رواية عبدان ثم ناولت فضلي يعني عمر وفي رواية عقيل في العلم ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قوله قالوا فما اولته أي عبرته قال العلم بالنصب أي اولته العلم وبالرفع أي المؤول به هو العلم ووقع في جزء الحسين بن عرفة من وجه اخر عن بن عمر قال فقالوا هذا العلم الذي آتاكه الله حتى إذا امتلأت فضلت منه فضلة فاخذها عمر قال اصبتم وإسناده ضعيف فإن كان محفوظا احتمل ان يكون بعضهم أول وبعضهم سأل ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سببا للصلاح فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي وفي الحديث فضيلة عمر وان الرؤيا من شأنها ان لاتحمل على ظاهرها وان كانت رؤيا الأنبياء من الوحي لكن منها ما يحتاج الى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره وسيأتي تقرير ذلك في كتاب التعبير ان شاء الله تعالى والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة الى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة الى عثمان فان مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الاراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن الى ان افضى الأمر الى قتله واستخلف علي فما ازداد الأمر الا اختلافا والفتن الا انتشارا الحديث الرابع حديث بن عمر في رؤية النزع من البئر وقد تقدم قريبا في مناقب أبي بكر

[ 3479 ] قوله حدثنا عبيد الله هو بن عمر العمري قوله حدثني أبو بكر بن سالم أي بن عبد الله بن عمر وهو من اقران الراوي عنه وهما مدنيان من صغار التابعين واما أبو سالم فمعدود من كبارهم وهو أحد الفقهاء السبعة وليس لأبي بكر بن سالم في البخاري غير هذا الموضع ووثقه العجلي ولا يعرف له راو الا عبيد الله بن عمر المذكور وانما اخرج له البخاري في المتابعات وقد مضى الحديث من طريق الزهري عن سالم قوله بدلو بكرة بفتح الموحدة والكاف على المشهور وحكى بعضهم تثليث أوله ويجوز اسكانها على ان المراد نسبة الدلو الى الأنثى من الإبل وهي الشابة أي الدلو التي يسقي بها واما بالتحريك فالمراد الخشبة المستديرة التي يعلق فيها الدلو قوله قال بن جبير العبقري عتاق الزرابي وصله عبد بن حميد من طريقه وكذا رويناه في صفة الجنة لأبي نعيم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير قال في قوله تعالى متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان قال الرفرف رياض الجنة والعبقري الزرابي ووقع في رواية الأصيلي وكريمة وبعض النسخ عن أبي ذر هنا قال بن نمير وقيل المراد محمد بن عبد الله بن نمير شيخ المصنف فيه وسيأتي بسط القول في كتاب التعبير والمراد بالعتاق الحسان والزرابي جمع زربية وهي البساط العريض الفاخر قال في المشارق العبقري النافذ الماضي الذي لا شيء يفوقه قال أبو عمر وعبقري القوم سيدهم وقيمهم وكبيرهم وقال الفراء العبقري السيد والفاخر من الحيوان والجوهر والبساط المنقوش وقيل هو منسوب الى عبقر موضع بالبادية وقيل قرية يعمل فيها الثياب البالغة في الحسن والبسط وقيل نسبة الى ارض تسكنها الجن تضرب بها العرب المثل في كل شيء عظيم قاله أبو عبيدة قال بن الأثير فصاروا كلما رأوا شيئا غريبا مما يصعب عمله ويدق أو شيئا عظيما في نفسه نسبوه إليها فقالوا عبقري ثم اتسع فيه حتى سمي به السيد الكبير ثم استطرد المصنف كعادته فذكر معنى صفة الزرابي الواردة في القران في قوله تعالى وزرابي مبثوثة قوله وقال يحيى هو بن زياد الفراء ذكر ذلك في كتاب معاني القران له وظن الكرماني انه يحيى بن سعيد القطان فجزم بذلك واستند الى كون الحديث ورد من روايته كما تقدم في مناقب أبي بكر قوله الطنافس هي جمع طنفسة وهي البساط قوله لها خمل بفتح المعجمة والميم بعدها لام أي اهداب وقوله رقيق أي غير غليظة قوله مبثوثة كثيرة هو بقية كلام يحيى بن زياد المذكور الحديث الخامس

[ 3480 ] قوله عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد أي بن الخطاب وفي الإسناد أربعة من التابعين على نسق قرينان وهما صالح وهو بن كيسان وابن شهاب وقريبان وهما عبد الحميد ومحمد بن سعد وكلهم مدنيون قوله استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش هن من أزواجه ويحتمل ان يكون معهن من غيرهن لكن قرينة قوله يستكثرنه يؤيد الأول والمراد انهن يطلبن منه أكثر مما يعطيهن وزعم الداودي ان المراد انهن يكثرن الكلام عنده وهو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم انهن يطلبن النفقة قوله عالية بالرفع على الصفة وبالنصب على الحال وقوله اصواتهن على صوته قال بن التين يحتمل ان يكون ذلك قبل نزول النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك طبعهن انتهى وقال غيره يحتمل ان يكون الرفع حصل من مجموعهن لا ان كل واحدة منهن كان صوتها ارفع من صوته وفيه نظر قيل ويحتمل ان يكون فيهن جهيرة أو النهي خاص بالرجال وقيل في حقهن للتنزيه أو كن في حال المخاصمة فلم يتعمدن أو وثقن بعفوه ويحتمل في الخلوة ما لايحتمل في غيرها قوله اضحك الله سنك لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور أو نفي ضد لازمه وهو الحزن قوله اتهبنني من الهيبة أي توقرنني قوله أنت أفظ وأغلظ بالمعجمتين بصيغة افعل التفضيل من الفظاظة والغلظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فإنه يقتضي انه لم يكن فظا ولا غليظا والجواب ان الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة لازمة فلا يستلزم ما في الحديث ذلك بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال وهو عند إنكار المنكر مثلا والله اعلم وجوز بعضهم ان الافظ هنا بمعنى الفظ وفيه نظر للتصريح بالترجيح المقتضي لحمل افعل على بابه وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بما يكره الا في حق من حقوق الله وكان عمر يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقا وطلب المندوبات فلهذا قال النسوة له ذلك قوله أيها يا بن الخطاب قال أهل اللغة أيها بالفتح والتنوين معناها لاتبتدئنا بحديث وبغير تنوين كف من حديث عهدناه و ايه بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين معناها زدنا مما حدثتنا ووقع في روايتنا بالنصب والتنوين وحكى بن التين انه وقع له بغير تنوين وقال معناه كف عن لومهن وقال الطيبي الأمر بتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوب لذاته تحمد الزيادة منه فكان قوله صلى الله عليه وسلم ايه استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه ولذلك عقبه بقوله والذي نفسي بيده الخ فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله والله اعلم قوله فجا أي طريقا واسعا وقوله قط تاكيد للنفي قوله الا سلك فجا غير فجك فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي ان الشيطان لا سبيل له عليه لا ان ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه الا فرار الشيطان منه ان يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل اليه قدرته فان قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى ان لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن ان يكون حفظ من الشيطان ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ ان الشيطان لا يلقى عمر منذ اسلم الا خر لوجهه وهذا دل على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض وقال النووي هذا الحديث محمول على ظاهره وان الشيطان يهرب إذا رآه وقال عياض يحتمل ان يكون ذاك على سبيل ضرب المثل وان عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان والأول أولى انتهى الحديث السادس

[ 3481 ] قوله حدثنا يحيى بن سعيد القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وعبد الله هو بن مسعود ووقع في رواية بن عيينة عن إسماعيل كما سيأتي في باب إسلام عمر التصريح بذلك قوله ما زلنا اعزة منذ اسلم عمر أي لما كان فيه من الجلد والقوة في أمر الله وروى بن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال قال عبد الله بن مسعود كان إسلام عمر عزا وهجرته نصرا وامارته رحمة والله ما استطعنا ان نصلي حول البيت ظاهرين حتى اسلم عمر وقد ورد سبب إسلامه مطولا فيما أخرجه الدارقطني من طريق القاسم بن عثمان عن أنس قال خرج عمر متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة فذكر قصة دخول عمر على أخته وانكاره اسلامها واسلام زوجها سعيد بن زيد وقراءته سورة طه ورغبته في الإسلام فخرج خباب فقال أبشر يا عمر فاني ارجو ان تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك قال اللهم أعز الإسلام بعمر أو بعمرو بن هشام وروى أبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من حديث بن عباس وفي اخره فقلت يا رسول الله ففيم الاختفاء فخرجنا في صفين انا في أحدهما وحمزة في الاخر فنظرت قريش إلينا فاصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها وأخرجه البزار من طريق اسلم مولى عمر عن عمر مطولا وروى بن أبي خيثمة من حديث عمر نفسه قال لقد رايتني وما اسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تسعة وثلاثون رجلا فكملتهم أربعين فأظهر الله دينه واعز الإسلام وروى البزار نحوه من حديث بن عباس وقال فيه فنزل جبريل فقال يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين وفي فضائل الصحابة لخيثمة من طريق أبي وائل عن بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ايد الإسلام بعمر ومن حديث علي مثله بلفظ أعز وفي حديث عائشة مثله أخرجه الحاكم بإسناد صحيح وأخرجه الترمذي من حديث بن عمر بلفظ اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بابي جهل أو بعمر قال فكان احبهما اليه عمر قال الترمذي حسن صحيح قلت وصححه بن حبان أيضا وفي إسناده خارجة بن عبد الله صدوق فيه مقال لكن له شاهد من حديث بن عباس أخرجه الترمذي أيضا ومن حديث أنس كما قدمته في القصة المطولة ومن طريق اسلم مولى عمر عن عمر عن خباب وله شاهد مرسل أخرجه بن سعد من طريق سعيد بن المسيب والإسناد صحيح اليه وروى بن سعد أيضا من حديث صهيب قال لما اسلم عمر قال المشركون انتصف القوم منا وروى البزار والطبراني من حديث بن عباس نحوه

[ 3482 ] قوله في السند أخبرنا عمر بن سعيد أي بن أبي حسين ووقع في رواية الفابسي سعد بسكون العين وهو وهم الحديث السابع حديث بن عباس قال وضع عمر على سريره فتكنفه الناس بنون وفاء أي احاطوا به من جميع جوانبه والاكناف النواحي قوله وضع عمر على سريره تقدم في اخر مناقب أبي بكر بلفظ اني لواقف مع قوم وقد وضع عمر على سريره أي لما مات وهي جملة حالية من عمر قوله فلم يرعني أي لم يفزعني والمراد انه رآه بغتة قوله الا رجل اخذ بوزن فاعل وفي رواية الكشميهني اخذ بلفظ الفعل الماضي قوله فترحم على عمر تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ فقال يرحمك الله قوله احب يجوز نصبه ورفعه و اني يجوز فيه الفتح والكسر وفي هذا الكلام ان عليا كان لا يعتقد ان لاحد عملا في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر وقد اخرج بن أبي شيبة ومسدد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحو هذا الكلام وسنده صحيح وهو شاهد جيد لحديث بن عباس لكون مخرجه عن ال علي رضي الله عنه قوله مع صاحبيك يحتمل ان يريد ما وقع وهو دفنه عندهما ويحتمل ان يريد بالمعية ما يئول اليه الأمر بعد الموت من دخول الجنة ونحو ذلك والمراد بصاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقوله وحسبت اني يجوز فتح الهمزة وكسرها وتقدم في مناقب أبي بكر بلفظ لأني كثيرا ما كنت اسمع واللام للتعليل وما إبهامية مؤكدة وكثيرا ظرف زمان وعامله كان قدم عليه وهو كقوله تعالى قليلا ما تشكرون ووقع للأكثر كثيرا مما كنت اسمع بزيادة من ووجهت بان التقدير اني أجد كثيرا مما كنت اسمع الحديث الثامن حديث اثبت أحد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر

[ 3483 ] قوله وقال لي خليفة هو بن خياط ومحمد بن سواء بمهملة وتخفيف ومد هو السدوسي البصري اخرج له هنا وفي الأدب وكهمس بمهملة وزن جعفر هو بن المنهال سدوسي أيضا بصري ما له في البخاري غير هذا الموضع وسعيد هو بن أبي عروبة وسقط جميع ذلك من رواية أبي ذر في بعض النسخ واقتصر على طريق يزيد بن زريع قوله فما عليك الا نبي أو صديق أو شهيد تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ فانما عليك نبي وصديق وشهيدان فتكون أو في حديث الباب بمعنى الواو ويكون لفظ شهيد للجنس ووقع لبعضهم بلفظ نبي وصديق أو شهيد فقيل أو بمعنى الواو وقيل تغيير الاسلوب للاشعار بمغايرة الحال لان صفتي النبوة والصديقية كانتا حاصلتين حينئذ بخلاف صفة الشهادة فانها لم تكن وقعت حينئذ الحديث التاسع

[ 3484 ] قوله حدثني عمر هو بن محمد ووقع في رواية حرملة عن بن وهب حدثني عمر بن محمد بن زيد أي بن عبد الله بن عمر قوله سالني بن عمر عن بعض شانه يعني عمر ويريد ان بن عمر سأل اسلم مولى عمر عن بعض شان عمر قوله فقال ما رأيت هو مقول بن عمر قوله أجد بفتح الجيم والتشديد افعل من جد إذا اجتهد واجود افعل من الجود قوله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل ان يكون المراد بالبعدية في الصفات ولا يتعرض فيه للزمان فيتناول زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعده فيشكل بابي بكر الصديق وبغيره من الصحابة ممن كان يتصف بالجود المفرط أو بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكل بابي بكر الصديق أيضا ويمكن تاويله بزمان خلافته واجود افعل من الجود أي لم يكن أحد أجد منه في الأمور ولا أجود بالأموال وهو محمول على وقت مخصوص وهو مدة خلافته ليخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من ذلك قوله حتى انتهى أي الى اخر عمره وهذا بناء على ان فاعل انتهى عمر وقائل ذلك بن عمر ويحتمل ان يكون فاعل انتهى بن عمر أي انتهى في الإنصاف بعد أجد واجود حتى فرغ مما عنده وقائل ذلك نافع والله اعلم الحديث العاشر حديث أنس ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة هو ذو الخويصرة اليماني وزعم بن بشكوال انه أبو موسى الأشعري أو أبو ذر ثم ساق من حديث أبي موسى قلت يا رسول الله المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ومن حديث أبي ذر فقلت يا رسول الله المرء يحب القوم ولا يستطيع ان يعمل بعملهم وسؤال هذين انما وقع عن العمل والسؤال في حديث الباب انما وقع عن الساعة فدل على التعدد وسيأتي في الأدب من طريق اخر عن أنس ان السائل عن الساعة أعرابي وكذا وقع عند الدارقطني من حديث أبي مسعود ان الأعرابي الذي بال في المسجد قال يا محمد متى الساعة قال وما أعددت لها فدل ان السائل في حديث أنس هو الأعرابي الذي بال في المسجد وتقدم في الطهارة انه ذو الخويصرة اليماني كما أخرجه أبو موسى المديني في دلائل معرفة الصحابة وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الأدب والمراد منه ذكر أبي بكر وعمر في حديث أنس هذا وانه قرنهما في العمل بالنبي صلى الله عليه وسلم والله اعلم الحديث الحادي عشر حديث أبي هريرة أورده من وجهين

[ 3486 ] قوله عن أبي هريرة كذا قال أصحاب إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة وخالفهم بن وهب فقال عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن عائشة قال أبو مسعود لا اعلم أحدا تابع بن وهب على هذا والمعروف عن إبراهيم بن سعد انه عن أبي هريرة لا عن عائشة وتابعه زكريا بن أبي زائدة عن إبراهيم بن سعد يعني كما ذكره المصنف معلقا هنا وقال محمد بن عجلان عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة أخرجه مسلم والترمذي والنسائي قال أبو مسعود وهو مشهور عن بن عجلان فكان أبا سلمة سمعه من عائشة ومن أبي هريرة جميعا قلت وله أصل من حديث عائشة أخرجه بن سعد من طريق بن أبي عتيق عنها وأخرجه من حديث خفاف بن إيماء انه كان يصلي مع عبد الرحمن بن عوف فإذا خطب عمر سمعه يقول اشهد انك مكلم قوله محدثون بفتح الدال جمع محدث واختلف في تاويله فقيل ملهم قاله الأكثر قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به وبهذا جزم أبو أحمد العسكري وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه رويناه في فوائد الجوهري وحكاه القابسي وآخرون ويؤيده ماثبت في الرواية المعلقة ويحتمل رده الى المعنى الأول أي تكلمه في نفسه وان لم ير مكلما في الحقيقة فيرجع الى الالهام وفسره بن التين بالتفرس ووقع في مسند الحميدي عقب حديث عائشة المحدث الملهم بالصواب الذي يلقي على فيه وعند مسلم من رواية بن وهب ملهمون وهي الإصابة بغير نبوة وفي رواية الترمذي عن بعض أصحاب بن عيينة محدثون يعني مفهمون وفي رواية الإسماعيلي قال إبراهيم يعني بن سعد راويه قوله محدث أي يلقي في روعه انتهى ويؤيده حديث ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه أخرجه الترمذي من حديث بن عمر وأحمد من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث بلال وأخرجه في الأوسط من حديث معاوية وفي حديث أبي ذر عند أحمد وأبي داود يقول به بدل قوله وقلبه وصححه الحاكم وكذا أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمر نفسه قوله زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد هو بن إبراهيم المذكور وفي روايته زيادتان إحداهما بيان كونهم من بني إسرائيل والثانية تفسير المراد بالمحدث في رواية غيره فإنه قال بدلها يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء قوله منهم أحد في رواية الكشميهني من أحد ورواية زكريا وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما وقوله وان يك في أمتي قيل لم يورد هذا القول مورد الترديد فان أمته أفضل الأمم وإذا ثبت ان ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى وانما أورده مورد التاكيد كما يقول الرجل ان يكن لي صديق فإنه فلان ويريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الاصدقاء ونحوه قول الاجير ان كنت عملت لك فوفني حقي وكلاهما عالم بالعمل لكن مراد القائل ان تأخيرك حقي عمل من عنده شك في كوني عملت وقيل الحكمة فيه ان وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي واحتمل عنده صلى الله عليه وسلم ان لا تحتاج هذه الأمة الى ذلك لاستغنائها بالقران عن حدوث نبي وقد وقع الأمر كذلك حتى ان المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما وقع له بل لابد له من عرضه على القران فان وافقه أو وافق السنة عمل به والا تركه وهذا وان جاز ان يقع لكنه نادر ممن يكون امره منهم مبنيا على اتباع الكتاب والسنة وتمحضت الحكمة في وجودهم وكثرتهم بعد العصر الأول في زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيه وقد تكون الحكمة في تكثيرهم مضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء فيهم فلما فات هذه الأمة كثرة الأنبياء فيها لكون نبيها خاتم الأنبياء عوضوا بكثرة الملهمين وقال الطيبي المراد بالمحدث الملهم البالغ في ذلك مبلغ النبي صلى الله عليه وسلم في الصدق والمعنى لقد كان فيما قبلكم من الأمم أنبياء ملهمون فان يك في أمتي أحد هذا شانه فهو عمر فكأنه جعله في انقطاع قرينه في ذلك هل نبي أم لا لذلك اتى بلفظ ان ويؤيد حديث لو كان بعدي نبي لكان عمر فلو فيه بمنزلة ان في الاخر على سبيل الفرض والتقدير انتهى والحديث المشار اليه أخرجه أحمد والترمذي وحسنة وابن حبان والحاكم من حديث عقبة بن عامر وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد ولكن في تقرير الطيبي نظر لأنه وقع في نفس الحديث من غير ان يكونوا أنبياء ولا يتم مراده الا بفرض انهم كانوا أنبياء قوله قال بن عباس من نبي ولا محدث أي في قوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا إذا تمنى الآية كان بن عباس زاد فيها ولا محدث أخرجه سفيان بن عيينة في اواخر جامعه وأخرجه عبد بن حميد من طريقه وإسناده الى بن عباس صحيح ولفظه عن عمرو بن دينار قال كان بن عباس يقرأ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القران مطابقا لها ووقع له بعد النبي صلى الله عليه وسلم عدة اصابات الحديث الثاني عشر حديث أبي هريرة في الذي كلمه الذئب أورده مختصرا بدون قصة البقرة وقد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر الحديث الثالث عشر حديث أبي امامة عن أبي سعيد

[ 3488 ] قوله عن أبي سعيد الخدري كذا رواه أكثر أصحاب الزهري ورواه معمر عن الزهري عن أبي امامة بن سهل عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأبهمه أخرجه أحمد وقد تقدم في الإيمان من رواية صالح بن كيسان عن الزهري فصرح بذكر أبي سعيد ووقع في التعبير من هذا الوجه عن أبي امامة بن سهل انه سمع أبا سعيد قوله رأيت الناس عرضوا علي الحديث وفيه عرض على عمر وعليه قميص اجتره أي لطوله وقد تقدم من رواية صالح بلفظ يجره قوله قالوا فما اولت ذلك سيأتي في التعبير ان السائل عن ذلك أبو بكر ويأتي بقية شرحه هناك ان شاء الله تعالى وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه ان عمر أفضل من أبي بكر الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله عرض علي الناس فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وان كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم ان لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه واسبغ فلعله كان كذلك الا ان المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله اعلم الحديث الرابع عشر

[ 3489 ] قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم هو الذي يقال له بن علية قوله عن المسور بن مخرمة كذا رواه بن علية ورواه حماد بن زيد كما علقه المصنف بعد فقال عن بن عباس وأخرجه الإسماعيلي من رواية القواريري عن حماد بن زيد موصولا ويحتمل ان يكون محفوظا عن الإثنين قوله لما طعن عمر سيأتي بيان ذلك بعد في اواخر مناقب عثمان قوله وكأنه يجزعه بالجيم والزاي الثقيلة أي ينسبه الى الجزع ويلومه عليه أو معنى يجزعه يزيل عنه الجزع وهو كقوله تعالى حتى إذا فزع عن قلوبهم أي ازيل عنهم الفزع ومثله مرضه إذا عانى إزالة مرضه ووقع في رواية الجرجاني وكأنه جزع هذا يرجع الضمير فيه الى عمر بخلاف رواية الجماعة فان الضمير فيها لابن عباس ووقع في رواية حماد بن زيد وقال بن عباس مسست جلد عمر فقلت جلد لا تمسه النار ابدا قال فنظر الي نظرة كنت ارثي له من تلك النظرة قوله ولئن كان ذاك كذا في رواية الأكثر وفي رواية الكشميهني ولا كل ذلك أي لا تبالغ في الجزع فيما أنت فيه ولبعضهم ولا كان ذلك وكأنه دعا أي لا يكون ما تخافه أو لا يكون الموت بتلك الطعنة قوله ثم فارقت كذا بحذف المفعول وللكشميهني ثم فارقته قوله ثم صحبتهم فاحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم يعني المسلمين وفي رواية بعضهم ثم صحبت صحبتهم بفتح الصاد والحاء والموحدة أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وفيه نظر للاتيان بصيغة الجمع موضع التثنية قال عياض يحتمل ان يكون صحبت زائدة وانما هو ثم صحبتهم أي المسلمين قال والرواية الأولى هي الوجه ورويناها في امالي أبي الحسن بن رزقوية من حديث بن عمر قال لما طعن عمر قال له بن عباس فذكر حديثا قال فيه ولما أسلمت كان اسلامك عزا قوله فان ذلك من أي عطاء وفي رواية الكشميهني فإنما ذلك قوله فهو من اجلك ومن اجل أصحابك في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي اصيحابك بالتصغير أي من جهة فكرته فيمن يستخلف عليهم أو من اجل فكرته في سيرته التي سارها فيهم وكأنه غلب عليه الخوف في تلك الحالة مع هضم نفسه وتواضعه لربه قوله طلاع الأرض بكسر الطاء المهملة والتخفيف أي ملأها واصل الطلاع ما طلعت عليه الشمس والمراد هنا ما يطلع عليها ويشرف فوقها من المال قوله قبل ان أراه أي العذاب وانما قال ذلك لغلبة الخوف الذي وقع له في ذلك الوقت من خشية التقصير فيما يجب عليه من حقوق الرعية أو من الفتنة بمدحهم قوله قال حماد بن زيد وصله الإسماعيلي كما تقدم والله اعلم وسيأتي مزيد في الكلام على هذا الحديث في قصة قتل عمر اخر مناقب عثمان واخرج بن سعد من طريق أبي عبيد مولى بن عباس عن بن عباس فذكر شيئا من قصة قتل عمر الحديث الخامس عشر حديث أبي موسى تقدم مبسوطا مع شرحه في مناقب أبي بكر بما يغني عن الإعادة الحديث السادس عشر

[ 3491 ] قوله أخبرني حيوة بفتح المهملة والواو بينهما تحتانية ساكنة هو بن شريح المصري قوله عبد الله بن هشام أي بن زهرة بن عثمان التيمي بن عم طلحة بن عبيد الله قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو اخذ بيد عمر بن الخطاب هو طرف من حديث يأتي تمامه في الإيمان والنذور وبقيته فقال له عمر يا رسول الله لانت احب الي من كل شيء الحديث وقد ذكرت شيئا من مباحثه في كتاب الإيمان وسيأتي بيان الوقت الذي قتل فيه عمر في اخر ترجمة عثمان ان شاء الله تعالى

قوله باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف وعدد ما بينهما من الإباء متفاوت فالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث العدد في درجة عفان كما وقع لعمر سواء واما كنيته فهو الذي استقر عليه الأمر وقد نقل يعقوب بن سفيان عن الزهري انه كان يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله الذي رزقه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه ومات عبد الله المذكور صغيرا وله ست سنين وحكى بن سعد ان موته كان سنة أربع من الهجرة وماتت أمه رقية قبل ذلك سنة اثنتين والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وكان بعض من ينتقصه يكنيه أبا ليلى يشير الى لين جانبه حكاه بن قتيبة وقد اشتهر ان لقبه ذو النورين وروى خيثمة في الفضائل والدارقطني في الافراد من حديث على انه ذكر عثمان فقال ذاك امرؤ يدعى في السماء ذا النورين وساذكر اسم أمه ونسبها في الكلام على الحديث الثاني من ترجمته قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان وقال النبي صلى الله عليه وسلم من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان هذا التعليق تقدم ذكر من وصله في اواخر كتاب الوقف وبسطت هناك الكلام عليه وفيه من مناقب عثمان أشياء كثيرة استوعبتها هناك فاغني عن اعادتها والمراد بجيش العسرة تبوك كما سيأتي في المغازي واخرج أحمد والترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي ان عثمان أعان فيها بثلاثمائة بعير ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة ان عثمان اتى فيها بالف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى في الوقف بقية طرقه وفي حديث حذيفة عند بن عدي فجاء عثمان بعشرة آلاف دينار وسنده واه ولعلها كانت بعشرة آلاف درهم فتوافق رواية الف دينار ثم ذكر المصنف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي موسى في قصة القف أوردها مختصرة من طريق أبي عثمان عن أبي موسى وقد تقدم شرحها في مناقب أبي بكر الصديق

[ 3492 ] قوله فسكت هنيهة بالتصغير أي قليلا قوله قال حماد وحدثنا عاصم كذا للأكثر وهو بقية الإسناد المتقدم وحماد هو بن زيد ووقع في رواية أبي ذر وحده وقال حماد بن سلمة حدثنا عاصم الخ والأول اصوب فقد أخرجه الطبراني عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب فذكر الحديث وفي اخره قال حماد فحدثني علي بن الحكم وعاصم انهما سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى نحوا من هذا غير ان عاصما زاد فذكر الزيادة وقد وقع لي من حديث حماد بن سلمة لكن عن علي بن الحكم وحده أخرجه بن أبي خيثمة في تاريخه عن موسى بن إسماعيل والطبراني من طريق حجاج بن منهال وهدبة بن خالد كلهم عن حماد بن سلمة عن علي بن الحكم وحده به وليست فيه الزيادة ثم وجدته في نسخة الصغاني مثل رواية أبي ذر والله اعلم قوله وزاد فيه عاصم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبته فلما دخل عثمان غطاها قال بن التين انكر الداودي هذه الرواية وقال هذه الزيادة ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث وانما ذلك الحديث ان أبا بكر اتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر ثم دخل عمر ثم دخل عثمان فغطاها الحديث قلت يشير الى حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحالة الحديث وفيه ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال الا استحي من رجل تستحي منه الملائكة وفي رواية لمسلم انه صلى الله عليه وسلم قال في جواب عائشة ان عثمان رجل حي واني خشيت ان اذنت له على تلك الحالة لايبلغ الي في حاجته انتهى وهذا لا يلزم منه تغليط رواية عاصم إذ لا مانع ان يتفق النبي صلى الله عليه وسلم ان يغطي ذلك مرتين حين دخل عثمان وان يقع ذلك في موطنين ولا سيما مع اختلاف مخرج الحديثين وانما يقال ما قاله الداودي حيث تتفق المخارج فيمكن ان يدخل حديث في حديث لا مع افتراق المخارج كما في هذا والله اعلم الحديث الثاني حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار في قصة الوليد بن المغيرة

[ 3493 ] قوله مايمنعك ان تكلم عثمان في رواية معمر عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة ان تكلم خالك ووجه كون عثمان خاله ان أم عبيد الله هذا هي أم قتال بنت اسيد بن أبي العاص بن أمية وهي بنت عم عثمان واقارب الام يطلق عليهم اخوال واما أم عثمان فهي أروى بنت كريز بالتصغير بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب وهي شقيقة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ويقال انهما ولدا توأما حكاه الزبير بن بكار فكان بن بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم بن خال والدته وقد أسلمت أم عثمان كما بينت ذلك في كتاب الصحابة ورى محمد بن الحسين المخزومي في كتاب المدينة انها ماتت في خلافة ابنها عثمان وانه كان ممن حملها الى قبرها واما أبوه فهلك في الجاهلية قوله لأخيه اللام للتعليل أي لاجل أخيه ويحتمل ان تكون بمعنى عن ووقع في رواية الكشميهني في أخيه قوله الوليد أي بن عقبة وصرح بذلك في رواية معمر وعقبة هو بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس وكان أخا عثمان لامه وكان عثمان ولاه الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص فان عثمان كان ولاه الكوفة لما ولي الخلافة بوصية من عمر كما سيأتي في اخر ترجمة عثمان في قصة مقتل عمر ثم عزله بالوليد وذلك سنة خمس وعشرين وكان سبب ذلك ان سعدا كان اميرها وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال فاقترض سعد منه مالا فجاءه يتقاضاه فاختصما فبلغ عثمان فغضب عليهما وعزل سعدا واستحضر الوليد وكان عاملا بالجزيرة على عسر بها فولاه الكوفة وذكر ذلك الطبري في تاريخه قوله فقد أكثر الناس فيه أي في شأن الوليد أي من القول ووقع في رواية معمر وكان أكثر الناس فيما فعل به أي من تركه إقامة الحد عليه وانكارهم عليه عزل بن أبي وقاص به مع كون سعد أحد العشرة ومن أهل الشورى واجتمع له من الفضل والسنن والعلم والدين والسبق الى الإسلام ما لم يتفق شيء منه للوليد بن عقبة والعذر لعثمان في ذلك ان عمر كان عزل سعدا كما تقدم بيانه في الصلاة وأوصى عمر من يلي الخلافة بعده ان يولي سعدا قال لأني لم اعزله عن خيانة ولا عجز كما سيأتي ذلك في حديث مقتل عمر قريبا فولاه عثمان امتثالا لوصية عمر ثم عزله للسبب الذي تقدم ذكره وولى الوليد لما ظهر له من كفايته لذلك وليصل رحمه فلما ظهر له سوء سيرته عزله وانما اخر إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من شهد عليه بذلك فلما وضح له الأمر أمر بإقامة الحد عليه وروى المدائني من طريق الشعبي ان عثمان لما شهدوا عنده على الوليد حبسه قوله فقصدت لعثمان حتى خرج أي انه جعل غاية القصد خروج عثمان وفي رواية الكشميهني حين خرج وهي تشعر بأن القصد صادف وقت خروجه بخلاف الرواية الأخرى فانها تشعر بأنه قصد اليه ثم انتظره حتى خرج ويؤيد الأول رواية معمر فانتصبت لعثمان حين خرج قوله ان لي إليك حاجة وهي نصيحة لك فقال يا أيها المرء منك كذا في رواية يونس قوله قال معمر أعوذ بالله منك هذا تعليق أراد به المصنف بيان الخلاف بين الروايتين ورواية معمر قد وصلها في هجرة الحبشة كما قدمته ولفظه هناك فقال يا أيها المرء أعوذ بالله منك قال بن التين انما استعاذ منه خشية ان يكلمه بشيء يقتضي الإنكار عليه وهو في ذلك معذور فيضيق بذلك صدره قوله فانصرفت فرجعت إليهما زاد في رواية معمر فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي فقالا قد قضيت الذي كان عليك قوله إذ جاء رسول عثمان في رواية معمر فبينما انا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان فقالا لي قد ابتلاك الله فانطلقت ولم اقف في شيء من الطرق على اسم هذا الرسول قوله وكنت ممن استجاب هو بفتح كنت على المخاطبة وكذا هاجرت وصحبت وأراد بالهجرتين الهجرة الى الحبشة والهجرة الى المدينة وسيأتي ذكرهما قريبا وزاد في رواية معمر ورأيت هديه أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بفتح الهاء وسكون الدال الطريقة وفي رواية شعيب عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة وكنت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وقد أكثر الناس في شأن الوليد زاد معمر بن عقبة فحق عليك ان تقيم عليه الحد قوله قال أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لا في رواية معمر فقال لي يا بن أختي وفي رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عمر بن شبة قال هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ومراده بالادراك إدراك السماع منه والأخذ عنه وبالرؤية رؤية المميز له ولم يرد هنا الإدراك بالسن فإنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فسياتي في المغازي في قصة مقتل حمزة من حديث وحشي بن حرب ما يدل على ذلك ولم يثبت ان أباه عدي بن الخيار قتل كافرا وان ذكر ذلك بن ماكولا وغيره فان بن سعد ذكره في طبقة الفتحيين وذكر المدائني وعمر بن شبة في أخبار المدينة ان هذه القصة المحكية هنا وقعت لعدي بن الخيار نفسه مع عثمان فالله اعلم قال بن التين انما استثبت عثمان في ذلك لينبهه على ان الذي ظنه من مخالفة عثمان ليس كما ظنه قلت ويفسر المراد من ذلك ما رواه أحمد من طريق سماك بن حرب عن عبادة بن زاهر سمعت عثمان خطب فقال انا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر وان ناسا يعلموني سنته عسى ان لا يكون أحدهم رآه قط قوله خلص بفتح المعجمة وضم اللام ويجوز فتحها بعدها مهملة أي وصل وأراد بن عدي بذلك ان علم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مكتوما ولا خاصا بل كان شائعا ذائعا حتى وصل الى العذراء المستترة فوصوله اليه مع حرصه عليه أولى قوله ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله يعني قال في كل منهما فما عصيته ولا غششته وصرح بذلك في رواية معمر قوله ثم استخلفت بضم التاء الأولى والثانية قوله افليس لي من الحق مثل الذي لهم في رواية معمر افليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم علي ووقع في رواية الأصيلي وهم يأتي بيانه هناك ان شاء الله تعالى قوله فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم كانهم كانوا يتكلمون في سبب تاخيره إقامة الحد على الوليد وقد ذكرنا عذره في ذلك قوله فامره ان يجلد في رواية الكشميهني ان يجلده قوله فجلده ثمانين في رواية معمر فجلد الوليد أربعين جلدة وهذه الرواية أصح من رواية يونس والوهم فيه من الراوي عنه شبيب بن سعيد ويرجح رواية معمر ما أخرجه مسلم من طريق أبي ساسان قال شهدت عثمان اتى بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين ثم قال ازيدكم فشهد عليه رجلان أحدهما حمران يعني مولى عثمان انه قد شرب الخمر فقال عثمان يا علي قم فاجلده فقال علي قم يا حسن فاجلده فقال الحسن ول حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال امسك ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل ذلك سنة وهذا احب الي انتهى والشاهد الاخر الذي لم يسم في هذه الرواية قيل هو الصعب بن جثامة الصحابي المشهور رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه وعند الطبري من طريق سيف في الفتوح ان الذي شهد عليه ولد الصعب واسمه جثامة كاسم جده وفي رواية أخرى ان ممن شهد عليه أبا زينب بن عوف الأسدي وأبا مورع الأسدي وكذلك روى عمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد حسن الى أبي الضحى وقال لما بلغ عثمان قصة الوليد استشار عليا فقال أرى ان تستحضره فان شهدوا عليه بمحضر منه حددته ففعل فشهد عليه أبو زينب وأبو مورع وجندب بن زهير الأزدي وسعد بن مالك الأشعري فذكر نحو رواية أبي ساسان وفيه فضربه بمخصرة لها راسان فلما بلغ أربعين قال له امسك واخرج من طريق الشعبي قال قال الحطيئة في ذلك شهد الحطيئة بوم يلقى ربه ان الوليد أحق بالعذر نادى وقد تمت صلاتهم أأزيدكم سفها وما يدري فاتوا أبا وهب ولو اذنوا لقرنت بين الشفع والوتر كفوا عنانك إذ جريت ولو تركوا عنانك لم تزل تجري وذكر المسعودي في المروج ان عثمان قال للذين شهدوا وما يدريكم انه شرب الخمر قالوا هي التي كنا نشربها في الجاهلية وذكر الطبري ان الوليد ولي الكوفة خمس سنين قالوا وكان جوادا فولى عثمان بعده سعيد بن العاص فسار فيهم سيرة عادلة فكان بعض الموالي يقول يا ويلنا قد عزل الوليد وجاءنا مجوعا سعيد ينقص في الصاع ولا يزيد الحديث الثالث حديث أنس اسكن أحد بضم الدال على انه منادى مفرد وحذف منه حرف النداء وقد تقدم الكلام عليه في مناقب أبي بكر ومن رواه بلفظ حراء وانه يمكن الجمع بالحمل على التعدد ثم وجدت مايؤيده فعند مسلم من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وفي رواية له وسعد وله شاهد من حديث سعيد بن زيد عند الترمذي واخر عن علي عند الدارقطني الحديث الرابع

[ 3494 ] قوله حدثنا شاذان هو الأسود بن عامر وعبيد الله هو بن عمر قوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لانفاضل بينهم تقدم الكلام عليه في مناقب أبي بكر قال الخطابي انما لم يذكر بن عمر عليا لأنه أراد الشيوخ وذوي الأسنان الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر شاورهم وكان علي في زمانه صلى الله عليه وسلم حديث السن قال ولم يرد بن عمر الازدراء به ولا تأخيره عن الفضيلة بعد عثمان انتهى وما اعتذر به من جهة السن بعيد لا اثر له في التفضيل المذكور وقد اتفق العلماء على تأويل كلام بن عمر هذا لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك فالظاهر ان بن عمر انما أراد بهذا النفي انهم كانوا يجتهدون في التفضيل فيظهر لهم فضائل الثلاثة ظهورا بينا فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص ويؤيده ما روى البزاز عن بن مسعود قال كنا نتحدث ان أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب رجاله موثقون وهو محمول على ان ذلك قاله بن مسعود بعد قتل عمر وقد حمل أحمد حديث بن عمر على ما يتعلق بالترتيب في التفضيل واحتج في التربيع بعلي بحديث سفينة مرفوعا الخلافة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان وغيره وقال الكرماني لاحجة في قوله كنا نترك لان الاصوليين اختلفوا في صيغة كنا نفعل لا في صيغة كنا لا نفعل لتصور تقرير الرسول في الأول دون الثاني وعلى تقدير ان يكون حجة فما هو من العمليات حتى يكفي فيه الظن ولو سلمنا فقد عارضه ما هو أقوى منه ثم قال ويحتمل ان يكون بن عمر أراد ان ذلك كان وقع لهم في بعض ازمنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع ذلك ان يظهر بعد ذلك لهم وقد مضت تتمة هذا في مناقب أبي بكر والله اعلم قوله تابعه عبد الله بن صالح عن عبد العزيز أي بن أبي سلمة بإسناده المذكور وابن صالح هذا هو الجهني كاتب الليث وقيل هو العجلي والد أحمد صاحب كتاب الثقات والله اعلم وكأن البخاري أراد بهذه المتابعة اثبات الطريق الى عبد العزيز بن أبي سلمة لان عباسا الدوري روى هذا الحديث عن شاذان فقال عن الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع فكأن لشاذان فيه شيخين والله اعلم وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي عمار والرمادي وعثمان بن أبي شيبة وغير واحد عن اسود بن عامر المذكور وكذلك رواه عن عبد العزيز عبدة أبو سلمة الخزاعي وحجين بن المثنى الحديث الخامس

[ 3495 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل قوله عثمان هو بن موهب نسبة الى جده وهو عثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء بعدها موحدة مولى بني تيم بصري تابعي وسط من طبقة الحسن البصري وهو ثقة باتفاقهم وفي الرواة اخر يقال له عثمان بن موهب بصري أيضا لكنه أصغر من هذا روى عن أنس روى عنه زيد بن الحباب وحده اخرج له النسائي قوله جاء رجل من أهل مصر وحج البيت لم اقف على اسمه ولا على اسم من اجابه من القوم ولا على أسماء القوم وسيأتي في تفسير قوله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة من سورة البقرة ما قد يقرب انه العلاء بن عيراد وهو بمهملات وكذا في مناقب علي بعد هذا ويأتي في سورة الانفال ان الذي باشر السؤال اسمه حكيم وعليه اقتصر شيخنا بن الملقن وهذا كله بناء على ان الحديثين في قصة واحدة قوله قال فمن الشيخ أي الكبير فيهم الذي يرجعون الى قوله قوله هل تعلم ان عثمان فر يوم أحد الخ الذي يظهر من سياقه ان السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد بالمسائل الثلاث ان يقرر معتقده فيه ولذلك كبر مستحسنا لما اجابه به بن عمر قوله قال بن عمر تعال أبين لك كأن بن عمر فهم منه مراده لما كبر والا لو فهم ذلك من أول سؤاله لقرن العذر بالجواب وحاصله انه عابه بثلاثة أشياء فاظهر له بن عمر العذر عن جميعها اما الفرار فبالعفو واما التخلف فبالأمر وقد حصل له مقصود من شهد من ترتب الامرين الدنيوي وهو الهم والاخروي وهو الأجر واما البيعة فكان مأذونا له في ذلك أيضا ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لعثمان من يده كما ثبت ذلك أيضا عن عثمان نفسه فيما رواه البزار بإسناد جيد انه عاتب عبد الرحمن بن عوف فقال له لم ترفع صوتك علي فذكر الأمور الثلاثة فأجابه عثمان بمثل ما أجاب به بن عمر قال في هذه فشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لي من يميني قوله فأشهد ان الله عفا عنه وغفر له يريد قوله تعالى ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ماكسبوا ولقد عفا الله عنهم ان الله غفور حليم قوله واما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رقية فروى الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال خلف النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج الى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة قال بن إسحاق ويقال ان ابنها عبد الله بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة وله ست سنين قوله فلو كان أحد ببطن مكة أعز من عثمان أي على من بها لبعثه أي النبي صلى الله عليه وسلم مكانه أي بدل عثمان قوله فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان أي بعد ان بعثه والسبب في ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عثمان ليعلم قريشا انه انما جاء معتمرا لا محاربا ففي غيبة عثمان شاع عندهم ان المشركين تعرضوا لحرب المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ تحت الشجرة على ان لا يفروا وذلك في غيبة عثمان وقيل بل جاء الخبر بان عثمان قتل فكان ذلك سبب البيعة وسيأتي إيضاح ذلك في عمرة الحديبية من المغازي قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى أي أشار بها قوله هذه يد عثمان أي بدلها فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه أي البيعة لعثمان أي عن عثمان قوله فقال له بن عمر اذهب بها الان معك أي اقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما اجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان وقال الطيبي قال له بن عمر تهكما به أي توجه بما تمسكت به فإنه لا ينفعك بعد ما بينت لك وسيأتي بقية لما دار بينهما في مناقب علي ان شاء الله تعالى تنبيه وقع هنا عند الأكثر حديث أنس المذكور قبل بحديثين والذي اوردناه هو ترتيب ما وقع في رواية أبي ذر والخطب في ذلك سهل

قوله باب قصة البيعة أي بعد عمر قوله والاتفاق على عثمان زاد السرخسي في روايته ومقتل عمر بن الخطاب

[ 3497 ] قوله عن عمرو بن ميمون هو الأزدي وهذا الحديث بطوله قد رواه عن عمرو بن ميمون أيضا أبو إسحاق السبيعي وروايته عند بن أبي شيبة والحارث وابن سعد وفي روايته زوائد ليست في رواية حصين وروى بعض قصة مقتل عمر أيضا أبو رافع وروايته عند أبي يعلى وابن حبان وجابر وروايته عند بن أبي عمر وعبد الله بن عمر وروايته في الأوسط للطبراني ومعدان بن أبي طلحة وروايته عند مسلم وعند كل منهم ما ليس عند الاخر وساذكر ما فيها وفي غيرها من فائدة زائدة ان شاء الله تعالى قوله رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل ان يصاب أي قبل ان يقتل بأيام أي أربعة كما سيأتي قوله بالمدينة أي بعد ان صدر من الحج وقد تقدم في الجنائز من حديث بن عباس ان ذلك كان لما رجع من الحج وفيه قصة صهيب ويأتي في الاحكام بنحو ذلك وكان ذلك سنة ثلاث وعشرين بالاتفاق قوله ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال كيف فعلتما أتخافان ان تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق الأرض المشار إليها هي ارض السواد وكان عمر بعثهما يضربان عليها الخراج وعلى أهلها الجزية بين ذلك أبو عبيد في كتاب الأموال من رواية عمرو بن ميمون المذكور وقوله انظرا أي في التحميل أو هو كناية عن الحذر لأنه يستلزم النظر قوله قالا حملناها أمرا هي له مطيقة في رواية بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن حصين بهذا الإسناد فقال حذيفة لو شئت لأضعفت ارضي أي جعلت خراجها ضعفين وقال عثمان بن حنيف لقد حملت ارضي أمرا هي له مطيقة وله من طريق الحكم عن عمرو بن ميمون ان عمر قال لعثمان بن حنيف لئن زدت على كل رأس درهمين وعلى كل جريب درهما وقفيزا من طعام لأطاقوا ذلك قال نعم قوله اني لقائم أي في الصف ننتظر صلاة الصبح قوله مابيني وبينه أي عمر الا عبد الله بن عباس في رواية أبي إسحاق الا رجلان قوله وكان إذا مر بين الصفين قال استووا حتى إذا لم ير فيهن أي في الصفوف وفي رواية الكشميهني فيهم أي في أهلها خللا تقدم فكبر وفي رواية الإسماعيلي من طريق جرير عن حصين وكان إذا دخل المسجد واقيمت الصلاة تأخر بين كل صفين فقال استووا حتى لا يرى خللا ثم يتقدم ويكبر وفي رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون شهدت عمر يوم طعن فما منعني ان اكون في الصف الا هيبته وكان رجلا مهيبا وكنت في الصف الذي يليه وكان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المقدم بوجهه فإن رأى رجلا متقدما من الصف أو متأخرا ضربه بالدرة فذلك الذي منعني منه قوله قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه في رواية جرير فتقدم فما هو الا ان كبر فطعنه أبو لؤلؤة فقال قتلني الكلب في رواية أبي إسحاق المذكورة فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فتأخر عمر غير بعيد ثم طعنه ثلاث طعنات فرأيت عمر قائلا بيده هكذا يقول دونكم الكلب فقد قتلني واسم أبي لؤلؤة فيروز كما سيأتي فروى بن سعد بإسناد صحيح الى الزهري قال كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صانعا ويستأذنه ان يدخله المدينة ويقول ان عنده اعمالا تنفع الناس انه حداد نقاش نجار فأذن له فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة فشكى الى عمر شدة الخراج فقال له ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل فانصرف ساخطا فلبث عمر ليالي فمر به العبد فقال الم أحدث انك تقول لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح فالتفت اليه عابسا فقال لاصنعن لك رحى يتحدث الناس بها فاقبل عمر على من معه فقال توعدني العبد فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة الصلاة وكان عمر يفعل ذلك فلما دنا منه عمر وثب اليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته وفي حديث أبي رافع كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة وكان يستغله أربعة دراهم أي كل يوم فلقي عمر فقال ان المغيرة اثقل علي فقال اتق الله واحسن اليه ومن نية عمر ان يلقى المغيرة فيكلمه فيخفف عنه فقال العبد وسع الناس عدله غيري واضمر على قتله فاصطنع له خنجرا له رأسان وسمه فتحرى صلاة الغداة حتى قام عمر فقال اقيموا صفوفكم فلما كبر طعنه في كتفه وفي خاصرته فسقط وعند مسلم من طريق معدان بن أبي طلحة ان عمر خطب فقال رأيت ديكا نقرني ثلاث نقرات ولا أراه الا حضور اجلي وفي رواية جويرية بن قدامة عن عمر نحوه وزاد فما مر الا تلك الجمعة حتى طعن وعند بن سعد من رواية سعيد بن أبي هلال قال بلغني ان عمر ذكر نحوه وزاد فحدثتها أسماء بنت عميس فحدثتني انه يقتلني رجل من الأعاجم وروى عمر بن شبة في كتاب المدينة من حديث بن عمر بإسناد حسن ان عمر دخل بأبي لؤلؤة البيت ليصلح له ضبة له فقال له مر المغيرة ان يضع عني من خراجي قال انك لتكسب كسبا كثيرا فاصبر الحديث وللطبراني في الأوسط بسند صحيح عن المبارك بن فضالة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر طعن أبو لؤلؤة عمر طعنتين ويحمل على انه لم يذكر الثالثة التي قتلته قوله حتى طعن ثلاثة عشر رجلا في رواية أبي إسحاق اثني عشر رجلا معه وهو ثالث عشر زاد بن سعد من رواية إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون وعلى عمر ازار اصفر قد رفعه على صدره فلما طعن قال وكان أمر الله قدرا مقدورا قوله مات منهم سبعة أي وعاش الباقون ووقفت من اسمائهم على كليب بن البكير الليثي وله ولإخوته عاقل وعامر وإياس صحبة فروينا في جزء أبي الجهم بالإسناد الصحيح الى بن عمر انه كان مع عمر صادرا من الحج فمر بامرأة فدفنها كليب الليثي فشكر له ذلك عمر وقال ارجو ان يدخله الله الجنة قال فطعنه أبو لؤلؤة لما طعن عمر فمات وروى عبد الرزاق من طريق نافع نحوه ومن طريق الزهري طعن أبو لؤلؤة اثني عشر رجلا فمات منهم عمر وكليب وروى بن أبي شيبة من طريق أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن في قصة قتل عمر فطعن أبو لؤلؤة كليب بن البكير فاجهز عليه قوله فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا وقع في ذيل الاستيعاب لابن فتحون من طريق سعيد بن يحيى الأموي قال حدثنا أبي حدثني من سمع حصين بن عبد الرحمن في هذه القصة قال فلما رأى ذلك رجل من المهاجرين يقال له حطان التميمي اليربوعي طرح عليه برنسا وهذا أصح مما رواه بن سعد بإسناد ضعيف منقطع قال طعن أبو لؤلؤة نفرا فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش منهم عبد الله بن عوف وهاشم بن عتبة الزهريان ورجل من بني سهم وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة كانت عليه فان ثبت هذا حمل على ان الكل اشتركوا في ذلك وروى بن سعد عن الواقدي بإسناد اخر ان عبد الله بن عوف المذكور احتز رأس أبي لؤلؤة قوله وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه أي للصلاة بالناس قوله فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة في رواية أبي إسحاق بأقصر سورتين في القران انا أعطيناك الكوثر وإذا جاء نصر الله والفتح وزاد في رواية بن شهاب المذكورة ثم غلب عمر النزف حتى غشي عليه فاحتملته في رهط حتى ادخلته بيته فلم يزل في غشيته حتى اسفر فنظر في وجوهنا فقال أصلي الناس فقلت نعم قال لا إسلام لمن ترك الصلاة ثم توضأ وصلى وفي رواية بن سعد من طريق بن عمر قال فتوضأ وصلى الصبح فقرأ في الأولى والعصر وفي الثانية قل يا أيها الكافرون قال وتساند الي وجرحه يثغب دما اني لأضع اصبعي الوسطى فما تسد الفتق قوله فلما انصرفوا قال يا بن عباس انظر من قتلني في رواية أبي إسحاق فقال عمر يا عبد الله بن عباس اخرج فناد في الناس اعن ملأ منكم كان هذا فقالوا معاذ الله ما علمنا ولا اطلعنا وزاد مبارك بن فضالة فظن عمر ان له ذنبا الى الناس لا يعلمه فدعا بن عباس وكان يحبه ويدنيه فقال احب ان تعلم عن ملأ من الناس كان هذا فخرج لا يمر بملأ من الناس الا وهم يبكون فكأنما فقدوا ابكار أولادهم قال بن عباس فرأيت البشر في وجهه قوله الصنع بفتح المهملة والنون وفي رواية بن فضيل عن حصين عند بن أبي شيبة وابن سعد الصناع بتخفيف النون قال أهل اللغة رجل صنع اليد واللسان وامرأة صناع اليد وحكى أبو زيد الصناع والصنع يقعان معا على الرجل والمرأة قوله لم يجعل ميتتي بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة أي قتلتي وفي رواية الكشميهني منيتي بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتانية قوله رجل يدعي الإسلام في رواية بن شهاب فقال الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط وفي رواية مبارك بن فضالة يحاجني يقول لا إله إلا الله ويستفاد من هذا ان المسلم إذا قتل متعمدا ترجى له المغفرة خلافا لمن قال انه لا يغفر له ابدا وسيأتي بسط ذلك في تفسير سورة النساء وفي رواية بن أبي شيبة قاتله الله لقد أمرت به معروفا أي انه لم يحف عليه فيما امره به وفي حديث جابر فقال عمر لاتعجلوا على الذي قتلني فقيل انه قتل نفسه فاسترجع عمر فقيل له انه أبو لؤلؤة فقال الله أكبر قوله قد كنت أنت وأبوك تحبان ان تكثر العلوج بالمدينة في رواية بن سعد من طريق محمد بن سيرين عن بن عباس فقال عمر هذا من عمل أصحابك كنت أريد ان لا يدخلها علج من السبي فغلبتموني وله من طريق اسلم مولى عمر قال قال عمر من أصابني قالوا أبو لؤلؤة واسمه فيروز قال قد نهيتكم ان تجلبوا عليها من علوجهم أحدا فعصيتموني ونحوه في رواية مبارك بن فضالة وروى عمر بن شبة من طريق بن سيرين قال بلغني ان العباس قال لعمر لما قال لاتدخلوا علينا من السبي الا الوصفاء ان عمل المدينة شديد لا يستقيم الا بالعلوج قوله ان شئت فعلت قال بن التين انما قال له ذلك لعلمه بان عمر لايأمر بقتلهم قوله كذبت هو على ما ألف من شدة عمر في الدين لأنه فهم من بن عباس من قوله ان شئت فعلنا أي قتلناهم فأجابه بذلك وأهل الحجاز يقولون كذبت في موضع أخطأت وانما قال له بعد ان صلوا لعلمه ان المسلم لا يحل قتله ولعل بن عباس انما أراد قتل من لم يسلم منهم قوله فأتي بنبيذ فشربه زاد في حديث أبي رافع لينظر ماقدر جرحه وفي رواية أبي إسحاق فلما أصبح دخل عليه الطبيب فقال أي الشراب احب إليك قال النبيذ فدعا بنبيذ فشرب فخرج من جرحه فقال هذا صديد ائتوني بلبن فأتي بلبن فشربه فخرج من جرحه فقال الطبيب اوص فاني لا اظنك الا ميتا من يومك أو من غد قوله فخرج من جوفه في رواية الكشميهني من جرحه وهي اصوب وفي رواية أبي رافع فخرج النبيذ فلم يدر أهو نبيذ أم دم وفي روايته فقالوا لا بأس عليك يا أمير المؤمنين فقال ان يكن القتل بأسا فقد قتلت وفي رواية بن شهاب قال فأخبرني سالم قال سمعت بن عمر يقول فقال عمر ارسلوا الي طبيب ينظر الى جرحي قال فأرسلوا الى طبيب من العرب فسقاه نبيذا فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة قال فدعوت طبيبا اخر من الأنصار فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعنة أبيض فقال اعهد يا أمير المؤمنين فقال عمر صدقني ولو قال غير ذلك لكذبته وفي رواية مبارك بن فضالة ثم دعا بشربة من لبن فشربها فخرج مشاش اللبن من الجرحين فعرف انه الموت فقال الان لو ان لي الدنيا كلها لافتديت به من هول المطلع وما ذاك والحمد لله ان اكون رأيت الا خيرا تنبيه المراد بالنبيذ المذكور تمرات نبذت في ماء أي نقعت فيه كانوا يصنعون ذلك لا ستعذاب الماء وسيأتي بسط القول فيه في الأشربة قوله وجاء الناس يثنون عليه في رواية الكشميهني فجعلوا يثنون عليه ووقع في حديث جابر عند بن سعد من تسمية من أثنى عليه عبد الرحمن بن عوف وانه اجابه بما أجاب به غيره وروى عمر بن شبة من طريق سليمان بن يسار ان المغيرة اثنى عليه وقال له هنيئا لك الجنة واجابه بنحو ذلك وروى بن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة انه ممن دخل على عمر حين طعن وعند بن سعد من طريق جويرية بن قدامة فدخل عليه الصحابة ثم أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق فكلما دخل عليه قوم بكوا واثنوا عليه وقد تقدم طرف منه من هذا الوجه في الجزية ووقع في رواية أبي إسحاق عند بن سعد واتاه كعب أي كعب الأحبار فقال الم أقل لك انك لا تموت الا شهيدا وانك تقول من أين واني في جزيرة العرب قوله وجاء رجل شاب في رواية جرير عن حصين السابقة في الجنائز وولج عليه شاب من الأنصار وقد وقع في رواية سماك الحنفي عن بن عباس عند بن سعد انه اثنى على عمر فقال له نحوا مما قال هنا للشاب فلو لا انه قال في هذه الرواية انه من الأنصار لساغ ان يفسر المبهم بابن عباس لكن لا مانع من تعدد المثنين مع اتحاد جوابه كما تقدم ويؤيده أيضا ان في قصة هذا الشاب انه لما ذهب رأى عمر إزاره يصل الى الأرض فأنكر عليه ولم يقع ذلك في قصة بن عباس وفي إنكاره على بن عباس ما كان عليه من الصلابة في الدين وانه لم يشغله ما هو فيه من الموت عن الأمر بالمعروف وقوله ما قد علمت مبتدأ وخبره لك وقد أشار الى ذاك بن مسعود فروى عمر بن شبة من حديثه نحو هذه القصة وزاد قال عبد الله يرحم الله عمر لم يمنعه ما كان فيه من قول الحق قوله وقدم بفتح القاف وكسرها فالأول بمعنى الفضل والثاني بمعنى السبق قوله ثم شهادة بالرفع عطفا على ما قد علمت وبالجر عطفا على صحبة ويجوز النصب على انه مفعول مطلق لفعل محذوف والأول أقوى وقد وقع في رواية بن جرير ثم الشهادة بعد هذا كله قوله لا علي ولا لي أي سواء بسواء قوله انقى لثوبك بالنون ثم القاف للأكثر وبالموحدة بدل النون للكشميهني ووقع في رواية المبارك بن فضالة قال بن عباس وان قلت ذلك فجزاك الله خيرا أليس قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة فلما أسلمت كان اسلامك عزا وظهر بك الإسلام وهاجرت فكانت هجرتك فتحا ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين ثم قبض وهو عنك راض ووازرت الخليفة بعده على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم فضربت من أدبر بمن أقبل ثم قبض الخليفة وهو عنك راض ثم وليت بخير ما ولي الناس مصر الله بك الأمصار وجبا بك الأموال ونفى بك العدو وادخل بك على أهل بيت من سيوسعهم في دينهم وارزاقهم ثم ختم لك بالشهادة فهنيئا لك فقال والله ان المغرور من تغرونه ثم قال اتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة فقال نعم فقال اللهم لك الحمد وفي رواية مبارك بن فضالة أيضا قال الحسن البصري وذكر له فعل عمر عند موته وخشيته من ربه فقال هكذا المؤمن جمع احسانا وشفقة والمنافق جمع اساءة وعزة والله ما وجدت انسانا ازداد احسانا الا وجدته ازداد مخافة وشفقة ولا ازداد اساءة الا ازداد عزة قوله يا عبد الله بن عمر انظر ماذا علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين الفا أو نحوه في حديث جابر ثم قال يا عبد الله اقسمت عليك بحق الله وحق عمر إذا مت فدفنتني ان لاتغسل رأسك حتى تبيع من رباع ال عمر بثمانين الفا فتضعها في بيت مال المسلمين فسأله عبد الرحمن بن عوف فقال انفقتها في حجج حججتها وفي نوائب كانت تنوبني وعرف بهذا جهة دين عمر قال بن التين قد علم عمر انه لا يلزمه غرامة ذلك الا انه أراد ان لا يتعجل من عمله شيء في الدنيا ووقع في أخبار المدينة لمحمد بن الحسن بن زباله ان دين عمر كان ستة وعشرين الفا وبه جزم عياض والأول هو المعتمد قوله ان وفي له مال ال عمر كأنه يريد نفسه ومثله يقع في كلامهم كثيرا ويحتمل ان يريد رهطه وقوله والا فسل في بني عدي بن كعب هم البطن الذي هو منهم وقريش قبيلته وقوله لا تعدهم بسكون العين أي لا تتجاوزهم وقد انكر نافع مولى بن عمر ان يكون على عمر دين فروى عمر بن شبة في كتاب المدينة بإسناد صحيح ان نافعا قال من أين يكون على عمر دين وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة الف انتهى وهذا لاينفي ان يكون عند موته عليه دين فقد يكون الشخص كثير المال ولا يستلزم نفي الدين عنه فلعل نافعا انكر ان يكون دينه لم يقض قوله فاني لست اليوم للمؤمنين أميرا قال بن التين انما قال ذلك عندما ايقن بالموت إشارة بذلك الى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين وسيأتي في كتاب الاحكام مايخالف ظاهره ذلك فيحمل هذا النفي على ما أشار اليه بن التين انه أراد ان يعلم ان سؤاله لها بطريق الطلب لا بطريق الأمر قوله ولأوثرنه به اليوم على نفسي استدل به وباستئذان عمر لها على ذلك على انها كانت تملك البيت وفيه نظر بل الواقع انها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والاسكان ولا يورث عنها وحكم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كالمعتدات لانهن لا يتزوجن بعده صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شيء من هذا في آخر الجنائز وتقدم فيه وجه الجمع بين قول عائشة لأوثرنه على نفسي وبين قولها لابن الزبير لا تدفني عندهم باحتمال ان تكون ظنت انه لم يبق هناك وسع ثم تبين لها إمكان ذلك بعد دفن عمر ويحتمل ان يكون مرادها بقولها لأوثرنه على نفسي الإشارة الى انها لو أذنت في ذلك لامتنع عليها الدفن هناك لمكان عمر لكونه أجنبيا منها بخلاف أبيها وزوجها ولا يستلزم ذلك ان لا يكون في المكان سعة أم لا ولهذا كانت تقول بعد ان دفن عمر لم اضع ثيابي عني منذ دفن عمر في بيتي أخرجه بن سعد وغيره وروي عنها في حديث لا يثبت انها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم ان عاشت بعده ان تدفن الى جانبه فقال لها وانى لك بذلك وليس في ذلك الموضع الا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى بن مريم وفي أخبار المدينة من وجه ضعيف عن سعيد بن المسيب قال ان قبور الثلاثة في صفة بيت عائشة وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام قوله ارفعوني أي من الأرض كأنه كان مضطجعا فامرهم ان يقعدوه قوله فأسنده رجل اليه لم اقف على اسمه ويحتمل انه بن عباس ويؤيده ما في رواية المبارك ان بن عباس لما فرغ من الثناء عليه قال فقال له عمر ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر قال بن عباس فوضعته من فخذي على ساقي فقال الصق خدي بالأرض فوضعته حتى وضع لحيته وخده بالأرض فقال ويلك عمر ان لم يغفر الله لك قوله ما كان شيء أهم الي من ذلك وقوله إذا مت فاستأذن ذكر بن سعد عن معن بن عيسى عن مالك ان عمر كان يخشى ان تكون اذنت في حياته حياء منه وان ترجع عن ذلك بعد موته فأراد ان لا يكرهها على ذلك وقد تقدم ما فيه في اواخر الجنائز قوله وجاءت أم المؤمنين حفصة أي بنت عمر قوله فولجت عليه أي دخلت على عمر فمكثت وفي رواية الكشميهني فبكت وذكر بن سعد بإسناد صحيح عن المقدام بن معديكرب انها قالت يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا صهر رسول الله يا أمير المؤمنين فقال عمر لا صبر لي على ما اسمع احرج عليك بمالي عليك من الحق ان تندبينني بعد مجلسك هذا فأما عينيك فلن أملكهما قوله فولجت داخلا لهم أي مدخلا كان في الدار قوله فقالوا أوص يا أمير المؤمنين استخلف سيأتي في الاحكام ما يدل على ان الذي قال له ذلك هو عبد الله بن عمر وروى بن شبة بإسناد فيه انقطاع ان أسلم مولى عمر قال لعمر حين وقف لم يول أحدا بعده يا أمير المؤمنين مايمنعك ان تصنع كما صنع أبو بكر ويحتمل ان يكون ذلك قبل ان يطعنه أبو لؤلؤة فقد روى مسلم من طريق معدان بن أبي طلحة ان عمر قال في خطبته قبل أن يطعن ان أقواما يأمرونني ان أستخلف قوله من هؤلاء النفر أو الرهط شك من الراوي قوله فسمى عليا وعثمان الخ وقع عند بن سعد من رواية بن عمر انه ذكر عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليا وفيه قلت لسالم أبدأ بعبد الرحمن بن عوف قبلهما قال نعم فدل هذا على ان الرواة تصرفوا لان الواو لا ترتب واقتصار عمر على الستة من العشرة لا اشكال فيه لأنه منهم وكذلك أبو بكر ومنهم أبو عبيدة وقد مات قبل ذلك واما سعيد بن زيد فهو بن عم عمر فلم يسمه عمر فيهم مبالغة في التبري من الأمر وقد صرح في رواية المدايني بأسانيده ان عمر عد سعيد بن زيد فيمن توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض الا انه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه وقد صرح بذلك المدايني بأسانيده قال فقال عمر لا أرب لي في أموركم فأرغب فيها لأحد من أهلي قوله وقال يشهدكم عبد الله بن عمر ووقع في رواية الطبري من طريق المدايني بأسانيده قال فقال له رجل استخلف عبد الله بن عمر قال والله ما أردت الله بهذا وأخرج بن سعد بسند صحيح من مرسل إبراهيم النخعي نحوه قال فقال عمر قاتلك والله ما أردت بالله بهذا استخلف من لم يحسن ان يطلق امرأته قوله كهيئة التعزية له أي لابن عمر لأنه لما أخرجه من أهل الشورى في الخلافة أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة في ذلك وزعم الكرماني ان قوله كهيئة التعزية له من كلام الراوي لا من كلام عمر فلم أعرف من أين تهيأ له الجزم بذلك مع الاحتمال وذكر المدايني ان عمر قال لهم إذا اجتمع ثلاثة على رأي وثلاثة على رأي فحكموا عبد الله بن عمر فان لم ترضوا بحكمه فقدموا من معه عبد الرحمن بن عوف قوله فان أصابت الامرة بكسر الهمزة وللكشميهني الامارة سعدا يعني بن أبي وقاص وزاد المدايني وما أظن ان يلي هذا الأمر الا علي أو عثمان فان ولي عثمان فرجل فيه لين وان ولي علي فستختلف عليه الناس وان ولي سعد والا فليستعن به الوالي ثم قال لأبي طلحة ان الله قد نصر بكم الإسلام فاختر خمسين رجلا من الأنصار واستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم قوله وقال اوصي الخليفة من بعدي في رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون فقال ادعوا لي عليا وعثمان وعبد الرحمن وسعدا والزبير وكان طلحة غائبا قال فلم يكلم أحدا منهم غير عثمان وعلي فقال يا علي لعل هؤلاء القوم يعلمون لك حقك وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهرك وما اتاك الله من الفقه والعلم فان وليت هذا الأمر فاتق الله فيه ثم دعا عثمان فقال يا عثمان فذكر له نحو ذلك ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق في قصة عثمان فان ولوك هذا الأمر فاتق الله فيه ولا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس ثم قال ادعوا لي صهيبا فدعي له فقال صل بالناس ثلاثا وليحل هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالف فاضربوا عنقه فلما خرجوا من عنده قال ان تولوها الأجلح يسلك بهم الطريق فقال له ابنه ما يمنعك يا أمير المؤمنين منه قال أكره ان اتحملها حيا وميتا وقد اشتمل هذا الفصل على فوائد عديدة وله شاهد من حديث بن عمر أخرجه بن سعد بإسناد صحيح قال دخل الرهط على عمر فنظر إليهم فقال اني قد نظرت في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقا فان كان فهو فيكم وانما الأمر اليكم وكان طلحة يومئذ غائبا في امواله قال فان كان قومكم لايؤمرون الا لأحد الثلاثة عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعلي فمن ولي منكم فلا يحمل قرابته على رقاب الناس قوموا فتشاوروا ثم قال عمر امهلوا فان حدث لي حدث فليصل لكم صهيب ثلاثا فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه قوله بالمهاجرين الأولين هم من صلى الى القبلتين وقيل من شهد بيعة الرضوان والأنصار سيأتي ذكرهم في باب منفرد وقوله الذين تبوؤا الدار أي سكنوا المدينة قبل الهجرة وقوله والايمان ادعى بعضهم من أسماء المدينة وهو بعيد والراجح انه ضمن تبوءوا معنى لزم أو عامل نصبه محذوف تقديره واعتقدوا أو ان الإيمان لشدة ثبوته في قلوبهم كأنه احاط بهم وكأنهم نزلوه والله اعلم قوله فإنهم ردء الإسلام أي عون الإسلام الذي يدفع عنه وغيظ العدو أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم قوله وان لايؤخذ منهم الا فضلهم عن رضاهم أي الا ما فضل عنهم في رواية الكشميهني ويؤخذ منهم والأول هو الصواب قوله من حواشي أموالهم أي التي ليست بخيار والمراد بذمة الله أهل الذمة والمراد بالقتال من ورائهم أي إذا قصدهم عدو لهم وقد استوفى عمر في وصيته جميع الطوائف لان الناس اما مسلم واما كافر فالكافر اما حربي ولا يوصى به واما ذمي وقد ذكره والمسلم اما مهاجري واما أنصاري أو غيرهما وكلهم اما بدوي واما حضري وقد بين الجميع ووقع في رواية المدايني من الزيادة واحسنوا مؤازرة من يلي امركم واعينوه وادوا اليه الأمانة وقوله ولا يكلفوا الا طاقتهم أي من الجزية قوله فانطلقنا في رواية الكشميهني فانقلبنا أي رجعنا قوله فوضع هنالك مع صاحبيه اختلف في صفة القبور المكرمة الثلاثة فالأكثر على ان قبر أبي بكر وراء قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر عمر وراء قبر أبي بكر وقيل ان قبره صلى الله عليه وسلم مقدم الى القبلة وقبر أبي بكر حذاء منكبيه وقبر عمر حذاء منكبي أبي بكر وقيل قبر أبي بكر عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم وقبر عمر عند رجليه وقيل قبر أبي بكر عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم وقبر عمر عند رجلي أبي بكر وقيل غير ذلك كما تقدم بيانه وذكر ادلته في اواخر كتاب الجنائز قوله فقال عبد الرحمن هو بن عوف قوله اجعلوا امركم الى ثلاثة أي في الاختيار ليقل الاختلاف كذا قال بن التين وفيه نظر وصرح المدايني في روايته بخلاف ما قاله قوله فقال طلحة قد جعلت أمري فيه دلالة على انه حضر وقد تقدم انه كان غائبا عند وصية عمر ويحتمل انه حضر بعد ان مات وقبل ان يتم أمر الشورى وهذا أصح مما رواه المدايني انه لم يحضر الا بعد ان بويع عثمان قوله والله عليه والإسلام بالرفع فيهما والخبر محذوف أي عليه رقيب أو نحو ذلك قوله لينظرن افضلهم في نفسه أي معتقده زاد المدايني في رواية فقال عثمان انا أول من رضي وقال علي اعطني موثقا لتؤثرن الحق ولاتخصن ذا رحم فقال نعم ثم قال اعطوني مواثيقكم ان تكونوا معي على من خالف قوله فأسكت بضم الهمزة وكسر الكاف كأن مسكتا اسكتهما ويجوز فتح الهمزة والكاف وهو بمعنى سكت والمراد بالشيخين علي وعثمان قوله فأخذ بيد أحدهما هو علي وبقية الكلام يدل عليه ووقع مصرحا به في رواية بن فضيل عن حصين قوله والقدم بكسر القاف وفتحها وقد تقدم زاد المدايني انه قال له أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنت ترى أحق بها من هؤلاء الرهط قال عثمان قوله ما قد علمت صفة أو بدل عن القدم قوله ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك زاد المدايني انه قال له كما قال لعلي فقال علي وزاد فيه ان سعدا أشار عليه بعثمان وانه دار تلك الليالي على الصحابة ومن وافي المدينة من اشراف الناس لا يخلو برجل منهم الا امره بعثمان وقد اورد المصنف قصة الشورى في كتاب الاحكام من رواية حميد بن عوف عن المسور بن مخرمة وساقها نحو هذا واتم مما هنا وسأذكر شرح ما فيها هناك ان شاء الله تعالى وفي قصة عمر هذه من الفوائد شفقته على المسلمين ونصيحته لهم واقامته السنة فيهم وشدة خوفه من ربه واهتمامه بأمر الدين أكثر من اهتمامه بأمر نفسه وان النهي عن المدح في الوجه مخصوص بما إذا كان غلو مفرط أو كذب ظاهر ومن ثم لم ينه عمر الشاب عن مدحه له مع كونه أمره بتشمير إزاره والوصية بأداء الدين والاعتناء بالدفن عند أهل الخير والمشورة في نصب الامام وتقديم الأفضل وان الإمامة تنعقد بالبيعة وغير ذلك مما هو ظاهر بالتأمل والله الموفق وقال بن بطال فيه دليل على جواز تولية المفضول على الأفضل منه لان ذلك لو لم يجز لم يجعل الأمر شورى الى ستة أنفس مع علمه ان بعضهم أفضل من بعض قال ويدل على ذلك أيضا قول أبي بكر قد رضيت لكم أحد الرجلين عمر وأبي عبيدة مع علمه بأنه أفضل منهما وقد استشكل جعل عمر الخلافة في ستة ووكل ذلك الى اجتهادهم ولم يصنع ماصنع أبو بكر في اجتهاده فيه لأنه ان كان لا يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فصنيعه يدل على ان من عدا الستة كان عنه مفضولا بالنسبة إليهم وإذا عرف ذلك فلم يخف عليه أفضلية بعض الستة على بعض وان كان يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فمن ولاه منهم أو من غيرهم كان ممكنا والجواب عن الأول يدخل فيه الجواب عن الثاني وهو انه تعارض عنده صنيع النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يصرح باستخلاف شخص بعينه وصنيع أبي بكر حيث صرح فتلك طريق تجمع التنصيص وعدم التعيين وان شئت قل تجمع الاستخلاف وترك تعيين الخليفة وقد أشار بذلك الى قوله لا أتقلدها حيا وميتا لان الذي يقع ممن يستخلف بهذه الكيفية انما ينسب اليه بطريق الإجمال لا بطريق التفصيل فعينهم ومكنهم من المشاورة في ذلك والمناظرة فيه لتقع ولاية من يتولى بعده عن اتفاق من معظم الموجودين حينئذ ببلده التي هي دار الهجرة وبها معظم الصحابة وكل من كان ساكنا غيرهم في بلد غيرها كان تبعا لهم فيما يتفقون عليه

قوله باب مناقب علي بن أبي طالب أي بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبي الحسن وهو بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيق أبيه واسمه عبد مناف على الصحيح ولد قبل البعثة بعشر سنين على الراجح وكان قد رباه النبي صلى الله عليه وسلم من صغره لقصة مذكورة في السيرة النبوية فلازمه من صغره فلم يفارقه الى ان مات وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت ابنة عمة أبيه وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي وقد أسلمت وصحبت وماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي وكأن السبب في ذلك انه تأخر ووقع الاختلاف في زمانه وخروج من خرج عليه فكان ذلك سببا لانتشار مناقبه من كثرة من كان بينها من الصحابة ردا على من خالفه فكان الناس طائفتين لكن المبتدعة قليلة جدا ثم كان من أمر علي ما كان فنجمت طائفة أخرى حاربوه ثم اشتد الخطب فتنقصوه واتخذوا لعنه على المنابر سنة ووافقهم الخوارج على بغضه وزادوا حتى كفروه مضموما ذلك منهم الى عثمان فصار الناس في حق علي ثلاثة أهل السنة والمبتدعة من الخوارج والمحاربين له من بني أمية واتباعهم فاحتاج أهل السنة الى بث فضائله فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف ذلك والا فالذي في نفس الأمر ان لكل من الأربعة من الفضائل إذا حرر بميزان العدل لا يخرج عن قول أهل السنة والجماعة أصلا وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن عروة قال اسلم علي وهو بن ثمان سنين وقال بن إسحاق عشر سنين وهذا ارجحها وقيل غير ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت مني وانا منك هو طرف من حديث البراء بن عازب في قصة بنت حمزة وقد وصله المصنف في الصلح وفي عمرة القضاء مطولا ويأتي شرحه في المغازي مستوفى ان شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث أولها حديث سهل بن سعد في قصة فتح خيبر وسيأتي شرحه في المغازي ثانيها حديث سلمة بن الأكوع في المعنى ويأتي هناك أيضا مشروحا وقوله

[ 3499 ] في الحديثين ان عليا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله أراد بذلك وجود حقيقة المحبة والا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة وفي الحديث تلميح بقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فكأنه أشار الى ان عليا تام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتصف بصفة محبة الله له ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق كما احرجه مسلم من حديث علي نفسه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد ثالثها حديث سهل بن سعد أيضا وقال عمر توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض تقدم ذلك في الحديث الذي قبله موصولا وكانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فبايعه المهاجرون والأنصار وكل من حضر وكتب بيعته الى الافاق فاذعنوا كلهم الا معاوية في أهل الشام فكان بينهم بعد ما كان

