كتاب المغازي
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب المغازي باب غزوة العشيرة بالشين المعجمة كذا لأبي ذر ولغيره تأخير البسملة عن قوله كتاب المغازي وزادوا باب غزوة العشيرة أو العسيرة بالشك هل هي بالاهمال أو بالإعجام مكانها عند منزل الحج بينبع ليس بينها وبين البلد الا الطريق وخرج في خمسين ومائة وقيل مائتين واستخلف فيها أبا سلمة بن عبد الأسد والمغازي جمع مغزى يقال غزا يغزو غزوا ومغزى والأصل غزوا والواحدة غزوة وغزاة والميم زائدة وعن ثعلب الغزوة المرة والغزاة عمل سنة كاملة وأصل للغزو القصد ومغزى الكلام مقصده والمراد بالمغازي هنا ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه أو بجيش من قبله وقصدهم أعم من أن يكون إلى بلادهم أو إلى الأماكن التي حلوها حتى دخل مثل أحد والخندق قوله قال بن إسحاق أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط ثم العشيرة كذا للأكثر وسقط لأبي ذر إلا عن المستملي وحده لكنه ذكره آخر الباب والأبواء بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد قرية من عمل الفرع بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون ميلا قيل سميت بذلك لما كان فيها من الوباء وهي على القلب وإلا لقيل الأوباء والذي وقع في مغازي بن إسحاق ما صورته غزوة ودان بتشديد المهملة قال وهي أول غزوات النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة يريد قريشا فوادع بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة من كنانة وادعه رئيسهم مجدي بن عمرو الضمري ورجع بغير قتال قال بن هشام وكان قد استعمل على المدينة سعد بن عبادة أه وليس بين ما وقع في السيرة وبين ما نقله البخاري عن بن إسحاق اختلاف لأن الأبواء وودان مكانان متقاربان بينهما ستة أميال أو ثمانية ولهذا وقع في حديث الصعب بن جثامة وهو بالأبواء أو بودان كما تقدم في كتاب الحج ووقع في مغازي الأموي حدثني أبي عن بن إسحاق قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم غازيا بنفسه حتى انتهى الى ودان وهي الأبواء وقال موسى بن عقبة أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم يعني بنفسه الأبواء وفي الطبراني من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال أول غزاة غزوناها مع النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء وأخرجه البخاري في التاريخ الصغير عن إسماعيل وهو بن أبي أويس عن كثير بن عبد الله مقتصرا عليه وكثير ضعيف عن الأكثر لكن البخاري مشاه وتبعه الترمذي وذكر أبو الأسود في مغازيه عن عروة ووصله بن عائذ من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الأبواء بعث عبيدة بن الحارث في ستين رجلا فلقوا جمعا من قريش فتراموا بالنبل فرمى سعد بن أبي وقاص بسهم وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله وعند الأموي يقال إن حمزة بن عبد المطلب أول من عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام راية وكذا جزم به موسى بن عقبة وأبو معشر والواقدي في آخرين قالوا وكان حامل رايته أبو مرثد حليف حمزة وذلك في شهر رمضان من السنة الأولى وكانوا ثلاثين رجلا ليعترضوا عبر قريش فلقوا أبا جهل في جمع كثير فحجز بينهم مجدي وأما بواط فبفتح الموحدة وقد تضم وتخفيف الواو وآخره مهملة جبل من جبال جهينة بقرب ينبع قال بن إسحاق ثم غزا في شهر ربيع الأول يريد قريشا أيضا حتى بلغ بواط من ناحية رضوي ورجع ولم يلق أحدا ورضوي بفتح الراء وسكون المعجمة مقصور جبل مشهور عظيم بينبع قال بن هشام وكان استعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون وفي نسخة السائب بن مظعون وعليه جرى السهيلي وقال الواقدي سعد بن معاذ وأما العشيرة فلم يختلف على أهل المغازي أنها بالمعجمة والتصغير وآخرها هاء قال بن إسحاق هي ببطن ينبع وخرج إليها في جمادى الأولى يريد قريشا أيضا فوادع فيها بني مدلج من كنانة قال بن هشام استعمل فيها على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وذكر الواقدي أن هذه السفرات الثلاث كان يخرج فيها ليلتقي تجار قريش حين يمرون إلى الشام ذهابا وإيابا وسبب ذلك أيضا أنها كانت وقعة بدر وكذلك السرايا التي بعثها قبل بدر كما سيأتي قال بن إسحاق ولما رجع إلىالمدينة لم يقم إلا ليالي حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سفران بفتح المهملة والفاء من ناحية بدر ففاته كرز بن جابر وهذه هي بدر الأولى وقد تقدم في العلم البيان عن سرية عبد الله بن جحش وأنه ومن معه لقوا ناسا من قريش راجعين بتجارة من الشام فقاتلوهم واتفق وقوع ذلك في رجب فقتلوا منهم وأسروا وأخذوا الذي كان معهم وكان أول قتل وقع في الإسلام وأول مال غنم وممن قتل عبد الله بن الحضرمي أخو عمرو بن الحضرمي الذي حرض به أبو جهل قريشا على القتال ببدر وقال الزهري أول آية نزلت في القتال كما أخبرني عروة عن عائشة اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا أخرجه النسائي وإسناده صحيح وأخرج هو والترمذي وصححه الحاكم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم ليهلكن فنزلت اذن للذين يقاتلون الآية قال بن عباس فهي أول آية أنزلت في القتال وذكر غيره أنهم اذن لهم في قتال من قاتلهم بقوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلولنكم ثم أمروا بالقتال مطلقا بقوله تعالى انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا الآية

[ 3733 ] قوله حدثنا وهب هو بن جرير بن حازم وأبو إسحاق هو السبيعي قوله فقيل له القائل هو الراوي أبو إسحاق بينه إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق كما سيأتي آخر المغازي بلفظ سألت زيد بن أرقم ويؤيده أيضا قوله في هذه الرواية آخرا فأيهم قوله تسع عشرة كذا قال ومراده الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل لكن روى أبو يعلى من طريق أبي الزبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى وعشرون وإسناده صحيح وأصله في مسلم فعلى هذا ففات زيد بن أرقم ذكر ثنتين منها ولعلهما الأبواء وبواط وكأن ذلك خفي عليه لصغره ويؤيد ما قلته ما وقع عند مسلم بلفظ قلت ما أول غزوة غزاها قال ذات العشير أو العشيرة أه والشعيرة كما تقدم هي الثالثة وأما قول بن التين يحمل قول زيد بن أرقم على أن العشيرة أول ما غزا هو أي زيد بن أرقم والتقدير فقلت ما أول غزوة غزاها أي وأنت معه قال العشير فهو محتمل أيضا ويكون قد خفي عليه ثنتان مما بعد ذلك أو عد الغزوتين واحدة فقد قال موسى بن عقبة قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان بدر ثم أحد ثم الأحزاب ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف وأهمل غزوة قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب لكونها كانت في أثرها وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب وكذا وقع لغيره عد الطائف وحنين واحدة لتقاربهما فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر وقد توسع بن سعد فبلغ عدة المغازي التي خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين وتبع في ذلك الواقدي وهو مطابق لما عده بن إسحاق إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر أشار إلى ذلك السهيلي وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين وأخرجه يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق فزاد فيه أن سعيدا قال أولا ثماني عشرة ثم قال أربعا وعشرين قال الزهري فلا أدري أوهم أو كان شيئا سمعه بعد قلت وحمله على ما ذكرته يدفع الوهم ويجمع الأقوال والله أعلم وأما البعوث والسرايا فعد بن إسحاق ستا وثلاثين وعد الواقدي ثمانيا وأربعين وحكى بن الجوزي في التلقيح ستا وخمسين وعد المسعودي ستين وبلغها شيخنا في نظم السيرة زيادة على السبعين ووقع عند الحاكم في الإكليل أنها تزيد على مائة فلعله أراد ضم المغازي إليها قوله قلت فأيهم كان أول كذا للجميع قال بن مالك والصواب فأيها أو أيهن ووجهه بعضهم على أن المضاف محذوف والتقدير فأي غزوتهم قلت وقد أخرجه الترمذي عن محمود بن غيلان عن وهب بن جرير بالإسناد الذي ذكره المصنف بلفظ قلت فأيتهن فدل على أن التعبير من البخاري أو من شيخه عبد الله بن محمد المسندي أو من شيخه وهب بن جرير حدث به مرة على الصواب ومرة على غيره إن لم يصح له توجيه قوله العشير أو العسيرة كذا بالتصغير والأول بالمعجمة بلا هاء والثانية بالمهملة وبالهاء ووقع في الترمذي العشير أو العسير بلا هاء فيهما قوله فذكرت لقتادة القائل هو شعبة وقول قتادة العشيرة هو بالمعجمة وباثبات الهاء ومنهم من حذفها وقول قتادة هو الذي اتفق عليه أهل السير وهو الصواب وأما غزوة العسيرة بالمهملة فهي غزوة تبوك قال الله تعالى الذين اتبعوه في ساعة العسرة وسميت بذلك لما كان فيها من المشقة كما سيأتي بيانه وهي بغير تصغير وأما هذه فنسبت إلى المكان الذي وصلوا اليه واسمه العشير أو العشيرة يذكر ويؤنث وهو موضع وذكر بن سعد أن المطلوب في هذه الغزاة هي عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة ففاتهم وكانوا يترقبون رجوعها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتلقاها ليغنمها فبسبب ذلك كانت وقعة بدر قال بن إسحاق فإن السبب في غزوة بدر ما حدثني يزيد بن رومان عن عروة أن أبا سفيان كان بالشام في ثلاثين راكبا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص فأقبلوا في قافلة عظيمة فيها أموال قريش فندب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وكان أبو سفيان يتجسس الأخبار فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفر أصحابه بقصدهم فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى قريش بمكة يحرضهم على المجيء لحفظ أموالهم ويحذرهم المسلمين فاستنفرهم ضمضم فخرجوا في ألف راكب ومعهم مائة فرس واشتد حذر أبي سفيان فأخذ طريق الساحل وجد في السير حتى فات المسلمين فلما أمن أرسل إلى من يلقى قريشا يأمرهم بالرجوع فامتنع أبو جهل من ذلك فكان ما كان من وقعة بدر

قوله باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر أي قبل وقعة بدر بزمان فكان كما قال ووقع عند مسلم من حديث أنس عن عمر قال ان النبي صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارع أهل بدر يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى وهذا مصرع فلان فوالذي بعثه بالحق ما أخطأوا تلك الحدود الحديث وهذا وقع وهم ببدر في الليلة التي التقوا في صبيحتها بخلاف حديث الباب فإنه قبل ذلك بزمان قوله شريح هو بمعجمة وآخره مهملة وإبراهيم بن يوسف عن أبيه هو يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي قوله انه سمع عبد الله بن مسعود حدث عن سعد بن معاذ قال كان صديقا فيه التفات على رأي والسياق يقتضي أن يقول قال كنت صديقا ويحتمل أن يكون قال زائدة ويكون قوله قال من كلام بن مسعود والمراد سعد بن معاذ وهي رواية النسفي قوله على أمية بن خلف ووقع في علامات النبوة من طريق إسرائيل عن بن إسحاق أمية بن خلف بن صفوان كذا للمروزي وكذا أخرجه أحمد والبيهقي من طريق إسرائيل والصواب ما عند الباقين أمية بن خلف أبي صفوان وعند الإسماعيلي أبي صفوان أمية بن خلف وهي كنية أمية كنى بابنه صفوان بن أمية وكذلك اتفق أصحاب أبي إسحاق ثم أصحاب إسرائيل على أن المنزول عليه أمية بن خلف وخالفهم أبو علي الحنفي فقال نزل على عتبة بن ربيعة وساق القصة كلها أخرجه البزار وقول الجماعة أولى وعتبة بن ربيعة قتل ببدر أيضا لكنه لم يكن كارها في الخروج من مكة إلى بدر وإنما حرض الناس على الرجوع بعد أن سلمت تجارتهم فخالفه أبو جهل وفي سياق القصة البيان الواضح أنها لأمية بن خلف لقوله فيها فقال لامرأته يا أم صفوان ولم يكن لعتبة بن ربيعة امرأة يقال لها أم صفوان قوله فقال أي سعد بن معاذ لأمية بن خلف انظر لي ساعة خلوة في رواية إسرائيل فقال أمية لسعد ألا تنظر حتى يكون نصف النهار والجمع بينهما بأن سعدا سأله وأشار عليه أمية وإنما اختار له نصف النهار لأنه مظنة الخلوة قوله ألا أراك بتخفيف اللام للاستفتاح وللكشميهني بحذف همزة الاستفهام وهي مرادة قوله أويتم بالمد والقصر والصباة بضم المهملة وتخفيف الموحدة جمع صابىء بموحدة مكسورة ثم تحتانية خفيفة بغير همز وهو الذي ينتقل من دين إلى دين وفي رواية إسرائيل وقد أويتم محمدا وأصحابه قوله طريقك على المدينة أي ما يقاربها أو يحاذيها قال الكرماني طريقك بالنصب والرفع قلت النصب أصح لأن عامله لأمنعنك فهو بدل من قوله ما هو أشد عليك وأما الرفع فيحتاج إلى تقدير وفي رواية إسرائيل متجرك إلى الشام وهو المراد بقطع طريقه على المدينة قوله على أبي الحكم هي كنية أبي جهل والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي لقبه بأبي جهل قوله فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنهم قاتلوك كذا أتى بصيغة الجمع والمراد المسلمون أو النبي صلى الله عليه وسلم وذكره بهذه الصيغة تعظيما وفي بقية سياق القصة ما يؤيد هذا الثاني ووقع لبعضهم قاتليك بتحتانية بدل الواو وقالوا هي لحن ووجهت بحذف الاداة والتقدير أنهم يكونون قاتليك وفي رواية إسرائيل أنه قاتلك بالإفراد وقد قدمت في علامات النبوة بيان وهم الكرماني في شرج هذا الموضع وأنه ظن أن الضمير لأبي جهل فاستشكله فقال إن أبا جهل لم يقتل أمية ثم تأول ذلك بأنه كان سببا في خروجه حتى قتل قلت ورواية الباب كافية في الرد عليه فان فيها ان أمية قال لامرأته إن محمدا أخبرهم أنه قاتلي ولم يتقدم في كلامه لأبي جهل ذكر قوله ففزع لذلك أمية فزعا شديدا بين سبب فزعه في رواية إسرائيل ففيها قال فوالله ما يكذب محمد إذا حدث ووقع عند البيهقي فقال والله ما يكذب محمد فكاد أن يحدث كذا وقع عنده بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الدال من الحدث وهو خروج الخارج من أحد السبيلين والضمير لأمية أي أنه كاد أن يخرج منه الحدث من شدة فزعه وما أظن ذلك إلا تصحيفا قوله فلما رجع أمية إلى أهله أي امرأته فقال يا أم صفوان هي كنيتها واسمها صفية ويقال كريمة بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وهي من رهط أمية فأمية بن عم أبيها وقيل اسمها فاختة بنت الأسود قوله ما قال لي سعد وفي رواية إسرائيل ما قال لي أخي اليثربي ذكر الأخوة باعتبار ما كان بينهما من المؤاخاة في الجاهلية ونسبه إلى يثرب وهو اسم المدينة قبل الإسلام قوله فقلت له بمكة قال لا أدري فقال أمية والله لا أخرج من مكة يؤخذ منه أن الأخذ بالمحتمل حيث يتحقق الهلاك في غيره أو يقوي الظن أولى قوله فلما كان يوم بدر زاد إسرائيل وجاء الصريخ وفيه إشارة إلى ما أخرجه بن إسحاق كما تقدم قبل هذا الباب وعرف ان اسم الصريخ ضمضم بن عمرو الغفاري وذكر بن إسحاق بأسانيده أنه لما وصل إلى مكة جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وصرخ يا معشر قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد الغوث الغوث قوله أدركوا عيركم بكسر المهملة وسكون التحتانية أي القافلة التي كانت مع أبي سفيان قوله انك متى يراك الناس في رواية الكشميهني وحده متى ما يراك الناس بزيادة ما وهي الزائدة الكافة عن العمل وبحذفها كان حق الألف من يراك أن تحذف لأن متى للشرط وهي تجزم الفعل المضارع قال بن مالك يخرج ثبوت الألف على أن قوله يراك مضارع راء بتقديم الألف على الهمزة وهي لغة في رأي قال الشاعر إذا راءني أبدي بشاشة واصل ومضارعه يراء بمد ثم همز فلما جزمت حذفت الألف ثم أبدلت الهمزة ألفا فصار يرا وعلى أن متى شبهت بإذا فلم يجزم بها وهو كقول عائشة الماضي في الصلاة في أبي بكر متى يقوم مقامك أو على إجراء المعتل مجرى الصحيح كقول الشاعر ولا ترضاها ولا تملق أو على الإشباع كما قرئ أنه من يتقى قلت ووقع في رواية الأصيلي متى يرك الناس بحذف الألف وهو الوجه قوله وأنت سيد أهل الوادي أي وادي مكة قد تقدم أن أمية وصف بها أبا جهل لما خاطب سعدا بقوله لا ترفع صوتك على أبي الحكم وهو سيد أهل الوادي فتقارضا الثناء وكان كل منهما سيدا في قومه قوله فلم يزل به أبو جهل بين بن إسحاق الصفة التي كاد بها أبو جهل أمية حتى خالف رأي نفسه في ترك الخروج من مكة فقال حدثني بن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان قد أجمع على عدم الخروج وكان شيخا جسيما فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة حتى وضعها بين يديه فقال إنما أنت من النساء فقال قبحك الله وكأن أبا جهل سلط عقبة عليه حتى صنع به ذلك وكان عقبة سفيها قوله لأشترين أجود بعير بمكة يعني فاستعد عليه للهرب إذا خفت شيئا قوله ثم قال أمية في الكلام حذف تقديره فاشترى البعير الذي ذكر ثم قال لامرأته قوله لا يترك منزلا إلا عقل بعيره في رواية الكشميهني ينزل بنون وزاي ولام من النزول وهي أوجه من رواية غيره يترك بمثناة وراء وكاف قوله فلم يزل بذلك أي على ذلك قوله حتى قتله الله ببدر تقدم في الوكالة حديث عبد الرحمن بن عوف في صفة قتله وستأتي الإشارة اليه في هذه الغزوة وذكر الواقدي أن الذي ولي قتله خبيب وهو بالمعجمة وموحدة مصغر بن إساف بكسر الهمزة ومهملة خفيفة الأنصاري وقال بن إسحاق قتله رجل من بني مازن من الأنصار وقال بن هشام يقال اشترك فيه معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب المذكور وذكر الحاكم في المستدرك أن رفاعة بن رافع طعنه بالسيف ويقال قتله بلال وأما ابنه علي بن أمية فقتله عمار وفي الحديث معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة وما كان عليه سعد بن معاذ من قوة النفس واليقين وفيه أن شأن العمرة كان قديما وأن الصحابة كان مأذونا لهم في الاعتمار من قبل أن يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الحج والله أعلم

قوله قصة غزوة بدر كذا للأكثر وثبت باب في رواية كريمة قوله وقول الله تعالى ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إلى فتنقلبوا خائبين كذا للأكثر وللأصيلي نحوه قال بعد قوله وأنتم أذلة إلى قوله فتنقلبوا خائبين وساق الآيات كلها في رواية كريمة قوله ببدر هي قرية مشهورة نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة كان نزلها ويقال بدر بن الحارث ويقال بدر اسم البئر التي بها سميت بذلك لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها وحكى الواقدي إنكار ذلك كله عن غير واحد من شيوخ بني غفار وإنما هي مأوانا ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له بدر وإنما هو علم عليها كغيرها من البلاد قوله وأنتم أذلة أي قليلون بالنسبة إلى من لقيهم من المشركين ومن جهة أنهم كانوا مشاة إلا القليل منهم ومن جهة أنهم كانوا عارين من السلاح وكان المشركون على العكس من ذلك والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى تلقي أبي سفيان لأخذ ما معه من أموال قريش وكان من معه قليلا فلم يظن أكثر الأنصار أنه يقع قتال فلم يجز معه منهم إلا القليل ولم يأخذوا أهبة الاستعداد كما ينبغي بخلاف المشركين فانهم خرجوا مستعدين ذابين عن أموالهم وأما قوله إذ تقول للمؤمنين فاختلف فيها أهل التأويل فمنهم من قال هي متعلقة بقوله نصركم فعلى هذا هي في قصة بدر وعليه عمل المصنف وهو قول الأكثر وبه جزم الداودي وأنكره بن التين فذهل وقيل هي متعلقة بقوله وإذ غدوت من أهلك تبويء المؤمنين مقاعد للقتال فعلى هذا فهي متعلقة بغزوة أحد وهو قول عكرمة وطائفة ويؤيد الأول ما روي بن أبي حاتم بسند صحيح إلى الشعبي ان المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين فانزل الله تعالى ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف الآية قال فلم يمد كرز المشركين ولم يمد المسلمين بالخمسة ومن طريق سعيد عن قتادة قال أمد الله المسلمين بخمسة آلاف من الملائكة وعن الربيع بن أنس قال أمد الله المسلمين يوم بدر بألف ثم زادهم فصاروا ثلاثة آلاف ثم زادهم فصاروا خمسة آلاف وكأنه جمع بذلك بين آيتي آل عمران والأنفال وقد لمح المصنف بالاختلاف في النزول فذكر قوله تعالى وإذ غدوت من أهلك في غزوة أحد وكذلك قوله ليس لك من الأمر شيء وذكر ما عدا ذلك في غزوة بدر وهو المعتمد قوله فورهم غضبهم ثبت هكذا في رواية الكشميهني وهو قول عكرمة ومجاهد وروى عن بن عباس وقال الحسن وقتادة والسدي معناه من وجههم قوله وقال وحشي أي بن حرب قتل حمزة أي بن عبد المطلب طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر كذا وقع فيه بن الخيار وهو وهم وصوابه بن نوفل وسأبين ذلك في الكلام على قصة مقتل حمزة في غزوة أحد إن شاء الله تعالى قوله وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم هذه الآية نزلت في قصة بدر بلا خلاف بل جميع سورة الأنفال أو معظمها نزلت في قصة بدر وسيأتي في تفسير قول سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة الأنفال قال نزلت في بدر والمراد بالطائفتين العير والنفير فكان في العير أبو سفيان ومن معه كعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وما معه من الأموال وكان في النفير أبو جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهما من رؤساء قريش مستعدين بالسلاح متأهبين للقتال وكان ميل المسلمين إلى حصول العير لهم وهو المراد بقوله وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم والمراد بذات الشوكة الطائفة التي فيها السلاح قوله الشوكة الحد هو قول أبي عبيدة قال في كتاب المجاز ويقال ما أشد شوكة بني فلان أي حدهم وكأنها استعارة من واحدة الشوك وروى الطبراني وأبو نعيم في الدلائل من طريق علي بن طلحة عن بن عباس قال أقبلت عير لأهل مكة من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يريدها فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا إليها وسبقت العير المسلمين وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأخص مغنما من أن يلقوا النفير فلما فاتهم العير نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين بدرا فوقع القتال ثم ذكر المصنف طرفا من حديث كعب بن مالك في قصة توبته وسيأتي بطوله في غزوة تبوك والغرض منه هنا

[ 3735 ] قوله ولم يعاتب أحد وهو بفتح التاء على البناء للمجهول ووقع في رواية الكشميهني ولم يعاتب الله أحدا وقوله فيه إنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش أي ولم يرد القتال وقوله حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد أي ولا إرادة قتال والعير المذكورة يقال كانت ألف بعير وكان المال خمسين ألف دينار وكان فيها ثلاثون رجلا من قريش وقيل أربعون وقيل ستون وقوله غير أني تخلفت في غزوة بدر وهو استثناء من المفهوم في قوله لم أتخلف إلا في تبوك فإن مفهومه إني حضرت في جميع الغزوات ما خلا غزوة تبوك والسبب في كونه لم يستثنهما معا بلفظ واحد كونه تخلف في تبوك مختارا لذلك مع تقدم الطلب ووقوع العتاب على من تخلف بخلاف بدر في ذلك كله فلذلك غاير بين التخلفين

قوله باب قول الله تعالى إذ تستغيثون ربكم إلى قوله شديد العقاب كذا للأكثر وساق في رواية كريمة الآيات كلها وقد تقدمت الإشارة اليه في الذي قبله والجمع أيضا بين قوله بألف من الملائكة وبين قوله بثلاثة آلاف وأورد البخاري فيه حديثين فقصة المقداد فيها بيان ما وقع قبل الوقعة وحديث بن عباس فيه بيان الاستغاثة

[ 3736 ] قوله عن مخارق بضم الميم وتخفيف المعجمة هو بن عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي بمهملتين ويقال اسم أبيه عبد الرحمن ويقال خليفة وهو كوفي ثقة عند الجميع يكنى أبا سعيد ولم أر له رواية عن غير طارق وهو بن شهاب وله رؤية قوله شهدت من المقداد بن الأسود تقدم أن اسم أبيه عمرو وان الأسود كان تبناه فصار ينسب اليه قوله مما عدل به بضم المهملة وكسر الدال المهملة أي وزن أي من كل شيء يقابل ذلك من الدنيويات وقيل من الثواب أو المراد الأعم من ذلك والمراد المبالغة في عظمة ذلك المشهد وأنه كان لو خير بين أن يكون صاحبه وبين أن يحصل له ما يقابل ذلك كائنا ما كان لكان حصوله له أحب اليه وقوله لأن أكون صاحبه هو بالنصب وفي رواية الكشميهني لأن أكون أنا صاحبه ويجوز فيه الرفع والنصب قال بن مالك النصب أجود قوله وهو يدعو على المشركين زاد النسائي في روايته جاء المقداد على فرس يوم بدر فقال وذكر بن إسحاق أن هذا الكلام قاله المقداد لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم الصفراء وبلغه أن قريشا قصدت بدرا وأن أبا سفيان نجا بمن معه فاستشار الناس فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر كذلك ثم المقداد فذكر نحو ما في حديث الباب وزاد فقال والذي بعثك بالحق لو سلكت بنا برك الغماد لجاهدنا معك من دونه قال فقال أشيروا علي قال فعرفوا أنه يريد الأنصار وكان يتخوف أن لا يوافقوه لأنهم لم يبايعوه إلا على نصرته ممن يقصده لا أن يسير بهم إلى العدو فقال له سعد بن معاذ امض يا رسول الله لما أمرت به فنحن معك قال فسره قوله ونشطه وكذا ذكره موسى بن عقبة مبسوطا وأخرجه بن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة وعند بن أبي شيبة من مرسل علقمة بن وقاص في نحو قصة المقداد فقال سعد بن معاذ لئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ولا نكون كالذين قالوا لموسى فذكره وفيه ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره فامض لما شئت وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من أموالنا ما شئت قال وإنما خرج يريد غنيمة ما مع أبي سفيان فأحدث الله له القتال وروى بن أبي حاتم من حديث أبي أيوب قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة إني أخبرت عن عير أبي سفيان فهل لكم أن تخرجوا إليها لعل الله يغنمناها قلنا نعم فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين قال قد أخبروا خبرنا فاستعدوا للقتال فقلنا لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم فاعاده فقال له المقداد لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ولكن نقول أنا معكما مقاتلون قال فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا كما قال المقداد فأنزل الله تعالى كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون وأخرج بن مردويه من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبيه عن جده نحوه لكن فيه أن سعد بن معاذ هو الذي قال ما قال المقداد والمحفوظ أن الكلام المذكور للمقداد كما في حديث الباب وأن سعد بن معاذ إنما قال لو سرت بنا حتى تبلغ برك الغماد لسرنا معك كذلك ذكره موسى بن عقبة وعند بن عائذ في حديث عروة فقال سعد بن معاذ لو سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن ووقع في مسلم أن سعد بن عبادة هو الذي قال ذلك وكذا أخرجه بن أبي شيبة من مرسل عكرمة وفيه نظر لأن سعد بن عبادة لم يشهد بدرا وإن كان يعد فيهم لكونه ممن ضرب له بسهمه كما سأذكره في آخر الغزوة ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم في غزوة بدر مرتين الأولى وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان وذلك بين في رواية مسلم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان والثانية كانت بعد أن خرج كما في حديث الباب ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية وهذا أولى بالصواب وقد تقدم في الهجرة شرح برك الغماد ودلت رواية بن عائذ هذه على أنها من جهة اليمن وذكر السبيل أنه رأى في بعض الكتب أنها أرض الحبشة وكأنه أخذه من قصة أبي بكر مع بن الدغنة فان فيها أنه لقيه ذاهبا إلى الحبشة ببرك الغماد فأجاره بن الدغنة كما تقدم في هذا الكتاب ويجمع بأنها من جهة اليمن تقابل الحبشة وبينهما عرض البحر قوله ولكنا نقاتل عن يمينك الخ وفي رواية سفيان عن مخارق ولكن امض ونحن معك وفي رواية محمد بن عمرو المذكورة ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ولأحمد من حديث عتبة بن عبد بإسناد حسن قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نقول كما قالت بنو إسرائيل ولكن انطلق أنت وربك إنا معكم

[ 3737 ] قوله حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وخالد هو الحذاء قوله عن بن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا من مراسيل الصحابة فإن بن عباس لم يحضر ذلك ولعله أخذه عن عمر أو عن أبي بكر ففي مسلم من طريق أبي زميل بالزاي مصغر واسمه سماك بن الوليد عن بن عباس قال حدثني عمر لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر فاستقبل القبلة ثم مد يديه فلم يزل يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه الحديث وعن سعيد بن منصور من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته اللهم لا تودع مني اللهم لا تخذلني اللهم لا ترني اللهم أنشدك ما وعدتني وعند بن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني قوله يوم بدر زاد في رواية وهيب الآتية في التفسير عن خالد وهو في قبة والمراد بها العريش الذي اتخذه الصحابة لجلوس النبي صلى الله عليه وسلم فيه قوله اللهم إني أنشدك بفتح الهمزة وسكون النون والمعجمة وضم الدال أي أطلب منك وعند الطبراني بإسناد حسن عن بن مسعود قال ما سمعنا مناشدا ينشد ضالة أشد مناشدة من محمد لربه يوم بدر اللهم إني أنشدك ما وعدتني قال السهيلي سبب شدة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ونصبه في الدعاء لأنه رأى الملائكة تنصب في القتال والأنصار يخوضون غمار الموت والجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء ومن السنة أن يكون الامام وراء الجيش لأنه لا يقاتل معهم فلم يكن ليريح نفسه فتشاغل بأحد الأمرين وهو الدعاء قوله اللهم إن شئت لم تعبد في حديث عمر اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض أما تهلك فبفتح أوله وكسر اللام والعصابة بالرفع وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك هو ومن معه حينئذ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان ولاستمر المشركون يعبدون غير الله فالمعنى لا يعبد في الأرض بهذه الشريعة ووقع عند مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام أيضا يوم أحد وروى النسائي والحاكم من حديث علي قال قاتلت يوم بدر شيئا من قتال ثم جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده يا حي يا قيوم فرجعت فقاتلت ثم جئت فوجدته كذلك قوله فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك زاد في رواية وهيب عن خالد كما سيأتي في التفسير قد ألححت على ربك وكذا أخرجه الطبراني عن عثمان عن عبد الوهاب الثقفي عن أبيه زاد في رواية مسلم المذكورة فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فانزل الله عز وجل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم الآية فأمده الله بالملائكة أه وعرف بهذه الزيادة مناسبة الحديث للترجمة وقوله في رواية مسلم كذاك وهو بالذال المعجمة وهو بمعنى كفاك قال قاسم بن ثابت كذاك يراد بها الإغراء والأمر بالكف عن الفعل وهو المراد هنا ومنه قول الشاعر كذاك القول ان عليك عيبا أي حسبك من القول فاتركه أه وقد أخطأ من زعم أنه تصحيف وأن الأصل كفاك قال الخطابي لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم لأنه كان أول مشهد شهده فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة فلما قال له أبو بكر ما قال كف عن ذلك وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة فلهذا عقب بقوله سيهزم الجمع انتهى ملخصا وقال غيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة في مقام الخوف وهو أكمل حالات الصلاة وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لأن وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة وإنما كان مجملا هذا الذي يظهر وزل من لا علم عنده ممن ينسب إلى الصوفية في هذا الموضع زللا شديدا فلا يلتفت اليه ولعل الخطابي أشار اليه قوله فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر وفي رواية أيوب عن عكرمة عن بن عباس لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر قال عمر أي جمع يهزم قال فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدروع ويقول سيهزم الجمع أخرجه الطبري وابن مردويه وله من حديث أبي هريرة عن عمر لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول الله أي جمع يهزم فذكر نحوه وهذا مما يؤيد ما قدمته أن بن عباس حمل هذا الحديث عن عمر وسيأتي في التفسير عن عائشة نزلت بمكة وأنا جارية ألعب بل الساعة موعدهم الآية

قوله باب كذا للجميع بغير ترجمة ووقع في شرح شيخنا بن الملقن باب فضل من شهد بدرا وتبع في ذلك بعض النسخ وهو خطأ من جهة أن هذه الترجمة بعينها ستأتي فيما بعد فلا معنى لتكررها

[ 3738 ] قوله أخبرني عبد الكريم هو الجزري بينه أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن بن جريج قال حدثني عبد الكريم الجزري انتهى وفي طبقته ممن يروى عن مقسم ويروي عنه بن جريج عبد الكريم بن أبي المخارق أحد الضعفاء ولم يخرج له البخاري شيئا مسندا ومقسم بكسر الميم هو أبو القاسم مولى بن عباس وهو في الأصل مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي وإنما قيل له مولى بن عباس لشدة لزومه له وماله في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وسيأتي شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى

قوله باب عدة أصحاب بدر أي الذين شهدوا الوقعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن ألحق بهم قوله استصغرت بضم أوله ومراد البراء أن ذلك وقع عند حضور القتال فعرض من يقاتل فرد من لم يبلغ وكانت تلك عادة النبي صلى الله عليه وسلم في المواطن قوله أنا وابن عمر قال عياض هذا يرده قول بن عمر استصغرت يوم أحد وكذا اعترض به بن التين وزاد بأن إخبار بن عمر عن نفسه أولى من أخبار البراء عنه انتهى وهو اعتراض مردود إذ لا تنافي بين الإخبارين فيحمل على أنه استصغر ببدر ثم استصغر بأحد بل جاء ذلك صريحا عن بن عمر نفسه وأنه عرض يوم بدر وهو بن ثلاث عشرة سنة فاستصغر وعرض يوم أحد وهو بن أربع عشرة سنة فاستصغر وسيأتي بيان ذلك في غزوة الخندق إن شاء الله تعالى ثم وجدت في بن أبي شيبة من طريق مطرف عن أبي إسحاق عن البراء مثل حديث الباب وزاد آخره وشهدنا أحدا فهذه الزيادة إن حملت على أن المراد بقوله وشهدنا أحدا نفسه وحده دون بن عمر وإلا فما في الصحيح أصبح قوله وحدثني محمود هو بن غيلان ووهب هو بن جرير بن حازم ووقع في نسخة وهب بن جرير قوله عن البراء في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن وهب بن جرير بسنده سمعت البراء قوله وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين كذا في هذه الرواية وسيأتي في آخر الكلام على هذه الغزوة أنهم كانوا ثمانين أو زيادة ويأتي وجه التوفيق بينهما هناك إن شاء الله تعالى وأما ما وقع عند يعقوب بن سفيان من مرسل عبيدة السلماني أن الأنصار كانوا سبعين ومائتين فليس بثابت وقد وقع عند الحاكم من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجسري عن شعبة في هذا الحديث أن المهاجرين كانوا نيفا وثمانين وهو خطأ في هذه الرواية لإطباق أصحاب شعبة على ما وقع في البخاري قوله والأنصار نيف وأربعين ومائتين النيف بفتح النون وتشديد التحتانية وقد تخفف وهو ما بين العقدين وقال في الأول نيفا بنصبه على أنه خبر كان وقال في الثاني نيف برفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف وقد وقع عند البيهقي بالنصب فيهما وهو واضح وهو الذي وقع في رواية شعبة عن تفصيل عدد المهاجرين والأنصار يوافق جملته ما وقع في رواية زهير وإسرائيل وسفيان انهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر لكن الزيادة على العشر مبهمة وقد سبق في الباب قبله أن في حديث عمر عند مسلم أنها تسعة عشر لكن أخرجه أبو عوانة وابن حبان بإسناد مسلم بلفظ بضعة عشر وللبزار من حديث أبي موسى ثلاثمائة وسبعة عشر ولأحمد والبزار والطبراني من حديث بن عباس كان أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر وكذلك أخرجه بن أبي شيبة والبيهقي من رواية عبيدة بن عمر والسلماني أحد كبار التابعين ومنهم من وصله بذكر على وهذا هو المشهور عند بن إسحاق وجماعة من أهل المغازي ويقال عن بن إسحاق وأربعة عشر وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي اليمان عامر الهوزني ووصله الطبراني والبيهقي من وجه آخر عن أبي أيوب الأنصاري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال لأصحابه تعادوا فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ثم قال لهم تعادوا فتعادوا مرتين فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر وروى البيهقي أيضا بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ومعه ثلاثمائة وخمسة عشر وهذه الرواية لا تنافي التي قبلها لاحتمال أن تكون الأولى لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا الرجل الذي أتى آخرا وأما الرواية التي فيها وتسعة عشر فيحتمل أنه ضم إليهم من استصغر ولم يؤذن له في القتال يومئذ كالبراء وابن عمر وكذلك أنس فقد روى أحمد بسند صحيح عنه أنه سئل هل شهدت بدرا فقال وأين أغيب عن بدر انتهى وكأنه كان حينئذ في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه لأنه خدمه عشر سنين وذلك يقتضي أن ابتداء خدمته له حين قدومه المدينة فكأنه خرج معه إلى بدر أو خرج مع عمه زوج أمه أبي طلحة وحكى السهيلي أنه حضر مع المسلمين سبعون نفسا من الجن وكان المشركون ألفا وقيل سبعمائة وخمسون وكان معهم سبعمائة بعير ومائة فرس ومن هذا القبيل جابر بن عبد الله فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عنه قال كنت أمنح الماء لأصحابي يوم بدر وإذا تحرر هذا الجمع فليعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال وإنما شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستة كما أخرجه بن جرير وسيأتي من حديث أنس أن بن عمته حارثة بن سراقة خرج نظارا وهو غلام يوم بدر فأصابه سهم فقتل وعند بن جرير من حديث بن عباس أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وستة رجال وقد بين ذلك بن سعد فقال أنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة وكأنه لم يعد فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين وجه الجمع بأن ثمانية أنفس عدوا في أهل بدر ولم يشهدوها وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهامهم لكونهم تخلفوا لضرورات لهم وهم عثمان بن عفان تخلف عن زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذنه وكانت في مرض الموت وطلحة وسعيد بن زيد بعثهما يتجسسان عير قريش فهؤلاء من المهاجرين وأبو لبابة رده من الروحاء واستخلفه على المدينة وعاصم بن عدي استخلفه على أهل العالية والحارث بن حاطب على بني عمرو بن عوف والحارث بن الصمة وقع فكسر بالروحاء فرده إلى المدينة وخوات بن جبير كذلك هؤلاء الذين ذكرهم بن سعد وذكر غيره سعد بن مالك الساعدي والد سهل مات في الطريق وممن اختلف فيه هل شهدها أورد لحاجة سعد بن عبادة وقع ذكره في مسلم وصبيح مولى أحيحة رجع لمرضه فيما قيل وقيل ان جعفر بن أبي طالب ممن ضرب له بسهم نقله الحاكم

[ 3740 ] قوله عدة أصحاب طالوت هو طالوت بن قيس من ذرية بنيامين بن يعقوب شقيق يوسف عليه السلام يقال إنه كان سقاء ويقال إنه كان دباغا قوله أجازوا في رواية الكشميهني جازوا بغير ألف وفي رواية إسرائيل التي بعدها جاوزوا قوله لا والله هو جواب كلام محذوف تقديره أما دعوى واما استفهام هل كان بعضهم غير مؤمن ويحتمل أن تكون لا زائدة وإنما حلف تأكيدا لخبره وقد ذكر الله قصة طالوت وجالوت في القرآن في سورة البقرة وذكر أهل العلم في الأخبار أن المراد بالنهر نهر الأردن وأن جالوت كان رأس الجبارين وأن طالوت وعد من قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويقاسمه الملك فقتله داود فوفى له طالوت وعظم قدر داود في بني إسرائيل حتى استقل بالمملكة بعد أن كانت نية طالوت تغيرت لداود وهم بقتله فلم يقدر عليه فتاب وانخلع من الملك وخرج مجاهدا هو ومن معه من ولده حتى ماتوا كلهم شهداء وقد ذكر محمد بن إسحاق في المبتدأ قصته مطولة

قوله باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش قوله شيبة بن ربيعة مجرور بالفتح على البدل وكذا عتبة قوله وأبي جهل بن هشام وهلاكهم المراد دعاؤه صلى الله عليه وسلم السابق وهو بمكة وقد مضى بيانه في كتاب الطهارة حيث أورده المصنف من حديث بن مسعود المذكور في هذا الباب بأتم منه سياقا وأورده في الطهارة لقصة سلى الجزور ووضعه على ظهر المصلى فلم تفسد صلاته وفي الصلاة مستدلا به على أن ملاصقة المرأة في الصلاة لا تفسدها وفي الجهاد في باب الدعاء على المشركين وفي الجزية مستدلا به على أن جيف المشركين لا يفادى بها وفي المبعث في باب ما لقي المسلمون من المشركين بمكة وقوله في هذه الرواية فأشهد بالله أي أقسم وإنما حلف على ذلك مبالغة في تأكيد خبره قد غيرتهم الشمس أي غيرت ألوانهم إلى السواد أو غيرت أجسادهم بالانتفاخ وقد بين سبب ذلك بقوله وكان يوما حارا

تنبيه ثبتت هذه الترجمة للأكثر وسقطت لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وثبوتها أوجه إذ لا تعلق لحديثها بباب عدة أهل بدر وثبتت لغير أبي ذر عقب حديثها باب قتل أبي جهل بن هشام وسقطت لأبي ذر وهو أوجه لأن فيه ذكر هلاك غير أبي جهل فهو لائق بالترجمة المذكورة والله أعلم وعلى هذا فقد اشتملت الترجمة على ثلاثة عشر حديثا الثاني والثالث حديث بن مسعود وأنس في قتل أبي جهل

[ 3744 ] قوله حدثنا بن نمير هو محمد بن عبيد الله بن نمير ولم يدرك البخاري أباه وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم والإسناد كله كوفيون قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله انه أتى أبا جهل وبه رمق كأن أبا جهل قد ضرب في المعركة بالسيوف حتى خر صريعا كما سيأتي بيانه قوله فقال أبو جهل هل أعمد في الكلام حذف تقديره فكلمه أي بكلام تشفى منه فأجابه بذلك ووقع بيان ذلك في رواية عمرو بن ميمون عند الطبراني عن بن مسعود قال أدركت أبا جهل يوم بدر صريعا فقلت أي عدو الله قد أخزاك الله قال وبما أخزاني من رجل قتله قومه الحديث وهذا تفسير المراد بقوله هل أعمد من رجل قتله قومه وأعمد بالمهملة أفعل تفضيل من عمد أي هلك يقال يعمد البعير يعمد عمدا بالتحريك إذا ورم سنامه من عض القتب فهو عميد ويكنى بذلك عن الهلاك وقيل هو أن يكون سنامه وارما فيحمل عليه الشيء الثقيل فيكسره فيموت فيه شحمه وقيل معنى أعمد أعجب وقيل بمعنى أغضب وقيل معناه هل زاد على سيد قتله قومه قاله أبو عبيدة قال وكان أبو عبيدة يحكى عن العرب أعمد من كل محق أي هل زاد على مكيال نقص كيله وأنشد في ذلك وأعمد من قوم كفاهم أخوهم صدام الأعادي حين قلت بيوتها أي لا زيادة على فعلنا فاننا كفينا إخواننا أعاديهم وفي مغازي أحمد بن محمد بن أيوب قلت لابن إسحاق ما أعمد من رجل قال يقول هل هو إلا رجل قتلتموه ورجح السهيلي الأول ويؤيد تفسير أبي عبيدة ما وقع في حديث أنس بعده بلفظ وهل فوق رجل قتلتموه ووقع في رواية الكشميهني في حديث بن مسعود أغدر بدل أعمد فان ثبت فلا إشكال فيه

[ 3745 ] قوله ان أنسا حدثهم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم وقع في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى القطان عن سليمان التيمي أن أنسا سمعه من بن مسعود ولفظه عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر من يأتينا بخبر أبي جهل قال يعني بن مسعود فانطلقت فإذا ابنا عفراء قد اكتنفاه فضرباه فأخذت بلحيته الحديث قوله فانطلق بن مسعود وفي رواية بن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج فقال بن مسعود أنا فانطلق قوله ابنا عفراء هما معاذ ومعوذ كما سيأتي بيانه قوله حتى برد بفتح الموحدة والراء أي مات هكذا فسروه ووقع في رواية السمرقندي في مسلم حتى برك بكاف بدل الدال أي سقط وكذا هو عند أحمد عن الأنصاري عن التيمي قال عياض وهذه الرواية أولى لأنه قد كلم بن مسعود فلو كان مات كيف كان يكلمه انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله حتى برد أي صار في حالة من مات ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح فأطلق عليه باعتبار ما سيئول اليه ومنه قولهم للسيوف بوارد أي قواتل وقيل لمن قتل بالسيف برد أي أصابه متن الحديد لأن طبع الحديد البرودة وقيل معنى قوله برد أي فتر وسكن يقال جد في الأمر حتى برد أي فتر وبرد النبيذ أي سكن غليانه قوله قتلتموه أو رجل قتله قومه شك من الراوي بينه بن علية عن سليمان التيمي وأن الشك من التيمي كما سيأتي في أواخر الغزوة وفيه من الزيادة قال سليمان أي التيمي قال أبو مجلز هو التابعي المشهور قال أبو جهل فلو غير أكار قتلني هذا مرسل والأكار بتشديد الكاف الزراع وعني بذلك أن الأنصار أصحاب زرع فأشار إلى تنقيص من قتله منهم بذلك ووقع في رواية مسلم لو غيرك كان قتلني وهو تصحيف قوله أنت أبا جهل كذا للأكثر وللمستملي وحده أنت أبو جهل والأول هو المعتمد في حديث أنس هذا فقد صرح إسماعيل بن علية عن سليمان التيمي بأنه هكذا نطق بها أنس وسيأتي ذلك في أواخر غزوة بدر ولفظه فقال أنت أبا جهل قال بن علية قال سليمان هكذا قالها أنس قال أنت أبا جهل انتهى وقد أخرجه بن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه فقال فيه أنت أبو جهل وكأنه من إصلاح بعض الرواة وكذلك نطق بها يحيى القطان أخرجه الإسماعيلي من طريق المقدمي عن يحيى القطان عن التيمي فذكر الحديث وفيه قال أنت أبا جهل قال المقدمي هكذا قالها يحيى القطان وقد وجهت الرواية المذكورة بالحمل على لغة من يثبت الألف في الأسماء الستة في كل حالة كقوله إن أباها وأبا أباها وقيل هو منصوب بإضمار أعني وتعقبه بن التين بأن شرط هذا الاضمار أن تكثر النعوت وقال الداودي كأن بن مسعود تعمد اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له وما أبعد ما قال وقيل إن قوله أنت مبتدأ محذوف الخبر وقوله أبا جهل منادى محذوف الاداة والتقدير أنت المقتول يا أبا جهل وخاطبه بذلك مقرعا له ومتشفيا منه لأنه كان يؤذيه بمكة أشد الأذى وفي حديث بن عباس عند بن إسحاق والحاكم قال بن مسعود فوجدته بآخر رمق فوضعت رجلي على عنقه فقلت أخزاك الله يا عدو الله قال وبما أخزاني هل أعمد رجل قتلتموه قال وزعم رجال من بني مخزوم أنه قال له لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا قال ثم احتززت رأسه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذا رأس عدو الله أبي جهل فقال والله الذي لا إله إلا هو فحلف له وفي زيادة المغازي رواية يونس بن بكير من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن عوف نحو الحديث الذي بعده وفيه فحلف له فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم انطلق حتى أتاه فقام عنده فقال الحمد الله الذي أعز الإسلام وأهله ثلاث مرات قوله حدثنا سليمان هو التيمي المذكور قبل قوله أخبرنا أنس بن مالك نحوه قد ساق بن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم لفظه فأخرجه عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه بلفظ فقال بن مسعود أنا يا نبي الله وقال فيه قال فأخذت بلحيته والباقي مثله وقوله قال فأخذت بلحيته يؤيد الرواية الماضية للإسماعيلي من طريق يحيى القطان فان أنسا أخذه عن بن مسعود الحديث الرابع

[ 3746 ] قوله حدثنا علي بن عبد الله هو بن المديني قوله كتبت عن يوسف بن الماجشون ظاهره أنه كتبه عنه ولم يسمعه منه وقد تقدم في الخمس مطولا عن مسدد عن يوسف قوله عن صالح بن إبراهيم عن أبيه هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قوله عن جده في بدر أي في قصة غزوة بدر قوله يعني حديث ابني عفراء أي الحديث المقدم ذكره في الخمس عن مسدد عن يوسف بن الماجشون بهذا الإسناد مطولا وسيأتي في باب شهود الملائكة بدرا من وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ملخصا وحاصله أن كلا من ابني عفراء سأل عبد الرحمن بن عوف فدلهما عليه فشدا عليه فضرباه حتى قتلاه وفي آخر حديث مسدد وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر في سيفيهما وقال كلاكما قتله وأنه قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح انتهى وعفراء والدة معاذ واسم أبيه الحارث وأما بن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء وإنما أطلق عليه تغليبا ويحتمل أن تكون أم معوذ أيضا تسمى عفراء أو أنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ظنه الراوي أخاه وقد أخرج الحاكم من طريق بن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن بن عباس قال بن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعتهم يقولون وأبو جهل في مثل الجرحة أبو جهل الحكم لا يخلص اليه فجعلته من شأني فعمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي قال ثم عاش معاذ إلى زمن عثمان قال ومر بأبي جهل معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق ثم قاتل معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل فوجده بآخر رمق فذكر ما تقدم فهذا الذي رواه بن إسحاق يجمع بين الأحاديث لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه رأى معاذا ومعوذا شدا عليه جميعا حتى طرحاه وابن إسحاق يقول ان بن عفراء هو معوذ وهو بتشديد الواو والذي في الصحيح معاذ وهما اخوان فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شد عليه مع معاذ بن عمرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته ثم حز رأسه بن مسعود فتجمع الأقوال كلها وإطلاق كونهما قتلاه يخالف في الظاهر حديث بن مسعود أنه وجده وبه رمق وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق به إلا مثل حركة المذبوح وفي تلك الحالة لقيه بن مسعود فضرب عنقه والله أعلم وأما ما وقع عند موسى بن عقبة وكذا عند أبي الأسود عن عروة أن بن مسعود وجد أبا جهل مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير متقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه لا يتحرك منه عضو وظن عبد الله أنه ثبت جراحا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبي جهل فاستله ورفع بيضة أبي جهل عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه فيحمل على أن ذلك وقع له معه بعد أن خاطبه بما تقدم والله أعلم

الحديث الخامس والسادس حديث علي وأبي ذر في المبارزة أورده من طرق وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي هو لاحق بن حميد تابعي وكذا شيخه والراوي عنه وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة تقدم في مناقب عبد الله بن سلام وليس له في البخاري سوى ذلك الحديث وحديث الباب مع الاختلاف عليه هل هو عن علي أو أبي ذر والذي يظهر أنه سمعه من كل منهما ويدل عليه اختلاف السياقين

[ 3747 ] قوله من يجثو بالجيم والمثلثة أي يقعد على ركبتيه مخاصما والمراد بهذه الأولية تقييده بالمجاهدين من هذه الأمة لأن المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الإسلام قوله وقال قيس هو بن عباد المذكور وهو موصول بالإسناد المذكور قوله وفيهم أنزلت هكذا وقع في رواية معتمر بن سليمان عن أبيه مرسلا ووقع في رواية يوسف بن يعقوب بعدها عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس قال قال علي فينا نزلت وسيأتي في تفسير الحج أن منصورا رواه عن أبي هاشم عن أبي مجلز فوقفه عليه

[ 3748 ] قوله في ستة من قريش يعني ثلاثة من المسلمين من بني عبد مناف اثنين من بني هاشم وواحد من بني المطلب وثلاثة من المشركين من بني عبد شمس بن عبد مناف قوله علي وحمزة أي بن عبد المطلب بن هاشم وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قوله وشيبة بن ربيعة أي بن عبد شمس وعتبة هو أخوه والوليد بن عتبة ولده ولم يقع في هذه الرواية تفصيل المبارزين وذكر بن إسحاق أن عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم فبرز عبيدة لعتبة وحمزة لشيبة وعلي للوليد وعند موسى بن عقبة برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وعلي للوليد ثم اتفقا فقتل علي الوليد وقتل حمزة الذي بارزه واختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة فمات منها لما رجعوا بالصفراء ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله وعند الحاكم من طريق عبد خير عن علي مثل قول موسى بن عقبة وعند أبي الأسود عن عروة مثله وأورد بن سعد من طريق عبيدة السلماني أن شيبة لحمزة وعبيدة لعتبة وعليا للوليد ثم قال الليث ان عتبة لحمزة وشيبة لعبيدة أه قال بعض من لقيناه اتفقت الروايات على أن عليا للوليد وإنما اختلفت في عتبة وشيبة أيها لعبيدة وحمزة والأكثر على أن شيبة لعبيدة قلت وفي دعوى الاتفاق نظر فقد أخرج أبو داود من طريق حارثة بن مضرب عن علي قال تقدم عتبة وتبعه ابنه وأخوه فانتدب له شباب من الأنصار فقال لا حاجة لنا فيكم إنما أردنا بني عمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا حمزة قم يا علي قم يا عبيدة فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى شيبة واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فاثخن كل واحد منهما صاحبه ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة قلت وهذ أصح الروايات لكن الذي في السير من أن الذي بارزه علي هو الوليد هو المشهور وهو اللائق بالمقام لأن عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة بخلاف على والوليد فكانا شابين وقد روى الطبراني بإسناد حسن عن علي قال أعنت أنا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد بن عتبة فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علينا وهذا موافق لرواية أبي داود فالله أعلم وفي الحديث جواز المبارزة خلافا لمن أنكرها كالحسن البصري وشرط الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق للجواز إذن الأمير على الجيش وجواز إعانة المبارز رفيقه وفيه فضيلة ظاهرة لحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم

[ 3749 ] قوله حدثنا يوسف بن يعقوب كان ينزل في بني ضبيعة بالمعجمة والموحدة مصغر قوله وهو مولى لبني سدوس قلت ولذلك كان يقال له السدوسي تارة والضبعي تارة وكان يقال له السلعي بمهملتين ولام ساكنة وقد تحرك ويقال له أيضا صاحب السلعة نسب إلى سلعة كانت بقفاه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله فينا نزلت هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم هكذا أورده مختصرا وأورده الإسماعيلي عن بن صاعد عن هلال بن بشر عن يوسف بن يعقوب المذكور بلفظ فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر وأخرجه من وجه آخر عن سليمان التيمي بلفظ في الذين برزوا يوم بدر في الفريقين وسماهم قوله في طريق وكيع عن سفيان

[ 3750 ] في هؤلاء الرهط الستة يوم بدر نحوه الضمير يعود الى سياق قبيصة عن سفيان ويوضح ذلك ما أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن وكيع فإنه ذكر الباب هنا وزاد تسمية الستة وعنده من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الذين اختصموا في يوم بدر

[ 3751 ] قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم زاد أبو ذر في روايته الدورقي الحديث السابع حديث البراء بن عازب قوله إسحاق بن منصور السلولي وإبراهيم بن يوسف هو بن أبي إسحاق السبيعي

[ 3752 ] قوله سأل رجل لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو الراوي فأبهم اسمه قوله أشهد بهمزة الاستفهام قوله وبارز وظاهر بلفظ الفعل الماضي فيهما وقد تقدم حديث المبارزة في الذي قبله وقوله ظاهر أي لبس درعا على درع وقوله في الجواب قال بارز وظاهر فيه حذف تقديره قال نعم شهد فإنه بارز فيها وظاهر ووقع في رواية الإسماعيلي أشهد على بدرا قال حقا تنبيه حديث البراء هذا من مراسيل الصحابة لأنه لم يشهد بدرا فكأنه تلقى ذلك عمن شهدها من الصحابة أو سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك

قوله الحديث الثامن عن الأسود هو بن يزيد قوله انه قرأ والنجم تقدم الكلام عليه في سجود القرآن وفي المبعث ويأتي في تفسير سورة النجم التصريح بأن المراد بقول بن مسعود فلقد رأيته بعد قتل كافرا أمية بن خلف وبه يعرف مناسبته للترجمة الحديث التاسع والعاشر

[ 3755 ] قوله عن هشام هو بن عروة قوله كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف إحداهن في عاتقه تقدم في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام أن الضربات الثلاث كن في عاتقه وكذا هو في الرواية التي بعد هذه قوله أصابعي فيها في رواية الكشميهني فيهن زاد في المناقب وفي الرواية التي بعدها ألعب وأنا صغير قوله ضرب ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك في رواية بن المبارك أنه ضرب يوم اليرموك ضربتين على عاتقه وبينهما ضربة ضربها يوم بدر فان كان اختلافا على هشام فرواية بن المبارك أثبت لأن في حديث معمر عن هشام مقالا وإلا فيحتمل أن يكون فيه في غير عاتقه ضربتان أيضا فيجمع بذلك بين الخبرين ووقعة اليرموك كانت أول خلافة عمر بين المسلمين والروم بالشام سنة ثلاثة عشر وقيل سنة خمسة عشر ويؤيد الأول قوله في الحديث الذي بعده إن سن عبد الله بن الزبير كان عشر سنين واليرموك بفتح التحتانية وبضمها أيضا وسكون الراء موضع من نواحي فلسطين ويقال إنه نهر والتحرير أنه موضع بين أذرعات ودمشق كانت به الواقعة المشهورة وقتل في تلك الوقعة من الروم سبعون ألفا في مقام واحد لأنهم كانوا سلسلوا أنفسهم لأجل الثبات فلما وقعت عليهم الهزيمة قتل أكثرهم وكان اسم أمير الروم من قبل هرقل باهان أوله موحدة ويقال ميم وكان أبو عبيدة الأمير على المسلمين يومئذ ويقال إنه شهدها من أهل بدر مائة نفس والله أعلم وقوله في الرواية الثانية ألا تشد بضم المعجمة أي تحمل على المشركين وقوله كذبتم أي اختلفتم وقوله

[ 3756 ] فجاوزهم وما معه أحد أي من الذين قالوا له ألا تشد فنشد معك وقوله فأخذوا أي الروم بلجامه أي بلجام فرسه قوله وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو بن عشر سنين هو بحسب إلغاء الكسر وإلا سنه حينئذ كان على الصحيح اثنتي عشرة سنة قوله ووكل به رجلا لم أقف على اسمه وكأن الزبير آنس من ولده عبد الله شجاعة وفروسية فأركبه الفرس وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه فجعل معه رجلا ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال وروى بن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أنه كان مع أبيه يوم اليرموك فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم وقوله يجهز بضم أوله وبجيم وزاي أي يكمل قتل من وجده مجروحا وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره قوله في الرواية الأولى قال عروة وقال لي عبد الملك الخ هو موصول بالإسناد المذكور وكان عروة مع أخيه عبد الله بن الزبير لما حاصره الحجاج بمكة فلما قتل عبد الله أخذ الحجاج ما وجده له فأرسل به إلى عبد الملك فكان من ذلك سيف الزبير الذي سأل عبد الملك عروة عنه وخرج عروة إلى عبد الملك بن مروان بالشام قوله فلة بفتح الفاء فلها بضم الفاء أي كسرت قطعة من حده قوله قال صدقت بهن فلول من قراع الكتائب هذا شطر من بيت مشهور من قصيدة مشهورة للنابغة الذبياني وأولها كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب يقول فيها ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب وهو من المدح في معرض الذم لأن الفل في السيف نقص حسي لكنه لما كان دليلا على قوة ساعد صاحبه كان من جملة كماله قوله قال هشام هو بن عروة وهو موصول أيضا وقوله فأقمناه أي ذكرنا قيمته تقول قومت الشيء وأقمته أي ذكرت ما يقوم مقامه من الثمن قوله وأخذه بعضنا أي بعض الورثة وهو عثمان بن عروة أخو هشام وقوله ولوددت الخ هو من كلام هشام قوله حدثني فروة هو بن مغراء بفتح الميم وسكون المعجمة ممدود وعلي هو بن مسهر وهشام هو بن عروة وقوله محلي بالمهملة وتشديد اللام من الحلية

الحديث الحادي عشر

[ 3757 ] قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي قوله سمع روح بن عبادة أي أنه سمع ولفظة أنه تحذف خطاكما حذفت قال من قوله حدثنا سعيد قوله ذكر لنا أنس بن مالك فيه تصريح لقتادة وهو من رواية صحابي عن صحابي أنس عن أبي طلحة وقد رواه شيبان عن قتادة فلم يذكر أبا طلحة أخرجه أحمد ورواية سعيد أولى وكذا أخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بغير ذكر أبي طلحة قوله بأربعة وعشرين رجلا من صناديد بالمهملة والنون جمع صنديد بوزن عفريت وهو السيد الشجاع ووقع عند بن عائذ عن سعيد بن بشير عن قتادة ببضعة وعشرين وهي لا تنافي رواية الباب لأن البضع يطلق على الأربع أيضا ولم أقف على تسمية هؤلاء جميعهم بل سيأتي تسمية بعضهم ويمكن إكمالهم مما سرده بن إسحاق من أسماء من قتل من الكفار ببدر بأن يضيف على من كان يذكر منهم بالرياسة ولو بالتبعية لأبيه وسيأتي من حديث البراء أن قتلى بدر من الكفار كانوا سبعين وكأن الذين طرحوا في القليب كانوا الرؤساء منهم ثم من قريش وخصوا بالمخاطبة المذكورة لما كان تقدم منهم من المعاندة وطرح باقي القتلى في أمكنة أخرى وأفاد الواقدي أن القليب المذكور كان حفره رجل من بني النار فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار قوله على شفة الركي أي طرف البئر وفي رواية الكشميهني على شفير الركي والركي بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد آخره البئر قبل أن تطوى والأطواء جمع طوى وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة لتثبت ولا تنهار ويجمع بين الروايتين بأنها كانت مطوية فاستهدمت فصارت كالركي قوله فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان في رواية حميد عن أنس فنادى يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام أخرجه بن إسحاق وأحمد وغيرهما وكذا وقع عند أحمد ومسلم من طريق ثابت عن أنس فسمى الأربعة لكن قدم وأخر وسياقه أتم قال في أوله تركهم ثلاثة أيام حتى جيفوا فذكره وفيه من الزيادة فسمع عمر صوته فقال يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون ويقول الله تعالى انك لا تسمع الموتى فقال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم لكن لا يستطيعون أن يجيبوا وفي بعضه نظر لأن أمية بن خلف لم يكن في القليب لأنه كان ضخما فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيبه وقد أخرج ذلك بن إسحاق من حديث عائشة لكن يجمع بينهما بأنه كان قريبا من القليب فنودي فيمن نودي لكونه كان من جملة رؤسائهم ومن رؤساء قريش ممن يصح إلحاقه بمن سمي من بني عبد شمس بن عبد مناف عبيدة والعاص والد أبي أحيحة وسعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن ربيعة ومن بني نوفل بن عبد مناف الحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي ومن سائر قريش نوفل بن خويلد بن أسد وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد وأخوه عقيل والعاصي بن هشام أخو أبي جهل وأبو قيس بن الوليد أخو خالد ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهمي وعلي بن أمية بن خلف وعمرو بن عثمان عم طلحة أحد العشرة ومسعود بن أبي أمية أخو أم سلمة وقيس بن الفاكه بن المغيرة والأسود بن عبد الأسد أخو أبي سلمة وأبو العاص بن قيس بن عدي السهمي وأميمة بن رفاعة بن أبي رفاعة فهؤلاء العشرون تنضم إلى الأربعة فتكمل العده ومن جملة مخاطبتهم ما ذكره بن إسحاق حدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم كذبتموني وصدقني الناس الحديث قوله قال قتادة هو موصول بالإسناد المذكور قوله أحياهم الله زاد الإسماعيلي بأعيانهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما في رواية الإسماعيلي وتندما وذلة وصغارا والصغار الذلة والهوان وأراد قتادة بهذا التأويل الرد على من أنكر أنهم يسمعون كما جاء عن عائشة أنها استدلت بقوله تعالى إنك لا تسمع الموتى وسيأتي البحث في ذلك في تالي الحديث الذي بعده الحديث الثاني عشر

[ 3758 ] قوله حدثنا عمرو هو بن دينار وعطاء هو بن أبي رباح قوله عن بن عباس في رواية أبي نعيم في المستخرج سمعت بن عباس قوله هم والله كفار قريش وقع في التفسير هم والله كفار أهل مكة ورواه عبد الرزاق عن بن عيينة قال هم لكفار قريش أو أهل مكة وللطبراني عن كريب عن بن عيينة هم والله أهل مكة قال بن عيينة يعني كفارهم وعند عبد بن حميد في التفسير من طريق أبي الطفيل قال قال عبد الله بن الكواء لعلي رضي الله عنه من الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو مخزوم قد كبتهم يوم بدر وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن علي نحوه لكن فيه فاما بنو مخزوم فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين وأخرج الطبري عن عمر نحوه وله من وجه آخر ضعيف عن بن عباس قال هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم والأول المعتمد ويحتمل أن يكون مراده أن عموم الآية يتناول هؤلاء أيضا قوله قال عمرو هو بن دينار وهو موصول بالإسناد المذكور قوله ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله هذا موقوف على عمرو بن دينار وكذا دار البوار النار يوم بدر وهكذا رويناه في تفسير بن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن عمرو بن دينار في قوله ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم قال هم كفار قريش ومحمد النعمة ودار البوار النار يوم بدر انتهى وقوله يوم بدر ظرف لقوله أحلوا أي أنهم أهلكوا قومهم يوم بدر فأدخلوا النار والبوار الهلاك وسميت جهنم دار البور لإهلاكها من يدخلها وعند الطبراني من طريق بن جريج عن بن عباس قال البوار الهلاك ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال قد فسرها الله تعالى فقال جهنم يصلونها الحديث الثالث عشر قوله ذكر بضم أوله وعند الإسماعيلي ان عائشة بلغها ولم أقف على اسم المبلغ ولكن عنده من رواية أخرى ما يشعر بأن عروة هو الذي بلغها ذلك قوله وهل قيل بفتح الهاء والمشهور الكسر أي غلط وزنا ومعنى وبالفتح معناه فزع ونسي وجبن وقلق وقال الفارابي والأزهري وابن القطاع وابن فارس والقابسي وغيرهم وهلت اليه بفتح الهاء أهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمك اليه زاد القالي والجوهري وأنت تريد غيره وزاد بن القطاع قوله أن الميت ليعذب في قبره الحديث تقدم شرحه في الجنائز وقوله ذلك مثل قوله أي بن عمر وقوله فقال لهم ما قال ووقع عند الكشميهني فقال لهم مثل ما قال ومثل زائدة لا حاجة إليها قوله يقول حين تبوءوا مقاعدهم من النار القائل يقول هو عروة يريد أن يبين مراد عائشة فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله انك لا تسمع الموتى مقيد باستقرارهم في النار وعلى هذا فلا معارضة بين إنكار عائشة وإثبات بن عمر كما تقدم توضيحه في الجنائز لكن الرواية التي بعد هذه تدل على أن عائشة كانت تنكر ذلك مطلقا لقولها إن الحديث إنما هو بلفظ انهم ليعلمون وان بن عمر وهم في قوله ليسمعون قال البيهقي العلم لا يمنع من السماع والجواب عن الآية أنه لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك بل وافقهما أبو طلحة كما تقدم وللطبراني من حديث بن مسعود مثله بإسناد صحيح ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه قالوا يا رسول الله وهل يسمعون قال يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون وفي حديث بن مسعود ولكنهم اليوم لا يجيبون ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وأخرجه أحمد بإسناد حسن فان كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة قال الإسماعيلي كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن لأن قوله تعالى انك لا تسمع الموتى لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم أنهم الآن يسمعون لأن الإسماع هو ابلاغ الصوت من المسمع في إذن السامع فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك وأما جوابها بأنه إنما قال إنهم ليعلمون فان كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون بل يؤيدها وقال السهيلي ما محصله إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الصحابة له أتخاطب أقواما قد جيفوا فأجابهم قال وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين وذلك إما بآذان رءوسهم على قول الأكثر أو بآذان قلوبهم قال وقد تمسك بهذا الحديث من يقول إن السؤال يتوجه على الروح والبدن ورده من قال إنما يتوجه على الروح فقط بأن الاسماع يحتمل أن يكون لأذن الرأس ولأذن القلب فلم يبق فيه حجة قلت إذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ لم يحسن التمسك به في مسألة السؤال أصلا وقد اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى في قوله تعالى انك لا تسمع الموتى وكذلك المراد بمن في القبور فحملته عائشة على الحقيقة وجعلته أصلا احتاجت معه إلى تأويل قوله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وهذا قول الأكثر وقيل هو مجاز والمراد بالموتى وبمن في القبور الكفار شبهوا بالموتى وهم أحياء والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر وعلى هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة رضي الله عنها والله أعلم

قوله باب فضل من شهد بدرا أي مع النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين مقاتلا للمشركين وكأن المراد بيان أفضليتهم لا مطلق فضلهم

[ 3761 ] قوله أصيب حارثة يوم بدر هو بالمهملة والمثلثة بن سراقة بن الحارث بن عدي الأنصاري بن عدي بن النجار وأبوه سراقة له صحبة واستشهد يوم حنين قوله فجاءت أمه هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس بن مالك ووقع في أوائل الجهاد من طريق شيبان عن قتادة عن أنس أن أم الربيع بالتخفيف بن البراء وهي أم حارثة وقال هو وهم وإنما الصواب أن أم حارثة الربيع عمة البراء وقد ذكرت مباحث ذلك مستوفاة هناك مع شرح الحديث وقوله ويحك هل كلمة رحمة وزعم الداودي أنها للتوبيخ وقوله هبلت بضم الهاء بعدها موحدة مكسورة أي ثكلت وهو بوزنه وقد تفتح الهاء يقال هبلته أمه تهبله بتحريك الهاء أي ثكلته وقد يرد بمعنى المدح والإعجاب قالوا أصله إذا مات الولد في الهبل هو موضع الولد من الرحم فكأن أمه وجع مهبلها بموت الولد فيه وزعم الداودي أن المعنى أجهلت ولم يقع عند أحد من أهل اللغة أن هبلت بمعنى جهلت ثم ذكر المصنف حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وسيأتي شرح القصة في فتح مكة مستوفى وذكر البرقاني أن مسلما أخرج نحو هذا الحديث من طريق بن عباس عن عمر مستوفى والمراد منه هنا الاستدلال على فضل أهل بدر بقوله صلى الله عليه وسلم المذكور وهي بشارة عظيمة لم تقع لغيرهم ووقع الخبر بألفاظ منها فقد غفرت لكم ومنها فقد وجبت لكم الجنة ومنها لعل الله اطلع لكن قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله الموقوع وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه ان الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا لن يدخل النار أحد شهد بدرا وقد استشكل

[ 3762 ] قوله اعملوا ما شئتم فان ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفره لكم وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على ان المراد ما سيأتي وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه وقيل إن صيغة الأمر في قوله اعملوا للتشريف والتكريم والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت أي كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أي عمل كان فهو مغفور وقيل إن المراد ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة وقيل هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم وفيه نظر ظاهر لما سأتي في قصة قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر وحده عمر فهاجر بسبب ذلك فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحته وكان قدامة بدريا والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير حيث قال لحيان بن عطية قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء وذكر له هذا الحديث وسيأتي ذلك في باب استتابة المرتدين واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها والله أعلم

قوله باب كذا في الأصول بغير ترجمة وهو فيما يتعلق ببدر أيضا وأبو أحمد هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري كما نسبه في الرواية التي بعدها

[ 3763 ] قوله عن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد كذا في هذه الرواية ووقع في التي بعدها الزبير بن أبي أسيد فقيل هو عمه وقيل هو هو لكن نسب إلى جده والأول أصوب وأبعد من قال أن الزبير هو المنذر نفسه قوله عن أبي أسيد بالتصغير وهو مالك بن ربيعة الخزرجي الساعدي قوله إذا أكثبوكم بمثلثة ثم موحدة أي إذا قربوا منكم ووقع في الرواية الثانية يمعني أكثروكم وهو تفسير لا يعرفه أهل اللغة وقد قدمت في الجهاد أن الداودي فسره بذلك وأنه أنكر عليه فعرفنا الآن مستنده في ذلك وهو ما وقع في هذه الرواية لكن يتجه الإنكار لكونه تفسيرا لا يعرفه أهل اللغة وكأنه من بعض رواته فقد وقع في رواية أبي داود في هذا الموضع يعني غشوكم وهو بمعجمتين والتخفيف وهو أشبه بالمراد ويؤيده ما وقع عند بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن لا يحملوا على المشركين حتى يأمرهم وقال إذا أكثبوكم فانضحوهم عنكم بالنبل والهمزة في قوله أكثبوكم للتعدية من كثب بفتحتين وهو القرب قال بن فارس أكثب الصيد إذا أمكن من نفسه فالمعنى إذا قربوا منكم فأمكنوكم من أنفسهم فارموهم قوله فارموهم واستبقوا نبلكم بسكون الموحدة فعل أمر بالاستبقاء أي طلب الابقاء قال الداودي معنى قوله ارموهم أي بالحجارة لأنها لا تكاد تخطيء إذا رمى بها في الجماعة قال ومعنى قوله استبقوا نبلكم أي إلى أن تحصل المصادمة كذا قال وقال غيره المعنى أرموهم ببعض نبلكم لا بجميعها والذي يظهر لي أن معنى قوله واستبقوا نبلكم لا يتعلق بقوله ارموهم وإنما هو كالبيان للمراد بالأمر بتأخير الرمي حتى يقربوا منهم أي أنهم إذا كانوا بعيدا لا تصيبهم السهام غالبا فالمعنى استبقوا نبلكم في الحالة التي إذا رميتم بها لا تصيب غالبا وإذا صاروا إلى الحالة التي يمكن فيها الإصابة غالبا فارموا

الحديث الثاني حديث البراء في قصة الرماة يوم أحد وذكر طرفا منه وسيأتي بتمامه في غزوة أحد والمراد منه

[ 3764 ] قوله أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا هذا هو الحق في عدد القتلى وأطبق أهل السير على أنهم خمسون قتيلا يزيدون قليلا أو ينقصون سرد بن إسحاق فبلغوا خمسين وزاد الواقدي ثلاثة أو أربعة وأطلق كثير من أهل المغازي أنهم بضعة وأربعون لكن لا يلزم من معرفة أسماء من قتل منهم على التعيين أن يكونوا جميع من قتل وقول البراء إن عدتهم سبعون قد وافقه على ذلك بن عباس وآخرون وأخرج ذلك مسلم من حديث بن عباس وقال الله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها واتفق أهل العلم بالتفسير على أن المخاطبين بذلك أهل أحد وأن المراد بأصبتم مثليها يوم بدر وعلى أن عدة من استشهد من المسلمين بأحد سبعون نفسا وبذلك جزم بن هشام واستدل له بقول كعب بن مالك من قصيدة له فأقام بالطعن المطعن منهم سبعون عتبة منهم والأسود يعني عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وقد تقدم اسم من قتله والأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب ثم سرد بن هشام أسماء أخرى ممن قتل ببدر غير من ذكره بن إسحاق فزادوا على الستين فقوي ما قلناه والله أعلم الحديث الثالث ذكر فيه حديث أبي موسى في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أورده مختصرا جدا وقد تقدمت الإشارة اليه في الهجرة فإنه علق طرفا منه هناك وأورده في علامات النبوة بتمامه فأحلت شرحه على غزوة أحد ولم يذكر في غزوة أحد منه هذه القطعة التي ذكرها هنا وسأذكر شرحها في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى

الحديث الرابع حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل

[ 3766 ] قوله حدثني يعقوب بن إبراهيم كذا لأبي ذر والأصيلي وللباقين حدثنا يعقوب غير منسوب فجزم الكلاباذي بأنه بن حميد بن كاسب وبه جزم الحاكم عن مشايخه ثم جوز أن يكون يعقوب بن محمد الزهري قلت وسيأتي ما يقويه قال الحاكم وقد ناظرني شيخنا أبو أحمد الحاكم في أن البخاري روى في الصحيح عن يعقوب بن حميد فقلت له إنما روى عن يعقوب بن محمد فلم يرجع عن ذلك قلت وجزم بن منده وأبو إسحاق الحبال وغير واحد بما قال أبو أحمد وهو متعقب بما وقع في رواية الأصيلي وأبي ذر وقال أبو علي الجياني وقع عند بن السكن هنا حدثنا يعقوب بن محمد وعند أبي ذر والأصيلي حدثنا يعقوب بن إبراهيم وأهمله الباقون وجزم أبو مسعود في الأطراف بأنه بن إبراهيم وجوز أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال وهو غلط فان يعقوب مات قبل أن يرحل البخاري وقد روى له الكثير بواسطة وبنى الكرماني على أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد فقال هذا السند مسلسل بالرواية عن الآباء ومال المزي إلى أنه يعقوب بن إبراهيم الدورقي انتهى وقد تقدم في أواخر الصلاة في باب الصلاة في مسجد قباء وفي المناقب في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلي التصريح بالرواية عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي فقال البرقاني في المصافحة يعقوب بن حميد ليس من شرط الصحيح وقد قيل إنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد ولكن سقطت الواسطة من النسخة لأن البخاري لم يسمع منه انتهى والراجح عدم السقوط وأنه إما الدورقي وإما بن محمد الزهري والله أعلم قوله عن أبيه عن جده أبوه هو سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وقد تقدمت الإشارة في الباب الماضي إلى أن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روى هذا الحديث أيضا عن أبيه وأنه ساقه في الخمس بتمامه وقوله في هذه الرواية فكأني لم آمن بمكانهما أي من العدو وقيل مكانهما كناية عنهما كأنه لم يثق بهما لأنه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من العدو ثم وجدت في مغازي بن عائذ ما يرفع الاشكال فإنه أخرج هذه القصة مطولة بإسناد منقطع وقال فيها فاشفقت أن يؤتى الناس من ناحيتي لكوني بين غلامين حديثين قوله الصقرين بالمهملة ثم القاف تثنية صقر وهو من سباع الطير وأحد الجوارح الأربعة وهي الصقر والبازي والشاهين والعقاب وشبههما به لما اشتهر عنه من الشجاعة والشهامة والإقدام على الصيد ولأنه إذا تشبت بشيء لم يفارقه حتى يأخذه وأول من صاد به من العرب الحارث بن معاوية بن ثور الكندي ثم اشتهر الصيد به بعده

الحديث الخامس حديث أبي هريرة في قصة أصحاب بئر معونة وسيأتي شرحه بتمامه في غزوة الرجيع والغرض منه هنا قوله فيه وكان قد قتل عظيما من عظمائهم فإنه سيأتي في الطريق الأخرى التصريح بأن ذلك كان يوم بدر والذي قتله عاصم المذكور يوم بدر من المشركين في قول بن إسحاق ومن تبعه عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم

[ 3767 ] قوله أخبرني عمرو بن جارية بالجيم وفي رواية الكشميهني عمرو بن أبي أسيد بن جارية وكذا للأصيلي وهو نسب إلى جده بل هو جد أبيه لأنه بن اسيد بن العلاء بن جارية ووقع في غزوة الرجيع كما سيأتي عمرو بن أبي سفيان وهي كنية أبيه أسيد والله أعلم وأسيد بفتح الهمزة للجميع وأكثر أصحاب الزهري قالوا فيه عمرو بفتح العين وقال بعضهم عمر بضم العين ورجح البخاري أنه عمرو وكذا وقع في الجهاد في باب هل يستأسر الرجل للأكثر عمرو أما النسفي وأبو زيد المروزي فلم يسمياه قالا أخبرنا بن أسيد وقال بن السكن في روايته عمير بالتصغير والراجح عمرو بفتح العين وسيأتي مزيد لذلك في غزوة الرجيع قوله عشرة عينا سيأتي بيانهم في غزوة الرجيع وأمر عليهم عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب يعني لأمه قال وهو وهم من بعض رواته فان عاصم بن ثابت خال عاصم بن عمر لا جده لأن والدة عاصم هي جميلة بنت ثابت أخت عاصم وكان اسمها عاصية فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم قال عياض إذا قرئ جد بالكسر على أنه صفة لثابت استقام الكلام وارتفع الوهم الحديث السادس

[ 3768 ] قوله وقال كعب بن مالك ذكروا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي رجلين صالحين قد شهدا بدرا هذا طرف من حديث كعب الطويل في قصة توبته وسيأتي موصولا في غزوة تبوك مطولا وكأن المصنف عرف أن بعض الناس ينكر أن يكون مرارة وهلال شهدا بدرا وينسب الوهم في ذلك إلى الزهري فرد ذلك بنسبة ذلك إلى كعب بن مالك وهو الظاهر من السياق فان الحديث عنه قد أخذ وهو أعرف بمن شهد بدرا ممن لم يشهدها ممن جاء بعده والأصل عدم الإدراج فلا يثبت إلا بدليل صريح ويؤيد كون وصفهما بذلك من كلام كعب أن كعبا ساقه في مقام التأسي بهما فوصفهما بالصلاح وبشهود بدر التي هي أعظم المشاهد فلما وقع لهما نظير ما وقع له من القعود عن غزوة تبوك ومن الأمر بهجرهما كما وقع له تأسي بهما وأما قول بعض المتأخرين كالدمياطي لم يذكر أحد مرارة وهلالا فيمن شهد بدرا فمردود عليه فقد جزم به البخاري هنا وتبعه جماعة وأما قوله وإنما ذكروهما في الطبقة الثانية ممن شهد أحدا فحصر مردود فإن الذي ذكرهما كذلك هو محمد بن سعد وليس ما يقتضيه صنيعه بحجة على مثل هذا الحديث الصحيح المثبت لشهودهما وقد ذكر هشام بن الكلبي وهو من شيوخ محمد بن سعد أن مرارة شهد بدرا فإنه ساق لسبه إلى الأوس ثم قال شهد بدرا وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم وقد استقريت أول من أنكر شهودهما بدرا فوجدته الأثرم صاحب الإمام أحمد واسمه أحمد بن محمد بن هانيء قال بن الجوزي لم أزل متعجبا من هذا الحديث وحريصا على كشف هذا الموضع وتحقيقه حتى رأيت الأثرم ذكر الزهري وفضله وقال لا يكاد يحفظ عنه غلط إلا في هذا الموضع فإنه ذكر أن مرارة وهلالا شهدا بدرا وهذا لم يقله أحد والغلط لا يخلو منه إنسان قلت وهذا ينبني على أن قوله شهدا بدرا مدرج في الخبر من كلام الزهري وفي ثبوت ذلك نظر لا يخفى كما قدمته واحتج بن القيم في الهدى بأنهما لو شهدا بدرا ما عوقبا بالهجر الذي وقع لهما بل كانا يسامحان بذلك كما سومح حاطب بن أبي بلتعة كما وقع في قصته المشهورة قلت وهو قياس مع وجود النص ويمكن الفرق وبالله التوفيق والله أعلم الحديث السابع

[ 3769 ] قوله عن يحيى هو بن سعيد الأنصاري قوله ذكر له بضم أوله ولم أقف على اسم ذاكر ذلك والغرض منه قوله وكان بدريا وإنما نسب إلى بدر وإن كان لم يحضر القتال لأنه كان ممن ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم كما تقدم قريبا وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه هو وطلحة يتجسسان الأخبار فوقع القتال قبل أن يرجعا فألحقهما النبي صلى الله عليه وسلم بمن شهدها وضرب لهما بسهميهما وأجرهما الحديث الثامن

[ 3770 ] قوله وقال الليث حدثني يونس الخ يأتي شرحه مستوفى في العدد من كتاب النكاح والغرض منه ذكر سعد بن خولة وأنه شهد بدرا وقد وصل طريق الليث هذه قاسم بن أصبغ في مصنفه فأخرجه عن مطلب بن شعيب عن عبد الله بن صالح عن الليث بتمامه قوله تابعه أصبغ عن بن وهب وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن عبد الملك بن زنجويه عن أصبغ بن الفرج الحديث التاسع قوله وقال الليث وصله المصنف في التاريخ الكبير قال قال لنا عبد الله بن صالح أنبأنا الليث فذكره بتمامه قوله وسألناه فقال حدثه في رواية الكشميهني حدثني قوله البكير بالتصغير وضبط أيضا بكسر الموحدة وبتشديد الكاف قوله وكان أبوه شهد بدرا زاد في التاريخ أنه سأل أبا هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر ومثله يعني مثل حديث قبله إذا طلق ثلاثا لم تصلح له المرأة فاقتصر المصنف من الحديث على موضع حاجته منه وهي قوله وكان أبوه شهد بدرا وقد روى هذا الحديث قتيبة عن الليث عن بن شهاب بغير واسطة وساقه مطولا والله أعلم

قوله باب شهود الملائكة بدرا تقدم القول في ذلك قبل بابين وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي والبيهقي من طريق الربيع بن أنس قال كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة من قتلى الناس بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل وسم النار وفي مسند إسحاق عن جبير بن مطعم قال رأيت قبل هزيمة القوم ببدر مثل النجاد الأسود أقبل من السماء كالنمل فلم أشك أنها الملائكة فلم يكن إلا هزيمة القوم وعند مسلم من حديث بن عباس بينما رجل مسلم يشتد في أثر رجل مشرك إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس الحديث وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مدد من السماء الثالثة

[ 3771 ] قوله يحيى بن سعيد هو الأنصاري قوله عن معاذ بن رفاعة أورده عنه من ثلاثة طرق ففي رواية جرير معاذ عن أبيه وهذه موصولة وفي رواية حماد وهو بن زيد معاذ بن رفاعة بن رافع وكان رفاعة من أهل بدر الخ وهذ صورته مرسل ولكن عند التأمل يظهر أن فيه رواية لمعاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده ورواية يزيد وهو بن هارون وهي الثالثة قال فيها معاذ ان ملكا سأله وهذا ظاهره الإرسال لكن أفاد التصريح بسماع يحيى بن سعيد للحديث من معاذ ولهذا قال الإسماعيلي هذا الحديث وصله عن يحيى بن سعيد وجرير بن عبد الحميد وتابعه يحيى بن أيوب فأرسله عنه حماد بن زيد ويزيد بن هارون وقوله في آخره وعن يحيى أن يزيد بن الهاد حدثه يستفاد منه أن تسمية الملك السائل جبريل إنما تلقاها يحيى بن سعيد من يزيد بن الهاد عن معاذ فيقتضى ذلك أن في رواية جرير الجزم بتسميته في رواية يحيى بن سعيد ادراجا

[ 3772 ] قوله بدرا بالعقبة أي بدل العقبة يريد أن شهود العقبة عنده أفضل من شهود بدر وقوله في آخر رواية حماد بهذا يريد ما تقدم في رواية جرير وقد أخرجه البيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بلفظ عن معاذ بن رفاعة بن رافع وكان رفاعة بدريا وكان رافع عقبيا وكان يقول لابنه ما أحب أني شهدت بدرا ولم أشهد العقبة قال سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم كيف أهل بدر فيكم قالب خيارنا قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة هم خيار الملائكة وقوله في رواية يزيد نحوه ساق الإسماعيلي لفظ يزيد من طريق محمد بن شجاع عنه بلفظ ان ملكا من الملائكة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال يحيى بن سعيد حدثني يزيد بن الهاد أن السائل هو جبريل والذي يظهر أن رافع بن مالك لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم التصريح بتفضيل أهل بدر على غيرهم فقال ما قال باجتهاد منه وشبهته أن العقبة كانت منشأ نصرة الإسلام وسبب الهجرة التي نشأ منها الاستعداد للغزوات كلها لكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله أعلم قوله في حديث بن عباس

[ 3773 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر هذا جبريل الحديث هو من مراسيل الصحابة ولعل بن عباس حمله عن أبي بكر فقد ذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار ووقعت في بعض المراسيل تتمة لهذا الحديث مقيدة وهي ما أخرج سعيد بن منصور من مرسل عطية بن قيس ان جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما فرغ من بدر على فرس حمراء معقودة الناصية قد تخضب الغبار بثنيته عليه درعه وقال يا محمد إن الله بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى أفرضيت قال نعم ووقع عند بن إسحاق من حديث أبي واقد الليثي قال إني لاتبع يوم بدر رجلا من المشركين لأضربه فوقع رأسه قبل أن يصل اليه سيفي ووقع عند البيهقي من طريق بن محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليا يقول هبت ريح شديدة لم أر مثلها ثم هبت ريح شديدة وأظنه ذكر ثالثة فكانت الأولى جبريل والثانية ميكائيل والثالثة إسرافيل وكان ميكائيل عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر وإسرافيل عن يساره وأنا فيها ومن طريق أبي صالح عن علي قال قيل لي ولأبي بكر يوم بدر مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك عظيم يحضر الصف ويشهد القتال وأخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه الحاكم والجمع بينه وبين الذي قبله ممكن قال الشيخ تقي الدين السبكي سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه فقلت وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله تعالى في عباده والله تعالى هو فاعل الجميع والله أعلم

قوله باب كذا للجميع بغير ترجمة وهو فيما يتعلق ببيان من شهد بدرا

[ 3774 ] قوله حدثني خليفة هو بن خياط بالمعجمة ثم التحتانية الشديدة قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري هو من كبار شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كما في هذا الموضع وسعيد هو بن أبي عروبة قوله مات أبو زيد ولم يترك عقبا وكان بدريا كذا أورده مختصرا وقد مضى في مناقب الأنصار بأتم من هذا أنه سأل أنسا عن أبي زيد الذي جمع القرآن فقال هو قيس بن السكن رجل من بني عدي بن النجار مات فلم يترك عقبا نحن ورثناه وقد تقدم نقل الخلاف في اسمه هناك الحديث الثاني

[ 3775 ] قوله عن بن خباب بالمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة واسمه عبد الله وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وسيأتي شرح الحديث في كتاب الأضاحي والغرض منه هنا وصف قتادة بن النعمان بكونه شهد بدرا الحديث الثالث

[ 3776 ] قوله قال الزبير هو بن العوام قوله عبيدة بالضم أي بن سعيد بن العاص بن أمية وكان لسعيد بن العاص عدة إخوة أسلم منهم عمرو وخالد وأبان وقتل العاص كافرا قوله مدجج بجيمين الأولى ثقيلة ومفتوحة وقد تكسر أي مغطى بالسلاح ولا يظهر منه شيء قوله قال هشام هو بن عروة وهو موصول بالإسناد المذكور وقوله فأخبرت بضم الهمزة على البناء للمجهول ولم أقف على تعيين الخبر بذلك قوله ثم تمطأت قيل الصواب تمطيت بالتحتانية غير مهموز قوله فكان الجهد بفتح الجيم وبضمها أن بفتح الهمزة نزعتها قوله قال عروة هو موصول بالإسناد المذكور وقوله أخذها يعني الزبير ثم طلبها أبو بكر أي من الزبير وقوله وقعت عند آل علي أي عند علي نفسه ثم عند أولاده قوله فطلبها عبد الله بن الزبير أي من آل علي الحديث الرابع ذكر فيه طرفا من حديث عبادة بن الصامت في البيعة لقوله فيه وكان شهد بدرا وقد تقدم بتمامه في الإيمان الحديث الخامس

[ 3778 ] قوله ان أبا حذيفة هو بن عتبة بن ربيعة الذي تقدم صفة قتل والده قريبا وقوله تبنى سالما أي أدعى أنه ابنه وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى ادعوهم لآبائهم فانها لما نزلت صار يدعى مولى أبي حذيفة وقد شهد سالم بدرا مع مولاه المذكور والوليد بن عتبة والد هند قتل مع أبيه كما تقدم وسميت هند هذه باسم عمتها هند بنت عتبة قال الدمياطي رواه يونس ويحيى بن سعيد وشعيب وغيرهم عن الزهري فقالوا هند وروى مالك عنه فقال فاطمة واقتصر أبو عمر في الصحابة على فاطمة بنت الوليد فلم يترجم لهند بنت الوليد ولا ذكرها محمد بن سعد في الصحابة ووقع عنده فاطمة بنت عتبة فاما نسبها لجدها وإما كانت لهند أخت اسمها فاطمة وحكى أبو عمر عن غيره أن اسم جد فاطمة بنت الوليد المغيرة فان ثبت فليست هي بنت أخي أبي حذيفة ويمكن الجمع بأن بنت أبي حذيفة كان لها اسمان والله أعلم قوله مولى لامرأة من الأنصار هي ثبيتة بمثلثة ثم موحدة ثم مثناة مصغر بنت يعار بفتح التحتانية ثم مهملة خفيفة وقد تقدم في مناقب الأنصار أن سالما مولى أبي حذيفة وهي نسبة مجازية باعتبار ملازمته له وهو في الحقيقة مولى الأنصارية المذكورة والمراد يزيد الذي مثل به زيد بن حارثة الصحابي المشهور وسهلة هي بنت سهيل بن عمرو زوج أبي حذيفة وقوله فذكر الحديث سيأتي بيان ذلك في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى

قوله الحديث السادس حدثنا علي هو بن عبد الله المديني والربيع بالتشديد بنت معوذ وهو بن عفراء الذي تقدم ذكره في قتل أبي جهل قوله يندبن من قتل من آبائي كان الذي قتل ببدر ممن يدخل في هذه العبارة ولو بالمجاز أبوها وعمها عوف أو عوذ ومن يقرب لهما من الخزرج كحارثة بن سراقة وقولها يندبن الندب دعاء الميت بأحسن أوصافه وهو مما يهيج التشوق اليه والبكاء عليه والدف معروف وداله مضمومة ويجوز فتحها وفيه جواز سماع الضرب بالدف صبيحة العرس وكراهة نسبة علم الغيب لأحد من المخلوقين الحديث السابع حديث أبي طلحة الأنصاري في الصور وسيأتي شرحه في اللباس وأورده هنا لقوله فيه وكان قد شهد بدرا الحديث الثامن حديث علي في قصة الشارفين وحمزة بن عبد المطلب وقد مضى شرحه في الخمس وأورده هنا لقوله فيه من نصيبي من المغنم يوم بدر واستدل بقوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ أن غنيمة بدر خمست خلافا لما ذهب اليه أبو عبيد في كتاب الأموال أن آية الخمس إنما نزلت بعد قسمة غنائم بدر وموضع الدلالة منه قوله يومئذ ولكن تقدم الحديث في كتاب الخمس بلفظ وأعطاني شارفا من الخمس ليس فيه يومئذ وفي رواية مسلم وأعطاني شارفا آخر ولم يقيده باليوم ولا بالخمس والجمهور على أن آية الخمس نزلت في قصة بدر

الحديث التاسع

[ 3782 ] قوله حدثنا محمد بن عباد هو المكي نزيل بغداد ثقة مشهور وليس له عند البخاري غير هذا الحديث قوله أنفذه لنا بن الأصبهاني أي بلغ منتهاه من الرواية وتمام السياق فنفذ فيه كقولك أنفذت السهم أي رميت به فأصبت وقيل المراد بقوله أنفذه لنا أي أرسله فكأنه حمله عنه مكاتبة أو إجازة وابن الأصبهاني هو عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي وعبد الله بن معقل بسكون المهملة وكسر القاف قال أبو مسعود هذا الحديث بما كان بن عيينة سمعه من إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن معقل ثم أخذه عاليا بدرجتين عن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل قوله كبر على سهل بن حنيف أي الأنصاري

[ 3785 ] قوله فقال لقد شهد بدرا كذا في الأصول لم يذكر عدد التكبير وقد أورده أبو نعيم في المستخرج من طريق البخاري بهذا الإسناد فقال فيه كبر خمسا وأخرجه البغوي في معجم الصحابة عن محمد بن عباد بهذا الإسناد والإسماعيلي والبرقاني والحاكم من طريقه فقال ستا وكذا أورده البخاري في التاريخ عن محمد بن عباد وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن بن عيينة وأورده بلفظ خمسا زاد في رواية الحاكم التفت إلينا فقال إنه من أهل بدر وقول علي رضي الله عنه لقد شهد بدرا يشير إلى أن لمن شهدها فضلا على غيرهم في كل شيء حتى في تكبيرات الجنازة وهذا يدل على أنه كان مشهورا عندهم أن التكبير أربع وهو قول أكثر الصحابة وعن بعضهم التكبير خمس وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم حديث مرفوع في ذلك وقد تقدم في الجنائز أن أنسا قال ان التكبير على الجنازة ثلاث وأن الأولى للاستفتاح وروى بن أبي خيثمة من وجه آخر مرفوعا أنه كان يكبر أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعا وثبت على ذلك حتى مات وقال أبو عمر انعقد الإجماع على أربع ولا نعلم من فقهاء الأمصار من قال بخمس إلا بن أبي ليلى انتهى وفي المبسوط للحنفية عن أبي يونس مثله وقال النووي في شرح المهذب كان بين الصحابة خلاف ثم انقرض وأجمعوا على أنه أربع لكن لو كبر الامام خمسا لم تبطل صلاته إن كان ناسيا وكذا إن كان عامدا على الصحيح لكن لا يتابعه المأموم على الصحيح والله أعلم الحديث العاشر حديث عمر حين تأيمت حفصة وتأيمت بالتحتانية الثقيلة أي صارت أيما وهي من مات زوجها وخنيس بخاء معجمة ثم نون ثم مهملة مصغر وهو أخو عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب النكاح والغرض منه هنا قوله فيه قد شهد بدرا وقوله أوجد مني عليه أي أشد غضبا وهو من الموجدة وإنما قال عمر ذلك لما كان لأبي بكر عنده وله عند أبي بكر من مزيد المحبة والمنزلة فلذلك كان غضبه منه أشد من غضبه من عثمان الحديث الحادي عشر حديث أبي مسعود نفقة الرجل على أهله صدقة وسيأتي في كتاب النكاح والغرض منه إثبات كون أبي مسعود شهد بدرا قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وعدي هو بن ثابت

[ 3786 ] قوله سمع أبا مسعود البدري سيأتي اسمه في الذي يليه واختلف في شهوده بدرا فالأكثر على أنه لم يشهدها ولم يذكره محمد بن إسحاق ومن اتبعه من أصحاب المغازي في البدريين وقال الواقدي وإبراهيم الحربي لم يشهد بدرا وإنما نزل بها فنسب إليها وكذا قال الإسماعيلي لم يصح شهود أبي مسعود بدرا وإنما كانت مسكنه فقيل له البدري فأشار إلى أن الاستدلال بأنه شهدها بما يقع في الروايات أنه بدري ليس بقوي لأنه يستلزم أن يقال لكل من شهد بدرا البدري وليس ذلك مطردا قلت لم يكتف البخاري في جزمه بأنه شهد بدرا بذلك بل بقوله في الحديث الذي يليه إنه شهد بدرا فان الظاهر أنه من كلام عروة بن الزبير وهو حجة في ذلك لكونه أدرك أبا مسعود وإن كان روى عنه هذا الحديث بواسطة ويرجح اختيار البخاري ذلك بقول نافع حين حدثه أبو لبابة البدري فإنه نسبه إلى شهود بدر لا إلى نزولها وقد اختار أبو عبيد القاسم بن سلام أنه شهدها ذكره البغوي في معجمه عن عمه علي بن عبد العزيز عنه وبذلك جزم بن الكلبي ومسلم في الكنى وقال الطبراني وأبو أحمد الحاكم يقال إنه شهدها وقال البرقي لم يذكره بن إسحاق في البدريين وفي غير هذا الحديث أنه شهدها انتهى والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي وإنما رجح من نفي شهوده بدرا باعتقاده أن عمدة من أثبت ذلك وصفه بالبدري وأن تلك نسبة إلى نزول بدر لا إلى شهودها لكن يضعف ذلك تصريح من صرح منهم بأنه شهدها كما في الحديث الثاني عشر حيث قال فيه فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن شهد بدرا وقد مضى شرح الحديث في المواقيت من الصلاة وزيد بن الحسن أي بن علي بن أبي طالب لأن أمه أم بشير بنت أبي مسعود وكانت قبل الحسن عند سعيد بن زيد ثم بعد الحسن عند عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة الحديث الثالث عشر حديث أبي مسعود في فضل آخر البقرة وسيأتي شرحه في فضائل القرآن وشيخه موسى هو بن إسماعيل التبوذكي وفي إسناده أربعة من التابعين في نسق كلهم كوفيون

الحديث الرابع عشر ذكر فيه طرفا من حديث عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وشيخه أحمد هو بن صالح المصري وعنبسة هو بن خالد ويونس هو بن يزيد ولم يورد البخاري موضع الحاجة من الحديث وهي

[ 3787 ] قوله في أوله أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار وقد تقدم هكذا في أبواب المساجد من كتاب الصلاة وكأنه اكتفى بالإيماء اليه كعادته الحديث الخامس عشر حديث عمر في قصة قدامة بن مظعون

[ 3788 ] قوله وكان من أكبر بني عدي أي بن كعب بن لؤي ولم يكن منهم وإنما كان حليفا لهم ووصفه بكونه أكبر منهم بالنسبة لمن لقيه الزهري منهم قوله وكان أبوه شهد بدرا هو عامر بن ربيعة المزني تقدم ذكره في أوائل الهجرة وأنه كان ممن سبق بالهجرة قوله ان عمر استعمل قدامة بن مظعون أي بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي وهو أخو عثمان بن مظعون أحد السابقين ولم يذكر البخاري القصة لكونها موقوفة ليست على شرطه لأن غرضه ذكر من شهد بدرا فقط وقد أوردها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري فزاد فقدم الجارود العقدي على عمر فقال ان قدامة سكر فقال من يشهد معك فقال أبو هريرة فشهد أبو هريرة أنه رآه سكران يقيء فأرسل إلى قدامة فقال له الجارود أقم عليه الحد فقال له عمر أخصم أنت أم شاهد فصمت ثم عاوده فقال لتمسكن أو لأسوأنك فقال ليس في الحق أن يشرب بن عمك وتسوءني فأرسل عمر إلى زوجته هند بنت الوليد فشهدت على زوجها فقال عمر لقدامة إني أريد أن أحدك فقال ليس لك ذلك لقول الله عز وجل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية فقال أخطأت التأويل فان بقية الآية إذا ما اتقوا فإنك إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك ثم أمر به فجلد فغاضبه قدامة ثم حجا جميعا فاستيقظ عمر من نومه فزعا فقال عجلوا بقدامة أتاني آت فقال صالح قدامة فإنه أخوك فاصطلحا الحديث السادس عشر

[ 3789 ] قوله أخبر رافع بن خديج بالرفع على الفاعلية عبد الله بن عمر بالنصب على المفعولية ووقع في رواية المستملي أخبرني رافع بزيادة النون والياء وهو خطأ قوله أن عميه هما ظهير ومظهر وقد تقدم ذلك في المزارعة مع شرح الحديث قوله وكانا شهدا بدرا أنكر ذلك الدمياطي وقال إنما شهدا أحدا واعتمد على بن سعد في ذلك ومن اثبت شهودهما أثبت ممن نفاه الحديث السابع عشر

[ 3790 ] قوله رأيت رفاعة بن رافع الأنصاري وكان قد شهد بدرا قد تقدم ذكر رفاعه ونسبه في باب شهود الملائكة بدرا وبقية هذا الحديث أخرجه الإسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة بلفظ سمع رجلا من أهل بدر يقال له رفاعة بن رافع كبر في صلاته حين دخلها ومن طريق بن أبي عدي عن شعبة ولفظه عن رفاعة رجل من أهل بدر أنه دخل في الصلاة فقال الله أكبر كبيرا ولم يذكر البخاري ذلك لأنه موقوف ليس من غرضه الحديث الثامن عشر

[ 3791 ] قوله أن عمرو بن عوف هو الأنصاري حليف بني عامر بن لؤي تقدم حديثه مشروحا في كتاب الجزية وفي الإسناد صحابيان وتابعيان وسيأتي في الرقاق بزيادة تابعي ثالث الحديث التاسع عشر حديث أبي لبابة وسيأتي شرحه في اللباس وأبو لبابة ممن ضرب له بسهمه وأجره ولم يحضر القتال

الحديث العشرون

[ 3793 ] قوله ان رجالا من الأنصار أي ممن شهد بدرا لأن العباس كان أسر ببدر كما سيأتي وكان المشركون أخرجوه معهم إلى بدر فأخرج بن إسحاق من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر قد عرفت أن رجالا من بني هاشم قد أخرجوا كرها فمن لقي أحدا منهم فلا يقتله وروى أحمد من حديث البراء قال جاء رجل من الأنصار بالعباس قد أسره فقال العباس ليس هذا أسرني بل أسرني رجل أنزع فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصاري أيدك الله بملك كريم واسم هذا الأنصاري أبو اليسر بفتح التحتانية والمهملة وهو كعب بن عمرو الأنصاري وروى الطبراني من حديث أبي اليسر أنه أسر العباس ومن حديث بن عباس قلت لأبي كيف أسرك أبو اليسر ولو شئت لجعلته في كفك قال لا تقل ذلك يا بني قوله فلنترك بصيغة الأمر واللام للمبالغة قوله لابن أختنا عباس أي بن عبد المطلب وأم العباس ليست من الأنصار بل جدته أم عبد المطلب هي الأنصارية فأطلقوا على جدة العباس أختا لكونها منهم وعلى العباس ابنها لكونها جدته وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد من بني عدي بن النجار ثم من الخزرج وأما أم العباس فهي نتيلة بنون ومثناة من فوق ثم لام مصغر بنت جناب بجيم ونون خفيفة بعد الألف موحدة من ولد تيم اللات بن النمر بن قاسط ووهم الكرماني فقال أم العباس بن عبد المطلب كانت من الأنصار وأخذ ذلك من ظاهر قول الأنصار بن اختنا وليس كما فهمه بل فيه تجوز كما بينته وروى بن عائذ في المغازي من طريق مرسل أن عمر لما ولي وثاق الأسرى شد وثاق العباس فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يئن فلم يأخذه النوم فبلغ الأنصار فأطلقوا العباس فكأن الأنصار لما فهموا رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفك وثاقه سألوه أن يتركوا له الفداء طلبا لتمام رضاه فلم يجبهم إلى ذلك وأخرج بن إسحاق من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا عباس افد نفسك وابن أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال قال إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني قال الله أعلم بما تقول إن كنت ما تقول حقا إن الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا وذكر موسى بن عقبة أن فداءهم كان أربعين أوقية ذهبا وعند أبي نعيم في الأوائل بإسناد حسن من حديث بن عباس كان فداء كل واحد أربعين أوقية فجعل على العباس مائة أوقية وعلى عقيل ثمانين فقال له العباس أللقرابة صنعت هذا قال فأنزل الله تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم الآية فقال العباس وددت لو كنت أخذت منى أضعافها لقوله تعالى يؤتكم خيرا مما أخذ منكم قوله لا تذرون بفتح الذال المعجمة أي لا تتركون من الفداء شيئا وزاد الكشميهني في روايته لا تذرون له أي للعباس قيل والحكمة في ذلك أنه خشي أن يكون في ذلك محاباة له لكونه عمه لا لكونه قريبهم من النساء فقط وفيه إشارة إلى أن القريب لا ينبغي له أن يتظاهر بما يؤذي قريبه وإن كان في الباطن يكره ما يؤذيه ففي ترك قبول ما يتبرع له الأنصار به من الفداء تأديب لمن يقع له مثل ذلك الحديث الحادي والعشرون حديث المقداد بن الأسود وفي إسناد ثلاثة من التابعين في نسق وهم مدنيون وسيأتي شرحه في الديات مع ما يرفع الاشكال في قوله فإنك بمنزلته والغرض من إيراده هنا

[ 3794 ] قوله وكان ممن شهد بدرا وقد تقدم أنه كان فارسا يومئذ وإسحاق في الطريق الثانية شيخه هو بن منصور الحديث الثاني والعشرون حديث أنس في قصة قتل أبي جهل تقدم شرحه في أوائل هذه الغزوة والغرض منه هنا بيان كون ابني عفراء شهدا بدرا الحديث الثالث والعشرون ذكر طرفا من حديث السقيفة والغرض منه ذكر عويم بن ساعدة ومعين بن عدي في أهل بدر فأما عويم فهو بالمهملة مصغر بن ساعدة بن عياش بتحتانية ومعجمة بن قيس بن النعمان وهو أوسي من بني عمرو بن عوف وأما معن فهو بفتح الميم وسكون المهملة أي بن عدي بن الجد بن عجلان أخو عاصم بن عدي وهو بكري من حلفاء بني عمرو بن عوف وموسى شيخه هو بن إسماعيل وعبد الواحد هو بن زياد وعبيد الله أي بن عتبة بن مسعود وقد مضى شرح حديث السقيفة في المناقب

الحديث الرابع والعشرون

[ 3797 ] قوله عن إسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم قوله كان عطاء البدريين خمسة آلاف أي المال الذي يعطاه كل واحد منهم في كل سنة من عهد عمر فمن بعده قوله وقال عمر لأفضلنهم أي على غيرهم في زيادة العطاء وفي حديث مالك بن أوس عن عمر أنه أعطى المهاجرين خمسة آلاف خمسة آلاف والأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف وفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى كل واحدة اثني عشر ألفا الحديث الخامس والعشرون حديث جبير بن مطعم في القراءة في المغرب بالطور تقدم شرحه في الصلاة وقد عزا المزي في الأطراف طريق إسحاق بن منصور هذه إلى التفسير فوهم وهي في المغازي كما ترى ووجه إيراده هنا ما تقدم في الجهاد أنه كان قدم في أسارى بدر أي في طلب فدائهم الحديث السادس والعشرون حديث جبير بن مطعم أيضا وهو موصول بالإسناد الذي قبله والمطعم هو والد جبير المذكور والمراد بالنتنى جمع نتن وهو بالنون والمثناة أسارى بدر من المشركين وقوله

[ 3799 ] لتركتهم له أبي بغير فداء وبين بن شاهين من وجه آخر السبب في ذلك وأن المراد باليد المذكورة ما وقع منه حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي وقد ذكر بن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة وكذلك أوردها الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه ان المطعم أمر أربعة من أولاده فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشا فقالوا له أنت الرجل الذي لا تخفر ذمتك وقيل المراد باليد المذكورة أنه كان من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل السيرة وروى الطبراني من طريق محمد بن صالح التمار عن الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه قال قال المطعم بن عدي لقريش إنكم قد فعلتم بمحمد ما فعلتم فكونوا أكف الناس عنه وذلك بعد الهجرة ثم مات المطعم بن عدي قبل وقعة بدر وله بضع وتسعون سنة وذكر الفاكهي بإسناد مرسل أن حسان بن ثابت رثاه لما مات مجازاة له على ما صنع للنبي صلى الله عليه وسلم وروى الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح عن علي قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال خير أصحابك في الأسرى إن شاءوا القتل وإن شاءوا الفداء على أن يقتل منهم عاما مقبلا مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا وأخرج مسلم هذه القصة مطولة من حديث عمر ذكر فيها السبب هو أنه صلى الله عليه وسلم قال ما ترون في هؤلاء الأسرى فقال أبو بكر أرى أن نأخذ منهم فدية تكون قوة لنا وعسى الله أن يهديهم فقال عمر أرى أن تمكنا منهم فتضرب أعناقهم فان هؤلاء أئمة الكفر فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر الحديث وفيه نزول قوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض وقد تقدم نقل خلاف الأئمة في جواز فداء أسرى الكفار بالمال في باب فاما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها من كتاب الجهاد وقد اختلف السلف في أي الرأيين كان أصوب فقال بعضهم كان رأي أبي بكر لأنه وافق ما قدر الله في نفس الأمر ولما استقر الأمر عليه ولدخول كثير منهم في الإسلام إما بنفسه وإما بذريته التي ولدت له بعد الوقعة ولأنه وافق غلبة الرحمة على الغضب كما ثبت ذلك عن الله في حق من كتب له الرحمة وأما العتاب على الأخذ ففيه إشارة إلى ذم من آثر شيئا من الدنيا على الآخرة ولو قل والله أعلم الحديث السابع والعشرون

[ 3800 ] قوله وقال الليث عن يحيى بن سعيد لم يقع لي هذا الأثر من طريق الليث وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري نحوه قوله وقعت الفتنة الأولى يعني مقتل عثمان فلم تبق من أصحاب بدر أحدا أي أنهم ماتوا منذ قامت الفتنة بمقتل عثمان إلى أن قامت الفتنة الأخرى بوقعة الحرة وكان آخر من مات من البدريين سعد بن أبي وقاص ومات قبل وقعة الحرة ببضع سنين وغفل من زعم أن قوله في الخبر يعني مقتل عثمان غلط مستندا إلى أن عليا وطلحة والزبير وغيرهم من البدريين عاشوا بعد عثمان زمانا لأنه ظن أن المراد أنهم قتلوا عند مقتل عثمان وليس ذلك مرادا وقد أخرج بن أبي خيثمة هذا الأثر من وجه آخر عن يحيى بن سعيد بلفظ وقعت فتنة الدار الحديث وفتنة الدار هي مقتل عثمان وزعم الداودي أن المراد بالفتنة الأولى مقتل الحسين بن علي وهو خطأ فان في زمن مقتل الحسين بن علي لم يكن أحد من البدريين موجودا قوله ثم وقعت الفتنة الثانية يعني الحرة الخ كانت الحرة في آخر زمن يزيد بن معاوية وسيأتي شيء من خبرها في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قوله ثم وقعت الثالثة كذا في الأصول ووقع في رواية أبي خيثمة ولو قد وقعت الثالثة ورجحها الدمياطي بناء على أن يحيى بن سعيد قال ذلك قبل أن تقع الثالثة ولم يفسر الثالثة كما فسر غيرها وزعم الداودي أن المراد بها فتنة الأزارقة وفيه نظر لأن الذي يظهر أن يحيى بن سعيد أراد الفتن التي وقعت بالمدينة دون غيرها وقد وقعت فتنة الأزارقة عقب موت يزيد بن معاوية واستمرت أكثر من عشرين سنة وذكر بن التين أن مالكا روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال لم تترك الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوم قتل عثمان ويوم الحرة قال مالك ونسيت الثالثة قال بن عبد الحكم هو يوم خروج أبي حمزة الخارجي قلت كان ذلك في خلافة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم سنة ثلاثين ومائة وكان ذلك قبل موت يحيى بن سعيد بمدة ثم وجدت ما أخرجه الدارقطني في غرائب مالك بإسناد صحيح اليه عن يحيى بن سعيد نحو هذا الأثر وقال في آخره وان وقعت الثالثة لم ترتفع وبالناس طباخ وأخرجه بن أبي خيثمة بلفظ ولو وقعت وهذا بخلاف الجزم بالثالثة في حديث الباب ويمكن الجمع بأن يكون يحيى بن سعيد قال هذا أولا ثم وقعت الفتنة الثالثة المذكورة وهو حي فقال ما نقله عنه الليث بن سعد وقوله طباخ بفتح المهملة والموحدة الخفيفة وآخره معجمة أي قوة قال الخليل أصل الطباخ السمن والقوة ويستعمل في العقل والخير قال حسان المال يغشى رجالا لا طباخ لهم كالسيل يغشى أصول الدندن البالي انتهى والدندن بكسر المهملتين وسكون النون الأولى ما اسود من النبات الحديث الثامن والعشرون ذكر طرفا من حديث الإفك المذكور في هذا السند وسيأتي شرحه في التفسير مستوفى والغرض منه شهادة عائشة لمسطح بأنه من أهل بدر وهو مسطح بن أثاثة بضم الهمزة وتخفيف المثلثة بن عباد بن المطلب وليس لعبد الله بن عمر النميري عند البخاري غير هذا الحديث الحديث التاسع والعشرون

[ 3802 ] قوله عن بن شهاب قال هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث أي ما حمله موسى بن عقبة عن بن شهاب من ذلك قوله وهو يلقيهم بتشديد القاف المكسورة بعدها تحتانية ساكنة وفي رواية المستملي بسكون اللام وتخفيف القاف من الالقاء وفي رواية الكشميهني بعين مهملة ونون من اللعن وكذا هو في مغازي موسى بن عقبة قوله قال موسى بن عقبة هو بالإسناد المذكور اليه وعبد الله هو بن عمر قوله قال ناس من أصحابه تقدم شرحه وأن ممن خاطبه بذلك عمر

[ 3803 ] قوله فجميع من شهد بدرا من قريش هو بقية كلام موسى بن عقبة عن بن شهاب وقوله ممن ضرب له بسهمه أحد وثمانون يريد بقوله ضرب له بسهمه أي أعطاه نصيبا من الغنيمة وان لم يشهدها لعذر له فصيره كمن شهدها قوله وكان عروة بن الزبير يقول هو بقية كلام موسى بن عقبة عن بن شهاب وقد استظهر له المصنف بالحديث الذي بعده لكن العدد الذي ذكره يغاير حديث البراء الماضي في أوائل هذه القصة وهي قوله ان المهاجرين كانوا زيادة على ستين فيجمع بينهما بأن حديث البراء أورده فيمن شهدها حسا وحديث الباب فيمن شهدها حسا وحكما ويحتمل أن يكون المراد بالعدد الأول الأحرار والثاني بانضمام مواليهم وأتباعهم وقد سرد بن إسحاق أسماء من شهد بدرا من المهاجرين وذكر معهم حلفاءهم ومواليهم فبلغوا ثلاثة وثمانين رجلا وزاد عليه بن هشام في تهذيب السيرة ثلاثة وأما الواقدي فسردهم خمسة وثمانين رجلا وروى أحمد والبزار والطبراني من حديث بن عباس ان المهاجرين ببدر كانوا سبعة وسبعين رجلا فلعله لم يذكر من ضرب له بسهم ممن لم يشهدها حسا الحديث الثلاثون قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم عند بن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة سألت الزبير على كم سهم جاء للمهاجرين يوم بدر قال على مائة سهم قال الداودي هذا يغاير قوله كانوا إحدى وثمانين قال فان كان قوله بمائة سهم من كلام الزبير فلعله دخله شك في العدد ويحتمل أن يكون من قول الراوي عنه قال وإنما كانوا على التحرير أربعة وثمانين وكان معهم ثلاثة أفراس فأسهم لها سهمين سهمين وضرب لرجال كان أرسلهم في بعض أمره بسهامهم فصح أنها كانت مائة بهذا الاعتبار قلت هذا الذي قاله أخيرا لا بأس به لكن ظهر أن إطلاق المائة إنما هو باعتبار الخمس وذلك أنه عزل خمس الغنيمة ثم قسم ما عداه على الغانمين على ثمانين سهما عدد من شهدها ومن ألحق بهم فإذا أضيف اليه الخمس كان ذلك من حساب مائة سهم والله أعلم

قوله باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع أي دون من لم يسم فيه ودون من لم يذكر فيه أصلا والمراد بالجامع هذا الكتاب والمراد بمن سمي من جاء ذكره فيه برواية عنه أو عن غيره بأنه شهدها لا بمجرد ذكره دون التنصيص على أنه شهدها وبهذا يجاب عن ترك إيراده مثل أبي عبيدة بن الجراح فإنه شهدها باتفاق وذكر في الكتاب في عدة مواضع إلا أنه لم يقع فيه التنصيص على أنه شهد بدرا قوله النبي محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وسلم قلت بدأ به تبركا وتيمنا بذكره وإلا فذلك من المقطوع به قوله أبو بكر تقدم ذكره في مواضع منها في باب إذ تستغيثون ربكم قوله عمر ذكره في حديث أبي طلحة قوله عثمان قلت لم يتقدم له ذكر في هذه القصة إلا أنه تقدم في المناقب من قول بن عمر أنه ضرب له بسهمه قوله علي بن أبي طالب تقدم في حديث المبارزة وفي غيره قوله إياس بن البكير تقدم قبل باب شهود الملائكة بدرا وقد سرد المصنف من هذه الأسماء على حروف المعجم وذكر بعض ذوي الكنى معتمدا على الاسم دون أداة الكنية فلهذا قال أبو حذيفة في حرف الحاء وقدم النبي صلى الله عليه وسلم والأربعة قبل الباقين لشرفهم وفي بعض النسخ قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقط وذكر الأربعة في حرف العين والخطب فيه سهل ثم إن إياس بن البكير المذكور بكسر الهمزة بعدها تحتانية وآخره مهملة ووهم من ضبطه بفتح الهمزة وأما أبوه فتقدم ضبطه وقد شهد مع إياس بدرا إخوته عاقل وعامر وغيرهما ولكن لما لم يقع ذكرهم في الجامع لم يذكرهم قوله بلال تقدم في حديث عبد الرحمن بن عوف في قتل أمية بن خلف قوله حمزة تقدم في أول القصة قوله حاطب تقدم في فضل من شهد بدرا قوله أبو حذيفة تقدم في الحديث الخامس من الباب الأخير قوله حارثة بن الربيع يعني بالتشديد هو بن سراقة تقدم في أول باب فضل من شهد بدرا وقوله كان في النظارة أشار إلى ما وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه خرج نظارا أخرجه أحمد والنسائي وزاد ما خرج لقتال قوله خبيب بن عدي تقدم في حديث أبي هريرة وسيأتي ما قيل فيه في الكلام على غزوة الرجيع قوله خنيس بن حذافة تقدم في العاشر في الباب الأخير قوله رفاعة بن رافع تقدم في باب فضل من شهد بدرا قوله رفاعة بن عبد المنذر أبو لبابة تقدم في التاسع عشر من الباب الأخير وجزمه بأن اسمه رفاعة خالف فيه الأكثر فإنهم قالوا إن اسمه بشير وان رفاعة أخوه قوله الزبير بن العوام تقدم في عدة أحاديث قوله زيد بن سهل أبو طلحة تقدم في باب الدعاء على المشركين قوله أبو زيد الأنصاري تقدم من حديث أنس قوله سعد بن مالك هو بن أبي وقاص ولم يتقدم له ذكر في هذه القصة ولكن هو منهم بالاتفاق ويحتمل أن يكون أخذه من أثر سعيد بن المسيب على بعد في ذلك قوله سعد بن خولة تقدم في قصة سبيعة الأسلمية قوله سعيد بن زيد تقدم في أثر نافع عن بن عمر قوله سهل بن حنيف تقدم في حديث على أنه كبر عليه خمسا قوله ظهير بن رافع تقدم في حديث رافع بن خديج وأنه عمه وأن اسم أخيه مظهر ولم يسم البخاري أخاه قوله عبد الله بن مسعود تقدم في أوائله قوله عتبة بن مسعود يعني أخاه قلت ولم يتقدم له ذكر بل ولا ذكره أحد ممن صنف في المغازي في البدريين وقد سقط ذكره من رواية النسفي ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم في مستخرجيهما وهو المعتمد قوله عبد الرحمن بن عوف تقدم في قتل أبي جهل وغيره قوله عبيدة بن الحارث تقدم في حديث علي قوله عبادة بن الصامت تقدم بعد باب شهود الملائكة بدرا قوله عمرو بن عوف تقدم فيه قوله عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري تقدم مترجما بثلاثة أحاديث قوله عامر بن ربيعة العنزي بالنون والزاي وقع في رواية الكشميهني العدوي وكلاهما صواب فإنه عنزي الأصل عدوي الحلف قوله عاصم بن ثابت تقدم في حديث أبي هريرة قوله عويم بن ساعدة تقدم في حديث السقيفة قوله عتبان بن مالك تقدم في باب شهود الملائكة بدرا قوله قدامة بن مظعون تقدم فيه قوله قتادة بن النعمان تقدم في أول الباب في حديث أبي سعيد قوله معاذ بن عمرو بن الجموح بفتح الجيم وتخفيف الميم المضمومة وآخره مهملة تقدم في قتل أبي جهل قوله معوذ بن عفراء هي أمه واسم أبيه الحارث ومعوذ بتشديد الواو وبفتحها على الأشهر وجزم الوقشي بأنه بالكسر قوله وأخوه عوف بن الحارث تقدم ذكرهما قوله مالك بن ربيعة أبو أسيد تقدم في أول باب من شهد بدرا ونبه عياض على أن من لا معرفة له قد يتوهم أن مالكا أخو معاذ لأن سياق البخاري هكذا معاذ بن عفراء أخوه مالك بن ربيعة وليس ذلك مراده بل قوله أخوه أي عوف ولم يسمه ثم استأنف فقال مالك بن ربيعة ولو كتبه بواو العطف لارتفع اللبس وكذا وقع عند بعض الرواة قوله مرارة بن الربيع تقدم في حديث كعب بن مالك قوله معن بن عدي تقدم مع عويم بن ساعدة قوله مسطح بن أثاثة تقدم في أواخر الباب الأخير ووقع هنا لأبي زيد في نسبته عباد بن عبد المطلب والصواب حذف عبد قوله المقداد بن عمرو تقدم ووقع في رواية الكشميهني المقدام بميم في آخره وهو غلط قوله هلال بن أمية تقدم مع مرارة قلت فجملة من ذكر من أهل بدر هنا أربعة وأربعون رجلا وقد سبق البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف المعجم وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم واستوعبهم الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتاب الاحكام وبين اختلاف أهل السير في بعضهم وهو اختلاف غير فاحش وأورد بن سيد الناس أسماءهم في عيون الأثر لكن على القبائل كما صنع بن إسحاق وغيره واستوعب ما وقع له من ذلك فزادوا على ثلاثمائة وثلاثة عشر خمسين رجلا قال وسبب الزيادة الاختلاف في بعض الأسماء قلت ولولا خشية التطويل لسردت أسماءهم مفصلا مبينا للراجح لكن في هذه الإشارة كفاية والله المستعان

قوله حديث بني النضير بفتح النون وكسر الضاد المعجمة هم قبيلة كبيرة من اليهود وقد مضت الإشارة إلى التعريف بهم في أوائل الكلام على أحاديث الهجرة وكان الكفار بعد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام قسم وادعهم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوه وهم طوائف اليهود الثلاثة قريظة والنضير وقينقاع وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة كقريش وقسم تاركوه وانتظروا ما يئول اليه أمره كطوائف من العرب فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة وبالعكس كبني بكر ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوه باطنا وهم المنافقون فكان أول من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع فحاربهم في شوال بعد وقعة بدر فنزلوا على حكمه وأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات ثم نقض العهد بنو النضير كما سيأتي وكان رئيسهم حيي بن أخطب ثم نقضت قريظة كما سيأتي شرح حالهم بعد غزوة الخندق إن شاء الله تعالى قوله ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي شرح ذلك في نقل كلام بن إسحاق في هذا الباب قوله وقال الزهري عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا ولفظه عن الزهري وهو في حديثه عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكانت منازلهم ونخلهم ناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة يعني السلاح فانزل الله فيهم سبح لله إلى قوله لأول الحشر وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسباء وقوله لأول الحشر فكان جلاؤهم أول حشر حشرا في الدنيا إلى الشام وحكى بن التين عن الداودي أنه رجح ما قال بن إسحاق من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة مستدلا بقوله تعالى وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم قال وذلك في قصة الأحزاب قلت وهو استدلال واه فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة فإنهم هم الذين ظاهروا الأحزاب وأما بنو النضير فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من جلائهم فإنه كان من رءوسهم حيي بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الأحزاب كما سيأتي حتى كان من هلاكهم ما كان فكيف يصير السابق لاحقا قوله وقول الله عز وجل هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب إلى قوله أن يخرجوا وقد وضح المراد من ذلك في أثر عبد الرزاق المذكور وقد أورد بن إسحاق تفسيرها لما ذكر هذه الغزوة واتفق أهل العلم على أنها نزلت في هذه القصة قاله السهيلي قال ولم يختلفوا في أن أموال بني النضير كانت خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن المسلمين لم يوجفوا عليهم بخيل ولا ركاب وأنه لم يقع بينهم قتال أصلا قوله وجعله بن إسحاق بعد بئر معونة وأحد كذا هو في المغازي لابن إسحاق مجزوما به ووقع في رواية القابسي وجعله إسحاق قال عياض وهو وهم والصواب بن إسحاق وهو كما قال ووقع في شرح الكرماني محمد بن إسحاق بن نصر وهو غلط وإنما اسم جده يسار وقد ذكر بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيره من أهل العلم أن عامر بن الطفيل أعتق عمرو بن أمية لما قتل أهل بئر معونة عن رقبة كانت على أمه فخرج عمرو إلى المدينة فصادف رجلين من بني عامر معهما عقد وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به عمرو فقال لهما عمرو ممن أنتما فذكرا أنهما من بني عامر فتركهما حتى ناما فقتلهما عمرو وظن أنه ظفر ببعض ثأر أصحابه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لقد قتلت قتيلين لأودينهما انتهى وسيأتي خبر غزوة بئر معونة بعد غزوة أحد وفيها عن عروة أن عمرو بن أمية الضمري كان مع المسلمين فأسره المشركون قال بن إسحاق فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في ديتهما فيما حدثني يزيد بن رومان وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف فلما أتاهم ايستعينهم قالوا نعم ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوه على مثل هذه الحال قال وكان جالسا إلى جانب جدار لهم فقالوا من رجل يعلو على هذا البيت فيلقى هذه الصخرة عليه فيقتله ويريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأتاه الخبر من السماء فقام مظهرا أنه يقضي حاجة وقال لأصحابه لا تبرحوا ورجع مسرعا إلى المدينة واستبطأه أصحابه فأخبروا أنه توجه إلى المدينة فلحقوا به فأمر بحربهم والمسير إليهم فتحصنوا فأمر بقطع النخل والتحريق وذكر بن إسحاق أنه حاصرهم ست ليال وكان ناس من المنافقين بعثوا إليهم أن اثبتوا وتمنعوا فإن قوتلتم قاتلنا معلم فتربصوا فقذف الله في قلوبهم الرعب فلم ينصروهم فسألوا أن يجلوا عن أرضهم على أن لهم ما حملت الأبل فصولحوا على ذلك وروى البيهقي في الدلائل من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام قال بن إسحاق فاحتملوا إلى خيبر وإلى الشام قال فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنهم جلوا الأموال من الخيل والمزارع فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قال بن إسحاق ولم يسلم منهم إلا يامين بن عمير وأبو سعيد بن وهب فأحرزا أموالهما وروى بن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى معمر عن الزهري أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبي وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب فهم بن أبي ومن معه بقتال المسلمين فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا فلما كانت وقعة بدر كتبت كفار قريش بعدها إلى اليهود انكم أهل الحلقة والحصون يتهددونهم فأجمع بنو النضير على الغدر فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا فإن آمنوا بك اتبعناك ففعل فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم فرجع وصبحهم بالكتائب فحصرهم يومه ثم غدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه فانصرف عنهم إلى بني النضير فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم فكانوا يخربون بيوتهم فأيديهم فيهدمونها ويحملون ما يوافقهم من خشبها وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام وكذا أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق وفي ذلك رد على بن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد قلت فهذا أقوى مما ذكر بن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين لكن وافق بن إسحاق جل أهل المغازي فالله أعلم وإذا ثبت أن سبب إجلاء بني النضير ما ذكر من همهم بالغدر به صلى الله عليه عليه وسلم وهو إنما وقع عندما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلي عمرو بن أمية تعين ما قال بن إسحاق لأن بئر معونة كانت بعد أحد بالاتفاق وأغرب السهيلي فرجحما قال الزهري ولولا ما ذكر في قصة عمرو بن أمية لأمكن أن يكون ذلك في غزوة الرجيع والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الأول حديث بن عمر حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير كذا فيه ولم يعين المفعول من حاربت ولم يسم فاعل أجلى لا والمراد النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب وقوع المحاربة نقضهم العهد أما النضير فبالسبب الآتي ذكره وهو ما ذكره موسى بن عقبة في المغازي قال كانت النضير قد دسوا إلى قريش وحضوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلوهم على العورة ثم ذكر نحوا مما تقدم عن بن إسحاق من مجيء النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجلين قال وفي ذلك نزلت يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم الآية وعند بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بعد أن هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا وأما قريظة فبمظاهرتهم الأحزاب على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق كما سيأتي

[ 3804 ] قوله حتى حاربت قريظة سيأتي شرح ذلك بعد غزوة الخندق إن شاء الله تعالى كذا وقع تقديم قريظة على النضير وكأنه لشرفهم وإلا فاجلاء النضير كان قبل قريظة بكثير قوله والنضير ذكر بن إسحاق في قصته أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل إليهم أن اخرجوا وأجلهم عشرا وأرسل إليهم عبد الله بن أبي يثبطهم أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج فاصنع ما بدا لك فقال الله أكبر حاربت يهود فخرج إليهم فخذلهم بن أبي ولم تعنهم قريظة وروى عبد بن حميد في تفسيره من طريق عكرمة أن غزوة بني النضير كانت صبيحة قتل كعب بن الأشرف يعني الآتي ذكره عقب هذا قوله بني قينقاع هو بالنصب على البدلية ونون قينقاع مثلثة والأشهر فيها الضم وكانوا أول من أخرج من المدينة كما تقدم في أول الباب وروى بن إسحاق في المغازي عن أبيه عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع قام بأمرهم عبد الله بن أبي فمشى عبادة بن الصامت وكان له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فتبرأ عبادة منهم قال فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إلى قوله يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة وكان عبد الله بن أبي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يمن عليهم قال يا محمد إنهم منعوني من الأسود والأحمر وإني امرؤ أخشى الدوائر فوهبهم له وذكر الواقدي أن إجلاءهم كان في شوال سنة اثنتين يعني بعد بدر بشهر ويؤيده ما روى بن إسحاق بإسناد حسن عن بن عباس قال لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال يا يهود أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا يوم بدر فقالوا إنهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال فانزل الله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون إلى قوله لأولى الأبصار وأغرب الحاكم فزعم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كان في زمن واحد ولم يوافق على ذلك لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول بن إسحاق كما تقدم بسطه الحديث الثاني حديث بن عباس في تسمية سورة الحشر سورة النضير لأنها نزلت فيهم قال الداودي كأن بن عباس كره تسميتها سورة الحشر لئلا يظن أن المراد بالحشر يوم القيامة أو لكونه مجملا فكرة النسبة إلى غير معلوم كذا قال وعند بن مردويه من وجه آخر عن بن عباس قال نزلت سورة الحشر في بني النضير وذكر الله فيها الذي أصابهم من النقمة

[ 3805 ] قوله حدثنا الحسن بن مدرك كذا للجميع وفي نسخة إسحاق بدل الحسن وهو غلط قوله تابعه هشيم الخ وصله المصنف في التفسير كما سيأتي هناك الحديث الثالث قوله عن أبيه هو سليمان التيمي

[ 3806 ] قوله كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في الخمس وسيأتي في أول غزوة قريظة بأتم من هذا السياق وقوله فكان بعد ذلك يرد عليهم زاد في الرواية الأخرى ما كانوا أعطوه وروى الحاكم في الإكليل من حديث أم العلاء قال قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار لما فتح النضير إن أحببتم قسمت بينكم ما أفاء الله علي وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا عنكم فاختاروا الثاني الحديث الرابع

[ 3807 ] قوله حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير في رواية الكشميهني نخل النضير قوله وهي البويرة بالموحدة مصغر بؤرة وهي الحفرة وهي هنا مكان معروف بين المدينة وبين تيماء وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة الغرب ويقال لها أيضا البويلة باللام بدل الراء قوله فنزل ما قطعتم من لينة هي صنف من النخل قال السهيلي في تخصيصها بالذكر إيماء إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو ما لا يكون معدا للاقتيات لأنهم كانوا يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة وفي الجامع اللينة النخلة وقيل الدفل وعن الفراء كل شيء من النخل سوى العجوة فهو من اللين قوله في الرواية الثانية أخبرنا حبان هو بن هلال وهو بفتح المهملة بعدها موحدة ثقيلة وإسحاق الراوي عنه هو بن راهويه قوله ولها يقول حسان بن ثابت وهان على سراة بني لؤي كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني لهان باللام بدل الواو وسقطت اللام والواو من رواية الإسماعيلي وقوله سراة بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سرى وهو الرئيس وقوله حريق بالبويرة مستطير أي مشتعل وإنما قال حسان ذلك تعييرا لقريش لأنهم كانوا أغروهم بنقض العهد وأمروهم به ووعدوهم أن ينصروهم إن قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم قوله فأجابه أبو سفيان بن الحارث أي بن عبد المطلب وهو بن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان حينئذ لم يسلم وقد أسلم بعد في الفتح وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم بحنين وذكر إبراهيم بن المنذر ان اسمه المغيرة وجزم بن قتيبة أن المغيرة أخوه وبه جزم بن عبد البر والسهيلي قوله ستعلم أينا منها بنزه بنون ثم زاي ساكنة أي ببعد وزنا ومعنى ويقال بفتح النون أيضا وقوله وتعلم أي أرضينا بالتثنية وقوله تضير بفتح المثناة وكسر الضاد المعجمة من الضير وهو بمعنى الضر ويطلق الضير ويراد به المضرة ونسبة هذه الأبيات لحسان بن ثابت وجوابها لأبي سفيان بن الحارث هو المشهور كما وقع في هذا الصحيح وعند مسلم بعض ذلك وعند شيخ شيوخنا أبي الفتح بن سيد الناس في عيون الأثر له عن أبي عمرو الشيباني أن الذي قال له وهان على سراة بني لؤي هو أبو سفيان بن الحارث وأنه إنما قال عز بدل هان وأن الذي أجاب بقوله أدام الله ذلك من صنيع البيتين هو حسان قال وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري أه ولم يذكر مستندا للترجيح والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصح وذلك أن قريشا كانوا يظاهرون كل من عادى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ويعدونهم النصر والمساعدة فلما وقع لبني النضير من الخذلان ما وقع قال حسان الأبيات المذكورة موبخا لقريش وهم بنو لؤي كيف خذلوا أصحابهم وقد ذكر بن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة وأنه إنما ذكر بني النضير استطرادا فمن الأبيات المذكورة الا يا سعد سعد بني معاذ فما فعلت قريظة والنضير وفيها وقد قال الكريم أبو حباب أقيموا قينقاع ولا تسيروا وأولها تقاعد معشر نصروا قريشا وليس لهم ببلدتهم نصير هم أوتوا الكتاب فضيعوه فهم عمي عن التوراة بور كفرتم بالقرآن لقد لقيتم بتصديق الذي قال النذير وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله وتعلم أي أرضينا تضير ما يرجح ما وقع في الصحيح لأن أرض بني النضير مجاورة لأرض الأنصار فإذا خربت أضرت بما جاورها بخلاف أرض قريش فإنها بعيدة منها بعدا شديدا فلا تبالي بخرابها فكان أبو سفيان يقول تخربت أرض بني النضير وتخريبها إنما يضر ارض من جاورها وأرضكم هي التي تجاورها فهي التي تتضرر لا أرضنا ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه إلا بتكلف وهو أن يقال إن الميرة كانت تحمل من أرض بني النضير إلى مكة فكانوا يرتفقون بها فإذا خربت تضرهم بخلاف المدينة فإنها في غنية عن أرض بني النضير بغيرها كخيبر ونحوها فيتجه بعض اتجاه لكن إذا تعارضا كان ما في الصحيح أصح ويحتمل إن كان ما قال أبو عمرو الشيباني محفوظا أن أبا سفيان بن الحارث ضمن في جوابه بيتا من قصيدة حسان فاهتدمه فلما قال حسان وهان على سراة بني لؤي اهتدمه أبو سفيان فقال وعز على سراة بني لؤي وهو عمل سائغ وكأن من أنكر ذلك استبعد أن يدعو أبو سفيان بن الحارث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله أدام الله ذلك من صنيع والجواب عنه أن اسم الكفرة وأن جمعهم لكن العداوة الدينية كانت قائمة بينهم كما بين أهل الكتاب وعبدة الأوثان من التباين وأيضا فقوله وحرق في نواحيها السعير بريد بنواحيها المدينة فيرجع ذلك دعاء على المسلمين أيضا ولكعب بن مالك في هذه القصة قصيدة على هذا الوزن والروي أيضا ذكرها بن إسحاق أولها لقد منيت بغدرتها الحبور كذاك الدهر ذو صرف يدور يقول فيها فغودر منهم كعب صريعا فذلت عند مصرعه النضير يشير إلى كعب بن الأشرف الذي سيذكر قتله عقب هذا وفيها فذاقوا غب أمرهم وبالا لكل ثلاثة منهم بعير فأجلوا عامدين بقينقاع وغودر منهم نخل ودور

الحديث الخامس حديث مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر وفيه قصة مخاصمة العباس وعلي عنده مطولة وقد تقدم شرحه في فرض الخمس مستوفى الغرض منه

[ 3809 ] قوله وهما يتخاصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير الحديث السادس حديث عائشة قوله قال فحدثت هذا الحديث عروة القائل هو الزهري وهو موصول بالإسناد المذكور وقد ذكرت شرحه أيضا مع حديث مالك بن أوس في فرض الخمس الحديث السابع حديث أبي بكر الصديق تقدم أيضا في أول فرض الخمس بزيادة فيه وزاد هنا قول أبي بكر والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وظاهر سياقه الإدراج وقد بينه الإسماعيلي بلفظ فتشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فالله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي قال أبو بكر ذلك معتذرا عن منعه القسمة وأنه لا يلزم منها أن لا يصلهم ببره من جهة أخرى ومحصل كلامه أن قرابة الشخص مقدمة في بره إلا إن عارضهم في ذلك من هو أرجح منهم والله أعلم

قوله باب قتل كعب بن الأشرف أي اليهودي قال بن إسحاق وغيره كان عربيا من بني نبهان وهم بطن من طيء وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة وهجا المسلمين بعد وقعة بدر وخرج إلى مكة فنزل على بن وداعة السهمي والد المطلب فهجاه حسان وهجا امرأته عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص بن أمية فطردته فرجع كعب إلى المدينة وتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن كعب بن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استصلاحهم وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الأذى فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر فلما أبى كعب أن ينزع عن أذاه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه وذكر بن سعد أن قتله كان في ربيع الأول من السنة الثالثة

[ 3811 ] قوله قال عمرو هو بن دينار كذا هنا وفي رواية قتيبة عن سفيان في الجهاد وعند أبي نعيم من طريق الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو قوله من لكعب بن الأشرف أي من الذي ينتدب إلى قتله قوله آذى الله ورسوله في رواية محمد بن محمود بن محمد بن مسلمة عن جابر عند الحاكم في الإكليل فقد آذانا بشعره وقوى المشركين وأخرج بن عائذ من طريق الكلبي أن كعب بن الأشرف قدم على مشركي قريش فحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين ومن طريق أبي الأسود عن عروة أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويحرض قريشا عليهم وأنه لما قدم على قريش قالوا له أديننا أهدى أم دين محمد قال دينكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لنا بابن الأشرف فإنه قد استعلن بعداوتنا ووجدت في فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني من مرسل عكرمة بسند ضعيف اليه لقتل كعب سببا آخر وهو أنه صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أنه يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليمة فإذا حضر فتكوا به ثم دعاه فجاء ومعه بعض اصحابه فأعلمه جبريل بما أضمروه بعد أن جالسه فقام فستره جبريل بجناحه فخرج فلما فقدوه تفرقوا فقال حينئذ من ينتدب لقتل كعب ويمكن الجمع بتعدد الأسباب قوله فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله في مرسل عكرمة فقال محمد بن مسلمة هو خالي قوله قال نعم في رواية محمد بن محمود فقال أنت له وفي رواية بن إسحاق قال فافعل إن قدرت على ذلك وفي رواية عروة فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال محمد بن مسلمة أقر صامت ومثله عند سمويه في فوائده فان ثبت احتمل أن يكون سكت أولا ثم اذن له فان في رواية عروة أيضا أنه قال له إن كنت فاعلا فلا تعجل حتى تشاور سعد بن معاذ قال فشاوره فقال له توجه اليه واشك اليه الحاجة وسله أن يسلفكم طعاما قوله فائذن لي أن أقول شيئا قال قل كأنه استأذنه أن يفتعل شيئا يحتال به ومن ثم بوب عليه المصنف الكذب في الحرب وقد ظهر من سياق بن سعد للقصة أنهم استأذنوا أن يشكوا منه ويعيبوا رأيه ولفظه فقال له كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء حاربتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وعند بن إسحاق بإسناد حسن عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم فقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم قوله ان هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم قوله قد سألنا صدقة في رواية الواقدي سألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكل وفي مرسل عكرمة فقالوا يا أبا سعيد إن نبينا أراد منا الصدقة وليس لنا مال نصدقه قوله قد عنانا بالمهملة وتشديد النون الأولى من العناء وهو التعب قوله قال وأيضا أي وزيادة على ذلك وقد فسره بعد ذلك قوله والله لتملنه بفتح المثناة والميم وتشديد اللام والنون من الملال وعند الواقدي ان كعبا قال لأبي نائلة أخبرني ما في نفسك ما الذي تريدون في أمره قال خذلانه والتخلي عنه قال سررتني قوله وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين وحدثنا عمرو غير مرة فلم يذكر وسقا أو وسقين قائل ذلك علي بن المديني ولم يقع ذلك في رواية الحميدي ووقع في رواية عروة وأحب أن تسلفنا طعاما قال أين طعامكم قالوا أنفقناه على هذا الرجل وعلى اصحابه قال ألم يأن لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل تنبيه وقع في هذه الرواية الصحيحة أن الذي خاطب كعبا بذلك هو محمد بن مسلمة والذي عند بن إسحاق وغيره من أهل المغازي أنه أبو نائلة وأومأ الدمياطي إلى ترجيحه ويحتمل أن يكون كل منهما كلمه في ذلك لأن أبا نائلة أخوه من الرضاعة ومحمد بن مسلمة بن أخته وفي مرسل عكرمة في الكل بصيغة الجمع قالوا وفي مرسل عكرمة وائذن لنا أن نصيب منك فيطمئن إلينا قال قولوا ما شئتم وعنده أما مالي فليس عندي اليوم ولكن عندي التمر وذكر بن عائذ أن سعد بن معاذ بعث محمدا بن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ قوله أرهنوني أي ادفعوا لي شيئا يكون رهنا على التمر الذي تريدونه قوله وأنت أجمل العرب لعلهم قالوا له ذلك تهكما وإن كان هو في نفسه كان جميلا زاد بن سعد من مرسل عكرمة ولا نأمنك وأي امرأة تمتنع منك لجمالك وفي المرسل الآخر الذي أشرت اليه وأنت رجل حسان تعجب النساء وحسان بضم الحاء وتشديد السين المهملتين قوله ولكن نرهنك اللأمة بتشديد اللام وسكون الهمزة قوله قال سفيان يعني السلاح كذا قال وقال غيره من أهل اللغة اللأمة الدرع فعلى هذا إطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض وفي مرسل عكرمة ولكنا نرهنك سلاحنا مع علمك بحاجتنا اليه قال نعم وفي رواية الواقدي وإنما قالوا ذلك لئلا ينكر مجيئهم اليه بالسلاح قوله فجاء ليلا ومعه أبو نائله بنون وبعد الألف تحتانية واسمه سلكان بن سلامة قوله وكان أخاه من الرضاعة يعني كان أبو نائلة أخا كعب وذكروا أنه كان نديمه في الجاهلية فكان يركن اليه وقد ذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة أيضا كان أخاه زاد الحميدي في روايته وكانوا أربعة سمى عمرو منهم اثنين قلت وستأتي تسميتهم قريبا وعند الخراساني في مرسل عكرمة فلما كان في القائلة أتوه ومعهم السلاح فقالوا يا أبا سعيد فقال سامعا دعوت قوله فقالت له امرأته لم أقف على اسمها قوله وقال غير عمرو قالت أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم في رواية الكلبي فتعلقت به امرأته وقالت مكانك فوالله أني لأرى حمرة الدم مع الصوت وبين الحميدي في روايته عن سفيان أن الغير الذي أبهمه سفيان في هذه القصة هو العبسي وأنه حدثه بذلك عن عكرمة مرسلا وعند بن إسحاق فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيتها وقالت له أنت امرؤ محارب لا تنزل في هذه الساعة فقال إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني فقالت والله إني لأعرف من صوته الشر وفي مرسل عكرمة أخذت بثوبه فقالت أذكرك الله أن لا تنزل إليهم فوالله إني لأسمع صوتا يقطر منه الدم قوله قال ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين قيل لسفيان سماهم عمرو قال سمى بعضهم قال عمرو جاء معه برجلين وقال غير عمرو أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر قلت ووقع في رواية الحميدي قال فأتاه ومعه أبو نائلة وعباد بن بشر وأبو عبس بن جبر والحارث بن معاذ إن شاء الله كذا أدرجه ورواية علي بن المديني مفصلة ونسب الحارث بن معاذ إلى جده ووقعت تسميتهم كذلك في رواية بن سعد فعلى هذا فكانوا خمسة ويؤيده قول عباد بن بشر من قصيدة في هذه القصة فشد بسيفه صلتا عليه فقطعه أبو عبس بن جبر وكان الله سادسنا فأبنا بانعم نعمة وأعز نصر وهو أولى مما وقع في رواية محمد بن محمود كان مع محمد بن مسلمة أبو عبس بن جبر وأبو عتيك ولم يذكر غيرهما وكذا في مرسل عكرمة ومعه رجلان من الأنصار ويمكن الجمع بأنهم كانوا مرة ثلاثة وفي الأخرى خمسة قوله فإني قائل بشعره فاشمه وهو من إطلاق القول على الفعل قوله وقال مرة فاشمكم أي أمكنكم من الشم وهو ينفح بالفاء والمهملة قوله ريح الطيب في رواية بن سعد وكان حديث عهد بعرس وفي مرسل عكرمة فقال يا أبا سعيد أدن مني رأسك أشمه وأمسح به عيني ووجهي قوله عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب وعند الأصيلي وأجمل بالجيم بدل الكاف وهي أشبه وفي مرسل عكرمة فقال هذا عطر أم فلان يعني امرأته وفي رواية الواقدي وكان كعب يدهن بالمسك المفتت والعنبر حتى يتلبد في صدغيه وفي رواية أخرى وعندي أعطر سيد العرب وكأن سيد تصحيف من نساء فإن كانت محفوظة فالمعنى أعطر نساء سيد العرب على الحذف قوله دونكم فقتلوه ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه في رواية عروة وضربه محمد بن مسلمة فقتله وأصاب ذباب السيف الحارث بن أوس وأقبلوا حتى إذا كانوا بجرف بعاث تخلف الحارث ونزف فلما افتقده أصحابه رجعوا فاحتملوه ثم أقبلوا سراعا حتى دخلوا المدينة وفي رواية الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل على جرح الحارث بن أوس فلم يؤذه وفي مرسل عكرمة فبزق فيها ثم ألصقها فالتحمت وفي رواية بن الكلبي فضربوه حتى برد وصاح عند أول ضربة واجتمعت اليهود فأخذوا على غير طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوهم وفي رواية بن سعد أن محمد بن مسلمة لما أخذ بقرون شعره قال لأصحابه اقتلوا عدو الله فضربوه بأسيافهم فالتفت عليه فلم تغن شيئا قال محمد فذكرت معولا كان في سيفي فوضعته في سرته ثم تحاملت عليه فغططته حتى انتهى إلى عانته فصاح وصاحت امرأته يا آل قريظة والنضير مرتين قوله فأخبروه في رواية عروة فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى وفي رواية بن سعد فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي فلما سمع تكبيرهم كبر وعرف أن قد قتلوه ثم انتهوا اليه فقال أفلحت الوجوه فقالوا ووجهك يا رسول الله ورموا رأسه بين يديه فحمد الله على قتله وفي مرسل عكرمة فأصبحت يهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه وما كان يحرض عليه ويؤذي المسلمين زاد بن سعد فخافوا فلم ينطقوا قال السهيلي في قصة كعب بن الأشرف قتل المعاهد إذا سب الشارع خلافا لأبي حنيفة قلت وفيه نظر وصنيع المصنف في الجهاد يعطي أن كعبا كان محاربا حيث ترجم لهذا الحديث الفتك بأهل الحرب وترجم له أيضا الكذب في الحرب وفيه جواز قتل المشرك بغير دعوة إذا كانت الدعوة العامة قد بلغته وفيه جواز الكلام الذي يحتاج اليه في الحرب ولو لم يقصد قائله إلى حقيقته وقد تقدم البحث في ذلك مستوفى في كتاب الجهاد وفيه دلالة على قوة فطنة امرأته المذكورة وصحة حديثها وبلاغتها في اطلاقها أن الصوت يقطر منه الدم

قوله قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق ويقال سلام بن أبي الحقيق كان بخيبر والحقيق بمهملة وقال مصغر والذي سماه عبد الله هو عبد الله بن أنيس وذلك فيما أخرجه الحاكم في الإكليل من حديثه مطولا وأوله أن الرهط الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي الحقيق ليقتلوه وهم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وحليف لهم ورجل من الأنصار وأنهم قدموا خيبر ليلا فذكر الحديث وقال بن إسحاق هو سلام أي بتشديد اللام قال لما قتلت الأوس كعب بن الأشرف استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق وهو بخيبر فأذن لهم قال فحدثني الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال كان مما صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانا يتصاولان تصاول الفحلين لا تصنع الأوس شيئا إلا قالت الخزرج والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا وكذلك الأوس فلما اصابت الأوس كعب بن الأشرف تذاكرت الخزرج من رجل له من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان لكعب فذكروا بن أبي الحقيق وهو بخيبر قوله ويقال في حصن له بأرض الحجاز وهو قول وقع في سياق الحديث الموصول في الباب ويحتمل أن يكون حصنه كان قريبا من خيبر في طرف أرض الحجاز ووقع عند موسى بن عقبة فطرقوا أبا رافع بن أبي الحقيق بخيبر فقتلوه في بيته ولأبي رافع المذكور أخوان مشهوران من أهل خيبر أحدهما كنانة وكان زوج صفية بنت حيي قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه الربيع بن أبي الحقيق وقتلهما النبي صلى الله عليه وسلم جميعا بعد فتح خيبر قوله وقال الزهري هو بعد كعب بن الأشرف وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عن حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري وقد ذكرت من عند بن إسحاق عن الزهري أنه أخذ ذلك عن عبد الله بن كعب بن مالك بزيادة فيه قال بن سعد كانت في رمضان سنة ست وقيل في ذي الحجة سنة خمس وقيل فيها سنة أربع وقيل في رجب سنة ثلاث ثم أورد البخاري قصته من رواية ثلاثة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب الأولى رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا وهو نائم فقتله هكذا أورده مختصرا وقوله

[ 3812 ] بيته للأكثر بسكون التحتانية وبالنصب على المفعولية وللسرخسي والمستملي بتشديد التحتانية بلفظ الفعل الماضي من التبييت وقد أخرجه المصنف في الجهاد من هذا الوجه مطولا نحو رواية إبراهيم بن يوسف الآتية

[ 3813 ] قوله حدثنا يوسف بن موسى هو القطان وعبيد الله بن موسى هو العبسي شيخ البخاري وقد حدث عنه هنا بواسطة قوله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار في رواية يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق الآتية بعد هذه بعث إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في أناس معهم وعبد الله بن عتيك بالنصب مفعول بعث وهو المبعوث إلى أبي رافع وليس هو اسم أبي رافع وعبد الله بن عتبة لم يذكر إلا في هذا الطريق وزعم بن الأثير في جامع الأصول أنه بن عتبة بكسر العين وفتح النون وهو غلط منه فإنه خولاني لا أنصاري ومتأخر الإسلام وهذه القصة متقدمة والرواية بضم العين وسكون المثناة لا بالنون والله أعلم قوله رجالا من الأنصار قد سمى منهم في هذا الباب عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة وعند بن إسحاق عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وخزاعي بن أسود فإن كان عبد الله بن عتبة محفوظا فقد كانوا ستة فأما الأول فهو بن عتيك بفتح المهملة وكسر المثناة بن قيس بن الأسود من بني سلمة بكسر اللام وأما عبد الله بن عتبة فقد شرحت ما فيه وأما مسعود فهو بن سنان الأسلمي حليف بني سلمة شهد أحدا واستشهد باليمامة وأما عبد الله بن أنيس فهو الجهني حليف الأنصار وقد فرق المنذري بين عبد الله بن أنيس الجهني وعبد الله بن أنيس الأنصاري وجزم بأن الأنصاري هو الذي كان في قتل بن أبي الحقيق وتبع في ذلك بن المديني وجزم غير واحد بأنهما واحد وهو جهني حالف الأنصار وأما أبو قتادة فمشهور وأما خزاعي بن أسود فقد قلبه بعضهم فقال أسود بن خزاعي وفي حديث عبد الله بن أنيس قي الإكليل أسود بن حرام وكذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي فان كان غير من ذكر وإلا فهو تصحيف ثم وجدته في دلائل البيهقي من طريق موسى بن عقبة على الشك هل هو أسود بن خزاعي أو أسود بن حرام قوله وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه ذكر بن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وقد دخل الناس ذكر في رواية يوسف سببا لتأخير غلق الباب فقال ففقدوا حمارا لهم فخرجوا بقبس أي شعلة من نار يطلبونه قال فخشيت أن أعرف فغطيت رأسي قوله وراح الناس بسرحهم أي رجعوا بمواشيهم التي ترعى وسرح بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مهملة هي السائمة من إبل وبقر وغنم قوله يا عبد الله لم يرد اسمه العلم لأنه لو كان كذلك لكان قد عرفه والواقع أنه كان مستخفا منه فالذي يظهر أنه أراد معناه الحقيقي لأن الجميع عبيد الله قوله تقنع بثوبه أي تغطي به ليخفى شخصه لئلا يعرف قوله فهتف به أي ناداه وفي رواية يوسف ثم نادى صاحب الباب أي البواب ولم أقف على اسمه قوله فكمنت أي اختبأت وفي رواية يوسف ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن قوله ثم علق الأغاليق على ود بفتح الواو وتشديد الدال هو الوتد وفي رواية يوسف وضع مفتاح الحصن في كوة والأغاليق بالمعجمة جمع غلق بفتح أوله ما يغلق به الباب والمراد بها المفاتيح كأنه كان يغلق بها ويفتح بها كذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره بالعين المهملة وهو المفتاح بلا إشكال والكوة بالفتح وقد تضم وقيل بالفتح غير النافذة وبالضم النافذة قوله فقمت إلى الأقاليد هي جمع إقليد وهو المفتاح وفي رواية يوسف ففتحت باب الحصن قوله يسمر عنده أي يتحدثون ليلا وفي رواية يوسف فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم قوله في علالي له بالمهملة جمع علية بتشديد التحتانية وهي الغرفة وفي رواية بن إسحاق وكان في علية له إليها عجلة والعجلة بفتح المهملة والجيم السلم من الخشب وقيده بن قتيبة بخشب النخل قوله فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل في حديث عبد الله بن أنيس عند الحاكم فلم يدعوا بابا إلا أغلقوه قوله نذروا بي بكسر الذال المعجمة أي علموا واصله من الإنذار وهو الاعلام بالشيء الذي يحذر منه وذكر بن سعد أن عبد الله بن عتيك كان يرطن باليهودية فاستفتح فقالت له امرأة أبي رافع من أنت قال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له وفي رواية يوسف فلما هدأت الأصوات أي سكنت وعنده ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فأغلقتها عليهم من ظاهر ثم صعدت إلى أبي رافع في سلم قوله فأهويت نحو الصوت أي قصدت نحو صاحب الصوت وفي رواية يوسف فعمدت نحو الصوت قوله وأنا دهش بكسر الهاء بعدها معجمة قوله فما أغنيت شيئا أي لم أقتله قوله فقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع في حديث عبد الله بن أنيس فقالت امرأته يا أبا رافع هذا صوت عبد الله بن عتيك فقال ثكلتك أمك وأين عبد الله بن عتيك

[ 3814 ] قوله هدأت الأصوات بهمزة أي سكنت وزعم بن التين أنه وقع عنده هدت بغير همز وأن الصواب بالهمز قوله فأضربه ذكره بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال وإن كان ذلك قد مضى قوله فلم يغن أي لم ينفع قوله ثم دخلت اليه في رواية يوسف ثم جئت كأني أغيثه فقلت مالك وغيرت صوتي قوله لأمك الويل في رواية يوسف زاد وقال ألا أعجلتك وزاد في رواية قال فعمدت له أيضا فاضربه أخرى فلم تغن شيئا فصاح وقام أهله ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المستغيث فإذا هو مستلق على ظهره وفي رواية بن إسحاق فصاحت امرأته فنوهت بنا فجعلنا نرفع السيف عليها ثم نذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء فنكف عنها قوله ضبيب السيف بضاد معجمة مفتوحة وموحدتين وزن رغيف قال الخطابي هكذا يروى وما أراه محفوظا وإنما هو ظبة السيف وهو حرف حد السيف ويجمع على ظبات قال والضبيب لا معنى له هنا لأنه سيلان الدم من الفم قال عياض هو في رواية أبي ذر بالصاد المهملة وكذا ذكره الحربي وقال أظنه طرفه وفي رواية غير أبي ذر بالمعجمة وهو طرف السيف وفي رواية يوسف فأضع السيف في بطنه ثم اتكىء عليه حتى سمعت صوت العظم قوله فوضعت رجلي وأنا أرى بضم الهمزة أي أظن وذكر بن إسحاق في روايته أنه كان سيء البصر قوله فانكسرت ساقي فعصبتها في رواية يوسف ثم خرجت دهشا حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فسقطت منه فانخلعت رجلي فعصبتها ويجمع بينهما بأنها انخلعت من المفصل وانكسرت الساق وقال الداودي هذا اختلاف وقد يتجوز في التعبير بأحدهما عن الآخر لأن الخلع هو زوال المفصل من غير بينونة أي بخلاف الكسر قلت والجمع بينهما بالحمل على وقوعهما معا أولى ووقع في رواية بن إسحاق فوثبت يده وهو وهم والصواب رجله وان كان محفوظا فوقع جميع ذلك وزاد أنهم كمنوا في نهر وأن قومه أوقدوا النيران وذهبوا في كل وجه يطلبون حتى أيسوا رجعوا اليه وهو يقضي قوله قام الناعي في رواية يوسف صعد الناعية قوله أنعى أبا رافع كذا ثبت في الروايات بفتح العين قال بن التين هي لغة والمعروف انعوا والنعي خبر الموت والاسم الناعي وذكر الأصمعي أن العرب كانوا إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسا وسار فقال نعي فلان قوله فقلت النجاء بالنصب أي أسرعوا في رواية يوسف ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله أحجل هو بمهملة ثم جيم الحجل هو أن يرفع رجلا ويقف على أخرى من العرج وقد يكون بالرجلين معا إلا أنه حينئذ يسمى قفزا لا مشيا ويقال حجل في مشيه إذا مشى مثل المقيد أي قارب خطوه وفي حديث عبد الله بن أنيس قال وتوجهنا من خيبر فكنا نكمن النهار ونسير الليل وإذا كمنا بالنهار أقعدنا منا واحدا يحرسنا فإذا رأى شيئا يخافه أشار إلينا فلما قربنا من المدينة كانت نوبتي فأشرت إليهم فخرجوا سراعا ثم لحقتهم فدخلنا المدينة فقالوا ماذا رأيت قلت ما رأيت شيئا ولكن خشيت أن تكونوا أعييتم فأحببت أن يحملكم الفزع قوله فمسحها فكأنها لم أشتكها قط ووقع في رواية يوسف أنه لما سمع الناعي قال فقمت أمشي ما بي قلبة وهو بفتح القاف واللام والموحدة أي علة انقلب بها وقال الفراء أصل القلاب بكسر القاف داء يصيب البعير فيموت من يومه فقيل لكل من سلم من علة ما به قلبة أي ليست به علة تهلكه وقوله فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته يحمل على أنه لما سقط من الدرجة وقع له جميع ما تقدم لكنه من شدة ما كان فيه من الاهتمام بالأمر ما أحس بالألم وأعين على المشي أولا وعليه يدل قوله ما بي قلبة ثم لما تمادى عليه المشي أحس بالألم فحمله أصحابه كما وقع في رواية بن إسحاق ثم لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليه فزال عنه جميع الألم ببركته صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث من الفوائد جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر وقتل من أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أو ماله أو لسانه وجواز التجسيس على أهل الحرب وتطلب غرتهم والأخذ بالشدة في محاربة المشركين وجواز إبهام القول للمصلحة وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين والحكم بالدليل والعلامة لاستدلال بن عتيك على أبي رافع بصوته واعتماده على صوت الناعي بموته والله أعلم

قوله باب غزوة أحد سقط لفظ باب من رواية أبي ذر وأحد بضم الهمزة والمهملة جبل معروف بينه وبين المدينة أقل من فرسخ وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم جبل يحبنا ونحبه كما سيأتي في آخر باب من هذه الغزوة مع مزيد فوائد فيما يتعلق به ونقل السهيلي عن الزبير بن بكار في فضل المدينة أن قبر هارون عليه السلام بأحد وأنه قدم مع موسى في جماعة من بني إسرائيل حجاجا فمات هناك قلت وسند الزبير بن بكار في ذلك ضعيف جدا من جهة شيخه محمد بن الحسن بن زبالة ومنقطع أيضا وليس بمرفوع وكانت عند الوقعة المشهورة في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور وشذ من قال سنة أربع قال بن إسحاق لإحدى عشرة ليلة خلت منه وقيل لسبع ليال وقيل لثمان وقيل لتسع وقيل في نصفه وقال مالك كانت بعد بدر بسنة وفيه تجوز لأن بدرا كانت في رمضان باتفاق فهي بعدها بسنة وشهر لم يكمل ولهذا قال مرة أخرى كانت بعد الهجرة بأحد وثلاثين شهرا وكان السبب فيها ما ذكر بن إسحاق عن شيوخه وموسى بن عقبة عن بن شهاب وأبو الأسود عن عروة قالوا وهذا ملخص ما ذكره موسى بن عقبة في سياق القصة كلها قال لما رجعت قريش استجلبوا من استطاعوا من العرب وسار بهم أبو سفيان حتى نزلوا ببطن الوادي من قبل أحد وكان رجال من المسلمين أسفوا على ما فاتهم من مشهد بدر وتمنوا إقاء العدو ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة رؤيا فلما أصبح قال رأيت البارحة في منامي بقرا تذبح والله خير وأبقى ورأيت سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته أو قال به فلول فكرهته وهما مصيبتان ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشا قالوا وما أولتها قال أولت البقر بقرا يكون فينا وأولت الكبش كبش الكتيبة وأولت الدرع الحصينة المدينة فامكثوا فان دخل القوم الازقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت فقال أولئك القوم يا نبي الله كنا نتمنى هذا اليوم وأبي كثير من الناس إلا الخروج فلما صلى الجمعة وانصرف دعا باللأمة فلبسها ثم أذن في الناس بالخروج فندم ذوو الرأي منهم فقالوا يا رسول الله امكث كما أمرتنا فقال ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب أن يرجع حتى يقاتل نزل فخرج بهم وهم ألف رجل وكان المشركون ثلاثة آلاف حتى نزل بأحد ورجع عنه عبد الله بن أبي بن سلول في ثلاثمائة فبقي في سبعمائة فلما رجع عبد الله سقط في أيدي طائفتين من المؤمنين وهما بنو حارثة وبنو سلمة وصف المسلمون بأصل أحد وصف المشركون بالسبخة وتعبوا للقتال وعلى خيل المشركين وهي مائة فرس خالد بن الوليد وليس مع المسلمين فرس وصاحب لواء المشركين طلحة بن عثمان وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جبير على الرماة وهم خمسون رجلا وعهد إليهم أن لا يتركوا منازلهم وكان صاحب لواء المسلمين مصعب بن عمير فبارز طلحة بن عثمان فقتله وحمل المسلمون على المشركين حتى أجهضوهم عن أثقالهم وحملت خيل المشركين فنضحتهم الرماة بالنبل ثلاث مرات فدخل المسلمون عسكر المشركين فانتهبوهم فرأى ذلك الرماة فتركوا مكانهم ودخل العسكر فأبصر ذلك خالد بن الوليد ومن معه فحملوا على المسلمين في الخيل فمزقوهم وصرخ صارخ قتل محمد أخراكم فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون وانهزم طائفة منهم إلى جهة المدينة وتفرق سائرهم ووقع فيهم القتل وثبت نبي الله حين انكشفوا عنه وهو يدعوهم في أخراهم حتى رجع اليه بعضهم وهو عند المهراس في الشعب وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس أصحابه فاستقبله المشركون فرموا وجهه فأدموه وكسروا رباعيته فمر مصعدا في الشعب ومعه طلحة والزبير وقيل معه طائفة من الأنصار منهم سهل بن بيضاء والحارث بن الصمة وشغل المشركون بقتلى المسلمين يمثلون بهم يقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون البطون وهم يظنون أنهم أصابوا النبي صلى الله عليه وسلم وأشراف أصحابه فقال أبو سفيان يفتخر بآلهته اعل هبل فناداه عمر الله أعلى وأجل ورجع المشركون إلى أثقالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن ركبوا وجعلوا الاثقال تتبع آثار الخيل فهم يريدون البيوت وان ركبوا الاثقال وتجنبوا الخيل فهم يريدون الرجوع فتبعهم سعد بن أبي وقاص ثم رجع فقال رأيت الخيل مجنونة فطابت أنفس المسلمين ورجعوا إلى قتلاهم فدفنوهم في ثيابهم ولم يغسلوهم ولم يصلوا عليهم وبكى المسلمون على قتلاهم فسر المنافقون وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق فقالت اليهود لو كان نبيا ما ظهروا عليه وقالت المنافقون لو أطاعونا ما أصابهم هذا قال العلماء وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه ومنها أن عادة الرسل أن تبتلي وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحا وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها فلما ابتلى المؤمنون صبروا وجزع المنافقون ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها ومنها أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه فمحص بذلك ذنوب المؤمنين ومحق بذلك الكافرين ثم ذكر المصنف آيات من آل عمران في هذا الباب وفيما بعده كلها تتعلق بوقعة أحد وقد قال بن إسحاق أنزل الله في شأن أحد ستين آية من آل عمران وروى بن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة قال قلت لعبد الرحمن بن عوف أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدها وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال إلى قوله آمنة نعاسا قوله وقول الله تعالى وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم وقوله غدوت أي خرجت أول النهار والعامل في إذ مضمر تقديره واذكر إذ غدوت وقوله تبوىء المؤمنين أي تنزلهم وأصله من المآب وهو المرجع والمقاعد جمع مقعد والمراد به مكان القعود وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال غدا نبي الله من أهله يوم أحد يبوىء المؤمنين مقاعد للقتال ومن طريق مجاهد والسدي وغيرهما نحوه ومن طريق الحسن أن ذلك كان يوم الأحزاب ووهاه قوله ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين الأصل توهنوا فحذفت الواو والوهن الضعيف يقال وهو بالفتح يهن بالكسر في المضارع وهذا هو الأفصح ويستعمل وهن لازما ومتعديا قال تعالى وهن العظم مني وفي الحديث وهنتم حمى يثرب والأعلون جمع أعلى وقوله ان كنتم مؤمنين محذوف الجواب وتقديره فلا تهنوا ولا تحزنوا وأخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله ولا تهنوا أي لا تضعفوا ومن طريق الزهري قال كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرئ منهم نصيب فاشتد حزنهم فعزاهم الله أحسن تعزية ومن طريق قتادة نحوه قال فعزاهم وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز ومن طريق بن جريج قال في قوله ولا تهنوا أي لا تضعفوا في أمر عدوكم ولا تحزنوا في أنفسكم فإنكم أنتم الأعلون قال والسبب فيها أنهم لما تفرقوا ثم رجعوا إلى الشعب قالوا ما فعل فلان ما فعل فلان فنعى بعضهم بعضا وتحدثوا بينهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فكانوا في هم وحزن فبينما هم كذلك إذ علا خالد بن الوليد بخيل المشركين فوقهم فثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله وعلا المسلمون الجبل والتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق العوفي عن بن عباس قال أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلوا الجبل عليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يعلون علينا فأنزل الله تعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون قوله وقوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم تستأصلونهم قتلا بإذنه الآية إلى قوله والله ذو فضل على المؤمنين أخرج الطبري من طريق السدي وغيره أن المراد بالوعد قوله صلى الله عليه وسلم للرماة إنكم ستظهرون عليهم فلا تبرحوا من مكانكم حتى آمركم وقد ذكر المصنف قصة الرماة في هذا الباب وسأذكر شرحها إن شاء الله تعالى ومن طريق قتادة ومجاهد في قوله إذ تحسونهم أي تقتلونهم وقول المصنف في تفسير تحسونهم تستأصلونهم هو كلام أبي عبيدة وأخرج الطبري من طريق السدي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم للرماة إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم وكان أول من برز طلحة بن عثمان فقتل ثم حمل المسلمون على المشركين فهزموهم وحمل خالد بن الوليد وكان في خيل المشركين على الرماة فرموه بالنبل فانقمع ثم ترك الرماة مكانهم ودخلوا العسكر في طلب الغنيمة فصاح خالد في خيله فقتل من بقي من الرماة منهم أميرهم عبد الله بن جبير ولما رأى المشركون خيلهم ظاهرة تراجعوا فشدوا على المسلمين فهزموهم وأثخنوا فيهم في القتل وقوله حتى إذا فشلتم أي جبنتم وتنازعتم في الأمر أي اختلفتم وحتى حرف جر وهي متعلقة بمحذوف أي دام لكم ذلك إلى وقت فشلكم ويجوز أن تكون ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية وجوابها محذوف وقوله تم صرفكم عنهم فيه إشارة إلى رجوع المسلمين عن المشركين بعد أن ظهروا عليهم لما وقع من الرماة من الرغبة في الغنيمة وإلى ذلك الإشارة بقوله منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة قال السدي عن عبد خير قال قال عبد الله بن مسعود ما كنت أرى أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية يوم أحد منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة وقوله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية أخرج مسلم من طريق مسروق قال سألنا عبد الله بن مسعود عن هؤلاء الآيات قال أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها الحديث

ثم ذكر المصنف تلو هذه الآيات أحاديث كالمفسرة للآيات المذكورة الأول حديث عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد الحديث وهو متعلق بقوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله وقوله

[ 3816 ] بعد ثمان سنين فيه تجوز تقدم بيانه في باب الصلاة على الشهداء من كتاب الجنائز وقوله ثم طلع المنبر فقال إني بين أيديكم فرط وقد وقع في مرسل أيوب بن بشر من رواية الزهري عنه عند بن أبي شيبة خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم وهذا يحمل على أن المراد أول ما تكلم به أي عند خروجه قبل أن يصعد المنبر قوله كالمودع للأحياء والأموات تابع حيوة بن شريح على هذه الزيادة عن يزيد بن أبي حبيب يحيى بن أيوب عند مسلم ولفظه ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات وتوديع الأحياء ظاهر لأن سياقه يشعر بأن ذلك كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم وأما توديع الأموات فيحتمل أن يكون الصحابي أراد بذلك انقطاع زيارته الأموات بجسده لأنه بعد موته وإن كان حيا فهي حياة أخروية لا تشبه الحياة الدنيا والله أعلم ويحتمل أن يكون المراد بتوديع الأموات ما أشار اليه في حديث عائشة من الاستغفار لأهل البقيع وقد سبق شرح هذا الحديث في الجنائز وفي علامات النبوة وتأتي بقيته في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى تنبيه وقع في رواية أبي الوقت والأصيلي هنا قبل حديث عقبة بن عامر حديث بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد هذا جبريل آخذ برأس فرسه الحديث وهو وهم من وجهين أحدهما أن هذا الحديث تقدم بسنده ومتنه في باب شهود الملائكة بدرا ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من متقني رواة البخاري ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم ثانيهما أن المعروف في هذا المتن يوم بدر كما تقدم لا يوم أحد والله المستعان

الحديث الثاني حديث البراء بن عازب في قصة الرماة

[ 3817 ] قوله عن البراء في رواية زهير في الجهاد عن أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب قوله لقينا المشركين يومئذ في رواية لأبي نعيم لما كان يوم أحد لقينا المشركين قوله الرماة في رواية زهير وكانوا خمسين رجلا وهذا هو المعتمد ووقع في الهدي أن الخمسين عدد الفرسان يومئذ وهو غلط بين وقد جزم موسى بن عقبة بأنه لم يكن معهم في أحد شيء من الخيل ووقع عند الواقدي كان معهم فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة قوله وأمر عليهم عبد الله في رواية زهير عبد الله بن جبير وعند بن إسحاق أنه قال لهم انضحوا الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا قوله لا تبرحوا في رواية زهير حتى أرسل لكم قوله وان رأيتموهم ظهروا علينا في رواية زهير وإن رأيتمونا تخطفنا الطير وفي حديث بن عباس عند أحمد والطبراني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال لهم احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وان رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا قوله رأيت النساء يشتددن كذا للأكثر بفتح أوله وسكون المعجمة وفتح المثناة بعدها دال مكسورة ثم أخرى ساكنة أي يسرعن المشي يقال اشتد في مشيه إذا أسرع وكذا للكشميهني في رواية زهير وله هنا يسندن بضم أوله وسكون المهملة بعدها نون مكسورة ودال مهملة أي يصعدن يقال أسند في الجبل يسند إذا صعد وللباقين في رواية زهير يشددن بفتح أوله وسكون المعجمة وضم المهملة الأولى وسكون الثانية قال عياض ووقع للقابسي في الجهاد وكذا لابن السكن فيه وفي الفضائل وعند الإسماعيلي والنسفي يشتددن بمعجمة ودال واحدة وللكشميهني يستندون ولرفيقه يشدون وكله بمعنى وقد تقدم في أول الباب أن قريشا خرجوا معهم بالنساء لأجل الحفيظة والثبات وسمى بن إسحاق النساء المذكورات وهن هند بنت عتبة خرجت مع أبي سفيان وأم حكيم بيت الحارث بن هشام مع زوجها عكرمة بن أبي جهل وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة مع زوجها الحارث بن هشام وبرزة بنت مسعود الثقفية مع زوجها صفوان بن أمية وهي والدة بن صفوان وريطة بنت شيبة السهمية مع زوجها عمرو بن العاص وهي والدة ابنه عبد الله وسلافة بنت سعد مع زوجها طلحة بن أبي طلحة الحجبي وخناس بنت مالك والدة مصعب بن عميرة وعمرة بنت علقمة بن كنانة وقال غيره كان النساء اللاتي خرجن مع المشركين يوم أحد خمس عشرة امرأة قوله رفعن عن سوقهن جمع ساق أي ليعينهن ذلك على سرعة الهرب وفي حديث الزبير بن العوام عند بن إسحاق قال والله لقد رأيتني أنظر إلى خذم هند بنت عتبة وصواحباتها مشمرات هوارب ما دون أحداهن قليل ولا كثير إذ مالت الرماة إلى العسكر حتى كشف القوم عنه وخلوا ظهرنا للجبل فأتينا من خلفنا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم حتى ما يدنو منه أحد من القوم قوله فاخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال عبد الله بن جبير عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا فأبوا في رواية زهير فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة أي يوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون وزاد فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة وفي حديث بن عباس فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين انكفت الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون وقد التفت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم هكذا وشبك بين أصابعه فلما أخلت الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على الصحابة فضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير قد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين تسعة أو سبعة وجال المسلمون جولة نحو الجبل وصاح الشيطان قتل محمد وقد ذكرنا من حديث الزبير نحوه قوله فلما أبوا صرفت وجوههم في رواية زهير فلما أتوهم بالمثناة وقوله صرفت وجوههم أي تحيروا فلم يدروا أين يتوجهون وزاد زهير في روايته فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا وجاء في رواية مرسلة أنهم من الأنصار وسأذكرها في الكلام على الحديث السابع من الباب الذي يليه وروى النسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال لما ولى الناس يوم أحد كان النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر رجلا من الأنصار وفيهم طلحة الحديث ووقع عند الطبري من طريق السدي قال تفرق الصحابة فدخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله فرماه بن قمئة بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجه فأثقله فتراجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون رجلا فجعلوا يذبون عنه فحمله منهم طلحة وسهل بن حنيف فرمى طلحة بسهم ويبست يده وقال بعض من فر إلى الجبل ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي يستأمن لنا من أبي سفيان فقال أنس بن النضر يا قوم إن كان محمد قتل فرب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه ثم ذكر قصة قتله كما سيأتي قريبا وقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل فأراد رجل من اصحابه أن يرميه بسهم فقال له أنا رسول الله فلما سمعوا ذلك فرحوا به واجتمعوا حوله وتراجع الناس وسيأتي في باب مفرد ما يتعلق بمن شج وجهه عليه الصلاة والسلام قوله فأصيب سبعون قتيلا في رواية زهير فأصابوا منها أي من طائفة المسلمين وفي رواية الكشميهني فأصابوا منا وهي أوجه وزاد زهير كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وقد تقدم بسط القول في ذلك وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي الضحى قال قتل يومئذ يعني يوم أحد سبعون أربعة من المهاجرين حمزة ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان وسائرهم من الأنصار قلت وبهذا جزم الواقدي وفي كلام بن سعد ما يخالف ذلك ويمكن الجمع كما تقدم وأخرج بن حبان والحاكم في صحيحيهما عن أبي بن كعب قال أصيب يوم أحد من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة وكان الخامس سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة والسادس يوسف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس وذكر المحب الطبري عن الشافعي أن شهداء أحد اثنان وسبعون وعن مالك خمسة وسبعون من الأنصار خاصة أحد وسبعون وسرد أبو الفتح اليعمري أسماءهم فبلغوا ستة وتسعين من المهاجرين أحد عشر وسائرهم من الأنصار منهم من ذكره بن إسحاق والزيادة من عند موسى بن عقبة أو محمد بن سعد أو هشام بن الكلبي ثم ذكر عن بن عبد البر وعن الدمياطي أربعة أو خمسة قال فزادوا عن المائة قال اليعمري قد ورد في تفسير قوله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها أنها نزلت تسلية للمؤمنين عمن أصيب منهم يوم أحد فانهم أصابوا من المشركين يوم بدر سبعين قتيلا وسبعين أسيرا في عدد من قتل قال اليعمري إن ثبتت فهذه الزيادة ناشئة عن الخلاف في التفصيل قلت وهو الذي يعول عليه والحديث الذي أشار اليه أخرجه الترمذي والنسائي من طريق الثوري عن هشام بن حسان عن بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي ان جبريل هبط فقال خيرهم في أسارى بدر من القتل أو الفداء على أن يقتل من قابل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا قال الترمذي حسن ورواه بن عون عن بن سيرين عن عبيدة مرسلا قلت ورواه بن عون عند الطبري ووصلها من وجه آخر عنه وله شاهد من حديث عمر عند أحمد وغيره قال اليعمري ومن الناس من يقول السبعين من الأنصار خاصة وبذلك جزم بن سعد قلت وكأن الخطاب بقوله أو لما أصابتكم للأنصار خاصة ويؤيده قول أنس أصيب منا يوم أحد سبعون وهو في الصحيح بمعناه قوله وأشرف أبو سفيان أي بن حرب وكان رئيس المشركين يومئذ قوله فقال أفي القوم محمد زاد زهير ثلاث مرات في المواضع الثلاث قوله فقال لا تجيبوه وقع في حديث بن عباس أين بن أبي كبشة أي بن أبي قحافة أين بن الخطاب فقال عمر ألا أجيبه قال بلى وكأنه نهى عن إجابته في الأولى وأذن فيها في الثالثة قوله فقال أن هؤلاء قتلوا في رواية زهير ثم رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا قوله أبقى الله عليك ما يحزنك زاد زهير أن الذي عددت لأحياء كلهم قوله اعل هبل في رواية زهير ثم أخذ يرتجز اعل هبل قال بن إسحاق معنى قوله اعل هبل أي ظهر دينك وقال السهيلي معناه زاد علوا وقال الكرماني فان قلت ما معنى اعل ولا علو في هبل فالجواب هو بمعنى العلي أو المراد أعلى من كل شيء أه وزاد زهير قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال بكسر المهملة وتخفيف الجيم وفي حديث بن عباس الأيام دول والحرب سجال وفي رواية بن إسحاق أنه قال أنعمت فعال أن الحرب سجال أه وفعال بفتح الفاء وتخفيف المهملة قالوا معناه أنعمت الأزلام وكان استقسم بها حين خرج إلى أحد ووقع في خبر السدي عند الطبراني اعل هبل حنظلة بحنظلة ويوم أحد بيوم بدر وقد استمر أبو سفيان على اعتقاد ذلك حتى قال لهرقل لما سأله كيف كان حربكم معه أي النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم بسطه في بدء الوحي وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا سفيان على ذلك بل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بهذه اللفظة كما في حديث أوس بن أبي أوس عند بن ماجة وأصله عند أبي داود الحرب سجال ويؤيد ذلك قوله تعالى وتلك الأيام نداولها بين الناس بعد قوله إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله فإنها نزلت في قصة أحد بالاتفاق والقرح الجرح وأخرج بن أبي حاتم من مرسل عكرمة قال لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم الجبل جاء أبو سفيان فقال الحرب سجال فذكر القصة قال فأنزل الله تعالى إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وزاد في حديث بن عباس قال عمر لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار قال إنكم لتزعمون ذلك لقد خبنا إذا وخسرنا قوله وتجدون في رواية الكشميهني وستجدون قوله مثلة بضم الميم وسكون المثلثة ويجوز فتح أوله وقال بن التين بفتح الميم وضم المثلثة قال بن فارس مثل بالقتيل إذا جدعه قال بن إسحاق حدثني صالح بن كيسان قال خرجت هند والنسوة معها يثلن بالقتلى يجدعن الآذان والأنف حتى اتخذت هند من ذلك حزما وقلائد وأعطت حزمها وقلائدها أي اللاتي كن عليها لوحشي جزاء له على قتل حمزة وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها قوله لم آمر بها ولم تسؤني أي لم أكرهها وإن كان وقوعها بغير أمري وفي حديث بن عباس ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا أدركته حمية الجاهلية فقال أما إنه كان لم يكرهه وفي رواية بن إسحاق والله ما رضيت وما سخطت وما نهيت وما أمرت وفي هذا الحديث من الفوائد منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصيتهما به بحيث كان أعداؤه لا يعرفون بذلك غيرهما إذ لم يسأل أبو سفيان عن غيرهما وأنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعمة الله ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها وفيه شؤم ارتكاب النهي وأنه يعم ضرره من لم يقع منه كما قال تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأن من آثر دنياه أضر بأمر آخرته ولم تحصل له دنياه واستفيد من هذه الكائنة أخذ الصحابة الحذر من العود إلى مثلها والمبالغة في الطاعة والتحرز من العدو الذين كانوا يظهرون أنهم منهم وليسوا منهم وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى في سورة آل عمران أيضا وتلك الأيام نداولها بين الناس إلى أن قال وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين وقال ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب

الحديث الثالث

[ 3818 ] قوله عن عمرو هو بن دينار قوله اصطبح الخمر يوم أحد ناس ثم قتلوا شهداء سمى جابر منهم فيما رواه وهب بن كيسان عنه أباه عبد الله بن عمرو أخرجه الحاكم في الإكليل ودل ذلك على أن تحريم الخمر كان بعد أحد وصرح صدقة بن الفضل عن بن عيينة كما سيأتي في تفسير المائدة بذلك فقال في آخر الحديث وذلك قبل تحريمها وقد تقدم التنبيه على شيء من فوائده في أول الجهاد

الحديث الرابع

[ 3819 ] قوله حدثنا عبد الله هو بن المبارك قوله عن سعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف قوله أتى عبد الرحمن بن عوف بطعام في رواية نوفل بن إياس أن الطعام كان خبزا ولحما أخرجه الترمذي في الشمائل قوله وهو صائم ذكر بن عبد البر أن ذلك كان في مرض موته قوله قتل مصعب بن عمير تقدم نسبه وذكره في أول الهجرة وأنه كان من السابقين إلى الإسلام وإلى الهجرة وكان يقرىء الناس بالمدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان قتله يوم أحد وذكر ذلك بن إسحاق وغيره وقال بن إسحاق وكان الذي قتل مصعب بن عمير عمرو بن قمئة الليثي فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال لهم قتلت محمدا وفي الجهاد لابن المنذر من مرسل عبيد بن عمير قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير وهو متجعف على وجهه وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث قوله وهو خير مني لعله قال ذلك تواضعا ويحتمل أن يكون ما استقر عليه الأمر من تفضيل العشرة على غيرهم بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع من أبي بكر الصديق نظير ذلك فذكر بن هشام أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق وعنده بنت سعد بن الربيع وهي صغيرة فقال من هذه قال هذه بنت رجل خير مني سعد بن الربيع كان من نقباء العقبة شهد بدرا واستشهد يوم أحد قوله كفن في بردة تقدم شرحه في كتاب الجنائز قوله وقتل حمزة أي بن عبد المطلب ستأتي كيفية قتله في هذا الباب قوله ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط يشير إلى ما فتح لهم من الفتوح والغنائم وحصل لهم من الأموال وكان لعبد الرحمن من ذلك الحظ الوافر قوله وقد خشينا أن تكون حسناتنا في رواية الجنائز طيباتنا وفي رواية نوفل بن إياس ولا أرانا أخرنا لما هو خير لنا قوله ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام في رواية أحمد عن غندر عن شعبة وأحسبه لم يأكله وفي الحديث فضل الزهد وأن الفاضل في الدين ينبغي له أن يمتنع من التوسع في الدنيا لئلا تنقص حسناته وإلى ذلك أشار عبد الرحمن بقوله خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قال بن بطال وفيه أنه ينبغي ذكر سير الصالحين وتقللهم في الدنيا لتقل رغبته فيها قال وكان بكاء عبد الرحمن شفقا أن لا يلحق بمن تقدمه

الحديث الخامس

[ 3820 ] قوله عن عمرو هو بن دينار قوله قال رجل لم أقف على اسمه وزعم بن بشكوال أنه عمير بن الحمام وهو بضم المهملة وتخفيف الميم وسبقه إلى ذلك الخطيب واحتج بما أخرجه مسلم من حديث أنس ان عمير بن الحمام أخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا أحييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ثم قاتل حتى قتل قلت لكن وقع التصريح في حديث أنس أن ذلك كان يوم بدر والقصة التي في الباب وقع التصريح في حديث جابر أنها كانت يوم أحد فالذي يظهر أنهما قصتان وقعتا لرجلين والله أعلم وفيه ما كان الصحابة عليه من حب نصر الإسلام والرغبة في الشهادة ابتغاء مرضاة الله الحديث السادس حديث خباب وقد تقدم شرحه في كتاب الجنائز ويأتي أيضا بعد سبعة أبواب ويأتي شرحه في كتاب الرقاق

الحديث السابع

[ 3822 ] قوله أخبرنا حسان بن حسان هو أبو علي البصري نزيل مكة ويقال أيضا حسان بن أبي عباد ووهم من جعله اثنين وهو من قدماء شيوخ البخاري مات سنة ثلاثة عشر وماله عنده سوى هذا الحديث وآخر في أبواب العمرة ومحمد بن طلحة أي بن مصرف بتشديد الراء المكسورة كوفي فيه مقال إلا أنه لم ينفرد بهذا عن حميد فقد تقدم في الجهاد من رواية عبد الأعلى بن عبد الأعلى بأتم من هذا السياق فيه عن حميد سألت أنسا قوله ليرين الله بفتح التحتانية والراء ثم التحتانية وتشديد النون والله بالرفع ومراده أن يبالغ في القتال ولو زهقت روحه وقال أنس في رواية ثابت وخشى أن يقول غيرها أي غير هذه الكلمة وذلك على سبيل الأدب منه والخوف لئلا يعرض له عارض فلا يفي بما يقول فيصير كمن وعد فأخلف قوله فلقى يوم أحد فهزم الناس يأتي بيانه قريبا في شرح الحديث السابع من الباب الذي بعده قوله ما أجد بضم أوله وكسر الجيم وتشديد الدال للأكثر من الرباعي يقال أجد في الشيء يجد إذا بالغ فيه وقال بن التين صوابه بفتح الهمزة وضم الجيم يقال أجد يجد إذا اجتهد في الأمر أما أجد فإنما يقال لمن سار في أرض مستوية ولا معنى لها هنا قال وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وكسر الجيم وتخفيف الدال من الوجدان أي ما ألتقى من الشدة في القتال قوله إني أجد ريح الجنة دون أحد يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده والمعنى أن الموضع الذي أقاتل فيه يئول بصاحبه إلى الجنة قوله فمضى فقتل في رواية عبد الأعلى قال سعد بن معاذ فما استطعت يا رسول الله ما صنع قلت وهذا يشعر بأن أنس بن مالك إنما سمع هذا الحديث من سعد بن معاذ لأنه لم يحضر قتل أنس بن النضر ودل ذلك على شجاعة مفرطة في أنس بن النضر بحيث أن سعد بن معاذ مع ثباته يوم أحد وكمال شجاعته ما جسر على ما صنع أنس بن النضر قوله فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه كذا هنا بالشك والأول بالمعجمة والميم والثاني بموحدتين ونونين بينهما ألف والثاني هو المعروف وبه جزم عبد الأعلى في روايته وكذا وقع في رواية ثابت عن أنس عند مسلم قوله وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم ووقع في رواية عبد الأعلى بلفظ ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم وليست أو للشك بل هي التقسيم وزاد في روايته ووجدناه قد مثل به المشركون وعنده قال أنس كنا نرى أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه

[ 3823 ] من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى إلى آخر الآية وفي رواية ثابت المذكورة قال أنس فنزلت هذه الآية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه وكذا وقع الجزم بأنها نزلت في ذلك عند المصنف في تفسير الأحزاب من طريق ثمامة عن أنس ولفظه هذه الآية نزلت في أنس بن النضر

الحديث الثامن حديث زيد بن ثابت أورده مختصرا وسيأتي تاما في فضائل القرآن مع شرحه

[ 3824 ] الحديث التاسع قوله عبد الله بن يزيد هو الخطمي بفتح المعجمة وسكون المهملة صحابي صغير قوله رجع ناس ممن خرج معه يعني عبد الله بن أبي وأصحابه وقد ورد ذلك صريحا في رواية موسى بن عقبة في المغازي وأن عبد الله بن أبي كان وافق رأيه رأى النبي صلى الله عليه وسلم على الإقامة بالمدينة فلما أشار غيره بالخروج وأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج قال عبد الله بن أبي لأصحابه أطاعهم وعصاني علام نقتل أنفسنا فرجع بثلث الناس قال بن إسحاق في روايته فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر وكان خزرجيا كعبد الله بن أبي فناشدهم أن يرجعوا فأبوا فقال أبعدكم الله قوله وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين أي في الحكم فيمن انصرف مع عبد الله بن أبي قوله فنزلت هذا هو الصحيح في سبب نزولها وأخرج بن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم عن أبي سعيد بن معاذ قال نزلت هذه الآية في الأنصار خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من لي بمن يؤذيني فذكر منازعة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير ومحمد بن مسلمة قال فأنزل الله هذه الآية وفي سبب نزولها قول آخر أخرجه أحمد من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أن قوما أتوا المدينة فأسلموا فأصابهم الوباء فرجعوا واستقبلهم ناس من الصحابة فأخبروهم فقال بعضهم نافقوا وقال بعضهم لا فنزلت وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سلمة مرسلا فإن كان محفوظا احتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا قوله وقال إنها طيبة تنفي الذنوب كذا في هذه الرواية وتقدم في الحج تنفي الدجال ويأتي في التفسير بلفظ تنفي الخبث وهو المحفوظ وقد سبق الكلام عليه في أواخر الحج مستوفى قوله كما تنفي النار الخ هو حديث آخر تقدم في أواخر الحج وقد فرقه مسلم حديثين فذكر ما يتعلق بهذه القصة في باب ذكر المنافقين وهو في أواخر كتابه وذكر قوله أنها طيبة الخ في فضل المدينة من أواخر كتاب الحج وهو من نادر صنيعه بخلاف البخاري فإنه يقطع الحديث كثيرا في الأبواب

قوله باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما الآية الفشل بالفاء والمعجمة الجبن وقيل الفشل في الرأي العجز وفي البدن الإعياء وفي الحرب الجبن والولي الناصر وذكر المصنف فيه أحد عشر حديثا الحديث الأول قوله عن عمرو هو بن دينار

[ 3825 ] قوله نزلت هذه الآية فينا أي في قومه بني سلمة وهم من الخزرج وفي أقاربهم بني حارثة وهم من الأوس قوله وما أحب أنها لم تنزل والله يقول والله وليهما أي وان الآية وإن كان في ظاهرها غض منهم لكن في آخرها غاية الشرف لهم قال بن إسحاق قوله والله وليهما أي الدافع عنهما ما هموا به من الفشل لأن ذلك كان من وسوسة الشيطان من غير وهن منهم الحديث الثاني والثالث

[ 3826 ] قوله عن عمرو هو بن دينار قوله تسع بنات في رواية الشعبي ست بنات فكأن ثلاثا منهن كن متزوجات أو بالعكس وقد تقدم شرح ما تضمنته الرواية الثانية في علامات النبوة ويأتي شرح ما تضمنته الرواية الأولى في كتاب النكاح وقد تقدم في الجنائز من وجه آخر عن جابر والغرض من إيراده هنا أن عبد الله والد جابر كان ممن استشهد بأحد وعند الترمذي من طريق طلحة بن خراش سمعت جابرا يقول لقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالي أراك منكسرا قلت يا رسول الله استشهد أبي بأحد وترك دينا وعيالا قال أفلا أبشرك إن الله قد لقي أباك فقال تمن علي قال تحييني فأقتل فيك مرة أخرى وأنزلت هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء الآية

الحديث الرابع

[ 3828 ] قوله عن أبيه هو سعد بن إبراهيم قوله ومعه رجلان يقاتلان عنه هما جبريل وميكائيل كذا وقع في مسلم من طريق أخرى عن مسعر وفي آخره يعني جبريل وميكائيل قوله ما رأيتهما قبل ولا بعد في رواية الطيالسي عن إبراهيم بن سعد لم أرهما قبل ذلك اليوم ولا بعده الحديث الخامس حديث سعد أورده من وجهين عن سعيد بن المسيب عنه ومن وجهين عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب وقوله في الرواية الثانية حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وفي الثالثة ليث وهو بن سعد عن يحيى وهو بن سعيد الأنصاري ورواية الليث أتم وقوله في الرواية الأولى هاشم بن هاشم أي بن عتبة أي بن أبي وقاص وإنما قال في نسبته السعدي لأنه منسوب إلى عم أبيه سعد وهو جده من قبل الأم وقوله نثل بفتح النون والمثلثة أي نفض وزنا ومعنى والكنانة جعبة السهام وتكون غالبا من جلود وقوله في الرواية الثالثة كلاهما كذا لأبي ذر وأبي الوقت ولغيرهما كليهما وهما جائزان وقوله

[ 3829 ] ارم فداك أبي وأمي هو تفسير لما في الروايتين الأخريين من قوله جمع لي أبويه ورأيت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر مرسل أخرجها بن عائذ عن الوليد بن مسلم عن يحيى بن حمزة قال قال سعد رميت بسهم فرد علي النبي صلى الله عليه وسلم سهمي أعرفه حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي فقلت هذا سهم دم فجعلته في كنانتي لا يفارقني وعند الحاكم لهذه القصة بيان سبب فأخرج من طريق يونس بن بكير وهو في المغازي روايته من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها قال جال الناس يوم أحد تلك الجولة تنحيت فقلت أذود عن نفسي فأما أن أنجو وإما أن استشهد فإذا رجل محمر وجهه وقد كاد المشركون أن يركبوه فملأ يده من الحصى فرماهم وإذا بيني وبينه المقداد فأردت أن أسأله عن الرجل فقال لي يا سعد هذا رسول الله يدعوك فقمت وكأنه لم يصبني شيء من الأذى وأجلسني أمامه فجعلت أرمي فذكر الحديث الحديث السادس أورده من وجهين قوله عن سعد هو بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن شداد هو عبد الله كما في الرواية الثانية وأبوه صحابي جليل ويسرة بفتح التحتانية والمهملة وإبراهيم هو بن سعد بن إبراهيم المذكور قوله وغير سعد أي بن أبي وقاص وهو بن مالك كما في الرواية الثانية وقوله فيها إلا لسعد بن مالك في رواية الكشميهني غير سعد بن مالك