[ 3500 ] قوله عن أبيه هو أبو حازم سلمة بن دينار قوله ان رجلا جاء الى سهل بن سعد لم اقف على اسمه قوله هذا فلان لأمير المدينة أي عني أمير المدينة وفلان المذكور لم اقف على اسمه صريحا ووقع عند الإسماعيلي هذا فكان فلان بن فلان قوله يدعو عليا عند المنبر قال فيقول ماذا في رواية الطبراني من وجه اخر عن عبد العزيز بن أبي حازم يدعوك لتسب عليا قوله والله ما سماه الا النبي صلى الله عليه وسلم يعني أبا تراب قوله فاستطعمت الحديث سهلا اى سألته ان يحدثني واستعار الاستطعام للكلام لجامع ما بينهما من الذوق للطعام الذوق الحسي وللكلام الذوق المعنوي وفي رواية الإسماعيلي فقلت يا أبا عباس كيف كان امره قوله أين بن عمك قالت في المسجد في رواية الطبراني كان بيني وبينه شيء فغاضبني قوله وخلص التراب الى ظهره أي وصل في رواية الإسماعيلي حتى تخلص ظهره الى التراب وكان نام اولا على مكان لاتراب فيه ثم تقلب فصار ظهره على التراب أو سفى عليه التراب قوله اجلس يا أبا تراب مرتين ظاهره ان ذلك أول ما قال له ذلك وروى بن أبي إسحاق من طريقه وأحمد من حديث عمار بن ياسر قال نمت انا وعلي في غزوة العسيرة في نخل فما افقنا الا بالنبي صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله يقول لعلي قم يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب وهذا ان ثبت حمل على انه خاطبه بذلك في هذه الكائنة الأخرى ويروى من حديث بن عباس ان سبب غضب علي كان لما اخى النبي صلى الله عليه وسلم بين اصحابه ولم يؤاخ بينه وبين أحد فذهب الى المسجد فذكر القصة وقال في اخرها قم فأنت أخي أخرجه الطبراني وعند بن عساكر نحوه من حديث جابر بن سمرة وحديث الباب أصح ويمتنع الجمع بينهما لان قصة المؤاخاة كانت أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتزويج علي بفاطمة ودخوله عليها كان بعد ذلك بمدة والله اعلم رابعها حديث بن عمر

[ 3501 ] قوله حدثنا حسين هو بن على الجعفي وأبو حصين بفتح أوله والمهملتين وسعد بن عبيدة بضم العين قوله جاء رجل الى بن عمر تقدم في مناقب عثمان قوله فذكر عن محاسن عمله كأنه ضمن ذكر معنى أخبر فعداها بعن وفي رواية الإسماعيلي فذكر أحسن عمله وكأنه ذكر له انفاقه في جيش العسرة وتسبيله بئر رومة ونحو ذلك قوله ثم سأله عن على فذكر محاسن اعماله كأنه ذكر له شهوده بدرا وغيرها وفتح خيبر على يديه وقتله مرحب ونحو ذلك قوله هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم أي أحسنها بناء وقال الداودي معناه انه في وسطها وهو أصح ووقع عند النسائي من طريق عطاء بن السائب عن سعد بن عبيدة في هذا الحديث فقال لاتسأل عن علي ولكن انظر الى بيته من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وله من رواية العلاء بن عيزار قال سألت بن عمر عن علي فقال انظر الى منزله من نبي الله صلى الله عليه وسلم ليس في المسجد غير بيته وقد تقدم ما يتعلق بترك بابه غير مسدود في مناقب أبي بكر رضي الله عنهما قوله فأرغم الله بأنفك الباء زائدة معناه اوقع الله بك السوء واشتقاقه من السقوط على الأرض فيلصق الوجه بالرغام وهو التراب قوله فاجهد على جهدك أي ابلغ على غايتك في حقي فان الذي قلته لك الحق وقائل الحق لايبالي بما قيل في حقه من الباطل ووقع في رواية عطاء المذكورة قال فقال الرجل فاني ابغضه فقال له بن عمر ابغضك الله تعالى خامسها حديث علي ان فاطمة شكت ما تلقى من الرحى الحديث وفيه مايقال عند النوم وسيأتي شرحه مستوفى في الدعوات ان شاء الله تعالى ووجه دخوله في مناقب علي من جهة منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم ودخول النبي صلى الله عليه وسلم معه في فراشه بينه وبين امرأته وهي ابنته صلى الله عليه وسلم ومن جهة اختيار النبي صلى الله عليه وسلم له ما اختار لابنته من إيثار أمر الآخرة على أمر الدنيا ورضاهما بذلك وقد تقدم في كتاب الخمس بيان السبب في ذلك فان النبي صلى الله عليه وسلم اختار ان يوسع على فقراء الصفة بما قدم عليه ورأى لأهله الصبر بما لهم في ذلك من مزيد الثواب سادسها حديث عبيدة بفتح أوله هو بن عمرو السلماني

[ 3504 ] قوله عن علي قال اقضوا كما في رواية الكشميهني على ما كنتم تقضون قبل وفي رواية حماد بن زيد عن أيوب ان ذلك بسبب قول علي في بيع أم الولد وانه كان يرى هو وعمر انهن لا يبعن وانه رجع عن ذلك فرأى ان يبعن قال عبيدة فقلت له رأيك ورأي عمر في الجماعة احب الي من رأيك وحدك في الفرقة فقال علي ما قال قلت وقد وقعت في رواية حماد بن زيد أخرجها بن المنذر عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم عنه وعنده قال لي عبيدة بعث الى علي والى شريح فقال اني ابغض الاختلاف فاقضوا كما كنتم تقضون فذكره الى قوله أصحابي قال فقبل علي قبل ان يكون جماعة قوله فاني أكره الاختلاف أي الذي يؤدي الى النزاع قال بن التين يعني مخالفة أبي بكر وعمر وقال غيره المراد المخالفة التي تؤدي الى النزاع والفتنة ويؤيده قوله بعد ذلك حتى يكون الناس جماعة وفي رواية الكشميهني حتى يكون للناس جماعة قوله أو اموت بالنصب ويجوز الرفع قوله كما مات أصحابي أي لا أزال على ذلك حتى اموت قوله فكان بن سيرين هو موصول بالإسناد المذكور اليه وقد وقع بيان ذلك في رواية حماد بن زيد ولفظه عن أيوب سمعت محمدا يعني بن سيرين يقول لأبي معشر اني اتهمكم في كثير مما تقولون عن علي قلت وأبو معشر المذكور هو زياد بن كليب الكوفي وهو ثقة مخرج له في صحيح مسلم وانما أراد بن سيرين تهمة من يروي عنه زيادة فإنه يروي عن مثل الحارث الأعور قوله يرى بفتح أوله أي يعتقد ان عامة أي أكثر مايروى بضم أوله عن علي الكذب والمراد بذلك ما ترويه الرافضة عن علي من الأقوال المشتملة على مخالفة الشيخين ولم يرد ما يتعلق بالأحكام الشرعية فقد روى بن سعد بإسناد صحيح عن بن عباس قال إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لم نتجاوزها سابعا حديث سعد

[ 3503 ] قوله عن سعد هو بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قوله سمعت إبراهيم بن سعد أي بن أبي وقاص قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بين سعد سبب ذلك من وجه اخر أخرجه المصنف في غزوة تبوك من اخر المغازي وسيأتي بيان ذلك هناك ان شاء الله تعالى قوله اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى أي نازلا مني منزلة هارون من موسى والباء زائدة وفي رواية سعيد بن المسيب عن سعد فقال علي رضيت رضيت أخرجه أحمد ولابن سعد من حديث البراء بن أرقم في نحو هذه القصة قال بلى يا رسول الله قال فإنه كذلك وفي أول حديثهما انه عليه الصلاة والسلام قال لعلي لابد ان اقيم أو تقيم فأقام علي فسمع ناسا يقولون انما خلفه لشيء كرهه منه فاتبعه فذكر له ذلك فقال له الحديث وإسناده قوي ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي قال قال معاوية لسعد ما منعك ان تسب أبا تراب قال اما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن اسبه فذكر هذا الحديث وقوله لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله وقوله لما نزلت فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال اللهم هؤلاء اهلي وعند أبي يعلى عن سعد من وجه اخر لا بأس به قال لو وضع المنشار على مفرقي على ان اسب عليا ما سببته ابدا وهذا الحديث أعني حديث الباب دون الزيادة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن غير سعد من حديث عمر وعلي نفسه وأبي هريرة وابن عباس وجابر بن عبد الله والبراء وزيد بن أرقم وأبي سعيد وأنس وجابر بن سمرة وحبشي بن جنادة ومعاوية وأسماء بنت عميس وغيرهم وقد استوعب طرقه بن عساكر في ترجمة علي وقريب من هذا الحديث في المعنى حديث جابر بن سمرة قال صلى الله عليه وسلم لعلي من اشقى الأولين قال عاقر الناقة قال فمن اشقى الآخرين قال الله ورسوله اعلم قال قاتلك أخرجه الطبراني وله شاهد من حديث عمار بن ياسر عند أحمد ومن حديث صهيب عند الطبراني وعن علي نفسه عند أبي يعلى بإسناد لين وعند البزار بإسناد جيد واستدل بحديث الباب على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة فان هارون كان خليفة موسى وأجيب بان هارون لم يكن خليفة موسى الا في حياته لا بعد موته لأنه مات قبل موسى باتفاق أشار الى ذلك الخطابي وقال الطيبي معنى الحديث انه متصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله الا انه لا نبي بعدي فعرف ان الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة بل من جهة مادونها وهو الخلافة ولما كان هارون المشبه به انما كان خليفة في حياة موسى دل ذلك على تخصيص خلافة علي للنبي صلى الله عليه وسلم بحياته والله اعلم وقد اخرج المصنف من مناقب علي أشياء في غير هذا الموضع منها حديث عمر علي أقضانا وسيأتي في تفسير البقرة وله شاهد صحيح من حديث بن مسعود عند الحاكم ومنها حديث قتاله البغاة وهو في حديث أبي سعيد تقتل عمارا الفئة الباغية وكان عمار مع علي وقد تقدمت الإشارة الى الحديث المذكور في الصلاة ومنها حديث قتاله الخوارج وقد تقدم من حديث أبي سعيد في علامات النبوة وغير ذلك مما يعرف بالتتبع وأوعب من جمع مناقبه من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب الخصائص واما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جدا وقد استوعبها بن عقدة في كتاب مفرد وكثير من اسانيدها صحاح وحسان وقد روينا عن الامام أحمد قال مابلغنا عن أحد من الصحابة مابلغنا عن علي بن أبي طالب تنبيه وقع حديث سعد مؤخرا عن حديث علي في رواية أبي ذر ومقدما عليه في رواية الباقين والخطب في ذلك قريب والله اعلم

قوله باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي سقطت الأبواب كلها من رواية أبي ذر وابقى التراجم بغير لفظ باب وثبت ذلك في رواية الباقين وجعفر هو أخو علي شقيقه وكان اسن منه بعشر سنين واستشهد بمؤتة كما سيأتي بيان ذلك في المغازي وقد جاوز الأربعين قوله وقال له النبي صلى الله عليه وسلم اشبهت خلقي وخلقي هو من حديث البراء الذي ذكره في أول مناقب علي وسيأتي بتمامه مع الكلام عليه في عمرة الحديبية

[ 3505 ] قوله حدثنا أحمد بن أبي بكر هو أبو مصعب الزهري والإسناد كله مدنيون وقد تقدم في كتاب العلم بهذا الإسناد حديث اخر غير هذا فيما يتعلق بسبب كثرة حديث أبي هريرة أيضا قوله ان الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة أي من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم مثله في العلم عن أبي هريرة من طريق أخرى لكنه أجاب بأنه لولا اية من كتاب الله ما حدثت وأشار بذلك الى مثل قول بن عمر لما ذكر له انه يروي في حديث من صلى على جنازة فله قيراط أكثر أبو هريرة وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الجنائز واعتراف بن عمر بعد ذلك له بالحفظ وروى البخاري في التاريخ وأبو يعلى بإسناد حسن من طريق مالك بن أبي عامر قال كنت عند طلحة بن عبيد الله فقيل له ما ندري هذا اليماني اعلم برسول الله منكم أو هو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل قال فقال والله ما نشك انه سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم انا كنا أقواما لنا بيوتات وأهلون وكنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع وكان أبو هريرة مسكينا لا مال له ولا أهل انما كانت يده مع يد النبي صلى الله عليه وسلم فكان يدور معه حيثما دار فما نشك انه قد سمع ما لم نسمع وروى البيهقي في مدخله من طريق أشعث عن مولى لطلحة قال كان أبو هريرة جالسا فمر رجل بطلحة فقال له لقد أكثر أبو هريرة فقال طلحة قد سمعنا كما سمع ولكنه حفظ ونسينا واخرج بن سعد في باب أهل العلم والفتوى من الصحابة في طبقاته بإسناد صحيح عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال قالت عائشة لأبي هريرة انك لتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ماسمعته منه قال شغلك عنه يا أمه المرآة والمكحلة وما كان يشغلني عنه شيء قوله بشبع بطني في رواية الكشميهني شبع أي لأجل الشبع قوله حين لا آكل في رواية الكشميهني حتى والأول أوجه قوله ولا البس الحبير بالموحدة قبلها مهملة مفتوحة وللكشميهني الحرير والأول أرجح والحبير من البرد ما كان موشى مخططا يقال برد حبير وبرد حبرة بوزن عنبة على الوصف والإضافة قوله لاستقري الرجل أي اطلب منه القرى فيظن اني اطلب منه القراءة ووقع بيان ذلك في رواية لأبي نعيم في الحلية عن أبي هريرة انه وجد عمر فقال أقريني فظن انه من القراءة فأخذ يقرئه القران ولم يطعمه قال وانما أردت منه الطعام قوله كي ينقلب بي أي يرجع بي الى منزله وللترمذي من طريق ضعيفة عن أبي هريرة ان كنت لأسأل الرجل عن الآية انا اعلم بها منه ما أسأله الا ليطعمني شيئا وفي رواية الترمذي وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي الى منزله قوله وكان أخير بوزن أفضل ومعناه وللكشميهني خير قوله للمساكين في رواية الكشميهني بالافراد والمراد الجنس وهذا التقييد يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة وقال ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد صحيح قوله العكة بضم المهملة وتشديد الكاف ظرف السمن وقوله ليس فيها شيء مع قوله فنلعق ما فيها لاتنافي بينهما لأنه أراد بالنفي أي لا شيء فيها يمكن إخراجه منها بغير قطعها وبالاثبات ما يبقى في جوانبها وفي رواية الترمذي ليقول لامرأته أسماء بنت عميس أطعمينا فإذا أطعمتنا اجابني وكان جعفر يحب المساكين ويسكن إليهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين انتهى وانما كان يجيبه عن سؤاله مع معرفته بأنه انما سأله ليطعمه ليجمع بين المصلحتين ولاحتمال ان يكون السؤال الذي وقع حينئذ وقع منه على الحقيقة

[ 3506 ] قوله ان بن عمر كان إذا سلم على بن جعفر يعني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقع في رواية الإسماعيلي من طريق هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد قال قلنا للشعبي كان بن جعفر يقال له بن ذي الجناحين قال نعم رأيت بن عمر أتاه يوما أو لقيه فقال السلام عليك يا بن ذي الجناحين السلام عليك يا بن ذي الجناحين كأنه يشير الى حديث عبد الله بن جعفر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء أخرجه الطبراني بإسناد حسن وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة أخرجه الترمذي والحاكم وفي إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث علي عند بن سعد وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم واخرج أيضا هو والطبراني عن بن عباس مرفوعا دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرا يطير مع الملائكة وفي طريق أخرى عنه ان جعفرا يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه وإسناد هذه جيد وطريق أبي هريرة في الثانية قوى إسناده على شرط مسلم وقد ادعى السهيلي ان الذي يتبادر من ذكر الجناحين والطيران انهما كجناحي الطائر لهما ريش وليس كذلك وسيأتي بقية القول في ذلك في غزوة مؤتة ان شاء الله تعالى تنبيه وقع في رواية النسفي وحده في هذا الموضع قال أبو عبد الله يعني المصنف يقال لكل ذي ناحيتين جناحان ولعله أراد بهذا حمل الجناحين في قول بن عمر يا بن ذي الجناحين على المعنوي دون الحسي والله اعلم

قوله باب ذكر العباس بن عبد المطلب ذكر فيه حديث أنس ان عمر كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس وهذه الترجمة وحديثها سقطا من رواية أبي ذر النسفي وقد تقدم الحديث المذكور مع شرحه في الاستسقاء وكان العباس اسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو بثلاث وكان إسلامه على المشهور قبل فتح مكة وقيل قبل ذلك وليس بعيد فان في حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط ما يؤيد ذلك واما قول أبي رافع في قصة بدر كأن الإسلام دخل علينا أهل البيت فلا يدل على إسلام العباس حينئذ فإنه كان ممن اسر يوم بدر وفدى نفسه وعقيلا بن أخيه أبي طالب كما سيأتي ولأجل انه لم يهاجر قبل الفتح لم يدخله عمر في أهل الشورى مع معرفته بفضله واستسقائه به وسيأتي حديث عائشة في اجلال النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس في اخر المغازي في الوفاة النبوية وكنية العباس أبو الفضل ومات العباس في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وله بضع وثمانون سنة

قوله باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد غير أبي ذر في هذا الموضع ومنقبة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وهذا الحديث سيأتي موصولا في باب مفرد ترجمته منقبة فاطمة وهو يقتضي ان يكون ما اعتمده أبو ذر أولى وقوله

[ 3508 ] قرابة النبي صلى الله عليه وسلم يريد بذلك من ينسب الى جده الأقرب وهو عبد المطلب ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أو من رآه من ذكر وانثى وهم علي وأولاده والحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم من فاطمة عليها السلام وجعفر وأولاده عبد الله وعون ومحمد ويقال انه كان لجعفر بن أبي طالب بن اسمه أحمد وعقيل بن أبي طالب وولده مسلم بن عقيل وحمزة بن عبد المطلب وأولاده يعلى وعمارة وامامة والعباس بن عبد المطلب وأولاده الذكور عشرة وهم الفضل وعبد الله وقثم وعبيد الله والحارث ومعبد وعبد الرحمن وكثير وعون وتمام وفيه يقول العباس تموا بتمام فصاروا عشره يارب فاجعلهم كراما بررة ويقال ان لكل منهم رواية وكان له من الاناث أم حبيب وامنة وصفية وأكثرهم من لبابة أم الفضل ومعتب بن أبي لهب والعباس بن عتبة بن أبي لهب وكان زوج امنة بنت العباس وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وأخته ضباعة وكانت زوج المقداد بن الأسود وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وابناه المغيرة والحارث ولعبد الله بن الحارث هذا رواية وكان يلقب ببه بموحدتين الثانية ثقيلة واميمة واروى وعاتكة وصفية بنات عبد المطلب أسلمت صفية وصحبت وفي الباقيات خلاف والله اعلم ثم ذكر المصنف حديث عائشة ان فاطمة أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها الحديث وقد تقدم بأتم من هذا مع شرحه في كتاب الخمس ويأتي بقيته في اخر غزوة خيبر ويأتي هناك بيان ما وقع في هذه الرواية من الاختصار ان شاء الله تعالى والمراد منه هنا قول أبي بكر لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم احب الي ان أصل من قرابتي وهذا قاله على سبيل الاعتذار عن منعه إياها ما طلبته من تركة النبي صلى الله عليه وسلم

[ 3509 ] قوله حدثنا خالد هو بن الحارث قوله عن واقد هو بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قوله ارقبوا محمدا في أهل بيته يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به والمراقبة للشيء المحافظة عليه يقول احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم ثم ذكر حديث المسور فاطمة بضعة مني فمن اغضبها اغضبني وهو طرف من قصة خطبة علي ابنته أبي جهل وسيأتي مطولا في ترجمة أبي العاص بن الربيع قريبا وحديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم سارها بشيء فبكت الحديث وسيأتي شرحه في الوفاة النبوية اخر المغازي وهذان الحديثان لم يقعا في رواية أبي ذر وثبتا لغيره ولم يذكرهما النسفي أيضا والسبب في ذلك ان حديث المسور يأتي بإسناده ومتنه في مناقب فاطمة وحديث عائشة مضى بإسناده ومتنه في علامات النبوة

[ 3511 ] قوله عن أبيه في رواية أبي نعيم في المستخرج سمعت أبي

قوله باب مناقب الزبير بن العوام أي بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وعدد ما بينهما من الإباء سواء وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكنى أبا عبد الله وروى الحاكم بإسناد صحيح عن عروة قال اسلم الزبير وهو بن ثمان سنين قوله وقال بن عباس هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث سيأتي في تفسير براءة من طريق بن أبي مليكة عن بن عباس ولهذا الحديث طرق من اغربها ما أخرجه الزبير بن بكار من مرسل أبي الخير مرثد بن اليزني بلفظ حواري من الرجال الزبير ومن النساء عائشة ورجاله موثقون لكنه مرسل قوله وسمي الحواريون لبياض ثيابهم وصله بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس به وزاد انهم كانوا صيادين وإسناده صحيح اليه واخرج عن الضحاك ان الحواري هو الغسال بالنبطية لكنهم يجعلون الحاء هاء وعن قتادة الحواري هو الذي يصلح للخلافة وعنه هو الوزير وعن بن عيينة هو الناصر أخرجه الترمذي وغيره عنه وعند الزبير بن بكار من طريق مسلمة بن عبد الله بن عروة مثله وهذه الثلاثة الأخيرة متقاربة وقال الزبير عن محمد بن سلام سألت يونس بن حبيب عن الحواري قال الخالص وعن بن الكلبي الحواري الخليل

[ 3512 ] قوله سنة الرعاف كان ذلك سنة إحدى وثلاثين أشار الى ذلك عمر بن شبة في كتاب المدينة وأفاد ان عثمان كتب العهد بعده لعبد الرحمن بن عوف واستكتم ذلك حمران كاتبه فوشى حمران بذلك الى عبد الرحمن فعاتب عثمان على ذلك فغضب عثمان على حمران فنفاه من المدينة الى البصرة ومات عبد الرحمن بعد ستة اشهر وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين قوله فدخل عليه رجل من قريش لم اقف على اسمه قوله فدخل عليه رجل اخر أحسبه الحارث أي بن الحكم وهو أخو مروان راوي الخبر ووقع منسوبا كذلك في مشيخة يوسف بن خليل الحافظ من طريق سويد بن سعيد عن علي بن مسهر بسند حديث الباب وقد شهد الحارث بن الحكم المذكور حصار عثمان وعاش بعد ذلك الى خلافة معاوية وفي نسب قريش للزبير انه تحاكم مع خصم له الى أبي هريرة قوله فلعلهم قالوا انه الزبير لم اقف على اسم من قال ذلك قوله انه ما علمت سيأتي ما فيه قوله ان كان لخيرهم ماعلمت ما مصدرية أي في علمي ويحتمل ان تكون موصولة وهو خبر مبتدأ محذوف قال الداودي يحتمل ان يكون المراد الخيرية في شيء مخصوص كحسن الخلق وان حمل على ظاهره ففيه مايبين ان قول بن عمر ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لانفاضل بينهم لم يرد به جميع الصحابة فان بعضهم قد وقع منه تفضيل بعضهم على بعض وهو عثمان في حق الزبير قلت قول بن عمر قيده بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعارض ما وقع منهم بعد ذلك

[ 3514 ] قوله وان حواري الزبير بتشديد الياء وفتحها كقوله ما أنتم بمصرخي ويجوز كسرها وقد مضى تفسير الحواري وتقدم سبب هذا الحديث في باب الطليعة في أوائل الجهاد

[ 3515 ] قوله أنبأنا عبد الله هو بن المبارك قوله كنت يوم الأحزاب أي لما حاصرت قريش ومن معها المسلمين بالمدينة وحفر الخندق بسبب ذلك وسيأتي شرح ذلك في المغازي قوله وعمر بن أبي سلمة أي بن عبد الأسد ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وأمه أم سلمة قوله في النساء في رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند مسلم في اطم حسان وله في رواية أبي أسامة عن هشام في الاطم الذي فيه النسوة يعني نسوة النبي صلى الله عليه وسلم وعنده في رواية علي بن مسهر المذكورة وكان يطأطىء لي مرة فأنظر وأطأطىء له مرة فينظر فكنت اعرف أبي إذا مر على فرسه في السلاح قوله يختلف الى بني قريظة أي يذهب ويجيء وفي رواية أبي أسامة عند الإسماعيلي مرتين أو ثلاثا قوله فلما رجعت قلت يا ابت رأيتك بين مسلم ان في هذه الرواية ادراجا فإنه ساقه من رواية علي بن مسهر عن هشام الى قوله الى بني قريظة قال هشام وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير قال فذكرت ذلك لأبي الى اخر الحديث ثم ساقه من طريق أبي أسامة عن هشام قال فساق الحديث نحوه ولم يذكر عبد الله بن عروة ولكن ادرج القصة في حديث هشام عن أبيه انتهى ويؤيده ان النسائي اخرج القصة الأخيرة من طريق عبدة عن هشام عن أخيه عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير عن أبيه والله اعلم قوله قال أو هل رأيتني يا بني قلت نعم فيه صحة سماع الصغير وانه لا يتوقف على أربع أو خمس لأن بن الزبير كان يومئذ بن سنتين واشهر أو ثلاث واشهر بحسب الاختلاف في وقت مولده وفي تاريخ الخندق فان قلنا انه ولد في أول سنة من الهجرة وكانت الخندق سنة خمس فيكون بن أربع واشهر وان قلنا ولد سنة اثنتين وكانت الخندق سنة أربع فيكون بن سنتين واشهر وان عجلنا إحداهما واخرنا الأخرى فيكون بن ثلاث سنين واشهر وسأبين الأصح من ذلك في كتاب المغازي ان شاء الله تعالى وعلى كل حال فقد حفظ من ذلك ما يستغرب حفظ مثله وقد تقدم البحث في ذلك في باب متى يصح سماع الصغير من كتاب العلم قوله جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه فقال فداك أبي وامي وسيأتي ما يعارضه في ترجمة سعد قريبا ووجه الجمع بينهما

[ 3516 ] قوله حدثنا علي بن حفص هو المروزي وقد تقدم ذكره في الجهاد ان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي الذين شهدوا وقعة اليرموك قالوا للزبير لم اقف على تسمية أحد منهم قوله يوم وقعة اليرموك هو بفتح التحتانية وسكون الراء وضم الميم واخره كاف موضع بالشام وكانت فيه وقعة في أول خلافة عمر وكان النصر للمسلمين على الروم واستشهد من المسلمين جماعة قوله الا تشد بضم المعجمة أي على المشركين قوله ان شددت كذبتم أي تتأخرون عما أقدم عليه فيختلف موعدكم هذا وأهل الحجاز يطلقون الكذب على ما يذكر خلاف الواقع قوله فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر كذا في هذه الرواية وسيأتي في غزوة بدر في المغازي ما يغاير ذلك ويأتي شرحه ووجه الجمع بين الروايتين هناك ان شاء الله تعالى وكان قتل الزبير في شهر رجب سنة ست وثلاثين انصرف من وقعة الجمل تاركا للقتال فقتله عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة واخره زاي التميمي غيلة وجاء الى علي متقربا اليه بذلك فبشره بالنار أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وصححه الحاكم من طرق بعضها مرفوع تنبيه تقدم الكلام على تركة الزبير وما وقع فيها من البركة بعده في كتاب الخمس

قوله ذكر طلحة بن عبيد الله أي بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة وعدد ما بينهم من الإباء سواء يكنى أبا محمد وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت وهاجرت وعاشت بعد أبيها قليلا وروى الطبراني من حديث بن عباس قال أسلمت أم أبي بكر وأم عثمان وأم طلحة وأم عبد الرحمن بن عوف وقتل طلحة يوم الجمل سنة ست وثلاثين رمي بسهم جاء من طرق كثيرة ان مروان بن الحكم رماه فأصاب ركبته فلم يزل ينزف الدم منها حتى مات وكان يومئذ أول قتيل واختلف في سنه على أقوال أكثرها انه خمس وسبعون واقلها ثمان وخمسون

[ 3817 ] قوله معتمر عن أبيه هو سليمان التيمي وأبو عثمان هو النهدي قوله في بعض تلك الأيام يريد يوم أحد وقوله عن حديثهما يعني انهما حدثا بذلك ووقع في فوائد أبي بكر بن المقرىء من وجه اخر عن معتمر بن سليمان عن أبيه فقلت لأبي عثمان وما علمك بذلك قال هما اخبراني بذلك

[ 3518 ] قوله حدثنا خالد هو بن عبد الله الواسطي وابن أبي خالد هو إسماعيل قوله التي وقى بها أي يوم أحد وصرح بذلك علي بن مسهر عن إسماعيل عند الإسماعيلي وعند الطبراني من طريق موسى بن طلحة عن أبيه انه اصابه في يده سهم ومن حديث أنس وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد بعض المشركين ان يضربه وفي مسند الطيالسي من حديث عائشة عن أبي بكر الصديق قال ثم أتينا طلحة يعني يوم أحد فوجدنا بضعا به وسبعين جراحة وإذا قد قطعت أصبعه وفي الجهاد لابن المبارك من طريق موسى بن طلحة ان أصبعه التي اصيبت هي التي تلي الإبهام وجاء عن يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن أبيه قال اصيبت أصبع طلحة البنصر من اليسرى من مفصلها الاسفل فشلت ترس بها على النبي صلى الله عليه وسلم قوله قد شلت بفتح المعجمة ويجوز ضمها في لغة ذكرها اللحياني وقال بن درستويه هي خطأ والشلل نقص في الكف وبطلان لعملها وليس معناه القطع كما زعم بعضهم زاد الإسماعيلي في روايته من طريق علي بن مسهر وغيره عن إسماعيل قال قيس كان يقال ان طلحة من حكماء قريش وروى الحميدي في الفوائد من وجه أخرجه عن قيس بن أبي حازم قال صحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال عن غير مسألة منه

قوله مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري أي أحد العشرة يكنى أبا إسحاق قوله وبنو زهرة اخوال النبي صلى الله عليه وسلم أي لان أمه امنة منهم واقارب الام اخوال قوله وهو سعد بن مالك أي اسم أبي وقاص مالك بن وهيب ويقال اهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة وعدد ما بينهما من الإباء متقارب وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس لم تسلم مات بالعقيق سنة خمس وخمسين وقيل بعد ذلك الى ثمانية وخمسين وعاش نحوا من ثمانين سنة

[ 3519 ] قوله جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد أي في التفدية وهي قوله فداك أبي وامي وبينه حديث علي ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول له يوم أحد ارم فداك أبي وامي وقد تقدم في الجهاد وفي هذا الحصر نظر لما تقدم في ترجمة الزبير انه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق ويجمع بينهما بان عليا رضي الله عنه لم يطلع على ذلك أو مراده بذلك بقيد يوم أحد والله اعلم

[ 3521 ] قوله ما اسلم أحد الا في اليوم الذي أسلمت فيه ظاهره انه لم يسلم أحد قبله لكن اختلف في هذه اللفظة كما سأذكره قوله ولقد مكثت سبعة أيام واني لثلث الإسلام سيأتي القول فيه قوله واني لثلث الإسلام قال ذلك بحسب اطلاعه والسبب فيه ان من كان اسلم في ابتداء الأمر كان يخفي إسلامه ولعله أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر أو النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وقد كانت خديجة أسلمت قطعا فلعله خص الرجال وقد تقدم في ترجمة الصديق حديث عمار رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه الا خمسة اعبد وأبو بكر وهو يعارض حديث سعد والجمع بينهما ما أشرت اليه أو يحمل قول سعد على الأحرار البالغين ليخرج الأعبد المذكورون وعلي رضي الله عنه أو لم يكن اطلع على أولئك ويدل على هذا الأخير انه وقع عند الإسماعيلي من رواية يحيى بن سعيد الأموي عن هاشم بلفظ ما اسلم أحد قبلي ومثله عند بن سعد من وجه اخر عن عامر بن سعد عن أبيه وهذا مقتضى رواية الأصيلي وهي مشكلة لأنه قد اسلم قبله جماعة لكن يحمل ذلك على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ وقد رأيت في المعرفة لابن منده من طريق أبي بدر عن هاشم بلفظ ما اسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه وهذا لا اشكال فيه إذ لا مانع ان لا يشاركه أحد في الإسلام يوم اسلم لكن أخرجه الخطيب من الوجه الذي أخرجه بن منده فاثبت فيه الا كبقية الروايات فتعين الحمل على ما قلته قوله تابعه أبو أسامة حدثنا هاشم وصله المؤلف في باب إسلام سعد من السيرة النبوية وهو مثل رواية بن أبي زائدة هذه

[ 3522 ] قوله اني لأول العرب رمى كان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب وكان القتال فيها أول حرب وقعت بين المشركين والمسلمين وهي أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة بعث ناسا من المسلمين الى رابغ ليلقوا عيرا لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم مسايفة فكان سعد أول من رمى ذكر ذلك الزبير بن بكار بسند له وقال فيه عن سعد انه انشد يومئذ الا هل اتى رسول الله اني حميت صحابتي بصدور نبلي وذكرها يونس بن بكير في زيادة المغازي من طريق الزهري نحوه وابن سعد من وجه اخر عن سعد انا أول من رمى بسهم ثم خرجنا مع عبيدة بن الحارث ستين راكبا قوله ماله خلط بكسر المعجمة أي لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته قوله ثم أصبحت بنو أسد أي بن خزيمة بن مدركة وكانوا ممن شكاه لعمر في القصة التي تقدم بيانها في صفة الصلاة ووقع عند بن بطال انه عرض في ذلك بعمر بن الخطاب وليس بصواب فان عمر من بني عدي بن كعب بن لؤي ليس من بني أسد ووقع عند النووي أسد بن عبد العزى يعني رهط الزبير بن العوام وهو وهم أيضا قوله تعزرني على الإسلام أي تؤدبني والمعنى تعلمني الصلاة أو تعيرني باني لا أحسنها قوله خبت أي كنت محتاجا الى تعليمهم وقد تقدمت قصته مع الذين زعموا انه لا يحسن يصلي في صفة الصلاة قوله وضل عملي في رواية بن سعد عن يعلى بن عبيد عن إسماعيل وضل عمليه بزيادة هاء السكت

قوله ذكر اصهار النبي صلى الله عليه وسلم أي الذين تزوجوا اليه والصهر يطلق على جميع اقارب المرأة والرجل ومنهم من يخصه بأقارب المرأة قوله منهم أبو العاص بن الربيع أي بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ويقال بإسقاط ربيعة وهو مشهور بكنيته واختلف في اسمه على أقوال اثبتها عند الزبير مقسم وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة فكان بن أختها واصل المصاهرة المقاربة وقال الراغب الصهر الختن وأهل بيت المرأة يقال لهم الاصهار قاله الخليل وقال بن الأعرابي الاصهار ما يتحرم بجوار أو نسب أو تزوج وكأنه لمح بالترجمة الى ما جاء عن عبد الله بن أبي أوفى رفعه سألت ربي ان لا اتزوج أحدا من أمتي ولا اتزوج اليه الا كان معي في الجنة فأعطاني أخرجه الحاكم في مناقب علي وله شاهد عن عبد الله بن عمر وعند الطبراني في الأوسط بسند واه وقال النووي الصهر يطلق على اقارب الزوجين والمصاهرة مقاربة بين المتباعدين وعلى هذا عمل البخاري فان أبا العاص بن الربيع ليس من اقارب نساء النبي صلى الله عليه وسلم الا من جهة كونه بن أخت خديجة وليس المراد هنا نسبته إليها بل الى تزوجه بابنتها وتزوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وهي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وقد اسر أبو العاص ببدر مع المشركين وفدته زينب فشرط عليه النبي صلى الله عليه وسلم ان يرسلها اليه فوفى له بذلك فهذا معنى قوله في اخر الحديث ووعدني فوفى لي ثم اسر أبو العاص مرة أخرى فأجارته زينب فأسلم فردها النبي صلى الله عليه وسلم الى نكاحه وولدت امامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها وهو يصلي كما تقدم في الصلاة وولدت له أيضا ابنا اسمه علي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مراهقا فيقال انه مات قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واما أبو العاص فمات سنة اثنتي عشرة وأشار المصنف بقوله منهم الى من لم يذكره ممن تزوج الى النبي صلى الله عليه وسلم كعثمان وعلي وقد تقدمت ترجمة كل منهما ولم يتزوج أحد من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الثلاثة الا بن أبي لهب كان تزوج رقية قبل عثمان ولم يدخل بها فأمره أبوه بمفارقتها ففارقها فتزوجها عثمان واما من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم اليه فلم يقصده البخاري بالذكر هنا والله اعلم

[ 3523 ] قوله ان عليا خطب بنت أبي جهل اسمها جويرية كما سيأتي ويقال العوراء ويقال جميلة وكان علي قد اخذ بعموم الجواز فلما انكر النبي صلى الله عليه وسلم أعرض علي عن الخطبة فيقال تزوجها عتاب بن اسيد وانما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ليشيع الحكم المذكور بين الناس وياخذوا به اما على سبيل الإيجاب واما على سبيل الاولوية وغفل الشريف المرتضى عن هذه النكتة فزعم ان هذا الحديث موضوع لأنه من رواية المسور وكان فيه انحراف عن علي وجاء من رواية بن الزبير وهو أشد في ذلك ورد كلامه باطباق أصحاب الصحيح على تخريجه وسيأتي بسط ما يتعلق بذلك في كتاب النكاح ان شاء الله تعالى قوله وهذا علي ناكح بنت أبي جهل في رواية الطبراني عن أبي اليمان وهذا علي ناكحا بالنصب وكذا عند مسلم من هذا الوجه اطلقت عليه اسم ناكح مجازا باعتبار ما كان قصد يفعل واختلف في اسم ابنة أبي جهل فروى الحاكم في الإكليل جويرية وهو الأشهر وفي بعض الطرق اسمها العوراء أخرجه بن طاهر في المبهمات وقيل اسمها الحنفاء ذكره بن جرير الطبري وقيل جرهمة حكاه السهيلي وقيل اسمها جميلة ذكره شيخنا بن الملقن في شرحه وكان لأبي جهل بنت تسمى صفية تزوجها سهل بن عمرو سماها بن السكيت وغيره وقال هي الحنفاء المذكورة قوله حدثني فصدقني لعله كان شرط على نفسه ان لا يتزوج على زينب وكذلك علي فان لم يكن كذلك فهو محمول على ان عليا نسي ذلك الشرط فلذلك اقدم على الخطبة أو لم يقع عليه شرط إذ لم يصرح بالشرط لكن كان ينبغي له ان يراعي هذا القدر فلذلك وقعت المعاتبة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قل ان يواجه أحدا بما يعاب به ولعله انما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليها السلام وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة ولو يكن حينئذ تأخر من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غيرها وكانت اصيبت بعد أمها بأخوتها فكان إدخال الغيرة عليها مما يزيد حزنها وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة بمهملتين مفتوحتين ولامين الأولى ساكنة وقد تقدم هذا الحديث من روايته موصولا في أوائل فرض الخمس مطولا وفيه ذكر بعض ما يتعلق به

قوله مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من بني كلب اسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فاستوهبه النبي صلى الله عليه وسلم مها ذكر قصته محمد بن إسحاق في السيرة وان أباه وعمه أتيا مكة فوجداه فطلبا ان يفدياه فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين ان يدفعه إليهما أو يثبت عنده فاختار ان يبقى عنده وقد اخرج بن منده في معرفة الصحابة وتمام فوائده بإسناد مستغرب عن ال بيت زيد بن حارثة اسلم يومئذ وهو حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى الكلبي واخرج الترمذي من طريق جبلة بن حارثة قال قلت يا رسول الله ابعث معي أخي زيدا قال ان انطلق معك لم امنعه فقال زيد يا رسول الله والله لا اختار عليك أحدا واستشهد زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ومات أسامة بن زيد بالمدينة أو بوادي القرى سنة أربع وخمسين وقيل قبل ذلك وكان قد سكن المزة من عمل دمشق مدة قوله وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنت اخونا ومولانا هو طرف من الحديث المشار اليه في ترجمة جعفر بن أبي طالب

[ 3524 ] قوله حدثنا سليمان هو بن بلال قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا هو البعث الذي أمر بتجهيزه في مرض وفاته وقال انفذوا بعث أسامة فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه بعده وسيأتي بيانه في اواخر الوفاة النبوية ان شاء الله تعالى قوله فطعن بعض الناس في امارته سمى ممن طعن في ذلك عياش بن أبي ربيعة المخزومي كما سيأتي بسط ذلك في اخر المغازي قوله تطعنون بفتح العين يقال طعن يطعن بالفتح في العرض والنسب وبالضم بالرمح واليد ويقال هما لغتان فيهما قوله فقد كنتم تطعنون في امارة أبيه من قبل يشير الى امارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة وعند النسائي عن عائشة قالت ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط الا امره عليهم وفيه جواز امارة المولى وتولية الصغار على الكبار والمفضول على الفاضل لأنه كان في الجيش الذي كان عليهم أسامة أبو بكر وعمر ثم ذكر حديث عائشة في قصة القائف وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الفرائض وفيه تسمية القائف المذكور

قوله ذكر أسامة بن زيد ذكر فيه حديث المخزومية التي سرقت وسيأتي شرحه مستوفى في الحدود والغرض منه

[ 3526 ] قوله في بعض طرقه ومن يجترئ ان يكلمه الا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يسمون أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر المهملة أي محبوبه لما يعرفون من منزلته عنده لأنه كان يحب أباه قبله حتى تبناه فكان يقال له زيد بن محمد وأمه أم ايمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي أمي بعد أمي وكان يجلسه على فخذه بعد ان كبر كما سيأتي في مناقب الحسن عن قريب

[ 3927 ] قوله حدثنا الحسن بن محمد هو الزعفراني وأبو عباد هو يحيى بن عباد الضبعي البصري والمراد بالماجشون عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة قوله ليت هذا عندي أي قريبا مني حتى أنصحه وأعظه وقد روي بالباء الموحدة من العبودية وكأنه على ما قيل كان اسود اللون قوله قال له انسان لم اقف على اسمه قوله لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه انما جزم بن عمر بذلك لما رأى من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة وأم أيمن وذريتهما فقاس بن أسامة على ذلك

[ 3528 ] قوله اللهم احبهما فاني احبهما هذا يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحب الا لله وفي الله ولذلك رتب محبة الله على محبته وفي ذلك أعظم منقبة لأسامة والحسن

[ 3529 ] قوله وقال نعيم هو بن حماد قوله أخبرني مولى لأسامة في رواية بن أبي الدنيا أخبرني بن حرملة مولى أسامة وابن حرملة هو إياس ويقال انه حرملة بن إياس في الرواية التي بعده قوله وهو رجل من الأنصار أي ايمن بن أم ايمن وأبوه هو عبيد بن عمرو بن هلال من بني الحبلي من الخزرج ويقال انه كان حبشيا من موالي الخزرج وتزوج أم ايمن قبل زيد بن حارثة فولدت له ايمن واستشهد ايمن يوم حنين مع النبي صلى الله عليه وسلم ونسب الى أمه لشرفها على أبيه وشهرتها عند أهل البيت النبوي وتزوج زيد بن حارثة أم ايمن وكانت حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ورثها من أبيه فولدت له أسامة بن زيد وعاشت أم ايمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا قوله فراه بن عمر هو معطوف على شيء مقدر تقديره ان الحجاج بن ايمن دخل المسجد فصلى فراه بن عمر يوضح ذلك الرواية التي بعد هذه قوله فقال أعد أي أعد صلاتك وفي رواية الإسماعيلي فقال أي بن أخي أتحسب انك قد صليت انك لم تصل فأعد صلاتك قوله بينما هو فيه تجريد كأن حرملة قال بينما انا فجرد من نفسه شخصا فقال بينما هو قوله فذكر حبه وما ولدته أم ايمن كذا ثبت بواو العطف في رواية أبي ذر والضمير على هذا لأسامة في قوله فذكر حبه أي ميله وفي رواية غير أبي ذر فذكر حبه ما ولدته أم ايمن فعلى هذا فالضمير للنبي صلى الله عليه وسلم و ما ولدته الخ هو المفعول والمراد بما ولدته أم ايمن ما ولدته من ذكر أو أنثى قوله وزادني بعض أصحابي هو اما يعقوب بن سفيان فإنه رواه في تاريخه عن سليمان بن عبد الرحمن بالإسناد المذكور وزاد فيه وكانت أم ايمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم واما الذهلي فإنه أخرجه في الزهريات عن سليمان أيضا وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين عن أبي عامر محمد بن إبراهيم الصوري عن سليمان كذلك وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق إبراهيم الزهري عن سليمان كذلك وكأن هذا القدر لم يسمعه البخاري من سليمان فحمله عن بعض اصحابه فبين ما سمعه مما لم يسمعه

قوله مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو أحد العبادلة وفقهاء الصحابة والمكثرين منهم وأمه زينب ويقال رائطة بنت مظعون أخت عثمان وقدامة ابني مظعون للجميع صحبة وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث لأنه ثبت انه كان يوم بدر بن ثلاث عشرة سنة وكانت بدر بعد البعثة بخمس عشرة سنة وقد تقدم تاريخ وفاته في الصلاة وانها كانت بسبب من دسه عليه الحجاج فمس رجله بحربة مسمومة فمرض بها الى ان مات أوائل سنة أربع وسبعين ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في رؤياه وفيه نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل وقد تقدم توجيهه في باب قيام الليل وقوله

[ 3530 ] في أوله حدثنا محمد حدثنا إسحاق بن نصر كذا لأبي ذر وحده وبين ان محمدا هو المصنف ووقع عند بن السكن وحده حدثنا إسحاق بن منصور وقوله لن ترع كذا للقابسي قال بن التين هي لغة قليلة يعني الجزم بلن قال القزاز ولا احفظ لها شاهدا وروى الأكثر بلفظ لن تراع وهو الوجه ثم اورد المصنف من طريق يونس عن الزهري عن سالم عن بن عمر عن أخته حفصة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ان عبد الله رجل صالح وهو طرف من الحديث الذي قبله وهذا القدر هو الذي يتعلق منه بمسند حفصة وسيأتي في التعبير من طريق نافع عن بن عمر عن حفصة مثله وزاد لو كان يصلي من الليل وتقدمت الإشارة الى ذلك أيضا في قيام الليل ويأتي بقية ذلك في التعبير ان شاء الله تعالى

قوله باب مناقب عمار وحذيفة اما عمار فهو بن ياسر يكنى أبا اليقظان العنسي بالنون وأمه سمية بالمهملة مصغر اسلم هو وأبوه قديما وعذبوا لأجل الإسلام وقتل أبو جهل أمه فكانت أول شهيد في الإسلام ومات أبوه قديما وعاش هو الى ان قتل بصفين مع علي رضي الله عنهم وكان قد ولي شيئا من أمور الكوفة لعمر فلهذا نسبه أبو الدرداء إليها واما حذيفة فهو بن اليمان بن جابر بن عمرو العبسي بالموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار واسلم هو وأبوه اليمان كما سيأتي وولي حذيفة بعض أمور الكوفة لعمر وولي امرة المدائن ومات بعد قتل عثمان بيسير بها وكان عمار من السابقين الأولين وحذيفة من القدماء في الإسلام أيضا الا انه متأخر فيه عن عمار وانما جمع المصنف بينهما في الترجمة لوقوع الثناء عليهما من أبي الدرداء في حديث واحد وقد افرد ذكر بن مسعود وان كان ذكر معهما لوجوده مايوافق شرطه غير ذلك من مناقبه وقد افرد ذكر حذيفة في اواخر المناقب وهو مما يؤيد ما سنذكره انه لم يهذب ترتيب من ذكره من أصحاب هذه المناقب ويحتمل ان يكون افراده بالذكر لأنه أراد ذكر ترجمة والده اليمان

[ 3532 ] قوله عن إبراهيم عن علقمة قال قدمت الشام في رواية شعبة التي بعد هذه عن إبراهيم قال ذهب علقمة الى الشام وهذا الثاني صورته مرسل لكن قال في اثنائه قال قلت بلى فاقتضى انه موصول ووقع في التفسير من وجه اخر عن إبراهيم عن علقمة قال قدمت الشام في نفر من أصحاب بن مسعود فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا قوله حتى يجلس الى جنبي أي يجعل غاية مجيئه جلوسه وعبر بلفظ المضارع مبالغة زاد الإسماعيلي في روايته فقلت الحمد لله اني لأرجو ان يكون الله استجاب دعوتي قوله قالوا أبو الدرداء لم اقف على اسم القائل قوله قال أو ليس عندكم بن أم عبد يعني عبد الله بن مسعود ومراد أبي الدرداء بذلك انه فهم منهم انهم قدموا في طلب العلم فبين لهم ان عندهم من العلماء من لا يحتاجون معهم الى غيرهم ويستفاد منه ان المحدث لا يرحل عن بلده حتى يستوعب ماعند مشايخها قوله صاحب النعلين أي نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بن مسعود يحملهما ويتعاهدهما قوله والوساد في رواية شعبة صاحب السواك بالكاف أو السواد بالدال ووقع في رواية الكشميهني هنا الوساد ورواية غيره أوجه والسواد السرار براءين يقال ساودته سوادا أي ساررته سرارا واصله أدنى السواد وهو الشخص من السواد قوله والمطهرة في رواية السرخسي والمطهر بغير هاء وأغرب الداودي فقال معناه انه لم يكن يملك من الجهاز غير هذه الأشياء الثلاثة كذا قال وتعقب بن التين كلامه فأصاب وقد روى مسلم عن بن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له اذنك علي ان ترفع الحجاب وتسمع سوادي أي سراري وهي خصوصية لابن مسعود وسيأتي في مناقبه قريبا حديث أبي موسى قدمت انا واختي من اليمن فمكثنا حينا لا نرى الا ان عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما نرى من دخوله ودخول أمه والصواب ما قال غير الداودي ان المراد الثناء عليه بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم وانه لشدة ملازمته له لأجل هذه الأمور ينبغي ان يكون عنده من العلم ما يستغني طالبه به عن غيره قوله أفيكم بهمزة الاستفهام وفي رواية الكشميهني وفيكم بواو العطف وفي رواية شعبة أليس فيكم أو منكم بالشك في الموضعين قوله الذي اجاره الله من الشيطان يعني على لسان نبيه في رواية شعبة اجاره الله على لسان نبيه يعني من الشيطان وزاد في رواية شعبة يعني عمارا وزعم بن التين ان المراد بقوله على لسان نبيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ويح عمار يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار وهو محتمل ويحتمل ان يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعا ما خير عمار بين امرين الا اختار ارشدهما أخرجه الترمذي ولأحمد من حديث بن مسعود مثله اخرجهما الحاكم فكونه يختار ارشد الامرين دائما يقتضي انه قد أجير من الشيطان الذي من شأنه الأمر بالغي وروى البزار من حديث عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ملىء ايمانا الى مشاشه يعني عمارا وإسناده صحيح ولابن سعد في الطبقات من طريق الحسن قال قال عمار نزلنا منزلا فأخذت قربتي ودلوي لأستقي فقال النبي صلى الله عليه وسلم سيأتيك من يمنعك من الماء فلما كنت على رأس الماء إذا رجل اسود كأنه مرس فصرعته فذكر الحديث وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الشيطان فلعل بن مسعود أشار الى هذه القصة ويحتمل ان تكون الإشارة بالاجارة المذكورة الى ثباته على الإيمان لما اكرهه المشركون على النطق بكلمة الكفر فنزلت فيه الا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وقد جاء في حديث اخر ان عمارا ملىء ايمانا الى مشاشه أخرجه النسائي بسند صحيح والمشاش بضم الميم ومعجمتين الأولى خفيفة وهذه الصفة لاتقع الا ممن اجاره الله من الشيطان وقد تقدم شرح الحديث الذي أشار اليه بن التين في باب التعاون في بناء المسجد مستوفى ولله الحمد قوله أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لايعلم أحد غيره كذا فيه بحذف المفعول وفي رواية الكشميهني الذي لايعلمه والمراد بالسر ما أعلمه به النبي صلى الله عليه وسلم من أحوال المنافقين قوله ثم قال كيف يقرأ عبد الله يعني بن مسعود وسيأتي الكلام على ما يتعلق بهذا القدر من القراءة في تفسير والليل إذا يغشى ان شاء الله تعالى حيث أورده المصنف وفيه زيادة فيما يتعلق به على ما هنا تنبيه توارد أبو هريرة في وصف المذكورين مع أبي الدرداء بما وصفهم به وزاد عليه فروى الترمذي من طريق خيثمة بن عبد الرحمن قال أتيت المدينة فسألت الله ان ييسر لي جليسا صالحا فيسر لي أبا هريرة فقال ممن أنت قلت من الكوفة جئت التمس الخير قال أليس منكم سعد بن مالك مجاب الدعوة وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه وحذيفة صاحب سره وعمار الذي اجاره الله من الشيطان على لسان نبيه وسلمان صاحب الكتابين

قوله باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح كذا اخر ذكره عن إخوانه من العشرة ولم اقف في شيء من نسخ البخاري على ترجمة لمناقب عبد الرحمن بن عوف ولا لسعيد بن زيد وهما من العشرة وان كان قد افرد ذكر إسلام سعيد بن زيد بترجمة في أوائل السيرة النبوية وأظن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب البخاري كما تقدم مرارا انه ترك الكتاب مسودة فان أسماء من ذكرهم هنا لم يقع فيهم مراعاة الأفضلية ولا السابقية ولا الاسنية وهذه جهات التقديم في الترتيب فلما لم يراع واحدا منها دل على انه كتب كل ترجمة على حدة فضم بعض النقلة بعضها الى بعض حسبما اتفق وأبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن اهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك وعدد ما بينهما من الإباء متفاوت جدا بخمسة اباء فيكون أبو عبيدة من حيث العدد في درجة عبد مناف ومنهم من ادخل في نسبه بين الجراح وهلال ربيعة فيكون على هذا في درجة هاشم وبذلك جزم أبو الحسن بن سميع ولم يذكره غيره وأم أبي عبيدة هي من بنات عم أبيه ذكر أبو أحمد انها أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر ويقال انه هو الذي قتله ورواه الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلا ومات أبو عبيدة وهو أمير على الشام من قبل عمر بالطاعون سنة ثمان عشرة باتفاق

[ 3534 ] قوله حدثنا عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى البصري السامي بالمهملة من بني سامة بن لؤي وخالد شيخه هو الحذاء قوله ان لكل امة أمينا وان اميننا ايتها الأمة صورته صورة النداء لكن المراد فيه الاختصاص أي امتنا مخصوصون من بين الأمم وعلى هذا فهو بالنصب على الاختصاص ويجوز الرفع والأمين هو الثقة الرضي وهذه الصفة وان كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيدا في ذلك لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره كالحياء لعثمان والقضاء لعلي ونحو ذلك تنبيه اورد الترمذي وابن حبان هذا الحديث من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء بهذا الإسناد مطولا وأوله ارحم أمتي بامتي أبو بكر واشدهم في أمر الله عمر واصدقهم حياء عثمان وأقرأهم لكتاب الله أبي وافرضهم زيد واعلمهم بالحلال والحرام معاذ الا وان لكل امة أمينا الحديث وإسناده صحيح الا ان الحفاظ قالوا ان الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري والله اعلم

[ 3535 ] قوله عن صلة بكسر المهملة وتخفيف اللام هو بن زفر وذكر الجياني انه وقع هنا في رواية القابسي صلة بن حذيفة وهو تحريف قوله عن حذيفة وقع في رواية النسائي عن صلة عن بن مسعود وسيأتي بيان ذلك في المغازي قوله لأهل نجران هم أهل بلد قريب من اليمن وهم العاقب واسمه عبد المسيح والسيد ومن معهما ذكر بن سعد انهم وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وسماهم وسيأتي شرح ذلك مطولا في اواخر المغازي حيث ذكره المصنف ان شاء الله تعالى ووقع في حديث أنس عند مسلم ان أهل اليمن قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام فأخذ بيد أبي عبيدة وقال هذا امين هذه الأمة فان كان الراوي تجوز عن أهل نجران بقوله أهل اليمن لقرب نجران من اليمن والا فهما واقعتان والأول أرجح والله اعلم قوله لأبعثن حق امين في رواية غير أبي ذر لأبعثن يعني عليكم أمينا حق امين ولمسلم لأبعثن اليكم رجلا أمينا حق امين قوله فأشرف أصحابه في رواية مسلم والإسماعيلي فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تطلعوا للولاية ورغبوا فيها حرصا على تحصيل الصفة المذكورة وهي الأمانة لا على الولاية من حيث هي والله اعلم قوله فبعث أبا عبيدة في رواية أبي يعلى قم يا أبا عبيدة فأرسله معهم ووقع في رواية لأبي يعلى من طريق سالم عن أبيه سمعت عمر يقول ما أحببت الامارة قط الا مرة واحدة فذكر القصة وقال في الحديث فتعرضت ان تصيبني فقال قم يا أبا عبيدة

قوله ذكر مصعب بن عمير أي بن هاشم بن عبد الدار بن عبد مناف وقع كذلك في غير رواية أبي ذر الهروي وكأنه بيض له وقد تقدم من فضائله في كتاب الجنائز انه لما استشهد لم يوجد له ما يكفن فيه

قوله باب مناقب الحسن والحسين كأنه جمعهما لما وقع لهما من الاشتراك في كثير من المناقب وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثر وقيل بعد ذلك ومات بالمدينة مسموما سنة خمسين ويقال قبلها ويقال بعدها وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بانهم في طاعته فخرج الحسين إليهم فسبقه عبيد الله بن زياد الى الكوفة فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة وقتل بن عمه مسلم بن عقيل وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس ثم جهز اليه عسكرا فقاتلوه الى ان قتل هو وجماعة من أهل بيته والقصة مشهورة فلا نطيل بشرحها وعسى ان يقع لنا المام بها في كتاب الفتن قوله وقال نافع بن جبير أي بن مطعم وحديثه المذكور طرف من حديث تقدم موصولا في البيوع ثم ذكر فيه ثمانية أحاديث الأول حديث أبي بكرة ان ابني هذا سيد وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الفتن وزاد أبو ذر هنا أبو موسى اسمه إسرائيل بن موسى من أهل البصرة نزل الهند لم يروه عن الحسن غيره الثاني حديث أسامة بن زيد تقدم في ترجمة أسامة

[ 3737 ] قوله سمعت أبي هو سليمان التيمي قوله حدثنا أبو عثمان وقع في رواية في الأدب من وجه اخر عن معتمر عن أبيه سمعت أبا تميمة يحدث عن أبي عثمان قال الإسماعيلي كان سليمان سمعه من أبي تميمة عن أبي عثمان ثم لقي أبا عثمان فسمعه منه قلت بل هما حديثان فان لفظ سليمان عن أبي عثمان اللهم اني احبهما ولفظ سليمان عن أبي تميمة ان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني فيضعني على فخذه ويضع على الفخذ الاخر الحسن بن علي ثم يضمهما ثم يقول اللهم ارحمهما فاني ارحمهما الثالث حديث أنس

[ 3538 ] قوله حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم هو بن أشكاب أخو علي قوله حدثنا جرير هو بن أبي حازم عن محمد هو بن سيرين قوله اتى عبيد الله بن زياد هو بالتصغير وزياد هو الذي يقال له بن أبي سفيان وكان أمير الكوفة عن يزيد بن معاوية وقتل الحسين في امارته كما تقدم فأتى برأسه قوله فجعل ينكت في رواية الترمذي وابن حبان من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس فجعل يقول بقضيب له في انفه وللطبراني من حديث زيد بن أرقم فجعل قضيبا في يده في عينه وانفه فقلت ارفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه وله من وجه اخر عن أنس نحوه وسيأتي قوله وقال في حسنه شيئا في رواية الترمذي وقال ما رأيت مثل هذا حسنا قوله كان اشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم أي اشبه أهل البيت وزاد البزار من وجه اخر عن أنس قال فقلت له اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك قال فانقبض قوله وكان مخضوبا أي الحسين بالوسمة بفتح الواو وأخطأ من ضمها وبسكون المهملة ويجوز فتحها نبت يختضب به يميل الى سواد وسيأتي البحث في ذلك في كتاب اللباس ان شاء الله تعالى الحديث الرابع حديث البراء

[ 3539 ] قوله والحسن بن علي وقع عند الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة الحسن أو الحسين بالشك ثم ذكر ان أكثر أصحاب شعبة رووه فقالوا الحسن بغير شك ثم عد منهم ثمانية الحديث الخامس حديث عقبة بن الحارث هو النوفلي

[ 3540 ] قوله عن بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث هذا هو الصحيح وقال زمعة بن صالح عن بن أبي مليكة كانت فاطمة تنقز بالقاف والزاي أي ترقص الحسن بن علي فذكر هذا الحديث وأخرجه أحمد ويحتمل ان كان حفظه ان يكون كل من أبي بكر وفاطمة توافقا على ذلك أو يكون أبو بكر عرف ان فاطمة كانت تقول ذلك فتابعها على تلك المقالة قوله بأبي شبيه بالنبي تقدم في أول صفة النبي صلى الله عليه وسلم ووقع عند أحمد من وجه اخر عن بن أبي مليكة قال وكانت فاطمة عليها السلام ترقص الحسن وتقول ابني شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي وفيه إرسال فان كان محفوظا فلعلها تواردت في ذلك مع أبي بكر أو تلقى ذلك أحدهما من الاخر قوله ليس شبيه بعلي قال بن مالك كذا وقع برفع شبيه على ان ليس حرف عطف وهو مذهب كوفي قال ويجوز ان يكون شبيه اسم ليس ويكون خبرها ضميرا متصلا حذف استغناء عن لفظه بنيته ونحوه قوله في خطبة يوم النحر أليس ذو الحجة وقال الطيبي في قوله بأبي شبيه بالنبي يحتمل ان يكون التقدير هو مفدي بابي شبيه فيكون خبرا بعد خبر أو افديه بابي وشبيه بالنبي خبر مبتدأ محذوف وفيه اشعار بعلية الشبه للتفدية وفي قوله شبيه بالنبي ما قد يعارض قول علي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم لم أر قبله ولا بعده مثله أخرجه الترمذي في الشمائل والجواب ان يحمل المنفي على عموم الشبه والمثبت على معظمه والله اعلم الحديث السادس حديث بن عمر عن أبي بكر تقدم متنا وسندا وشرحا قريبا في مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابع

[ 3542 ] قوله وقال عبد الرزاق الخ وصله أحمد وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق وأخرجه الترمذي من روايته وقصد البخاري بهذا التعليق بيان سماع الزهري له من أنس الحديث الثامن حديث بن عمر قوله لم يكن أحد اشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي هذا يعارض رواية بن سيرين الماضية في الحديث الثالث فإنه قال في حق الحسين بن علي كان اشبههم بالنبي صلى الله عليه وسلم ويمكن الجمع بان يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري في حياة الحسن لأنه يومئذ كان أشد شبها بالنبي صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين واما ما وقع في رواية بن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن ويحتمل ان يكون كل منهما كان أشد شبها به في بعض اعضائه فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال الحسن اشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس الى الصدر والحسين اشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه وكان اشبههم وجها بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤيد حديث علي هذا والله اعلم والذين كانوا يشبهون بالنبي صلى الله عليه وسلم غير الحسن والحسين جعفر بن أبي طالب وابنه عبد الله بن جعفر وقثم بالقاف بن العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومسلم بن عقيل بن أبي طالب ومن غير بني هاشم السائب بن يزيد المطبي الجد الأعلى للامام الشافعي وعبد الله بن عامر بن كريز العبشمي وكابس بن ربيعة بن عدي فهؤلاء عشرة نظم منهم أبو الفتح بن سيد الناس خمسة أنشدنا محمد بن الحسن المقري عنه بخمسة اشبهوا المختار من مضر يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن بجعفر وابن عم المصطفى قثم وسائب وأبي سفيان والحسن وزادهم شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ اثنين وهما الحسين وعبد الله بن عامر بن كريز ونظم ذلك في بيتين وانشدناهما وهما وسبعة شبهوا بالمصطفى فما لهم بذلك قدر قد زكا ونما سبطا النبي أبو سفيان سائبهم وجعفر وابنه ذو الجود مع قثما وزاد فيهم بعض أصحابنا ثامنا وهو عبد الله بن جعفر ونظم ذلك في بيتين أيضا وقد زدت فيهما مسلم بن عقيل وكابس بن ربيعة فصاروا عشرة ونظمت ذلك في بيتين وهما شبه النبي لعشر سائب وأبي سفيان والحسنين الطاهرين هما وجعفر وابنه ثم بن عامر هم ومسلم كابس يتلوه مع قثما وقد وجدت بعد ذلك ان فاطمة ابنته عليها السلام كانت تشبهه فيمكن ان يغير من البيت الأول قوله لعشر فيجعل لياء وهو بالحساب أحد عشر ويغير الطاهرين هما فيجعل ثم أمهما ثم وجدت ان إبراهيم ولده عليه السلام كان يشبهه فيغير قوله لياء فيجعل ليب وبدل الطاهرين هما الخال أمهما ثم وجدت في قصة جعفر بن أبي طالب ان ولديه عبد الله وعوفا كانا يشبهانه فيجعل أول البيت شبه النبي ليج والبيت الثاني وجعفر ولداه وابن عامرهم الخ ووجدت من نظم الامام أبي الوليد بن الشحنة قاضي حلب ولم اسمعه منه وخمس عشر لهم بالمصطفى شبه سبطاه وابنا عقيل سائب قثم وجعفر وابنه عبدان مسلم أبو سفيان كابس عثم بن النجادهم فزاد بن عقيل الثاني وعثمان وابن النجاد وأخل ممن ذكرته بابن جعفر الثاني وأراد هو بقوله عبدان تثنية عبد وهما عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الحارث ولو كان أراد اسما مفردا لم يتم له خمسة عشر وقد تعقب قوله ابنا عقيل بالتثنية مع قوله ومسلم لان مسلما هو بن عقيل ثم وجدت الجواب عنه يؤخذ مما ذكره أبو جعفر بن حبيب ان مسلم بن معتب بن أبي لهب ممن كان يشبه ومسلم بن عقيل ذكره بن حبان في ثقاته ومحمد بن عقيل ذكره المزي في تهذيبه وذكر في المحبر ان عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الملقب ببه كان يشبه وذكر ذلك بن عبد البر في الاستيعاب أيضا وأراد بن الشحنة بقوله عثم ترخيم عثمان واعتمد على ما جاء في حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته أم كلثوم لما زوجها عثمان انه اشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد وهو حديث موضوع كما قاله الذهبي في ترجمة عمرو بن الأزهر أحد رواته وهو وشيخه خالد بن عمرو كذبهما الأئمة وانفرد بهذا الحديث والمعروف في صفة عثمان خلاف ذلك وأراد بابن النجاد علي بن علي بن النجاد بن رفاعة واعتمد على ما ذكره بن سعد عن عثمان انه كان يشبه وهذا تابعي صغير متأخر عن الذين تقدم ذكرهم لذلك لم اعول عليه وعلى تقدير اعتباره يكون قد فاته ممن وصف بذلك القاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ويحيى بن القاسم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي فكل من هؤلاء مذكور في كتب الأنساب انه كان يشبه حتى ان يحيى المذكور كان يقال له الشبيه لاجل ذلك والمهدي الذي يخرج في اخر الزمان جاء انه يشبه ويواطىء اسمه واسم أبيه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه وذكر بن حبيب أيضا محمد بن جعفر بن أبي طالب وهو غلط لأنه وقع في الخبر الذي تقدم في جعفر انه قال في حق محمد بن جعفر شبيه عمه أبي طالب وقد سلم بن الشحنة منه وقد غيرت بيتي هكذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم إليه سائب وأبي سفيان والحسنين الخال أمهما وجعفر ولديه وابن عامر كا بس ونجلي عقيل بية قثما فاقتصرت على ثلاثة عشر ممن ذكرهم بن الشحنة وابدلتهما باثنين فوفيت عدته مع السلامة مما تعقب عليه والله الموفق وذكر بن يونس في تاريخ مصر عبد الله بن أبي طلحة الخولاني وانه شهد فتح مصر وأمره عمر بان لا يمشي مقنعا لأنه كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم قال وكان له عبادة وفضل وفي قصة الكاهنة مع أويس انها قالت لهم اشبه الناس بصاحب المقام أي إبراهيم الخليل هذا تشير الى محمد صلى الله عليه وسلم

[ 3543 ] قوله عن محمد بن أبي يعقوب هو محمد بن عبد الله البصري الضبي ويقال انه تميمي وقال شعبة مرة حدثني محمد بن أبي يعقوب وكان سيد بني تميم وهو ثقة باتفاق قوله سمعت بن أبي نعيم بضم النون وسكون المهملة وهو عبد الرحمن يكنى أبا الحكم البحلي قوله وسأله عن المحرم في رواية مهدي بن ميمون عن بن أبي يعقوب كما سيأتي في الأدب وسأله رجل ورأيت في بعض النسخ من رواية أبي ذر الهروي وسألته فان كانت محفوظة فقد عرف اسم السائل لكن يبعده ان في رواية جرير بن حازم عن محمد بن أبي يعقوب عند الترمذي ان رجلا من أهل العراق سأل وفي رواية لأحمد وانا جالس عنده ونحوها في رواية مهدي المذكورة في الأدب قوله قال شعبة أحسبه يقتل الذباب وقع عند أبي داود الطيالسي عن شعبة بغير شك وفي رواية جرير بن حازم المذكورة سئل بن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب وكذا هو في رواية مهدي بن ميمون المذكورة ويحتمل ان يكون السؤال وقع عن الامرين والله اعلم قوله فقال أهل العراق يسألون عن الذباب في رواية أبي داود فقال يا أهل العراق تسألونني عن الذباب اورد بن عمر هذا متعجبا من حرص أهل العراق على السؤال عن الشيء اليسير وتفريطهم في الشيء الجليل قوله ريحانتاي كذا للأكثر بالتثنية ولأبي ذر ريحاني بالافراد والتذكير شبههما بذلك لان الولد يشم ويقبل ووقع في رواية جرير بن حازم ان الحسن والحسين هما ريحانتي وعند الترمذي من حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما اليه وفي رواية الطبراني في الأوسط من طريق أبي أيوب قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبان بين يديه فقلت اتحبهما يا رسول الله قال وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا اشمهما

قوله مناقب بلال بن رباح بفتح الراء والموحدة واخره مهملة وقد تقدم في باب البيع والشراء مع المشركين من البيوع بيان الاختلاف في كيفية شرائه وذكر بن سعد من مولدي السراة واسم أمه حمامة وكانت لبعض بني جمح وجاء عن أنس عند الطبراني وغيره انه حبشي وهو المشهور وقيل نوبي قوله مولى أبي بكر روى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن قيس بن أبي حازم قال اشترى أبو بكر بلالا بخمس أواق وهو مدفون بالحجارة قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم سمعت دف نعليك في الجنة هو طرف من حديث أورده في صلاة الليل وقد تقدم شرحه

[ 3544 ] قوله كان عمر يقول أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا يعني بلالا قال بن التين يعني ان بلالا من السادة ولم يرد انه أفضل من عمر وقال غيره السيد الأول حقيقة والثاني قاله تواضعا على سبيل المجاز أو ان السيادة لاتثبت الأفضلية فقد قال بن عمر ما رأيت اسود من معاوية مع انه رأى أبا بكر وعمر

[ 3545 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي خالد عن قيس هو بن أبي حازم قوله ان بلالا قال لأبي بكر كان قوله ذلك لأبي بكر في خلافة أبي بكر وقد وقع ذلك صريحا في رواية أحمد عن أبي أسامة عن إسماعيل بلفظ قال بلال لأبي بكر حين توفي رسول الله الله صلى الله عليه وسلم قوله فدعني وعمل الله في رواية الكشميهني وعملي لله وفي رواية أبي أسامة فذرني اعمل لله وذكر بن سعد في الطبقات في هذه القصة من الزيادة انه قال رأيت أفضل عمل المؤمن الجهاد فأردت ان أرابط في سبيل الله وان أبا بكر قال لبلال أنشدك الله وحقي فأقام معه بلال حتى توفي فلما مات أذن له عمر فتوجه الى الشام مجاهدا فمات بها في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة وقيل سنة عشرين والله اعلم وكانت وفاته بدمشق ودفن بباب الصغير وبهذا جزم النووي وقيل دفن بباب كيسان وقيل بداريا وقيل بحلب ورده المنذري وقال الذي مات بحلب اخوه خالد وزعم بن السمعاني ان بلالا مات بالمدينة وغلطوه

قوله ذكر بن عباس أي عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عم النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا العباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ومات بالطائف سنة ثمان وستين وكان من علماء الصحابة حتى كان عمر يقدمه مع الاشياخ وهو شاب أورده فيه حديثه قال ضمني النبي صلى الله عليه وسلم اليه وقال اللهم علمه الحكمة وفي لفظ علمه الكتاب وهو يؤيد من فسر الحكمة هنا بالقران وقد استوعبت ما قيل في تفسيرها في أوائل كتاب العلم وقد تقدم هذا الحديث في كتاب العلم وفي الطهارة مع بيان سببه وبيان من زاد فيه وعلمه التأويل وهذه اللفظة اشتهرت على الألسنة اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل حتى نسبها بعضهم للصحيحين ولم يصب والحديث عند أحمد بهذا اللفظ من طريق بن خيثم عن سعيد بن جبير عن بن عباس وعند الطبراني من وجهين اخرين وأوله في هذا الصحيح من طريق عبيد الله بن أبي يزيد عن بن عباس دون

[ 3546 ] قوله وعلمه التأويل وأخرجها البزار من طريق شعيب بن بشر عن عكرمة بلفظ اللهم علمه تأويل القران وعند أحمد من وجه اخر عن عكرمة اللهم اعط بن عباس الحكمة وعلمه التأويل واختلف في المراد بالحكمة هنا فقيل الإصابة في القول وقيل الفهم عن الله وقيل مايشهد العقل بصحته وقيل نور يفرق به بين الالهام والوسواس وقيل سرعة الجواب بالصواب وقيل غير ذلك وكان بن عباس من اعلم الصحابة بتفسير القران وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بإسناد صحيح عن بن مسعود قال لو أدرك بن عباس اسناننا ما عاشره منا رجل وكان يقول نعم ترجمان القران بن عباس وروى هذه الزيادة بن سعد من وجه اخر عن عبد الله بن مسعود وروى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن بن عمر قال هو اعلم بما انزل الله على محمد واخرج بن أبي خيثمة نحوه بإسناد حسن وروى يعقوب أيضا بإسناد صحيح عن أبي وائل قال قرأ بن عباس سورة النور ثم جعل يفسرها فقال رجل لو سمعت هذا الديلم لأسلمت ورواه أبو نعيم في الحلية من وجه اخر بلفظ سورة البقرة وزاد انه كان على الموسم يعني سنة خمس وثلاثين كان عثمان أرسله لما حصر

قوله مناقب خالد بن الوليد أي بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن خزوم بن يقظة بفتح التحتانية والقاف والمشالة بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر جميعا في مرة بن كعب يكنى أبا سليمان وكان من فرسان الصحابة اسلم بين الحديبية والفتح ويقال قبل غزوة مؤتة بشهرين وكانت في جمادى سنة ثمان ومن ثم جزم مغلطاي بأنها كانت في صفر وكان الفتح بعد ذلك في رمضان وحكى بن أبي خيثمة انه اسلم سنة خمس وهو غلط فإنه كان بالحديبية طليعة للمشركين وهي في ذي القعدة سنة ست وقال الحاكم اسلم سنة سبع زاد غيره وقبل عمرة القضاء والراجح الأول وما وافقه وقد اخرج سعيد بن منصور عن هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ان خالد بن الوليد فقد قلنسوة فقال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس شعره فسبقتهم الى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم اشهد قتالا وهي معي الا رزقت النصر وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مشاهد ظهرت فيها نجابته ثم كان قتل أهل الردة على يديه ثم فتوح البلاد الكبار ومات على فراشه سنة إحدى وعشرين وبذلك جزم بن نمير وذلك في خلافة عمر بحمص ونقل عن دحيم انه مات بالمدينة وغلطوه ووقع في كلام بن التين وتبعه بعض الشراح شيء يدل على انه مات في خلافة أبي بكر وهو غلط قبيح أشد من غلط دحيم وذلك انه قال قال الصديق لما احتضر خالد والنسوة تبكين عليه دعهن يهرقن دموعهن على أبي سليمان فهل تايمت النساء عن مثله انتهى قلت وبعض هذا الكلام منقول عن عمر في حق خالد كما مضى في كتاب الجنائز وفيه ذكر اللقلقة ثم اورد حديث أنس في أهل مؤتة والغرض منه

[ 3547 ] قوله حتى اخذها يعني الراية سيف من سيوف الله فان المراد به خالد ومن يومئذ تسمى سيف الله وقد اخرج بن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار وسيأتي شرح هذه الغزوة في المغازي ان شاء الله تعالى

قوله باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة أي بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان مولاه أبو حذيفة بن عتبة من أكابر الصحابة وشهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقتل أبوه يومئذ كافرا فساءه ذلك فقال كنت ارجو ان يسلم لما كنت أرى من عقله واستشهد أبو حذيفة باليمامة واما سالم فكان من السابقين الأولين وقد اشير في هذا الحديث الى انه كان عارفا بالقران وسبق في كتاب الصلاة انه كان يؤم المهاجرين بقباء لما قدموا من مكة وشهد سالم بدرا وما بعدها ويقال ان اسم أبيه معقل وكان مولى لامراة من الأنصار فتبناه أبو حذيفة لما تزوجها فنسب اليه وسيأتي بيان ذلك في الرضاع واستشهد سالم باليمامة أيضا

[ 3548 ] قوله ذكر بالضم ولم اعرف اسم فاعله قوله عبد الله أي بن مسعود وعبد الله بن عمرو أي بن العاص قوله فبدأ به فيه ان التقديم يفيد الاهتمام وقوله لا أدري بدا بابي أو بمعاذ فيه ان الواو تقتضي الترتيب ظاهرا وتخصيص هؤلاء الأربعة بأخذ القران عنهم اما لأنهم كانوا أكثر ضبطا له وأتقن لادائه أو لأنهم تفرغوا لاخذه منه مشافهة وتصدوا لادائه من بعده فلذلك ندب الى الاخذ عنهم لا انه لم يجمعه غيرهم

قوله باب مناقب عبد الله بن مسعود وهو بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر مات أبوه في الجاهلية واسلمت أمه وصحبت فلذلك نسب إليها أحيانا وكان هو من السابقين وقد روى بن حبان من طريقه انه كان سادس ستة في الإسلام وهاجر الهجرتين وسيأتي في غزوة بدر شهوده إياها وولى بيت المال بالكوفة لعمر وعثمان وقدم في اواخر عمره المدينة ومات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وقد جاوز الستين وكان من علماء الصحابة وممن انتشر علمه بكثرة اصحابه والأخذين عنه ثم اورد المصنف فيه حديث عبد الله بن عمرو المذكور قبله وزاد في أوله حديثا تقدم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وكان بعض الرواة سمعه مجموعا فاورده كذلك ثم اورد حديث أبي الدرداء المذكور في مناقب عمار وحذيفة انفا ثم حديث حذيفة ما اعلم أحدا أقرب سمتا أي خشوعا وهديا أي طريقة ودلا بفتح المهملة والتشديد أي سيرة وحالة وهيئة وكأنه مأخوذ مما يدل ظاهر حاله على حسن فعاله