الحديث السابع

[ 3834 ] قوله عن معتمر هو بن سليمان وقوله زعم أبو عثمان يعني النهدي وفي رواية الإسماعيلي سمعت أبا عثمان قوله في تلك الأيام في رواية غير أبي ذر في بعض تلك الأيام وهو أبين لأن المراد بالبعض يوم أحد وقوله الذي يقاتل فيهن في رواية أبي ذر التي وقوله غير طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وقوله عن حديثهما يريد أنهما حدثا أبا عثمان بذلك ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق عبد الله بن معاذ عن معتمر في هذا الحديث قال سليمان فقلت لأبي عثمان وما علمك بذلك قال عن حديثهما وهذا قد يعكر عليه ما تقدم قريبا في الحديث الخامس أن المقداد كان ممن بقي معه لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد تلك الجولة ويحتمل أن يكون انفرادهما عنه في بعض المقامات فقد روى مسلم من طريق ثابت عن أنس قال أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش وكأن المراد بالرجلين طلحة وسعد وكأن المراد بالحصر المذكور في حديث الباب تخصيصه بالمهاجرين فكأنه قال لم يبق معه من المهاجرين غير هذين وتعين حمله على ما أولته وأن ذلك باعتبار اختلاف الأحوال وأنهم تفرقوا في القتال فلما وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان قتل محمد اشتغل كل واحد منهم بهمه والذب عن نفسه كما في حديث سعد ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا اليه أولا فأولا ثم بعد ذلك كان يندبهم إلى القتال فيشتغلون به وروى بن إسحاق بإسناد حسن عن الزبير بن العوام قال مال الرماة يوم أحد يريدون النهب فأتينا من ورائنا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأنا راجعين وانكفأ القوم علينا وسمى بن إسحاق في المغازي بإسناد له أن جملة من استشهد من الأنصار الذين بقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ زياد بن السكن قال وبعضهم يقول عمارة بن السكن في خمسة من الأنصار وعند بن عائذ من مرسل المطلب بن عبد الله بن حنطب ان الصحابة تفرقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى بقي معه اثنا عشر رجلا من الأنصار وللنسائي والبيهقي في الدلائل من طريق عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر قال تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة وإسناده جيد وهو كحديث أنس إلا أن فيه زيادة أربعة فلعلهم جاءوا بعد ذلك وعند محمد بن سعد أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين منهم أبو بكر وسبعة من الأنصار ويجمع بينه وبين حديث الباب بأن سعدا جاءهم بعد ذلك كما في حديثه الذي قدمته في الحديث الخامس وأن المذكور من الأنصار استشهدوا كما في حديث أنس فان فيه عند مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة فقام رجل من الأنصار فذكر أن المذكور من الأنصار استشهدوا كلهم فلم يبق غير طلحة وسعد ثم جاء بعدهم من جاء وأما المقداد فيحتمل أن يكون استمر مشتغلا بالقتال وسيأتي بيان ما جرى لطلحة بعد هذا وذكر الواقدي في المغازي أنه ثبت يوم أحد من المهاجرين سبعة أبو بكر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد وطلحة والزبير وأبو عبيدة ومن الأنصار أبو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وقيل إن سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة بدل الأخيرين وإن ثبت حمل على أنهم ثبتوا في الجملة وما تقدم فيمن حضر عنده صلى الله عليه وسلم أولا فأولا والله أعلم الحديث الثامن

[ 3835 ] قوله عن محمد بن يوسف هو الكندي والسائب بن يزيد صحابي صغير قوله إلا أني سمعت طلحة يعني بن عبيد الله يحدث عن يوم أحد وقد تقدم شرح هذا الحديث في الجهاد ووقع عند أبي يعلى من وجه آخر عن السائب بن يزيد أن طلحة ظاهر يوم أحد بين درعين وذكر بن إسحاق أن طلحة جلس تحت النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الجبل قال فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده عن عبد الله بن الزبير قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول أوجب طلحة الحديث التاسع

[ 3836 ] قوله عن إسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وقوله رأيت يد طلحة أي بن عبيد الله وقوله شلاء بفتح المعجمة وتشديد اللام مع المد أي أصابها الشلل وهو ما يبطل عمل الأصابع أو بعضها قوله وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقع بيان ذلك عند الحاكم في الإكليل من طريق موسى بن طلحة جرح يوم أحد تسعا وثلاثين أو خمسا وثلاثين وشلت إصبعه أي السبابة والتي تليها وللطيالسي من طريق عيسى بن طلحة عن عائشة قالت كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال كان ذلك اليوم كله لطلحة قال كنت أول من فاء فرأيت رجلا يقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقلت كن طلحة قلت حيث فاتني يكون رجل من قومي وبيني وبينه رجل من المشركين فإذا هو أبو عبيدة فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دونكما صاحبكما يريد طلحة فإذا هو قد قطعت إصبعه فلما أصلحنا من شأنه وفي حديث جابر عند النسائي قال فأدرك المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من للقوم فقال طلحة أنا فذكر قتل الذين كانوا معهما من الأنصار وقال ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه فقال حسن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون قال ثم رد الله المشركين

الحديث العاشر قوله عبد العزيز هو بن صهيب

[ 3837 ] قوله انهزم الناس أي بعضهم أو أطلق ذلك باعتبار تفرقهم كما تقدم بيانه والواقع أنهم صاروا ثلاث فرق فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فما رجعوا حتى انفض القتال وهم قليل وهم الذين نزل فيهم

إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل فصار غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل وهم أكثر الصحابة وفرقة ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم تراجع اليه القسم الثاني شيئا فشيئا لما عرفوا أنه حي كما بينته في الحديث السابع وبهذا يجمع بين مختلف الأخبار في عدة من بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم فعند محمد بن عائذ من مرسل المطلب بن حنطب لم يبق معه سوى اثني عشر رجلا وعند بن سعد ثبت معه سبعة من الأنصار وسبعة من قريش وفي مسلم من حديث أنس أفرد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش طلحة وسعد وقد سرد أسماءهم الواقدي واقتصر أبو عثمان النهدي على ذكر طلحة وسعد وهو في الصحيح وأخرج الطبري من طريق السدي أن بن قمئة لما رمى النبي صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته وشجه في وجهه وتفرق الصحابة منهزمين وجعل يدعوهم فاجتمع اليه منهم ثلاثون رجلا فذكر بقية القصة قوله وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري وهو زوج والدة أنس وكان أنس حمل هذا الحديث عنه قوله مجوب بضم أوله وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة بعدها موحدة أي مترس ويقال للترس جوبة والحجفة بفتح المهملة والجيم والفاء هي الترس قوله شديد النزع بفتح النون والزاي الساكنة ثم المهملة أي رمى السهم وتقدم في الجهاد من وجه آخر بلفظ كان أبو طلحة حسن الرمي وكان يتترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد قوله كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا أي من شدة الرمي قوله بجعبة بضم الجيم وسكون العين المهملة بعدها موحدة هي الآلة التي يوضع فيها السهام قوله لا تشرف بضم أوله وسكون المعجمة من الإشراف ولأبي الوقت بفتح أوله وسكون الشين أيضا وتشديد الراء وأصله تتشرف أي لا تطلب الأشراف عليهم قوله يصبك بسكون الموحدة على أنه جواب النهي ولغير أبي ذر يصيبك بالرفع وهو جائز على تقدير كأنه قال مثلا لا تشرف فإنه يصيبك قوله نحري دون نحرك أي أفديك بنفسي قوله ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين وأم سليم أي والدة أنس قوله أرى خدم سوقهما بفتح المعجمة والمهملة جمع خدمة وهي الخلاخيل وقيل الخدمة أصل الساق والسوق جمع ساق وقد تقدم في الجهاد وكذا شرح قوله تنقزان القرب والاختلاف في لفظه قوله ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة في رواية الأصيلي من يدي بالتثنية قوله إما مرتين وإما ثلاثا زاد مسلم عن الدارمي عن أبي معمر شيخ البخاري فيه بهذا الإسناد من النعاس فأفاد سبب وقوع السيف من يده وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن أنس عن أبي طلحة كنت فيمن يغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا ولأحمد والحاكم من طريق ثابت عن أنس رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت حجفته من النعاس وهو قوله تعالى إذ يغشاكم النعاس أمنة منه الحديث الحادي عشر

[ 3838 ] قوله لما كان يوم أحد هزم المشركون فصرخ إبليس أي عباد الله أخراكم أي احترزوا من جهة أخراكم وهي كلمة تقال لمن يخشى أن يؤتى عند القتال من ورائه وكان ذلك لما ترك الرماة مكانهم ودخلوا ينتهبون عسكر المشركين كما سبق بيانه قوله فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم أي وهم يظنون أنهم من العدو وقد تقدم بيان ذلك من حديث بن عباس الذي أخرجه أحمد والحاكم وأنهم لما رجعوا اختلطوا بالمشركين والتبس العسكران فلم يتميزوا فوقع القتل على المسلمين بعضهم من بعض قوله فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله أبي أبي هو بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وأعادها تأكيدا وإنما ضبطه لئلا يصحف بأبي بضم الهمزة وفتح الموحدة مع التشديد وأفاد بن سعد أن الذي قتل اليمان خطأ عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود وهو في تفسير عبد بن حميد من وجه آخر عن بن عباس وذكر بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال كان اليمان والد حذيفة وثابت بن وقش شيخين كبيرين فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النساء والصبيان فتذاكرا بينهما ورغبا في الشهادة فأخذا سيفيهما ولحقا بالمسلمين بعد الهزيمة فلم يعرفوا بهما فأما ثابت فقتله المشركون وأما اليمان فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه قوله قال عروة الخ تقدم بيانه في المناقب وفي رواية بن إسحاق فقال حذيفة قتلتم أبي قالوا والله ما عرفناه وصدقوا فقال حذيفة يغفر الله لكم فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا وفيه تعقب على بن التين حيث قال ان الراوي سكت في قتل اليمان عما يجب فيه من الدية والكفارة فأما أن تكون لم تفرض يومئذ أو كتفي بعلم السامع

قوله إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان اتفق أهل العلم بالنقل على أن المراد به هنا يوم أحد وغفل من قال يوم بدر لأنه لم يول فيها أحد من المسلمين نعم المراد بقوله تعالى وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وهي في سورة الانفال يوم بدر ولا يلزم منه أن يكون حيث جاء التقى الجمعان المراد به يوم بدر قوله استزلهم أي زين لهم أن يزلوا وقوله ببعض ما كسبوا قال بن التين يقال إن الشيطان ذكرهم خطاياهم فكرهوا القتال قبل التوبة ولم يكرهوه معاندة ولا نفاقا فعفا الله عنهم قلت ولم يتعين ما قال فيحتمل أن يكونوا فروا جبنا ومحبة في الحياة لا عنادا ولا نفاقا فتابوا فعفا الله عنهم ثم ذكر حديث بن عمر في قصة عثمان وقد تقدم شرحه في مناقب عثمان وقدمت أني لم أقف على اسمه صريحا إلا أنه يحتمل يكون هو العلاء بن عرار ثم رأيت لبعضهم أن اسمه حكيم فليحرر وفي الرواية المتقدمة أنه من أهل مصر ثم وجدت الجزم بالعلاء بن عرار وهما بالمهملات وذلك في مناقب عثمان ويأتي بأبسط من ذلك في تفسير وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة من سورة البقرة وقوله في هذه الرواية أنشدك بحرمة هذا البيت فيه جواز مثل هذا القسم عند أثر عبد الله بن عمر لكونه لم ينكر عليه وسيأتي البحث في شيء من هذا في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى

[ 3839 ] قوله إني سائلك عن شيء أتحدثني زاد في رواية أبي نعيم المذكورة قال نعم

قوله باب إذ تصعدون ولا تلوون على أحد إلى قوله بما تعملون قوله تصعدون تذهبون أصعد وصعد فوق البيت سقط هذا التفسير للمستملي كأنه يريد الإشارة إلى التفرقة بين الثلاثي والرباعي فالثلاثي بمعنى ارتفع والرباعي بمعنى ذهب وقال بعض أهل اللغة أصعد إذا ابتدأ السير وقوله فأثابكم غما بغم روى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال كان الغم الأول حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل والثاني لما انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصعدوا في الجبل فتذكروا قتل من قتل منهم فاغتموا ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه وزاد وقوله لكيلا تحزنوا على ما فاتكم أي من الغنيمة ولا ما أصابكم أي من الجراح وقتل إخوانكم وروى الطبري من طريق السري نحوه لكن قال الغم الأول ما فاتهم من الغنيمة والثاني ما أصابهم من الجراح وزاد قال لما صعدوا أقبل أبو سفيان بالخيل حتى أشرف عليهم فنسوا ما كانوا فيه من الحزن على من قتل منهم واشتغلوا بدفع المشركين ثم ذكر المصنف طرفا من حديث البراء في قصة الرماة وقد تقدم شرحه قريبا

قوله باب قوله ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا الآية ذكر فيه حديث أبي طلحة كنت فيمن تغشاه النعاس الحديث وقد تقدم شرحه قريبا قال بن إسحاق أنزل الله النعاس أمنة لأهل اليقين فهم نيام لا يخافون والذين أهمتهم أنفسهم أهل النفاق في غاية الخوف والذعر

قوله باب قوله ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون أي بيان سبب نزول هذه الآية وقد ذكر في الباب سببين ويحتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا فإنهما كانا في قصة واحدة وسأذكر في آخر الباب سببا آخر قوله وقال حميد وثابت عن أنس شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت ليس لك من الأمر شيء أما حديث حميد فوصله أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن حميد به وقال بن إسحاق في المغازي حدثني حميد الطويل عن أنس قال كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وشج وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل يمسح الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله الآية وأما حديث ثابت فوصله مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد وهو يسلت الدم عن وجهه كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وأدموا وجهه فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء الآية وذكر بن هشام في حديث أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم السفلى وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري هو الذي شجه في جبهته وأن عبد الله بن قمئة جرحه في وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته وأن مالك بن سنان مص الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال لن تمسك النار وروى بن إسحاق من حديث سعد بن أبي وقاص قال فما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل أخي عتبة بن أبي وقاص لما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وفي الطبراني من حديث أبي أمامة قال رمى عبد الله بن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فشج وجهه وكسر رباعيته فقال خذها وأنا بن قمئة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه مالك أقمأك الله فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة وأخرج بن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد عن جابر فذكر نحوه منقطعا وسيأتي في أواخر هذه الغزوة شواهد لحديث أنس من حديث أبي هريرة وغيره ووقع عند مسلم من طريق بن عباس عن عمر في قصة بدر قال فلما كان يوم أحد قتل منهم سبعون وفروا وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها الآية والمراد بكسر الرباعية وهي السن التي بين الثنية والناب أنها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها

[ 3842 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله العن فلانا وفلانا وفلانا سماهم في الرواية التي بعدها قوله وعن حنظلة بن أبي سفيان هو معطوف على قوله أخبرنا معمر الخ والراوي له عن حنظلة هو عبد الله بن المبارك ووهم من زعم أنه معلق وقوله سمعت سالم بن عبد الله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا الخ هو مرسل والثلاثة الذين سماهم قد أسلموا يوم الفتح ولعل هذا هو السر في نزول قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء ووقع في رواية يونس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة نحو حديث بن عمر لكن فيه اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية قال ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت ليس لك من الأمر شيء قلت وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون نزول الآية تراخي عن قصة أحد لأن قصة رعل وذكوان كانت بعدها كما سيأتي تلو هذه الغزوة وفيه بعد والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد والله أعلم ويؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية ليقطع طرفا من الذين كفروا أي يقتلهم أو يكبتهم أي يخزيهم ثم قال أو يتوب عليهم أي فيسلموا أو يعذبهم أي ان ماتوا كفارا

قوله باب ذكر أم سليط بفتح المهملة وكسر اللام ذكر فيه حديث عمر في قصة المروط وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد وأم سليط المذكورة هي والدة أبي سعيد الخدري كانت زوجا لأبي سليط فمات عنها قبل الهجرة فتزوجها مالك بن سنان الخدري فولدت له أبا سعيد

قوله قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه كذا لأبي ذر ولغيره باب قتل حمزة فقط وللنسفي قتل حمزة سيد الشهداء وهذا اللفظ قد ثبت في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من طريق الأصبغ بن نباته عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب

[ 3844 ] قوله حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله أي بن المبارك المخرمي بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء البغدادي روى عنه البخاري هنا وفي الطلاق وشيخه حجين بن المثنى بمهملة ثم جيم وآخره نون مصغر أصله من اليمامة وسكن بغداد وولي قضاء خراسان وهو من أقران كبار شيوخ البخاري لكن لم يسمع منه البخاري وليس له عنده سوى هذا الموضع قوله عن عبد الله بن الفضل هو بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني من صغار التابعين قوله عن جعفر بن عمرو بن أمية هو الضمري وأبوه هو الصحابي المشهور هذا هو المحفوظ وكذا رواه أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز أخرجه الطبراني وقد رواه أبو داود الطيالسي عن عبد العزيز شيخ حجين بن المثنى فيه فقال عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال أقبلنا من الروم فذكر الحديث والمحفوظ عن جعفر بن عمرو قال خرجت مع عبيد الله بن عدي وكذا أخرجه بن إسحاق عن عبد الله بن الفضل عن سليمان عن جعفر قال خرجت أنا وعبيد الله فذكره وكذا أخرجه بن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن جعفر بن عمرو بن أمية قال خرجت أنا وعبيد الله بن عدي وللطبراني من وجه آخر عن بن جابر قوله خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي الذي تقدم ذكره في مناقب عثمان زاد أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز بن عبد الله فأدربنا أي دخلنا درب الروم مجاهدين فلما مررنا بحمص وكذا في رواية بن إسحاق وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر خرجت أنا وعبيد الله بن عدي غازيين الصائفة زمن معاوية فلما قفلنا مررنا بحمص قوله هل لك في وحشي أي بن حرب الحبشي مولى جبير بن مطعم قوله نسأله عن قتل حمزة في رواية الكشميهني فنسأله عن قتله حمزة زاد بن إسحاق كيف قتله قوله فسألنا عنه فقيل لنا في رواية بن إسحاق فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه إنه غلب عليه الخمر فإن تجداه صاحيا تجداه عربيا يحدثكما بما شئتما وان تجداه على غير ذلك فانصرفا عنه وفي رواية الطيالسي نحوه وقال فيه وإن أدركتماه شاربا فلا تسألاه قوله كأنه حميت بمهملة وزن رغيف أي زق كبير وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءا وفي رواية لابن عائذ فوجدناه رجلا سمينا ممرة عيناه وفي رواية الطيالسي فإذا به قد ألقى له شيء على بابه وهو جالس صاح وفي رواية بن إسحاق على طنفسة له وزاد فإذا شيخ كبير مثل البغاث يعني بفتح الموحدة والمعجمة الخفيفة وآخره مثلثة وهو طائر ضعيف الجثة كالرخمة ونحوها مما لا يصيد ولا يصاد قوله معتجر أي لاف عمامته على رأسه من غير تحنيك قوله يا وحشي أتعرفني في رواية بن إسحاق فلما انتهينا اليه سلمنا عليه فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي فقال بن العدي بن الخيار أنت قال نعم فيحتمل أن يكون قال له ذلك بعد أن قال له أتعرفني قوله أم قتال بكسر القاف بعدها مثناة خفيفة وفي رواية الكشميهني بموحدة والأول أصح وهي عمة عتاب بن أسيد أي بن أبي العيص بن أمية قوله أسترضع له أي أطلب له من يرضعه زاد في رواية بن إسحاق والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك فلمعت لي قدمك حين رفعتك فما هو إلا أن وقفت علي فعرفتها وهذا يوضح قوله في رواية الباب فكأني نظرت إلى قدميك يعني أنه شبه قدميه بقدم الغلام الذي حمله فكان هو هو وبين الرؤيتين قريب من خمسين سنة فدل ذلك على ذكاء مفرط ومعرفة تامة بالقيافة قوله ألا تخبرنا بقتل حمزة قال نعم في رواية الطيالسي فقال سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني قوله فلما أن خرج الناس أي قريش ومن معهم عام عينين أي سنة أحد وقوله عينين جبل بحيال أحد أي من ناحية أحد يقال فلان حيال كذا بالمهملة المكسورة بعد تحتانية خفيفة أي مقابله وهو تفسير من بعض رواته والسبب في نسبة وحشي العام اليه دون أحد أن قريشا كانوا نزلوا عنده قال بن إسحاق نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة قوله خرجت مع الناس إلى القتال في رواية الطيالسي فانطلقت يوم أحد معي حربتي وأنا رجل من الحبشة ألعب لعبهم قال وخرجت ما أريد أن أقتل ولا أقاتل إلا حمزة وعند بن إسحاق وكان وحشي يقذف بالحربة قذف الحبشة قلما يخطىء قوله خرج سباع بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة وهو بن عبد العزي الخزاعي ثم الغبشاني بضم المعجمة وسكون الموحدة ثم معجمة ذكر بن إسحاق ان كنيته أبو نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية قوله فخرج اليه حمزة في رواية الطيالسي فإذا حمزة كأنه جمل أورق ما يرفع له أحد إلا قمعه بالسيف فهبته وبادر اليه رجل من ولد سباع كذا قال والذي في الصحيح هو الصواب وعند بن إسحاق فجعل يهد الناس بسيفه وعند بن عائذ فرأيت رجلا إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا فقلت من هذا قالوا حمزة قلت هذا حاجتي قوله يا بن أم أنمار بفتح الهمزة وسكون النون هي أمه كانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الأخنس قوله مقطعة البظور بالظاء المعجمة جمع بظر وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان قال بن إسحاق كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء أه والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم والا قالوا خاتنة وذكر عمر بن شبة في كتاب مكة عن عبد العزيز بن المطلب أنها أم سباع وعبد العزي الخزاعي وكانت أمة وهي والدة خباب بن الأرت الصحابي المشهور قوله اتحاد بمهملتين وتشديد الدال أي أتعاند وأصل المحاددة أن يكون ذا في حد وذا في حد ثم استعمل في المحاربة والمعاداة وقوله كأمس الذاهب هي كناية عن قتله أي صيره عدما وفي رواية بن إسحاق فكأنما أخطأ رأسه وهذا يقال عند المبالغة في الإصابة قوله وكمنت بفتح الميم أي اختفيت وفي رواية بن عائذ عند شجرة وعند بن أبي شيبة من مرسل عمير بن إسحاق أن حمزة عثر فانكشفت الدرع عن بطنه فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة قوله في ثنته بضم المثلثة وتشديد النون هي العانة وقيل ما بين السرة والعانة وللطيالسي فجعلت ألوذ من حمزة بشجرة ومعي حربتي حتى إذا استمكنت منه هززت الحربة حتى رضيت منها ثم أرسلتها فوقعت بين ثندوتيه وذهب يقوم فلم يستطع أه والثندوة بفتح المثلثة وسكون النون وضم المهملة بعدها واو خفيفة هي من الرجل موضع الثدي من المرأة والذي في الصحيح أن الحربة أصابت ثنته أصح قوله فلما رجع الناس أي إلى مكة زاد الطيالسي فلما جئت عتقت ولابن إسحاق فلما قدمت مكة عتقت وإنما قتلته لأعتق قوله حتى فشا فيها الإسلام في رواية بن إسحاق فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف قوله فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية بن إسحاق فلما خرج وفد الطائف ليسلموا تغمت علي المذاهب فقلت الحق باليمن أو الشام أو غيرها قوله رسلا كذا لأبي ذر وأبي الوقت ولغيرهما رسولا بالإفراد كان أول من قدم من ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عروة بن مسعود فأسلم ورجع فدعاهم إلى الإسلام فقتلوه ثم ندموا فأرسلوا وفدهم وهم عمرو بن وهب بن مغيث وشرحبيل بن غيلان بن مسلمة وعبد ياليل بن عمرو بن عمير هؤلاء الثلاثة من الأحلاف وعثمان بن أبي العاص وأوس بن عوف ونمير بن حرشة وهؤلاء الثلاثة من بني مالك ذكر ذلك محمد بن إسحاق مطولا وزاد بن إسحاق أن الوفد كانوا سبعين رجلا وكان الستة رؤساءهم وقبل كان الجميع سبعة عشر قال وهو أثبت قوله فقيل لي إنه لا يهيج الرسل أي لا ينالهم منه إزعاج وفي رواية الطيالسي فأردت الهرب إلى الشام فقال لي رجل ويحك والله ما يأتي محمدا أحد بشهادة الحق إلا خلى عنه قال فانطلقت فما شعر بي إلا وأنا قائم على رأسه أشهد بشهادة الحق وعند بن إسحاق فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه قوله قال أنت قتلت حمزة قلت قد كان من الأمر ما قد بلغك في رواية الطيالسي فقال ويحك حدثني عن قتل حمزة قال فانشأت أحدثه كما حدثتكما وعند يونس بن بكير في المغازي عند بن إسحاق قال فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وحشي فقال دعوه فلإسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف كافر قوله فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني في رواية الطيالسي فقال غيب وجهك عني فلا أراك قوله قال فخرجت زاد الطيالسي فكنت أتقى أن يراني ولابن عائذ فما رآني حتى مات وعند الطبراني فقال يا وحشي أخرج فقاتل في سبيل الله كما كنت تصد عن سبيل الله قوله فقلت لأخرجن إلى مسيلمة في رواية الطيالسي فلما كان من أمر مسيلمة ما كان انبعثت مع البعث فأخذت حربتي ولابن إسحاق نحوه قوله فأكافىء به حمزة بالهمز أي أساويه به وقد فسر بعد بقوله فقتلت خير الناس وشر الناس وقوله فكان من أمره ما كان أي من محاربته وقتل جمع من الصحابة في الوقعة التي كانت بينهم وبينه ثم كان الفتح للمسلمين بقتل مسيلمة كما سيأتي بيان ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قوله في ثلمة جدار أي خلل جدار قوله جمل أورق أي لونه مثل الرماد وكان ذلك من غبار الحرب وقوله ثائر الرأس أي شعره منتفش قوله فوضعتها في رواية الكشميهني فأضعها قوله ووثب اليه رجل من الأنصار هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني كما جزم به الواقدي وإسحاق بن راهويه والحاكم وقيل هو عدي بن سهل جزم به سيف في كتاب الردة وقيل أبو دجانة وقيل زيد بن الخطاب والأول أشهر ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته وأما الآخرن فحملا عليه في الجملة وأغرب وثيمة في كتاب الردة فزعم أن الذي ضرب مسيلمة هو شن بفتح المعجمة وتشديد النون بن عبد الله وأنشد له ألم تر أني ووحشيهم ضربنا مسيلمة المفتتن يسائلني الناس عن قتله فقلت ضربت وهذا طعن فلست بصاحبه دونه وليس بصاحبه دون شن وأغرب من ذلك ما حكى بن عبد البر أن الذي قتل مسيلمة هو خلاس بن بشير بن الأصم قوله فضربه بالسيف على هامته في رواية الطيالسي فربك أعلم أينا قتله فان أك قتلته فقد قتلت خير الناس وشر الناس قوله قال عبد الله بن الفضل هو موصول بالإسناد المذكور أولا وفي رواية الطيالسي فقال سليمان بن يسار سمعت بن عمر يقول زاد بن إسحاق في روايته وكان قد شهد اليمامة قوله فقالت جارية على ظهر بيت وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود هذا فيه تأييد لقول وحشي إنه قتله لكن في قول الجارية أمير المؤمنين نظر لأن مسيلمة كان يدعى أنه نبي مرسل من الله وكانوا يقولون له يا رسول الله ونبي الله والتلقيب بأمير المؤمنين حدث بعد ذلك وأول من لقب به عمر وذلك بعد قتل مسيلمة بمدة فليتأمل هذا وأما قول بن التين كان مسيلمة تسمى تارة بالنبي وتارة بأمير المؤمنين فإن كان أخذه من هذا الحديث فليس بجيد وإلا فيحتاج إلى نقل بذلك والذي في رواية الطيالسي قال بن عمر كنت في الجيش يومئذ فسمعت قائلا يقول في مسيلمة قتله العبد الأسود ولم يقل أمير المؤمنين ويحتمل أن تكون الجارية أطلقت عليه الأمير باعتبار أن أمر أصحابه كان اليه وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار إيمانهم به ولم يقصد إلى تلقيبه بذلك والله أعلم ثم وجدت في كلام أبي الخطاب بن دحية الإنكار على من أطلق أن عمر أول من لقب أمير المؤمنين وقال قد تسمى به مسيلمة قبله كما أخرجه البخاري في قصة وحشي يشير إلى هذه الرواية وتعقبه بن الصلاح ثم النووي قال النووي وذكر بن الصلاح أن الذي ذكره بن دحية ليس بصحيح فإنه ليس في هذا الحديث إلا أن الجارية صاحت لما أصيب مسيلمة وا أمير المؤمنين ولا يلزم من ذلك تسميته بذلك أه واعترض مغلطاي أيضا بأن أول من قيل له أمير المؤمنين عبد الله بن جحش وهو متعقب أيضا بأنه لم يلقب به وإنما خوطب بذلك لأنه كان أول أمير في الإسلام على سرية وفي حديث وحشي من الفوائد غير ما تقدم ما كان عليه من الذكاء المفرط ومناقب كثيرة لحمزة وفيه أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما وفيه أن الإسلام يهدم ما قبله والحذر في الحرب وأن لا يحتقر المرء منها أحدا فإن حمزة لا بد أن يكون رأى وحشيا في ذلك اليوم لكنه لم يحترز منه احتقارا منه إلى أن أتى من قبله وذكر بن إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد مثل به فقال لولا أن تحزن صفية يعني بنت عبد المطلب وتكون سنة بعدي لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير زاد بن هشام قال وقال لن أصاب بمثلك أبدا ونزل جبريل فقال إن حمزة مكتوب في السماء أسد الله وأسد رسوله وروى البزار والطبراني بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حمزة قد مثل به قال رحمة الله عليك لقد كنت وصولا للرحم فعولا للخير ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى ثم حلف وهو بمكانه لأمثلن بسبعين منهم فنزل القرآن وان عاقبتم الآية وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني من حديث أبي بن كعب قال مثل المشركون بقتلى المسلمين فقال الأنصار لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنزيدن عليهم فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل لا قريش بعد اليوم فأنزل الله وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا عن القوم وعند بن مردويه من طريق مقسم عن بن عباس نحو حديث أبي هريرة باختصار وقال في آخره فقال بل نصبر يا رب وهذه طرق يقوى بعضها بعضا

قوله باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد وقد تقدم شيء من ذلك في باب قوله ليس لك من الأمر شيء ومجموع ما ذكر في الأخبار أنه شج وجهه وكسرت رباعيته وجرحت وجنته وشفته السفلى من باطنها ووهي منكبه من ضربة بن قمئة وجحشت ركبته وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ضرب وجه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف سبعين ضربة وقاه الله شرها كلها وهذا مرسل قوي ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة في الكثرة قوله رباعيته بفتح الراء وتخفيف الموحدة

[ 3845 ] قوله اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله زاد سعيد بن منصور من مرسل عكرمة يقتله رسول الله بيده ولابن عائذ من طريق الأوزاعي بلغنا أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أخذ شيئا فجعل ينشف به دمه وقال لو وقع منه شيء على الأرض لنزل عليكم العذاب من السماء ثم قال اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون الحديث الثاني حديث بن عباس بمعنى الذي قبله أورده من وجهين عن بن جريج ووقع هنا قبل حديث سهل بن سعد وبعده ولعله قدم وأخر قوله دموه بتشديد الميم أي جرحوه حتى خرج منه الدم تنبيه حديث أبي هريرة وحديث بن عباس هذا من مراسيل الصحابة فإنهما لم يشهدا الوقعة فكأنهما حملاها عمن شهدها أو سمعاها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك الحديث الثالث

[ 3847 ] قوله يعقوب هو بن عبد الرحمن الإسكندراني قوله فلما رأت فاطمة هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوضح سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم فيما أخرجه الطبراني من طريقه سبب مجيء فاطمة إلى أحد ولفظه لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء إلى الصحابة يعينونهم فكانت فاطمة فيمن خرج فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم وله من طريق زهير بن محمد عن أبي حازم فأحرقت حصيرا حتى صارت رمادا فأخذت من ذلك الرماد فوضعته فيه حتى رقأ الدم وقال في آخر الحديث ثم قال يومئذ اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله ثم مكث ساعة ثم قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وقال بن عائذ أخبرنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فجرحه في وجهه قال خذها مني وأنا بن قمئة فقال أقمأك الله قال فانصرف إلى أهله فخرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل فدخل فيها فشد عليه تيسها فنطحه نطحة أدراه من شاهق الجبل فتقطع وفي الحديث جواز التداوي وأن الأنبياء قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام ليعظم لهم بذلك الأجر وتزداد درجاتهم رفعة وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره والعاقبة للمتقين

قوله باب الذين استجابوا لله والرسول أي سبب نزولها وأنها تتعلق بأحد قال بن إسحاق كان أحد يوم السبت للنصف من شوال فلما كان الغد يوم الأحد سادس عشر شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو وأن لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج معه فأذن له وإنما خرج مرهبا للعدو وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم فلما بلغ حمراء الأسد لقيه سعيد بن أبي معبد الخزاعي فيما حدثني عبد الله بن أبي بكر فعزاه بمصاب أصحابه فأعلمه أنه لقي أبا سفيان ومن معه وهم بالروحاء وقد تلوموا في أنفسهم وقالوا أصبنا جل أصحاب محمد وأشرافهم وانصرفنا قبل أن نستأصلهم وهموا بالعود إلى المدينة فأخبرهم معبد أن محمدا قد خرج في طلبكم في جمع لم أر مثله ممن تخلف عنه بالمدينة قال فثناهم ذلك عن رأيهم فرجعوا إلى مكة وعند عبد بن حميد من مرسل عكرمة نحو هذا

[ 3849 ] قوله حدثني محمد هو بن سلام وقال أبو نعيم في مستخرجه أراه بن سلام قوله عن عائشة الذين استجابوا في الكلام حذف تقديره عن عائشة أنها قرأت هذه الآية الذين استجابوا أو أنها سئلت عن هذه الآية أو نحو ذلك قوله كان أبوك منهم الزبير أي الزبير بن العوام قوله فانتدب منهم أي من المسلمين قوله سبعون رجلا وقع في نسخة الصغاني كان فيهم أبو بكر والزبير أه وقد سمى منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمار بن ياسر وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وحذيفة وابن مسعود أخرجه الطبري من حديث بن عباس وعند بن أبي حاتم من مرسل الحسن ذكر الخمسة الأولين وعند عبد الرزاق من مرسل عروة ذكر بن مسعود وقد ذكرت عائشة في حديث الباب أبا بكر والزبير

قوله باب من قتل من المسلمين يوم أحد منهم حمزة بن عبد المطلب واليمان والنضر بن أنس ومصعب بن عمير أما حمزة فتقدم ذكره في باب مفرد وأما اليمان وهو والد حذيفة فتقدم في آخر باب إذ همت طائفتان وأما النضر بن أنس فكذا وقع لأبي ذر عن شيوخه وكذا وقع عند النسفي وهو خطأ والصواب ما وقع عند الباقين أنس بن النضر وقد تقدم ذكره في أوائل الغزوة على الصواب فاما النضر بن أنس فهو ولده وكان إذ ذاك صغيرا وعاش بعد ذلك زمانا وقد تقدم في هذه الأبواب ممن استشهد بها عبد الله بن عمر والد جابر ومن المشهورين عبد الله بن جبير أمير الرماة وسعد بن الربيع ومالك بن سنان والد أبي سعيد وأوس بن ثابت أخو حسان وحنظلة بن أبي عامر المعروف بغسيل الملائكة وخارجة بن زيد بن أبي زهير صهر أبي بكر الصديق وعمرو بن الجموح ولكل من هؤلاء قصة مشهورة عند أهل المغازي ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث الأول حديث أنس

[ 3850 ] قوله ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أغر كذا للكشميهني بغين معجمة وراء ولغيره بالمهملة والزاي قوله قال قتادة هو موصول بالإسناد المذكور وأراد بذلك الاستدلال على صحة قول الأول قوله قتل منهم يوم أحد سبعون هذا هو المقصود بالذكر من هذا الحديث هنا وظاهره أن الجميع من الأنصار وهو كذلك إلا القليل وقد سرد بن إسحاق أسماء من استشهد من المسلمين بأحد فبلغوا خمسة وستين منهم أربعة من المهاجرين حمزة وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان ومصعب بن عمير وأغفل ذكر سعد مولى حاطب وقد ذكره موسى بن عقبة وروى الحاكم في الإكليل وابن منده من حديث أبي بن كعب قال قتل من الأنصار يوم أحد أربعة وستون ومن المهاجرين ستة وصححه بن حبان من هذا الوجه ولعل السادس ثقيف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس فقد عده الواقدي منهم وعد بن سعد ممن استشهد بأحد من غير الأنصار الحارث بن عقبة بن قابوس المزني وعمه وهب بن قابوس وعبد الله وعبد الرحمن ابني الهبيب بموحدتين مصغر من بني سعد بن ليث ومالكا والنعمان ابني خلف بن عوف الأسلميين قال إنهما كانا طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم فقتلا قلت ولعل هؤلاء كانوا من حلفاء الأنصار فعدوا فيهم فإن كانوا من غير المعدودين أولا فحينئذ تكمل العدة سبعين من الأنصار ممم ممم ممم ممم ممم ممم ويكون جملة من قتل من المسلمين أكثر من سبعين فمن قال قتل منهم سبعون ألغي الكسر والله أعلم وقد تقدم في أول هذه الغزوة النقل عن بن إسحاق وغيره أن الاختلاف في عدد من قتل من المسلمين يومئذ قوله ويوم بئر معونة سبعون سيأتي شرح ذلك قريبا ويوضح أن الجيمع لم يكونوا من الأنصار بل كان بعضهم من المهاجرين مثل عامر بن فهيرة مولى أبي بكر ونافع بن ورقاء الخزاعي وغيرهما قوله ويوم اليمامة سبعون قد سرد أسماءهم الذين صنفوا في الردة كسيف ووثيمة قوله وكان بئر معونة الخ قائل ذلك قتادة قاله شرحا لحديث أنس وقد بينه أبو نعيم في المستخرج قوله ويوم اليمامة على عهد أبي بكر ويوم مسيلمة الكذاب كذا بالواو وهي زائدة لأن يوم اليمامة هو يوم مسيلمة ووقع عند أحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس نحو حديث قتادة في عدة من قتل من الأنصار وزاد ويوم مؤتة سبعون وصححه أبو عوانة وأخرجه الحاكم في الإكليل ولفظه عن أنس أنه كان يقول يا رب سبعين من الأنصار يوم أحد وسبعين يوم بئر معونة وسبعين يوم مؤتة وسبعين يوم مسيلمة ثم أخرج من طريق إبراهيم بن المنذر أن هذه الزيادة خطأ ثم أسند من وجهين عن سعيد بن المسيب فذكر بدل يوم مؤتة يوم جسر أبي عبيدة قال إبراهيم بن المنذر وهذا هو المعروف قلت وهي وقعة بالعراق كانت في خلافة عمر الحديث الثاني حديث جابر

[ 3851 ] قوله قدمه في اللحد في حديث عبد الله بن ثعلبة عند بن إسحاق فكان يقول انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه وذكر بن إسحاق ممن دفن جميعا عبد الله بن جحش وخاله حمزة بن عبد المطلب ومن وجه آخر أنه أمر بدفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو والد جابر قوله فيه ولم يصل عليهم تقدم الكلام عليه في الجنائز وقد أجاب بعض الحنفية عنه بأنه ناف وغيره مثبت وأجيب بأن الاثبات مقدم على النفي غير المحصور وأما نفي الشيء المحصور إذا كان راويه حافظا فإنه يترجح على الاثبات إذا كان راويه ضعيفا كالحديث الذي فيه إثبات الصلاة على الشهيد وعلى تقدير التسليم فالأحاديث التي فيها ذلك إنما هي في قصة حمزة فيحتمل أن يكون ذلك مما خص به حمزة من الفضل وأجيب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال ويجاب بأنه يوقف الاستدلال قالوا ويمكن الجمع بأنه لم يصل عليهم ذلك اليوم كما قال جابر ثم صلى عليهم ثاني يوم كما قال غيره الحديث الثالث

[ 3852 ] قوله وقال أبو الوليد عن شعبة وصله الإسماعيلي حدثنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد بسنده قوله لما قتل أبي زاد في الجنائز يوم أحد قوله والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه في رواية الإسماعيلي لا ينهاني قوله لا تبكه كذا هنا وظاهره أنه نهى لجابر وليس كذلك وإنما هو نهي لفاطمة بنت عمرو عمة جابر وقد أخرجه مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ قتل أبي فذكر الحديث إلى ان قال وجعلت فاطمة بنت عمرو عمتي تبكيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تبكيه وكذا تقدم عند المصنف في الجنائز نحو هذا ومن طريق بن عيينة عن بن المندر نحوه والله أعلم الحديث الرابع حديث أبي موسى

[ 3853 ] قوله أرى عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الأصول وهو بضم الهمزة بمعنى أظن والقائل ذلك هو البخاري كأنه شك هل سمع من شيخه صيغة الرفع أم لا وقد ذكر هذه العبارة في هذا الحديث في علامات النبوة وفي التعبير وغيرهما وأخرجه مسلم وأبو يعلى عن أبي كريب شيخ البخاري فلم يترددا فيه قوله رأيت في رواية الكشميهني أريت قوله أني هززت سيفا في رواية الكشميهني سيفي وقد تقدم في أول الغزوة أنه ذو الفقار قوله فانقطع صدره عند بن إسحاق ورأيت في ذباب سيفي ثلما وعند أبي الأسود في المغازي عن عروة رأيت سيفي ذا الفقار قد انقصم من عند ظبته وكذا عند بن سعد وأخرجه البيهقي في الدلائل من حديث أنس وسبق موصولا وفي رواية عروة كأن الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه المكرم وعند بن هشام حدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل قوله ورأيت فيها بقرا بالموحدة والقاف وفي رواية أبي الأسود عن عروة بقرا تذبح وكذا في حديث بن عباس عند أبي يعلى قوله والله خير هذا من جملة الرؤيا كما جزم به عياض وغيره كذا بالرفع فيهما على أنه مبتدأ وخبر وفيه حذف تقديره وصنع الله خير قال السهيلي معناه رأيت بقرا تنحر والله عنده خير قلت في رواية بن إسحاق وإني رأيت والله خيرا رأيت بقرا وهي أوضح والواو للقسم والله بالجر وخيرا مفعول رأيت وقال السهيلي البقر في التعبير بمعنى رجال متسلحين يتناطحون قلت وفيه نظر فقد رأى الملك بمصر البقر وأولها يوسف عليه السلام بالسنين وقد وقع في حديث بن عباس ومرسل عروة تأولت البقر التي رأيت بقرا يكون فينا قال فكان ذلك من أصيب من المسلمين أه وقوله بقر هو بسكون القاف وهو شق البطن وهذا أحد وجوه التغيير أن يشتق من الاسم معنى مناسب ويمكن أن يكون ذلك لوجه آخر من وجوه التأويل وهو التصحيف فان لفظ بقر مثل لفظ نفر بالنون والفاء خطا وعند أحمد والنسائي وابن سعد من حديث جابر بسند صحيح في هذا الحديث ورأيت بقرا منحرة وقال فيه فأولت أن الدرع المدينة والبقر نفر هكذا فيه بنون وفاء وهو يؤيد الاحتمال المذكور فالله أعلم وسيأتي بقية لهذا في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث خباب تقدم بهذا السند والمتن مع الكلام عليه

قوله باب أحد جبل يحبنا ونحبه قال السهيلي سمى أحدا لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك أو لما وقع من أهله من نصر التوحيد قوله قاله عباس بن سهل عن أبي حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث وصله البزار في الزكاة مطولا وقد تقدم شرح ما فيه هناك إلا ما يتعلق بأحد ونسبة مغلطاي إلى تخريجه موصولا في كتاب الحج وإنما خرج هناك أصله دون خصوص هذه الزيادة

[ 3855 ] قوله أخبرني أبي هو علي بن نصر الجهضمي قوله هذا جبل يحبنا ونحبه ظهر من الرواية التي بعدها أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما رآه في حال رجوعه من الحج ووقع في رواية أبي حميد أنه قال لهم ذلك لما رجع من تبوك وأشرف على المدينة قال هذه طابة فلما رأى أحدا قال هذا جبل يحبنا ونحبه فكأنه صلى الله عليه وسلم تكرر منه ذلك القول وللعلماء في معنى ذلك أقوال أحدها أنه على حذف مضاف والتقدير أهل أحد والمراد بهم الأنصار لأنهم جيرانه ثانيها أنه قال ذلك للمسرة بلسان الحال إذا قدم من سفر لقربه من أهله ولقياهم وذلك فعل من يحب بمن يحب ثالثها أن الحب من الجانبين على حقيقته وظاهره لكون أحد من جبال الجنة كما ثبت في حديث أبي عبس بن جبر مرفوعا جبل أحد يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة أخرجه أحمد ولا مانع في جانب البلد من إمكان المحبة منه كما جاز التسبيح منها وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب اسكن أحد الحديث وقال السهيلي كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية قال ومع كونه مشتقا من الأحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم به لفظا ومعنى فخص من بين الجبال بذلك والله أعلم وقد تقدم شيء من الكلام على قوله يحبنا ونحبه في باب من غزا بصبي للخدمة من كتاب الجهاد ثم ذكر المصنف حديث عقبة بن عامر في صلاته صلى الله عليه وسلم على أهل أحد وقد تقدم مع الكلام عليه في أول الباب

قوله باب غزوة الرجيع سقط لفظ باب لأبي ذر والرجيع بفتح الراء وكسر الجيم هو في الأصل اسم للروث سمي بذلك لاستحالته والمراد هنا اسم موضع من بلاد هذيل كانت الوقعة بقرب منه فسميت به قوله ورعل وذكوان أي وغزوة رعل وذكوان فأما رعل فبكسر الراء وسكون المهملة بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن لهيعة بن سليم وأما ذكوان فبطن من بني سليم أيضا ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم فنسبت الغزوة إليهما قوله وبئر معونة بفتح الميم وضم المهملة وسكون الواو بعدها نون موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان وهذه الوقعة تعرف بسرية القراء وكانت مع بني رعل وذكوان المذكورين وسيذكر ذلك في حديث أنس المذكور في الباب قوله وحديث عضل والقارة أما عضل فبفتح المهملة ثم المعجمة بعدها لام بطن من بني الهول بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ينسبون إلى عضل بن الديش بن محكم وأما القارة فبالقاف وتخفيف الراء بطن من الهول أيضا ينسبون إلى الديش المذكور وقال بن دريد القارة أكمة سوداء فيها حجارة كأنهم نزلوا عندها فسموا بها ويضرب بهم المثل في إصابة الرمي وقال الشاعر قد انصف القارة من راماها وقصة العضل والقارة كانت في غزوة الرجيع لافي سرية بئر معونة وقد فصل بينهما بن إسحاق فذكر غزوة الرجيع في أواخر سنة ثلاث وبئر معونة في أوائل سنة أربع ولم يقع ذكر عضل والقارة عند المصنف صريحا وإنما وقع ذلك عند بن إسحاق فإنه بعد أن استوفى قصة أحد قال ذكر يوم الرجيع حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فبعث معهم ستة من أصحابه فذكر القصة وعرف بها بيان قول المصنف قال بن إسحاق حدثنا عاصم بن عمر أنها بعد أحد وان الضمير يعود على غزوة الرجيع لا على غزوة بئر معونة وساذكر ما عنده فيهما من فائدة زائدة في شرح حديث أبي هريرة في الباب قوله وعاصم بن ثابت أي بن أبي الأقلح بالقاف والمهملة الأنصاري وخبيب بالمعجمة والموحدة مصغر قوله وأصحابه يعني العشرة كما سنذكره في حديث أبي هريرة تنبيه سياق هذه الترجمة يوهم أن غزوة الرجيع وبئر معونة شيء واحد وليس كذلك كما أوضحته فغزوة الرجيع كانت سرية عاصم وخبيب في عشرة أنفس وهي مع عضل والقارة وبئر معونة كانت سرية القراء السبعين وهي مع رعل وذكوان وكأن المصنف أدرجها معها لقربها منها وبدل على قربها منها ما في حديث أنس من تشريك النبي صلى الله عليه وسلم بين بني لحيان وبني عصية وغيرهم في الدعاء عليهم وذكر الواقدي أن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة ورجح السهيلي أن رواية البخاري أن عاصم كان أميرهم أرجح وجمع غيره بأن أمير السرية مرثد وأن أمير العشرة عاصم بناء على التعدد ولم يرد المصنف أنهما قصة واحدة والله أعلم

[ 3858 ] قوله عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي هكذا يقول معمر ووافقه شعيب وآخرون وقد تقدم مستوفى في الجهاد بأتم من هذا وإبراهيم بن سعد يقول عن الزهري عن عمر بضم العين كذا أخرجه بن سعد عن معن بن عيسى عنه وكذا قال الطيالسي عن إبراهيم وبذلك جزم الذهلي في الزهريات لكن وقع في غزوة بدر عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عمرو بفتح العين وأخرجه أبو داود عن موسى المذكور فقال عمر كذا قال بن أخي الزهري ويونس من رواية الليث عنه عن الزهري عن عمر قال البخاري في تاريخه عمرو أصح وقد ذكرت ما فيه في غزوة بدر قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية في رواية الكشميهني بسرية بزيادة موحدة في أوله وفي رواية إبراهيم بن سعد التي مضت في غزوة بدر بعث عشرة عينا يتجسسون له وفي رواية أبي الأسود عن عروة بعثهم عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش وذكر الواقدي أن سبب خروج بني لحيان عليهم قتل سفيان بن نبيح الهذلي قلت وكان قتل سفيان المذكور على يد عبد الله بن أنيس وقصته عند أبي داود بإسناد حسن وذكر بن إسحاق أنهم كانوا ستة وسماهم وهم عاصم بن ثابت المذكور ومرثد بن أبي مرثد وخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وهو بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون وعبد الله بن طارق وخالد بن البكير وجزم بن سعد بأنهم كانوا عشرة وساق أسماء الستة المذكورين وزاد معتب بن عبيد قال وهو أخو عبد الله بن طارق لأمه وكذا سمى موسى بن عقبة السبعة المذكورين لكن قال معتب بن عوف قلت فلعل الثلاثة الآخرين كانوا أتباعا لهم فلم يحصل الاعتناء بتسميتهم قوله وأمر عليهم عاصم بن ثابت كذا في الصحيح وفي السيرة أن الأمير عليهم كان مرثد بن أبي مرثد وما في الصحيح أصح قوله حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة تقدم في غزوة بدر حتى إذا كانوا بالهداة وهي للأكثر بسكون الدال بعدها همزة مفتوحة وللكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة وعند بن إسحاق الهدة بتشديد الدال بغير ألف قال وهي على سبعة أميال من عسفان قوله وهو جد عاصم بن عمر تقدم أنه خال عاصم لا جده وأن الرواية المتقدمة يمكن ردها إلى الصواب بأن يقرأ جد بالكسر وأما هذه فلا حيلة فيها وقد أخذ بظاهرها بعضهم فقال تزوج عمر جميلة بنت عاصم بن ثابت فولدت له عاصما قوله يقال لهم بنو لحيان بكسر اللام وقيل بفتحها وسكون المهملة ولحيان هو بن هذيل نفسه وهذيل هو بن مدركة بن الياس بن مضر وزعم الهمداني النسابة أن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلوا في هذيل فنسبوا إليهم قوله فتبعوهم بقريب من مائة رام في رواية شعيب في الجهاد فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل والجمع بينهما واضح بأن تكون المائة الأخرى غير رماة ولم أقف على اسم أحد منهم قوله فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر في رواية أبي معشر في مغازيه فنزلوا بالرجيع سحرا فأكلوا تمر عجوة فسقطت نواة بالأرض وكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت النواة فأنكرت صغرها وقالت هذا تمر يثرب فصاحت في قومها أتيتم فجاءوا في طلبهم فوجدوهم قد كمنوا في الجبل قوله حتى لحقوهم في رواية بن سعد فلم يرع القوم إلا بالرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم قوله لجئوا إلى فدفد بفاءين مفتوحتين ومهملتين الأولى ساكنة وهي الرابية المشرفة ووقع عند أبي داود إلى قردد بقاف وراء ودالين قال بن الأثير هو الموضع المرتفع ويقال الأرض المستوية والأول أصح قوله فقالوا لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا في رواية بن سعد فقالوا لهم إنا والله ما نريد قتالكم إنما نريد أن نصيب منكم شيئا من أهل مكة قوله فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر في مرسل بريدة بن سفيان عن سعيد بن منصور فقال عاصم اليوم لا أقبل عهدا من مشرك قوله فقال اللهم أخبر عنا رسولك في رواية الطيالسي عن إبراهيم بن سعد فاستجاب الله لعاصم فأخبر رسوله خبره فأخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا وفي رواية بريدة فقال عاصم اللهم إني أحمى لك اليوم دينك فاحمي لي لحمي وسيأتي ما يتعلق بذلك في آخر الكلام على الحديث قوله في سبعة أي في جملة سبعة قوله وبقي خبيب وزيد ورجل آخر في رواية بن إسحاق فأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فاستأسروا وعرف منه تسمية الرجل الثالث وأنه عبد الله بن طارق وفي رواية أبي الأسود عن عروة أنهم صعدوا في الجبل فلم يقدروا عليهم حتى أعطوهم العهد والميثاق قوله فربطوهم بها فقال الرجل الثالث الذي معهما هذا أول الغدر الخ وهو يقتضي أن ذلك وقع منه أول ما أسروهم لكن في رواية بن إسحاق فخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن الطارق يده وأخذ سيفه فذكر قصة قتله فيحتمل أنهم إنما ربطوهم بعد أن وصلوا إلى مر الظهران وإلا فما في الصحيح أصح قوله حتى باعوهما بمكة في رواية بن إسحاق وابن سعد فأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه وعند بن سعد أن الذي تولى قتله نسطاس مولى صفوان قوله فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بين بن إسحاق أن الذي تولى شراءه هو حجين بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل وكان أخا الحارث بن عامر لأمه وفي رواية بريدة بن سفيان أنهم اشتروا خبيبا بأمة سوداء وقال بن هشام باعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة ويمكن الجمع قوله وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر كذا وقع في حديث أبي هريرة واعتمد البخاري على ذلك فذكر خبيب بن عدي فيمن شهد بدرا وهو اعتماد متجه لكن تعقبه الدمياطي بأن أهل المغازي لم يذكر أحد منهم أن خبيب بن عدي شهد بدرا ولا قتل الحارث بن عامر وإنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر خبيب بن أساف وهو غير خبيب بن عدي وهو خزرجي وخبيب بن عدي أوسي والله أعلم قلت يلزم من الذي قال ذلك رد هذا الحديث الصحيح فلو لم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر ما كان لاعتناء الحارث بن عامر بأسر خبيب معنى ولا بقتله مع التصريح في الحديث الصحيح أنهم قتلوه به لكن يحتمل أن يكون قتلوه بخبيب بن عدي لكون خبيب بن أساف قتل الحارث على عادتهم في الجاهلية بقتل بعض القبيلة عن بعض ويحتمل أن يكون خبيب بن عدي شرك في قتل الحارث والعلم عند الله تعالى قوله فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله في رواية بن سعد فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما وفي رواية بريدة بن سفيان فأساءوا اليه في اساره فقال لهم ما تصنع القوم الكرام هذا بأسيرهم قال فأحسنوا اليه بعد ذلك وجعلوه عند امرأة تحرسه وروى بن سعد من طريق موهب مولى آل نوفل قال قال لي خبيب وكانوا جعلوه عندي يا موهب أطلب إليك ثلاثا أن تسقيني العذب وأن تجنبني ما ذبح على النصب وأن تعلمني إذا أرادوا قتلي قوله حتى إذا أجمعوا على قتله استعار موسى هكذا وقعت هذه القصة مدرجة في رواية معمر وكذا إبراهيم بن سعد كما تقدم في غزوة بدر وقد وصلها شعيب في روايته كما تقدم في الجهاد قال فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى ووقع في الأطراف لخلف أن اسمها زينب بنت الحارث وهي أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيبا وقيل امرأته وعبيد الله بن عياض المذكور قال الدمياطي أغفله من صنف في رجال البخاري قلت لكن ترجم له المزي وذكر أنه تابعي روى عن عائشة وغيرها وروى عنه الزهري وعبد الله بن عثمان بن خثيم وغيرهما والقائل فأخبرني هو الزهري ووهم من زعم أنه عمرو بن أبي سفيان وعند بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح قال حدثت مارية مولاة حجين بن أبي إهاب وكانت قد أسلمت قالت حبس خبيب في بيتي ولقد اطلعت عليه يوما وان في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه فإن كان محفوظا احتمل أن يكون كل من مارية وزينب رأت القطف في يده يأكله وأن التي حبس في بيتها مارية والتي كانت تحرسه زينب جمعا بين الروايتين ويحتمل أن يكون الحارث أبا لمارية من الرضاع ووقع عند بن بطال أن اسم المرأة جويرية فيحتمل أن يكون لما رأى قول بن إسحاق إنها مولاة حجين بن أبي إهاب أطلق عليها جويرية لكونها أمة أو يكون وقع له رواية فيها أن اسمها جويرية وقوله موسى يجوز فيه الصرف وعدمه وقوله ليستحد بها في رواية بريدة بن سفيان ليستطيب بها والمراد أنه يحلق عانته قوله قالت فغفلت عن صبي لي ذكر الزبير بن بكار أن هذا الصبي هو أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي المحدث وهو من أقران الزهري وفي رواية بريدة بن سفيان وكان لها بن صغير فأقبل اليه الصبي فأخذه فأجلسه عنده فخشيت المرأة أن يقتله فناشدته وعند أبي الأسود عن عروة فأخذ خبيب بيد الغلام فقال هل أمكن الله منكم فقالت ما كان هذا ظني بك فرمى لها الموسى وقال إنما كنت مازحا وفي رواية بريدة بن سفيان ما كنت لأغدر وعند بن إسحاق عن بن أبي نجيح وعاصم بن عمر جميعا أن مارية قالت قال لي خبيب حين حضره القتل ابعثي لي بحديدة أتطهر بها قالت فأعطيته غلاما من الحي قال بن هشام يقال إن الغلام ابنها ويجمع بين الروايتين بأنه طلب الموسى من كل من المرأتين وكان الذي أوصله اليه بن إحداهما وأما الابن الذي خشيت عليه ففي رواية هذا الباب فغفلت عن صبي لي فدرج اليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فهذا غير الذي أحضر اليه الحديدة والله أعلم قوله لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة القطف بكسر القاف العنقود وفي رواية بن إسحاق عن بن أبي نجيح كما تقدم وان في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل قوله وما كان إلا رزق رزقه الله في رواية بن سعد رزقه الله خبيبا وفي رواية شعيب وثابت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا قال بن بطال هذا يمكن أن يكون الله جعله آية على الكفار وبرهانا لنبيه لتصحيح رسالته قال فاما من يدعى وقوع ذلك له اليوم بين ظهراني المسلمين فلا وجه له إذ المسلمون قد دخلوا في الدين وأيقنوا بالنبوة فأي معنى لإظهار الآية عندهم ولو لم يكن في تجويز ذلك إلا أن يقول جاهل إذا جاز ظهور هذه الآيات على يد غير نبي فكيف نصدقها من نبي والفرض أن غيره يأتي بها لكان في إنكار ذلك قطعا للذريعة إلى أن قال إلا أن يكون وقوع ذلك مما لا يخرق عادة ولا يقلب عينا مثل أن يكرم الله عبدا بإجابة دعوة في الحين ونحو ذلك مما يظهر فيه فضل الفاضل وكرامة الولي ومن ذلك حماية الله تعالى عاصما لئلا ينتهك عدوه حرمته انتهى والحاصل ان بن بطال توسط بين من يثبت الكرامة ومن ينفيها فجعل الذي يثبت ما قد تجري به العادة لآحاد الناس أحيانا والممتنع ما يقلب الأعيان مثلا والمشهور عن أهل السنة إثبات الكرامات مطلقا لكن استثنى بعض المحققين منهم كأبي القاسم القشيري ما وقع به التحدي لبعض الأنبياء فقال ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولد من غير أب ونحو ذلك وهذا أعدل المذاهب في ذلك فإن إجابة الدعوة في الحال وتكثير الطعام والماء والمكاشفة بما يغيب عن العين والإخبار بما سيأتي ونحو ذلك قد كثر جدا حتى صار وقوع ذلك مما ينسب إلى الصلاح كالعادة فانحصر الخارق الآن فيما قاله القشيري وتعين تقييد قول من أطلق ان كل معجزة وجدت لنبي يجوز أن تقع كرامة لولي ووراء ذلك كله أن الذي استقر عند العامة أن خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى وهو غلط ممن يقوله فان الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك فان كان متمسكا بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته ومن لا فلا وبالله التوفيق قوله فلما خرجوا به من الحرم بين بن إسحاق أنهم أخرجوه الى التنعيم قوله دعوني أصل كذا للكشميهني بغير ياء ولغيره بثبوت الياء ولكل وجه ولموسى بن عقبة أنه صلى ركعتين في موضع مسجد التنعيم قوله لزدت في رواية بريدة بن سفيان لزدت سجدتين أخريين قوله ثم قال اللهم أحصهم عددا زاد في رواية إبراهيم بن سعد واقتلهم بددا أي متفرقين ولا تبق منهم أحدا وفي رواية بريدة بن سفيان فقال خبيب اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه وفيه فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء قال فلبد رجل بالأرض خوفا من دعائه فقال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا قال فلم يحل الحول ومنهم أحد حي غير ذلك الرجل الذي لبد بالأرض وحكى بن إسحاق عن معاوية بن أبي سفيان قال كنت مع أبي فجعل يلقيني إلى الأرض حين سمع دعوة خبيب وفي رواية أبي الأسود عن عروة ممن حضر ذلك أبو إهاب بن عزيز والأخنس بن شريق وعبيدة بن حكيم السلمي وأمية بن عتبة بن همام وعنده أيضا فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأخبر أصحابه بذلك وعند موسى بن عقبة فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس وعليك السلام يا خبيب قتلته قريش قوله ما إن أبالي هكذا للأكثر وللكشميهني فلست أبالي وهو أوزن والأول جائز لكنه مخروم ويكمل بزيادة الفاء وما نافية وان بعدها بكسر الهمزة نافية أيضا للتأكيد وفي رواية شعيب للكشميهني وما إن أبالي بزيادة واو ولغيره ولست أبالي وقوله وذلك في ذات الإله يأتي الكلام على هذه اللفظة في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قوله أوصال شلو ممزع الأوصال جمع وصل وهو العضو والشلو بكسر المعجمة الجسد وقد يطلق على العضو ولكن المراد به هنا الجسد والممزع بالزاي ثم المهملة المقطع ومعنى الكلام أعضاء جسد يقطع وعند أبي الأسود عن عروة زيادة في هذا الشعر لقد أجمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وفيه إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي وساقها بن إسحاق ثلاثة عشر بيتا قال بن هشام ومنهم من ينكرها لخبيب قوله ثم قام اليه عقبة بن الحارث فقتله سيأتي البحث فيه في الحديث الذي بعده وفي رواية أبي الأسود عن عروة فلما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب أن محمدا مكانك قال لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه قوله وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر لعل العظيم المذكور عقبة بن أبي معيط فان عاصما قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر ووقع عند بن إسحاق وكذا في رواية بريدة بن سفيان أن عاصما لما قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وهي أم مسافع وجلاس ابني طلحة العبدري وكان عاصم قتلهما يوم أحد وكانت نذرت لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر في قحفه فمنعته الدبر فان كان محفوظا احتمل أن تكون قريش لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الدبر لها من أخذ رأس عاصم فأرسلت من يأخذه أو عرفوا بذلك ورجوا أن تكون الدبر تركته فيتمكنوا من أخذه قوله مثل الظلة من الدبر الظلة بضم المعجمة السحابة والدبر بفتح المهملة وسكون الموحدة الزنابير وقيل ذكور النحل ولا واحد له من لفظه وقوله فحمته بفتح المهملة والميم أي منعته منهم قوله فلم يقدروا منه على شيء في رواية شعبة فلم يقدروا أن يقطعوا من لحمة شيئا وفي رواية أبي الأسود عن عروة فبعث الله عليهم الدبر تطير في وجوههم وتلدغهم فحالت بينهم وبين أن يقطعوا وفي رواية بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن قتادة قال كان عاصم بن ثابت أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا فكان عمر يقول لما بلغه خبره يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه في حياته وفي الحديث أن للأسير أن يمتنع من قبول الأمان ولا يمكن من نفسه ولو قتل أنفة من أنه يجري عليه حكم كافر وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة فإن أراد الأخذ بالرخصة فله أن يستأمن قال الحسن البصري لا بأس بذلك وقال سفيان الثوري أكره ذلك وفيه الوفاء للمشركين بالعهد والتورع عن قتل أولادهم والتلطف بمن أريد قتله وإثبات كرامة الأولياء والدعاء على المشركين بالتعميم والصلاة عند القتل وفيه إنشاء الشعر وإنشاده عند القتل ودلالة على قوة يقين خبيب وشدته في دينه وفيه أن الله يبتلي عبده المسلم بما شاء كما سبق في علمه ليثيبه ولو شاء ربك ما فعلوه وفيه استجابة دعاء المسلم وإكرامه حيا وميتا وغير ذلك من الفوائد مما يظهر بالتأمل وإنما استجاب الله له في حماية لحمه من المشركين ولم يمنعهم من قتله لما أراد من إكرامه بالشهادة ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمه وفيه ما كان عليه مشركو قريش من تعظيم الحرم والأشهر الحرم الحديث الثاني

[ 3859 ] قوله عن عمرو هو بن دينار قوله الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة زاد سعيد بن منصور عن سفيان واسمه عقبة بن الحارث ووقع عند الإسماعيلي من رواية بن أبي عمر عن سفيان مدرجا وهذا خالف فيه سفيان جماعة من أهل السير والنسب فقالوا أبو سروعة أخو عقبة بن الحارث حتى قال أبو أحمد العسكري من زعم أنهما واحد فقد وهم وذكر بن إسحاق بإسناد صحيح عن عقبة بن الحارث قال ما أنا قتلت خبيبا لأني كنت أصغر من ذلك ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله

[ 3860 ] الحديث الثالث وهو أول حديث بئر معونة وجميعها عن أنس قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة فسر قتادة الحاجة كما سيأتي قريبا بقوله أن رعلا وغيرهم استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار وقد تقدم في الجهاد من وجه آخر عن سعيد عن قتادة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان فزعموا أنهم أسلموا واستمدوا على قومهم وفي هذا رد على من قال رواية قتادة وهم وأنهم لم يستمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الذي استمدهم عامر بن الطفيل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ولا مانع أن يستمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر ويكون قصدهم الغدر بهم ويحتمل أن يكون الذين استمدوا غير الذين استمدهم عامر بن الطفيل وان كان الكل من بني سليم وفي رواية عاصم آخر الباب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أقواما إلى ناس من المشركين بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ويحتمل أنه لم يكن استمدادهم لهم لقتال عدو وإنما هو للدعاء إلى الإسلام وقد أوضح ذلك بن إسحاق قال حدثني أبي عن المغيرة بن عبد الرحمن وغيره قال قدم أبو براء عامر بن مالك المعروف بملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك وأنا جار لهم فبعث المنذر بن عمرو في أربعين رجلا منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان ورافع بن بديل بن ورقاء وعروة بن أسماء وعامر بن فهيرة وغيرهم من خيار المسلمين وكذلك أخرج هذه القصة موسى بن عقبة عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم نحوه لكن لم يسم المذكورين ووصله الطبري من وجه آخر عن بن شهاب عن بن كعب بن مالك عن كعب ووصلها أيضا بن عائذ من حديث بن عباس لكن بسند ضعيف وهي عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مختصرا ولم يسم أبا براء بل قال إن ناسا ويمكن الجمع بينه وبين الذي في الصحيح بأن الأربعين كانوا رؤساء وبقية العدة أتباعا ووهم من قال كانوا ثلاثين فقط وذكر المصنف في مرسل عروة أن عامر بن الطفيل أسر عمرو بن أمية يوم بئر معونة وهو شاهد لمرسل بن إسحاق قوله يقال لهم القراء قد بين قتادة في روايته أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وفي رواية ثابت ويشترون به الطعام لأهل الصفة ويتدارسون القرآن بالليل ويتعلمون قوله فعرض لهم حيان بالمهملة والتحتانية تثنية حي أي جماعة من بني سليم

[ 3862 ] قوله في رواية قتادة أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان ذكر بني لحيان في هذه القصة وهم وأنما كان بنو لحيان في قصة خبيب في غزوة الرجيع التي قبل هذه قوله في رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله أخا أم سليم في سبعين راكبا قد سماه في هذه الرواية حراما وكذا في رواية ثمامة عن أنس التي بعدها والضمير في خاله لأنس وقد قال في الرواية الأخرى الآتية عن ثمامة عن أنس لما طعن حران بن ملحان وكان خاله وعجب تجويز الكرماني أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم قال وحرام خاله من الرضاعة ويجوز أن يكون من جهة النسب كذا قاله قوله قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا ثم إن ذلك أي القرآن رفع أي نسخت تلاوته وفي الرواية المتقدمة ثم رفع بعد ذلك ورواه أحمد عن غندر عن شعبة بلفظ ثم نسخ ذلك

[ 3863 ] قوله زاد خليفة هو بن خياط وهو أحد شيوخ البخاري قوله قرآنا كتابا نحوه أي نحو رواية عبد الأعلى بن حماد عن يزيد بن زريع قوله في رواية إسحاق وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل أي بن مالك بن جعفر بن كلاب وهو بن أخي أبي براء عامر بن مالك قوله خير بفتح أوله وحذف المفعول أي خير النبي صلى الله عليه وسلم وبينه البيهقي في الدلائل من رواية عثمان بن سعيد عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه ولفظه وكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أخيرك بين ثلاث خصال فذكر الحديث ووقع في بعض النسخ خير بضم أوله وخطأها بن قرقول قوله بألف وألف في رواية عثمان بن سعيد بألف أشقر وألف شقراء قوله غدة كغدة البكر يجوز فيه الرفع بتقدير اصابتني غدة أو غدة بي ويجوز النصب على المصدر أي أغده غدة مثل بعيره والغدة بضم المعجمة من أمراض الإبل وهو طاعونها قوله في بيت امرأة من آل بني فلان بينها الطبراني من حديث سهل بن سعد فقال امرأة من آل سلول وبين فيه قدوم عامر بن الطفيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال فيه لأغزونك بألف أشقر وألف شقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أصحاب بئر معونة بعد أن رجع عامر وأنه غدر بهم وأخفر ذمة عمه أبي براء وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه فقال اللهم اكفني عامرا قال فجاء إلى بيت امرأة من بني سلول قلت سلول امرأة وهي بنت ذهل بن شيبان وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة فنسب بنوه إليها قوله فاطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج كذا هنا على أنها صفة حرام وليس كذلك بل الأعرج غيره وقد وقع في رواية عثمان بن سعيد فانطق حرام ورجلان معه رجل أعرج ورجل من بني فلان فالذي يظهر أن الواو في قوله وهو قدمت سهوا من الكاتب والصواب تأخيرها وصواب الكلام فانطلق حرام هو ورجل أعرج فأما الأعرج فاسمه كعب بن زيد وهو من بني دينار بن النجار وأما الآخر فاسمه المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي سماهما بن هشام في زيادات السيرة ووقع في بعض النسخ هو ورجل أعرج وهو الصواب قوله فإن آمنوني كنتم وقع هنا بطريق الاكتفاء ووقع في رواية عثمان بن سعيد المذكور فان آمنوني كنتم كذا ولعل لفظه كذا من الراوي كأنه كتبها على قوله كنتم أي كذا وقع بطريق الاكتفاء ولأبي نعيم في المستخرج من طريق عبيد الله بن زيد المقري عن همام فان آمنون كنتم قريبا مني فهذه رواية مفسرة قوله فجعل يحدثهم في رواية الطبري من طريق عكرمة عن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة في هذه القصة فخرج حرام فقال يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكم فآمنوا بالله ورسوله فخرج رجل من كسر البيت برمح فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر قوله فأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه لم أعرف اسم الرجل الذي طعنه ووقع في السيرة لابن إسحاق ما ظاهره أنه عامر بن الطفيل لأنه قال فلما نزلوا أي الصحابة بئر معونة بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله لكن وقع في الطبراني من طريق ثابت عن أنس أن قاتل حرام بن ملحان أسلم وعامر بن الطفيل مات كافرا كما تقدم في هذا الباب وأما ما أخرجه المستغفري في الصحابة من طريق القاسم عن أبي أمامة عن عامر بن الطفيل أنه قال يا رسول الله زودني بكلمات قال يا عامر أفش السلام وأطعم الطعام واستحي من الله وإذا أسأت فأحسن الحديث فهو أسلمي ووهم المستغفري في كونه ساق في ترجمته نسب عامر بن الطفيل العامري وقد روى البغوي في ترجمة أبي براء عامر بن مالك العامري من طريق عبد الله بن بريدة الأسلمي قال حدثني عمي عامر بن الطفيل فذكر حديثا فعرف أن الصحابي أسلمي ووافق اسمه واسم أبيه العامري فكان ذلك سبب الوهم قوله قال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل فقتلوا كلهم أشكل ضبط قوله فلحق الرجل في هذا السياق فقيل يحتمل أن يكون المراد بالرجل الرجل الذي كان رفيق حرام وفيه حذف تقديره فلحق الرجل بالمسلمين ويحتمل أن يكون المراد به قاتل حرام والتقدير فطعن حراما فقال فزت ورب الكعبة فلحق الرجل المشرك الطاعن بقومه المشركين فاجتمعوا على المسلمين فقتلوا كلهم ويحتمل أن يكون فلحق بضم اللام والرجل هو حرام أي لحقه أجله أو الرجل رفيقه بمعنى أنهم لم يمكنوه أن يرجع إلى المسلمين بل لحقه المشركون فقتلوه وقتلوا أصحابه ويحتمل أن يضبط الرجل بسكون الجيم وهو صيغة جمع والمعنى أن الذي طعن حراما لحق بقومه وهم الرجال الذين استنصر بهم عامر بن الطفيل والرجل بسكون الجيم هم المسلمون القراء فقتلوا كلهم وهذا أوجه التوجيهات إن ثبتت الرواية بسكون الجيم والله أعلم قوله فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل في رواية حفص بن عمر عن همام في كتاب الجهاد فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل قال همام وآخر معه وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه فقتلوا أصحابه غير الأعرج وكان في رأس الجبل قوله ثم كان من المنسوخ أي المنسوخ تلاوته فلم يبق له حكم حرمة القرآن كتحريمه على الجنب وغير ذلك قوله في رواية ثمامة وكان خاله أي خال أنس قوله قال بالدم هكذا هو من إطلاق القول على الفعل وقد فسره بأنه نضح الدم قوله فزت ورب الكعبة أي بالشهادة

قوله عن عائشة قالت استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الخروج يعني في الهجرة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى بطوله في أبواب الهجرة وإنما ذكر منه ههنا هذه القطعة من أجل ذكر عامر بن فهيرة لينبه أنه كان من السابقين قوله فيه فكان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخو عائشة في رواية الكشميهني أخي عائشة وهما جائزان الأولى على القطع والثانية على البدل وفي قوله عبد الله بن الطفيل نظر وكأنه مقلوب والصواب كما قال الدمياطي الطفيل بن عبد الله بن سخبرة وهو أزدى من بني زهران وكان أبوه زوج أم رومان والدة عائشة فقدما في الجاهلية مكة فحالف أبا بكر ومات وخلف الطفيل فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان فولدت له عبد الرحمن وعائشة فالطفيل أخوهما من أمهما واشترى أبو بكر عامر بن فهيرة من الطفيل

[ 3867 ] قوله وعن أبي أسامة هو معطوف على قوله حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة وإنما فصله ليبين الموصول من المرسل وكأن هشام بن عروة حدث به عن أبيه هكذا فذكر قصة الهجرة موصولة بذكر عائشة فيه وقصة بئر معونة مرسلة ليس فيه ذكر عائشة ووجه تعلقه به من جهة ذكر عامر بن فهيرة فإنه ذكر في شأن الهجرة أنه كان معهم وفيه فلما خرجا أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خرج معهم أي إلى المدينة وقوله يعقبانه بالقاف أي يركبانه عقبة وهو أن ينزل الراكب ويركب رفيقه ثم ينزل الآخر ويركب الماشي هذا الذي يقتضيه ظاهر اللفظ في العقبة ويحتمل أن يكون المراد أن هذا يركبه مرة وهذا يركبه أخرى ولو كان كذلك لكان التعبير بيرد فإنه أظهر قوله فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة هذا آخر الحديث الموصول ثم ساق هشام بن عروة عن أبيه صفة قتل عامر بن فهيرة مرسلة وقد وقع عند الإسماعيلي والبيهقي في الدلائل سياق هذه القصة في حديث الهجرة موصولا به مدرجا والصواب ما وقع في الصحيح قوله لما قتل الذين ببئر معونة أي القراء الذين تقدم ذكرهم وأسر عمرو بن أمية الضمري قد ساق عروة ذلك في المغازي من رواية أبي الأسود عنه وفي روايته وبعث النبي صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة وبعث معه المطلب السلمي ليدلهم على الطريق فقتل المنذر بن عمرو وأصحابه إلا عمرو بن أمية فإنهم أسروه واستحيوه وفي رواية بن إسحاق في المغازي أن عامر بن الطفيل اجتز ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه قوله قال له عامر بن الطفيل من هذا فأشار إلى قتيل في رواية الواقدي بإسناده عن عروة أن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية هل تعرف أصحابك قال نعم فطاف في القتلى فجعل يسأله عن أنسابهم قوله هذا عامر بن فهيرة وهو مولى أبي بكر المذكور في حديث الهجرة قوله لقد رأيته بعد ما قتل في رواية عروة المذكورة فأشار عامر بن الطفيل إلى رجل فقال هذا طعنه برمحه ثم انتزع رمحه فذهب بالرجل علوا في السماء حتى ما أراه قوله ثم وضع أي إلى الأرض وذكر الواقدي في روايته أن الملائكة وارته ولم يره المشركون وهذا وقع عند بن المبارك عن يونس عن الزهري وفي ذلك تعظيم لعامر بن فهيرة وترهيب للكفار وتخويف وفي رواية عروة المذكورة وكان الذي قتله رجل من بني كلاب جبار بن سلمى ذكر أنه لما طعنه قال فزت والله قال فقلت في نفسي ما قوله فزت فأتيت الضحاك بن سفيان فسألته فقال بالجنة قال فأسلمت ودعاني إلى ذلك ما رأيت من عامر بن فهيرة انتهى وجبار بالجيم والموحدة مثقل معدود في الصحابة ووقع في ترجمة عامر بن فهيرة في الاستيعاب أن عامر بن الطفيل قتله وكأن نسبته له على سبيل التجوز لكونه كان رأس القوم قوله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم قد ظهر من حديث أنس أن الله أخبره بذلك على لسان جبريل وفي رواية عروة المذكورة فجاء خبرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة قوله وأصيب فيهم يومئذ عروة بن أسماء بن الصلت أي بن أبي حبيب بن حارثة السلمي حليف بني عمرو بن عوف قوله فسمى عروة به قيل المراد بن الزبير كان الزبير سمى ابنه عروة لما ولد له باسم عروة بن أسماء المذكور وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة بن الزبير بضعة عشر عاما وقد يستبعد هذا بطول المدة وبأنه لا قرابة بين الزبير وعروة بن أسماء قوله ومنذر بن عمرو أي بن أبي حبيش بن لوذان من بني ساعدة من الخزرج وكان عقبيا بدريا من أكابر الصحابة سمى به منذرا كذا ثبت بالنصب والأول سمي به منذر كما تقدم تقريره في الذي قبله أي ان الزبير سمى ابنه منذرا باسم المنذر بن عمرو هذا فيحتمل أن تكون الرواية بفتح السين على البناء للفاعل وهو محذوف والمراد به الزبير أو المراد به أبو أسيد لما في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى بابن لأبي أسيد فقال ما اسمه قالوا فلان قال بل هو المنذر قال النووي في شرح مسلم قالوا إنه سماه المنذر تفاؤلا باسم عم أبيه المنذر بن عمرو وكان استشهد ببئر معونة فتفاءل به ليكون خلفا منه وهذا مما يؤيد البحث الذي ذكرته في عروة ويحتمل أن يوجه النصب على مذهب الكوفيين في إقامة الجار والمجرور في قوله به مقام الفاعل كا قرئ ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ومن المناسبة هنا أن عروة بن الزبير هو عروة بن أسماء بنت أبي بكر وكأنه لما كان عروة بن أسماء ناسب أن يسمى باسم عروة بن أسماء ولما سمى الزبير ابنه باسم أحد الرجلين المشهورين ناسب أن يسمى الآخر باسم الثاني

[ 3868 ] قوله حدثني محمد هو بن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك قوله عن أبي مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي اسمه لاحق بن حميد وروايته هذه مختصرة لما ظهر من رواية إسحاق بن أبي طلحة التي تقدمت وكذلك رواية مالك عن إسحاق التي بعد هذه مختصرة بالنسبة إلى رواية همام عن إسحاق المتقدمة

[ 3870 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد قوله فان فلانا كأنه محمد بن سيرين وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب الوتر قوله إلى ناس من المشركين وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد قبلهم فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد هكذا ساقه هنا وقوله قبلهم بكسر القاف وفتح الموحدة واللام أي من جهتهم وأورده في آخر كتاب الوتر عن مسدد عن عبد الواحد بلفظ إلى قوم من المشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وليس المراد من ذلك أيضا بواضح وقد ساقه الإسماعيلي مبينا فأورده يوسف القاضي عن مسدد شيخ البخاري فيه ولفظه إلى قوم من المشركين فقتلهم قوم مشركون دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فظهر أن الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد غير الذين قتلوا المسلمين وقد بين بن إسحاق في المغازي عن مشايخه وكذلك موسى بن عقبة عن بن شهاب أصحاب الطائفتين وأن أصحاب العهد هم بنو عامر ورأسهم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر المعروف بملاعب الآسنة وأن الطائفة الأخرى من بني سليم وأن عامر بن الطفيل وهو بن أخي ملاعب الأسنة أراد الغدر بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بني عامر إلى قتالهم فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمة أبي براء فاستصرخ عليهم عصية وذكوان من بني سليم فأطاعوه وقتلوهم وذكر لحسان شعرا يعيب فيه أبا براء ويحرضه على قتال عامر بن الطفيل فيما صنع فيه فعمد ربيعة بن أبي براء إلى عامر بن الطفيل فطعنه فأرداه فقال له عامر بن الطفيل إن عشت نظرت في أمري وإن مت فدمي لعمي قالوا ومات أبو براء عقب ذلك أسفا على ما صنع به عامر بن الطفيل وعاش عامر بن الطفيل بعد ذلك ومات بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمته ووقع في آخر الحديث في الدعوات فقنت شهرا في صلاة الفجر وقال إن عصية عصت الله ورسوله وعصية بطن من بني سليم مصغر قبيلة تنسب إلى عصية بن خفاف بن ندبة بن بهثة بن سليم

قوله باب غزوة الخندق وهي الأحزاب يعني أن لها اسمين وهو كما قال والأحزاب جمع حزب أي طائفة فأما تسميتها الخندق فلاجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكر أصحاب المغازي منهم أبو معشر قال قال سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين فسارعوا إلى عمله حتى فرغوا منه وجاء المشركون فحاصروهم وأما تسميتها الأحزاب فلاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين وهم قريش وغطفان واليهود ومن تبعهم وقد أنزل الله تعالى في هذه القصة صدر سورة الأحزاب وذكر موسى بن عقبة في المغازي قال خرج حيي بن أخطب بعد قتل بني النضير إلى مكة يحرض قريشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في بني غطفان ويحضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لهم نصف ثم خيبر فأجابه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري إلى ذلك وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه وخرج أبو سفيان بن حرب بقريش فنزلوا بمر الظهران فجاءهم من أجابهم من بني سليم مددا لهم فصاروا في جمع عظيم فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب وذكر بن إسحاق بأسانيده أن عدتهم عشرة آلاف قال وكان المسلمون ثلاثة آلاف وقيل كان المشركون أربعة آلاف والمسلمون نحو الألف وذكر موسى بن عقبة أن مدة الحصار كانت عشرين يوما ولم يكن بينهم قتال إلا مراماة بالنبل والحجارة وأصيب منها سعد بن معاذ بسهم فكان سبب موته كما سيأتي وذكر أهل المغازي سبب رحيلهم وأن نعيم بن مسعود الأشجعي ألقى بينهم الفتنة فاختلفوا وذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ثم أرسل الله عليهم الريح فتفرقوا وكفى الله المؤمنين القتال قوله قال موسى بن عقبة كانت في شوال سنة أربع هكذا رويناه في مغازيه قلت وتابع موسى على ذلك مالك وأخرجه أحمد عن موسى بن داود عنه وقال بن إسحاق كانت في شوال سنة خمس وبذلك جزم غيره من أهل المغازي ومال المصنف إلى قول موسى بن عقبة وقواه بما أخرجه أول أحاديث الباب من قول بن عمر أنه عرض يوم أحد وهو بن أربع عشرة ويوم الخندق وهو بن خمس عشرة فيكون بينهما سنة واحدة وأحد كانت سنة ثلاث فيكون الخندق سنة أربع ولا حجة فيه إذا ثبت أنها كانت سنة خمس لاحتمال أن يكون بن عمر في أحد كان في أول ما طعن في الرابعة عشر وكان في الأحزاب قد استكمل الخمس عشرة وبهذا أجاب البيهقي ويؤيد قول بن إسحاق أن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد موعدكم العام المقبل ببدر فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر فتأخر مجيء أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ وقال لقومه إنما يصلح الغزو في سنة الخصب فرجعوا بعد أن وصلوا إلى عسفان أو دونها ذكر ذلك بن إسحاق وغيره من أهل المغازي وقد بين البيهقي سبب هذا الاختلاف وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول وعلى ذلك جرى يعقوب بن سفيان في تاريخه فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى وأن غزوة أحد كانت في الثانية وأن الخندق كانت في الرابعة وهذا عمل صحيح على ذلك البناء لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة وعلى ذلك تكون بدر في الثانية وأحد في الثالثة والخندق في الخامسة وهو المعتمد ثم ذكر المصنف في الباب سبعة عشر حديثا الحديث الأول حديث بن عمر

[ 3871 ] قوله عرضه يوم أحد عرض الجيش اختبار أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم وغير ذلك قوله وهو بن أربع عشرة سنة في رواية مسلم عرضني يوم أحد في القتال وأنا بن أربع عشرة سنة وقد تقدم مع شرحه ومباحثه في كتاب الشهادات بما يغني عن إعادته وقوله فأجازه أي أمضاه وأذن له في القتال وقال الكرماني أجازه من الإجازة وهي الانفال أي أسهم له قلت والأول أولى ويرد الثاني هنا أنه لم يكن في غزوة الخندق غنيمة يحصل منها نفل وفي حديث أبي واقد الليثي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الغلمان وهو يحفر الخندق فأجاز من أجاز ورد من رد إلى الذراري فهذا يوضح أن المراد بالإجازة الامضاء للقتال لأن ذلك كان في مبدأ الأمر قبل حصول الغنيمة أن لو حصلت غنيمة والله أعلم الحديث الثاني حديث سهل بن سعد

[ 3872 ] قوله كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون قد تقدم ذكر السبب في حفر الخندق في مغازي بن عقبة ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم أخذ في حفر الخندق حول المدينة ووضع يده في العمل معهم مستعجلين يبادرون قدوم العدو وكذا ذكر بن إسحاق نحوه وعند موسى أنهم أقاموا في عمله قريبا من عشرين ليلة وعند الواقدي أربعا وعشرين وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوما وفي الهدى لابن القيم أقاموا شهرا قوله ونحن ننقل التراب على أكتادنا بالمثناة جمع كتد بفتح أوله وكسر المثناة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر وقد تقدم في الجهاد من حديث أنس بلفظ على متونهم والمتن مكتنف الصلب بين اللحم والعصب ووهم بن التين فعزا هذه اللفظة لحديث سهل بن سعد ووقع في بعض النسخ على أكبادنا بالموحدة وهو موجه على أن يكون المراد به ما يلي الكبد من الجنب قوله اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة قال بن بطال هو قول بن رواحة يعني تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن من لفظه لم يكن بذلك النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا قال وإنما يسمى شاعرا من قصده وعلم السبب والوتد وجميع معانيه من الزحاف ونحو ذلك كذا قال وعلم السبب والوتد إلى آخره إنما تلقوه من العروض التي اخترع ترتيبها الخليل بن أحمد وقد كان شعر الجاهلية والمخضرمين والطبقة الأولى والثانية من شعراء الإسلام قبل أن يصنفه الخليل كما قال أبو العتاهية أنا أقدم من العروض يعني أنه نظم الشعر قبل وضعه وقال أبو عبد الله بن الحجاج الكاتب قد كان شعر الورى قديما من قبل أن يخلق الخليل وقال الداودي فيما نقله بن التين إنما قال بن رواحة لا هم ان العيش بلا ألف ولام فأورده بعض الرواة على المعنى كذا قال وحمله على ذلك ظنه أنه يصير بالألف واللام غير موزون وليس كذلك بل يكون دخله الخزم ومن صوره زيادة شيء من حروف المعاني في أول الجزء قوله فاغفر للمهاجرين والأنصار في حديث أنس بعده فاغفر للأنصار والمهاجرة وكلاهما غير موزون ولعله صلى الله عليه وسلم تعمد ذلك ولعل أصله فاغفر للأنصار والمهاجرة بتسهيل لام الأنصار وباللام في المهاجرة وفي الرواية الأخرى فبارك بدل فاغفر الحديث الثالث حديث أنس أورده من وجهين في الثاني زيادة

[ 3873 ] قوله ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك أي أنهم عملوا فيه بأنفسهم لاحتياجهم إلى ذلك لا لمجرد الرغبة في الأجر قوله فلما رأى ما بهم من النصب والجوع فيه بيان لسبب قوله صلى الله عليه وسلم اللهم ان العيش عيش الآخرة وعند الحارث بن أبي أسامة من مرسل طاوس زيادة في هذا الرجز والعن عضلا والقارة هم كلفونا ننقل الحجارة والأول غير موزون أيضا ولعله كان والعن إلهي عضلا والقارة وفي الطريق الثانية لأنس أنه قال ذلك جوابا لقولهم نحن الذين بايعوا محمدا الخ ولا أثر للتقديم والتأخير فيه لأنه يحمل على أنه كان يقول إذا قالوا ويقولون إذا قال وفيه أن في إنشاد الشعر تنشيطا في العمل وبذلك جرت عادتهم في الحرب وأكثر ما يستعملون في ذلك الرجز قوله نحن الذين بايعوا هو صفة الذين لا صفة نحن قوله على الجهاد ما بقينا أبدا في رواية عبد العزيز على الإسلام بدل الجهاد والأول أثبت تنبيه تقدم طريق عبد العزيز سندا ومتنا في أوائل الجهاد سوى قوله قال يؤتون الخ وسيأتي بعد أحاديث من حديث البراء أنه كان يقول اللهم لولا أنت ما اهتدينا

[ 3874 ] قوله قال يؤتون قائل ذلك أنس بن مالك وهو موصول بالإسناد المذكور اليه قوله بملء كفي روى بالافراد والتثنية فيصنع لهم الشعير أي يطبخ وقوله بإهالة بكسر الهمزة وتخفيف الهاء الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتا أو سمنا أو شحما وأغرب الداودي فقال الإهالة وعاء من جلد فيه سمن وقوله سنخة أي تغير طعمها ولونها من قدمها ولهذا وصفها بكونها بشعة وقوله بشعة بموحدة ومعجمة وعين مهملة وقيل بنون وغين معجمة والنشغ الغثي أي أنهم كان يحصل لهم عند ازدرادها شبيه بالغثي والأول أصوب وقوله في الحلق هو بالحاء المهملة قوله ولها ريح منتن يدل على أنها عتيقة جدا حتى عفنت وأنتنت وفي رواية الإسماعيلي ولها ريح منكر قال بن التين الصواب ريح منتنة لأن الريح مؤنثة قال إلا أنه يجوز في المؤنث غير الحقيقي أن يعبر عنه بالمذكر ومنتن بضم الميم ويجوز كسرها

[ 3875 ] الحديث الرابع قوله عن أبيه في رواية يونس بن بكير في زيادات المغازي عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قوله أتيت جابرا فقال إنا يوم الخندق في رواية الإسماعيلي من طريق المحاربي عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال قلت لجابر بن عبد الله حدثني بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرويه عنك فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق قوله فعرضت كيدة كذا لأبي ذر بفتح الكاف وسكون التحتانية قيل هي القطعة الشديدة الصلبة من الأرض وقال عياض كأن المراد أنها واحدة الكيد كأنهم أرادوا أن الكيد وهي الجبلة أعجزهم فلجئوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أحمد عن وكيع عن عبد الواحد بن أيمن وههنا كدية من الجبل وفي رواية الإسماعيلي فعرضت كدية وهي بضم الكاف وتقديم الدال على التحتانية وهي القطعة الصلبة الصماء ووقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني كندة بنون وعند بن السكن كتدة بمثناة من فوق قال عياض لا أعرف لهما معنى وفي رواية الإسماعيلي فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذه كدية قد عرضت في الخندق وزاد في روايته فقال رشوها بالماء فرشوها قوله أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر زاد يونس من الجوع وفي رواية أحمد أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرا من الجوع وفائدة ربط الحجر على البطن أنها تضمر من الجوع فيخشى على انحناء الصلب بواسطة ذلك فإذا وضع فوقها الحجر وشد عليها العصابة استقام الظهر وقال الكرماني لعله لتسكين حرارة الجوع ببرد الحجر ولأنها حجارة رقاق قدر البطن تشد الأمعاء فلا يتحلل شيء مما في البطن فلا يحصل ضعف زائد بسبب التحلل قوله ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا هي جملة معترضة أوردها لبيان السبب في ربطه صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه وزاد الإسماعيلي لا نطعم شيئا أو لا نقدر عليه قوله فأخذ المعول بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو بعدها لام أي المسحاة وفي رواية أحمد فأخذ المعول أو المسحاة بالشك قوله فضرب في رواية الإسماعيلي ثم سمى ثلاثا ثم ضرب وعند الحارث بن أبي أسامة من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان قال ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق ثم قال بسم الله وبه بدينا ولو عبدنا غيره شقينا فحبذا ربا وحب دينا قوله فعاد كثيبا أي رملا قوله هيل أو أهيم شك من الراوي في رواية الإسماعيلي أهيل بغير شك وكذا عند يونس وفي رواية أحمد كثيبا يهال والمعنى أنه صار رملا يسيل ولا يتماسك قال الله تعالى وكانت الجبال كثيبا مهيلا أي رملا سائلا وأما أهيم فقال عياض ضبطها بعضهم بالمثلثة وبعضهم بالمثناة وفسرها بأنها تكسرت والمعروف بالتحتانية وهي بمعنى أهيل وقد قال في قوله تعالى فشاربون شرب الهيم المراد الرمال التي لا يرويها الماء وقد تقدم الخلاف في تفسيرها في كتاب البيوع ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن من حديث البراء بن عازب قال لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فأخذ المعول فقال بسم الله فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ثم ضرب الثالثة وقال بسم الله فقطع بقية الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة وللطبراني من حديث عبد الله بن عمرو نحوه وأخرجه البيهقي مطولا من طريق كثير بن عبد الرحمن بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وفي أوله خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق لكل عشرة أناس عشرة أذرع وفيه فمرت بنا صخرة بيضاء كسرت معاويلنا فأردنا أن نعدل عنها فقلنا حتى نشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلنا اليه سلمان وفيه فضرب ضربة صدع الصخرة وبرق منها برقة فكبر وكبر المسلمون وفيه رأيناك تكبر فكبرنا بتكبيرك فقال إن البرقة الأولى أضاءت لها قصور الشام فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم وفي آخره ففرح المسلمون واستبشروا وأخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص نحوه قوله فقلت يا رسول الله ائذن لي إلى البيت زاد أبو نعيم في المستخرج فأذن لي وفي المسند من زيادات عبد الله بن أحمد من حديث بن عباس احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال هل دللتم على رجل يطعمنا أكلة قال رجل نعم قال أما لا فتقدم الحديث وكأنه جابر ويؤخذ من هذه النكتة في قوله ائذن لي يا رسول الله قوله فقلت لامرأتي اسمها سهيلة بنت مسعود الأنصارية قوله عندي شعير بين يونس بن بكير في روايته أنه صاع قوله وعناق بفتح العين المهملة وتخفيف النون هي الأنثى من المعز وفي رواية سعيد بن ميناء التي تلو هذه فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن أي سمينة والداجن التي تترك في البيت ولا تفلت للمرعى ومن شأنها أن تسمن وفي رواية أحمد من طريق سعيد بن ميناء سمينة قوله فذبحت بسكون المهملة وضم التاء وقوله طحنت بفتح المهملة وفتح النون فالذي ذبح هو جابر وامرأته هي التي طحنت وفي رواية سعيد عند أحمد فأمرت امرأتي فطحنت لنا الشعير وصنعت لنا منه خبزا قوله والعجين قد انكسر أي لأن ورطب وتمكن منه الخمير قوله والبرمة بين الأثافي بمثلثة وفاء أي الحجارة التي توضع عليها القدر وهي ثلاثة قوله حتى جعلنا في رواية الكشميهني حتى جعلت قوله في البرمة بضم الموحدة وسكون الراء قوله طعيم بتشديد التحتانية على طريقة المبالغة في تحقيره قالوا من تمام المعروف تعجيله وتحقيره قال بن التين ضبطه بعضهم بتخفيف الياء وهو غلط قوله فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان في رواية يونس ورجلان بالجزم وفي رواية سعيد بعد هذه فقم أنت ونفر معك وفي روايةأحمد وكنت أريد أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده قوله فقال قوموا فقام المهاجرون في رواية يونس فقال للمسلمين جميعا قوموا وهي أوضح فإن الأحاديث تدل على أنه لم يخص المهاجرين بذلك فكأن المراد فقام المهاجرون ومن معهم وخصهم بالذكر لشرفهم وفي بقية الحديث ما يؤيد هذا فإنه قال فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار قوله قالت هل سألك قال نعم فقال ادخلوا في هذا السياق اختصار وبيانه في رواية يونس قال فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله عز وجل وقلت جاء الخلق على صاع من شعير وعناق فدخلت على امرأتي أقول افتضحت جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق أجمعين فقالت هل كان سألك كم طعامك فقلت نعم فقالت الله ورسوله أعلم ونحن قد أخبرناه بما عندنا فكشفت عني غما شديدا وفي الرواية التي تلي هذه فجئت امرأتي فقالت بك وبك فقلت قد فعلت الذي قلت وكان قد ذكر في أوله أنها قالت له لا تفضحني برسول الله وبمن معه فجئت فساررته ويجمع بينهما بأنها أوصته أولا بأن يعلمه بالصورة فلما قال لها إنه جاء بالجميع ظنت أنه لم يعلمه فخاصمته فلما أعلمها أنه أعلمه سكن ما عندها لعلمها بامكان خرق العادة ودل ذلك على وفور عقلها وكمال فضلها وقد وقع لها مع جابر في قصة التمر أن جابرا أوصاها لما زارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تكلمه فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف نادته يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليك وعلى زوجك فعاتبها جابر فقالت له أكنت تظن أن الله يورد رسوله بيتي ثم يخرج ولا أسأله الدعاء أخرجه أحمد بإسناد حسن في حديث طويل ووقع في رواية أبي الزبير عن جابر في نحو هذه القصة أنها قالت لجابر فارجع اليه فبين له فأتيته فقلت يا رسول الله إنما هي عناق وصاع من شعير قال فارجع فلا تحركن شيئا من التنور ولا من القدر حتى آتيها واستعر صحافا قوله ولا تضاغطوا بضاد معجمة وغين معجمة وطاء مهملة مشالة أي لا تزدحموا وفي الرواية التي بعدها فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك قوله ويخمر البرمة أي يغطيها قوله ثم ينزع أي يأخذ اللحم من البرمة وفي رواية سعيد التي تلو هذه فقال أدع خابزة فلتخبز معك أي تساعدك وقوله

[ 3876 ] واقدحي من برمتكم أي اغرفي والمقدحة المغرفة وفي رواية أبي الزبير عن جابر وأقعدهم عشرة عشرة فأكلوا قوله وبقي بقية في رواية سعيد فأقسم بالله لأكلوا أي لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا بالحاء المهملة والفاء أي رجعوا وفي رواية يونس بن بكير فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعون ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا قوله كلي هذا وأهدي بهمزة قطع فعل أمر للمرأة من الهدية ثم بين سبب ذلك بقوله فإن الناس اصابتهم مجاعة وفي رواية يونس كلي وأهدي فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع وفي رواية أبي الزبير عن جابر فأكلنا نحن وأهدينا لجيراننا فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك وقد تقدم في علامات النبوة حديث أنس في تكثير الطعام القليل أيضا في قصة أخرى بما يغني عن الإعادة الحديث الخامس حديث جابر أيضا قوله أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد شيخ البخاري وقد روى عنه هنا بواسطة وهو من كبار شيوخه فكأن هذا فإنه سماعه منه كغيره من الأحاديث التي يدخل بينه وبينه فيها واسطة قوله خمصا بمعجمة وميم مفتوحتين وصاد مهملة وقد تسكن الميم وهو خموص البطن قوله فانكفيت بفاء مفتوحة بعدها تحتانية ساكنة أي انقلبت وأصله انكفأت بهمزة وكأنه سهلها قوله ان جابرا قد صنع سورا بضم المهملة وسكون الواو بغير همز هو هنا الصنيع بالحبشية وقيل العرس بالفارسية ويطلق أيضا على البناء الذي يحيط بالمدينة وأما الذي بالهمز فهو البقية قوله فحيهلا بكم هي كلمة استدعاء فيها حث أي هلموا مسرعين ووقع في رواية القابسي أهلا بكم بزيادة ألف والصواب حذفها قوله وهم ألف أي الذين أكلوا وفي رواية أبي نعيم في المستخرج فأخبرني أنهم كانوا تسعمائة أو ثمانمائة وفي رواية عبد الواحد بن أيمن عند الإسماعيلي كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة وفي رواية أبي الزبير كانوا ثلاثمائة والحكم للزائد لمزيد علمه لأن القصة متحدة قوله وانحرفوا أي مالوا عن الطعام قوله لتغط بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أن تغلي وتفور

[ 3877 ] الحديث السادس قوله عن عائشة رضي الله عنها إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر قالت كان ذلك يوم الخندق هكذا وقع مختصرا وعند بن مردويه من حديث بن عباس رضي الله عنهما إذ جاءوكم من فوقكم قال عيينة بن حصن ومن أسفل منكم أبو سفيان بن حرب وبين بن إسحاق في المغازي صفة نزولهم قال نزلت قريش بمجتمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة ونزل عيينة في غطفان ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبين القوم وجعل النساء والذراري في الآطام قال وتوجه حيي بن أخطب إلى بني قريظة فلم يزل بهم حتى غدروا كما سيأتي بيانه في الباب الآتي وبلغ المسلمين غدرهم فاشتد بهم البلاء فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي عيينة بن حصن ومن معه ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا فمنعه من ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وقالا كنا نحن وهم على الشرك لا يطمعون منا في شيء من ذلك فكيف نفعله بعد أن أكرمنا الله عز وجل بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ما لنا بهذا من حاجة ولا نعطيهم الا السيف فاشتد بالمسلمين الحصار حتى تكلم معتب بن قشير وأوس بن قيظي وغيرهما من المنافقين بالنفاق وأنزل الله تعالى وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا الآيات قال وكان الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان قال بن إسحاق في روايته ولم يقع بينهم حرب إلا مراماة بالنبل لكن كان عمرو بن عبد ود العامري اقتحم هو ونفر معه خيولهم من ناحية ضيقة من الخندق حتى صاروا بالسبخة فبارزه علي فقتله وبرز نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي فبارزه الزبير فقتله ويقال قتله علي ورجعت بقية الخيول منهزمة وروى البيهقي في الدلائل من طريق زيد بن أسلم أن رجلا قال لحذيفة أدركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندركه فقال بابن أخي والله لا تدري لو أدركته كيف تكون لقد رأيتنا ليلة الخندق في ليلة باردة مطيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة فوالله ما قام أحد فقال لنا الثانية جعله الله رفيقي فلم يقم أحد فقال أبو بكر ابعث حذيفة فقال اذهب فقلت أخشى أن أؤسر قال إنك لن تؤسر فذكر أنه انطلق وأنهم تجادلوا وبعث الله عليهم الريح فما تركت لهم بناء إلا هدمته ولا إناء إلا أكفأته ومن طريق عمرو بن سريع بن حذيفة نحوه وفيه أن علقمة بن علاثة صار يقول يا آل عامر إن الريح قاتلني وتحملت قريش وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم وروى الحاكم من طريق عبد العزيز بن أخي حذيفة عن أبي حذيفة قال لقد رأيتنا ليلة الأحزاب وأبو سفيان ومن معه من فوقنا وقريظة أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة أشد ظلمة ولا ريحا منها فجعل المنافقون يستأذنون ويقولون إن بيوتنا عورة فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتي ولم يبق معه إلا ثلاثمائة فقال اذهب فأتني بخبر القوم قال فدعا لي فأذهب الله عني الفر والفزع فدخلت عسكرهم فإذا الريح فيه لا تجاوزه شبرا فلما رجعت رأيت فوارس في طريقي فقالوا أخبر صاحبك أن الله عز وجل كفاه القوم وأصل هذا الحديث عند مسلم باختصار وسيأتي في الحديث الذي يليه شيء يتعلق بحديث عائشة الحديث السابع ذكر فيه حديث البراء من وجهين

[ 3878 ] قوله عن البراء سيأتي بعد حديث بن عباس الطريق الأخرى لحديث البراء وفيه تصريح أبي إسحاق بسماعه له من البراء قوله حتى أغمر بطنه أو اغبر بطنه كذا وقع بالشك بالغين المعجمة فيهما فأما التي بالموحدة فواضح من الغبار وأما التي بالميم فقال الخطابي إن كانت محفوظة فالمعنى وارى التراب جلدة بطنه ومنه غمار الناس وهو جمعهم إذا تكاثف ودخل بعضهم في بعض قال وروى اعفر بمهملة وفاء والعفر بالتحريك التراب وقال عياض وقع للأكثر بمهملة وفاء ومعجمة وموحدة فمنهم من ضبطه بنصب بطنه ومنهم من ضبطه برفعها وعند النسفي حتى غبر بطنه أو اغبر بمعجمة فيهما وموحدة ولأبي ذر وأبي زيد حتى أغمر قال ولا وجه لها إلا أن يكون بمعنى ستركما في الرواية الأخرى حتى وارى عني التراب بطنه قال وأوجه هذه الروايات اغبر بمعجمة وموحدة وبرفع بطنه قلت وفي حديث أم سلمة عند أحمد بسند صحيح كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاطيهم اللبن يوم الخندق وقد اغبر شعر صدره وفي الرواية الآتية حتى وارى عني الغبار جلد بطنه وكان كثير الشعر وظاهر هذا أنه كان كثير شعر الصدر ولي كذلك فان في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن فيمكن أن يجمع بأنه كان مع دقته كثيرا أي لم يكن منتشرا بل كان مستطيلا والله أعلم قوله يقول والله لولا الله ما اهتدينا بين في الرواية التي بعد هذه أن هذا الرجز من كلام عبد الله بن رواحة وقوله ان الألي قد بغوا علينا ليس بموزون وتحريره أن الذين قد بغوا علينا فذكر الراوي الألي بمعنى الذين وحذف قد وزعم بن التين أن المحذوف قد وهم قال والأصل ان الألي هم قد بغوا علينا وهو يتزن بما قال لكن لا يتعين وذكره بعض الرواة في مسلم بلفظ أبوا بدل بغوا ومعناه صحيح أي أبوا أن يدخلوا في ديننا ووقع في الطريق الثانية لحديث البراء أن الألي قد رغبوا علينا كذا للسرخسي والكشميهني وأبي الوقت والأصيلي وكذا في نسخة بن عساكر وللباقين قد بغوا كالأولى وأما الأصيلي فضبطها بالغين الثقيلة والموحدة وضبطها في المطالع بالغين المعجمة وضبطت في رواية أبي الوقت كذا لكن بزاي أوله والمشهور ما في المطالع قوله ورفع بها صوته أبينا أبينا كذا للأكثر بموحدة وفي آخر الرواية الآتية قال ثم يمد صوته بآخرها وهو يبين أن المراد بقوله أبينا ما وقع في آخر القسم الأخير وهو قوله إذا أرادوا فتنة أبينا ويحتمل أن يريد ما وقع في القسم الأخير وهو قوله إنا إذا صيح بنا أبينا فإنه روى بالوجهين ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت وكريمة أتينا بمثناة بدل الموحدة والأصيلي والسجزي بمثناة قال عياض كلاهما صحيح المعنى أما الأول فمعناه إذا صيح بنا لفزع أو حادث أبينا الفرار وثبتنا وأما الثاني فمعناه جئنا وأقدمنا على عدونا قال والرواية في هذا القسم بالمثناة لأن إعادة الكلمة في قوافي الرجز عن قرب عيب معلوم عنده فالراجح أن قوله إذا أرادوا فتنة أبينا بالموحدة وقوله إنا إذا صيح بنا أتينا بالمثناة والله أعلم ووقع في بعض النسخ وإن أرادونا على فتنة أبينا وهو تغيير الحديث الثامن حديث بن عباس

[ 3879 ] قوله نصرت بالصبا بفتح المهملة وتخفيف الموحدة وهي الريح الشرقية والدبور هي الريح الغربية وروى أحمد من حديث أبي سعيد قال قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شيء تقوله قد بلغت القلوب الحناجر قال نعم اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا قال فضرب الله وجوه أعدائنا بالريح فهزمهم الله عز وجل بالريح وروى بن مردويه في التفسير من طريق أخرى عن بن عباس أيضا قال قالت الصبا للشمال اذهبي بنا ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيما وفي رواية له من هذا الوجه فكانت الريح التي نصر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبا وقد تقدم في الاستسقاء ذكر النكتة في تخصيص الدبور بعاد والصبا بالمسلمين وعرف بهذا وجه إيراد المصنف هذا الحديث هنا وأن الله نصر نبيه في غزوة الخندق بالريح قال تعالى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها قال مجاهد سلط الله عليهم الريح فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم حتى أظعنتهم وذكر بن إسحاق في سبب رحيلهم أن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ولم يعلم به قومه فقال له خذل عنا فمضى إلى بني قريظة وكان نديما لهم فقال قد عرفتم محبتي قالوا نعم فقال إن قريشا وغطفان ليست هذه بلادهم وإنهم إن رأوا فرصة انتهزوها وإلا رجعوا إلى بلادهم وتركوكم في البلاء مع محمد ولا طاقة لكم به قالوا فما ترى قال لا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا رهنا منهم فقبلوا رأيه فتوجه إلى قريش فقال لهم إن اليهود ندموا على الغدر بمحمد فراسلوه في الرجوع اليه فراسلهم بأنا لا نرضى حتى تبعثوا إلى قريش فتأخذوا منهم رهنا فاقتلوهم ثم جاء غطفان بنحو ذلك قال فلما أصبح أبو سفيان بعث عكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة بأنا قد ضاق بنا المنزل ولم نجد مرعى فاخرجوا بنا حتى نناجز محمدا فأجابوهم ان اليوم يوم السبت ولا نعمل فيه شيئا ولا بد لنا من الرهن منكم لئلا تغدروا بنا فقالت قريش هذا ما حذركم نعيم فراسلوهم ثانيا أن لا نعطيكم رهنا فان شئتم ان تخرجوا فافعلوا فقالت قريظة هذا ما أخبرنا نعيم قال بن إسحاق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة أن نعيما كان رجلا نموما وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ان اليهود بعثت إلي إن كان يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهنا ندفعهم إليك فتقتلهم فعلنا فرجع نعيم مسرعا إلى قومه فأخبرهم فقالوا والله ما كذب محمد عليهم وانهم لأهل غدر وكذلك قال لقريش فكان ذلك سبب خذلانهم ورحيلهم وقد تقدم في الحديث السادس بيان ما أرسل عليهم من الريح الحديث التاسع

[ 3881 ] قوله حدثنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد قوله أول مشهد شهدته يوم الخندق أي باشرت فيه القتال وهذا يوافق رواية نافع عنه الماضية في أول الباب وروى الطبراني بإسناد صحيح عن بن عمر قال بعثني خالي عثمان بن مظعون في حاجة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لي وقال من لقيت فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا قال فلا والله ما عطف علي منهم اثنان

[ 3882 ] الحديث العاشر قوله هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله قال وأخبرني بن طاوس قائل ذلك هو معمر واسم بن طاوس عبد الله قوله دخلت على حفصة أي بنت عمر أخته قوله ونسواتها بفتح النون والمهملة قال الخطابي كذا وقع وليس بشيء وإنما هو نوساتها أي ذوائبها ومعنى تنطف أي تقطر كأنها قد اغتسلت والنوسات جمع نوسة والمراد أن ذوائبها كانت تنوس أي تتحرك وكل شيء تحرك فقد ناس والنوس الاضطراب ومنه قول المرأة في حديث أم زرع أناس من حلي أذني قال بن التين قوله نوسات هو بسكون الواو وضبط بفتحها وأما نسوات فكأنه على القلب قوله قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شيء مراده بذلك ما وقع بين علي ومعاوية من القتال في صفين يوم اجتماع الناس على الحكومة بينهم فيما اختلفوا فيه فراسلوا بقايا الصحابة من الحرمين وغيرهم وتواعدوا على الاجتماع لينظروا في ذلك فشاور بن عمر أخته في التوجه إليهم أو عدمه فأشارت عليه باللحاق بهم خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف يفضي إلى استمرار الفتنة قوله فلما تفرق الناس أي بعد أن اختلف الحكمان وهما أبو موسى الأشعري وكان من قبل علي وعمرو بن العاص وكان من قبل معاوية ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر في هذا الحديث فلما تفرق الحكمان وهو يفسر المراد ويعين أن القصة كانت بصفين وجوز بعضهم أن يكون المراد الاجتماع الأخير الذي كان بين معاوية والحسن بن علي ورواية عبد الرزاق ترده وعلى هذا تقدير الكلام فلم تدعه حتى ذهب إليهم في المكان الذي فيه الحكمان فحضر معهم فلما تفرقوا خطب معاوية الخ وأبعد من ذلك قول بن الجوزي في كشف المشكل أشار بذلك إلى جعل عمر الخلافة شورى في ستة ولم يجعل له من الأمر شيئا فأمرته باللحاق قال وهذا حكاية الحال التي جرت قبل وأما قوله فلما تفرق الناس خطب معاوية كان هذا في زمن معاوية لما أراد أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده كذا قال ولم يأت له بمستند والمعتمد ما صرح به في رواية عبد الرزاق ثم وجدت في رواية حبيب بن أبي ثابت عن بن عمر قال لما كان في اليوم الذي اجتمع فيه معاوية بدومة الجندل قالت حفصة انه لا يجمل بك أن تتخلف عن صلح يصلح الله به بين أمة محمد وأنت صهر رسول الله وابن عمر بن الخطاب قال فأقبل معاوية يومئذ على بختي عظيم فقال من يطمع في هذا الأمر أو يرجوه أو يمد اليه عنقه الحديث أخرجه الطبراني قوله ان يتكلم في هذا الأمر أي الخلافة قوله فليطلع لنا قرنه بفتح القاف قال بن التين يحتمل أن يريد بدعته كما جاء في الخبر الآخر كلما نجم قرن أي طلع قرن ويحتمل أن يكون المعنى فليبد لنا صفحة وجهه والقرن من شأنه أن يكون في الوجه والمعنى فليظهر لنا نفسه ولا يخفيها قيل أراد عليا وعرض بالحسن والحسين وقيل أراد عمر وعرض بابنه عبد الله وفيه يعد لأن معاوية كان يبالغ في تعظيم عمر ووقع في رواية حبيب بن أبي ثابت أيضا قال بن عمر ما حدثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ أردت أن أقول له يطمع فيه من ضربك وأباك على الإسلام حتى أدخلكما فيه فذكرت الجنة فأعرضت عنه ومن هنا يظهر مناسبة إدخال هذه القصة في غزوة الخندق لأن أبا سفيان كان قائد الأحزاب يومئذ قوله قال حبيب بن مسلمة أي بن مالك الفهري صحابي صغير ولأبيه صحبة وكان قد سكن الشام وأرسله معاوية في عسكر لنصر عثمان فقتل عثمان قبل أن يصل فرجع فكان مع معاوية وولاه غزوة الروم فكان يقال له حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم ومات في خلافة معاوية قوله فهلا أجبته أي هلا أجبت معاوية عن تلك المقالة فأعلمه بن عمر بالذي منعه عن ذلك قال حللت حبوتي الخ ووقع في رواية عبد الرزاق عند قوله فلنحن أحق به منه ومن أبيه يعرض بابن عمر فعرف بهذه الزيادة مناسبة قول حبيب بن مسلمة لابن عمر هلا أجبته والحبوة بضم المهملة وسكون الموحدة ثوب يلقى على الظهر ويربط طرفاه على الساقين بعد ضمهما قوله من قاتلك وأباك على الإسلام يعني يوم أحد ويوم الخندق ويدخل في هذه المقاتلة علي وجميع من شهدها من المهاجرين ومنهم عبد الله بن عمر ومن هنا تظهر مناسبة إدخال هذه القصة في غزوة الخندق لأن أبا سفيان والد معاوية كان رأس الأحزاب يومئذ ووقع في رواية حبيب بن أبي ثابت أيضا قال بن عمر فما حدثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ أردت أن أقول له يطمع فيه من قاتلك وأباك على الإسلام حتى أدخلكما فيه فذكرت الجنة فأعرضت عنه وكان رأي معاوية في الخلافة تقديم الفاضل في القوة والرأي والمعرفة على الفاضل في السبق إلى الإسلام والدين والعبادة فلهذا أطلق أنه أحق ورأى بن عمر بخلاف ذلك وأنه لا يبايع المفضول إلا إذا خشي الفتنة ولهذا بايع بعد ذلك معاوية ثم ابنه يزيد ونهى بنيه عن نقض بيعته كما سيأتي في الفتن وبايع بعد ذلك لعبد الملك بن مروان قوله ويحمل عني غير ذلك أي غير ما أردت ووقع في رواية منقطعة عند سعيد بن منصور أخرجها عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال نبئت أن بن عمر لما قال معاوية من أحق بهذا الأمر منا ومن ينازعنا فهممت أن أقول الذين قاتلوك وأباك على الإسلام فخشيت أن يكون في قولي هراقة الدماء وأن يحمل قولي على غير الذي أردت قوله فذكرت ما أعد الله في الجنان أي لمن صبر وآثر الآخرة على الدنيا قوله قال حبيب أي بن مسلمة المذكور حفظت وعصمت بضم أولهما أي أنه صوب رأيه في ذلك وقد قدمنا أن حبيب بن مسلمة المذكور كان من أصحاب معاوية قوله قال محمود عن عبد الرزاق ونوساتها أي إن عبد الرزاق روى عن معمر شيخ هشام بن يوسف هذا الحديث كما رواه هشام فخالف في هذه اللفظة فقال نوساتها وهذا هو الصواب كما تقدم وطريق محمود هذا وهو بن غيلان المروزي وصلها محمد بن قدامة الجوهري في كتاب أخبار الخوارج له قال حدثنا محمود بن غيلان المروزي أنبأنا عبد الرزاق عن معمر فذكره بالإسنادين معا وساق المتن بتمامه وأوله دخلت على حفصة ونوساتها تنطف وقد ذكرت ما في روايته من فائدة زائدة وكذلك أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق

[ 3883 ] الحديث الحادي عشر حديث سليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح الراء بعدها مهملة بن الجون بفتح الجيم الخزاعي صحابي مشهور يقال كان اسمه يسار فغيره النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في صفة إبليس وله طريق في الأدب وقد صرح في الرواية الثانية بسماع أبي إسحاق له منه وكان سليمان المذكور أسن من خرج من أهل الكوفة في طلب ثأر الحسين بن علي فقتل هو وأصحابه بعين الوردة في سنة خمس وستين قوله نغزوهم ولا يغزوننا في رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق بشر بن موسى عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه الآن نغزوهم وهي في رواية إسرائيل التي تلو هذه وقوله في رواية إسرائيل حين أجلي بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام أي رجعوا عنه وفيه إشارة إلى أنهم رجعوا بغير اختيارهم بل بصنع الله تعالى لرسوله وذكر الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد أن انصرفوا وذلك لسبع بقين من ذي القعدة وفيه علم من أعلام النبوة فإنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش عن البيت ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة فوقع الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم وأخرج البزار بإسناد حسن من حديث جابر شاهدا لهذا الحديث ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب وقد جمعوا له جموعا كثيرة لا يغزونكم بعد هذا أبدا ولكن أنتم تغزونهم الحديث الثاني عشر حديث علي

[ 3885 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور وهشام كنت ذكرت في الجهاد أنه الدستوائي لكن جزم المزي في الأطراف أنه بن حسان ثم وجدته مصرحا به في عدة طرق فهذا هو المعتمد وأما تضعيف الأصيلي للحديث به فليس بمعتمد كما سأوضحه في التفسير إن شاء الله تعالى قوله عن محمد هو بن سيرين وعبيدة بفتح العين هو بن عمرو السلماني قوله قال يوم الخندق في رواية الجهاد يوم الأحزاب وهو بالمعنى وفي رواية يحيى بن الجزار عن علي عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الأحزاب قاعدا على فرصة من فرص الخندق فذكره قوله كما شغلونا في رواية الكشميهني كلما شغلونا بزيادة لام وهو خطأ قوله الصلاة الوسطى زاد مسلم صلاة العصر وسيأتي الكلام عليها وعلى شرح هذا الحديث مستوفى في تفسير سورة البقرة الحديث الثالث عشر حديث جابر

[ 3886 ] قوله حدثنا هشام أي بن عبد الله الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله جعل يسب كفار قريش قد سبق شرح هذا الحديث في المواقيت من كتاب الصلاة وبينت فيه المذاهب في ترتيب فائتة الصلاة

الحديث الرابع عشر حديث جابر أيضا في ذكر الزبير وقد تقدم شرحه في المناقب

[ 3887 ] قوله من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ذكرها ثلاث مرات وقد تقدم في الجهاد في باب فضل الطليعة ذكرها مرتين ومضى شرح الحديث في مناقب الزبير وقد استشكل ذكر الزبير في هذه القصة فقال شيخنا بن الملقن اعلم أنه وقع هنا أن الزبير هو الذي ذهب لكشف خبر بني قريظة والمشهور كما قاله شيخنا أبو الفتح اليعمري أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة كما رويناه من طريق بن إسحاق وغيره قلت وهذا الحصر مردود فان القصة التي ذهب لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة هل نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على محاربة المسلمين وقصة حذيفة كانت لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق وتمالأت عليهم الطوائف ثم وقع بين الأحزاب الاختلاف وحذرت كل طائفة من الأخرى وأرسل الله تعالى عليهم الريح واشتد البرد تلك الليلة فانتدب النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيه بخبر قريش فانتدب له حذيفة بعد تكراره طلب ذلك وقصته في ذلك مشهورة لما دخل بين قريش في الليل وعرف قصتهم ورجع وقد اشتد عليه البرد فغطاه النبي صلى الله عليه وسلم حتى دفيء وبين الواقدي أن المراد بالقوم بنو قريظة وروى بن أبي شيبة من مرسل عكرمة أن رجلا من المشركين قال يوم الخندق من يبارز فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا زبير فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب وإحدى يا رسول الله فقال قم يا زبير فقام الزبير فقتله ثم جاء بسلبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنفله إياه الحديث الخامس عشر

[ 3888 ] قوله عن أبيه هو أبو سعيد المقبري قوله وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده هو من السجع المحمود والفرق بينه وبيه المذموم أن المذموم ما يأتي بتكلف واستكراه والمحمود ما جاء بانسجام واتفاق ولهذا قال في مثل الأول أسجع مثل سجع الكهان وكذا قال كان يكره السجع في الدعاء ووقع في كثير من الأدعية والمخاطبات ما وقع مسجوعا لكنه في غاية الانسجام المشعر بأنه وقع بغير قصد ومعنى قوله لا شيء بعده أي جميع الأشياء بالنسبة إلى وجوده كالعدم أو المراد أن كل شيء يفنى وهو الباقي فهو بعد كل شيء فلا شيء بعده كما قال تعالى كل شيء هالك إلا وجهه الحديث السادس عشر

[ 3889 ] قوله حدثني محمد بن سلام والفزاري هو مروان بن معاوية وعبدة هو بن سليمان قوله دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب قد تقدم شرحه في باب لا تتمنوا لقاء العدو من كتاب الجهاد الحديث السابع عشر حديث عبد الله وهو بن عمر

[ 3890 ] قوله أو الحج أو العمرة ليست أو للشك بل هي للتنويع وذكره هنا لقوله وهزم الأحزاب وحده وسيأتي شرحه في الدعوات إن شاء الله تعالى

قوله باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب أي من الموضع الذي كان يقاتل فيه الأحزاب إلى منزله بالمدينة قوله ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم قد تقدم السبب في ذلك وهو ما وقع من بني قريظة من نقض عهده وممالأتهم لقريش وغطفان عليه وتقدم نسب بني قريظة في غزوة بني النضير وذكر عبد الملك بن يوسف في كتاب الأنواء له أنهم كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب نبي الله عليه السلام وهو بمحتمل وان شعيبا كان من بني جذام القبيلة المشهورة وهو بعيد جدا وتقدم أن توجه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم كان لسبع بقين من ذي القعدة وأنه خرج إليهم في ثلاثة آلاف وذكر بن سعد أنه كان مع المسلمين ستة وثلاثون فرسا ثم ذكر المصنف فيه ستة أحاديث الأول حديث عائشة رضي الله عنها ذكره مختصرا وسيأتي مطولا في الباب مع شرحه الثاني حديث أنس

[ 3892 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي قوله كأني أنظر إلى الغبار يشير إلى أنه يستحضر القصة حتى كأنه ينظر إليها مشخصة له بعد تلك المدة الطويلة قوله ساطعا أي مرتفعا قوله بني غنم بفتح المعجمة وسكون النون كما تقدم شرحه في أوائل بدء الخلق وتقدم إعراب قوله موكب جبريل ووقع هذا الحديث عند بن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال مطولا لكن ليس فيه أنس وأوله كان بين بني قريظة وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فلما جاءت الأحزاب نقضوه وظاهروهم فلما هزم الله عز وجل الأحزاب تحصنوا فجاء جبريل ومن معه من الملائكة فقال يا رسول الله انهض إلى بني قريظة فقال ان في أصحابي جهدا قال انهض إليهم فلأضعضعنهم قال فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار الحديث الثالث حديث بن عمر

[ 3893 ] قوله جويرية بالجيم مصغر هو عم عبد الله الراوي عنه قوله لا يصلين أحد العصر كذا وقع في جميع النسخ عند البخاري ووقع في جميع النسخ عند مسلم الظهر مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد وقد وافق مسلما أبو يعلى وآخرون وكذلك أخرجه بن سعد عن أبي عتبان مالك بن إسماعيل عن جويرية بلفظ الظهر وابن حبان من طريق أبي عتبان كذلك ولم أره من رواية جويرية الا بلفظ الظهر غير أن أبا نعيم في المستخرج أخرجه من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية فقال العصر وأما أصحاب المغازي فاتفقوا على أنها العصر قال بن إسحاق لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق راجعا إلى المدينة أتاه جبريل الظهر فقال إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فأمر بلالا فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة وكذلك أخرجه الطبراني والبيهقي في الدلائل بإسناد صحيح إلى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمه عبيد الله بن كعب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وجمع عليه اللأمة واغتسل واستجمر تبدى له جبريل فقال عذيرك من محارب فوثب فزعا فعزم على الناس أن لا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة قال فلبس الناس السلاح فلم يأتوا قريظة حتى غربت الشمس قال فاختصموا عند غروب الشمس فصلت طائفة العصر وتركتها طائفة وقالت إنا في عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم فلم يعنف واحدا من الفريقين وأخرجه الطبراني من هذا الوجه موصولا يذكر كعب بن مالك فيه وللبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها نحوه مطولا وفيه فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة إيمانا واحتسابا وهذا كله يؤيد رواية البخاري في أنها العصر وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر وبعضهم لم يصلها فقيل لمن لم يصلها لا يصلين أحد الظهر ولمن صلاها لا يصلين أحد العصر وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وقيل للطائفة التي بعدها العصر وكلاهما جمع لا بأس به لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث لأنه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده قد حدث به على الوجهين إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين ولم يوجد ذلك ثم تأكد عندي أن الاختلاف في اللفظ المذكور من حفظ بعض رواته فان سياق البخاري وحده مخالف لسياق كل من رواه عن عبد الله بن محمد بن أسماء وعن عمه جويرية ولفظ البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلى حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم ولفظ مسلم وسائر من رواه نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الأحزاب أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة وقال آخرون لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وان فاتنا الوقت قال فما عنف واحدا من الفريقين فالذي يظهر من تغاير اللفظين أن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ الشيخين فيه لما حدث به البخاري حدث به على هذا اللفظ ولما حدث به الباقين حدثهم به على اللفظ الأخير وهو اللفظ الذي حدث به جويرية بدليل موافقة أبي عتبان له عليه بخلاف اللفظ الذي حدث به البخاري أو أن البخاري كتبه من حفظه ولم يراع اللفظ كما عرف من مذهبه في تجويز ذلك بخلاف مسلم فإنه يحافظ على اللفظ كثيرا وإنما لم أجوز عكسه لموافقة من وافق مسلما على لفظه بخلاف البخاري لكن موافقة أبي حفص السلمي له تؤيد الاحتمال الأول وهذا كله من حيث حديث بن عمر أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة والعصر لطائفة متجه فيحتمل أن تكون رواية الظهر هي التي سمعها بن عمر ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك وعائشة والله أعلم قال السهيلي وغيره في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب قال السهيلي ولا يستحيل أن يكون الشيء صوابا في حق إنسان وخطأ في حق غيره وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد قال والأصل في ذلك أن الحظر والإباحة صفات أحكام لا أعيان قال فكل مجتهد وافق اجتهاده وجها من التأويل فهو مصيب انتهى والمشهور أن الجمهور ذهبوا إلى أن المصيب في القطعيات واحد وخالف الجاحظ والعنبري وأما ما لا قطع فيه فقال الجمهور أيضا المصيب واحد وقد ذكر ذلك الشافعي وقرره ونقل عن الأشعري أن كل مجتهد مصيب وأن حكم الله تابع لظن المجتهد وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية هو مصيب باجتهاده وان لم يصب ما في نفس الأمر فهو مخطىء وله أجر واحد وسيأتي بسط هذه المسألة في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى ثم الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق ليس بواضح وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد فيستفاد منه عدم تأثيمه وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحا للنهي الثاني على النهي الأول وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق فقد تقدم حديث جابر المصرح بأنهم صلوا العصر بعدما غربت الشمس وذلك لشغلهم بأمر الحرب فجوزوا أن يكون ذلك عاما في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولا سيما والزمان زمان التشريع والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحث والاستعجال والاسراع إلى بني قريظة وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدا من الطائفتين فلو كان هناك إثم لعنف من أثم واستدل به بن حبان على أن تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لا يكفر وفيه نظر لا يخفى واستدل به غيره على جواز الصلاة على الدواب في شدة الخوف وفيه نظر قد أوضحته في باب صلاة الخوف وعلى أن الذي يتعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها يقضيها بعد ذلك لأن الذين لم يصلوا العصر صلوها بعد ذلك كما وقع عند بن إسحاق أنهم صلوها في وقت العشاء وعند موسى بن عقبة أنهم صلوها بعد أن غابت الشمس وكذا في حديث كعب بن مالك وفيه نظر أيضا لأنهم لم يؤخروها إلا لعذر تأولوه والنزاع إنما هو فيمن أخر عمدا بغير تأويل وأغرب بن المنير فادعى أن الطائفة الذين صلوا العصر لما أدركتهم في الطريق إنما صلوها وهم على الدواب واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول قال فإن الذين لم يصلوا عمدوا بالدليل الخاص وهو الأمر بالإسراع فترك عموم إيقاع العصر في وقتها إلى أن فات والذين صلوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الإسراع فصلوا ركبانا لأنهم لو صلوا نزولا لكان مضادة لما أمروا به من الإسراع ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم انتهى وفيه نظر لأنه لم يصرح لهم بترك النزول فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة المبالغة في الأمر بالإسراع فبادروا إلى امتثال أمره وخصوا وقت الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد أمرها فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا ولا يكون في ذلك مضادة لما امروا به ودعوى أنهم صلوا ركبانا يحتاج إلى دليل ولم أره صريحا في شيء من طرق هذه القصة وقد تقدم بحث بن بطال في ذلك في باب صلاة الخوف وقال بن القيم في الهدى ما حاصله كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضيلتين امتثال الأمر في الإسراع وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت ولا سيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاتته حبط عمله وإنما لم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر ولأنهم اجتهدوا فأخروا لامتثالهم الأمر لكنهم لم يصلوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى وأما من احتج لمن أخر بأن الصلاة حينئذ كانت تؤخر كما في الخندق وكان ذلك قبل صلاة الخوف فليس بواضح لاحتمال أن يكون التأخير في الخندق كان عن نسيان وذلك بين في قوله صلى الله عليه وسلم لعمر لما قال له ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب فقال والله ما صليتها لأنه لو كان ذاكرا لها لبادر إليها كما صنع عمر انتهى وقد تقدم تأخير الصلاة في الخندق في كتاب الصلاة بما يغني عن إعادته

[ 3894 ] الحديث الرابع قوله حدثني بن أبي الأسود هو عبد الله كما تقدم بيانه في كتاب الخمس وساق هذا الحديث عنه هناك أتم وتقدم باختصار في غزوة بني النضير وتقدم ما يتعلق بالزيادة التي فيه هنا في حديث الزهري عن أنس في كتاب الهبة وحاصله أن الأنصار كانوا واسوا المهاجرين بنخيلهم لينتفعوا بثمرها فلما فتح الله النضير ثم قريظة قسم في المهاجرين من غنائمهم فأكثر وأمرهم برد ما كان للأنصار لاستغنائهم عنه ولأنهم لم يكونوا ملكوهم رقاب ذلك وامتنعت أم أيمن من رد ذلك ظنا أنها ملكت الرقبة فلاطفها النبي صلى الله عليه وسلم لما كان لها عليه من حق الحضانة حتى عوضها عن الذي كان بيدها بما أرضاها قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن فجاءت أم أيمن في هذا السياق حذف يوضحه رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ أعطاه أم أيمن فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيه فجاءت أم أيمن قوله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك كذا أي يقول لأم أيمن لك كذا في رواية مسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول يا أم أيمن اتركيه ولك كذا وقوله ولك كذا كناية عن القدر الذي ذكره لها النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي ظنت أم أيمن أن تلك المنحة مؤبدة فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها هذا الظن تطيبا لقلبها لكونها حاضنته وزادها من عنده حتى طاب قلبها قوله أو كما قالت إشارة إلى شك وقع في اللفظ مع حصول المعنى قوله حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو كما قال في رواية مسلم حتى أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله وعرف بهذا أن معنى قوله ولك كذا أي مثل الذي لك مرة ثم شرع يزيدها مرتين أوثلاثا إلى أن بلغها عشرة وفي الحديث مشروعية هبة المنفعة دون الرقبة وفرط جود النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة حلمه وبره ومنزلة أم أيمن عند النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما وهي والدة أسامة بن زيد وابنها أيمن أيضا له صحبة واستشهد بحنين وهو أسن من أسامة وعاشت أم أيمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا رضي الله عنهم

الحديث الخامس حديث أبي سعيد أورده من طريق شعبة بنزول وقد تقدم له في المناقب عاليا وكذا في المغازي قبل هذا بقليل

[ 3895 ] قوله عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل هكذا رواه شعبة عن سعد بن إبراهيم ورواه محمد بن صالح بن دينار التمار المدني عن سعد بن إبراهيم فقال عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أخرجه النسائي ورواية شعبة أصح ويحتمل أن يكون لسعد بن إبراهيم فيه إسنادان قوله نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ سيأتي بيان ذلك في الحديث الذي يليه وفي رواية محمد بن صالح المذكورة حكم أن يقتل منهم كل من جرت عليه الموسى وفيه زيادة بيان الفرق بين المقاتلة والذرية قوله فلما دنا من المسجد قيل المراد المسجد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أعده للصلاة فيه في ديار بني قريظة أيام حصارهم وليس المراد به المسجد النبوي بالمدينة لكن كلام بن إسحاق يدل على أنه كان مقيما في مسجد المدينة حتى بعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم في بني قريظة فإنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سعدا في خيمة رفيدة عند مسجده وكانت امرأة تداوي الجرحى فقال اجعلوه في خيمتها لأعوده من قريب فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وحاصرهم وسأله الأنصار أن ينزلوا على حكم سعد أرسل اليه فحملوه على حمار ووطؤا له وكان جسيما فدل قوله فلما خرج إلى بني قريظة أن سعدا كان في مسجد المدينة قوله قوموا إلى سيدكم يأتي البحث فيه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وفيه البيان عما اختلف فيه هل المخاطب بذلك الأنصار خاصة أم هم وغيرهم ووقع في مسند عائشة رضي الله عنها من مسند أحمد من طريق علقمة بن وقاص عنها في اثناء حديث طويل قال أبو سعيد فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم فانزلوه فقال عمر السيد هو الله قوله حكمت فيه بحكم الله وربما قال بحكم الملك هو بكسر اللام والشك فيه من أحد رواته أي اللفظين قال وفي رواية محمد بن صالح المذكورة لقد حكمت فيهم اليوم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات وفي حديث جابر عند بن عائذ فقال احكم فيهم يا سعد قال الله ورسوله أحق بالحكم قال قد أمرك الله تعالى أن تحكم فيهم وفي رواية بن إسحاق من مرسل علقمة بن وقاص لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة وأرقعة بالقاف جمع رقيع وهو من أسماء السماء قيل سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم وهذا كله يدفع ما وقع عند الكرماني بحكم الملك بفتح اللام وقسره بجبريل لأنه الذي ينزل بالأحكام قال السهيلي قوله من فوق سبع سماوات معناه أن الحكم نزل من فوق قال ومثله قول زينب بنت جحش زوجني الله من نبيه من فوق سبع سماوات أي نزل تزويجها من فوق قال ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلاله لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه وبقية الكلام على هذا الحديث في الذي بعده الحديث السادس حديث عائشة رضي الله عنها

[ 3896 ] قوله أصيب سعد في الرواية التي في المناقب سعد بن معاذ قوله حبان بكسر المهملة وتشديد الموحدة بن العرفة بفتح المهملة وكسر الراء ثم قاف قوله وهو حبان بن قيس يعني أن العرقة أمه وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم قوله من بني معيص بفتح الميم وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة وهو حبان بن قيس ويقال بن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف قوله رماه في الأكحل بفتح الهمزة والمهملة بينهما كاف ساكنة وهو عرق في وسط الذراع قال الخليل هو عرق الحياة ويقال إن في كل عضو منه شعبة فهو في اليد الأكحل وفي الظهر الأبهر وفي الفخذ النسا إذا قطع لم يرقأ الدم قوله خيمة في المسجد تقدم بيانها في الذي قبله فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل هذا السياق يبين أن الواو زائدة في الطريق التي في الجهاد حيث وقع فيه بلفظ لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح فأتاه جبريل وهو أولى من دعوى القرطبي أن الفاء زائدة قال وكأنها زيدت كما زيدت الواو في جواب لما انتهى ودعوى زيادة الواو في قوله وضع أولى من دعوى زيادة الفاء لكثرة مجيء الواو زائدة ووقع في أول هذه الغزاة لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل فمن هنا ادعى القرطبي أن الفاء زائدة ووقع عند الطبراني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد بن عائشة رضي الله عنها قالت سلم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فقمت في أثره فإذا بدحية الكلبي فقال هذا جبريل وفي حديث علقمة يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة وذلك لما رجع من الخندق قالت فكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل وفي حديث علقمة بن وقاص عن عائشة عند أحمد والطبراني فجاءه جبريل وإن على ثناياه لنقع الغبار وفي مرسل يزيد بن الأصم عند بن سعد فقال له جبريل عفا الله عنك وضعت السلاح ولم تضعه ملائكة الله وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة في حديث الباب قالت عائشة لقد رأيته من خلل الباب قد عصب التراب رأسه وفي رواية جابر عند بن عائذ فقال قم فشد عليك سلاحك فوالله لأدقنهم دق البيض على الصفا قوله فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فحاصرهم وروى بن عائذ من مرسل قتادة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي فنادى يا خيل الله اركبي وفي رواية أبي الأسود عن عروة عند الحاكم والبيهقي وبعث عليا على المقدمة ودفع اليه اللواء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثره وعند موسى بن عقبة نحوه وزاد وحاصرهم بضع عشرة ليلة وعند بن سعد خمس عشرة وفي حديث علقمة بن وقاص المذكور خمسا وعشرين ومثلها عند بن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب قال حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب فعرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يؤمنوا أو يقتلوا نساءهم وأبناءهم ويخرجوا مستقتلين أو يبيتوا المسلمين ليلة السبت فقالوا لا نؤمن ولا نستحل ليلة السبت وأي عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا فأرسلوا إلى أبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاءه فاستشاروه في النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه يعني الذبح ثم ندم فتوجه إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فارتبط به حتى تاب الله عليه قوله فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد كأنهم أذعنوا للنزول على حكمه صلى الله عليه وسلم فلما سأله الأنصار فيهم رد الحكم إلى سعد ووقع بيان ذلك عند بن إسحاق قال لما اشتد بهم الحصار أذعنوا إلى أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الأوس فقالوا يا رسول الله قد فعلت في موالي الخزرج أي بني قينقاع ما علمت فقال ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك إلى سعد بن معاذ وفي كثير من السير أنهم نزلوا على حكم سعد ويجمع بأنهم نزلوا على حكمه قبل أن يحكم فيه سعد وفي رواية علقمة بن وقاص المذكورة فلما اشتد بهم البلاء قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استشاروا أبا لبابة قال ننزل على حكم سعد بن معاذ ونحوه في حديث جابر عند بن عائذ فحصل في سبب رد الحكم إلى سعد بن معاذ أمران أحدهما سؤال الأوس والآخر إشارة أبي لبابة ويحتمل أن تكون الإشارة إثر توقفهم ثم لما اشتد الأمر بهم في الحصار عرفوا سؤال الأوس فأذعنوا إلى النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم وأيقنوا بأنه يرد الحكم إلى سعد وفي رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند مسلم فرد الحكم فيهم إلى سعد وكانوا حلفاءه قوله فإني أحكم فيهم أي في هذا الأمر وفي رواية النسفي وإني أحكم فيهم قوله أن تقتل المقاتلة قد تقدم في الذي قبله بيان ذلك وذكر بن إسحاق أنهم حبسوا في دار بنت الحارث وفي رواية أبي الأسود عن عروة في دار أسامة بن زيد ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في بيتين ووقع في حديث جابر عند بن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين قال بن إسحاق فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخنادق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأسهم للخيل فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها وعند بن سعد من مرسل حميد بن هلال أن سعد بن معاذ حكم أيضا أن تكون دارهم للمهاجرين دون الأنصار فلامه فقال إني أحببت أن تستغنوا عن دورهم واختلف في عدتهم فعند بن إسحاق أنهم كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمرو في ترجمة سعد بن معاذ وعند بن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبعمائة وقال السهيلي المكثر يقول إنهم ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل فيحتمل في طريق الجمع أن يقال إن الباقين كانوا أتباعا وقد حكى بن إسحاق أنه قيل إنهم كانوا تسعمائه قوله قال هشام فأخبرني أبي هو موصول بالإسناد المذكور أولا وقد تقدم هذا القدر من هذا الحديث موصولا من طريق أخرى عن هشام في أوائل الهجرة وفي رواية عبد الله بن نمير عن هشام عند مسلم قال قال سعد وتحجر كلمه للبرء اللهم إنك تعلم الخ أي انه دعا بذلك لما كاد جرحه أن يبرأ ومعنى تحجر أي يبس قوله فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم قال بعض الشراح ولم يصب في هذا الظن لما وقع من الحروب في الغزوات بعد ذلك قال فيحمل على أنه دعا بذلك فلم تقع الإجابة وادخر له ما هو أفضل من ذلك كما ثبت في الحديث الآخر في دعاء المؤمن أو أن سعدا أراد بوضع الحرب أي في تلك الغزوة الخاصة لا فيما بعدها وذكر بن التين عن الداودي أن الضمير لقريظة قال بن التين وهو بعيد جدا لنصه على قريش قلت وقد تقدم الرد عليه أيضا في أول الهجرة في الكلام على هذا الحديث والذي يظهر لي أن ظن سعد كان مصيبا وأن دعاءه في هذه القصة كان مجابا وذلك أنه لم يقع بين المسلمين وبين قريش من بعد وقعة الخندق حرب يكون ابتداء القصد فيها من المشركين فإنه صلى الله عليه وسلم تجهز إلى العمرة فصدوه عن دخول مكة وكاد الحرب أن يقع بينهم فلم يقع كما قال تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ثم وقعت الهدنة واعتمر صلى الله عليه وسلم من قابل واستمر ذلك إلى أن نقضوا العهد فتوجه إليهم غازيا ففتحت مكة فعلى هذا فالمراد بقوله أظن أنك وضعت الحرب أي أن يقصدونا محاربين وهو كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي قريبا في أواخر غزوة الخندق إلا أن نغزوهم ولا يغزوننا قوله فأبقني له أي للحرب في رواية الكشميهني فأبقني لهم قوله فافجرها أي الجراحة قوله فانفجرت من لبته بفتح اللام وتشديد الموحدة هي موضع القلادة من الصدر وهي رواية مسلم والإسماعيلي وفي رواية الكشميهني من ليلته وهو تصحيف فقد رواه حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته فإذا لبته قد انفجرت من كلمه أي من جرحه أخرجه بن خزيمة وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى صدره فانفجر من ثم قوله فانفجرت بين سبب ذلك في مرسل حميد بن هلال عند بن سعد ولفظه انه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر حتى مات قوله فلم يرعهم بالمهملة أي أهل المسجد أي لم يفزعهم قوله وفي المسجد خيمة هي جملة حالية قوله خيمة من بني غفار تقدم أن بن إسحاق ذكر أن الخيمة كانت لرفيدة الأسلمية فيحتمل أن تكون كان لها زوج من بني غفار قوله يغذو بغين وذال معجمتين أي يسيل قوله فمات منها في رواية بن خزيمة في آخر هذه القصة فإذا الدم له هدير ووقع في رواية علقمة بن وقاص عن عائشة عند أحمد فانفجر كلمه وكان قد بريء إلا مثل الخرص وهو بضم المعجمة وسكون الراء ثم مهملة وهو من حلي الإذن ولمسلم من طريق عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة فما زال الدم يسيل حتى مات قال فذلك حين يقول الشاعر ألا يا سعد سعد بني معاذ لما فعلت قريظة والنضير لعمرك إن سعد بني معاذ غداة تحملوا لهم الصبور تركتم قدركم لا شيء فيها وقدر القوم حامية تفور وقد قال الكريم أبو حباث أقيموا قينقاع ولا تسيروا وقد كانوا ببلدتهم ثفالا كما ثفلت بميطان الصخور وقوله أبو حباث بضم المهملة وتخفيف الموحدة وآخرها مثلثة هو عبد الله بن أبي رئيس الخزرج وكان شفع في بني قينقاع فوهبهم النبي صلى الله عليه وسلم له وكانوا حلفاءه وكانت قريظة حلفاء سعد بن معاذ فحكم بقتلهم فقال هذا الشاعر يوبخه بذلك وقوله تركتم قدركم أراد به ضرب المثل وميطان موضع في بلاد مزينة من الحجاز كثير الأوعار وأشار بذلك إلى أن بني قريظة كانوا في بلادهم راسخين من كثرة ما لهم من القوة والنجدة والمال كما رسخت الصخور بتلك البلدة وذكر بن إسحاق أن هذه الأبيات لجبل بن جوال الثعلبي وهو بفتح الجيم والموحدة وأبوه بالجيم وتشديد الواو والثعلبي بمثلثة ومهملة ثم موحدة ووقع عنده بدل قوله وقد قال الكريم البيت وأما الخزرجي أبو حباث فقال لقينقاع لا تسيروا وزاد فيها أبياتا منها أقيموا يا سراة الأوس فيها كأنكم من المخزاة غور وأراد بذلك توبيخ سعد بن معاذ لأنه رئيس الأوس وكان جبل بن جوال حينئذ كافرا ولعل قصيدة كعب بن مالك التي قدمناها في غزوة بني النضير كانت جوابا لجبل والله أعلم وذكر بن إسحاق لحسان بن ثابت قصيدة على هذا الوزن والقافية يقول فيها تفاقد معشر نصروا قريشا وليس لهم ببلدتهم نصير وهم أوتوا الكتاب فضيعوه فهم عمي عن التوراة بور وهي من جملة قصيدته التي تقدم بعضها في غزوة بني النضير وأجابه أبو سفيان بن الحارث عنها وفي قصة بني قريظة من الفوائد وخبر سعد بن معاذ جواز تمني الشهادة وهو مخصوص من عموم النهي عن تمني الموت وفيها تحكيم الأفضل من هو مفضول وفيها جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهي خلافية في أصول الفقه والمختار الجواز سواء كان بحضور النبي صلى الله عليه وسلم أم لا وإنما استبعد المانع وقوع الاعتماد على الظن مع إمكان القطع ولا يضر ذلك لأنه بالتقرير يصير قطعيا وقد ثبت وقوع ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم كما في هذه القصة وقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتيل أبي قتادة كما سيأتي في غزوة حنين وغير ذلك وسيأتي مزيد له في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى

[ 3897 ] الحديث السابع حديث البراء قوله عدي هو بن ثابت قوله اهجم أو هاجهم بالشك والثاني أخص من الأول قوله وزاد إبراهيم بن طهمان وصله النسائي وإسناده على شرط البخاري وأبو إسحاق هو الشيباني واسمه سليمان وزيادته في هذا الحديث معية أن الأمر له بذلك وقع يوم قريظة ووقع في حديث جابر رضي الله عنه عند بن مردويه لما كان يوم الأحزاب وردهم الله بغيظهم قال النبي صلى الله عليه وسلم من يحمي أعراض المسلمين فقام كعب وابن رواحة وحسان فقال لحسان أهجهم أنت فإنه سيعينك عليهم روح القدس فهذا يؤيد زيادة الشيباني المذكورة فان يوم بني قريظة مسبب عن يوم الأحزاب والله أعلم ولا مانع أن يتعدد وقوع الأمر له بذلك وأورده بن إسحاق لحسان في شأن بني قريظة عدة قصائد وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في الحديث الذي قبله

قوله باب غزوة ذات الرقاع هذه الغزوة اختلف فيها متى كانت واختلف في سبب تسميتها بذلك وقد جنح البخاري إلى أنها كانت بعد خيبر واستدل لذلك في هذا الباب بأمور سيأتي الكلام عليها مفصلا ومع ذلك فذكرها قبل خيبر فلا أدري هل تعمد ذلك تسليما لأصحاب المغازي أنها كانت قبلها كما سيأتي أو أن ذلك من الرواة عنه أو إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين كما أشار اليه البيهقي على أن أصحاب المغازي مع جزمهم بأنها كانت قبل خيبر مختلفون في زمانها فعند بن إسحاق أنها بعد بني النضير وقبل الخندق سنة أربع قال بن إسحاق أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع وبعض جمادى يعني من سنته وغزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع وعند بن سعد وابن حبان أنها كانت في المحرم سنة خمس وأما أبو معشر فجزم بأنها كانت بعد بني قريظة والخندق وهو موافق لصنيع المصنف وقد تقدم أن غزوة قريظة كانت في ذي القعدة سنة خمس فتكون ذات الرقاع في آخر السنة وأول التي تليها وأما موسى بن عقبة فجزم بتقديم وقوع غزوة ذات الرقاع لكن تردد في وقتها فقال لا ندري كانت قبل بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها وهذا التردد لا حاصل له بل الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوة بني قريظة لأنه تقدم أن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت وقد ثبت وقوع صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع فدل على تأخرها بعد الخندق وسأذكر بيان ذلك واضحا في الكلام على رواية هشام عن أبي الزبير عن جابر في هذا الباب إن شاء الله تعالى قوله وهي غزوة محارب خصفة كذا فيه وهو متابع في ذلك لرواية مذكورة في أواخر الباب وخصفة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة ثم الفاء هو بن قيس بن عيلان بن الياس بن مضر ومحارب هو بن خصفة والمحاربيون من قيس ينسبون إلى محارب بن خصفة هذا وفي مضر محاربيون أيضا لكونهم ينسبون إلى محارب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وهم بطن من قريش منهم حبيب بن مسلمة الذي ذكره في أواخر غزوة الخندق ولم يحرر الكرماني هذا الموضع فإنه قال قوله محارب هي قبيلة من فهر وخصفة هو بن قيس بن عيلان وفي شرح قول البخاري محارب خصفة بهذا الكلام من الفساد ما لا يخفى ويوضحه أن بني فهر لا ينسبون إلى قيس بوجه نعم وفي العرنيين محارب بن صباح وفي عبد القيس محارب بن عمرو ذكر ذلك الدمياطي وغيره فلهذه النكتة أضيفت محارب إلى خصفة لقصد التمييز عن غيرهم من المحاربيين كأنه قال محارب الذي ينسبون إلى خصفة لا الذين ينسبون إلى فهر ولا غيرهم قوله من بني ثعلبة بن غطفان بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة بعدها فاء كذا وقع فيه وهو يقتضي أن ثعلبة جد لمحارب وليس كذلك ووقع في رواية القابسي خصفة بن ثعلبة وهو أشد في الوهم والصواب ما وقع عند بن إسحاق وغيره وبني ثعلبة بواو العطف فان غطفان هو بن سعد بن قيس بن عيلان فمحارب وغطفان ابنا عم فكيف يكون الأعلى منسوبا إلى الأدنى وسيأتي في الباب من حديث جابر بلفظ محارب وثعلبة بواو العطف على الصواب وفي قوله ثعلبة بن غطفان بباء موحدة ونون نظر أيضا والأولى ما وقع عند بن إسحاق وبني ثعلبة من غطفان بميم ونون فإنه ثعلبة بن سعد بن دينار بن معيص بن ريث بن غطفان على أن لقوله بن غطفان وجها بأن يكون نسبه إلى جده الأعلى وسيأتي في الباب من رواية بكر بن سوادة يوم محارب وثعلبة فغاير بينهما وليس في جميع العرب من ينسب إلى بني ثعلبة بالمثلثة والمهملة الساكنة واللام المفتوحة بعدها موحدة إلا هؤلاء وفي بني أسد بنو ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة وهم قليل والثعلبيون يشتهون بالتغلبيين بالمثناة ثم المعجمة واللام المكسورة فأولئك قبائل أخرى ينسبون إلى تغلب بن وائل أخي بكر بن وائل وهم من ربيعة إخوة مضر قوله فنزل أي النبي صلى الله عليه وسلم قوله نخلا هو مكان من المدينة على يومين وهو بواد يقال له شرخ بشين معجمة بعدها مهملة ساكنة ثم خاء معجمة وبذلك الوادي طوائف من قيس من بني فزارة وأنمار وأشجع ذكره أبو عبيد البكري تنبيه جمهور أهل المغازي على ان غزوة ذات الرقاع هي غزوة محارب كما جزم به بن إسحاق وعند الواقدي أنهما ثنتان وتبعه القطب الحلبي في شرح السيرة والله أعلم بالصواب قوله وهي أي هذه الغزوة بعد خيبر لأن أبا موسى جاء بعد خيبر هكذا استدل به وقد ساق حديث أبي موسى بعد قليل وهو استدلال صحيح وسيأتي الدليل على أن أبا موسى إنما قدم من الحبشة بعد فتح خيبر في باب غزوة خيبر ففيه في حديث طويل قال أبو موسى فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر وإذا كان كذلك ثبت أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع ولزم أنها كانت بعد خيبر وعجبت من بن سيد الناس كيف قال جعل البخاري حديث أبي موسى هذا حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر قال وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شيء من ذلك انتهى وهذا النفي مردود والدلالة من ذلك واضحة كما قررته وأما شيخه الدمياطي فادعى غلط الحديث الصحيح وأن جميع أهل السير على خلافه وقد قدمت أنهم مختلفون في زمانها فالأولى الاعتماد على ما ثبت في الحديث الصحيح وقد ازداد قوة بحديث أبي هريرة وبحديث بن عمر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد قيل إن الغزوة التي شهدها أبو موسى وسميت ذات الرقاع غير غزوة ذات الرقاع التي وقعت فيها صلاة الخوف لأن أبا موسى قال في روايته انهم كانوا ستة أنفس والغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف كان المسلمون فيها أضعاف ذلك والجواب عن ذلك أن العدد الذي ذكره أبو موسى محمول على من كان موافقا له من الرامة لا أنه أراد جميع من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم واستدل على التعدد أيضا بقول أبي موسى إنها سميت ذات الرقاع لما لفوا في أرجلهم من الخرق وأهل المغازي ذكروا في تسميتها بذلك أمورا غير هذا قال بن هشام وغيره سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم وقيل بشجر بذلك الموضع يقال له ذات الرقاع وقيل بل الأرض التي كانوا نزلوا بها كانت ذات ألوان تشبه الرقاع وقيل لأن خيلهم كان بها سواد وبياض قاله بن حبان وقال الواقدي سميت بجبل هناك فيه بقع وهذا لعله مستند بن حبان ويكون قد تصحف جبل بخيل وبالجملة فقد اتفقوا على غير السبب الذي ذكره أبو موسى لكن ليس ذلك مانعا من اتحاد الواقعة ولازما للتعدد وقد رجح السهيلي السبب الذي ذكره أبو موسى وكذلك النووي ثم قال ويحتمل أن تكون سميت بالمجموع وأغرب الداودي فقال سميت ذات الرقاع لوقوع صلاة الخوف فيها فسميت بذلك لترقيع الصلاة فيها ومما يدل على التعدد أنه لم يتعرض أبو موسى في حديثه إلى أنهم صلوا صلاة الخوف ولا أنهم لقوا عدوا ولكن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع فإن أبا هريرة في ذلك نظير أبي موسى لأنه إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر كما سيأتي هناك ومع ذلك فقد ذكر في حديثه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في غزوة نجد كما سيأتي في أواخر هذا الباب واضحا وكذلك عبد الله بن عمر ذكر أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بنجد وقد تقدم أن أول مشاهده الخندق فتكون ذات الرقاع بعد الخندق

[ 3898 ] قوله وقال لي عبد الله بن رجاء كذا لأبي ذر ولغيره قال عبد الله بن رجاء ليس فيه لي وعبد الله بن رجاء هذا هو الغداني البصري قد سمع منه البخاري وأما عبد الله بن رجاء المكي فلم يدركه وقد وصله أبو العباس السراج في مسنده المبوب فقال حدثنا جعفر بن هاشم حدثنا عبد الله بن رجاء فذكره قوله أخبرنا عمران القطان هو بصري لم يخرج له البخاري إلا استشهادا قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف زاد السراج أربع ركعات صلى بهم ركعتين ثم ذهبوا ثم جاء أولئك فصلى بهم ركعتين وسيأتي في آخر الباب من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير بسنده وهذا بزيادة فيه وذلك كله في غزوة ذات الرقاع ولجابر حديث آخر فيه ذكر صلاة الخوف على صفة أخرى وسيأتي الكلام فيه قريبا قوله في غزوة السابعة هي من إضافة الشيء إلى نفسه على رأي أو فيه حذف تقديره غزوة السفرة السابعة وقال الكرماني وغيره غزوة السنة السابعة أي من الهجرة قلت وفي هذا التقدير نظر إذ لو كان مرادا لكان هذا نصا في أن غزوة ذات الرقاع تأخرت بعد خيبر ولم يحتج المصنف إلى تكلف الاستدلال لذلك بقصة أبي موسى وغير ذلك مما ذكره في الباب نعم في التنصيص على أنها سابع غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم تأييد لما ذهب اليه البخاري من أنها كانت بعد خيبر فإنه إن كان المراد الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه مطلقا وإن لم يقاتل فإن السابعة منها تقع قبل أحد ولم يذهب أحد إلى أن ذات الرقاع قبل أحد إلا ما تقدم من تردد موسى بن عقبة وفيه نظر لأنهم متفقون على أن صلاة الخوف متأخرة عن غزوة الخندق فتعين أن تكون ذات الرقاع بعد بني قريظة فتعين أن المراد الغزوات التي وقع فيها القتال والأولى منها بدر والثانية أحد والثالثة الخندق والرابعة قريظة والخامسة المريسيع والسادسة خيبر فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة فالمراد تاريخ الوقعة لا عدد المغازي وهذه العبارة أقرب إلى إرادة السنة من العبارة التي وقعت عند أحمد بلفظ وكانت صلاة الخوف في السابعة فإنه يصح أن يكون التقدير في الغزوة السابعة كما يصح في غزوة السنة السابعة قوله وقال بن عباس صلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني صلاة الخوف بذي قرد بفتح القاف والراء هو موضع على نحو يوم من المدينة مما بلى بلاد غطفان وحديث بن عباس هذا وصله النسائي والطبراني من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد صلاة الخوف مثل صلاة حذيفة وأخرجه أحمد وإسحاق من هذا الوجه بلفظ فصف الناس خلفه صفين صف موازي العدو وصف خلفه فصلى بالذي يليه ركعة ثم ذهبوا إلى مصاف الآخرين وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة أخرى انتهى وقد تقدم حديث بن عباس في باب صلاة الخوف من طريق الزهري عن عبيد الله به نحو هذا لكن ليس فيه بذي قرد وزاد فيه والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم بعضا وحمله الجمهور على أن العدو كانوا في جهة القبلة كما سيأتي بعد قليل وهذه الصفة تخالف الصفة التي وصفها جابر فيظهر أنهما قصتان لكن البخاري أراد من إيراد حديث بن عباس وحديث سلمة بن الأكوع الموافق له في تسميته الغزوة الإشارة أيضا إلى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر لأن في حديث سلمة التنصيص على أنها كانت بعد الحديبية وخيبر كانت قرب الحديبية لكن يعكر عليه اختلاف السبب والقصد فإن سبب غزوة ذات الرقاع ما قيل لهم إن محارب يجمعون لهم فخرجوا إليهم إلى بلاد غطفان وسبب غزوة القرد إغارة عبد الرحمن بن عيينة على لقاح المدينة فخرجوا في آثارهم ودل حديث سلمة على أنه بعد أن هزمهم وحده واستنقذ اللقاح منهم أن المسلمين لم يصلوا في تلك الخرجة إلى بلاد غطفان فافترقا وأما الاختلاف في كيفية صلاة الخوف بمجرده فلا يدل على التغاير لاحتمال أن تكون وقعت في الغزوة الواحدة على كيفيتين في صلاتين في يومين بل في يوم واحد قوله وقال بكر بن سوادة حدثني زياد بن نافع عن أبي موسى ان جابرا حدثهم قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم محارب وثعلبة أما بكر بن سوادة فهو الجذامي المصري يكنى أبا ثمامة وكان أحد الفقهاء بمصر وأرسله عمر بن عبد العزيز إلى أهل إفريقية ليفقههم فمات بها سنة ثمان وعشرين ومائة وثقه بن معين والنسائي وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وقد وصله سعيد بن منصور والطبري من طريقه بهذا الإسناد وأما زياد بن نافع فهو التجيي المصري تابعي صغير وليس له أيضا في البخاري سوى هذا الموضع وأما أبو موسى فيقال إنه علي بن رباح وهو تابعي معروف أخرج له مسلم ويقال هو الغافقي واسمه مالك بن عبادة وهو صحابي معروف أيضا ويقال أنه مصري لا يعرف اسمه وليس له في البخاري أيضا إلا هذا الموضع وقوله يوم محارب وثعلبة يؤيد ما وقع من الوهم في أول الترجمة قوله وقال بن إسحاق سمعت وهب بن كيسان سمعت جابرا قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل فلقى جمعا من غطفان الخ لم أر هذا الذي ساقه عن بن إسحاق هكذا في شيء من كتب المغازي ولا غيرها والذي في السيرة تهذيب بن هشام قال بن إسحاق حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي صعب فساق قصة الجمل وكذلك أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق وقال بن إسحاق قبل ذلك وغزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد أخاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف الناس وهذا القدر هو الذي ذكره البخاري تعليقا مدرجا بطريق وهب بن كيسان عن جابر وليس هو عند بن إسحاق عن وهب كما أوضحته إلا أن يكون البخاري اطلع على ذلك من وجه آخر لم نقف عليه أو وقع في النسخة تقديم وتأخير فظنه موصولا بالخبر المسند فالله أعلم ولم أر من نبه على ذلك في هذا الموضع ونخل بالخاء المعجمة كما تقدم موضع من نجد من أراضي غطفان قال أبو عبيد البكري لا يصرف وغفل من قال إن المراد نخل بالمدينة واستدل به على مشروعية صلاة الخوف في الحضر وليس كما قال وصلاة الخوف في الحضر قال بها الشافعي والجمهور إذا حصل الخوف وعن مالك تختص بالسفر والحجة للجمهور قوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلم يقيد ذلك بالسفر والله أعلم قوله وقال يزيد عن سلمة غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القرد أما يزيد فهو بن أبي عبيد وأما سلمة فهو بن الأكوع وسيأتي حديثه هذا موصولا قبل غزوة خيبر وترجم له المصنف غزوة ذي قرد وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساقه مطولا وليس فيه لصلاة الخوف ذكر وإنما ذكره هنا من أجل حديث بن عباس المذكور قبل أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بذي قرد ولا يلزم من ذكر ذي قرد في الحديثين أن تتحد القصة كما لا يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم صلى الخوف في مكان أن لا يكون صلاها في مكان آخر قال البيهقي الذي لا نشك فيه أن غزوة ذي قرد كانت بعد الحديبية وخيبر وحديث سلمة بن الأكوع مصرح بذلك وأما غزوة ذات الرقاع فمختلف فيها فظهر تغاير القصتين كما حررته واضحا

[ 3899 ] قوله عن أبي موسى هو الأشعري قوله خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن في ستة نفر لم أقف على أسمائهم وأظنهم من الأشعريين قوله بيننا بعير نعتقبه أي نركبه عقبة عقبة وهو أن يركب هذا قليلا ثم ينزل فيركب الآخر بالنوبة حتى يأتي على سائرهم قوله فنقبت أقدامنا بفتح النون وكسر القاف بعدها موحدة أي دقت يقال نقب البعير إذا رق خفه قوله لما كنا أي من أجل ما فعلناه من ذلك قوله نعصب بفتح أوله وكسر الصاد المهملة قوله وحدث أبو موسى بهذا هو موصول بالإسناد المذكور وهو مقول أبي بردة بن أبي موسى قوله كره ذلك أي لما خاف من تزكية نفسه قوله كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه وذلك أن كتمان العمل الصالح أفضل من إظهاره إلا لمصلحة راجحة كمن يكون ممن يقتدى به وعند الإسماعيلي في رواية منقطعة قال والله يجزي به

[ 3900 ] قوله عن صالح بن خوات بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو وآخره مثناة أي بن جبير بن النعمان الأنصاري وصالح تابعي ثقة ليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وأبوه أخرج له البخاري في الأدب المفرد وهو صحابي جليل أول مشاهده أحد ومات بالمدينة سنة أربعين قوله عمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف قيل إن اسم هذا المبهم سهل بن أبي حثمة لأن القاسم بن محمد روى حديث صلاة الخوف عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة وهذا هو الظاهر من رواية البخاري ولكن الراجح أنه أبوه خوات بن جبير لأن أبا أويس روى هذا الحديث عن يزيد بن رومان شيخ مالك فيه فقال عن صالح بن خوات عن أبيه أخرجه بن منده في معرفة الصحابة من طريقه وكذلك أخرجه البيهقي من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه وجزم النووي في تهذيبه بأنه خوات بن جبير وقال انه محقق من رواية مسلم وغيره قلت وسبقه لذلك الغزالي فقال إن صلاة ذات الرقاع في رواية خوات بن جبير وقال الرافعي في شرح الوجيز اشتهر هذا في كتب الفقه والمنقول في كتب الحديث رواية صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة وعمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم قال فلعل المبهم هو خوات والد صالح قلت وكأنه لم يقف على رواية خوات التي ذكرتها وبالله التوفيق ويحتمل أن صالحا سمعه من أبيه ومن سهل بن أبي حثمة فلذلك يبهمه تارة ويعينه أخرى إلا أن تعيين كونها كانت ذات الرقاع إنما هو في روايته عن أبيه وليس في رواية صالح عن سهل أنه صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم وينفع هذا فيما سنذكره قريبا من استبعاد أن يكون سهل بن أبي حثمة كان في سن من يخرج في تلك الغزاة فإنه لا يلزم من ذلك أن لا يرويها فتكون روايته إياها مرسل صحابي فبهذا يقوى تفسير الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بخوات والله أعلم قوله أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو وجاه بكسر الواو وبضمها أي مقابل قوله فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم هذه الكيفية تخالف الكيفية التي تقدمت عن جابر في عدد الركعات وتوافق الكيفية التي تقدمت عن بن عباس في ذلك لكن تخالفها في كونه صلى الله عليه وسلم ثبت قائما حتى أتمت الطائفة لأنفسها ركعة أخرى وفي أن الجميع استمروا في الصلاة حتى سلموا بسلام النبي صلى الله عليه وسلم

[ 3901 ] قوله وقال معاذ حدثنا هشام كذا للأكثر وعند النسفي وقال معاذ بن هشام حدثنا هشام وفيه رد على أبي نعيم ومن تبعه في الجزم بأن معاذا هذا هو بن فضالة شيخ البخاري ومعاذ بن هشام ثقة صاحب غرائب وقد تابعه بن علية عن أبيه هشام وهو الدستوائي أخرجه الطبري في تفسيره وكذلك أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام عن أبي الزبير ولمعاذ بن هشام عن أبيه فيه إسناد آخر أخرجه الطبري عن بندار عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر وسأذكر ما في رواياتهم من الاختلاف قريبا إن شاء الله تعالى قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل فذكر صلاة الخوف أورده مختصرا معلقا لأن غرضه الإشارة إلى أن روايات جابر متفقة على أن الغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف هي غزوة ذات الرقاع لكن فيه نظر لأن سياق رواية هشام عن أبي الزبير هذه تدل على أنه حديث آخر في غزوة أخرى وبيان ذلك أن في هذا الحديث عند الطيالسي وغيره أن المشركين قالوا دعوهم فان لهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم قال فنزل جبريل فأخبره فصلى بأصحابه العصر وصفهم صفين فذكر صفة صلاة الخوف وهذه القصة إنما هي في غزوة عسفان وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق زهير بن معاوية عن أبي الزبير بلفظ يدل على مغايرة هذه القصة لغزوة محارب في ذات الرقاع ولفظه عن جابر قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة فقاتلونا قتالا شديدا فلما أن صلينا الظهر قال المشركون لو ملنا عليهم ميلة واحدة لأفظعناهم فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال وقالوا ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد فذكر الحديث وروى أحمد والترمذي وصححه النسائي من طريق عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضبحان وعسفان فقال المشركون إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم فذكر الحديث في نزول جبريل لصلاة الخوف وروى أحمد وأصحاب السنن وصححه بن حبان من حديث أبي عياش الزرقي قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فصلى بنا الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد فقالوا لقد أصبنا منهم غفلة ثم قال ان لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر فصلى بنا العصر ففرقنا فرقتين الحديث وسياقه نحو رواية زهير عن أبي الزبير عن جابر وهو ظاهر في اتحاد القصة وقد روى الواقدي من حديث خالد بن الوليد قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية لقيته بعسفان فوقفت بإزائه وتعرضت له فصلى بأصحابه الظهر فهممنا أن نغير عليهم فلم يعزم لنا فأطلع الله نبيه على ذلك فصلى بأصحابه العصر صلاة الخوف الحديث وهو ظاهر فيما قررته أن صلاة الخوف بعسفان غير صلاة الخوف بذات الرقاع وأ جابرا روى القصتين معا فأما رواية أبي الزبير عنه ففي قصة عسفان وأما رواية أبي سلمة ووهب بن كيسان وأبي موسى المصري عنه ففي غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وثعلبة وإذا تقرر أن أول ما صليت صلاة الخوف في عسفان وكانت في عمرة الحديبية وهي بعد الخندق وقريظة وقد صليت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع وهي بعد عسفان فتعين تأخرها عن الخندق وعن قريظة وعن الحديبية أيضا فيقوى القول بأنها بعد خيبر لأن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية وأما قول الغزالي إن غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات فهو غلط واضح وقد بالغ بن الصلاح في إنكاره وقال بعض من انتصر للغزالي لعله أراد آخر غزوة صليت فيها صلاة الخوف وهذا انتصار مردود أيضا لما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان من حديث أبي بكرة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف وإنما أسلم أبو بكرة في غزوة الطائف باتفاق وذلك بعد غزوة ذات الرقاع قطعا وإنما ذكرت هذا استطرادا لتكمل الفائدة قوله قال مالك هو موصول بالإسناد المذكور قوله وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف يقتضي أنه سمع في كيفيتها صفات متعددة وهو كذلك فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الخوف كيفيات حملها بعض العلماء على اختلاف الأحوال وحملها آخرون على التوسع والتخيير وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب صلاة الخوف وما ذهب اليه مالك من ترجيح هذه الكيفية وافقه الشافعي وأحمد وداود على ترجيحها لسلامتها من كثرة المخالفة ولكونها أحوط لأمر الحرب مع تجويزهم الكيفية التي في حديث بن عمر ونقل عن الشافعي أن الكيفية التي في حديث بن عمر منسوخة ولم يثبت ذلك عنه وظاهر كلام المالكية عدم إجازة الكيفية التي في حديث بن عمر واختلفوا في كيفية رواية سهل بن أبي حثمة في موضع واحد وهو أن الامام هل يسلم قبل أن تأتي الطائفة الثانية بالركعة الثانية أو ينتظرها في التشهد ليسلموا معه فبالأول قال المالكية وزعم بن حزم أنه لم يرد عن أحد من السلف القول بذلك والله أعلم ولم تفرق المالكية والحنفية حيث أخذوا بالكيفية التي في هذا الحديث بين أن يكون العدو في جهة القبلة أم لا وفرق الشافعي والجمهور فحملوا حديث سهل على أن العدو كان في غير جهة القبلة فلذلك صلى بكل طائفة وحدها جميع الركعة وأما إذا كان العدو في جهة القبلة فعلى ما تقدم في حديث بن عباس أن الإمام يحرم بالجميع ويركع بهم فإذا سجد سجد معه صف وحرس صف الخ ووقع عند مسلم من حديث جابر صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة وقال السهيلي اختلف العلماء في الترجيح فقالت طائفة يعمل منها بما كان أشبه بظاهر القرآن طائفة يجتهد في طلب الأخير منها فإنه الناسخ لما قبله وقالت طائفة يؤخذ بأصحها نقلا وأعلاها رواة وقالت طائفة يؤخذ بجميعها على حسب اختلاف أحوال الخوف فإذا اشتد الخوف أخذ بأيسرها مؤنة والله أعلم قوله تابعه الليث عن هشام عن زيد بن اسلم أن القاسم بن محمد حدثه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار قلت لم يظهر لي مراد البخاري بهذه المتابعة لأنه إن أراد المتابعة في المتن لم يصح لأن الذي قبله غزوة محارب وثعلبة بنخل وهذه غزوة أنمار ولكن يحتمل الاتحاد لأن ديار بني أنمار تقرب من ديار بني ثعلبة وسيأتي بعد باب أن أنمار في قبائل منهم بطن من غطفان وان أراد المتابعة في الإسناد فليس كذلك بل الروايتان متخالفتان من كل وجه الأولى متصلة بذكر الصحابي وهذه مرسلة ورجال الأولى غير رجال الثانية ولعل بعض من لا بصر له بالرجال يظن أن هشاما المذكور قبل هو هشام المذكور ثانيا وليس كذلك فان هشاما الراوي عن أبي الزبير هو الدستوائي كما بينته قبل وهو بصري وهشام شيخ الليث فيه هو بن سعد وهو مدني والدستوائي لا رواية له عن زيد بن أسلم ولا رواية لليث بن سعد عنه وقد وصل البخاري في تاريخه هذا المعلق قال قال لي يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم سمع القاسم بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في غزوة بني أنمار نحوه يعني نحو حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف قلت فظهر لي من هذا وجه المتابعة وهو أن حديث سهل بن أبي حثمة في غزوة ذات الرقاع متحد مع حديث جابر لكن لا يلزم من اتحاد كيفية الصلاة في هذه وفي هذه أن تتحد الغزوة وقد أفرد البخاري غزوة بني أنمار بالذكر كما سيأتي بعد باب نعم ذكر الواقدي أن سبب غزوة ذات الرقاع أن أعرابيا قدم يجلب إلى المدينة فقال إني رأيت ناسا من بني ثعلبة ومن بني أنمار وقد جمعوا لكم جموعا وأنتم في غفلة عنهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة ويقال سبعمائة فعلى هذا فغزوة أنمار متحدة مع غزوة بني محارب وثعلبة وهي غزوة ذات الرقاع والله أعلم ويحتمل أن يكون موضع هذه المتابعة بعد حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات فيكون متأخرا عنه ويكون تقديمه من بعض النقلة عن البخاري ويؤيد ذلك ما ذكرته عن تاريخ البخاري فإنه بين في ذلك والله أعلم

[ 3902 ] قوله حدثنا يحيى عن يحيى الأول هو بن سعيد القطان وشيخه هو بن سعيد الأنصاري والقاسم بن محمد أي بن أبي بكر الصديق وصالح بن خوات تقدم التعريف به ففي الإسناد ثلاثة من التابعين المدنيين في نسق يحيى الأنصاري فمن فوقه وسهل بن أبي حثمة بفتح المهملة وسكون المثناة واسمه عبد الله وقيل عامر وقيل اسم أبيه عبد الله وأبو حثمة جده واسمه عامر بن ساعدة وهو أنصاري من بني الحارث بن الخزرج اتفق أهل العلم بالأخبار على أنه كان صغيرا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ذكر بن أبي حاتم عن رجل من ولد سهل أنه حدثه أنه بايع تحت الشجرة وشهد المشاهد إلا بدرا وكان الدليل ليلة أحد وقد تعقب هذا جماعة من أهل المعرفة وقالوا إن هذه الصفة لأبيه وأما هو فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثمان سنين وممن جزم بذلك الطبري وابن حبان وابن السكن وغير واحد وعلى هذا فتكون روايته لقصة صلاة الخوف مرسلة ويتعين أن يكون مراد صالح بن خوات ممن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف غيره والذي يظهر أنه أبوه كما تقدم والله أعلم قوله يقوم الإمام هذا ذكره موقوفا وقد أخرجه المصنف بعد حديث من طريق بن أبي حاتم واسمه عبد العزيز عن يحيى بن سعيد الأنصاري وأورده من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه مرفوعا قوله عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أي مثل المتن الموقوف من رواية يحيى عن يحيى وقد أورده مسلم وأبو داود من هذا الوجه بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم خلفه صفين فذكر الحديث وهو مما يقوي ما قدمته أن سهل بن أبي حثمة لم يشهد ذلك وأن المراد بقول صالح بن خوات ممن شهد أبوه لا سهل والله أعلم

[ 3903 ] قوله ان بن عمر رضي الله عنهما قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا بالزاي أي قاتلنا العدو فصاففنا لهم وقد تقدم في باب صلاة الخوف أن في رواية الكشميهني فصففناهم وكذا أخرجه أحمد عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه وهكذا أورده البخاري من طريق شعيب هنا مقتصرا منها على هذا القدر وعقبها بطريق معمر فلم يتعرض لصدر الحديث بل أوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين والطائفة الأخرى مواجهة العدو الحديث فأما رواية شعيب فتقدمت في باب صلاة الخوف تامة وأما رواية معمر فأخرجها أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه كذلك ووقع في آخرها ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم ولفظ القضاء فيها على معنى الأداء لا على معنى القضاء الاصطلاحي وقد وقع في رواية شعيب فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين وهي تبين المراد في رواية بن جريج عن الزهري عند أحمد نحوه وقد تقدم الكلام على بقية هذا الحديث في باب صلاة الخوف

[ 3905 ] قوله حدثني سنان وأبو سلمة أما سنان فهو بن أبي سنان الدؤلي كما في الرواية الثانية والدؤلي بضم المهملة وفتح الهمزة وهو مدني اسم أبيه يزيد بن أمية وثقه العجلي وغيره وماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر من روايته عن أبي هريرة في الطب وأما أبو سلمة فهو بن عبد الرحمن بن عوف كذا رواه شعيب عنهما ورواه إبراهيم بن سعد كما تقدم في الجهاد فلم يذكر فيه أبا سلمة وكذا رواه مسلم عن محمد بن جعفر الوركاني عن إبراهيم بن سعد ورواه الحارث بن أبي أسامة عن محمد الوركاني هذا فأثبت فيه أبا سلمة ورواه بن أبي عتيق عن الزهري فلم يذكر أبا سلمة ورواه معمر عن الزهري كما سيأتي بعد أحاديث قليلة فلم يذكر سنانا فكأن الزهري كان تارة يجمعهما وتارة يفرد أحدهما وإسماعيل في الرواية الثانية هو بن أبي أويس وأخوه هو عبد الحميد وسليمان شيخه هو بن بلال ومحمد بن أبي عتيق نسب إلى جده فإن أبا عتيق هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ومحمد هذا الراوي هو بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وقد ساق البخاري الحديث على لفظ بن أبي عتيق وليس فيه ذكر أبي سلمة وذكر من طريق شعيب وهي عن سنان وأبي سلمة معا قطعة يسيرة فان جابرا أخبر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد وتقدم في الجهاد عن أبي اليمان وحده بتمامه ورأيتها موافقة لرواية بن أبي عتيق إلا في آخره كما سأبينه وأما رواية إبراهيم بن سعد ففيها اختصار وقد رواه عن جابر أيضا سليمان بن قيس كما في رواية مسدد التي بعد هذه بحديث ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة كما في الرواية المعلقة بعده فذكر بعض ما في حديث الزهري وزاد قصة صلاة الخوف قوله أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع قوله فأدركتهم القائلة أي وسط النهار وشدة الحر قوله كثير العضاه بكسر المهملة وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر يعظم له شوك وقيل هو العظيم من السمر مطلقا وقد تقدم غير مرة قوله فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة أي شجرة كثيرة الورق وفي رواية معمر فاستظل بها ويفسره ما في رواية يحيى فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم قوله قال جابر هو موصول بالإسناد المذكور وسقط ذلك من رواية معمر قوله فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي هذا السياق يفسر رواية يحيى فإن فيها فجاء رجل من المشركين الخ فبينت هذه الرواية أن هذا القدر لم يحضره الصحابة وإنما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن دعاهم واستيقظوا قوله أعرابي جالس في رواية معمر فإذا أعرابي قاعد بين يديه وسيأتي ذكر اسمه قريبا قوله وهو في يده صلتا بفتح المهملة وسكون اللام بعدها مثناة أي مجردا عن غمده قوله فقال لي من يمنعك مني في رواية يحيى فقال تخافني قال لا قال فمن يمنعك مني وكرر ذلك في رواية أبي اليمان في الجهاد ثلاث مرات وهو استفهام إنكار أي لا يمنعك مني أحد لأن الأعرابي كان قائما والسيف في يده والنبي صلى الله عليه وسلم جالس لا سيف معه ويؤخذ من مراجعة الأعرابي له في الكلام أن الله سبحانه وتعالى منع نبيه صلى الله عليه وسلم منه وإلا فما أحوجه إلى مراجعته مع احتياجه إلى الحظوة عند قومه بقتله وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه الله أي يمنعني منك إشارة إلى ذلك ولذلك أعادها الأعرابي فلم يزده على ذلك الجواب وفي ذلك غاية التهكم به وعدم المبالاة به أصلا قوله فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية يحيى بن أبي كثير فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهرها يشعر بأنهم حضروا القصة وأنه إنما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد وليس كذلك بل وقع في رواية إبراهيم بن سعد في الجهاد بعد قوله قلت الله فشامه السيف وفي رواية معمر فشامه والمراد أغمده وهذه الكلمة من الأضداد يقال شامه إذا استله وشامه إذا أغمده قاله الخطابي وغيره وكأن الأعرابي لما شاهد ذلك الثبات العظيم وعرف أنه حيل بينه وبينه تحقق صدقه وعلم أنه لا يصل اليه فألقى السلاح وأمكن من نفسه ووقع في رواية بن إسحاق بعد قوله قال الله فدفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك أنت مني قال لا أحد قال قم فاذهب لشأنك فلما ولى قال أنت خير مني وأما قوله في الرواية فها هو جالس ثم لم يعاقبه فيجمع مع رواية بن إسحاق بأن قوله فاذهب كان بعد أن أخبر الصحابة بقصته فمن عليه لشدة رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام ولم يؤاخذه بما صنع بل عفا عنه وقد ذكر الواقدي في نحو هذه القصة أنه أسلم وأنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير ووقع في رواية بن إسحاق التي أشرت إليها ثم أسلم بعد قوله وقال أبان هو بن يزيد العطار وروايته هذه وصلها مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عنه بتمامه قوله وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين الخ هذه الكيفية مخالفة للكيفية التي في طريق أبي الزبير عن جابر وهو مما يقوي أنهما واقعتان قوله وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر اسم الرجل غورث بن الحارث وقاتل فيها محارب خصفة هكذا أورده مختصرا من الإسناد ومن المتن فاما الإسناد فأبو عوانة هو الوضاح البصري وأما بشر فهو جعفر بن أبي وحشة وبقية الإسناد ظاهر فيما أخرجه مسدد في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه وكذلك أخرجها إبراهيم الحربي في كتاب غريب الحديث له عن مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر وأما المتن فتمامه عن جابر قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فذكره وفيه فقال الأعرابي غير أني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فجاء إلى أصحابه فقال جئتكم من عند خير الناس فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الحديث وغورث وزن جعفر وقيل بضم أوله وهو بغين معجمة وراء ومثلثة مأخوذ من الغرث وهو الجوع ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير وحكى عياض أن بعض المغاربة قال في البخاري بالعين المهملة قال وصوابه بالمعجمة ومحارب خصفة تقدم بيانه في أول الباب ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة أن اسم الأعرابي دعثور وأنه أسلم لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان في غزوتين فالله أعلم وفي الحديث فرط شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه وصبره على الأذى وحلمه عن الجهال وفيه جواز تفرق العسكر في النزول ونومهم وهذا محله إذا لم يكن هناك ما يخافون منه قوله وقال أبو الزبير عن جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخل فصلى الخوف تقدمت الإشارة إلى ذكر من وصله قبل مع التنبيه على ما فيه من المغايرة قوله وقال أبو هريرة صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف وصله أبو داود وابن حبان والطحاوي من طريق أبي الأسود أنه سمع عروة يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة هل صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قال أبو هريرة نعم قال مروان متى قال عام غزوة نجد قوله وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيام خيبر يريد بذلك تأكيد ما ذهب اليه من أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر لكن لا يلزم من كون الغزوة كانت من جهة نجد أن لا تتعدد فان نجدا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات وقد تقدم تقرير كون جابر روى قصتين مختلفتين في صلاة الخوف بما يغني عن إعادته فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر لا التي قبل خيبر

قوله باب هكذا وقع هنا وذكر ما يتعلق بها ثم أورد حديث أبي سعيد في العزل ثم قال بعد ذلك حدثني محمود يعني بن غيلان حدثنا عبد الرزاق فذكر حديث جابر في غزوة نحد وفيه قصة الأعرابي وهذا محله في غزوة ذات الرقاع وقد وقع في رواية أبي ذر عن المستملي في غزوة ذات الرقاع وهو أنسب ثم ذكر بعد هذه ترجمة وهي غزوة أنمار وذكر فيه حديث جابر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على راحلته وهذا الحديث قد تقدم في باب قصر الصلاة وكان محل هذا قبل غزوة بني المصطلق لأنه عقبه بترجمة حديث الإفك والافك كان في غزوة بني المصطلق فلا معنى لإدخال غزوة أنمار بينهما بل غزوة أنمار يشبه أن تكون هي غزوة محارب وبني ثعلبة لما تقدم من قول أبي عبيد إن الماء لبني أشجع وأنمار وغيرهما من قيس والذي يظهر أن التقديم والتأخير في ذلك من النساخ والله أعلم ولم يذكر أهل المغازي غزوة أنمار وذكر مغلطاي أنها غزوة أمر بفتح الهمزة وكسر الميم فقد ذكر بن إسحاق أنها كانت في صفر وعند بن سعد قدم قادم بجلب فأخبر أن أنمار وثعلبة قد جمعوا لهم فخرج لعشر خلون من المحرم فأتى محلهم بذات الرقاع وقبل إن غزوة أنمار وقعت في أثناء غزوة بني المصطلق لما روى أبو الزبير عن جابر أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق فأتيته وهو يصلي على بعير الحديث ويؤيده رواية الليث عن القاسم بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في غزوة بني أنمار صلاة الخوف ويحتمل أن رواية جابر لصلاته صلى الله عليه وسلم تعددت قوله غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع أما المصطلق فهو بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام بعدها قاف وهو لقب واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بطن من بني خزاعة وقد تقدم بيان نسب خزاعة في أوائل السيرة النبوية وأما المريسيع فبضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما مهملة مكسورة وآخره عين مهملة هو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم وقد روى الطبراني من حديث سفيان بن وبرة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع غزوة بني المصطلق قوله قال بن إسحاق وذلك سنة ست كذا هو في مغازي بن إسحاق رواية يونس بن بكير وغيره عنه وقال في شعبان وبه جزم خليفة والطبري وروى البيهقي من رواية قتادة وعروة وغيرهما أنها كانت في شعبان سنة خمس وكذا ذكرها أبو معشر قبل الخندق قوله وقال موسى بن عقبة سنة أربع كذا ذكره البخاري وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس ولفظه عن موسى بن عقبة عن بن شهاب ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد عن بن عمر أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق في شعبان سنة أربع ولم يؤذن له في القتال لأنه إنما أذن له فيه في الخندق كما تقدم وهي بعد شعبان سواء قلنا إنها كانت سنة خمس أو سنة أربع وقال الحاكم في الإكليل قول عروة وغيره إنها كانت في سنة خمس أشبه من قول بن إسحاق قلت ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك كما سيأتي فلو كان المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره وإن كانت كما قيل سنة أربع فهي أشد فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان لتكون قد وقعت قبل الخندق لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضا فتكون بعدها فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع ورمى بعد ذلك بسهم في الخندق ومات من جراحته في قريظة وسأذكر ما وقع لعياض من ذلك في أثناء الكلام على حديث الإفك إن شاء الله تعالى ويؤيده أيضا أن حديث الإفك كان سنة خمس إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة فيكون المريسيع بعد ذلك فيرجح أنها سنة خمس أما قول الواقدي إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس فمردود وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد بأنه كان سنة ثلاث فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال أشهرها سنة أربع والله أعلم قوله وقال النعمان بن راشد عن الزهري كان حديث الإفك في غزوة المريسيع وصله الجوزقي والبيهقي في الدلائل من طريق حماد بن زيد عن النعمان بن راشد ومعمر عن الزهري عن عائشة فذكر قصة الإفك في غزوة المريسيع وبهذا قال بن إسحاق وغير واحد من أهل المغازي إن قصة الإفك كانت في رجوعهم من غزوة المريسيع وذكر بن إسحاق عن مشايخه عاصم بن عمر بن قتادة وغيره أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار فخرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع قريبا من الساحل فزاحف الناس واقتتلوا فهزمهم الله وقتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وأبناءهم وأموالهم كذا ذكر بن إسحاق بأسانيد مرسلة والذي في الصحيح كما تقدم في كتاب العتق من حديث بن عمر يدل على أنه أغار عليهم على حين غفلة منهم فأوقع بهم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تستقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم الحديث فيحتمل أن يكون حين الايقاع بهم ثبتوا قليلا فلما كثر فيهم القتل انهزموا بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافوا ووقع القتال بين الطائفتين ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم وقد ذكر هذه القصة بن سعد نحو ما ذكر بن إسحاق وأن الحارث كان جمع جموعا وأرسل عينا تأتيه بخبر المسلمين فظفروا به فقتلوه فلما بلغه ذلك هلع وتفرق الجمع وانتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الماء وهو المريسيع فصف أصحابه للقتال ورموهم بالنبل ثم حملوا عليهم حملة واحدة فما أفلت منهم إنسان بل قتل منهم عشرة وأسر الباقون رجالا ونساء وساق ذلك اليعمري في عيون الأثر ثم ذكر حديث بن عمر ثم قال أشار بن سعد إلى حديث بن عمر ثم قال الأول أثبت قلت آخر كلام بن سعد والحكم بكون الذي في السير أثبت مما في الصحيح مردود ولا سيما مع إمكان الجمع والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث بن محيريز واسمه عبد الله ومحيريز بمهملة وراء ثم زاي بصيغة التصغير عن أبي سعيد في قصة العزل وسيأتي شرحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا ذكر غزوة بني المصطلق في الجملة وقد أشرت إلى قصتها مجملا ولله الحمد

قوله باب حديث الإفك قد تقدم وجه مناسبة إيراده هنا لما ذكره عن الزهري أن قصة الإفك كانت في غزوة المريسيع قوله الإفك والأفك بمنزلة النجس والنجس أي هما في الاسم لغتان بكسر الهمزة وسكون الفاء وهي المشهورة وبفتحهما معا وقوله بمنزلة أي نظير ذلك النجس والنجس في الضبط وكونهما لغتين قوله يقال إفكهم وأفكهم أي في قوله تعالى بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون فقرىء في المشهور بكسر الهمزة وسكون الفاء وبضم الكاف وأما بالفتحات فقرىء بالشاذ وهو عن عكرمة وغيره بثلاث فتحات فعلا ماضيا أي صرفهم ووراء ذلك قراءات أخرى في الشواذ كالمشهور لكن بفتح أوله وهو عن بن عباس ومثل الثاني لكن بتشديد الفاء وهو عن أبي عياض بصيغة التكبير وبالمد أوله وفتح الفاء والكاف وهو عن بن الزبير وغير ذلك مما يستوعب في موضعه قوله فمن قال أفكهم أي جعله فعلا ماضيا يقال معناه صرفهم عن الإيمان كما قال يؤفك عنه من أفك أي يصرف عنه من صرف ثم ذكر المصنف حديث الإفك بطوله من طريق صالح وهو بن كيسان عن بن شهاب وقد تقدم بطوله في الشهادات من طريق فليح عن بن شهاب وذكرت أني أورد شرحه مستوفى في سورة النور وسأذكر هناك مع شرحه بيان ما اختلفوا فيه من ألفاظ وسياقه إن شاء الله تعالى

وذكر المصنف بعد سياقه قصة الإفك أحاديث تتعلق بها الأول قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي قوله أملي على هشام بن يوسف هو الصنعاني قوله من حفظه فيه إشارة إلى أن الإملاء قد يقع من الكتاب قوله قال لي الوليد بن عبد الملك أي بن مروان في رواية عبد الرزاق عن معمر كنت عند الوليد بن عبد الملك أخرجه الإسماعيلي قوله أبلغك أن عليا كان فيمن قذف عائشة في رواية عبد الرزاق فقال الذي تولى كبره منهم علي قلت لا كذا في رواية عبد الرزاق وزاد ولكن حدثني سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة وعبيد الله كلهم عن عائشة قال الذي تولى كبره عبد الله بن أبي قال فما كان جزمه وفي ترجمة الزهري عن حلية أبي نعيم من طريق بن عيينة عن الزهري كنت عند الوليد بن عبد الملك فتلا هذه الآية والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقال نزلت في علي بن أبي طالب قال الزهري أصلح الله الأمير ليس الأمر كذلك أخبرني عروة عن عائشة قال وكيف أخبرك قلت أخبرني عروة عن عائشة أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن أبي سلول ولابن مردويه من وجه آخر عن الزهري كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا فلما بلغ هذه الآية ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم حتى بلغ والذي تولى كبره جلس ثم قال يا أبا بكر من تولى كبره منهم أليس علي بن أبي طالب قال فقلت في نفسي ماذا أقول لئن قلت لا لقد خشيت أن ألقى منه شرا ولئن قلت نعم لقد جئت بأمر عظيم قلت في نفسي لقد عودني الله على الصدق خيرا قلت لا قال فضرب بقضيبه على السرير ثم قال فمن فمن حتى ردد ذلك مرارا قلت لكن عبد الله بن أبي

[ 3911 ] قوله ولكن قد أخبرني رجلان من قومك أي من قريش لأن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مخزومي وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف زهري يجمعهما مع بني أمية رهط الوليد مرة بن كعب بن لؤي بن غالب قوله كان على مسلما في شأنها كذا في نسخ البخاري بكسر اللام الثقيلة وفي رواية الحموي بفتح اللام قوله فراجعوه فلم يرجع المراجعة في ذلك وقعت مع هشام بن يوسف فيما أحسب وذلك أن عبد الرزاق رواه عن معمر فخالفه فرواه بلفظ مسيئا كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين وزعم الكرماني أن المراجعة وقعت في ذلك عند الزهري قال وقوله فلم يرجع أي لم يجب بغير ذلك قال ويحتمل أن يكون المراد فلم يرجع الزهري إلى الوليد قلت ويقوى رواية عبد الرزاق ما في رواية بن مردويه المذكورة بلفظ أن عليا أساء في شأني والله يغفر له انتهى وقال بن التين قوله مسلما هو بكسر اللام وضبط أيضا بفتحها والمعنى متقارب قلت وفيه نظر فرواية الفتح تقتضي سلامته من ذلك ورواية الكسر تقتضي تسليمه لذلك قال بن التين وروى مسيئا وفيه بعد قلت بل هو الأقوى من حيث نقل الرواية وقد ذكر عياض أن النسفي رواه عن البخاري بلفظ مسيئا قال وكذلك رواه أبو علي بن السكن عن الفربري وقال الأصيلي بعد أن رواه بلفظ مسلما كذا قرأناه والأعرف غيره وإنما نسبته إلى الإساءة لأنه لم يقل كما قال أسامة أهلك ولا نعلم إلا خيرا بل ضيق على بريرة وقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ونحو ذلك من الكلام كما سيأتي بسطه في مكانه وتوجيه العذر عنه وكأن بعض من لا خير فيه من الناصبة تقرب إلى بني أمية بهذه الكذبة فحرفوا قول عائشة إلى غير وجهه لعلمهم بانحرافهم عن علي فظنوا صحتها حتى بين الزهري للوليد أن الحق خلاف ذلك فجزاه الله تعالى خيرا وقد جاء عن الزهري أن هشام بن عبد الملك كان يعتقد ذلك أيضا فأخرج يعقوب بن شيبة في مسنده عن الحسن بن علي الحلواني عن الشافعي قال حدثنا عمي قال دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له يا سليمان الذي تولى كبره من هو قال عبد الله بن أبي قال كذبت هو علي قال أمير المؤمنين أعلم بما يقول فدخل الزهري فقال يا بن شهاب من الذي تولى كبره قال بن أبي قال كذبت هو علي فقال أنا أكذب لا أبالك والله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت حدثني عروة وسعيد وعبيد الله وعلقمة عن عائشة أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي فذكر له قصة مع هشام في آخرها نحن هيجنا الشيخ هذا أو معناه الحديث الثاني

[ 3912 ] قوله عن حصين هو بن عبد الرحمن الواسطي قوله عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة الأسدي قوله عن مسروق حدثتني أم رومان بضم الراء وسكون الواو وتقدم ذكرها في علامات النبوة وتسميتها وقد استشكل قول مسروق حدثتني أم رومان مع أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومسروق ليست له صحبة لأنه لم يقدم من اليمن إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر أو عمر قال الخطيب لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبي وائل غير حصين ومسروق لم يدرك أم رومان وكان يرسل هذا الحديث عنها ويقول سئلت أم رومان فوهم حصين فيه حيث جعل السائل لها مسروقا أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف فصارت سألت فقرئت بفتحتين قال علي أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب يعني بالعنعنة قال وأخرج البخاري هذا الحديث بناء على ظاهر الاتصال ولم يظهر له علة انتهى وقد حكى المزي كلام الخطيب هذا في التهذيب وفي الأطراف ولم يتعقبه بل أقره وزاد أنه روى عن مسروق عن بن مسعود عن أم رومان وهو أشبه بالصواب كذا قال وهذه الرواية شاذة وهي من المزيد في متصل الأسانيد على ما سنوضحه والذي ظهر لي بعد التأمل أن الصواب مع البخاري لأن عمدة الخطيب ومن تبعه في دعوى الوهم الاعتماد على قول من قال إن أم رومان ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع وقيل سنة خمس وقيل ست وهو شيء ذكره الواقدي ولا يتعقب الأسانيد الصحيحة بما يأتي عن الواقدي وذكره الزبير بن بكار بسند منقطع فيه ضعف أن أم رومان ماتت سنة ست في ذي الحجة وقد أشار البخاري إلى رد ذلك في تاريخه الأوسط والصغير فقال بعد ان ذكر أم رومان في فصل من مات في خلافة عثمان روى علي بن يزيد عن القاسم قال ماتت أم رومان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست قال البخاري وفيه نظر وحديث مسروق أسند أي أقوى إسنادا و أبين اتصالا انتهى وقد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر لأن مولد مسروق كان في سنة الهجرة ولهذا قال أبو نعيم الأصبهاني عاشت أم رومان بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقد تعقب ذلك كله الخطيب معتمدا على ما تقدم عن الواقدي والزبير وفيه نظر لما وقع عند أحمد من طريق أبي سلمة عن عائشة قالت لما نزلت آيةالتخيير بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة فقال يا عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان الحديث وأصله في الصحيحين دون تسمية أم رومان وآية التخيير نزلت سنة تسع اتفاقا فهذا دال على تأخر موت أم رومان عن الوقت الذي ذكره الواقدي والزبير أيضا فقد تقدم في علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر قال عبد الرحمن وإنما هو أنا وأبي وأمي وامرأتي وخادم وفيه عند المصنف في الأدب فلما جاء أبو بكر قالت له أمي احتبست عن أضيافك الحديث وعبد الرحمن إنما هاجر في هدنة الحديبية وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست وهجرة عبد الرحمن في سنة سبع في قول بن سعد وفي قول الزبير فيها أو في التي بعدها لأنه روى أن عبد الرحمن خرج في فئة من قريش قبل الفتح الى النبي صلى الله عليه وسلم فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الذي ذكراه فيه وفي بعض هذا كفاية في التعقب على الخطيب ومن تبعه فيما تعقبوه على هذا الجامع الصحيح والله المستعان وقد تلقى كلام الخطيب بالتسليم صاحب المشارق والمطالع والسهيلي وابن سيد الناس وتبع المزي الذهبي في مختصراته والعلائي في المراسيل وآخرون وخالفهم صاحب الهدى قلت وسأذكر ما في حديث أم رومان من قصة الإفك مخالفا لحديث عائشة ووجه التوفيق بينهما في التفسير إن شاء الله تعالى الحديث الثالث