[ 3550 ] قوله من بن أم عبد هو عبد الله بن مسعود وكانت أمه تكنى أم عبد وقد ذكرت في الحديث الذي بعده حديث أبي موسى وتقدم التنبيه عليه في مناقب عمار وقد روى الحاكم وغيره من طريق أبي وائل عن حذيفة قال لقد علم المحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ان بن أم عبد من اقربهم الى الله وسيلة يوم القيامة قوله في حديث أبي موسى

[ 3552 ] قدمت انا وأخي تقدم بيان اسمه في مناقب أبي بكر الصديق وقوله مانرى حال من فاعل مكثنا أو صفة لقوله حينا والحديث دال على ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يستلزم ثبوت فضله

قوله باب ذكر معاوية أي بن أبي سفيان واسمه صخر ويكنى أيضا أبا حنظلة بن حرب بن أمية بن عبد شمس اسلم قبل الفتح واسلم أبواه بعده وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له وولي امرة دمشق عن عمر بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة واستمر عليها بعد ذلك الى خلافة عثمان ثم زمان محاربته لعلي وللحسن ثم اجتمع عليه الناس في سنة إحدى وأربعين الى ان مات سنة ستين فكانت ولايته بين امارة ومحاربة ومملكة أكثر من أربعين سنة متوالية

[ 3553 ] قوله حدثنا المعافى هو بن عمران الأزدي الموصلي يكنى أبا مسعود وكان من الثقات النبلاء وقد لقي بعض التابعين وتلمذ لسفيان الثوري كان يلقب ياقوتة العلماء وكان الثوري شديد التعظيم له مات سنة خمس أو ست وثمانين ومائة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وموضع اخر تقدم في الاستسقاء وفي الرواة اخر يقال له المعافى بن سليمان أصغر من هذا ووهم من عكس ذلك على مايظهر من كلام بن التين ومات المعافى بن سلمان سنة مائتين وأربع وثلاثين اخرج له النسائي وحده واخرج للمعافى بن عمران مع البخاري أبو داود والنسائي قوله وعنده مولى لابن عباس هو كريب روى ذلك محمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر له من طريق بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن كريب واخرج من طريق علي بن عبد الله بن عباس قال بت مع أبي عند معاوية فرأيته اوتر بركعة فذكرت ذلك لأبي فقال يا بني هو اعلم قوله فقال دعه فيه حذف يدل عليه السياق تقديره فاتى بن عباس فحكى له ذلك فقال له دعه وقوله دعه أي اترك القول فيه والانكار عليه فإنه قد صحب أي فلم يفعل شيئا الا بمستند وفي قوله في الرواية الأخرى أصاب انه فقيه ما يؤيد ذلك ولا التفات الى قول بن التين ان الوتر بركعة لم يقل به الفقهاء لان الذي نفاه قول الأكثر وثبت فيه عدة أحاديث نعم الأفضل ان يتقدمها شفع واقله ركعتان واختلف أيما الأفضل وصلهما بها أو فصلهما وذهب الكوفيون الى شرطية وصلهما وان الوتر بركعة لايجزىء وشهرة ذلك تغني عن الاطالة فيه ثم اورد حديث معاوية في النهي عن الصلاة بعد العصر والغرض منه

[ 3555 ] قوله لقد صحبنا النبي صلى الله عليه وسلم والكلام على الصلاة بعد صلاة العصر تقدم في مكانه في كتاب الصلاة تنبيه عبر البخاري في هذه الترجمة بقوله ذكر ولم يقل فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لاتؤخذ من حديث الباب لان ظاهر شهادة بن عباس له بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير وقد صنف بن أبي عاصم جزءا في مناقبه وكذلك أبو عمر غلام ثعلب وأبو بكر النقاش وأورد بن الجوزي في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثم ساق عن إسحاق بن راهويه انه قال لم يصح في فضائل معاوية شيء فهذه النكتة في عدول البخاري عن التصريح بلفظ منقبة اعتمادا على قول شيخه لكن بدقيق نظره استنبط ما يدفع به رءوس الروافض وقصة النسائي في ذلك مشهورة وكأنه اعتمد أيضا على قول شيخه إسحاق وكذلك في قصة الحاكم واخرج بن الجوزي أيضا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية فاطرق ثم قال اعلم ان عليا كان كثير الأعداء ففتش اعداؤه له عيبا فلم يجدوا فعمدوا الى رجل قد حاربه فاطروه كيادا منهم لعلي فأشار بهذا الى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله اعلم

قوله باب مناقب فاطمة أي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها وأمها خديجة عليها السلام ولدت فاطمة في الإسلام وقيل قبل البعثة وتزوجها علي رضي الله عنه بعد بدر في السنة الثانية وولدت له وماتت سنة إحدى عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة اشهر وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة وقيل بل عاشت بعده ثمانية وقيل ثلاثة وقيل شهرين وقيل شهرا واحدا ولها أربع وعشرون سنة وقيل غير ذلك فقيل إحدى وقيل خمس وقيل تسع وقيل عاشت ثلاثين سنة وسيأتي من مناقب فاطمة في ذكر أمها خديجة في أول السيرة النبوية واقوى ما يستدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن ما ذكر من قوله صلى الله عليه وسلم انها سيدة نساء العالمين الا مريم وانها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم دمن غيرها من بناته فانهن متن في حياته فكن في صحيفته ومات هو في حياتها فكان في صحيفتها وكنت أقول ذلك استنباطا الى ان وجدته منصوصا قال أبو جعفر الطبري في تفسير ال عمران من التفسير الكبير من طريق فاطمة بنت الحسين بن علي ان جدتها فاطمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وانا عند عائشة فناجاني فبكيت ثم ناجاني فضحكت فسألتني عائشة عن ذلك فقلت لقد علمت أأخبرك بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركتني فلما توفي سألت فقلت ناجاني فذكر الحديث في معارضة جبريل له بالقران مرتين وانه قال احسب اني ميت في عامي هذا وانه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين مثل مارزئت فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا فبكيت فقال أنت سيدة نساء أهل الجنة الا مريم فضحكت قلت واصل الحديث في الصحيح دون هذه الزيادة قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة هو طرف من حديث وصله المؤلف في علامات النبوة وعند الحاكم من حديث حذيفة بسند جيد اتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك وقال ان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وقد تقدم في اخر أحاديث الأنبياء ما ورد في بعض طرقه من ذكر مريم عليها السلام وغيرها مشاركة لها في ذلك

[ 3556 ] قوله عن بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة كذا رواه عنه عمرو بن دينار وتابعه الليث وابن لهيعة وغيرهما رواه أيوب عن بن أبي مليكة فقال عن عبد الله بن الزبير أخرجه الترمذي وصححه وقال يحتمل ان يكون بن أبي مليكة سمعه منها جميعا ورجح الدارقطني وغيره طريق المسور والأول اثبت بلا ريب لان المسور قد روى في هذا الحديث قصة مطولة قد تقدمت في باب اصهار النبي صلى الله عليه وسلم نعم يحتمل ان يكون بن الزبير سمع هذه القطعة فقط أو سمعها من المسور فارسلها قوله بضعة بفتح الموحدة وحكي ضمها وكسرها أيضا وسكون المعجمة أي قطعة لهم قوله فمن اغضبها اغضبني استدل به السهيلي على ان من سبها فإنه يكفر وتوجيهه انها تغضب ممن سبها وقد سوى بين غضبها وغضبه ومن اغضبه صلى الله عليه وسلم يكفر وفي هذا التوجيه نظر لا يخفى وسيأتي بقية ما يتعلق بفضلها في ترجمة والدتها خديجة ان شاء الله تعالى وفيه انها أفضل بنات النبي صلى الله عليه وسلم واما ما أخرجه الطحاوي وغيره من حديث عائشة في قصة مجيء زيد بن حارثة بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وفي اخره قال النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل بناتي اصيبت في فقد أجاب عنه بعض الأئمة بتقدير ثبوته بان ذلك كان متقدما ثم وهب الله لفاطمة من الأحوال السنية والكمال ما لم يشاركها أحد من نساء هذه الأمة مطلقا والله اعلم وقد مضى تقرير افضليتها في ترجمة مريم من حديث الأنبياء ويأتي أيضا في ترجمة خديجة ان شاء الله تعالى

قوله باب فضل عائشة رضي الله عنها هي الصديقة بنت الصديق وأمها أم رومان تقدم ذكرها في علامات النبوة وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولها نحو ثمانية عشر عاما وقد حفظت عنه شيئا كثيرا وعاشت بعده قريبا من خمسين سنة فأكثر الناس الاخذ عنها ونقلوا عنها من الاحكام والاداب شيئا كثيرا حتى قيل ان ربع الاحكام الشرعية منقول عنها رضي الله عنها وكان موتها في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين وقيل في التي بعدها ولم تلد للنبي صلى الله عليه وسلم شيئا على الصواب وسألته ان تكتني فقال اكتني بابن اختك فاكتنت أم عبد الله واخرج بن حبان في صحيحه من حديث عائشة انه كناها بذلك لما احضر اليه بن الزبير ليحنكه فقال هو عبد الله وأنت أم عبد الله قالت فلم ازل اكنى بها ثم ذكر فيه المصنف ثمانية أحاديث الأول

[ 3557 ] قوله يا عائش بضم الشين ويجوز فتحها وكذلك يجوز في كل اسم مرخم قوله ترى ما لاارى تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قول عائشة وقد استنبط بعضهم من هذا الحديث فضل خديجة على عائشة لان الذي ورد في حق خديجة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ان جبريل يقرئك السلام من ربك وأطلق هنا السلام من جبريل نفسه وسيأتي تقرير ذلك في مناقب خديجة الحديث الثاني حديث أبي موسى كمل بتثليث الميم من الرجال كثير وتقدم الكلام عليه في قصة موسى عليه السلام عند الكلام على هذا الحديث في ذكر اسية امرأة فرعون وتقرير ان

[ 3558 ] قوله وفضل عائشة الخ لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة وقد أشار بن حبان الى ان افضليتها التي يدل عليها هذا الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم حتى لايدخل فيها مثل فاطمة عليها السلام جمعا بين هذا الحديث وبين حديث أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة الحديث وقد أخرجه الحاكم بهذا اللفظ من حديث بن عباس وسيأتي في مناقب خديجة من حديث علي مرفوعا خير نسائها خديجة ويأتي بقية الكلام عليه هناك ان شاء الله تعالى وقوله كفضل الثريد زاد معمر من وجه اخر مرثد باللحم وهو اسم الثريد الكامل وعليه قول الشاعر إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك امانة الله الثريد الحديث الثالث حديث أنس فضل عائشة على النساء كفضل الثريد وهو طرف من الحديث الذي قبله وكأن المصنف اخذ منه لفظ الترجمة فقال فضل عائششة ولم يقل مناقب ولا ذكر كما قال في غيرها الحديث الرابع حديث بن عباس

[ 3560 ] قوله ان عائشة اشتكت أي ضعفت قوله تقدمين بفتح الدال على فرط بفتح الفاء والراء بعدها مهملة وهو المتقدم من كل شيء قال بن التين فيه انه قطع لها بدخول الجنة إذ لا يقول ذلك الا بتوقيف وقوله على رسول الله بدل بتكرير العامل وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في تفسير سورة النور الحديث الخامس حديث عمار

[ 3561 ] اني لأعلم انها زوجته أي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وعند بن حبان من طريق سعيد بن كثير عن أبيه حدثتنا عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اما ترضين ان تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة فلعل عمارا كان سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في الحديث لتتبعوه أو إياها قيل الضمير لعلي لأنه الذي كان عمارا يدعو اليه والذي يظهر انه لله والمراد باتباع حكمه الشرعي في طاعة الامام وعدم الخروج عليه ولعله أشار الى قوله تعالى وقرن في بيوتكن فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا كانت أم سلمة تقول لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي صلى الله عليه وسلم والعذر في ذلك عن عائشة انها كانت متأولة هي وطلحة والزبير وكان مرادهم إيقاع الإصلاح بين الناس وأخذ القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنهم أجمعين وكان رأي علي على الإجماع على الطاعة وطلب أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه الحديث السادس حديث عائشة في قصة القلادة وقد تقدم شرحه مستوفى في أول كتاب التيمم قال بن التين ليست هذه اللفظة محفوظة يعني انهم اتوا بالعقد أي ان المحفوظ قولها فأثرنا البعير فوجدنا العقد تحته الحديث السابع

[ 3562 ] قوله عن هشام عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور الحديث وهذا صورته مرسل ولكن تبين انه موصول عن عائشة في اخر الحديث حيث قال فقالت عائشة فلما كان يومي سكن وسيأتي في الوفاة من وجه اخر موصولا كله ويأتي سائر شرحه هناك ان شاء الله تعالى قال الكرماني قولها سكن أي مات أو سكت عن ذلك القول قلت الثاني هو الصحيح والأول خطأ صريح قال بن التين في الرواية الأخرى انهن اذن له ان يقيم عند عائشة فظاهره يخالف هذا ويجمع باحتمال ان يكن اذن له بعد ان صار الى يومها يعني فيتعلق الإذن بالمستقبل وهو جمع حسن الحديث الثامن حديثها في ان الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة وفيه والله مانزل علي الوحي وانا في لحاف امرأة منكن غيرها وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الهبة وقوله

[ 3564 ] في أوله حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب كذا للأكثر ووقع في رواية القابسي وعبدوس عن أبي زيد المروزي عبيد الله بالتصغير والصواب بالتكبير وقوله في هذه الرواية فقال يا أم سلمة لاتؤذيني في عائشة فإنه والله مانزل علي الوحي وانا في لحاف امرأة منكن غيرها وقع في الهبة فان الوحي لم يأتني وانا في ثوب امرأة الا عائشة فقلت اتوب الى الله تعالى وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لعائشة وقد استدل به على فضل عائشة على خديجة وليس ذلك بلازم لأمرين أحدهما احتمال ان لا يكون أراد إدخال خديجة في هذا وان المراد بقوله منكن المخاطبة وهي أم سلمة ومن ارسلها أو من كان موجودا حينئذ من النساء والثاني على تقدير إرادة الدخول فلا يلزم من ثبوت خصوصية شيء من الفضائل ثبوت الفضل المطلق كحديث اقرؤكم أبي وافرضكم زيد ونحو ذلك ومما يسأل عنه الحكمة في اختصاص عائشة بذلك فقيل لمكان أبيها وانه لم يكن يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في اغلب أحواله فسرى سره لابنته مع ما كان لها من مزيد حبه صلى الله عليه وسلم وقيل انها كانت تبالغ في تنظيف ثيابها التي تنام فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم والعلم عند الله تعالى وسيأتي مزيد لهذا في ترجمة خديجة ان شاء الله تعالى قال السبكي الكبير الذي لدين الله به ان قاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير ولكن الحق أحق ان يتبع وقال بن تيمية جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف وقال بن القيم ان أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يطلع عليه فان عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وان أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وان أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير اخواتها وان أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها قلت امتازت فاطمة عن اخواتها بانهن متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم واما ما امتازت به عائشة من فضل العلم فان لخديجة ما يقابله وهي انها أول من أجاب الى الإسلام ودعا اليه واعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام فيها مثل أجر من جاء بعدها ولا يقدر قدر ذلك الا الله وقيل انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة فرع ذكر الرافعي ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أفضل نساء هذه الأمة فان استثنيت فاطمة لكونها بضعة فاخواتها شاركها وقد اخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق زينب ابنته لما اوذيت عند خروجها من مكة هي أفضل بناتي اصيبت في وقد وقع في حديث خطبة عثمان زيادة في مسند أبي يعلى تزوج عثمان خيرا من حفصة وتزوج حفصة خير من عثمان والجواب عن قصة زينب تقدم ويحتمل ان يقدر من وان يقال كان ذلك قبل ان يحصل لفاطمة جهة التفضيل التي امتازت بها عن غيرها من اخواتها كما تقدم قال بن التين فيه ان الزوج لايلزمه التسوية في النفقة بل يفضل من شاء بعد ان يقوم للاخرى بما يلزمه لها قال ويمكن ان لا يكون فيها دليل لاحتمال ان يكون من خصائصه كما قيل ان القسم لم يكن واجبا وانما كان يتبرع به

قوله باب مناقب الأنصار هو اسم إسلامي سمى به النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج كما في حديث أنس والاوس ينسبون الى أوس بن حارثة والخزرج ينسبون الى الخزرج بن حارثة وهما ابنا قيلة وهو اسم امهم وأبوهم هو حارثة بن عمرو بن عامر الذي يجتمع اليه انساب الأزد وقوله والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم الآية تقدم شرحه في أول مناقب عثمان وزعم محمد بن الحسن بن زبالة ان الإيمان اسم من أسماء المدينة واحتج بالآية ولا حجة له فيها

[ 3565 ] قوله حدثنا مهدي هو بن ميمون قوله غيلان بن جرير هو المعولي بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو بعدها لام ومعول بطن من الأزد ونسبه بن حبان حبيا وهو وهم وهو تابعي ثقة قليل الحديث ليس له عن أنس شيء الا في البخاري وتقدم له حديث في الصلاة ويأتي له في اخر الرقاق وقوله قلت لأنس ارايت اسم الأنصار يعني أخبرني عن تسمية الأوس والخزرج الأنصار قوله كنا ندخل كذا في هذه الرواية بغير أداة العطف وهو من كلام غيلان لا من كلام أنس وسيأتي بعد قليل قبل باب القسامة في الجاهلية من وجه اخر عن مهدي بن ميمون عن غيلان قال كنا ناتي أنس بن مالك الحديث ولم يذكر ما قبله قوله كنا ندخل على أنس أي بالبصرة قوله ويقبل علي أي مخاطبا لي قوله فعل قومك كذا أي يحكي ما كان من مأثرهم في المغازي ونصر الإسلام

[ 3566 ] قوله كان يوم بعاث بضم الموحدة وتخفيف المهملة واخره مثله وحكى العسكري ان بعضهم رواه عن الخليل بن أحمد وصحفه بالغين المعجمة وذكر الأزهري ان الذي صحفه الليث الراوي عن الخليل وحكى القزاز في الجامع انه يقال بفتح أوله أيضا وذكر عياض ان الأصيلي رواه بالوجهين أي بالعين المهملة والمعجمة وان الذي وقع في رواية أبي ذر بالغين المعجمة وجها واحدا ويقال ان أبا عبيدة ذكره بالمعجمة أيضا وهو مكان ويقال حصن وقيل مزرعة عند بني قريظة على ميلين من المدينة كانت به وقعة بين الأوس والخزرج فقتل فيها كثير منهم وكان رئيس الأوس فيه حضير والد اسيد بن حضير وكان يقال له حضير الكتائب وبه قتل وكان رئيس الخزرج يومئذ عمرو بن النعمان البياضي فقتل فيها أيضا وكان النصر فيها اولا للخزرج ثم ثبتهم حضير فرجعوا وانتصرت الأوس وجرح حضير يومئذ فمات فيها وذلك قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بأربع وقيل بأكثر والأول أصح وذكر أبو الفرج الأصبهاني ان سبب ذلك انه كان من قاعدتهم ان الاصيل لايقتل بالحليف فقتل رجل من الأوس حليفا للخزرج فارادوا ان يقيدوه فامتنعوا فوقعت عليهم الحرب لاجل ذلك فقتل فيها من اكابرهم من كان لايؤمن أي يتكبر ويأنف ان يدخل في الإسلام حتى لا يكون تحت غيره وقد كان بقي منهم من هذا النحو عبد الله بن أبي بن سلول وقصته في ذلك مشهورة مذكورة في هذا الكتاب وغيره قوله سرواتهم بفتح المهملة والراء والواو أي خيارهم والسروات جمع سراة بفتح المهملة وتخفيف الراء والسراة جمع سري وهو الشريف قوله وجرحوا كذا للأكثر بضم الجيم والراء المكسورة مثقلا ومخففا ثم مهملة وللأصيلي بجيمين مخففا أي اضطرب قولهم من قولهم جرج الخاتم إذا جال في الكف وعند بن أبي صفرة بفتح المهملة ثم جيم من الحرج وهو ضيق الصدر وللمستملي وعبدوس والقابسي وخرجوا بفتح الخاء والراء من الخروج وصوب بن الأثير الأول وصوب غيره الثالث والله اعلم

[ 3567 ] قوله يوم فتح مكة أي عام فتح مكة لان الغنائم المشار إليها كانت غنائم حنين وكان ذلك بعد الفتح بشهرين قوله وأعطى قريشا هي جملة حالية وقوله

[ 4076 ] وسيوفنا تقطر من دمائهم هو من القلب والأصل ودماؤهم تقطر من سيوفنا ويحتمل ان يكون من بمعنى الباء الموحدة وبالغ في جعل الدم قطر السيوف وسيأتي شرح هذا الحديث في غزوة حنين

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار قاله عبد الله بن زيد هو طرف من حديث سيأتي شرحه في غزوة حنين قال الخطابي أراد صلى الله عليه وسلم بذلك استطابة قلوب الأنصار حيث رضي ان يكون واحدا منهم لولا ما منعه من سمة الهجرة وأطال بذلك بما لا طائل فيه

[ 3568 ] قوله فقال أبو هريرة ما ظلم أي ما تعدى في القول المذكور ولا اعطاهم فوق حقهم ثم بين ذلك بقوله آووه ونصروه قوله أو كلمة أخرى لعل المراد وواسوه وواسوا اصحابه باموالهم وقوله لسلكت في وادي الأنصار أراد بذلك حسن موافقتهم له لما شاهده من حسن الجوار والوفاء بالعهد وليس المراد انه يصير تابعا لهم بل هو المتبوع المطاع المفترض الطاعة على كل مؤمن

قوله باب اخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار سيأتي بسط القول فيه في أبواب الهجرة قبيل المغازي

[ 3569 ] قوله عن جده هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهذا صورته مرسل وقد تقدم في أوائل البيع من طريق ظاهرة الاتصال قوله لما قدموا المدينة اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أي بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي أحد النقباء استشهد بأحد وسيأتي بيان ذلك في المغازي وسيأتي شرح قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف في الوليمة من كتاب النكاح وكذا حديث أنس الذي بعده في المعنى ان شاء الله تعالى

[ 3571 ] قوله قالت الأنصار اقسم بيننا وبينهم النخل أي المهاجرين وقد سبق الكلام عليه في المزارعة وفيه فضيلة ظاهرة للانصار قوله ويشركوننا في الثمر في رواية الكشميهني في الأمر أي الحاصل من ذلك وهو من قولهم أمر ماله بكسر الميم أي كثر

قوله باب حب الأنصار أي فضله ذكر فيه حديث البراء لا يحبهم الا مؤمن وحديث أنس اية الإيمان حب الأنصار قال بن التين المراد حب جميعهم وبغض جميعهم لان ذلك انما يكون للدين ومن ابغض بعضهم لمعنى يسوغ البعض له فليس داخلا في ذلك وهو تقرير حسن وقد سبق الكلام على شرح الحديث في كتاب الإيمان

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للانصار أنتم احب الناس الي هو على طريق الإجمال أي مجموعكم احب الي من مجموع غيركم فلا يعارض قوله في الحديث الماضي في جواب من احب الناس إليك قال أبو بكر الحديث

[ 3574 ] قوله حسبت انه قال من عرس الشك فيه من الراوي قوله فقام النبي صلى الله عليه وسلم ممثلا بضم أوله وسكون ثانيه وكسر المثلثة قال بن التين كذا وقع رباعيا والذي ذكره أهل اللغة مثل الرجل بفتح الميم وضم المثلثة مثولا إذا انتصب قائما ثلاثي انتهى وفي رواية تأتي في النكاح ممثلا بالتشديد أي مكلفا نفسه ذلك فلذلك عدي فعله قاله عياض ووقع في النكاح بلفظ ممتنا بضم أوله وسكون ثانيه وكسر المثناة بعدها نون أي طويلا أو هو من المنة أي عليهم فيكون بالتشديد

[ 3575 ] قوله في الطريق الأخرى جاءت امرأة ومعها صبي لها لم اقف على اسمها قوله فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي اجابها عما سألته أو ابتدأها بالكلام تأنيسا

قوله باب اتباع الأنصار أي من الحلفاء والموالي

[ 3576 ] قوله عن عمرو هو بن مرة كما في الرواية التي تليها قوله سمعت أبا حمزة بالمهملة والزاي اسمه طلحة بن يزيد مولى قرظة بن كعب الأنصاري وقرظة بفتح القاف والراء والظاء المعجمة صحابي معروف وهو بن كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب أو عامر بن زيد مناة أنصاري خزرجي مات في ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية وذلك في حدود سنة خمسين قوله ان يجعل اتباعنا منا أي يقال لهم الأنصار حتى تتناولهم الوصية بهم بالإحسان إليهم ونحو ذلك قوله فدعا به اى بما سالوا وبين ذلك في الرواية التي تليها بلفظ فقال اللهم اجعل اتباعهم منهم قوله فنميت ذلك اى نقلته وهو بالتخفيف واما بتشديد الميم فمعناه إبلغته على جهة الافساد وقائل ذلك هو عمرو بن مرة كما في الرواية التي تليها وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن قوله قد زعم ذلك زيد زاد في الرواية التي تليها قال شعبة أظنه زيد بن أرقم وكأنه احتمل عنده ان يكون بن أبي ليلى أراد بقوله قد زعم ذلك زيد اى زيد اخر غير بن أرقم كزيد بن ثابت لكن الذي ظنه شعبة صحيح فقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق علي بن الجعد جازما به وقوله زعم اى قال كما قدمنا مرارا ان لغة أهل الحجاز تطلق الزعم على القول

قوله باب فضل دور الأنصار أي منازلهم

[ 3578 ] قوله عن أنس في رواية عبد الصمد المعلقة هنا سمعت أنسا وساذكر من وصلها قوله عن أبي اسيد بالتصغير وهو الساعدي وهو مشهور بكنيته ويقال اسمه مالك قوله خير دور الأنصار بنو النجار هم من الخزرج والنجار هم تيم الله وسمي بذلك لأنه ضرب رجلا فنجره فقيل له النجار وهو بن ثعلبة بن عمرو من الخزرج قوله ثم بنو عبد الأشهل هم من الأوس وهو عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأصغر بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة كذا وقع في هذه الطريق ولكن وقع في رواية معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أخبركم بخير دور الأنصار قالوا بلى قال بنو عبد الأشهل وهم رهط سعد بن معاذ قالوا ثم من يا رسول الله قال ثم بنو النجار فذكر الحديث وفي اخره قال معمر وأخبرني ثابت وقتادة انهما سمعا أنس بن مالك يذكر هذا الحديث الا انه قال بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل أخرجه أحمد وأخرجه مسلم من طريق صالح بن كيسان عن الزهري دون ما بعده من رواية معمر عن ثابت وقتادة واخرج مسلم أيضا من طريق أبي الزناد عن أبي سلمة عن أبي اسيد مثل رواية أنس عن أبي اسيد فقد اختلف على أبي سلمة في إسناده هل شيخه فيه أبو اسيد أو أبو هريرة ومتنه هل قدم عبد الأشهل على بني النجار أو بالعكس واما رواية أنس في تقديم بني النجار فلم يختلف عليه فيها ويؤيدها رواية إبراهيم بن محمد بن طلحة عن أبي اسيد وهي عند مسلم أيضا وفيها تقديم بني النجار على بني عبد الأشهل وبنو النجار هم اخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم لان والدة عبد المطلب منهم وعليهم نزل لما قدم المدينة فلهم مزبة على غيرهم وكان أنس منهم فله مزيد عناية بحفظ فضائلهم قوله ثم بنو الحارث بن الخزرج أي الأكبر أي بن عمرو بن مالك بن الأوس المذكور بن حارثة قوله ثم بنو ساعدة هم الخزرج أيضا وساعدة هو بن كعب بن الخزرج الأكبر قوله خير دور الأنصار وفي كل دور الأنصار خير خير الأولى بمعنى أفضل والثانية اسم أي الفضل حاصل في جميع الأنصار وان تفاوتت مراتبه قوله فقال سعد أي بن عبادة كما في الرواية المعلقة التي بعد هذا وهو من بني ساعدة أيضا وكان كبيرهم يومئذ قوله ما أرى بفتح الهمزة من الرؤية وهي من اطلاقها على المسموع ويحتمل ان يكون من الاعتقاد ويجوز ضمها بمعنى الظن ووقع في رواية أبي الزناد المذكورة فوجد سعد بن عبادة في نفسه فقال خلفنا فكنا اخر الأربعة وأراد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال له بن أخيه سهيل أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم امره ورسول الله اعلم أو ليس حسبك ان تكون رابع أربعة فرجع قوله فقيل قد فضلكم لم اقف على اسم الذي قال له ذلك ويحتمل ان يكون هو بن أخيه المذكور قبل قوله وقال عبد الصمد الخ يأتي موصولا في مناقب سعد بن عبادة

[ 3579 ] قوله في رواية أبي سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف بنو النجار وبنو عبد الأشهل كذا ذكره بالواو ورواية أنس بثم وكذا رواية بن حميد المذكورة بعدها وفيه اشعار بان الواو قد يفهم منها الترتيب وانما فهم الترتيب من جهة التقديم لا بمجرد الواو

[ 3580 ] قوله حدثنا سليمان هو بن بلال وعمرو بن يحيى أي بن عمارة وعباس بن سهل أي بن سعد قوله عن أبي حميد هو الساعدي وهو مشهور بكنيته ويقال ان اسمه عبد الرحمن ووقع في رواية الأصيلي عن أبي اسيد أو أبي حميد بالشك والصواب عن أبي حميد وحده وسيأتي في اخر غزوة تبوك قوله فلحقنا سعد بن عبادة قائل ذلك هو أبو حميد قوله فقال أبا اسيد هو منادى خذف منه حرف النداء قوله الم تر ان الله في رواية الكشميهني الم تر ان رسول الله وهو أوجه قوله خير الأنصار أي فضل بين الأنصار بعضها على بعض قوله خير بضم أوله وكذا قوله فجلعنا قوله أو ليس بحسبكم بإسكان السين المهملة أي كافيكم وهذا يعارض ظاهر رواية مسلم المتقدمة فان فيها ان سعدا رجع عن إرادة مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لما قال له بن أخيه ويمكن الجمع بأنه رجع حينئذ عن قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك خاصة ثم انه لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت اخر ذكر له ذلك أو الذي رجع عنه انه أراد ان يورده مورد الإنكار والذي صدر منه ورد مورد المعاتبة المتلطفة ولهذا قال له بن أخيه في الأول اترد على رسول الله امره قوله من الخيار أي الأفاضل لأنهم بالنسبة الى من دونهم أفضل وكأن المفاضلة بينهم وقعت بحسب السبق الى الإسلام وبحسب مساعيهم في اعلاء كلمة الله ونحو ذلك

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اصبروا حتى تلقوني على الحوض أي مخاطبا للانصار بذلك قوله قاله عبد الله بن زيد أي بن عاصم المازني وحديثه هذا وصله المؤلف بأتم من هذا في غزوة حنين كما سيأتي ان شاء الله تعالى

[ 3581 ] قوله عن أنس عن اسيد مصغر بن حضير بمهملة ثم معجمة مصغر أيضا وهو من رواية صحابي عن صحابي زاد مسلم وقد رواه يحيى بن سعيد وهشام بن زيد عن أنس بدون ذكر اسيد بن حضير لكن باختصار القصة التي هنا وذكر كل منهما قصة أخرى غير هذه فحديث يحيى بن سعيد تقدم في الجزية وحديث هشام يأتي في المغازي ووقع لهذا الحديث قصة أخرى من وجه اخر فاخرج الشافعي من رواية محمد بن إبراهيم التيمي الى اسيد بن حضير طلب من النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيتين من الأنصار فأمر لكل بيت بوسق من تمر وشطر من شعير فقال اسيد يا رسول الله جزاك الله عنا خيرا فقال وأنتم فجزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار وانكم لأعفة صبر وانكم ستلقون بعدي اثره الحديث وقوله انكم لأعفة صبر أخرجه الترمذي والحاكم من وجه اخر عن أنس عن أبي طلحة وسنده ضعيف قوله ان رجلا من الأنصار لم اقف على اسمه زاد مسلم في روايته فخلا برسول الله صلى الله عليه وسلم قوله الا تستعملني أي تجعلني عاملا على الصدقة أو على بلد قوله كما استعملت فلانا لم اقف على اسمه لكن ذكرت في المقدمة ان السائل اسيد بن حضير والمستعمل عمرو بن العاص ولا أدري الان من أين نقلته قوله ستلقون بعدي اثره بفتح الهمزة والمثلثة ولغير الكشميهني بضم الهمزة وسكون المثلثة وأشار بذلك الى ان الأمر يصير في غيرهم فيختصون دونهم بالأموال وكان الأمر كما وصف صلى الله عليه وسلم وهو معدود فيما أخبر به من الأمور الآتية فوقع كما قال وسيأتي مزيد في الكلام عليه في الفتن

[ 3582 ] قوله عن هشام هو بن زيد بن أنس بن مالك قوله وموعدكم الحوض أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة

[ 3583 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة ويحيى بن سعيد هو الأنصاري قوله حين خرج معه أي سافر قوله الى الوليد أي بن عبد الملك بن مروان وكان أنس قد توجه من البصرة حين اذاه الحجاج الى دمشق يشكوه الى الوليد بن عبد الملك فأنصفه منه قوله اما لا أصله ان مكسورة الهمزة مخففة النون وهي الشرطية وما زائدة ولا نافية فأدغمت النون في الميم وحذف فعل الشرط وتقديره تقبلوا أو تفعلوا ورواه بعضهم بفتح همزة اما وهو خطأ الا على لغة لبعض بني تميم فانهم يفتحون الهمزة من اما حيث وردت قال عياض واللام من قوله اما لا مفتوحة عند الجمهور ووقع عند الأصيلي في البيوع من الموطأ وعند الطبري في مسلم بكسر اللام والمعروف فتحها وقد منع من كسرها أبو حاتم وغيره ونسبوه الى تغيير العامة لكن هو جاء على مذهبهم في الامالة وان يجعل الكلام كأنه كلمة واحدة قوله فإنه الهاء ضمير الشأن وأبعد من قال يعود على الاقطاع

قوله باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اصلح الأنصار والمهاجرة أي قائلا ذلك ذكر فيه حديث أنس من رواية شعبة عن ثلاثة من شيوخه عنه وفي الأول بلفظ فأصلح وفي الثاني فاغفر وفي الثالث فأكرم وبين في الثالث ان ذلك كان يوم الخندق ثم اورد حديث سهل وهو بن سعد بلفظ ونحن نحفر الخندق وفيه فاغفر وقوله على أكتادنا بالمثناة جمع كتد وهو ما بين الكاهل الى الظهر وللكشميهني بالموحدة ووجه بان المراد نحمله على جنوبنا مما يلي الكبد وقوله

[ 3584 ] فيه وعن قتادة عن أنس هو معطوف على الإسناد الأول وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية غندر عن شعبة بالإسنادين معا

قوله باب قول الله عز وجل ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة هو مصير منه الى ان الآية نزلت في الأنصار وهو ظاهر سياقها وحديث الباب ظاهر في انها نزلت في قصة الأنصاري فيطابق الترجمة وقد قيل انها نزلت في قصة أخرى ويمكن الجمع

[ 3587 ] قوله ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم لم اقف على اسمه وسيأتي انه أنصاري زاد في رواية أبي أسامة عن فضيل بن غزوان في التفسير فقال يا رسول الله اصابني الجهد أي المشقة من الجوع وفي رواية جرير عن فضيل بن غزوان عند مسلم اني مجهود قوله فبعث الى نسائه أي يطلب منهن ما يضيفه به قوله فقلن ما معنا أي ماعندنا الا الماء وفي رواية جرير ماعندي وفيه ما يشعر بان ذلك كان في أول الحال قبل ان يفتح الله لهم خيبر وغيرها قوله من يضم أو يضيف أي من يؤوي هذا فيضيفه وكأن أو للشك وفي رواية أبي أسامة الا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله قوله فقال رجل من الأنصار زعم بن التين انه ثابت بن قيس بن شماس وقد اورد ذلك بن بشكوال من طريق أبي جعفر بن النحاس بسند له عن أبي المتوكل الناجي مرسلا ورواه إسماعيل القاضي في احكام القران ولكن سياقه يشعر بأنها قصة أخرى لان لفظه ان رجلا من الأنصار عبر عليه ثلاثة أيام لايجد ما يفطر عليه ويصبح صائما حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس فقص القصة وهذا لا يمنع التعدد في الصنيع مع الضيف وفي نزول الآية قال بن بشكوال وقيل هو عبد الله بن رواحة ولم يذكر لذلك مستندا وروى أبو البختري القاضي أحد الضعفاء المتروكين في كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم له انه أبو هريرة رواي الحديث والصواب الذي يتعين الجزم به في حديث أبي هريرة ما وقع عند مسلم من طريق محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه بإسناد البخاري فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة وبذلك جزم الخطيب لكنه قال أظنه غير أبي طلحة زيد بن سهل المشهور وكأنه استبعد ذلك من وجهين أحدهما ان أبا طلحة زيد بن سهل مشهور لا يحسن ان يقال فيه فقام رجل يقال له أبو طلحة والثاني ان سياق القصة يشعر بأنه لم يكن عنده ما يتعشى به هو واهله حتى احتاج الى اطفاء المصباح وأبو طلحة زيد بن سهل كان أكثر أنصاري بالمدينة مالا فيبعد ان يكون بتلك الصفة من التقلل ويمكن الجواب عن الاستبعادين والله اعلم قوله الا قوت صبياني يحتمل ان يكون هو وامراته تعشيا وكان صبيانهم حينئذ في شغلهم أو نياما فأخروا لهم ما يكفيهم أو نسبوا العشاء الى الصبية لأنهم اليه أشد طلبا وهذا هو المعتمد لقوله في رواية أبي أسامة ونطوي بطوننا الليلة وفي اخر هذه الرواية أيضا فأصبحا طاويين وقد وقع في رواية وكيع عند مسلم فلم يكن عنده الا قوته وقوت صبيانه قوله واصبحي سراجك بهمزة قطع أي اوقديه قوله نومي صبيانك في رواية لمسلم علليهم بشيء قوله فجعلا يريانه كأنهما في رواية الكشميهني بحذف الكاف من كأنهما وقوله طاويين أي بغير عشاء قوله ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما في رواية جرير من صنيعك وفي رواية التفسير من فلان وفلانة ونسبة الضحك والتعجب الى الله مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما وقوله فعالكما في رواية فعلكما بالافراد قال في البارع الفعال بالفتح اسم الفعل الحسن مثل الجود والكرم وفي التهذيب الفعال بالفتح فعل الواحد في الخير خاصة يقال هو كريم الفعال بفتح الفاء وقد يستعمل في الشر والفعال بالكسر إذا كان الفعل بين اثنين يعني انه مصدر فاعل مثل قاتل قتالا قوله فأنزل الله ويؤثرون على أنفسهم الخ هذا هو الأصح في سبب نزول هذه الآية وعند بن مردويه من طريق محارب بن دثار عن بن عمر اهدي لرجل رأس شاة فقال ان أخي وعياله أحوج منا الى هذا فبعث به اليه فلم يزل يبعث به واحد الى اخر حتى رجعت الى الأول بعد سبعة فنزلت ويحتمل ان تكون نزلت بسبب ذلك كله قيل في الحديث دليل على نفوذ فعل الأب في الابن الصغير وان كان مطويا على ضرر خفيف إذا كان في ذلك مصلحة دينية أو دنيوية وهو محمول على ما إذا عرف بالعادة من الصغير الصبر على مثل ذلك والعلم عند الله تعالى

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم يعني الأنصار

[ 3588 ] قوله حدثني محمد بن يحيى أبو علي هو اليشكري المروزي الصائغ كان أحد الحفاظ مات قبل البخاري بأربع سنين قوله حدثنا شاذان أخو عبدان هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو أصغر من أخيه عبدان وقد أكثر البخاري عن عبدان وأدرك شاذان لكنه روى هنا عنه بواسطة قوله مر أبو بكر أي الصديق والعباس أي بن عبد المطلب وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبكون قوله فقال ما يبكيكم لم اقف على اسم الذي خاطبهم بذلك هل هو أبو بكر أو العباس ويظهر لي انه العباس قوله ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أي الذي كانوا يجلسونه معه وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم فخشوا ان يموت من مرضه فيفقدوا مجلسه فبكوا حزنا على فوات ذلك قوله فدخل كذا افرد بعد ان ثني والمراد به من خاطبهم وقد قدمت رجحان انه العباس لكون الحديث من رواية ابنه وكأنه انما سمع ذلك منه قوله حاشية برد في رواية المستملي حاشية بردة بزيادة هاء التأنيث قوله أوصيكم بالأنصار استنبط منه بعض الأئمة ان الخلافة لا تكون في الأنصار لأن من فيهم الخلافة يوصون ولا يوصى بهم ولا دلالة فيه إذ لا مانع من ذلك قوله كرشي وعيبتي أي بطانتي وخاصتي قال القزاز ضرب المثل بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه ويقال لفلان كرش منثورة أي عيال كثيرة والعيبة بفتح المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده يريد انهم موضع سره وامانته قال بن دريد هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم الموجز الذي لم يسبق اليه وقال غيره الكرش بمنزلة المعدة للإنسان والعيبة مستودع الثياب والأول أمر باطن والثاني أمر ظاهر فكأنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنة والظاهرة والأول أولى وكل من الأمرين مستودع لما يخفى فيه قوله وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم يشير الى ما وقع لهم ليلة العقبة من المبايعة فانهم بايعوا على ان يؤوا النبي صلى الله عليه وسلم وينصروه على ان لهم الجنة فوفوا بذلك

[ 3589 ] قوله حدثنا بن الغسيل عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري وحنظلة هو غسيل الملائكة وعبد الرحمن المذكور يكنى أبا سليمان قوله ملحفة بكسر أوله قوله متعطفا بها أي متوشحا مرتديا والعطاف الرداء سمي بذلك لوضعه على العطفين وهما ناحيتا العنق ويطلق على الاردية معاطف قوله وعليه عصابة بكسر أوله وهي ما يشد به الرأس وغيرها وقيل في الرأس بالتاء وفي غير الرأس يقال عصاب فقط وهذا يرده قوله في الحديث الذي أخرجه مسلم عصب بطنه بعصابة قوله دسماء أي لونها كلون الدسم وهو الدهن وقيل المراد انها سوداء لكن ليست خالصة السواد ويحتمل ان تكون اسودت من العرق أو من الطيب كالغالية ووقع في الجمعة دسمة بكسر السين وقد تبين من حديث أنس الذي قبله انها كانت حاشية البرد والحاشية غالبا تكون من لون غير لون الأصل وقيل المراد بالعصابة العمامة ومنه حديث مسح على العصائب قوله حتى جلس على المنبر تبين من حديث أنس الذي قبله سبب ذلك وعرف ان ذلك كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم وصرح به في علامات النبوة وتقدم في الجمعة من هذا الوجه وزاد وكان اخر مجلس جلسه قوله في حديث أنس وان الناس سيكثرون ويقلون أي ان الأنصار يقلون وفيه إشارة الى دخول قبائل العرب والعجم في الإسلام وهم اضعاف اضعاف قبيلة الأنصار فمهما فرض في الأنصار من الكثرة كالتناسل فرض في كل طائفة من أولئك فهم ابدا بالنسبة الى غيرهم قليل ويحتمل ان يكون صلى الله عليه وسلم اطلع على انهم يقلون مطلقا فأخبر بذلك فكان كما أخبر لأن الموجودين الان من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه اليه اضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات الى كثرة من يدعي انه منهم بغير برهان وقوله حتى يكونوا كالملح في الطعام في علامات النبوة بمنزلة الملح في الطعام أي في القلة لأنه جعل غاية قلتهم الانتهاء الى ذلك والملح بالنسبة الى جملة الطعام جزء يسير منه والمراد بذلك المعتدل قوله فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه قيل فيه إشارة الى ان الخلافة لا تكون في الأنصار قلت وليس صريحا في ذلك إذ لا يمتنع التوصية على تقدير ان يقع الجور ولا التوصية للمتبوع سواء كان منهم أو من غيرهم قوله ويتجاوز عن مسيئهم أي في غير الحدود وحقوق الناس

قوله باب مناقب سعد بن معاذ أي بن النعمان بن امرئ القيس بن عبد الأشهل وهو كبير الأوس كما ان سعد بن عبادة كبير الخزرج واياهما أراد الشاعر بقوله فان يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف

[ 3591 ] قوله أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة حرير الذي اهداها له اكيدر دومة كما بينه أنس في حديثه المتقدم في كتاب الهبة قوله رواه قتادة والزهري سمعا أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم اما رواية قتادة فوصلها المؤلف في الهبة واما رواية الزهري فوصلها في اللباس ويأتي ما يتعلق بها هناك ان شاء الله تعالى

[ 3592 ] قوله حدثنا فضل بن مساور بضم الميم وتخفيف المهملة هو بصري يكنى أبا المساور وكان ختن أبي عوانة وليس له في البخاري الا هذا الموضع قوله ختن أبي عوانة بفتح المعجمة والمثناة أي صهره زوج ابنته والختن يطلق على كل من كان من اقارب المرأة قوله وعن الأعمش هو معطوف على الإسناد الذي قبله وهذا من شأن البخاري في حديث أبي سفيان طلحة بن نافع صاحب جابر لا يخرج له الا مقرونا بغيره أو استشهادا قوله فقال رجل لجابر لم اقف على اسمه قوله فإن البراء يقول اهتز السرير أي الذي حمل عليه قوله انه كان بين هذين الحيين أي الأوس والخزرج قوله ضغائن بالضاد والغين المعجمتين جمع ضغينة وهي الحقد قال الخطابي انما قال جابر ذلك لأن سعدا كان من الأوس والبراء خزرجي والخزرج لا تقر للأوس بفضل كذا قال وهو خطأ فاحش فان البراء أيضا اوسي لأنه بن عازب بن الحارث بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس يجتمع مع سعد بن معاذ في الحارث بن الخزرج والخزرج والد الحارث بن الخزرج وليس هو الخزرج الذي يقابل الأوس وانما سمي على اسمه نعم الذي من الخزرج الذين هم مقابلو الأوس جابر وانما قال جابر ذلك إظهارا للحق واعترافا بالفضل لأهله فكأنه تعجب من البراء كيف قال ذلك مع انه اوسي ثم قال انا وان كنت خزرجيا وكان بين الأوس والخزرج ما كان لا يمنعني ذلك ان أقول الحق فذكر الحديث والعذر للبراء انه لم يقصد تغطية فضل سعد بن معاذ وانما فهم ذلك فجزم به هذا الذي يليق ان يظن به وهو دال على عدم تعصبه ولما جزم الخطابي بما تقدم احتاج هو ومن تبعه الى الاعتذار عما صدر من جابر في حق البراء وقالوا في ذلك ما محصله ان البراء معذور لأنه لم يقل ذلك على سبيل العداوة لسعد وانما فهم شيئا محتملا فحمل الحديث عليه والعذر لجابر انه ظن ان البراء أراد الغض من سعد فساغ له ان ينتصر له والله اعلم وقد انكر بن عمر ما أنكره البراء فقال ان العرش لا يهتز لاحد ثم رجع عن ذلك وجزم بأنه اهتز له عرش الرحمن اخرج ذلك بن حبان من طريق مجاهد عنه والمراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره بقدوم روحه يقال لكل من فرح بقدوم قادم عليه اهتز له ومنه اهتزت الأرض بالنبات إذا اخضرت وحسنت ووقع ذلك من حديث بن عمر عند الحاكم بلفظ اهتز العرش فرحا به لكنه تأوله كما تأوله البراء بن عازب فقال اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا حتى تفسخت اعواده على عواتقنا قال بن عمر يعني عرش سعد الذي حمل عليه وهذا من رواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن بن عمر وفي حديث عطاء مقال لأنه ممن اختلط في اخر عمره ويعارض روايته أيضا ما صححه الترمذي من حديث أنس قال لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما اخف جنازته فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الملائكة كانت تحمله قال الحاكم الأحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في الصحيحين وليس لمعارضها في الصحيح ذكر انتهى وقيل المراد باهتزاز العرش اهتزاز حملة العرش ويؤيده حديث ان جبريل قال من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر به أهلها أخرجه الحاكم وقيل هي علامة نصبها الله لموت من يموت من اوليائه ليشعر ملائكته بفضله وقال الحربي إذا عظموا الأمر نسبوه الى عظيم كما يقولون قامت لموت فلان القيامة وأظلمت الدنيا ونحو ذلك وفي هذه منقبة عظيمة لسعد واما تأويل البراء على انه أراد بالعرش السرير الذي حمل عليه فلا يستلزم ذلك فضلا له لأنه يشركه في ذلك كل ميت الا انه يريد اهتز حملة السرير فرحا بقدومه على ربه فيتجه ووقع لمالك نحو ما وقع لابن عمر اولا فذكر صاحب العتبية فيها ان مالكا سئل عن هذا الحديث فقال انهاك ان تقوله وما يدعو المرء ان يتكلم بهذا وما يدري ما فيه من الغرور قال أبو الوليد بن رشد في شرح العتبية انما نهى مالك لئلا يسبق الى وهم الجاهل ان العرش إذا تحرك يتحرك الله بحركته كما يقع للجالس منا على كرسيه وليس العرش بموضع استقرار الله تبارك الله وتنزه عن مشابهة خلقه انتهى ملخصا والذي يظهر ان مالكا ما نهى عنه لهذا إذ لو خشي من هذا لما اسند في الموطأ حديث ينزل الله الى سماء الدنيا لأنه أصرح في الحركة من اهتزاز العرش ومع ذلك فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السنة من الخلف ان الله منزه عن الحركة والتحول والحلول ليس كمثله شيء ويحتمل الفرق بأن حديث سعد ماثبت عنده فأمر بالكف عن التحدث به بخلاف حديث النزول فإنه ثابت فرواه ووكل امره الى فهم أولي العلم الذين يسمعون في القران استوى على العرش ونحو ذلك وقد جاء حديث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة أو أكثر وثبت في الصحيحين فلا معنى لانكاره

[ 3593 ] قوله ان اناسا نزلوا على حكم سعد هم بنو قريظة وسيأتي شرح ذلك في المغازي وقوله في هذه الرواية فلما بلغ قريبا من المسجد أي الذي اعده النبي صلى الله عليه وسلم أيام محاصرته لبني قريظة للصلاة فيه وأخطأ من زعم انه غلط من الراوي لفظه انه أراد بالمسجد المسجد النبوي بالمدينة وقال ان الصواب ما وقع عند أبي داود من طريق شعبة أيضا بهذا الإسناد بلفظ فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وإذا حمل على ما قررته لم يكن بين اللفظين تناف وقد أخرجه مسلم كما أخرجه البخاري كذلك

قوله باب منقبة اسيد بن حضير وعباد بن بشر هو اسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي الأشهلي يكنى أبا يحيى وقيل غير ذلك ومات في سنة عشرين في خلافة عمر على الأصح وعباد بن بشر هو بن وقش كما سأبينه وفي تاريخ البخاري ومسند أبي يعلى وصححه الحاكم من طريق بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عن عائشة قالت ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا كلهم من بني عبد الأشهل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر

[ 3594 ] قوله ان رجلين ظهر من رواية معمر ان اسيد بن حضير أحدهما ومن رواية حماد ان الثاني عباد بن بشر ولذلك جزم به المؤلف في الترجمة وأشار الى حديثهما فأما رواية معمر فوصلها عبد الرزاق في مصنفه عنه ومن طريقه الإسماعيلي بلفظ ان اسيد بن حضير ورجلا من الأنصار تحدثا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا وبيد كل منهما عصية فاضاءت عصا أحدهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق اضاءت عصا الاخر فمشي كل منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله واما رواية حماد بن سلمة فوصلها أحمد والحاكم في المستدرك بلفظ ان اسيد بن حضير وعباد بن بشر كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس فلما خرجا اضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها فلما افترقت بهما الطريق اضاءت عصا الاخر قوله عباد بن بشر كذا للأكثر بكسر الموحدة وسكون المعجمة وفي رواية أبي الحسن القابسي بشير بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية وهو غلط وفي الصحابة عباد بن بشر بن قيظي وعباد بن بشر بن نهيك وعباد بن بشر بن وقش وصاحب هذه القصة هو هذا الثالث ووهم من زعم خلاف ذلك

قوله مناقب معاذ بن جبل أي بن عمرو بن أوس من بني أسد بن شاردة بن يزيد بفتح المثناة الفوقانية بن جشم بن الخزرج الخزرجي يكنى أبا عبد الرحمن شهد بدرا والعقبة وكان أميرا للنبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ورجع بعده الى المدينة ثم خرج الى الشام مجاهدا فمات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو استقرئوا القران وقد تقدم شرحه قريبا وقد اخرج بن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة رفعه نعم الرجل معاذ بن جبل كان عقبيا بدريا من فقهاء الصحابة وقد اخرج الترمذي وابن ماجة عن أنس رفعه ارحم أمتي أبو بكر وفيه واعلمهم بالحلال والحرام معاذ ورجاله ثقات وصح عن عمر انه قال من أراد الفقه فليأت معاذا وسيأتي له ذكر في تفسير سورة النحل وعاش معاذ ثلاثا وثلاثين سنة على الصحيح

قوله منقبة سعد بن عبادة أي بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة يكنى أبا ثابت وهو والد قيس بن سعد أحد مشاهير الصحابة وكان سعد كبير الخزرج واحد المشهورين بالجود ومات بحوران من ارض الشام سنة أربع عشرة أو خمس عشرة في خلافة عمر ثم ذكر فيه حديث أبي اسيد في دور الأنصار وقد تقدم قريبا وأورده هنا لقوله في هذه الطريق وكان ذا قدم في الإسلام قوله وقالت عائشة وكان قبل ذلك رجلا صالحا هذا طرف من حديث الإفك الطويل وسيأتي بتمامه في تفسير سورة النور ان شاء الله تعالى وذكرت عائشة فيه ما دار بين سعد بن عبادة وأسيد بن حضير حيث قال وان كان من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك فقال له سعد بن عبادة لا تستطيع قتله فثار بينهم الكلام الى ان اسكتهم النبي صلى الله عليه وسلم فاشارت عائشة الى ان سعد بن عبادة كان قبل ان يقول تلك المقالة رجلا صالحا ولا يلزم من ذلك ان يكون خرج عن هذه الصفة إذ ليس في الخبر تعرض لما بعد تلك المقالة والظاهر استمرار ثبوت تلك الصفة له لأنه معذور في تلك المقالة لأنه كان فيها متأولا فلذلك أوردها المصنف في مناقبه ولم يبد منه ما يعاب به قبل هذه المقالة وعذر سعد فيها ظاهر لأنه تخيل ان الأوسي أراد الغض من قبيلة الخزرج لما كان بين الطائفتين فرد عليه ثم لم يقع من سعد بعد ذلك شيء يعاب به الا انه امتنع من بيعة أبي بكر فيما يقال وتوجه الى الشام فمات بها والعذر له في ذلك انه تأول ان للانصار في الخلافة استحقاقا فبنى على ذلك وهو معذور وان كان ما اعتقده من ذلك خطأ

قوله باب مناقب أبي بن كعب أي بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري يكنى أبا المنذر وأبا الطفيل كان من السابقين من الأنصار شهد العقبة وبدرا وما بعدهما مات سنة ثلاثين وقيل غير ذلك ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو المتقدم قريبا في مناقب عبد الله بن مسعود

[ 3598 ] قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب ان الله أمرني ان اقرأ عليك لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب زاد الحاكم من وجه اخر عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه لم يكن وقرأ فيها ان ذات الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يفعل خيرا فلم يكفره قوله قال وسماني أي هل نص علي باسمي أو قال اقرأ على واحد من أصحابك فا خترتني أنت فلما قال له نعم بكى اما فرحا وسرورا بذلك واما خشوعا وخوفا من التقصير في شكر تلك النعمة وفي رواية للطبراني من وجه اخر عن أبي بن كعب قال نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى قال القرطبي تعجب أبي من ذلك لان تسمية الله له ونصه عليه ليقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم تشريف عظيم فلذلك بكى اما فرحا واما خشوعا قال أبو عبيد المراد بالعرض على أبي ليتعلم أبي منه القراءة ويتثبت فيها وليكون عرض القران سنة وللتنبيه على فضيلة أبي بن كعب وتقدمه في حفظ القران وليس المراد ان يستذكر منه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بذلك العرض ويؤخذ من هذا الحديث مشروعية التواضع في اخذ الإنسان العلم من أهله وان كان دونه وقال القرطبي خص هذه السورة بالذكر لما اشتملت عليه من التوحيد والرسالة والإخلاص والصحف والكتب المنزلة على الأنبياء وذكر الصلاة والزكاة والمعاد وبيان أهل الجنة والنار مع وجازتها

قوله باب مناقب زيد بن ثابت أي بن الضحاك بن زيد بن لوذان من بني مالك بن النجار كاتب الوحي واحد فقهاء الصحابة مات سنة خمس وأربعين

[ 3599 ] قوله جمع القران أي استظهره حفظا قوله وأبو زيد ثم قال أنس هو أحد عمومتي ذكر علي بن المديني ان اسمه أوس وعن يحيى بن معين هو ثابت بن زيد وقيل هو سعد بن عبيد بن النعمان وبذلك جزم الطبراني عن شيخه أبي بكر بن صدقة قال وهو الذي كان يقال له القارىء وكان على القادسية واستشهد بها وهو والد عمير بن سعد وعن الواقدي هو قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرام الأنصاري النجاري ويرجحه قول أنس أحد عمومتي فإنه من قبيلة بني حرام وليس في هذا ما يعارض حديث عبد الله بن عمر واستقرئوا القران من أربعة فذكر اثنين من الأربعة ولم يذكر اثنين لأنه اما ان يقال لا يلزم من الأمر بأخذ القراءة عنهم ان يكونوا كلهم استظهروه جميعه واما ان لايؤخذ بمفهوم حديث أنس لأنه لا يلزم من قوله جمعه أربعة ان لا يكون جمعه غيرهم فلعله أراد انه لم يقع جمعه لاربعة من قبيلة واحدة الا لهذه القبيلة وهي الأنصار وسيأتي الكلام على جمع القران في كتاب فضائل القران

قوله باب مناقب أبي طلحة هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري الخزرجي النجاري هو زوج أم سليم والدة أنس وقد تقدم بيان وفاته وتاريخها في الجهاد

[ 3600 ] قوله مجوب بفتح الجيم وكسر الواو المشددة أي مترس عليه يقيه بها ويقال للترس جوبة والجحفة بمهملة ثم جيم مفتوحتين الترس قوله شديدا لقد يكسر كذا للأكثر بنصب شديدا وبعدها لقد بلام ثم قد ولبعضهم بالإضافة شديد القد بسكون اللام وكسر القاف والقد سير من جلد غير مدبوغ يريد انه شديد وتر القوس وبهذا جزم الخطابي وتبعه بن التين وقد روى بالميم المفتوحة بدل القاف وسيأتي بقية ما يتعلق بهذا الحديث في المغازي ان شاء الله تعالى

قوله باب مناقب عبد الله بن سلام بتخفيف اللام أي بن الحارث من بني قينقاع وهم من ذرية يوسف الصديق وكان اسم عبد الله بن سلام في الجاهلية الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله أخرجه بن ماجة وكان من حلفاء الخزرج من الأنصار اسلم أول ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وسيأتي شرح ذلك في أوائل الهجرة وزعم الداودي انه كان من أهل بدر وسبقه الى ذلك أبو عروبة وتفرد بذلك ولا يثبت وغلط من قال انه اسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين ومات عبد الله بن سلام سنة ثلاث وأربعين

[ 3601 ] قوله عن أبي النضر في رواية أبي يعلى عن يحيى بن معين عن أبي مسهر عن مالك حدثني أبو النضر قوله عن عامر في رواية عاصم بن مهجع عن مالك عند الدارقطني قال سمعت عامر بن سعد قوله عن أبيه في رواية إسحاق بن الطباع عن مالك عند الدارقطني قال سمعت أبي قوله ما سمعت الخ استشكل بأنه صلى الله عليه وسلم قد قال لجماعة انهم من أهل الجنة غير عبد الله بن سلام ويبعد ان لايطلع سعد على ذلك وأجيب بأنه كره تزكية نفسه لأنه أحد العشرة المبشرة بذلك وتعقب بأنه لا يستلزم ذلك ان ينفي سماعه مثل ذلك في حق غيره ويظهر لي في الجواب انه قال ذلك بعد موت المبشرين لان عبد الله بن سلام عاش بعدهم ولم يتأخر معه من العشرة غير سعد وسعيد ويؤخذ هذا من قوله يمشي على الأرض ووقع في رواية إسحاق بن الطباع عن مالك عند الدارقطني ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي انه من أهل الجنة الحديث وفي رواية عاصم بن مهجع عن مالك عنه يقول لرجل حي وهو يؤيد ما قلته لكن وقع عند الدارقطني من طريق سعيد بن داود عن مالك ما يعكر على هذا التاويل فإنه أورده بلفظ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا أقول لاحد من الاحياء انه من أهل الجنة الا لعبد الله بن سلام وبلغني انه قال وسلمان الفارسي لكن هذا السياق منكر فان كان محفوظا حمل على انه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قديما قبل ان يبشر غيره بالجنة وقد اخرج بن حيان من طريق مصعب بن سعد عن أبيه سبب هذا الحديث بلفظ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يدخل عليكم رجل من أهل الجنة فدخل عبد الله بن سلام وهذا يؤيد صحة رواية الجماعة ويضعف رواية سعيد بن داود قوله قال لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث أي لا أدري هل قال مالك ان نزول هذه الآية في هذه القصة من قبل نفسه أو هو بهذا الإسناد وهذا الشك في ذلك من عبد الله بن يوسف شيخ البخاري ووهم من قال انه من القعني إذ لا ذكر للقعني هنا ولم ار هذا عن عبد الله بن يوسف الا عند البخاري وقد رواه عن عبد الله بن يوسف أيضا إسماعيل بن عبد الله الملقب سمويه في فوائده ولم يذكر هذا الكلام عن عبد الله بن يوسف وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه اخر عن عبد الله بن يوسف وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من وجهين اخرين عن عبد الله بن يوسف وأخرجه من طريق ثالث عنه بلفظ اخر مقتصرا على الزيادة دون الحديث وقال انه وهم وروى بن منده في الإيمان من طريق إسحاق بن سيار عن عبد الله بن يوسف الحديث والزيادة وقال فيه قال إسحاق فقلت لعبد الله بن يوسف ان أبا مسهر حدثنا بهذا عن مالك ولم يذكر هذه الزيادة قال فقال عبد الله بن يوسف ان مالكا تكلم به عقب الحديث وكانت معي الواحي فكتبت انتهى وظهر بهذا سبب قوله للبخاري ما أدري الخ وقد أخرجه الإسماعيلي والدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي مسهر وعاصم بن مهجع وعبد الله بن وهب وإسحاق بن عيسى زاد الدارقطني وسعيد بن داود وإسحاق الفروي كلهم عن مالك بدون هذه الزيادة قال فالظاهر انها مدرجة من هذا الوجه ووقع في رواية بن وهب عند الدارقطني التصريح بأنها من قول مالك الا انها قد جاءت من حديث بن عباس عند بن مردويه ومن حديث عبد الله بن سلام نفسه عند الترمذي وأخرجه بن مردويه أيضا من طرق عنه وعند بن حبان من حديث عوف بن مالك أيضا انها نزلت في عبد الله بن سلام نفسه وقد استنكر الشعبي فيما رواه عبد بن حميد عن النضر بن شميل عن بن عون عنه نزولها في عبد الله بن سلام لأنه انما اسلم بالمدينة والسورة مكية فأجاب بن سيرين بأنه لا يمتنع ان تكون السورة مكية وبعضها مدني وبالعكس وبهذا جزم أبو العباس في مقامات التنزيل فقال الاحقاف مكية الا قوله وشهد شاهد الى اخر الايتين انتهى ولا مانع ان تكون جميعها مكية وتقع الإشارة فيها الى ماسيقع بعد الهجرة من شهادة عبد الله بن سلام وروى عبد بن حميد في تفسيره من طريق سعيد بن جبير ان الآية نزلت في ميمون بن يامين وفي تفسير الطبري عن بن عباس انها نزلت في بن سلام وعمير بن وهب بن يامين النضري وفي تفسير مقاتل اسمه يامين بن يامين ولا مانع ان تكون نزلت في الجميع

[ 3602 ] قوله عن محمد هو بن سيرين وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة قوله ما ينبغي هو إنكار من بن سلام على من قطع له بالجنة فكأنه ما سمع حديث سعد وكأنهم هم سمعوه ويحتمل ان يكون هو أيضا سمعه لكنه كره الثناء عليه بذلك تواضعا ويحتمل ان يكون إنكارا منه على من سأله عن ذلك لكونه فهم منه التعجب من خبرهم فأخبره بأن ذلك لاعجب فيه بما ذكره له من قصة المنام وأشار بذلك القول الى انه لا ينبغي لأحد إنكار ما لا علم له به إذا كان الذي أخبره به من أهل الصدق قوله فقيل لي ارق في رواية الكشميهني ارقه بزيادة هاء وهي هاء السكت قوله فأتاني منصف بكسر الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها فاء وفي رواية الكشميهني بفتح الميم والأول اشهر وهو الخادم قوله فرقيت بكسر القاف وحكي فتحها قوله في الرواية الثانية وصيف مكان منصف يريد ان معاذا وهو بن معاذ روى الحديث عن عبد الله بن عون كما رواه ازهر السمان فأبدل هذه اللفظة بهذه اللفظة وهي بمعناها والوصيف الخادم الصغير غلاما كان أو جارية قوله فاستيقظت وانها لفي يدي أي ان الاستيقاظ كان حال الأخذ من غير فاصلة ولم يرد انها بقيت في يده في حال يقظته ولو حمل على ظاهره لم يمتنع في قدرة الله لكن الذي يظهر خلاف ذلك ويحتمل ان يريد ان اثرها بقي في يده بعد الاستيقاظ كأن يصبح فيرى يده مقبوضة قوله وذلك الرجل عبد الله بن سلام هو قول عبد الله بن سلام ولا مانع من ان يخبر بذلك ويريد نفسه ويحتمل ان يكون من كلام الراوي

[ 3603 ] قوله عن أبيه هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري قوله في بيت التنوين للتعظيم ووجه تعظيمه ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل فيه وكان هذا القدر المقتضي لادخال هذا الحديث في مناقب بن سلام أو لما دل عليه امره بترك قبوله هدية المستقرض من الورع قوله انك بأرض يعني ارض العراق الربا بها فاش أي شائع قوله حمل بكسر المهملة تبن بكسر المثناة وسكون الموحدة معروف قوله حمل قت بفتح القاف وتشديد المثناة وهو علف الدواب قوله فإنه ربا يحتمل ان يكون ذلك رأي عبد الله بن سلام والا فالفقهاء على انه انما يكون ربا إذا شرطه نعم الورع تركه قوله ولم يذكر النضر أي بن شميل وأبو داود أي الطيالسي ووهب أي بن جرير عن شعبة البيت أي قول سليمان بن حرب عن شعبة في روايته ويدخل في بيت وقد وقع في رواية أبي أسامة عن بريد بن عبد الله أي بن أبي بردة عن جده أبي بردة في كتاب الاعتصام بلفظ انطلق الى المنزل فأسقيك من قدح شرب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث

قوله باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي أي بن جابر بن مالك من بني أنمار بن اراش نسبوا الى امهم بجيلة يكنى أبا عمرو علي المشهور واختلف في إسلامه والصحيح انه في سنة الوفود سنة تسع ووهم من قال انه اسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما لما ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له استنصت الناس في حجة الوداع وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثمانين يوما وكان موت جرير سنة خمسين وقيل بعدها

[ 3611 ] قوله ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما منعني من الدخول اليه إذا كان في بيته فاستأذنت عليه وليس كما حمله بعضهم على إطلاقه فقال كيف جاز له ان يدخل على محرم بغير حجاب ثم تكلف في الجواب ان المراد مجلسه المختص بالرجال أو ان المراد بالحجاب منع ما يطلبه منه قلت وقوله ما حجبني يتناول الجميع مع بعد إرادة الأخير قوله ولا راني الا ضحك في رواية الحميدي عن إسماعيل الا تبسم في وجهي وروى أحمد وابن حبان من طريق المغيرة بن شبيل عن جرير قال لما دنوت من المدينة انخت ثم لبست حلتي فدخلت فرماني الناس بالحدق فقلت هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا نعم ذكرك بأحسن ذكر فقال يدخل عليكم رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك قوله وعن قيس هو موصول بالإسناد المذكور قوله ذو الخلصة بفتح المعجمة واللام والصاد المهملة وحكي اسكان اللام وقوله اليمانية بتخفيف الياء وحكي تشديدها وقوله أو الكعبة الشامية استشكل الجمع بين هذين الوصفين وسيأتي جوابه مع شرح هذه القصة في اواخر المغازي مع الكلام على قوله الكعبة اليمانية أو الكعبة الشامية ان شاء الله تعالى

قوله باب ذكر حذيفة بن اليمان العبسي بالموحدة واسم اليمان حصل بمهملتين وكسر أوله وسكون ثانيه ثم لام بن جابر له ولأبيه صحبة

[ 3612 ] قوله لما هزم بضم أوله وقوله وأخراكم أي اقبلوا اخراكم أو احذروا اخراكم أو انصروا اخراكم وقوله احتجزوا أي انفصلوا من القتال وامتنع بعضهم من بعض وسيأتي بقية شرح هذه القصة في كتاب المغازي قوله قال أبي القائل هو هشام بن عروة نقله عن أبيه عروة وفصله من حديث عائشة فصار مرسلا وقوله مازالت في حذيفة منها أي من هذه الكلمة أي بسببها وقوله بقية خير يؤخذ منه ان فعل الخير تعود بركته على صاحبه في طول حياته تنبيه وقع ذكر جرير وحذيفة مؤخرا عن ذكر خديجة عليها السلام وفي بعضها مقدما وهو أليق فان الذي يظهر انه اخر ذكر خديجة عمدا لكون غالب احوالها متعلقة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث فوقع له في ذلك حسن التخلص من المناقب التي استطرد من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إليها فلما فرغ منها رجع الى بقية سيرته ومغازيه والله اعلم

قوله باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها كذا في النسخ تزويج وتفعيل قد يجيء بمعنى تفعل وهو المراد هنا أو فيه حذف تقديره تزويجه من نفسه قوله خديجة هي أول من تزوجها صلى الله عليه وسلم وهي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي تجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وهي من أقرب نسائه اليه في النسب ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها الا أم حبيبة وتزوجها سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور زوجه إياها أبوها خويلد ذكره البهيقي من حديث الزهري بإسناده من عمار بن ياسر وقيل عمها عمرو بن أسد ذكره الكلبي وقيل اخوها عمرو بن خويلد ذكره بن إسحاق وكانت قبله عند أبي هالة بن النباش بن زرارة التميمي حليف بني عبد الدار واختلف في اسم أبي هالة فقيل مالك قاله الزبير وقيل زرارة حكاه بن منده وقيل هند جزم به العسكري وقيل اسمه النباش جزم به أبو عبيد وابنه هند روى عنه الحسن بن علي فقال حدثني خالي لأنه أخو فاطمة لأمها ولهند هذا ولد اسمه هند ذكره الدولابي وغيره فعلى قول العسكري فهو ممن اشترك مع أبيه وجده في الاسم ومات أبو هالة في الجاهلية وكانت خديجة قبله عند عتيق بن عائد المخزومي وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يتزوج خديجة قد سافر في مالها مقارضا إلى الشام فرأى منه ميسرة غلامها ما رغبها في تزوجه قال الزبير وكانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة وماتت على الصحيح بعد المبعث بعشر سنين في شهر رمضان وقيل بثمان وقيل بسبع فأقامت معه صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين على الصحيح وقال بن عبد البر أربعا وعشرين سنة وأربعة اشهر وسيأتي من حديث عائشة ما يؤيد الصحيح في ان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وذلك بعد المبعث على الصواب بعشر سنين وقد تقدم في أبواب بدء الوحي بيان تصديقها للنبي صلى الله عليه وسلم في أول وهلة ومن ثباتها في الأمر ما يدل على قوة يقينها ووفور عقلها وصحة عزمها لا جرم كانت أفضل نسائه على الراجح وقد تقدم في ذكر مريم من أحاديث الأنبياء بيان شيء من هذا وروى الفاكهي في كتاب مكة عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أبي طالب فاستأذنه ان يتوجه الى خديجة فأذن له وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال لها انظري ماتقول له خديجة قالت نبعة فرأيت عجبا ما هو الا ان سمعت به خديجة فخرجت الى الباب فأخذت بيده فضمتها الى صدرها ونحرها ثم قالت بأبي وامي والله ما افعل هذا لشيء ولكني ارجو ان تكون أنت النبي الذي ستبعث فان تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الذي يبعثك لي قالت فقال لها والله لئن كنت انا هو قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه ابدا وان يكن غيري فان الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك ابدا ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث لا تصريح فيها بما في الترجمة الا ان ذلك يؤخذ بطريق اللزوم من قول عائشة ما غرت على امرأة ومن قوله صلى الله عليه وسلم وكان لي منها ولد وغير ذلك الحديث الأول

[ 3604 ] قوله حدثني محمد هو بن سلام كما جزم به بن السكن وعبدة هو بن سليمان قوله سمعت عبد الله بن جعفر هو بن أبي طالب ووقع عند عبد الرزاق عن بن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن جعفر وهو من المزيد في متصل الأسانيد لتصريح عبدة في هذه الرواية بسماع عروة عن عبد الله بن جعفر قوله سمعت علي بن أبي طالب زاد مسلم من رواية أبي أسامة عن هشام بالكوفة واتفق أصحاب هشام على ذكر علي فيه وقصر به محمد بن إسحاق فرواه عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم لكن بلفظ مغاير لهذا اللفظ فالظاهر انهما حديثان وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي هشام عن أبيه وصحابي عن صحابي عبد الله بن جعفر عن عمه قوله خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة قال القرطبي الضمير عائد على غير مذكور لكنه يفسره الحال والمشاهدة يعني به الدنيا وقال الطيبي الضمير الأول يعود على الأمة التي كانت فيها مريم والثاني على هذه الأمة قال ولهذا كرر الكلام تنبيها على ان حكم كل واحدة منها غير حكم الأخرى قلت ووقع عند مسلم من رواية وكيع عن هشام في هذا الحديث وأشار وكيع الى السماء والأرض فكأنه أراد ان يبين ان المراد نساء الدنيا وان الضميرين يرجعان الى الدنيا وبهذا جزم القرطبي أيضا وقال الطيبي أراد انهما خير من تحت السماء وفوق الأرض من النساء قال ولا يستقيم ان يكون تفسيرا لقوله نسائها لان هذا الضمير لا يصلح ان يعود الى السماء كذا قال ويحتمل ان يريد ان الضمير الأول يرجع الى السماء والثاني الى الأرض ان ثبت ان ذلك صدر في حياة خديجة وتكون النكتة في ذلك ان مريم ماتت فعرج بروحها الى السماء فلما ذكرها أشار الى السماء وكانت خديجة إذ ذاك في الحياة فكانت في الأرض فلما ذكرها أشار الى الأرض وعلى تقدير ان يكون بعد موت خديجة فالمراد انهما خير من صعد بروحهن الى السماء وخير من دفن جسدهن في الأرض وتكون الإشارة عند ذكر كل واحدة منهما والذي يظهر لي ان قوله خير نسائها خبر مقدم والضمير لمريم فكأنه قال مريم خير نسائها أي نساء زمانها وكذا في خديجة وقد جزم كثير من الشراح ان المراد نساء زمانها لما تقدم في أحاديث الأنبياء في قصة موسى وذكر اسية من حديث أبي موسى رفعه كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا مريم واسية فقد اثبت في هذا الحديث الكمال لآسية كما أثبته لمريم فامتنع حمل الخيرية في حديث الباب على الإطلاق وجاء ما يفسر المراد صريحا فروى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين وهو من حديث حسن الإسناد واستدل بهذا الحديث على ان خديجة أفضل من عائشة قال بن التين ويحتمل ان لا تكون عائشة دخلت في ذلك لأنها كان لها عند موت خديجة ثلاث سنين فلعل المراد النساء البوالغ كذا قال وهو ضعيف فان المراد بلفظ النساء أعم من البوالغ ومن لم تبلغ أعم ممن كانت موجودة وممن ستوجد وقد اخرج النسائي بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم من حديث بن عباس مرفوعا أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم واسية وهذا نص صريح لايحتمل التأويل قال القرطبي لم يثبت في حق واحدة من الأربع انها نبيه الا مريم وقد اورد بن عبد البر من وجه اخر عن بن عباس رفعه سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم اسية قال وهذا حديث حسن يرفع الاشكال قال ومن قال ان مريم ليست بنبية أول هذا الحديث وغيره بان من وان لم تذكر في الخبر فهي مرادة قلت الحديث الثاني الدال على الترتيب ليس بثابت واصله عند أبي داود والحاكم بغير صيغة ترتيب وقد يتمسك بحديث الباب من يقول ان مريم ليست بنبية لتسويتها في حديث الباب بخديجة وليست خديجة بنبية بالاتفاق والجواب انه لا يلزم من التسوية في الخيرية التسوية في جميع الصفات وقد تقدم ما قيل في مريم في ترجمتها من أحاديث الأنبياء والله اعلم الحديث الثاني