[ 3913 ] قوله عن بن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله قوله عن عائشة في رواية بن جريج عن بن أبي مليكة سمعت عائشة وسيأتي في التفسير قوله كانت تقرأ إذ تلقونه أي بكسر اللام وضم القاف مخففا وقد فسر في الخبر حيث قال وتقول الولق الكذب والولق بفتح الواو واللام بعدها قاف وقال الخطابي هو الإسراع في الكذب قوله قال بن أبي مليكة وكانت أعلم من غيرها بذلك لأنه نزل فيها قلت لكن القراءة المشهورة بفتح اللام وتشديد القاف من التلقي وإحدى التاءين فيه محذوفة وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة النور إن شاء الله تعالى الحديث الرابع قول عائشة في حسان ذكره بألفاظ وسيأتي شرحه أيضا في تفسير سورة النور وقوله

[ 3914 ] وقال محمد بن عقبة أي الطحان الكوفي يكنى أبا جعفر وأبا عبد الله وهو من شيوخ البخاري ووقع في رواية كريمة والأصيلي حدثنا محمد بغير زيادة وقد عرف نسبه من رواية الآخرين وسيأتي له ذكر في كتاب الأحكام وشيخه عثمان بن فرقد بصري له عند البخاري شيخ آخر تقدم في آخر البيوع الحديث الخامس حديث مسروق دخلنا على عائشة وعندها حسان يأتي شرحه أيضا في تفسير النور إن شاء الله تعالى

قوله باب غزوة الحديبية في رواية أبي ذر عن الكشميهني عمرة بدل غزوة والحديبية بالتثقيل والتخفيف لغتان وأنكر كثير من أهل اللغة التخفيف وقال أبو عبيد البكري أهل العراق يثقلون وأهل الحجاز يخففون قوله وقول الله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الآية يشير إلى أنها نزلت في قصة الحديبية وقد تقدم شرح معظم هذه القصة في كتاب الشروط وأذكر هنا ما لم يتقدم له ذكر هناك وكان توجهه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الإثنين مستهل ذي القعدة سنة ست فخرج قاصدا إلى العمرة فصده المشركون عن الوصول إلى البيت ووقعت بينهم المصالحة على أن يدخل مكة في العام المقبل وجاء عن هشام بن عروة عن أبيه أنه خرج في رمضان واعتمر في شوال وشذ بذلك وقد وافق أبو الأسود عن عروة الجمهور ومضى في الحج قول عائشة ما اعتمر إلا في ذي القعدة ثم ذكر المصنف فيه ثلاثين حديثا الحديث الأول حديث زيد بن خالد الجهني في النهي عن قول مطرنا بنجم كذا الحديث وقد تقدم شرحه في الاستسقاء والغرض منه

[ 3917 ] قوله خرجنا عام الحديبية الحديث الثاني حديث أنس اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر تقدم شرحه في الحج الحديث الثالث حديث أبي قتادة انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم هكذا ذكره مختصرا وقد تقدم بطوله في كتاب الحج مشروحا ويستفاد منه أن بعض من خرج إلى الحديبية لم يكن أحرم بالعمرة فلم يحتج إلى التحلل منها كما سأشير إليه في الحديث الذي بعده الحديث الرابع حديث البراء في تكثير ماء البئر بالحديبية ببركة بصاق النبي صلى الله عليه وسلم فيها ذكره من وجهين عن أبي إسحاق عن البراء ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء كنا أربع عشرة مائة وفي رواية زهير عنه أنهم كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر ووقع في حديث جابر الذي بعده من طريق سالم بن أبي الجعد عنه أنهم كانوا خمس عشرة مائة ومن طريق قتادة قلت لسعيد بن المسيب بلغني عن جابر أنهم كانوا أربع عشرة مائة فقال سعيد حدثني جابر أنهم كانوا خمس عشرة مائة ومن طريق عمرو بن دينار عن جابر كانوا ألفا وأربعمائة ومن طريق عبد الله بن أبي أوفى كانوا ألفا وثلاثمائة ووقع عند بن أبي شيبة من حديث مجمع بن حارثة كانوا ألفا وخمسمائة والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة فمن قال ألفا وخمسمائة جبر الكسر ومن قال ألفا وأربعمائة الغاه ويؤيده

[ 3919 ] قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء ألفا وأربعمائة أو أكثر واعتمد على هذا الجمع النووي وأما البيهقي فمال الى الترجيح وقال إن رواية من قال ألف وأربعمائة أصح ثم ساقه من طريق أبي الزبير ومن طريق أبي سفيان كلاهما عن جابر كذلك ومن رواية معقل بن يسار وسلمة بن الأكوع والبراء بن عازب ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قلت ومعظم هذه الطرق عند مسلم ووقع عند بن سعد في حديث معقل بن يسار زهاء ألف وأربعمائة وهو ظاهر في عدم التحديد وأما قول عبد الله بن أبي أوفى ألفا وثلاثمائة فيمكن حمله على ما اطلع هو عليه واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم والزيادة من الثقة مقبولة أو العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك أو العدد الذي ذكره هو عدد المقاتلة والزيادة عليها من الأتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم وأما قول بن إسحاق إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه لأنه قاله استنباطا من قول جابر نحرنا البدنة عن عشرة وكانوا نحروا سبعين بدنة وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا وسيأتي في هذا الباب في حديث المسور ومروان أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بضع عشرة مائة فيجمع أيضا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها كمن توجه مع عثمان إلى مكة على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع فلا تخالف وجزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة وفي حديث سلمة بن الأكوع عند بن أبي شيبة ألفا وسبعمائة وحكى بن سعد أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين وهذا إن ثبت تحرير بالغ ثم وجدته موصولا عن بن عباس عند بن مردويه وفيه رد على بن دحية حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد وإنما ذكره بالحدس والتخمين والله أعلم

قوله ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يعني قوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم والتحقيق أنه يختلف ذلك باختلاف المراد من الآيات فقوله تعالى انا فتحنا لك فتحا مبينا المراد بالفتح هنا الحديبية لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح وقد ذكر بن إسحاق في المغازي عن الزهري قال لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان الكفر حيث القتال فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكن أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا بادر الى الدخول فيه فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر قال بن هشام ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى وهذه الآية نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في هذا الباب من حديث عمر وأما قوله تعالى في هذه السورة وأثابهم فتحا قريبا فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال شهدنا الحديبية فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم وقد جمع الناس قرأ عليهم إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية فقال رجل يا رسول الله أو فتح هو قال أي والذي نفسي بيده إنه لفتح ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الشعبي في قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال صلح الحديبية وغفر له ما تقدم وما تأخر وتبايعوا بيعة الرضوان وأطعموا نخيل خيبر وظهرت الروم على فارس وفرح المسلمون بنصر الله وأما قوله تعالى فجعل من دون ذلك فتحا قريبا فالمراد الحديبية وأما قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح وقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح فالمراد به فتح مكة باتفاق فبهذا يرتفع الاشكال وتجتمع الأقوال بعون الله تعالى قوله والحديبية بئر يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمى ببئر كانت هنالك هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك وقد مضى بأبسط من هذا في أواخر الشروط قوله فنزحناها كذا للأكثر ووقع في شرح بن التين فنزفناها بالفاء بدل الحاء المهملة قال والنزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا بعد شيء إلى أن لا يبقى منه شيء قوله فلم نترك فيها قطرة في رواية فوجدنا الناس قد نزحوها قوله فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء في رواية زهير ثم قال ائتوني بدلو من مائها قوله ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد في رواية زهير فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة قوله ثم انها أصدرتنا أي رجعتنا يعني أنهم رجعوا عنها وقد رووا وفي رواية زهير فأرووا أنفسهم وركابهم والركاب الإبل التي يسار عليها الحديث الخامس حديث جابر

[ 3921 ] قوله بن فضيل هو محمد وحصين هو بن عبد الرحمن وسالم هو بن أبي الجعد والكل كوفيون كما أن الإسناد الذي بعده إلى قتادة بصريون قوله فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه هذا مغاير لحديث البراء أنه صب ماء وضوئه في البئر فكثر الماء في البئر وجمع بن حبان بينهما بأن ذلك وقع مرتين وسيأتي في الأشربة البيان بأن حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من أصابعه ويده في الركوة وتوضئوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها وقد أخرج أحمد من حديث جابر من طريق نبيح العنزي عنه وفيه فجاء رجل بأداوة فيها شيء من ماء ليس في القوم ماء غيره فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن ثم انصرف وترك القدح قال فتزاحم الناس على القدح فقال على رسلكم فوضع كفه في القدح ثم قال أسبغوا الوضوء قال فلقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه ووقع في حديث البراء أن تكثير الماء كان بصب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه في البئر وفي رواية أبي الأسود عن عروة في دلائل البيهقي أنه أمر بسهم فوضع في قعر البئر فجاشت بالماء وقد تقدم وجه الجمع في الكلام على حديث المسور ومروان في آخر الشروط وتقدم الكلام على اختلافهم في كيفية نبع الماء في علامات النبوة وأن نبع الماء من بين أصابعه وقع مرارا في الحضر وفي السفر والله أعلم

[ 3922 ] قوله تابعه أبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي قال حدثنا قرة هو بن خالد عن قتادة وهذه الطريق وصلها الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي الفلاس عن أبي داود الطيالسي بهذا الإسناد إلى قتادة قال سألت سعيد بن المسيب كم كانوا في بيعة الرضوان فذكر الحديث وقال فيه أوهم يرحمه الله هو حدثني أنهم كانوا ألفا وخمسمائة

[ 3923 ] قوله قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال لما كان بالحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم لا توقدوا نارا بليل فلما كان بعد ذلك قال أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم وعند مسلم من حديث جابر مرفوعا لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية وروى مسلم أيضا من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي على عثمان لأن عليا كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت الشجرة وكان عثمان حينئذ غائبا كما تقدم في المناقب من حديث بن عمر لكن تقدم في حديث بن عمر المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض واستدل به أيضا على أن الخضر ليس بحي لأنه لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي وهو باطل فدل على أنه ليس بحي حينئذ وأجاب من زعم أنه حي باحتمال أن يكون حينئذ حاضرا معهم ولم يقصد إلى تفضيل بعضهم على بعض أو لم يكن على وجه الأرض بل كان في البحر والثاني جواب ساقط وعكس بن التين فاستدل به على أن الخضر ليس بنبي فبنى الأمر على أنه حي وأنه دخل في عموم من فضل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشجرة عليهم وقد قدمنا الأدلة الواضحة على ثبوت نبوة الخضر في أحاديث الأنبياء وأغرب بن التين فجزم أن الياس ليس بنبي وبناه على قول من زعم أنه أيضا حي وهو ضعيف أعني كونه حيا وأما كونه ليس بنبي فنفى باطل ففي القرآن العظيم وان الياس لمن المرسلين فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلا وليس بنبي قوله ولو كنت أبصر اليوم يعني أنه كان عمى في آخر عمره قوله تابعه الأعمش سمع سالما يعني بن أبي الجعد سمع جابرا ألفا وأربعمائة أي في قوله ألفا وأربعمائة وهذه الطريق وصلها المؤلف في آخر كتاب الأشربة وساق الحديث أتم مما هنا وبين في آخره الاختلاف فيه على سالم ثم على جابر في العدد المذكور وقد بينت وجه الجمع قريبا وقيل إنما عدل الصحابي عن قوله ألف وأربعمائة إلى قوله أربع عشرة مائة للإشارة إلى أن الجيش كان منقسما إلى المئات وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى إما بالنسبة إلى القبائل وإما بالنسبة إلى الصفات قال بن دحية الاختلاف في عددهم دال على أنه قيل بالتخمين وتعقب بإمكان الجمع كما تقدم الحديث السادس حديث عبد الله بن أبي أوفى

[ 3924 ] قوله وقال عبيد الله بن معاذ كذا ذكره بصيغة التعليق وقد وصله أبو نعيم في المستخرج على مسلم من طريق الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ به وقال مسلم حدثنا عبيد الله بن معاذ به قوله ألفا وثلاثمائة في رواية علي بن قادم عن شعبة عن عمرو بن مرة عند بن مردويه ألفا وأربعمائة وهي شاذة قوله وكانت أسلم أي قبيلته قوله ثمن المهاجرين بضم المثلثة وسكون الميم وضمها ولم أعرف عدد من كان بها من المهاجرين خاصة ليعرف عدد الأسلميين إلا أن الواقدي جزم بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل فعلى هذا كان المهاجرون ثمانمائة قوله تابعه محمد بن بشار هو بندار حدثنا أبو داود هو الطيالسي وهذه الطريق وصلها الإسماعيلي عن بن عبد الكريم عن بندار به وأخرجه مسلم عن أبي موسى محمد بن المثنى عن أبي داود به

الحديث السابع

[ 3925 ] قوله أخبرنا عيسى هو بن يونس وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم ومرداس الأسلمي هو بن مالك وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ولا يعرف أحد روى عنه إلا قيس بن أبي حازم وجزم بذلك البخاري وأبو حاتم ومسلم وآخرون وقال بن السكن زعم بعض أهل الحديث أن مرداس بن عروة الذي روى عنه زياد بن علاقة هو الأسلمي قال والصحيح أنهما اثنان قلت وفي هذا تعقب على المزي في قوله في ترجمة مرداس الأسلمي روى عنه قيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة ووضع أن شيخ زياد بن علاقة غير مرداس الأسلمي والله أعلم قوله سمع مرداسا الأسلمي يقول وكان من أصحاب الشجرة يقبض الصالحون كذا ذكره عنه موقوفا هنا أورده في الرقاق من طريق بيان عن قيس مرفوعا ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى والغرض منه بيان أنه كان من أصحاب الشجرة والحفالة بالمهملة والفاء بمعنى الحثالة بالمثلثة والفاء قد تقع موضع الثاء والمراد بها الردىء من كل شيء الحديث الثامن حديث المسور ومروان في قصة الحديبية ذكره مختصرا جدا من رواية سفيان وهو بن عيينة عن الزهري وقال فيه لا أحصى كم سمعته من سفيان حتى سمعته يقول لا أحفظ من الزهري الإشعار والتقليد الخ وهذا كلام علي بن المديني وسيأتي هذا الحديث في هذا الباب من رواية عبيد الله بن محمد الجعفي عن سفيان بن عيينة أتم من رواية علي ولكن قال فيه حفظت بعضه وثبتني معمر وسأذكر ما يتعلق بشرحه وهو الحديث الخامس والعشرون فيه وأغرب الكرماني فحمل قول علي بن المديني لا أحصي كم سمعته من سفيان على أنه شك في العدد الذي سمعه منه هل قال ألف وخمسمائة أو ألف وأربعمائة أو ألف وثلاثمائة ويكفي في التعقب عليه أن حديث سفيان هذا ليس فيه تعرض للتردد في عددهم بل الطرق كلها جازمة بأن الزهري قال في روايته كانوا بضع عشرة مائة وكذلك كل من رواه عن سفيان وإنما وقع الاختلاف في حديث جابر والبراء كما تقدم مبسوطا الحديث التاسع

[ 3927 ] قوله حدثنا الحسن بن خلف هو الواسطي ثقة من صغار شيوخ البخاري وما له عنه في الصحيح سوى هذا الموضع قوله عن أبي بشر ورقاء هو بن عمر اليشكري وهو مشهور باسمه وابن أبي نجيح اسمه عبد الله واسم أبي نجيح يسار بمهملة وحديث كعب بن عجرة هذا ذكره المصنف من وجهين عن مجاهد في آخر هذا الباب وقد تقدم شرحه في كتاب الحج

الحديث العاشر والحادي عشر

[ 3928 ] قوله فلحقت عمر امرأة شابة لم أقف على اسمها ولا على اسم زوجها ولا اسم أحد من أولادها وزوجها صحابي لأن من كان له في ذلك الزمان أولاد يدل على أن له إدراكا وهذه بنت صحابي لا يبعد أن يكون لها رؤية فالذي يظهر أن زوجها صحابي أيضا وفي رواية معن عن مالك عند الإسماعيلي فلقينا امرأة قد شبثت بثيابه والدارقطني من هذا الوجه إني امرأة مؤتمة وله من طريق سعيد بن داود عن مالك فتعلقت بثيابه قوله وترك صبية صغارا في رواية سعيد بن داود وخلف صبيين صغيرين فيحتمل أن يكون معهما بنت أو أكثر قوله فقالت يا أمير المؤمنين زاد الدارقطني من طريق عبد العزيز بن يحيى عن مالك فقال من معه دعى أمير المؤمنين قوله ما ينضجون بضم أوله وسكون النون وكسر الضاد المعجمة بعدها جيم قوله كراعا بضم الكاف هو ما دون الكعب من الشاة قال الخطابي معناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه ويحتمل أن يكون المراد لا كراع لهم فينضجونه قوله ليس لهم ضرع بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء ليس لهم ما يحلبونه وقوله ولا زرع أي ليس لهم نبات قوله وخشيت أن تأكلهم الضبع أي السنة المجدبة ومعنى تأكلهم أي تهلكهم قوله وأنا بنت خفاف بضم المعجمة وفاءين الأولى خفيفة قوله إيماء بكسر الهمزة ويقال بفتحها وسكون التحتانية والمد وخفاف صحابي مشهور قيل له ولأبيه ولجده صحبة حكاه بن عبد البر قال وكانوا ينزلون غيفة يعني بغين معجمة وتحتانية ساكنة وقاف ويأتون المدينة كثيرا ولخفاف هذا حديث عند مسلم موصول قوله شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أهدى له إيماء بن رحضة الغفاري مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا وبعث بها مع ابنه خفاف فقبل هديته وفرق الغنم في اصحابه ودعا بالبركة قوله بنسب قريب يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش لأن كنانة تجمعهم أو أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف قوله بعير ظهير أي قوى الظهر معد للحاجة قوله اقتاديه بقاف ومثناة وفي رواية سعيد بن داود وقودي هذا البعير قوله حتى يأتيكم الله بخير في رواية سعيد بن داود بالرزق قوله فقال رجل لم اقف على اسمه قوله ثكلتك أمك هي كلمة تقولها العرب للإنكار ولا تريد بها حقيقتها قوله إني لأرى أبا هذه يعني خفافا قوله وأخاها لم أقف على اسمه وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد لكنهما تابعيان فوهم من فسر الأخ الذي ذكره عمر بأحدهما لأن مقتضى هذه القصة أن يكون الولد المذكور صحابيا وإذا ثبت ما ذكره بن عبد البر أن لخفاف وأبيه وجده صحبة اقتضى أن يكون هؤلاء أربعة في نسق لهم صحبة وهم ولد خفاف وإيماء ورحضة فتذاكر بهم مع بيت الصديق خلافا لمن زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة إلا في بيت الصديق وقد جمعت من وقع له ذلك ولو من طريق ضعيف فبلغوا عشرة أمثلة منهم زيد بن حارثة وأبوه وولده أسامة وولد أسامة لأن الواقدي وصف أسامة بأنه تزوج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وولد له قوله قد حاصرا حصنا لم أعرف الغزوة التي وقع فيها ذلك ويحتمل احتمالا قريبا أن تكون خيبر لأنها كانت بعد الحديبية وحوصرت حصونها قوله نستفىء بالمهملة وبالفاء وبالهمز أي نسترجع يقول

[ 3929 ] الحديث الثاني عشر حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في الشجرة أورده من طريق قتادة عنه ومن طريق طارق بن عبد الرحمن عن سعيد من ثلاثة طرق إلى طارق قوله لقد رأيت الشجرة أي التي كانت بيعة الرضوان تحتها ووقع في بعض النسخ قال محمود ثم أنسيتها قوله ثم أتيتها بعد فلم أعرفها بين في رواية طارق أنه أتاها في العام المقبل فلم يعرفها

[ 3930 ] قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وعبيد الله هو بن موسى وهو من شيوخ البخاري وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا قوله انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون لم أقف على اسم أحد منهم وزاد الإسماعيلي من رواية قيس بن الربيع عن طارق في مسجد الشجرة قوله نسيناها في رواية الكشميهني والمستملي أنسيناها بضم الهمزة وسكون النون أي أنسينا موضعها بدليل فلم نقدر عليها قوله فقال سعيد أي بن المسيب إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم قال سعيد هذا الكلام منكرا وقوله فأنتم أعلم هو على سبيل التهكم وفي رواية قيس بن الربيع أن أقاويل الناس كثيرة

[ 3931 ] قوله فرجعنا إليها العام المقبل في رواية عفان عن أبي عوانة عند الإسماعيلي فانطلقنا في قابل حاجين كذا أطلق وهم كانوا معتمرين لكن يطلق عليها الحج كما يقال العمرة الحج الأصغر قوله فعميت علينا أي أبهمت في رواية عفان فعمى علينا مكانها وزاد فان كانت بينت لكم فأنتم أعلم

[ 3932 ] قوله ذكرت عند سعيد بن المسيب الشجرة فضحك فقال أخبرني أبي وكان شهدها زاد الإسماعيلي من طريق أبي زرعة عن قبيصة شيخ البخاري فيه أنهم أتوها من العام القابل فأنسيناها وقد قدمت الحكمة في إخفائها عنهم في باب البيعة على الحرب من كتاب الجهاد عند الكلام على حديث بن عمر في معنى ذلك لكن إنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه عرفها معتمدا على قول أبيه إنهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدل على رفع معرفتها أصلا فقد وقع عند المصنف من حديث جابر الذي قبل هذا لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها لأن الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت هلكت إما بجفاف أو بغيره واستمر هو يعرف موضعها بعينه ثم وجدت عند بن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت

الحديث الثالث عشر حديث عبد الله بن أبي أوفى في قوله اللهم صلى على آل أبي أوفى وقد تقدم شرحه في كتاب الزكاة وذكره هنا لقوله وكان منأصحاب الشجرة

الحديث الرابع عشر

[ 3934 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال وعمرو بن يحيى هو المازني وعباد بن تميم أي بن أبي زيد بن عاصم المازني وكلهم مدنيون قوله لما كان يوم الحرة أي لما خلع أهل المدينة بيعة يزيد بن معاوية وبايعوا عبد الله بن حنظلة أي بن أبي عامر الأنصاري قوله فقال بن زيد هو عبد الله بن زيد بن عاصم عم عباد بن تميم قوله بن حنظلة هو عبد الله وصرح به الإسماعيلي في روايته وقوله يبايع الناس أي على الطاعة له وخلع يزيد بن معاوية وعكس الكرماني فزعم أنه كان يبايع الناس ليزيد بن معاوية وهو غلط كبير قوله لا أبايع على ذلك أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إشعار بأنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في باب البيعة على الحرب من كتاب الجهاد وذكرت هناك ما وقع للكرماني من الخبط في شرح قوله بن حنظلة ووقع في رواية الإسماعيلي من الزيادة وقتل عبد الله بن زيد يوم الحرة وكان السبب في البيعة تحت الشجرة ما ذكر بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن عثمان قد قتل فقال لئن كانوا قتلوه لأناجزنهم فدعا الناس إلى البيعة فبايعوه على القتال على أن لا يفروا قال فبلغهم بعد ذلك أن الخبر باطل ورجع عثمان وذكر أبو الأسود في المغازي عن عروة السبب في ذلك مطولا قال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بالحديبية أحب أن يبعث إلى قريش رجلا يخبرهم بأنه إنما جاء معتمرا فدعا عمر ليبعثه فقال والله لا آمنهم على نفسي فدعا عثمان فأرسله وأمره أن يبشر المستضعفين من المؤمنين بالفتح قريبا وأن الله سيظهر دينه فتوجه عثمان فوجد قريشا نازلين ببلدح قد اتفقوا على أن يمنعوا النبي صلى الله عليه وسلم من دخول مكة فأجاره أبان بن سعيد بن العاص قال وبعثت قريش بديل بن ورقاء وسهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر القصة التي مضت مطولة في الشروط قال وآمن الناس بعضهم بعضا وهم في انتظار الصلح إذ رمى رجل من الفريقين رجلا من الفريق الآخر فكانت معاركة وتراموا بالنبل والحجارة فارتهن كل فريق من عندهم ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيعة فجاءه المسلمون وهو نازل تحت الشجرة التي كان يستظل بها فبايعوه على أن لا يفروا وألقى الله الرعب في قلوب الكفار فأذعنوا إلى المصالحة وروى البيهقي في الدلائل من مرسل الشعبي قال كان أول من انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الناس إلى البيعة تحت الشجرة أبو سنان الأزدي وروى مسلم في حديث سلمة بن الأكوع قال ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى البيعة فبايعه أول الناس فذكر الحديث قال ثم ان المشركين راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض قال فاضطجعت في أصل شجرة فأتاني أربعة من المشركين فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحولت عنهم إلى شجرة أخرى فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا آل المهاجرين قال فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم ثم جئت بهم أسوقهم وجاء عمي برجل يقال له مكرز في ناس من المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثنياه فعفا عنهم فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وروى مسلم أيضا من حديث أنس أن رجالا من أهل مكة هبطوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل التنعيم ليقاتلوه فأخذهم فعفا عنهم فانزل الله الآية

[ 3935 ] الحديث الخامس عشر حديث سلمة بن الأكوع في وقت صلاة الجمعة أورده لقوله فيه وكان من أصحاب الشجرة قوله حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي هو كوفي ثقة من قدماء شيوخ البخاري مات سنة ست عشرة ومائتين وأبوه يعلى بن الحارث المحاربي ثقة أيضا مات سنة ثمان وستين ومائة وما لهما في البخاري إلا هذا الحديث قوله ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه استدل به لمن يقول بأن صلاة الجمعة تجزيء قبل الزوال لأن الشمس إذا زالت ظهرت الظلال وأجيب بأن النفي إنما تسلط على وجود ظل يستظل به لا على وجود الظل مطلقا والظل الذي يستظل به لا يتهيأ إلا بعد الزوال بمقدار يختلف في الشتاء والصيف وقد تقدم بسط هذه المسألة ونقل الخلاف فيها في كتاب الجمعة الحديث السادس عشر

[ 3936 ] قوله حدثنا حاتم هو بن إسماعيل قوله على الموت تقدم الكلام عليه في باب البيعة على الحرب من كتاب الجهاد وذكرت كيفية الجمع بينه وبين قول جابر لهم نبايعه على الموت وكذا روى مسلم من حديث معقل بن يسار مثل حديث جابر وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها لأنه إذا بايع على أن لا يفر لزم من ذلك أن يثبت والذي يثبت إما أن يغلب وإما أن يؤسر والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة والآخر حكى ما تئول اليه وجمع الترمذي بأن بعضا بايع على الموت وبعضا بايع على أن لا يفر الحديث السابع عشر

[ 3937 ] قوله عن العلاء بن المسيب أي بن رافع الكوفي وهو وأبوه ثقتان وماله في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في الدعوات ولأبيه حديث آخر في الأدب من رواية منصور بن المعتمر عنه قوله طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم غبطه التابعي بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يغبط به لكن سلك الصحابي مسلك التواضع في جوابه وطوبى في الأصل شجرة في الجنة تقدم تفسيرها في صفة الجنة في بدء الخلق وتطلق ويراد بها الخير أو الجنة أو أقصى الأمنية وقيل هي من الطيب أي طاب عيشكم قوله فقال يا بن أخي في رواية الكشميهني يا بن أخ بغير إضافة وهي على عادة العرب في المخاطبة أو أراد أخوة الإسلام قوله انك لا تدري ما أحدثناه بعده يشير إلى ما وقع لهم من الحروب وغيرها فخاف غائلة ذلك وذلك من كمال فضله الحديث الثامن عشر

[ 3938 ] قوله حدثني إسحاق هو بن منصور ويحيى بن صالح هو الوحاظي وهو من شيوخ البخاري وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا ومعاوية بن سلام بالتشديد ويحيى هو بن أبي كثير ووقع في رواية بن السكن عن زيد بن سلام بدل يحيى بن أبي كثير قال أبو علي الجياني ولم يتابع على ذلك وقد وقع في رواية النسفي عن البخاري كما قال الجمهور وكذا هو عند مسلم وأبي داود من طريق معاوية بن سلام عن يحيى قوله أنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة هكذا أورده مختصرا مقتصرا على موضع حاجته منه وبقية الحديث قد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن معاوية بهذا الإسناد وزاد وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال الحديث وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى

الحديث التاسع عشر

[ 3939 ] قوله عن أنس بن مالك إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال الحديبية سيأتي الكلام عليه في تفسير سورة الفتح إن شاء الله تعالى وأفاد هنا أن بعض الحديث عن قتادة عن أنس وبعضه عن عكرمة وقد أورده الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن شعبة وجمع في الحديث بين أنس وعكرمة وساقه مساقا واحدا وقد أوضحته في كتاب المدرج

الحديث العشرون

[ 3940 ] قوله حدثنا أبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العقدي ووقع في رواية بن السكن حدثنا عثمان بن عمرو بدل أبي عامر قوله عن إسرائيل كذا في الأصول ولا بد منه وحكى بعض الشراح أنه وقع في بعض النسخ بإسقاطه قلت ولا أعتقد صحة ذلك بل إن كان سقط من نسخة فتلك النسخة غير معتمدة قوله عن مجزأة بفتح الميم والزاي بينهما جيم ساكنة وبهمز مفتوحة قبل الهاء وقال أبو علي الجياني المحدثون يسهلون الهمزة ولا يلفظون بها وقد يكسرون الميم وأبوه زاهر هو بن الأسود بن الحجاج وليس له في البخاري إلا هذا الحديث قوله عن أبيه كذا للجميع ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي عن أنس بدل قوله عن أبيه وهو تصحيف نبه عليه أبو علي الجياني قوله إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر يعني يوم خيبر كما سيأتي فيها واضحا وقد تعقب الداودي ما وقع هنا فقال هذا وهم فإن النهي عن لحوم الحمر الأهلية لم يكن بالحديبية وإنما كان بخيبر أه وليس في السياق أن ذلك كان في يوم الحديبية وإنما ساق البخاري الحديث في الحديبية لقوله فيه وكان ممن شهد الشجرة ولم يتعرض لمكان النداء بذلك مع أن غالب من بايع تحت الشجرة شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بعد رجوعهم الحديث الحادي والعشرون قوله وعن مجزأة يعني بالإسناد المذكور قبله وليس لمجزأة في البخاري إلا هذا الحديث والذي قبله قوله عن رجل منهم يعني من بني أسلم وقال الكرماني أي من الصحابة الأول أولى قوله اسمه أهبان بن أوس هو بضم الهمزة وسكون الهاء بعدها موحدة وماله في البخاري سوى هذ الحديث وقد ذكره في التاريخ فقال له صحبة ونزل الكوفة ويقال له وهبان أيضا ثم ساق من طريق أنيس بن عمرو عن أهبان بن أوس أنه كان في غنم له فكلمه الذئب قوله وكان يعني أهبان إذا سجد جعل تحت ركبته وسادة ولعله كان كبر فكان يشق عليه تمكين ركتبه من الأرض فوضع تحتها وسادة لينة لا تمنع اعتماده عليها من التمكين لاحتمال أن يبس الأرض كان يضر ركبته الحديث الثاني والعشرون حديث سويد بن النعمان

[ 3941 ] قوله أتوا بسويق فلاكوه هو طرف من حديث تقدم في الطهارة وفي الجهاد وسيأتي بتمامه قريبا في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى قوله تابعه معاذ عن شعبة يعني بالإسناد المذكور وقد وصلها الإسماعيلي عن يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به مختصرا وزاد فيه وذلك بعد أن رجعوا من خيبر الحديث الثالث والعشرون

[ 3942 ] قوله حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع بفتح الموحدة وكسر الزاي بوزن عظيم وآخره مهملة وشاذان هو الأسود بن عامر قوله عن أبي جمرة بجيم وراء هو نصر بن عمران الضبعي ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالمهملة والزاي وهو تصحيف قوله سألت عائذ بن عمرو هو بتحتانية مهموز وذال معجمة وهو بن عمرو بن هلال المزني عاش إلى خلافة معاوية ماله في البخاري إلا هذا الحديث قوله هل ينقض الوتر يعني إذا أوتر المرء ثم نام وأراد أن يتطوع هل يصلي ركعة ليصير الوتر شفعا ثم يتطوع ما شاء ثم يوتر محافظة على قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا أو يصلي تطوعا ما شاء ولاينقض وتره ويكتفي بالذي تقدم فأجاب باختيار الصفة الثانية فقال إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره زاد الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة بهذا الإسناد وإذا أوترت من آخره فلا توتر أوله وزاد فيه أيضا وسألت بن عباس عن نقض الوتر فذكر مثله وهذه المسألة اختلف فيها السلف فكان بن عمر ممن يرى نقض الوتر والصحيح عند الشافعية أنه لا ينقض كما في حديث الباب وهو قول المالكية

الحديث الرابع والعشرون حديث عمر

[ 3943 ] قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر عن شيء الحديث هذا صورته مرسل ولكنه بقيته تدل على أنه عن عمر لقوله في أثنائه قال عمر فحركت بعير الخ وقد أشبعت القول فيه في المقدمة وقد أورده الإسماعيلي من طريق محمد بن خالد بن عثمة عنعن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب فذكره وسيأتي شحر المتن في تفسير سورة الفتح إن شاء الله تعالى قوله نزرت بنون وزاء ثقيلة أي ألححت وقال أبو ذر الهروي لم أسمعه لم أسمعه إلا بالتخفيف

[ 3944 ] الحديث الخامس والعشرون حديث المسورين مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه قوله حفظت بعضه وثبتني فيه معمر بين أبو نعيم في مستخرجه القدر الذي حفظه سفيان عن الزهري والقدر الذي ثبته فيه معمر فساقه من طريق حامد بن يحيى عن سفيان إلى قوله فأحرم منها بعمرة ومن قوله وبعث عينا له من خزاعة الخ مما ثبته فيه معمر وقد تقدم في هذا الباب من رواية علي بن المديني عن سفيان وفيه قول سفيان لا أحفظ الإشعار والتقليد فيه وأن عليا قال ما أدري ما أراد سفيان بذلك هل أراد أنه لا يحفظ الإشعار والتقليد فيه خاصة أو أراد أنه لا يحفظ بقية الحديث وقد أزالت هذه الرواية الإشكال والتردد الذي وقع لعلي بن المديني وقد تقدم الكلام على شرح الحديث مستوفى في الشروط وأنه أورد هنا صدر الحديث واختصره هناك وساق هناك الحديث بطوله واقتصر منه هنا على البعض وتقدم بيان ما وقع هنا مما لم يذكره هناك من تسمية عينه الذي بعثه وأنه بشر بن سفيان الخزاعي وضبط غدير الاشطاط وذكر الواقدي أنه وراء عسفان ثم أورد المصنف بعضا من الحديث غير ما ذكره من هذه الطريق من طريق أخرى

[ 3945 ] قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه ويعقوب هو بن إبراهيم بن سعد وابن أخي بن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب قوله وامعضوا بتشديد الميم بعدها عين مهملة ثم ضاد معجمة وفي رواية الكشميهني وامتعضوا بإظهار المثناة والمعنى شق عليهم وقد سبق بسطه في الشروط قوله ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده أي إلى المشركين في تلك المدة وإن كان مسلما قوله وجاءت المؤمنات مهاجرات أي في تلك المدة أيضا وقد ذكرت أسماء من سمى منهن في كتاب الشروط قوله فكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من مكة إلى المدينة مهاجرة مسلمة فقوله وهي عاتق أي بلغت واستحقت التزويج ولم تدخل في السن وقيل هي الشابة وقيل فوق المعصر وقيل استحقت التخدير وقيل بين البالغ والعانس وتقدم بسط ذلك في كتاب العيدين قوله فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم في حديث عبد الله بن أبي أحمد بن جحش هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط فخرج أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط حتى قدما المدينة فكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها إليهم فنقض العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة فنزلت الآية أخرجه بن مردويه في تفسيره وبهذا يظهر المراد بقوله في حديث الباب حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل قوله حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل أي من استثنائهن من مقتضى الصلح على رد من جاء منهم مسلما وسيأتي بيان ذلك مشروحا في أواخر كتاب النكاح إن شاء الله تعالى

الحديث السادس والعشرون

[ 3946 ] قوله قال بن شهاب وأخبرني عروة الخ هو موصول بالإسناد المذكور وقد وصله الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن يعقوب بن إبراهيم به وفيه بيان لأن الذي وقع في الشروط من عطف هذه القصة في رواية الزهري عن عروة عن مروان والمسور مدرج وإنما هو عن عروة عن عائشة ويأتي شرح الامتحان في النكاح إن شاء الله تعالى قوله وعن عمه هو موصول بالإسناد المذكور أيضا قوله بلغنا حين أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم هذا القدر ذكره هكذا مرسلا وهو موصول من رواية معمر كما أشرنا اليه في الشروط وسأشبع الكلام على ذلك في النكاح إن شاء الله تعالى قوله وبلغنا أن أبا بصير فذكره بطوله كذا في الأصل وأشار إلى ما تقدم في قصة أبي بصير في كتاب الشروط وقد ذكرت شرحها مبسوطا هناك حيث ساقها مطولة

الحديث السابع والعشرون حديث بن عمر حيث خرج معتمرا في الفتنة الحديث ذكره من طرق وقد تقدم شرحه في باب الإحصار من كتاب الحج

[ 3950 ] الحديث الثامن والعشرون حديث بن عمر أيضا قوله حدثني شجاع بن الوليد أي البخاري المؤدب أبو الليث ثقة من أقران البخاري وسمع قبله قليلا وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وأما شجاع بن الوليد الكوفي فذاك يكنى أبا بدر ولم يدركه البخاري قوله سمع النضر بن محمد هو الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة ثقة متفق عليه وما له في البخاري إلا هذا الحديث قوله حدثنا صخر هو بن جويرية قوله عن نافع قال إن الناس يتحدثون أن بن عمر أسلم قبل عمر وليس كذلك ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله الخ ظاهر هذا السياق الإرسال ولكن الطريق التي بعدها أوضحت أن نافعا حمله عن بن عمر قوله عند رجل من الأنصار لم أقف على اسمه ويحتمل أنه الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينه وقد تقدمت الإشارة اليه في أول كتاب العلم قوله وعمر يستلئم للقتال أي يلبس اللأمة بالهمز وهي السلاح

[ 3951 ] قوله وقال هشام بن عمار كذا وقع بصيغة التعليق وفي بعض النسخ وقال لي وقد وصله الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن دحيم وهو عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم بالإسناد المذكور قوله فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم أي محيطون به ناظرون اليه بأحداقهم قوله فقال يا عبد الله القائل يا عبد الله هو عمر قوله قد أحدقوا كذا للكشميهني وغيره وهو الصواب ووقع للمستملي قال أحدقوا جعل بدل قد قال وهو تحريف وهذا السبب الذي هنا في أن بن عمر بايع قبل أبيه غير السبب الذي قبله ويمكن الجمع بينهما بأنه بعثه يحضر له الفرس ورأى الناس مجتمعين فقال له انظر ما شأنهم فبدأ بكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع وتوجه إلى الفرس فأحضرها وأعاد حينئذ الجواب على أبيه وأما بن التين فلم يظهر له وجه الجمع بينهما فقال هذا اختلاف ولم يسند نافع إلى بن عمر ذلك في شيء من الروايتين كذا قال والثانية ظاهرة في الرد عليه فان فيها عن بن عمر كما بيناه ثم زعم أن المبايعة المذكورة إنما كانت حين قدموا إلى المدينة مهاجرين وأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الناس فمر به بن عمر وهو يبايع الحديث قلت وبمثل ذلك لا ترد الروايات الصحيحة فقد صرح في الرواية الأولى بأن ذلك كان يوم الحديبية والقصة التي أشار إليها تقدمت من وجه آخر في الهجرة وليس فيما نقل فيها ما يمنع التعدد بل يتعين ذلك لصحة الطريقين والله المستعان قوله فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع هكذا أورده مختصرا وتوضحه الرواية التي قبله وهو أن بن عمر لما رأى الناس يبايعون بايع ثم رجع إلى عمر فأخبره بذلك فخرج وخرج معه فبايع عمر

الحديث التاسع والعشرون

[ 3952 ] قوله حدثنا بن نمير هو محمد بن عبد الله بن نمير قوله حدثنا يعلى هو بن عبيد وإسماعيل هو بن أبي خالد قوله لا يصيبه أحد بشيء أي لئلا يصيبه وهذا كان في عمرة القضاء وقد تقدم أن عبد الله بن أبي أوفى كان ممن بايع تحت الشجرة وهو في عمرة الحديبية وكل من شهد الحديبية وعاش إلى السنة المقبلة خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في عمرة القضاء الحديث الثلاثون حديث سهل بن حنيف

[ 3953 ] قوله حدثنا الحسن بفتح المهملتين أي بن إسحاق بن زياد الليثي مولاهم المروزي المعروف بحسنويه يكنى أبا علي وثقه النسائي ولم يعرفه أبو حاتم وعرفه غيره قال بن حبان في الثقات كان من أصحاب بن المبارك ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين وما له في البخاري سوى هذا الحديث ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري وقد يروى عنه بواسطة كما هنا قوله ما يسد منه خصم بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة أي جانب وقد تقدم هذا الحديث في آخر الجهاد وزعم المزي في الأطراف أن المصنف أخرج هذه الطريق في فرض الخمس وليس كذلك ثم ذكر المصنف حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية أورده من وجهين وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك

قوله باب قصة عكل بضم المهملة وسكون الكاف بعدها لام

[ 3956 ] وعرينة بمهملة وراء ثم نون مصغر قبيلتان تقدم ذكرهما وبيان نسبهما في باب أبوال الإبل من كتاب الطهارة مع شرح حديث الباب مستوفى وتقدم قريبا بيان الاختلاف في وقتها وأن بن إسحاق ذكر أنها كانت بعد غزوة ذي قرد قوله قال قتادة هو موصول بالإسناد المذكور اليه قوله وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة بضم الميم وسكون المثلثة وهذا البلاغ لم أقف على من فسر المراد به وقد يسر الله الكريم به الآن وكنت قد اغفلت التنبيه عليه في المقدمة وحقه أن يذكر في الفصل الأخير منها عند ذكر عدد أحاديث الصحيح وتفصيلها بذكر كل صحابي وكم ورد له عنده من حديث وأن يذكر في المبهمات من الفصل المذكور فإنه حديث أخرجه البخاري في الجملة وإن كان إسناده معضلا فإن هذا المتن جاء من حديث قتادة عن الحسن البصري عن هياج بن عمران عن عمران بن حصين وعن سمرة بن جندب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة أخرجه أبو داود من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بهذا الإسناد واللفظ وفيه قصة وأخرجه أحمد من طريق سعيد عن قتادة بهذا الإسناد إلى عمران بن حصين وفيه القصة ولفظه كان يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة وعن سمرة مثل ذلك وإسناد هذا الحديث قوي فإن هياجا بتحتانية ثقيلة وآخره جيم هو بن عمران البصري وثقه بن سعد وابن حبان وبقية رجاله من رجال الصحيح وسيأتي في الذبائح ومضى في المظالم من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة والنهي ولكنه من غير طريق قتادة وسيأتي شرح المثلة في الذبائح إن شاء الله تعالى والذي يظهر أن الذي أوردناه هو مراد قتادة بالبلاغ الذي وقع عند البخاري وقد تبين بهذا أن في الحديث الذي أخرجه النسائي من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن هشام عن قتادة عن أنس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة إدراجا وأن هذا القدر من الحديث لم يسنده قتادة عن أنس وإنما ذكره بلاغا ولما نشط لذكر إسناده ساقه بوسائط الى النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قوله وقال شعبة وأبان وحماد عن قتادة من عرينة يريد أن هؤلاء رووا هذا الحديث عن قتادة عن أنس فاقتصروا على ذكر عرينة دون عكل فأما رواية شعبة فوصلها المصنف في الزكاة وأما رواية أبان وهو بن يزيد العطار فوصلها بن أبي شيبة وأما رواية حماد هو بن سلمة فوصلها أبو داود والنسائي قوله قال يحيى بن أبي كثير وأيوب عن أبي قلابة عن أنس قدم نفر من عكل يريد أن هذين روياه بعكس أولئك فاقتصرا على ذكر عكل دون عرينة فأما رواية يحيى فوصلها المصنف في المحاربين وأما رواية أيوب فوصلها المصنف في الطهارة

[ 3957 ] قوله وحدثني محمد بن عبد الرحيم هو الحافظ المعروف بصاعقة البزار يكنى أبا يحيى وحفص بن عمر شيخه من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كالذي هنا قوله حدثنا أيوب والحجاج الصواف قال حدثني أبو قلابة كذا وقع في النسخ المعتمدة قال حدثني بالافراد والمراد حجاج فأما أيوب فلا يظهر من هذه الرواية كيفية سياقه وقد اختلف عليه فيه هل هو عنده عن أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة وأوضح ذلك الدارقطني فقال إن أيوب حيث يرويه عن أبي قلابة نفسه فإنه يقتصر على قصة العرنيين وحيث يرويه عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة فإنه يذكر مع ذلك قصة أبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز ولما دار بينه وبين عنبسة بن سعيد وأما حجاج الصواف فإنه يرويه بتمامه عن أبي رجاء عن أبي قلابة انتهى وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من هذا في كتاب الطهارة قوله وأبو قلابة خلف سريره فقال عنبسة بن سعيد كذا وقع مختصرا وسيأتي في الديات من طريق إسماعيل بن علية عن حجاج الصواف مطولا وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أيوب عن أبي رجاء عن أبي قلابة مطولا وسيأتي شرحه في الديات إن شاء الله تعالى قوله وقال أبو قلابة عن أنس من عكل وذكر القصة أي قصتهم وقد تقدم الكلام على حديث أبي قلابة في الطهارة تنبيه وقع من قوله وقال شعبة إلى آخر الباب عند أبي ذر بين غزوة ذي قرد وبين غزوة خيبر وعليه جرى الإسماعيلي ووقع عند الباقين تاليا لحديث العرنيين الذي قبله وهو الراجح ولعل الفصل وقع تغيير بعض الرواة ويحتمل أن يكون البخاري تعمد ذلك إشارة منه إلى أن قصة العرنيين متحدة مع غزوة ذي قرد كما يشير اليه كلام بعض أهل المغازي وان كان الراجح خلافه والله أعلم

قوله باب غزوة ذي قرد بفتح القاف والراء وحكى الضم فيهما وحكى ضم أوله وفتح ثانية قال الحازمي الأول ضبط أصحاب الحديث والضم عن أهل اللغة وقال البلاذري الصواب الأول وهو ماء على نحو بريد مما يلي بلاد غطفان وقيل على مسافة يوم قوله وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث كذا جزم به ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فإنه قال في آخر الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم من طريقه قال فرجعنا أي من الغزوة الى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر وأما بن سعد فقال كانت غزوة ذي قرد في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية وقيل في جمادى الأولى وعن بن إسحاق في شعبان منها فإنه قال كانت بنو لحيان في شعبان سنة ست فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة فلم يقم بها إلا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه قال القرطبي شارح مسلم في الكلام على حديث سلمة بن الأكوع لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية فيكون ما وقع في حديث سلمة من وهم بعض الرواة قال ويحتمل أن يجمع بأن يقال يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان أغزى سرية فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها فأخبر سلمة عن نفسه وعمن خرج معه يعني حيث قال خرجنا إلى خيبر قال ويؤيده أن بن إسحاق ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين انتهى وسياق الحديث يأبى هذا الجمع فإن فيه بعد قوله حين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عمر يرتجز بالقول وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم من السائق وفيه مبارزة علي لمرحب وقتل عامر وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حين خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت مرتين الأولى التي ذكرها بن إسحاق وهي قبل الحديبية والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم ويؤيده أن الحاكم ذكر في الإكليل أن الخروج إلى ذي قرد تكرر ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد وفي الثانية خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر سنة خمس والثالثة هذه المختلف فيها انتهى فإذا ثبت هذا قوى هذا الجمع الذي ذكرته والله أعلم

[ 3958 ] قوله حدثنا حاتم هو بن إسماعيل ويزيد بن أبي عبيدة هو مولى سلمة بن الأكوع وقد أخرج البخاري هذا الحديث عاليا في الجهاد عن مكي بن إبراهيم عن يزيد وهو أحد ثلاثياته قوله خرجت قبل أن يؤذن بالأولى يعني صلاة الصبح ويدل عليه قوله في رواية مسلم أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس وفي رواية مكي خرجت من المدينة ذاهبا نحو الغابة قوله وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد اللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة ذوات الدر من الإبل واحدها لقحه بالكسر وبالفتح أيضا واللقوح الحلوب وذكر بن سعد أنها كانت عشرين لقحة قال وكان فيهم بن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة قوله فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم وكأنه كان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا قوله غطفان بفتح المعجمة والطاء المشالة المهملة والفاء تقدم بيان نسبهم في غزوة ذات الرقاع وفي رواية مكي غطفان وفزارة وهو من الخاص بعد العام لأن فزارة من غطفان وعند مسلم قدمنا الحديبية ثم قدمنا المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلامه وأنا معه وخرجت بفرس لطلحة أندبه فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري ولأحمد وابن سعد من هذا الوجه عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري وقد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه قال فقلت يا رباح خذ هذا الفرس وأبلغه طلحة وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وللطبراني من وجه آخر عن سلمة خرجت بقوسي ونبلي وكنت أرمي الصيد فإذا عيينة بن حصن قد أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقها ولا منافاة فإن كلا من عيينة وعبد الرحمن بن عيينة كان في القوم وذكر موسى بن عقبة وابن إسحاق أن مسعدة الفزاري كان أيضا رئيسا في فزارة في هذه الغزاة قوله فصرخت ثلاث صرخات في رواية المستملي بثلاث بزيادة الموحدة وهي للاستغاثة قوله فأسمعت ما بين لابتي المدينة فيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدا ويحتمل أن يكون ذلك من خوارق العادات ولمسلم فعلوت أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا وللطبراني فصعدت في سلع ثم صحت يا صباحاه فانتهى صياحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس الفزع الفزع وهو عند إسحاق بمعناه قوله يا صباحاه هي كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه قوله ثم اندفعت على وجهي أي لم ألتفت يمينا ولا شمالا بل أسرعت الجري وكان شديد العدو كما سيأتي بيانه في آخر الحديث قوله حتى أدركتهم في رواية مكي حتى ألقاهم وقد أخذوها يعني اللقاح ذكره بهذه الصيغة مبالغة في استحضار الحال قوله فأقبلت أرميهم أي أقبلت عليهم أرميهم أي بالسهام قوله وأقول أنا بن الأكوع واليوم يوم الرضع بضم الراء وتشديد المعجمة جمع راضع وهو اللئيم فمعناه اليوم يوم اللئام أي اليوم يوم هلاك اللئام والأصل فيه أن شخصا كان شديد البخل فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبها فيسمع جيرانه أو من يمر به صوت الحلب فيطلبون منه اللبن وقيل بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شيء إذا حلب في الإناء أو يبقى في الإناء شيء إذا شربه منه فقالوا في المثل الأم من راضع وقيل بل معنى المثل ارتضع اللؤم من بطن أمه وقيل كل من كان يوصف وباللؤم يوصف بالمص والرضاع وقيل المراد من يمص طرف الخلال إذا خل أسنانه وهو دال على شدة الحرص وقيل هو الراعي الذي لا يستصحب محلبا فإذا جاءه الضيف اعتذر بأن لا محلب معه وإذا أراد أن يشرب ارتضع ثديها وقال أبو عمرو الشيباني هو الذي يرتضع الشاة أو الناقة عند إرادة الحلب من شدة الشره وقيل أصله الشاة ترضع لبن شاتين من شدة الجوع وقيل معناه اليوم يعرف من ارتضع كريمة فانجبته ولئيمة فهجنته وقيل معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها من غيره وقال الداودي معناه هذا يوم شديد عليكم تفارق فيه المرضعة من أرضعته فلا تجد من ترضعه قال السهيلي قوله اليوم يوم الرضع يجوز الرفع فيهما ونصب الأول ورفع الثاني على جعل الأول ظرفا قال وهو جائز إذا كان الظرف واسعا ولا يضيق على الثاني قال وقال أهل اللغة يقال في اللؤم رضع بالفتح يرضع بالضم رضاعة لا غير ورضع الصبي بالكسر ثدي أمه يرضع بالفتح رضاعا مثل سمع يسمع سماعا وعند مسلم في هذا الموضع فأقبلت أرميهم بالنبل وأرتجز وفيه فألحق رجلا منهم فأصكه بسهم في رجله فخلص السهم إلى كعبه فما زلت أرميهم وأعقرهم فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به فإذا تضايق الخيل فدخلوا في مضايقة علوت الجبل فرميتهم بالحجارة وعند بن إسحاق وكان سلمة مثل الأسد فإذا حملت عليه الخيل فر ثم عارضهم فنضحها عنه بالنبل قوله استنقذت اللقاح منهم واستبلت منهم ثلاثين بردة في رواية مسلم فما زلت كذلك حتى ما خلق الله من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير إلا خلفته وراء ظهري ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يتخففون بها قال فأتوا مضيقا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون فجلست على رأس قرن فقال لهم من هذا فقالوا لقينا من هذا البرج قال فليقم اليه منكم أربعة فتوجهوا اليه فتهددهم فرجعوا قال فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم الأخرم الأسدي فقلت له أحذوهم فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فقتله عبد الرحمن وتحول على فرسه فلحقه أبو قتادة فقتل عبد الرحمن وتحول على الفرس قال واتبعتهم على رجلي حتى ما أرى أحدا فعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذي قرد فشربوا منه وهم عطاش قال فجلاهم عنه حتى طردهم وتركوا فرسين على ثنية فجئت بهما اسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بن إسحاق نحو هذه القصة وقال ان الأخرم لقب واسمه محرز بن نضلة لكن وقع عنده حبيب بن عيينة بن حصن بدل عبد الرحمن فيحتمل أن يكون كان له اسمان قوله وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس في رواية مسلم وأتاني عمي عامر بن الأكوع بسطيحة فيها ماء وسطيحة فيها لبن فتوضأت وشربت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه فإذا هو قد أخذ كل شيء استنقذته منهم ونحر له بلال ناقته قوله قد حميت القوم الماء أي منعتهم من الشرب قوله فابعث إليهم الساعة في رواية مسلم فقلت يا رسول الله خلني انتخب من القوم مائة رجل فاتبعهم فلا يبقى منهم مخبر قال فضحك وعند بن إسحاق فقلت يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لأخذت بأعناق القوم قوله فقال يا بن الأكوع ملكت فأسجع بهمزة قطجع وسين مهملة ساكنة وجيم مكسورة بعدها مهملة أي سهل والمعنى قدرت فاعف والسجاحة السهولة زاد مكي في روايته ان القوم ليقرون في قومهم وعند الكشميهني من قومهم ولمسلم انهم ليقرون في أرض غطفان ويقرون بضم أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الواو من القرى وهي الضيافة ولابن إسحاق فقال إنهم الآن ليغبقون في غطفان وهو بالغين المعجمة الساكنة والموحدة المفتوحة والقاف من الغبوق وهو شرب أول الليل والمراد أنهم فاتوا وأنهم وصلوا إلى بلاد قومهم ونزلوا عليهم فهم الآن يذبحون لهم ويطعمونهم ووقع عند مسلم قال فجاء رجل فقال نحر لهم فلان جزورا فلما كشطوا جلدها إذا هم بغبرة فقالوا أتاكم القوم فخرجوا هاربين قوله ثم رجعنا إلى المدينة ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة في رواية مسلم ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء وذكر قصة الأنصاري الذي سابقه فسبقه سلمة قال فسبقت إلى المدينة فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا اليوم سلمة قال سلمة ثم أعطاني سهم الراجل والفارس جميعا وروى الحاكم في الإكليل والبيهقي من طريق عكرمة بن قتادة بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة حدثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة اشترى فرسه فلقيه مسعدة الفزاري فتقاولا فقال أبو قتادة اسأل الله أن يلقنيك وأنا عليها قال آمين قال فبينما هو يعلفها إذ قيل أخذت اللقاح فركبها حتى هجم على العسكر قال فطلع على فارس فقال لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة فذكر مصارعته له وظفره به وقتله وهزم المشركين ثم لم ينشب المسلمون أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبو قتادة سيد الفرسان وفي الحديث جواز العدو الشديد في الغزو والانذار بالصياح العالي وتعريف الإنسان نفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه واستحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل ليستزيد من ذلك ومحله حيث يؤمن الافتتان وفيه المسابقة على الاقدام ولا خلاف في جوازه بغير عوض وأما بالعوض فالصحيح لا يصح والله أعلم

قوله باب غزوة خيبر بمعجمة وتحتانية وموحدة بوزن جعفر وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة الى جهة الشام وذكر أبو عبيد البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها قال بن إسحاق خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم سنة سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر وروى يونس بن بكير في المغازي عن بن إسحاق في حديث المسور ومروان قالا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة فأعطاه الله فيها خيبر بقوله وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه يعني خيبر فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن بن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها ثم خرج إلى خيبر وعند بن عائذ من حديث بن عباس أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال وفي مغازي سليمان التيمي أقام خمسة عشر يوما وحكى بن التين عن بن الحصار أنها كانت في آخر سنة ست وهذا منقول عن مالك وبه جزم بن حزم وهذه الأقوال متقاربة والراجح منها ما ذكره بن إسحاق ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على أن ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول وأما ما ذكره الحاكم عن الواقدي وكذا ذكره بن سعد أنها كانت في جمادى الأولى فالذي رأيته في مغازي الواقدي أنها كانت في صفر وقيل في ربيع الأول وأغرب من ذلك ما أخرجه بن سعد وابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد الخدري قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان الحديث وإسناده إلا أنه خطأ ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح وغزوة الفتح خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها في رمضان جزما والله أعلم وذكر الشيخ أبو حامد في التعليقة أنها كانت سنة خمس وهو وهم ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر وذكر بن هشام أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة نميلة بنون مصغر بن عبد الله الليثي وعند أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة أنه سباع بن عرفطة وهو أصح ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثين حديثا الحديث الأول حديث سويد بن النعمان وهو الأنصاري الحارثي أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر الحديث وقد تقدم شرحه في الطهارة والغرض منه هنا الإشارة إلى أن الطريق التي خرجوا منها إلى خيبر كانت على طريق الصهباء وقد تقدم ضبطها الحديث الثاني حديث سلمة بن الأكوع قوله خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا لم أقف على اسمه صريحا وعند بن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان انزل يا بن الأكوع فاحد لنا من هنياتك ففي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بذلك

[ 3960 ] قوله من هنيهاتك في رواية الكشميهني بحذف الهاء الثانية وتشديد التحتانية التي قبلها والهنيهات جمع هنيهة وهي تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة ووقع في الدعوات من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد لو أسمعتنا من هناتك بغير تصغير قوله وكان عامر رجلا شاعرا قيل هذا يدل على أن الرجز من أقسام الشعر لأن الذي قاله عامر حينئذ من الرجز وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله اللهم لولا أنت ما اهتدينا في هذا القسم زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله وأكثرها أربعة أحرف وقد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر أو استعان عامر ببعض ما سبقه اليه بن رواحة قوله فاغفر فداء لك ما اتقينا أما قوله فداء فهو بكسر الفاء وبالمد وحكى بن التين فتح أوله مع القصر وزعم أنه هنا بالكسر مع القصر لضرورة الوزن ولم يصب في ذلك فإنه لا يتزن إلا بالمد وقد استشكل هذا الكلام لأنه لا يقال في حق الله إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وحذف متعلق الفداء للشهرة وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد بها ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ وقيل المخاطب بهذا الشعر النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك وعلى هذا فقوله اللهم لم يقصد بها الدعاء وإنما افتتح بها الكلام والمخاطب بقول الشاعر لولا أنت النبي صلى الله عليه وسلم الخ ويعكر عليه قوله بعد ذلك فانزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا فإنه دعا الله تعالى ويحتمل أن يكون المعنى فاسأل ربك أن ينزل ويثبت والله أعلم وأما قوله ما اتقينا فبتشديد المثناة بعدها قاف للأكثر ومعناه ما تركنا من الأوامر وما ظرفية وللأصيلي والنسفي بهمزة قطع ثم موحدة ساكنة أي ما خلفنا وراءنا مما اكتسبنا من الآثام أو ما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب منه وللقابسي ما لقينا باللام وكسر القاف والمعنى ما وجدنا من المناهي ووقع في رواية قتيبة عن حاتم بن إسماعيل كما سيأتي في الأدب ما اقتفينا بقاف ساكنة ومثناة مفتوحة ثم تحتانية ساكنة أي تبعنا من الخطايا من قفوت الأثر إذا اتبعته وكذا لمسلم عن قتيبة وهي أشهر الروايات في هذا الرجز قوله وألقين سكينة علينا في رواية النسفي وألق السكينة علينا بحذف النون وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين وليس بموزون قوله أنا إذا صيح بنا أتينا بمثناة أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق وروى بالموحدة كذا رأيت في رواية النسفي فإن كانت ثابتة فالمعنى إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا قوله وبالصباح عولوا علينا أي قصدونا بالدعاء بالصوت العالي واستغاثوا علينا تقول عولت على فلان وعولت بفلان بمعنى استغثت به وقال الخطابي المعنى أجلبوا علينا بالصوت وهو من العويل وتعقبه بن التين بأن عولوا بالتثقيل من التعويل ولو كان من العويل لكان أعولوا ووقع في رواية إياس بن سلمة عن أبيه عند أحمد في هذا الرجز من الزيادة ان الذين قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا ونحن عن فضلك ما استغنينا وهذا القسم الأخير عند مسلم أيضا قوله من هذا السائق في رواية أحمد فجعل عامر يرتجز ويسوق الركاب وهذه كانت عادتهم إذا أرادوا تنشيط الإبل في السير ينزل بعضهم فيسوقها ويحدو في تلك الحال قوله قال يرحمه الله في رواية إياس بن سلمة قال غفر لك ربك قال وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد وبهذه الزيادة يظهر السر في قول الرجل لولا أمتعتنا به قوله قال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به اسم هذا الرجل عمر سماه مسلم في رواية إياس بن سلمة ولفظه فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له يا نبي الله لولا أمتعتنا بعامر وفي حديث نصر بن دهر عند بن إسحاق فقال عمر وجبت يا رسول الله ومعنى قوله لولا أي هلا وأمتعتنا أي متعتنا أي أبقيته لنا لنتمتع به أي بشجاعته والتمتع الترفة إلى مدة ومنه أمتعني الله ببقائك قوله فأتينا خيبرا أي أهل خيبر قوله فحاصرناهم ذكر بن إسحاق أن أول شيء حاصروه ففتح حصن ناعم ثم انتقلوا إلى غيره قوله حتى أصابتنا مخمصة بمعجمة ثم مهملة أي مجاعة شديدة وسيأتي شرح قصة الحمر الأهلية في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى قوله وكان سيف عامر قصيرا فتناول به ساق يهودي ليضربه في رواية إياس بن سلمة فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب قال فبرز اليه عامر فقال قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فصار عامر يسفل له أي يضربه من أسفل فرجع سيفه أي عامر على نفسه قوله ويرجع ذباب سيفه أي طرفه الأعلى وقيل حده قوله فأصاب عين ركبة عامر أي طرف ركبته الأعلى فمات منه وفي رواية يحيى القطان فأصيب عامر بسيف نفسه فمات وفي رواية إياس بن سلمة عند مسلم فقطع أكحله فكانت فيها نفسه وفي رواية بن إسحاق فكلمه كلما شديدا فمات منه قوله فلما قفلوا من خيبر أي رجعوا قوله وهو آخذ يدي في رواية الكشميهني بيدي وفي رواية قتيبة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحبا بمعجمة ثم مهملة وموحدة أي متغير اللون وفي رواية إياس فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قوله زعموا أن عامرا حبط عمله في رواية إياس بطل عمل عامر قتل نفسه وسمى من القائلين أسيد بن حضير في رواية قتيبة الآتية في الأدب وعند بن إسحاق فكان المسلمون شكوا فيه وقالوا إنما قتله سلاحه ونحوه عند مسلم من وجه آخر عن سلمة قوله كذب من قاله أي أخطأ قوله إن له أجرين في رواية الكشميهني لأجرين وكذا في رواية قتيبة وكذا في رواية بن إسحاق إنه لشهيد وصلى عليه قوله إنه لجاهد مجاهد كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما وكسر الهاء والتنوين والأول مرفوع على الخبر والثاني اتباع للتأكيد كما قالوا جاد مجد ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملي بفتح الهاء والدال وكذا ضبطه الباجي قال عياض والأول هو الوجه قلت يؤيده رواية أبي داود من وجه آخر عن سلمة مات جاهدا مجاهدا قال بن دريد رجل جاهد أي جاد في أموره وقال بن التين الجاهد من يرتكب المشقة ومجاهد أي لأعداء الله تعالى قوله قل عربي مشى بها مثله كذا في هذه الرواية بالميم والقصر من المشي والضمير للأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة قوله قال قتيبة نشأ أي بنون وبهمزة والمراد أن قتيبة رواه عن حاتم بن إسماعيل بهذا الإسناد فحالف في هذه اللفظة وروايته موصولة في الأدب عنده وغفل الكشميهني فرواها هنالك بالميم والقصر وحكى السهيلي أنه وقع في رواية مشابها بضم الميم اسم فاعل من الشبه أي ليس له مشابه في صفات الكمال في القتال وهو منصوب بفعل محذوف تقديره رأيته مشابها أو على الحال من قوله عربي قال السهيلي والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى قال السهيلي أيضا وروى قل عربيا نشأ بها مثله والفاعل مثله وعربيا منصوب على التمييز لأن في الكلام معنى المدح على حد قولهم عظم زيد رجلا وقل زيد أدبا

[ 3961 ] الحديث الثالث حديث أنس ذكره من ثلاثة طرق قوله عن أنس في رواية أبي إسحاق الفزاري عن حميد سمعت أنسا كما تقدم في الجهاد قوله أتى خيبر ليلا أي قرب منها وذكر بن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم قال فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر قوله لم يغر بهم حتى يصبح كذا للأكثر من الإغارة ولأبي ذر عن المستملي لم يقربهم بفتح أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة وتقدم في الجهاد بلفظ لا يغير عليهم وهو يؤيد رواية الجمهور وتقدم في الأذان من وجه آخر عن حميد بلفظ كان إذا غزا لم يغز بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار قال فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده لهم فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين قوله خرجت يهود زاد أحمد من طريق قتادة عن أنس إلى زروعهم قوله بمساحيهم بمهملتين جمع مسحاة وهي من آلات الحرث ومكاتلهم جمع مكتل وهو القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره وعند أحمد من حديث أبي طلحة في نحو هذه القصة حتى إذا كان عند السحر وذهب ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغار عليهم قوله محمد والخميس تقدم في أوائل الصلاة من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد قال عبد العزيز قال بعض أصحابنا عن أنس والخميس يعني الجيش وعرف المراد ببعض أصحابه من هذا الطريق وتقدم في صلاة الخوف من طريق حماد بن زيد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس نحوه وفيه يقولون محمد والخميس قال والخميس الجيش وعرف من سياق هذا الباب أن اللفظ هناك لثابت وقد بينت ما في هذا الموضع من الإدراج في أوائل كتاب الصلاة وزاد في الجهاد من وجه آخر عن أيوب فلجئوا إلى الحصن أي تحصنوا به قوله خربت خيبر زاد في الجهاد فرفع يديه وقال الله أكبر خربت خيبر وزيادة التكبير في معظم الطرق عن أنس وعن حميد قال السهيلي يؤخذ من هذا الحديث التفاؤل لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى آلات الهدم مع أن لفظ المسحاة من سحوت إذا قشرت أخذ منه أن مدينتهم ستخرب انتهى ويحتمل أن يكون قال خربت خيبر بطريق الوحي ويؤيده قوله بعد ذلك إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين وقوله

[ 3962 ] في رواية محمد بن سيرين عن أنس صبحنا خيبر بكرة لا يغاير قوله في رواية حميد عن أنس أنهم قدموها ليلا فإنه يحمل على أنهم لما قدموها وناموا دونها ركبوا إليها بكرة فصبحوها بالقتال والإغارة وقد وقع ذلك في رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد واضحا زاد في رواية محمد بن سيرين قصة الحمر الأهلية وسيأتي شرحها مستوفى في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى

[ 3963 ] قوله حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وليس هو والد الراوي عنه عبد الله بن عبد الوهاب فإن الراوي عنه عبدري حجبي لا ثقفي قوله ينهيانكم في رواية سفيان الآتية ينهاكم بالإفراد وفي رواية عبد الوهاب بالتثنية وهو دال على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد فيرد به على من زعم أن قوله للخطيب بئس خطيب القوم أنت لكونه قال ومن يعصمها فقد غوى وقد تقدمت الإشارة إلى مباحث ذلك في كتاب الصلاة قوله فأكفئت القدور قال بن التين صوابه فكفئت قال الأصمعي كفأت الإناء قلبته ولا يقال أكفأته ويحتمل أن يكون المراد أميلت حتى أزيل ما فيها قال الكسائي أكفأت الإناء أملته

[ 3964 ] قوله حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس تقدم في صلاة الخوف مع ثابت عبد العزيز بن صهيب قوله فخرجوا يسعون في السكك فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبي الذرية فيه اختصار كبير لأنه يوهم أن ذلك وقع عقب الإغارة عليهم وليس كذلك فقد ذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة وقيل أكثر من ذلك ويؤيده قوله في الحديث الذي قبله أنهم أصابتهم مخمصة شديدة فإنه دال على طول مدة الحصار إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك وفي حديث سلمة بن الأكوع وسهل بن سعد الآتيين قريبا في قصة على ما يؤكد ذلك وكذا في حديث سهل وأبي هريرة في قصة الذي قتل نفسه وكذا في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنهم حاصروهم الحديث الرابع حديث أنس أيضا في ذكر صفية ذكره من طريقين وسيأتي في الباب من وجه ثالث بأتم من هذا سياقا وصفية هي بنت حيي بن أخطب بن سعية بفتح المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتانية ساكنة بن عامر بن عبيد بن كعب من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام وأمها برة بنت شموال من بني قريظة وكانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضيري فقتل عنها يوم خيبر ذكر ذلك بن سعد وأسند بعضه من وجه مرسل قوله وكان في السبي صفية بنت حيي فصارت إلى دحية ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عبد العزيز عن أنس فجاء دحية فقال أعطني يا رسول الله جارية من السبي قال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية فجاء رجل فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك قال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال خذ جارية من السبي غيرها وعند بن إسحاق أن صفية سبيت من حصن القموص وهو حصن بني أبي الحقيق وكانت تحت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسبي معها بنت عمها وعند غيره بنت عم زوجها فلما استرجع النبي صلى الله عليه وسلم صفية من دحية أعطاه بنت عمها قال السهيلي لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسم والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع بل على سبيل النفل قلت وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم أن صفية وقعت في سهم دحية وعنده أيضا فيه فاشتراها من دحية بسبعة أرؤس فالأولى في طريق الجمع أن المراد بسهمه هنا نصيبه الذي اختاره لنفسه وذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية فأذن له أن يأخذ جارية فأخذ صفية فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم فكان من المصلحة العامة ارتجاعها واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة من شيء وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز ولعله عوضه عنها بنت عمها أو بنت عم زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك وعند بن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم صارت صفية لدحية فجعلوا يمدحونها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى بها دحية ما رضي وقد تقدم شيء من هذا في أوائل الصلاة ويأتي تمام قصتها في الحديث الثاني عشر ويأتي الكلام على قوله في الحديث وجعل عتقها صداقها في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى

الحديث الخامس حديث أبي موسى الأشعري

[ 3968 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن أبي زياد وعاصم هو الأحول وأبو عثمان هو النهدي والإسناد كله إلى أبي موسى بصريون قوله لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه هو شك من الراوي قوله أشرف الناس على واد فذكر الحديث إلى قول أبي موسى فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله هذا السياق يوهم أن ذلك وقع وهم ذاهبون إلى خيبر وليس كذلك بل إنما وقع ذلك حال رجوعهم لأن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر مع جعفر كما سيأتي في الباب من حديثه واضحا وعلى هذا ففي السياق حذف تقديره لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فحاصرها ففتحها ففرغ فرجع أشرف الناس الخ وسيأتي شرح المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى

الحديث السادس حديث سهل بن سعد في قصة الذي قتل نفسه قوله حدثنا يعقوب هو بن عبد الرحمن الإسكندراني وأبو حازم هو سلمة بن دينار

[ 3970 ] قوله التقي هو والمشركون في رواية بن أبي حازم الآتية بعد قليل في بعض مغازيه ولم أقف على تعيين كونها خيبر لكنه مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة وقد صرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه إتكأ على حد سيفه حتى خرج من ظهره وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها نفسه وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما أخبروه بقصته إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته قم يا بلال فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولهذا جنح بن التين إلى التعدد ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الأخيرة وأما الأولى فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وان كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت لكن جزم بن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد قال واسم الرجل قزمان الظفري وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم ثم صار إلى السيف ففعل العجائب فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول الموت أحسن من الفرار فمر به قتادة بن النعمان فقال له هنيئا لك بالشهادة قال والله إني ما قاتلت على دين وإنما قاتلت على حسب قومي ثم اقلقته الجراحة فقتل نفسه قلت وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما رأينا مثل ما أبلى فلان لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث بطوله على نحو ما في الصحيح وليس فيه تسميته وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على البخاري وأظنه لم يلتفت إليها لأن في بعض طرقه عن أبي حازم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهره يقتضي أنها غير أحد لأن سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره لأن الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد بن عشرة أو إحدى عشرة على أنه قد حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من ذلك أن يقول غزونا إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لأبي هريرة لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبا قوله فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم قوله وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل وقع في كلام جماعة ممن تكلم على هذاالكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الأنصار وكان يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف ويعكر عليه ما تقدم قوله شاذة ولا فاذة الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة وبالفاء مثله ما لم يختلط بهم ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة والهاء فيهما للمبالغة والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله وقيل المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر وقيل الشاذ الخارج والفاذ المنفرد وقيل هما بمعنى وقيل الثاني اتباع قوله فقال أي قائل وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من طريق أخرى بلفظ فقيل ووقع هنا للكشميهني فقلت فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك قوله ما أجزأ بالهمزة أي ما أغنى قوله فقال إنه من أهل النار في رواية بن أبي حازم المذكورة فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعي عند الطبراني قال قلنا يا رسول الله فلان يجزيء في القتال قال هو في النار قلنا يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن قال ذلك اخباث النفاق قال فكنا نتحفظ عليه في القتال قوله فقال رجل من القوم أنا صاحبه في رواية بن أبي حازم لأتبعنه وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه قوله فجرح جرحا شديدا زاد في حديث أكثم فقلنا يا رسول الله قد استشهد فلان قال هو في النار قوله فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه في رواية بن أبي حازم فوضع نصاب سيفه في الأرض وفي حديث أكثم أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت اشهد أنك رسول الله قوله وهو من أهل الجنة زاد في حديث أكثم تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها وسيأتي شرح الكلام الأخير في كتاب القدر إن شاء الله تعالى الحديث السابع حديث أبي هريرة قوله شهدنا خيبر أراد جيشها من المسلمين لأن الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها لكن مضى في الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما افتتحها فقلت يا رسول الله اسهم لي وسيأتي البحث في ذلك في حديث آخر لأبي هريرة آخر هذا الباب قوله فلما حضر القتال بالرفع والنصب قوله فقال لرجل ممن معه أي عن رجل واللام قد تأتي بمعنى عن مثل قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا ويحتمل أن يكون بمعنى في أي في شانه أي سببه ومنه قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة قوله فكاد بعض الناس يرتاب في رواية معمر في الجهاد فكاد بعض الناس أن يرتاب ففيه دخول أن على خبر كاد وهو جائز مع قلته قوله قم يا فلان هو بلال كما وقع مفسرا في كتاب القدر قوله ان الله يؤيد في رواية الكشميهني ليؤيد قال النووي يجوز في أن فتح الهمزة وكسرها قوله بالرجل الفاجر يحتمل أن تكون اللام للعهد والمراد به قزمان المذكور ويحتمل أن تكون للجنس قوله تابعه معمر أي تابع شعيبا عن الزهري أي بهذا الإسناد وهو موصول عند المصنف في آخر الجهاد مقرونا برواية شعيب عن الزهري قوله وقال شبيب أي بن سعيد عن يونس أي بن يزيد عن بن شهاب أي الزهري بهذا الإسناد قوله شهدنا حنينا يريد أن يونس خالف معمرا وشعيبا فذكر بدل خيبر لفظة حنين ورواية شبيب هذه وصلها النسائي مقتصرا على طرف من الحديث وأوردها الذهلي في الزهريات ويعقوب بن سفيان في تاريخه كلاهما عن أحمد بن شبيب عن أبيه بتمامه وأحمد من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه غير هذا وقد وافق يونس معمرا وشعيبا في الإسناد لكن زاد فيه مع سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وساق الحديث عنهما عن أبي هريرة قوله وقال بن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني وافق شبيبا في لفظ حنين وخالفه في الإسناد فأرسل الحديث وطريق بن المبارك هذه وصلها في الجهاد ولم أر فيها تعيين الغزوة قوله وتابعه صالح يعني بن كيسان عن الزهري وهذه المتابعة ذكرها البخاري في تاريخه قال قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ان بعض من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه هذا من أهل النار الحديث فظهر أن المراد بالمتابعة أن صالحا تابع رواية بن المبارك عن يونس في ترك ذكر اسم الغزوة لا في بقية المتن ولا في الإسناد وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح عن الزهري فقال عن عبد الرحمن بن المسيب مرسلا ووهم فيه وكأنه أراد أن يقول عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وسعيد بن المسيب فذهل قوله وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمن بن كعب أخبره أن عبيد الله بن عكب قال أخبرني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر قال الزهري وأخبرني عبيد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية النسفي عبد الله بن عبد الله هكذا أورد البخاري طريق الزبيدي هذه معلقة مختصرة وأجحف فيها في الاختصار فإنه لم يفصل بين رواية الزهري الموصولة عن عبد الرحمن وبين روايته المرسلة عن سعيد وعبيد الله بن عبد الله وقد أوضح ذلك في التاريخ وكذلك أبو نعيم في المستخرج والذهلي في الزهريات فأخرجوه من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عن الزبيدي فساق الحديث الموصول بالقصة ثم ساق بعده قال الزبيدي قال الزهري وأخبرني عبد الله بن عبد الله وسعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا رجل مؤمن والله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر هذا سياق البخاري وفي سياق الذهلي قال الزهري وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله وهذا أصوب من عبيد الله بن عبد الله نبه عليه أبو علي الجياني وقد اقتضى صنيع البخاري ترجيح رواية شعيب ومعمر وأشار إلى أن بقية الروايات محتملة وهذه عادته في الروايات المختلفة إذا رجح بعضها عنده اعتمده وأشار إلى البقية وأن ذلك لا يستلزم القدح في الرواية الراجحة لأن شرط الاضطراب أن تتساوى وجوه الاختلاف فلا يرجح شيء منها وذكر مسلم في كتاب التمييز فيه اختلافا آخر على الزهري فقال حدثنا الحسن بن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن قال الحلواني قلت ليعقوب بن إبراهيم من عبد الرحمن بن المسيب هذا قال كان لسعيد بن المسيب أخ اسمه عبد الرحمن وكان رجل من بني كنانة يقال له عبد الرحمن بن المسيب فأظنه أن هذا هو الكناني قال مسلم وليس ما قال يعقوب بشيء وإنما سقط من هذا الإسناد واو واحدة ففحش خطؤه وإنما هو عن الزهري عن عبد الرحمن وابن المسيب فعبد الرحمن هو بن عبد الله بن كعب وابن المسيب هو سعيد وقد حدث به عن الزهري كذلك بن أخيه وموسى بن عقبة ويونس بن يزيد والله أعلم وكذا رجح الذهلي رواية شعيب ومعمر قال ولا تدفع رواية الأخيرين لأن الزهري كان يقع له الحديث من عدة طرق فيحمله عنه أصحابه بحسب ذلك نعم ساق من طريق موسى بن عقبة وابن أخي الزهري عن الزهري موافقة الزبيدي على إرسال آخر الحديث قال المهلب هذا الرجل ممن أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفذ عليه الوعيد من الفساق ولا يلزم منه أن كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار وقال بن التين يحتمل أن يكون قوله هو من أهل النار أي إن لم يغفر الله له ويحتمل أن يكون حين اصابته الجراحة ارتاب وشك في الإيمان أو استحل قتل نفسه فمات كافرا ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وبذلك جزم بن المنير والذي يظهر أن المراد بالفاجر أعم من أن يكون كافرا أو فاسقا ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم إنا لا نستعين بمشرك لأنه محمول على من كان يظهر الكفر أو هو منسوخ وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات وذلك من معجزاته الظاهرة وفيه جواز إعلام الرجل الصالح بفضيلة تكون فيه والجهر بها تنبيه المنادى بذلك بلال ووقع عند مسلم في رواية قم يا بن الخطاب وعند البيهقي أن المنادى بذلك عبد الرحمن بن عوف ويجمع بأنهم نادوا جميعا في جهات مختلفة

الحديث الثامن حديث سلمة بن الأكوع وهو من ثلاثياته قوله فقلت يا أبا مسلم هي كنية سلمة بن الأكوع قوله أصبتها يوم خيبر أي أصابت ركبته ويوم بالنصب على الظرفية قوله فنفث فيه أي في موضع الضربة وقد تقدم أنه فوق النفخ ودون التفل وقد يكون بغير ريق بخلاف التفل وقد يكون بريق خفيف بخلاف النفخ ثم ذكر المصنف طريقا لحديث سهل بن سعد الماضي قبل وقد تقدم شرحه في الحديث السادس الحديث التاسع

[ 3971 ] قوله حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي هو بصري واسم جده الوليد وهو ثقة من أقران أحمد وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في الجهاد قوله حدثنا زياد بن الربيع هو اليحمدي بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة بصري أيضا وثقه أحمد وغيره ونقل بن عدي عن البخاري أنه قال فيه نظر قال بن عدي وما أرى بروايته بأسا قلت وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله عن أبي عمران هو عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو ثم نون نسبة إلى بني الجون بن عوف بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس وهم بطن من الأزد وكذا جزم به الرشاطي عن أبي عبيد أن أبا عمران من هذا البطن وجزم الحازمي أنه من بني الجون بطن من كندة ولم يسق نسبه وقد ساقه الرشاطي فقال الجون واسمه معاوية بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور قوله فرأى طيالسة أي عليهم وفي رواية محمد بن بزيع عن زياد بن الربيع عند بن خزيمة وأبي نعيم أن أنسا قال ما شبهت الناس اليوم في المسجد وكثرة الطيالسة إلا بيهود خيبر والذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون من لبس الطيالسة وكان غيرهم من الناس الذين شاهدهم أنس لا يكثرون منها فلما قدم البصرة رآهم يكثرون من لبس الطيالسة فشبههم بيهود خيبر ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة وقيل المراد بالطيالسة الأكسية وإنما أنكر ألوانها لأنها كانت صفراء

الحديث العاشر والحادي عشر حديث سلمة بن الأكوع وحديث سهل بن سعد في قصة فتح علي خيبر

[ 3972 ] قوله وكان رمدا في حديث علي عند بن أبي شيبة أرمد وفي حديث جابر عند الطبراني في الصغير أرمد شديد الرمد وفي حديث بن عمر عند أبي نعيم في الدلائل أرمد لا يبصر قوله فقال أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق به وكأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك وقوله فلحق به يحتمل أن يكون لحق به قبل أن يصل إلى خيبر ويحتمل أن يكون لحق به بعد أن وصل إليها قوله فلما بتنا الليلة التي فتحت خيبر في صبيحتها قال لأعطين الراية غدا وقع في هذه الرواية اختصار وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الخصيب قال لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له وقتل محمود بن مسلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأدفعن لوائي غدا الى رجل الحديث وعند بن إسحاق نحوه من وجه آخر وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة سردهم الحاكم في الإكليل وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل قوله لأعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية غدا هو شك من الراوي وفي حديث سهل الذي بعده لأعطين هذه الراية غدا رجلا بغير شك وفي حديث بريدة إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله والراية بمعنى اللواء وهو العلم الذي في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش وقد يدفعه لمقدم العسكر وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما لكن روى أحمد والترمذي من حديث بن عباس كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ومثله عند الطبراني عن بريدة وعند بن عدي عن أبي هريرة وزاد مكتوبا فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله وهو ظاهر ففي التغاير فلعل التفرقة بينهما عرفية وقد ذكر بن إسحاق وكذا أبو الأسود عن عروة أن أول ما وجدت الرايات يوم خيبر وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية قوله يحبه الله ورسوله زاد في حديث سهل بن سعد ويحب الله ورسوله وفي رواية بن إسحاق ليس بفرار وفي حديث بريدة لا يرجع حتى يفتح الله له قوله فنحن نرجوها في حديث سهل فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها وقوله يدوكون بمهملة مضمومة أي باتوا في اختلاط واختلاف والدوكة بالكاف الاختلاط وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن عمر قال ما أحببت الإمارة إلا يومئذ وفي حديث بريدة فما منا رجل له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل حتى تطاولت أنالها فدعا عليا وهو يشتكي عينه فمسحها ثم دفع اليه اللواء ولمسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال فأرسلني إلى علي قال فجئت به أقوده أرمد فبزق في عينه فبرأ قوله فقيل هذا علي كذا وقع مختصرا وبيانه في رواية إياس بن سلمة عند مسلم وفي حديث سهل بن سعد الذي بعده فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب قالوا يشتكي عينيه قال فأرسلوا اليه فأتوا به وقد ظهر من حديث سلمة بن الأكوع أنه هو الذي أحضره ولعل عليا حضر إليهم بخيبر ولم يقدر على مباشرة القتال لرمده فأرسل اليه النبي صلى الله عليه وسلم فحضر من المكان الذي نزل به أو بعث اليه إلى المدينة فصادف حضوره قوله فبرأ بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب ويجوز كسر الراء بوزن علم وعند الحاكم من حديث علي نفسه قال فوضع رأسي في حجره ثم بزق في الية راحته فدلك بها عيني وعند بريدة في الدلائل للبيهقي فما وجعها علي حتى مضى لسبيله أي مات وعند الطبراني من حديث علي فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الراية يوم خيبر وله من وجه آخر فما اشتكيتها حتى الساعة قال ودعا لي فقال اللهم أذهب عنه الحر والقر قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا قوله فأعطاه ففتح عليه في حديث سهل فأعطاه الراية وفي حديث أبي سعيد عند أحمد فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما وقد اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحا وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس التصريح بأنه كان عنوة وبه جزم بن عبد البر ورد على من قال فتحت صلحا قال وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك الا بحصار وقتال انتهى والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل وألجأهم إلى القصر فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا الحديث وفي آخره فسبى نساءهم وذرايهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا وأراد أن يجليهم فقالوا دعنا في هذه الأرض نصلحها الحديث أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي عن عروة فعلى هذا كان قد وقع الصلح ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح ثم من عليهم بترك القتل وإبقائهم عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك ولذلك أجلاهم عمر كما تقدم في المزارعة فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها والله أعلم وقد تقدم في فرض الخمس احتجاج الطحاوي على أن بعضها فتح صلحا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بشير بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وقسم نصفها بين المسلمين وهو حديث اختلف في وصله وإرساله وهو ظاهر في أن بعضها فتح صلحا والله أعلم

[ 3973 ] قوله في حديث سهل فقال علي يا رسول الله أقاتلهم هو بحذف همزة الاستفهام قوله حتى يكوفوا مثلنا أي حتى يسلموا قوله فقال انفذ بضم الفاء بعدها معجمة قوله على رسلك بكسر الراء أي على هينتك قوله ثم ادعهم إلى الإسلام ووقع في حديث أبي هريرة عند مسلم فقال علي يا رسول الله علام أقاتل الناس قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله واستدل بقوله ادعهم ان الدعوة شرط في جواز القتال والخلاف في ذلك مشهور فقيل يشترط مطلقا وهو عن مالك سواء من بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم قال إلا أن يعجلوا المسلمين وقيل لا مطلقا وعن الشافعي مثله وعنه لا يقاتل من لم تبلغه حتى يدعوهم وأما من بلغته فتجوز الإغارة عليهم بغير دعاء وهو مقتضى الأحاديث ويحمل ما في حديث سهل على الاستحباب بدليل أن في حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أغار على أهل خيبر لما لم يسمع النداء وكان ذلك أول ما طرقهم وكانت قصة على بعد ذلك وعن الحنفية تجوز الإغارة عليهم مطلقا وتستحب الدعوة قوله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا الخ يؤخذ منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله قوله حمر النعم بسكون الميم من حمر وبفتح النون والعين المهملة وهو من ألوان الإبل المحمودة قيل المراد خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها وقيل تقتنيها وتملكها وكانت مما تتفاخر العرب بها وذكر بن إسحاق من حديث أبي رافع قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فضربه رجل من يهود فطرح ترسه فتناول على بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه حتى فتح الله عليه فلقد رأيتني أنا في سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه وللحاكم من حديث جابر ان عليا حمل الباب يوم خيبر وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا والجمع بينهما أن السبعة عالجوا قلبه والأربعين عالجوا حمله والفرق بين الأمرين ظاهر ولو لم يكن إلا باختلاف حال الابطال وزاد مسلم في حديث إياس بن سلمة عن أبيه وخرج مرحب فقال قد علمت خيبر أني مرحب الأبيات فقال علي أنا الذي سمتني أمي حيدرة الأبيات فضرب رأس مرحب فقتله فكان الفتح على يديه وكذا في حديث بريدة الذي أشرت اليه قبل وخالف ذلك أهل السير فجزم بن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي بأن الذي قتل مرحبا هو محمد بن سلمة وكذا روى أحمد بإسناد حسن عن جابر وقيل إن محمد بن مسلمة كان بارزه فقطع رجليه فأجهز عليه علي وقيل ان الذي قتله هو الحارث أخو مرحب فاشتبه علي بعض الرواة فإن لم يكن كذلك وإلا فما في الصحيح مقدم على ما سواه ولا سيما وقد جاء من حديث بريدة أيضا وكان اسم الحصن الذي فتحه على القموص وهو من أعظم حصونهم ومنه سبيت صفية بنت حيي والله أعلم

الحديث الثاني عشر حديث أنس في قصة صفية أخرجه من طرق الطريق الأولى

[ 3974 ] قوله حدثنا عبد الغفار بن داود هو أبو صالح الجزامي أخرج عنه هنا وفي البيوع خاصة هذا الحديث الواحد وشيخه يعقوب هو بن عبد الرحمن الإسكندراني قوله وحدثني أحمد في رواية كريمة أحمد بن عيسى وفي رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح وبه جزم أبو نعيم في المستخرج والذي يظهر أن البخاري ساقه على لفظ رواية بن وهب وأما على رواية بن عبد الغفار فساقها في البيوع قبيل السلم على لفظه قوله عن عمرو في رواية عبد الغفار عن عمرو بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة قوله مولى المطلب هو بن عبد الله بن حنطب المخزومي قوله فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل عنها زوجها وكانت عروسا اسم الحصن القموص كما تقدم قريبا واسم زوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق كما تقدم في النفقات وكان سبب قتله ما أخرجه البيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك من ترك من أهل خيبر على أن لا يكتموه شيئا من أموالهم فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد قال فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر فسألهم عنه فقالوا أذهبته النفقات فقال العهد قريب والمال أكثر من ذلك قال فوجد بعد ذلك في خربة فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية وقد تقدمت الإشارة إلى بعض هذا الحديث في الحديث الذي قبله قوله فاصطفاها لنفسه روى أبو داود وأحمد وصححه بن حبان والحاكم من طريق أبي أحمد الزبيدي عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال كانت صفية من الصفي والصفي بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية فسره محمد بن سيرين فيما أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عنه قال كان يضرب للنبي صلى الله عليه وسلم بسهم مع المسلمين والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء ومن طريق الشعبي قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا يختاره من الخمس ومن طريق قتادة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاء وكانت صفية من ذلك السهم وقيل ان صفية كان اسمها قبل أن تسبى زينب فلما صارت من الصفي سميت صفية قوله فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء أما سد فبفتح المهملة وبضمها وأما الصهباء فتقدم بيانها في كتاب الطهارة ووقع في رواية عبد الغفار هنا سد الروحاء والأول أصوب وهي رواية قتيبة كما تقدم في الجهاد ورواية سعيد بن منصور عن يعقوب في هذا الحديث أخرجها أبو داود وغيره والروحاء بالمهملة مكان قريب من المدينة بينهما نيف وثلاثون ميلا من جهة مكة وقد تقدم ذلك في حديث بن عمر في أواخر المساجد وقيل بقرب المدينة مكان آخر يقال له الروحاء وعلى التقديرين فليست قرب خيبر فالصواب ما اتفق عليه الجماعة أنها الصهباء وهي على بريد من خيبر قاله بن سعد وغيره قوله حلت أي طهرت من الحيض وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب البيوع قبيل كتاب السلم وعند بن سعد من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وأصله عند مسلم في قصة صفية قال أنس ودفعها إلى أمي أم سليم حتى تهيئها وتصبنها وتعتد عندها وإطلاق العدة عليها مجاز عن الاستبراء والله أعلم قوله فبنى بها يأتي بيان ذلك وشرح بقية الحديث فيما يتعلق بتزويج صفية في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قوله يحوى لها بالمهملة المفتوحة وضم أوله وتشديد الواو أي يجعل لها حوية وهي كساء محشوة تدار حول الراكب قوله ويضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب وزاد عن قتيبة عن يعقوب في الجهاد في آخر هذا الحديث ذكر أحد وذكر الدعاء للمدينة وفي أوله أيضا التعوذ وقد بينت هناك أماكن شرح هذه الأحاديث ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فخذه لتركب فأجلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضع رجلها على فخذه فوضعت ركبتها على فخذه وركبت الطريق الثانية

[ 3975 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال ويحيى هو بن سعيد الأنصاري وروايته عن حميد من رواية الأقران قوله أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها المراد أنه أقام في المنزلة التي أعرس بها فيها ثلاثة أيام لا أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس لأن في حديث سويد بن النعمان المذكور في أول غزوة خيبر أن الصهباء قريبة من خيبر وبين بن سعد في حديث ذكره في ترجمتها أن الموضع الذي بني بها فيه بينه وبين خيبر ستة أميال وقد ذكر في الطريق التي قبل هذه أنه صلى الله عليه وسلم أعرس بصفية بسد الصهباء وهو يبين المراد من قوله بطريق خيبر وكذا قوله في الطريق الثالثة أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال ولا مغايرة بينه وبين قوله في التي قبلها ثلاثة أيام لأنه يبين أنها ثلاثة أيام بلياليها الطريق الثالثة

[ 3976 ] قوله قام النبي صلى الله عليه وسلم كذا لأبي ذر عن السرخسي وللباقين أقام وهو أوجه قوله قالوا إن حجبها الخ سيأتي شرحه واضحا في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى

الحديث الثالث عشر حديث عبد الله بن مغفل بالغين المعجمة والفاء الثقيلة المزني

[ 3977 ] قوله حدثنا وهب هو بن جرير بن حازم وساق الحديث هناك وتقدم في الخمس لفظ أبي الوليد المبدوء بذكره هنا قوله فرمى إنسان بجراب لم أقف على اسمه وقد تقدم أن الجراب بكسر الجيم ويجوز فتحها في لغة نادرة وتقدمت بقية مباحثه في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب من كتاب الخمس الحديث الرابع عشر حديث بن عمر ذكره من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله ان فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده وذكر الحمر عن سالم واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو بن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة اليه في الذبائح ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه وقد جمع بينهما بلفظ النهي فاستعمله في حقيقته وهو التحريم وفي مجازه هو الكراهة الحديث الخامس عشر حديث علي

[ 3979 ] قوله ابني محمد أي بن علي بن أبي طالب قوله عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية في رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي حمر الإنسية بغير ألف ولام في الحمر قيل ان في الحديث تقديما وتأخيرا والصواب نهي يوم خيبر على لحوم الحمر الإنسية وعن متعة النساء وليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء وسيأتي بسط ذلك في مكانه من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى الحديث

[ 3982 ] السادس عشر حديث جابر قوله عن عمرو هو بن دينار ومحمد بن علي هو أوب جعفر الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي قوله عن لحوم الحمر زاد الكشميهني الأهلية وسيأتي شرحه في الذبائح إن شاء الله تعالى الحديث السابع عشر حديث بن أبي أوفى

[ 3983 ] قوله حدثنا عباد هو بن العوام والشيباني سليمان بن فيروز قوله أصابتنا مجاعة يوم خيبر فان القدور لتغلي كذا وقع مختصرا وتمامه قد تقدم في فرض الخمس من وجه آخر عن الشيباني بلفظ فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت القدور الحديث وقد ذكر الواقدي أن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين كذا رواه بالشك قوله وقال بعضهم نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة تقدم في فرض الخمس أن بعض الصحابة قال نهى عنها البتة وان الشيباني قال لقيت سعيد بن جبير فقال نهى عنها البتة وزاد الإسماعيلي من رواية جرير عن الشيباني قال فلقيت سعيد بن جبير فسألته عن ذلك وذكرت له ذلك فقال نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة وسيأتي شرح ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى تنبيه قوله البتة معناه القطع وألفها ألف وصل وجزم الكرماني بأنها ألف قطع على غير القياس ولم أر ما قاله في كلام أحد من أهل اللغة قال الجوهري الانبتات الانقطاع ورجل منبت أي منقطع به ويقال لا أفعله بتة ولا أفعله البتة لكل أمر لا رجعة فيه ونصبه على المصدر انتهى ورأيته في النسخ المعتمدة بألف وصل والله أعلم الحديث الثامن عشر حديث البراء وهو بن عازب مقرونا بابن أبي أوفى أخرجه من ثلاثة طرق عن شعبة عاليتين ونازلة والنكتة في إيراد النازلة بعد العالية أن في النازلة التصريح بسماع التابعي له من الصحابيين دون العالية فإنها بالعنعنة قوله في الأولى واطبخوها بتشديد الطاء المهملة أي عالجوا طبخها

[ 3984 ] قوله فيها فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو طلحة كما تقدم قوله في الثانية

[ 3985 ] حدثني إسحاق هو بن منصور وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسحاق بن راهويه فقال عن النضر وهو بن شميل عن شعبة فدل على أنه ليس شيخ البخاري فيه وقد حققت في المقدمة أن إسحاق حيث أتى عن عبد الصمد فهو بن منصور لا بن راهويه قوله فيها انه قال يوم خيبر وقد نصبوا القدور أكفئوا القدور أي أميلوها ليراق ما فيها قوله في الثالثة حدثنا مسلم هو بن إبراهيم واقتصر في روايته على البراء وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه على شعبة وأن أكثر الرواة عنه جمعوا بينهما ومنهم من أفرد أحدهما بالذكر وان الجري رواه عن شعبة فقال عن عدي عن بن أبي أوفى أو البراء بالشك قوله نحوه قد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن مسلم بن إبراهيم بلفظ غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فأصبنا حمرا فطبخناها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أكفئوا القدور ثم ساقه المصنف من وجه آخر عن البراء

[ 3986 ] قوله بن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا وعاصم هو الأحول وعامر هو الشعبي قوله نيئة ونضيجة بالتنوين فيهما ووقع في رواية بهاء الضمير فيهما والنيء بكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة ضد النضيج قوله ثم لم يأمرنا بأكله بعد فيه إشارة إلى استمرار تحريمه وسيأتي بسط ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى الحديث التاسع عشر حديث بن عباس

[ 3987 ] قوله حدثني محمد بن أبي الحسين كذا للجميع وهو أبو جعفر محمد بن أبي الحسين جعفر السمناني بكسر المهملة وسكون الميم ونونين بينهما ألف كان حافظا وهو من اقران البخاري وعاش بعده خمس سنين وقد ذكر الكلاباذي ومن تبعه أن البخاري ما روى عنه غير هذا الحديث لكن تقدم في العيدين حديث آخر قال البخاري فيه حدثنا محمد حدثنا عمر بن حفص بن غياث فالذي يظهر أنه هذا وقد روى البخاري الكثير عن عمر بن حفص بن غياث وأخرج عنه هنا بواسطة

الحديث العشرون حديث بن عمر في سهام الراجل والفارس تقدم شرحه في الجهاد والقائل قال فسره نافع هو عبيد الله بن عمر العمري الراوي عنه وهو موصول بالإسناد المذكور اليه وزائدة هو بن قدامة ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كما هنا وشيخ البخاري الحسن بن إسحاق تقدم قريبا في عمرة الحديبية

الحديث الحادي والعشرون حديث جبير بن مطعم تقدم شرحه في فرض الخمس وقوله

[ 3989 ] إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد كذا للأكثر بفتح الشين المعجمة وبالهمزة وللمستملي هنا وحده بكسر المهملة وتشديد التحتانية وقوله قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا هو موصول بالإسناد المذكور

الحديث الثاني والعشرون حديث أبي موسى

[ 3990 ] قوله بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين اليه ظاهره أنهم لم يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة وهذا إن كان أراد بالمخرج البعثة وإن أراد الهجرة فيحتمل أن تكون بلغته الدعوة فأسلموا وأقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها وإنما تأخروا هذه المدة إما لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك وإما لعلمهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار فلما بلغتهم المهادنة آمنوا وطلبوا الوصول اليه وقد روى بن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من علك ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة وصححه بن حبان من هذا الوجه ويجمع بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لأن ذلك كان في الهدنة قوله أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم أما أبو بردة فاسمه عامر وله حديث عند أحمد والحاكم من طريق كريب بن الحارث بن أبي موسى وهو بن أخيه عنه وأما أبو رهم فهو بضم الراء وسكون الهاء واسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية قاله بن عبد البر وجزم بن حبان في الصحابة بأن اسمه محمد ويعكر عليه ما تقدم قبل من المغايرة بين أبي رهم ومحمد بن قيس وذكر بن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا له وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء قوله إما قال بضعا وإما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي في رواية المستملي من قومه وقد بين في الرواية التي قبل أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه فلعل الزائد على ذلك هو وإخوته فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم ومن قال ثلاثة أو أكبر فعلى الخلاف في عدد من كان معه من إخوته وأخرج البلاذري بسند له عن بن عباس أنهم كانوا أربعين رجلا والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والاتباع وأما بن إسحاق فقال كانوا ستة عشر رجلا وقيل أقل قوله فوافقنا جعفر بن أبي طالب أي بأرض الحبشة قوله فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا اختصر المصنف هنا شيئا ذكره في الخمس بهذا الإسناد وهو فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا فأقمنا معه قوله حتى قدمنا جميعا ذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية إلى النجاشي أن يجهز اليه جعفر بن أبي طالب ومن معه فجهزهم وأكرمهم وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر وسمى بن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا فمنهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة قوله فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم زاد في فرض الخمس فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهدها معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه قسم لهم معهم وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب شيخ البخاري فيه في هذا الموضع من هذا الحديث ووقع عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقسم لهم كلم المسلمين فأشركوهم قوله وكان ناس سمى منهم عمر كما سيأتي قوله دخلت أسماء بنت عميس هي زوج جعفر وقوله وهي ممن قدم معنا هو كلام أبي موسى قوله عل حفصة زاد أبو يعلى زوج النبي صلى الله عليه وسلم قوله قال عمر آلحبشية هذه البحيرية هذه كذا لأبي ذر بالتصغير ولغيره البحرية بغير تصغير وكذا في رواية أبي يعلى ووقع في الموضعين بهمزة الاستفهام ونسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم وإلى البحر لركوبها إياه قوله وكنا في دار أو في أرض البعداء هو شك من الراوي قوله البعداء البغضاء كذا للأكثر جمع بغيض وبعيد وفي رواية أبي يعلى بالشك البعداء أو البغضاء وللنسفي البعد بضمتين وللقابسي البعد البعداء البغضاء جمع بينهما فلعله فسر الأولى بالثانية وعند بن سعيد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي فقالت أي لعمري لقد صدقت كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم وكنا البعداء والطرداء قوله وذلك في الله وفي رسوله أي لأجلهما قوله وايم الله بهمزة وصل وفيها لغات تقدم ذكرها قوله ولكم أنتم أهل السفينة بنصب أهل على الاختصاص أو على النداء بحذف أداته ويجوز الجر على البدل من الضمير قوله هجرتان زاد أبو يعلى هاجرتم مرتين هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلى ولابن سعد بإسناد صحيح عن الشعبي قال قالت أسماء بنت عميس يا رسول الله إن رجالا يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأولين فقال بل لكم هجرتان هاجرتم إلى أرض الحبشة ثم هاجرتم بعد ذلك ومن وجه آخر عن الشعبي نحوه وقال فيه كذب من يقول ذلك ومن وجه آخر عنه قال يقول للناس هجرة واحدة وظاهره تفضيلهم على غيرهم من المهاجرين لكن لا يلزم منه تفضيلهم على الإطلاق بل من الحيثية المذكورة وهذا القدر المرفوع من الحديث ظاهر هذا السياق أنه من رواية أسماء بنت عميس وقد تقدم في الهجرة بهذا الإسناد من رواية أبي موسى لا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فيه وكذلك أخرجه بن حبان ومن وجه آخر عن أبي بردة عن أبي موسى قوله قالت يعني أسماء بنت عميس وهذا يحتمل أن يكون من رواية أبي موسى عنها فيكون من رواية صحابي عن مثله ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها ويؤيده قوله بعد هذا قال أبو بردة قالت أسماء قوله يأتونني في رواية الكشميهني يأتون وقوله أرسالا بفتح الهمزة أي أفواجا أي يجيئون إليها ناسا بعد ناس وفي رواية أبي يعلى ولقد رأيت أبا موسى أنه ليستعيد مني هذا الحديث الحديث الثالث والعشرون

[ 3991 ] قوله قال أبو بردة هو موصول بالإسناد المذكور وقد أفرده مسلم عن أبي كريب وساق الحديث الذي قبله إلى قوله وإنه ليستعيد هذا الحديث مني قوله إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين الرفقة الجماعة المترافقون والراء مثلثة والأشهر ضمها قوله حين يدخلون بالليل بالدال والخاء المعجمة لجميع رواة البخاري ومسلم وحكى عياض عن بعض رواة مسلم بالراء والحاء المهملة وصوبها الدمياطي في البخاري وهو عجيب منه فإن الرواية بالدال والمعجمة والمعنى صحيح فلا معنى للتغيير وقد نقل عياض عن بعض الناس اختيار الرواية التي بالراء والمهملة قال النووي والرواية الأولى صحيحة أو أصح والمراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا الى المسجد أو إلى شغل ما ثم رجعوا قوله بالقرآن يتعلق بأصوات وفيه أن رفع الصوت بالقرآن بالليل مستحسن لكن محله إذا لم يؤذ أحدا وأمن من الرياء قوله ومنهم حكيم قال عياض قال أبو علي الصدفي هو صفة لرجل منهم وقال أبو علي الجياني هو اسم علم على رجل من الأشعريين واستدركه على صاحب الاستيعاب قوله إذا لقي الخيل أو قال العدو هو شك من الراوي قوله قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم أي تنتظروهم من الانتظار ومعناه أنه لفرط شجاعته كان لا يفر من العدو بل يواجههم ويقول لهم إذا أرادوا الانصراف مثلا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم ليثبتهم على القتال هذا بالنسبة إلى الشق الثاني وهو قوله أو قال العدو وأما على الشق الأول وهو قوله إذا لقي الخيل فيحتمل أن يريد بها خيل المسلمين ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدو جميعا وهذا أشبه بالصواب قال بن التين معنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون بما يصيبهم

الحديث الرابع والعشرون قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه وقوله سمع أي أنه سمع ويريد هو بن عبد الله بن أبي بردة الأشعري

[ 3992 ] قوله قدمنا أي هو وأصحابه مع جعفر ومن معه قوله ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا يعني الأشعريين ومن معهم وجعفر ومن معه وقد سبق في فرض الخمس من وجه آخر عن بريد بلفظ وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم وقد تقدم شرحه هناك ويعكر على هذا الحصر ما سيأتي في حديث أبي هريرة والذي بعده وسيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى

الحديث الخامس والعشرون

[ 3993 ] قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الأزدي وهو من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا قوله قال أبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري ووقع في مسند حديث مالك للنسائي من وجه آخر عن معاوية بن عمرو قال حدثنا أبو إسحاق وأخرجه الدارقطني في الموطآت طريق المسيب بن واضح قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري قوله عن مالك نزل البخاري في هذا الحديث درجتين لأنه أخرجه في الأيمان والنذور عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وبينه وبين مالك في هذا الموضع ثلاثة رجال قال بن طاهر والسر في ذلك أن في رواية أبي إسحاق الفزاري وحده عن مالك حدثني ثور بن زيد وفي رواية الباقين عن ثور وللبخاري حرص شديد على الإتيان بالطرق المصرحة بالتحديث انتهى وثور بن زيد هو الديلي مدني مشهور وقد صرح في رواية أبي إسحاق هذه أيضا بقوله حدثني سالم أنه سمع أبا هريرة وعنعن باقي الرواة عن مالك جميع الإسناد وسالم مولى بن مطيع يكنى أبا الغيث وهو بها أشهر وقد سمى هنا فلا التفات لقول من قال إنه لا يوقف على اسمه صحيحا وهو مدني لا يعرف اسم أبيه وابن مطيع اسمه عبد الله وليست لسالم في الصحيح رواية عن غير أبي هريرة له عنه تسعة أحاديث تقدم منها في الاستقراض وفي الوصايا وفي المناقب قوله افتتحنا خيبر في رواية عبيد الله بن يحيى بن يحيى الليثي عن أبيه في الموطأ حنين بدل خيبر وخالفه محمد بن وضاح عن يحيى بن يحيى فقال خيبر مثل الجماعة نبه عليه بن عبد البر ووقع في رواية إسماعيل المذكورة خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وهي رواية رواة الموطأ أعني قوله خرجنا وأخرجها مسلم من طريق بن وهب عن مالك ومن طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ثور فحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أنه قال وهم ثور في هذا الحديث لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت قال أبو مسعود ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحوها قال ولكن لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم فالغرض من الحديث قصة مدعم في غلول الشملة قلت وكأن محمد بن إسحاق صاحب المغازي استشعر بوهم ثور بن زيد في هذه اللفظة فروى الحديث عنه بدونها أخرجه بن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ورواية أبي إسحاق الفزاري التي في هذا الباب تسلم من هذا الاعتراض بأن يحمل قوله افتتحنا أي المسلمون وقد تقدم نظير ذلك قريبا وروى البيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي هريرة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى فلعل هذا أصل الحديث وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة فذكر الحديث وفيه فزودونا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم ويجمع بين هذا وبين الحصر الذي في حديث أبي موسى الذي قبله أن أبا موسى أراد أنه لم يسهم لأحد لم يشهد الوقعة من غير استرضاء أحد من الغانمين إلا لأصحاب السفينة وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين والله أعلم وسأذكر رواية عنبسة بن سعيد التي أشار إليها أبو مسعود وبيان ما فيها بعد هذا الحديث إن شاء الله تعالى قوله إنما غنمنا البقر والابل والمتاع والحوائط في رواية مسلم غنما المتاع والطعام والثياب وعند رواة الموطأ إلا الأموال والثياب والمتاع وعند يحيى الليثي وحده إلا الأموال والثياب والأول هو المحفوظ ومقتضاه أن الثياب والمتاع لا تسمى مالا وقد نقل ثعلب عن بن الأعرابي عن المفضل الضبي قال المال عند العرب الصامت والناطق فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقرة والشاة فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت وإذا قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالا فقال في قصة السلب الذي تنازع فيه هو والقرشي في غزوة حنين فابتعت به مخرفا فإنه لأول مال تأثلته فالذي يظهر أن المال ما له قيمة لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في رواية الباب ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولا قوله إلى وادي القرى تقدم ضبطه في البيوع قوله عبد له في رواية الموطأ عبد أسود قوله مدعم بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة قوله أهداه له أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب وفي رواية مسلم أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب بضم أوله بصيغة التصغير وفي رواية أبي إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون وقيل بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام قال الواقدي كان رفاعة قد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه قوله فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد البيهقي في الرواية المذكورة وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية قوله سهم عائر بعين مهملة بوزن فاعل أي لا يدري من رمى به وقيل هو الحائد عن قصده قوله بل والذي نفسي بيده في رواية الكشميهني بلى وهو تصحيف وفي رواية مسلم كلا وهو رواية الموطأ قوله لتشتعل عليه نارا يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارا فيعذب بها ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار وكذا القول في الشراك الآتي ذكره قوله فجاء رجل لم أقف على اسمه قوله بشراك أو بشراكين الشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على ظهر القدم وفي الحديث تعظيم أمر الغلول وقد مر شرح ذلك واضحا في أواخر كتاب الجهاد في باب القليل من الغلول في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو في النار في عباءة غلها وكلام عياض يشعر بأن قصته مع قصة مدعم متحدة والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما نعم عند مسلم من حديث عمر لما كان يوم خيبر قالوا فلان شهيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة فهذا يمكن تفسيره بكركرة بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى ومات بسهم عائر وغل شملة والذي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم كركرة هوذة بن علي بخلاف مدعم فأهداه رفاعة فافترقا والله أعلم وذكر البيهقي في روايته أنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهل وادي القرى حتى فتحها وبلغ ذلك أهل تيماء فصالحوه وفي الحديث قبول الإمام الهدية فإن كانت لأمر يختص به في نفسه أن لو كان غير وال فله التصرف فيها بما أراد وإلا فلا يتصرف فيها إلا للمسلمين وعلى هذا التفصيل يحمل حديث هدايا الأمراء غلول فيخص بمن أخذها فاستبد بها وخالف في ذلك بعض الحنفية فقال له الاستبداد مطلقا بدليل أنه لو ردها على مهديها لجاز فلو كانت فيئا للمسلمين لما ردها وفي هذا الاحتجاج نظر لا يخفى وقد تقدم شيء من هذا في أواخر الهبة

الحديث السادس والعشرون حديث عمر ذكره من طريقين

[ 3994 ] قوله أخبرنا محمد بن جعفر أي بن أبي كثير قوله أخبرني زيد هو بن أسلم مولى عمر قوله لولا أن أترك آخر الناس بيانا كذا للأكثر بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الألف نون قال أبو عبيدة بعد أن أخرجه عن بن مهدي قال بن مهدي يعني شيئا واحدا قال الخطابي ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث وقال الأزهري بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية في لغة معد وقد صححها صاحب العين وقال ضوعفت حروفه وقال الببان المعدم الذي لا شيء له ويقال هم على ببان واحد أي على طريقة واحدة وقال بن فارس يقال هم ببان واحد أي شيء واحد قال الطبري الببان في المعدم الذي لا شيء له فالمعنى لولا ان أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الموحدة الثانية أي شيئا واحدا فإنهم قالوا لمن لا يعرف هو هيان بن بيان قلت وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال لئت عشت لأجعلن الناس ببابا واحدا ذكره الجوهري وهو مما يؤيد تفسيرها بالتسوية وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق معن بن عيسى عن مالك بسند حديث الباب عن عمر قال لئن بقيت إلى الحول لألحقن أسفل الناس بأعلاهم وقد قدمت ذلك في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة من كتاب الجهاد تنبيه نقل صاحب المطالع عن أهل العربية أنه لم يلتق حرفان من جنس واحد في اللسان العربي وتعقب بأن ذلك لا يعرف عن أحد من النحويين ولا اللغة وقد ذكر سيبويه الببر بموحدة مفتوحة ثم ساكنة وهي دابة تعادي الأسد وفي الاعلام ببة بموحدتين الثانية ثقيلة لقب عبد الله بن الحارث الهاشمي أمير الكوفة قوله ولكني أتركها لهم خزانة يقتسمونها أي يقتسمون خراجها قوله في الطريق الثانية حدثنا بن مهدي عن مالك عن زيد بن أسلم ووقع في غرائب أبي عبيد عن بن مهدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فهو محمول على أن لعبد الرحمن بن مهدي فيه شيخين لأنه ليس في رواية مالك قوله ببانا وهو في رواية هشام بن سعد المذكورة كما وقع في رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير

الحديث السابع والعشرون حديث أبي هريرة

[ 3996 ] قوله سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية أي بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي والجملة حالية قوله قال أخبرني قائل ذلك هو الزهري وعنبسة بن سعيد أي بن العاص وهو عم والد إسماعيل بن أمية قوله أن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله هذا السياق صورته مرسل وقد تقدم من وجه آخر مصرحا فيه بالاتصال في أوائل الجهاد وفيه بيان اسم المبهم هنا في قوله قال بعض بني سعيد وبيان المراد بقوله بن قوقل وشرح ما فيه قوله فسأله أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من غنائم خيبر وفي رواية الحميدي عن سفيان في الجهاد فقلت يا رسول الله اسهم لي قوله قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه القائل هو أبان بن سعيد كما في الرواية التي بعده قوله واعجباه في رواية للسعيدي التي بعد هذه واعجبا لك وهو بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجب ووا مثل واها واعجبا للتوكيد وبغير التنوين بمعنى واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة كقوله يا أسفي وفيه شاهد على استعمال وا في منادى غير مندوب كما هو رأي المبرد واختيار بن مالك قوله لوبر تدلي من قدوم الضأن كذا اختصره وقد مضى في الجهاد من رواية الحميدي عن سفيان أتم منه وسيأتي شرحه في الذي بعده قوله ويذكر عن الزبيدي أي محمد بن الوليد وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه ووصلها أيضا أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل أيضا ومن طريق عبد الله بن سالم كلاهما عن الحميدي قوله يخبر سعيد بن العاص أي بن أمية وكان سعيد بن العاص تأمر على المدينة من قبل معاوية في ذلك الزمان قوله قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من المدينة قبل نجد لم أعرف حال هذه السرية وأما أبان فهو بن سعيد بن العاص بن أمية وهو عم سعيد بن العاص الذي حدثه أبو هريرة وكان إسلام أبان بعد غزوة الحديبية وقد ذكرنا أولا في قصة الحديبية في الشروط وغيرها أن أبان هذا أجار عثمان بن عفان في الحديبية حتى دخل مكة وبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم في هذه الغزوة أن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية فيشعر ذلك بأن أبان أسلم عقب الحديبية حتى أمكن أن يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية وقد ذكر الهيثم بن علي في الأخبار سبب إسلام أبان فروى من طريق سعيد بن العاص قال قتل أبي يوم بدر فرباني عمي أبان وكان شديدا على النبي صلى الله عليه وسلم يسبه إذا ذكر فخرج إلى الشام فرجع فلم يسبه فسئل عن ذلك فذكر أنه لقى راهبا فأخبره بصفته ونعته فوقع في قلبه تصديقه فلم يلبث أن خرج إلى المدينة فأسلم فإن كان هذا ثابتا احتمل أن يكون خروج أبان إلى الشام كان قبل الحديبية قوله وإن حزم بمهملة وزاي مضمومتين قوله لليف بلام للتأكيد والليف معروف وفي رواية الكشميهني الليف على أنه أنه خبر إن بغير تأكيد قوله وأنت بهذا أي وأنت تقول بهذا أو وأنت بهذا المكان والمنزلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولامن بلاده قوله يا وبر بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية ونقل أبو علي القالي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمى كل دابة من حشرات الجبال وبرا قال الخطابي أراد أبان تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع وأنه قليل القدرة على القتال انتهى ونقل بن التين عن أبي الحسن القابسي أنه قال معناه أنه ملصق في قريش لأنه شبهه بالذي يعلق بوبر الشاة من الشوك وغيره وتعقبه بن التين بأنه يلزم من ذلك أن تكون الرواية وبر بالتحريك قال ولم يضبط إلا بالسكون قوله تحدر في الرواية الأولى تدلي وهي بمعناها وفي الرواية التي بعدها تدأدأ بمهملتين بينهما همزة ساكنة قيل أصله تدهدأ فأبدلت الهاء همزة وقيل الدأدأة صوت الحجارة في المسيل ووقع في رواية المستملي تدأرأ براء بدل الدال الثانية وفي رواية أبي زيد المرزوي تردي وهي بمعنى تحدر وتدلى كأنه يقول تهجم علينا بغتة قوله من رأس ضأن كذا في هذه الرواية باللام وفي التي قبلها بالنون وقد فسر البخاري في رواية المستملي الضال باللام فقال هو السدر البري وكذا قال أهل اللغة إنه السدر البري ووقع في نسخة الصغاني الضال سدرة البر وتقدم كلام بن دقيق العيد في ذلك في أوائل الجهاد وأنه السدر البري وأما قدوم فبفتح القاف للأكثر أي طرف ووقع في رواية الأصيلي بضم القاف وأما الضان فقيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم وقيل هو بغير همز وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة

[ 3997 ] قوله ينعى بفتح أوله وسكون النون بعدها عين مهملة مفتوحة أي يعيب على يقال نعى فلان على فلان أمرا إذا عابه ووبخه عليه وفي رواية أبي داود عن حامد بن يحيى عن سفيان يعيرني قوله ومنعه أن يهني بالتشديد أصله يهينني فأدغمت إحدى النونين في الأخرى ووقع في الرواية الأخيرة ومنعه أن يهينني بيده وقد تقدم بقية شرحه في الجهاد قيل وقع في إحدى الطريقين ما يدخل في قسم المقلوب فإن في رواية بن عيينة أن أبا هريرة السائل أن يقسم له وأن أبان هو الذي أشار يمنعه وفي رواية الزبيدي أن أبان هو الذي سأل وأن أبا هريرة هو الذي أشار بمنعه وقد رجح الذهلي رواية الزبيدي ويؤيد ذلك وقوع التصريح في روايته بقول النبي صلى الله عليه وسلم يا أبان اجلس ولم يقسم لهم ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا يقسم للآخر وبدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه قاتل بن قوقل وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد يستحق بها النفل فلا يكون فيه قلب وقد سلمت رواية السعيدي من هذا الاختلاف فإنه لم يتعرض في حديثه لسؤال القسمة أصلا والله أعلم

الحديث الثامن والعشرون حديث عائشة ان فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها تقدم شرحه في فرض الخمس وفي هذه الطريق زيادة لم تذكر هناك فتشرح

[ 3998 ] قوله وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر هذا هو الصحيح في بقائها بعده وروى بن سعد من وجهين أنها عاشت بعده ثلاثة أشهر ونقل عن الواقدي وان ستة أشهر هو الثبت وقيل عاشت بعده سبعين يوما وقيل ثمانية أشهر وقيل شهرين جاء ذلك عن عائشة أيضا وأشار البيهقي إلى أن في قوله وعاشت الخ إدراجا وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري فذكر الحديث وقال في آخره قلت للزهري كم عاشت فاطمة بعده قال ستة أشهر وعزا هذه الرواية لمسلم ولم يقع عند مسلم هكذا بل فيه كما عند البخاري موصولا والله أعلم قوله دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر روى بن سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن العباس صلى عليها ومن عدة طرق أنها دفنت ليلا وكان ذلك بوصية منها لإرادة الزيادة في التستر ولعله لم يعلم أبا بكر بموتها لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عنه وليس في الخبر ما يدل على أن أبا بكر لم يعلم بموتها ولا صلى عليها وأما الحديث الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من حديث جابر في النهي عن الدفن ليلا فهو محمول على حال الاختيار لأن في بعضه إلا أن يضطر انسان إلى ذلك قوله وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة أي كان الناس يحترمونه إكراما لفاطمة فلما ماتت واستمر على عدم الحضور عند أبي بكر قصر الناس عن ذلك الاحترام لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث لما جاء وبايع كان الناس قريبا اليه حين راجع الأمر بالمعروف وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث رأى على أن يوافقها في الانقطاع عنه قوله فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر أي في حياة فاطمة قال المازري العذر لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب ولا يلزم كل أحد أن يحضر عنده ويضع يده في يده بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه وهذا كان حال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر وقد ذكرت سبب ذلك قوله كراهية ليحضر عمر في رواية الأكثر لمحضر عمر والسبب في ذلك ما ألفوه من قوة عمر وصلابته في القول والفعل وكان أبو بكر رقيقا لينا فكأنهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة قوله لا تدخل عليهم أي لئلا يتركوا من تعظيمك ما يجب لك قوله وما عسيتهم أن يفعلوا بي قال بن مالك في هذا شاهد على صحة تضمين بعض الأفعال معنى فعل آخر وإجرائه مجراه في التعدية فإن عسيت في هذا الكلام بمعنى حسبت وأجريت مجراها فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول ثان وكان حقه أن يكون عاريا من أن لكن جيء بها لئلا تخرج عسى عن مقتضاها بالكلية وأيضا فإن أن قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسبت فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول بدلا منه قال ويجوز جعل ما عسيتهم حرف خطاب والهاء والميم اسم عسى والتقدير ما عساهم أن يفعلوا بي وهو وجه حسن قوله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك بفتح الفاء من ننفس أي لم نحسدك على الخلافة يقال نفست بكسر الفاء أنفس بالفتح نفاسة وقوله استبددت في رواية غير أبي ذر واستبدت بدال واحدة وهو بمعناه وأسقطت الثانية تخفيفا كقوله فظلتم تفكهون أصله ظللتم أي لم تشاورنا والمراد بالأمر الخلافة قوله وكنا نرى بضم أوله ويجوز الفتح قوله لقرابتنا أي لأجل قرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا أي لنا في هذا الأمر قوله حتى فاضت أي لم يزل على يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عينا أبي بكر من الرقة قال المازري ولعل عليا أشار إلى أن أبا بكر استبد عليه بأمور عظام كان مثله عليه أن يحضره فيها ويشاوره أو أنه أشار إلى أنه لم يستشره في عقد الخلافة له أولا والعذر لأبي بكر أنه خشي من التأخر عن البيعة الاختلاف لما كان وقع من الأنصار كما تقدم في حديث السقيفة فلم ينتظروه قوله شجر بيني وبينكم أي وقع من الاختلاف والتنازع قوله من هذه الأموال أي التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وغيرها قوله فلم آل أي لم أقصر قوله موعدك العشية بالفتح ويجوز الضم أي بعد الزوال قوله رقي المنبر بكسر القاف بعدها تحتانية أي علا وحكى بن التين أنه رآه في نسخة بفتح القاف بعدها ألف وهو تحريف قوله وعذره بفتح العين والذال على أنه فعل ماض ولغير أبي ذر بضم العين وإسكان الذال عطفا على مفعول وذكر قوله وتشهد علي فعظم حق أبي بكر زاد مسلم في روايته من طريق معمر عن الزهري وذكر فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه قوله وكان المسلمون إلى علي قريبا أي كان ودهم له قريبا حين راجع الأمر بالمعروف أي من الدخول فيما دخل فيه الناس قال القرطبي من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار وما تضمن ذلك من الإنصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة وان كان الطبع البشري قد يغلب أحيانا لكن الديانة ترد ذلك والله الموفق وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة وهذيانهم في ذلك مشهور وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم وقد صحح بن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلا قال له لم يبايع على أبا بكر حتى ماتت فاطمة قال لا ولا أحد من بني هاشم فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم وعلى هذا فيحمل قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك وبسبب ذلك أظهر على المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة هذه الشبهة

الحديث التاسع والعشرون

[ 3999 ] قوله حدثني حرمي بفتح المهملة والراء وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة اسم بلفظ النسب وهو بن عمارة شيخ شيخه وعمارة هو بن أبي حفصة وعكرمة هو مولى بن عباس وليس لعكرمة عن عائشة في البخاري غير هذا الحديث وآخر سبق في الطهارة وثالث يأتي في اللباس قوله قلنا الآن نشبع من التمر أي لكثرة ما فيها من النخيل وفيه إشارة إلى أنهم كانوا قبل فتحها في قلة من العيش الحديث الثلاثون

[ 4000 ] قوله حدثنا الحسن هو بن محمد بن الصباح الزعفراني وقع منسوبا في رواية أبي علي بن السكن وقال الكلاباذي يقال إنه الزعفراني وأما الحاكم فقال هو الحسن بن شجاع يعني البلخي أحد الحفاظ وهو من أقران البخاري ومات قبله باثنتي عشرة سنة وهو شاب وسيأتي في تفسير سورة الزمر حديث آخر عن الحسن غير منسوب فقيل أيضا إنه هو وقرة بن حبيب أي بن يزيد القنوي بفتح القاف والنون الخفيفة نسبة إلى بيع القنا وهي الرماح وكذا يقال له أيضا الرماح وهو قشيري النسب بصري أصله من نيسابور وقد لقيه البخاري وحدث عنه في الأدب المفرد وليس له في الصحيح سوى هذا الموضع ومات سنة أربع وعشرين ومائتين قوله ما شبعنا حتى فتحنا خيبر يؤيد حديث عائشة الذي قبله

قوله باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر أي بعد فتحها لتنمية الثمار

[ 4001 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وسبق الحديث وشرحه في أواخر البيوع قوله وقال عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي وقد وصله أبو عوانة والدارقطني من طريقه قوله عن عبد المجيد هو بن سهيل شيخ مالك فيه قوله عن سعيد هو بن المسيب قوله بعث أخابني عدي من الأنصار في رواية أبي عوانة والدارقطني سواد بن غزية وهو من بني عدي بن النجار وسواد بتخفيف الواو وشذ السهيلي فشددها ولعله اعتمد على بعض ما في نسخ الدارقطني سوار آخره راء لكن ذكر أبو عمر أنها تصحيف وروى الخطيب من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل على خيبر فلان بن صعصعة فلعلها قصة أخرى قوله وعن عبد المجيد هو معطوف على الذي قبله وهو عن عبد العزيز الدراوردي عن عبد المجيد فلعبد المجيد فيه شيخان والله أعلم

قوله باب معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ذكر فيه حديث بن عمر مختصرا وقد تقدم في المزارعة مع شرحه واضحا

قوله باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أي جعل فيها السم والسم مثلث السين قوله رواه عروة عن عائشة لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من هذا الوجه معلقا أيضا وسيأتي ذكره هناك

[ 4003 ] قوله حدثني سعيد هو بن أبي سعيد المقبري قوله لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم هكذا أورده مختصرا وقد سبق مطولا في أواخر الجزية فذكر هذا الطرف وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود فذكر الحديث وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك في كتاب الطب قال بن إسحاق لما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية وكانت سألت أي عضو من الشاة أحب اليه قيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم فلما تناول الذراع لاك منها مضغة ولم يسغها وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته فذكر القصة وأنه صفح عنها وأن بشر بن البراء مات منها وروى البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل فقال لأصحابه أمسكوا فإنها مسمومة وقال لها ما حملك على ذلك قالت أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك قال فما عرض لها ومن طريق أبي نضرة عن جابر نحوه فقال فلم يعاقبها وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن أبي بن كعب مثله وزاد فاحتجم على الكاهل قال قال الزهري فأسلمت فتركها قال معمر والناس يقولون قتلها وأخرج بن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه القصة مطولة وفي آخره قال فدفعها إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها قال الواقدي وهو الثبت وأخرج أبو داود من طريق يونس عن الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه وهذا منقطع لأن الزهري لم يسمع من جابر ومن طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة نحوه مرسلا قال البيهقي وصله حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال البيهقي يحتمل أن يكون تركها أولا ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها وبذلك أجاب السهيلي وزاد إنه كان تركها لأنه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصا قلت ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لأن بموته تحقق وجوب القصاص بشرطه ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث وأخرج الواقدي بسند له عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ما حملك على ما فعلت قالت قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي قال فسألت إبراهيم بن جعفر فقال عمها يسار وكان من أجبن الناس وهو الذي أنزل من الرف وأخوها زبير وزوجها سلام بن مشكم ووقع في سنن أبي داود أخت مرحب وبه جزم السهيلي وعند البيهقي في الدلائل بنت أخي مرحب ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان لي الآن أنك صادق وأنا أشهدك ومن حضر أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال فانصرف عنها حين أسلمت وقد اشتملت قصة خيبر على أحكام كثيرة منها جواز قتال الكفار في أشهر الحرم والإغارة على من بلغته الدعوة بغير إنذار وقسمة الغنيمة على السهام وأكل الطعام الذي يصاب من المشركين قبل القسمة لمن يحتاج اليه بشرط أن لا يدخره ولا يحوله وأن مدد الجيش إذا حضر بعد انقضاء الحرب يسهم له إن رضي الجماعة كما وقع لجعفر والأشعريين ولا يسهم لهم إذا لم يرضوا كما وقع لأبان بن سعيد وأصحابه وبذلك يجمع بين الأخبار ومنها تحريم لحوم الحمر الأهلية وأن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة وتحريم متعة النساء وجواز المساقاة والمزارعة ويثبت عقد الصلح والتوثق من أرباب التهم وأن من خالف من أهل الذمة ما شرط عليه انتقض عهده وهدر دمه وأن من أخذ شيئا من الغنيمة قبل القسمة لم يملكه ولو كان دون حقه وأن الإمام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها وجواز إجلاء أهل الذمة إذا استغنى عنهم وجواز البناء بالأهل بالسفر والأكل من طعام أهل الكتاب وقبول هديتهم وقد ذكرت غالب هذه الأحكام في أبوابها والله الهادي للصواب

قوله غزوة زيد بن حارثة بالمهملة والمثلثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ووالد أسامة بن زيد ذكر فيه حديث بن عمر في بعث أسامة وسيأتي شرحه في أواخر المغازي والغرض منه قوله فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله وسيأتي قريبا بعد غزوة مؤتة حديث أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وغزوت مع بن حارثة استعمله علينا هكذا ذكره مبهما ورواه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم بلفظ وغزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا وكذلك أخرجه الطبراني عن أبي مسلم بهذا اللفظ وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي شعيب الحراني عن أبي عاصم كذلك وكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن أبي عاصم وقد تتبعت ما ذكره أهل المغازي من سرايا زيد بن حارثة فبلغت سبعا كما قاله سلمة وإن كان بعضهم ذكر ما لم يذكره بعض فأولها في جمادى الأخيرة سنة خمس قبل نجد في مائة راكب والثانية في ربيع الآخر سنة ست إلى بني سليم والثالثة في جمادى الأولى منها في مائة وسبعين فتلقى عيرا لقريش وأسروا أبا العاص بن الربيع والرابعة في جمادى الآخرة منها إلى بني ثعلبة والخامسة إلى حسمي بضم المهملة وسكون المهملة مقصور في خمسمائة إلى أناس من بني جذام بطريق الشام كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع من عند هرقل والسادسة إلى وادي القرى والسابعة إلى ناس من بني فزارة وكان خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأوقع بهم وقتل أم قرفة بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم فيقال ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت وأسر بنتها وكانت جميلة ولعل هذه الأخيرة مراد المصنف وقد ذكر مسلم طرفا منها من حديث سلمة بن الأكوع

قوله باب عمرة القضاء كذا للأكثر وللمستملي وحده غزوة القضاء والأول أولى ووجهوا كونها غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن بن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر فبلغهم ذلك ففزعوا فلقيه مكرز فأخبره أنه باق على شرطه وأن لا يدخل مكة بسلاح إلا السيوف في أغمادها وإنما خرج في تلك الهيئة احتياطا فوثق بذلك وأخر النبي صلى الله عليه وسلم السلاح مع طائفة من أصحابه خارج الحرم حتى رجع ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة وقال بن الأثير أدخل البخاري عمرة القضاء في المغازي لكونها كانت مسببة عن غزوة الحديبية انتهى واختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء فقيل المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصلح ولذلك يقال لها عمرة القضية قال أهل اللغة قاضي فلانا عاهده وقاضاه عاوضه فيحتمل تسميتها بذلك لأمرين قاله عياض ويرجح الثاني تسميتها قصاصا قال الله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال السهيلي تسميتها عمرة القصاص أولى لأن هذه الآية نزلت فيها قلت كذا رواه بن جرير وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن مجاهد وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه وقال بن إسحاق بلغنا عن بن عباس فذكره ووصله الحاكم في الإكليل عن بن عباس لكن في إسناده الواقدي وقال السهيلي سميت عمرة القضاء لأنه قاضى فيها قريشا لا لأنها قضاء عن العمرة التي صد عنها لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة ولهذا عدوا عمر النبي صلى الله عليه وسلم أربعا كما تقدم تقريره في كتاب الحج وقال آخرون بل كانت قضاء عن العمرة الأولى وعدت عمرة الحديبية في العمر لثبوت الأجر فيها لا لأنها كملت وهذا الخلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت فقال الجمهور يجب عليه الهدى ولا قضاء عليه وعن أبي حنيفة عكسه وعن أحمد رواية أنه لا يلزمه هدى ولا قضاء وأخرى يلزمه الهدى والقضاء فحجة الجمهور قوله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى وحجة أبي حنيفة أن العمرة تلزم بالشروع فإذا أحصر جاز له تأخيرها فإذا زال الحصر أتى بها ولا يلزم من التحلل بين الأحرامين سقوط القضاء وحجة من أوجبها ما وقع للصحابة فإنهم نحروا الهدى حيث صدوا واعتمروا من قابل وساقوا الهدى وقد روى أبو داود من طريق أبي حاضر قال اعتمرت فأحصرت فنحرت الهدى وتحللت ثم رجعت العام المقبل فقال لي بن عباس ابذل الهدى فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك وحجة من لم يوجبها أن تحللهم بالحصر لم يتوقف على نحر الهدى بل أمر من معه هدى أن ينحره ومن ليس معه هدى أن يحلق واستدل الكل بظاهر أحاديث من أوجبهما قال بن إسحاق خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة مثل الشهر الذي صد فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب وأبو الأسود عن عروة وسليمان التيمي جميعا في مغازيهم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى عمرة القضاء في ذي القعدة وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن بن عمر قال كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع وفي مغازي سليمان التيمي لما رجع من خيبر بث سراياه وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة وقال بن إسحاق خرج معه من كان صد في تلك العمرة إلا من مات أو استشهد وقال الحاكم في الإكليل تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية فخرجوا إلا من استشهد وخرج معه آخرون معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان قال وتسمى أيضا عمرة الصلح قلت فتحصل من أسمائها أربعة القضاء والقضية والقصاص والصلح قوله ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كنت ذكرت في تعليق التعليق أن مراده حديث أنس في عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم موصولا في الحج ثم ظهر لي الآن أن مراده بحديث أنس ما أخرجه عبد الرزاق عنه من وجهين أحدهما روايته عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة ينشد بين يديه خلوا بني الكفار عن سبيله قد أنزل الرحمن في تنزيله بأن خير القتل في سبيله نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله أخرجه أبو يعلى من طريقه وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن عبد الرزاق وما وجدته في مسند أحمد وقد أخرجه الطبراني أيضا عاليا عن إبراهيم بن أبي سويد عن عبد الرزاق ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في الدلائل وأخرجه من طريق أبي الأزهر عن عبد الرزاق فذكر القسم الأول من الرجز وقال بعده اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله يا رب إني مؤمن بقيله قال الدارقطني في الأفراد تفرد به معمر عن الزهري وتفرد به عبد الرزاق عن معمر قلت وقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أيضا لكن لم يذكر أنسا وعنده بعد قوله قد أنزل الرحمن في تنزيله في صحف تتلى على رسوله وذكره بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال بلغني فذكره وزاد بعد قوله يا رب إني مؤمن بقيله إني رأيت الحق في قبوله وزعم بن هشام في مختصر السيرة أن قوله نحن ضربناكم على تأويله إلى آخر الشعر من قول عمار بن ياسر قاله يوم صفين قال ويؤيده أن المشركين لم يقروا بالتنزيل وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل انتهى وإذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك فإن التقدير على رأي بن هشام نحن ضربناكم على تأويله أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل ويجوز أن يكون التقدير نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه وإذا كان كذلك محتملا وثبتت الرواية سقط الاعتراض نعم الرواية التي جاء فيها فاليوم نضربكم على تأويله يظهر أنها قول عمار ويبعد أن تكون قول بن رواحة لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال وصحيح الرواية نحن ضربناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله يشير بكل منهما إلى ما مضى ولا مانع أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول هذه اللفظة ومعنى قوله نحن ضربناكم على تنزيله أي في عهد الرسول فيما مضى وقوله واليوم نضربكم على تأويله أي الآن وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر بل هي لغة قرئ بها في المشهور والله أعلم والرواية الثانية رواية عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أخرجها البزار وقال لم يروه عن ثابت إلا جعفر بن سليمان وأخرجها الترمذي والنسائي من طريقه بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة بين يديه يمشي وهو يقول خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله فقال له عمر يا بن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهو أسرع فيهم من نضح النبل قال الترمذي حديث حسن غريب وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس نحوه قال وفي غير هذا الحديث أن هذه القصة لكعب بن مالك وهو أصح لأن عبد الله بن رواحة قتل بموتة وكانت عمرة القضاء قبل ذلك قلت وهو ذهول شديد وغلط مردود وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة كما سيأتي في هذا الباب وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد كما سيأتي قريبا وكيف يخفى عليه أعني الترمذي مثل هذا ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة فإن كان كذلك اتجه اعتراضه لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي ما تقدم والله أعلم وقد صححه بن حبان من الوجهين وعجيب من الحاكم كيف لم يستدركه مع أن الوجه الأول على شرطهما ومن الوجه الثاني على شرط مسلم لأجل جعفر ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث الأول حديث البراء بن عازب

[ 4005 ] قوله عن البراء في رواية شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء أخرجها في الصلح قوله اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة أي سنة ست قوله أن يدعوه بفتح الدال أي يتركوه قوله حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام أي من العام المقبل وصرح به في حديث بن عمر الذي بعده وتقدم سبب هذه المقاضاة في الكلام على حديث المسور في الشروط مستوفى قوله فلما كتب الكتاب كذا هو بضم الكاف من كتب على البناء للمجهول وللأكثر كتبوا بصيغة الجمع وتقدم في الجزية من طريق يوسف بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق بلفظ فأخذ يكتب بينهم الشرط على بن أبي طالب وفي رواية شعبة كتب علي بينهم كتابا وفي حديث المسور قال فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم ونحوه في حديث أنس باختصار ولفظه ان قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل ما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم وللحاكم من حديث عبد الله بن مغفل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فأمسك سهيل بيده فقال اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال اكتب باسمك اللهم فكتب قوله هذا إشارة إلى ما في الذهن قوله ما قاضى خبر مفسر له وفي رواية الكشميهني هذا ما قاضانا وهو غلط وكأنه لما رأى قوله اكتبوا ظن بأن المراد قريش وليس كذلك بل المراد المسلمون ونسبة ذلك إليهم وإن كان الكاتب واحدا مجازية وفي حديث عبد الله بن مغفل المذكور فكتب هذا ما صالح محمد رسول الله أهل مكة قوله قالوا لا نقر لك بهذا تقدم في الصلح بهذا الإسناد بعينه بلفظ فقالوا لا نقر بها أي بالنبوة قوله لو نعلم انك رسول الله ما منعناك شيئا زاد في رواية يوسف ولبايعناك وعند النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه ما منعناك بيته وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق لو كنت رسول الله لم نقاتلك وفي حديث أنس لاتبعناك وفي حديث المسور فقال سهيل بن عمرو والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك وفي رواية أبي الأسود عن عروة في المغازي فقال سهيل ظلمناك إن أقررنا لك بها ومنعناك وفي حديث عبد الله بن مغفل لقد ظلمناك إن كنت رسولا قوله ولكن أنت محمد بن عبد الله وفي رواية يوسف وكذا حديث المسور ولكن اكتب وكذا هو في رواية زكريا عن أبي إسحاق عند مسلم وفي حديث أنس وكذا في مرسل عروة ولكن اكتب اسمك واسم أبيك زاد في حديث عبد الله بن مغفل فقال اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قوله ثم قال لعلي امح رسول الله أي امح هذه الكلمة المكتوبة من الكتاب فقال لا والله لا أمحوك أبدا وللنسائي من طريق علقمة بن قيس عن علي قال كنت كاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فكتبت هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال سهيل لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه امحها فقلت هو والله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغم أنفك لا والله لا أمحوها وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما فلذلك امتنع من امتثاله ووقع في رواية يوسف بعد فقال لعلي امح رسول الله فقال لا والله لا أمحاه أبدا قال فأرنيه فأراه إياه فمحا النبي صلى الله عليه وسلم بيده ونحوه في رواية زكريا عند مسلم وفي حديث علي عند النسائي وزاد وقال أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطر يشير صلى الله عليه وسلم إلى ما وقع لعلي يوم الحكمين فكان كذلك قوله فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله تقدم هذا الحديث في الصلح عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد وليست فيه هذه اللفظة ليس يحسن يكتب ولهذا أنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري وقال ليس في البخاري هذه اللفظة ولا في مسلم وهو كما قال عن مسلم فإنه أخرجه من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ فأراه مكانها فمحاها وكتب بن عبد الله انتهى وقد عرفت ثبوتها في البخاري في مظنة الحديث وكذلك أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هنا سواء وكذا أخرجها أحمد عن حجين بن المثنى عن إسرائيل ولفظه فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة وأن الذي قاله مخالف القرآن حتى قال قائلهم برئت ممن شرى دنيا بآخرة وقال إن رسول الله قد كتبا فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى وذكر بن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه بن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ قال مجاهد فذكرته للشعبي فقال صدق قد سمعت من يذكر ذلك ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة فقال عيينة أتراني اذهب بصحيفة المتلمس فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال قد كتب لك بما أمر لك قال يونس فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعد ما أنزل عليه قال عياض وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه ضع القلم على اذنك فإنه أذكر لك وقوله لمعاوية ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم وقوله لا تمد بسم الله قال وهذا وان لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شيء وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب فيحمل على أن النكتة في قوله فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب لبيان أن قوله أرني إياها أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة وعلى أن قوله بعد ذلك فكتب فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب وبهذا جزم بن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة وهو كثير كقوله كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصا الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة ولا يخرج بذلك عن كونه أميا وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه بن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة وقال المعاند كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك قال السهيلي والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا والحق أن معنى قوله فكتب أي أمر عليا أن يكتب انتهى وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير والله أعلم قوله لا يدخل هذا تفسير للخبر المتقدم قوله الا السيف في القراب في رواية شعبة فكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثا ولا يدخلها بسلاح ونحوه لزكريا عن أبي إسحاق عند مسلم قوله وأن لا يخرج من أهلها بأحد الخ في حديث أنس قال علي قلت يا رسول الله أكتب هذا قال نعم قوله فلما دخلها أي في العام المقبل قوله ومضى الأجل أي الأيام الثلاثة وقال الكرماني لما مضى أي قرب مضية ويتعين الحمل عليه لئلا يلزم الخلف قوله أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل في رواية يوسف فقالوا مر صاحبك فليرتحل قوله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في رواية يوسف فذكر ذلك علي فقال نعم فارتحل وفي مغازي أبي الأسود عن عروة فلما كان اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي فقالا ننشدك الله والعهد إلا ما خرجت من أرضنا فرد عليه سعد بن عبادة فأسكته النبي صلى الله عليه وسلم وآذن بالرحيل وأخرج الحاكم في المستدرك من حديث ميمونة في هذه القصة فأتاه حويطب بن عبد العزي وكأنه كان دخل في أوائل النهار فلم يكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق وكان مجيئهم في أول النهار قرب مجيء ذلك الوقت قوله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة هكذا رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى معطوفا على إسناد القصة التي قبله وكذا أخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى وكذا رواه الحاكم في الإكليل والبيهقي من طريق سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى بتمامه وادعى البيهقي أن فيه إدراجا لأن زكريا بن أبي زائدة رواه عن أبي إسحاق متصلا وأخرج مسلم والإسماعيلي القصة الأولى من طريقه عن أبي إسحاق من حديث علي وهكذا رواه أسود بن عامر عن إسرائيل أخرجه أحمد من طريقه لكن باختصار في الموضعين قال البيهقي وكذا روى عبيد الله بن موسى أيضا قصة بنت حمزة من حديث علي قلت هو كذلك عند بن حبان عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى لكن باختصار وكذا رواه الهيثم بن كليب في مسنده عن الحسن بن علي بن عفان عن عبيد الله بن موسى بأتم من سياق بن حبان وأخرج أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل قصة بنت حمزة خاصة من حديث علي بلفظ لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة الحديث وكذا أخرجها أحمد عن حجاج بن محمد ويحيى بن آدم جميعا عن إسرائيل قلت والذي يظهر لي أن لا إدراج فيه وأن الحديث كان عند إسرائيل وكذا عند عبيد الله بن موسى عنه بالإسنادين جميعا لكنه في القصة الأولى من حديث البراء أتم وبالقصة الثانية من حديث على أتم وبيان ذلك أن عند البيهقي في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة أيام في عمرة القضاء فلما كان اليوم الثالث قالوا لعلي إن هذا آخر يوم من شرط صاحبك فمره فليخرج فحدثه بذلك فقال نعم فخرج قال أبو إسحاق فحدثني هانيء بن هانيء وهبيرة فذكر حديث علي في قصة بنت حمزة أتم مما وقع في حديث هذا الباب عن البراء وسيأتي إيضاح ذلك عند شرحه إن شاء الله تعالى وكذا أخرج الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى قصة بنت حمزة من حديث البراء فوضح أنه عند عبيد الله بن موسى ثم عند أبي بكر بن أبي شيبة عنه بالإسنادين جميعا وكذا أخرج بن سعد عن عبيد الله بن موسى بالإسنادين معا عنه قوله لجعفر أشبهت خلقي وخلقي قوله ابنة حمزة اسمها عمارة وقيل فاطمة وقيل أمامة وقيل أمة الله وقيل سلمى والأول هو المشهور وذكر الحاكم في الإكليل وأبو سعيد في شرف المصطفى من حديث بن عباس بسند ضعيف ان النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين حمزة وزيد بن حارثة وأن عمارة بنت حمزة كانت مع أمها بمكة قوله تنادي يا عم كأنها خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إجلالا له وإلا فهو بن عمها أو بالنسبة إلى كون حمزة وإن كان عمه من النسب فهو أخوه من الرضاعة وقد أقرها على ذلك بقوله لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دونك ابنة عمك وفي ديوان حسان بن ثابت لأبي سعيد السكري أن عليا هو الذي قال لفاطمة ولفظه فأخذ على أمامة فدفعها إلى فاطمة وذكر أن مخاصمة علي وجعفر وزيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد أن وصلوا إلى مر الظهران قوله دونك هي كلمة من أسماء الأفعال تدل على الأمر بأخذ الشيء المشار اليه قوله حملتها كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي وكأن الفاء سقطت قلت وقد ثبتت في رواية النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري وكذا لأبي داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل وكذا لأحمد في حديث علي ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني حمليها بتشديد الميم المكسورة وبالتحتانية بصيغة الأمر وللكشميهني في الصلح في هذا الموضع احمليها بألف بدل التشديد وعند الحاكم من مرسل الحسن فقال علي لفاطمة وهي في هودجها أمسكيها عندك وعند بن سعد من مرسل محمد بن علي بن الحسين الباقر بإسناد صحيح اليه بينما بنت حمزة تطوف في الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها قوله فاختصم فيها علي بن أبي طالب وجعفر أي أخوه وزيد بن حارثة أي في أيهم تكون عنده وكانت خصومتهم في ذلك بعد أن قدموا المدينة ثبت ذلك في حديث علي عند أحمد والحاكم وفي المغازي لأبي الأسود عن عروة في هذه القصة فلما دنوا من المدينة كلمه فيها زيد بن حارثة وكان وصي حمزة وأخاه وهذا لا ينفي أن المخاصمة إنما وقعت بالمدينة فلعل زيدا سأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ووقعت المنازعة بعد ووقع في مغازي سليمان التيمي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى رحله وجد بنت حمزة فقال لها ما أخرجك قالت رجل من أهلك ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها وفي حديث علي عند أبي داود ان زيد بن حارثة أخرجها من مكة وفي حديث بن عباس المذكور فقال له علي كيف تترك ابنة عمك مقيمة بين ظهراني المشركين وهذا يشعر بأن أمها إما لم تكن أسلمت فإن في حديث بن عباس المذكور أنها سلمى بنت عميس وهي معدودة في الصحابة وإما أن تكون ماتت إن لم يثبت حديث بن عباس وإنما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على أخذها مع اشتراط المشركين أن لا يخرج بأحد من أهلها أراد الخروج لأنهم لم يطلبوها وأيضا فقد تقدم في الشروط ويأتي في التفسير أن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك لكن إنما نزل القرآن في ذلك بعد رجوعهم إلى المدينة ووقع في رواية أبي سعيد السكري أن فاطمة قالت لعلي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى أن لا يصيب منهم أحدا إلا رده عليهم فقال لها علي إنها ليست منهم إنما هي منا قوله فاختصم فيها علي الخ زاد في رواية بن سعد حتى ارتفعت أصواتهم فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه قوله فقال علي أنا أخرجتها وهي بنت عمي زاد في حديث علي عند أبي داود وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحق بها قوله وخالتها تحتي أي زوجتي وفي رواية الحاكم عندي واسم خالتها أسماء بنت عميس التي تقدم ذكرها في غزوة خيبر وصرح باسمها في حديث علي عند أحمد وكان لكل من هؤلاء الثلاثة فيها شبهة أما زيد فللأخوة التي ذكرتها ولكونه بدأ بإخراجها من مكة وأما علي فلأنه بن عمها وحملها مع زوجته وأما جعفر فلكونه بن عمها وخالتها عنده فيترجح جانب جعفر باجتماع قرابة الرجل والمرأة منها دون الآخرين قوله وقال زيد بنت أخي زاد في حديث علي إنما خرجت إليها قوله فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها في حديث بن عباس المذكور فقال النبي صلى الله عليه وسلم جعفر أولى بها وفي حديث علي عند أبي داود وأحمد أما الجارية فلا قضى بها لجعفر وفي رواية أبي سعيد السكري إدفعاها إلى جعفر فإنه أوسع منكم وهذا سبب ثالث قوله وقال الخالة بمنزلة الأم أي في هذا الحكم الخاص لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد لما دل عليه السياق فلا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث لأن الأم ترث وفي حديث علي وفي مرسل الباقر الخالة والدة وإنما الخالة أم وهي بمعنى قوله بمنزلة الأم لا أنها أم حقيقة ويؤخذ منه أن الخالة في الحضانة مقدمة على العمة لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة على غيرها ويؤخذ منه تقديم أقارب الأم على أقارب الأب وعن أحمد رواية أن العمة مقدمة في الحضانة على الخالة وأجيب عن هذه القصة بأن العمة لم تطلب فإن قيل والخالة لم تطلب قيل قد طلب لها زوجها فكما أن للقريب المحضون أن يمنع الحاضنة إذا تزوجت فللزوج أيضا أن يمنعها من أخذه فإذا وقع الرضا سقط الحرج وفيه من الفوائد أيضا تعظيم صلة الرحم بحيث تقع المخاصمة بين الكبار في التوصل إليها وأن الحاكم يبين دليل الحكم للخصم وأن الخصم يدلي بحجته وأن الحاضنة إذا تزوجت بقريب المحضونة لا تسقط حضانتها إذا كانت المحضونة أنثى أخذا بظاهر هذا الحديث قاله أحمد وعنه لا فرق بين الأنثى والذكر ولا يشترط كونه محرما لكن يشترط أن يكون فيه مأمونا وأن الصغيرة لا تشتهى ولا تسقط إلا إذا تزوجت بأجنبي والمعروف عن الشافعية والمالكية اشتراط كون الزوج جدا للمحضون وأجابوا عن هذه القصة بأن العمة لم تطلب وأن الزوج رضي بإقامتهما عنده وكل من طلبت حضانتها لها كانت متزوجة فرجح جانب جعفر بكونه تزوج الخالة قوله وقال لعلي أنت مني وأنا منك أي في النسب والصهر والمسابقة والمحبة وغير ذلك من المزايا ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها قوله وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي بفتح الخاء الأولى وضم الثانية في مرسل بن سيرين عند بن سعد أشبه خلقك خلقي وخلقك خلقي وهي منقبة عظيمة لجعفر أما الخلق فالمراد به الصورة فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت أسماءهم في مناقب الحسن وأنهم عشرة أنفس غير فاطمة عليها السلام وقد كنت نظمت إذ ذاك بيتين في ذلك ووقفت بعد ذلك في حديث أنس على أن إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشبهه وكذا في قصة جعفر بن أبي طالب أن ولديه عبد الله وعونا كانا يشبهانه فغيرت البيتين الأولين بالزيادة فأصلحتهما هناك ورأيت إعادتهما هنا ليكتبهما من لم يكن كتبهما إذ ذاك شبه النبي ليج سائب وأبي سفيان والحسنين الخال أمهما وجعفر ولداه وابن عامرهم ومسلم كابس يتلوه مع قثما ووقع في تراجم الرجال وأهل البيت ممن كان يشبهه صلى الله عليه وسلم من غير هؤلاء عدة منهم إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي وكان يقال له الشبيه والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب وعلي بن علي بن عباد بن رفاعة الرفاعي شيخ بصري من أتباع التابعين ذكر بن سعد عن عفان قال كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما لم أدخل هؤلاء في النظم لبعد عهدهم عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم فاقتصرت على من أدركه والله أعلم وأما شبهه في الخلق فخصوصية لجعفر إلا أن يقال إن مثل ذلك حصل لفاطمة عليها السلام فإن في حديث عائشة ما يقتضى ذلك ولكن ليس بصريح كما في قصة جعفر هذه وهي منقبة عظيمة لجعفر قال الله تعالى وإنك لعلي خلق عظيم قوله وقال لزيد أنت أخونا أي في الإيمان ومولانا أي من جهة أنه أعتقه وقد تقدم أن مولى القوم منهم فوقع منه صلى الله عليه وسلم تطييب خواطر الجميع وإن كان قضى لجعفر فقد بين وجه ذلك وحاصله أن المقضى له في الحقيقة الخالة وجعفر تبع لها لأنه كان القائم في الطلب لها وفي حديث علي عند أحمد وكذا في مرسل الباقر فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا قال شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم وفي حديث بن عباس ان النجاشي كان إذا رضي أحدا من أصحابه قام فحجل حوله وحجل بفتح المهملة وكسر الجيم أي وقف على رجل واحدة وهو الرقص بهيئة مخصوصة وفي حديث علي المذكور أن الثلاثة فعلوا ذلك قوله قال علي أي للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تتزوج بنت حمزة قال إنها بنت أخي أي من الرضاعة هو موصول بالإسناد المذكور أولا ووقع في رواية النسائي فقال علي الخ ووقع في رواية أبي سعيد السكري فدفعناها إلى جعفر فلم تزل عنده حتى قتل فأوصى بها جعفر إلى علي فمكثت عنده حتى بلغت فعرضها علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فقال هي ابنة أخي من الرضاعة وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالرضاعة في أوائل النكاح إن شاء الله تعالى الحديث الثاني

[ 4006 ] قوله حدثني محمد هو بن رافع هذا البعض رواه الفربري ووقع في رواية النسفي عن البخاري حدثني محمد بن رافع وكذا تقدم في الصلح مجزوما به في هذا الحديث لجميعهم وساقه هناك على لفظه وهنا على لفظ رفيقه وسريح هو بن النعمان وهو من شيوخ البخاري وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا قوله وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم يعني المعروف بابن إشكاب يكنى أبا جعفر وأبوه الحسين بن إبراهيم بن الحسن العامري يكنى أبا علي خراساني سكن بغداد وطلب الحديث ولزم أبا يوسف وقد أدركه البخاري فإنه مات سنة ست عشرة ومائتين وليس له ولا لأبيه في البخاري سوى هذا الموضع قوله بالحديبية تقدم بيان ذلك في حديث المسور في الشروط قوله إلا سيوفا يعني في غمدها كما تقدم في الذي قبله قوله ولا يقيم بها إلا ما أحبوا بين في حديث البراء أنهم اتفقوا على ثلاثة أيام وقال بن التين قوله ثلاثة أيام يخالف قوله إلا ما أحبوا فيجمع بأن محبتهم لما كانت ثلاثة أيام أفصح بها الراوي معبرا عما آل اليه الحال وهو ثلاثة أيام قلت بل قوله ما احبوا مجمل بينته رواية ثلاثة أيام بدليل ما سأذكره من حديث البراء قوله فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج تقدم بيان ذلك في حديث البراء ووقع في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء عند مسلم فقالوا لعلي هذا آخر يوم من شرط صاحبك فمره أن يخرج فذكر ذلك له فخرج

الحديث الثالث حديث بن عمر في العمرة وفيه قصته مع عائشة وإنكارها عليه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وقد تقدم شرحه في أبواب العمرة وقوله

[ 4007 ] فيه ألا تسمعين في رواية الكشميهني ونقل الكرماني رواية ألا تسمعي بغير نون وهي لغية الحديث الرابع

[ 4008 ] قوله عن إسماعيل بن أبي خالد في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قوله سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي خشية أن يؤذوه كذا قاله علي بن عبد الله عن سفيان بهذا اللفظ وقاله بن أبي عمر عن سفيان بلفظ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت في عمرة القضية فكنا نستره من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوه أخرجه الإسماعيلي وأخرجه من رواية إسحاق بن أبي إسرائيل عن سفيان بلفظ وكنا نستره من صبيان أهل مكة لا يؤذونه أخرجه الحميدي كذلك وتقدم في أبواب العمرة من وجه آخر عن عبد الله بن أبي أوفى بأتم من هذا السياق قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمرنا معه فلما دخل مكة طاف فطفنا معه وأتى الصفا والمروة وأتيناهما معه أي سعوا قال وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد الحديث الخامس حديث بن عباس تقدم بهذا السند والمتن في أبواب الطواف من كتاب الحج في باب بدء الرمل وشرحت بعض ألفاظه وحكم الرمل هناك

[ 4009 ] قوله وفد أي قوم وزنا ومعنى ووقع في رواية بن السكن وقد بفتح القاف وسكون الدال وهو خطأ قوله وهنتهم بتخفيف الهاء وتشديدها أي أضعفتهم ويثرب اسم المدينة النبوية في الجاهلية ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك وإنما ذكر بن عباس ذلك حكاية لكلام المشركين وفي رواية الإسماعيلي فأطلعه الله على ما قالوا قوله إلا الابقاء عليهم بكسر الهمزة وسكون الموحدة بعدها القاف والمد أي الرفق بهم والاشفاق عليهم والمعنى لم يمنعه من أمرهم بالرمل في جميع الطوفات إلا الرفق بهم قال القرطبي روينا قوله إلا الإبقاء عليهم بالرفع على أنه فاعل يمنعه وبالنصب على أن يكون مفعولا من أجله ويكون في يمنعه ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فاعله قوله وأن يمشوا بين الركنين أي اليمانيين وعند أبي داود من وجه آخر وكانوا إذا تواروا عن قريش بين الركنين مشوا وإذا طلعوا عليهم رملوا وسيأتي في الذي بعده أن المشركين كانوا من قبل قيقعان وهو يشرف على الركنين الشاميين ومن كان به لا يرى من بين الركنين اليمانيين ولمسلم من هذا الوجه في آخره فقال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم لهؤلاء أجلد من كذا الحديث السادس حديث بن عباس أيضا قوله حدثنا محمد هو بن سلام وعمرو هو بن دينار قوله إنما سعى بالبيت أي رمل قوله ليرى المشركون قوته تقدم سببه في الذي قبله قوله وزاد بن سلمة كذا وقع هنا ووقع عند النسفي عقب الذي قبله وهو به أليق وابن سلمة هو حماد وقد شارك حماد بن زيد في روايته له عن أيوب وزاد عليه تعيين مكان المشركين وهو قيقعان وطريق حماد بن سلمة هذه وصلها الإسماعيلي نحوه وزاد في آخره فلما رملوا قال المشركون ما وهنتهم ووقع في بعض النسخ وزاد بن مسلمة بزيادة ميم في أوله وهو غلط الحديث السابع حديث بن عباس أيضا

[ 4011 ] قوله تزوج ميمونة وهو محرم سيأتي البحث فيه في كتاب النكاح قوله وزاد بن إسحاق الخ هو موصول في السيرة وزاد في آخره وكان الذي زوجها منه العباس بن عبد المطلب ولابن حبان والطبراني من طريق إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق بلفظ تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك يعني عمرة القضاء وهو حرام وكان الذي زوجه إياها العباس ونحوه للنسائي من وجه آخر عن بن عباس وفي مغازي أبي الأسود عن عروة بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة ليخطبها له فجعلت أمرها إلى العباس وكانت أختها أم الفضل تحته فزوجه إياها فبنى بها بسرف وقدر الله أنها ماتت بعد ذلك بسرف وكانت قبله صلى الله عليه وسلم تحت أبي رهم بن عبد العزي وقيل تحت أخيه حويطب وقيل سخبرة بن أبي رهم وأمها هند بنت عوف الهلالية

قوله باب غزوة مؤتة بضم الميم وسكون الواو بغير همز لأكثر الرواة وبه جزم المبرد ومنهم من همزها وبه جزم ثعلب والجوهري وابن فارس وحكى صاحب الواعي الوجهين وأما المؤتة التي ورد الاستعاذة منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز قوله من أرض الشام قال بن إسحاق هي بالقرب من البلقاء وقال غيره هي على مرحلتين من بيت المقدس ويقال أن السبب فيها أن شرحبيل بن عمرو الغساني وهو من أمراء قيصر على الشام قتل رسولا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب بصرى واسم الرسول الحارث بن عمير فجهز إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا في ثلاثة آلاف وفي مغازي أبي الأسود عن عروة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان وكذا قال بن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك إلا ما ذكر خليفة في تاريخه أنها كانت سنة سبع ثم ذكر المصنف فيه ستة أحاديث الحديث الأول حديث بن عمر

[ 4012 ] قوله حدثنا أحمد هو بن صالح بينه أبو علي بن شبويه عن الفربري وبه جزم أبو نعيم قوله عن عمرو هو بن الحارث وابن أبي هلال هو سعيد قوله قال وأخبرني نافع هو معطوف على شيء محذوف ويؤيد ذلك قوله أنه وقف على جعفر يومئذ ولم يتقدم لغزوة مؤتة إشارة ولم أر من نبه على ذلك من الشراح وقد تتبعت ذلك حتى فتح الله بمعرفة المراد فوجدت في أول باب جامع الشهادتين من السنن لسعيد بن منصور قال حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمر بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن بن رواحة فذكر شعرا له قال فلما التقوا أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل ثم أخذها بن رواحة فحاد حيدة فقال أقسمت يا نفس لتنزلنه كارهة أو لتطاوعنه مالي أراك تكرهين الجنة ثم نزل فقاتل حتى قتل فأخذ خالد بن الوليد الراية ورجع بالمسلمين على حمية ورمى واقد بن عبد الله التيمي المشركين حتى ردهم الله قال بن أبي هلال وأخبرني نافع فذكر ما أخرجه البخاري وزاد في آخره قال سعيد بن أبي هلال وبلغني أنهم دفنوا يومئذ زيدا وجعفرا وابن رواحة في حفرة واحدة قوله ليس منها كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني ليس فيها

[ 4013 ] قوله أخبرنا أحمد بن أبي بكر هو أبو مصعب الزهري ومغيرة بن عبد الرحمن هو المخزومي بينه أبو علي عن مصعب الزبيري وفي طبقته مغيرة بن عبد الرحمن الخزامي وهو أوثق من المخزومي وليس للمخزومي في البخاري سوى هذا الحديث وهو بطريق المتابعة عنده وكان المخزومي فقيه أهل المدينة بعد مالك وهو صدوق قوله عن عبد الله بن سعيد في رواية مصعب عبد الله بن سعيد بن أبي هند وهو مدني ثقة قوله ان قتل زيد فجعفر زاد موسى بن إسحاق في المغازي عن بن شهاب فجعفر بن أبي طالب أميرهم وفي حديث عبد الله بن جعفر عند أحمد والنسائي بإسناد صحيح إن قتل زيد فأميركم جعفر وروى أحمد والنسائي وصححه بن حبان من حديث أبي قتادة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء وقال عليكم زيد بن حارثة فإن أصيب زيد فجعفر فذكر الحديث وفيه فوثب جعفر فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما كنت أرهب أن تستعمل على زيدا قال امض فإنك لا تدري أي ذلك خير قوله قال عبد الله أي بن عمر وهو موصول بالإسناد المذكور قوله كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب أي بعد أن قتل كذا اختصره وفي حديث عبد الله بن جعفر المذكور فلقوا العدو فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل ثم أخذها جعفر ونحوه في مرسل عروة عند بن إسحاق وذكر بن إسحاق بإسناد حسن وهو عند أبي داود من طريقه عن رجل من بني مرة قال والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقر لها ثم تقدم فقاتل حتى قتل قال بن إسحاق وحدثني محمد بن جعفر عن عروة قال ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فالتوى بها بعض الالتواء ثم تقدم على فرسه ثم نزل فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم الأنصاري فقال اصطلحوا على رجل فقالوا أنت لها قال لا فاصطلحوا على خالد بن الوليد وروى الطبراني من حديث أبي اليسر الأنصاري قال أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة فدفعها إلى خالد بن الوليد وقال له أنت أعلم بالقتال مني قوله في الرواية الأولى فعددت به خمسين بين طعنة وضربة روى سعيد بن منصور عن أبي معشر عن نافع مثله وقال بن سعد عن أبي نعيم عن أبي معشر تسعين وفي الرواية الثانية ووجدنا في جسده بضعة وتسعين من طعنة ورمية وكذا أخرجه بن سعد من طريق العمري عن نافع بلفظ بضع وتسعون وظاهرهما التخالف ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم أو بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمى السهام فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى أو الخمسين مقيدة بكونها ليس فيها شيء في دبره أي في ظهره فقد يكون الباقي في بقية جسده ولا يستلزم ذلك أنه ولى دبره وهو محمول على أن الرمي إنما جاء من جهة قفاه أو جانبيه ولكن يؤيد الأول أن في رواية العمري عن نافع فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده بعد أن ذكر العدد بضع وتسعون ووقع في رواية البيهقي في الدلائل بضعا وتسعين أو بضعا وسبعين وأشار إلى أن بضعا وتسعين اثبت وأخرجه الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف عن البخاري بلفظ بضعا وتسعين أو بضعا وسبعين بالشك لم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري وفي قوله ليس شيء منها في دبره بيان فرط شجاعته وإقدامه

الحديث الثاني حديث أنس

[ 4014 ] قوله حدثنا أحمد بن واقد هو أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني قوله نعى زيدا أي أخبرهم بقتله وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلى بن أمية قدم بخبر أهل موتة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك قال فأخبرني فأخبره خبرهم فقال والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره وعند الطبراني من حديث أبي اليسر الأنصاري أن أبا عامر الأشعري هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمصابهم قوله ثم أخذ جعفر فأصيب كذا هنا بحذف المفعول والمراد الراية ووقع في علامات النبوة عند أبي ذر بهذا الإسناد بلفظ ثم أخذها قوله وعيناه تذرفان بذال معجمة وراء مكسورة أي تدفعان الدموع قوله حتى أخذها سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم في حديث أبي قتادة ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء وهو أمير نفسه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انه سيف من سيوفك فأنت تنصره فمن يومئذ سمى سيف الله وفي حديث عبد الله بن جعفر ثم أخذها سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليهم وتقدم حديث الباب في الجهاد من وجه آخر عن أيوب فأخذها خالد بن الوليد من غير إمرة والمراد نفي كونه كان منصوصا عليه وإلا فقد ثبت أنهم اتفقوا عليه وزاد فيه وما يسرهم أنهم عندنا أي لما رأوا من فضل الشهادة وزاد في حديث عبد الله بن جعفر ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ثم أتاهم فقال لا تبكوا على أخي بعد اليوم ثم قال ائتوني ببني أخي فجىء بنا كأننا أفراخ فدعا الحلاق فحلق رؤوسنا ثم قال أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي ثم دعا لهم وفي الحديث جواز الإعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه وقد تقدم تقرير ذلك في الجنائز وفيه جواز تعليق الإمارة بشرط وتولية عدة أمراء بالترتيب وقد اختلف هل تنعقد الولاية الثانية في الحال أو لا والذي يظهر أنها في الحال تنعقد ولكن بشرط الترتيب وقيل تنعقد لواحد لا بعينه وتتعين لمن عينها الإمام على الترتيب وقيل تنعقد للأول فقط وأما الثاني فبطريق الاختيار واختيار الإمام مقدم على غيره لأنه أعرف بالمصلحة العامة وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير قال الطحاوي هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد ولمن ذكر من الصحابة واختلف أهل النقل في المراد بقوله حتى فتح الله عليه هل كان هناك قتال فيه هزيمة للمشركين أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتى رجعوا سالمين ففي رواية بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة فحاش خالد الناس ودافع وانحاز وانحيز عنه ثم انصرف بالناس وهذا يدل على الأول ويؤيده ما تقدم من بلاغ سعيد بن أبي هلال في الحديث الأول وذكر بن سعد عن أبي عامر ان المسلمين انهزموا لما قتل عبد الله بن رواحة حتى لم أر اثنين جميعا ثم اجتمعوا على خالد وعن الواقدي من طريق عبد الله بن الحارث بن فضيل عن أبيه قال لما أصبح خالد بن الوليد جعل مقدمته ساقة وميمنته ميسرة فأنكر العدو حالهم وقالوا جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين وعنده من حديث جابر قال أصيب بموتة ناس من المشركين وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين وفي مغازي أبي الأسود عن عروة فحمل خالد على الروم فهزمهم وهذا يدل على الثاني أو يمكن الجمع بأن يكونوا هزموا جانبا من المشركين وخشى خالد أن يتكاثر الكفار عليهم فقد قيل إنهم كانوا أكثر من مائة ألف فانحاز بهم حتى رجع بهم إلى المدينة وهذا السند وإن كان ضعيفا من جهة الانقطاع والآخر من جهة بن لهيعة الراوي عن أبي الأسود وكذلك الواقدي فقد وقع في المغازي لموسى بن عقبة وهي أصح المغازي كما تقدم ما نصه ثم أخذه يعني اللواء عبد الله بن رواحة فقتل ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد فهزم الله العدو وأظهر المسلمين قال العماد بن كثير يمكن الجمع بأن خالدا لما حاز المسلمين وبات ثم أصبح وقد غير هيئة العسكر كما تقدم وتوهم العدو أنهم قد جاء لهم مدد حمل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى ثم وجدت في مغازي بن عائذ بسند منقطع أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا حتى انحاز الفريقان عن غير هزيمة وقفل المسلمون فمروا على طريقهم بقرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا من المسلمين رجلا فحاصروهم حتى فتح الله عليهم عنوة وقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم فسمى ذلك المكان نقيع الدم الى اليوم الحديث الثالث حديث عائشة قوله حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي ويحيى بن سعيد هو الأنصاري قوله لما جاء قتل بن رواحة يحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان القاصد الذي حضر من عند الجيش ويحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان جبريل كما يدل عليه حديث أنس الذي قبله

[ 4015 ] قوله جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد البيهقي من طريق المقدمي عن عبد الوهاب في المسجد قوله يعرف فيه الحزن أي لما جعل الله فيه من الرحمة ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء ويؤخذ منه أن ظهور الحزن على الإنسان إذا أصيب بمصيبة لا يخرجه عن كونه صابرا راضيا إذا كان قلبه مطمئنا بل قد يقال إن من كان ينزعج بالمصيبة ويعالج نفسه على الرضا والصبر أرفع رتبة ممن لا يبالي بوقوع المصيبة أصلا أشار إلى ذلك الطبري وأطال في تقريره قوله وأنا أطلع من صائر الباب تعني من شق الباب ووقع في رواية القابسي من صائر الباب بشق الباب وللنسفي شق بغير موحدة والأول أصوب هنا وشق بالكسر وبالفتح أيضا يقال بالفتح هو الموضع الذي ينظر منه كالكوة وبالكسر الناحية وهذه الرواية تدل على أن في الرواية التي تقدمت في الجنائز بلفظ من صائر الباب شق الباب إدراجا وأنه تفسير من بعض رواته وذكر بن التين وغيره أن الذي وقع في الحديث بلفظ صائر تغيير والصواب صير بكسر المهملة وتحتانية ساكنة ثم راء قال الجوهري الصير شق الباب وفي الحديث من نظر من صير باب ففقئت عينه فهي هدر قال أبو عبيد لم أسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث قوله فأتاه رجل لم أقف على اسمه قوله ان نساء جعفر يحتمل أن يريد زوجاته ويحتمل أن يريد من ينسب اليه من النساء في الجملة وهذا الثاني هو المعتمد لأنا لا نعرف لجعفر زوجة غير أسماء بنت عميس قوله فذكر بكاءهن في رواية الكشميهني وذكر بواو قوله فأمره أن يأتيهن كذا رأيت في أصل أبي ذر فإن كان مضبوطا ففيه حذف تقديره فنهاهن وأظنه محرفا فان الذي في سائر الروايات فأمره أن ينهاهن وهو الوجه وكذا وقع في الجنائز قوله وذكر أنه لم يطعنه في رواية الكشميهني وذكر أنهن وهو أوجه قوله لقد غلبننا أي في عدم الامتثال لقوله وذلك إما لأنه لم يصرح لهن بنهي الشارع عن ذلك فحملن أمره على أنه يحتسب عليهن من قبل نفسه أو حملن الأمر على التنزيه فتمادين على ما هن فيه أو لأنهن لشدة المصيبة لم يقدرن على ترك البكاء والذي يظهر أن النهي إنما وقع عن قدر زائد على محض البكاء كالنوح ونحو ذلك فلذلك أمر الرجل بتكرار النهي واستبعده بعضهم من جهة أن الصحابيات لا يتمادين بعد تكرار النهي على أمر محرم ولعلهن تركن النوح ولم يتركن البكاء وكان غرض الرجل حسم المادة ولم يطعنه لكن قوله فاحث في أفواههن من التراب يدل على أنهن تمادين على الأمر الممنوع ويجوز في الثاء المثلثة من قوله فاحث الضم والكسر لأنه يقال حتى يحثو ويحثى قوله من العناء بفتح العين المهملة وبالنون والمد هو التعب ووقع في رواية العذري عند مسلم من الغي بغين معجمة وتحتانية ثقيلة وللطبراني مثله لكن بعين مهملة ومراد عائشة أن الرجل لا يقدر على ذلك فإذا كان لا يقدر فقد أتعب نفسه ومن يخاطبه في شيء لا يقدر على إزالته ولعل الرجل لم يفهم من الأمر المحتم وقال القرطبي لم يكن الأمر للرجل بذلك على حقيقته لكن تقديره إن أمكنك فإن ذلك يسكنهن إن فعلته وأمكنك وإلا فالملاطفة أولى وفي الحديث جواز معاقبة من نهى عن منكر فتمادى عليه بما يليق به وقال النووي معنى كلام عائشة أنك قاصر عن القيام بما أمرت به من الإنكار فينبغي أن تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك ليرسل غيرك وتستريح أنت من العناء ووقع عند بن إسحاق من وجه آخر صحيح عن عائشة في آخره قالت عائشة وعرفت أنه لا يقدر أن يحثى في أفواههن التراب قالت وربما ضر التكلف أهله وفي حديث عائشة من الفوائد بيان ما هو الأولى بالمصاب من الهيئات ومشروعية الانتصاب للعزاء على هيئته وملازمة الوقار والتثبت وفيه جواز نظر من شأنه الاحتجاب من شق الباب وأما عكسه فممنوع وفيه إطلاق الدعاء بلفظ لا يقصد الداعي إيقاعه بالمدعو به لأن قول عائشة أرغم الله أنفك أي ألصقه بالتراب ولم ترد حقيقة هذا وإنما جرت عادة العرب بإطلاق هذه اللفظة في موضع الشماتة بمن يقال له ووجه المناسبة في قوله أحث في أفواههن دون أعينهن مع أن الأعين محل البكاء الإشارة إلى أن النهي لم يقع عن مجرد البكاء بل عن قدر زائد عليه من صياح أو نياحة والله أعلم

الحديث الرابع

[ 4016 ] قوله حدثني محمد بن أبي بكر هو المقدمي وعمر بن علي هو عمه وعامر هو الشعبي قوله يا بن ذي الجناحين تقدم شرحه في مناقب جعفر وأنه عوض بذلك عن قطع يديه في تلك الوقعة حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت ثم أخذه بشماله فقطعت ثم احتضنه فقتل وأن النسفي روى عن البخاري أنه يقال لكل ذي ناحيتين جناحان وأنه أشار إلى أن الجناحين في هذه القصة ليسا على ظاهرهما وقال السهيلي قوله جناحان ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي الطير وريشه لان الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها فالمراد بالجناحين صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى واضمم إليك جناحك وقال العلماء في أجنحة الملائكة انها صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعاينة فقد ثبت أن لجبريل ستمائة جناح ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك وإذا لم يثبت خبر في بيان كيفيتها فنؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها انتهى وهذا الذي جزم به في مقام المنع والذي نقله عن العلماء ليس صريحا في الدلالة لما ادعاه ولا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة ما ذكره من المعهود وهو من قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره لأن الصورة باقية وقد روى البيهقي في الدلائل من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من ياقوت وجاء في جناحي جبريل أنهما لؤلؤ أخرجه بن منده في ترجمة ورقة الحديث الخامس

[ 4017 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري وإسماعيل هو بن أبي خالد والإسناد كله كوفيون إلا الصحابي

[ 4018 ] قوله دق في يدي بضم الدال فسره في الرواية الأولى بقوله انقطعت قوله يمانية بتخفيف التحتانية وحكى تشديدها وهذا الحديث يقتضي أن المسلمين قتلوا من المشركين كثيرا وقد روى أحمد وأبو داود من حديث عوف بن مالك ان رجلا من أهل اليمن رافقه في هذه الغزوة فقتل روميا وأخذ سلبه فاستكثره خالد بن الوليد فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على أن ذلك بعد أن قام خالد بن الوليد بالأمر وهو يرجح أن خالدا لم يقتصر على حوز المسلمين والنجاة بهم بل باشر القتال فيمكن الجمع كما تقدم

الحديث السادس قوله عن حصين هو بن عبد الرحمن وعامر هو الشعبي كما في الرواية الثانية

[ 4019 ] قوله أغمي على عبد الله بن رواحة أي بن ثعلب بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار وأحد النقباء بالعقبة وأحد البدريين قوله فجعلت أخته عمرة هي والدة النعمان بن بشير راوي الحديث ووقع في رواية هشيم عند أبي نعيم وفي مرسل أبي عمران الجوني عند بن سعد أنها أمه وهو خطأ فلو كانت أمه تسمى عمرة لجوزت وقوع ذلك لهما ولكن اسم أمه كبشة بنت واقد وهذا الحديث ذكره خلف في مسند النعمان وذكره المزي في مسند عبد الله بن رواحة وهو واضح لأن المتن منقول عنه وينبغي أن يذكر أيضا في مسند عمرة لقوله في الطريق الثانية لم تبك عليه أي عمرة فهو نقل من النعمان ما صنعت أمه ولما قال خاله لكن يصغر النعمان عن إدراك ذلك من خاله فالذي يظهر أنه إنما نقل جميع ذلك عن أمه فيكون الحديث من رواية النعمان عن أمه عن أخيها فيكون ذلك من رواية ثلاثة من الصحابة في نسق قوله واجبلاه وكذا وكذا تعدد عليه في رواية هشيم عن حصين عند أبي نعيم في المستخرج واعضداه وفي مرسل الحسن عند بن سعد واجبلاه واعزاه وفي مرسل أبي عمران الجوني عنده وأظهراه وزاد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عاده فأغمي عليه فقال اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه وإلا فاشفه قال فوجد خفة فقال كان ملك قد رفع مرزبة من حديد يقول آنت كذا فلو قلت نعم لقمعني بها قوله قيل لي آنت كذلك هو استفهام إنكار وفي مرسل الحسن آنت جبلها آنت عزها وزاد أبو نعيم في المستخرج من طريق هشيم في آخرها فنهاها عن البكاء عليه وبها تظهر النكتة في

[ 4020 ] قوله في الرواية الثانية فلما مات لم تبك عليه أي أصلا امتثالا لأمره وبهذه الزيادة وهي قوله فلما مات لم تبك عليه تظهر النكتة في إدخال هذا الحديث في هذا الباب ويظهر أو يتجه الرد على من قال لا مناسبة لدخوله فيه لأن موت عبد الله بن رواحة لم يكن في ذلك المرض والله أعلم

قوله باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف نسبة إلى الحرقة واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة تسمى الحرقة لأنه حرق قوما بالقتل فبالغ في ذلك ذكره بن الكلبي

[ 4021 ] قوله أخبرنا حصين هو بن عبد الرحمن وأبو ظبيان بالمعجمة ثم الموحدة اسمه حصين بن جندب قال النووي أهل اللغة يفتحون الظاء يعني المشالة من ظبيان وأهل الحديث يكسرونها قوله بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرقة ليس في هذا ما يدل على أنه كان أمير الجيش كما هو ظاهر الترجمة وقد ذكر أهل المغازي سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة بتحتانية ساكنة وفاء مفتوحة وهي وراء بطن نخل وذلك في رمضان سنة سبع وقالوا إن أسامة قتل الرجل في هذه السرية فان ثبت أن أسامة كان أمير الجيش فالذي صنعه البخاري هو الصواب لأنه ما أمر إلا بعد قتل أبيه بغزوة موتة وذلك في رجب سنة ثمان وإن لم يثبت أنه كان أميرها رجح ما قال أهل المغازي وسيأتي شرح حديث الباب في كتاب الديات وفيه تسمية الرجل المقتول إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف حديث سلمة بن الأكوع قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث بتسع غزوات مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة بن زيد بن حارثة أما غزوات سلمة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم بيانها في غزوة الحديبية وقد ذكر منها في الطريق الأخيرة من حديث الباب خيبر والحديبية ويوم الحنين ويوم القرد وفي آخره قال يزيد يعني بن أبي عبيد الراوي عنه ونسيت بقيتهم كذا فيه بالميم في ضمير جمع الغزوات والمعروف فيه التأنيث وكذا وقع في رواية النسفي بالميم وضبب عليه ووقع في رواية حكاها الكرماني ولم أقف عليها بعينها وهي أوجه وأما بقية الغزوات التي نسيهن يزيد فهن غزوة الفتح وغزوة الطائف فإنهما وان كانا في سنة غزوة حنين فهما غيرهما وغزوة تبوك وهي آخر الغزوات النبوية فهذه سبع غزوات كما ثبت في أكثر الروايات وان كانت الرواية الأولى وهي رواية حاتم بن إسماعيل بلفظ التسع محفوظة فلعله عد غزوة وادي القرى التي وقعت عقب خيبر وعد أيضا عمرة القضاء غزوة كما تقدم من صنيع البخاري فكمل بها التسعة وأما ما وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق نصر بن علي عن حماد بن مسعدة فذكر هذا الحديث فقال في أوله أحد وخيبر ففيه نظر لأنهم لم يذكروا سلمة فيمن شهد أحدا وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن مسعدة ولم يذكر فيه أحدا والله أعلم وأما المبعوث فسرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة كما ثبت من حديثه عند مسلم وسربته إلى بني كلاب ذكرها بن سعد وبعثه إلى الحج سنة تسع وأما أسامة فأول ما أرسل في السرية التي وقع ذكرها في الباب ثم في سرية إلى أبنى بضم الهمزة وسكون الموحدة ثم نون مقصور وهي من نواحي البلقاء وذلك في صفر فوقفنا مما ذكره على خمس سرايا وبقيت أربع فليستدركها على أهل المغازي فإنهم لم يذكروا غير الذي ذكرته بعد التتبع البالغ ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره ومرة علينا غيرهما وأيضا فإنه لم يذكر في بعض الروايات للبعوث عددا

[ 4022 ] قوله وقال عمر بن حفص أي بن غياث وهو من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة وهذا الحديث قد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي بشر إسماعيل بن عبد الله عن عمر بن حفص به

[ 4023 ] قوله وغزوت مع بن حارثة استعمله علينا كذا أبهمه البخاري عن شيخه أبي عاصم وقد ذكرت ما فيه في باب غزوة زيد بن حارثة ولعل البخاري أبهمه عمدا لمخالفة بقية روايات الباب في تعيين أسامة قوله حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة يقال إن محمد بن عبد الله هذا هو الذهلي نسبة إلى جده وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس وكان أبو داود إذا حدث عنه نسب أباه يحيى إلى جده فارس ولا يذكر خالدا ويقال إن محمد بن عبد الله المذكور هو المخزومي وجزم الكلاباذي والبرقاني بأنه الذهلي والله أعلم

قوله باب غزوة الفتح أي فتح مكة شرفها الله تعالى وسقط لفظ باب من نسخة الصغاني وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغزاهم قال بن إسحاق حدثني الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة أنه كان في الشرط من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فدخلت بنو بكر أي بن عبد مناة بن كنانة في عهد قريش ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بن إسحاق وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية الديلي من بني بكر في بني الديل حتى بيت خزاعة على ماء لهم يقال له الوتير فأصاب منهم رجلا يقال له منبه واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا فانصر هداك الله نصرا أيدا وادع عباد الله يأتوا مددا إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا هم بيتونا بالوتير هجدا وقتلونا ركعا وسجدا وزعموا أن لست أدعو أحدا وهم أذل وأقل عددا قال بن إسحاق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم فكان ذلك ما هاج فتح مكة وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة وهو إسناد حسن موصول ولكن رواه بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا وأخرجه أيضا من رواية أيوب عن عكرمة مرسلا مطولا قال فيه لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وكانت خزاعة في صلحه وبنو بكر في صلح قريش فكان بينهم قتال فأمدتهم قريش بسلاح وطعام فظهروا على خزاعة وقتلوا منهم قال وجاء وفد خزاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى النصر وذكر الشعر وأخرجه عبد الرزاق من طريق مقسم عن بن عباس مطولا وليس فيه الشعر وأخرجه الطبراني من حديث ميمونة بنت الحارث مطولا وفيه أيضا أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلا وهو في متوضئه نصرت نصرت فسألته فقال هذا راجز بني كعب يستصرخني وزعم أن قريشا أعانت عليهم بني بكر قالت فأقمنا ثلاثا ثم صلى الصبح بالناس ثم سمعت الراجز ينشده وعند موسى بن عقبة في هذه القصة قال ويذكرون أن ممن أعانهم من قريش صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهل بن عمرو قوله وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم سقط لفظ به من بعض النسخ أي لعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزوهم وعند بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبيدي عن عروة قال فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك ثم أعطاه امرأة من مزينة وفي مرسل أبي سلمة المذكور عند بن أبي شيبة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة جهزيني ولا تعلمي بذلك أحدا فدخل عليها أبو بكر فأنكر بعض شأنها فقال ما هذا فقالت له فقال والله ما انقضت الهدنة بيننا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر له أنهم أول من غدر ثم أمر بالطرق فحبست فعمى على أهل مكة لا يأتيهم خبر

[ 4025 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة قوله عن عمرو تقدم في الجهاد عن علي عن سفيان سمعت عمرو بن دينار قوله بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد كذا في رواية عبيد الله بن أبي رافع وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كما تقدم في فضل من شهد بدرا بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكره الآخر ولم يذكر بن إسحاق مع علي والزبير أحدا وساق الخبر بالتثنية قال فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها الخ فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعا له قوله فان بها ظعينة معها كتاب في أواخر الجهاد من وجه آخر عن علي وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا وذكر بن إسحاق أن اسمها سارة والواقدي أن اسمها كنود وفي رواية سارة وفي أخرى أم سارة وذكر الواقدي أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك وقيل دينارا واحدا وقيل إنها كانت مولاة العباس قوله فأخرجته من عقاصها قد تقدم في الجهاد وبيان الاختلاف في ذلك ووجه الجمع بين كونه في عقاصها أو في حجزتها قوله يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مرسل عروة تخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا قوله إني كنت امرأ ملصقا في قريش أي حليفا وقد فسره بقوله كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وعند بن إسحاق ليس في القوم من أصل ولا عشيرة وعند أحمد وكنت غربيا قال السهيلي كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى واسم أبي بلتعة عمرو وقيل كان حليفا لقريش قوله يحمون بها قرابتي في رواية بن إسحاق وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه وسيأتي تكملة شرح هذا الحديث في سورة الممتحنة وذكر بعض أهل المغازي وهو في تفسير يحيى بن سلام أن لفظ الكتاب أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام كذا حكاه السهيلي وروى الواقدي بسند له مرسل أن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد

قوله باب غزوة الفتح في رمضان أي كانت في رمضان سنة ثمان من الهجرة وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصيام في الكلام على حديث بن عباس المذكور في هذا الباب وقد تقدم هناك أنهم خرجوا من المدينة لعشر مضين من رمضان وزاد بن إسحاق عن الزهري بهذا الإسناد أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة أبا رهم الغفاري

[ 4026 ] قوله قال وسمعت بن المسيب يقول مثل ذلك قائل ذلك هو الزهري وهو موصول بالإسناد المذكور قوله وعن عبيد الله بن عبد الله هو موصول بالإسناد المذكور وقد تقدم بيان ذلك أيضا في الصيام وبين البيهقي من طريق عاصم بن على عن الليث ما حذفه البخاري منه فأنه ساقه إلى قوله وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك وزاد لا أدري أخرج في شعبان فاستقبله رمضان أو خرج في رمضان بعد ما دخل غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرني فذكر ما ذكره البخاري فحذف البخاري منه التردد المذكور ثم أخرج البيهقي من طريق بن أبي حفصة عن الزهرى بهذا الإسناد قال صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان ثم ساقه من طريق معمر عن الزهرى وبين أن هذا القدر من قول الزهري وأن بن أبي حفصة أدرجه وكذا أخرجه يونس عن الزهري وروى أحمد بإسناد صحيح من طريق قزعة بن يحيى عن أبي سعيد قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان وهذا يدفع التردد الماضي ويعين يوم الخروج وقول الزهري يعين يوم الدخول ويعطى أنه أقام في الطريق أثنى عشر يوما وأما ما قال الواقدي إنه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقوي لمخالفته ما هو أصح منه وفي تعيين هذا التاريخ أقوال أخرى منها عند مسلم لست عشرة ولأحمد لثمانى عشرة وفي أخرى لثنتي عشرة والجمع بين هاتين بحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي والذي في المغازي دخل لتسع عشرة مضت وهو محمول على الاختلاف في أول الشهر ووقع في أخرى بالشك في تسع عشرة أو سبع عشرة وروى يعقوب بن سفيان من رواية بن إسحاق عن جماعة من مشايخه أن الفتح كان في عشر بقين من رمضان فإن ثبت حمل على أن مراده أنه وقع في العشر الأوسط قبل أن يدخل العشر الأخير قوله في الطريق الثانية

[ 4027 ] ومعه عشرة آلاف أي من سائر القبائل وفي مرسل عروة عند بن إسحاق وابن عائذ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وأسلم وغفار ومزينة وجهينة وسليم وكذا وقع في الإكليل و شرف المصطفى ويجمع بينهما بأن العشرة آلاف خرج بها من المدينة ثم تلاحق بها الألفان وسيأتي تفصيل ذلك في مرسل عروة الذي بعد هذا قوله وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة هكذا وقع في رواية معمر وهو وهم والصواب على رأس سبع سنين ونصف وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان ومن أثناء ربيع الأول إلى اثناء رمضان نصف سنة سواء فالتحرير أنها سبع سنين ونصف ويمكن توجيه رواية معمر بأنه بناء على التاريخ بأول السنة من المحرم فإذا دخل من السنة الثانية شهران أو ثلاثة أطلق عليها سنة مجازا من تسمية البعض باسم الكل ويقع ذلك في آخر ربيع الأول ومن ثم إلى رمضان نصف سنة أو يقال كان آخر شعبان تلك السنة آخر سبع سنين ونصف من أول ربيع الأول فلما دخل رمضان دخل سنة أخرى وأول السنة يصدق عليه أنه رأسها فيصح أنه رأس ثمان سنين ونصف أو أن رأس الثمان كان أول ربيع الأول وما بعده نصف سنة قوله يصوم ويصومون تقدم شرحه في كتاب الصيام قوله في رواية خالد هو الحذاء عن عكرمة عن بن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين استشكله الإسماعيلي بأن حنينا كانت بعد الفتح فيحتاج إلى تأمل فأنه ذكر قبل ذلك أنه خرج من المدينة إلى مكة وكذا حكى بن التين عن الداودي أنه قال الصواب أنه خرج إلى مكة أو كانت خيبر فتصحفت قلت وحمله على خيبر مردود فإن الخروج إليها لم يكن في رمضان وتأيله ظاهر فإن المراد بقوله إلى حنين أي التي وقعت عقب الفتح لأنها لما وقعت أثرها أطلق الخروج إليها وقد وقع نظير ذلك في حديث أبي هريرة الآتي قريبا وبهذا جمع المحب الطبري وقال غيره يجوز أن يكون خرج إلى حنين في بقية رمضان قاله بن التين ويعكر عليه أنه خرج من المدينة في عاشر رمضان فقدم مكة وسطه وأقام بها تسعة عشر كما سيأتي قلت وهذا الذي جزم به معترض فإن ابتداء خروجه مختلف فيه كما مضى في آخر الغزوة من حديث بن عباس فيكون الخروج إلى حنين في شوال قوله في هذه الرواية دعا بإناء من لبن أو ماء في رواية طاوس عن بن عباس آخر الباب دعا بإناء من ماء فشرب نهارا الحديث قال الداودي يحتمل أن يكون دعا بهذا مرة وبهذا مرة قلت لا دليل على التعدد فإن الحديث واحد والقصة واحدة وإنما وقع الشك من الراوي فقدم عليه رواية من جزم وأبعد بن التين فقال كانت قصتان إحداهما في الفتح والأخرى في حنين قوله فقال المفطرون للصوم أفطروا كذا لأبي ذر ولغيره للصوام بألف وكلاهما جمع صائم وفي رواية الطبري في تهذيبه فقال المفطرون للصوم أفطروا يا عصاة قوله وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر وصله أحمد بن حنبل عنه وبقيته خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق الحديث قوله وقال حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس كذا وقع في بعض نسخ أبي ذر وللاكثر ليس فيه بن عباس وبه جزم الدارقطني وأبو نعيم في المستخرج وكذلك وصله البيهقي من طريق سليمان بن حرب وهو أحد مشايخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة فذكر الحديث بطوله في فتح مكة قال البيهقي في آخر الكلام عليه لم يجاوز به أيوب عكرمة قلت وقد أشرت إليه قبله وأن بن أبي شيبة أخرجه هكذا مرسلا عن سليمان بن حرب به بطوله وسأذكر ما فيه من فائدة في اثناء الكلام على شرح هذه الغزوة وطريق طاوس عن بن عباس قد تقدم الكلام عليها في كتاب الصيام أيضا

قوله باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح أي بيان المكان الذي ركزت فيه راية النبي صلى الله عليه وسلم بأمره