[ 3605 ] قوله حدثنا الليث قال كتب الى هشام بن عروة وقع عند الإسماعيلي من وجه اخر عن الليث حدثني هشام بن عروة فلعل الليث لقى هشاما بعد ان كتب به اليه فحدثه به أو كان من مذهبه إطلاق حدثنا في الكتابة وقد نقل الخطيب ذلك عنه في علوم الحديث قوله ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فيه ثبوت الغيرة وانها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلا عمن دونهن وان عائشة كانت تغار من نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكن كانت تغار من خديجة أكثر وقد بينت سبب ذلك وانه لكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إياها ووقع في الرواية التي تلي هذه بابين من هذا حيث قال فيها من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها واصل غيرة المراة من تخيل محبة غيرها أكثر منها وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة وقال القرطبي مرادها بالذكر لها مدحها والثناء عليها قلت وقع عند النسائي من رواية النضر بن شميل عن هشام من كثرة ذكره إياها وثنائه عليها فعطف الثناء على الذكر من عطف الخاص على العام وهو يقتضي حمل الحديث على أعم مما قاله القرطبي قوله هلكت قبل ان يتزوجني ذكر في الحديث الذي بعده قدر المدة وسيأتي البحث فيه واشارت بذلك الى انها لو كانت موجودة في زمانها لكانت غيرتها منها أشد قوله وأمره الله ان يبشرها الخ سيأتي شرحه بعد هذا وهو أيضا من جملة أسباب الغيرة لان اختصاص خديجة بهذه البشرى مشعر بمزيد محبة من النبي صلى الله عليه وسلم فيها ووقع عند الإسماعيلي من رواية الفضل بن موسى عن هشام بن عروة بلفظ ما حسدت امرأة قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي صلى الله عليه وسلم ببيت من قصب الحديث قوله وان كان ليذبح الشاة الخ ان مخففة من الثقيلة ويراد بها تاكيد الكلام ولهذا اتت بالأم في قولها ليذبح قوله في خلائلها بالخاء المعجمة جمع خليلة أي صديقة وهي أيضا من أسباب الغيرة لما فيه من الاشعار باستمرار حبه لها حتى كان يتعاهد صواحباتها قوله منها أي من الشاة قوله ما يسعهن أي ما يكفيهن كذا للأكثر وفي رواية المستملي والحموي ما يتسعهن أي يتسع لهن وفي رواية النسفي يشبعهن من الشبع بكسر المعجمة وفتح الموحدة وليس في روايته ما الحديث الثالث

[ 3606 ] قوله حدثنا حميد بن عبد الرحمن هو الرؤاسي بضم الراء وعلى الواو همز وبعد الالف مهملة ثقة باتفاق وليس له في البخاري سوى هذا الحديث واخر في الحدود قوله وتزوجني بعدها بثلاث سنين قال النووي ارادت بذلك زمن دخولها عليه واما العقد فتقدم على ذلك بمدة سنة ونصف أو نحو ذلك كذا قال وسيأتي في باب تزويج عائشة ما يوضح ان المدة بين العقد عليها والدخول كان أكثر من ذلك قوله وأمره ربه عز وجل أو جبريل هو شك من الراوي وسيأتي في حديث أبي هريرة في هذا الباب ان البشارة بذلك من الله كانت على لسان جبريل عليه السلام الحديث الرابع

[ 3607 ] قوله حدثني عمر بن محمد بن الحسن حدثنا أبي هو الأسدي الذي يعرف بالتل بالمثناة وتشديد اللام واسم والد الحسن الزبير وعمر كوفي ماله في البخاري سوى هذا الحديث واخر في الزكاة وهو من صغار شيوخه وقد نزل البخاري في هذا الإسناد بالنسبة لحديث حفص بن غياث درجة فإنه يروي الكثير عن ولده عمر بن حفص وغيره من أصحاب حفص وهنا لم يصل لحفص الا باثنين وبالنسبة لرواية هشام بن عروة درجتين فإنه قد سمع من بعض اصحابه واخرج هذا في الصحيح في كتاب العتق منه حدثنا عبيد بن موسى عن هشام بن عروة من مسند أبي ذر والسبب في اختياره إيراد هذه الطريق النازلة ما اشتملت عليه من الزيادة على رواية غيره كما سأنبه عليه قوله و ما رأيتها في رواية مسلم من هذا الوجه ولم ادركها ولم ار هذه اللفظة الا في هذه الطريق نعم أخرجها مسلم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ وما رايتها قط ورؤية عائشة لخديجة كانت ممكنة واما ادراكها لها فلا نزاع فيه لأنه كان لها عند موتها ست سنين كأنها ارادت بنفي الرؤية و الإدراك النفي بقيد اجتماعهما عند النبي صلى الله عليه وسلم أي لم ارها وانا عنده ولا ادركتها كذلك وقد وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة ولقد هلكت قبل ان يتزوجني قوله ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها في رواية عبد الله البهي عن عائشة عند الطبراني وكان إذا ذكر خديجة لم يسام من ثناء عليها واستغفار لها قوله فربما قلت الخ هذاكله زائد في هذه الرواية فقد اخرج الحديث مسلم وأبو عوانة والإسماعيلي وأبو نعيم من طريق سهل بن عثمان والترمذي عن أبي هشام الرفاعي كلهم عن حفص بن غياث بدونها قوله كأنه لم يكن في رواية الكشميهني كان لم بحذف الهاء من كأنه قوله انها كانت وكانت أي كانت فاضلة وكانت عاقلة و نحو ذلك وعند أحمد من حديث مسروق عن عائشة امنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء قوله وكان لي منها ولد وكان جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة الا إبراهيم فإنه كان من جاريته مارية والمتفق عليه من أولاده منها القاسم وبه كان يكنى مات صغيرا قبل المبعث أو بعده وبناته الأربع زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة وقيل كانت أم كلثوم أصغر من فاطمة وعبد الله ولد بعد المبعث فكان يقال له الطاهر والطيب ويقال هما اخوان له وماتت الذكور صغارا باتفاق ووقع عند مسلم من طريق حفص بن غياث هذه في اخر الحديث قالت عائشة فاغضبته يوما فقلت خديجة فقال اني رزقت حبها قال القرطبي كان حبه صلى الله عليه وسلم لها لما تقدم ذكره من الأسباب وهي كثيرة كل منها كان سببا في ايجاد المحبة ومما كافا النبي صلى الله عليه وسلم به خديجة في الدنيا انه لم يتزوج في حياتها غيرها فروى مسلم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار وفيه دليل على عظم قدرها عنده وعلى مزيد فضلها لأنها اغنته عن غيرها واختصت به بقدر ما اشترك فيه غيرها مرتين لأنه صلى الله عليه وسلم عاش بعد ان تزوجها ثمانية وثلاثين عاما انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين عاما وهي نحو الثلثين من المجموع ومع طول المدة فصان قلبها فيها من الغيرة ومن نكد الضرائر الذي ربما حصل له هو منه ما يشوش عليه بذلك وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها ومما اختصت به سبقها نساء هذه الأمة الى الإيمان فسنت ذلك لكل من امنت بعدها فيكون لها مثل اجرهن لما ثبت ان من سن سنة حسنة وقد شاركها في ذلك أبو بكر الصديق بالنسبة الى الرجال ولا يعرف قدر ما لكل منهما من الثواب بسبب ذلك الا الله عز وجل وقال النووي في هذه الأحاديث دلالة لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حيا وميتا واكرام معارف ذلك الصاحب الحديث الخامس

[ 3608 ] قوله عن إسماعيل هو بن أبي خالد قوله قلت لعبد الله بن أبي أوفى الخ هذا مما حمله التابعي عن الصحابي عرضا وليس هذا من التلقين لان التلقين لا استفهام فيه وانما يقول الطالب للشيخ قل حدثنا فلان بكذا فيحدث به من غير ان يكون عارفا به حديثه ولا بعدالة الطالب فلا يؤمن ان لا يكون ذلك الطالب ضابطا لذلك القدر فيدل على تساهل الشيخ فلذلك عابوه على من فعله قوله بشر النبي صلى الله عليه وسلم هو استفهام محذوف الاداة قوله قال نعم في رواية مسلم بشر خديجة ببيت من قصب قال نعم الخ ووقع في رواية جرير عن إسماعيل انهم قالوا لعبد الله بن أبي أوفى حدثنا ما قال لخديجة قال قال بشروا خديجة فذكر الحديث هكذا تقدم في أبواب العمرة من البخاري قوله من قصب بفتح القاف والمهملة بعدها موحدة قال بن التين المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف قلت عند الطبراني في الأوسط من طريق أخرى عن بن أبي أوفى يعني قصب اللؤلؤ وعنده في الكبير من حديث أبي هريرة بيت من لؤلؤة مجوفة واصله في مسلم وعنده في الأوسط من حديث فاطمة قالت قلت يا رسول الله أين أمي خديجة قال في بيت من قصب قلت امن هذا القصب قال لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت قال السهيلي النكتة قي قوله من قصب ولم يقل من لؤلؤ ان في لفظ القصب مناسبة لكونها احرزت قصب السبق بمبادرتها الى الإيمان دون غيرها ولذا وقعت هذه المناسبة في جميع ألفاظ هذا الحديث انتهى وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر انابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها واما قوله ببيت فقال أبو بكر الإسكاف في فوائد الاخبار المراد به بيت زائد على ما أعد الله لها من ثواب عملها ولهذا قال لا نصب فيه أي لم تتعب بسببه قال السهيلي لذكر البيت معنى لطيف لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت في الإسلام منفردة به فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم بيت إسلام الا بيتها وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضا غيرها قال وجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه وان كان اشرف منه فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر انتهى وفي ذكر البيت معنى اخر لان مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إليها لما ثبت في تفسير قوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت أم سلمة لما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة و عليا و الحسن و الحسين فجللهم بكساء فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي الحديث أخرجه الترمذي وغيره ومرجع أهل البيت هؤلاء الى خديجة لان الحسنين من فاطمة و فاطمة بنتها وعلي نشا في بيت خديجة وهو صغير ثم تزوج بنتها بعدها فظهر رجوع أهل البيت النبوي الى خديجة دون غيرها قوله لا صخب فيه ولا نصب الصخب بفتح المهملة والمعجمة بعدها موحدة الصياح والمنازعة برفع الصوت والنصب بفتح النون والمهملة بعدها موحدة التعب وأغرب الداودي فقال الصخب العيب والنصب العوج وهو تفسير لا تساعد عليه اللغة وقال السهيلي مناسبة نفي هاتين الصفتين اعني المنازعة والتعب انه صلى الله عليه وسلم لما دعا الى الإسلام اجابت خديجة طوعا فلم تحوجه الى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك بل ازالت عنه كل نصب وانسته من كل وحشة وهونت عليه كل عسير فناسب ان يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها الحديث السادس

[ 3609 ] قوله عن عمارة هو بن القعقاع قوله عن أبي هريرة في رواية مسلم عن بن نمير عن بن فضيل بهذا الإسناد سمعت أبا هريرة قوله اتى جبريل في رواية سعيد بن كثير عند الطبراني ان ذلك كان وهو بحراء قوله هذه خديجة قد اتت في رواية مسلم قد اتتك ومعناه توجهت إليك واما قوله ثانيا فإذا هي اتتك فمعناه وصلت إليك قوله اناء فيه ادام أو طعام أو شراب شك من الراوي وكذا عند مسلم وفي رواية الإسماعيلي فيه ادام أو طعام وشراب وفي رواية سعيد بن كثير المذكور عند الطبراني انه كان حيسا قوله فاقرأ عليها السلام من ربها ومني زاد الطبراني في الرواية المذكورة فقالت هو السلام ومنه والسلام وعلى جبريل السلام وللنسائي من حديث أنس قال قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ان الله يقرىء خديجة السلام يعني فأخبرها فقالت ان الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته زاد بن السني من وجه اخر وعلى من سمع السلام الا الشيطان قال العلماء في هذه القصة دليل على وفور فقهها لأنها لم تقل وعليه السلام كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد السلام على الله فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال ان الله هو السلام فقولوا التحيات لله فعرفت خديجة لصحة فهمها ان الله لا يرد عليه السلام كما يرد على المخلوقين لان السلام اسم من أسماء الله وهو أيضا دعاء بالسلامة وكلاها لا يصلح ان يرد به على الله فكأنها قالت كيف أقول عليه السلام والسلام اسمه ومنه يطلب ومنه يحصل فيستفاد منه انه لا يليق بالله الا الثناء عليه فجعلت مكان رد السلام عليه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق بالله وما يليق بغيره فقالت وعلى جبريل السلام ثم قالت وعليك السلام ويستفاد منه رد السلام على من أرسل السلام وعلى من بلغه والذي يظهر ان جبريل كان حاضرا عند جوابها فردت عليه وعلى النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بالتخصيص ومرة بالتعميم ثم أخرجت الشيطان ممن سمع لأنه لا يستحق الدعاء بذلك قيل انما بلغها جبريل عليه السلام من ربها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم احتراما للنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك وقع له لما سلم على عائشة لم يواجهها بالسلام بل راسلها مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد واجه مريم بالخطاب فقيل لأنها نبيه وقيل لأنها لم يكن معها زوج يحترم معه مخاطبتها قال السهيلي استدل بهذه القصة أبو بكر بن داود على ان خديجة أفضل من عائشة لان عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه وخديجة ابلغها السلام من ربها وزعم بن العربي انه لا خلاف في ان خديجة أفضل من عائشة ورد بأن الخلاف ثابت قديما وان كان الراجح أفضلية خديجة بهذا وبما تقدم قلت ومن صريح ما جاء في تفضيل خديجة ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث بن عباس رفعه أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد قال السبكي الكبير كما تقدم لعائشة من الفضائل ما لا يحصى ولكن الذي نختاره وندين الله به ان فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة واستدل لفضل فاطمة بما تقدم في ترجمتها انها سيدة نساء المؤمنين قلت وقال بعض من أدركناه الذي يظهر ان الجمع بين الحديثين أولى وان لا نفضل إحداهما على الأخرى وسئل السبكي هل قال أحد ان أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال قال به من لايعتد بقوله وهو من فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الصحابة لانهن في درجته في الجنة قال وهو قول ساقط مردود انتهى وقائله هو أبو محمد بن حزم وفساده ظاهر قال السبكي ونساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل وهن أفضل النساء لقول الله تعالى لستن كأحد من النساء ان اتقيتن الآية ولا يستثنى من ذلك الا من قيل انها نبيه كمريم والله اعلم ومما نبه عليه انه وقع عند الطبراني من رواية أبي يونس عن عائشة انها وقع لها نظير ما وقع لخديجة من السلام والجواب وهي رواية شاذة والعلم عند الله تعالى الحديث السابع

[ 3610 ] قوله وقال إسماعيل بن خليل كذا في جميع النسخ التي اتصلت إلينا بصيغة التعليق لكن صنيع المزي يقتضي انه أخرجه موصولا وقد أخرجه أبو عوانة عن محمد بن يحيى الذهلي عن إسماعيل المذكور وأخرجه مسلم عن سويد بن سعيد والإسماعيلي من طريق الوليد بن شجاع كلاهما عن علي بن مسهر قوله استأذنت هالة بنت خويلد هي أخت خديجة وكانت زوج الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس والد أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكروها في الصحابة وهو ظاهر هذا الحديث وقد هاجرت الى المدينة لان دخولها كان بها أي بالمدينة ويحتمل ان تكون دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حيث كانت عائشة معه في بعض سفراته ووقع عند المستغفري من طريق حماد بن سلمة عن هشام بهذا السند قدم بن لخديجة يقال له هالة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم في قائلته كلام هالة فانتبه وقال هالة هالة قال المستغفري الصواب هالة أخت خديجة انتهى وروى الطبراني في الأوسط من طريق تميم بن زيد بن هالة عن أبي هالة عن أبيه انه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو راقد فاستيقظ فضمه الى صدره وقال هالة هالة وذكر بن حبان وابن عبد البر في الصحابة هالة بن أبي هالة التميمي فلعله كان لخديجة أيضا بن اسمه هالة والله اعلم قوله فعرف استئذان خديجة أي صفته لشبه صوتها بصوت أختها فتذكر خديجة بذلك وقوله ارتاع من الروع بفتح الراء أي فزع والمراد من الفزع لازمه وهو التغير ووقع في بعض الروايات ارتاح بالحاء المهملة أي اهتز لذلك سرورا وقوله اللهم هالة فيه حذف تقديره اجعلها هالة فعلى هذا فهو منصوب ويحتمل ان يكون خبر مبتدأ محذوف أي هذه هالة وعلى هذا هو مرفوع وفي الحديث ان من احب شيئا احب محبوباته وما يشبهه وما يتعلق به قوله حمراء الشدقين بالجر قال أبو البقاء يجوز في حمراء الرفع على القطع والنصب على الصفة أو الحال ثم الموجود في جميع النسخ وفي مسلم حمراء بالمهملتين وحكى بن التين انه روي بالجيم والزاي ولم يذكر له معنى وهو تصحيف والله اعلم قال القرطبي قيل معنى حمراء الشدقين بيضاء الشدقين والعرب تطلق على الأبيض الأحمر كرهة اسم البياض لكونه يشبه البرص ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة ياحميراء ثم استبعد القرطبي هذا لكون عائشة اوردت هذه المقالة مورد التنقيص فلو كان الأمر كما قيل لنصت على البياض لأنه كان يكون ابلغ في مرادها قال والذي عندي ان المراد بذلك نسبتها الى كبر السن لان من دخل في سن الشيخوخة مع قوة في بدنه يغلب على لونه غالبا الحمرة المائلة الى السمرة كذا قال والذي يتبادر ان المراد بالشدقين ما في باطن الفم فكنت بذلك عن سقوط اسنانها حتى لا يبقى داخل فمها الا اللحم الأحمر من اللثة وغيرها وبهذا جزم النووي وغيره قوله قد ابدلك الله خيرا منها قال بن التين في سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة الا ان يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن انتهى ولا يلزم من كونه لم ينقل في هذه الطريق انه صلى الله عليه وسلم رد عليها عدم ذلك بل الواقع انه صدر منه رد لهذه المقالة ففي رواية أبي نجيح عن عائشة عند أحمد والطبراني في هذه القصة قالت عائشة فقلت ابدلك الله بكبيرة السن حديثة السن فغضب حتى قلت والذي بعثك بالحق لا اذكرها بعد هذا الا بخير وهذا يؤيد ما تأوله بن التين في الخيرية المذكورة والحديث يفسر بعضه بعضا وروى أحمد أيضا والطبراني من طريق مسروق عن عائشة في نحو هذه القصة فقال صلى الله عليه وسلم ما ابدلني الله خيرا منها امنت بي إذ كفر بي الناس الحديث قال عياض قال الطبري وغيره من العلماء الغيرة مسامح للنساء ما يقع فيها ولا عقوبة عليهن في تلك الحالة لما جبلن عليه منها ولهذا لم يزجر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة عن ذلك وتعقبه عياض بأن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها وأول شبيبتها فلعلها لم تكن بلغت حينئذ قلت وهو محتمل مع ما فيه من نظر قال القرطبي لا تدل قصة عائشة هذه على ان الغيرى لاتؤاخذ بما يصدر منها لان الغيرة هنا جزء سبب وذلك ان عائشة اجتمع فيها حينئذ الغيرة وصغر السن والادلال قال فاحالة الصفح عنها على الغيرة وحدها تحكم نعم الحامل لها على ما قالت الغيرة لأنها هي التي نصت عليها بقولها فغرت واما الصفح فيحتمل ان يكون لاجل الغيرة وحدها ويحتمل ان يكون لها ولغيرها من الشباب والادلال قلت الغيرة محققة بتنصيصها والشباب محتاج الى دليل فإنه صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي بنت تسع وذلك في أول زمن البلوغ فمن أين له ان ذلك القول وقع في أوائل دخوله عليها وهي بنت تسع واما ادلال المحبة فليس موجبا للصفح عن حق الغير بخلاف الغيرة فإنما يقع الصفح بها لان من يحصل لها الغيرة لا تكون في كمال عقلها فلهذا تصدر منها أمور لاتصدر منها في حال عدم الغيرة والله اعلم

قوله باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة أي بن عبد شمس وهي والدة معاوية قتل أبوها ببدر كما سيأتي في المغازي وشهدت مع زوجها أبي سفيان أحدا وحرضت على قتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم لكونه قتل عمها شيبة وشرك في قتل أبيها عتبة فقتله وحشي بن حرب كما سيأتي بيان ذلك في حديث وحشي ثم أسلمت هند يوم الفتح وكانت من عقلاء النساء وكانت قبل أبي سفيان عند الفاكه بن المغيرة المخزومي ثم طلقها في قصة جرت فتزوجها أبو سفيان فأنتجت عنده وهي القائلة للنبي صلى الله عليه وسلم لما شرط على النساء المبايعة ولا يسرقن ولا يزنين وهل تزني الحرة وماتت هند في خلافة عمر

[ 3613 ] قوله وقال عبدان كذا للجميع بصيغة التعليق وكلام أبي نعيم في المستخرج يقتضي ان البخاري أخرجه موصولا عن عبدان وقد وصله البهيقي أيضا من طريق أبي الموجه عن عبدان قوله خباء بكسر المعجمة وتخفيف الموحدة مع المد هي خيمة من وبر أو صوف ثم اطلقت على البيت كيف ما كان قوله قال وأيضا والذي نفسي بيده قال بن التين فيه تصديق لها فيما ذكرته كأنه رأى ان المعنى وانا أيضا بالنسبة إليك مثل ذلك وتعقب من جهة طرفي البغض والحب فقد كان في المشركين من كان أشد أذى للنبي صلى الله عليه وسلم من هند واهلها وكان في المسلمين بعد ان أسلمت من هو احب الى النبي صلى الله عليه وسلم منها ومن أهلها فلا يمكن حمل الخبر على ظاهره وقال غيره المعنى بقوله وأيضا ستزيدين في المحبة كلما تمكن الإيمان من قلبك وترجعين عن البغض المذكور حتى لا يبقى له اثر فأيضا خاص بما يتعلق بها لا ان المراد بها اني كنت في حقك كما ذكرت في البغض ثم صرت على خلافه في الحب بل ساكت عن ذلك ولا يعكر على هذا قوله في بعض الروايات وانا ان ثبتت الرواية بذلك قوله ان أبا سفيان رجل مسيك سيأتي شرحه في كتاب النفقات ان شاء الله تعالى وفي الحديث دلالة على وفور عقل هند وحسن تأنيها في المخاطبة ويؤخذ منه ان صاحب الحاجة يستحب له ان يقدم بين يدي نجواه اعتذارا إذا كان في نفس الذي يخاطبه عليه موجدة وان المعتذر يستحب له ان يقدم ما يتأكد به صدقه عند من يعتذر اليه لان هندا قدمت الاعتراف بذكر ما كانت عليه من البغض ليعلم صدقها فيما ادعته من المحبة وقد كانت هند في منزلة أمهات نساء النبي صلى الله عليه وسلم لان أم حبيبة إحدى زوجاته بنت زوجها أبي سفيان

قوله باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل هو بن عم عمر بن الخطاب بن نفيل وقد تقدم نسبه في ترجمته وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة وكان ممن طلب التوحيد وخلع الأوثان وجانب الشرك لكنه مات قبل المبعث فروى محمد بن سعد والفاكهي من حديث عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب قال قال لي زيد بن عمرو اني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان وكانا يصليان الى هذه القبلة وانا انتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث ولا اراني أدركه وانا اومن به واصدقه واشهد انه نبي وان طالت بك حياة فاقره مني السلام قال عامر فلما أسلمت اعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بخبره قال فرد عليه السلام وترحم عليه قال ولقد رايته في الجنة يسحب ذيولا وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد قال خرج زيد بن عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين حتى أتيا الشام فتنصر ورقة وامتنع زيد فاتى الموصل فلقي راهبا فعرض عليه النصرانية فامتنع وذكر الحديث نحو حديث بن عمر الاتي في ترجمته وفيه قال سعيد بن زيد فسألت انا وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال غفر الله له ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة قال بلغنا ان زيدا كان بالشام فبلغه مخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل يريده فقتل بمضيعة من ارض البلقاء وقال بن إسحاق لما توسط بلاد لخم قتلوه وقيل انه مات قبل المبعث بخمس سنين عند بناء قريش الكعبة

[ 3614 ] قوله بأسفل بلدح هو مكان في طريق التنعيم بفتح الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة واخره مهملة ويقال هو واد قوله فقدمت بضم القاف قوله الى النبي صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر وفي رواية الجرجاني فقدم اليه النبي صلى الله عليه وسلم سفرة قال عياض الصواب الأول قلت رواية الإسماعيلي توافق رواية الجرجاني وكذا أخرجه الزبير بن بكار والفاكهي وغيرهما وقال بن بطال كانت السفرة لقريش قدموها للنبي صلى الله عليه وسلم فأبى ان يأكل منها فقدمها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن عمرو فأبى ان يأكل منها وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها اولا انا لا ناكل ما ذبح على انصابكم انتهى وما قاله محتمل لكن لا أدري من أين له الجزم بذلك فاني لم اقف عليه في رواية أحد وقد تبعه بن المنير في ذلك وفيه ما فيه قوله على انصابكم بالمهملة جمع نصب بضمتين وهي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للاصنام قال الخطابي كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل مما يذبحون عليها للاصنام وياكل ما عدا ذلك وان كانوا لايذكرون اسم الله عليه لان الشرع لم يكن نزل بعد بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه الا بعد المبعث بمدة طويلة قلت وهذا الجواب أولى مما ارتكبه بن بطال وعلى تقدير ان يكون زيد بن حارثة ذبح على الحجر المذكورة فانما يحمل على انه انما ذبح عليه لغير الأصنام واما قوله تعالى وما ذبح على النصب فالمراد به ما ذبح عليها للاصنام ثم قال الخطابي وقيل لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك شيء قلت وفيه نظر لأنه كان قبل المبعث فهو من تحصيل الحاصل وقد وقع في حديث سعيد بن زيد الذي قدمته وهو عند أحمد وكان بن زيد يقول عذت بما عاذ به إبراهيم ثم يخر ساجدا للكعبة قال فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه فقال يا بن أخي لااكل مما ذبح على النصب قال فما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من مكة وهو مردفي فذبحنا شاة على بعض الانصاب فانضجناها فلقينا زيد بن عمرو فذكر الحديث مطولا وفيه فقال زيد اني لا أكل مما لم يذكر اسم الله عليه قال الداودي كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث يجانب المشركين في عاداتهم لكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر الذبح وكان زيد قد علم ذلك من أهل الكتاب الذين لقيهم وقال السهيلي فان قيل فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أولى من زيد بهذه الفضيلة فالجواب انه ليس في الحديث انه صلى الله عليه وسلم أكل منها وعلى تقدير ان يكون أكل فزيد انما كان يفعل ذلك برأي يراه لا بشرع بلغه وانما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه وانما نزل تحريم ذلك في الإسلام والأصح ان الأشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة مع ان الذبائح لها أصل في تحليل الشرع واستمر ذلك الى نزول القران ولم ينقل ان أحدا بعد المبعث كف عن الذبائح حتى نزلت الآية قلت وقوله ان زيدا فعل ذلك برأيه أولى من قول الداودي انه تلقاه عن أهل الكتاب فان حديث الباب بين فيما قال السهيلي وان ذلك قاله زيد باجتهاده لا بنقل عن غيره ولا سيما وزيد يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع أحدا من أهل الكتابين وقد قال القاضي عياض في الملة المشهورة في عصمة الأنبياء قبل النبوة انها كالممتنع لان النواهي انما تكون بعد تقرير الشرع والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبدا قبل ان يوحى اليه بشرع من قبله على الصحيح فعلى هذا فالنواهي إذا لم تكن موجودة فهي معتبرة في حقه والله اعلم فان فرعنا على القول الاخر فالجواب عن قوله ذبحنا شاة على بعض الانصاب يعني الحجارة التي ليست باصنام ولا معبودة وانما هي من الات الجزار التي يذبح عليها لان النصب في الأصل حجر كبير فمنها مايكون عندهم من جملة الأصنام فيذبحون له وعلى اسمه ومنها ما لا يعبد بل يكون من الات الذبح فيذبح الذابح عليه لا للصنم أو كان امتناع زيد منها حسما للمادة قوله فان زيد بن عمرو هو موصول بالإسناد المذكور

[ 3615 ] قوله قال موسى هو بن عقبة والخبر موصول بالإسناد المذكور اليه وقد شك فيه الإسماعيلي فقال ما أدري هذه القصة الثانية من رواية الفضيل بن موسى أم لا ثم ساقها مطولة من طريق عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة وكذا أوردها الزبير بن بكار والفاكهي بالإسنادين معا قوله لا أعلمه الا يحدث به عن بن عمر قد ساق البخاري الحديث الأول في الذبائح من طريق عبد العزيز بن المختار عن موسى بغير شك وساق الإسماعيلي هذا الثاني من رواية عبد العزيز المذكور بالشك أيضا فكان الشك فيه من موسى بن عقبة قوله يسأل عن الدين أي دين التوحيد قوله ويتبعه بتشديد المثناة بعدها موحدة وللكشميهني بسكون الموحدة بعدها مثناة مفتوحة ثم غين معجمة أي يطلبه قوله فلقي عالما من اليهود لم اقف على اسمه وفي حديث زيد بن حارثة المذكور ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن عمرو مالي أرى قومك قد شنفوا عليك أي ابغضوك وهو بفتح الشين المعجمة وكسر النون بعدها فاء قال خرجت ابتغي الدين فقدمت على الأحبار فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به قوله فلقي عالما من النصارى لم اقف على اسمه أيضا ووقع في حديث زيد بن حارثة قال لي شيخ من احبار الشام انك لتسألني عن دين ما اعلم أحدا يعبد الله به الا شيخا بالجزيرة قال فقدمت عليه فقال ان الذي تطلب قد ظهر ببلادك وجميع من رأيتهم في ضلال وفي رواية الطبراني من هذا الوجه وقد خرج في ارضك نبي أو هو خارج فارجع وصدقه وامن به قال زيد فلم احس بشيء بعد قلت وهذا مع ما تقدم يدل على ان زيدا رجع الى الشام فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فسمع به فرجع ومات والله اعلم قوله وانا أستطيع أي والحال ان لي قدرة على عدم حمل ذلك كذا للأكثر بتخفيف النون ضمير القائل وفي رواية بتشديد النون بمعنى الاستبعاد والمراد بغضب الله إرادة إيصال العقاب كما ان المراد بلعنة الله الابعاد عن رحمته قوله فلما برز أي خارج ارضهم قوله اللهم اني اشهدك اني على دين إبراهيم بكسر الهمزة الأولى وفتح الثانية وفي حديث سعيد بن زيد فانطلق زيد وهو يقول لبيك حقا حقا تعبدا ورقا ثم يخر فيسجد لله

[ 3616 ] قوله وقال الليث كتب الى هشام أي بن عروة وهذا التعليق رويناه موصولا في حديث زغبة من رواية أبي بكر بن أبي داود عن عيسى بن حماد وهو المعروف بزغبة عن الليث واخرج بن إسحاق عن هشام بن عروة هذا الحديث بتمامه وأخرجه الفاكهي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد والنسائي وأبو نعيم في المستخرج من طريق أبي أسامة كلهم عن هشام بن عروة قوله ما منكم على دين إبراهيم غيري زاد أبو أسامة في روايته وكان يقول الهي اله إبراهيم وديني دين إبراهيم وفي رواية بن أبي الزناد وكان قد ترك عبادة الأوثان وترك أكل ما يذبح على النصب وفي رواية بن إسحاق وكان يقول اللهم لو اعلم احب الوجوه إليك لعبدتك به ولكني لا أعلمه ثم يسجد على الأرض براحته قوله وكان يحيي الموءودة هو مجاز والمراد بإحيائها إبقاؤها وقد فسره في الحديث ووقع في رواية بن أبي الزناد وكان يفتدي الموءودة ان تقتل والموءودة مفعولة من وأد الشيء إذا اثقل وأطلق عليها اسم الوأد اعتبارا بما أريد بها وان لم يقع وكان أهل الجاهلية يدفنون البنات وهن بالحياة ويقال كان أصلها من الغيرة عليهن لما وقع لبعض العرب حيث سبي بنت اخر فاستفرشها فأراد أبوها ان يفتديها منه فخيرها فاختارت الذي سباها فحلف أبوها ليقتلن كل بنت تولد له فتبع على ذلك وقد شرحت ذلك مطولا في كتابي في الأوائل وأكثر من كان يفعل ذلك منهم من الاملاق كما قال الله تعالى

[ 3679 ] ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم وقصة زيد هذه تدل على هذا المعنى الثاني فيحتمل ان يكون كل واحد من الامرين كان سببا قوله اكفيك مؤنتها كذا لأبي ذر ولغيره اكفيكها مؤنتها زاد أبو أسامة في روايته وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال يبعث يوم القيامة امة وحده بيني وبين عيسى بن مريم وروى البغوي في الصحابة من حديث جابر نحو هذه الزيادة وساق له بن إسحاق أشعارا قالها في مجانبة الأوثان لانطيل بذكرها

قوله باب بنيان الكعبة أي على يد قريش في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته وقد تقدم ما يتعلق ببناء إبراهيم عليه السلام قبل بناء قريش وما يتعلق ببناء عبد الله بن الزبير قبل الإسلام وروى الفاكهي من طريق بن جريج عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال كانت الكعبة فوق القامة فارادت قريش رفعها وتسقيفها وسيأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن الزهري ان امرأة جمرت الكعبة فطارت شرارة في ثياب الكعبة فأحرقتها فذكر قصة بناء قريش لها وسيأتي في الحديث الثالث من الباب الذي يليه تتمة هذه القصة وذكر بن إسحاق وغيره ان قريشا لما بنت الكعبة كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وروى إسحاق بن راهويه من طريق خالد بن عرعرة عن علي في قصة بناء إبراهيم البيت قال فمر عليه الدهر فانهدم فبنته العمالقة فمر عليه الدهر فانهدم فبنته جرهم فمر عليه الدهر فانهدم فبنته قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ شاب فلما أرادوا ان يضعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فقالوا نحكم بيننا أول من يخرج من هذه السكة فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من خرج منها فحكم بينهم ان يجعلوه في ثوب ثم يرفعه من كل قبيلة رجل وذكر أبو داود الطيالسي في هذا الحديث انهم قالوا نحكم أول من يدخل من باب بني شيبة فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من دخل منه فأخبروه فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وامر كل فخذ ان ياخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه ثم اخذه فوضعه بيده وروى الفاكهي ان الذي أشار عليهم ان يحكموا أول داخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي أخو الوليد وقد تقدم في أوائل الحج من حديث أبي الطفيل قصة بناء قريش الكعبة مطولا فاغنى عن اعادته هنا وعند موسى بن عقبة ان الذي أشار عليهم بذلك هو الوليد بن المغيرة المخزومي وانه قال لهم لاتجعلوا فيها مالا اخذ غصبا ولا قطعت فيه رحم ولا انتهكت فيه ذمة وعند بن إسحاق ان الذي أشار عليهم ان لا يبنوها الا من مال طيب هو أبو وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم

[ 3617 ] قوله في حديث جابر لما بنيت الكعبة هو من مراسيل الصحابة ولعل جابرا سمعه من العباس بن عبد المطلب وتقدم بيان ذلك واضحا في كتاب الحج وقوله يقك من الحجارة فخر الى الأرض فيه حذف تقديره ففعل ذلك فخر وفي حديث أبي الطفيل المذكور انفا فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة معهم إذ انكشفت عورته فنودي يا محمد غط عورتك فذلك في أول مانودي فما رؤيت له عورة قبل ولا بعد وقوله طمحت عيناه الى السماء أي ارتفعت وذكر بن إسحاق في المبعث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي يحدث عما كان الله يحفظه في صغره انه قال لقد رايتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض مما تلعب به الغلمان كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة إذ لكمني لاكم ما أراه ثم قال شد عليك ازارك قال فشددته علي ثم جعلت احمل وازاري علي من بين أصحابي قال السهيلي انما وردت هذه القصة في بنيان الكعبة فان صح ان ذلك كان في صغره فهي قصة أخرى مرة في الصغر ومرة في حال الاكتهال قلت وقد يطلق على الكبير غلام إذا فعل فعل الغلمان فلا يستحيل اتحاد القصة اعتمادا على التصريح بالأولية في حديث أبي الطفيل

[ 3618 ] قوله قالا لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حول البيت حائط هذا مرسل وقيل منقطع لان عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي يزيد من اصاغر التابعين واما قوله حتى كان عمر فمنقطع فإنهما لم يدركا عمر أيضا واما قوله قال عبيد الله جدره قصير هو بفتح الجيم والجدر والجدار بمعنى وقوله فبناه بن الزبير هذا القدر هو الموصول من هذا الحديث وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد بتمامه وقال فيه وكان أول من جعل الحائط على البيت عمر قال عبيد الله وكان جدره قصيرا حتى كان زمن بن الزبير فزاد فيه وذكر الفاكهي ان المسجد كان محاطا بالدور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فضاق على الناس فوسعه عمر واشترى دورا فهدمها وأعطى من أبي ان يبيع ثمن داره ثم احاط عليه بجدار قصير دون القامة ورفع المصابيح على الجدر قال ثم كان عثمان فزاد في سعته من جهات اخر ثم وسعه عبد الله بن الزبير ثم أبو جعفر المنصور ثم ولده المهدي قال ويقال ان بن الزبير سقفه أو سقف بعضه ثم رفع عبد الملك بن مروان جدرانه وسقفه بالساج وقيل بل الذي صنع ذلك ولده الوليد وهو اثبت وكان ذلك سنة ثمان وثمانين

قوله باب أيام الجاهلية أي مما كان بين المولد النبوي والمبعث هذا هو المراد به هنا ويطلق غالبا على ما قبل البعثة ومنه يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية وقوله ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ومنه أكثر أحاديث الباب واما جزم النووي في عدة مواضع من شرح مسلم ان هذا هو المراد حيث اتى ففيه نظر فإن هذا اللفظ وهو الجاهلية يطلق على مامضى والمراد ما قبل إسلامه وضابط اخره غالبا فتح مكة ومنه قول مسلم في مقدمة صحيحه ان أبا عثمان وأبا رافع ادركا الجاهلية وقول أبي رجاء العطاردي رأيت في الجاهلية قردة زنت وقول بن عباس سمعت أبي يقول في الجاهلية اسقنا كاسا دهاقا وابن عباس انما ولد بعد البعثة واما قول عمر نذرت في الجاهلية فمحتمل وقد نبه على ذلك شيخنا العراقي في الكلام على المخضرمين من علوم الحديث وذكر فيه أحاديث الأول حديث عائشة

[ 3619 ] قوله كان عاشوراء تقدم شرحه في كتاب الصيام وذكرت هناك احتمالا انهم أخذوا ذلك عن أهل الكتاب ثم وجدت في بعض الاخبار انهم كانوا اصابهم قحط ثم رفع عنهم فصاموه شكرا الثاني حديث بن عباس

[ 3620 ] قوله كانوا يرون أي يعتقدون ان اشهر الحج لا ينسك فيها الا بالحج وان غيرها من الأشهر للعمرة وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الحج الثالث

[ 3621 ] قوله كان عمرو هو بن دينار وفي رواية الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار قوله عن جده هو حزن بفتح المهملة وسكون الزاي وهو بن أبي وهب الذي قدمنا انه أشار على قريش بان تكون النفقة في بناء الكعبة من مال طيب قوله جاء سيل في الجاهلية فطبق ما بين الجبلين أي ملأ ما بين الجبلين اللذين في جانبي الكعبة قوله قال سفيان ويقول ان هذا الحديث له شأن أي قصة وذكر موسى بن عقبة ان السيل كان يأتي من فوق الردم الذي بأعلى مكة فيجريه فتخوفوا ان يدخل الماء الكعبة فأرادوا تشييد بنيانها وكان أول من طلعها وهدم منها شيئا الوليد بن المغيرة وذكر القصة في بنيان الكعبة قبل المبعث النبوي واخرج الشافعي في الأم بسند له عن عبد الله بن الزبير ان كعبا قال له وهو يعمل بناء مكة اشدده واوثقه فانا نجد في الكتب ان السيول ستعظم في اخر الزمان اه فكان الشأن المشار اليه انهم استشعروا من ذلك السيل الذي لم يعهدوا مثله انه مبدأ السيول المشار إليها الحديث الرابع

[ 3622 ] قوله دخل أي أبو بكر الصديق قوله على امرأة من احمس بمهملتين وزن أحمد وهي قبيلة من بجيلة وأغرب بن التين فقال المراد امرأة من الحمس وهي من قريش قوله يقال لها زينب بنت المهاجر روى حديثها محمد بن سعد في الطبقات من طريق عبد الله بن جابر الأحمسي عن عمته زينب بنت المهاجر قالت خرجت حاجة فذكر الحديث وذكر أبو موسى المديني في ذيل الصحابة ان بن مندة ذكر في تاريخ النساء له ان زينب بنت جابر أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وروت عن أبي بكر وروى عنها عبد الله بن جابر وهي عمته قال وقيل هي بنت المهاجر بن جابر وذكر الدارقطني في العلل ان في رواية شريك وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد في حديث الباب انها زينب بنت عوف قال وذكر بن عيينة عن إسماعيل انها جدة إبراهيم بن المهاجر والجمع بين هذه الأقوال ممكن بان من قال بنت المهاجر نسبها الى أبيها أو بنت جابر نسبها الى جدها الادنى أو بنت عوف نسبها الى جد لها أعلى والله اعلم قوله مصمتة بضم الميم وسكون المهملة أي ساكتة يقال اصمت وصمت بمعنى قوله فان هذا لا يحل يعني ترك الكلام ووقع عند الإسماعيلي من وجه اخر عن أبي بكر الصديق ان المرأة قالت له كان بيننا وبين قومك في الجاهلية شر فحلفت ان الله عافانا من ذلك ان لا اكلم أحدا حتى احج فقال ان الإسلام يهدم ذلك فتكلمي وللفاكهي من طريق زيد بن وهب عن أبي بكر نحوه وقد استدل بقول أبي بكر هذا من قال بان من حلف ان لايتكلم استحب له ان يتكلم ولا كفارة عليه لان أبا بكر لم يأمرها بالكفارة وقياسه ان من نذر ان لايتكلم لم ينعقد نذره لان أبا بكر اطلق ان ذلك لا يحل وانه من فعل الجاهلية وان الإسلام هدم ذلك ولا يقول أبو بكر مثل هذا الا عن توقيف فيكون في حكم المرفوع ويؤيد ذلك حديث بن عباس في قصة أبي إسرائيل الذي نذر ان يمشي ولا يركب ولا يستظل ولا يتكلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يركب ويستظل ويتكلم وحديث علي رفعه لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم الى الليل أخرجه أبو داود قال الخطابي في شرحه كان من نسك أهل الجاهلية الصمت فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة ويصمت فنهوا عن ذلك وامروا بالنطق بالخير وقد تقدمت الإشارة الى حديث بن عباس في كتاب الحج ويأتي الكلام عليه في كتاب الإيمان والنذور ان شاء الله تعالى وقال بن قدامة في المغني ليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام وظاهر الاخبار تحريمه واحتج بحديث أبي بكر وبحديث علي المذكور قال فان نذر ذلك لم يلزمه الوفاء به وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا اه وكلام الشافعية يقتضي ان مسألة النذر ليست منقولة فإن الرافعي ذكر في كتاب النذر ان في تفسير أبي نصر القشيري عن القفال قال من نذر ان لا يكلم الادميين يحتمل ان يقال يلزمه لأنه مما يتقرب به ويحتمل ان يقال لا لما فيه من التضييق والتشديد وليس ذلك من شرعنا كمل لو نذر الوقوف في الشمس قال أبو نصر فعلى هذا يكون نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا ذكره في تفسير سورة مريم عند قولها اني نذرت للرحمن صوما وفي التتمة لأبي سعيد المتولي من قال شرع من قبلنا شرع لنا جعل ذلك قربة وقال بن الرفعة في قول الشيخ أبي إسحاق في التنبيه ويكره له صمت يوم الى الليل قال في شرحه إذ لم يؤثر ذلك بل جاء في حديث بن عباس النهي عنه ثم قال نعم قد ورد في شرع من قبلنا فان قلنا انه شرع لنا لم يكره الا انه لايستحب قاله بن يونس قال وفيه نظر لأن الماوردي قال روي عن بن عمر مرفوعا صمت الصائم تسبيح قال فان صح دل على مشروعية الصمت والا فحديث بن عباس أقل درجاته الكراهة قال وحيث قلنا ان شرع من قبلنا شرع لنا فذاك إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه انتهى وهو كما قال وقد ورد النهي والحديث المذكور لا يثبت وقد أورده صاحب مسند الفردوس من حديث بن عمر وفي إسناده الربيع بن بدر وهو ساقط ولو ثبت لما افاد المقصود لأن لفظه صمت الصائم تسبيح ونومه عبادة ودعاؤه مستجاب فالحديث مساق في ان افعال الصائم كلها محبوبة لا ان الصمت بخصوصه مطلوب وقد قال الروياني في البحر في اخر الصيام فرع جرت عادة الناس بترك الكلام في رمضان وليس له أصل في شرعنا بل في شرع من قبلنا فيخرج جواز ذلك على الخلاف في المسألة انتهى وليتعجب ممن نسب تخريج مسألة النذر الى نفسه من المتأخرين واما الأحاديث الواردة في الصمت وفضله كحديث من صمت نجا أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث أيسر العبادة الصمت أخرجه بن أبي الدنيا بسند مرسل رجاله ثقات الى غير ذلك فلا يعارض ما جزم به الشيخ أبو إسحاق من الكراهة لاختلاف المقاصد في ذلك فالصمت المرغب فيه ترك الكلام الباطل وكذا المباح ان جر الى شيء من ذلك والصمت المنهي عنه ترك الكلام في الحق لمن يستطيعه وكذا المباح المستوي الطرفين والله اعلم قوله انك بكسر الكاف قوله لسئول أي كثيرة السؤال وهذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث قوله ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح أي دين الإسلام وما اشتمل عليه من العدل واجتماع الكلمة ونصر المظلوم ووضع كل شيء في محله قوله ما استقامت بكم في رواية الكشميهني لكم قوله ائمتكم أي لأن الناس على دين ملوكهم فمن حاد من الأئمة عن الحال مال وامال الحديث الخامس حديث عائشة في قصة المرأة السوداء لم اقف على اسمها وذكر عمر بن شبة في طريق له انها كانت بمكة وانه لما وقع لها ذلك هاجرت الى المدينة

[ 3623 ] قوله وكان لها حفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة هو البيت الضيق الصغير وقال أبو عبيدة الحفش هو الدرج في الأصل ثم سمي به البيت الصغير لشبهه به في الضيق قوله وازت أي قابلت وقد تقدم شرح هذه القصة في أبواب المساجد من كتاب الصلاة ووجه دخولها هنا من جهة ما كان عليه أهل الجاهلية من الجفاء في الفعل والقول السادس حديث بن عمر في النهي عن الحلف بالآباء وسيأتي شرحه في كتاب الإيمان والنذور السابع

[ 3625 ] قوله ان القاسم هو بن محمد بن أبي بكر الصديق قوله ولا يقوم لها أي الجنازة قوله كان أهل الجاهلية يقومون لها ظاهره ان عائشة لم يبلغها أمر الشارع بالقيام لها فرأت ان ذلك من الأمور التي كانت في الجاهلية وقد جاء الإسلام بمخالفتهم وقد قدمت في الجنائز بيان الاختلاف في المسألة وهل نسخ هذا الحكم أم لا وعلى القول بأنه نسخ هل نسخ الوجوب وبقي الاستحباب أم لا أو مطلق الجواز واختار بعض الشافعية الأخير وأكثر الشافعية على الكراهة وادعى المحاملي فيه على الاتفاق وخالف المتولي فقال يستحب واختاره النووي وقال هذا من جملة الاحكام التي استدركتها عائشة على الصحابة لكن كان جانبهم فيها أرجح قوله كنت في أهلك ما أنت مرتين أي يقولون ذلك مرتين وما موصولة وبعض الصلة محذوف والتقدير كنت في أهلك الذي كنت فيه أي الذي أنت فيه الان كنت في الحياة مثله لأنهم كانوا لايؤمنون بالبعث بل كانوا يعتقدون ان الروح إذا خرجت تطير طيرا فان كان ذلك من أهل الخير كان روحه من صالحي الطير والا فبالعكس ويحتمل ان يكون قولهم هذا دعاء للميت ويحتمل ان تكون ما نافية ولفظ مرتين من تمام الكلام أي لا تكوني في أهلك مرتين المرة الواحدة التي كنت فيهم انقضت ولست بعائدة إليهم مرة أخرى ويحتمل ان تكون ما استفهامية أي كنت في أهلك شريفة فأي شيء أنت الان يقولون ذلك حزنا وتأسفا عليه الثامن حديث عمر في قولهم اشرق ثبير وقد تقدم شرحه في كتاب الحج مستوفى وقوله حتى تشرق الشمس قال بن التين ضبط بفتح أوله وضم الراء والمعروف بضم أوله وكسرها التاسع

[ 3627 ] قوله حدثكم يحيى بن المهلب هو البجلي يكنى أبا كدينة بالتصغير والنون وهو كوفي موثق ماله في البخاري سوى هذا الموضع قوله ملأى متتابعة كذا جمع بينهما وهما قولان لأهل اللغة تقول ادهقت الكأس إذا ملأتها وادهقت له إذا تابعت له السقي وقيل أصل الدهق الضغط والمعنى انه ملأ اليد بالكأس حتى لم يبق فيها متسع لغيرها قوله قال وقال بن عباس القائل هو عكرمة وهو موصول بالإسناد المذكور قوله سمعت أبي هو العباس بن عبد المطلب قوله في الجاهلية أي وقع سماعي لذلك منه في الجاهلية والمراد بها جاهلية نسبية لا المطلقة لان بن عباس لم يدرك ما قبل البعثة بل لم يولد الا بعد البعث بنحو عشر سنين فكأنه أراد انه سمع العباس يقول ذلك قبل ان يسلم قوله اسقنا كأسا دهاقا في رواية الإسماعيلي من وجه اخر عن حصين عن عكرمة عن بن عباس سمعت أبي يقول لغلامه ادهق لنا اى املأ لنا أو تابع لنا انتهى وهو بمعنى ما ساقه البخاري الحديث العاشر

[ 3628 ] قوله سفيان هو الثوري قوله عن عبد الملك هو بن عمير ولأحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري حدثنا عبد الملك بن عمير ولمسلم من هذا الوجه عن عبد الملك حدثنا أبو سلمة وله من طريق إسرائيل عن عبد الملك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن سمعت أبا هريرة قوله اصدق كلمة قالها الشاعر يحتمل ان يريد بالكلمة البيت الذي ذكر شطره ويحتمل ان يريد القصيدة كلها ويؤيد الأول رواية مسلم من طريق شعبة وزائدة فرقهما عن عبد الملك بلفظ ان اصدق بيت قاله الشاعر وليس في رواية شعبة ان ووقع عنده في رواية شريك عن عبد الملك بلفظ اشعر كلمة تكلمت بها العرب فلولا ان في حفظ شريك مقالا لرفع هذا اللفظ الاشكال الذي ابداه السهيلي على لفظ رواية الصحيح بلفظ اصدق إذ لا يلزم من لفظ اشعر ان يكون اصدق نعم السؤال باق في التعبير بوصف كل شيء بالبطلان مع اندراج الطاعات والعبادات في ذلك وهي حق لا محالة وكذا قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه بالليل أنت الحق وقولك الحق والجنة حق والنار حق الخ وأجيب عن ذلك بان المراد بقول الشاعر ما عدا الله أي ماعداه وعدا صفاته الذاتية والفعلية من رحمته وعذابه وغير ذلك فلذلك ذكر الجنة والنار أو المراد في البيت بالبطلان الفناء لا الفساد فكل شيء سوى الله جائز عليه الفناء لذاته حتى الجنة والنار وانما يبقيان بابقاء الله لهما وخلق الدوام لاهلهما والحق على الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال ولعل هذا هو السر في اثبات الألف واللام في قوله أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق وحذفهما عند ذكر غيرهما والله اعلم وفي إيراد البخاري هذا الحديث في هذا الباب تلميح بما وقع لعثمان بن مظعون بسبب هذا البيت مع ناظمه لبيد بن ربيعة قبل إسلامه والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة وقريش في غاية الأذية للمسلمين فذكر بن إسحاق عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عمن حدثه عن عثمان بن مظعون انه لما رجع من الهجرة الأولى الى الحبشة دخل مكة في جوار الوليد بن المغيرة فلما رأى المشركين يؤذون المسلمين وهو امن رد على الوليد جواره فبينما هو في مجلس لقريش وقد وفد عليهم لبيد بن ربيعة فقعد ينشدهم من شعره فقال لبيد الا كل شيء ما خلا الله باطل فقال عثمان بن مظعون صدقت فقال لبيد وكل نعيم لامحالة زائل فقال عثمان كذبت نعيم الجنة لايزول فقال لبيد متى كان يؤذى جليسكم يا معشر قريش فقام رجل منهم فلطم عثمان فاخضرت عينه فلامه الوليد على رد جواره فقال قد كنت في ذمة منيعة فقال عثمان ان عيني الأخرى لما أصاب أختها لفقيرة فقال له الوليد فعد الى جوارك فقال بل ارضى بجوار الله تعالى قلت وقد اسلم لبيد بعد ذلك وهو بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر العامري ثم الكلابي ثم الجعفري يكنى أبا عقيل وذكره في الصحابة البخاري وابن أبي خيثمة وغيرهما وقال لعمر لما سأله عما قاله من الشعر في الإسلام قد ابدلني الله بالشعر سورة البقرة ثم سكن الكوفة ومات بها في خلافة عثمان وعاش مائة وخمسين سنة وقيل أكثر وهو القائل ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد وهذا يعكر على من قال انه لم يقل شعرا منذ اسلم الا ان يريد القطع المطولة لا البيت والبيتين والله اعلم قوله وكاد أمية بن أبي الصلت ان يسلم اسم أبي الصلت ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة بكسر المعجمة وفتح التحتانية بن عوف بن ثقيف الثقفي وقيل في نسبه غير ذلك أبو عثمان كان ممن طلب الدين ونظر في الكتب ويقال انه ممن دخل في النصرانية وأكثر في شعره من ذكر التوحيد والبعث يوم القيامة وزعم الكلاباذي انه كان يهوديا وروى الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن أبيه انه سافر مع أمية فذكر قصته وانه سأله عن عتبة بن ربيعة وعن سنه ورياسته فأعلمه انه متصف بذلك فقال ازري به ذلك فغضب أبو سفيان فأخبره أمية انه نظر في الكتب ان نبيا يبعث من العرب اظل زمانه قال فرجوت ان اكونه قال ثم نظرت فإذا هو من بني عبد مناف فنظرت فيهم فلم ار مثل عتبة فلما قلت لي انه رئيس وانه جاوز الأربعين عرفت انه ليس هو قال أبو سفيان فما مضت الأيام حتى ظهر محمد صلى الله عليه وسلم فقلت لأمية قال نعم انه لهو قلت أفلا نتبعه قال استحي من نسيات ثقيف اني كنت أقول لهن انني انا هو ثم اصير تابعا لغلام من بني عبد مناف وذكر أبو الفرج الأصبهاني انه قال عند موته انا اعلم ان الحنيفية حق ولكن الشك بداخلي في محمد وروى الفاكهي وابن منده من حديث بن عباس ان الفارعة بنت أبي الصلت أخت أمية اتت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته من شعره فقال امن شعره وكفر قلبه وروى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل معك من شعر أمية قلت نعم فانشدته مائة بيت فقال لقد كاد ان يسلم في شعره وروى بن مردوية بإسناد قوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال في قوله تعالى واتل عليهم نبا الذي اتيناه فانسلخ منها قال نزلت في أمية بن أبي الصلت وروى من أوجه انها نزلت في بلعام الاسرائيلي وهو المشهور وعاش أمية حتى أدرك وقعة بدر ورثى من قتل بها من الكفار كما سيأتي شيء من ذلك في أبواب الهجرة ومات أمية بعد بذلك سنة تسع وقيل مات سنة اثنتين ذكره سبط بن الجوزي واعتمد في ذلك ما نقله عن بن هشام ان أمية قدم من الشام على ان يأخذ ماله من الطائف ويهاجر الى المدينة فنزل في طريقه ببدر قيل له أتدري من في القليب قال لا قيل فيه عتبة وشيبة وهما ابنا خالك وفلان وفلان فشق ثيابه وجدع ناقته وبكى ورجع الى الطائف فمات بها قلت ولا يلزم من قوله فمات بها ان يكون مات في تلك السنة وأغرب الكلاباذي فقال انه مات في حصار الطائف فان كان محفوظا فذلك سنة ثمان ولموته قصة طويلة أخرجها البخاري في تاريخه والطبراني وغيرهما الحديث الحادي عشر

[ 3629 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه أبو بكر عبد الحميد ويحيى بن سعيد هو الأنصاري والإسناد كله مدنيون وفيه رواية القرين عن القرين ورواية الأكبر سنا عن الأصغر منه يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم وقد أخرجه البهيقي في الشعب من طريق جعفر الفريابي عن أحمد بن محمد المقدمي عن إسماعيل بن أبي أويس بهذا السند لكن قال فيه عن عبيد بن عمر بدل عبد الرحمن بن القاسم فلعل ليحيى بن سعيد فيه شيخين قوله كان لأبي بكر غلام لم اقف على اسمه ووقع لأبي بكر مع النعيمان بن عمرو أحد الأحرار من الصحابة قصة ذكرها عبد الرزاق بإسناد صحيح انهم نزلوا بماء فجعل النعيمان يقول لهم يكون كذا فيأتونه بالطعام فيرسله الى اصحابه فبلغ أبا بكر فقال اراني أكل كهانة النعيمان منذ اليوم ثم ادخل يده في حلقه فاستقاءه وفي الورع لأحمد عن إسماعيل عن أيوب عن بن سيرين لم اعلم أحدا استقاء من طعام غير أبي بكر فإنه اتي بطعام فأكل ثم قيل له جاء به بن النعيمان قال فأطعمتموني كهانة بن النعيمان ثم استقاء ورجاله ثقات لكنه مرسل ولأبي بكر قصة أخرى في نحو هذا أخرجها يعقوب بن أبي شيبة في مسنده من طريق نبيح العنزي عن أبي سعيد قال كنا ننزل رفاقا فنزلت في رفقة فيها أبو بكر على أهل أبيات فيهن امرأة حبلى ومعنا رجل فقال لها أبشرك ان تلدي ذكرا قالت نعم فسجع لها اسجاعا فأعطته شاة فذبحها وجلسنا نأكل فلما علم أبو بكر بالقصة قام فتقايأ كل شيء اكله قوله يخرج له الخراج أي يأتيه بما يكسبه والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه قوله يأكل من خراجه في رواية الإسماعيلي من وجه اخر من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم كان لأبي بكر غلام فكان يجيء بكسبه فلا يأكل منه حتى يسأله فأتاه ليلة بكسبه فأكل منه ولم يسأله ثم سأله قوله كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية لم اعرف اسمه ويحتمل ان يكون المرأة المذكورة في حديث أبي سعيد قوله فأعطاني بذلك أي عوض تكهني له قال بن التين انما استقاء أبو بكر تنزها لأن أمر الجاهلية وضع ولو كان في الإسلام لغرم مثل ما أكل أو قيمته ولم يكفه القيء كذا قال والذي يظهر ان أبا بكر انما قاء لما ثبت عنده من النهي عن حلوان الكاهن وحلوان الكاهن ما يأخذه على كهانته والكاهن من يخبر بما سيكون عن غير دليل شرعي وكان ذلك قد كثر في الجاهلية خصوصا قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الثاني عشر حديث بن عمر في حبل الحبلة وقد تقدم شرحه مستوفى في البيوع والغرض منه

[ 3630 ] قوله انهم كانوا يتبايعونه في الجاهلية الحديث الثالث عشر حديث أنس الذي تقدم في أول مناقب الأنصار وادخله هنا لقوله فعل قومك كذا يوم كذا لأنه يحتمل ان يشير به الى وقائعهم في الجاهلية كما يحتمل ان يشير به الى وقائعهم في الإسلام أو لما هو أعم من ذلك وخاطب أنس غيلان بأن الأنصار قومه وليس هو من الأنصار لكن ذلك باعتبار النسبية الأعمية الى الأزد فإنها تجمعهم والله اعلم

[ 3632 ] الحديث الرابع عشر حديث القسامة في الجاهلية بطوله وثبت عند أكثر الرواة عن الفريري هنا ترجمة القسامة في الجاهلية ولم يقع عند النسفي وهو أوجه لأن الجميع من ترجمة أيام الجاهلية ويظهر ذلك من الأحاديث التي أوردها تلو هذا الحديث قوله حدثنا قطن بفتح القاف والمهملة ثم نون هو بن كعب القطعي بضم القاف البصري ثقة عندهم وشيخه أبو يزيد المدني بصري أيضا ويقال له المديني بزيادة تحتانية ولعل أصله كان من المدينة ولكن لم يرو عنه أحد من أهل المدينة وسئل عنه مالك فلم يعرفه ولا يعرف اسمه وقد وثقه بن معين وغيره ولا له ولا للراوي عنه في البخاري الا هذا الموضع قوله ان أول قسامة بفتح القاف وتخفيف المهملة اليمين وهي في عرف الشرع حلف معين عند التهمة بالقتل على الاثبات أو النفي وقيل هي مأخوذة من قسمة الأيمان على الحالفين وسيأتي بيان الاختلاف في حكمها في كتاب الديات ان شاء الله تعالى وقوله لفينا بني هاشم اللام للتأكيد وبني هاشم مجرور على البدل من الضمير المجرور ويحتمل ان يكون نصبا على التمييز أو على النداء بحذف الأداة قوله كان رجل من بني هاشم هو عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف جزم بذلك الزبير بن بكار قي هذه القصة فكأنه نسب هذه الرواية الى بني هاشم مجازا لما كان بين بني هاشم وبني المطلب من المودة والمؤاخاة والمناصرة وسماه بن الكلبي عامرا قوله استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى كذا في رواية الأصيلي وأبي ذر وكذا أخرجه الفاكهي من وجه اخر عن أبي معمر شيخ البخاري فيه وفي رواية كريمة وغيرها استأجر رجلا من قريش وهو مقلوب والأول هو الصواب والفخذ بكسر المعجمة وقد تسكن وجزم الزبير بن بكار بأن المستأجر المذكور هو خداش بمعجمتين ودال مهملة بن عبد الله بن أبي قيس العامري قوله فمر به أي بالأجير رجل من بني هاشم لم اقف على اسمه وقوله عروة جوالقه بضم الجيم وفتح اللام الوعاء من جلود وثياب وغيرها فارسي معرب واصله كواله وجمعه جواليق وحكي جوالق بحذف التحتانية والعقال الحبل قوله فأين عقاله قال فحذفه كذا في النسخ وفيه حذف يدل على سياق الكلام وقد بينته رواية الفاكهي فقال مر بي رجل من بني هاشم قد انقطع عروة جوالقه واستغاث بي فأعطيته فحذفه أي رماه قوله كان فيها أجله أي أصاب مقتله وقوله فمات أي اشرف على الموت بدليل قوله فمر به رجل من أهل اليمن قبل ان يقضي ولم اقف على اسم هذا المار أيضا قوله اتشهد الموسم أي موسم الحج قوله فكتب بالمثناة ثم الموحدة ولغير أبي ذر والأصيلي بضم الكاف وسكون النون ثم المثناة والأول أوجه وفي رواية الزبير بن بكار فكتب الى أبي طالب يخبره بذلك ومات منها وفي ذلك يقول أبو طالب افي فضل حبل لا ابالك ضربه بمنسأة قد جاء حبل واحبل قوله يا آل قريش بإثبات الهمزة وبحذفها على الاستغاثة قوله قتلني في عقال أي بسبب عقال قوله ومات المستأجر بفتح الجيم أي بعد ان اوصى اليماني بما اوصاه به قوله فوليت بكسر اللام وفي رواية بن الكلبي فقال اصابه قدره فصدقوه ولم يظنوا به غير ذلك وقوله وافى الموسم أي أتاه قوله يا بني هاشم في رواية الكشميهني يا آل بني هاشم قوله من أبو طالب في رواية الكشميهني أين أبو طالب زاد بن الكلبي فأخبره بالقصة وخداش يطوف بالبيت لا يعلم بما كان فقام رجال من بني هاشم الى خداش فضربوه وقالوا قتلت صاحبنا فجحد قوله اختر منا إحدى ثلاث يحتمل ان تكون هذه الثلاث كانت معروفة بينهم ويحتمل ان تكون شيئا اخترعه أبو طالب وقال بن التين لم ينقل انهم تشاوروا في ذلك ولا تدافعوا فدل على انهم كانوا يعرفون القسامة قبل ذلك كذا قال وفيه نظر لقول بن عباس راوي الحديث انها أول قسامة ويمكن ان يكون مراد بن عباس الوقوع وان كانوا يعرفون الحكم قبل ذلك وحكى الزبير بن بكار انهم تحاكموا في ذلك الى الوليد بن المغيرة فقضى ان يحلف خمسون رجلا من بني عامر عند البيت ما قتله خداش وهذا يشعر بالأولية مطلقا قوله فأتته امرأة من بني هاشم هي زينب بنت علقمة أخت المقتول كانت تحت رجل منهم هو عبد العزى بن أبي قيس العامري واسم ولدها منه حويطب بمهملتين مصغر ذكر ذلك الزبير وقد عاش حويطب بعد هذا دهرا طويلا وله صحبة وسيأتي حديثه في كتاب الأحكام ونسبتها الى بني هاشم مجازية والتقدير كانت زوجا لرجل من بني هاشم ويحتمل قولها فولدت له ولدا أي غير حويطب قوله ان تجيز ابني بالجيم والزاي أي تهبه مايلزمه من اليمين وقولها ولا تصبر يمينه بالمهملة ثم الموحدة أصل الصبر الحبس والمنع ومعناه في الأيمان الالزام تقول صبرته أي الزمته ان يحلف بأعظم الإيمان حتى لا يسعه ان لايحلف قوله حيث تصبر الإيمان أي بين الركن والمقام قاله بن التين قال ومن هنا استدل الشافعي على انه لايحلف بين الركن والمقام على أقل من عشرين دينارا نصاب الزكاة كذا قال ولا أدري كيف يستقيم هذا الاستدلال ولم يذكر أحد من أصحاب الشافعي ان الشافعي استدل لذلك بهذه القصة قوله فأتاه رجل منهم لم اقف على اسمه ولا على اسم أحد من سائر الخمسين الا من تقدم وزاد بن الكلبي ثم حلفوا عند الركن ان خداشا بريء من دم المقتول قوله فوالذي نفسي بيده قال بن التين كأن الذي أخبر بن عباس بذلك جماعة اطمأنت نفسه الى صدقهم حتى وسعه ان يحلف على ذلك قلت يعني انه كان حين القسامة لم يولد ويحتمل ان يكون الذي أخبره بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمكن في دخول هذا الحديث في الصحيح قوله فما حال الحول أي من يوم حلفوا قوله ومن الثمانية وأربعين في رواية أبي ذر وفي الثمانية وعند الأصيلي والأربعين وقوله عين تطرف بكسر الراء أي تتحرك زاد بن الكلبي وصارت رباع الجميع لحويطب فبذلك كان أكثر من بمكة رباعا وروى الفاكهي من طريق بن أبي نجيح عن أبيه قال حلف ناس عند البيت قسامة على باطل ثم خرجوا فنزلوا تحت صخرة فانهدمت عليهم ومن طريق طاوس قال كان أهل الجاهلية لا يصيبون في الحرم شيئا الا عجلت لهم عقوبته ومن طريق حويطب ان امة في الجاهلية عاذت بالبيت فجاءتها سيدتها فجبذتها فشلت يدها وروينا في كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا في قصة طويلة في معنى سرعة الإجابة بالحرم للمظلوم فيمن ظلمه قال فقال عمر كان يفعل بهم ذلك في الجاهلية ليتناهوا عن الظلم لأنهم كانوا لا يعرفون البعث فلما جاء الإسلام اخر القصاص الى يوم القيامة وروى الفاكهي من وجه اخر عن طاوس قال يوشك ان لا يصيب أحد في الحرم شيئا الا عجلت له العقوبة فكأنه أشار الى ان ذلك يكون في اخر الزمان عند قبض العلم وتناسي أهل ذلك الزمان أمور الشريعة فيعود الأمر غريبا كما بدأ والله أعلم الحديث الخامس عشر

[ 3633 ] قوله عن هشام هو بن عروة قوله يوم بعاث تقدم شرحه في أول مناقب الأنصار وانه كان قبل البعث على الراجح وقوله فيه وجرحوا بالجيم المضمومة ثم الحاء المهملة ولبعضهم وخرجوا بفتح المعجمة وتخفيف الراء بعدها جيم والأول أرجح وقد تقدم من تسمية من جرح منهم في تلك الوقعة حضير الكتائب والد اسيد فمات منها الحديث السادس عشر

[ 3634 ] قوله قال بن وهب الخ وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب قوله ليس السعي أي شدة المشي قوله سنة في رواية الكشميهني بسنة قال بن التين خولف بن عباس في ذلك بل قالوا انه فريضة قلت لم يرد بن عباس أصل السعي وانما أراد شدة العدو وليس ذلك فريضة وقد تقدم في أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام في قصة هاجر ان مبدأ السعي بين الصفا والمروة كان من هاجر وهو من رواية بن عباس أيضا فظهر ان الذي أراد ان مبدأه من أهل الجاهلية هي شدة العدو نعم قوله ليس بسنة ان أراد به انه لايستحب فهو يخالف ما عليه الجمهور وهو نظير إنكاره استحباب الرمل في الطواف ويحتمل ان يريد بالسنة الطريقة الشرعية وهي تطلق كثيرا على المفروض ولم يرد السنة باصطلاح أهل الأصول وهو ما ثبت دليل مطلوبيته من غير تأثيم تاركه قوله لا نجيز بضم أوله أي لانقطع والبطحاء مسيل الوادي تقول جزت الموضع إذا سرت فيه واجزته إذا خلفته وراءك وقيل هما بمعنى وقوله الا شدا أي لانقطعها الا بالعدو الشديد الحديث السابع عشر

[ 3635 ] قوله أخبرنا مطرف بالمهملة وتشديد الراء هو بن طريف بالمهملة أيضا الكوفي وأبو السفر بفتح المهملة والفاء هو سعيد بن يحمد بالتحتانية المضمومة والمهملة الساكنة كوفي أيضا قوله يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم واسمعوني بهمزة قطع أي اعيدوا على قولي لأعرف انكم حفظتموه كأنه خشي ان لا يفهموا ما أراد فيخبروا عنه بخلاف ما قال فكأنه قال اسمعوا مني سماع ضبط واتقان ولا تقولوا قال من قبل ان تضبطوا قوله من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر في رواية بن أبي عمر عن سفيان وراء الجدر والمراد به الحجر والسبب فيه ان الذي يلي البيت الى جهة الحجر من البيت وقد تقدم بيانه وما قيل في مقداره في أوائل كتاب الحج قوله ولا تقولوا الحطيم في رواية سعيد بن منصور عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن أبي السفر في هذه القصة فقال رجل ما الحطيم فقال بن عباس انه لاحطيم كان الرجل الخ زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق خالد الطحان عن مطرف فان أهل الجاهلية كانوا يسمونه أي الحجر الحطيم كانت فيه اصنام قريش وللفاكهي من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر نحوه وقال كان أحدهم إذا أراد ان يحلف وضع محجنه ثم حلف فمن طاف فليطف من ورائه قوله كان يحلف بالحاء المهملة الساكنة وتخفيف اللام المكسورة وفي رواية خالد الطحان المذكورة كان إذا حلف بضم المهملة وتشديد اللام والأول أوجه والمعنى انهم كانوا إذا حالف بعضهم بعضا ألقى الحليف في الحجر نعلا أو سوطا أو قوسا أو عصا علامة لقصد حلفهم فسموه الحطيم لذلك لكونه يحطم امتعتهم وهو فعيل بمعنى فاعل ويحتمل ان يكون ذلك كان شأنهم إذا أرادوا ان يحلفوا على نفي شيء وقيل انما سمي الحطيم لأن بعضهم كان إذا دعا على من ظلمه في ذلك الموضع هلك وقال بن الكلبي سمي الحجر حطيما لما تحجر عليه أو لأنه قصر به عن ارتفاع البيت واخرج عنه فعلى هذا فعيل بمعنى مفعول أو لأن الناس يحطم فيه بعضهم بعضا من الزحام عند الدعاء فيه وقال غيره الحطيم هو بئر الكعبة التي كان يلقى فيها ما يهدى لها وقيل الحطيم بين الركن الأسود والمقام وقيل من أول الركن الأسود الى أول الحجر يسمى الحطيم وحديث بن عباس حجة في رد أكثر هذه الأقوال زاد في رواية خديج ولكنه الجدر بفتح الجيم وسكون المهملة وهو من البيت ووقع عند الإسماعيلي والبرقاني في اخر الحديث عن بن عباس وايما صبي حج به أهله فقد قضي حجه ما دام صغيرا فإذا بلغ فعليه حجة أخرى وايما عبد حج به أهله الحديث وهذه الزيادة عند البخاري أيضا في غير الصحيح وحذفها منه عمدا لعدم تعلقها بالترجمة ولكونها موقوفة واما أول الحديث فهو وان كان موقوفا من حديث بن عباس الا ان الغرض منه حاصل بالنسبة لنقل بن عباس ما كان في الجاهلية مما رآه النبي صلى الله عليه وسلم فأقره أو ازاله فمهما لم ينكره واستمرت مشروعيته فيكون له حكم المرفوع ومهما أنكره فالشرع بخلافه الحديث الثامن عشر

[ 3636 ] قوله حدثنا نعيم بن حماد في رواية بعضهم حدثنا نعيم غير منسوب وهو المروزي نزيل مصر وقل ان يخرج له البخاري موصولا بل عادته ان يذكر عنه بصيغة التعليق ووقع في رواية القابسي حدثنا أبو نعيم وصوبه بعضهم وهو غلط قوله عن حصين في رواية البخاري في التاريخ في هذا الحديث حدثنا حصين فأمن بذلك ما يخشى من تدليس هشيم الراوي عنه وقرن فيه أيضا مع حصين أبا المليح قوله رأيت في الجاهلية قردة بكسر القاف وسكون الراء واحدة القرود وقوله اجتمع عليها قردة بفتح الراء جمع قرد وقد ساق الإسماعيلي هذه القصة من وجه اخر مطولة من طريق عيسى بن حطان عن عمرو بن ميمون قال كنت في اليمن في غنم لأهلي وانا على شرف فجاء قرد مع قردة فتوسد يدها فجاء قرد أصغر منه فغمزها فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رقيقا وتبعته فوقع عليها وانا انظر ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق فاستيقظ فزعا فشمها فصاح فاجتمعت القرود فجعل يصيح ويومىء إليها بيده فذهب القرود يمنة ويسرة فجاءوا بذلك القرد اعرفه فحفروا لهما حفرة فرجموهما فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم قال بن التين لعل هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا فبقي فيهم ذلك الحكم ثم قال ان الممسوخ لا ينسل قلت وهذا هو المعتمد لما ثبت في صحيح مسلم ان الممسوخ لا نسل له وعنده من حديث بن مسعود مرفوعا ان الله لم يهلك قوما فيجعل لهم نسلا وقد ذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن العربي الى ان الموجود من القردة من نسل الممسوخ وهو مذهب شاذ اعتمد من ذهب اليه على ماثبت أيضا في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم لما اتي بالضب قال لعله من القرون التي مسخت وقال في الفأر فقدت امة من بني إسرائيل لااراها الا الفأر وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل ان يوحى اليه بحقيقة الأمر في ذلك ولذلك لم يأت الجزم عنه بشيء من ذلك بخلاف النفي فإنه جزم به كما في حديث بن مسعود ولكن لا يلزم ان تكون القرود المذكورة من النسل فيحتمل ان يكون الذين مسخوا لما صاروا على هيئة القردة مع بقاء افهامهم عاشرتهم القردة الأصلية للمشابهة في الشكل فتلقوا عنهم بعض ماشاهدوه من افعالهم فحفظوها وصارت فيهم واختص القرد بذلك لما فيه من الفطنة الزائدة على غيره من الحيوان وقابلية التعليم لكل صناعة مما ليس لاكثر الحيوان ومن خصاله انه يضحك ويطرب ويحكي ما يراه وفيه من شدة الغيرة ما يوازي الآدمي ولا يتعدى أحدهم إلى غير زوجته فلا يدع في الغالب ان يحملها ماركب فيها من الغيرة على عقوبة من اعتدى الى ما لم يختص به من الأنثى ومن خصائصه ان الأنثى تحمل أولادها كهيئة الآدمية وربما مشي القرد على رجليه لكن لايستمر على ذلك ويتناول الشيء بيده ويأكل بيده وله أصابع مفصلة الى انامل واظفار ولشفر عينيه اهداب وقد استنكر بن عبد البر قصة عمرو بن ميمون هذه وقال فيها إضافة الزنا الى غير مكلف وإقامة الحد على البهائم وهذا منكر عند أهل العلم قال فان كانت الطريق صحيحة فلعل هؤلاء كانوا من الجن لأنهم من جملة المكلفين وانما قال ذلك لأنه تكلم على الطريق التي أخرجها الإسماعيلي حسب وأجيب بأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا والرجم ان يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدا وانما اطلق ذلك عليه لشبهه به فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان وأغرب الحميدي في الجمع بين الصحيحين فزعم ان هذا الحديث وقع في بعض نسخ البخاري وان أبا مسعود وحده ذكره في الأطراف قال وليس في نسخ البخاري أصلا فلعله من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري وما قاله مردود فان الحديث المذكور في معظم الأصول التي وقفنا عليها وكفي بإيراد أبي ذر الحافظ له عن شيوخه الثلاثة الأئمة المتقنين عن الفربري حجة وكذا إيراد الإسماعيلي وأبي نعيم في مستخرجيهما وأبي مسعود له في اطرافه نعم سقط من رواية النسفي وكذا الحديث الذي بعده ولا يلزم من ذلك أن لا يكون في رواية الفربري فإن روايته تزيد على رواية النسفي عدة أحاديث قد نبهت على كثير منها فيما مضى وفيما سيأتي ان شاء الله تعالى واما تجويزه ان يزاد في صحيح البخاري ما ليس منه فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري في كتابه ومن اتفاقهم على انه مقطوع بنسبته اليه وهذا الذي قاله تخيل فاسد يتطرق منه عدم الوثوق بجميع ما في الصحيح لأنه إذا جاز في واحد لا بعينه جاز في كل فرد فرد فلا يبقى لاحد الوثوق بما في الكتاب المذكور واتفاق العلماء ينافي ذلك والطريق التي أخرجها البخاري دافعة لتضعيف بن عبد البر للطريق التي أخرجها الإسماعيلي وقد اطنبت في هذا الموضع لئلا يغتر ضعيف بكلام الحميدي فيعتمده وهو ظاهر الفساد وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الخيل له من طريق الأوزاعي ان مهرا انزي على أمه فامتنع فأدخلت في بيت وجللت بكساء وانزي عليها فنزى فلما شم ريح أمه عمد الى ذكره فقطعه باسنانه من أصله فإذا كان هذا الفهم في الخيل مع كونها ابعد في الفطنة من القرد فجوازها في القرد أولى الحديث التاسع عشر