[ 4030 ] قوله عن هشام هو بن عروة عن أبيه قال لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح هكذا أورده مرسلا ولم أره في شيء من الطرق عن عروة موصولا ومقصود البخاري منه ما ترجم به وهو آخر الحديث فأنه موصول عن عروة عن نافع بن جبير بن مطعم عن العباس بن عبد المطلب والزبير بن العوام قوله فبلغ ذلك قريشا ظاهره أنهم بلغهم مسيره قبل خروج أبي سفيان وحكيم بن حزام والذي عند بن إسحاق وعند بن عائذ من مغازي عروة ثم خرجوا وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران ولم تعلم بهم قريش وكذا في رواية أبي سلمة عند بن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالطرق فحبست ثم خرج فغم على أهل مكة الأمر فقال أبو سفيان لحكيم بن حزام هل لك أن تركب إلى أمر لعلنا أن نلقى خبرا فقال له بديل بن ورقاء وأنا معكم قالا وأنت إن شئت فركبوا وفي رواية بن عائذ من حديث بن عمر رضي الله عنهما قال لم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا حتى بعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى ثلاث أن يودوا قتيل خزاعة وبين أن يبرأوا من حلف بكر أو ينبذ إليهم على سواء فأتاهم ضمرة فخيرهم فقال قرظة بن عمرو لا نودي ولا نبرأ ولكنا ننبذ إليه على سواء فانصرف ضمرة بذلك فأرسلت قريش أبا سفيان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجديد العهد وكذلك أخرجه مسدد من مرسل محمد بن عباد بن جعفر فأنكره الواقدي وزعم أن أبا سفيان إنما توجه مبادرا قبل أن يبلغ المسلمين الخبر والله أعلم وفي مرسل عكرمة عند بن أبي شيبة ونحوه في مغازي عروة عند بن إسحاق وابن عائذ فخافت قريش فانطلق أبو سفيان إلى المدينة فقال لأبي بكر جدد لنا الحلف قال ليس الأمر إلى ثم أتى عمر فأغلظ له عمر ثم أتى فاطمة فقالت له ليس الأمر إلى فأتى عليا فقال ليس الأمر إلي فقال ما رأيت كاليوم رجل أضل أي من أبي سفيان أنت كبير الناس فجدد الحلف قال فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال قد أجرت بين الناس ورجع إلى مكة فقالوا له ما جئتنا بحرب فنحذر ولا يصلح فنأمن لفظ عكرمة وفي رواية عروة فقالوا له لعب بك على وأن إخفار جوارك لهين عليهم فيحتمل أن يكون قوله بلغ قريشا أي غلب على ظنهم ذلك لا أن مبلغا بلغهم ذلك حقيقة قوله خرجوا يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية بن عائذ فبعثوا أبا سفيان وحكيم بن حزام فلقيا بديل بن ورقاء فاستصحباه فخرج معهما قوله حتى أتوا مر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء مكان معروف والعامة تقوله بسكون الراء وزيادة واو والظهران بفتح المعجمة وسكون الهاء بلفظ تثنية ظهر وفي مرسل أبي سلمة حتى إذا دنوا من ثنية مر الظهران اظلموا أي دخلوا في الليل فأشرفوا على الثنية فإذا النيران قد أخذت الوادي كله وعند بن إسحاق أن المسلمين أوقدوا تلك الليلة عشرة آلاف نار قوله فقال أبو سفيان ما هذه أي النيران لكأنها جواب قسم محذوف وقوله نيران عرفة إشارة إلى ما جرت به عادتهم من ايفاد النيران الكثيرة ليلة عرفة وعند بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في تلك الليلة فأوقدوا عشرة آلاف نار قوله فقال بديل بن ورقاء هذه نيران بني عمرو يعني خزاعة وعمرو يعني بن لحي الذي تقدم ذكره مع نسب خزاعة في أول المناقب فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك ومثل هذا في مرسل أبي سلمة وفي مغازي عروة عند بن عائذ عكس ذلك وأنهم لما رأوا الفساطيط وسمعوا صهيل الخيل فراعهم ذلك فقالوا هؤلاء بنو كعب يعني خزاعة وكعب أكبر بطون خزاعة جاشت بهم الحرب فقال بديل هؤلاء أكثر من بني كعب ما بلغ تألييها هذا قالوا فانتجعت هوازن أرضنا والله ما نعرف هذا أنه هذا المثل صاح الناس قوله فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم في رواية بن عائذ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بين يديه خيلا تقبض العيون وخزاعة على الطريق لايتركون أحدا يمضي فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل وفي مرسل أبي سلمة وكان حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من الأنصار وكان عمر بن الخطاب عليهم تلك الليلة فجاءوا بهم إليه فقالوا جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة فقال عمر والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم قالوا قد أتيناك بأبي سفيان وعند بن إسحاق أن العباس خرج ليلا فلقى أبا سفيان وبديلا فحمل أبا سفيان معه على البغلة ورجع صاحباه ويمكن الجمع بأن الحرس لما أخذوهم استنقذ العباس أبا سفيان وفي رواية بن إسحاق فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس والله لإن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئت الأراك فقلت لعلي أجد بعض الحطابة أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتي فقال أبا الفضل قلت نعم قال ما الحيلة قلت فاركب في عجز هذا البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك قال فركب خلفي ورجع صاحباه وهذا مخالف للرواية السابقة أنهم أخذوهم ولكن عند بن عائذ فدخل بديل وحكيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما فيحمل قوله ورجع صاحباه أي بعد أن أسلما واستمر أبو سفيان عند العباس لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يحبسه حتى يرى العساكر ويحتمل أن يكونا رجعا لما التقي العباس بأبي سفيان فأخذهما العسكر أيضا وفي مغازي موسى بن عقبة ما يؤيد ذلك وفيه فلقيهم العباس فأجارهم وأدخلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم بديل وحكيم وتأخر أبو سفيان بإسلامه حتى أصبح ويجمع بين ما عند بن إسحاق ومرسل أبي سلمة بأن الحرس أخذوهم فلما رأوا أبا سفيان مع العباس تركوه معه وفي رواية عكرمة فذهب به العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له فقال يا أبا سفيان أسلم تسلم قال كيف أصنع باللات والعزى قال فسمعه عمر فقال لو كنت خارجا من القبة ما قلتها أبدا فأسلم أبو سفيان فذهب به العباس إلى منزله فلما أصبح ورأى مبادرة الناس إلى الصلاة أسلم قوله احبس أبا سفيان في رواية موسى بن عقبة أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر فاحبسه حتى تريه جنود الله ففعل فقال أبو سفيان أغدرا يا بني هاشم قال العباس لا ولكن لي إليك حاجة فتصبح فتنظر جنود الله للمشركين وما أعد الله للمشركين فحبسه بالمضيق دون الأراك حتى أصبحوا قوله عند خطم الجبل في رواية النسفي والقابسي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة وبالجيم والموحدة أي أنف الجبل وهي رواية بن إسحاق وغيره من أهل المغازي وفي رواية الأكثر بفتح المهملة من اللفظة الأولى وبالخاء المعجمة وسكون التحتانية أي ازدحامها وإنما حبسه هناك لكونه مضيقا ليرى الجميع ولا يفوته رؤية أحد منهم قوله فجعلت القبائل تمر في رواية موسى بن عقبة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي لتظهر كل قبيلة ما معها من الاداة والعدة وقدم النبي صلى الله عليه وسلم الكتائب فمرت كتيبة فقال أبو سفيان يا عباس في هذه محمد قال لا قال فمن هؤلاء قال قضاعة ثم مرت القبائل فرأى أمرا عظيما أرعبه قوله كتيبة كتيبة بمثناة وزن عظيمة وهي القطعة من الجيش فعيلة من الكتب بفتح ثم سكون وهو الجمع قوله مالي ولغفار ثم مرت جهينة قال مثل ذلك وفي مرسل أبي سلمة مرت جهينة فقال أي عباس من هؤلاء قال هذه جهينة قال ما لي ولجهينة والله ما كان بيني وبينهم حرب قط والمذكور في مرسل عروة هذا من القبائل غفار وجهينة وسعد بن هذيم وسليم وفي مرسل أبي سلمة من الزيادة أسلم ومزينة ولم يذكر سعد بن هذيم وهم من قضاعة وقد ذكر قضاعة عند موسى بن عقبة وسعد بن هذيم المعروف فيها سعد هذيم بالإضافة ويصح الآخر على المجاز وهو سعد بن زيد بن ليث بن سود بضم المهملة بن أسلم بضم اللام بن الحاف بمهملة وفاء بن قضاعة وفي سعد هذيم طوائف من العرب منهم بنو ضنه بكسر المعجمة ثم نون وبنو عذرة وهي قبيلة كبيرة مشهورة وهذيم الذي نسب إليه سعد عبد كان رباه فنسب إليه وذكر الواقدي في القبائل أيضا أشجع وأسلم وتميما وفزارة قوله معه الراية أي راية الأنصار وكانت راية المهاجرين مع الزبير كما سيأتي قوله فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة بالحاء المهملة أي يوم حرب لا يوجد منه مخلص أي يوم قتل يقال لحم فلان فلانا إذا قتله قوله اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار وكذا وقع في هذا الموضع مختصرا ومراد سعد بقوله يوم الملحمة يوم المقتلة العظمى ومراد أبي سفيان بقوله يوم الذمار وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم أي الهلاك قال الخطابي تمنى أبو سفيان أن يكون له يد فيحمى قومه ويدفع عنهم وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل والانتصار لهم لمن قدر عليه وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه قال بن إسحاق زعم بعض أهل العلم أن سعدا قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله ما آمن أن يكون لسعد في قريش صولة فقال لعلي أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها قال بن هشام الرجل المذكور هو عمر قلت وفيه بعد لأن عمر كان معروفا بشدة البأس عليهم وقد روى الأموي في المغازي أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما حاذاه أمرت بقتل قومك قال لا فذكر له ما قاله سعد بن عبادة ثم ناشده الله والرحم فقال يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة اليوم يعز الله قريشا وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس وعند بن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر قال لما قال سعد بن عبادة ذلك عارضت امرأة من قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الهدى إليك لجا حي قريش ولات حين لجاء حين ضاقت عليهم سعة الأرض وعاداهم إله السماء إن سعدا يريد قاصمة الظهر بأهل الحجون والبطحاء فلما سمع هذا الشعر دخلته رأفة لهم ورحمة فأمر بالراية فأخذت من سعد ودفعت إلى ابنه قيس وعند أبي يعلى من حديث الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها إليه فدخل مكة بلواءين وإسناده ضعيف جدا لكن جزم موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أنه دفعها إلى الزبير بن العوام فهذه ثلاثة أقوال فيمن دفعت إليه الراية التي نزعت من سعد والذي يظهر في الجمع أن عليا أرسل بنزعها وأن يدخل بها ثم خشي تغير خاطر سعد فأمر بدفعها لابنه قيس ثم أن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه فحينئذ أخذها الزبير وهذه القصة الأخيرة قد ذكرها البزار من حديث أنس بإسناد على شرط البخاري ولفظه كان قيس في مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم لماقدم مكة فكلم سعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرفه عن الموضع الذي فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك والشعر الذي انشدته المرأة ذكر الواقدي أنه لضرار بن الخطاب الفهري وكأنه أرسل به المرأة ليكون أبلغ في المعاطفة عليهم وسيأتي في حديث الباب أن أبا سفيان شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما قال سعد فقال كذب سعد أي أخطأ وذكر الاموى في المغازي أن سعد بن عبادة لما قال اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا فحاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان لما مر به فناداه يا رسول الله أمرت بقتل قومك وذكر له قول سعد بن عبادة ثم قال له أنشدك الله في قومك فأنت أبر الناس وأوصلهم فقال يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة اليوم يعز الله فيه قريشا فأرسل إلى سعد فأخذ اللواء من يده فجعله في يد ابنه قيس قوله ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب أي أقلها عددا قال عياض وقع للجميع بالقاف ووقع في الجمع للحميدي أجل بالجيم وهي أظهر ولا يبعد صحة الأولى لأن عدد المهاجرين كان أقل من عدد غيرهم من القبائل قوله وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة لم يكتف أبو سفيان بما دار بينه وبين العباس حتى شكا للنبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال كذب سعد فيه إطلاق الكذب على الأخبار بغير ما سيقع ولو كان قائله بناه على غلبة ظنه وقوة القرينه قوله يوم يعظم فيه الكعبة يشير إلى ما وقع من إظهار الإسلام وأذان بلال على ظهرها وغير ذلك مما ازيل عنها مما كان فيها من الأصنام ومحو ما فيها من الصور وغير ذلك قوله ويوم تكسى فيه الكعبة قيل إن قريشا كانوا يكسون الكعبة في رمضان فصادف ذلك اليوم أو المراد باليوم الزمان كما قال يوم الفتح فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام ووقع ذلك قوله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة هو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة قال عروة فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام يا أبا عبد الله ههنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية وهذا السياق يوهم أن نافعا حضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة وليس كذلك فأنه لا صحبة له ولكنه محمول عندي على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها إما في خلافة عمر أو في خلافة عثمان ويحتمل أن يكون التقدير سمعت العباس يقول قلت للزبير الخ فحذفت قلت قوله قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل ذلك هو عروة وهو من بقية الخبر وهو ظاهر الإرسال في الجميع الا في القدر الذي صرح عروة بسماعه له من نافع بن جبير وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه أو عن العباس فأنه أدركه وهو صغير أو جمعه من نقل جماعة له بأسانيد مختلفة وهو الراجح قوله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء أي بالمد ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدا أي بالقصر وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالدا دخل من أسفل مكة والنبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها وكذا جزم بن إسحاق أن خالدا دخل من أسفل ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها وضربت له هناك قبة وقد ساق ذلك موسى بن عقبة سياقا واضحا فقال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كداء من أعلى مكة وأمره أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمره أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا الا من قاتلهم وعند البيهقي بإسناد حسن من حديث بن عمر قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر فتبسم إلى أبي بكر فقال يا أبا بكر كيف قال حسان فأنشده قوله عدمت بنيتى أن لم تروها تثير النقع موعدها كداء ينازعن الأسنة مسرجات يلطمهن بالخمر النساء فقال أدخلوها من حيث قال حسان قوله فقتل من خيل خالد بن الوليد رضي الله عنه يومئذ رجلان حبيش بمهملة ثم موحدة ثم معجمة وعند بن إسحاق بمعجمة ونون ثم مهملة مصغر بن الاشعر وهو لقب واسمه خالد بن سعد بن منقذ بن ربيعة بن أخزم الخزاعي وهو أخو أم معبد التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا وروى البغوي والطبراني وآخرون قصتها من طريق حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه عن جده وعن أحمد حدثنا موسى بن داود حدثنا حزام بن هشام بن حبيش قال شهد جدي الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وكرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاى هو بن جابر بن حسل بمهملتين بكسر ثم سكون بن الأحب بمهملة مفتوحة وموحدة مشددة بن حبيب الفهري وكان من رؤساء المشركين وهو الذي أغار على سرح النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الأولى ثم أسلم قديما وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العرنيين وذكر بن إسحاق أن هذين الرجلين سلكا طريقا فشذا عن عسكر خالد فقتلهما المشركون يومئذ وذكر بن إسحاق أن أصحاب خالد لقوا ناسا من قريش منهم سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية كانوا تجمعوا بالخندمة بالخاء المعجمة والنون مكان أسفل مكة ليقاتلوا المسلمين فناوشوهم شيئا من القتال فقتل من خيل خالد مسلمة بن الميلاء الجهني وقتل من المشركين أثنا عشر رجلا أو ثلاثة عشر وانهزموا وفي ذلك يقول حماس بن قيس بن خالد البكري قال بن هشام ويقال هي للمرعاش الهذلى يخاطب امرأته حين لأمته على الفرار من المسلمين إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة واستقبلتنا بالسيوف المسلمة يقطعن كل ساعد وجمجمة ضربا فلا يسمع الا غمغمة لم تنطقى في اللوم أدنى كلمه وعند موسى بن عقبة واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة وقد تجمع بها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناة وناس من هذيل ومن الاحابيش الذين استنصرت بهم قريش فقاتلوا خالدا فقاتلهم فانهزموا وقتل من بني بكر نحو عشرين رجلا ومن هذيل ثلاثة أو أربعة حتى انتهى بهم القتل إلى الجزورة إلى باب المسجد حتى دخلوا في الدور وارتفعت طائفة منهم علىالجبال وصاح أبو سفيان من أغلق بابه وكف يده فهو آمن قال ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البارقة فقال ما هذا وقد نهيت عن القتال فقالوا نظن أن خالدا قوتل وبدىء بالقتال فلم يكن له بد من أن يقاتل ثم قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن لخالد بن الوليد لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال فقال هم بدونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح وقد كففت يدي ما استطعت فقال قضاء الله خير وذكر بن سعد أن عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلا ومن هذيل خاصة أربعة وقيل مجموع من قتل منهم ثلاثة عشر رجلا وروى الطبراني من حديث بن عباس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله حرم مكة الحديث فقيل له هذا خالد بن الوليد يقتل فقال قم يا فلان فقل له فليرفع القتل فأتاه الرجل فقال له إن نبي الله يقول لك اقتل من قدرت عليه فقتل سبعين ثم اعتذر الرجل اليه فسكت قال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر امراءه أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم غير أنه أهدر دم نفر سماهم وقد جمعت أسماءهم من مفرقات الاخبار وهم عبد العزى بن خطل وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وعكرمة بن أبي جهل والحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغر ومقيس بن صبابة بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى خفيفة وهبار بن الأسود وقينتان كانتا لابن خطل كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم وسارة مولاة بني المطلب وهي التي وجد معها كتاب حاطب فاما بن أبي سرح فكان أسلم ثم ارتد ثم شفع فيه عثمان يوم الفتح الى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وقبل إسلامه وأما عكرمة ففر الى اليمن فتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فرجع معها بأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الحويرث فكان شديد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقتله علي يوم الفتح وأما مقيس بن صبابة فكان أسلم ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله وكان الأنصار قتل أخاه هشاما خطأ فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل الأنصاري ثم ارتد فقتله نميلة بن عبد الله يوم الفتح وأما هبار فكان شديد الأذى للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجرت فنخس بعيرها فاسقطت ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت فلما كان يوم الفتح بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه أعلن بالإسلام فقبل منه فعفا عنه وأما القينتان فاسمهما فرتنى وقرينة فاستؤمن لإحداهما فأسلمت وقتلت الأخرى واما سارة فأسلمت وعاشت الى خلافة عمر وقال الحميدي بل قتلت وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي قتله علي وذكر غير بن إسحاق ان فرتنى هي التي أسلمت وأن قرينة قتلت وذكر الحاكم أيضا ممن أهدر دمه كعب بن زهير وقصته مشهورة وقد جاء بعد ذلك وأسلم ومدح ووحشي بن حرب وقد تقدم شأنه في غزوة أحد وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وقد أسلمت وأرنب مولاة بن خطل أيضا قتلت وأم سعد قتلت فيما ذكر بن إسحاق فكملت العدة ثمانية رجال وست نسوة ويحتمل أن تكون أرنب وأم سعد هما القينتان اختلف في أسمهما أو باعتبار الكنية واللقب قلت وسيأتي في حديث أنس في هذا الباب ذكر بن خلطل وروى أحمد ومسلم والنسائي من طريق عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث على إحدى الجنبتين خالد بن الوليد وبعث الزبير على الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر بضم المهملة وتشديد السين المهملة أي الذين بغير سلاح فقال لي يا أبا هريرة اهتف لي بالأنصار فهتف بهم فجاءوا فأطافوا به فقال لهم أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بإحدى يديه على الأخرى احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا قال أبو هريرة فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا منهم الا قتلناه فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن وقد تمسك بهذه القصة من قال إن مكة فتحت عنوة وهو قول الأكثر وعن الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحا لما وقع هذا التأمين ولإضافة الدور إلى أهلها ولأنها لم تقسم ولأن الغانمين لم يملكوا دورها وإلا لجاز إخراج أهل الدور منها وحجة الأولين ما وقع من التصريح من الأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد وبتصريحه صلى الله عليه وسلم بأنها أحلت ساعة من نهار ونهيه عن التأسى به في ذلك وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لاتستلزم عدم العنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها ويترك لهم دورهم وغنامهم لأن قسمة الأرض المغنومة ليست متفقا عليها بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن أن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق وقد جعلها الله تعالى حرم سواء العاكف فيه والباد وأما قول النووي احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع له من قوله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن كما تقدم وكذا من دخل المسجد كما عند بن إسحاق فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحرب كما ثبت في حديث أبي هريرة عند مسلم ان قريشا وبشت اوباشا لها واتباعا فقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا اعطيناه الذين سألنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أترون أوباش قريش ثم قال بإحدى يديه على الأخرى أي احصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا قال فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا الا قتلنا وان كان مراده بالصلح وقوع عقد به فهذا لم ينقل ولا أظنه عنى الا الاحتمال الأول وفيه ما ذكرته وتمسك أيضا من قال إنه معهم بما وقع عند بن إسحاق في سياق قصة الفتح فقال العباس لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة ثم قال في القصة بعد قصة أبي سفيان من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد وعند موسى بن عقبة في المغازي وهي أصح ما صنف في ذلك عند الجماعة ما نصه أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قالا يا رسول الله كنت حقيقا أن تجعل عدتك وكيدك بهوازن فانهم أبعد رحما وأشد عداوة فقال إني لأرجو أن يجمعهما الله لي فتح مكة وإعزاز الإسلام بها وهزيمة هوازن وغنيمة أموالهم فقال أبو سفيان وحكيم فادع الناس بالأمان أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها آمنون هم قال من كف يده وأغلق داره فهو آمن قالوا فابعثنا نؤذن بذلك فيهم قال انطلقوا فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم فهو آمن ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها فلما توجها قال العباس يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد فرده حتى تريه جنود الله قال أفعل فذكر القصة وفي ذلك تصريح بعموم التأمين فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة فمن ثم قال الشافعي كانت مكة مأمونة ولم يكن فتحها عنوة والأمان كالصلح وأما الذين تعرضوا للقتال أو الذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وسلم بالقتال وبين حديث الباب في تأمينه صلى الله عليه وسلم لهم بأن يكون التأمين علق بشرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه فقاتلهم حتى قتلهم وهزمهم أن تكون البلد فتحت عنوة لأن العبرة بالأصول لا بالاتباع وبالاكثر لا بالأقل ولا خلاف مع ذلك أنه لم يجر فيها قسم غنيمة ولا سبى من أهلها ممن باشر القتال أحد وهو مما يؤيد قول من قال لم يكن فتحها عنوة وعند أبي داود بإسناد حسن عن جابر أنه سئل هل غنمتم يوم الفتح شيئا قال لا وجنحت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد المذكورة وقرر ذلك الحاكم في الإكليل والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بأمان ومنع جمع منهم السهيلي ترتب عدم قسمتها وجواز بيع دورها واجارتها على أنها فتحت صلحا أما أولا فلأن الإمام مخير في قسمة الأرض بين الغانمين إذا انتزعت من الكفار وبين ابقائها ونفا على المسلمين ولا يلزم من ذلك منع بيع الدور وإجارتها وأما ثانيا فقال بعضهم لا تدخل الأرض في حكم الأموال لأن من مضى كانوا إذا غلبوا على الكفار لم يغنموا الأموال فتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض عموما لهم كما قال الله تعالى ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم الآية وقال وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الآية والمسألة مشهورة فلا نطيل بها هنا وقد تقدم كثير من مباحث دور مكة في باب توريث دور مكة من كتاب الحج

[ 4031 ] ثم ذكر المصنف في الباب بعد هذا ستة أحاديث الحديث الأول قوله حدثنا أبو الوليد كذا في الأصول وزعم خلف أنه وقع بدله سليمان بن حرب قوله عن معاوية بن قرة في رواية حجاج بن منهال عن شعبة أخبرنا أبو إياس أخرجه في فضائل القرآن وأبو إياس هو معاوية بن قرة قوله وهو يقرأ سورة الفتح زاد في رواية آدم عن شعبة في فضائل القرآن قراءة لينة قوله يرجع بتشديد الجيم والترجيع ترديد القارئ الحرف في الحلق قوله وقال لولا أن تجتمع الناس القائل هو معاوية بن قرة راوي الحديث بين ذلك مسلم بن إبراهيم في روايته لهذا الحديث عن شعبة وهو في تفسير سورة الفتح وفي أواخر التوحيد من رواية شبابة عن شعبة في هذا الحديث نحوه وأتم منه ولفظه ثم قرأ معاوية يحكي قراءة بن مغفل وقال لولا أن تجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع بن مغفل يحكي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لمعاويه كيف ترجيعه قال أثلاث مرات وللحاكم في الإكليل من رواية وهب بن جرير عن شعبة لقرأت بذلك اللحن الذي قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الثاني

[ 4032 ] قوله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن هو المعروف بابن بنت شرحبيل وسعدان بن يحيى هو سعيد بن يحيى بن صالح اللخمي أبو يحيى الكوفي نزيل دمشق وسعدان لقبه وهو صدوق وأشار الدارقطني إلى لينه وما له في البخاري سوى هذا الموضع وشيخه محمد بن أبي حفصة واسم أبي حفصة ميسرة بصري يكنى أبا سلمة صدوق ضعفه النسائي وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الحج قرنه فيه بغيره قوله أنه قال زمن الفتح يا رسول الله أين تنزل غدا تقدم شرحه مستوفى في باب توريث دور مكة من كتاب الحج قوله قيل للزهري من ورث أبا طالب السائل عن ذلك لم أقف على اسمه قوله ورثه عقيل وطالب تقدم في الحج من رواية يونس عن الزهري بلفظ وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا على شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين انتهى وهذا يدل على تقدم هذا الحكم في أوائل الإسلام لأن أبا طالب مات قبل الهجرة ويحتمل أن تكون الهجرة لما وقعت استولى عقيل وطالب على ما خلفه أبو طالب وكان أبو طالب قد وضع يده على ما خلفه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان شقيقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب بعد موت جده عبد المطلب فلما مات أبو طالب ثم وقعت الهجرة ولم يسلم طالب وتأخر إسلام عقيل استوليا على ما خلف أبو طالب ومات طالب قبل بدر وتأخر عقيل فلما تقرر حكم الإسلام بترك توريث المسلم من الكافر استمر ذلك بيد عقيل فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وكان عقيل قد باع تلك الدور كلها واختلف في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عقيلا على ما يخصه هو فقيل ترك له ذلك تفضلا عليه وقيل استمالة له وتأليفا وقيل تصحيحا لتصرفات الجاهليه كما تصحح أنكحتهم وفي قوله وهل ترك لنا عقيل من دار إشارة إلى أنه لو تركها بغير بيع لنزل فيها وفيه تعقب على الخطابي حيث قال إنما لم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها لأنها دور هجروها في الله تعالى بالهجرة فلم ير أن يرجع في شيء تركه لله تعالى وفي كلامه نظر لا يخفى والاظهر ما قدمته وأن الذي يختص بالترك إنما هو إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها كما تقدم تقريره في أبواب الهجرة لا مجرد نزوله في دار يملكها إذ أقام المدة المأذون له فيها وهي أيام النسك وثلاثة أيام بعده والله أعلم قوله وقال معمر عن الزهرى أي بالإسناد المذكور أين ننزل غدا في حجته طريق معمر تقدمت موصولة في الجهاد قوله ولم يقل يونس أي بن يزيد حجته ولازمن الفتح أي سكت عن ذلك وبقي الاختلاف بين بن أبي حفصة ومعمر ومعمر أوثق وأتقن من محمد بن أبي حفصة الحديث الثالث

[ 4033 ] قوله عن عبد الرحمن هو الأعرج قوله منزلنا إن شاء الله هو للتبرك قوله إذا افتتح الله الخيف هو بالرفع وهو مبتدأ خبره منزلنا وليس هو مفعول افتتح والخيف ما انحدر عن غلظ الجهل وارتفع عن مسيل الماء قوله حيث تقاسموا يعني قريشا على الكفر أي لما تحالف قريش أن لا يبايعوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يؤوهم وحصروهم في الشعب وتقدم بيان ذلك في المبعث وتقدم أيضا شرحه في باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من كتاب الحج قوله في الطريق الثانية

[ 4034 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا أي في غزوة الفتح لأن غزوة حنين عقب غزوة الفتح وقد تقدم في الباب المذكور في الحج من رواية شعيب عن الزهري بلفظ حين أراد قدوم مكة ولا مغايرة بين الروايتين بطريق الجمع المذكور لكن ذكره هناك أيضا من رواية الأوزاعي عن الزهري بلفظ قال وهو بمنى نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة وهذا يدل على أنه قال ذلك في حجته لا في غزوة الفتح فهو شبيه بالحديث الذي قبله في الاختلاف في ذلك ويحتمل التعدد والله أعلم قيل إنما أختار النبي صلى الله عليه وسلم النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا على رغم أنف من سعى في إخراجه منها ومبالغة في الصفح عن الذين اساءوا ومقابلتهم بالمن والإحسان ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

[ 4035 ] الحديث الرابع قوله يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي بعدها مهملة قوله عن بن شهاب في رواية يحيى بن عبد الحميد عن مالك حدثني بن شهاب أخرجه الدارقطني وفي رواية أحمد عن أبي أحمد الزبيري عن مالك عن بن شهاب أن أنس بن مالك أخبره قوله المغفر في رواية أبي عبيد القاسم بن سلام عن يحيى بن بكير عن مالك مغفر من حديد قال الدارقطني تفرد به أبو عبيد وهو في الموطأ ليحيى بن بكير مثل الجماعة ورواه عن مالك جماعة من أصحابه خارج الموطأ بلفظ مغفر من حديد ثم ساقه من رواية عشرة عن مالك كذلك وكذلك هو عند بن عدي من رواية أبي أويس عن بن شهاب وعند الدارقطني من رواية شبابة بن سوار عن مالك وفي هذا الحديث من رأى منكم بن خطل فليقتله ومن رواية زبد بن الحباب عن مالك بهذا الإسناد وكان بن خطل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر قوله فقال اقتله زاد الوليد بن مسلم عن مالك في آخره فقتل أخرجه بن عائذ وصححه بن حبان واختلف في قاتله وقد جزم بن إسحاق بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله وحكى الواقدي فيه اقوالا منها أن قاتله شريك بن عبدة العجلاني ورجح أنه أبو برزة وقد بينت ما فيه من الاختلاف في كتاب الحج مع بقية شرح هذا الحديث في باب دخول مكة بغير إحرام من أبواب العمرة بما يغنى عن إعادته واستدل بقتل بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة على أن الكعبة لا تعيذ من وجب عليه القتل وأنه يجوز قتل من وجب عليه القتل في الحرم وفي الاستدلال بذلك نظر لأن المخالفين تمسكوا بأن ذلك إنما وقع في الساعة التي أحل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها القتال بمكة وقد صرح بأن حرمتها عادت كما كانت والساعة المذكورة وقع عند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنها استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة من حديث السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن خطل فضربت عنقه صبرا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتلن قرشي بعد هذا صبرا ورجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالا والله أعلم الحديث الخامس

[ 4036 ] قوله عن بن أبي نجيح في رواية الحميدي في التفسير عن بن عيينة حدثنا بن أبي نجيح وهو عبد الله واسم أبي نجيح يسار وتقدم في الملازمة عن علي بن عبد الله عن سفيان حدثنا بن أبي نجيح ولابن عيينة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق عبد الغفار بن داود عن بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن بن مسعود قوله عن أبي معمر هو عبد الله بن سخبرة قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله ستون وثلاثمائة نصب بضم النون والمهملة وقد تسكن بعدها موحدة هي واحدة الانصاب وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى ووقع في رواية بن أبي شيبة عن بن عيينة صنما بدل نصبا ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للاصنام وليست مرادة هنا وتطلق الأنصاب على أعلام الطريق وليست مرادة هنا ولا في الآية قوله فجعل بطعنها بضم العين وبفتحها والأول أشهر قوله بعود في يده ويقول جاء الحق في حديث أبي هريرة عند مسلم يطعن في عينيه بسية القوس وفي حديث بن عمر عند الفاكهي وصححه بن حبان فيسقط الصنم ولا يمسه وللفاكهى والطبراني من حديث بن عباس فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة بالأرض وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لاذلال الأصنام وعابديها ولاظهار أنها لا تنفع ولا تضر ولا تدفع عن نفسها شيئا قوله الأزلام هي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر وعند بن أبي شيبة من حديث جابر نحو حديث بن مسعود وفيه فأمر بها فكبت لوجوهها وفيه نحو حديث بن عباس وزاد قاتلهم الله ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام ثم دعا بزعفران فلطخ تلك التماثيل وفي الحديث كراهية الصلاة في المكان الذي فيه صور لكونها مظنة الشرك وكان غالب كفر الأمم من جهة الصور الحديث السادس

[ 4037 ] قوله حدثني إسحاق هو بن منصور وعبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد قوله حدثني أبي سقط من رواية الأصيلي ولا بد منه قوله أبي أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت وقع في حديث جابر عند بن سعد وأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها فلم يدخلها حتى محيت الصور وكان عمر هو الذي أخرجها والذي يظهر أنه محا ما كان من الصور مدهونا مثلا وأخرج ما كان مخروطا وأما حديث أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى صورة إبراهيم فدعا بماء فجعل يمحوها وقد تقدم في الحج فهو محمول على أنه بقيت بقية خفي على من محاها أولا وقد حكى بن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن صورة عيسى وأمه بقيتا حتى رآهما بعض من أسلم من نصارى غسان فقال إنكما لبلاد غربة فلما هدم بن الزبير البيت ذهبا فلم يبق لهما أثر وقد أطنب عمر بن شبة في كتاب مكة في تخريج طريق هذا الحديث فذكر ما تقدم وقال حدثنا أبو عاصم عن بن جريج سأل سليمان بن موسى عطاء أدركت في الكعبة تماثيل قال نعم أدركت تماثيل مريم في حجرها ابنها عيسى مزوقا وكان ذلك في العمود الأوسط الذي يلي الباب قال فمتى ذهب ذلك قال في الحريق وفيه عن بن جريج أخبرني عمرو بن دينار أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطمس الصور التي كانت في البيت وهذا سند صحيح ومن طريق عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى بن عباس عن أسامه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فأمرني فأتيته بماء في دلو فجعل يبل الثوب ويضرب به على الصور ويقول قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون وقوله وخرج ولم يصل تقدم شرحه في باب من كبر في نواحي الكعبة من كتاب الحج وفيه الكلام على من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ومن نفاها قوله تابعه معمر عن أيوب وصله أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قوله وقال وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني أنه أرسله ووقع في نسخة الصغاني بإثبات بن عباس في التعليق عن وهيب وهو خطأ ورجحت الرواية الموصولة عند البخاري لاتفاق عبد الوارث ومعمر على ذلك عن أيوب

قوله باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة أي حين فتحها وقد روى الحاكم في الإكليل من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعا

[ 4038 ] قوله وقال الليث حدثني يونس هو بن يزيد وهذه الطريق وصلها المؤلف في الجهاد وتقدم شرح الحديث في الصلاة وفي الحج في باب إغلاق البيت مع فوائد كثيرة قوله فأمره أن يأتي بمفتاح البيت روى عبد الرزاق والطبراني من جهته من مرسل الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان يوم الفتح ائتني بمفتاح الكعبة فأبطأ عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق ويقول ما يحبسه فسعى إليه رجل وجعلت المرأة التي عندها المفتاح وهى أم عثمان واسمها سلافة بنت سعيد تقول إن أخذه منكم لا يعطيكموه أبدأ فلم يزل بها حتى أعطت المفتاح فجاء به ففتح ثم دخل البيت ثم خرج فجلس عند السقاية فقال على إنا اعطينا النبوة والسقاية والحجابة ما قوم بأعظم نصيبا منا فكره النبي صلى الله عليه وسلم مقالته ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع المفتاح إليه وروى بن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ملاسلا نحوه وعند بن إسحاق بإسناد حسن عن صفية بنت شيبة قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتح له فدخلها ثم وقف على باب الكعبة فخطب قال بن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فذكر الحديث وفيه ثم قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فانتم الطلقاء ثم جلس فقام علي فقال أجمع لنا الحجابة والسقاية فذكره وروى بن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال خذها خالدة مخلدة إني لم ادفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم ولا ينزعها منكم الا ظالم ومن طريق بن جريج أن عليا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أجمع لنا الحجابة والسقاية فنزلت إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فدعا عثمان فقال خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ومن طريق علي بن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بني شيبة كلموا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف وروى الفاكهي من طريق محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناول عثمان المفتاح قال له غيبة قال الزهري فلذلك يغيب المفتاح ومن حديث بن عمر أن بني أبي طلحة كانوا يقولون لا يفتح الكعبة إلا هم فتناول النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده

[ 4039 ] قوله حدثنا الهيثم بن خارجة بخاء معجمة وجيم خراساني نزل بغداد كان من الاثبات قال عبد الله بن أحمد كان أبي إذا رضي عن إنسان وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي فحدثنا عن الهيثم بن خارجة وهو حي وليس له عند البخاري موصول سوى هذا الموضع قوله تابعه أسامة ووهيب في كداء أي روياه عن هشام بن عروة بهذا الإسناد وقالا في روايتهما دخل من كداء أي بالفتح والمد وطريق أبي أسامة وصلها المصنف في الحج عن محمود بن غيلان عنه موصولا وأوردها هنا عن عبيد بن إسماعيل عنه فلم يذكر فيه عائشة وأما طريق وهيب وهو بن خالد فوصلها المصنف أيضا في الحج وقد تقدم الكلام عليه مستوفى هناك

قوله باب منزل النبي صلى الله عليه وسل يوم الفتح أي المكان الذي نزل فيه وقد تقدم قريبا في الكلام على الحديث الثالث أنه نزل بالمحصب وهنا أنه في بيت أم هانيء وكذا في الإكليل من طريق معمر عن بن شهاب عن عبد الله بن الحارث عن أم هانيء وكان النبي صلى الله عليه وسلم نازلا عليها يوم الفتح ولا مغايرة بينهما لآنه لم يقم في بيت أم هانئ وإنما نزل به حتى اغتسل وصلى ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته عند شعب أبي طالب وهو المكان الذي حصرت فيه قريش المسلمين وقد تقدم شرح حديث الباب في كتاب الصلاة وروى الواقدي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال منزلنا إذا فتح الله علينا مكة في الخيف حيث تقاسموا على الكفر وجاه شعب أبي طالب حيث حصرونا ومن حديث أبي رافع نحو حديث أسامة السابق وقال فيه ولم يزل مضطربا بالأبطح لم يدخل بيوت مكة

قوله باب كذا في الأصول بغير ترجمة وكأنه بيض له فلم يتفق له وقوع ما يناسبه وقد ذكر فيه أربعة أحاديث الأول حديث عائشة

[ 4042 ] كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي هكذا أورده مختصرا وقد تقدم شرحه في أبواب صفة الصلاة ووجه دخوله هنا ما سيأتي في التفسير بلفظ ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح الا يقول فيها فذكر الحديث الثاني حديث بن عباس

[ 4043 ] كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر الحديث سيأتي شرحه مستوفى في تفسير سورة النصر إن شاء الله تعالى وقوله ممن قد علمتم أي فضله وقوله ليريهم منى أي بعض فضيلتي وقوله فقال له بن عباس هو بالنصب على حذف آلة النداء وفي رواية الكشميهني بابن عباس الحديث الثالث

[ 4044 ] قوله حدثنا سعيد بن شرحبيل هو الكندي الكوفي من قدماء شيوخ البخاري وليس له عنه في الصحيح سوى هذا الموضع وآخر في علامات النبوة وكل منهما عنده له متابع عن الليث بن سعد والمقبري هو سعيد بن أبي سعيد قوله العدوى كنت جوزت في الكلام على حديث الباب في الحج أنه من حلفاء بني عدي بن كعب وذلك لانني رأيته في طريق أخرى الكعبي نسبة إلى بني كعب بن ربيعة بن عمرو بن لحي ثم ظهر لي أنه نسب إلى بني عدي بن عمرو بن لحي وهم إخوة كعب ويقع هذا في الأنساب كثيرا ينسبون إلى أخي القبيلة وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في أبواب محرمات الإحرام من كتاب الحج وبعضه في كتاب العلم ويأتي بعض شرحه في الديات في الكلام على حديث أبي هريرة ووقع في آخره هنا قال أبو عبد الله وهو المصنف الخربة البلية الحديث الرابع حديث جابر

[ 4045 ] أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح أن الله ورسوله حرم بيع الخمر كذا ذكره مختصرا وقد تقدم في أواخر البيوع مطولا مع شرحه

قوله باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح ذكرفيه حديث أنس أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرا نقصر الصلاة وحديث بن عباس أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين وفي الرواية الثانية عنه أقمنا في سفر ولم يذكر المكان فظاهر هذين الحديثين التعارض والذي اعتقده أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع فأنها هي السفرة التي أقام فيها بمكة عشرا لأنه دخل يوم الرابع وخرج يوم الرابع عشر وأما حديث بن عباس فهو في الفتح وقد قدمت ذلك بأدلته في باب قصر الصلاة وأوردت هنالا التصريح بأن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع ولعل البخاري أدخله في هذا الباب إشارة إلى ما ذكرت ولم يفصح بذلك تشحيذا للاذهان ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق وكيع عن سفيان فأقام بها عشرا يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة وكذا هو في باب قصر الصلاة من وجه آخر عن يحيى بن أبي إسحاق عند المصنف وهو يؤيد ما ذكرته فإن مدة إقامتهم في سفرة الفتح حتى رجعوا إلى المدينة أكثر من ثمانين يوما تنبيه سفيان في حديث أنس هو الثوري في الروايتين وعبد الله في حديث بن عباس هو بن المبارك وعاصم هو بن سليمان الأحول وقوله وقال بن عباس هو موصول بالإسناد المذكور كما تقدم بيانه في باب قصر الصلاة أيضا

قوله باب كذا في الأصول بغير ترجمة وسقط من رواية النسفي فصارت أحاديثه من جملة الباب الذي قبله ومناسبتها له غير ظاهرة ولعله كان قد بيض له ليكتب له ترجمة فلم يتفق والمناسب لترجمته من شهد الفتح ثم ذكر فيه أحد عشر حديثا الحديث الأول قوله وقال الليث الخ وصله المصنف في التاريخ الصغير قال حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث فذكره وقال في آخره عام الفتح بمكة وقد وصله من وجه آخر عن الزهري فقال عن عبد الله بن ثعلبة أنه رأى سعد بن أبي وقاص أوتر بركعة أخرجه في كتاب الأدب كما سيأتي

[ 4049 ] قوله أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير بمهملة مصغرا وهو عذرى بضم المهملة وسكون المعجمة ويقال له أيضا بن أبي صعير وهو بن عمرو بن زيد بن سنان حليف بني زهرة ولأبيه ثعلبة صحبة وقد حذف المصنف المخبر به اختصارا وقد ظهر بما ذكر في الأدب الحديث الثاني

[ 4050 ] قوله عن الزهري عن سنين أبي جميلة قال أخبرنا ونحن مع بن المسيب والجملة الحالية أراد الزهري بها تقوية روايته عنه بأنها كانت بحضرة سعيد قوله عن سنين بمهملة ونون مصغر وقبل بتشديد التحتانية وبالنون الأولى فقط تقدم ذكره في الشهادات بما يغنى عن إعادته قوله وخرج معه عام الفتح ذكر أبو عمر أنه حج معه حجة الوداع تقدم ذكره في الشهادات

الحديث الثالث

[ 4051 ] قوله عن عمرو بن سلمة مختلف في صحبته ففي هذا الحديث أن أباه وفد وفيه إشعار بأنه لم يفد معه وأخرج بن منده من طريق حماد بن سلمة عن أيوب بهذا الإسناد ما يدل على أنه وفد أيضا وكذلك أخرجه الطبراني وأبو سلمة بكسر اللام هو بن قيس ويقال نفيع الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء صحابي ماله في البخاري سوى هذا الحديث وكذا ابنه لكن وقع ذكر عمرو بن سلمة في حديث مالك بن الحويرث كما تقدم في صفة الصلاة قوله قال أبو قلابة هو مقول أيوب قوله كنا بما ممر الناس يجوز في ممر الحركات الثلاث وعند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن عمرو بن سلمة كنا نحاصر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قوله ما للناس ما للناس كذا فيه مكرر مرتين قوله ما هذا الرجل أي يسألون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حال العرب معه قوله أوحى إليه أوحى الله بكذا يريد حكاية ما كانوا يخبرونهم به مما سمعوه من القرآن وفي رواية يوسف القاضي عن سليمان بن حرب عند أبي نعيم في المستخرج فيقولون نبي يزعم أن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا وكذا فجعلت أحفظ ذلك الكلام وفي رواية أبي داود وكنت غلاما حافظا فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا قوله فكأنما يقر كذا للكشميهني بضم أوله وفتح القاف وتسديد الراء من القرار وفي رواية عنه بزيادة ألف مقصورة من التقرية أي يجمع وللأكثر بهمز من القراءة وللإسماعيلي يغرى بغين معجمة وراء ثقيلة أي يلصق بالغراء ورجحها عياض قوله تلوم بفتح أوله واللام وتشديد الواو أي تنتظر وإحدى التاءين محذوفة قوله وبدر أي سبق قوله فلما قدم استقبلناه هذا يشعر بأنه ما وفد مع أبيه لكن لا يمنع أن يكون وفد بعد ذلك قوله وليؤمكم أكثركم قرآنا في رواية أبي داود من وجه آخر عن عمرو بن سلمة عن أبيه إنهم قالوا يا رسول الله من يؤمنا قال أكثركم جمعا للقرآن قوله فنظروا في رواية الاسماعيلى فنظروا إلى أهل حوائنا بكسر المهملة وتخفيف الواو والمد والحواء مكان الحي النزول قوله تقلصت أي انجمعت وارتفعت وفي رواية أبي داود تكشفت عنى وله من طريق عاصم بن سليمان عن عمرو بن سلمة فكنت أؤمهم في بردة موصولة فيها فتق فكنت إذا سجدت خرجت استى قوله ألا تغطون كذا في الأصول وزعم بن التين أنه وقع عنده بحذف النون ولأبي داود فقالت امرأة من النساء واروا عنا عورة قارئكم قوله فاشتروا أي ثوبا وفي رواية أبي داود فاشتروا لي قميصا عمانيا وهو بضم المهملة وتخفيف الميم نسبة إلى عمان وهي من البحرين وزاد أبو داود في رواية له قال عمرو بن سلمة فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم وفي الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة وهي خلافية مشهورة ولم ينصف من قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم ولم يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لأنها شهادة نفى ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز كما استدل أبو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان منهيا عنه لنهى عنه في القرآن وكذا من استدل به بأن ستر العورة في الصلاة ليس شرطا لصحتها بل هو سنة ويجزى بدون ذلك لأنها واقعة حال فيحتمل أن يكون ذلك بعد علمهم بالحكم

الحديث الرابع والخامس حديث عائشة في قصة بن وليدة زمعة وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى وفي آخره حديث أبي هريرة في معنى قوله الولد للفراش والغرض منه هنا الإشارة إلى أن هذه القصة وقعت في فتح مكة قوله

[ 4052 ] وقال الليث حدثني يونس وصله الذهلي في الزهريات وساقه المصنف هنا على لفظ يونس وأورده مقرونا بطريق مالك وفيه مخالفة شديدة له وسأبين ذلك عند شرحه وقد عابه الإسماعيلي وقال قرن بين روايتى مالك ويونس مع شدة اختلافهما ولم يبين ذلك قوله قال بن شهاب قالت عائشة كذا هنا وهذا القدر موصول في رواية مالك بذكر عروة فيه وفي قوله هو أخوك يا عبد بن زمعة رد لم زعم أن قوله هو لك يا عبد بن زمعة أن اللام فيه للملك فقال أي هو لك عبد قوله وقال بن شهاب وكان أبو هريرة يصيح بذلك أي يعلن بهذا الحديث وهذا موصول إلى بن شهاب ومنقطع بين بن شهاب وأبي هريرة وهو حديث مستقل أغفل المزي التنبيه عليه في الأطراف وقد أخرج مسلم والترمذي والنسائي من طريق سفيان بن عيينة ومسلم أيضا من طريق معمر كلاهما عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب زاد معمر وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الولد للفراش وللعاهر الحجر وفي رواية لمسلم عن بن عيينة عن سعيد وأبي سلمة معا وفي أخرى عن سعيد أو أبي سلمة قال الدارقطني في العلل هو محفوظ لابن شهاب عنهما قلت وسيأتي في الفرائض من وجه آخر عن أبي هريرة باختصار لكن من غير طريق بن شهاب فلعل هذا الاختلاف هو السبب في ترك إخراج البخاري لحديث أبي هريرة من طريق بن شهاب

الحديث السادس

[ 4053 ] قوله أخبرني عروة بن الزبير أن امرأة سرقت كذا فيه بصورة الإرسال لكن في أخره ما يقتضى أنه عن عائشة لقوله في آخره قالت عائشة فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها وعند الإسماعيلي من طريق الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت فتابت فحسنت توبتها وكانت تأتيني فأرفع حاجتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الحدود والغرض منه هنا الإشارة إلى أن هذه القصة وقعت يوم الفتح

الحديث السابع

[ 4054 ] قوله حدثنا زهير هو بن معاوية وعاصم هو بن سليمان وأبو عثمان هو النهدي ومجاشع هو بن مسعود السلمي وقوله بأخي هو مجالد بوزن أخيه وكنيته أبو معبد كما في الرواية الثانية والذي هنا فلقيت معبدا كذا للأكثر وللكشميهني فلقيت أبا معبد وهو وهم من جهة هذه الرواية وأن كان صوابا في نفس الأمر

[ 4055 ] قوله وقال خالد هو الحذاء وصل هذه الطريق الإسماعيلي من جهة خالد بن عبد الله عنه بلفظ عن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود فقال هذا مجالد يا رسول الله فبايعه على الهجرة الحديث وقد تقدم بيان أحوال الهجرة مستوفى في أبواب الهجرة وفي أوائل الجهاد الحديث الثامن حديث بن عمر تقدم سندا ومتنا في أوائل الهجرة

[ 4056 ] قوله وقال النضر بن شميل وصله الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور عنه وزاد في آخره ولكن جهاد فانطلق فأعرض نفسك فإن أصبت شيئا وإلا فارجع الحديث التاسع حديث عائشة تقدم في أوائل الهجرة أيضا سندا ومتنا وإسحاق بن يزيد هو بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي نسبة إلى جده

الحديث العاشر

[ 4059 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور وبه جزم أبو على الجياني وقال الحاكم هو بن نصر قوله حدثنا أبو عاصم هو النبيل وهو من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كما هنا قوله عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مرسل وقد وصله في الحج والجهاد وغيرهما من رواية منصور عن مجاهد عن طاوس عن بن عباس وأورده بن أبي شيبة من طريق يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن بن عباس والذي قبله أولى قوله وعن بن جريج هو موصول بالإسناد الذي قبله وعبد الكريم هو بن مالك الجزري ووقع عند الإسماعيلي وجه آخر عن أبي عاصم عن بن جريج سمعت عبد الكريم سمعت عكرمة وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الحج الحديث الحادي عشر قوله رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أي الخطبة المذكورة وقد وصلها في كتاب العلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وأول الحديث عنده أن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين الحديث وقد تقدم شرحه هناك ولله الحمد

قوله غفور رحيم قوله باب قول الله تعالى ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم إلى غفور رحيم كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله ثم أنزل الله سكينته ثم قال إلى غفور رحيم ووقع في رواية النسفي باب غزوة حنين وقول الله عز وجل ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت إلى غفور رحيم وحنين بمهملة ونون مصغرواد إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات قال أبو عبيد البكري سمي باسم حنين بن قابثة بن مهلائيل قال أهل المغازى خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين لست خلت من شوال وقيل لليلتين بقيتا من رمضان وجمع بعضهم بأنه بدأ بالخروج في أواخر رمضان وسار سادس شوال وكان وصوله إليها في عاشره وكان السبب في ذلك أن مالك بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن ووافقه على ذلك الثقفيون وقصدوا محاربة المسلمين فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم قال عمر بن شبة في كتاب مكة حدثنا الحزامي يعني إبراهيم بن المنذر حدثنا بن وهب عن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة أنه كتب إلى الوليد أما بعد فإنك كتبت إلى تسألني عن قصة الفتح فذكر له وقتها فأقام عامئذ بمكة نصف شهر ولم يزد على ذلك حتى أتاه أن هوازن وثقيفا قد نزلوا حنينا يريدون قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا قد جمعوا إليه ورئيسهم عوف بن مالك ولأبي داود بإسناد حسن من حديث سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين فأطنبوا السير فجاء رجل فقال إني انطلقت من بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم قد اجتمعوا إلى حنين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى وعند بن إسحاق من حديث جابر ما يدل على أن هذا الرجل هو عبد الله بن أبي حدرد الاسلمى قوله ويوم حنين إذا اعجبتكم كثرتكم روى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن الربيع بن أنس قال قال رجل يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الهزيمة وقوله ثم وليتم مدبرين إلى آخر الآيات يأتي بيان ذلك في شرح أحاديث الباب ثم ذكر المصنف فيه خمسة أحاديث

الحديث الأول

[ 4060 ] قوله عن إسماعيل هو بن أبي خالد وكذا هو منسوب في رواية أحمد عن يزيد بن هارون قوله ضربة زاد أحمد فقلت ما هذه وفي رواية الإسماعيلي ضربة على ساعده وفي رواية له أثر ضربة قوله شهدت حنينا قال قبل ذلك في رواية أحمد قال نعم وقبل ذلك ومراده بما قبل ذلك ما قبل حنين من المشاهد وأول مشاهده الحديبيه فيما ذكره من صنف في الرجال ووقفت في بعض حديثه على ما يدل أنه شهد الخندق وهو صحابي بن صحابي الحديث الثاني حديث البراء

[ 4061 ] قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي ومدار هذا الحديث عليه وقد تقدم في الجهاد من وجه آخر عن سفيان وهو الثوري قال حدثني أبو إسحاق قوله وجاءه رجل لم أقف على اسمه وقد ذكر في الرواية الثالثة أنه من قيس قوله يا أبا عمارة هي كنية البراء قوله أتوليت يوم حنين الهمزة للاستفهام وتوليت أن انهزمت وفي الرواية الثانية أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وفي الثالثة أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلها بمعنى قوله أما أنا فاشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم لكن لا على طريق التعميم وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر الرواية الثانية ويمكن الجمع بين الثانية والثالثة يحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه ثم أوضح ذلك وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه صلى الله عليه وسلم قال النووي هذا الجواب من بديع الأدب لأن تقدير الكلام فررتم كلكم فيدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال البراء لا والله ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن جرى كيت وكيت فاوضح أن فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار وإنما انكشفوا من وقع السهام وكأنه لم يستحضر الرواية الثانية وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا كما سيأتي بيانه ويحتمل أن البراء تراجع من السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع الذي أخرجه مسلم بلفظ ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فلذلك حلف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول ودل ذلك على أن من هزما حال من سلمة ولهذا وقع في طريق أخرى ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته فقال لقد رأى بن الأكوع فزعا ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى ثم وليتم مدبرين فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص قوله ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن فأما سرعان فيفتح المهملة والراء ويجوز سكون الراء وقد تقدم ضبطه في سجود الهو في الكلام على حديث ذي اليدين والرشق بالشين المعجمة والقاف رمى السهام وأما هوازن فهي قبيله كبيرة من العرب فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بمعجمة ثم مهملة ثم فاء مفتوحات بن قيس بن عيلان بن إلياس بن مضر والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك وقد بين شعبة في الرواية الثالثة السبب في الإسراع المذكور قال كانت هوازن رماة قال وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا وللمصنف في الجهاد انهزموا قال فاكببنا وفي روايته في الجهاد في باب من قاد دابة غيره في الحربف أقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام وللمصنف في الجهاد أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تكملة السبب المذكور قال خرج شبان أصحابه وإخفاؤهم حسرا بضم المهملة وتشديد السين المهملة ليس عليهم سلاح فاستقبلهم جمع هوازن وبني نضر ما يكادون يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون الحديث وفيه فنزل واستنصر ثم قال أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب ثم صف أصحابه وفي رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق فرموهم برشق من نبل كأنها رجل جراد فانكشفوا وذكر بن إسحاق من حديث جابر وغيره في سبب انكشافهم أمرا آخر وهو أن مالك بن عوف سبق بهم إلى حنين فأعدوا وتهيؤا في مضايق الوادي وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أنحط بهم الوادي في عماية الصبح فثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم وانكفأ الناس منهزمين وفي حديث أنس عند مسلم وغيره من رواية سليمان التيمي عن السميط عن أنس قال افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا قال فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت صف الخيل ثم المقاتلة ثم النساء من وراء ذلك ثم الغنم ثم النعم قال ونحن بشر كثير وعلى ميمنة خيلنا خالد بن الوليد فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس وسيأتي للمصنف قريبا من رواية هشام بن زيد عن أنس قال أقبلت هوازن وغطفان بذراريهم ونعمهم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومعه الطلقاء قال فأدبروا عنه حتى بقي وحده الحديث ويجمع بين قوله حتى بقي وحده وبين الأخبار الدالة على أنه بقي معه جماعة بأن المراد بقي وحده متقدما مقبلا على العدو والذين ثبتوا معه كانوا وراءه أو الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك ووقع في رواية أبي نعيم في الدلائل تفصيل المائة بضعة وثلاثون من المهاجرين والبقية من الأنصار ومن النساء أم سليم وأم حارثة قوله وأبو سفيان بن الحارث أي بن عبد المطلب بن هاشم وهو بن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان إسلامه قبل فتح مكة لأنه خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطريق وهو سائر إلى فتح مكة فأسلم وحسن إسلامه وخرج إلى غزوة حنين فكان فيمن ثبت وعند بن أبي شيبة من مرسل الحكم بن عتيبة قال لما فر الناس يوم حنين جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب فلم يبق معه إلا أربعة نفر ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم على والعباس بين يديه وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان وابن مسعود من الجانب الأيسر قال وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل وروى الترمذي من حديث بن عمر بإسناد حسن قال لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فكنا على أقدامنا ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة وهذا لا يخالف حديث بن عمر فأنه نفى أن يكونوا مائة وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه ثبت معه اثنا عشر رجلا فكأنه أخذه مما ذكره بن إسحاق في حديثه أنه ثبت معه العباس وابنه الفضل وعلي وأبو سفيان بن الحارث وأخوه ربيعة وأسامة بن زيد وأخوه من أمه أيمن بن أم أيمن ومن المهاجرين أبو بكر وعمر فهؤلاء تسعة وقد تقدم ذكر بن مسعود في مرسل الحاكم فهؤلاء عشرة ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط وذلك قوله نصرنا رسول الله في الحرب تسعة وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا وعاشرنا وافى الحمام بنفسه لما مسه في الله لا يتوجع ولعل هذا هو الثبت ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم وممن ذكر الزبير بن بكار وغيره أنه ثبت يوم حنين أيضا جعفر بن أبي سفيان بن الحارث وقثم بن العباس وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وشيبة بن عثمان الحجي فقد ثبت عنه أنه لما رأى الناس قد انهزموا استدبر النبي صلى الله عليه وسلم ليقتله فأقبل عليه فضربه في صدره وقال له قاتل الكفار فقاتلهم حتى انهزموا قال الطبري الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة قوله أخذ برأس بغلته في رواية زهير فأقبلوا أي المشركون هنالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به فنزل واستنصر قال العلماء في ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة يومئذ دلالة على النهاية في الشجاعة والثبات وقوله فنزل أي عن البغلة فاستنصر وسلم أي قال اللهم أنزل نصرك وقع مصرحا به في رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق وفي حديث العباس عند مسلم شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث فلم نفارقه الحديث وفيه ولي المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجام رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه ويمكن الجمع بأن أبا سفيان كان آخذا أولا بزمامها فلما ركضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه كان عمه قوله بغلته هذه البغلة هي البيضاء وعند مسلم من حديث العباس وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي وله من حديث سلمة وكان على بغلته الشهباء ووقع عند بن سعد وتبعه جماعة ممن صنف السيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان على بغلته دلدل وفيه نظر لأن دلدل أهداها له المقوقس وقد ذكر القطب الحلبي أنه استشكل عند الدمياطي ما ذكره بن سعد فقال له كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة وكنت حينئذ سيريا محضا وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف قال القطب الحلبي يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته وإلا فما في الصحيح أصح ودل قول الدمياطي أنه كان يعتقد الرجوع عن كثير مما وافق فيه أهل السير وخالف الأحاديث الصحيحة وأن ذلك كان منه قبل أن يتضلع من الأحاديث الصحيحة ولخروج نسخ من كتابه وانتشاره لم يتمكن من تغييره وقد أغرب النووي فقال وقع عند مسلم على بغلته البيضاء وفي أخرى الشهباء وهي واحدة ولا نعرف له بغلة غيرها وتعقب بدلدل فقد ذكرها غير واحد لكن قيل إن الاسمين لواحدة قوله أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب قال بن التين كان بعض أهل العلم يقوله بفتح الباء من قوله لا كذب ليخرجه عن الوزن وقد أجيب عن مقالته صلى الله عليه وسلم هذا الرجز بأجوبة أحدها أنه نظم غيره وأنه كان فيه أنت النبي لا كذب أنت بن عبد المطلب فذكره بلفظ أنا في الموضعين ثانيها أن هذا رجز وليس من أقسام الشعر وهذا مردود ثالثها أنه لا يكون شعرا حتى يتم قطعة وهذه كلمات يسيرة ولا تسمى شعرا رابعها أنه خرج موزونا ولم يقصد به الشعر وهذا أعدل الأجوبة وقد تقدم هذا المعنى في غير هذا المكان ويأتي تاما في كتاب الأدب وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر بخلاف عبد الله فأنه مات شابا ولهذا كان كثير من العرب يدعونه بن عبد المطلب كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم أيكم بن عبد المطلب وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو الله ويهدى إلى الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه وقد اشتهر ذلك بينهم وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد النبي صلى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا بد من ظهوره وأن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم وأما قوله لا كذب ففيه إشارة إلى صفة النبوة يستحيل معها الكذب فكأنه قال أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى انهزم وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر حق فلا يجوز على الفرار وقيل معنى قوله لا كذب أن أنا النبي حقا لا كذب في ذلك تنبيهان أحدهما ساق البخاري الحديث عاليا عن أبي الوليد عن شعبة لكنه مختصر جدا ثم ساقه من رواية غندر عن شعبة مطولا بنزول درجة وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة الفضل بن الحباب عن أبي الوليد مطولا فكأنه لما حدث به البخاري حدثه به مختصرا الثاني اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب الا رواية زهير بن معاوية فزاد في آخرها ثم صف أصحابه وزاد مسلم في حديث البراء من رواية زكريا عن أبي إسحاق قال البراء كنا والله إذا أحمر البأس نتقي به وأن الشجاع منا الذي يحاذيه يعنى النبي صلى الله عليه وسلم ولمسلم من حديث العباس ان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ صار يركض بغلته الى جهة الكفار وزاد فقال أي عباس ناد أصحاب الشجرة وكان العباس صيتا قال فناديت بأعلى صوتي أين أصحاب الشجرة قال فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيك قال فاقتتلوا والكفار فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول الى قتالهم فقال هذا حين حمى الوطيس ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب الكعبة قال فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا ولابن إسحاق نحوه وزاد فجعل الرجل يعطف بغيره فلا يقدر فيقذف درعه ثم يأخذ بسيفه ودرقته ثم يؤم الصوت قوله في آخر الرواية الثالثة

[ 4063 ] قال إسرائيل وزهير نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته أي إن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وزهير بن معاوية الجعفي رويا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء فقالا في آخره نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته فأما رواية إسرائيل فوصلها المصنف في باب من قال خذها وأنا بن فلان من كتاب الجهاد ولفظه كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته فلما غشيه المشركون نزل وقد تقدم شرح ذلك وأما رواية زهير فوصلها أيضا في باب من صف أصحابه عند الهزيمة وقد ذكرت لفظه قريبا ولمسلم من حديث سلمة بن الأكوع لما غشوا النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانا الا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا منهزمين ولأحمد وأبي داود والترمذي من حديث أبي عبد الرحمن الفهرى في قصة حنين قال فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب قال فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال شاهت الوجوه فهزمهم قال يعلىبن عطاء راوية عن أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري قال فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا لم يبق منا أحد الا امتلأت عيناه وفمه ترابا ولأحمد والحاكم من حديث بن مسعود ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته قدما فحادت به بغلته فمال عن السرج فقلت ارتفع رفعك الله فقال ناولنى كفا من تراب فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب فولى المشركون الادبار وللبزار من حديث بن عباس أن عليا ناول النبي صلى الله عليه وسلم التراب فرمى به في وجوه المشركين يوم حنين ويجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم أولا قال لصاحبه فناولني ناوله فرماهم ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا فيحتمل أن الحصي في إحدى المرتين وفي الأخرى التراب والله أعلم وفي الحديث من الفوائد حسن الأدب في الخطاب والارشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب وذم الإعجاب وفيه جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها وجواز التعرض الى الهلاك في سبيل الله ولا يقال كان النبي صلى الله عليه وسلم متيقنا للنصر لوعد الله تعالى له بذلك وهو حق لآن أبا سفيان بن الحارث قد ثبت معه آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي صلى الله عليه وسلم وقد استشهد في تلك الحالة أيمن بن أم أيمن كما تقدمت الإشارة إليه في شعر العباس وفيه ركوب البغلة إشارة إلى مزيد الثبات لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولى وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك ادعى لاتباعه على الثبات وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم للمبالاة بالعدو

الحديث الثالث حديث المسور ومروان تقدم ذكره من وجهين عن الزهري وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرسله فإن المسور يصغر عن إدراك القصة ومروان أصغر منه نعم كان المسور في قصة حنين مميزا فقد ضبط في ذلك الاوان قصة خطبة على لابنة أبي جهل والله أعلم

[ 4064 ] قوله حدثنا بن أخي بن شهاب قال محمد بن مسلم بن شهاب هو الزهري وسقط بن مسلم من بعض النسخ قوله وزعم عروة بن الزبير هو معطوف على قصة صلح الحديبية وقد أخرجه موسى بن عقبة عن الزهري بلفظ حدثني عروة بن الزبير الخ وسيأتي في الاحكام قوله قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين ساق الزهري هذه القصة من هذا الوجه مختصرة وقد ساقها موسى بن عقبة في المغازي مطولة ولفظه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف في شوال إلى الجعرانة وبها السبي يعني سبي هوازن وقدمت عليه وفد هوازن مسلمين فيهم تسعة نفر من أشرافهم فأسلموا وبايعوا ثم كلموه فقالوا يا رسول الله إن فيمن أصبتم الأمهات والاخوات والعمات والخالات وهن مخازى الأقوام فقال سأطلب لكم وقد وقعت المقاسم فأي الامرين أحب إليكم آلسبى أم المال قالوا خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال فالحسب أحب إلينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير فقال أما الذي لبني هاشم فهو لكم وسوف أكلم لكم المسلمين فكلموهم وأظهروا إسلامكم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاجرة قاموا فتكلم خطباؤهم فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغوا فشفع لهم وحض المسلمين عليه وقال قد رددت الذي لبني هاشم عليهم فاستفيد من هذه القصة عدد الوفد وغير ذلك مما لا يخفى وقد أغفل محمد بن سعد لما ذكر الوفود وفدهوازن هؤلاء مع أنه لم يجمع أحد في الوفود أكثر مما جمع وممن سمي من وفد هوازن زهير بن صرد كما سيأتي وأبو مروان ويقال أبو ثرون أوله مثلثة بدل الميم ويقال بموحدة وقاف وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ذكره بن سعد وفي رواية بن إسحاق حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تعيين الذي خطب له في ذلك ولفظه وأدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا يا رسول الله إنا أهل وعشيرة قد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال يا رسول الله إن اللواتي في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك وأنت خير مكفول ثم أنشده الأبيات المشهورة أولها يقول فيها امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وندخر امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملؤه من محضها الدرر ثم ساق القصة نحو سياق موسى بن عقبة وأورد الطبراني شعر زهير بن صرد من حديثه فزاد على ما أورده بن إسحاق خمسة أبيات وقد وقع لنا عاليا جدا في المعجم الصغير عشارى الإسناد ومن بين الطبراني فيه وزهير لا يعرف لكن يقوي حديثه بالمتابعة المذكورة فهو حسن وقد بسطت القول فيه في الأربعين المتباينة وفي الامالى وفي الصحابة وفي العشرة العشارية وبينت وهم من زعم أن الإسناد منقطع والله الموفق قوله وقد كنت استأنيت بكم في رواية الكشميهني لكم ومعنى استأنيت استطرت أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم وكان ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها كما سيأتي ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه آخر القسم ليحضروا فابطؤا وقوله بضع عشرة ليلة فيه بيان مدة التأخير وقوله قفل بفتح القاف والفاء أي رجع وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتا فيهم أبو برقان السعدي فقال يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا امهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامتن علينا من لله عليك فقال قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون وقد قسمت السبي قوله فمن أحب أن يطيب ذلك بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية أي يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض قوله على حظه أي بأن يرد السبي بشرط أن يعطي عوضه ووقع في رواية موسى بن عقبة فمن أحب منكم أن يعطى غير مكره فليفعل ومن كره أن يعطي فعلى فداؤهم قوله فقال الناس قد طيبنا ذلك في رواية موسى بن عقبة فأعطى الناس ما بأيديهم الا قليلا من الناس سألوا الفداء وفي رواية عمرو بن شعيب المذكورة فقال المهاجرون ما كان لنا فهو لرسول الله وقالت الأنصار كذلك وقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم بل ما كان لنا فهو لرسول الله قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم قوله فقال إنا لا ندري من أذن منكم الخ يأتي الكلام عليه في باب العرفاء من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى قوله هذا الذي بلغني عن سبي هوازن بين المصنف في الهبة أن الذي قال هذا الخ هو الزهري قال وذلك بعد أن خرج هذا الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث بسنده

الحديث الرابع

[ 4065 ] قوله عن نافع أن عمر قال يا رسول الله هكذا ذكره مرسلا مختصرا ثم عقبة برواية معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر موصولا تاما وقد عاب عليه الإسماعيلي جمعهما لأن قوله لما قفلنا من حنين لم يقع في رواية حماد بن زيد أي الرواية الأولى المرسلة والجواب أن البخاري إنما نظر إلى أصل الحديث لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا كما أشار إليه البخاري أيضا هنا على أن رواية حماد بن زيد وأن لم يقع فيها ذكر القفول من حنين صريحا لكنه فيها ضمنا كما سأبينه وقد وقع في رواية بعضهم ما ليس عند معمر أيضا مما هو أدخل في مقصود الباب كما سأبينه فأما بقية لفظ الرواية الأولى فقد ساقها هو في فرض الخمس بلفظ أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان على اعتكاف ليلة في الجاهلية فأمره أن يفي به قال وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة الحديث وكذا أورده الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب وأبي الربيع الزهراني وخلف بن هشام كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر كان عليه اعتكاف ليلة في الجاهلية فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة سأله عنه فأمره أن يعتكف لفظ أبي الربيع قلت وكان نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف بالاتفاق وكذا سبي حنين إنما قسم بعد الرجوع منها فاتحدت رواية حماد بن زيد ومعمر معنى وظهر رد ما اعترض به الإسماعيلي وأما رواية من رواه عن حماد بن زيد موصولا فأشار إليه البخاري بقوله وقال بعضهم عن حماد الخ فالمراد بحماد بن زيد فإنه ذكر عقبة رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه والمراد بالبعض المبهم أحمد بن عبدة الضبي كذلك أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال أخبرني القاسم هو بن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال كان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يفى به وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة وذكرا في إنكار بن عمر عمرة الجعرانة ولم يسق مسلم لفظه وقد أوضحته في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة من كتاب فرض الخمس وأما رواية من رواه عن أيوب موصولا فأشار إليه البخاري بقوله ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن بن عمر فرواية جرير بن حازم وصلها مسلم وغيره من رواية بن وهب عن جرير بن حازم أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى قال أذهب فاعتكف يوما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس قال عمر يا عبد الله أذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد وعرف وجه دخول هذا الحديث في باب غزوة حنين ورواية حماد بن سلمة وصلها مسلم من طريق حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب مقرونة برواية محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن بن عمر قال في قصة النذر يعني دون غيره من ذكر الجارية والسبى وقد ذكرت في فرض الخمس كلام الدارقطني على هذا الحديث وأنه قال رواه بن عيينة عن أيوب فاختلف الرواة عنه فمنهم من أرسله ومنهم من وصله وممن رواه موصولا محمد بن أبي خلف وهو من شيوخ مسلم أخرجه الإسماعيلي من طريقه وفيه ذكر النذر والسبى والجارية كما في رواية جرير بن حازم وفي المغازي لابن إسحاق في قصة الجارية فائدة أخرى قال حدثني أبو وجرة يزيد بن عبيد السعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من سبي هوازن على بن أبي طالب جارية يقال لها ريطة بنت حبان بن عمير وأعطى عثمان جارية يقال لها زينب بنت خناس وأعطى عمر قلابة فوهبها لابنه قال بن إسحاق فحدثني نافع عن بن عمر قال بعثت جاريتي إلى أخوالي في بني جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم أتيتهم فخرجت من المسجد فإذا الناس يشتدون قلت ما شأنكم قالوا رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا فقلت دونكم صاحبتكم فهي في بني جمح فانطلقوا فأخذوها وهذا لاينافى قوله في رواية حماد بن زيد أنه وهب عمر جاريتين فيجمع بينهما بأن عمر أعطى إحدى جاريتيه لولده عبد الله والله أعلم وذكر الواقدي أنه أعطى لعبد الرحمن بن عوف وآخرين معه من الجواري وأن جارية سعد بن أبي وقاص اختارته فاقامت عنده وولدت له والله أعلم وقد تقدم ما يتعلق بالاعتكاف في بابه ويأتي ما يتعلق بالنذر في بابه إن شاء الله تعالى

الحديث الخامس حديث أبي قتادة

[ 4066 ] قوله عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري وعمر بن كثير بن أفلح مدني مولى أبي أيوب الأنصاري وثقه النسائي وغيره وهو تابعي صغير ولكن بن حبان ذكره في أتباع التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد لكن ذكره في مواضع فتقدم في البيوع مختصرا وفي فرض الخمس تاما وسيأتي في الأحكام وقد ذكرت في البيوع أن يحيى بن يحيى الأندلسي حرفه في روايته فقال عن عمرو بن كثير والصواب عمرقوله عن أبي محمد هو نافع بن عباس معروف باسمه وكنيته قوله فلما التقينا كانت للمسلمين جولة بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاف وقد أطلق في رواية الليث الآتية بعدها أنهم انهزموا لكن بعد القصة التي ذكرها أبو قتادة وقد تقدم في حديث البراء أن الجميع لم ينهزموا قوله فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين لم أقف على اسمهما وقوله علا أي ظهر وفي رواية الليث التي بعدها نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وكسر المثناة أي يريد أن يأخذه على غرة وتبين من هذه الرواية أن الضمير في قوله في الأولى فضربته من ورائه لهذا الثاني الذي كان يريد أن يختل المسلم قوله على حبل عاتقة حبل العاتق عصبه والعاتق موضع الرداء من المنكب وعرف منه أن قوله في الرواية الثانية فأضرب يده فقطعتها أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف وقوله فقطعت الدرع أي التي كان لابسها وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها قوله وجدت منها ريح الموت أي من شدتها وأشعر ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا قوله ثم أدركه الموت فأرسلنى أي أطلقني قوله فلحقت عمر في السياق حذف ببنته الرواية الثانية حيث قال فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب قوله أمر الله أي حكم الله وما قضى به قوله ثم رجعوا في الرواية الثانية ثم تراجعوا وقد تقدم في الحديث الأول كيفية رجوعهم وهزيمة المشركين بما يغنى عن إعادته قوله من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه تقدم شرح ذلك مستوفى في فرض الخمس قوله فقلت من يشهد لي زاد في الرواية التي تلي هذه فلم أر أحدا يشهد لي وذكر الواقدي أن عبد الله بن أنيس شهد له فإن كان ضبطه احتمل أن يكون وجده في المرة الثانية فإن في الرواية الثانية فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره قوله فقال رجل في الرواية الثانية من جلسائه وذكر الواقدي أن اسمه أسود بن خزاعي وفيه نظر لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي قوله صدق وسلبه عندي فأرضه منه في رواية الكشميهني فأرضه مني قوله فقال أبو بكر الصديق لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه هكذا ضبطناه في الأصول المعتمدة من الصحيحين وغيرهما بهذه الأحرف لاها الله إذا فأما لاها الله فقال الجوهري ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لاها الله ما فعلت كذا قال بن مالك فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال ولا يكون ذلك الا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن قال وفي النطق بها أربعة أوجه أحدها ها الله باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الالفين ثانيها مثله لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز كقولهم التقت حلقتا البطان ثالثها ثبوت الالفين بهمزة قطع رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع انتهى كلامه والمشهور في الراوية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول وقال أبو حاتم السجستاني العرب تقول لاها الله ذا بالهمز والقياس ترك الهمز وحكى بن التين عن الداودي أنه روى برفع الله قال والمعنى يأبى الله وقال غيره إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون ها للتنبيه و الله مبتدأ ولا يعمد خبره انتهى ولا يخفى تكلفه وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره وأما إذا فثبتت في جميع الروايات المعتمدة والاصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة وقال الخطابي هكذا يروونه وإنما هو في كلامهم أي العرب لاها الله ذا والهاء فيه بمنزلة الواو والمعنى لا والله يكون ذا ونقل عياض في المشارق عن إسماعيل القاضي أن المازني قال قول الرواة لاها الله إذا خطأ والصواب لاها الله ذا أي ذا يميني وقسمى وقال أبو زيد ليس في كلامهم لاها الله إذا وإنما هو لاها الله ذا وذا صلة في الكلام والمعنى لا والله هذا ما أقسم به ومنه أخذ الجوهري فقال قولهم لاها الله ذا معناه لا والله هذا لمفرقوا بين حرف التنبيه والصلة والتقدير لا والله ما فعلت ذا وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث أن الذي وقع في الخبر بلفظ إذا خطأ وإنما هو ذا تبعا لأهل العربية ومن زعم أنه ورد في شيء من الروايات بخلاف ذلك فلم يصب بل يكون ذلك من إصلاح بعض من قلد أهل العربية في ذلك وقد اختلف في كتابة إذا هذه هل تكتب بألف أو بنون وهذا الخلاف مبنى على أنها اسم أو حرف فمن قال هي اسم قال الأصل فيمن قيل له سأجيء إليك فأجاب إذا أكرمك أي إذا جئتني أكرمك ثم حذف جئتني وعوض عنها التنوين واضمرت أن فعلى هذا يكتب بالنون ومن قال هي حرف وهم الجمهور اختلفوا فمنهم من قال هي بسيطة وهو الراجح ومنهم من قال مركبة من إذا وإن فعلى الأول تكتب بألف وهو الراجح وبه وقع رسم المصاحف وعلى الثاني تكتب بنون واختلف في معناها فقال سيبويه معناها الجواب والجزاء وتبعه جماعة فقالوا هي حرف جواب يقتضى التعليل وأفاد أبو على الفارسي أنها قد تتمحض للجواب وأكثر ما تجئ جوابا لو وأن ظاهرا أو مقدرا فعلى هذا لو ثبتت الرواية بلفظ إذا لاختل نظم الكلام لأنه يصير هكذا لا والله إذا لا يعمد إلى أسد الخ وكان حق السياق أن يقول إذا يعمد أي لو أجابك إلى ما طلبت لعمد إلى أسد الخ وقد ثبتت الرواية بلفظ لا يعمد الخ فمن ثم ادعى من ادعى أنها تغيير ولكن قال بن مالك وقع في الرواية إذا بألف وتنوين وليس ببعيد وقال أبو البقاء هو بعيد ولكن يمكن أن يوجه بأن التقدير لا والله لا يعطى إذا يعني ويكون لا يعمد الخ تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه وقال الطيبي ثبت في الرواية لاها الله إذا فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل لاها الله بدون ذا وأن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء والكلام هنا على نقيضه فإن مقتضى الجزاء أن لا يذكر لا في قوله لا يعمد بل كان يقول إذا يعمد إلى أسد الخ ليصح جوابا لطلب السلب قال والحديث صحيح والمعنى صحيح وهو كقولك لمن قال لك أفعل كذا فقلت له والله إذا لا أفعل فالتقدير إذا والله لا يعمد إلى أسد الخ قال ويحتمل أن تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء إنها زائدة في قول الحماسي إذا لقام بنصرى معشر خشن في جواب قوله لو كنت من مازن لم تستبح أبلى قال والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجهابذته وينسبون إليهم الخطأ والتصحيف ولا أقول إن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضى المشاركة بينهم بل أقول لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم قلت وقد سبقه إلى تقرير ما وقع في الرواية ورد ما خالفها الإمام أبو العباس القرطبي في المفهم فنقل ما تقدم عن أئمة العربية ثم قال وقع في رواية العذري والهوزنى في مسلم لاها الله ذا بغير ألف ولا تنوين وهو الذي جزم به من ذكرناه قال والذي يظهر لي أن الرواية المشهورة صواب وليست بخطأ وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم وذلك أن العرب تقول في القسم الله لأفعلن بمد الهمزة وبقصرها فكأنهم عوضوا عن الهمزة ها فقالوا ها الله لتقارب مخرجيهما وكذلك قالوا بالمد والقصر وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا استثقالا لاجتماعهما كما تقول آلله والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما تقول الله وأما إذا فهي بلا شك حرف جواب وتعليل وهي مثل التي وقعت في قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا جف قالوا نعم قال فلا إذا فلو قال فلا والله إذا لكان مساويا لما وقع هنا وهو قوله لاها الله إذا من كل وجه لكنه لم يحتج هناك إلى القسم فتركه قال فقد وضح تقرير الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة ولا سيما من أرتكب أبعد وأفسد فجعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالمقسم به قال وليس هذا قياسا فيطرد ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النبوي ولا مرويا برواية ثابتة قال وما وجد العذري وغيره فأصلاح من اغتر بما حكى عن أهل العربية والحق أحق أن يتبع وقال بعض من أدركناه وهو أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب في حاشية نسخته من البخاري استرسل جماعة من القدماء في هذا الاشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الاثبات بالتصحيف فقالوا والصواب لاها الله ذا باسم الإشارة قال ويا عجبا من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلا جوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم الإشارة كما قال بن مالك وأما جعل لا يعمد جواب فأرضه فهو سبب الغلط وليس بصحيح ممن زعمه وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه صدق فأرضه فكأن أبا بكر قال إذا صدق في أنه صاحب السلب إذا لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك قال وهذا واضح لا تكلف فيه انتهى وهو توجيه حسن والذي قبله أقعد ويؤيد ما رجحه من الاعتماد على ما ثبتت به الرواية كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بريرة لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت فانتهرتها فقلت لاها الله إذا ومنها ما وقع في قصة جليبيب بالجيم والموحدتين مصغرا أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال حتى أستأمر أمها قال فنعم إذا قال فذهب إلى امرأته فذكر لها فقالت لاها الله إذا وقد منعناها فلانا الحديث صححه بن حبان من حديث أنس ومنها ما أخرجه أحمد في الزهد قال قال مالك بن دينار للحسن يا أبا سعيد لو لبست مثل عباءتي هذه قال لاها الله إذا ألبس مثل عباءتك هذه وفي تهذيب الكمال في ترجمة بن أبي عتيق أنه دخل عائشة في مرضها فقال كيف أصبحت جعلني الله فداك قالت أصبحت ذاهبة قال فلا إذا وكان فيه دعابة ووقع في كثير من الأحاديث في سياق الاثبات بقسم وبغير قسم فمن ذلك في قصة جليبيب ومنها حديث عائشة في قصة صفية لما قال صلى الله عليه وسلم أحابستنا هي وقال إنها طافت بعد ما أفاضت فقال فلتنفر إذا وفي رواية فلا إذا ومنها حديث عمرو بن العاص وغيره في سؤاله عن أحب الناس فقال عائشة فقال لم أعن النساء قال فأبوها إذا ومنها حديث بن عباس في قصة الأعرابي الذي أصابته الحمى فقال بل حمى تفور عل شيخ كبير تزيره القبور قال فنعم إذا ومنها ما أخرجه الفاكهي من طريق سفيان قال لقيت ليطة بن الفرزدق فقلت أسمعت هذا الحديث من أبيك قال أي ها الله إذا سمعت أبي يقوله فذكر القصة ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء أرأيت لو أني فرغت من صلاتي فلم أرض كما لها أفلا أعود لها قال بلى ها الله إذا والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن تقرر أن إذا حرف جواب وجزاء أنه كأنه قال إذا والله أقول لك نعم وكذا في النفي كأنه أجابه بقوله إذا والله لا نعطيك إذا والله لا أشترط إذا والله لا ألبس وأخر حرف الجواب في الامثلة كلها وقد قال بن جريج في قوله تعالى أم له نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا فلا يؤتون الناس إذا وجعل ذلك جوابا عن عدم النصيب بها مع أن الفعل مستقبل وذكر أبو موسى المديني في المغيث له في قوله تعالى وإذا لا يلبثون خلفك الا قليلا إذا قيل هو اسم بمعنى الحروف الناصبة وقيل أصله إذا هو من ظروف الزمان وإنما نون للفرق ومعناه حينئذ أي أن أخرجوك من مكة فحينئذ لا يلبثون خلفك إلا قليلا وإذا تقرر ذلك أمكن حمل ما ورد من هذه الأحاديث عليه فيكون التقدير لا والله حينئذ ثم أراد بيان السبب في ذلك فقال لا يعمد الخ والله أعلم وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني منذ طلبت الحديث ووقفت على كلام الخطابي وقعت عندي منه نفرة للاقدام على تخطئة الروايات الثابتة خصوصا ما في الصحيحين فما زلت أتطلب المخلص من ذلك إلى أن ظفرت بما ذكرته فرأيت إثباته كله هنا والله الموفق قوله لا يعمد الخ أي لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حقه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه هكذا ضبط للأكثر بالتحتانية فيه وفي يعطيك وضبطه النووي بالنون فيهما قوله فيعطيك سلبه أي سلب قتيله فأضافه إليه باعتبار أنه ملكه تنبيه وقع في حديث أنس أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عمر أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق بن أبي طلحة عنه ولفظه إن هوازن جاءت يوم حنين فذكر القصة قال فهزم الله المشركين فلم يضرب بسيف ولم يطعن يرمح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ من قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين راجلا وأخذ أسلابهم وقال أبو قتادة إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع فأعجلت عنه فقام رجل فقال أخذتها فأرضه منها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت فسكت فقال عمر والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق عمر وهذا الإسناد قد أخرج به مسلم بعض هذا الحديث وكذلك أبو داود لكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن لما وقع فيها من غيره ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر والله أعلم قوله صدق أي القائل فأعطه بصيغة الأمر الذي اعترف بأن السلب عنده قوله فابتعت به ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع اوافي قوله مخرفا بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجتنى وأما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها وفي الرواية التي بعدها خرافا وهو بكسر أوله وهو التمر الذي يخترف أي يجتنى وأطلقه على البستان مجازا فكأنه قال بستان خراف وذكر الواقدي أن البستان المذكور كان يقال له الوديين قوله في بني سلمة بكسر اللام هم بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة قوله تأثلته بمثناة ثم مثلثة أي أصلته وأثلة كل شيء أصله وفي رواية بن إسحاق أول مال اعتقدته أي جعلته عقدة والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه

[ 4067 ] قوله وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد هو الأنصاري شيخ مالك فيه وروايته هذه وصلها المصنف في الأحكام عن قتيبة عنه لكن باختصار وقال فيه عن يحيى لم يقل حدثني وذكر في آخره كلمة قال فيها قال لي عبد الله حدثنا الليث يعني بالإسناد المذكور وعبد الله هو بن صالح كاتب الليث وأكثر ما يعلقه البخاري عن الليث ما أخذه عن عبد الله بن صالح المذكور وقد أشبعت القول في ذلك في المقدمة وقد وصل الإسماعيلي هذا الحديث من طريق حجاج بن محمد عن الليث قال حدثني يحيى بن سعيد وذكره بتمامه قوله تخوفت حذف المفعول والتقدير الهلال قوله ثم برك كذا للأكثر بالموحدة ولبعضهم بالمثناة أي تركني وفي رواية الإسماعيلي ثم نزف بضم النون وكسر الزاي بعدها فاء ويؤيده قوله بعدها فتحلل قوله سلاح هذا القتيل الذي يذكر في رواية الكشميهني الذي ذكره وتبين بهذه الرواية أن سلبه كان سلاحا قوله أصيبغ بمهملة ثم معجمة عند القابسي وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر وقال بن التين وصفه بالضعف والمهانة والاصيبغ نوع من الطير أو شبهه بنبات ضعيف يقال له الصبغاء إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر ذكر ذلك الخطابي وعلى هذا رواية القابسي وعلى الثاني تصغير الضبع على غير قياس كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز وقال بن مالك أضيبع بمعجمة وعين مهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعيف قوله ويدع أي يترك وهو بالرفع ويجوز للنصب والجر

قوله باب غزوة أوطاس قال عياض هو واد في دار هوازن وهو موضع حرب حنين انتهى وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض أهل السير والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين ويوضح ذلك ما ذكر أبي إسحاق أن الوقعة كانت في وادي حنين وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم الى الطائف وطائفة إلى بجيلة وطائفة إلى أوطاس فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا مقدمهم أبو عامر الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس كما يدل عليه حديث الباب ثم توجه هو وعساكره إلى الطائف وقال أبو عبيدة البكري أوطاس واد في ديار هوازن وهناك عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين

[ 4068 ] قوله بعث أبا عامر هو عبيد بن سليم بن حضار الأشعري وهو عم أبي موسى وقال بن إسحاق هو بن عمه والأول أشهر قوله فلقى دريد بن الصمه فقتل دريد أما الصمة فهو بكسر المهملة وتشديد الميم أي بن بكر بن علقمة ويقال بن الحارث بن بكر بن علقمة الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن فالصفة لقب لأبيه واسمه الحارث وقوله فقتل رويناه على البناء للمجهول واختلف في قاتله فجزم محمد بن إسحاق بأنه ربيعة بن رفيع بقاء مصغر بن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي وكان يقال له بن الذعنة بمعجمة ثم مهملة ويقال بمهملة ثم معجمة وهي أمه وقال بن هشام يقال اسمه عبد الله بن قبيع بن أهبان وساق بقية نسبه ويقال له أيضا بن الدغنة وليس هو بن الدغنه المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام ولفظه لما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس على أكمة فرأوا كتيبة فقال خلوهم لي فخلوهم فقال هذه قضاعة ولا بأس عليكم ثم رأوا كتيبة مثل ذلك فقال هذه سليم ثم رأوا فارسا وحده فقال خلوه لي فقال معتجر بعمامة سوداء فقال هذا الزبير بن العوام وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا قال فالتفت الزبير فرآهم فقال علام هؤلاء ههنا فمضى إليهم وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلاثمائة فخر رأس دريد بن الصمة فجعله بين يديه ويحتمل أن يكون بن الدغنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنسب الى الزبير مجازا وكان دريد من الشعراء الفرسان المشهورين في الجاهلية ويقال إنه كان لما قتل بن عشرين ويقال بن ستين ومائة سنة قوله قال أبو موسى وبعثنى أي النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي عامر أي إلى من التجأ إلى أوطاس وقال بن إسحاق بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري في آثار من توجه إلى أوطاس فأدرك بعض من انهزم فناوشوه القتال قوله فرمى أبو عامر في ركبته رماه جشمى بضم الجيم وفتح المعجمة أي رجل من بني جشم واختلف في اسم هذا الجشمي فقال بن إسحاق زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه وقال بن هشام حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفي والعلاء ابنا الحارث وفي نسخة وافى بدل أوفى فأصاب أحدهما ركبته وقتلهما أبو موسى الأشعري وعند بن عائذ والطبراني في الأوسط من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل بن دريد أبا عامر فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء الحديث فهذا يؤيد ما ذكره بن إسحاق وذكر بن إسحاق في المغازي أيضا أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين إخوة فقتلهم واحدا بعد واحد حتى كان العاشر فحمل عليه وهو يدعوه الىالاسلام وهو يقول اللهم أشهد عليه فقال الرجل اللهم لا تشهد على فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم فقتله العاشر ثم أسلم بعد فحسن إسلامه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه شهيد أبي عامر وهذا يخالف الحديث الصحيح في أن أبا موسى قتل قاتل أبي عامر وما في الصحيح أولى بالقبول ولعل الذي ذكره بن إسحاق شارك في قتله قوله فنزا منه الماء أي انصب من موضع السهم قوله قال بابن أخى هذا يرد قول بن إسحاق إنه بن عمه ويحتمل أن كان ضبطه أن يكون قال له ذلك لكونه كان أسن منه قوله فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في رواية بن عائذ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم معي اللواء قال يا أبا موسى قتل أبو عامر قوله على سرير مرمل براء مهملة ثم ميم ثقيلة أي معمول بالرمال وهي حبال الحصر التي تضفر بها الاسرة قوله وعليه فراش قال بن التين أنكره الشيخ أبو الحسن وقال الصواب ما عليه فراش فسقطت ما انتهى وهو إنكار عجيب فلا يلزم من كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر أن لا يكون على سريره دائما فراش قوله فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه يستفاد منه استحباب التطهير لإرادة الدعاء ورفع اليدين في الدعاء خلافا لمن خص ذلك بالاستسقاء وسيأتي بيان ما ورد من ذلك في كتاب الدعوات قوله فوق كثير من خلقك أي في المرتبة وفي رواية بن عائذ في الأكثرين يوم القيامة قوله قال أبو بردة هو موصول بالإسناد المذكور

قوله موسى بن عقبه

قوله باب غزوة الطائف هو بلد كبير مشهور كثير الاعناب والنخيل على ثلاث مراحل أو اثنتين من مكة من جهة المشرق قيل أصلها أن جبريل عليه السلام اقتلع الجنة التي كانت لأصحاب الصريم فسار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف فسمى الموضع بها وكانت أولا بنواحي صنعاء واسم الأرض وج بتشديد الجيم سميت برجل وهو بن عبد الجن من العمالقة وهو أول من نزل بها وسار النبي صلى الله عليه وسلم إليها بعد منصرفة من حنين وحبس الغنائم بالجعرانة وكان مالك بن عوف النضري قائد هوازن لما انهزم دخل الطائف وكان له حصن بلية وهي بكسر اللام وتخفيف التحتانية على أميال من الطائف فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو سائر إلى الطائف فأمر بهدمه قوله في شوال سنة ثمان قاله موسى بن عقبة قلت كذا ذكره في مغازبه وهو قول جمهور أهل المغازي وقيل بل وصل إليها في أول ذي القعدة ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الأول حديث أم سلمة وهشام هو بن عروة وفي الإسناد لطيفة رجل عن أبيه وهما تابعيان وامرأة عن أمها وهما صحابيتان

[ 4069 ] قوله أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف الحديث يأتي شرحه في كتاب النكاح والغرض منه هنا ذكر حصار الطائف ولذلك أورد الطريق الأخرى بعده حيث قال فيها وهو محاصر الطائف يومئذ وعبد الله بن أبي أمية هو أخو أم سلمة راوية الحديث وكان إسلامه مع أبي سفيان بن الحارث المقدم ذكره في غزوة الفتح واستشهد عبد الله بالطائف أصابه سهم فقتله وقوله في الأول قال بن عيينة وقال بن جريج هو موصول بالإسناد الأول وقوله المخنث هيت أي اسمه وهو بكسر الهاء وسكون التحتانية بعدها مثناة وضبطه بعضهم بفتح أوله وأما بن درستويه فضبطه بنون ثم موحدة وزعم أن الأول تصحيف قال والهنب الاحمق وسيأتي ما قيل في اسمه من الاختلاف هل هو واحد أو جماعة في كتاب النكاح وكذا ما قيل في اسم المرأة والاشهر أنها بادية إن شاء الله تعالى

الحديث الثاني قوله سفيان هو بن عيينة قوله عن عمرو هو بن دينار وأبو العباس الشاعر الاعمى تقدم ذكره وتسميته في قيام الليل قوله عن عبد الله بن عمر في رواية الكشميهنى عبد الله بن عمرو بفتح العين وسكون الميم وكذا وقع في رواية النسفي والأصيلي وقرئ على بن زيد المروزي كذلك فرده بضم العين وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه وقال الصواب عبد الله بن عمر بن الخطاب والأول هو الصواب في رواية على بن المديني وكذلك الحميدي وغيرهما من حفاظ أصحاب بن عيينة وكذا أخرجه الطبراني من رواية إبراهيم بن يسار وهو ممن لازم بن عيينة جدا والذي قال عن بن عيينة في هذا الحديث عبد الله بن عمر وهم الذين سمعوا منه متأخرا كما نبه عليه الحاكم وقد بالغ الحميدي في إيضاح ذلك فقال في مسنده في روايته لهذا الحديث عن سفيان عبد الله بن عمر بن الخطاب وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق عثمان الدارمي عن على بن المديني قال حدثنا به سفيان غير مرة يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب لم يقل عبد الله بن عمرو بن العاص وأخرجه بن أبي شيبة عن بن عيينة فقال عبد الله بن عمر وكذا رواه عنه مسلم وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عنه فزاد قال أبو بكر سمعت بن عيينة مرة أخرى يحدث به عن بن عمر وقال المفضل العلائي عن يحيى بن معين أبو العباس عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر في الطائف الصحيح بن عمرقوله

[ 4070 ] لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا في مرسل بن الزبير عند بن أبي شيبة قال لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم الطائف قال أصحابه يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال اللهم اهد ثقيفا وذكر أهل المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استعصى عليه الحصن وكانوا قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة ورموا على المسلمين سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل فأصابوا قوما فاستشار نوفل بن معاوية الديلي فقال هم ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك فرحل عنهم وذكر أنس في حديثه عند مسلم أن مدة حصارهم كانت أربعين يوما وعند أهل السير اختلاف قبل عشرين يوما وقيل بضع عشرة وقيل ثمانية عشر وقيل خمسة عشر قوله إنا قافلون أي راجعون إلى المدينة قوله فثقل عليهم بين سبب ذلك بقولهم نذهب ولا نفتحه وحاصل الخبر أنهم لما أخبرهم بالرجوع بغير فتح لم يعجبهم فلما رأى ذلك أمرهم بالقتال فلم يفتح لهم فأصيبوا بالجراح لأنهم رموا عليهم من أعلى السور فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل السهام إلى من على السور فلما رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع فلما أعاد عليهم القول بالرجوع اعجبهم حينئذ ولهذا قال فضحك وقوله وقال سفيان مرة فتبسم هو ترديد من الراوي قوله قال الحميدي حدثنا سفيان الخبر كله بالنصب أي أن الحميدي رواه بغير عنعنة بل ذكر الخبر في جميع الإسناد ووقع في رواية الكشميهني بالخبر كله وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج وفي الدلائل من طريق بشر بن موسى عن الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو سمعت أبا العباس الأعمى يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول فذكره

الحديث الثالث

[ 4071 ] قوله عن عاصم هو بن سليمان وأبو عثمان هو النهدي وشرح المتن يأتي في الفرائض ت والغرض منه ذكر أبي بكرة واسمه نفيع بن الحارث وكان مولى الحارث بن كلدة الثقفي فتدلى من حصن الطائف ببكرة فكنى أبا بكرة لذلك أخرج ذلك الطبراني بسند لا بأس به من حديث أبي بكرة وكان ممن نزل من حصن الطائف من عبيدهم فأسلم فيما ذكر أهل المغازي منهم مع أبي بكرة المنبعث وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب وكذا مرزوق والأزرق زوج سمية والدة زياد بن عبيد الذي صار يقال له زياد بن أبيه والأزرق أبو عقبة وكان لكلدة الثقفي ثم حالف بني أمية لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفعه لخالد بن سعيد بن العاص ليعلمه الإسلام ووردان وكان لعبد الله بن ربيعة ويحنس النبال وكان لابن مالك الثقفي وإبراهيم بن جابر وكان لخرشة الثقفي وبشار وكان لعثمان بن عبد الله ونافع مولى الحارث بن كلدة ونافع مولى غيلان بن سلمة الثقفي ويقال كان معهم زياد بن سمية والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره ولم أعرف أسماء الباقين قوله تسور أي صعد إلى أعلاه وهذا لا يخالف قوله تدلى لأنه تسور من أسفله إلى أعلاه ثم تدلى منه

[ 4072 ] قوله وقال هشام هو بن يوسف الصغاني ولم يقع لي موصولا إليه وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر لكن عن أبي عثمان وحده عن أبي بكرة وحده بغير شك وغرض المصنف منه ما فيه من بيان عدد من أبهم في الرواية الأولى فإن فيها تسور من حصن الطائف في أناس وفي هذا فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره وهو شيء قاله موسى بن عقبة في مغازيه وتبعه الحاكم وجمع بعضهم بين القولين بأن أبا بكرة نزل وحده أولا ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن وروى بن أبي شيبة وأحمد من حديث بن عباس قال أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف كل من خرج إليه من رقيق المشركين أخرجه بن سعد مرسلا من وجه آخر