[ 3637 ] قوله عن عبيد الله بالتصغير وهو بن أبي يزيد المكي قوله عن بن عباس في نسخة أنس وهو غلط قوله خلال من خلال الجاهلية أي من خصال قوله الطعن في الأنساب أي القدح من بعض الناس في نسب بعض بغير علم قوله والنياحة أي على الميت وقد تقدم ذكر حكمها في كتاب الجنائز في باب ما يكره من النياحة على الميت وقد تقدم هناك الكلام على حديث أنس ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية قوله ونسي الثالثة وقع في رواية بن أبي عمر عن سفيان ونسي عبيد الله الثالثة فعين الناسي أخرجه الإسماعيلي قوله ويقولون انها الاستسقاء بالأنواء أي يقولون مطرنا بنوء كذا وقد تقدم شرح ذلك في كتاب الاستسقاء ووقع عند أبي نعيم من رواية شريح بن يونس عن سفيان مدرجا ولفظه والأنواء ولم يقل ونسي الخ ومن رواية عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بدل قوله ونسي الثالثة والتفاخر بالاحساب وهو وهم منهما لما بينته رواية بن أبي عمر وعلى شيخ البخاري فيه هو بن المديني وقد جاء من حديث أنس ذكر هذه الثلاثة وهي الطعن والنياحة والاستسقاء أخرجه أبو يعلى بإسناد قوي وجاء عن بن عباس من وجه اخر ذكر فيه الخصال الأربع أخرجه بن عدي من طريق عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عنه والمحفوظ في هذا ما أخرجه مسلم وابن حبان وغيرهما من طريق أبان بن يزيد وغيره عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي مالك الأشعري مرفوعا بلفظ أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الاحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالأنواء والنياحة خاتمة اشتملت أحاديث المناقب وما اتصل بها من ذكر بعض ما وقع قبل البعث من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وثلاثة وثلاثين حديثا المعلق مها ثلاثة وثلاثون طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وثمانية وثلاثون حديثا والخالص خمسة وتسعون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة كان أبو بكر في الغار وحديث بن عباس فيه وحديث أبي سعيد فيه وحديث بن عمر كنا نخير وحديث بن الزبير لو كنت متخذا خليلا وحديث عمار وما معه الا خمسة وحديث أبي الدرداء قد غامر وحديث عائشة في طرف من حديث السقيفة وحديث علي خير الناس وحديث عبد الله بن عمرو أشد ماصنع المشركون وحديث بن مسعود ما زلنا اعزة وحديث بن عمر في شأن عمر وحديث عبد الله بن هشام فيه وحديث عثمان ما بايعت وحديث علي اقضوا كما كنتم تقضون وحديث أبي هريرة في جعفر وحديث بن عمر فيه وحديث أبي بكر ارقبوا وحديثه لقرابة رسول الله احب الي وحديث عثمان في الزبير وحديث بن عباس فيه وحديث الزبير في اليرموك وحديث طلحة وسعد وحديث مس يد طلحة وحديث سعد في إسلامه وحديث بن عمر في بن أسامة وحديث أسامة اني احبهما وحديث أنس في الحسين وحديثه في الحسن وحديث بن عمر فيهما وحديث عمر في بلال وحديث حذيفة في بن مسعود وحديث معاوية في الوتر وحديث بن عباس في عائشة وحديث عمار فيها وحديث أنس في الأنصار وحديث زيد بن أرقم فيهم وحديث سعد في عبد الله بن سلام وحديث بن سلام مع أبي بردة وحديث بن عمر وحديث بن عمر في زيد بن عمرو وحديث أسماء فيه وحديث بن الزبير في بناء المسجد الحرام وحديث جد سعيد بن المسيب وحديث أبي بكر مع امرأة من احمس وحديث عائشة في القيام للجنازة وحديث بن عباس في كأسا دهاقا وحديث أبي بكر مع الذي تكهن وحديث بن عباس في القسامة وحديثه في السعي وحديثه في الحطيم وحديث عمرو بن ميمون في القردة وحديث بن عباس ثلاث من خلال الجاهلية فجعله ذلك اثنان وخمسون حديثا ما بين معلق وموصول فوافقه منها على ثلاثة وأربعين حديثا فقط والسبب في ذلك ان الكثير منها صورته انه موقوف وان كان قد يتمحل له حكم المرفوع ومسلم في الغالب يحرص على تخريج الأحاديث الصريحة في الرفع وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة عشر اثرا والله سبحانه وتعالى اعلم

قوله باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم المبعث من البعث واصله الاثارة ويطلق على التوجيه في أمر ما رسالة أو حاجة ومنه بعثت البعير إذا اثرته من مكانه وبعثت العسكر إذا وجهتهم للقتال وبعثت النائم من نومه إذا ايقظته قد تقدم في أول الكتاب في الكلام على حديث عائشة كثير مما يتعلق بهذه الترجمة وساق المصنف هنا النسب الشريف قوله محمد ذكر البهيقي في الدلائل بإسناد مرسل ان عبد المطلب لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم عمل له مأدبة فلما اكلوا سألوا ماسميته قال محمدا قالوا فما رغبت به عن أسماء أهل بيته قال أردت ان يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض قوله بن عبد الله لم يختلف في اسمه واختلف متى مات فقيل مات قبل ان يولد النبي صلى الله عليه وسلم وقيل بعد ان ولد والأول اثبت واختلف في مقدار عمره صلى الله عليه وسلم لما مات أبوه والراجح انه دون السنة قوله بن عبد المطلب اسمه شيبة الحمد عند الجمهور وزعم بن قتيبة ان اسمه عامر وسمي عبد المطلب واشتهر بها لأن أباه لما مات بغزة كان خرج إليها تاجرا فترك أم عبد المطلب بالمدينة فاقامت عند أهلها من الخزرج فكبر عبد المطلب فجاء عمه المطلب فأخذه ودخل به مكة فرآه الناس مردفه فقالوا هذا عبد المطلب فغلبت عليه في قصة طويلة ذكرها بن إسحاق وغيره قوله بن هاشم اسمه عمرو وقيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد بمكة لأهل الموسم ولقومه اولا في سنة المجاعة وفيه يقول الشاعر عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف قوله بن عبد مناف اسمه المغيرة روى السراج في تاريخه من طريق أحمد بن حنبل سمعت الشافعي يقول اسم عبد المطلب شيبة الحمد واسم هاشم عمرو واسم عبد مناف المغيرة واسم قصي زيد قوله بن قصي بصيغة التصغير تلقب بذلك لأنه بعد عن ديار قومه في بلاد قضاعة في قصة طويلة ذكرها بن إسحاق قوله بن كلاب بكسر أوله وتخفيف اللام قال السهيلي هو منقول من المصدر الذي في معنى المكالبة تقول كالبت فلانا مكالبة وكلابا أو هو بلفظ جمع كلب كما تسمت العرب بسباع وانمار وغير ذلك انتهى وذكر بن سعد ان اسمه المهذب وزعم محمد بن سعد ان اسمه حكيم وقيل عروة وانه لقب كلابا لمحبته كلاب الصيد وكان يجمعها فمن مرت به فسأل عنها قيل له هذه كلاب بن مرة فلقب كلابا قوله بن مرة قال السهيلي منقول من وصف الحنظلة أو الهاء للمبالغة والمراد انه قوي قوله بن كعب قال السهيلي قيل سمي بذلك لستره على قومه ولين جانبه لهم منقول من كعب القدم وقال بن دريد من كعب القناة وكذا قال غيره سمي بذلك لارتفاعه على قومه وشرفه فيهم فلذلك كانوا يخضعون له حتى ارخوا بموته وهو أول من جمع قومه يوم الجمعة وكانوا يسمونه يوم العروبة حتى جاء الإسلام قوله بن لؤي قال بن الأنباري هو تصغير لأى بوزن عصا واللأى هو الثور وقال السهيلي هو عندي لأى بوزن عبد وهو البطء ويؤيده قول الشاعر فدونكم بني لأى اخاكم ودونك مالكا يا أم عمرو انتهى وهذا قد ذكره بن الأنباري أيضا احتمالا وقد قال الأصمعي هو تصغير لواء الجيش زيدت فيه همزة قوله بن غالب لا اشكال فيه كما لا اشكال في مالك والنضر قوله بن فهر قيل هو قريش نقل الزبير عن الزهري ان أمه سمته به وسماه أبوه فهرا وقيل فهر لقبه وقيل بالعكس والفهر الحجر الصغير قوله بن كنانة هو بلفظ وعاء السهام إذا كانت من جلود قاله بن دريد ونقل عن أبي عامر العدواني انه قال رأيت كنانة بن خزيمة شيخا مسنا عظيم القدر تحج اليه العرب لعلمه وفضله بينهم قوله بن خزيمة تصغير خزمة بمعجمتين مفتوحتين وهي مرة واحدة من الخزم وهو شد الشيء واصلاحه وقال الزجاجي يجوز ان يكون من الخزم بفتح ثم سكون تقول خزمته فهو مخزوم إذا أدخلت في انفه الخزام قوله بن مدركة اسمه عمرو عند الجمهور وقال بن إسحاق عامر قوله بن الياس بكسر الهمزة عند بن الأنباري قال وهو افعال من قولهم أليس الشجاع الذي لا يفر قال الشاعر أليس كالنشوان وهو صاحي وقال غيره هو بهمزة وصل وهو ضد الرجاء واللام فيه للمح الصفة قاله قاسم بن ثابت وأنشد قول قصي امهتي خندف واليأس أبي قوله بن مضر قيل سمي بذلك لأنه كان يحب شرب اللبن الماضر وهو الحامض وقيل سمي بذلك لبياضه وقيل لأنه كان يمضر القلوب لحسنه وجماله قوله بن نزار هو من النزر أي القليل قال أبو الفرج الأصبهاني سمي بذلك لأنه كان فريد عصره قوله بن معد بفتح الميم والمهملة وتشديد الدال قال بن الأنباري يحتمل ان يكون مفعلا من العد أو هو من معد في الأرض إذا افسد قال الشاعر وخاربين خربا فمعدا وقيل غير ذلك قوله بن عدنان بوزن فعلان من العدن تقول عدن أقام وقد روى أبو جعفر بن حبيب في تاريخه المحبر من حديث بن عباس قال كان عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة واسد على ملة إبراهيم فلا تذكروهم الا بخير وروى الزبير بن بكار من وجه اخر مرفوعا لاتسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين وله شاهد عند بن حبيب من مرسل سعيد بن المسيب تنبيه اقتصر البخاري من النسب الشريف على عدنان وقد اخرج في التاريخ عن عبيد بن يعيش عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق مثل هذا النسب وزاد بعد عدنان بن ادد بن المقوم بن تارح بن يشجب بن يعرب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم وقد قدمت في أول الترجمة النبوية الاختلاف فيمن بين عدنان وإبراهيم وفيمن بين إبراهيم وآدم بما يغني عن الإعادة واخرج بن سعد من حديث بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان

[ 3638 ] قوله حدثنا النضر هو بن شميل قوله عن هشام هو بن حسان قوله عن عكرمة في رواية روح عن هشام الآتية في الهجرة حدثنا عكرمة قوله انزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين هذا هو المقصود من هذا الحديث في هذا الباب وهو متفق عليه وقد مضى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم حديث أنس انه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين وتقدم في بدء الوحي انه انزل عليه في شهر رمضان فعلى الصحيح المشهور ان مولده في شهر ربيع الأول يكون حين انزل عليه بن أربعين سنة وستة اشهر وكلام بن الكلبي يؤذن بأنه ولد في رمضان فإنه قال مات وله اثنتان وستون سنة ونصف سنة وقد اجمعوا على انه مات في ربيع الأول فيستلزم ذلك ان يكون ولد في رمضان وبه جزم الزبير بن بكار وهو شاذ وفي مولده أقوال اخر أشد شذوذا من هذا قوله بمكة ثلاث عشرة سنة هذا أصح مما رواه مسلم من طريق عمار بن أبي عمار عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة وسيأتي البحث في ذلك في أبواب الهجرة ان شاء الله تعالى

قوله باب مالقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة أي من وجوه الأذى وذكر فيه أحاديث في المعنى وقد تقدم في ذكر الملائكة من بدء الخلق حديث عائشة انها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل اتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك وكان أشد مالقيت منهم فذكر قصته بالطائف وروى أحمد والترمذي وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اوذيت في الله وما يؤذى أحد واخفت في الله وما يخاف أحد الحديث واخرج بن عدي من حديث جابر رفعه ما اوذي أحد ما اوذيت ذكره في ترجمة يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر ويوسف ضعيف وقد استشكل بما جاء من صفات ما اوذي به الصحابة كما سيأتي لو ثبت وهو محمول على معنى حديث أنس وقيل معناه انه اوحي اليه ما اوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به وروى بن إسحاق من حديث بن عباس وذكر الصحابة فقال والله ان كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر ان يستوي جالسا من شدة الضر حتى يقولوا له اللات والعزى الهك من دون الله فيقول نعم وروى بن ماجة وابن حبان من طريق زر بن مسعود قال أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه واما أبو بكر فمنعه الله بقومه واما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم ادراع الحديد واوقفوهم في الشمس الحديث وأجيب بأن جميع ما اوذي به اصحابه كان يتأذى هو به لكونه بسببه واستشكل أيضا بما اوذي به الأنبياء من القتل كما في قصة زكريا وولده يحيى ويجاب بأن المراد هنا غير ازهاق الروح ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الحديث الأول

[ 3639 ] قوله حدثنا بيان هو بن بشر وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وخباب بالمعجمة والموحدتين الأولى ثقيلة قوله بردة كذا للأكثر بالتنوين وللكشميهني بالهاء والأول أرجح فقد تقدم في علامات النبوة من وجه اخر بلفظ بردة له قوله الا تدعوا الله لنا زاد في الرواية التي في المبعث الا تستنصر لنا قوله فقعد وهو محمر وجهه أي من اثر النوم ويحتمل ان يكون من الغضب وبه جزم بن التين قوله لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد كذا للأكثر بكسر الميم وللكشميهني امشاط هو جمع مشط بكسر الميم وبضمها يقال مشاط وامشاط كرماح وارماح وأنكر بن دريد الكسر في المفرد والأشهر في الجمع مشاط ورماح قوله ما دون عظامه من لحم أو عصب في الرواية الماضية ما دون لحمه من عظم أو عصب قوله ويوضع الميشار بكسر الميم وسكون التحتانية بهمز وبغير همز تقول وشرت الخشبة واشرتها ويقال فيه بالنون وهي اشهر في الاستعمال ووقع في الرواية الماضية يحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار قال بن التين كان هؤلاء الذين فعل بهم ذلك أنبياء أو اتباعهم قال وكان في الصحابة من لو فعل به ذلك لصبر الى ان قال وما زال خلق من الصحابة واتباعهم فمن بعدهم يؤذون في الله ولو أخذوا بالرخصة لساغ لهم قوله وليتمن الله هذا الأمر بالنصب وفي الرواية الماضية والله ليتمن هذا الأمر بالرفع والمراد بالأمر الإسلام قوله زاد بيان والذئب على غنمه هذا يشعر بأن في الرواية الماضية ادراجا فإنه أخرجها من طريق يحيى القطان عن إسماعيل وحده وقال في اخرها ما يخاف الا الله والذئب على غنمه وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن الصباح وخلاد بن اسلم وعبدة بن عبد الرحيم كلهم عن بن عيينة به مدرجا وطريق الحميدي أصح وقد وافقه بن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه مفصلا أيضا تنبيه قوله والذئب هو بالنصب عطفا على المستثنى منه لا المستثنى كذا جزم به الكرماني ولا يمتنع ان يكون عطفا على المستثنى والتقدير ولا يخاف الا الذئب على غنمه لأن مساق الحديث انما هو للأمن من عدوان بعض الناس على بعض كما كانوا في الجاهلية لا للأمن من عدوان الذئب فان ذلك انما يكون في اخر الزمان عند نزول عيسى الحديث الثاني حديث بن مسعود قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم فسجد سبق الكلام عليه في سجود القرآن من كتاب الصلاة ويأتي بقيته في تفسير سورة النجم وقد تقدم هناك تسمية الذي لم يسجد وزعم الواقدي ان ذلك كان في رمضان سنة خمس من المبعث تنبيه كان حق هذا الحديث ان يذكر في باب الهجرة الى الحبشة المذكور بعد قليل فسيأتي فيها ان سجود المشركين المذكور فيه كان سبب رجوع من هاجر الهجرة الأولى الى الحبشة لظنهم ان المشركين كلهم أسلموا فلما ظهر لهم خلاف ذلك هاجروا الهجرة الثانية الحديث الثالث حديثه في قصة عقبة بن أبي معيط والقائه سلا الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد وقد سبق الكلام عليه مستوفى في اواخر كتاب الوضوء تنبيه كانت هذه القصة بعد الهجرة الثانية الى الحبشة لأن من جملة من دعى عليه عمارة بن الوليد أخو أبي جهل وقد ذكر بن إسحاق وغيره ان قريشا بعثوه مع عمرو بن العاص الى النجاشي ليرد إليهم من هاجر اليه فلم يفعل واستمر عمار بالحبشة الى ان مات تنبيه اخر أغرب الشيخ عماد الدين بن كثير فزعم ان الحديث الوارد عن خباب عند مسلم وأصحاب السنن شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا طرف من حديث الباب وان المراد انهم شكوا ما يلقونه من المشركين من تعذيبهم بحر الرمضاء وغيره فسألوه ان يدعو على المشركين فلم يشكهم أي لم يزل شكواهم وعدل الى تسليتهم بمن مضى ممن قبلهم ولكن وعدهم بالنصر انتهى ويبعد هذا الحمل ان في بعض طرق حديث مسلم عند بن ماجة الصلاة في الرمضاء وعند أحمد يعني الظهر وقال إذا زالت الشمس فصلوا وبهذا تمسك من قال انه ورد في تعجيل الظهر وذلك قبل مشروعية الابراد وهو المعتمد والله اعلم تنبيه اخر عبد الله المذكور هو بن مسعود جزما وذكر بن التين ان الداودي قال الظاهر انه عبد الله بن مسعود لأنهم في الأكثر انما يطلقون عبد الله غير منسوب عليه قلت وليس ذلك مطردا وانما يعرف ذلك من جهة الرواة وبسط ذلك مقرر في علوم الحديث وقد صنف فيه الخطيب كتابا حافلا سماه المجمل لبيان المهمل ووقع في شرح شيخنا بن الملقن ان الداودي قال لعله عبد الله بن عمرو لا بن عمر ثم تعقبه بأن البخاري صرح في كتاب الصلاة بأنه بن مسعود قلت ولم ار مانسبه الى الداودي في كلام غيره فالله اعلم الحديث الرابع حديث بن عباس في توبة القاتل وسيأتي شرحه في تفسير سورة النساء ان شاء الله تعالى والغرض منه هنا الإشارة الى صنع المشركين بالمسلمين من قتل وتعذيب وغير ذلك سقط عنهم بالإسلام تنبيه قوله هنا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق كذا وقع في الرواية والذي في التلاوة ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق هكذا في سورة الفرقان وهي التي ذكرت في بقية الحديث فتعين انها المراد في أوله ويمكن الجواب عن ذلك والله اعلم الحديث الخامس والسادس حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأبيه عمرو بن العاص على الاختلاف في ذلك

[ 3643 ] قوله حدثنا عياش بن الوليد حدثنا الوليد بن مسلم عياش شيخه بالتحتانية والمعجمة هو الرقام وله شيخ اخر لا ينسبه في غالب ما يخرج عنه قال الجياني وقع هنا عند الأصيلي غير مقيد وزعم بعضهم انه العباس بن الوليد بن مربد وهو بالموحدة والمهملة ثم نقل عن أبي زفر ان البخاري ومسلما ما اخرجا لابن مربد شيئا قال ولا اعلم له رواية عن الوليد بن مسلم قوله حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم في رواية علي بن المديني الآتية في تفسير غافر حدثني محمد بن إبراهيم قوله حدثني عروة كذا قال الوليد بن مسلم وخالفه أيوب بن خالد الحراني فقال عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة قال لعبد الله بن عمرو أخرجه الإسماعيلي وقول الوليد أرجح قوله سألت بن عمرو في رواية علي المذكورة قلت لعبد الله بن عمرو قوله بأشد شيء صنعه الخ هذا الذي أجاب به عبد الله بن عمرو يخالف ما تقدم في ذكر الملائكة من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم قال لها وكان أشد مالقيت من قومك فذكر قصته بالطائف مع ثقيف والجمع بينهما ان عبد الله بن عمرو استند الى ما رواه ولم يكن حاضرا للقصة التي وقعت بالطائف وقد روى الزبير بن بكار والدارقطني في الأفراد من طريق عبد الله بن عروة عن عروة حدثني عمرو بن عثمان عن أبيه عثمان قال أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم اني رأيته يوما قال وذرفت عينا عثمان فذكر قصة يخالف سياقها حديث عبد الله بن عمرو هذا فهذا الاختلاف ثابت على عروة في السند لكن سنده ضعيف فان كان محفوظا حمل على التعدد وليس ببعيد لما سأبينه قوله يصلي في حجر الكعبة إذ اقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه في حديث عثمان المذكور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر وفي الحجر عقبة بن أبي معيط وأبو جهل وأمية بن خلف فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسمعوه بعض ما يكره ثلاث مرات فلما كان في الشوط الرابع ناهضوه وأراد أبو جهل ان يأخذ بمجامع ثوبه فدفعته ودفع أبو بكر أمية بن خلف ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة فهذا السياق مغاير لحديث عبد الله بن عمرو وفي حديث عبد الله قول أبي بكر اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وفي حديث عثمان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم اما والله لا تنتهون حتى يحل بكم العقاب عاجلا فأخذتهم الرعدة الحديث وهذا يقوي التعدد قوله تابعه بن إسحاق قال حدثني يحيى بن عروة الخ وصله أحمد من طريق إبراهيم بن سعد والبزار من طريق بكر بن سليمان كلاهما عن بن إسحاق بهذا السند وفي أول سياقه من الزيادة قال حضرتهم وقد اجتمع اشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل صبرنا عليه سفه احلامنا وشتم آباءنا وغير ديننا وفرق جماعتنا فبينما هم في ذلك إذ اقبل فاستلم الركن فلما مر بهم غمزوه وذكر انه قال لهم في الثالثة لقد جئتكم بالذبح وانهم قالوا له يا أبا القاسم ما كنت جاهلا فانصرف راشدا فانصرف فلما كان من الغد اجتمعوا فقالوا ذكرتم ما بلغ منكم حتى إذا اتاكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم كذلك إذ طلع فقالوا قوموا اليه وثبة رجل واحد قال فلقد رأيت رجلا منهم اخذ بمجامع ثيابه وقام أبو بكر دونه وهو يبكي فقال اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه قوله وقال عبدة عن هشام أي بن عروة عن أبيه قيل لعمرو بن العاص هكذا خالف هشام بن عروة اخاه يحيى بن عروة في الصحابي فقال يحيى عبد الله بن عمرو وقال هشام عمرو بن العاص ويرجح رواية يحيى موافقة محمد بن إبراهيم التيمي عن عروة على ان قول هشام غير مدفوع لأن له أصلا من حديث عمرو بن العاص بدليل رواية أبي سلمة عن عمرو الآتية عقب هذا فيحتمل ان يكون عروة سأله مرة وسأل أباه أخرى ويؤيده اختلاف السياقين وقد ذكرت ان عبد الله بن عروة رواه عن أبيه بإسناد اخر عن عثمان فلا مانع من التعدد نعم لم تتفق الرواة عن هشام على قوله عمرو بن العاص فان سليمان بن بلال وافق عبدة على ذلك وخالفهما محمد بن فليح فقال عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ذكره البهيقي قوله وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة حدثني عمرو بن العاص وصله البخاري في خلق افعال العباد من طريقه وأخرجه أبو يعلى وابن حبان عنه من وجه اخر عن محمد بن عمرو ولفظه ما رأيت قريشا أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا يوما اغروا به وهم في ظل الكعبة جلوس وهو يصلي عند المقام فقام اليه عقبة فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه وتصايح الناس واقبل أبو بكر يشتد حتى اخذ بضبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه وهو يقول اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه فلما قضى صلاته مر بهم فقال والذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم الا بالذبح فقال له أبو جهل يا محمد ما كنت جهولا فقال أنت منهم ويدل على التعدد أيضا ما أخرجه البهيقي في الدلائل من حديث بن عباس عن فاطمة عليها السلام قالت اجتمع المشركون في الحجر فقالوا إذا مر محمد ضربه كل رجل منا ضربة فسمعت ذلك فأخبرته فقال اسكتي يا بنية ثم خرج فدخل عليهم فرفعوا رءوسهم ثم نكسوا قالت فأخذ قبضة من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال شاهت الوجوه فما أصاب رجلا منهم الا قتل يوم بدر كافرا وقد اخرج أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس قال لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر فجعل ينادي ويلكم اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله فتركوه واقبلوا على أبي بكر وهذا من مراسيل الصحابة وقد أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن مطولا من حديث أسماء بنت أبي بكر انهم قالوا لها ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو سياق بن إسحاق المتقدم قريبا وفيه فأتى الصريخ الى أبي بكر فقال أدرك صاحبك قالت فخرج من عندنا وله غدائر أربع وهو يقول ويلكم اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله فلهوا عنه واقبلوا الى أبي بكر فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره الا رجع معه ولقصة أبي بكر هذه شاهد من حديث علي أخرجه البزار من رواية محمد بن علي عن أبيه انه خطب فقال من أشجع الناس فقالوا أنت قال اما اني ما بارزني أحد الا انصفت منه ولكنه أبو بكر لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذته قريش فهذا يجؤه وهذا يتلقاه ويقولون له أنت تجعل الآلهة الها واحدا فوالله ما دنا منا أحد الا أبو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ويقول ويلكم اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله ثم بكى علي ثم قال أنشدكم الله امؤمن آل فرعون أفضل أم أبو بكر فسكت القوم فقال علي والله لساعة من أبي بكر خير منه ذاك رجل يكتم ايمانه وهذا يعلن بايمانه

قوله باب إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر فيه حديث عمار وقد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر رضي الله عنه وعبد الله شيخه قال بن السكن في روايته حدثني عبد الله بن محمد فتوهم أبو علي الجياني انه أراد المسندي فقال لم يصنع شيئا قلت وفي كلامه نظر فقد وقع في تفسير التوبة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن معين لكن عمدة الجياني هنا ان أبا نصر الكلاباذي جزم بأن عبد الله هنا هو بن حماد الآملي وكذا وقع في رواية أبي ذر الهروي منسوبا وهو عبد الله بن حماد وهو من اقران البخاري بل هو أصغر منه فلقد لقي البخاري يحيى بن معين وهو اقدم من بن معين وبيان هو بن بشر ووبرة بفتح الواو والموحدة واكتفى بهذا الحديث لأنه لم يجد شيئا على شرطه غيره وفيه دلالة على قدم إسلام أبي بكر إذ لم يذكر عمار انه رأى مع النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال غيره وقد اتفق الجمهور على ان أبا بكر أول من اسلم من الرجال وذكر بن إسحاق انه كان يتحقق انه سيبعث لما كان يسمعه ويرى من أدلة ذلك فلما دعاه بادر الى تصديقه من أول وهلة تنبيه كان حق هذا الباب ان يكون متقدما جدا اما في باب المبعث أو عقبه لكن وجهه هنا ما وقع في حديث عمرو بن العاص الذي قبله انه قام بنصر النبي صلى الله عليه وسلم وتلا الآية المذكورة فدل على ان إسلامه متقدم على غيره بحيث ان عمارا مع تقدم إسلامه لم ير مع النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر وبلال وعنى بذلك الرجال وبلال انما اشتراه أبو بكر لينقذه من تعذيب المشركين لكونه اسلم

قوله باب إسلام سعد ذكر فيه حديثه وقد تقدم شرحه في مناقبه مستوفى ومناسبته لما قبله واجتماعهما في ان كلا منهما يقتضي سبق من ذكر فيه الى الإسلام خاصة لكنه محمول على ما اطلع عليه والا فقد اسلم قبل إسلام بلال وسعد وخديجة وزيد بن حارثة وعلي بن أبي طالب وغيرهم

قوله باب ذكر الجن تقدم الكلام على الجن في أوائل بدء الخلق بما يغني عن اعادته قوله وقول الله عز وجل قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن الآية يريد تفسير هذه الآية وقد انكر بن عباس انهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الصلاة من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال ماقرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم الحديث وحديث أبي هريرة في هذا الباب وان كان ظاهرا في اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بالجن وحديثه معهم لكنه ليس فيه انه قرأ عليهم ولا انهم الجن الذين استمعوا القرآن لأن في حديث أبي هريرة انه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ وأبو هريرة انما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة المدينة وقصة استماع الجن للقران كان بمكة قبل الهجرة وحديث بن عباس صريح في ذلك فيجمع بين ما نفاه وما أثبته غيره بتعدد وفود الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فأما ما وقع في مكة فكان لاستماع القران والرجوع الى قومهم منذرين كما وقع في القران واما في المدينة فللسؤال عن الأحكام وذلك بين في الحديثين المذكورين ويحتمل ان يكون القدوم الثاني كان أيضا بمكة وهو الذي يدل عليه حديث بن مسعود كما سنذكره واما حديث أبي هريرة فليس فيه تصريح بأن ذلك وقع بالمدينة ويحتمل تعدد القدوم بمكة مرتين وبالمدينة أيضا قال البهيقي حديث بن عباس حكى ما وقع في أول الأمر عندما علم الجن بحاله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود انتهى وأشار بذلك الى ما أخرجه أحمد والحاكم من طريق زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخل فلما سمعوه قالوا انصتوا وكانوا سبعة أحدهم زوبعة قلت وهذا يوافق حديث بن عباس واخرج مسلم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة قال قلت لعبد الله بن مسعود هل صحب أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال لا ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير فبتنا شر ليلة فلما كان عند السحر إذا نحن به يجيء من قبل حراء فذكرنا له فقال أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وقول بن مسعود في هذا الحديث انه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم أصح مما رواه الزهري أخبرني أبو عثمان بن شيبة الخزاعي انه سمع بن مسعود يقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهو بمكة من احب منكم ان ينظر الليلة اثر الجن فليفعل قال فلم يحضر منهم أحد غيري فلما كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني ان اجلس فيه ثم انطلق ثم قرأ القرآن فغشيته اسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انطلقوا وفرغ منهم مع الفجر فانطلق الحديث قال البهيقي يحتمل ان يكون قوله في الصحيح ما صحبه منا أحد أراد به في حال اقرائه القرآن لكن قوله في الصحيح انهم فقدوه يدل على انهم لم يعلموا بخروجه الا ان يحمل على ان الذي فقده غير الذي خرج معه فالله اعلم ولرواية الزهري متابع من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن بن مسعود قال استتبعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان نفرا من الجن خمسة عشر بني اخوة وبني عم يأتونني الليلة فأقرأ عليهم القرآن فانطلقت معه الى المكان الذي أراد فخط لي خطا فذكر الحديث نحوه أخرجه الدارقطني وابن مردويه وغيرهما واخرج بن مردويه من طريق أبي الجوزاء عن بن مسعود نحوه مختصرا وذكر بن إسحاق ان استماع الجن كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف لما خرج إليها يدعو ثقيفا الى نصره وذلك بعد موت أبي طالب وكان ذلك في سنة عشر من المبعث كما جزم بن سعد بأن خروجه الى الطائف كان في شوال وسوق عكاظ التي أشار إليها بن عباس كانت تقام في ذي القعدة وقول بن عباس في حديثه وهو يصلي بأصحابه لم يضبط ممن كان معه في تلك السفرة غير زيد بن حارثة فلعل بعض الصحابة تلقاه لما رجع والله اعلم وقول من قال ان وفود الجن كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف ليس صريحا في اولية قدوم بعضهم والذي يظهر من سياق الحديث الذي فيه المبالغة في رمي الشهب لحراسة السماء من استراق الجن السمع دال على ان ذلك كان قبل المبعث النبوي وانزال الوحي الى الأرض فكشفوا ذلك الى ان وقفوا على السبب ولذلك لم يقيد الترجمة بقدوم ولا وفادة ثم لما انتشرت الدعوة واسلم من اسلم قدموا فسمعوا فأسلموا وكان ذلك بين الهجرتين ثم تعدد مجيئهم حتى في المدينة

[ 3646 ] قوله حدثني عبيد الله بن سعيد هو أبو قدامة السرخسي وهو بالتصغير مشهور بكنيته وفي طبقته عبد الله بن سعيد مكبر وهو أبو سعيد الأشج قوله عن معن بن عبد الرحمن أي بن عبد الله بن مسعود وهو كوفي ثقة ما له في البخاري الا هذا الموضع قوله من آذن بالمد أي اعلم قوله انه آذنت بهم شجرة في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة بهذا الإسناد آذنت بهم سمرة بفتح المهملة وضم الميم

[ 3647 ] قوله في حديث أبي هريرة أخبرني جدي هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قوله ابغني قال بن التين هو موصول من الثلاثي تقول بغيت الشيء طلبته وابغيتك الشيء اعنتك على طلبه قوله احجارا استنفض بها تقدم شرح ذلك في كتاب الطهارة قوله وانه أتاني وفد جن نصيبين يحتمل ان يكون خبرا عما وقع في تلك الليلة ويحتمل ان يكون خبرا عما مضى قبل ذلك ونصيبين بلدة مشهورة بالجزيرة ووقع في كلام بن التين انها بالشام وفيه تجوز فان الجزيرة بين الشام والعراق ويجوز صرف نصيبين وتركه قوله فسألوني الزاد أي مما يفضل عن الأنس وقد يتعلق به من يقول ان الأشياء قبل الشرع على الحظر حتى ترد الإباحة ويجاب عنه بمنع الدلالة على ذلك بل لا حكم قبل الشرع على الصحيح قوله فدعوت الله لهم ان لا يمروا بعظم ولا روثة الا وجدوا عليها طعما في رواية السرخسي الا وجدوا عليها طعاما قال بن التين يحتمل ان يجعل الله ذلك عليها ويحتمل ان يذيقهم منها طعاما وفي حديث بن مسعود عند مسلم ان البعر زاد دوابهم ولا ينافي ذلك حديث الباب لا مكان حمل الطعام فيه على طعام الدواب

قوله باب إسلام أبي ذر الغفاري هو جندب وقيل بريد بن جنادة بضم الجيم والنون الخفيفة بن سفيان وقيل سفير بن عبيد بن حرام بالمهملتين بن غفار وغفار من بني كنانة

[ 3648 ] قوله حدثنا المثنى هو بن سعيد الضبعي له في البخاري حديثان هذا واخر تقدم في ذكر بني إسرائيل وأبو جمرة هو بالجيم نصر بن عمران قوله ان أبا ذر قال لأخيه هو أنيس قوله اركب الى هذا الوادي أي وادي مكة وفي أول رواية أبي قتيبة الماضية في مناقب قريش قال لنا بن عباس الا أخبركم بإسلام أبي ذر قال قلنا بلى قال قال أبو ذر كنت رجلا من غفار وهذا السياق يقتضي ان بن عباس تلقاه من أبي ذر وقد اخرج مسلم قصة إسلام أبي ذر من طريق عبد الله بن الصامت عنه وفيها مغايرة كثيرة لسياق بن عباس ولكن الجمع بينهما ممكن وأول حديثه خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت انا وأخي أنيس وامنا فنزلنا على خال لنا فحسدنا قومه فقالوا له انك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس فذكر لنا ذلك فقلنا له اما ما مضى لنا من معروفك فقد كدرته فتحملنا عليه وجلس يبكي فانطلقنا نحو مكة فنافر أخي أنيس رجلا الى الكاهن فخير انيسا فأتانا بصرمتنا ومثلها معها قال وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين قلت لمن قال لله قلت فأين توجه قال حيث يوجهني ربي قال فقال لي أنيس ان لي حاجة بمكة فانطلق ثم جاء فقلت ماصنعت قال لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم ان الله أرسله قلت فما يقول الناس قال يقولون شاعر كاهن ساحر وكان أنيس شاعرا فقال لقد سمعت كلام الكهنة فما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على اقراء الشعر فما يلتئم عليها والله انه لصادق قلت وهذا الفصل في الظاهر مغاير لقوله في حديث الباب ان أبا ذر قال لأخيه ما شفيتني ويمكن الجمع بأنه كان أراد منه ان يأتيه بتفاصيل من كلامه واخباره فلم يأته الا بمجمل قوله فانطلق الأخ في رواية الكشميهني فانطلق الاخر أي أنيس قال عياض وقع عند بعضهم فانطلق الأخ الآخر والصواب الاقتصار على أحدهما لأنه لا يعرف لأبي ذر الا أخ واحد وهو أنيس قلت وعند مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي أي عن المثنى فانطلق الآخر حسب قوله حتى قدمه أي الوادي وادي مكة وفي رواية بن مهدي فانطلق الآخر حتى قدم مكة قوله رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر كذا في هذه الرواية ووافقها عبد الرحمن بن مهدي عند مسلم وقوله وكلاما منصوب بالعطف على الضمير المنصوب وفيه اشكال لأن الكلام لا يرى ويجاب عنه بأنه من قبيل علفتها تبنا وماء باردا وفيه الوجهان الاضمار أي وسقيتها أو ضمن العلف معنى الإعطاء وهنا يمكن ان يقال التقدير رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وسمعته يقول كلاما ما هو بالشعر أو ضمن الرؤية معنى الأخذ عنه ووقع في رواية أبي قتيبة رأيته يأمر بالخير وينهى عن الشر ولا اشكال فيها قوله وكره ان يسأل عنه لأنه عرف ان قومه يؤذون من يقصده أو يؤذونه بسبب قصده من يقصده أو لكراهتهم في ظهور امره لا يدلون من يسأل عنه عليه أو يمنعونه من الاجتماع به أو يخدعونه حتى يرجع عنه قوله فرآه علي بن أبي طالب وهذا يدل على ان قصة أبي ذر وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي ان يستقل بمخاطبة الغريب ويضيفه فان الأصح في سن علي حين المبعث كان عشر سنين وقيل أقل من ذلك وهذا الخبر يقوي القول الصحيح في سنه قوله فعرف انه غريب في رواية أبي قتيبة فقال كأن الرجل غريب قلت نعم قوله فلما رآه تبعه في رواية أبي قتيبة قال فانطلق الى المنزل فانطلقت معه قوله اما نال الرجل أي اما حان يقال نال له بمعنى آن له ويروى اما آن بمد الهمزة و انى بالقصر وبفتح النون وكلها بمعنى وقد تقدم في قصة الهجرة في قول أبي بكر الصديق اما آن للرحيل مثله وقوله ان يعلم منزله أي مقصده ويحتمل ان يكون علي أشار بذلك الى دعوته الى بيته لضيافته ثانيا وتكون إضافة المنزل اليه مجازية لكونه قد نزل به مرة ويؤيد الأول قول أبي ذر في جوابه قلت لا كما في رواية أبي قتيبة قوله يوم الثالث كذا فيه وهو كقولهم مسجد الجامع وليس من إضافة الشيء الى نفسه عند التحقيق قوله فعاد علي على مثل ذلك في رواية الكشميهني فغدا على مثل ذلك وفي رواية أبي قتيبة فقال فانطلق معي قوله لترشدنني كذا للأكثر بنونين وفي رواية الكشميهني بواحدة مدغمة قوله فأخبرته كذا للأكثر وفيه التفات وفي رواية الكشميهني فأخبره على نسق ما تقدم قوله قمت كأني اريق الماء في رواية أبي قتيبة كأني اصلح نعلي ويحمل على انه قالهما جميعا قوله فانطلق يقفوه أي يتبعه قوله ودخل معه قال الداودي فيه الدخول بدخول المتقدم وكأن هذا من قبل آية الاستئذان وتعقبه بن التين فقال لاتؤخذ الاحكام من مثل هذا قلت وفي كلام كل منهما من النظر ما لا يخفى قوله فسمع من قوله واسلم مكانه كأنه كان يعرف علامات النبي فلما تحققها لم يتردد في الإسلام هكذا في هذه الرواية ومقتضاها ان التقاء أبي ذر بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بدلالة علي وفي رواية عبد الله بن الصامت ان أبا ذر لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في الطواف بالليل قال فلما قضى صلاته قلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته قال فكنت أول من حياه بالسلام قال من أين أنت قلت من بني غفار قال فوضع يده على جبهته فقلت كره ان انتميت الى غفار فذكر الحديث في شأن زمزم وانه استغنى بها عن الطعام والشراب ثلاثين من بين يوم وليلة وفيه فقال أبو بكر ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة وانه اطعمه من زبيب الطائف الحديث واكثره مغاير لما في حديث بن عباس هذا عن أبي ذر ويمكن التوفيق بينهما بأنه لقيه اولا مع علي ثم لقيه في الطواف أو بالعكس وحفظ كل منهما عنه ما لم يحفظ الآخر كما في رواية عبد الله بن الصامت من الزيادة ما ذكرناه ففي رواية بن عباس أيضا من الزيادة قصته مع علي وقصته مع العباس وغير ذلك وقال القرطبي في التوفيق بين الروايتين تكلف شديد ولا سيما ان في حديث عبد الله بن الصامت ان أبا ذر أقام ثلاثين لا زاد له وفي حديث بن عباس انه كان معه زاد وقربة ماء الى غير ذلك قلت ويحتمل الجمع بأن المراد بالزاد في حديث بن عباس ما تزوده لما خرج من قومه ففرغ لما أقام بمكة والقربة التي كانت معه كان فيها الماء حال السفر فلما أقام بمكة لم يحتج الى ملئها ولم يطرحها ويؤيده انه وقع في رواية أبي قتيبة المذكورة فجعلت لا اعرفه واكره ان اسأل عنه واشرب من ماء زمزم واكون في المسجد الحديث قوله ارجع الى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري في رواية أبي قتيبة اكتم هذا الأمر وارجع الى قومك فأخبرهم فإذا بلغك ظهورنا فأقبل وفي رواية عبد الله بن الصامت انه قد وجهت لي ارض ذات نخل فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله ان ينفعهم بك فذكر قصة إسلام أخيه أنيس وأمه وانهم توجهوا الى قومهم غفار فأسلم نصفهم الحديث قوله لأصرخن بها أي بكلمة التوحيد والمراد انه يرفع صوته جهارا بين المشركين وكأنه فهم ان أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالكتمان ليس على الإيجاب بل على سبيل الشفقة عليه فأعلمه ان به قوة على ذلك ولهذا اقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ويؤخذ منه جواز قول الحق عند من يخشى منه الأذية لمن قاله وان كان السكوت جائزا والتحقيق ان ذلك مختلف باختلاف الأحوال والمقاصد وبحسب ذلك يترتب وجود الأجر وعدمه قوله ثم قام القوم في رواية أبي قتيبة فقالوا قوموا الى هذا الصابي بالياء اللينة فقاموا وكانوا يسمون من اسلم صابيا لأنه من صبا يصبو إذا انتقل من شيء الى شيء قوله فضربوه حتى اوجعوه في رواية أبي قتيبة فضربت لأموت أي ضربت ضربا لايبالي من ضربني ان لو اموت منه قوله فأقلعوا عني أي كفوا قوله فأكب العباس عليه في رواية أبي قتيبة فقال مثل مقالته بالأمس وفي الحديث ما يدل على حسن تأتي العباس وجودة فطنته حيث توصل الى تخليصه منهم بتخويفهم من قومه ان يقاصوهم بأن يقطعوا طرق متجرهم وكان عيشهم من التجارة فلذلك بادروا الى الكف عنه وفي الحديث دلالة على تقدم إسلام أبي ذر لكن الظاهر ان ذلك كان بعد المبعث بمدة طويلة لما فيه من الحكاية عن علي كما قدمناه ومن قوله أيضا في رواية عبد الله بن الصامت اني وجهت لي ارض ذات نخل فان ذلك يشعر بأن وقوع ذلك كان قرب الهجرة والله اعلم

قوله باب إسلام سعيد بن زيد أي بن عمرو بن نفيل وأبوه تقدم ذكره وانه بن عم عمر بن الخطاب قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم

[ 3649 ] قوله لقد رأيتني بضم المثناة والمعنى رأيت نفسي وان عمر لموثقي على الإسلام أي ربطه بسبب إسلامه اهانة له والزاما بالرجوع عن الإسلام وقال الكرماني في معناه كان يثبتني على الإسلام ويسددني كذا قال وكأنه ذهل عن قوله هنا قبل ان يسلم فان وقوع التثبيت منه وهو كافر لضمره على الإسلام بعيد جدا مع انه خلاف الواقع وسيأتي في كتاب الإكراه باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر وكأن السبب في ذلك انه كان زوج فاطمة بنت الخطاب أخت عمر ولهذا ذكر في اخر باب إسلام عمر رأيتني موثقي عمر على الإسلام انا وأخته وكان إسلام عمر متأخرا عن إسلام أخته وزوجها لأن أول الباعث له على دخوله في الإسلام ماسمع في بيتها من القرآن في قصة طويلة ذكرها الدارقطني وغيره قوله ولو ان أحدا ارفض أي زال من مكانه في الرواية الآتية انقض بالنون والقاف بدل الراء والفاء أي سقط وزعم بن التين انه أرجح الروايات وفي رواية الكشميهني بالنون والفاء وهو بمعنى الأول قوله لكان في الرواية الآتية لكان محقوقا ان ينقض وفي رواية الإسماعيلي لكان حقيقا أي واجبا تقول حق عليك ان تفعل كذا وأنت حقيق ان تفعله وانما قال ذلك سعيد لعظم قتل عثمان وهو مأخوذ من قوله تعالى تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا قال بن التين قال سعيد ذلك على سبيل التمثيل وقال الداودي معناه لو تحركت القبائل وطلبت بثار عثمان لكان أهلا لذلك وهذا بعيد من التأويل

قوله باب إسلام عمر بن الخطاب قد تقدم نسبه في مناقبه

[ 3650 ] قوله أنبأنا سفيان هو الثوري قوله ما زلنا اعزة منذ اسلم عمر زاد الإسماعيلي من طريق أبي داود الحفري عن سفيان في حديث ذكره أي من كلام بن مسعود وقد تقدم في مناقب عمر الإلمام بشيء من ذلك الحديث الثاني

[ 3651 ] قوله فأخبرني جدي ظاهر السياق انه معطوف على شيء تقدم وقد رواه الإسماعيلي من طريق بن وهب هذه فقال فيها عن بن وهب أخبرني عمر بن محمد قوله وعليه حلة حبر بكسر المهملة وفتح الموحدة وهو برد مخطط بالوشي وفي رواية حبرة بزيادة هاء قوله ان أسلمت بفتح الالف وتخفيف النون أي لأجل إسلامي قوله لا سبيل عليك بعد ان قالها أي الكلمة المذكورة وهي قوله لا سبيل عليك قوله امنت بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون النون وضم المثناة أي حصل الأمان في نفسي بقوله ذلك ووقع في رواية الأصيلي بمد الهمزة وهو خطأ فإنه كان قد اسلم قبل ذلك وذكر عياض ان في رواية الحميدي بالقصر أيضا لكنه بفتح المثناة وهو خطأ أيضا لأنه يصير من كلام العاص بن وائل وليس كذلك بل هو من كلام عمر يريد انه امن لما قال له العاص بن وائل تلك المقالة ويؤيده الحديث الذي بعده الحديث الثالث

[ 3652 ] قوله اجتمع الناس عند داره في رواية الكشميهني اجتمع الناس اليه قوله وانا غلام في رواية أخرى انه كان بن خمس سنين وإذا كان كذلك خرج منه ان إسلام عمر كان بعد المبعث بست سنين أو بسبع لان بن عمر كما سيأتي في المغازي كان يوم أحد بن أربع عشرة سنة وذلك بعد المبعث بست عشرة سنة فيكون مولده بعد المبعث بسنتين قوله على ظهر بيتي قال الداودي هو غلط والمحفوظ ظهر بيتنا وتعقبه بن التين بأن بن عمر أراد انه الآن بيته أي عند مقالته تلك وكان قبل ذلك لأبيه ولا يخفى عدم الاحتياج الى هذا التأويل وانما نسب بن عمر البيت الى نفسه مجازا أو مراده المكان الذي كان يأوي فيه سواء كان ملكه أم لا وأيضا فإنه ان أراد نسبته اليه حال مقالته تلك لم يصح لأن بني عدي بن كعب رهط عمر لما هاجروا استولى غيرهم على بيوتهم كما ذكره بن إسحاق وغيره فلم يرجعوا فيها وأيضا فان بن عمر لم ينفرد بالإرث من عمر فتحتاج دعوى ان يكون اشترى حصص غيره الى نقل فيتعين الذي قلته قوله فما ذاك أي فلا بأس اولا قتل أو لا يعترض له وقوله انا له جار أي اجرته من ان يظلمه ظالم وقوله تصدعوا أي تفرقوا عنه قوله قالوا العاص بن وائل زاد بن أبي عمر في روايته عن سفيان قال فعجبت من عزته وكذا عند الإسماعيلي من وجهين عن سفيان وفي رواية عبد الله بن داود عن عمر بن محمد عند الإسماعيلي فقلت لعمر من الذي ردهم عنك يوم أسلمت قال يا بني ذاك العاص بن وائل أي بن هاشم بن سعيد بالتصغير بن سهم القرشي السهمي مات على كفره قبل الهجرة بمدة والعاص بمهملتين من العوص لا من العصيان والصاد مرفوعة ويجوز كسرها وقيل انه من العصيان فهو بالكسر جزما ويجوز اثبات الياء كالقاضي ويؤيده كتاب عمر الى عمرو وهو عامله على مصر الى العاصي بن العاصي وأطلق عليه ذلك لكونه خالف شيئا مما كان امره به في ولايته على مصر لما ظهر له من المصلحة الحديث الرابع

[ 3653 ] قوله حدثني عمر هو بن محمد بن زيد وهو شيخ بن وهب في الحديث الثاني ووهم من زعم انه عمر بن الحارث كالكلاباذي فقد وقع في رواية الإسماعيلي عن عمر بن محمد قوله ما سمعت عمر يقول لشيء اني لاظنه كذا الا كان أي عن شيء واللام قد تأتي بمعنى عن كقوله وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا اليه قوله الا كان كما يظن هو موافق لما تقدم في مناقبه انه كان محدثا بفتح الدال وتقدم شرحه قوله إذ مر به رجل جميل هو سواد بفتح المهملة وتخفيف الواو وآخره مهملة بن قارب بالقاف والموحدة وهو سدوسي أو دوسي وقد اخرج بن أبي خيثمة وغيره من طريق أبي جعفر الباقر قال دخل رجل يقال له سواد بن قارب السدوسي على عمر فقال يا سواد أنشدك الله هل تحسن من كهانتك شيئا فذكر القصة واخرج الطبراني والحاكم وغيرهما من طريق محمد بن كعب القرظي قال بينما عمر قاعد في المسجد فذكر مثل سياق أبي جعفر واتم منه وهما طريقان مرسلان يعضد أحدهما الاخر واخرج البخاري في تاريخه والطبراني من طريق عباد بن عبد الصمد عن سعيد بن جبير قال أخبرني سواد بن قارب قال كنت نائما فذكر قصته الأولى دون قصته مع عمر وهذا ان ثبت دل على تاخر وفاته لكن عبادا ضعيف ولابن شاهين من طريق أخرى ضعيفة عن أنس قال دخل رجل من دوس يقال له سواد بن قارب على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصته أيضا وهذه الطرق يقوى بعضها ببعض وله طرق أخرى سأذكر ما فيها من فائدة قوله لقد أخطأ ظني في رواية بن عمر عند البهيقي لقد كنت ذا فراسة وليس لي الآن رأي ان لم يكن هذا الرجل ينظر في الكهانة قوله أو بسكون الواو على دين قومه في الجاهلية أي مستمر على عبادة ما كانوا يعبدون قوله أو بسكون الواو أيضا لقد كان كاهنهم أي كان كاهن قومه وحاصله ان عمر ظن شيئا مترددا بين شيئين أحدهما يتردد بين شيئين كأنه قال هذا الظن اما خطأ أو صواب فان كان صوابا فهذا الآن اما باق على كفره واما كان كاهنا وقد أظهر الحال القسم الأخير وكأنه ظهرت له من صفة مشيه أو غير ذلك قرينة اثرت له ذلك الظن فالله اعلم قوله علي بالتشديد الرجل بالنصب أي احضروه الي وقربوه مني قوله فقال له ذلك أي ما قاله في غيبته من التردد وفي رواية محمد بن كعب فقال له فأنت على ما كنت عليه من كهانتك فغضب وهذا من تلطف عمر لأنه اقتصر على أحسن الأمرين قوله ما رأيت كاليوم أي ما رأيت شيئا مثل ما رأيت اليوم قوله استقبل بضم التاء على البناء للمجهول قوله رجل مسلم في رواية النسفي وأبي ذر رجلا مسلما ورأيته مجودا بفتح تاء استقبل على البناء للفاعل وهو محذوف تقديره أحد وضبطه الكرماني استقبل بضم التاء واعرب رجلا مسلما على انه مفعول رأيت وعلى هذا فالضمير في قوله به يعود على الكلام ويدل عليه السياق وبينه البهيقي في رواية مرسلة قد جاء الله بالإسلام فما لنا ولذكر الجاهلية قوله فاني اعزم عليك أي الزمك وفي رواية محمد بن كعب ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك قوله الا أخبرتني أي ما اطلب منك الا الاخبار قوله كنت كاهنهم في الجاهلية الكاهن الذي يتعاطى الخبر من الأمور المغيبة وكانوا في الجاهلية كثيرا فمعظمهم كان يعتمد على تابعه من الجن وبعضهم كان يدعي معرفة ذلك بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله وهذا الأخير يسمى العراف بالمهملتين وسيأتي حكم ذلك واضحا في كتاب الطب وتقدم طرف منه في اخر البيوع ولقد تلطف سواد في الجواب إذ كان سؤال عمر عن حاله في كهانته إذ كان من أمر الشرك فلما الزمه أخبره بآخر شيء وقع له لما تضمن من الاعلام بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكان سببا لاسلامه قوله ما أعجب بالضم و ما استفهامية قوله جنيتك بكسر الجيم والنون الثقيلة أي الواحدة من الجن كأنه انث تحقيرا ويحتمل ان يكون عرف ان تابع سواد منهم كان أنثى أو هو كما يقال تابع الذكر يكون أنثى وبالعكس قوله اعرف فيها الفزع بفتح الفاء والزاي أي الخوف وفي رواية محمد بن كعب ان ذلك كان وهو بين النائم واليقظان قوله الم تر الجن وإبلاسها بالموحدة والمهملة والمراد به اليأس ضد الرجاء وفي رواية أبي جعفر عجبت للجن وإبلاسها وهو اشبه باعراب بقية الشعر ومثله لمحمد بن كعب لكن قال وتحساسها بفتح المثناة وبمهملات أي انها فقدت أمرا فشرعت تفتش عليه قوله ويأسها من بعد انكاسها اليأس بالتحتانية ضد الرجاء والانكاس الانقلاب قال بن فارس معناه انها يئست من استراق السمع بعد ان كانت قد الفته فانقلبت عن الاستراق قد يئست من السمع ووقع في شرح الداودي بتقديم السين على الكاف وفسره بأنه المكان الذي الفته قال ووقع في رواية من بعد ايناسها أي انها كانت انست بالاستراق ولم ار ما قاله في شيء من الروايات وقد شرح الكرماني على اللفظ الأول الذي ذكره الداودي وقال الانساك جمع نسك والمراد به العبادة ولم ار هذا القسيم في غير الطريق التي أخرجها البخاري وزاد في رواية الباقر ومحمد بن كعب وكذا عند البهيقي موصولا من حديث البراء بن عازب بعد قوله واحلاسها تهوي الى مكة تبغي الهدى مامؤمنوها مثل ارجاسها فاسم الى الصفوة من هاشم واسم بعينيك الى رأسها وفي روايتهم ان الجني عاوده ثلاث ليال ينشده هذه الأبيات مع تغيير قوافيها فجعل بدل قوله ابلاسها تطلابها أوله مثناة وتارة تجأرها بجيم وهمزة وبدل قوله احلاسها اقتابها بقاف ومثناة جمع قتب وتارة اكوارها وبدل قوله مامؤمنوها مثل ارجاسها ليس قداماها كأذنابها وتارة ليس ذوو الشر كأخيارها وبدل قوله راسها نابها وتارة قال ما مؤمنو الجن ككفارها وعندهم من الزيادة أيضا انه في كل مرة يقول له قد بعث محمد فانهض اليه ترشد وفي الرواية المرسلة قال فارتعدت فرائصي حتى وقعت وعندهم جميعا انه لما أصبح توجه الى مكة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر فأتاه فأنشده أبياتا يقول فيها أتاني رئي بعد ليل وهجعة ولم يك فيما قد بلوت بكاذب ثلاث ليال قوله كل ليلة اتاك نبي من لؤي بن غالب يقول في اخرها فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب وفي اخر الرواية المرسلة فالتزمه عمر وقال لقد كنت احب ان اسمع هذا منك قوله ولحوقها بالقلاص واحلاسها القلاص بكسر القاف وبالمهملة جمع قلص بضمتين وهو جمع قلوص وهي الفتية من النياق والاحلاس جمع حلس بكسر أوله وسكون ثانيه وبالمهملتين وهو ما يوضع على ظهور الإبل تحت الرحل ووقع هذا القسيم غير موزون وفي رواية الباقر ورحلها العيس بأحلاسها وهذا موزون والعيس بكسر أوله وسكون التحتانية وبالمهملتين الإبل قوله قال عمر صدق بينما انا عند الهتهم ظاهر هذا ان الذي قص القصة الثانية هو عمر وفي رواية بن عمر وغيره ان الذي قصها هو سواد بن قارب ولفظ بن عمر عند البهيقي قال لقد رأى عمر رجلا فذكر القصة قال فأخبرني عن بعض ما رأيت قال اني ذات ليلة بواد إذ سمعت صائحا يقول يا جليح خبر نجيح رجل فصيح يقول لا إله إلا الله عجبت للجن وإبلاسها فذكر القصة ثم ساق من طريق أخرى مرسلة قال مر عمر برجل فقال لقد كان هذا كاهنا الحديث وفيه فقال عمر أخبرني فقال نعم بينا انا جالس إذ قالت لي الم تر الى الشياطين وإبلاسها الحديث قال عمر الله أكبر فقال أتيت مكة فإذا برجل عند تلك الانصاب فذكر قصة العجل وهذا يحتمل فيه ما احتمل في حديث الصحيح ان يكون القائل أتيت مكة هو عمر أو صاحب القصة قوله عند الهتهم أي اصنامهم قوله إذ جاء رجل لم اقف على اسمه لكن عند أحمد من وجه اخر انه بن عبس فأخرج من طريق مجاهد عن شيخ أدرك الجاهلية يقال له بن عبس قال كنت اسوق بقرة لنا فسمعت من جوفها فذكر الرجز قال فقدمنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث ورجاله ثقات وهو شاهد قوي لما في رواية بن عمر وان الذي حدث بذلك هو سواد بن قارب وساذكر بعد هذا ما يقوي ان الذي سمع ذلك هو عمر فيمكن ان يجمع بينهما بتعدد ذلك لهما قوله يا جليح بالجيم والمهملة بوزن عظيم ومعناه الوقح المكافح بالعداوة قال بن التين يحتمل ان يكون نادى رجلا بعينه ويحتمل ان يكون أراد من كان بتلك الصفة قلت ووقع في معظم الروايات التي أشرت إليها يا آل ذريح بالذال المعجمة والراء واخره مهملة وهم بطن مشهور في العرب قوله رجل فصيح من الفصاحة وفي رواية الكشميهني بتحتانية أوله بدل الفاء من الصياح ووقع في حديث بن عبس قول فصيح رجل يصيح قوله يقول لا اله الا أنت وفي رواية الكشميهني لا إله إلا الله وهو الذي في بقية الروايات قوله فما نشبنا بكسر المعجمة وسكون الموحدة أي لم نتعلق بشيء من الأشياء حتى سمعنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج يريد ان ذلك كان بقرب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم تنبيهان أحدهما ذكر بن التين ان الذي سمعه سواد بن قارب من الجني كان من اثر استراق السمع وفي جزمه بذلك نظر والذي يظهر ان ذلك كان من اثر منع الجن من استراق السمع ويبين ذلك ما أخرجه المصنف في الصلاة و يأتي في تفسير سورة الجن عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث منع الجن من استراق السمع فضربوا المشارق والمغارب يبحثون عن سبب ذلك حتى رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه صلاة الفجر الحديث التنبيه الثاني لمح المصنف بإيراد هذه القصة في باب إسلام عمر بما جاء عن عائشة وطلحة عن عمر من ان هذه القصة كانت سبب إسلامه فروى أبو نعيم في الدلائل ان أبا جهل جعل لمن يقتل محمدا مائة ناقة قال عمر فقلت له يا أبا الحكم الضمان صحيح قال نعم قال فتقلدت سيفي اريده فمررت على عجل وهم يريدون ان يذبحوه فقمت انظر إليهم فإذا صائح يصيح من جوف العجل يا آل ذريح أمر نجيح رجل يصيح بلسان فصيح قال عمر فقلت في نفسي ان هذا الأمر ما يراد به الا انا قال فدخلت على أختي فإذا عندها سعيد بن زيد فذكر القصة في سبب إسلامه بطولها وتامل ما في إيراده حديث سعيد بن زيد الذي بعد هذا وهو الحديث الخامس من المناسبة لهذه القصة قوله انقض بنون وقاف وللكشميهني بفاء بدل القاف في الموضعين ولأبي نعيم في المستخرج بالفاء والراء ومعانيها متقاربة والله اعلم تنبيه جعل بن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة ولم يذكر انشقاق القمر فاقتضى صنيع المصنف انه وقع في تلك الأيام وقد ذكر بن إسحاق من وجه آخر ان إسلام عمر كان عقب هجرة الحبشة الأولى

قوله باب انشقاق القمر أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المعجزة له وقد ترجم بمعنى ذلك في علامات النبوة قوله عن أنس زاد في الرواية التي في علامات النبوة انه حدثهم

[ 3655 ] قوله ان أهل مكة هذا من مراسيل الصحابة لان أنسا لم يدرك هذه القصة وقد جاءت هذه القصة من حديث بن عباس وهو أيضا ممن لم يشاهدها ومن حديث بن مسعود وجبير بن مطعم وحذيفة وهؤلاء شاهدوها ولم ار في شيء من طرقه ان ذلك كان عقب سؤال المشركين الا في حديث أنس فلعله سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت في بعض طرق حديث بن عباس بيان صورة السؤال وهو وان كان لم يدرك القصة لكن في بعض طرقه ما يشعر بأنه حمل الحديث عن بن مسعود كما ساذكره فاخرج أبو نعيم في الدلائل من وجه ضعيف عن بن عباس قال اجتمع المشركون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظرائهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ان كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين فسال ربه فانشق قوله شقتين بكسر المعجمة أي نصفين وتقدم في العلامات من طريق سعيد وشيبان عن قتادة بدون هذه اللفظة وأخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري من حديث سعيد عن قتادة بلفظ فاراهم انشقاق القمر مرتين وأخرجه من طريق معمر عن قتادة قال بمعنى حديث شيبان قلت وهو في مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أيضا وكذلك أخرجه الامامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ فرقتين قال البهيقي قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة عنه مرتين قلت لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة ولم يختلف على شعبة وهو احفظهم ولم يقع في شيء من طرق حديث بن مسعود بلفظ مرتين انما فيه فرقتين أو فلقتين بالراء أو اللام وكذا في حديث بن عمر فلقتين وفي حديث جبير بن مطعم فرقتين وفي لفظ عنه فانشق باثنتين وفي رواية عن بن عباس عند أبي نعيم في الدلائل فصار قمرين وفي لفظ شقتين وعند الطبراني من حديثه حتى رأوا شقيه ووقع في نظم السيرة لشيخنا الحافظ أبي الفضل وانشق مرتين بالإجماع ولااعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين وتكلم بن القيم على هذه الرواية فقال المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أكثر ومن الثاني انشق القمر مرتين وقد خفي على بعض الناس فادعي ان انشقاق القمر وقع مرتين وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير انه غلط فإنه لم يقع الا مرة واحدة وقد قال العماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر ولعل قائلها أراد فرقتين قلت وهذا الذي لايتجه غيره جمعا بين الروايات ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور ولفظه فصار فرقتين فرقة علت وفرقة للطود منه نزلت وذاك مرتين بالإجماع والنص والتواتر السماع فجمع بين قوله فرقتين وبين قوله مرتين فيمكن ان يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد مع ان في نقل الإجماع في نفس الانشقاق نظرا سيأتي بيانه قوله حتى رأوا حراء بينهما أي بين الفرقتين وحراء تقدم ضبطه في بدء الوحي وهو على يسار السائر من مكة الى منى

[ 3656 ] قوله عن أبي حمزة بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري المروزي قوله عن الأعمش عن إبراهيم وقع في رواية السرخسي والكشميهني في اخر الباب من وجه اخر عن الأعمش حدثنا إبراهيم قوله عن أبي معمر هذا هو المحفوظ ووقع في رواية سعدان بن يحيى ويحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أخرجه بن مردويه ولأبي نعيم نحوه من طريق غريبة عن شعبة عن الأعمش والمحفوظ عن شعبة كما سيأتي في التفسير عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر وهو المشهور وقد أخرجه مسلم من طريق أخرى عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن بن عمر وسيأتي للمصنف معلقا ان مجاهدا رواه عن أبي معمر عن بن مسعود فالله اعلم هل عند مجاهد فيه اسنادان أو قول من قال بن عمر وهم من أبي معمر قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى في رواية مسلم من طريق علي بن مسهر عن الأعمش بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر وهذا لا يعارض قول أنس ان ذلك كان بمكة لأنه لم يصرح بان النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فهي من جملة مكة فلا تعارض وقد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن بن مسعود قال انشق القمر بمكة فرأيته فرقتين وهو محمول على ما ذكرته وكذا وقع في غير هذه الرواية وقد وقع عند بن مردويه بيان المراد فاخرج من وجه اخر عن بن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل ان نصير الى المدينة فوضح ان مراده بذكر مكة الإشارة الى ان ذلك وقع قبل الهجرة ويجوز ان ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى قوله فقال اشهدوا أي اضبطوا هذا القدر بالمشاهدة قوله وقال أبو الضحى الخ يحتمل ان يكون معطوفا على قوله عن إبراهيم فان أبا الضحى من شيوخ الأعمش فيكون للاعمش فيه اسنادان ويحتمل ان يكون معلقا وهو المعتمد فقد وصله أبو داود الطيالسي عن أبي عوانة ورويناه في فوائد أبي طاهرالذهلي من وجه اخر عن أبي عوانة وأخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق هشيم كلاهما عن مغيرة عن أبي الضحى بهذا الإسناد بلفظ انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كفار قريش هذا سحر سحركم بن أبي كبشة فانظروا الى السفار فان اخبروكم انهم رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق قال فما قدم عليهم أحد الا أخبرهم بذلك لفظ هشيم وعند أبي عوانة انشق القمر بمكة نحوه وفيه فان محمدا لايستطيع ان يسحر الناس كلهم قوله وتابعه محمد بن مسلم هو الطائفي وابن أبي نجيح اسمه عبد الله واسم أبيه بتحتانية ثم مهملة خفيفة ومراده انه تابع إبراهيم في روايته عن أبي معمر في قوله ان ذلك كان بمكة لا في جميع سياق الحديث والجمع بين قول بن مسعود تارة بمنى وتارة بمكة اما باعتبار التعدد ان ثبت واما بالحمل على انه كان بمنى ومن قال انه كان بمكة لا ينافيه لان من كان بمنى كان بمكة من غير عكس ويؤيده ان الرواية التي فيها بمنى قال فيها ونحن بمنى والرواية التي فيها بمكة لم يقل فيها ونحن وانما قال انشق القمر بمكة يعني ان الانشقاق كان وهم بمكة قبل ان يهاجروا الى المدينة و بهذا يندفع دعوى الداودي ان بين الخبرين تضادا والله اعلم وابن أبي نجيح رواه عن مجاهد عن أبي معمر و هذه الطريق وصلها عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه البيهقي في الدلائل عن بن عيينة ومحمد بن مسلم جميعا عن بن أبي نجيح بهذا الإسناد بلفظ رأيت القمر منشقا شقتين شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء والسويداء بالمهملة والتصغير ناحية خارج مكة عندها جبل وقول بن مسعود على أبي قبيس يحتمل ان يكون رآه كذلك و هو بمنى كان يكون على مكان مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس ويحتمل ان يكون القمر استمر منشقا حتى رجع بن مسعود من منى الى مكة فرآه كذلك وفيه بعد والذي يقتضيه غالب الروايات ان الانشقاق كان قرب غروبه ويؤيد ذلك اسنادهم الرؤية الى جهة الجبل ويحتمل ان يكون الانشقاق وقع أول طلوعه فان في بعض الروايات ان ذلك كان ليلة البدر أو التعبير بابي قبيس من تغيير بعض الرواة لان الغرض ثبوت رؤيته منشقا إحدى الشقتين على جبل والأخرى على جبل آخر ولا يغاير ذلك قول الراوي الآخر رأيت الجبل بينهما أي بين الفرقتين لأنه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن يساره مثلا صدق انه بينهما وأي جبل آخر كان من جهة يمينه أو يساره صدق انه عليه أيضا وسيأتي في تفسير سورة القمر من وجه آخر عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشهدوا اشهدوا وليس فيه تعيين مكان وأخرجه بن مردويه من روايه بن جريح عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر قال الله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر يقول كما شققت القمر كذلك اقيم الساعة قوله في حديث بن عباس

[ 3657 ] ان القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أورده مختصرا وعند أبي نعيم من وجه آخر انشق القمر فلقتين قال بن مسعود لقد رأيت جبل حراء من بين فلقتي القمر وهذا يوافق الرواية الأولى في ذكر حراء وقد انكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر متمسكين بان الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الإسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلاء إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الإسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الإنخراق والإلتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه وسلم وقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القران انكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا إنكار للعقل فيه لان القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه واما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه ان ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يراصد السماء الا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة ان ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها الا الآحاد فكذلك الانشقاق كان اية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها ويحتمل ان يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم وقال الخطابي انشقاق القمر اية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء وذلك انه ظهر في ملكوت السماء خارجا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول اليه بحيلة فلذلك صار البرهان به أظهر وقد انكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز ان يخفى امره على عوام الناس لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التيسير والتنجيم إذ لا يجوز اطباقهم على تركه واغفاله مع جلالة شأنه ووضوح امره والجواب عن ذلك ان هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها لأنه شيء طلبه خاص من الناس فوقع ليلا لأن القمر لا سلطان له بالنهار ومن شأن الليل ان يكون أكثر الناس فيه نياما ومستكنين بالأبنية والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل انه كان في ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره ومن المستبعد ان يقصدوا الى مراصد مركز القمر ناظرين اليه لا يغفلون عنه فقد يجوز انه وقع ولم يشعر به أكثر الناس وانما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه ولعل ذلك انما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر ثم ابدى حكمة بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شيء منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع فيه الا القرآن بما حاصله ان معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامة اعقبت هلاك من كذب به من قومه للاشتراك في ادراكها بالحس والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية فاختص بها القوم الذين بعث منهم لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الإفهام ولو كان ادراكها عاما لعوجل من كذب به كما عوجل من قبلهم وذكر أبو نعيم في الدلائل نحو ما ذكره الخطابي وزاد ولا سيما إذا وقعت الآية في بلدة كان عامة أهلها يومئذ الكفار الذين يعتقدون انها سحر ويجتهدون في اطفاء نور الله قلت وهو جيد بالنسبة الى من سأل عن الحكمة في قلة من نقل ذلك من الصحابة واما من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه فجوابه انه لم ينقل عن أحد منهم انه نفاه وهذا كاف فان الحجة فيمن اثبت لا فيمن يوجد عنه صريح النفي حتى ان من وجد عنه صريح النفي يقدم عليه من وجد منه صريح الاثبات وقال بن عبد البر قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجمع الغفير الى ان انتهى إلينا ويؤيد ذلك بالآية الكريمة فلم يبق لاستبعاد من استبعد وقوعه عذر ثم أجاب بنحو جواب الخطابي وقال وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على اخرين وأيضا فان زمن الانشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي على الاعتناء بالنظر اليه ومع ذلك فقد بعث أهل مكة الى افاق مكة يسألون عن ذلك فجاءت السفار واخبروا بأنهم عاينوا ذلك وذلك لان المسافرين في الليل غالبا يكونون سائرين في ضوء القمر ولا يخفى عليهم ذلك وقال القرطبي الموانع من مشاهدة ذلك إذا لم يحصل القصد اليه غير منحصرة ويحتمل ان يكون الله صرف جميع أهل الأرض غير أهل مكة وما حولها عن الالتفات الى القمر في تلك الساعة ليختص بمشاهدته أهل مكة كما اختصوا بمشاهدة أكثر الآيات ونقلوها الى غيرهم اه وفي كلامه نظر لأن أحدا لم ينقل ان أحدا من أهل الافاق غير أهل مكة ذكروا انهم رصدوا القمر في تلك الليلة المعينة فلم يشاهدوا انشقاقه فلو نقل ذلك لكان الجواب الذي ابداه القرطبي جيدا ولكن لم ينقل عن أحد من أهل الأرض شيء من ذلك فالاقتصار حينئذ على الجواب الذي ذكره الخطابي ومن تبعه أوضح والله اعلم واما الآية فالمراد بها قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء ان المراد بقوله وانشق القمر أي سينشق كما قال تعالى اتى أمر الله أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع والذي ذهب اليه الجمهور أصح كما جزم به بن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر فإن ذلك ظاهر في ان المراد بقوله وانشق القمر وقوع انشقاقه لأن لكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الإنشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر ووقع ذلك صريحا في حديث بن مسعود كما بيناه قبل ونقل البيهقي في أوائل البعث والنشور عن الحليمي أن من الناس من يقول إن المارد بقوله تعالى وانشق القمر أي سينشق قال الحليمي فإن كان كذلك فقد وقع في عصرنا فشاهدت الهلال ببخارى في الليلة الثالثة منشقا نصفين عرض كل واحد منهما كعرض ليلة أربع أو خمس ثم اتصلا فصار في شكل اترجة الى ان غاب قال وأخبرني بعض من اثق به انه شاهد ذلك في ليلة أخرى اه ولقد عجبت من البيهقي كيف أقر هذا مع إيراده حديث بن مسعود المصرح بان المراد بقوله تعالى وانشق القمر ان ذلك وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ساقه هكذا من طريق بن مسعود في هذه الآية اقتربت الساعة وانشق القمر قال لقد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ساق حديث بن مسعود لقد مضت آية الدخان والروم والبطشة وانشقاق القمر وسيأتي الكلام غلى هذا الحديث الأخير في تفسير سورة الدخان ان شاء الله تعالى

قوله باب هجرة الحبشة أي هجرة المسلمين من مكة الى ارض الحبشة وكان وقوع ذلك مرتين وذكر أهل السير ان الأولى كانت في شهر رجب من سنة خمس من المبعث وان أول من هاجر منهم أحد عشر رجلا وأربع نسوة وقيل وامراتان وقيل كانوا اثني عشر رجلا وقيل عشرة وانهم خرجوا مشاة الى البحر فاستاجروا سفينة بنصف دينار وذكر بن إسحاق ان السبب في ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما رأى المشركين يؤذونهم ولا يستطيع ان يكفهم عنم ان بالحبشة ملكا لا يظلم عنده أحد فلو خرجتم اليه حتى يجعل الله لكم فرجا فكان أول من خرج منهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم و اخرج يعقوب بن سفيان بسند موصول الى أنس قال أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما فقدمت امرأة فقالت له لقد رايتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار فقال صحبهما الله ان عثمان أول من هاجر باهله بعد لوط قلت وبهذا تظهر النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث عثمان وقد سرد بن إسحاق اسماءهم فاما الرجال فهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وأبو حذيفة بن عتبة ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وسهيل بن بيضاء وأبو سبرة بن أبي رهم العامري قال ويقال بدله حاطب بن عمرو العامري قال فهؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين الى الحبشة قال بن هشام وبلغني انه كان عليهم عثمان بن مظعون واما النسوة فهن رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وسهلة بنت سهل امرأة أبي حذيفة وأم سلمة بنت أبي أمية امرأة أبي سلمة وليلى بنت أبي حثمة امرأة عامر بن ربيعة ووافقه الواقدي في سردهن وزاد اثنين عبد الله بن مسعود وحاطب بن عمرو مع انه ذكر في أول كلامه انهم كانوا أحد عشر رجلا فالصواب ما قال بن إسحاق انه اختلف في الحادي عشر هل هو أبو سبرة أو حاطب واما بن مسعود فجزم بن إسحاق بأنه ما كان بالهجرة الثانية ويؤيده ما روى أحمد بإسناد حسن عن بن مسعود قال بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم الى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلا فيهم عبد الله بن مسعود وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وأبو موسى الأشعري فذكر الحديث وقد استشكل ذكر أبي موسى فيهم لان المذكور في الصحيح ان أبا موسى خرج من بلاده هو وجماعة قاصدا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فالقتهم السفينة بأرض الحبشة فحضروا مع جعفر الى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ويمكن الجمع بان يكون أبو موسى هاجر اولا الى مكة فاسلم فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع من بعث الى الحبشة فتوجه الى بلاد قومه وهم مقابل الحبشة من الجانب الشرقي فلما تحقق استقرار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة هاجر هو ومن اسلم من قومه الى المدينة فالقتهم السفينة لاجل هيجان الريح الى الحبشة فهذا محتمل وفيه جمع من الاخبار فليعتمد والله اعلم وعلى هذا فقول أبي موسى بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم أي الى المدينة وليس المراد بلغنا مبعثه ويؤيده انه يبعد كل البعد ان يتاخر علم مبعثه الى مضي نحو عشرين سنة ومع الحمل على مخرجه الى المدينة فلا بد فيه من زيادة استقراره بها وانتصافه ممن عاداه ونحو ذلك والا فبعيد أيضا ان يخفى عنهم خبر خروجه الى المدينة ست سنين ويحتمل ان إقامة أبي موسى بأرض الحبشة طالت لاجل تاخر جعفر عن الحضور الى المدينة حتى يأتيه الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم بالقدوم واما عثمان بن مظعون فذكر فيهم وان كان مذكورا في الأولى لان بن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل السير ذكروا ان المسلمين بلغهم وهم بأرض الحبشة ان أهل مكة أسلموا فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون الى مكة فلم يجدوا ما اخبروا به من ذلك صحيحا فرجعوا وسار معهم جماعة الى الحبشة وهي الهجرة الثانية وسرد بن إسحاق أسماء أهل الهجرة الثانية وهم زيادة على ثمانين رجلا وقال بن جرير الطبري كانوا اثنين وثمانين رجلا سوى نسائهم وأبنائهم و شك في عمار بن ياسر هل كان فيهم وبه تتكمل العدة ثلاثة وثمانين وقيل ان عدة نسائهم كانت ثماني عشرة امرأة قوله وقالت عائشة اريت دار هجرتكم الخ هذا وقع بعد الهجرة الثانية الى الحبشة كما سيأتي بيانه موصولا مطولا في باب الهجرة الى المدينة قوله فيه عن أبي موسى وأسماء اما حديث أبي موسى فسياتي في آخر الباب واما حديث أسماء وهي بنت عميس فسياتي في غزوة خيبر من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فذكر الحديث وفيه ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة وقد كانت أسماء هاجرت فيمن هاجر الى النجاشي الحديث ثم ذكر قصة الوليد بن عقبة التي مضت في مناقب عثمان وتقدم شرحها مستوفي بتمامه وفيه قوله هنا ان تكلم خالك والغرض منها قول عثمان وهاجرت الهجرتين الأوليين كما قلت و الاوليين بضم الهمزة وتحتانيتين تثنية أولى وهو على طريق التغليب بالنسبة الى هجرة الحبشة فانها كانت أولى وثانية واما المدينة فلم تكن الا واحدة ويحتمل ان تكون الاولية بالنسبة الى أعيان من هاجر فانهم هاجروا متفرقين فتعدد بالنسبة إليهم فمن أول من هاجر عثمان

[ 3659 ] قوله وقال يونس هو بن يزيد وابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم عن الزهري بالإسناد المذكور وطريق يونس وصلها المؤلف في مناقب عثمان واما طريق بن أخي الزهري فوصلها قاسم بن اصبغ في مصنفه ومن طريقه بن عبد البر في تمهيده وهو باللفظ الذي علقه المصنف وهذا التعليق عن هذين وكذا الذي بعده من التفسير في رواية المستملي وحده قوله قال أبو عبد الله بلاء من ربكم الخ وقع في رواية المستملي وحده أيضا وأورده هنا لقوله قد ابتلاك الله والمراد به الاختبار ولهذا قال هو من بلوته إذا استخرجت ما عنده واستشهد بقوله نبلو أي نختبر و مبتليكم أي مختبركم ثم استطرد فقال واما قوله بلاء من ربكم عظيم أي نعم وهو من ابتليته إذا انعمت عليه والأول من ابتليته إذا امتحنته وهذا كله كلام أبي عبيدة في المجاز فرقه في مواضعه وتحرير ذلك ان لفظ البلاء من الأضداد يطلق ويراد به النعمة ويطلق ويراد به النقمة ويطلق أيضا على الاختبار ووقع ذلك كله في القرآن كقوله تعالى بلاء حسنا فهذا من النعمة والعطية وقوله بلاء عظيم فهذا من النقمة ويحتمل ان يكون من الاختبار وكذلك قوله ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والابتلاء بلفظ الافتعال يراد به النقمة والاختبار أيضا الحديث الثاني حديث عائشة ان أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة الحديث كانت أم سلمة قد هاجرت في الهجرة الأولى االى الحبشة مع زوجها أبي سلمة بن عبد الأسد كما تقدم بيانه و هاجرت أم حبيبة وهي بنت أبي سفيان في الهجرة الثانية مع زوجها عبيد الله بن جحش فمات هناك ويقال انه قد تنصر و تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعده وقد تقدم شرح الحديث في كتاب الجنائز الحديث الثالث حديث أم خالد بنت خالد وهو بن سعيد بن العاص بن أمية وكان أبوها ممن هاجر في الهجرة الثانية الى الحبشة وولدت له هناك فسماها امة وكناها أم خالد وأمها امينة بالتصغير ويقال همينة بالهاء بدل الهمزة بنت خلف الخزاعية

[ 3661 ] قوله حدثنا إسحاق بن سعيد السعيدي هو بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وجد أبيه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص الأصغر هو بن عم أم خالد المذكورة وسيأتي شرح الحديث في كتاب اللباس ان شاء الله تعالى الحديث الرابع حديث عبد الله وهو بن مسعود وسليمان في الإسناد هو الأعمش

[ 3662 ] قوله فلما رجعنا من عند النجاشي قد قدمت من عند أحمد حديث بن مسعود انه كان ممن هاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية وتقدم شرح حديث الباب مستوفي في آخر الصلاة وبينت هناك ان رجوع بن مسعود من الحبشة وقع لما بلغ المسلمين الذين بالحبشة ان النبي صلى الله عليه وسلم هاجر الى المدينة فوصل منهم الى مكة أكثر من ثلاثين رجلا وكان وصول بن مسعود الى المدينة و النبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر وظهر بما تقدم من أسماء أهل الهجرة الأولى الى الحبشة وهم من زعم ان بن مسعود كان منهم وانما كان من أهل الهجرة الثانية الحديث الخامس حديث أبي موسى وهو الأشعري قال بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم أي مبعثه

[ 3663 ] قوله ونحن باليمن أي من بلاد قومهم قوله فركبنا سفينة أي لنصل فيها الى مكة قوله فالقتنا سفينتنا الى النجاشي كان الريح هاجت عليهم فما ملكوا أمرهم حتى اوصلتهم بلاد الحبشة قوله في آخر الحديث فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكم أنتم أهل السفينة هجرتان سيأتي هذا الحديث في غزوة خيبر مطولا وفيه البيان بان هذه الجملة الأخيرة انما هي من حديث أسماء بنت عميس كما أشرت اليه في أول الباب والله اعلم تكملة ارض الحبشة بالجانب الغربي من بلاد اليمن ومسافتها طويلة جدا وهم اجناس وجميع فرق السودان يعطون الطاعة لملك الحبشة وكان في القديم يلقب بالنجاشي واما اليوم فيقال له الحطي بفتح المهملة وكسر الطاء المهملة الخفيفة بعدها تحتانية خفيفة ويقال انهم من ولد حبش بن كوش بن حام قال بن دريد جمع الحبش احبوش بضم أوله واما قولهم الحبشة فعلى غير القياس وقد قالوا أيضا حبشان وقالوا احبش واصل التحبيش التجميع والله اعلم

قوله باب موت النجاشي تقدم ذكر اسمه واسم أبيه في الجنائز وان النجاشي لقب من ملك الحبشة وأفاد بن التين انه بسكون الياء يعني انها اصلية لا ياء النسب وحكى غيره تشديدها أيضا وحكى بن دحية كسر نونه وذكر موته هنا استطرادا لكون المسلمين هاجروا اليه وانما وقعت وفاته بعد الهجرة سنة تسع عند الأكثر وقيل سنة ثمان قبل فتح مكة كما ذكره البهيقي في دلائل النبوة وقد استشكل كونه لم يترجم بإسلامه وهذا موضعه وترجم بموته وانما مات بعد ذلك بزمن طويل والجواب انه لما لم يثبت عنده القصة الواردة في صفة إسلامه وثبت عنده الحديث الدال على إسلامه وهو صريح في موته ترجم به ليستفاد من الصلاة عليه انه كان قد اسلم

[ 3664 ] قوله فصلوا على اخيكم اصحمة بمهملتين وزن أربعة تقدم ضبطه في كتاب الجنائز وبيان الاختلاف فيه وانه قيل فيه بالخاء المعجمة

[ 3665 ] قوله في الرواية الثانية حدثنا سعيد هو بن أبي عروبة

[ 3666 ] قوله في الرواية الثالثة عن سليم هو بفتح أوله قوله تابعه عبد الصمد هو بن عبد الوارث أي ان عبد الصمد تابع يزيد بن هارون في روايته إياه عن سليم بن حبان وقد تقدم بيان من وصله في كتاب الجنائز

[ 3667 ] قوله في حديث أبي هريرة عن صالح هو بن كيسان

[ 3668 ] قوله وعن صالح عن بن شهاب هو معطوف على الإسناد الموصول قوله حدثني سعيد هو بن المسيب ووقع في رواية الكشميهني وحده وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهو زيادة لم يتابع عليها ولم يذكرها مسلم في إسناد هذا الحديث وقد تقدم الكلام على مباحث حديثي الباب في كتاب الجنائز

قوله باب تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك أول يوم من المحرم سنة سبع من البعثة وكان النجاشي قد جهز جعفرا ومن معه فقدموا والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وذلك في صفر منها فلعله مات بعد ان جهزهم وفي الدلائل للبيهقي انه مات قبل الفتح وهو اشبه قال بن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي لما رات قريش ان الصحابة قد نزلوا ارضا اصابوا بها امانا وان عمر اسلم وان الإسلام فشا في القبائل اجمعوا على ان يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب فادخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله فأجابوه الى ذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية على عادة الجاهلية فلما رات قريش ذلك اجمعوا على ان يكتبوا بينهم وبين بني هاشم والمطلب كتابا ان لا يعاملوهم ولا يناكحوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا ذلك وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فشلت اصابعه ويقال ان الذي كتبها النضر بن الحارث وقيل طلحة بن أبي طلحة العبدري قال بن إسحاق فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب الى أبي طالب فكانوا معه كلهم الا أبا لهب فكان مع قريش وقيل كان ابتداء حصرهم في المحرم سنة سبع من المبعث قال بن إسحاق فاقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين حتى جهدوا ولم يكن يأتيهم شيء من الاقوات الا خفية حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على انه أرسل الى بعض اقاربه شيئا من الصلات الى ان قام في نقض الصحيفة نفر من اشدهم في ذلك صنيعا هشام بن عمرو بن الحارث العامري وكانت أم أبيه تحت هاشم بن عبد مناف قبل ان يتزوجها جده فكان يصلهم وهم في الشعب ثم مشي الى زهير بن أبي أمية وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فكلمه في ذلك فوافقه ومشيا جميعا الى المطعم بن عدي والى زمعة بن الأسود فاجتمعوا على ذلك فلما جلسوا بالحجر تكلموا في ذلك وانكروه وتواطئوا عليه فقال أبو جهل هذا أمر قضى بليل وفي آخر الأمر اخرجوا الصحيفة فمزقوها وأبطلوا حكمها وذكر بن هشام انهم وجدوا الارضة قد اكلت جميع ما فيها الا اسم الله تعالى واما بن إسحاق و موسى بن عقبة وعروة فذكروا عكس ذلك ان الارضة لم تدع اسما لله تعالى الا اكلته وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة فالله اعلم وذكر الواقدي ان خروجهم من الشعب كان في سنة عشر من المبعث وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين ومات أبو طالب بعد ان خرجوا بقليل قال بن إسحاق ومات هو وخديجة في عام واحد فنالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تنله في حياة أبي طالب ولما لم يثبت عند البخاري شيء من هذه القصة اكتفى بإيراد حديث أبي هريرة لان فيه دلالة على أصل القصة لان الذي أورده أهل المغازي من ذلك كالشرح لقوله في الحديث تقاسموا على الكفر

[ 3669 ] قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا منزلنا غدا ان شاء الله تعالى بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر هكذا أورده مختصرا وقد تقدم في الحج من طريق شعيب عن بن شهاب الزهري بهذا الإسناد بلفظ قال حين أراد قدوم مكة وهذا لا يعارض ما في الباب لأنه يحمل على انه قال ذلك حين أراد دخول مكة في غزوة الفتح وفي ذلك القدوم غزا حنينا ولكن تقدم أيضا من طريق شعيب عن الزهري بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى نحن نازلون غدا الحديث وهذا ظاهر في انه قاله في حجة الوداع فيحمل قوله في رواية الأوزاعي حين أراد قدوم مكة أي صادرا من منى إليها لطواف الوداع ويحتمل التعدد وسيأتي بيان ذلك مع بقية شرح الحديث في غزوة الفتح من كتاب المغازي ان شاء الله تعالى

قوله باب قصة أبي طالب واسمه عند الجميع عبد مناف وشذ من قال عمران بل هو قول باطل نقله بن تيمية في كتاب الرد على الرافضي ان بعض الروافض زعم ان قوله تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ان آل عمران هم آل أبي طالب وان اسم أبي طالب عمران واشتهر بكنيته وكان شقيق عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك اوصى به عبد المطلب عند موته اليه فكفله الى ان كبر واستمر على نصره بعد ان بعث الى ان مات أبو طالب وقد ذكرنا انه مات بعد خروجهم من الشعب وذلك في آخر السنة العاشرة من المبعث وكان يذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرد عنه كل من يؤذيه وهو مقيم مع ذلك على دين قومه وقد تقدم قريبا حديث بن مسعود واما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه واخباره في حياطته والذب عنه معروفة مشهورة ومما اشتهر من شعره في ذلك قوله والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى اوسد في التراب دفينا وقوله كذبتم وبيت الله نبزي محمدا ولما نقاتل حوله ونناضل وقد تقدم شيء من هذه القصيدة في كتاب الاستسقاء وحديث بن عباس في هذا الباب يشهد لذلك ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الأول

[ 3670 ] قوله عن يحيى هو بن سعيد القطان وسفيان هو الثوري وعبد الملك هو بن عمير وعبد الله بن الحارث هو بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب والعباس عم جده قوله ما اغنيت عن عمك يعني أبا طالب قوله كان يحوطك بضم الحاء المهملة من الحياطة و هي المراعاة وفيه تلميح الى ما ذكره بن إسحاق قال ثم ان خديجة و أبا طالب هلكا في عام واحد قبل الهجرة بثلاث سنين و كانت خديجة له وزيرة صدق على الإسلام يسكن إليها وكان أبو طالب له عضدا وناصرا على قومه فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا فحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته يقول ما نالتنى قريش شيئا اكرهه حتى مات أبو طالب قوله ويغضب لك يشير الى ما كان يرد به عنه من قول وفعل قوله هو في ضحضاح بمعجمتين ومهملتين هو استعارة فان الضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب ويقال أيضا لما قرب من الماء وهو ضد الغمرة والمعنى انه خفف عنه العذاب وقد ذكر في حديث أبي سعيد ثالث أحاديث الباب انه يجعل في ضحضاح يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه ووقع في حديث بن عباس عند مسلم ان اهون أهل النار عذابا أبو طالب له نعلان يغلي منهما دماغه ولأحمد من حديث أبي هريرة مثله لكن لم يسم أبا طالب وللبزار من حديث جابر قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هل نفعت أبا طالب قال اخرجته من النار الى ضحضاح منها وسيأتي في اواخر الرقاق من حديث النعمان بن بشير نحوه وفي اخره كما يغلي المرجل بالقمقم والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم الإناء الذي يغلى فيه الماء وغيره والقمقم بضم القافين وسكون الميم الأولى معروف وهو الذي يسخن فيه الماء قال بن الأثير كذا وقع كما يغلي المرجل بالقمقم وفيه نظر ووقع في نسخة كما يغلي المرجل والقمقم وهذا أوضح ان ساعدته الرواية انتهى ويحتمل ان تكون الباء بمعنى مع وقيل القمقم هو البسر كانوا يغلونه على النار استعجالا لنضجه فان ثبت هذا زال الاشكال تنبيه في سؤال العباس عن حال أبي طالب ما يدل على ضعف ما أخرجه بن إسحاق من حديث بن عباس بسند فيه من لم يسم ان أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد ان عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم ان يقول لا إله إلا الله فأبى قال فنظر العباس اليه وهو يحرك شفتيه فأصغى اليه فقال يا بن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي امرته ان يقولها وهذا الحديث لو كان طريقه صحيحا لعارضه هذا الحديث الذي هو أصح منه فضلا عن انه لا يصح وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود من حديث علي قال لما مات أبو طالب قلت يا رسول الله ان عمك الشيخ الضال قد مات قال اذهب فواره قلت انه مات مشركا فقال اذهب فواره الحديث ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الأحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت من ذلك شيء وبالله التوفيق وقد لخصت ذلك في ترجمة أبي طالب من كتاب الإصابة الحديث الثاني

[ 3671 ] قوله حدثنا محمود هو بن غيلان قوله عن أبيه هو حزن بفتح المهملة وسكون الزاي أي بن أبي وهب المخزومي قوله ان أبا طالب لما حضرته الوفاة أي قبل ان يدخل في الغرغرة قوله احاج بتشديد الجيم واصله احاجج وقد تقدم في اواخر الجنائز بلفظ اشهد لك بها عند الله وكأنه عليه الصلاة والسلام فهم من امتناع أبي طالب من الشهادة في تلك الحالة انه ظن ان ذلك لاينفعه لوقوعه عند الموت أو لكونه لم يتمكن من سائر الأعمال كالصلاة وغيرها فلذلك ذكر له المحاججة واما لفظ الشهادة فيحتمل ان يكون ظن ان ذلك لاينفعه إذ لم يحضره حينئذ أحد من المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم فطيب قلبه بأن يشهد له بها فينفعه وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة عند أحمد فقال أبو طالب لولا ان تعيرني قريش يقولون ما حمله عليه الا جزع الموت لأقررت بها عينك واخرج بن إسحاق من حديث بن عباس نحوه قوله وعبد الله بن أبي أمية أي بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وهو أخو أم سلمة التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وقد اسلم عبد الله هذا يوم الفتح واستشهد في تلك السنة في غزوة حنين قوله على ملة عبد المطلب خبر مبتدأ محذوف أي هو وثبت كذلك في طريق أخرى قوله فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ونزلت انك لا تهدي من أحببت اما نزول هذه الآية الثانية فواضح في قصة أبي طالب واما نزول التي قبلها ففيه نظر ويظهر ان المراد ان الآية المتعلقة بالاستغفار نزلت بعد أبي طالب بمدة وهي عامة في حقه وفي حق غيره ويوضح ذلك ما سيأتي في التفسير بلفظ فانزل الله بعد ذلك ما كان للنبي والذين آمنوا الآية وانزل في أبي طالب انك لا تهدي من أحببت ولأحمد من طريق أبي حازم عن أبي هريرة في قصة أبي طالب قال فأنزل الله انك لا تهدي من أحببت وهذا كله ظاهر في انه مات على غير الإسلام ويضعف ما ذكره السهيلي انه رأى في بعض كتب المسعودي انه اسلم لأن مثل ذلك لا يعارض ما في الصحيح الحديث الثالث

[ 3672 ] قوله حدثني بن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد وهو المراد بقوله في الرواية الثانية عن يزيد بهذا أي الإسناد والمتن الا مانبه عليه قوله عن عبد الله بن خباب أي المدني الأنصاري مولاهم وكان من ثقات المدنيين ولم ار له رواية عن غير أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وروى عنه جماعة من التابعين من أقرانه ومن بعده قوله وذكره عنده عمه زاد في رواية أخرى عن بن الهاد الآتية في الرقاق أبو طالب ويؤخذ من الحديث الأول ان الذاكر هو العباس بن عبد المطلب لأنه الذي سأل عن ذلك قوله يبلغ كعبيه قال السهيلي الحكمة فيه ان أبا طالب كان تابعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بجملته الا انه استمر ثابت القدم على دين قومه فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته اياهما على دين قومه كذا قال ولا يخلو عن نظر قوله يغلي منه دماغه وفي الرواية التي تليها يغلي منه أم دماغه قال الداودي المراد أم رأسه وأطلق على الراس الدماغ من تسمية الشيء بما يقاربه ويجاوره ووقع في رواية بن إسحاق يغلي منه دماغه حتى يسيل على قدمه وفي الحديث جواز زيارة القريب المشرك وعيادته وان التوبة مقبولة ولو في شدة مرض الموت حتى يصل الى المعاينة فلا يقبل لقوله تعالى فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا باسنا وان الكافر إذا شهد شهادة الحق نجا من العذاب لان الإسلام يجب ما قبله وان عذاب الكفار متفاوت والنفع الذي حصل لأبي طالب من خصائصه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وانما عرض النبي صلى الله عليه وسلم عليه ان يقول لا إله إلا الله ولم يقل فيها محمد رسول الله لان الكلمتين صارتا كالكلمة الواحدة ويحتمل ان يكون أبو طالب كان يتحقق انه رسول الله ولكن لا يقر بتوحيد الله ولهذا قال في الأبيات النونية ودعوتني وعلمت انك صادق ولقد صدقت وكنت قبل أمينا فاقتصر على امره له بقول لا إله إلا الله فإذا أقر بالتوحيد لم يتوقف على الشهادة بالرسالة تكملة من عجائب الاتفاق ان الذين ادركهم الإسلام من اعمام النبي صلى الله عليه وسلم أربعة لم يسلم منهم اثنان واسلم اثنان وكان اسم من لم يسلم ينافي أسامي المسلمين وهما أبو طالب واسمه عبد مناف وأبو لهب واسمه عبد العزى بخلاف من اسلم وهما حمزة والعباس

قوله حديث الإسراء وقول الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا سيأتي البحث في لفظ أسرى في تفسير سورة سبحان ان شاء الله تعالى قال بن دحية جنح البخاري الى ان ليلة الإسراء كانت غير ليلة المعراج لأنه افرد لكل منهما ترجمة قلت ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما وذلك انه ترجم باب كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء والصلاة انما فرضت في المعراج فدل على اتحادهما عنده وانما افرد كلا منهما بترجمة لأن كلا منهما يشتمل على قصة مفردة وان كانا وقعا معا وقد روى كعب الأحبار ان باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس فأخذ منه بعض العلماء ان الحكمة في الإسراء الى بيت المقدس قبل العروج ليحصل العروج مستويا من غير تعويج وفيه نظر لورود ان في كل سماء بيتا معمورا وان الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة وكان المناسب ان يصعد من مكة ليصل الى البيت المعمور بغير تعويج لأنه صعد من سماء الى سماء الى البيت المعمور وقد ذكر غيره مناسبات أخرى ضعيفة فقيل الحكمة في ذلك ان يجمع صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة بين رؤية القبلتين أو لان بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله فحصل له الرحيل اليه في الجملة ليجمع بين اشتات الفضائل أو لأنه محل الحشر وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الاخروية فكان المعراج منه أليق بذلك أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى أو ليجتمع بالأنبياء جملة كما سيأتي بيانه وسيأتي مناسبة أخرى للشيخ بن أبي جمرة قريبا والعلم عند الله وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الاخبار الواردة فمنهم من ذهب الى ان الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه بعد المبعث والى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواردت عليه ظواهر الاخبار الصحيحة ولا ينبغي العدول عن ذلك إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج الى تأويل نعم جاء في بعض الاخبار ما يخالف بعض ذلك فجنح لاجل ذلك بعض أهل العلم منهم الى ان ذلك كله وقع مرتين مرة في المنام توطئة وتمهيدا ومرة ثانية في اليقظة كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجيء الملك بالوحي فقد قدمت في أول الكتاب ما ذكره بن ميسرة التابعي الكبير وغيره ان ذلك وقع في المنام وانهم جمعوا بينه وبين حديث عائشة بان ذلك وقع مرتين والى هذا ذهب المهلب شارح البخاري وحكاه عن طائفة وأبو نصر بن القشيري ومن قبلهم أبو سعيد في شرف المصطفى قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم معاريج منها ما كان في الليقظة ومنها ما كان في المنام وحكاه السهيلي عن بن العربي واختاره وجوز بعض قائلي ذلك ان تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث لاجل قول شريك في روايته عن أنس وذلك قبل ان يوحى اليه وقد قدمت في آخر صفة النبي صلى الله عليه وسلم بيان ما يرتفع به الاشكال ولا يحتاج معه الى هذا التاويل ويأتي بقية شرحه في الكلام على حديث شريك وبيان ما خالفه فيه غيره من الرواة والجواب عن ذلك وشرحه مستوفى في كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى وقال بعض المتأخرين كانت قصة الإسراء في ليلة المعراج في ليلة متمسكا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك من ترك ذكر الإسراء وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة هذا ولكن ذلك لا يستلزم التعدد بقول هو محمول على ان بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الاخر كما سنبينه وذهب بعضهم الى ان الإسراء كان في اليقظة والمعراج كان في المنام أو ان الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا بالاسراء ولذلك لما أخبر به قريشا كذبوه في الإسراء واستبعدوا وقوعه ولم يتعرضوا للمعراج وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك ابلغ في الذكر فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع مع كون شانه اعجب وأمره أغرب من الإسراء بكثير دل على انه كان مناما واما الإسراء فلو كان مناما لما كذبوه ولا استنكروه لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس وقيل كان الإسراء مرتين في اليقظة فالأولى رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع والثانية أسري به الى بيت المقدس ثم عرج به من ليلته الى السماء الى اخر ما وقع ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض لأن ذلك عندهم من جنس قوله ان الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين وكانوا يعتقدون استحالة ذلك مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة لكنهم عاندوا في ذلك واستمروا على تكذيبه فيه بخلاف اخباره انه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه فطلبوا منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك بخلاف المعراج ويؤيد وقوع المعراج عقب الإسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم ففي أوله أتيت بالبراق فركبت حتى أتيت بيت المقدس فذكر القصة الى ان قال ثم عرج بنا الى السماء الدنيا وفي حديث أبي سعيد الخدري عند بن إسحاق فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج فذكر الحديث ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة ان النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فذكر الحديث فهو وان لم يذكر فيه الإسراء الى بيت المقدس فقد أشار اليه وصرح به في روايته فهو المعتمد واحتج من زعم ان الإسراء وقع مفردا بما أخرجه البزار والطبراني وصححه البيهقي في الدلائل من حديث شداد بن أوس قال قلنا يا رسول الله كيف أسري بك قال صليت صلاة العتمة بمكة فأتاني جبريل بداية فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس وما وقع له فيه قال ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا فذكره قال ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة وفي حديث أم هانئ عند بن إسحاق وأبي يعلى نحو ما في حديث أبي سعيد هذا فإن ثبت ان المعراج كان مناما على ظاهر رواية شريك عن أنس فينتظم من ذلك ان الإسراء وقع مرتين مرة على انفراده ومرة مضموما اليه المعراج وكلاهما في اليقظة والمعراج وقع مرتين مرة في المنام على انفراده توطئة وتمهيدا ومرة في اليقظة مضموما الى الإسراء واما كونه قبل البعث فلا يثبت ويأتي تأويل ما وقع في رواية شريك ان شاء الله تعالى وجنح الامام أبو شامة الى وقوع المعراج مرارا واستند الى ما أخرجه البزار وسعيد بن منصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه قال بينا انا جالس إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي فقمنا الى شجرة فيها مثل وكري الطائر فقعدت في أحدهما وقعد جبريل في الاخر فارتفعت حتى سدت الخافقين الحديث وفيه ففتح لي باب من السماء ورأيت النور الأعظم وإذا دونه حجاب رفرف الدر والياقوت ورجاله لا بأس بهم الا ان الدارقطني ذكر له علة تقتضي إرساله وعلى كل حال فهي قصة أخرى الظاهر انها وقعت بالمدينة ولا بعد في وقوع امثالها وانما المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي وسؤال أهل كل باب هل بعث اليه وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك فان تعدد ذلك في اليقظة لايتجه فيتعين رد بعض الروايات المختلفة الى بعض أو الترجيح الا انه لا بعد في جميع وقوع ذلك في المنام توطئة ثم وقوعه في اليقظة على وفقه كما قدمته ومن المستغرب قول بن عبد السلام في تفسيره كان الإسراء في النوم واليقظة ووقع بمكة والمدينة فان كان يريد تخصيص المدينة بالنوم ويكون كلامه على طريق اللف والنشر غير المرتب فيحتمل ويكون الإسراء الذي اتصل به المعراج وفرضت فيه الصلوات في اليقظة بمكة والاخر في المنام بالمدينة وينبغي ان يزاد فيه ان الإسراء في المنام تكرر بالمدينة النبوية وفي الصحيح حديث سمرة الطويل الماضي في الجنائز وفي غيره حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل وفي الصحيح حديث بن عباس في رؤياه الأنبياء وحديث بن عمر في ذلك وغير ذلك والله اعلم قوله سبحان أصلها للتنزيه وتطلق في موضع التعجب فعلى الأول المعنى تنزه الله عن ان يكون رسوله كذابا وعلى الثاني عجب الله عباده بما انعم به على رسوله ويحتمل ان تكون بمعنى الأمر أي سبحوا الذي أسرى قوله أسرى مأخوذ من السرى وهو سير الليل تقول أسرى وسرى إذا سار ليلا بمعنى هذا قول الأكثر وقال الحوفي أسرى سار ليلا وسرى سار نهارا وقيل أسرى سار من أول الليل وسرى سار من اخره وهذا أقرب والمراد بقوله أسرى بعبده أي جعل البراق يسري به كما يقال امضيت كذا أي جعلته يمضي وحذف المفعول لدلالة السياق عليه ولأن المراد ذكر المسري به لا ذكر الدابة والمراد بقوله بعبده محمد عليه الصلاة والسلام اتفاقا والضمير لله تعالى والإضافة للتشريف وقوله ليلا ظرف للاسراء وهو للتأكيد وفائدته رفع توهم المجاز لأنه قد يطلق على سير النهار أيضا ويقال بل هو إشارة الى ان ذلك وقع في بعض الليل لا في جميعه والعرب تقول سرى فلان ليلا إذا سار بعضه وسرى ليلة إذا سار جميعها ولا يقال أسرى ليلا الا إذا وقع سيره في اثناء الليل وإذا وقع في أوله يقال ادلج ومن هذا قوله تعالى في قصة موسى وبني إسرائيل فأسر بعبادي ليلا أي من وسط الليل

[ 3673 ] قوله سمعت جابر بن عبد الله كذا في رواية الزهري عن أبي سلمة وخالفه عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة فقال عن أبي هريرة أخرجه مسلم وهو محمول على ان لأبي سلمة فيه شيخين لأن في رواية عبد الله بن الفضل زيادة ليست في رواية الزهري قوله لما كذبني في رواية الكشميهني كذبتني بزيادة مثناة وكلاهما جائز وقد وقع بيان ذلك في طرق أخرى فروى البهيقي في الدلائل من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي سلمة قال افتتن ناس كثير يعني عقب الإسراء فجاء ناس الى أبي بكر فذكروا له فقال اشهد انه صادق فقالوا وتصدقه بأنه اتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع الى مكة قال نعم اني اصدقه بأبعد من ذلك اصدقه بخبر السماء قال فسمي بذلك الصديق قال سمعت جابرا يقول فذكر الحديث وفي حديث بن عباس عند أحمد والبزار بإسناد حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ليلة أسري بي واصبحت بمكة مر بي عدو الله أبو جهل فقال هل كان من شيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني أسري بي الليلة الى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين اظهرنا قال نعم قال فان دعوت قومك اتحدثهم بذلك قال نعم قال يا معشر بني كعب بن لؤي قال فانفضت اليه المجالس حتى جاءوا إليهما فقال حدث قومك بما حدثتني فحدثهم قال فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا قالوا وتستطيع ان تنعت لنا المسجد الحديث ووقع في غير هذه الرواية بيان ما رآه ليلة الإسراء فمن ذلك ما وقع عند النسائي من رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل الحديث وفيه فركبت ومعي جبريل فسرت فقال انزل فصل ففعلت فقال أتدري أين صليت صليت بطيبة واليها المهاجرة يعني بفتح الجيم ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني انه أول ما أسري به مر بأرض ذات نخل فقال له جبريل انزل فصل فنزل فصلى فقال صليت بيثرب ثم قال في روايته ثم قال انزل فصل مثل الأول قال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ثم قال انزل فذكر مثله قال صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى وقال في رواية شداد بعد قوله يثرب ثم مر بأرض بيضاء فقال انزل فصل فقال صليت بمدين وفيه انه دخل المدينة من بابها اليماني فصلى في المسجد وفيه انه مر في رجوعه بعير لقريش فسلم عليهم فقال بعضهم هذا صوت محمد وفيه انه أعلمهم بذلك وان عيرهم تقدم في يوم كذا فقدمت الظهر يقدمهم الجمل الذي وصفه وزاد في رواية يزيد بن أبي مالك ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء فقدمني جبريل حتى أممتهم وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عند البهيقي في الدلائل انه مر بشيء يدعوه متنحيا عن الطريق فقال له جبريل سر وانه مر على عجوز فقال ما هذه فقال سر وانه مر بجماعة فسلموا فقال له جبريل اردد عليهم وفي اخره فقال له الذي دعاك إبليس والعجوز الدنيا والذين سلموا إبراهيم وموسى وعيسى وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار انه مر بقوم يزرعون ويحصدون كلما حصدوا عاد كما كان قال جبريل هؤلاء المجاهدون ومر بقوم ترضخ رءوسهم بالصخر كلما رضخت عادت قال هؤلاء الذين تثاقل رءوسهم عن الصلاة ومر بقوم على عوراتهم رقاع يسرحون كالانعام قال هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة ومر بقوم يأكلون لحما نيئا خبيثا ويدعون لحما نضيجا طيبا قال هؤلاء الزناة ومر برجل جمع حزمة حطب لايستطيع حملها ثم هو يضم إليها غيرها قال هذا الذي عنده الأمانة لا يؤديها وهو يطلب أخرى ومر بقوم تقرض السنتهم وشفاههم كلما قرضت عادت قال هؤلاء خطباء الفتنة ومر بثور عظيم يخرج من ثقب صغير يريد ان يرجع فلا يستطيع قال هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم فيريد ان يردها فلا يستطيع وفي حديث أبي هريرة عند البزار والحاكم انه صلى ببيت المقدس مع الملائكة وانه اتي هناك بأرواح الأنبياء فأثنوا على الله وفيه قول إبراهيم لقد فضلكم محمد وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ثم بعث له آدم فمن دونه فأمهم تلك الليلة أخرجه الطبراني وعند مسلم من رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه ثم حانت الصلاة فأممتهم وفي حديث أبي امامة عند الطبراني في الأوسط ثم اقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا وفيه ثم مر بقوم بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر وان جبريل قال له هم آكلو الربا وانه مر بقوم مشافرهم كالابل يلتقمون حجرا فيخرج من اسافلهم وان جبريل قال له هؤلاء اكلة أموال اليتامى قوله فجلى الله لي بيت المقدس قيل معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم المشار إليها قال فسألوني عن أشياء لم اثبتها فكربت كربا لم أكرب مثله قط فرفع الله لي بيت المقدس انظر اليه ما يسألوني عن شيء الا نبأتهم به ويحتمل ان يريد انه حمل الى ان وضع بحيث يراه ثم اعيد وفي حديث بن عباس المذكور فجيء بالمسجد وانا انظر اليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وانا انظر اليه وهذا ابلغ في المعجزة ولا استحالة فيه فقد احضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان وهو يقتضي انه ازيل من مكانه حتى احضر اليه وما ذاك في قدرة الله بعزيز ووقع في حديث أم هانئ عند بن سعد فخيل لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن اياته فان لم يكن مغيرا من قوله فجلى وكان ثابتا احتمل ان يكون المراد انه مثل قريبا منه كما تقدم نظيره في حديث اريت الجنة والنار وتأول قوله جيء بالمسجد أي جيء بمثاله والله اعلم ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني ما يؤيد الاحتمال الأول ففيه ثم مررت بعير لقريش فذكر القصة ثم أتيت أصحابي بمكة قبل الصبح فأتاني أبو بكر فقال أين كنت الليلة فقال اني أتيت بيت المقدس فقال انه مسيرة شهر فصفه لي قال ففتح لي شراك كأني انظر اليه لا يسألني عن شيء الا أنبأته عنه وفي حديث أم هانئ أيضا انهم قالوا له كم للمسجد باب قال ولم أكن عددتها فجعلت انظر اليه واعدها بابا بابا وفيه عند أبي يعلى ان الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المطعم بن عدي والد جبير بن مطعم وفيه من الزيادة فقال رجل من القوم هل مررت بابل لنا في مكان كذا وكذا قال نعم والله قد وجدتهم قد اضلوا بعيرا لهم فهم في طلبه ومررت بابل بني فلان انكسرت لهم ناقة حمراء قالوا فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاة قال كنت عن عدتها مشغولا فقام فاتى الإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء ثم اتى قريشا فقال هي كذا وكذا وفيها من الرعاء فلان وفلان فكان كما قال قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة الحكمة في الإسراء الى بيت المقدس قبل العروج الى السماء إرادة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده لأنه لو عرج به من مكة الى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا الى البيان والايضاح فلما ذكر انه أسري به الى بيت المقدس سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا انه لم يكن رآها قبل ذلك فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء الى بيت المقدس في ليلة وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره فكان ذلك زيادة في ايمان المؤمن وزيادة في شقاء الجاحد والمعاند انتهى ملخصا

قوله باب المعراج كذا للأكثر وللنسفي قصة المعراج وهو بكسر الميم وحكى ضمها من عرج بفتح الراء يعرج بضمها إذا صعد وقد اختلف في وقت المعراج فقيل كان قبل المبعث وهو شاذ الا ان حمل على انه وقع حينئذ في المنام كما تقدم وذهب الأكثر الى انه كان بعد المبعث ثم اختلفوا فقيل قبل الهجرة بسنة قاله بن سعد وغيره وبه جزم النووي وبالغ بن حزم فنقل الإجماع فيه وهو مردود فان في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال منها ما حكاه بن الجوزي انه كان قبلها بثمانية اشهر وقيل بستة اشهر وحكى هذا الثاني أبو الربيع بن سالم وحكى بن حزم مقتضى الذي قبله لأنه قال كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة وقيل بأحد عشر شهرا جزم به إبراهيم الحربي حيث قال كان في ربيع الاخر قبل الهجرة بسنة ورجحه بن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر وقيل قبل الهجرة بسنة وشهرين حكاه بن عبد البر وقيل قبلها بسنة وثلاثة اشهر حكاه بن فارس وقيل بسنة وخمسة اشهر قاله السدي وأخرجه من طريقه الطبري والبهيقي فعلى هذا كان في شوال أو في رمضان على الغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول وبه جزم الواقدي وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره بن قتيبة وحكاه بن عبد البر انه كان قبلها بثمانية عشر شهرا وعند بن سعد عن بن أبي سبرة انه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا وقيل كان في رجب حكاه بن عبد البر وجزم به النووي في الروضة وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين حكاه بن الأثير وحكى عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري انه كان قبل الهجرة بخمس سنين ورجحه عياض ومن تبعه واحتج بأنه لا خلاف ان خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة ولا خلاف انها توفيت قبل الهجرة اما بثلاث أو نحوها واما بخمس ولا خلاف ان فرض الصلاة كان ليلة الإسراء قلت في جميع ما نفاه من الخلاف نظر اما اولا فان العسكري حكى انها ماتت قبل الهجرة بسبع سنين وقيل بأربع وعن بن الأعرابي انها ماتت عام الهجرة واما ثانيا فان فرض الصلاة اختلف فيه فقيل كان من أول البعثة وكان ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي وانما الذي فرض ليلة الإسراء الصلوات الخمس واما ثالثا فقد تقدم في ترجمة خديجة في الكلام على حديث عائشة في بدء الخلق ان عائشة جزمت بأن خديجة ماتت قبل ان تفرض الصلاة فالمعتمد ان مراد من قال بعد ان فرضت الصلاة ما فرض قبل الصلوات الخمس ان ثبت ذلك ومراد عائشة بقولها ماتت قبل ان تفرض الصلاة أي الخمس فيجمع بين القولين بذلك ويلزم منه انها ماتت قبل الإسراء واما رابعا ففي سنة موت خديجة اختلاف اخر فحكى العسكري عن الزهري انها ماتت لسبع مضين من البعثة وظاهره ان ذلك قبل الهجرة بست سنين فرعه العسكري على قول من قال ان المدة بين البعثة والهجرة كانت عشرا

[ 3674 ] قوله عن أنس تقدم في أول بدء الخلق من وجه اخر عن قتادة حدثنا أنس قوله عن مالك بن صعصعة أي بن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري من بني النجار ماله في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث ولا يعرف روي عنه الا أنس بن مالك قوله حدثه عن ليلة أسري كذا للأكثر وللكشميهني أسري به وكذا للنسفي وقوله أسري به صفة ليلة أي أسري به فيها قوله في الحطيم وربما قال في الحجر هو شك من قتادة كما بينه أحمد عن عفان عن همام ولفظه بينا انا نائم في الحطيم وربما قال قتادة قال في الحجر والمراد بالحطيم هنا الحجر وأبعد من قال المراد به ما بين الركن والمقام أو بين زمزم والحجر وهو وان كان مختلفا في الحطيم هل هو الحجر أم لا كما تقدم قريبا في باب بنيان الكعبة لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع ذلك فيها ومعلوم انها لم تتعدد لان القصة متحدة لاتحاد مخرجها وقد تقدم في أول بدء الخلق بلفظ بينا انا عند البيت وهو أعم ووقع في رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر فرج سقف بيتي وانا بمكة وفي رواية الواقدي بأسانيده انه أسري به من شعب أبي طالب وفي حديث أم هانئ عند الطبراني انه بات في بيتها قال ففقدته من الليل فقال ان جبريل أتاني والجمع بين هذه الأقوال انه نام في بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب ففرج سقف بيته وأضاف البيت اليه لكونه كان يسكنه فنزل منه الملك فأخرجه من البيت الى المسجد فكان به مضطجعا وبه اثر النعاس ثم أخرجه الملك الى باب المسجد فأركبه البراق وقد وقع في مرسل الحسن عند بن إسحاق ان جبريل أتاه فأخرجه الى المسجد فأركبه البراق وهو يؤيد هذا الجمع وقيل الحكمة في نزوله عليه من السقف الإشارة الى المبالغة في مفاجأته بذلك والتنبيه على ان المراد منه ان يعرج به الى جهة العلو قوله مضطجعا زاد في بدء الخلق بين النائم واليقظان وهو محمول على ابتداء الحال ثم لما خرج به الى باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته واما ما وقع في رواية شريك الآتية في التوحيد في اخر الحديث فلما استيقظت فان قلنا بالتعدد فلا اشكال والا حمل على ان المراد باستيقظت افقت أي انه افاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع الى العالم الدنيوي وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة لو قال صلى الله عليه وسلم انه كان يقظان لأخبر بالحق لأن قلبه في النوم واليقظة سواء وعينه أيضا لم يكن النوم تمكن منها لكنه تحرى صلى الله عليه وسلم الصدق في الاخبار بالواقع فيؤخذ منه انه لا يعدل عن حقيقة اللفظ للمجاز الا لضرورة قوله إذ أتاني آت هو جبريل كما تقدم ووقع في بدء الخلق بلفظ وذكر بين الرجلين وهو مختصر وقد اوضحته رواية مسلم من طريق سعيد عن قتادة بلفظ إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة بين الرجلين فأتيت فانطلق بي وتقدم في أول الصلاة ان المراد بالرجلين حمزة وجعفر وان النبي صلى الله عليه وسلم كان نائما بينهما ويستفاد منه ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من التواضع وحسن الخلق وفيه جواز نوم جماعة في موضع واحد وثبت من طرق أخرى انه يشترط ان لا يجتمعوا في لحاف واحد قوله فقد بالقاف والدال الثقيلة قال وسمعته يقول فشق القائل قتادة والمقول عنه أنس ولأحمد قال قتادة وربما سمعت أنسا يقول فشق قوله فقلت للجارود لم ار من نسبه من الرواة ولعله بن أبي سبرة البصري صاحب أنس فقد اخرج له أبو داود من روايته عن أنس حديثا غير هذا قوله من ثغرة بضم المثلثة وسكون المعجمة وهي الموضع المنخفض الذي بين الترقوتين قوله الى شعرته بكسر المعجمة أي شعر العانة وفي رواية مسلم الى أسفل بطنه وفي بدء الخلق من النحر الى مراق بطنه وتقدم ضبطه في أوائل الصلاة قوله من قصه بفتح القاف وتشديد المهملة أي رأس صدره قوله الى شعرته ذكر الكرماني انه وقع الى ثنته بضم المثلثة وتشديد النون ما بين السرة والعانة وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء وقال انما كان ذلك وهو صغير في بني سعد ولا إنكار في ذلك فقد تواردت الروايات به وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل ولكل منهما حكمة فالأول وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس فأخرج علقة فقال هذا حظ الشيطان منك وكان هذا في زمن الطفولية فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في اكرامه ليتلقى ما يوحى اليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج الى السماء ليتأهب للمناجاة ويحتمل ان تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الاسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم ويحتمل ان تكون الحكمة في انفراج سقف بيته الإشارة الى ما سيقع من شق صدره وانه سيلتئم بغير معالجة يتضرر بها وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك قال القرطبي في المفهم لا يلتفت لانكار الشق ليلة الإسراء لأن رواته ثقات مشاهير ثم ذكر نحو ما تقدم قوله بطست بفتح أوله وبكسره وبمثناة وقد تحذف وهو الأكثر واثباتها لغة طيء وأخطأ من انكرها قوله من ذهب خص الطست لكونه اشهر آلات الغسل عرفا والذهب لكونه أعلى أنواع الاواني الحسية وأصفاها ولأن فيه خواص ليست لغيره ويظهر لها هنا مناسبات منها انه من أواني الجنة ومنها انه لا تأكله النار ولا التراب ولا يلحقه الصدأ ومنها انه اثقل الجواهر فناسب ثقل الوحي وقال السهيلي وغيره ان نظر الى لفظ الذهب ناسب من جهة اذهاب الرجس عنه ولكونه وقع عند الذهاب الى ربه وان نظر الى معناه فلوضاءته ونقائه وصفائه ولثقله ورسوبته والوحي ثقيل قال الله تعالى انا سنلقي عليك قولا ثقيلا ومن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ولأنه أعز الأشياء في الدنيا والقول هو الكتاب العزيز ولعل ذلك كان قبل ان يحرم استعمال الذهب في هذه الشريعة ولا يكفي ان يقال ان المستعمل له كان ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة لأنه لو كان قد حرم عليه استعماله لنزه ان يستعمله غيره في أمر يتعلق ببدنه المكرم ويمكن ان يقال ان تحريم استعماله مخصوص بأحوال الدنيا وما وقع في تلك الليلة كان الغالب انه من أحوال الغيب فيلحق بأحكام الآخرة قوله مملوءة كذا بالتأنيث وتقدم في أول الصلاة البحث فيه قوله ايمانا زاد في بدء الخلق وحكمة وهما بالنصب على التمييز قال النووي معناه ان الطست كان فيها شيء يحصل به زيادة في كمال الإيمان وكمال الحكمة وهذا الملء يحتمل ان يكون على حقيقته وتجسيد المعاني جائز كما جاء ان سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظلة والموت في صورة كبش وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب وقال البيضاوي لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس وقال بن أبي جمرة فيه ان الحكمة ليس بعد الإيمان اجل منها ولذلك قرنت معه ويؤيده قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وأصح ما قيل في الحكمة انها وضع الشيء في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد وعلى الأول فقد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة قوله فغسل قلبي في رواية مسلم فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه قال بن أبي جمرة وانما لم يغسل بماء الجنة لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة ثم استقر في الأرض فاريد بذلك بقاء بركة النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض وقال السهيلي لما كانت زمزم هزمة جبريل روح القدس لأم إسماعيل جد النبي صلى الله عليه وسلم ناسب ان يغسل بمائها عند دخول حضرة القدس ومناجاته ومن المناسبات المستبعدة قول بعضهم ان الطست يناسب طس تلك آيات القرآن قوله ثم حشي ثم اعيد زاد في رواية مسلم مكانه ثم حشي ايمانا وحكمة وفي رواية شريك فحشي به صدره ولغاديده بلام وغين معجمة أي عروق حلقه وقد اشتملت هذه القصة من خوارق العادة على ما يدهش سامعه فضلا عمن شاهده فقد جرت العادة بأن من شق بطنه واخرج قلبه يموت لا محالة ومع ذلك فلم يؤثر فيه ذلك ضررا ولا وجعا فضلا عن غير ذلك قال بن أبي جمرة الحكمة في شق قلبه مع القدرة على ان يمتلىء قلبه ايمانا وحكمة بغير شق الزيادة في قوة اليقين لأنه أعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالا ومقالا ولذلك وصف بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى واختلف هل كان شق صدره وغسله مختصا به أو وقع لغيره من الأنبياء وقد وقع عند الطبراني في قصة تابوت بني إسرائيل انه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء وهذا مشعر بالمشاركة وسيأتي نظير هذا البحث في ركوب البراق قوله ثم أتيت بدابة قيل الحكمة في الإسراء به راكبا مع القدرة على طي الأرض له إشارة الى ان ذلك وقع تأنيسا له بالعادة في مقام خرق العادة لأن العادة جرت بأن الملك إذا استدعي من يختص به يبعث اليه بما يركبه قوله دون البغل وفوق الحمار أبيض كذا ذكر باعتبار كونه مركوبا أو بالنظر للفظ البراق والحكمة لكونه بهذه الصفة الإشارة الى ان الركوب كان في سلم وامن لا في حرب وخوف أو لإظهار المعجزة بوقوع الإسراع الشديد بدابة لا توصف بذلك في العادة قوله فقال له الجارود هو البراق يا أبا حمزة قال أنس نعم هذا يوضح ان الذي وقع في رواية بدء الخلق بلفظ دون البغل وفوق الحمار البراق أي هو البراق وقع بالمعنى لأن أنسا لم يتلفظ بلفظ البراق في رواية قتادة قوله يضع خطوه بفتح المعجمة أوله المرة الواحدة وبضمها الفعلة قوله عند أقصى طرفه بسكون الراء وبالفاء أي نظره أي يضع رجله عند منتهى مايرى بصره وفي حديث بن مسعود عند أبي يعلى والبزار إذا اتى على جبل ارتفعت رجلاه وإذا هبط ارتفعت يداه وفي رواية لابن سعد عن الواقدي بأسانيده له جناحان ولم ارها لغيره وعند الثعلبي بسند ضعيف عن بن عباس في صفة البراق لها خد كخد الإنسان وعرف كالفرس وقوائم كالابل واظلاف وذنب كالبقر وكان صدره ياقوتة حمراء قيل ويؤخذ من ترك تسمية سير البراق طيرانا ان الله إذا اكرم عبدا بتسهيل الطريق له حتى قطع المسافة الطويلة في الزمن اليسير ان لا يخرج بذلك عن اسم السفر وتجري عليه احكامه والبراق بضم الموحدة وتخفيف الراء مشتق من البريق فقد جاء في لونه انه أبيض أو من البرق لأنه وصفه بسرعة السير أو من قولهم شاة برقاء إذا كان خلال صوفها الأبيض طاقات سود ولا ينافيه وصفه في الحديث بأن البراق أبيض لأن البرقاء من الغنم معدودة في البياض انتهى ويحتمل ان لا يكون مشتقا قال بن أبي جمرة خص البراق بذلك إشارة الى الاختصاص به لأنه لم ينقل ان أحدا ملكه بخلاف غير جنسه من الدواب قال والقدرة كانت صالحة لأن يصعد بنفسه من غير براق ولكن ركوب البراق كان زيادة له في تشريفه لأنه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماش والراكب أعز من الماشي قوله فحملت عليه في رواية لأبي سعيد في شرف المصطفى فكان الذي امسك بركابه جبريل وبزمام البراق ميكائيل وفي رواية معمر عن قتادة عن أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به اتي بالبراق مسرجا ملجما فاستصعب عليه فقال له جبريل ما حملك على هذا فوالله ماركبك خلق قط اكرم على الله منه قال فارفض عرقا أخرجه الترمذي وقال حسن غريب وصححه بن حبان وذكر بن إسحاق عن قتادة انه لما شمس وضع جبريل يده على معرفته فقال اما تستحي فذكر نحوه مرسلا لم يذكر أنسا وفي رواية وثيمة عن بن إسحاق فارتعشت حتى لصقت بالأرض فاستويت عليها وللنسائي وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس نحوه موصولا وزاد وكانت تسخر للأنبياء قبله ونحوه في حديث أبي سعيد عند بن إسحاق وفيه دلالة على ان البراق كان معدا لركوب الأنبياء خلافا لمن نفى ذلك كابن دحية وأول قول جبريل فما ركبك اكرم على الله منه أي ماركبك أحد قط فكيف يركبك اكرم منه وقد جزم السهيلي ان البراق استصعب عليه لبعد عهده بركوب الأنبياء قبله قال النووي قال الزبيدي في مختصر العيني وتبعه صاحب التحرير كان الأنبياء يركبون البراق قال وهذا يحتاج الى نقل صحيح قلت قد ذكرت النقل بذلك ويؤيده ظاهر قوله فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ووقع في المبتدا لابن إسحاق من رواية وثيمة في ذكر الإسراء فاستصعبت البراق وكانت الأنبياء تركبها قبلي وكانت بعيدة العهد بركوبهم لم تكن ركبت في الفترة وفي مغازي بن عائذ من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب قال البراق هي الدابة التي كان يزور إبراهيم عليها إسماعيل وفي الطبراني من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ان جبريل اتى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق فحمله بين يديه وعند أبي يعلى والحاكم من حديث بن مسعود رفعه أتيت بالبراق فركبت خلف جبريل وفي حديث حذيفة عند الترمذي والنسائي فما زايلا ظهر البراق وفي كتاب مكة للفاكهي والازرقي ان إبراهيم كان يحج على البراق وفي أوائل الروض للسهيلي ان إبراهيم حمل هاجر على البراق لما سار الى مكة بها وبولدها فهذه اثار يشد بعضها بعضا وجاءت اثار أخرى تشهد لذلك لم ار الاطالة بايرادها ومن الأخبار الواهية في صفة البراق ما ذكره الماوردي عن مقاتل وأورده القرطبي في التذكرة ومن قبله الثعلبي من طريق بن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال الموت والحياة جسمان فالموت كبش لايجد ريحه شيء الا مات والحياة فرس بلقاء أنثى وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لاتمر بشيء ولا يجد ريحها شيء الا حيي ومنها ان البراق لما عاتبه جبريل قال له معتذرا انه مس الصفراء اليوم وان الصفراء صنم من ذهب كان عند الكعبة وان النبي صلى الله عليه وسلم مر به فقال تبا لمن يعبدك من دون الله وانه صلى الله عليه وسلم نهى زيد بن حارثة ان يمسه بعد ذلك وكسره يوم فتح مكة قال بن المنير انما استصعب البراق تيها وزهوا بركوب النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأراد جبريل استنطاقه فلذلك خجل وارفض عرقا من ذلك وقريب من ذلك رجفة الجبل به حتى قال له اثبت فانما عليك نبي وصديق وشهيد فانها هزة الطرب لا هزة الغضب ووقع في حديث حذيفة عند أحمد قال اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق فلم يزايل ظهره هو وجبريل حتى انتهيا الى بيت المقدس فهذا لم يسنده حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل انه قال عن اجتهاد ويحتمل ان يكون قوله هو وجبريل يتعلق بمرافقته في السير لا في الركوب قال بن دحية وغيره معناه وجبريل قائد أو سائق أو دليل قال وانما جزمنا بذلك لأن قصة المعراج كانت كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم فلا مدخل لغيره فيها قلت ويرد التأويل المذكور ان في صحيح بن حبان من حديث بن مسعود ان جبريل حمله على البراق رديفا له وفي رواية الحارث في مسنده اتي بالبراق فركب خلف جبريل فسار بهما فهذا صريح في ركوبه معه فالله اعلم وأيضا فان ظاهره ان المعراج وقع للنبي صلى الله عليه وسلم على ظهر البراق الى ان صعد السماوات كلها ووصل الى ماوصل ورجع وهو على حاله وفيه نظر لما سأذكره ولعل حذيفة انما أشار الى ما وقع في ليلة الإسراء المجردة التي لم يقع فيها معراج على ما تقدم من تقرير وقوع الإسراء مرتين قوله فانطلق بي جبريل في رواية بدء الخلق فانطلقت مع جبريل ولا مغايرة بينهما بخلاف ما نحا اليه بعضهم من أن رواية بدء الخلق تشعر بأنه ما احتاج الى جبريل في العروج بل كانا معا بمنزلة واحدة لكن معظم الروايات جاء باللفظ الأول وفي حديث أبي ذر في أول الصلاة ثم اخذ بيدي فعرج بي والذي يظهر ان جبريل في تلك الحالة كان دليلا له فيما قصد فلذلك جاء سياق الكلام يشعر بذلك قوله حتى اتى السماء الدنيا ظاهره انه استمر على البراق حتى عرج الى السماء وهو مقتضى كلام بن أبي جمرة المذكور قريبا وتمسك به أيضا من زعم ان المعراج كان في ليلة غير ليلة الإسراء الى بيت المقدس فاما العروج ففي غير هذه الرواية من الأخبار انه لم يكن على البراق بل رقي المعراج وهو السلم كما وقع مصرحا به في حديث أبي سعيد عند بن إسحاق والبيهقي في الدلائل ولفظه فإذا انا بدابة كالبغل مضطرب الأذنين يقال له البراق وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته فذكر الحديث قال ثم دخلت انا وجبريل بيت المقدس فصليت ثم أتيت بالمعراج وفي رواية بن إسحاق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما فرغت مما كان في بيت المقدس اتي بالمعراج فلم ار قط شيئا كان أحسن منه وهو الذي يمد اليه الميت عينيه إذا حضر فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي الى باب من أبواب السماء الحديث وفي رواية كعب فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب حتى عرج هو وجبريل وفي رواية لأبي سعيد في شرف المصطفى انه اتي بالمعراج من جنة الفردوس وانه منضد باللؤلؤ وعن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة واما المحتج بالتعدد فلا حجة له لاحتمال ان يكون التقصير في ذلك الإسراء من الراوي وقد حفظه ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق فوصفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل باناءين فذكر القصة قال ثم عرج بي الى السماء وحديث أبي سعيد دال على الاتحاد وقد تقدم شيء من هذا البحث في أول الصلاة وقوله في رواية ثابت فربطته بالحلقة أنكره حذيفة فروى أحمد والترمذي من حديث حذيفة قال تحدثون انه ربطه أخاف ان يفر منه وقد سخره له عالم الغيب والشهادة قال البيهقي المثبت مقدم على النافي يعني من اثبت ربط البراق والصلاة في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى ذلك فهو أولى بالقبول ووقع في رواية بريدة عند البزار لما كان ليلة أسري به فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق ونحوه للترمذي وأنكر حذيفة أيضا في هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم صلى في بيت المقدس واحتج بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة في البيت العتيق والجواب عنه منع التلازم في الصلاة ان كان أراد بقوله كتب عليكم الفرض وان أراد التشريع فنلتزمه وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في بيت المقدس فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شد الرحال وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث وفي حديث أبي سعيد عند البهيقي حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها وفيه فدخلت انا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه نحوه وزاد ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد ثم اقيمت الصلاة فأممتهم وفي رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند بن أبي حاتم فلم البث الا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ثم اذن مؤذن فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل فقدمني فصليت بهم وفي حديث بن مسعود عند مسلم وحانت الصلاة فأممتهم وفي حديث بن عباس عند أحمد فلما اتى النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي فإذا النبيون أجمعون يصلون معه وفي حديث عمر عند أحمد أيضا انه لما دخل بيت المقدس قال أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم الى القبلة فصلى وقد تقدم شيء من ذلك في الباب الذي قبله قال عياض يحتمل ان يكون صلى بالأنبياء جميعا في بيت المقدس ثم صعد منهم الى السماوات من ذكر انه صلى الله عليه وسلم رآه ويحتمل ان تكون صلاته بهم بعد ان هبط من السماء فهبطوا أيضا وقال غيره رؤيته إياهم في السماء محمولة على رؤية ارواحهم الا عيسى لما ثبت انه رفع بجسده وقد قيل في إدريس أيضا ذلك واما الذين صلوا معه في بيت المقدس فيحتمل الأرواح خاصة ويحتمل الأجساد بأرواحها والأظهر ان صلاته بهم ببيت المقدس كان قبل العروج والله اعلم قوله السماء الدنيا في حديث أبي سعيد في ذكر الأنبياء عند البيهقي الى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة وعليه ملك يقال له إسماعيل وتحت يده اثنا عشر الف ملك قوله فاستفتح تقدم القول فيه في أول الصلاة وان قولهم أرسل اليه أي للعروج وليس المراد أصل البعث لأ ن ذلك كان قد اشتهر في الملكوت الأعلى وقيل سألوا تعجبا من نعمة الله عليه بذلك أو استبشارا به وقد علموا ان بشرا لا يترقى هذا الترقي الا بإذن الله تعالى وان جبريل لا يصعد بمن لم يرسل اليه وقوله من معك يشعر بأنهم احسوا معه برفيق والا لكان السؤال بلفظ أمعك أحد وذلك الاحساس اما بمشاهدة لكون السماء شفافة واما بأمر معنوي كزيادة أنوار أو نحوها يشعر بتجدد أمر يحسن معه السؤال بهذه الصيغة وفي قول محمد دليل على ان الاسم أولى في التعريف من الكنية وقيل الحكمة في سؤال الملائكة وقد بعث اليه ان الله أراد اطلاع نبيه على انه معروف عند الملأ الأعلى لأنهم قالوا أو بعث اليه فدل على انهم كانوا يعرفون ان ذلك سيقع له والا لكانوا يقولون ومن محمد مثلا قوله مرحبا به أي أصاب رحبا وسعة وكني بذلك عن الانشراح واستنبط منه بن المنير جواز رد السلام بغير لفظ السلام وتعقب بأن قول الملك مرحبا به ليس ردا للسلام فإنه كان قبل ان يفتح الباب والسياق يرشد اليه وقد نبه على ذلك بن أبي جمرة ووقع هنا ان جبريل قال له عند كل واحد منهم سلم عليه قال فسلمت عليه فرد علي السلام وفيه إشارة الى انه رآهم قبل ذلك قوله فنعم المجيء جاء قيل المخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير والتقدير جاء فنعم المجيء مجيؤه وقال بن مالك في هذا الكلام شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول أو الصفة عن الموصوف في باب نعم لأنها تحتاج الى فاعل هو المجيء والى مخصوص بمعناها وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها فهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء والتقدير نعم المجيء الذي جاء أو نعم المجيء مجيء جاءه وكونه موصولا أجود لأنه مخبر عنه والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة قوله فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم زاد في رواية أنس عن أبي ذر أول الصلاة ذكر النسم التي عن يمينه وعن شماله وتقدم القول فيه وذكرت هناك احتمالا ان يكون المراد بالنسم المرئية لآدم هي التي لم تدخل الأجساد بعد ثم ظهر لي الآن احتمال اخر وهو ان يكون المراد بها من خرجت من الأجساد حين خروجها لأنها مستقرة ولا يلزم من رؤية آدم لها وهو في السماء الدنيا ان يفتح لها أبواب السماء ولا تلجها وقد وقع في حديث أبي سعيد عند البيهقي مايؤيده ولفظه فإذا انا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين وفي حديث أبي هريرة عند البزار فإذا عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة الحديث فظهر من الحديثين عدم اللزوم المذكور وهذا أولى مما جمع به القرطبي في المفهم ان ذلك في حالة مخصوصة قوله بالابن الصالح والنبي الصالح قيل اقتصر الأنبياء على وصفه بهذه الصفة وتواردوا عليها لأن الصلاح صفة تشمل خلال الخير ولذلك كررها كل منهم عند كل صفة والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد فمن ثم كانت كلمة جامعة لمعاني الخير وفي قول آدم بالابن الصالح إشارة الى افتخاره بأبوة النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في التوحيد بيان الحكمة في خصوص منازل الأنبياء من السماء قوله ثم صعد بي حتى اتى السماء الثانية وفيه فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال النووي قال بن السكيت يقال ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة ويقال ابنا عم ولا يقال ابنا خال اه ولم يبين سبب ذلك والسبب فيه ان ابني الخالة أم كل منهما خالة الآخر لزوما بخلاف ابني العمة وقد توافقت هذه الرواية مع رواية ثابت عن أنس عند مسلم ان في الأولى آدم وفي الثانية يحيى وعيسى وفي الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم وخالف ذلك الزهري في روايته عن أنس عن أبي ذر انه لم يثبت اسماؤهم وقال فيه وإبراهيم في السماء السادسة ووقع في رواية شريك عن أنس ان إدريس في الثالثة وهارون في الرابعة واخر في الخامسة وسياقه يدل على انه لم يضبط منازلهم أيضا كما صرح به الزهري ورواية من ضبط أولى ولا سيما مع اتفاق قتادة وثابت وقد وافقهما يزيد بن أبي مالك عن أنس الا انه خالف في إدريس وهارون فقال هارون في الرابعة وإدريس في الخامسة ووافقهم أبو سعيد الا ان في رواية يوسف في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة والأول اثبت وقد استشكل رؤية الأنبياء في السماوات مع ان اجسادهم مستقرة في قبورهم بالأرض وأجيب بأن ارواحهم تشكلت بصور أجسادهم أو احضرت اجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة تشريفا له وتكريما ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ففيه وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فافهم وقد تقدمت الإشارة اليه في الباب الذي قبله قوله فلما خلصت إذا يوسف زاد مسلم في رواية ثابت عن أنس فإذا هو قد أعطي شطر الحسن وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي وأبي هريرة عند بن عائذ والطبراني فإذا انا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب وهذا ظاهره ان يوسف عليه السلام كان أحسن من جميع الناس لكن روى الترمذي من حديث أنس ما بعث الله نبيا الا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم احسنهم وجها واحسنهم صوتا فعلى هذا فيحمل حديث المعراج على ان المراد غير النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده قول من قال ان المتكلم لايدخل في عموم خطابه واما حديث الباب فقد حمله بن المنير على ان المراد ان يوسف أعطي شطر الحسن الذي اوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم والله اعلم وقد اختلف في الحكمة في اختصاص كل منهم بالسماء التي التقاه بها فقيل ليظهر تفاضلهم في الدرجات وقيل لمناسبة تتعلق بالحكمة في الاقتصار على هؤلاء دون غيرهم من الأنبياء فقيل امروا بملاقاته فمنهم من أدركه في أول وهلة ومنهم من تأخر فلحق ومنهم من فاته وهذا زيفه السهيلي فأصاب وقيل الحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين للإشارة الى ماسيقع له صلى الله عليه وسلم مع قومه من نظير ما وقع لكل منهم فاما آدم فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة الى الأرض بما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة الى المدينة والجامع بينهما ماحصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن ثم كان مآل كل منهما ان يرجع الى موطنه الذي اخرج منه وبعيسى ويحيى على ما وقع له من أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم على البغي عليه وارادتهم وصول السوء اليه وبيوسف على ما وقع له من إخوته من قريش في نصبهم الحرب له وارادتهم هلاكه وكانت العاقبة له وقد أشار الى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح أقول كما قال يوسف لاتثريب عليكم وبإدريس على رفيع منزلته عند الله وبهارون على ان قومه رجعوا الى محبته بعد ان آذوه وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه وقد أشار الى ذلك بقوله لقد اوذي موسى بأكثر من هذا فصبر وبابراهيم في استناده الى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وسلم في اخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت وهذه مناسبات لطيفة ابداها السهيلي فأوردتها منقحة ملخصة وقد زاد بن المنير في ذلك أشياء اضربت عنها إذ أكثرها في المفاضلة بين الأنبياء والإشارة في هذا المقام عندي أولى من تطويل العبارة وذكر في مناسبة لقاء إبراهيم في السماء السابعة معنى لطيفا زائدا وهو ما اتفق له صلى الله عليه وسلم من دخول مكة في السنة السابعة وطوافه بالبيت ولم يتفق له الوصول إليها بعد الهجرة قبل هذه بل قصدها في السنة السادسة فصدوه عن ذلك كما تقدم بسطه في كتاب الشروط قال بن أبي جمرة الحكمة في كون آدم في السماء الدنيا لأنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو أصل فكان اولا في الأولى ولأجل تأنيس النبوة بالأبوة وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدا من محمد ويليه يوسف لأن امة محمد تدخل الجنة على صورته وإدريس في الرابعة لقوله ورفعناه مكانا عليا والرابعة من السبع وسط معتدل وهارون لقربه من أخيه موسى وموسى ارفع منه لفضل كلام الله وإبراهيم لأنه الأب الأخير فناسب ان يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم بلقيه أنس لتوجهه بعده الى عالم اخر وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي ان تكون ارفع المنازل ومنزلة الحبيب ارفع من منزلته فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم الى قاب قوسين أو أدنى قوله في قصة موسى فلما تجاوزت بكى قيل له ما يبكيك قال ابكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي وفي رواية شريك عن أنس لم اظن أحدا يرفع علي وفي حديث أبي سعيد قال موسى يزعم بنو إسرائيل اني اكرم على الله وهذا اكرم على الله مني زاد الأموي في روايته ولو كان هذا وحده هان علي ولكن معه أمته وهم أفضل الأمم عند الله وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه انه مر بموسى عليه السلام وهو يرفع صوته فيقول اكرمته وفضلته فقال جبريل هذا موسى قلت ومن يعاتب قال يعاتب ربه فيك قلت ويرفع صوته على ربه قال ان الله قد عرف له حدته وفي حديث بن مسعود عند الحارث وأبي يعلى والبزار وسمعت صوتا وتذمرا فسألت جبريل فقال هذا موسى قلت على من تذمره قال على ربه قلت على ربه قال انه يعرف ذلك منه قال العلماء لم يكن بكاء موسى حسدا معاذ الله فان الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين فكيف بمن اصطفاه الله تعالى بل كان اسفا على مافاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص اجورهم المستلزم لتنقيص أجره لأن لكل نبي مثل أجر كل من اتبعه ولهذا كان من اتبعه من أمته في العدد دون من اتبع نبينا صلى الله عليه وسلم مع طول مدتهم بالنسبة لهذه الأمة واما قوله غلام فليس على سبيل النقص بل على سبيل التنويه بقدرة الله وعظيم كرمه إذ أعطى لمن كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدا قبله ممن هو اسن منه وقد وقع من موسى من العناية بهذه الأمة من أمر الصلاة ما لم يقع لغيره ووقعت الإشارة لذلك في حديث أبي هريرة عند الطبري والبزار قال عليه الصلاة والسلام كان موسى اشدهم علي حين مررت به وخيرهم لي حين رجعت اليه وفي حديث أبي سعيد فأقبلت راجعا فمررت بموسى ونعم الصاحب كان لكم فسألني كم فرض عليك ربك الحديث قال بن أبي جمرة ان الله جعل الرحمة في قلوب الأنبياء أكثر مما جعل في قلوب غيرهم لذلك بكى رحمة لأمته واما قوله هذا الغلام فأشار الى صغر سنه بالنسبة اليه قال الخطابي العرب تسمي الرجل المستجمع السن غلاما مادامت فيه بقية من القوة اه ويظهر لي ان موسى عليه السلام أشار الى ما انعم الله به على نبينا عليهما الصلاة والسلام من استمرار القوة في الكهولية والى ان دخل في سن الشيخوخة ولم يدخل على بدنه هرم ولا اعترى قوته نقص حتى ان الناس في قدومه المدينة كما سيأتي من حديث أنس لما رأوه مردفا أبا بكر اطلقوا عليه اسم الشاب وعلى أبي بكر اسم الشيخ مع كونه في العمر اسن من أبي بكر والله اعلم وقال القرطبي الحكمة في تخصيص موسى بمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصلاة لعلها لكون امة موسى كلفت من الصلوات بما لم تكلف به غيرها من الأمم فثقلت عليهم فأشفق موسى على امة محمد من مثل ذلك ويشير الى ذلك قوله اني قد جربت الناس قبلك انتهى وقال غيره لعلها من جهة انه ليس في الأنبياء من له اتباع أكثر من موسى ولا من له كتاب أكبر ولا اجمع للاحكام من هذه الجهة مضاهيا للنبي صلى الله عليه وسلم فناسب ان يتمنى ان يكون له مثل ما انعم به عليه من غير ان يريد زواله عنه وناسب ان يطلعه على ما وقع له وبنصحه فيما يتعلق به ويحتمل ان يكون موسى لما غلب عليه في الابتداء الأسف على نقص حظ أمته بالنسبة لأمة محمد حتى تمنى ما تمنى ان يكون استدرك ذلك ببذل النصيحة لهم والشفقة عليهم ليزيل ما عساه ان يتوهم عليه فيما وقع منه في الابتداء وذكر السهيلي ان الحكمة في ذلك انه كان رأى في مناجاته صفة امة محمد صلى الله عليه وسلم فدعا الله ان يجعله منهم فكان اشفاقه عليهم كعناية من هو منهم وتقدم في أول الصلاة شيء من هذا ومما يتعلق بأمر موسى بالترديد مرارا والعلم عند الله تعالى وقد وقع من موسى عليه السلام في هذه القصة من مراعاة جانب النبي صلى الله عليه وسلم انه امسك عن جميع ما وقع له حتى فارقه النبي صلى الله عليه وسلم أدبا معه وحسن عشرة فلما فارقه بكى وقال ما قال قوله فإذا إبراهيم في حديث أبي سعيد فإذا انا بإبراهيم خليل الرحمن مسندا ظهره الى البيت المعمور كأحسن الرجال وفي حديث أبي هريرة عند الطبري فإذا هو برجل اشمط جالس عند باب الجنة على كرسي تكملة اختلف في حال الأنبياء عند لقي النبي صلى الله عليه وسلم إياهم ليلة الإسراء هل أسري بأجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة أو ان ارواحهم مستقرة في الأماكن التي لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم وارواحهم مشكلة بشكل اجسادهم كما جزم أبو الوفاء بن عقيل واختار الأول بعض شيوخنا واحتج بما ثبت في مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت موسى ليلة أسري بي قائما يصلي في قبره فدل على انه أسري به لما مر به قلت وليس ذلك بلازم بل يجوز ان يكون لروحه اتصال بجسده في الأرض فلذلك يتمكن من الصلاة وروحه مستقرة في السماء قوله ثم رفعت الى سدرة المنتهى كذا للأكثر بضم الراء وسكون العين وضم التاء من رفعت بضمير المتكلم وبعده حرف جر وللكشميهني رفعت بفتح العين وسكون التاء أي السدرة لي باللام أي من اجلي وكذا تقدم في بدء الخلق ويجمع بين الروايتين بأن المراد انه رفع إليها أي ارتقي به وظهرت له والرفع الى الشيء يطلق على التقريب منه وقد قيل في قوله تعالى وفرش مرفوعة أي تقرب لهم ووقع بيان سبب تسميتها سدرة المنتهى في حديث بن مسعود عند مسلم ولفظه لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قال انتهى بي الى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة واليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها واليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها وقال النووي سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد الا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وهذا لا يعارض حديث بن مسعود المتقدم لكن حديث بن مسعود ثابت في الصحيح فهو أولى بالاعتماد قلت وأورد النووي هذا بصيغة التمريض فقال وحكي عن بن مسعود انها سميت بذلك الخ هكذا أورده فأشعر بضعفه عنده ولا سيما ولم يصرح برفعه وهو صحيح مرفوع وقال القرطبي في المفهم ظاهر حديث أنس انها في السابعة لقوله بعد ذكر السماء السابعة ثم ذهب بي الى السدرة وفي حديث بن مسعود انها في السادسة وهذا تعارض لا شك فيه وحديث أنس هو قول الأكثر وهو الذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل وكل ملك مقرب على ما قال كعب قال وما خلفها غيب لايعلمه الا الله أو من أعلمه وبهذا جزم إسماعيل بن أحمد وقال غيره إليها منتهى اراوح الشهداء قال ويترجح حديث أنس بأنه مرفوع وحديث بن مسعود موقوف كذا قال ولم يعرج على الجمع بل جزم بالتعارض قلت ولا يعارض قوله انها في السادسة مادلت عليه بقية الأخبار انه وصل إليها بعد ان دخل السماء السابعة لأنه يحمل على ان أصلها في السماء السادسة واغصانها وفروعها في السابعة وليس في السادسة منها الا أصل ساقها وتقدم في حديث أبي ذر أول الصلاة فغشيها الوان لا أدري ما هي وبقية حديث بن مسعود المذكور قال الله تعالى إذ يغشى السدرة مايغشى قال فراش من ذهب كذا فسر المهم في قوله مايغشى بالفراش ووقع في رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس جراد من ذهب قال البيضاوي وذكر الفراش وقع على سبيل التمثيل لأن من شأن الشجر ان يسقط عليها الجراد وشبهه وجعلها من الذهب لصفاء لونها واضاءتها في نفسها انتهى وي

[ 3675 ] قوله حدثنا عمرو هو بن دينار قوله في قوله أي في تفسير قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس قال هي رؤيا اعين اريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به الى بيت المقدس قلت وايراد هذا الحديث في باب المعراج مما يؤيد ان المصنف يرى اتحاد ليلة الإسراء والمعراج بخلاف ما فهم عنه من افراد الترجمتين وقد قدمت ان ترجمته في أول الصلاة تدل على ذلك حيث قال فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وقد تمسك بكلام بن عباس هذا من قال الإسراء كان في المنام ومن قال انه كان في اليقظة فالأول اخذ من لفظ الرؤيا قال لان هذا اللفظ مختص برؤيا المنام ومن قال بالثاني فمن قوله اريها ليلة الإسراء والاسراء انما كان في اليقظة لأنه لو كان مناما ما كذبه الكفار فيه ولا فيما هو ابعد منه كما تقدم تقريره وإذا كان ذلك في اليقظة وكان المعراج في تلك الليلة تعين ان يكون في اليقظة أيضا إذ لم يقل أحد انه نام لما وصل الى بيت المقدس ثم عرج به وهو نائم وإذا كان في اليقظة فاضافة الرؤيا الى العين للاحتراز عن رؤيا القلب وقد اثبت الله تعالى رؤيا القلب في القرآن فقال ما كذب الفؤاد ما رأى ورؤيا العين فقال ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى وروى الطبراني في الأوسط بإسناد قوي عن بن عباس قال رأى محمد ربه مرتين ومن وجه اخر قال نظر محمد الى ربه جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد فإذا تقرر ذلك ظهر ان مراد بن عباس هنا برؤية العين المذكورة جميع ما ذكره صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة من الأشياء التي ذكرها وفي ذلك رد لمن قال المراد بالرؤيا في هذه الآية رؤياه صلى الله عليه وسلم انه دخل المسجد الحرام المشار إليها بقوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام قال هذا القائل والمراد بقوله فتنة للناس ما وقع من صد المشركين له في الحديبية عن دخول المسجد الحرام انتهى وهذا وان كان يمكن ان يكون مراد الآية لكن الاعتماد في تفسيرها على ترجمان القرآن أولى والله اعلم واختلف السلف هل رأى ربه في تلك الليلة أم لا على قولين مشهورين وانكرت ذلك عائشة رضي الله عنها وطائفة واثبتها بن عباس وطائفة وسيأتي بسط ذلك في الكلام على حديث عائشة حيث ذكره المصنف بتمامه في تفسير سورة النجم من كتاب التفسير ان شاء الله تعالى قوله والشجرة الملعونة في القرآن قال هي شجرة الزقوم يريد تفسير الشجرة المذكورة في بقية الآية وقد قيل فيها غير ذلك كما سيأتي في موضعه في التفسير ان شاء الله تعالى

قوله باب وفود الأنصار الى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة ذكر بن إسحاق وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد موت أبي طالب قد خرج الى ثقيف بالطائف يدعوهم الى نصره فلما امتنعوا منه كما تقدم في بدء الخلق شرحه رجع الى مكة فكان يعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج وذكر بأسانيد متفرقة انه اتى كندة وبني كعب وبني حذيفة وبني عامر بن صعصعة وغيرهم فلم يجبه أحد منهم الى ما سأل وقال موسى بن عقبة عن الزهري فكان في تلك السنين أي التي قبل الهجرة يعرض نفسه على القبائل ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم الا ان يؤوه ويمنعوه ويقول لا أكره أحد منكم على شيء بل أريد ان تمنعوا من يؤذيني حتى ابلغ رسالة ربي فلا يقبله أحد بل يقولون قوم الرجل اعلم به واخرج البيهقي واصله عند أحمد وصححه بن حبان من حديث ربيعة بن عباد بكسر المهملة وتخفيف الموحدة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم الى الله عز وجل الحديث وروى أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموسم فيقول هل من رجل يحملني الى قومه فان قريشا منعوني ان ابلغ كلام ربي فأتاه رجل من همدان فأجابه ثم خشي ان لا يتبعه قومه فجاء اليه فقال آتي قومي فأخبرهم ثم آتيك من العام المقبل قال نعم فانطلق الرجل وجاء وفد الأنصار في رجب وقد اخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن بن عباس حدثني علي بن أبي طالب قال لما أمر الله نبيه ان يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وانا معه وأبو بكر الى منى حتى دفعنا الى مجلس من مجالس العرب وتقدم أبو بكر وكان نسابة فقال من القوم فقالوا من ربيعة فقال من أي ربيعة أنتم قالوا من ذهل فذكروا حديثا طويلا في مراجعتهم وتوقفهم اخيرا عن الإجابة قال ثم دفعنا الى مجلس الأوس والخزرج وهم الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار لكونهم أجابوه الى إيوائه ونصره قال فما نهضوا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وذكر بن إسحاق ان أهل العقبة الأولى كانوا ستة نفر وهم أبو امامة اسعد بن زرارة النجاري ورافع بن مالك بن العجلان العجلاني وقطبة بن عامر بن حديدة وجابر بن عبد الله بن رثاب وعقبة بن عامر وهؤلاء الثلاثة من بني سلمة وعوف بن الحارث بن رفاعة من بني مالك بن النجار وقال موسى بن عقبة عن الزهري وأبو الأسود عن عروة هم اسعد بن زرارة ورافع بن مالك ومعاذ بن عفراء ويزيد بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة ويقال كان فيهم عبادة بن الصامت وذكوان قال بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قال لما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال من أنتم قالوا من الخزرج قال أفلا تجلسون أكلمكم قالوا نعم فدعاهم الى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن وكان مما صنع الله لهم ان اليهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وكان الأوس والخزرج أكثر منهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا ان نبينا سيبعث الآن قد اظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه فلما كلمهم النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا النعت فقال بعضهم لبعض لا تسبقنا اليه يهود فآمنوا وصدقوا وانصرفوا الى بلادهم ليدعوا قومهم فلما اخبروهم لم يبق دور من قومهم الا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الموسم وافاه منهم اثنا عشر رجلا ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث كعب بن مالك في قصة توبته ذكر منه طرفا وسيأتي مطولا في مكانه والغرض منه قوله ولقد شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وعنبسة هو بن خالد بن يزيد الأيلي يروي عن عمه يونس بن يزيد وقوله

[ 3676 ] قال بن بكير في حديثه يريد ان اللفظ المساق لعقيل لا ليونس وقوله تواثقنا بالمثلثة والقاف أي وقع بيننا الميثاق على ما تبايعنا عليه وقوله وما احب ان لي بها مشهد بدر لان من شهد بدرا وان كان فاضلا بسبب انها أول غزوة نصر فيها الإسلام لكن بيعة العقبة كانت سببا في فشو الإسلام ومنها نشأ مشهد بدر وقوله اذكر منها هو افعل تفضيل بمعنى المذكور أي أكثر ذكرا بالفضل وشهرة بين الناس قلت وكان كعب من أهل العقبة الثانية وقد عقد ثالثة كما أشرت اليه قبل ولعل المصنف لمح بما أخرجه بن إسحاق وصححه بن حبان من طريقه بطوله قال بن إسحاق حدثني معبد بن كعب بن مالك ان اخاه عبد الله وكان من اعلم الأنصار حدثه ان أباه كعبا حدثه وكان ممن شهد العقبة وبايع بها قال خرجنا حجاجا مع مشركي قومنا وقد صلينا وفقهنا ومعنا البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا فذكر شأن صلاته الى الكعبة قال فلما وصلنا الى مكة ولم نكن رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك فسألنا عنه فقيل هو مع العباس في المسجد فدخلنا فجلسنا اليه فسأله البراء عن القبلة ثم خرجنا الى الحج وواعدناه العقبة ومعنا عبد الله بن عمرو والد جابر ولم يكن اسلم قبل فعرفناه أمر الإسلام فأسلم حينئذ وصار من النقباء قال فاجتمعنا عند العقبة ثلاثة وسبعين رجلا ومعنا امرأتان أم عمارة بنت كعب إحدى نساء بني مازن وأسماء بنت عمرو بن عدي إحدى نساء بني سلمة قال فجاء ومعه العباس فتكلم فقال ان محمدا منا من حيث علمتم وقد منعناه وهو في عز فان كنتم تريدون انكم وافون له بما دعوتموه اليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وذاك والا فمن الآن قال فقلنا تكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ما أحببت فتكلم فدعا الى الله وقرأ القرآن ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على ان تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وابناءكم قال فأخذ البراء بن معرور بيده فقال نعم فذكر الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم ثم قال اخرجوا الي منكم اثني عشر نقيبا وذكر بن إسحاق النقباء وهم اسعد بن زرارة ورافع بن مالك والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو بن حبيش وأسيد بن حضير وسعد بن خيثمة وأبو الهيثم بن التيهان وقيل بدله رفاعة بن عبد المنذر وفي المستدرك عن بن عباس كان البراء بن معرور أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة قال بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنقباء أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم قالوا نعم وذكر أيضا ان قريشا بلغهم أمر البيعة فانكروا عليهم فحلف المشركون منهم وكانوا أكثر منهم قيل كانوا خمسمائة نفس ان ذلك لم يقع وذلك لأنهم ما علموا بشيء مما جرى الحديث الثاني حديث جابر

[ 3677 ] قوله كان عمرو هو بن دينار قوله شهد بي خالاي العقبة لم يسمهما في هذه الرواية ونقل عن عبد الله بن محمد وهو الجعفي ان بن عيينة قال أحدهما البراء بن معرور كذا في رواية أبي ذر ولغيره قال أبو عبد الله يعني المصنف فعلى هذا فتفسير المبهم من كلامه لكنه ثبت انه من كلام بن عيينة من وجه اخر عند الإسماعيلي فترجحت رواية أبي ذر ووقع في رواية الإسماعيلي قال سفيان خالاه البراء بن معرور وأخوه ولم يسمه والبراء بتخفيف الراء ومعرور بمهملات يقال انه كان أول من اسلم من الأنصار وأول من بايع في العقبة الثانية كما تقدم ومات قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر واحد وهو أول من صلى الى الكعبة في قصة ذكرها بن إسحاق وغيره وقد تعقبه الدمياطي فقال أم جابر هي انيسة بنت غنمة بن عدي واخواها ثعلبة وعمرو وهما خالا جابر وقد شهدا العقبة الأخيرة واما البراء بن معرور فليس من اخوال جابر قلت لكن من اقارب أمه واقارب الأم يسمون أخوالا مجازا وقد روى بن عساكر بإسناد حسن عن جابر قال حملني خالي الحر بن قيس في السبعين راكبا الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار فخرج إلينا معه العباس عمه فقال يا عم خذ لي على أخوالك فسمى الأنصار اخوال العباس لكون جدته أم أبيه عبد المطلب منهم وسمى الحر بن قيس خاله لكونه من اقارب أمه وهو بن عم البراء بن معرور فلعل قول سفيان وأخوه عنى به الحر بن قيس وأطلق عليه أخا وهو بن عم لانهما في منزلة واحدة في النسب وهذا أولى من توهيم مثل بن عيينة لكن لم يذكر أحد من أهل السير الحر بن قيس في أصحاب العقبة فكأنه لم يكن اسلم فعلى هذا فالخال الآخر لجابر اما ثعلبة واما عمرو والله اعلم

[ 3678 ] قوله في الطريق الثانية أخبرنا هشام هو بن يوسف الصنعائي وعطاء هو بن أبي رباح قوله انا وأبي عبد الله بن عمرو بن حرام بالمهملتين وقد تقدم انه كان من النقباء قوله وخالاي تقدم القول فيهما وقرأت بخط مغلطاي يريد عيسى بن عامر بن عدي بن سنان وخالد بن عمرو بن عدي بن سنان لأن أم جابر انيسة بنت غنمة بن عدي بن سنان يعني فكل منهما بن عمها بمنزلة أخيها فأطلق عليهما جابر انهما خالاه مجازا قلت ان حمل على الحقيقة تعين كما قاله الدمياطي والا فتغليط بن عيينة مع ان كلامه يمكن حمله على المجاز بأمر فيه مجاز ليس بمتجه والله المستعان ووقع عن بن التين وخالي بغير الف وتشديد التحتانية وقال لعل الواو واو المعية أي مع خالي ويحتمل ان يكون بالافراد بكسر اللام وتخفيف الياء الحديث الثالث حديث عبادة بن الصامت في قصة البيعة ليلة العقبة وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل كتاب الإيمان مع مباحث نفيسة تتعلق بقوله في الحديث فعوقب به فهو كفارة له واوضحت هناك ان بيعة العقبة انما كانت على الايواء والنصر وأما ما ذكره من الكفارة فتلك بيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة ثم رأيت بن إسحاق جزم بأن بيعة العقبة وقعت بما صدر في الرواية الثانية التي في هذا الباب فقال حدثني يزيد بن أبي حبيب فذكر بسند الباب عن عبادة قال كنت فيمن حضر العقبة الأولى فكنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء أي على وفق بيعة النساء التي نزلت بعد ذلك عند فتح مكة وهذا محتمل لكن ليست الزيادة في طريق الليث بن سعد عن يزيد في الصحيحين وعلى تقدير ثبوتها فليس فيه ما ينافي ما قررته من ان قوله فهو كفارة انما ورد بعد ذلك لأنه يعارضه حديث أبي هريرة ماادري الحدود كفارة لاهلها أم لا مع تأخر إسلام أبي هريرة عن ليلة العقبة كما استوفيت مباحثه هناك وممن ذكر صورة بيعة العقبة كعب بن مالك كما اسلفته انفا عنه وروى البيهقي من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبد الله بن رفاعة عن أبيه قال قال عبادة بن الصامت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل فذكر الحديث وفيه وعلى ان ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب بما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها وعند أحمد بإسناد حسن وصححه الحاكم وابن حبان عن جابر مثله وأوله مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم بمنى وغيرها يقول من يؤويني من ينصرني حتى ابلغ رسالة ربي وله الجنة حتى بعثنا الله له من يثرب فصدقناه فذكر الحديث حتى قال فرحل اليه منا سبعون رجلا فوعدناه بيعة العقبة فقلنا علام نبايعك فقال على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة الحديث ولأحمد من وجه آخر عن جابر قال كان العباس اخذا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغنا قال رسول الله أخذت واعطيت وللبزار من وجه آخر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء من الأنصار تؤوني وتمنعوني قالوا نعم قالوا فما لنا قال الجنة وروى البيهقي بإسناد قوي عن الشعبي ووصله الطبراني من حديث أبي موسى الأنصاري قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه العباس عمه الى السبعين من الأنصار عند العقبة فقال له أبو أمامة يعني اسعد بن زرارة سل يا محمد لربك ولنفسك ما شئت ثم أخبرنا ما لنا من الثواب قال اسألكم لربي ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسي ولاصحابي ان تؤونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم قالوا فما لنا قال الجنة قالوا ذلك لك وأخرجه أحمد من الوجهين جميعا قوله في الرواية الثانية ولا نقضي بالقاف والضاد المعجمة للأكثر وفي بعض النسخ عن شيوخ أبي ذر ولا نعصي بالعين والصاد المهملتين وقد بينت الصواب من ذلك في أوائل كتاب الإيمان وذكر بن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث مع الاثني عشر رجلا مصعب بن عمير العبدري وقيل بعثه إليهم بعد ذلك بطلبهم ليفقههم ويقرئهم فنزل على اسعد بن زرارة فروى أبو داود من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كان أبي إذا سمع الأذان للجمعة استغفر لاسعد بن زرارة فسألته فقال كان أول من جمع بنا بالمدينة وللدارقطني من حديث بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب الى مصعب بن عمير ان اجمع بهم اه فاسلم خلق كثير من الأنصار على يد مصعب بن عمير بمعاونة اسعد بن زرارة حتى فشا الإسلام بالمدينة فكان ذلك سبب رحلتهم في السنة المقبلة حتى وافى منهم العقبة سبعون مسلما وزيادة فبايعوا كما تقدم

قوله باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة سقط لفظ باب لأبي ذر قوله وقدومها المدينة أي بعد الهجرة قوله وبنائه بها أي بالمدينة وكان دخولها عليه في شوال من السنة الأولى وقيل من الثانية وقد تعقب قوله بنائه بها اعتمادا على قول صاحب الصحاح العامة تقول بني باهله وهو خطأ وانما يقال بني على أهله والأصل فيه ان الداخل على أهله يضرب عليه قبة ليلة الدخول ثم قيل لكل داخل باهله بان انتهى ولا معنى لهذا التغليط لكثرة استعمال الفصحاء له وحسبك بقول عائشة بني بي وبقول عروة في اخر الحديث الثالث وبني بها وقوله

[ 3681 ] في الحديث تزوجني وانا بنت ست سنين أي عقد علي وقولها فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج أي لما قدمت هي وأمها واختها أسماء بنت أبي بكر كما سأبينه واما أبوها فقدم قبل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم قوله فتمزق شعري بالزاي أي تقطع وللكشميهني فتمرق بالراء أي انتتف قوله فوفى أي كثر وفي الكلام حذف تقديره ثم فصلت من الوعك فتربى شعري فكثر وقولها جميمة بالجيم مصغر الجمة بالضم وهي مجتمع شعر الناصية ويقال للشعر إذا سقط عن المنكبين جمة وإذا كان الى شحمة الأذنين وفرة وقولها في ارجوحة بضم أوله معروفة وهي التي تلعب بها الصبيان وقوله أنهج أي اتنفس تنفسا عاليا وقولهن على خير طائر أي على خير حظ ونصيب وقولها فلم يرعني بضم الراء وسكون العين أي لم يفزعني شيء الا دخوله علي وكنت بذلك عن المفاجأة بالدخول على غير عالم بذلك فإنه يفزع غالبا وروى أحمد من وجه اخر هذه القصة مطولة قالت عائشة قدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا فجاءت بي أمي وأنا في أرجوحة ولى جميمة ففرقتها ومسحت وجهي بشيء من ماء ثم أقبلت بي تقودني حتى وقفت بي عند الباب حتى سكن نفسي الحديث وفيه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سريره وعنده رجال ونساء من الأنصار فأجلستني في حجره ثم قالت هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم فوثب الرجال والنساء وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأنا يومئذ بنت تسع سنين الحديث الثاني

[ 3682 ] قوله أريتك بضم أوله قوله سرقة بفتح المهملة والراء والقاف أي قطعة أي يريه صورتها قوله ويقول في رواية الكشميهني وقال ويأتي في النكاح بلفظ فقال لي هذه امرأتك قوله فإذا هي أنت سيأتي الكلام على شرحه في كتاب النكاح ان شاء الله تعالى الحديث الثالث

[ 3683 ] قوله عن أبيه هذا صورته مرسل لكنه لما كان من رواية عروة مع كثرة خبرته بأحوال عائشة يحمل على أنه حمله عنها قوله توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين فيه اشكال لان ظاهره يقتضي أنه لم يبن بها الا بعد قدومه المدينة بسنتين ونحو ذلك لأن قوله فلبث سنتين أو نحو ذلك أي بعد موت خديجة وقوله ونكح عائشة أي عقد عليها لقوله بعد ذلك وبنى بها وهي بنت تسع فيخرج من ذلك أنه بنى بها بعد قدومه المدينة بسنتين وليس كذلك لأنه وقع عند المصنف في النكاح من رواية الثوري عن هشام بن عروة في هذا الحديث ومكثت عنده تسعا وسيأتي ما قيل من ادراج النكاح في هذه الطريق وهو في الجملة صحيح فان عند مسلم من حديث الزهري عن عروة عن عائشة في هذا الحديث وزفت اليه وهي بنت تسع ولعبتها معها ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة وله من طريق الأسود عن عائشة نحوه ومن طريق عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وبنى بي في شوال فعلى هذا فقوله فلبث سنتين أو قريبا من ذلك أي لم يدخل على أحد من النساء ثم دخل على سودة بنت زمعة قبل ان يهاجر ثم بنى بعائشة بعد أن هاجر فكأن ذكر سودة سقط على بعض رواته وقد روى أحمد والطبراني بإسناد حسن عن عائشة قالت لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون يا رسول الله ألا تزوج قال نعم فما عندك قالت بكر وثيب البكر بنت احب خلق الله إليك عائشة والثيب سودة بنت زمعة قال فاذهبي فاذكريهما علي فدخلت على أبي بكر فقال انما هي بنت أخيه قال قولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي فجاءه فأنكحه ثم دخلت على سودة فقالت لها أخبري أبي فذكرت له فزوجه وذكر بن إسحاق وغيره أنه دخل على سودة بمكة وأخرج الطبراني من وجه آخر عن عائشة قالت لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خلفنا بمكة فلما استقر بالمدينة بعث زيد بن حارثة وأبا رافع وبعث أبو بكر عبد الله بن اريقط وكتب الى عبد الله بن أبي بكر أن يحمل معه أم رومان وأم أبي بكر وأنا واختي أسماء فخرج بنا وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة بنت زمعة وأخذ زيد امرأته أم ايمن وولديها ايمن واسامه واصطحبنا حتى قدمنا المدينة فنزلت في عيال أبي بكر ونزل ال النبي صلى الله عليه وسلم عنده وهو يومئذ يبني المسجد وبيوته فادخل سودة بنت زمعة أحد تلك البيوت وكان يكون عندها فقال له أبو بكر مايمنعك ان تبني باهلك فبنى بي الحديث قال الماوردي الفقهاء يقولون تزوج عائشة قبل سودة والمحدثون يقولون تزوج سودة قبل عائشة وقد يجمع بينهما بأنه عقد على عائشة ولم يدخل بها ودخل بسودة قلت والرواية التي ذكرتها عن الطبراني ترفع الاشكال وتوجه الجمع المذكور والله اعلم وقد اخرج الإسماعيلي من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه انه كتب الى الوليد انك سالتني متى توفيت خديجة وانها توفيت قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بثلاث سنين أو قريب من ذلك ونكح النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بعد متوفى خديجة وعائشة بنت ست سنين ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها بعد ماقدم المدينة وهي بنت تسع سنين وهذا السياق لا اشكال فيه ويرتفع به ما تقدم من الاشكال أيضا والله اعلم وإذا ثبت انه بنى بها في شوال من السنة الأولى من الهجرة قوى قول من قال انه دخل بها بعد الهجرة بسبعة اشهر وقد وهاه النووي في تهذيبه وليس بواه إذا عددناه من ربيع الأول وجزمه بان دخوله بها كان في السنة الثانية يخالف ما ثبت كما تقدم انه دخل بها بعد خديجة بثلاث سنين وقال الدمياطي في السيرة له ماتت خديجة في رمضان وعقد على سودة في شوال ثم على عائشة ودخل بسودة قبل عائشة

قوله باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الى المدينة اما النبي صلى الله عليه وسلم فجاء عن بن عباس انه اذن له في الهجرة الى المدينة بقوله تعالى وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا أخرجه الترمذي وصححه هو والحاكم وذكر الحاكم ان خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة كان بعد بيعة العقبة بثلاثة اشهر أو قريبا منها وجزم بن إسحاق بأنه خرج أول يوم من ربيع الأول فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يوما وكذا جزم به الأموي في المغازي عن بن إسحاق فقال كان مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال قال وخرج لهلال ربيع الأول وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول قلت وعلى هذا خرج يوم الخميس واما اصحابه فتوجه معه منهم أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة وتوجه قبل ذلك بين العقبتين جماعة منهم بن أم مكتوم ويقال ان أول من هاجر الى المدينة أبو سلمة بن عبد الأشهل المخزومي زوج أم سلمة وذلك أنه أوذي لما رجع من الحبشة فعزم على الرجوع إليها فبلغه قصة الأثنى عشر من الأنصار فتوجه إلى المدينة ذكر ذلك بن إسحاق وأسند عن أم سلمة أن أبا سلمة أخذها معه فردها قومها فحبسوها سنة ثم انطلقت فتوجهت في قصة طويلة وفيها فقدم أبو سلمة المدينة بكرة وقدم بعده عامر بن ربيعة حليف بني عدي عشية ثم توجه مصعب بن عمير كما تقدم آنفا ليفقه من أسلم من الأنصار ثم كان أول من هاجر بعد بيعة العقبة عامر بن ربيعة حليف بني عدي على ما ذكر بن إسحاق وسيأتي ما يخالفه في الباب الذي يليه وهو قول البراء أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير الخ ثم توجه باقي الصحابة شيئا فشيئا كما سيأتي في الباب الذي يليه ثم لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم واستقر بها خرج من بقي من المسلمين وكان المشركون يمنعون من قدروا على منعه منهم فكان أكثرهم يخرج سرا إلى أن لم يبق منهم بمكة إلا من غلب على أمره من المستضعفين ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الأول والثاني قوله وقال عبد الله بن زيد وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار أما حديث عبد الله بن زيد فيأتي موصولا في غزوة حنين وأما حديث أبي هريرة فتقدم موصولا في مناقب الأنصار وقوله من الأنصار أي كنت أنصاريا صرفا فما كان لي مانع من الإقامة بمكة لكنني اتصفت بصفة الهجرة والمهاجر لا يقيم بالبلد الذي هاجر منها مستوطنا فينبغي أن يحصل لكم الطمأنينة بأني لا أتحول عنكم وذلك أنه إنما قال لهم ذلك في جواب قولهم أما الرجل فقد أحب الإقامة بموطنه وسيأتي لذلك مزيد في غزوة حنين إن شاء الله تعالى الحديث الثالث قوله وقال أبو مسوى الخ يأتي شرحه مستوفى في غزوة أحد وقوله فيه فذهب وهلي بفتح الواو والهاء أي ظني يقال وهل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ظن شيئا فتبين الأمر بخلافه وقوله أو هجر بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من مساكن عبد القيس وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الإسلام كما سبق بيانه في كتاب الإيمان ووقع في بعض نسخ أبي ذر أو الهجر بزيادة ألف ولام والأول أشهر وزعم بعض الشراح أن المراد بهجر هنا قرية قريبه من المدينة وهو خطأ فان الذي يناسب أن يهاجر اليه لا بد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الأهل وهذه القرية التي قيل إنها كانت قرب المدينة يقال لها هجر لا يعرفها أحد وإنما زعم ذلك بعض الناس في

[ 3674 ] قوله قلال هجر أن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها القلال وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كأن القلال كانت تعمل بها وتجلب إلى المدينة وعملت بالمدينة على مثالها وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن فهذا أولى بالتردد بينها وبين اليمامة لأن اليمامة بين مكة واليمن وقوله فإذا هي المدينة يثرب كان ذلك قبل أن يسميها صلى الله عليه وسلم طيبة ووقع عند البيهقي من حديث صهيب رفعه أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين فإما أن تكون هجر أو يثرب ولم يذكر اليمامة وللترمذي من حديث جرير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى أوحى إلى أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين استغربه الترمذي وفي ثوبته نظر لأنه مخالف لما في الصحيح من ذكر اليمامة لأن قنسرين من أرض الشام من جهة حلب وهي بكسر القاف وفتح النون الثقيلة بعدها مهملة ساكنة بخلاف اليمامة فانها إلى جهة اليمن إلا إن حمل على اختلاف المأخذ فان الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها والثاني يخير بالوحي فيحتمل أن يكون أرى أولا ثم خير ثانيا فاختار المدينة الحديث الرابع حديث خباب هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أي بإذنه وإلا فلم يرافق النبي صلى الله عليه وسلم سوى أبي بكر وعامر بن فهيرة كما تقدم وقد أعاد المصنف هذا الحديث في هذا الباب وستأتي الإشارة اليه بعد بضعة عشر حديثا وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق ومضى شيء منه في كتاب الجنائز الحديث الخامس حديث عمر الأعمال بالنية أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب ويحيى هو بن سعيد الأنصاري وهو الذي لا يثبت هذا الحديث الا من طريقه الحديث السادس

[ 3686 ] قوله حدثني إسحاق بن يزيد الدمشقي هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي الدمشقي أبو النضر نسبه هنا إلى جده وكذلك في الزكاة وفي الجهاد وجزم بأنه الفراديسي الكلاباذي وآخرون وتفرد الباجي فأفرده بترجمة ونسبه خراسانيا ولم يعرف من حاله زيادة على ذلك وقول الجماعة أولى قوله عن عبدة بن أبي لبابة بضم اللام والموحدتين الأولى خفيفة الأسدي كوفي نزل دمشق وكنيته أبو القاسم ولا يعرف اسم أبيه قال الأوزاعي لم يقدم علينا من العراق أفضل منه قوله ان عبد الله بن عمر كان يقول لا هجرة بعد الفتح هذا موقوف وسيأتي شرحه في الذي بعده الحديث السابع

[ 3687 ] قوله قال يحيى بن حمزة وحدثني الأوزاعي هو معطوف على الذي قبله وقد أفردهما في أواخر غزوة الفتح وأورد كل واحد منهما عن إسحاق بن يزيد المذكور بإسناده وأخرج بن حبان الثاني من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال سألته عن انقطاع فضيلة الهجرة إلى الله ورسوله فقال فذكره قوله عن عطاء في رواية بن حبان حدثنا عطاء قوله زرت عائشة مع عبيد بن عمير الليثي تقدم في أبواب الطواف من الحج أنها كانت حينئذ مجاورة في جبل ثيير قوله فسألها عن الهجرة أي التي كانت قبل الفتح واجبة الى المدينة ثم نسخت بقوله لا هجرة بعد الفتح وأصل الهجرة هجر الوطن وأكثر ما يطلق على من رحل من البادية إلى القرية ووقع عند الأموي في المغازي من وجه آخر عن عطاء فقالت إنما كانت الهجرة قبل فتح مكة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة قوله لا هجرة اليوم أي بعد الفتح قوله كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه الخ أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنة والحكم يدور مع علته فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت ومن ثم قال الماوردي إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الجهاد في باب وجوب النفير في الجمع بين حديث بن عباس لا هجرة بعد الفتح وحديث عبد الله بن السعدي لا تنقطع الهجرة وقال الخطابي كانت الهجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام مطلوبة ثم افترضت لما هاجر الى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب وقال البغوي في شرح السنة يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى بقوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة وقوله لا تنقطع أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام قال ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن وقوله لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم قلت الذي يظهر أن المراد بالشق الأول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الأخير وبالشق الآخر المثبت ما ذكره في الاحتمال الذي قبله وقد أفصح بن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار أي ما دام في الدنيا كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه ومفهومه أنه لو قدر أن يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها والله أعلم وأطلق بن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا وهو إطلاق مردود والله أعلم الحديث الثامن

[ 3688 ] قوله عن هشام هو بن عروة قوله ان سعدا هو بن معاذ وسيأتي شرح هذا في غزوة بني قريظة وأورده هنا مختصرا لما يتعلق بقريش الذين أحوجوا النبي صلى الله عليه وسلم الى الخروج عن وطنه قوله وقال أبان بن يزيد هو العطار الخ يعني أن أبان وافق بن نمير في روايته عن هشام لهذا الحديث وأفصح بتعيين القوم الذين أبهموا وأنهم قريش وزعم الداودي أن المراد بالقوم قريظة ثم قال في الرواية المعلقة هذا ليس بمحفوظ وهو إقدام منه على رد الروايات الثابتة بالظن الخائب وذلك أن في رواية بن نمير أيضا ما يدل على أن المراد بالقوم قريش وإنما تفرد أبان بذكر قريش في الموضع الأول وإلا فسيأتي في المغازي في بقية هذا الحديث من كلام سعد وقال اللهم فان كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له الحديث وأيضا ففي الموضع الذي اقتصر الداودي على النظر فيه ما يدل على أن المراد قريش لأن فيه من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه فإن هذه القصة مختصة بقريش لأنهم الذين أخرجوه وأما قريظة فلا الحديث التاسع حديث بن عباس

[ 3689 ] قوله حدثنا هشام هو بن حسان قوله فمكث بمكة ثلاث عشرة هذا أصح مما أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان بهذا الإسناد قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وأربعين فمكث بمكة عشرا وأصح مما أخرجه مسلم من وجه آخر عن بن عباس أن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كانت خمس عشرة سنة وقد تقدم بيان ذلك في كتاب المبعث وسيأتي بقية الكلام عليه في الوفاة إن شاء الله تعالى وقوله هنا فهاجر عشر سنين أي أقام مهاجرا عشر سنين وهو كقوله تعالى فأماته الله مائة عام الحديث العاشر حديث أبي سعيد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر مستوفى وقوله فيه فقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ في حديث بن عباس عند البلاذري في نحو هذه القصة فقال له أبو سعيد الخدري يا أبا بكر ما يبكيك فذكر الحديث

[ 3692 ] الحديث الحادي عشر قوله لم أعقل أبوي يعني أبا بكر وأم ورمان قوله يدينان الدين بالنصب على نزع الخافض أي يدينان بدين الإسلام أو هو مفعول به على التجوز قوله فلما ابتلى المسلمون أي بأذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة كما تقدم بيانه قوله خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة أي ليلحق بمن سبقه إليها من المسلمين وقد قدمت أن الذين هاجروا إلى الحبشة أولا ساروا إلى جدة وهي ساحل مكة ليركبوا منها البحر إلى الحبشة قوله برك الغماد أما برك فهو بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف وحكى كسر أوله وأما الغماد فهو بكسر المعجمة وقد تضم وبتخفيف الميم وحكى بن فارس فيها ضم الغين موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن وقال البكري هي أقاصي هجر وحكى الهمداني في أنساب اليمن هو في أقصى اليمن والأول أولى وقال بن خالويه حضرت مجالس المحاملي وفيه زهاء ألف فأملى عليهم حديثا فيه فقالت الأنصار لو دعوتنا إلى برك الغماد قالها بالكسر فقلت للمستملي هو بالضم فذكر له ذاك فقال لي وما هو قلت سألت بن دريد عنه فقال هو بقعة في جهنم فقال المحاملي وكذا في كتابي على الغين ضمة قال بن خالويه وأنشد بن دريد وإذا تنكرت البلاد فأولها كنف البعاد واجعل مقامك أو مقرك جانبي برك الغماد لست بن أم القاطنين ولا بن عم للبلاد قال بن خالويه وسألت أبا عمر يعني غلام ثعلب فقال هو بالكسر والضم موضع باليمن قال وموضع باليمن أوله بالكسر لكن آخره راء مهملة وهو عند بئر برهوت الذي يقال إن أرواح الكفار تكون فيها أه واستبعد بعض المتأخرين ما ذكره بن دريد فقال القول بأنه موضع باليمن أنسب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعوهم إلى جهنم وخفي عليهم أن هذا بطريق المبالغة فلا يراد به الحقيقة ثم ظهر لي أن لا تنافي بين القولين فيحمل قوله جهنم على مجاز المجاورة بناء على القول بأن برهوت مأوى أرواح الكفار وهم أهل النار قوله بن الدغنة بضم المهملة والمعجمة وتشديد النون عند أهل اللغة وعند الرواة بفتح أوله وكسر ثانيه وتخفيف النون قال الأصيلي وقرأه لنا المروزي بفتح الغين وقيل إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه والصواب الكسر وثبت بالتخفيف والتشديد من طريق وهي أمه وقيل أم أبيه وقيل دابته ومعنى الدغنة المسترخية وأصلها الغمامة الكثيرة المطر واختلف في اسمه فعند البلاذري من طريق الواقدي عن معمر عن الزهري أنه الحارث بن يزيد وحكى السهيلي أن اسمه مالك ووقع في شرح الكرماني أن بن إسحاق سماه ربيعة بن رفيع وهو وهم من الكرماني فان ربيعة المذكور آخر يقال له بن الدغنة أيضا لكنه سلمي والمذكور هنا من القارة فاختلفا وأيضا السلمي إنما ذكره بن إسحاق في غزوة حنين وأنه صحابي قتل دريد بن الصمة ولم يذكره بن إسحاق في قصة الهجرة وفي الصحابة ثالث يقال له بن الدغنة لكن اسمه حابس وهو كلبي له قصة في سبب إسلامه وأنه رأى شخصا من الجن فقال له يا حابس بن دغنة يا حابس في أبيات وهو مما يرجح رواية التخفيف في الدغنة قوله وهو سيد القارة بالقاف وتخفيف الراء وهي قبيلة مشهورة من بني الهون بالضم والتخفيف بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا حلفاء بني زهرة من قريش وكانوا يضرب بهم المثل في قوة الرمي قال الشاعر قد أنصف القارة من راماها قوله أخرجني قومي أي تسببوا في إخراجي قوله فأريد أن أسيح بالمهملتين لعل أبا بكر طوى عن بن الدغنة تعيين جهة مقصده لكونه كان كافرا وإلا فقد تقدم أنه قصد التوجه إلى أرض الحبشة ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق التي قصدها حتى يسير في الأرض وحده زمانا فيصدق أنه سائح لكن حقيقة السياحة أن لا يقصد موضعا بعينه يستقر فيه قوله وتكسب المعدوم في رواية الكشميهني المعدم وقد تقدم شرح هذه الكلمات في حديث بدء الوحي أول الكتاب وفي موافقة وصف بن الدغنة لأبي بكر بمثل ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عظيم فضل أبي بكر واتصافه بالصفات البالغة في أنواع الكمال قوله وأنا لك جار أي مجير أمنع من يؤذيك قوله فرجع أي أبو بكر وارتحل معه بن الدغنة وقع في الكفالة وارتحل بن الدغنة فرجع مع أبي بكر والمراد في الروايتين مطلق المصاحبة وإلا فالتحقيق ما في هذا الباب قوله لا يخرج مثله أين من وطنه باختياره على نية الإقامة في غيره مع ما فيه من النفع المتعدي لأهل بلده ولا يخرج أي ولا يخرجه أحد بغير اختياره للمعنى المذكور واستنبط بعض المالكية من هذا أن من كانت فيه منفعة متعدية لا يمكن من الانتقال عن البلد إلى غيره بغير ضرورة راجحة قوله فلم تكذب قريش أي لم ترد عليه قوله في أمان أبي بكر وكل من كذبك فقد رد قولك فأطلق التكذيب وأراد لازمه وتقدم في الكفالة بلفظ فأنفذت قريش جوار بن الدغنة وآمنت أبا بكر وقد استشكل هذا مع ما ذكره بن إسحاق في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وسؤاله حين رجع الأخنس بن شريق أن يدخل في جواره فاعتذر بأنه حليف وكان أيضا من حلفاء بني زهرة ويمكن الجواب بأن بن الدغنة رغب في إجارة أبي بكر والأخنس لم يرغب فيما التمس منه فلم يثرب النبي صلى الله عليه وسلم عليه قوله بجوار بكسر الجيم وبضمها وقد تقدم بيان المراد منه في كتاب الكفالة قوله مر أبا بكر فليعبد ربه دخلت الفاء على شيء محذوف لا يخفى تقديره قوله فلبث أبو بكر تقدم في الكفالة بلفظ فطفق أي جعل ولم يقع لي بيان المدة التي أقام فيها أبو بكر على ذلك قوله ثم بدا لأبي بكر أي ظهر له رأي غير الرأي الأول قوله بفناء داره بكسر الفاء وتخفيف النون وبالمد أي أمامها قوله فيتقذف بالمثناة والقاف والذال المعجمة الثقيلة تقدم في الكفالة بلفظ فيتقصف أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر وأطلق يتقصف مبالغة قال الخطابي هذا هو المحفوظ وأما يتقذف فلا معنى له إلا أن يكون من القذف أي يتدافعون فيقذف بعضهم بعضا فيتساقطون عليه فيرجع إلى معنى الأول وللكشميهني بنون وسكون القاف وكسر الصاد أي يسقط قوله بكاء بالتشديد أي كثير البكاء قوله لا يملك عينيه أي لا يطيق إمساكهما عن البكاء من رقة قلبه وقوله إذا قرأ إذا ظرفية والعامل فيه لا يملك أو هي شرطية والجزاء مقدر قوله فأفزع ذلك أي أخاف الكفار لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا إلى دين الإسلام قوله فقدم عليهم في رواية الكشميهني فقدم عليه أي على أبي بكر قوله أن يفتن نساءنا بالنصب على المفعولية وفاعله أبو بكر كذا لأبي ذر وللباقين أن يفتن بضم أوله نساؤنا بالرفع على البناء للمجهول قوله أجرنا بالجيم والراء للأكثر وللقابسي بالزاي أي أبحنا له والأول أوجه والألف مقصورة في الروايتين قوله فاسأله في رواية الكشميهني فسله قوله ذمتك أي أمانك له قوله نخفرك بضم أوله وبالخاء المعجمة وكسر الفاء أي نغدر بك يقال خفره إذا حفظه وأخفره إذا غدر به قوله مقرين لأبي بكر الاستعلان أي لا نسكت عن الإنكار عليه للمعنى الذي ذكروه من الخشية على نسائهم وأبنائهم أن يدخلوا في دينه قوله وأرضى بجوار الله أي امانه وحمايته وفيه جواز الأخذ بالأشد في الدين وقوة يقين أبي بكر قوله والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة في هذا الفصل من فضائل الصديق أشياء كثيرة قد امتاز بها عمن سواه ظاهرة لمن تأملها قوله بين لابتين وهما الحرتان هذا مدرج في الخبر وهو من تفسير الزهري والحرة أرض حجارتها سود وهذه الرؤيا غير الرؤيا السابقة أول الباب من حديث أبي موسى التي تردد فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق قال بن التين كأن النبي صلى الله عليه وسلم أرى دار الهجرة بصفة تجمع المدينة وغيرها ثم أرى الصفة المختصة بالمدينة فتعينت قوله ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة أي لما سمعوا باستيطان المسلمين المدينة رجعوا إلى مكة فهاجر إلى أرض المدينة معظمهم لا جميعهم لأن جعفرا ومن معه تخلفوا في الحبشة وهذا السبب في مجيء مهاجرة الحبشة غير السبب المذكور في مجيء من رجع منهم أيضا في الهجرة الأولى لأن ذاك كان بسبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في سورة النجم فشاع أن المشركين أسلموا وسجدوا فرجع من رجع من الحبشة فوجدوهم أشد ما كانوا كما سيأتي شرحه وبيانه في تفسير سورة النجم قوله وتجهز أبو بكر قبل المدينة بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة وتقدم في الكفالة بلفظ وخرج أبو بكر مهاجرا وهو منصوب على الحال المقدرة والمعنى أراد الخروج طالبا للهجرة وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عند بن حبان استأذن أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج من مكة قوله على رسلك بكسر أوله أي على مهلك والرسل السير الرفيق وفي رواية بن حبان فقال اصبر قوله وهل ترجو ذلك بأبي أنت لفظ أنت مبتدأ وخبره بأبي أي مفدي بأبي ويحتمل أن يكون أنت تأكيدا لفاعل ترجو وبأبي قسم قوله فحبس نفسه أي منعها من الهجرة وفي رواية بن حبان فانتظره أبو بكر رضي الله عنه قوله ورق السمر بفتح المهملة وضم الميم قوله وهو الخبط مدرج أيضا في الخبر وهو من تفسير الزهري ويقال السمر شجرة أم غيلان وقيل كل ماله ظل ثخين وقيل السمر ورق الطلح والخبط بفتح المعجمة والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر قاله بن فارس قوله أربعة أشهر فيه بيان المدة التي كانت بين ابتداء هجرة الصحابة بين العقبة الأولى والثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في أول الباب أن بين العقبة الثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم شهرين وبعض شهر على التحرير قوله قال بن شهاب الخ هو بالإسناد المذكور أولا وقد أفرده بن عائذ في المغازي من طريق الوليد بن محمد عن الزهري ووقع في رواية هشام بن عروة عند بن حبان مضموما إلى ما قبله وعند موسى بن عقبة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه يوم إلا أتى منزل أبي بكر أول النهار وآخره قوله في نحر الظهيرة أي أول الزوال وهو أشد ما يكون في حرارة النهار والغالب في أيام الحر القيلولة فيها وفي رواية بن حبان فأتاه ذات يوم ظهرا وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة فقلت يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله هذا رسول الله متقنعا أي مغطيا رأسه وفي رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب قالت عائشة وليس عند أبي بكر إلا أنا وأسماء قيل فيه جواز لبس الطيلسان وجزم بن القيم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلبسه ولا أحد من أصحابه وأجاب عن الحديث بأن التقنع يخالف التطيلس قال ولم يكن يفعل التقنع عادة بل للحاجة وتعقب بأن في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر التقنع أخرجه به وفي طبقات بن سعد مرسلا ذكر الطيلسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا ثوب لا يؤدي شكره قوله فدا له بكسر الفاء وبالقصر وفي رواية الكشميهني فداء بالمد قوله ما جاء به في رواية يعقوب بن سفيان ان جاء به ان هي النافية بمعنى ما وفي رواية موسى بن عقبة فقال أبو بكر يا رسول الله ما جاء بك إلا أمر حدث قوله إنما هم أهلك أشار بذلك إلى عائشة وأسماء كما فسره موسى بن عقبة ففي روايته قال أخرج من عندك قال لا عين عليك إنما هما ابنتاي وكذلك في رواية هشام بن عروة قوله فإني في رواية الكشميهني فإنه قوله الصحابة بالنصب أي أريد المصاحبه ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف قوله نعم زاد بن إسحاق في روايته قالت عائشة فرأيت أبا بكر يبكي وما كنت أحسب أن أحدا يبكي من الفرح وفي رواية هشام فقال الصحبة يا رسول الله قال الصحبة قوله إحدى راحلتي هاتين قال بالثمن زاد بن إسحاق قال لا أركب بعيرا ليس هو لي قال فهو لك قال لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به قال أخذتها بكذا وكذا قال أخذتها بذلك قال هي لك وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني فقال بثمنها يا أبا بكر فقال بثمنها إن شئت ونقل السهيلي في الروض عن بعض شيوخ المغرب أنه سئل عن امتناعه من أخذ الراحلة مع أن أبا بكر أنفق عليه ماله فقال أحب أن لا تكون هجرته إلا من مال نفسه وأفاد الواقدي أن الثمن ثمانمائة وأن التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر هي القصواء وأنها كانت من نعم بني قشير وأنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا وماتت في خلافة أبي بكر وكانت مرسلة ترعى بالبقيع وذكر بن إسحاق أنها الجذعاء وكانت من إبل بني الحريش وكذا في رواية أخرجها بن حبان من طريق هشام عن أبيه عن عائشة أنها الجذعاء قوله أحث الجهاز أحث بالمهملة والمثلثة أفعل تفضيل من الحث وهو الإسراع وفي رواية لأبي ذر أحب بالموحدة والأول أصح والجهاز بفتح الجيم وقد تكسر ومنهم من أنكر الكسر وهو ما يحتاج اليه في السفر قوله وصنعنا لهما سفرة في جراب أي زادا في جراب لأن أصل السفرة في اللغة الزاد الذي يصنع للمسافر ثم استعمل في وعاء الزاد ومثله المزادة للماء وكذلك الرواية فاستعملت السفرة في هذا الخبر على أصل اللغة وأفاد الواقدي أنه كان في السفرة مطبوخة قوله ذات النطاق بكسر النون وللكشميهني النطاقين بالتثنية والنطاق ما يشد به الوسط وقيل هو إزار فيه تكة وقيل هو ثوب تلبسه المرأة ثم تشد وسطها بحبل ثم ترسل الأعلى على الأسفل قاله أبو عبيد الهروي قال وسميت ذات النطاقين لأنها كانت تجعل نطاقا على نطاق وقيل كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتجعل في الآخر الزاد أه والمحفوظ كما سيأتي بعد هذا الحديث أنها شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد واقتصرت على الآخر فمن ثم قيل لها ذات النطاق وذات النطاقين فالتثنية والافراد بهذين الاعتبارين وعند بن سعد من حديث الباب شقت نطاقها فأوكأت بقطعة منه الجراب وشدت فم القربة بالباقي فسميت ذات النطاقين قوله قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر غار في جبل ثور بالمثلثة ذكر الواقدي أنهما خرجا من خوخة في ظهر بيت أبي بكر وقال الحاكم تواترت الأخبار أن خروجه كان يوم الإثنين ودخوله المدينة كان يوم الإثنين إلا أن محمد بن موسى الخوارزمي قال إنه خرج من مكة يوم الخميس قلت يجمع بينهما بأن خروجه من مكة كان يوم الخميس وخروجه من الغار كان ليلة الإثنين لأنه أقام فيه ثلاث ليال فهي ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد وخرج في أثناء ليلة الإثنين ووقع في رواية هشام بن عروة عند بن حبان فركبا حتى أتيا الغار وهو ثور فتواريا فيه وذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب قال فرقد علي على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يورى عنه وباتت قريش تختلف وتأتمر أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه حتى أصبحوا فإذا هم بعلي فسألوه فقال لا علم لي فعلموا أنه فر منهم وذكر بن إسحاق نحوه وزاد ان جبريل أمره لا يبيت على فراشه فدعا عليا فأمره أن يبيت على فراشه ويسجى ببرده الأخضر ففعل ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم على القوم ومعه حفنة من تراب فجعل ينثرها على رءوسهم وهو يقرأ يس إلى فهم لا يبصرون وذكر أحمد من حديث بن عباس بإسناد حسن في قوله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذ أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم يعني ينتظرونه حتى يقوم فيفعلون به ما اتفقوا عليه فلما أصبحوا ورأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك هذا قال لا أدري فاقنصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال وذكر نحو ذلك موسى بن عقبة عن الزهري قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ثم ان مشركي قريش اجتمعوا فذكر الحديث وفيه وبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ورى عنه وباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه فلما أصبحوا إذا هم بعلي وقال في آخر فخرجوا في كل وجه يطلبونه وفي مسند أبي بكر الصديق لأبي بكر بن علي المروزي شيخ النسائي من مرسل الحسن في قصة نسج العنكبوت نحوه وذكر الواقدي أن قريشا بعثوا في أثرهما قائفين أحدهما كرز بن علقمة فرأى كرز بن علقمة على الغار العنكبوت فقال ههنا انقطع الأثر ولم يسم الآخر وسماه أبو نعيم في الدلائل من حديث زيد بن أرقم وغيره سراقة بن جعشم وقصة سراقة مذكورة في هذا الباب وقد تقدم في مناقب أبي بكر حديث أنس عن أبي بكر قوله فكنا فيه بفتح الميم ويجوز كسرها أي اختفيا قوله ثلاث ليال في رواية عروة بن الزبير ليلتين فلعله لم يحسب أول ليلة وروى أحمد والحاكم من رواية طلحة النضري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبثت مع صاحبي يعني أبا بكر في الغار بضعة عشر يوما ما لنا طعام إلا ثمر البرير قال الحاكم معناه مكثنا مختفين من المشركين في الغار وفي الطريق بضعة عشر يوما قلت لم يقع في رواية أحمد ذكر الغار وهي زيادة في الخبر من بعض رواته ولا يصح حمله على حالة الهجرة لما في الصحيح كما تراه من أن عامر بن فهيرة كان يروح عليهما في الغار باللبن ولما وقع لهما في الطريق من لقي الراعي كما في حديث البراء في هذا الباب ومن النزول بخيمة أم مبعد وغير ذلك فالذي يظهر أنها قصة أخرى والله أعلم وفي دلائل النبوة للبيهقي من مرسل محمد بن سيرين أن أبا بكر ليلة انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار كان يمشي بين يديه ساعة ومن خلفه ساعة فسأله فقال أذكر الطلب فأمشي خلفك وأذكر الرصد فأمشي أمامك فقال لو كان شيء أحببت أن تقتل دوني قال أي والذي بعثك بالحق فلما انتهيا إلى الغار قال مكانك يا رسول الله حتى أستبري لك الغار فاستبرأه وذكر أبو القاسم البغوي من مرسل بن أبي مليكية نحوه وذكر بن هشام من زياداته عن الحسن البصري بلاغا نحوه قوله عبد الله بن أبي بكر وقع في نسخة عبد الرحمن وهو وهم قوله ثقف بفتح المثلثة وكسر القاف ويجوز إسكانها وفتحها وبعدها فاء الحاذق تقول ثقفت الشيء إذا أقمت عوجه قوله لقن بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون اللقن السريع الفهم قوله فيدلج بتشديد الدال بعدها جيم أي يخرج بسحر إلى مكة قوله فيصبح مع قريش بمكة كبائت أي مثل البائت يظنه من لا يعرف حقيقة أمره لشدة رجوعه بغلس قوله يكتادان به في رواية الكشميهني يكادان به بغير مثناة أي يطلب لهما فيه المكروه وهو من الكيد قوله عامر بن فهيرة تقدم ذكره في باب الشراء من المشركين من كتاب البيوع وذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب أن أبا بكر اشتراه من الطفيل بن سخبرة فأسلم فأعتقه قوله منحة بكسر الميم وسكون النون بعدها مهملة تقدم بيانها في الهبة وتطلق أيضا على كل شاة وفي رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب أن الغنم كانت لأبي بكر فكان يروح عليهما الغنم كل ليلة فيحلبان ثم تسرح بكرة فيصبح في رعيان الناس فلا يفطن له قوله في رسل بكسر الراء بعدها مهملة ساكنة اللبن الطري قوله ورضيفهما بفتح الراء وكسر المعجمة بوزن رغيف أي اللبن المرضوف أي التي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته وهو بالرفع ويجوز الجر قوله حتى ينعق بها عامر ينعق بكسر العين المهملة أي يصبح بغنمه والنعيق صوت الراعي إذا زجر الغنم ووقع في رواية أبي ذر حتى ينعق بهما بالتثنية أي يسمعهما صوته إذا زجر غنمه ووقع في حديث بن عباس عند بن عائذ في هذه القصة ثم يسرح عامر بن فهيرة فيصبح في رعيان الناس كبائت فلا يفطن به وفي رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب وكان عامر أمينا مؤتمنا حسن الإسلام قوله من بني الديل بكسر الدال وسكون التحتانية وقيل بضم أوله وكسر ثانيه مهموز قوله من بني عبد بن عدي أي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ويقال من بني عدي بن عمرو بن خزاعة ووقع في سيرة بن إسحاق تهذيب بن هشام اسمه عبد الله بن أرقد وفي رواية الأموي عن بن إسحاق بن أريقد كذا رواه الأموي في المغازي بإسناد مرسل في غير هذه القصة قال وهو دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في الهجرة وعند موسى بن عقبة أريقط بالتصغير أيضا لكن بالطاء وهو أشهر وعند بن سعد عبد الله بن أريقط وعن مالك اسمه رقيط حكاه بن التين وهو في العتبية قوله هاديا خريتا بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة قوله والخريت الماهر بالهداية هو مدرج في الخير من كلام الزهري بينه بن سعد ولم يقع ذلك في رواية الأموي عن بن إسحاق قال بن سعد وقال الأصمعي إنما سمي خريتا لأنه يهدي بمثل خرت الأبرة أي ثقبها وقال غيره قيل له ذلك لأنه يهتدي لاخرات المفازة وهي طرقها الخفية قوله قد غمس بفتح الغين المعجمة والميم بعدها مهملة حلفا بكسر المهملة وسكون اللام أي كان حليفا وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيمانهم في دم أو خلوق أو في شيء يكون في تلويث فيكون ذلك تأكيدا للحلف قوله فأمناه بكسر الميم قوله فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث زاد مسلم بن عقبة عن بن شهاب حتى إذا هدأت عنهما الأصوات جاء صاحبهما ببعيريهما فانطلقا معهما بعامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما يردفه أبو بكر ويعقبه ليس معهما غيره قوله فأخذ بهم طريق الساحل في رواية موسى بن عقبة فأجاز بهما أسفل مكة ثم مضى بهما حتى جاء بهما الساحل أسفل من عسفان ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق وعند الحاكم من طريق بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة نحوه وأتم منه وإسناده صحيح وأخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة مفسرا منزلة منزلة إلى قباء وكذلك بن عائذ من حديث بن عباس وقد تقدم في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر ما اتفق لهما حين خرجا من الغار من لقيهما راعي الغنم وشربهما من اللبن

[ 3693 ] الحديث الثاني عشر حديث سراقة بن جعشم قوله قال بن شهاب هو موصول بإسناد حديث عائشة وقد أفرده البيهقي في الدلائل وقبله الحاكم في الأكليل من طريق بن إسحاق حدثني محمد بن مسلم هو الزهري به وكذلك أورده الإسماعيلي منفردا من طريق معمر والمعافي في الجليس من طريق صالح بن كيسان كلاهما عن الزهري قوله المدلجي بضم الميم وسكون المهملة وكسر اللام ثم جيم من بني مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة وعبد الرحمن بن مالك هذا اسم جده مالك بن جعشم ونسب أبوه في هذه الرواية إلى جده كما سنبينه في سراقة وأبوه مالك بن جعشم له إدراك ولم أر من ذكره في الصحابة بل ذكره بن حبان في التابعين وليس له ولا لأخيه سراقة ولا لابنه عبد الرحمن في البخاري غير هذا الحديث قوله بن أخي سراقة بن جعشم في رواية أبي ذر بن أخي سراقة بن مالك بن جعشم ثم قال انه سمع سراقة بن جعشم والأول هو المعتمد وحيث جاء في الروايات سراقة بن جعشم يكون نسب إلى جده وسيأتي في حديث البراء بعدها بقليل أنه سراقة بن مالك بن جعشم ولم يختلف عليه فيه وجعشم بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة هو بن مالك بن عمرو وكنية سراقة أبو سفيان وكان ينزل قديدا وعاش إلى خلافة عثمان قوله دية كل واحد أي مائة من الإبل وصرح بذلك موسى بن عقبة وصالح بن كيسان في روايتهما عن الزهري وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة وطافوا في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذا الرجل ليرانا وكان مواجهه فقال كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها فجلس ذلك الرجل يبول مواجهة الغار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يرانا ما فعل هذا قوله رأيت آنفا أي في هذه الساعة قوله أسودة أي أشخاصا في رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق لقد رأيت ركبة ثلاثة إني لاظنه محمدا وأصحابه ونحوه في رواية صالح بن كيسان قوله رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا أي في نظرنا معاينة يبتغون ضالة لهم وفي رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق فأومات اليه أن اسكت وقلت إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال لعل وسكت ونحوه في رواية معمر وفي حديث أسماء فقال سراقة إنهما راكبان ممن بعثنا في طلب القوم قوله فأمرت جاريتي لم أقف على اسمها وفي رواية موسى بن عقبة وصالح بن كيسان وأمرت بفرسي فقيد إلى بطن الوادي وزاد ثم أخذت قداحي بكسر القاف أي الأزلام فاستقسمت بها فخرج الذي أكره لا تضر وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة قوله فخططت بالمعجمة وللكشميهني والأصيلي بالمهملة أي أمكنت أسفله وقوله بزجه الزج بضم الزاي بعدها جيم الحديدة التي في أسفل الرمح وفي رواية الكشميهني فخططت به وزاد موسى بن عقبة وصالح بن كيسان وابن إسحاق فأمرت بسلاحي فأخرج من ذنب حجرتي ثم انطلقت فلبست لأمتي قوله وخفضت أي أمسكه بيده وجر زجه على الأرض فخطها به لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه لأنه كره أن يتبعه منهم أحد فيشركوه في الجعالة ووقع في رواية الحسن عن سراقة عند بن أبي شيبة وجعلت أجر الرمح مخافة أن يشركني أهل الماء فيها قوله فرفعتها أي أسرعت بها السير قوله تقرب بي التقريب السير دون العدو وفوق العادة وقبل أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا قوله فأهويت يدي أي بسطهما للأخذ والكنانة الخريطة المستطيلة قوله فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا والأزلام هي الأقداح وهي السهام التي لا ريش لها ولا نصل وسيأتي شرحها وكيفيتها وصنيعهم بها في تفسير المائدة قوله فخرج الذي أكره أي لا تضرهم وصرح به الإسماعيلي وموسى وابن إسحاق وزاد وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة وفي حديث بن عباس عند بن عائذ وركب سراقة فلما أبصر الآثار على غير الطريق وهو وجل أنكر الآثار فقال والله ما هذه بآثار نعم الشام ولا تهامة فتبعهم حتى أدركهم قوله حتى إذا سمعت في حديث البراء عن أبي بكر الآتي عقب هذا فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي خليفة في حديث البراء عند الإسماعيلي فقال اللهم اكفناه بما شئت وفي حديث بن عباس مثله ونحوه في رواية الحسن عن سراقة وفي حديث أنس وهو الثامن عشر من أحاديث الباب فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اصرعه فصرعة فرسه قوله ساخت بالخاء المعجمة أي غاصت وفي حديث أسماء بنت أبي بكر فوقعت لمنخريها قوله حتى بلغتا الركبتين في رواية البراء فارتطمت به فرسه إلى بطنها وفي رواية أبي خليفة في الأرض إلى بطنها قوله فخررت عنها في رواية أبي خليفة فوثبت عنها زاد بن إسحاق فقلت ما هذا ثم أخرجت قداحي نحو الأول قوله ثم زجرتها فنهضت فلم تكد وفي حديث أنس ثم قامت تحمحم الحمحمة بمهملتين هو صوت الفرس قوله عثان بضم المهملة بعدها مثلثة خفيفة أي دخان قال معمر قلت لأبي عمرو بن العلاء ما العثان قال الدخان من غير نار وفي رواية الكشميهني غبار بمعجمة ثم موحدة ثم راء والأول اشهر وذكر أبو عبيد في غريبه قال وإنما أراد بالعثان الغبار نفسه شبه غبار قوائمها بالدخان وفي رواية موسى بن عقبة والإسماعيلي واتبعها دخان مثل الغبار وزاد فعلمت أنه منع مني قوله فناديتهم بالأمان وفي رواية أبي خليفة قد علمت يا محمد أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه والله لأعمين عليك من ورائي أي الطلب وفي رواية بن إسحاق فناديت القوم أنا سراقة بن مالك بن جعشم أنظروني أكلمكم فوالله لا آتيكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه وفي حديث بن عباس مثله وزاد وأنا لكم نافع غير ضار وإني لا أدري لعل الحي يعني قومه فزعوا لركوبي وأنا راجع ورادهم عنكم قوله ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية بن إسحاق أنه قد منع مني قوله وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم أي من الحرص على الظفر بهم وبذل المال لمن يحصلهم وفي حديث بن عباس وعاهدهم أن لا يقاتلهم ولا يخبر عنهم وأن يكتم عنهم ثلاث ليال قوله وعرضت عليهم الزاد والمتاع في مرسل عمير بن إسحاق عند بن أبي شيبة فكف ثم قال هلما إلى الزاد والحملان فقالا لا حاجة لنا في ذلك وفي حديث بن عباس أن سراقة قال لهم وان أبلى على طريقكم فاحتلبوا من اللبن وخذوا سهما من كنانتي أمارة إلى الراعي قوله فلم يرزآني براء ثم زاي أي لم ينقصاني مما معي شيئا وفي رواية أبي خليفة وهذه كنانتي فخذ سهما منها فإنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخد منها حاجتك فقال لي لا حاجة لنا في إبلك ودعا له قوله أخف عنا لم يذكر جوابه ووقع في رواية البراء فدعا له فنجا فجعل لا يلقى أحدا إلا قال له قد كفيتم ما ههنا فلا يلقى أحدا إلا رده قال ووفي لنا وفي حديث أنس فقال يا نبي الله مرني بما شئت قال فقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا قال فكان أول النهار جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له أي حارسا له بسلاحه وذكر بن سعد أنه لما رجع قال لقريش قد عرفتم بصري بالطريق وبالأثر وقد استبرأت لكم فلم أر شيئا فرجعوا قوله كتاب أمن بسكون الميم وفي رواية الإسماعيلي كتاب موادعة وفي رواية إسحاق كتابا يكون آية بيني وبينك قوله فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم وفي رواية بن إسحاق فكتب لي كتابا في عظم أو ورقة أو خرقة ثم ألقاه إلي فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت وفي رواية موسى بن عقبة نحوه وعندهما فرجعت فسئلت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا فرغ من حنين بعد فتح مكة خرجت لألقاه ومعي الكتاب فلقيته بالجعرانة حتى دنوت منه فرفعت يدي بالكتاب فقلت يا رسول الله هذا كتابك فقال يوم وفاء وبر أدن فأسلمت وفي رواية صالح بن كيسان نحوه وفي رواية الحسن عن سراقة قال فبلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي فأتيته فقلت أحب أن توادع قومي فان أسلم قومك أسلموا وإلا أمنت منهم ففعل ذلك قال ففيهم نزلت الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال بن إسحاق قال أبو جهل لما بلغه ما لقي سراقة لامه في تركهم فأنشده أبا حكم واللات لو كنت شاهدا لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه عجبت ولم تشكك بأن محمدا نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه وذكر بن سعد أن سراقة عارضهم يوم الثلاثاء بقديد الحديث الثالث عشر

[ 3694 ] قوله قال بن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب هو متصل إلى بن شهاب بالإسناد المذكور أولا وقد أفرده الحاكم من وجه آخر عن يحيى بن بكير بالإسناد المذكور ولم يستخرجه الإسماعيلي أصلا وصورته مرسل لكنه وصله الحاكم أيضا من طريق معمر عن الزهري قال أخبرني عروة أنه سمع الزبير به وأفاد أن قوله وسمع المسلمون الخ من بقية الحديث المذكور وأخرجه موسى بن عقبة عن بن شهاب به وأتم منه وزاد قال ويقال لما دنا من المدينة كان طلحة قدم من الشام فخرج عائدا إلى مكة إما متلقيا وإما معتمرا ومعه ثياب أهداها لأبي بكر من ثياب الشام فلما لقيه أعطاه فلبس منها هو وأبو بكر انتهى وهذا ان كان محفوظا احتمل أن يكون كل من طلحة والزبير أهدى لهما من الثياب والذي في السير هو الثاني ومال الدمياطي الى ترجيحه على عادته في ترجيح ما في السير على ما في الصحيح والأولى الجمع بينهما والا فما في الصحيح أصح لأن الرواية التي فيها طلحة من طريق بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة والتي في الصحيح من طريق عقيل عن الزهري عن عروة ثم وجدت عند بن أبي شيبة من طريق هشام بن عروة عن أبيه نحو رواية أبي الأسود وعند بن عائذ في المغازي من حديث بن عباس خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن أبي ربيعة نحو المدينة فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام فتعين تصحيح القولين قوله وسمع المسلمون بالمدينة في رواية معمر فلما سمع المسلمون قوله يغدون بسكون الغين المعجمة أي يخرجون غدوة وفي رواية الحاكم من وجه آخر عن عروة عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن رجال من قومه قال لما بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم كنا نخرج فنجلس له بظاهر الحرة نلجأ إلى ظل المدر حتى تغلبنا عليه الشمس ثم نرجع إلى رحالنا قوله حتى يردهم في رواية معمر يؤذيهم وفي رواية بن سعد فإذا أحرقتهم الشمس رجعوا إلى منازلهم ووقع في رواية أبي خليفة في حديث أبي البراء حتى أتينا المدينة ليلا قوله فانقلبوا يوما بعد ما طال انتظارهم في رواية عبد الرحمن بن عويم حتى إذا كان اليوم الذي جاء فيه جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا رجعنا جاء قوله أوفى رجل من يهود أي طلع إلى مكان عال فأشرف منه ولم أقف على اسم هذا اليهودي قوله أطم بضم أوله وثانيه هو الحصن ويقال كان بناء من حجارة كالقصر قوله مبيضين أي عليهم الثياب البيض التي كساهم إياها الزبير أو طلحة وقال بن التين يحتمل أن يكون معناه مستعجلين وحكى عن بن فارس يقال بايض أي مستعجل قوله يزول بهم السراب أي يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له وقيل معناه ظهرت حركتهم للعين قوله يا معاشر العرب في رواية عبد الرحمن بن عويم يا بني قيلة وهو بفتح القاف وسكون التحتانية وهي الجدة الكبرى للأنصار والدة الأوس والخزرج وهي قيلة بنت كاهل بن عذرة قوله هذا جدكم بفتح الجيم أي حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه وفي رواية معمر هذا صاحبكم قوله حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف أي بن مالك بن الأوس بن حارثة ومنازلهم بقباء وهي على فرسخ من المسجد النبوي بالمدينة وكان نزوله على كلثوم بن الهرم وقيل كان يومئذ مشركا وجزم به محمد بن الحسن بن زبالة في أخبار المدينة قوله وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول وهذا هو المعتمد وشذ من قال يوم الجمعة في رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب قدمها لهلال ربيع الأول أي أول يوم منه وفي رواية جرير بن حازم عن بن إسحاق قدمها لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ونحوه عند أبي معشر لكن قال ليلة الإثنين ومثله عن بن البرقي وثبت كذلك في أواخر صحيح مسلم وفي رواية إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق قدمها لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وعند أبي سعيد في شرف المصطفى من طريق أبي بكر بن حزم قدم لثلاث عشرة من ربيع الأول وهذا يجمع بينه وبين الذي قبله بالحمل على الاختلاف في رؤية الهلال وعنده من حديث عمر ثم نزل على بني عمرو بن عوف يوم الإثنين لليلتين بقيتا من ربيع الأول كذا فيه ولعله كان فيه خلتا ليوافق رواية جرير وابن حازم وعند الزبير في خبر المدينة عن بن شهاب في نصف ربيع الأول وقيل كان قدومه في سابعه وجزم بن حزم بأنه خرج من مكة لثلاث ليال بقين من صفر وهذا يوافق قول هشام بن الكلبي إنه خرج من الغار ليلة الإثنين أول يوم من ربيع الأول فان كان محفوظا فلعل قدومه قباء كان يوم الإثنين ثامن ربيع الأول وإذا ضم إلى قول أنس إنه أقام بقباء أربع عشرة ليلة خرج منه أنه دخوله المدينة كان لاثنين وعشرين منه لكن الكلبي جزم بأنه دخلها لاثنتي عشرة خلت منه فعلى قوله تكون اقامته بقباء أربع ليال فقط وبه جزم بن حبان فإنه قال أقام بها الثلاثاء والأربعاء والخميس يعني وخرج يوم الجمعة فكأنه لم يعتد بيوم الخروج وكذا قال موسى بن عقبة إنه أقام فيهم ثلاث ليال فكأنه لم يعتد بيوم الخروج ولا الدخول وعن قوم من بني عمرو بن عوف أنه أقام فيهم اثنين وعشرين يوما حكاه الزبير بن بكار وفي مرسل عروة بن الزبير ما يقرب منه كما يذكر عقب هذا والأكثر أنه قدم نهارا ووقع في رواية مسلم ليلا ويجمع بأن القدوم كان آخر الليل فدخل نهارا قوله فقام أبو بكر للناس أي يتلقاهم قوله فطفق أي جعل من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيى أبا بكر أي يسلم عليه قال بن التين إنما كانوا يفعلون ذلك بأبي بكر لكثرة تردده إليهم في التجارة إلى الشام فكانوا يعرفونه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتها بعد أن كبر قلت ظاهر السياق يقتضي أن الذي يحيى ممن لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم يظنه أبا بكر فلذلك يبدأ بالسلام عليه ويدل عليه قوله في بقية الحديث فأقبل أبو بكر يظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع بيان ذلك في رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب قال وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رآه يحسبه أبا بكر حتى إذا أصابته الشمس أقبل أبو بكر بشيء أظله به ولعبد الرحمن بن عويم في رواية بن إسحاق أناخ إلى الظل هو وأبو بكر والله ما أدري أيهما هو حتى رأينا أبا بكر ينحاز له عن الظل فعرفناه بذلك قوله فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة في حديث أنس الآتي في الباب الذي يليه أنه أقام فيهم أربع عشرة ليلة وقد ذكرت قبله ما يخالفه والله أعلم قال موسى بن عقبة عن بن شهاب أقام فيهم ثلاثا قال وروى بن شهاب عن مجمع بن حارثة أنه أقام اثنتين وعشرين ليلة وقال بن إسحاق أقام فيهم خمسا وبنو عمرو بن عوف يزعمون أكثر من ذلك قلت ليس أنس من بني عمرو بن عوف فإنهم من الأوس وأنس من الخزرج وقد جزم بما ذكرته فهو أولى بالقبول من غيره قوله وأسس المسجد الذي أسس على التقوى أي مسجد قباء وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب عن عروة قال الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف وكذا في حديث بن عباس عند بن عائذ ولفظه ومكث في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو الذي أسس على التقوى وروى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل بقباء قال عمار بن ياسر ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بد من أن يجعل له مكانا يستظل به إذا استيقظ ويصلي فيه فجمع حجارة فبنى مسجد قباء فهو أول مسجد بني يعني بالمدينة وهو في التحقيق أول مسجد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأصحابه جماعة ظاهرا وأول مسجد بني لجماعة المسلمين عامة وان كان قد تقدم بناء غيره من المساجد لكن لخصوص الذي بناها كما تقدم في حديث عائشة في بناء أبي بكر مسجده وروى بن أبي شيبة عن جابر قال لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين نعمر المساجد ونقيم الصلاة وقد اختلف في المراد بقوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أول يوم فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء هذا وهو ظاهر الآية وروى مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجدكم ولأحمد والترمذي من وجه آخر عن أبي سعيد اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال هو هذا وفي ذلك يعني مسجد قباء خير كثير ولأحمد عن سهل بن سعد نحوه وأخرجه من وجه آخر عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب مرفوعا قال القرطبي هذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة بين المسجدين في اشتراكهما في أن كلا منهما بناه النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأجاب بأن المراد مسجده وكأن المزية التي اقتضت تعيينه دون مسجد قباء لكون مسجد قباء لم يكن بناؤه بأمر جزم من الله لنبيه أو كان رأيا رآه بخلاف مسجده أو كان حصل له أو لأصحابه فيه من الأحوال القلبية ما لم يحصل لغيره انتهى ويحتمل أن تكون المزية لما اتفق من طول إقامته صلى الله عليه وسلم بمسجد المدينة بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أياما قلائل وكفى بهذا مزية من غير حاجة إلى ما تكلفه القرطبي والحق أن كلا منهما أسس على التقوى وقوله تعالى في بقية الآية فيه رجال يحبون أن يتطهروا يؤيد كون المراد مسجد قباء وعند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت فيه رجال يحبون أن يتطهروا في أهل قباء وعلى هذا فالسر في جوابه صلى الله عليه وسلم بأن المسجد الذي أسس على التقوى مسجده رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء والله أعلم قال الداودي وغيره ليس هذا اختلافا لأن كلا منهما أسس على التقوى وكذا قال السهيلي وزاد غيره أن قوله تعالى من أول يوم يقتضي أنه مسجد قباء لأن تأسيسه كان في أول يوم حل النبي صلى الله عليه وسلم بدار الهجرة والله أعلم قوله ثم ركب راحلته وقع عند بن إسحاق وابن عائذ أنه ركب من قباء يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فقالوا يا رسول الله هلم إلى العدد والعدد والقوة انزل بين أظهرنا وعند أبي الأسود عن عروة نحوه وزاد وصاروا يتنازعون زمام ناقته وسمى ممن سأله النزول عندهم عتبان بن مالك في بني سالم وفروة بن عمرو في بني بياضة وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وغيرهما في بني ساعدة وأبا سليط وغيره في بني عدي يقول لكل منهم دعوها فإنها مأمورة وعند الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس جاءت الأنصار فقالوا إلينا يا رسول الله فقال دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب قوله حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة في حديث البراء عن أبي بكر فتنازعه القوم إيهم ينزل عليه فقال إني إنزل على أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك وعند بن عائذ عن الوليد بن مسلم وعند سعيد بن منصور كلاهما عن عطاف بن خالد أنها استناخت به أولا فجاءه ناس فقالوا المنزل يا رسول الله فقال دعوها فانبعث حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تحلحلت فنزل عنها فأتاه أبو أيوب فقال إن منزلي أقرب المنازل فأذن لي أن أنقل رحلك قال نهم فنقل وأناخ الناقة في منزله وذكر بن سعد أن أبا أيوب لما نقل رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله قال النبي صلى الله عليه وسلم المرء مع رحله وأن سعد بن زرارة جاء فأخذ ناقته فكانت عنده قال وهذا أثبت وذكر أيضا أن مدة إقامته عند أي أيوب كانت سبعة أشهر قوله وكان أي موضع المسجد مربدا بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة هو الموضع الذي يخفف فيه التمر وقال الأصمعي المربد كل شيء حبست فيه الإبل أو الغنم وبه سمى مربد البصرة لأنه كان موضع سوق الإبل قوله لسهيل وسهل زاد بن عيينة في جامعه عن أبي موسى عن الحسن وكانا من الأنصار وعند الزبير بن بكار في أخبار المدينة أنهما أتيا رافع بن عمرو وعند بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل لمن هذا فقال له معاذ بن عفراء هو لسهيل وسهل ابني عمرو يتيمان لي وسأرضيهما منه قوله في حجر سعد بن زرارة كذا لأبي ذر وحده وفي رواية الباقين أسعد بزيادة ألف وهو الوجه وكان أسعد من السابقين إلى الإسلام من الأنصار ويكنى أبا أمامة وأما أخوه سعد فتأخر إسلامه ووقع في مرسل بن سيرين عند أبي عبيد في الغريب أنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء وحكى الزبير أنهما كانا في حجر أبي أيوب والأول أثبت وقد يجمع باشتراكهما أو بانتقال ذلك بعد أسعد إلى من ذكر واحدا بعد واحد وذكر بن سعد أن أسعد بن زرارة كان يصلي فيه قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم قوله فساومهما في رواية بن عيينة فكلم عمهما أي الذي كانا في حجره أن يبتاعه منهما فطلبه منهما فقالا ما تصنع به فلم يجد بدا من أن يصدقهما ووقع لأبي ذر عن الكشميهني فأبى أن يقبله منهما قوله حتى ابتاعه منهما ذكر بن سعد عن الواقدي عن معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يعطيهما ثمنه قال وقال غير معمر أعطاهما عشرة دنانير وتقدم في أبواب المساجد من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ويأتي مثله في آخر الباب الذي يليه ولا منافاة بينهما فيجمع بأنهم لما قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله سأل عمن يختص بملكه منهم فعينوا له الغلامين فابتاعه منهما فحينئذ يحتمل أن يكون الذين قالوا له لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تحملوا عنه للغلامين بالثمن وعند الزبير أن أبا أيوب أرضاهما عن ثمنه قوله وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جعل ينقل معهم اللبن أي الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق وفي رواية عطاف بن خالد عند بن عائذ أنه صلى فيه وهو عريش اثني عشر يوما ثم بناه وسقفه وعند الزبير في خبر المدينة من حديث أنس أنه بناه أولا بالجريد ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين قوله هذا الحمال بالمهملة المكسورة وتخفيف الميم أي هذا المحمول من اللبن أبر عند الله أي أبقى ذخرا وأكثر ثوابا وأدوم منفعة وأشد طهارة من حمال خيبر أي التي يحمل منها التمر والزبيب ونحو ذلك ووقع في بعض النسخ في رواية المستملي هذا الجمال بفتح الجيم وقوله ربنا منادى مضاف قوله اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة كذا في هذه الرواية ويأتي في حديث أنس في الباب الذي بعده اللهم لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة وجاء في غزوة الخندق بتغيير آخر من حديث سهل بن سعد ونقل الكرماني أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف على الآخرة والمهاجرة بالتاء محركة فيخرجه عن الوزن ذكره في أوائل كتاب الصلاة ولم يذكر مستنده والكلام الذي بعد هذا يرد عليه قوله فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي قال الكرماني يحتمل أن يكون المراد الرجز المذكور ويحتمل أن يكون شعرا آخر قلت الأول هو المعتمد ومناسبة الشعر المذكور للحال المذكور واضحة وفيها إشارة إلى أن الذي ورد في كراهية البناء مختص بما زاد على الحاجة أو لم يكن في أمر ديني كبناء المسجد قوله قال بن شهاب ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات زاد بن عائذ في أخره التي كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبناء المسجد قال بن التين أنكر على الزهري هذا من وجهين أحدهما أنه رجز وليس بشعر ولهذا يقال لقائله راجز ويقال أنشد رجزا ولا يقال له شاعر ولا أنشد شعرا والوجه الثاني أن العلماء اختلفوا هل ينشد النبي صلى الله عليه وسلم شعرا أم لا وعلى الجواز هل ينشد بيتا واحدا أو يزيد وقد قيل ان البيت الواحد ليس بشعر وفيه نظر أه والجواب عن الأول أن الجمهور على أن الرجز من أقسام الشعر إذا كان موزونا وقد قيل إنه كان صلى الله عليه وسلم إذا قال ذلك لا يطلق القافية بل يقولها متحركة التاء ولا يثبت ذلك وسيأتي من حديث سهل بن سعد في غزوة الخندق بلفظ فاغفر للمهاجرين والأنصار وهذا ليس بموزون وعن الثاني بأن الممتنع عنه صلى الله عليه وسلم إنشاؤه لا إنشاده ولا دليل على منع انشاده متمثلا وقول الزهري لم يبلغنا لا اعتراض عليه فيه ولو ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أنشد غير ما نقله الزهري لأنه نفى أن يكون بلغه ولم يطلق النفي المذكور على أن بن سعد روى عن عفان عن معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري قال لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من الشعر قيل قبله أو يروى عن غيره إلا هذا كذا قال وقد قال غيره إن الشعر المذكور لعبد الله بن رواحة فكأنه لم يبلغه وما في الصحيح أصح وهو قوله شعر رجل من المسلمين وفي الحديث جواز قول الشعر وأنواعه خصوصا الرجز في الحرب والتعاون على سائر الأعمال الشاقة لما فيه من تحريك الهمم وتشجيع النفوس وتحركها على معالجة الأمور الصعبة وذكر الزبير من طريق مجمع بن يزيد قال قائل من المسلمين في ذلك لئن قعدنا والنبي يعمل ذاك إذا للعمل المضلل ومن طريق أخرى عن أم سلمة نحوه وزاد قال وقال علي بن أبي طالب لا يستوي من يعمر المساجدا يدأب فيها قائما وقاعدا ومن يرى عن التراب حائدا وسيأتي كيفية نزوله على أبي أيوب إلى أن أكمل المسجد في حديث أنس في هذا الباب إن شاء الله تعالى تنبيه أخرج المصنف هذا الحديث بطوله في التاريخ الصغير بهذا السند فزاد بعد قوله هذه الأبيات وعن بن شهاب قال كان بين ليلة العقبة يعني الأخيرة وبين مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر أو قريب منها قلت هي ذو الحجة والمحرم وصفر لكن كان مضى من ذي الحجة عشرة أيام ودخل المدينة بعد أن استهل ربيع الأول فمهما كان الواقع أنه اليوم الذي دخل فيه من الشهر يعرف منه القدر على التحرير فقد يكون ثلاثة سواء وقد ينقص وقد يزيد لأن أقل ما قيل إنه دخل في اليوم الأول منه وأكثر ما قيل إنه دخل الثاني عشر منه الحديث الرابع عشر

[ 3695 ] قوله عن أبيه هو عروة وفاطمة هي امرأته بنت المنذر بن الزبير وأسماء جدتهما جميعا قوله فقلت لأبي أي قالت لأبي بكر الصديق قوله أربطه أي المتاع الذي في السفرة أو رأس السفرة أو ذكرت باعتبار الظرف لأنه مذكر ويستفاد من هذا أن الذي أمرها بشق نطاقها لتربط به السفرة هو أبوها وتقدم تفسير النطاق في حديث عائشة قبل الحديث الخامس عشر قوله وقال بن عباس أسماء ذات النطاق وصله في تفسير براءة في أثناء حديث وسيأتي إن شاء الله تعالى الحديث السادس عشر حديث البراء في قصة الهجرة أورده مختصرا وقد تقدم مطولا في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر مع شرحه وذكر هنا أوله عن البراء وإنما هو عنده عن أبي بكر كما تقدم بيانه وفي آخر هذا الحديث هنا ما يشير إلى ذلك ثم أعاده المصنف في هذا الباب كما سيأتي بعد أبواب من وجه آخر عن البراء أتم مما هنا كما سأنبه عليه

الحديث السابع عشر حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق حملت بعبد الله بن الزبير يعني بمكة

[ 3697 ] قوله وأنا متم أي قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر ويطلق متم أيضا على من ولدت لتمام قوله فنزلت بقباء فولدته بقباء هذا يشعر بأنها وصلت إلى المدينة قبل أن يتحول النبي صلى الله عليه وسلم من قباء وليس كذلك قوله ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم أي المدينة قوله ثم تفل بمثناة ثم فاء تقدم بيانه في أبواب المساجد قوله ثم حنكه أي وضع في فيه التمرة ودلك حنكه بها قوله وبرك عليه أي قال بارك الله فيه أو اللهم بارك فيه قوله وكان أول مولود ولد في الإسلام أي بالمدينة من المهاجرين فأما من ولد بغير المدينة من المهاجرين فقيل عبد الله بن جعفر بالحبشة وأما من الأنصار بالمدينة فكان أول مولود ولد لهم بعد الهجرة مسلمة بن مخلد كما رواه بن أبي شيبة وقيل النعمان بن بشير وفي الحديث أن مولد عبد الله بن الزبير كان في السنة الأولى وهو المعتمد بخلاف ما جزم به الواقدي ومن تبعه بأنه ولد في السنة الثانية بعد عشرين شهرا من الهجرة ووقع عند الإسماعيلي من الزيادة من طريق عبد الله بن الرومي عن أبي أسامة بعد قوله في الإسلام ففرح المسلمون فرحا شديدا لأن اليهود كانوا يقولون سحرناهم حتى لا يولد لهم وأخرج الواقدي ذلك بسند له إلى سهل بن أبي حثمة وجاء عن أبي الأسود عن عروة نحوه ويرده أن هجرة أسماء وعائشة وغيرهما من آل الصديق كانت بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فالمسافة قريبة جدا لا تحتمل تأخر عشرين شهرا بل ولا عشرة أشهر قوله تابعه خالد بن مخلد وصله الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد بهذا السند ولفظه أنها هاجرت وهي حبلى بعبد الله فوضعته بقباء فلم ترضعه حتى أتت به النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد في آخره ثم صلى عليه أي دعا له وسماه عبد الله الحديث الثامن عشر حديث عائشة في المعنى هو محمول على أنه عن عروة عن أمه أسماء وعن خالته عائشة فقد أخرجه المصنف من رواية أبي أسامة عن هشام على الوجهين كما ترى وفي رواية أسماء زيادة تختص بها وقد ذكر المصنف لحديث أسماء متابعا وهي الرواية المعلقة التي فرغنا منها وذكر أبو نعيم لحديث عائشة متابعا من رواية عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام وأخرج مسلم من طريق أبي خالد عن هشام مختصرا نحوه وأخرج مسلم من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام ما يقتضي أنه عند عروة عن أمه وخالته ولفظه عن هشام حدثني عروة وفاطمة بنت المنذر قالا خرجت أسماء حين هاجرت وهي حبلى بعبد الله بن الزبير قالت فقدمت قباء فنفست به ثم خرجت فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه ثم دعا بتمرة قالت عائشة فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها فمضغها الحديث فهذا الحديث فيه البيان أنه عند عروة عنهما جميعا وزاد في آخر هذا الطريق وسماه عبد الله ثم جاء وهو بن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك الزبير فتبسم وبايعه وقد ذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة بعث زيد بن حارثة فأحضر زوجته سودة بنت زمعة وبنتيه فاطمة وأم كلثوم وأم أيمن زوج زيد بن حارثة وابنها أسامة وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر ومعه أمه أم رومان وأختاه عائشة وأسماء فقدموا والنبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده ومجموع هذا مع قولها فولدته بقباء يدل على أن عبد الله بن الزبير ولد في السنة الأولى من الهجرة كما تقدم

[ 3698 ] قوله أتوا به يؤخذ من الذي قبله أن أمه هي التي أتت به ويحتمل أن يكون معها غيرها كزوجها أو أختها قوله فلاكها أي مضغها قوله ثم أدخلها في فيه قال بن التين ظاهرة أن اللوك كان قبل أن يدخلها في فيه والذي عند أهل اللغة أن اللوك في الفم قلت وهو فهم عجيب فان الضمير في قوله في فيه يعود على بن الزبير أي لاكها النبي صلى الله عليه وسلم في فمه ثم أدخلها في في بن الزبير وهو واضح لمن تأملها

الحديث التاسع عشر

[ 3699 ] قوله حدثني محمد هو بن سلام وقال أبو نعيم في المستخرج أظنه أنه محمد بن المثنى أبو موسى قوله حدثنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد قوله مردف أبا بكر قال الداودي يحتمل أنه مرتدف خلفه على راحلته ويحتمل أن يكون على راحلة أخرى قال الله تعالى بألف من الملائكة مردفين أي يتلو بعضهم بعضا ورجح بن التين الأول وقال لا يصح الثاني لأنه يلزم منه أن يمشي أبو بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قلت إنما يلزم ذلك لو كان الخبر جاء بالعكس كأن يقول والنبي صلى الله عليه وسلم مرتدف خلف أبي بكر فأما ولفظه وهو مردف أبا بكر فلا وسيأتي في الباب الذي بعده من وجه آخر عن أنس فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه قوله وأبو بكر شيخ يريد أنه قد شاب وقوله يعرف أي لأنه كان يمر على أهل المدينة في سفر التجارة بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم في الأمرين فإنه كان بعيد العهد بالسفر من مكة ولم يشب وإلا ففي نفس الأمر كان هو عليه الصلاة والسلام أسن من أبي بكر وسيأتي في هذا الباب من حديث أنس أنه لم يكن في الذين هاجروا أشمط غير أبي بكر قوله ونبي الله شاب لا يعرف ظاهره أن أبا بكر كان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك وقد ذكر أبو عمر من رواية حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر أيما أسن أنا أو أنت قال أنت أكرم يا رسول الله مني وأكبر وأنا أسن منك قال أبو عمر هذا مرسل ولا أظنه إلا وهما قلت وهو كما ظن وإنما يعرف هذا للعباس وأما أبو بكر فثبت في صحيح مسلم عن معاوية أنه عاش ثلاثا وستين سنة وكان قد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم سنتين وأشهرا فيلزم على الصحيح في سن أبي بكر أن يكون أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من سنتين قوله يهديني السبيل بين سبب ذلك بن سعد في رواية له ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر اله الناس عني فكأن إذا سئل من أنت قال باغي حاجة فإذا قيل من هذا معك قال هاد يهديني وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني وكان أبو بكر رجلا معروفا في الناس فإذا لقيه لاق يقول لأبي بكر من هذا معك فيقول هاد يهديني يريد الهداية في الدين ويحسبه الآخر دليلا قوله فقال يا رسول الله هذا فارس وهو سراقة وقد تقدم شرح قصته في الحديث الحادي عشر ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في سفرهم ذلك قضايا منها نزولهم بخيمتي أم معبد وقصتها أخرجها بن خزيمة والحاكم مطولة وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر الصديق شبيها بأصل قصتها في لبن الشاة المهزولة دون ما فيها من صفته صلى الله عليه وسلم لكنه لم يسمها في هذه الرواية ولا نسبها فاحتمل التعدد ومر بعبد يرعى غنما وقد تقدم في حديث البراء عن أبي بكر وروى أبو سعيد في شرف المصطفى من طريق إياس بن مالك بن الأوس الأسلمي قال لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مروا بابل لنا بالجحفة فقالا لمن هذه قال الرجل من أسلم فالتفت إلى أبي بكر فقال سلمت قال ما اسمك قال مسعود فالتفت إلى أبي بكر فقال سعدت ووصله بن السكن والطبراني عن إياس عن أبيه عن جده أوس بن عبد الله بن حجر فذكر نحوه مطولا وفيه إن أوسا أعطاهما فحل إبله وأرسل معهما غلامه مسعودا وأمره أن لا يفارقهما حتى يصلا المدينة وتحديث أنس بقصة سراقة من مراسيل الصحابة ولعله حملها عن أبي بكر الصديق فقد تقدم في مناقبه أن أنسا حدث عنه بطرف من حديث الغار وهو قوله قلت يا رسول الله لو أن أحدهما نظر إلى قدميه لأبصرنا الحديث وقوله فيه فصرعه عن فرسه ثم قامت تحمحم قال بن التين فيه نظر لان الفرس إن كانت أنثى فلا يجوز فصرعه وان كان ذكرا فلا يقال ثم قامت قلت وانكاره من العجائب والجواب أنه ذكر باعتبار لفظ الفرس وأنت باعتبار ما في نفس الأمر من أنها كانت أنثى قوله ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركبا طوى في هذا الحديث قصة إقامته عليه الصلاة والسلام هنا وقد تقدم بيانه في الحديث الثالث عشر وتقدير الكلام فنزل جانب الحرة فأقام بقباء المدة التي أقامها وبنى بها المسجد ثم بعث الخ قوله حتى نزل جانب دار أبي أيوب تقدم بيانه مستوفى في الحديث الثالث عشر وقال البخاري في التاريخ الصغير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال إني لأسعى مع الغلمان إذ قالوا جاء محمد فننطلق فلا نرى شيئا حتى أقبل وصاحبه فكمنا في بعض خرب المدينة وبعثا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما فاستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فقالوا انطلقا آمنين مطاعين الحديث قوله فإنه ليحدث أهله الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم قوله إذ سمع به عبد الله بن سلام بالتخفيف بن الحويرث الاسرائيلي يكنى أبا يوسف يقال كان اسمه الحصين فسمى عبد الله في الإسلام وهو من حلفاء بني عوف بن الخزرج قوله يخترف لهم بالخاء المعجمة والفاء أي يجتني من الثمار قوله فجاء وهي معه أي الثمرة التي اجتناها وفي بعضها وهو أي الذي اجتناها قوله فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله وقع عند أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من طريق زرارة بن أوفى عن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس اليه فجئت في الناس لأنظر اليه فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب الحديث قال العماد بن كثير ظاهر هذا السياق يعني سياق أحمد لحديث عبد الله بن سلام ولفظه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس لقدومه فكنت فيمن انجفل أنه اجتمع به لما قدم قباء وظاهر حديث أنس أنه اجتمع به بعد أن نزل بدار أبي أيوب قال فيحمل على أنه اجتمع به مرتين قلت ليس في الأول تعيين قباء فالظاهر الاتحاد وحمل المدينة هنا على داخلها قوله أي بيوت أهلنا أقرب تقدم بيان ذلك في أواخر الحديث الثالث عشر وأطلق عليهم أهله لقرابة ما بينهم من النساء لأن منهم والدة عبد المطلب جده وهي سلمى بنت عوف من بني مالك بن النجار ولهذا جاء في حديث البراء أنه صلى الله عليه وسلم نزل على أخواله أو أجداده من بني النجار قوله فهيء لنا مقيلا أي مكانا تقع فيه القيلولة قال قوما فيه حذف تقديره فذهب فهيأ وقد وقع صريحا في رواية الحاكم وأبي سعيد قال فانطلق فهيأ لهما مقيلا ثم جاء وفي حديث أبي أيوب عند الحاكم وغيره أنه أنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل ونزل هو وأهله في العلو ثم أشفق من ذلك فلم يزل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم حتى تحول الى العلو ونزل أبو أيوب إلى السفل ونحوه في طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس عند أبي سعيد في شرف المصطفى وأفاد بن سعد أنه أقام بمنزل أبي أيوب سبعة أشهر حتى بنى بيوته وأبو أيوب هو خالد بن زيد بن كليب من بني النجار وبنو النجار من الخزرج بن حارثة ويقال إن تبعا لما غزا الحجاز واجتاز يثرب خرج اليه أربعمائة حبر فأخبروه بما يجب من تعظيم البيت وأن نبيا سيبعث يكون مسكنه يثرب فأكرمهم وعظم البيت بأن كساه وهو أول من كساه وكتب كتابا وسلمه لرجل من أولئك الأحبار وأوصاه أن يسلمه للنبي صلى الله عليه وسلم إن أدركه فيقال إن أبا أيوب من ذرية ذلك الرجل حكاه بن هشام في النيجان وأورده بن عساكر في ترجمة تبع قوله فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أي إلى منزل أبي أيوب جاء عبد الله بن سلام أي اليه فقال أشهد أنك رسول الله زاد في رواية حميد عن أنس كما سيأتي قريبا قبل كتاب المغازي أنه سأله عن أشياء فلما أعلمه بها أسلم ولفظه فأتاه يسأله عن أشياء فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع الى أبيه أو إلى أمه فلما ذكر له جواب مسائله قال أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ان اليهود قوم بهت الحديث وعند البيهقي من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن يحيى بن عبد الله عن رجل من آل عبد الله بن سلام عن عبد الله بن سلام قال سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه فكنت مسرا لذلك حتى قدم المدينة فسمعت به وأنا على رأس نخلة فكبرت فقالت لي عمتي خالدة بنت الحارث لو كنت سمعت بموسى ما زدت فقلت والله هو أخو موسى بعث بما بعث به فقالت لي يا بن أخي هو الذي كنا نخبر أنه سيبعث مع نفس الساعة قلت نعم قالت فذاك إذا ثم خرجت اليه فأسلمت ثم جئت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن اليهود قوم بهت الحديث قوله ولقد علمت يهود أتى سيدهم في الرواية الآتية قريبا قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وسيأتي شرح ذلك ثم قوله قالوا في ما ليس في في الرواية الآتية عند أبي نعيم بهتوني عندك قوله فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم أي إلى اليهود فجاءوا قوله فدخلوا عليه أي بعد أن اختبأ لهم عبد الله بن سلام كما سيأتي بيانه هناك وفي رواية يحيى بن عبد الله المذكور فأدخلني في بعض بيوتك ثم سلهم عني فانهم إن علموا بذلك بهتوني وعابوني قال فأدخلني بعض بيوته قوله سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا في الرواية الآتية خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا وفي ترجمة آدم أخيرنا بصيغة أفعل وفي رواية يحيى بن عبد الله سيدنا وأخيرنا وعالمنا ولعلهم قالوا جميع ذلك أو بعضه بالمعنى قوله فقالوا شرنا وفي رواية يحيى بن عبد الله فقالوا كذبت ثم وقعوا في قوله فقالوا كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية يحيى بن عبد الله فقلت يا رسول الله الله ألم أخبرك أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور وفي الرواية الآتية فنقصوه فقال هذا ما كنت أخاف يا رسول الله

الحديث العشرون

[ 3700 ] قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله عن عمر كان فرض للمهاجرين هذا صورته منقطع لأنه نافعا لم يلحق عمر لكن سياق الحديث يشعر بأن نافعا حمله عن بن عمر ووقع في رواية غير أبي ذر هنا عن نافع يعني عن بن عمر ولعلها من إصلاح بعض الرواة واغتر بها شيخنا بن الملقن فأنكر على بن التين قوله ان الحديث مرسل وقال لعل نسخته التي وقعت له ليس فيها بن عمر وقد روى الدراوردي عن عبيد الله بن عمر فقال عن نافع عن بن عمر قال فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي فذكر قصة أخرى شبيهة بهذه أخرجها أبو نعيم في المستخرج هنا قوله المهاجرين الأولين هم الذين صلوا للقبلتين أو شهدوا بدرا قوله أربعة آلاف في أربعة كذا للأكثر وسقطت لفظة في من رواية النسفي وهو الوجه أي لكل واحد أربعة آلاف ولعلها بمعنى اللام والمراد اثبات عدد المهاجرين المذكورين قوله إنما هاجر به أبواه يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه وفي رواية الدراوردي المذكورة قال عمر لابن عمر إنما هاجر بك أبواك والمراد أنه كان حينئذ في كنف أبيه فليس هو كمن هاجر بنفسه وكان لابن عمر حين الهجرة إحدى عشرة سنة ووهم من قال اثنتا عشرة وكذا ثلاث عشرة لما ثبت في الصحيحين أنه عرض يوم أحد وهو بن أربع عشرة وكانت أحد في شوال سنة ثلاث تنبيه أعاد المصنف هنا حديث خباب بعد أن ذكره في أوائل الباب فأورده من وجهين ساقه على لفظ الرواية الثانية وهي رواية مسدد وسأذكر شرحه في غزوة أحد إن شاء الله تعالى

الحديث الحادي والعشرون

[ 3702 ] قوله قال لي عبد الله بن عمر هل تدري وقعت في هذا الحديث زيادة من رواية سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال صليت إلى جنب بن عمر فسمعته حين سجد يقول فذكر ذكرا وفيه ما صليت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفارة وقال لأبي بردة علمت أن أبي فذكر حديث الباب رويناه في الجزء السادس من فوائد أبي محمد بن صاعد قوله برد بفتح الموحدة والراء لنا أي ثبت لنا ودام يقال برد لي على الغريم حق أي ثبت وفي رواية سعيد بن أبي بردة خلص بدل برد وقوله كفافا أي سواء بسواء والمراد لا موجبا ثوابا ولا عقابا وفي رواية سعيد بن أبي بردة لا لك ولا عليك قوله قال أبي لا والله كذا وقع فيه والصواب قال أبوك لأن بن عمر هو الذي يحكى لأبي بردة ما دار بين عمر وأبي موسى وهذا الكلام الأخير كلام أبي موسى وقد وقع في رواية النسفي على الصواب ولفظه فقال أبوك لا والله الخ ووقع عند القابسي والمستملي فقال إي والله بكسر الهمزة بعدها تحتانية ساكنة بمعنى نعم معها القسم مثل قوله قل أي وربي وعند عبدوس أني والله بنون ثقيلة بعد الهمزة المكسورة ثم تحتانية وكان تصحيف إلا رواية النسفي ووقع في رواية داود بن أبي هند عن أبي بردة في تاريخ الحاكم هذا الحديث قال أبو موسى لا قال لم قال لأبي قدمت على قوم جهال فعلمتهم القرآن والسنة فأرجو بذلك قوله فقال أبي لكني والذي نفسي بيده هذا كلام عمر رضي الله عنه قوله فقلت القائل هو أبو بردة وخاطب بذلك بن عمر فأراد أن عمر خير من أبي موسى وأراد من الحيثية المذكورة والا فمن المقرر أن عمر أفضل من أبي موسى عند جميع الطوائف لكن لا يمتنع أن يفوق بعض المفضولين بخصلة لا تستلزم الأفضلية المطلقة ومع هذا فعمر في هذه الخصلة المذكورة أيضا أفضل من أبي موسى لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء فالعلم محيط بأن الآدمي لا يخلو عن تقصير ما في كل ما يريد من الخير وإنما قال عمر ذلك هضما لنفسه وإلا فمقامه في الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر قوله خير من أبي في رواية سعيد بن أبي بردة أفقه من أبي

الحديث الثاني والعشرون

[ 3703 ] قوله حدثني محمد بن الصباح أو بلغني عنه أما محمد فهو محمد بن الصباح الدولابي البزاز بمعجمتين نزيل بغداد متفق على توثيقه وقد روى عنه البخاري في الصلاة وفي البيوع جازما بغير واسطة وأما من بلغ البخاري عنه فيحتمل أن يكون هو عباد بن الوليد فقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه عن محمد بن الصباح بلفظه وعباد المذكور يكنى أبا بدر وهو غبري بضم المعجمة وفتح الموحدة الخفيفة روى عنه بن ماجة وابن أبي حاتم وقال صدوق ومات قبل سنة ستين أو بعدها وإسماعيل شيخ محمد فيه هو بن إبراهيم المعروف بابن علية وعاصم هو بن سليمان الأحول وأبو عثمان هو النهدي والإسناد كله بصريون قوله إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب يعني أنه لم يهاجر إلا صحبة أبيه كما تقدم وأخرج الطبراني من وجه آخر عن بن عمر أنه كان يقول لعن الله من يزعم أنني هاجرت قبل أبي انما قدمني في ثقله وهذا في إسناده ضعف والجواب الذي أجاب به في حديث الباب أصح منه وقد استشكل ذكر أبويه فان أمه زينب بنت مظعون كانت بمكة فيما ذكره بن سعد قوله قدمت أنا وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عند البيعة ولعلها بيعة الرضوان وزعم الداودي أنها بيعة صدرت حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعندي في ذلك بعد لأن بن عمر لم يكن في سن من يبايع وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بثلاث سنين يوم أحد فلم يجزه فيحتمل أن تكون البيعة حينئذ على غير القتال وإنما ذكرها بن عمر ليبين سبب وهم من قال إنه هاجر قبل أبيه وانما الذي وقع له أنه بايع قبل أبيه فلما كانت بيعته قبل بيعة أبيه توهم بعض الناس أن هجرته كانت قبل هجرة أبيه وليس كذلك وإنما بادر إلى البيعة قبل حرصا على تحصيل الخير ولأن تأخيره لذلك لا ينفع عمر أشار إلى ذلك الداودي وعارضه بن التين بأن مثله يرد في الهجرة التي أنكر كونها كانت سابقة والجواب أنه أنكر وقوع ذلك لا كراهيته لو وقع أو الفرق أن زمن البيعة يسير جدا بخلاف زمن الهجرة وأيضا فلعل البيعة لم تكن عامة بخلاف الهجرة فان بن عمر خشي أن تفوته البيعة فبادر إلى تحصيلها ثم أسرع إلى أبيه فأخبره فسارع إلى البيعة فبايع ثم أعاد بن عمر البيعة ثاني مرة قوله نهرول الهرولة ضرب من السير بين المشي على مهل والعدو تنبيه ذكر المصنف هنا حديث البراء عن أبي بكر في قصة الهجرة وقد تقدم التنبيه عليه في أوائل هذا الباب وساقه هنا أتم وقد تقدم شرحه في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر وبقيته في أوائل الباب في حديث سراقة وقوله

[ 3704 ] هنا فأحيينا ليلتنا بتحتانيتين من الإحياء ولبعضهم بمثناة ثم مثلثة من الحث قوله ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة فسرها صاحب النهاية بأنها الأرض اليابسة وقيل النبت اليابس قال وقيل أراد بالفروة اللباس المعروفة قلت وهذا هو الراجح بل هو الظاهر من قوله فروة معي وقوله هنا قد روأتها أي تأتيت بها حتى صلحت تقول روأت في الأمر إذا نظرت فيه ولم تعجل قوله قال البراء فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا بنته عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى فرأيت أباها يقبل خدها وقال كيف أنت يا بنية هذا القدر من الحديث لم يذكره المصنف إلا في هذا الموضع وسأشير اليه في الباب الذي يليه وكان دخول البراء على أهل أبي بكر قبل أن ينزل الحجاب قطعا وأيضا فكان حينئذ دون البلوغ وكذلك عائشة

الحديث الثالث والعشرون

[ 3705 ] قوله حدثنا محمد بن حمير بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتانية ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد بمعجمة مصغر وهو تصحيف وشيخه إبراهيم بن أبي علية قد سمع من أنس وحدث عنه هنا بواسطة واسم أبيه يقظان ضد النائم وعقبة بن وساج بفتح الواو وتشديد المهملة وآخره جيم وأبو عبيد في الإسناد الثاني هو حيي بضم المهملة وفتح التحتانية بعدها أخرى ثقيلة ويقال حي بلفظ ضد ميت وكان حاجب سليمان بن عبد الملك قوله فغلفها بالمعجمة أي خضبها والمراد اللحية وان لم يقع لها ذكر قوله والكتم بفتح الكاف والمثناة الخفيفة وحكى تثقيلها ورق يخضب به كالآس من نبات ينبت في أصغر الصخور فيتدلى خيطانا لطافا ومجتناه صعب ولذلك هو قليل وقيل إنه يخلط بالوشمة وقيل إنه الوشمة وقيل هو النيل وقيل هو حناء قريش وصبغه أصفر قوله في الرواية الثانية وقال دحيم هو عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وصله الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عنه قوله فكان أسن أصحابه أبو بكر أي الذين قدموا معه حينئذ وقبله كما تقدم قوله حتى قنأ بفتح القاف والنون والهمزة أي اشتدت حمرتها ستأتي زيادة في الكلام على خضاب الشعر في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى الحديث الرابع والعشرون

[ 3706 ] قوله ان أبا بكر تزوج امرأة من كلب أي من بني كلب وهو كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ويدل عليه ما وقع في رواية الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري في هذا الحديث ثم من بني عوف وأما الكلبي المشهور فهو من بني كلب بن وبرة بن تغلب بن قضاعة قوله أم بكر لم أقف على اسمها وكأنه كنيتها المذكورة قوله فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها بن عمها هذا الشاعر هو أبو بكر شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة ويقال له بن شعوب بفتح المعجمة وضم المهملة وسكون الواو بعدها موحدة قال بن حبيب هي أمه وهي خزاعية لكن سماه عمرو بن شمر وأنشد له أشعارا كثيرة قالها في الكفر قال ثم أسلم وذكر مثله بن الأعرابي في كتاب من نسب إلى أمه وزعم أبو عبيدة أنه ارتد بعد إسلامه حكاه عنه بن هشام في زوائد السيرة والأول أولى وزاد الفاكهي في هذا الحديث من الوجه الذي أخرجه منه البخاري قالت عائشة والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا الإسلام ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية وهذا يضعف ما أخرجه الفاكهي أيضا من طريق عوف عن أبي القموص قال شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم وقال هذه الأبيات فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فبلغ ذلك عمر فجاء فقال نعوذ بالله من غضب رسول الله والله لا تلج رؤوسنا بعد هذا أبدا قال وكان أول من حرمها فلهذا قد عارضه قول عائشة وهي أعلم بشأن أبيها من غيرها وأبو القموص لم يدرك أبا بكر فالعهدة على الواسطة فلعله كان من الروافض ودل حديث عائشة على أن لنسبة أبي بكر إلى ذلك أصلا وإن كان غير ثابت عنه والله أعلم قوله رثى كفار قريش يعني يوم بدر لما قتلوا وألقاهم النبي صلى الله عليه وسلم في القليب وهي البئر التي لم تطو قوله من الشيزي بكسرالمعجمة وسكون التحتانية بعدها زاي مقصور وهو شجر يتخذ منه الجفان والقصاع الخشب التي يعمل فيها الثريد وقال الأصمعي هي من شجر الجوز تسود بالدسم والشيزي جمع شيز والشيز يغلظ حتى ينحت منه فأراد بالشيزي ما يتخذ منها وبالجفنة صاحبها كأنه قال ماذا بالقليب من أصحاب الجفان الملأى بلحوم أسنمة الإبل وكانوا يطلقون على الرجل المطعام جفنة لكثرة إطعامه الناس فيها وأغرب الداودي فقال الشيزي الجمال قال لان الإبل إذا سمنت تعظم أسنمتها ويعظم جمالها وغلطه بن التين قال وإنما أراد أن الجفنة من الثريد تزين بالقطع اللحم من السنام قوله القينات جمع قينة بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هي المغنية وتطلق أيضا على الأمة مطلقا والشرب بفتح المعجمة وسكون الراء جمع شارب وقيل هو اسم جمع وجزم بن التين بالأول فقال هو كتجر وتاجر والمراد بهم الندامي قوله تحيينا في رواية الكشميهني تحييني بالإفراد وقوله فهل في رواية الكشميهني وهل لي بالواو وقوله من سلام أي من سلامة وفيه قوة لمن قال المراد من السلام الدعاء بالسلامة أو الإخبار بها قوله أصداء جمع صدى وهو ذكر البوم وهام جمع هامة وهو الصدى أيضا وهو عطف تفسيري وقيل الصدى الطائر الذي يطير بالليل والهامة جمجمة الرأس وهي التي يخرج منها الصدى بزعمهم وأراد الشاعر إنكار البعث بهذا الكلام كأنه يقول إذا صار الإنسان كهذا الطائر كيف يصير مرة أخرى إنسانا وقال أهل اللغة كان أهل الجاهلية يزعمون أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتزقو وتقول اسقوني اسقوني وإذا أدرك بثأره طارت فذهبت قال الشاعر
إنك إلا تذر شتمي ومنقصتي
أضربك حتى تقول الهامة اسقوني وقد أورد بن هشام هذه الأبيات في السيرة بزيادة خمسة أبيات ووقع عند الإسماعيلي من طريق أخرى عن بن وهب وعن عنبسة بن خالد أيضا كلاهما عن يونس بالإسناد المذكور أن عائشة كانت تدعو على من يقول إن أبا بكر قال القصيدة المذكورة فذكر الحديث والشعر مطولا وعند الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري مثله وزاد قالت عائشة فنحلها الناس أبا بكر الصديق من أجل امرأته أم بكر التي طلق وانما قائلها أبو بكر بن شعوب قلت وابن شعوب المذكور هو الذي يقول فيه أبو سفيان ولو شئت تجتني كميت طمرة ولم أحمل النعماء لابن شعوب وكان حنظلة بن أبي عامر حمل يوم أحد على أبي سفيان فكاد أن يقتله فحمل بن شعوب على حنظلة من ورائه فقتله فنجا أبو سفيان فقال في ذلك أبياتا منها هذا البيت الحديث الخامس والعشرون حديث أنس تقدم شرحه في مناقب أبي بكر ومعنى

[ 3707 ] قوله الله ثالثهما أي معاونهما وناصرهما وإلا فهو مع كل اثنين بعلمه كما قال ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم الآية الحديث السادس والعشرون حديث أبي سعيد جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الهجرة الحديث أورده من طريقين موصول ومعلق والموصول أخرجه في كتاب الزكاة والمعلق أخرجه في كتاب الهبة بالإسنادين المذكورين هنا ومر شرحه في كتاب الزكاة والأعرابي ما عرفت اسمه والهجرة المسئول عنها مفارقة دار الكفر إذ ذاك والتزام أحكام المهاجرين مع النبي صلى الله عليه وسلم وكأن ذلك وقع بعد فتح مكة لأنها كانت إذ ذاك فرض عين ثم نسخ ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح وقوله

[ 3708 ] اعمل من وراء البحار مبالغة في إعلامه بأن عمله لا يضيع في أي موضع كان وقوله لن يترك بفتح التحتانية وكسر المثناة ثم راء وكاف أي ينقصك

قوله باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب المدينة تقدم بيان الاختلاف فيه في آخر شرح حديث عائشة الطويل في شان الهجرة ثم أخرج من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعليهما ثياب بيض شامية فمر على عبد الله بن أبي فوقف عليه ليدعوه إلى النزول عنده فنظر اليه فقال انظر أصحابك الذين دعوك فانزل عليهم فنزل على سعد بن خيثمة قال الحاكم الأول أرجح وابن شهاب أعرف بذلك من غيره قلت ويقوى قول بن شهاب ما أخرجه أبو سعيد في شرف المصطفى من طريق الحاكم من طريق بن مجمع لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة قال كلثوم يا نجيح لمولى له فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنجحت وذكر محمد بن الحسن بن زبالة في أخبار المدينة أنه نزل على كلثوم وهو يومئذ مشرك ويؤيد قول التيمي ما أخرجه أبو سعيد أيضا ومن طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء يوم الإثنين فنزل على سعد بن خيثمة وجمع بين الخبرين بأنه نزل على كلثوم وكان يجلس مع أصحابه عند سعد بن خيثمة لأنه كان أعزب وان ثبت قول بن زبالة فكأن منزل كلثوم يختص بالمبيت وسائر إقامته عند سعد لكونه كان أسلم ثم ذكر المصنف فيه ثمانية أحاديث الأول حديث البراء قوله في الطريق الأول أبو إسحاق سمع البراء حذف قوله انه كما حذف قال من الطريق الثاني عن أبي إسحاق سمعت البراء وكان شعبة يرى أن أنبأنا وأخبرنا وحدثنا واحد وقد تقدم البحث فيه في كتاب العلم قوله أول من قدم علينا مصعب في رواية عن شعبة عند الحاكم في الأكليل عن عبد الله بن رجاء في روايته من المهاجرين قوله مصعب بن عمير زاد بن أبي شيبة أول من قدم علينا المدينة زاد في رواية عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عن أبي إسحاق عند الإسماعيلي أخو بني عبد الدار بن قصي والده عمير هو بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار زاد عبد الله بن رجاء فقلنا له ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو مكانه وأصحابه على أثري وذكر موسى بن عقبة أنه لما قدم المدينة نزل على حبيب بن عدي وذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل مصعبا مع أهل العقبة يعلمهم قوله وابن أم مكتوم هو عمرو ويقال عبد الله العامري من بني عامر بن لؤي ووقع في رواية بن أبي شيبة ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر فقلنا ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال هم على أثري وفي رواية عبد الله بن رجاء من وراءك زاد في رواية غندر عن شعبة ثم عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة وهي أول مهاجرة وقيل بل أول مهاجرة أم سلمة لقولها لما مات أبو سلمة أول بيت هاجر ويجمع بأن أولية أم سلمة بقيد البيت وهو ظاهر من إطلاقها قوله ثم قدم علينا عمار بن ياسر وبلال في رواية غندر فقدم وقد تقدم الاختلاف في عمار هل هاجر إلى الحبشة أم لا فان يكن فقد كان ممن تقدمهما إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وأما بلال فكان لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر لكن تقدمهما بإذن وتأخر معهما عامر بن فهيرة قوله في الرواية الثانية عن غندر عن شعبة وكانوا يقرئون الناس في رواية الأصيلي وكريمة فكانا يقرئان الناس وهو أوجه ويوجه الأول إما على أن أقل الجمع اثنان وإما على أن من كان يقرئانه كان يقرأ معهما أيضا قوله وسعد زاد في رواية الحاكم بن مالك وهو بن أبي وقاص وروى الحاكم من طريق موسى بن عقبة عن بن شهاب قال وزعموا أن من آخر من قدم سعد بن أبي وقاص في عشرة فنزلوا على سعد بن خيثمة وقد تقدم في أول الهجرة أن أول من قدم المدينة من المهاجرين عامر بن ربيعة ومعه امرأته أم عبد الله بنت أبي حثمة وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وشماس بن عثمان بن الشريد وعبد الله بن جحش فيجمع بينه وبين حديث البراء بحمل الأولية في أحدهما على صفة خاصة فقد جزم بن عقبة بأن أول من قدم المدينة من المهاجرين مطلقا أبو سلمة بن عبد الأسد وكان رجع من الحبشة إلى مكة فأوذي بمكة فبلغه ما وقع للأثنى عشر من الأنصار في العقبة الأولى فتوجه إلى المدينة في أثناء السنة فيجمع بين ذلك وبين ما وقع هنا بأن أبا سلمة خرج لا لقصد الإقامة بالمدينة بل فرارا من المشركين بخلاف مصعب بن عمير فإنه خرج إليها للإقامة بها وتعليم من أسلم من أهلها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلكل أولية من جهة

[ 3710 ] قوله في الرواية الثانية ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عبدا لله بن رجاء في عشرين راكبا وقد سمى بن إسحاق منهم زيد بن الخطاب وسعيد بن زيد بن عمرو وعمرو بن سراقة وأخاه عبد الله وواقد بن عبد الله وخالدا وإياسا وعامرا وعاقلا بني البكير وخنيس بن حذافة بمعجمة ونون ثم سين مصغر وعياش بن ربيعة وخولى بن أبي خولى وأخاه هؤلاء كلهم من أقارب عمر وحلفائهم قالوا فنزلوا جميعا على رفاعة بن عبد المنذر يعني بقباء قلت فلعل بقية العشرين كانوا من أتباعهم وروى بن عائذ في المغازي بإسناد له عن بن عباس قال خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن ربيعة في طائفة فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام أه فهؤلاء ثلاثة عشر من ذكر بن إسحاق وذكر موسى بن عقبة أن أكثر المهاجرين نزلوا على بني عمرو بن عوف بقباء إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه نزل على سعد بن الربيع وهو خزرجي وسيأتي في كتاب الاحكام أن سالما مولى أبي حذيفة بن عتبة كان يؤم المهاجرين الأولين في مسجد قباء منهم أبو سلمة بن عبد الأسد قوله حتى جعل الإماء يقلن قدم رسول الله في رواية عبد الله بن رجاء فخرج الناس حين قدم المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم جاء محمد رسول الله الله أكبر جاء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف وهن يقلن نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار وأخرج أبو سعيد في شرف المصطفى ورويناه في فوائد الخلعي من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعا لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن طلع البدر علينا من ثنية الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع وهو سند معضل ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك قوله فما قدم حتى حفظت سبح اسم ربك الأعلى في سور من المفصل أي مع سور وفي رواية الحسن بن سفيان عن بندار شيخ البخاري فيه وسورا من المفصل ومقتضاه أن سبح اسم ربك الأعلى مكية وفيه نظر لأن بن أبي حاتم أخرج من طريق حيدة أن قوله تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى نزلت في صلاة العيد وزكاة الفطر وسنده حسن وكل منهما شرع في السنة الثانية فيمكن أن يكون نزول هاتين منها وقع بالمدينة وأقوى منه أن يتقدم نزول السورة كلها بمكة ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم فيمكن أن يكون نزول هاتين منها وقع بالمدينة وأقوى منه أن يتقدم نزول السورة كلها بمكة والجواب عن الإشكال من وجهين أحدهما احتمال أن تكون السورة مكية إلا هاتين الآيتين وثانيهما وهو أصحهما فيه يجوز نزولها كلها بمكة ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم المراد بقوله قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى صلاة العيد وزكاة الفطر فليس من الآية الا الترغيب في الذكر والصلاة من غير بيان للمراد فبينته السنة بعد ذلك

الحديث الثاني حديث عائشة

[ 3711 ] قوله قدمنا المدينة في رواية أبي أسامة عن هشام وهي أوبأ أرض الله وفي رواية محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة نحوه وزاد قال هشام وكان وباؤها معروفا في الجاهلية وكان الإنسان إذا دخلها وأراد أن يسلم من وبائها قيل له انهق فينهق كما ينهق الحمار وفي ذلك يقول الشاعر لعمري لئن غنيت من خيفة الردى نهيق حمار إنني لمروع قوله وعك بضم أوله وكسر ثانيه أي أصابه الوعك وهي الحمى قوله كيف تجدك أن تجد نفسك أو جسدك وقوله مصبح بمهملة ثم موحدة وزن محمد أي مصاب بالموت صباحا وقيل المراد أنه يقال له وهو مقيم بأهله صبحك الله بالخير وقد يفجأه الموت في بقية النهار وهو مقيم بأهله قوله أدنى أي أقرب قوله شراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء السير الذي يكون في وجه النعل والمعنى أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله لرجله قوله أقلع عنه بفتح أوله أي الوعك وبضمها والاقلاع للكف عن الأمر قوله يرفع عقيرته أي صوته ببكاء أو بغناء قال الأصمعي أصله أن رجلا انعقرت رجله فرفعها على الأخرى وجعل يصيح فصار كل من رفع صوته يقال رفع عقيرته وان لم يرفع رجله قال ثعلب وهذا من الأسماء التي استعملت على غير أصلها قوله بواد أي بوادي مكة قوله وجليل بالجيم نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت وغيرها قوله مياه مجنة بالجيم موضع على أميال من مكة وكان به سوق تقدم بيانه في أوائل الحج وقوله يبدون أي يظهر وشامة وطفيل جبلان بقرب مكة وقال الخطابي كنت أحسب أنهما جبلان حتى ثبت عندي أنهما عينان وقوله أردن ويبدون بنون التأكيد الخفيفة وشامة بالمعجمة والميم مخففا وزعم بعضهم أن الصواب بالموحدة بدل الميم والمعروف بالميم وزاد المصنف آخر كتاب الحج من طريق أبي أسامة عن هشام به ثم يقول بلال اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى ارض الوباء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حبب إلينا المدينة الحديث وقوله كما أخرجونا أي أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من وطننا وزاد بن إسحاق في روايته عن هشام وعمرو بن عبد الله بن عروة جميعا عن عروة عن عائشة عقب قول أبيها فقلت والله ما يدري أبي ما يقول قالت ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فقلت كيف نجدك يا عامر فقال لقد وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه كل امرئ مجاهد بطوقه كالثور يحمي جسمه بروقه وقالت في آخره فقلت يا رسول الله وأنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى والزيادة في قول عامر بن فهيرة رواها مالك أيضا في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن عائشة منقطعا وسيأتي بقية ما يتعلق بهذا الحديث في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وقد تقدم في الباب الذي قبله من حديث البراء أن عائشة أيضا وعكت وكان أبو بكر يدخل عليها وكان وصول عائشة إلى المدينة مع آل أبي بكر هاجر بهم أخوها عبد الله وخرج زيد بن حارثة وأبو رافع ببنتي النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وأم كلثوم وأسامة بن زيد وأمه أم أيمن وسودة بنت زمعة وكانت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم سبقت مع زوجها عثمان وأخرت زينب وهي الكبرى عند زوجها أبي العاص بن الربيع

الحديث الثالث

[ 3712 ] قوله حدثنا هشام هو بن يوسف الصنعاني ذكر حديث عثمان في شأن الوليد بن عقبة وقد تقدم شرحه في مناقب عثمان مستوفى والغرض منه قوله وهاجرت الهجرتين وكان عثمان ممن رجع من الحبشة فهاجر من مكة إلى المدينة ومعه زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقال بشر بن شعيب الخ وصله أحمد بن حنبل في مسنده عنه بتمامه قوله تابعه إسحاق الكلبي وصله أبو بكر بن شاذان فيما رويناه من طريقه بإسناده إلى يحيى بن صالح عن إسحاق الكلبي عن عن الزهري فذكره بتمامه وفيه انه جلد الوليد أربعين وقد تقدم البحث في ذلك في مناقب عثمان الحديث الرابع ذكر طرفا من قصة عبد الرحمن بن عوف مع عمر وفيه خطبة عمر والغرض منه قول عبد الرحمن حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ووقع في رواية الكشميهني والسلامة بدل السنة الحديث الخامس

[ 3714 ] قوله أن أم العلاء هي والدة خارجة بن زيد بن ثابت الراوي عنها وقد روى سالم أبو النضر هذا الحديث عن خارجة بن زيد عن أمه نحوه ولم يسم هذه فكأن اسمها كنيتها وهي بنت الحارث بن ثابت بن خارجة الأنصارية الخزرجية قوله طار لهم أي خرج في القرعة لهم وتقدم بيانه آخر الشهادات قوله حين قرعت بالقاف كذا وقع ثلاثيا والمعروف أقرعت من الرباعي وتقدم في الجنائز بلفظ اقترعت قوله أبا السائب هي كنية عثمان بن مظعون المذكور وكان عثمان من فضلاء الصحابة السابقين وقد تقدم خبره مع لبيد في أول المبعث الحديث السادس

[ 3715 ] قوله كان يوم بعاث تقدم بيانه في مناقب الأنصار ووقع عند بن سعد في قصة العقبة الأولى ما يدل على أن يوم بعاث كان بعد المبعث بعشر سنين وتقدم نحوه في باب وفود الأنصار وقوله في دخولهم متعلق بقوله قدمه الله الحديث السابع قوله بما تعازفت بالمهملة والزاي أي قالته من الأشعار في هجاء بعضهم بعضا وألقته على المغنيات فغنين به والمعازف آلات الملاهي الواحدة معزفة وقال الخطابي يحتمل أن يكون من عزف اللهو وهو ضرب المعازف على تلك الأشعار المحرضة على القتال ويحتمل أن يكون المراد بالعزف أصوات الحرب شبهها بعزيف الرياح وهو ما يسمع من دويها وفي رواية تقاذفت بالقاف والذال المعجمة أي ترامت به

الحديث الثامن

[ 3717 ] قوله أنبأنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد قوله في علو المدينة كل ما في جهة نجد يسمى العالية وما في جهة تهامة يسمى السافلة وقباء من عوالي المدينة وأخذ من نزول النبي صلى الله عليه وسلم التفاؤل له ولدينه بالعلو قوله يقال لهم بنو عمرو بن عوف أي بن مالك بن الأوس بن حارثة قوله وأبو بكر ردفه تقدم ما فيه في الباب الذي قبله في الحديث الثامن عشر قوله وملأ بني النجار أي جماعتهم قوله حتى ألقى أي نزل أو المراد ألقى رحله قوله بفناء بكسر الفاء وبالمد ما امتد من جوانب الدار قوله أبي أيوب هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من بني مالك النجار قوله ثم إنه أمر تقدم ضبطه في أوائل الصلاة قوله ثامنوني أي قرروا معي ثمنه أو ساوموني بثمنه تقول ثامنت الرجل في كذا إذا ساومته قوله بحائطكم أي بستانكم وقد تقدم في الباب قبله أنه كان مربدا فلعله كان أولا حائطا ثم خرب فصار مربدا ويؤيده قوله أنه كان فيه نخل وخرب وقيل كان بعضه بستانا وبعضه مربدا وقد تقدم في الباب الذي قبله تسمية صاحبي المكان المذكور ووقع عند موسى بن عقبة عن الزهري أنه اشتراه منهما بعشرة دنانير وزاد الواقدي أن أبا بكر دفعها لهما عنه قوله فكان فيه فسره بعد ذلك قوله خرب بكسر المعجمة وفتح الراء والموحدة وتقدم توجيه آخر في أوائل الصلاة بفتح أوله وكسر ثانيه قال الخطابي أكثر الرواة بالفتح ثم الكسر وحدثناه الخيام بالكسر ثم الفتح ثم حكى احتمالات منها الخرب بضم أوله وسكون ثانيه قال هي الخروق المستديرة في الأرض والجرف بكسر الجيم وفتح الراء بعدها فاء ما تجرفه السيول وتأكله من الأرض والحدب بالمهملة وبالدال المهملة أيضا المرتفع من الأرض قال وهذا لائق بقوله فسويت لأنه إنما يسوي المكان المحدوب وكذا الذي جرفته السيول وأما الخراب فيبني ويعمر دون أن يصلح ويسوى قلت وما المانع من تسوية الخراب بأن يزال ما بقي منه ويسوى أرضه ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الاحتمالات مع توجيه الرواية الصحيحة قوله فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت قال بن بطال لم أجد في نبش قبور المشركين لتتخذ مسجدا نصا عن أحد من العلماء نعم اختلفوا هل تنبش بطلب المال فأجازه الجمهور ومنعه الأوزاعي وهذا الحديث حجة للجواز لأن المشرك لا حرمة له حيا ولا ميتا وقد تقدم في المساجد البحث فيما يتعلق بها قوله وبالنخل فقطع هو محمول على أنه لم يكن يثمر ويحتمل أن يثمر لكن دعت الحاجة اليه لذلك وقوله فصفوا النخل أي موضع النخل وقوله عضادتيه بكسر المهملة وتخفيف المعجمة تثنية عضادة وهي الخشبة التي على كتف الباب ولكل باب عضادتان وأعضاد كل شيء ما يشد جوانبه قوله يرتجزون أي يقولون رجزا وهو ضرب من الشعر على الصحيح قوله فانصر الأنصار والمهاجرة كذا رواه أبو داود بهذا اللفظ وسبق ما فيه في أبواب المساجد واحتج من أجاز بيع غير المالك بهذه القصة لأن المساومة وقعت مع غير الغلامين وأجيب باحتمال أنهما كانا من بني النجار فساومهما وأشرك معهما في المساومة عمهما الذي كانا في حجره كما تقدم في الحديث الثاني عشر

قوله باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه أي من حج أو عمرة

[ 3718 ] قوله حدثنا حاتم هو بن إسماعيل المدني قوله سمعت عمر بن عبد العزيز يسأل السائب أي بن يزيد قوله بن أخت النمر تقدم ذكره قريبا في المناقب النبوية قوله العلاء بن الحضرمي اسمه عبد الله بن عماد وكان حليف بني أمية وكان العلاء صحابيا جليلا ولاه النبي صلى الله عليه وسلم البحرين وكان مجاب الدعوة ومات في خلافة عمر وما له في البخاري إلا هذا الحديث قوله ثلاث للمهاجر بعد الصدر بفتح المهملتين أي بعد الرجوع من منى وفقه هذا الحديث أن الإقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها ولهذا رثى النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة أن مات بمكة ويستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها عن حكم المسافر وفي كلام الداودي اختصاص ذلك بالمهاجرين الأولين ولا معنى لتقييده بالأولين قال النووي معنى هذا الحديث أن الذين هاجروا يحرم عليهم استيطان مكة وحكى عياض أنه قول الجمهور قال وأجازه لهم جماعة يعني بعد الفتح فحملوا هذا القول على الزمن الذي كانت الهجرة المذكورة واجبة فيه قال واتفق الجميع على أن الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم وأن سكنى المدينة كان واجبا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساته بالنفس وأما غير المهاجرين فيجوز له سكنى أي بلد أراد سواء مكة وغيرها بالاتفاق انتهى كلام القاضي ويستثنى من ذلك من أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالإقامة في غير المدينة واستدل بهذا الحديث على أن طواف الوداع عبادة مستقلة ليست من مناسك الحج وهو أصح الوجهين في المذهب لقوله في هذا الحديث بعد قضاء نسكه لأن طواف الوداع لا إقامة بعده ومتى أقام بعده خرج عن كونه طواف الوداع وقد سماع قبله قاضيا لمناسكه فخرج طواف الوداع عن أن يكون من مناسك الحج والله أعلم وقال القرطبي المراد بهذا الحديث من هاجر من مكة إلى المدينة لنصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعني به من هاجر من غيرها لأنه خرج جوابا عن سؤالهم لما تحرجوا من الإقامة بمكة إذ كانوا قد تركوها لله تعالى فأجابهم بذلك وأعلمهم أن إقامة الثلاث ليس بإقامة قال والخلاف الذي أشار اليه عياض كان فيمن مضى وهل ينبني عليه خلاف فيمن فر بدينه من موضع يخاف أن يفتن فيه في دينه فهل له أن يرجع اليه بعد انقضاء تلك الفتنة يمكن أن يقال إن كان تركها لله كما فعله المهاجرون فليس له أن يرجع لشيء من ذلك وإن كان تركها فرارا بدينه ليسلم له ولم يقصد إلى تركها لذاتها فله الرجوع إلى ذلك انتهى وهو حسن متجه إلا أنه خص ذلك بمن ترك رباعا أو دورا ولا حاجة إلى تخصيص المسألة بذلك والله أعلم

قوله باب التاريخ قال الجوهري التاريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله تقول أرخت وورخت وقيل اشتقاقه من الأرخ وهو الأنثى من بقر الوحش كأنه شيء حدث كما يحدث الولد وقيل هو معرب ويقال أول ما أحدث التاريخ من الطوفان قوله من أين أرخوا التاريخ كأنه يشير إلى اختلاف في ذلك وقد روى الحاكم في الإكليل من طريق بن جريج عن أبي سلمة عن بن شهاب الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول وهذا معضل والمشهور خلافه كما سيأتي وأن ذلك كان في خلافة عمر وأفاد السهيلي أن الصحابة أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أول يوم لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقا فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام وعبد وفيه النبي صلى الله عليه وسلم ربه آمنا وابتدأ بناء المسجد فوافق رأي الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى من أول يوم أنه أول أيام التاريخ الإسلامي كذا قال والمتبادر أن معنى قوله من أول يوم أي دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة والله أعلم

[ 3719 ] قوله حدثنا عبد العزيز أي بن أبي حازم سلمة بن دينار قوله ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الحاكم من طريق مصعب الزبيري عن عبد العزيز أخطأ الناس العدد لم يعدوا من مبعثه ولا من قدومه المدينة وإنما عدوا من وفاته قال الحاكم وهو وهم ثم ساقه على الصواب بلفظ ولا من وفاته إنما عدوا من مقدمه المدينة والمراد بقوله أخطأ الناس العدد أي أغفلوه وتركوه ثم استدركوه ولم يرد أن الصواب خلاف ما عملوا ويحتمل أن يريده وكان يرى أن البداءة من المبعث أو الوفاة أولى وله اتجاه لكن الراجح خلافه والله أعلم قوله مقدمه أي زمن قدومه ولم يرد شهر قدومه لأن التاريخ إنما وقع من أول السنة وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة فقال كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة مولده ومبعثه وهجرته ووفاته فرجح عندهم جعلها من الهجرة لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه فانحصر في الهجرة وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم وذكروا في سبب عمل عمر التاريخ أشياء منها ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر الناس فقال بعضهم ارخ بالمبعث وبعضهم ارخ بالهجرة فقال عمر الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها وذلك سنة سبع عشرة فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان فقال عمر بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه وقيل أول من أرخ التاريخ يعلى بن أمية حيث كان باليمن أخرجه أحمد بن حنبل بإسناد صحيح لكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار ويعلى وروى أحمد وأبو عروبة في الأوائل والبخاري في الأدب والحاكم من طريق ميمون بن مهران قال رفع لعمر صك محله شعبان فقال أي شعبان الماضي أو الذي نحن فيه أو الآتي ضعوا للناس شيئا يعرفونه فذكر نحو الأول وروى الحاكم عن سعيد بن المسيب قال جمع عمر الناس فسألهم عن أول يوم يكتب التاريخ فقال علي من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك ففعله عمر وروى بن أبي خيثمة من طريق بن سيرين قال قدم رجل من اليمن فقال رأيت باليمن شيئا يسمونه التاريخ يكتبونه من عام كذا وشهر كذا فقال عمر هذا حسن فأرخوا فلما جمع على ذلك قال قوم أرخوا للمولد وقال قائل للمبعث وقال قائل من حين خرج مهاجرا وقال قائل من حين توفي فقال عمر أخروا من خروجه من مكة إلى المدينة ثم قال بأي شهر نبدأ فقال قوم من رجب وقال قائل من رمضان فقال عثمان أرخوا المحرم فإنه شهر حرام وهو أول السنة ومنصرف الناس من الحج قال وكان ذلك سنة سبع عشرة وقيل سنة ست عشرة في ربيع الأول فاستفدنا من مجموع هذه الآثار أن الذي أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم

[ 3720 ] قوله فرضت الصلاة ركعتين أي بمكة وقوله تركت أي على ما كانت عليه من عدم وجوب الزائد بخلاف صلاة الحضر فإنها زيدت في ثلاث منها ركعتان فالمعنى أقرت صلاة السفر على جواز الاتمام وان كان الأحب القصر وقد تقدم ما فيه من الإشكال في أول كتاب الصلاة قوله تابعه عبد الرزاق عن معمر وصله الإسماعيلي من طريق فياض بن زهير عن عبد الرزاق بلفظه وذكر بن جرير عن الواقدي أن الزيادة في صلاة الحضر كانت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر واحد قال وزعم أنه لا خلاف بين أهل الحجاز في ذلك

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمضى لأصحابي هجرتهم ومرثيته لمن مات بمكة بتخفيف التحتانية وهو عطف على قول والمرثية تعديد محاسن الميت والمراد هنا التوجع له لكونه مات في البلد التي هاجر منها وقد تقدم بيان الحكمة في ذلك قبل بباب

[ 3721 ] قوله ورثتك كذا للأكثر وللكشميهني والقابسي ذريتك ورواية الجماعة أولى لأن هذه اللفظة قد بين البخاري أنها لغير يحيى بن قزعة شيخه هنا قوله ولست بنافق كذا هنا وللكشميهني بمنفق وهو الصواب قوله أن مات بمكة هو بفتح الهمزة للتعليل وأغرب الداودي فتردد فيه فقال ان كان بالفتح ففيه دلالة على أنه أقام بمكة بعد الصدر من حجته ثم مات وان كان بالكسر ففيه دليل على أنه قيل له إنه يريد التخلف بعد الصدر فخشي عليه أن يدركه أجله بمكة قلت والمضبوط المحفوظ بالفتح لكن ليس فيه دلالة على أنه أقام بعد حجه لأن السياق يدل على أنه مات قبل الحج والله أعلم قوله وقال أحمد بن يونس وموسى عن إبراهيم يعني بن سعد أن تذر ورثتك أما رواية أحمد بن يونس فأخرجها المصنف في حجة الوداع في آخر المغازي وأما رواية موسى وهو بن إسماعيل فأخرجها المؤلف في الدعوات

قوله باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تقدم في مناقب الأنصار باب آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار قال بن عبد البر كانت المؤخاة مرتين مرة بين المهاجرين خاصة وذلك بمكة ومرة بين المهاجرين والأنصار فهي المقصودة هنا وذكر بن سعد بأسانيد الواقدي إلى جماعة من التابعين قالوا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين وآخى بن المهاجرين والأنصار على المواساة وكانوا يتوارثون وكانوا تسعين نفسا بعضهم من المهاجرين وبعضهم من الأنصار وقيل كانوا مائة فلما نزل وأولوا الأرحام بطلت المواريث بينهم بتلك المؤاخاة قلت وسيأتي في الفرائض من حديث بن عباس لما قدموا المدينة كان يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه بالأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فنزلت وعند أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه قال السهيلي آخى بين اصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد بعضهم أزر بعض فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث وجعل المؤمنين كلهم إخوة وأنزل إنما المؤمنون إخوة يعني في التوادد وشمول الدعوة واختلفوا في ابتدائها فقيل بعد الهجرة بخمسة أشهر وقيل بتسعة وقيل وهو يبني المسجد وقيل قبل بنائه وقيل بسنة وثلاثة أشهر قبل بدر وعند أبي سعيد في شرف المصطفى كان الإخاء بينهم في المسجد وذكر محمد بن إسحاق المؤخاة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد أن هاجر تآخوا أخوين أخوين فكان هو وعلي أخوين وحمزة وزيد بن حارثة أخوين وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين وتعقبه بن هشام بأن جعفرا كان يومئذ بالحبشة وفي هذا نظر وقد تقدم ووجهها العماد بن كثير بأنه أرصده لأخوته حتى يقدم وفي تفسير سنيد آخى بين معاذ وابن مسعود وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين وعمر وعتبان بن مالك أخوين وقد تقدم في أوائل الصلاة قول عمر كان لي أخ من الأنصار وفسر بعتبان ويمكن أن يكون أخوته له تراخت كما في أبي الدرداء وسلمان ومصعب بن عمير وأبو أيوب أخوين وأبو حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر أخوين ويقال بل عمار وثابت بن قيس لأن حذيفة إنما أسلم زمان أحد وأبو ذر والمنذر بن عمرو أخوين وتعقب بأن أبا ذر تأخرت هجرته والجواب كما في جعفر وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين وسلمان وأبو الدرداء أخوين وتعقب بأن سلمان تأخر إسلامه وكذا أبو الدرداء والجواب ما تقدم في جعفر وكان ابتداء المؤاخاة أوائل قدومه المدينة واستمر يجددها بحسب من يدخل في الإسلام أو يحضر إلى المدينة والإخاء بين سلمان وأبي الدرداء صحيح كما في الباب وعند بن سعد وآخى بين أبي الدرداء وعوف بن مالك وسنده ضعيف والمعتمد ما في الصحيح وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع مذكور في هذا الباب وسمى بن عبد البر جماعة آخرين وأنكر بن تيمية في كتاب الرد على بن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي قال لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم بعضا ولتأليف قلوب بعضهم على بعض فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى فآخى بين الأعلى والأدني ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لأن زيدا مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة إن بنت حمزة بنت أخي وأخرج الحاكم وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن بن عباس آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وابن مسعود وهما من المهاجرين قلت وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن بن عمر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان وذكر جماعة قال فقال علي يا رسول الله إنك آخيت بين أصحابك فمن أخي قال أنا أخوك وإذا انضم هذا إلى ما تقدم تقوى به وقد تقدم في باب الكفالة قبيل كتاب الوكالة الكلام على حديث لا حلف في الإسلام بما يغني عن الإعادة وقد سبق كلام السهيلي في حكمة الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة الحديث الأول ذلك الميراث وسأتي في الفرائض حديث بن عباس كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري قوله وقال عبد الرحمن بن عوف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع هو طرف من حديث تقدم موصولا في أوائل البيوع من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن جده قال قال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد إني أكثر الأنصار مالا فأقاسمك مالي الحديث وظن الشيخ عماد الدين بن كثير أن البخاري أشار بهذا التعليق إلى حديث أنس فقال قصة عبد الرحمن لا تعرف مسندة عنه وإنما أسندها البخاري وغيره عن أنس قال فلعل البخاري أراد أن أنسا حملها عن عبد الرحمن بن عوف انتهى والذي ادعاه مردود لثبوته في الصحيح الحديث الثاني قوله وقال أبو جحيفة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء هو طرف من حديث وصله بتمامه في كتاب الصيام والغرض منه التنبيه على تسمية من وقع الاخاء بينهم من المهاجرين والأنصار فذكر هذا والذي بعده من إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف ولمسلم من طريق ثابت عن أنس آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي طلحة وأبي عبيدة وتقدم في الإيمان حديث عمر كان لي أخ من الأنصار وكنا نتناوب النزول وذكر بن إسحاق أنه عتبان بن مالك وكان أبو بكر الصديق وحارثة بن زيد أخوين فيما ذكره بن إسحاق أيضا الحديث الثالث حديث أنس في قصة إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف وسيأتي شرحه في كتاب النكاح

قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي بعده ولعله كان بعده

[ 3722 ] قوله عن أنس صرح به الإسماعيلي فقال في رواية له عن حميد حدثنا أنس أخرجها عن بن خزيمة عن محمد بن عبد الأعلى عن بشر بن المفضل

[ 3723 ] قوله ان عبد الله بن سلام بلغه تقدم بيان ذلك في باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة من وجه آخر قوله ذاك عدر اليهود من الملائكة سيأتي شرح هذا في تفسير سورة البقرة قوله أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب في رواية عبد الله بن بكر عن حميد في التفسير تحشر الناس وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في أواخر كتاب الرقاق قوله وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت الزيادة هي القطعة المنفردة المعلقة في الكبد وهي في المطعم في غاية اللذة ويقال إنها أهنأ طعام وأمرأه ووقع في حديث ثوبان أن تحفتهم حين يدخلون الجنة زيادة كبد النون والنون هو الحوت ويقال هو الحوت الذي عليه الأرض والإشارة بذلك إلى نفاذ الدنيا في حديث ثوبان زيادة وهي أنه ينحر لهم عقب ذلك نون الجنة الذي كان يأكل من أطرافها وشرابهم عليه من عين تسمى سلسبيلا وذكر الطبري من طريق الضحاك عن بن عباس قال ينطح الثور الحوت بقرنه فتأكل منه أهل الجنة ثم يحيا فينحر الثور بذنبه فيأكلونه ثم يحيا فيستمران كذلك وهذا منقطع ضعيف قوله وأما الولد في رواية الفزاري عن حميد في ترجمة آدم وأما شبه الولد قوله فإذا سبق ماء الرجل وفي رواية الفزاري فان الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه قوله نزع الولد بالنصب على المفعولية أي جذبه اليه وفي رواية الفزاري كان الشبه له ووقع عند مسلم من حديث عائشة إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله ونحوه للبزار عن بن مسعود وفيه ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى كان الشبه له والمراد بالعلو هنا السبق لان كل من سبق فقد علا شأنه فهو علو معنوي وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان رفعه ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله فهو مشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للاعمام إذا علا ماء الرجل ويكون ذكر لا أنثى وعكسه والمشاهد خلاف ذلك لأنه قد يكون ذكرا ويشبه أخواله لا أعمامه وعكسه قال القرطبي يتعين تأويل حديث ثوبان بأن المراد بالعلو السبق قلت والذي يظهر ما قدمته وهو تأويل العلو في حديث عائشة وأما حديث ثوبان فيبقى العلو فيه على ظاهره فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث والعلو علامة الشبه فيرتفع الاشكال وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة بحيث يصير الآخر مغمورا فيه فبذلك يحصل الشبه وينقسم ذلك ستة أقسام الأول أن يسبق ماء الرجل ويكون أكثر فيحصل له الذكورة والشبه والثاني عكسه والثالث أن يسبق ماء الرجل ويكون ماء المرأة أكثر فتحصل الذكورة والشبه للمرأة والرابع عكسه والخامس أن يسبق ماء الرجل ويستويان فيذكر ولا يختص بشبه والسادس عكسه قوله قوم بهت بضم الموحدة والهاء ويجوز إسكانها جمع بهيت كقضيب وقضب وقليب وقلب وهو الذي يبهت السامع بما يفتريه عليه من الكذب ونقل الكرماني أن مفرده بهوت بفتح أوله قوله فاسألهم في رواية الفزاري عن حميد عند النسائي إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك قوله فجاءت اليهود زاد في رواية الفزاري ودخل عبد الله داخل البيت وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد فأرسل إلى اليهود فجاءوا الحديث ظاهره التعميم والذي يقتضيه السياق تخصيص من كان له بعبد الله بن سلام تعلق وأقرب ذلك عشيرته من بني قينقاع فقد ذكر بن إسحاق فيهم فقال في أوائل الهجرة من كتاب المغازي في ذكر من كان من اليهود بالمدينة ومن بني قينقاع زيد بن اللصيب وسعد بن حيية ومحمود بن سبيحان وعزير بن أبي عزير وعبد الله بن الصيف وسعيد بن الحرت ورفاعة بن قيس وفنحاص وأشيع ونعمان بن أصبا ويحرى بن عمرو وشأس بن قيس وشأس بن عدي وزيد بن الحارث ونعمان بن عمرو وسكين بن أبي سكين وعدي بن زيد ونعمان بن أبي أوفى ومحمود بن دحية ومالك بن الصيف وكعب بن راشد وعازب بن رافع بن أبي رافع وخالد وازار ابني أبي ازار ورافع بن حارثة ورافع بن حرملة ورافع بن خارجة ومالك بن عوف ورفاعة بن التابوت وعبد الله بن سلام بن الحارث وكان حبرهم وأعلمهم وكان اسمه الحصين فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم عبد الله فهؤلاء بنو قينقاع

[ 3724 ] قوله عن عمرو هو بن دينار قوله باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة قد تقدم شرحه في كتاب الشركة والغرض منه هنا قوله قدم علينا المدينة ونحن نتبايع فإنه يستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم أقرهم على ما وجدهم عليه من المعاملات إلا ما استثناه فبينه لهم

قوله هدنا تبنا هائد تائب

قوله باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وذكر بن عائذ من طريق عروة أن أول من أتاه منهم أبو ياسر بن أخطب أخو حيي بن أخطب فسمع منه فلما رجع قال لقومه أطيعوني فإن هذا النبي الذي كنا ننتظر فعصاه أخوه وكان مطاعا فيهم فاستحوذ عليه الشيطان فأطاعوه على ما قال وروى أبو سعيد في شرف المصطفى من طريق سعيد بن جبير جاء ميمون بن يامين وكان رأس اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ابعث إليهم فاجعلني حكما فانهم يرجعون إلي فأدخله داخلا ثم أرسل إليهم فأتوه فخاطبوه فقال اختاروا رجلا يكون حكما بيني وبينكم قالوا قد رضينا ميمون بن يامين فقال اخرج إليهم فقال أشهد أنه رسول الله فأبوا أن يصدقوه وذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم وادع اليهود لما قدم المدينة وامتنعوا من اتباعه فكتب بينهم كتابا وكانوا ثلاث قبائل قينقاع والنضير وقريظة فنقض الثلاثة العهد طائفة بعد طائفة فمن على بني قينقاع وأجلى بني النضير واستأصل بني قريظة وسيأتي بيان ذلك كله مفصلا إن شاء الله تعالى وذكر بن إسحاق أيضا عن الزهري سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فقالوا غدا انطلقوا إلى هذا الرجل فاسألوه عن حد الزاني فذكر الحديث قوله هادوا صاروا يهودا وأما قوله هدنا تبنا هائد تائب قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن الذين هادوا سماعون للكذب هو هنا من الذين تهودوا فصاروا يهودا وقال في قوله تعالى انا هدنا إليك أي تبنا إليك ثم ذكر فيه خمسة أحاديث الأول

[ 3725 ] قوله حدثنا قرة هو بن خالد ومحمد هو بن سيرين والإسناد كله بصريون قوله لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود في رواية الإسماعيلي لم يبق يهودي إلا اسلم وكذا أخرجه أبو سعيد في شرف المصطفى وزاد في آخره قال قال كعب هم الذين سماهم الله في سورة المائدة فعلى هذا فالمراد عشرة مختصة والا فقد آمن به أكثر من عشرة وقيل المعنى لو آمن بي في الزمن الماضي كالزمن الذي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم أو حال قدومه والذي يظهر أنهم الذين كانوا حينئذ رؤساء في اليهود ومن عداهم كان تبعا لهم فلم يسلم منهم إلا القليل كعبد الله بن سلام وكان من المشهورين بالرياسة في اليهود عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ومن بني النضير أبو ياسر بن أخطب وأخوه حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي الحقيق ومن بني قينقاع عبد الله بن حنيف وفنحاص ورفاعة بن زيد ومن بني قريظة الزبير بن باطيا وكعب بن أسد وشمويل بن زيد فهؤلاء لم يثبت إسلام أحد منهم وكان كل منهم رئيسا في اليهود ولو أسلم لاتبعه جماعة منهم فيحتمل أن يكونوا المراد وقد روى أبو نعيم في الدلائل من وجه آخر الحديث بلفظ لو آمن بي الزبير بن باطيا وذووه من رؤساء يهود لأسلموا كلهم وأغرب السهيلي فقال لم يسلم من أحبار اليهود إلا اثنان يعني عبد الله بن سلام وعبد الله بن صوريا كذا قال ولم أر لعبد الله بن صوريا إسلاما من طريق صحيحة وإنما نسبه السهيلي في موضع آخر لتفسير النقاش وسيأتي في باب أحكام أهل الذمة من كتاب المحاربين شيء يتعلق بذلك ووقع عند بن حبان قصة إسلام جماعة من الأحبار كزيد بن سغنة مطولا وروى البيهقي أن يهوديا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة يوسف فجاء ومعه نفر من اليهود فأسلموا كلهم لكن يحتمل أن لا يكونوا أحبارا وحديث ميمون بن يامين قد تقدم في الباب وأخرج يحيى بن سلام في تفسيره من وجه آخر عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة هذا الحديث فقال قال كعب إنما الحديث اثنا عشر لقول الله تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا فسكت أبو هريرة قال بن سيرين أبو هريرة عندنا أولى من كعب قال يحيى بن سلام وكعب أيضا صدوق لأن المعنى عشرة بعد الإثنين وهما عبد الله بن سلام ومخيريق كذا قاله وهو معنوي الحديث الثاني

[ 3726 ] قوله حدثنا أحمد أو محمد بن عبيد الله بالتصغير وفي رواية السرخسي والمستملي بن عبد الله مكبر والأول أصح وأشهر واسم جده سهيل وهو الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة شك البخاري في اسمه هنا وقد ذكره في التاريخ فيمن اسمه أحمد بغير شك قوله عن أبي موسى وقع لبعضهم عن أبي مسعود وهو غلط قوله دخل النبي في رواية الكشميهني قدم وقد تقدم الكلام عليه في الصيام الحديث الثالث حديث بن عباس في المعنى

[ 3727 ] قوله لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء استشكل هذا لأن قدومه صلى الله عليه وسلم إنما كان في ربيع الأول وأجيب باحتمال أن يكون علمه بذلك تأخر إلى أن دخلت السنة الثانية قال بعض المتأخرين يحتمل أن يكون صيامهم كان على حساب الأشهر الشمسية فلا يمتنع أن يقع عاشوراء في ربيع الأول ويرتفع الاشكال بالكلية هكذا قرره بن القيم في الهدى قال وصيام أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس قلت وما ادعاء من رفع الاشكال عجيب لأنه يلزم منه إشكال آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين أن يصوموا عاشوراء بالحساب والمعروف من حال المسلمين في كل عصر في صيام عاشوراء أنه في المحرم لا في غيره من الشهور نعم وجدت في الطبراني بإسناد جيد عن زيد بن ثابت قال ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وتقلس فيه الحبشة وكان يدور في السنة وكان الناس يأتون فلانا اليهودي يسألونه فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه فعلى هذا فطريق الجمع أن تقول كان الأصل فيه ذلك فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء رده إلى حكم شرعه وهو الاعتبار بالأهلة فأخذ أهل الإسلام بذلك لكن في الذي ادعاء أن أهل الكتاب يبنون صومهم على حساب الشمس نظر فان اليهود لا يعتبرون في صومهم إلا بالأهلة هذا الذي شاهدناه منهم فيحتمل أن يكون فيهم من كان يعتبر الشهور بحساب الشمس لكن لا وجود له الآن كما انقرض الذين أخبر الله عنهم أنهم يقولون عزير بن الله تعالى الله عن ذلك وفي الحديث إشكال آخر سبق الجواب عنه في كتاب الصيام قوله فأمر بصومه في رواية الكشميهني ثم أمر بصومه الحديث الرابع حديث بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره أي يرخيه

[ 3728 ] قوله عن عبيد الله بن عبد الله هذا هو المحفوظ عن الزهري ورواه مالك في الموطأ عن الزهري مرسلا لم يذكر من فوقه وأغرب حماد بن خالد فرواه عن مالك عن الزهري عن أنس قال أحمد بن حنبل أخطأ فيه حماد بن خالد والمحفوظ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قوله ثم يفرقون بفتح أوله وضم ثالثه قوله ثم فرق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه بفتح الفاء والراء الخفيفة وقد سبق شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافق أهل الكتاب إذا خالفوا عبدة الأوثان أخذا بأخف الأمرين فلما فتحت مكة ودخل عباد الأوثان في الإسلام رجع إلى مخالفة باقي الكفار وهو أهل الكتاب الحديث الخامس حديث بن عباس

[ 3729 ] قال هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه زاد الكشميهني يعني قول الله تعالى الذين جعلوا القرآن عضين

قوله باب إسلام سلمان الفارسي تقدمت ترجمته في البيوع وقوله

[ 3730 ] قال أبي هو سليمان بن طرخان التيمي وأبو عثمان هو النهدي قوله تداوله بضعة عشر من رب إلى رب أي من سيد إلى سيد وكأنه لم يبلغه حديث أبي هريرة في النهي عن إطلاق رب على السيد وقد مر في البيوع وقد تقدم تفسير البضع وأنه من الثلاث إلى العشر على المشهور وذكر بن حبان والحاكم من طريق بن عباس عن سلمان في قصته أنه كان بن ملك وأنه خرج في طلب الدين هاربا وأنه انتقل من عابد إلى عابد إلى أن قدم يثرب وقد تقدم في الشراء من المشركين من كتاب البيوع كيفية إسلام سلمان ومكاتبة الذي كان في رقه على غرس الودي وزعم الداودي أن ولاء سلمان كان لأهل البيت لأنه أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم فكان ولاؤه له وتعقبه بن التين بأنه ليس مذهب مالك قال والذي كاتب سلمان كان مستحقا لولائه إن كان مسلما وإن كان كافرا فولاؤه للمسلمين قلت وفاته من وجوه الرد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث فلا يورث عنه الولاء أيضا إن قلنا بولاء الإسلام على تقدير التنزل

[ 3731 ] قوله أنا من رام هرمز في رواية بشر بن المفضل عن عوف بلفظ أنا من أهل رام هرمز بفتح الراء والميم وضم الهاء والميم بينهما راء ساكنة ثم زاي مدينة معروفة بأرض فارس بقرب عراق العرب ووقع في حديث بن عباس عند أحمد وغيره أن سلمان كان من أصبهان ويمكن الجمع باعتبارين

[ 3732 ] قوله فترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ستمائة سنة والمراد بالفترة المدة التي لا يبعث فيها رسول من الله ولا يمتنع أن ينبأ فيها من يدعو إلى شريعة الرسول الأخير ونقل بن الجوزي الاتفاق على ما اقتضاه حديث سلمان هذا وتعقب بأن الخلاف في ذلك منقول فعن قتادة خمسمائة وستين سنة أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه وعن الكلبي خمسمائة وأربعين وقيل أربعمائة سنة ووجه تعلق هذه الأحاديث بإسلام سلمان الإشارة إلى أن الأحاديث التي وردت في سياق قصته ما هي على شرط البخاري في الصحيح وإن كان إسناد بعضها صالحا وأما أحاديث الباب فمحصلها أنه أسلم بعد أن تداوله جماعة بالرق وبعد أن هاجر من وطنه وغاب عنه هذه المدة الطويلة حتى من الله عليه بالإسلام طوعا خاتمة اشتملت أحاديث المبعث وما بعدها من الهجرة وغيرها من الأحاديث المرفوعة على مائة وعشرين حديثا الموصول منها مائة وثلاثة أحاديث والبقية معلقات ومتابعات المكرر منها فيه وفيما مضى سبعة وسبعون حديثا والخالص ثلاثة وأربعون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث خباب لقد كان من قبلكم يمشط وحديث عمرو بن العاص في أشد ما صنعه المشركون وحديث عبد الله آذنت بالجن شجرة وحديث بن عمر في إسلام عمر وحديث سواد بن قارب وحديث عمر يا جليح وحديث سعيد بن زيد في إسلامه وحديث أم خالد بنت خالد بن سعيد في الخميصة وحديث بن عباس في [ 3675 ] قوله وما جعلنا الرؤيا وحديث جابر شهد بي خالاي العقبة وحديث بن عمر وعائشة لا هجرة بعد الفتح وحديث عروة بن الزبير أن الزبير لقي النبي صلى الله عليه وسلم في ركب كانوا تجارا الحديث في الهجرة وحديث أنس في شأن الهجرة وفيه قصة سراقة ولم يسمه وحديث عمر مع أبي موسى في ذكر الهجرة وحديث بن عمر في البيعة وحديث عائشة أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب وفيه الشعر وحديث البراء في أول من قدم المدينة وحديث سهل ما عدوا من المبعث وحديث بن عباس في تفسير [ 3729 ] جعلوا القرآن عضين وأحاديث سلمان الثلاثة في إسلامه وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم أربعة آثار أو خمسة والله أعلم بالصواب