الحديث الرابع وهو أول الأحاديث في قسمة غنائم حنين بالجعرانة قوله

[ 4073 ] وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة اما الجعرانة فهي بكسر الجيم والعين المهملة وتشديد الراء وقد تسكن العين وهي بين الطائف ومكة وإلى مكة أقرب قاله عياض وقال الفاكهي بينها وبين مكة بريد وقال الباجي ثمانية عشر ميلا وقد أنكر الداودي الشارح قوله إن الجعرانة بين مكة والمدينة وقال إنما هي بين مكة والطائف وكذا جزم النووي بان الجعرانة بين الطائف ومكة وهو مقتضى ما تقدم نقله عن الفاكهي وغيره قوله أعرابي لم أقف علىاسمه قوله ألا تنجز لي ما وعدتني يحتمل أن الوعد كان خاصا به ويحتمل أن يكون عاما وكان طلبه أن يعجل له نصيبه من الغنيمة فإنه صلى الله عليه وسلم كان أمر أن تجمع غنائم حنين بالجعرانة وتوجه هو بالعساكر إلى الطائف فلما رجع منها قسم الغنائم حينئذ بالجعرانة فلهذا وقع في كثير ممن كان حديث عهد بالإسلام استبطاء الغنيمة واستنجاز قسمتها قوله أبشر بهمزة قطع أي بقرب القسمة أو بالثواب الجزيل على الصبر قوله فنادت أم سلمة

الحديث الخامس

[ 4075 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن إبراهيم المعروف بابن علية ويعلى هو بن أمية التميمي وقد تقدم شرح حديثه مستوفى في أبواب العمرة

الحديث السادس قوله حدثنا وهيب هو بن خالدقوله عن عمرو بن يحيى في رواية أحمد عن عفان عن وهيب حدثنا عمرو بن يحيى وهو المازني الأنصاري المدني وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند مسلم عن عمرو بن يحيى بن عمارة قوله لما أفاء الله على رسوله يوم حنين أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم يوم حنين وأصل الفيء الرد والرجوع ومنه سمى الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى جانب فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارىء عليه فإذا غلب الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدى فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم وقد قدمنا قريبا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحبس الغنائم بالجعرانة فلما رجع من الطائف وصل إلى الجعرانة في خامس ذي القعدة وكان السبب في تأخير القسمة ما تقدم في حديث المسور رجاء أن يسلموا وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والاطفال وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفا والغنم أربعين ألف شاة قوله قسم في الناس حذف المفعول والمراد به الغنائم ووقع في رواية الزهرى عن أنس في الباب يعطي رجالا المائة من الإبل وقوله في المؤلفة قلوبهم بدل بعض من كل والمراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل كفار يعطون ترغيبا في الإسلام وقيل مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم وأما المراد بالمؤلفة هنا فهذا الأخير لقوله في رواية الزهري في الباب فانى أعطى رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم ووقع في حديث أنس الآتي في باب قسم الغنائم في قريش والمراد بهم من فتحت مكة وهم فيها وفي رواية له فأعطى الطلقاء والمهاجرين والمراد بالطلقاء جمع طليق من حصل من النبي صلى الله عليه وسلم المن عليه يوم فتح مكة من قريش وأتباعهم والمراد بالمهاجرين من أسلم قبل فتح مكة وهاجر إلى المدينة وقد سرد أبو الفضل بن طاهر في المبهات له أسماء المؤلفة وهم س أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي س وحكيم بن حزام وابو السنابل بن بعكك وصفوان بن أمية وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش وعيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وعمرو بن الايهم التميمي س والعباس بن مرداس السلمي س ومالك بن عوف النضرى والعلاء بن حارثة الثقفي وفي ذكر الاخيرين نظر فقيل إنهما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة وذكر الواقدي في المؤلفة س معاوية ويزيد ابني أبي سفيان وأسيد بن حارثة ومخرمة بن نوفل س وسعيد بن يربوع س وقيس بن عدي س وعمرو بن وهب س وهشام بن عمرو وذكر بن إسحاق من ذكرت عليه علامة سين وزاد النضر بن الحارث والحارث بن هشام وجبير بن مطعم وممن ذكره فيهم أبو عمر سفيان بن عبد الأسد والسائب بن أبي السائب ومطيع بن الأسود وأبو جهم بن حذيفة وذكر بن الجوزي فيهم زيد الخيل وعلقمة بن علاثة وحكيم بن طلق بن سفيان بن أمية وخالد بن قيس السهمي وعمير بن مرداس وذكر غيرهم فيهم قيس بن مخرمة وأحيحة بن أمية بن خلف وابن أبي شريق وحرملة بن هوذة وخالد بن هوذة وعكرمة بن عامر العبدري وشيبة بن عمارة وعمرو بن ورقة ولبيد بن ربيعة والمغيرة بن الحارث وهشام بن الوليد المخزومي فهؤلاء زيادة على أربعين نفسا قوله ولم يمط الأنصار شيئا ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة وقال القرطبي في المفهم الاجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس ومنه كان أكثر عطاياه وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال أن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن اجبرهم وأتألفهم قلت الأول هو المعتمد وسيأتي ما يؤكده والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف وقيل إنما كان تصرف في الغنيمة لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس وقال بن القيم اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سببا لدخول كثير من قبائل العرب في الإسلام وكانوا يقولون دعوه وقومه فإن غلبهم دخلنا في دينه وأن غلبوه كفونا أمره فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسلمين مع كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن النصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم ولو قدر أن لا يغلبوا الكفار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظما فقدر هزيمتهم ثم اعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعا متخشعا واقتضت حكمته أيضا أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشرى في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته لأنها جبلت على حب من أحسن إليها ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم بخلاف قسمته على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول فكان في ذلك عظيم المصلحة ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلا ولا كثيرا مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ما هم فيه فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم فرأى كثيرهم أن يخرجوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم فكانوا غنيمة للمسلمين ولو لم يقذف الله في قلب رئيسهم أن سوقة معه هو الصواب لكان الرأي ما أشار إليه دريد فخالفه فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين ثم اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويوكل من قلبه ممتليء بالإيمان إلى إيمانه ثم كان من تمام التأليف رد من سبى منهم إليهم فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصرو الغنيمة عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع بهم من الكسرة وبما قيض لهم من الدخول في الإسلام ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم فقد اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله إلى بلادهم فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا من الأنثى والصغير بما حازوه من الفوز العظيم ومجاورة النبي الكريم لهم حيا وميتا وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه انتهى ملخصا قوله فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس كذا للأكثر مرة واحدة وفي رواية أبي ذرف كأنهم وجد إذ لم يصبهم ما أصاب الناس أو كأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس أورده على الشك هل قال وجد بضمتين جمع وأجد أو وجدوا على أنه فعل ماض ووقع له عن الكشميهني وحده وجدوا في الموضعين فصار تكرارا بغير فائدة وكذا رأيته في أصل النسفي ووقع في رواية مسلم كذلك قال عياض وقع في نسخة في الثاني أن لم يصبهم يعنى بفتح الهمزة وبالنون قال وعلى هذا تظهر فائدة التكرار وجوز الكرماني أن يكون الأول من الغضب والثاني من الحزن والمعنى أنهم غضبوا والموجدة الغضب يقال وجد في نفسه إذا غضب ويقال أيضا وجد اذا حزن ووجد ضد فقد ووجد إذا استفاد مالا ويظهر الفرق بينهما بمصادرهما ففي الغضب موجدة وفي الخزن وجدا بالفتح وفي ضد الفقد وجدانا وفي المال وجدا بالضم وقد يقع الاشتراك في بعض هذه المصادر وموضع بسط ذلك غير هذا الموضع وفي مغازي سليمان التيمي أن سبب حزنهم أنهم خافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإقامة بمكة والأصح ما في الصحيح حيث قال إذ لم يصبهم ما أصاب الناس على أنه لا يمتنع الجمع وهذا أولى ووقع في رواية الزهري عن أنس في الباب فقالوا يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم وفي رواية هشام بن زيد عن أنس آخر الباب إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا وهذا ظاهر في أن العطاء كان من صلب الغنيمة بخلاف ما رجحه القرطبى قوله فخطبهم زاد مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن يحيى فحمد الله وأثنى عليه وسيأتي في الباب في رواية الزهري فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم فلم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثه أسنانهم فقالوا وفي رواية هشام بن زيد فجمعهم في قبة من أدم فقال يا معشر الأنصار ما حديث بلغني فسكتوا ويحمل على أن بعضهم سكت وبعضهم أجاب وفي رواية أبي التياح عن أنس عند الإسماعيلي فجمعهم فقال ما الذي بلغني عنكم قالوا هو الذي بلغك وكانوا لا يكذبون ولأحمد من طريق ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في آخرين يوم حنين فقالت الأنصار سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم فذكر الحديث وفيه ثم قال أقلتم كذا وكذا قالوا نعم وإسناده على شرط مسلم وكذا ذكر بن إسحاق عن أبي سعيد الخدري أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم سعد بن عبادة ولفظه لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذاالحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك فقال له فأين أنت من ذلك يا سعد قال ما أنا الا من قومى قال فاجمع لي قومك فخرج فجمعهم الحديث وأخرجه أحمد من هذا الوجه وهذا يعكر علىالرواية التي فيها أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا لأن سعد بن عبادة من رؤساء الأنصار بلا ريب إلا أن يحمل على الأغلب الأكثر وأن الذي خاطبه بذلك سعد بن عبادة ولم يرد إدخال نفسه في النفي أوأنه لم يقل لفظا وأن كان رضي بالقول المذكور فقال ما أنا الا من قومي وهذا أوجه والله أعلم قوله ألم اجدكم ضلالا بالضم والتشديد جمع ضال والمراد هنا ضلالة الشرك وبالهداية الإيمان وقد رتب صلى الله عليه وسلم ما من الله عليهم على يده من النعم ترتيبا بالغا فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازيها شيء من أمر الدنيا وثنى بنعمة الآلفة وهي أعظم من نعمة المال لأن الأموال تبذل في تحصيلها وقد لاتحصل وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها كما تقدم في أول الهجرة فزال ذلك كله بالإسلام كما قال الله تعالى لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم قوله عالة بالمهملة أي فقراء لا مال لهم والعيلة الفقر قوله كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله آمن بفتح الهمزة والميم والتشديد أفعل تفضيل من المن وفي حديث أبي سعيد فقالوا ماذا نجيبك يا رسول الله والله ولرسوله المن والفضل قوله قال لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا في رواية إسماعيل بن جعفر لو شئتم أن تقولوا جئتنا كذا وكذا وكان من الأمر كذا وكذ لاشياء زعم عمرو بن أبي يحيى المازني راوي الحديث أنه لا يحفظها وفي هذا رد على من قال إن الراوي كنى عن ذلك عمدا على طريق التأدب وقد جوز بعضهم أن يكون المراد جئتنا ونحن على ضلالة فهدينا بك وما أشبه ذلك وفيه بعد فقد فسر ذلك في حديث أبي سعيد ولفظه فقال أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فواسيناك ونحوه في مغازى أبي الأسود عن عروة مرسلا وابن عائذ من حديث بن عباس موصولا وفي مغازي سليمان التيمي أنهم قالوا في جواب ذلك رضينا عن الله ورسوله وكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه بغير إسناد وأخرجه أحمد عن بن أبي عدي عن حميد عن أنس بلفظ أفلا تقولون جئتنا خائفا فآمناك وطريدا فآويناك ومخذولا فنصرناك فقالوا بل المن علينا لله ولرسوله وإسناده صحيح وروى أحمد من وجه آخر عن أبي سعيد قال قال رجل من الأنصار لأصحابه لقد كنت أحدثكم أن لو استقامت الأمور لقد آثر عليكم قال فردوا عليه ردا عنيفا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا منه وانصافا وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق وقدنبه على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون الخ فمبهم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما حصل عليه غيرهم من عرض الدنيا الفانية قوله بالشاة والبعير اسم جنس فيهما والشاة تقع على الذكر والانثى وكذا البعير وفي رواية الزهري أن يذهب الناس بالأموال وفي رواية أبي التياح بعدها وكذا قتادة بالدنيا قوله إلى رحالكم بالحناء المهملة أي بيوتكم وهي رواية قتادة زاد في رواية الزهري عن أنس فوالله لما تنقبلون به خير مما ينقلبون به وزاد فيه أيضا قالوا يا رسول الله قد رضينا وفي رواية قتادة قالوا بلى وذكر الواقدي أنه حينئذ دعاهم ليكتب لهم بالبحرين تكون لهم خاصة بعده دون الناس وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فأبوا وقالوا لا حاجة لنا بالدنيا قوله لولا الهجرة لكنت أمراءا من الأنصار قال الخطابي أراد بهذا الكلام تألف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبه الإنسان تقع على وجوه منها الولادة والبلادية والاعتقادية والصناعية ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعا وأما الاعتقادى فلا معنى للانتقال فيه فلم يبق الا القسمان الاخيران وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها امرآ واجبا أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم قال ويحتمل أنه لما كانوا أخواله لكون أم عبد المطلب منهم أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة لولا مانع الهجرة وقال بن الجوزي لم يرد صلى الله عليه وسلم تغير نسبه ولا محو هجرته وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب الى المدينة وإلى نصرة الدين فالتقدير لولا أن الهجرة نسبة دينية لا يسع تركها لانتسبت إلى داركم وقال القرطبي معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم كما كانوا ينتسبون بالحلف لكن خصوصية الهجرة وتربيتها سبقت فمنعت من ذلك وهي أعلى وأشرف فلا تتبدل بغيرها وقيل معناه لكنت من الأنصار في الأحكام والعداد وقيل التقدير لولا أن ثواب الهجرة أعظم لاخترت أن يكون ثوابي ثواب الأنصار ولم يرد ظاهر النسب أصلا وقيل لولا التزامي بشروط الهجرة ومنها ترك الإقامة بمكة فوق ثلاث لاخترت أن أكون من الأنصار فيباح لي ذلك قوله وادى الأنصار هو المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا بلدهم وقوله شعب الأنصار بكسر الشين المعجمة وهو اسم لما انفرج بين جبلين وقيل الطريق في الجبل وأراد صلى الله عليه وسلم بهذا وبما بعده التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله قال الخطابي لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار قال ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في واد قوله الأنصار شعار والناس دثار الشعار بكسر المعجمة بعدها مهملة خفيفة الثوب الذي يلي الجلد من الجسد والدثار بكسر المهملة ومثلثة خفيفة الذي فوقه وهي استعارة لطيفة لفرط قربهم منه وأراد أيضا أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم زاد في حديث أبي سعيد اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الانصار قال فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا قوله انكم ستلقون بعدي أثرة بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحين ويجوز كسر أوله مع الاسكان أي الانفراد بالشيء المشترك دون من يشركه فيه وفي رواية الزهري أثرة شديدة والمعنى أنه يستأثر عليهم بما لهم فيه اشتراك في الاستحقاق وقال أبو عبيد معناه يفضل نفسه عليكم في الفيء وقيل المراد بالاثرة الشدة ويرده سياق الحديث وسبه قوله فاصبروا حتى تلقونى علىالحوض أي يوم القيامة وفي رواية الزهري حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض أي اصبروا حتى تموتوا فإنكم ستجدونني عند الحوض فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم والثواب الجزيل علىالصبر وفي الحديث من الفوائد عير ما تقدم إقامة الحجة على الخصم وإفحامه بالحق عند الحاجة اليه وحسن أدب الأنصار في تركهم المماراة والمبالغة في الحياء وبيان أن الذي نقل عنهم إنما كان عن شبانهم لا عن شيوخهم وكهولهم وفيه مناقب عظيمة لهم لما اشتمل من ثناء الرسول البالغ عليهم وأن الكبير ينبه الصغير على ما يغفل عنه ويوضح له وجه الشبهة ليرجع إلى الحق وفيه المعاتبة واستعطاف المعاتب وإعتابه عن عتبة بإقامة حجة من عتب عليه والاعتذار والاعتراف وفيه علم من أعلام النبوة لقوله ستلقون بعدي أثرة فكان كما قال وقد قال الزهري في روايته عن أنس في آخر الحديث قال أنس فلم يصبروا وفيه أن للإمام تفضيل بعض الناس على بعض في مصارف الفيء وأن له أن يعطى الغني منه للمصلحة وأن من طلب حقه من الدنيا لا عتب عليه في ذلك ومشروعية الخطبة عند الأمر الذي يحدث سواء كان خاصا أما عاما وفيه جواز تخصيص بعض المخاطبين في الخطبة وفيه تسلية من فاته شيء من الدنيا مما حصل له من ثواب الآخرة والحض على طلب الهداية والألفة والغنى وأن المنة لله ورسوله علىالاطلاق وتقديم جانب الآخرة علىالدنيا والصبر عما فات منها ليدخر ذلك لصاحبه في الآخرة والآخرة خير وأبقى

الحديث السابع حديث أنس أورده من رواية الزهري وأبي التياح وهشام بن زيد وقتادة كلهم عن أنس وفي رواية بعضهم ما ليس في رواية الآخر وقد ذكرت ما في رواياتهم من فائدة في الذي قبله وهشام في رواية الزهري هو بن يوسف الصنعاني وأبو التياح اسمه يزيد بن حميد وإسناده كله بصريون وكذا طريق قتادة وهشام بن زيد هو بن أنس بن مالك وقد أورد حديثه من طريقين فالأولى عن أزهر وهو بن سعد السمان والثانية عن معاذ بن معاذ وهو العنبري كلاهما عن بن عون وهو عبد الله وجميعهم بصريون

[ 4077 ] قوله في رواية أبي التياح لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم في قريش كذا لأبي ذر عن شيخه وله في رواية الكشميهني بين قريش وهي رواية الأصيلي ووقع في عند القابسي غنائم قريش ولبعضهم غنائم من قريش وهو خطأ لأنه يوهم أن مكة لما فتحت قسمت غنائم قريش وليس كذلك بل المراد بقوله يوم فتح مكة زمان فتح مكة وهو يشمل السنة كلها ولما كانت غزوة حنين ناشئة عن غزوة مكة أضيفت إليها كما تقدم عكسه وقد قرر ذلك الإسماعيلي فقال قوله يعني في رواية لما افتتحت مكة قسمت الغنائم يريد غنائم هوازن فإنه لم يكن عند فتح مكة غنيمة تقسم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم غزا حنينا بعد فتح مكة في تلك الأيام القريبة وكان السبب في هوازن فتح مكة لأن الخلوص إلى محاربتهم كان بفتح مكة وقد خطأ القابسي الرواية وقال الصواب في قريش وأخرج أبو نعيم هذا الحديث من طريق أبي مسلم الكجي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بلفظ لما كان يوم حنين قالت الأنصار والله أن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دماء قريش الحديث فهذا لا إشكال فيه

[ 4078 ] قوله أنبأنا هشام بن زيد في رواية معاذ عن هشام

[ 4079 ] قوله في رواية قتادة أن قريشا حديث عهد كذا وقع بالافراد في الصحيحين والمعروف حديثو عهد وكتبها الدمياطي بخطه حديثو عهد وفيه نظر وقد وقع عند الإسماعيلي أن قريشا كانوا قريب عهد قوله أن أجبرهم كذا للأكثر بفتح أوله وسكون الجيم بعدها موحدة ثم راء مهملة والسرخسي والمستملى بضم أوله وكسر الجيم بعدها تحتانية ساكنة ثم زاى من الجائزة قوله في رواية معاذ عشرة آلاف من الطلقاء في رواية الكشميهني عشرة آلاف والطلقاء وهو أولى فإن الطلقاء لم يبلغوا هذا القدر ولا عشر عشره وقيل إن الواو مقدرة عند من جوز تقدير حرف العطف قوله في آخره وقال هشام قلت يا أبا حمزة هو موصول بالإسناد المذكور وأبو حمزة هو أنس بن مالك وقوله شاهد ذلك في رواية الكشميهني شاهد ذاك قال وأين أغيب عنه هو استفهام إنكار يقرر أنه ما كان ينبغي له أن يظن أن أنسا يغيب عن ذلك وقوله وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم تحوزونه إلى بيوتكم كذا للجميع بالحاء المهملة والزاي من الحوز ووقع عند الكرماني تجيرونه بالتحتانية بدل الواو وضبطه بالجيم والراء المهملة وفسره بقوله أي تنقدونه وكل ذلك خطأ نقلا وتفسيرا وقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ فتذهبون بمحمد تحوزونه كما في الرواية المعتمدة

[ 4081 ] الحديث الثامن حديث بن مسعود ذكره من وجهين قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله آثر ناسا أعطى الأقرع أي بن حابس بن عثمان بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي المجاشعي قيل كان اسمه فراس والأقرع لقبه قوله وأعطى عيينة أي بن حسن بن حذيفة بن بدر الفزاري قوله واعطى ناسا تقدم ذكرهم في الكلام على المؤلفة قريبا وفي هذه العطية يقول العباس بن مرداس السلمي كما أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي في الدلائل من طريق عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم من سبى حنين مائة مائة من الإبل فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة وأعطى صفوان بن أمية مائة وأعطى عبينة بن حصن مائة وأعطى مالك بن عوف مائة وأعطى الأقرع بن حابس مائة وأعطى علقمة بن علاثة مائة وأعطى العباس بن مردواس دون المائة فأنشا يقول أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفع قال فأكمل له المائة وساق بن إسحاق وموسى بن عقبة هذه الأبيات أكثر من هذا قوله في رواية منصور فقال رجل في رواية الأعمش فقال رجل من الأنصار وفي رواية الواقدي أنه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين وفيه تعقب على مغلطاي حيث قال لم أر أحدا قال إنه من الأنصار الا ما وقع هنا وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي وتبعه بن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما سيأتي قريبا من حديث أبي سعيد الخدري قوله ما أراد بها في رواية منصور ما أريد بها على البناء للمجهول قوله فقلت لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الأعمش فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قوله فتغير وجهه في رواية الواقدي حتى ندمت على ما بلغته قوله رحمة الله على موسى تقدمت الإشارة إلى شيء من شرحه في أحاديث الأنبياء وفي الحديث جواز المفاضلة في القسمة والإعراض عن الجاهل والصفح عن الأذى والتأسى بمن مضى من النظراء تنبيه وقع حديث بن مسعود مقدما على طريق معاذ عن بن عون عن هشام عن أنس في رواية أبي ذر والصواب تأخيره لتتوالى طرق حديث أنس وأظنه من تغيير الرواة عن الفريري فإن طريق أنس الأخيرة سقطت من رواية النسفي فلعل البخاري ألحقها فكتبت مؤخرة عن مكانها

قوله باب السرية التي قبل نجد قبل بكسر القاف وفتح الموحدة أي في جهة نجد هكذا ذكرها بعد غزوة الطائف والذي ذكره أهل المغازي أنها كانت قبل التوجه لفتح مكة قال بن سعد كانت في شعبان سنة ثمان وذكر غيره أنها كانت قبل موته وموتة كانت في جمادى كما تقدم من السنة وقيل كانت في رمضان قالوا وكان أبو قتادة أميرها وكانوا خمسة وعشرين وغنموا من غطفان بأرض محارب مائتي بعير والفي شاة والسرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية هي التي تخرج بالليل والسارية التي تخرج بالنهار وقيل سميت بذلك لأنها تخفى ذهابها وهذا يقتضى أنها أخذت من السر ولا يصح لاختلاف المادة وهي قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه وهي من مائة إلى خمسمائة فما زاد على خمسمائة يقال له منسر بالنون والمهملة فإن زاد على الثمانمائة سمي جيشا وما بينهما يسمى هبطة فإن زاد على أربعة آلاف يسمى جحفلا فإن زاد فجيش جرار والخميس الجيش العظيم وما افترق من السرية يسمى بعثا فالعشرة فما بعدها تسمى حفيرة والأربعون عصبة والى ثلاثمائة مقنب بقاف ونون ثم موحدة فإن زاد سمى جمرة بالجيم والكتيبة ما اجتمع ولم ينتشر وحديث بن عمر المذكور في الباب قد تقدم شرحه في فرض الخمس وفي ذكره عقيب حديث أبي قتادة إشارة إلى اتحادهما

قوله باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بفتح الجيم وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة أي بن عامر بن عبد مناة بن كنانة ووهم الكرماني فظن أنه من بني جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف قبيلة من عبد قيس وهذا البعث كان عقب فتح مكة في شوال قبل الخروج الى حنين عند جميع أهل المغازي وكانوا بأسفل مكة من ناحية يلملم قال بن سعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم خالد بن الوليد في ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين والأنصار داعيا الى الإسلام لا مقاتلا قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وقوله

[ 4084 ] وحدثني نعيم هو بن حماد وعبد الله هو بن المبارك وعند الإسماعيلي ما يدل على أن السياق الذي هنا لفظ بن المبارك قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم قال بن إسحاق حدثني حكيم بن عباد عن أبي جعفر يعني الباقر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة الى بني جذيمة داعيا ولم يبعثه مقاتلا قوله فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا هذا من بن عمر راوي الحديث يدل على أنه فهم أنهم أرادوا الإسلام حقيقة ويؤيده فهمه أن قريشا كانوا يقولون لكل من أسلم صبأ حتى اشتهرت هذه اللفظة وصاروا يطلقونها في مقام الذم ومن ثم لما أسلم ثمامة بن أثال وقدم مكة معتمرا قالوا له صبأت قال لا بل أسلمت فلما اشتهرت هذه اللفظة بينهم في موضع أسلمت استعملها هؤلاء وأما خالد فحمل هذه اللفظة على ظاهرها لأن قولهم صبأنا أي خرجنا من دين الى دين ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالإسلام وقال الخطابي يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة ولم ينقادوا إلى الدين فقتلهم متأولا قولهم قوله فجعل خالد يقتل منهم ويأسر في كلام بن سعد أنه أمرهم ان يستأسروا فاستأسروا فكتف بعضهم بعضا وفرقهم في أصحابه فيجمع بأنهم أعطوا بأيديهم بعد المحاربة قوله ودفع إلى كل رجل منا أسيره أي من اصحابه الذين كانوا معه في السرية وفي رواية الباقر فقال لهم خالد ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا فوضعوا السلاح فأمر بهم فكتفوا ثم عرضهم على السيف قوله حتى إذا كان يوم كذا بالتنوين أي من الأيام وكان تامة وعند أبي سعد فلما كان السحر نادى خالد من كان معه أسير فليضرب عنقه قوله أن يقتل كل رجل منا أسيره في رواية الكشميهني كل إنسان قوله فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره وعند بن سعد فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم وفيه جواز الحلف على نفي فعل الغير إذا وثق بطواعيته قوله اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد قال الخطابي أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا قوله مرتين زاد بن عسكر عن عبد الرزاق أو ثلاثة أخرجه الإسماعيلي وفي رواية الباقين ثلاث مرات وزاد الباقر في روايته ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فقال أخرج إلى هؤلاء القوم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج حتى جاءهم ومعه مال فلم يبق لهم أحد الا وداه وذكر بن هشام في زياداته أنه انفلت منهم رجل فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر فقال هل أنكر عليه أحد فوصف له صفة بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة وذكر بن إسحاق من حديث بن أبي حدرد الأسلمي قال كنت في خيل خالد فقال لي فتى من بني جذيمة قد جمعت يداه في عنقه برمة يا فتى هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدى إلى هؤلاء النسوة فقلت نعم فقدته بها فقال اسلمى حبيش قبل نفاد العيش أريتك إن طالبتكم فوجدتكم بحلية أو أدركتكم بالخوانق الأبيات قال فقالت له امرأة منهن وأنت نجيت عشرا وتسعا ووترا وثمانيا تترى قال ثم ضربت عنق الفتى فأكبت عليه فما زالت تقبله حتى ماتت وقد روىالنسائي والبيهقي في الدلائل بإسناد صحيح من حديث بن عباس نحو هذه القصة وقال فيها فقال إني لست منهم أني عشقت امرأة منهم فدعوني أنظر إليها نظرة قال فيه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أما كان فيكم رجل رحيم وأخرجه البيهقي من طريق بن عاصم عن أبيه نحو هذه القصة وقال في آخرها فانحدرت إليه من هودجها فحنت عليه حتى ماتت

قوله باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي ويقال إنها سرية الأنصاري قلت كذا ترجم وأشار بأصل الترجمة إلى ما رواه أحمد وابن ماجة وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق عمر بن الحكم عن أبي سعيد الخدري قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز على بعث أنا فيهم حتى انتهينان إلى رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة السمي وكان من أصحاب بدر وكانت فيه دعابة الحديث وذكر بن سعد هذه القصة بنحو هذاالسياق وذكر أن سببها أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة ترا آهم أهل جدة فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ربيع الآخر في سنة تسع في ثلاثمائة فانتهى إلى جزيرة في البحر فلما خاض البحر إليهم هربوا فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهلهم فأمر عبد الله بن حذافة على من تعجل وذكر بن إسحاق أن سبب هذه القصة أن وقاص بن مجزز كان قتل يوم ذي قرد فأراد علقمة بن مجزز أن يأخذ بثأره فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السرية قلت وهذا يخالف ما ذكره بن سعد إلا أن يجمع بأن يكون أمر بالأمرين وأرخها بن سعد في ربيع الآخر سنة تسع فالله أعلم وأما قوله ويقال أنها سرية الأنصاري فأشار بذلك إلى احتمال تعدد القصة وهو الذي يظهر لي لاختلاف سياقهما واسم اميرهما والسبب في أمره بدخولهم النار ويحتمل الجمع بينهما بضرب من التأويل وببعده وصف عبد الله بن حذافة السهمي القرشي المهاجري بكونه أنصاريا فقد تقدم بيان نسب عبد الله بن حذافة في كتاب العلم ويحتمل الحمل على المعنى الأعم أي أنه نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجملة وإلى التعدد جنح بن القيم وأما بن الجوزي فقال قوله من الأنصار وهم من بعض الرواة وإنما هو سهمي قلت ويؤيده حديث بن عباس عند أحمد في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم الآية نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وسيأتي في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى وقد رواه شعبة عن زبيد اليامي عن سعد بن عبيدة فقال رجلا ولم يقل من الأنصار ولم يسمه أخرجه المصنف في كتاب خبر الواحد وأما علقمة بن مجزز فهو بضم أوله وجيم مفتوحة ومعجمتين الأولى مكسورة ثقيلة وحكى فتحها والأول أصوب وقال عياض وقع لأكثر الرواة بسكون المهملة وكسر الراء المهملة وعن القابسى بجيم ومعجمتين وهوالصواب قلت وأغرب الكرماني فحكى أنه بالحاء المهملة وتشديد الراء فتحا وكسرا وهو خطأ ظاهر وهو ولد القائف الذي يأتي ذكره في النكاح في حديث عائشة في قوله في زيد بن حارثة وابنه أسامة أن بعض هذه الأقدام لمن بعض فعلقمة صحابي بن أصحابي

[ 4085 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد قوله حدثني سعد بن عبيدة بالتصغير قوله عن أبي عبد الرحمن هو السلمي قوله فغضب في رواية حفص بن غياث عن الأعمش في الاحكام فغضب عليهم وفي رواية مسلم فأغضبوه في شيء قوله فقال أوقدوا نارا في رواية حفص فقال عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها وهذا يخالف حديث أبي سعيد فإن فيه فأوقد القوم نارا ليصنعوا عليها صنيعا لهم أو يصطلون فقال لهم أليس عليكم السمع والطاعة قالوا بلى قال أعزم عليكم بحقي وطاعتي لما تواثبتم في هذه النار قوله فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا في رواية حفص فلم هموا بالدخول فيها فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض وفي رواية بن جرير من طريق أبي معاوية عن الأعمش فقال لهم شاب منهم لاتعجلوا بدخولها وفي رواية زبيد عن سعد بن عبيدة في خبر الواحد فأرادوا أن يدخلوها وقال آخرون إنما فررنا منها قوله فما زالوا حتى خمدت النار في رواية حفص فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وخمدت هو بفتح الميم أي طفىء لهبها وحكى المطرزى كسر الميم من خمدت قوله فسكن غضبه هذا أيضا يخالف حديث أبي سعيد فإن فيه أنه كانت به دعابة وفيه أنهم تحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال احبسوا أنفسكم فإنما كنت أضحك معكم قوله فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم في رواية حفص فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قوله ما خرجوا منها إلىيوم القيامة في رواية حفص ما خرجوا منها أبدا وفي رواية زبيد فلم يزالوا فيها إلىيوم القيامة يعني أن الدخول فيها معصية والعاصى يستحق النار ويحتمل أن يكون المراد لو دخلوها مستحلين لما خرجوا منها أبدا وعلى هذا ففي العبارة نوع من أنواع البديع وهو الاستخدام لأن الضمير في قوله لو دخلوها للنار التي اوقدوها والضمير في قوله ما خرجوا منها أبدا لنار الآخرة لأنهم ارتكبوا ما نهوا عنه من قتل أنفسهم ويحتمل وهو الظاهر أن الضمير للنار التي أوقدت لهم أي ظنوا أنهم إذا دخلوا بسبب طاعة أميرهم لا تضرهم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لو دخلوا فيها لا حترقوا فماتوا فلم يخرجوا قوله الطاعة في المعروف في رواية حفص انما الطاعة في المعروف وفي رواية زبيد وقال للآخرين لا طاعة في معصية وفي رواية مسلم من هذا الوجه وقال للآخرين أي الذين امتنعوا قولا حسنا وفي حديث أبي سعيد من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه وفي الحديث من الفوائد أن الحكم في حال الغضب ينفذ منه ما لا يخالف الشرع وأن الغضب يغطى على ذوى العقول وفيه أن الإيمان بالله ينجى من النار لقولهم إنما فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم والفرار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرار إلى الله والفرار إلى الله يطلق على الإيمان قال الله تعالى ففروا إلى الله إني لكم منه ندير مبين وفيه أن الأمر المطلق لا يعم الأحوال لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يطيعوا الأمير فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى في حال الغضب وفي حال الأمر بالمعصية فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية وسيأتي مزيد لهذه المسألة في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى واستنبط منه الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة أن الجمع من هذه الأمة لا يجتمعون على خطأ لانقسام السرية قسمين منهم من هان عليه دخول النار فظنه طاعة ومنهم من فهم حقيقة الأمر وأنه مقصور على ما ليس بمعصية فكان اختلافهم سببا لرحمة الجميع قال وفيه أن من كان صادق النية لا يقع الا في خير ولو قصد الشر فإن الله يصرفه عنه ولهذا قال بعض أهل المعرفة من صدق مع الله وقاه الله ومن توكل على الله كفاه الله

قوله باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع كأنه أشار بالتقييد بما قبل حجة الوداع إلى ما وقع في بعض أحاديث الباب أنه رجع من اليمن فلقى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع لكن القبلية نسبية وقد قدمت في الزكاة في الكلام على حديث معاذ متى كان بعثه الى اليمن وروى أحمد من طريق عاصم بن حميد عن معاذ لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج يوصيه ومعاذ راكب الحديث ومن طريق يزيد بن قطيب عن معاذ لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم فقاتل بمن أطاعك من عصاك وعند أهل المغازي أنها كانت في ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة

[ 4086 ] قوله حدثنا عبد الملك هو بن عمير قوله عن أبي بردة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى هذا صورته مرسل وقد عقبة المصنف بطريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى وهو ظاهر الاتصال وإن كان فيما يتعلق بالسؤال عن الأشربة لكن الغرض منه إثبات قصة بعث أبي موسى إلى اليمن وهو مقصود الباب ثم قواه بطريق طارق بن شهاب قال حدثني أبو موسى قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومي الحديث وهو وإن كان إنما يتعلق بمسألة الإهلال لكنه يثبت أصل قصة البعث المقصودة هنا أيضا ثم قوي قصة معاذ بحديث بن عباس في وصية النبي صلى الله عليه وسلم له حين أرسله إلى اليمن وبرواية عمرو بن ميمون عن معاذ والمراد بها أيضا إثبات أصل قصة بعث معاذ إلى اليمن وأن كان سياق الحديث في معنى آخر وقد اشتمل الباب على عدة أحاديث الحديث الأول أصل البعث إلى اليمن وسيأتي في استتابة المرتدين من طريق حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى سبب بعثه إلى اليمن ولفظه قال أقبلت ومعي رجلان من الأشعريين وكلاهما سأل يعني أن يستعمله فقال لن نستعمل على عملنا من أرادة ولكن أذهب أنت يا أبا موسى إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل قوله وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال واليمن مخلافان المخلاف بكسر الميم وسكون المعجمة وآخره فاء هو بلغة أهل اليمن وهو الكورة والاقليم والرستاق بضم الراء وسكون المهملة بعدها مثناة وآخرها قاف وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب عدن وكان من عمله الجند بفتح الجيم والنون وله بها مسجد مشهور إلى اليوم وكانت جهة أبي موسى السفلى والله أعلم قوله يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا قال الطيبي هو معنى الثاني من باب المقابله المعنويه لأن الحقيقية أن يقال بشرا ولا تنذرا وآنسا ولا تنفرا فجمع بينهما ليعم البشارة والنذارة والتأنيس والتنفير قلت ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة وهو الأصل وبلفظ التنفير وهو اللازم وأتى بالذي بعده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفى مطلقا بخلاف التنفير فاكتفى بما يلزم عنه الإنذار وهو التنفير فكأنه قيل أن انذرتم فيكن بغير تنفير كقوله تعالى فقولا له قولا لينا قوله إذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا كذا فيه وللأكثر إذا سار في أرضه كان قريبا أحدث أي جدد به العهد لزيارته ووقع في رواية سعيد بن أبي بردة الآتية في الباب فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى زاد في رواية حميد بن هلال فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال انزل قوله وإذا رجل عنده لم اقف على اسمه لكن في رواية سعيد بن أبي بردة أنه يهودي وسيأتي كذلك في رواية حميد بن هلال في استتابة المرتدين مع شرح هذه القصة وبيان الاختلاف في مدة استتابة المرتدين وقوله أيم بفتح الميم وترك إشباعها لغة وأخطأ من ضمها وأصله أي الاستفهامية دخلت عليها ما وقد سمع أيم هذا بالتخفيف مثل إيش هذا فخذفت الألف من أيم والهمز من أيش قوله ثم نزل فقال يا عبد الله هو اسم أبي موسى كيف تقرأ القرآن قال أتفوقه تفوقا بالفاء ثم القاف أي ألازم قراءته ليلا ونهارا شيئا بعد شيء وحينا بعد حين مأخود من فواق الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب هكذا دائما قوله وقد قضيت جزئي قال الدمياطي لعله أربى وهو الوجه وهو كما قال لو جاءت به الرواية ولكن الذي جاء في الرواية صحيح والمراد به أنه جزأ الليل أجزاء جزءا للنوم وجزءا للقراءة والقيام فلا يلتفت إلى تخطئة الرواية الصحيحة الموجهة بمجرد التخيل قوله فاحتسبت تومتى كما احتسبت قومتى كذا لهم بصيغة الفعل الماضي وللكشميهني فأحتسب بغير المثناة في آخره بصيغة الفعل المضارع ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب تنبيه كان بعث أبي موسى إلى اليمن بعد الرجوع من غزوة تبوك لأنه شهد غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في الكلام عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى واستدل به على أن أبا موسى كان عالما فطنا حاذقا ولولا ذلك لم يوله النبي صلى الله عليه وسلم الامارة ولو كان فوض الحكم لغيره لم يحتج إلى توصيته بما وصاه به ولذلك اعتمد عليه عمر ثم عثمان ثم علي وأما الخوارج والروافض فطعنوا فيه ونسبوه إلى الغفلة وعدم الفطنة لما صدر منه في التحكيم بصفين قال بن العربي وغيره والحق أنه لم يصدر منه ما يقتضى وصفه بذلك وغاية ما وقع منه أن اجتهاده أداه إلى أن يجعل الأمر شورى بين من بقي من أكابر الصحابة من أهل بدر ونحوهم لما شاهد من الاختلاف الشديد بين الطائفتين بصفين وآل الأمر إلى ما آل إليه

الحديث الثاني قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور وخالد هو بن عبد الله الطحان والشيباني اسمه سليمان بن فيروز قوله البتع بكسر الموحدة وسكون المثناة بعدها عين مهملة وقد ذكر تفسيره عن أبي بردة راوية وأنه نبيذ العسل ويأتي شرح المتن في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى قوله

[ 4087 ] رواه جرير وعبد الواحد عن الشيباني عن أبي بردة يعني أنهما رويا عن الشيباني عن أبي بردة بدون ذكر سعيد بن أبي بردة وهو كما قال وأما رواية جرير وهو بن عبد الحميد فوصلها الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة ومن طريق يوسف بن موسى كلاهما عن جرير عن الشيباني عن أبي بردة عن أبي موسى به وأما رواية عبد الواحد وهو بن زياد فوصلها ثم ساق المصنف الحديث عن مسلم وهو بن إبراهيم عن شعبة قال حدثنا سعيد بن أبي بردة عن أبيه فذكره مرسلا مطولا فيه قصة بعثهما وذكر الأشربة وقصة اليهودي وسؤال معاذ عن القراءة كما أشرنا إليه أولا وقال بعده تابعه العقدي ووهب بن جرير عن شعبة وقال وكيع والنضر وأبو داود عن شعبة عن سعيد يعني أن مسلم بن إبراهيم والعقدي ووهب بن جرير أرسوله عن شعبة وأن وكيعا والنضر وهو بن شميل وأبا داود وهو الطيالسي رووه عن شعبة موصولا فأما رواية العقدي وهو أبو عامر عبد الملك بن عمرو فوصلها المؤلف في الأحكام وأما رواية وهب بن جرير فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه وأما رواية وكيع فوصلها المؤلف في الجهاد مختصرا وأوردها بن أبي عاصم في كتاب الأشربة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع مطولا وهي في مسند أبي بكر بن أبي شيبة كذلك وأما رواية النضر بن شميل فوصلها المؤلف في الأدب وأما رواية أبي داود الطيالسي فوصلها كذلك في مسنده المروزي من طريق يونس بن حبيب عنه ولكنه فرقه حديثين ولذلك وصلها النسائي من طريق أبي داود

الحديث الثالث

[ 4089 ] قوله حدثنا عباس بن الوليد بموحدة ثم مهملة هو النرسي بفتح النون وبالسين المهملة قال أبو علي الجياني رواه بن السكن والأكثر هكذا وفي رواية أبي أحمد يعني الجرجاني حدثنا عباس ولم ينسبه وفي رواية أبي زيد المروزي مثله إلا أنه قرأ عليهم بالتحتانية والشين المعجمة وليس بشيء إنما هو بالموحدة والمهملة وهو النرسي وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في علامات النبوة وجزم بمثل ذلك صاحب المشارق والمطالع وأما الدمياطي فضبطه بالمعجمة وعين أنه الرقام وتوزع في ذلك والصواب النرسي قوله عبد الواحد هو بن زياد وأيوب بن عائذ بتحتانية بعدها ذال معجمة وهو مدلجي بصري وثقة يحيى بن معين وغيره ورمى بالإرجاء وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد أورده في الحج من طريق شعبة وسفيان عن قيس بن مسلم شيخ أيوب بن عائذ فيه وتقدم الكلام عليه هناك مستوفى

الحديث الرابع

[ 4090 ] قوله حدثني حبان بكسر أوله ثم موحدة ثم نون بن موسى وعبد الله هو بن المبارك قوله حين بعثه إلى اليمن تقدم بيان الوقت الذي بعثه فيه وما فيه من اختلاف في أواخر كتاب الزكاة مع بقية شرح الحديث مستوفى ولله الحمد قوله قال أبو عبد الله طوعت طاعت وأطاعت وقع هذا وما بعده لغير أبي ذر والنسفي وأراد بذلك تفسير قوله تعالى فطوعت له نفسه قتل أخيه على عادته في تفسير اللفظة الغريبة من القرآن إذا وافقت لفظة من الحديث والذي وقع في حديث معاذ فأن هم أطاعوا فإن عند بعض رواته كما ذكره بن التين فان هم طاعوا بغير ألف وقد قرأ الحسن البصري وطائفة معه فطاوعت له نفسه قال بن التين إذا امتثل أمره فقد أطاعه وإذا وافقه فقد طاوعه قال الأزهري الطوع نقيض الكره وطاع له انقاد فإذا مضى لأمره فقد أطاعه وقال يعقوب بن السكيت طاع وأطاع بمعنى وقال الأزهري أيضا منهم من يقول طاع له يطوع طوعا فهو طائع بمعنى أطاع والحاصل أن طاع وأطاع استعمل كل منهما لازما ومتعديا إما بمعنى واحد مثل بدأ الله الخلق وأبدأه أو دخلت الهمزة للتعدية وفي اللازم للصيرورة أو ضمن المتعدى بالهمزة معنى فعل آخر لازم لأن كثيرا من أهل العلم باللغة فسروا أطاع بمعنى لان وانقاد وهو اللائق في حديث معاذ هنا وأن كان الغالب في الرباعي التعدى وفي الثلاثي اللزوم وهذا أولى من دعوى فعل وأفعل بمعنى واحد لكونه قليلا وأولى من دعوى أن اللام في قوله فإن هم أطاعوا لك زائدة وقد تقدم شيء من هذا في شرح الحديث في الزكاة وقوله بعد ذلك طعت طعت وأطعت الأولى بالضم والثانية بالكسر والثالثة بالفتح بزيادة ألف في أوله

الحديث الخامس

[ 4091 ] قوله عن عمرو بن ميمون هو الأودي وهو من المخضرمين قوله أن معاذا لما قدم اليمن هو موصول لأن عمرو بن ميمون كان باليمن لما قدمها معاذ قوله فقال رجل من القوم قرت عين أم إبراهيم أي حصل لها السرور وكنى عنه بقرت عيها أي بردت دمعتها لأن دمعة السرور باردة بخلاف دمعة الحزن فأنها حارة ولهذا يقال فيمن يدعى عليه أسخن الله عينه وقد استشكل تقرير معاذ لهذا القائل في الصلاة وترك أمره بالإعادة وأجيب عن ذلك إما بأن الجاهل بالحكم يعذر وإما أن يكون أمره بالإعادة ولم ينقل أو كان القائل خلفهم ولكن لم يدخل معهم في الصلاة قوله زاد معاذ عن شعبة فذكره المراد بالزيادة قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وليس بين الروايتين منافاة لأن معاذا إنما قدم اليمن لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة فالقصة واحدة ودل الحديث على أنه كان أميرا على الصلاة وحديث بن عباس يدل على أنه كان أميرا على المال أيضا وقد تقدم في الزكاة ما يوضح ذلك

قوله باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع قد ذكر في آخر الباب حديث جابر أن عليا قدم من اليمن فلاقى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الحج وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي من طريق أخرى عن علي قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث السن لا أبصر القضاء قال فوضع يده على صدري وقال اللهم ثبت لسانه وأهد قلبه وقال يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر فذكر الحديث الحديث الأول حديث البراء

[ 4092 ] قوله شريح هو بالشين المعجمة وآخره حاء مهملة قوله بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن كان ذلك بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة قوله ان يعقب معك أي يرجع إلى اليمن والتعقيب أن يعود بعض العسكر بعد الرجوع ليصيبوا غزوة من الغد كذا قال الخطابي وقال بن فارس غزاة بعد غزاة والذي يظهر أنه أعم من ذلك وأصله أن الخليفة يرسل العسكر إلى جهة مدة فإذا أنهضت رجعوا وأرسل غيرهم فمن شاء أن يرجع من العسكر الأول مع العسكر الثاني سمي رجوعه تعقيبا قوله فغنمت أواقى بتشديد التحتانية ويجوز تخفيفها وقوله ذوات عدد لم أقف على تحريرها تنبيه أورد البخاري هذا الحديث مختصرا وقد أورده الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة بن أبي السفر سمعت إبراهيم بن يوسف وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه فزاد فيه قال البراء فكنت ممن عقب معه فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا على وصفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعا فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه وقال السلام على همدان وعند الترمذي من طريق الأحوص بن خوات عن أبي إسحاق في حديث البراء قصة الجارية وسأذكر بيان ذلك في الحديث الذي بعده إن شاء الله تعالى

الحديث الثاني حديث بريدة

[ 4093 ] قوله حدثنا علي بن سويد بن منجوف بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم وسكون الواو ووقع في رواية القابسي عن علي بن سويد عن منجوف وهو تصحيف وعلى بن سويد بن منجوف سدوسي بصري ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الموضع قوله عن عبد الله بن بريدة في رواية الإسماعيلي حدثني عبد الله قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد أي بن الوليد ليقبض الخمس أي خمس الغنيمة وفي روية الإسماعيلي التي سأذكرها ليقسم الخمس قوله وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى هكذا وقع عنده مختصرا وقد أورده الإسماعيلي من طريق إلى روح بن عبادة الذي أخرجه البخاري من طريقه فقال في سياقه بعث عليا إلى خالد ليقسم الخمس وفي رواية له ليقسم الفيء فاصطفى على منه لنفسه سبيئة بفتح المهملة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة أي جارية من السبي وفي رواية له فأخذ منه جارية ثم أصبح يقطر رأسه فقال خالد لبريدة ألا ترى ما صنع هذا قال بريدة وكنت أبغض عليا ولأحمد من طريق عبد الجليل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا قال فأصبنا سبيا فكتب أي الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أبعث إلينا من يخمسه قال فبعث إلينا عليا وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي قال فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلت يا أبا الحسن ما هذا فقال ألم تر إلى الوصيفة فإنها صارت في الخمس ثم صارت في آل محمد ثم صارت في آل على فوقعت بهاقوله فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عبد الجليل فكتب الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقصة فقلت ابعثني فبعثني فجعل يقرأ الكتاب ويقول صدق قوله فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم قال لاتبغضه زاد في رواية عبد الجليل وأن كنت تحبه فازدد له حبا قوله فان له في الخمس أكثر من ذلك في رواية عبد الجليل فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة وزاد قال فما كان أحد من الناس أحب إلى من على وأخرج أحمد هذا الحديث من طريق أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة بطوله وزاد في آخره لا تقع في على فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وأخرجه أحمد أيضا والنسائي من طريق سعيد بن عبيدة عن عبد الله بن بريدة مختصرا وفي آخره فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد أحمر وجهه يقول من كنت وليه فعلى وليه وأخرجه الحاكم من هذا الوجه مطولا وفيه قصة الجارية نحو رواية عبد الجليل وهذه طرق يقوي بعضها بعضا قال أبو ذر الهروى إنما أبغض الصحابي عليا لأنه رآه أخذ من المغنم فظن أنه غل فلما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ أقل من حقه أحبه أه وهو تأويل حسن لكن يبعده صدر الحديث الذي أخرجه أحمد فلعل سبب البغض كان لمعنى آخر وزال بنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهم عن بغضه وقد استشكل وقوع على على الجارية بغير استبراء وكذلك قسمته لنفسه فأما الأول فمحمول على أنها كانت بكرا غير بالغ ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها وليس ما يدفعه وأما القسمة فجائزة في مثل ذلك ممن هو شريك فيما يقسمه كالإمام إذا قسم بين الرعية وهو منهم فكذلك من نصبه الإمام قام مقامه وقد أجاب الخطابي بالثاني وأجاب عن الأول لاحتمال أن تكون عذراء أو دون البلوغ أو أداه اجتهاده أن لا استبراء فيها ويؤخذ من الحديث جواز التسرى على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف التزويج عليها لما وقع في حديث المسور في كتاب النكاح

الحديث الثالث حديث أبي سعيد

[ 4094 ] قوله عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة قوله حدثنا عبد الرحمن هو بن زياد ونعم بضم النون وسكون المهملة قوله بذهيبة تصغير ذهبة وكأنه أنثها علىمعنى الطائفة أو الجملة وقال الخطابي على معنى القطعة وفيه نظر لأنها كانت تبرا وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات وفي معظم النسخ من مسلم بذهبة بفتحتين بغير تصغير قوله في أديم مقروظ بظاء معجمة مشالة أي مدبوع بالقرظ قوله لم تحصل من ترابها أي لم تخلص من تراب المعدن فكأنها كانت تبرا وتخليصها بالسبك قوله بين عيينة بن بدر كذا نسب لجده الأعلى وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري قوله وأقرع بن حابس قال بن مالك فيه شاهد على أن ذا الألف واللام من الاعلام الغالبة قد ينزعان عنه في غير نداء ولا إضافة ولا ضرورة وقد حكى سيبويه عن العرب هذا يوم اثنين مبارك وقال مسكين الدارمي ونابغة الجعدي في الجعدية وقد تقدم ذكر عيينة والأقرع في غزوة حنين وقد مضى في أحاديث الأنبياء ويأتي في التوحيد من طريق سعيد بن مسروق عن بن أبي نعم بلفظ والأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي قوله وزيد الخيل أي بن مهلهل الطائي وفي رواية سعيد بن مسروق وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بن نبهان وقيل له زيد الخيل لكرائم الخيل التي كانت له وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير بالراء بدل اللام وأثنى عليه فأسلم فحسن إسلامه ومات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قوله والرابع إما علقمة أي بن علاثة بضم المهملة والمثلثة العامري واما عامر بن الطفيل وهو العامري وجزم في رواية سعيد بن مسروق بأنه علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وهو من أكابر بني عامر وكان يتنازع الرياسة هو وعامر بن الطفيل وأسلم علقمة فحسن إسلامه واستعمله عمر على حوران فمات بها في خلافته وذكر عامر بن الطفيل غلط من عبد الواحد فإنه كان مات قبل ذلك قوله فقال رجل من أصحابه لم أقف علىاسمه وفي رواية سعيد بن مسروق فغضبت قريش والأنصار وقالوا يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا فقال إنما أتألفهم والصناديد بالمهملة والنون جمع صنديد وهو الرئيس قوله فقال ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء في رواية سعيد بن مسروق أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك عقب قول الخارجي الذي يذكر بعد هذا وهو المحفوظ تنبيه هذه القصة غير القصة المتقدمة في غزوة حنين وهم من خلطها بها واختلف في هذه الذهيبة فقيل كانت خمس الخمس وفيه نظر وقيل من الخمس وكان ذلك من خصائصه أنه يضعه في صنف من الأصناف للمصلحة وقيل من أصل الغنيمة وهو بعيد وسيأتي الكلام على قوله من في السماء في كتاب التوحيد قوله فقام رجل غائر العينين بالغين المعجمة والتحتانية وزن فاعل من الغور والمراد أن عينيه داخلتان في محاجزهما لاصقتين بقعر الحدقة وهو ضد الجحوظ قوله مشرف بشين معجمة وفاء أي بارزهما والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين قوله ناشز بنون وشين معجمة وزاى أي مرتفعها في رواية سعيد بن مسروق ناتىء الجبين بنون ومثناة على وزن فاعل من النتوء أي أنه يرتفع على ما حوله قوله محلوق سيأتي في أواخر التوحيد من وجه آخر أن الخوارج سيماهم التحليق وكان السلف يوفرون شعورهم لا يحلقونها وكانت طريقة الخوارج حلق جميع رءوسهم قوله أو لست أحق أهل الأرض أن يتقى الله وفي رواية سعيد بن مسروق فقال ومن يطع الله إذا عصيته وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي كما تقدم صريحا في علامات النبوة من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري وعند أبي داود اسمه نافع ورجحه السهيلي وقيل اسمه حرقوص بن زهير السعدي وسيأتي تحرير ذلك في كتاب استتابة المرتدين قوله فقال خالد بن الوليد في رواية أبي سلمة عن أبي سعيد في علامات النبوة فقال عمر ولا تنافيه هذه الرواية لاحتمال أن يكون كل منهما سأل في ذلك قوله ألا أضرب عنقه قال لا لعله أن يكون يصلى فيه استعمال لعل استعمال عسى نبه عليه بن مالك وقوله يصلي قيل فيه دلالة من طريق المفهوم على أن تارك الصلاة يقتل وفيه نظر قوله أن أنقب بنون وقاف ثقيلة بعدها موحدة أي إنما أمرت أن آخذ بظواهر أمورهم قال القرطبي إنما منع قتله وأن كان قد استوجب القتل لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه ولا سيما من صلى كما تقدم نظيره في قصة عبد الله بن أبي وقال المازري يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفهم من الرجل الطعن في النبوة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة وليس ذلك كبيرة والأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع واختلف في جواز وقوع الصغائر أو لعله لم يعاقب هذا الرجل لأنه لم يثبت ذلك عنه بل نقله عنه واحد وخبر الواحد لا يراق به الدم انتهى وأبطله عياض بقوله في الحديث أعدل يا محمد فخاطبه في الملأ بذلك حتى استأذنوه في قتله فالصواب ما تقدم قوله يخرج من ضئضىء كذا للأكثر بضادين معجمتين مكسورتين بينهما تحتانية مهموزة ساكنة وفي آخره تحتانية مهموزة أيضا وفي رواية الكشميهني بصادين مهملتين فأما بالضاد المعجمة فالمراد به النسل والعقب وزعم بن الأثير أن الذي بالمهملة بمعناه وحكى بن الأثير أنه روى بالمد بوزن قنديل وفي رواية سعيد بن مسروق في أحاديث الأنبياء أنه من ضئضئي هذا أو من عقب هذا قوله يتلون كتاب الله رطبا في رواية سعيد بن مسروق يقرءون القرآن قوله لا يجاوز حناجرهم وتقدم شرحه في علامات النبوة قوله يمرقون من الدين في رواية سعيد بن مسروق من الإسلام وفيه رد على من أول الدين هنا بالطاعة وقال أن المراد أنهم يخرجون من طاعة الإمام كما يخرج السهم من الرمية وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء والذي يظهر أن المراد بالدين الإسلام كما فسرته الرواية الأخرى وخرج الكلام مخرج الزجر وأنهم بفعلهم ذلك يخرجون من الإسلام الكامل وزاد سعيد بن مسروق في روايته يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وهو مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات فوقع كما قال قوله وأظنه قال لئن ادركتهم لأقتلنهم قتل ثمود في رواية سعيد بن مسروق لئن أدركتهم لاقتلتهم قتل عاد ولم يتردد فيه وهو الراجح وقد استشكل قوله لئن أدركتهم لأقتلتهم مع أنه نهى خالدا عن قتل أصلهم وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف ولم يكن ظهر ذلك في زمانه وأول ما ظهر في زمان على كما هو مشهور وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في علامات النبوة واستدل به على تكفير الخوارج وهي مسألة شهيرة في الأصول وسيأتي الإلمام بشيء منها في استتابة المرتدين

الحديث الرابع حديث جابر في مجيء علي من اليمن إلى الحج في حجة الوداع وقد تقدم بالسندين المذكورين في كتاب الحج وتقدم شرحه هناك وقوله هنا وقدم على بسعايته بكسر السين المهملة يعني ولايته على اليمن لا بسعاية الصدقة قال النووي تبعا لغيره لأنه كان يحرم عليه ذلك كما ثبت في صحيح مسلم في قصة طلب الفضل بن العباس أن يكون عاملا على الصدقة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنها أوساخ الناس والله أعلم

قوله غزوة ذي الخلصة بفتح الخاء المعجمة واللام بعدها مهملة وحكى بن دريد فتح أوله وإسكان ثانيه وحكى بن هشام ضمها وقيل بفتح أوله وضم ثانيه والأول أشهر والخلصة نبات له حب أحمر كخرز العقيق وذو الخلصة اسم للمبيت الذي كان فيه الصنم وقيل اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة وحكى المبرد أن موضع ذي الخلصة صار مسجدا جامعا لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم ووهم من قال إنه كان في بلاد فارس

[ 4097 ] قوله حدثنا خالد هو بن عبد الله الطحان وبيان بموحدة ثم تحتانية خفيفة وهو بن بشر وقيس هو بن أبي حازم قوله كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة في الرواية التي بعدها أنه كان في خثعم بمعجمة ومثلثة وزن جعفر قبيلة شهيرة ينتسبون الى خثعم بن أنمار بفتح أوله وسكون النون أي بن إراش بكسر أوله وتخفيف الراء وفي آخره معجمة بن عنز بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاى أي بن وائل ينتهي نسبهم إلى ربيعة بن نزار إخوة مضر بن نزار جد قريش وقد وقع ذكر ذي الخلصة في حديث أبي هريرة عند الشيخين في كتاب الفتن مرفوعا لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة وكان صنما تعبده دوس في الجاهلية والذي يظهر لي أنه غير المراد في حديث الباب وأن كان السهيلي يشير إلى اتحادهما لأن دوسا قبيلة أبي هريرة وهم ينتسبون إلى دوس بن عدثان بضم المهملة وبعد الدال الساكنة مثلثة بن عبد الله بن زهران ينتهي نسبهم إلى الأزد فبينهم وبين خثعم تباين في النسب والبلد وذكر بن دحية أن ذا الخلصة المراد في حديث أبي هريرة كان عمرو بن لحي قد نصبه أسفل مكة وكانوا يلبسونه القلائد ويجعلون عليه بيض النعام ويذبحون عنده وأما الذي لخثعم فكانوا قد بنوا بيتا يضاهون به الكعبة فظهر الافتراق وقوى التعدد والله أعلم قوله والكعبة اليمانية والكعبة الشامية كذا فيه قيل وهو غلط والصواب اليمانية فقط سموها بذلك مضاهاة للكعبة والكعبة البيت الحرام بالنسبة لمن يكون جهة اليمن شامية فسموا التي بمكة شامية والتي عندهم يمانية تفريقا بينهما والذي يظهر لي أن الذي في الرواية صواب وأنها كان يقال لها اليمانية باعتبار كونها باليمن والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام وقد حكى عياص أن في بعض الروايات والكعبة اليمانية الكعبة الشامية بغير واو قال وفيه إيهام قال والمعنى كان يقال لها تارة هكذا وتارة هكذا وهذا يقوى ما قلته فإن إرادة ذلك مع ثبوت الواو أولى وقال غيره قوله والكعبة الشامية مبتدأ محذوف الخبر تقديره هي التي بمكة وقيل الكعبة مبتدأ والشامية خبره والجملة حال والمعنى والكعبة هي الشامية لا غير وحكى السهيلي عن بعض النحويين أن له زائدة وأن الصواب كان يقال الكعبة الشامية أي لهذا البيت الجديد والكعبة اليمانية أي للبيت العتيق أو بالعكس قال السهيلي وليست فيه زيادة وإنما اللام بمعنى من أجل أي كان يقال من أجله الكعبة الشامية والكعبة اليمانية أي إحدى الصفتين للعتيق والأخرى للجديد قوله الا تريحني هو بتخفيف اللام طلب يتضمن الأمر وخص جريرا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه وكان هو من اشرافهم والمراد بالراحة راحة القلب وما كان شيء أتعب لقلب النبي صلى الله عليه وسلم من بقاء ما يشرك به من دون الله تعالى وروى الحاكم في الإكليل من حديث البراء بن عازب قال قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مائة رجل من بني بجيلة وبني قشير جرير بن عبد الله فسأله عن بني خثعم فأخبره أنهم أبوا أن يجيبوا إلى الإسلام فاستعمله على عامة من كان معه وندب معه ثلاثمائة من الأنصار وأمره أن يسير إلى خثعم فيدعوهم ثلاثة أيام فإن أجابوا إلىالاسلام قبل منهم وهدم صنمهم ذا الخلصة وإلا وضع فيهم السيف قوله فنفرت أي خرجت مسرعا قوله في مائة وخمسين راكبا زاد في الرواية التي بعدها وكانوا أصحاب خيل أي يثبتون عليها لقوله بعده وكنت لا أثبت علىالخيل ووقع في رواية ضعيفة في الطبراني أنهم كانوا سبعمائة فلعلها إن كانت محفوظة يكون الزائد رجاله وأتباعا ثم وجدت في كتاب الصحابة لابن السكن أنهم كانوا أكثر من ذلك فذكر عن قيس بن غربة الأحمسي أنه وفد في خمسمائة قال وقدم جرير في قومه وقدم الحجاج بن ذي الأعين في مائتين قال وضم إلينا ثلاثمائة من الأنصار وغيرهم فغزونا بني خثعم فكأن المائة والخمسين هم قوم جرير وتكملة المائتين أتباعهم وكان الرواية التي فيها سبعمائة من كان من رهط جرير وقيس بن غربة لأن الخمسين كانوا من قبيلة واحدة وغربة بفتح المعجمة والراء المهملة بعدها موحدة ضبطه الأكثر قوله فكسرناه أي البيت وسيأتي البحث فيه بعد قوله فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته كذا فيه وفي الرواية الأخيرة أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رسول جرير فكأنه نسب إلى جرير مجازا قوله فدعا لنا ولأحمس بمهملة وزن أحمر وهم إخوة بجيله بفتح الموحدة وكسر الجيم رهط جرير ينتسبون إلىأحمس بن الغوث بن أنمار وبجيلة امرأة نسبت إليها القبيلة المشهورة ومدار نسبهم أيضا على أنمار وفي العرب قبيلة أخرى يقال لها أحمس ليست مرادة هنا ينتسبون إلىأحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار ووقع في الرواية التي بعد هذه فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات أي دعا لهم بالبركه ووقع عند الإسماعيلي من رواية بن شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد فدعا لأحمس بالبركة

[ 4098 ] قوله وكنت لا أثبت علىالخيل فضرب على صدرى حتى رأيت أثر أصابعه في صدري في حديث البراء عند الحاكم فشكا جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلع فقال ادن مني فدنا منه فوضع يده على رأسه ثم أرسلها على وجهه وصدره حتى بلغ عانته ثم وضع يده على رأسه وأرسلها على ظهره حتى انتهت إلى أليته وهو يقول مثل قوله الأول فكان ذلك للتبرك بيده المباركة فائدة القلع بالقاف ثم اللام المفتوحتين ضبطه أبو عبيد الهروي الذي لا يثبت على السرج وقيل بكسر أوله قال الجوهري رجل قلع القدم بالكسر إذا كانت قدمه لا تثبت عند الحرب وفلان قلعة إذا كان يتقلع عن سرجه وسئل عن الحكمة في قوله خمس مرات فقيل مبالغة واقتصارا على الوتر لأنه مطلوب ثم ظهر لي احتمال أن يكون دعا للخيل والرجال أو لهما معا ثم أراد التأكيد في تكرير الدعاء ثلاثا فدعا للرجال مرتين أخريين وللخيل مرتين أخريين ليكمل لكل من الصنفين ثلاثا فكان مجموع ذلك خمس مرات قوله اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قيل فيه تقديم وتأخير لأنه لا يكون هاديا حتى يكون مهديا وقيل معناه كاملا مكملا ووقع في حديث البراء أنه قال ذلك في حال إمرار يده عليه في المرتين وزاد وبارك فيه وفي ذريته تنبيه كلام المزي في الأطراف يقتضى أن قوله واجعله هاديا مهديا من افراد مسلم وليس كذلك لأنه ثبت هنا من طريقين قوله فكسرها وحرقها أي هدم بناءها ورمى النار فيما فيها من الخشب

[ 4099 ] قوله في الرواية الثالثة ولما قدم جرير اليمن الخ يشعر باتحاد قصته في غزوة ذي الخلصة بقصة ذهابه إلى اليمن وكأنه لما فرغ من أمر ذي الخلصة وأرسل رسوله مبشرا استمر ذاهبا إلى اليمن للسبب الذي سيذكر بعد باب وقوله يستقسم أي يستخرج غيب ما يريد فعله من خير أو شر وقد حرم الله ذلك بقوله تعالى وأن تستقسموا بالأزلام وحكى أبو الفرج الأصبهاني أنهم كانوا يستقسمون عند ذي الخلصة وأن امرأ القيس لما خرج يطلب بثار أبيه استقسم عنده فخرج له ما يكره فسب الصنم ورماه بالحجارة وأنشد لو كنت يا ذا الخلص الموتورا لم تنه عن قتل العداة زورا قال فلم يستقسم عنده أحد بعد حتى جاء الإسلام قلت وحديث الباب يدل على أنهم استمروا يستقسمون عنده حتى نهاهم الإسلام وكأن الذي استقسم عنده بعد ذلك لم يبلغه التحريم أو لم يكن أسلم حتى زجره جرير قوله ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها مهملة وبعد الألف هاء تأنيث واسم أبي أرطاة هذا حصين بن ربيعة وقع مسمى في صحيح مسلم ولبعض رواته حسين بسين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف ومنهم من سماه حصن بكسر أول وسكون ثانيه وقلبه بعض الرواة فقال ربيعة بن حصين ومنهم من سماه أرطاة والصواب أبو أرطاة حصين بن ربيعة وهو بن عامر بن الأزور وهو صحابي يجلى لم أر له ذكرا إلا في هذا الحديث قوله كأنها جمل أجرب بالجيم والموحدة هو كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها وقال الخطابي المراد أنها صارت مثل الجمل المطلى بالقطران من جربه إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق ووقع لبعض الرواة وقيل إنها رواية مسدد أجوف بواو بدل الراء وفاء بدل الموحدة والمعنى أنها صارت صورة بغير معنى والأجوف الخالي الجوف مع كبره في الظاهر ووقع لابن بطال معنى قوله أجرب أي أسود ومعنى قوله أجوف أي أبيض وحكاه عن ثابت السرقسطي وأنكره عياص وقال هو تصحيف وإفساد للمعنى كذا قال فإن أراد إنكار تفسير أجوف بأبيض فمقبول لأنه يضاد معنى الأسود وقد ثبت أنه حرقها والذي يحرق يصير أثره أسود لا محالة فيه فكيف يوصف بكونه أبيض وإن أراد إنكار لفظ أجوف فلا إفساد فيه فإن المراد أنه صار خاليا لا شيء فيه كا قررته وفي الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم والاستمالة بالدعاء والثناء والبشارة في الفتوح وفضل ركوب الخيل في الحرب وقبول خبر الواحد والمبالغة في نكاية العدو ومناقب لجرير ولقومه وبركة يد النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه وأنه كان يدعو وترا وقد يجاوز الثلاث وفيه تخصيص لعموم قول أنس كان إذا دعا دعا ثلاثا فيحمل على الغالب وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك وهو ظاهر في أحمس لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر الإسلام ولا سيما مع القوم الذين هم منهم

قوله باب غزوة ذات السلاسل تقدم ضبطها وبيان الاختلاف فيها في أواخر مناقب أبي بكر قيل سميت ذات السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا وقيل لأن بها ماء يقال له السلسل وذكر بن سعد أنها وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام قال وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة وقيل كانت سنة سبع وبه جزم بن أبي خالد في كتاب صحيح التاريخ ونقل بن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا بن إسحاق فقال قبلها قلت وهو قضية ما ذكر عن بن سعد وابن أبي خالدقوله وهي غزوة لخم وجذام قاله إسماعيل بن أبي خالد وعند بن إسحاق أنه ماء لبني جذام ولخم أما لخم فيفتح اللام وسكون المعجمة قبيلة كبيرة شهيرة ينسبون إلى لخم واسمه مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد وأما جذام فبضم الجيم بعدها معجمة خفيفة قبيلة كبيرة شهيرة أيضا ينسبون الى عمرو بن عدي وهم إخوة لخم على المشهور وقيل هم من ولد أسد بن خزيمة قوله وقال بن إسحاق عن يزيد عن عروة هي بلاد بلى وعذرة وبني القين أما يزيد فهو بن رومان مدني مشهور وأما عروة فهو بن الزبير بن العوام وأما القبائل التي ذكرها فالثلاثة بطون من قضاعة أما بلى فيفتح الموحدة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء النسب قبيلة كبيرة ينسبون إلى بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وأما عذرة فبضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة قبيلة كبيرة ينسبون إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سويد بن أسلم بضم اللام بن الحاف بن قضاعة وأما بنو القين فقبيلة كبيرة أيضا ينسبون إلى القين بن جسر ويقال كان له عبد يسمى القين حضنه فنسب إليه وكان اسمه النعمان بن جسر بن شيع الله بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها عين مهملة بن أسد بن ويرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ووهم بن التين فقال بنوالقين قبيلة من بني تميم وذكر بن سعد أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتين وأمره أن يلحق بعمرو وأن لا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يؤم بهم فمنعه عمرو وقال إنما قدمت على مددا وأنا الأمير فأطاع له أبو عبيدة فصلى بهم عمرو وتقدم في التيمم أنه احتلم في ليلة باردة فلم يغتسل وتيمم وصلى بهم الحديث وسار عمرو حتى وطئ بلاد بلى وعذرة وكذا ذكر موسى بن عقبة نحو هذه القصة وذكر بن إسحاق أن أم عمرو بن العاص كانت من بلى فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرا يستنفر الناس إلى الإسلام ويستألفهم بذلك وروى إسحاق بن راهويه والحاكم من حديث بريدة أن عمرو بن العاص أمرهم في تلك الغزوة أن لا يوقدوا نارا فأنكر ذلك عمر فقال له أبو بكر دعه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعثه علينا إلا لعلمه بالحرب فسكت عنه فهذا السبب أصبح إسنادا من الذي ذكره بن إسحاق لكن لا يمنع الجمع وروى بن حبان من طريق قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ذات السلاسل فسأله أصحابه أن يوقدوا نارا فمنعهم فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فقال لا يوقد أحد منهم نارا الا قذفته فيها قال فلقوا العدو فهزمهم فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فحمد أمره فقال يا رسول الله من أحب الناس إليك الحديث فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد ويجمع بينه وبين حديث بريدة بأن أبا بكر سأله فلم يجبه فسلم له أمره وألحوا على أبي بكر حتى يسأله فسأله فلم يجبه

[ 4100 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن شاهين وخالد هو بن عبد الله الطحان وشيخه خالد هو بن مهران الحذاء وأبو عثمان هو النهدي قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل هذه صورته مرسل بل جزم الإسماعيلي بأنه مرسل لكن الحديث موصول لقوله بعد ذلك قال فأتيته فإن المراد قال عمرو بن العاص وأبو عثمان سمع من عمرو بن العاص وقد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى والإسماعيلي من رواية وهب بن بقية ومعلى بن منصور كلهم عن خالد بن عبد الله بالإسناد الذي أخرجه البخاري فقال في روايته عن أبي عثمان عن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فذكر الحديث وتقدم في مناقب أبي بكر من طريق أخرى عن خالد الحذاء عن أبي عثمان قال حدثنا عمرو بن العاص فذكره قوله فأتيته في رواية معلى بن منصور المذكورة قدمت من جيش ذات السلاسل فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعند البيهقي من طريق علي بن عاصم عن خالد الحذاء في هذه القصة قال عمرو فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت يا رسول الله من أحب الناس إليك الحديث قوله فعد رجالا في رواية علي بن عاصم قال قلت في نفسي لا أعود لمثلها أسأل عن هذا وفي الحديث جواز تأمير المفضول علىالفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية ومزية أبي بكر على الرجال وبنته عائشة علىالنساء وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المناقب ومنقبه لعمرو بن العاص لتأميره على جيش فيهم أبو بكر وعمر وإن كان ذلك لا يقتضى أفضليته عليهم لكن يقتضى أن له فضلا في الجملة وقد روينا في فوائد أبي بكر بن أبي الهيثم من حديث رافع الطائي قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا واستعمل عليهم عمرو بن العاص وفيهم أبو بكر قال وهي الغزوة التي يفتخر بها أهل الشام وروى أحمد والبخاري في الأدب وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم من طريق علي بن رباح عن عمرو بن العاص قال بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني أن آخذ ثيابي وسلاحي فقال يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك قلت أني لم أسلم رغبة في المال قال نعم المال الصالح للمرء الصالح وهذا فيه إشعار بأن بعثه عقب إسلامه وكان إسلامه في أثناء سنة سبع من الهجرة قوله في آخر الحديث فسكت بتشديد المثناة المضمومة هو مقول عمرو

قوله باب ذهاب جرير أي بن عبد الله البجلي إلى اليمن ذكر الطبراني من طريق إبراهيم بن جرير عن أبيه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أقاتلهم وأدعوهم أن يقولوا لا إله إلا الله فالذي يظهر أن هذا البعث غير بعثه إلى هدم ذي الخلصة ويحتمل أن يكون بعثه إلى الجهتين على الترتيب ويؤيده ما وقع عند بن حبان في حديث جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا جرير إنه لم يبق من طواغيت الجاهلية إلا بيت ذي الخلصة فإنه يشعر بتأخير هذه القصة جدا وسيأتي في حجة الوداع أن جريرا شهدها فكأن إرساله كان بعدها فهدمها ثم توجه إلى اليمن ولهذا لما رجع بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

[ 4101 ] قوله حدثني عبد الله بن أبي شيبة هو أبو بكر واسم أبيه محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي بالموحدة الحافظ وابن إدريس هو عبد الله وقيس هو بن أبي حازم والإسناد كله كوفيون قوله كنت باليمن في رواية أبي إسحاق عن جرير عند بن عساكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي عمرو وذي الكلاع يدعوهما إلى الإسلام فاسلما قال وقال لي ذو الكلاع ادخل على أم شرحبيل يعني زوجته وعند الواقدي في الردة بأسانيد متعددة نحو هذا قوله فلقيت رجلين من أهل اليمن في رواية الإسماعيلي كنت باليمن فأقبلت ومعي ذو الكلاع وذو عمرو وهذه الرواية أبين وذلك أن جريرا قضى حاجته من اليمن وأقبل راجعا يريد المدينة فصحبه من ملوك اليمن ذو الكلاع وذو عمرو فأما ذو الكلاع فهو بفتح الكاف وتخفيف اللام واسمه اسميفع بسكون المهملة وفتح الميم وسكون التحتانية وفتح الفاء وبعدها مهملة ويقال أيفع بن باكوراء ويقال بن حوشب بن عمرو وأما ذو عمرو فكان أحد ملوك اليمن وهو من حمير أيضا ولم أقف على اسم غيره ولا رأيت من أخباره اكثرمما ذكر في حديث الباب وكانا عزما على التوجه إلى المدينة فلما بلغهما وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رجعا إلى اليمن ثم هاجرا في زمن عمر قوله لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك أي حقا في رواية الإسماعيلي لئن كان كما تذكر وقوله لقد مر على أجله جواب لشرط مقدر أي أن أخبرتني بهذا أخبرك بهذا وهذا قاله ذو عمرو عن اطلاع من الكتب القديمة لأن اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من أهل اليمن في دينهم وتعلموا منهم وذلك بين قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب وقال الكرماني يحتمل أن يكون سمع من بعض القادمين من المدينة سرا أو أنه كان في الجاهلية كامنا أو أنه صار بعد إسلامه محدثا أي بفتح الدال وقد تقدم تفسيره بأنه الملهم قلت وسياق الحديث يدل على ما قررته لأنه علق ما ظهر له من وفاته على ما أخبره به جرير من أحواله ولو كان ذلك مستفادا من غير ما ذكرته لما أحتاج إلى بناء ذلك على ذلك لأن الأولين خبر محض والثالث وقوع شيء في النفس عن غير قصد وقد روى الطبراني من طريق زياد بن علاقة عن جرير في هذه القصة قال قال لي حبر باليمن وهذا يؤيد ما قلته فلله الحمد قوله فأخبرت أبا بكر بحديثهم قال أفلا جئت بهم كأنه جمع باعتبار من كان معهما من الأتباع قوله فلما كان بعد الخ لعل ذلك كان لما هاجر ذو عمرو في خلافة عمر وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له أن ذا الكلاع كان معه اثنا عشر ألف بيت من مواليه فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين فقال ذو الكلاع هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة وروى سيف في الفتوح أن أبا بكر بعث أنس بن مالك يستنفر أهل اليمن إلى الجهاد فرحل ذو الكلاع ومن اطاعه وذكر بن الكلبي في النسب أن ذا الكلاع كان جميلا فكان إذا دخل مكة يتعمم وشهد صفين مع معاوية وقتل بها قوله تآمرتم بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم أو بالقصر وتشديد الميم أي اقمتم أميرا منكم عن رضا منكم أو عهد من الأول وقوله فإذا كانت أي الإمارة بالسيف أي بالقهر والغلبة كانوا ملوكا أي الخلفاء وهذا دليل على ما قررته أن ذا عمرو كان له اطلاع على الاخبار من الكتب القديمة واشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه بن حبان وغيره من حديث سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا قال بن التين ما قاله ذو عمرو وذو الكلاع لا يكون إلا عن كتاب أو كهانة وما قاله ذو عمرو لا يكون إلا عن كتاب قلت ولا أدرى لم فرق بين المقالتين والاحتمال فيهما واحد بل المقالة الأخيرة يحتمل أن تكون من جهة التجربة

قوله باب غزوة سيف البحر هو بكسر المهملة و سكون التحتانية وآخره فاء أي ساحل البحر قوله وهم يتلقون عير القريش هو صريح ما في الرواية الثانية في الباب حيث قال فيها ترصد عير قريش وقد ذكر بن سعد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا اكيدا وأن ذلك كان في رجب سنة ثمان وهذا لايغاير ظاهره ما في الصحيح لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيا من جهينة ويقوى هذا الجمع ما عند مسلم من طريق عبيد الله بن مقسم عن جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا إلى أرض جهينة فذكر هذه القصة لكن تلقى عير قريش ما يتصور أن يكون في الوقت الذي ذكره بن سعد في رجب سنة ثمان لأنهم كانوا حينئذ في الهدنة بل مقتضى ما في الصحيح أن تكون هذه السرية في سنة ست أو قبلها قبل هدنة الحديبية نعم يحتمل أن يكون تلقيهم للعير ليس لمحاربتهم بل لحفظهم من جهينة ولهذا لم يقع في شيء من طرق الخبر أنهم قاتلوا أحدا بل فيه أنهم قاموا نصف شهر أو أكثر في مكان واحد فالله أعلم

[ 4102 ] قوله عن وهب بن كيسان عن جابر قوله قبل الساحل بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته ووقع في رواية عبادة بن الوليد بن عبادة سيف البحر وسأذكر من أخرجها قوله وأمر عليهم أبا عبيدة في رواية أبي حمزة الخولاني عن جابر بن أبي عاصم في الأطعمة تأمر علينا قيس بن سعد بن عبادة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحفوظ ما اتفقت عليه روايات الصحيحين أنه أبو عبيدة وكأن أحد رواته ظن من صنيع قيس بن سعد في تلك الغزوة ما صنع من نحر الإبل التي اشتراها أنه كان أمير السرية وليس كذلك قوله فخرجنا فكنا ببعض الطريق ففي الزاد فأمر أبو عبيدة بازواد الجيش فجمع فكان مزود تمر المزود بكسر الميم وسكون الزاى ما يجعل فيه الزاد قوله فكان يقوتنا بفتح أوله والتخفيف من الثلاثي وبضمه والتشديد من التقويت قوله كل يوم قليلا قليلا حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة ظاهر هذا السياق أنهم كان لهم زاد بطريق العموم وأزواد بطريق الخصوص فلما فني الذي بطريق العموم اقتضى رأى أبي عبيدة أن يجمع الذي بطريق الخصوص لقصد المساواة بينهم في ذلك ففعل فكان جميعه مزودا واحدا ووقع عند مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة فتلقينا لقريش وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره وكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة وظاهره مخالف لرواية الباب ويمكن الجمع بأن الزاد العام كان قدر جراب فلما نفد وجمع أبو عبيدة الزاد الخاص أتفق أنه أيضا كان قدر جراب ويكون كل من الراويين ذكر ما لم يذكره الآخر وأما تفرقة ذلك تمرة تمرة فكان في ثاني الحال وقد تقدم في الجهاد من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان في هذا الحديث خرجنا ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا ففني زادنا حتى كان الرجل منا يأكل كل يوم تمرة وأما قول عياض يحتمل أنه لم يكن في ازوادهم تمر غير الجراب المذكور فمردود لآن حديث الباب صريح في أن الذي اجتمع من أزوادهم كان مزود تمر ورواية أبي الزبير صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر فصح أن التمر كان معهم من غير الجراب وأما قول غيره يحتمل أن يكون تفرقته عليهم تمرة تمرة كان من الجراب النبوي قصدا لبركته وكان يفرق عليهم من الازواد التي جمعت أكثر من ذلك فبعيد من ظاهر السياق بل في رواية هشام بن عروة عند بن عبد البر فقلت ازوادنا حتى ما كان يصيب الرجل منا إلا تمرة قوله فقلت ما تغنى عنكم تمرة هو صريح في أن السائل عن ذلك وهب بن كيسان فيفسر به المبهم في رواية هشام بن عروة التي مضت في الجهاد فإن فيها فقال رجل يا أبا عبد الله وهي كنية جابر أين كانت تقع التمرة من الرجل وعند مسلم من رواية أبي الزبير أنه أيضا سئل عن ذلك فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت أي مؤثرا وفي رواية أبي الزبير فقلت كيف كنتم تصنعون بها قال نمصها كما يمص الصبي الثدي ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل قوله في الرواية الثانية فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخيط بفتح المعجمة والموحدة بعدها مهملة هو ورق السلم في رواية أبي الزبير وكنا نضرب بعصينا الخيط ثم نبله بالماء فنأكله وهذا يدل على أنه كان يابسا بخلاف ما جزم به الداودي أنه كان أخضر رطبا ووقع في رواية الخولاني وأصابتنا مخمصة قوله ثم انتهينا إلى البحر أي إلى ساحل البحر وهو صريح الرواية الثانية وفي رواية أبي الزبير فانطلقنا على ساحل البحر قوله فإذا حوت مثل الظرب أما الحوت فهو اسم جنس لجميع السمك وقيل هو مخصوص بما عظم منها والظرب بفتح المعجمة المشالة ووقع في بعض النسخ بالمعجمة الساقطة حكاها بن التين والأول أصوب وبكسر الراء بعدها موحدة الجبل الصغير وقال الفزاز هو بسكون الراء إذا كان منبسطا ليس بالعالى وفي رواية أبي الزبير فوقع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة تدعي العنبر وفي الرواية الثانية فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر وفي رواية الخولاني فهبطنا بساحل البحر فإذا نحن بأعظم حوت قال أهل اللغة العنبر سمكة بحرية كبيرة يتخذ من جلدها الترسة ويقال إن العنبر المشموم وجميع هذه الدابة وقال بن سيناء بل المشموم يخرج من البحر وإنما يؤخذ من أجواف السمك الذي يبتلعه ونقل الماوردي عن الشافعي قال سمعت من يقول رأيت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق الشاة وفي البحر دابة تأكله وهو سم لها فيقتلها فيقذفها فيخرج العنبر من بطنها وقال الأزهري العنبر سمكة تكون بالبحر الأعظم يبلغ طولها خمسين ذراعا يقال لها بالة وليست بعربية قال الفرزدق فبتنا كأن العنبر الورد بيننا وبألة بحر فاؤها قد تخرما أي قد تشقق ووقع في رواية بن جريج عن عمرو بن دينار في أواخر الباب فألقى لنا البحر حوتا ميتا واستدل به على جواز أكل ميتة السمك وسيأتي البحث فيه في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى قوله فأكل منه القوم ثمان عشرة ليلة في رواية عمرو بن دينار فأكلنا منه نصف شهر وفي رواية أبي الزبير فأقمنا عليها شهرا ويجمع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال ثمان عشرة ضبط ما لم يضبطه غيره وأن من قال نصف شهر ألغى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام ومن قال شهرا جبر الكسر أو ضم بقية المدة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها ورجح النووي رواية أبي الزبير لما فيها من الزيادة وقال بن التين احدى الروايتين وهم انتهى ووقع في رواية الحاكم اثنى عشر يوما وهي شاذة وأشد منها شذوذا رواية الخولاني فأقمنا قبلها ثلاثة ولعل الجمع الذي ذكرته أولى والله أعلم قوله في الرواية الثانية حتى ثابت بمثلثة أي رجعت وفيه إشارة إلى أنهم أصابهم هزال من الجوع السابق قوله وادهنا من ودكه بفتح الواو والمهملة أي شحمه وفي رواية أبي الزبير فلقد رايتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقطع منه الفدر كالثور والوقب بفتح الواو وسكون القاف بعدها موحدة هي النقرة التي تكون فيها الحدقة والفدر بكسر الفاء وفتح الدال جمع فدرة بفتح ثم سكون وهي القطعة من اللحم ومن غيره وفي رواية الخولاني فحملنا ما شئنا من قديد وودك في الاسقية والغرائر قوله ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من اضلاعه فنصبا كذا فيه واستشكل لأن الضلع مؤنثة ويجاب بأن تأنيثه غير حقيقي فيجوز فيه التذكير قوله ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما وفي الرواية الثانية فعمد إلى أطول رجل معه فمر تحته وفي حديث عبادة بن الصامت عند بن إسحاق ثم أمر بأجسم بعير معنا فحمل عليه أجسم رجل منا فخرج من تحتهما وما مست رأسه وهذا الرجل لم أقف على اسمه وأظنه قيس بن سعد بن عبادة فإن له ذكرا في هذه الغزوة كما ستراه بعد وكان مشهورا بالطول وقصته في ذلك معاوية لما أرسل إليه ملك الروم بالسراويل معروفة فذكرها المعافى الحريري في الجليس وأبو الفرج الأصبهاني وغيرهما ومحصلها أن أطول رجل من الروم نزع له قيس بن سعد سراويله فكان طول قامة الرومي بحيث كان طرفها على أنفه وطرفها بالأرض وعوتب قيس في نزع سراويله في المجلس فأنشد أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه سراويل عادي نمته ثمود وزاد مسلم في رواية أبي الزبير فأخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه والوقب تقدم ضبطه وهو حفرة العين في عظم الوجه وأصله نقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء والجمع وقاب بكسر أوله ووقع في آخر صحيح مسلم من طريق عبادة بن الوليد أن عبادة بن الصامت قال خرجت أنا وأبي نطلب العلم فذكر حديثا طويلا وفي آخره وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال عسى الله أن يطعمكم فأتينا سيف البحر فزخر البحر زخرة فألقى دابة فأورينا على شقها النار فاطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا قال جابر فدخلت أنا وفلان وفلان حتى عد خمسة في حجاج عينها وما يرانا أحد حتى خرجا وأخذنا ضلعا من أضلاعها فقوسناه ثم دعونا بأعظم رجل في الركب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحته ما يطأطأ رأسه وظاهر سياقه أن ذلك وقع لهم في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم لكن يمكن حمل قوله فأتينا سيف البحر على أنه معطوف على شيء محذوف تقديره فبعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأتينا الخ فيتحد مع القصة التي في حديث الباب قوله في الرواية الثانية

[ 4103 ] فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه كذا للأكثر وللمستملى من أعضائه والأول أصوب لأن في السياق قال سفيان مرة ضلعا من أعضائه فدل على أن الرواية الأولى من اضلاعه قوله في الرواية الثانية وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر أي عندما جاعوا ووقع في رواية الخولاني سبع جزائر قوله وكان عمرو هو بن دينار وأبو صالح هو ذكوان السمان قوله ان قيس بن سعد قال لأبيه كنت في الجيش فجاعوا قال انحر وهذا صورته مرسل لأن عمرو بن دينار لم يدرك زمان تحديث قيس لأبيه لكنه في مسند الحميدي موصول أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه ولفظه عن أبي صالح عن قيس بن سعد بن عبادة قال قلت لأبي وكنت في ذلك الجيش جيش الخبط فأصاب الناس جوع قال لي انحر قلت نحرت فذكره وفي آخره قلت نهيت وذكر الواقدي بإسناد له أن قيس بن سعد لما رأى ما بالناس قال من يشتري مني تمرا بالمدينة بجزور هنا فقال له رجل من جهينة من أنت فانتسب له فقال عرفت نسبك فابتاع منه خمس جزائر بخمسة أوسق وأشهد له نفرا من الصحابة فامتنع عمر لكون قيس لا مال له فقال الأعرابي ما كان سعد ليجنى بابنه في أوسق تمر فبلغ ذلك سعدا فغضب ووهب لقيس أربع حوائط أقلها يجذ خمسين وسقا وزاد بن خزيمة من طريق عمرو بن الحارث عن عمرو بن دينار وقال في حديثه لما قدموا ذكروا شأن قيس فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت وفي حديث الواقدي أن أهل المدينة بلغهم الجهد الذي قد أصاب القوم فقال سعد بن عبادة إن يك قيس كما أعرف فسينحر للقوم قوله في الرواية الثالثة

[ 4104 ] وأمر أبو عبيدة كذا لهم بضم الهمزة وتشديد الميم على البناء للمجهول وفي رواية بن عيينة عند مسلم واميرنا أبو عبيدة قوله وأخبرني أبو الزبير القائل هو بن جريج وهو موصول بالإسناد المذكور قوله أطعمونا إن كان معكم منه فآتاه بعضهم بالمد أي فأعطاه فأكله ووقع في رواية بن السكن فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله قال عياض وهو الوجه قلت في رواية أحمد من طريق بن جريج التي أخرجها منه البخاري وكان معنا منه شيء فأرسل به إليه بعض القوم فأكل منه ووقع في رواية أبي حمزة عن جابر عند بن أبي عاصم في كتاب الأطعمة فلما قدموا ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو نعلم أنا ندركه لم يروح لاحببنا لو كان عندنا منه وهذا لا يخالف رواية أبي الزبير لأنه يحمل على أنه قال ذلك ازديادا منه بعد أن احضروا له منه ما ذكر أو قال ذلك قبل أن يحضروا له منه وكان الذي أحضروه معهم لم يروح فأكل منه والله أعلم وفي الحديث من الفوائد أيضا مشروعية المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة وأن الاجتماع على الطعام يستدعى البركة فيه وقد اختلفوا في سبب نهى أبي عبيدة قيسا أن يستمر على إطعام الجيش فقيل لخشية أن تغنى حمولتهم وفيه نظر لأن القصة أنه اشترى من غير العسكر وقيل لأنه كان يستدين على ذمته وليس له مال فاريد الرفق به وهذا أظهر والله أعلم

قوله

[ 4105 ] حج أبي بكر بالناس في سنة تسع كذا جزم به ونقل المحب الطبري عن صحيح بن حبان أن فيه عن أبي هريرة لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة وأمر أبا بكر في تلك الحجة قال المحب إنما حج أبو بكر سنة تسع والجعرانة كانت سنة ثمان قال وإنما حج فيها عتاب بن أسيد كذا قال وكأنه تبع الماوردي فأنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عتابا أن يحج بالناس عام الفتح والذي جزم به الأزرقي في أخبار مكة خلافه فقال لم يبلغنا أنه استعمل في تلك السنة على الحج أحدا وإنما ولى عتابا إمرة مكة فحج المسلمون والمشركون جميعا وكان المسلمون مع عتاب لكونه الأمير قلت والحق أنه لم يختلف في ذلك وإنما وقع الاختلاف في أي شهر حج أبو بكر فذكر بن سعد وغيره بإسناد صحيح عن مجاهد أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة ووافقه عكرمة بن خالد فيما أخرجه الحاكم في الإكليل ومن عدا هذين إما مصرح بأن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة كالداودى وبه جزم من المفسرين الرماني والثعلبي والماوردى وتبعهم جماعة وإما ساكت والمعتمد ما قاله مجاهد وبه جزم الأزرقي ويؤيده أن بن إسحاق صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بعد أن رجع من تبوك رمضان وشوالا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج فهو ظاهر في أن بعث أبي بكر كان بعد انسلاخ ذي القعدة فيكون حجة في ذي الحجة على هذا والله أعلم واستدل بهذا الحديث على أن فرض الحج كان قبل حجة الوداع والأحاديث في ذلك كثيرة شهيرة وذهب جماعة إلى أن حج أبي بكر هذا لم يسقط عنه الفرض بل كان تطوعا قبل فرض الحج ولا يخفى ضعفه ولبسط تقرير ذلك موضع غير هذا وقال بن القيم في الهدى ويستفاد أيضا من قول أبي هريرة في حديث الباب قبل حجة الوداع أنها كانت سنة تسع لأن حجة الوداع سنة عشر اتفاقا وذكر بن إسحاق أن خروج أبي بكر كان في ذي القعدة وذكر الواقدي أنه خرج في تلك الحجة مع أبي بكر ثلاثمائة من الصحابة وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بدنة ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في رهط يؤذن في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك هكذا أورده مختصرا وسيأتي في تفسير سورة براءة تام السياق ويأتي تمام شرحه هناك ثانيهما حديث البراء آخر سورة نزلت كاملة براءة الحديث وسيأتي شرحه في التفسير أيضا وبيان ما وقع فيه من الاشكال من قوله كاملة والغرض منه الإشارة إلى أن نزول قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا الآية كان في هذه القصة أشار إلى ذلك الإسماعيلي ودقق في ذلك على خلاف عادته من الاعتراض على مثل ذلك وقد ذكر بن إسحاق بإسناد مرسل قال نزلت براءة وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا علىالحج فقيل لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ثم دعا عليا فقال أخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر بمنى إذا اجتمعوا فذكر الحديث وروى أحمد من طريق محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي بن أبي طالب فكنت أنادى حتى صحل صوتي الحديث ومن طريق زيد بن يشيع قال سألت عليا بأي شيء بعثت في الحجة قال بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يحج بعد العام مشرك ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته وأخرجه الترمذي من هذا الوجه وصححه تنبيه وقع هنا ذكر حجة أبي بكر قبل الوفود والواقع أن ابتداء الوفود كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة في أواخر سنة ثمان وما بعدها بل ذكر بن إسحاق أن الوفود كانوا بعد غزوة تبوك نعم اتفقوا على أن ذلك كله كان في سنة تسع قال بن هشام حدثني أبو عبيدة قال كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود وقد تقدم في غزوة الفتح في حديث عمرو بن سلمة كانت العرب تلوم باسلامها الفتح الحديث فلما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم ولعل ذلك من تصرف الرواة كما قدمته غير مرة وسيأتي نظير هذا في تقديم حجة الوداع على غزوة تبوك وقد سرد محمد بن سعد في الطبقات الوفود وتبعه الدمياطي في السيرة التي جمعها وتبعه بن سيد الناس ومغلطاى وشيخنا في نظم السيرة ومجموع ما ذكروه يزيد على الستين

قوله

[ 4107 ] وفد بني تميم أي بن مر بضم الميم وتشديد الراء بن أد بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة بن طابخة بموحدة مكسورة ثم معجمة بن إلياس بن مضر بن نزار وذكر بن إسحاق أن أشراف بني تميم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم منهم عطارد بن حاجب الدارمي والأقرع بن حابس الدارمي والزبرقان بن بدر السعدي وعمرو بن الأهتم المنقري والحباب بن يزيد المجاشعي ونعيم بن يزيد بن قيس بن الحارث وقيس بن عاصم المنقري قال بن إسحاق ومعهم عيينة بن حصن وكان الأقرع وعيينة شهدا الفتح ثم كانا مع بني تميم فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته فذكر القصة وسيأتي بيان ذلك في تفسير سورة الحجرات إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف في الباب حديث عمران بن حصين في قوله صلى الله عليه وسلم أقبلوا البشرى يا بني تميم الحديث وقد تقدم شرحه في أول بدء الخلق

[ 4108 ] قوله وكانت منهم في رواية الكشميهني منهم قوله سبية بفتح المهملة وكسر الموحدة وتشديد التحتانية وتخفيفها ثم همزة أي جارية مسبية فعيلة بمعنى مفعولة وقد تقدم الكلام على اسمها وتسمية بعض من أسر معها وشرح هذه القصة من هذا الحديث في كتاب العتق قوله وجاءت صدقاتهم فقال هذه صدقات قوم أو قومي كذا وقع بالشك وقوم بالكسر بغير تنوين وفي رواية أبي يعلى عن زهير بن حرب شيخ البخاري فيه صدقات قومي بغير تردد قوله في حديث عبد الله بن الزبير الآخر قدم ركب من بني تميم فقال أبو بكر أمر القعقاع سيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في أول تفسير سورة الحجرات إن شاء الله تعالى

قوله باب وفد عبد القيس هي قبيلة كبيرة يسكنون البحرين ينسبون إلى عبد القيس بن أقصى بسكون الفاء بعدها مهملة بوزن أعمى بن دعمى بضم ثم سكون المهملة وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة بن جديلة بالجيم وزن كبيرة بن أسد بن ربيعة بن نزار والذي تبين لنا أنه كان لعبد القيس وفادتان إحداهما قبل الفتح ولهذا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم بيننا وبينك كفار مضر وكان ذلك قديما إما في سنة خمس أو قبلها وكانت قريتهم بالبحرين أول قرية أقيمت فها الجمعة بعد المدينة كما ثبت في آخر حديث في الباب وكان عدد الوفد الأول ثلاثة عشر رجلا وفيها سألوا عن الإيمان وعن الأشربة وكان فيهم الأشج وقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والآناة كما أخرج ذلك مسلم من حديث أبي سعيد وروى أبو داود من طريق أم أبان بنت الوازع بن الزارع عن جدها زارع وكان في وفد عبد القيس قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا يعني لما قدموا المدينة فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم وانتظر الأشج واسمه المنذر حتى لبس ثوبيه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إن فيك لخصلتين الحديث وفي حديث هود بن عبد الله بن سعد العصري أنه سمع جده مزبدة العصري قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ قال لهم سيطلع عليكم من ههنا ركب هم خير أهل المشرق فقام عمر فتوجه نحوهم فلقى ثلاثة عشر راكبا فبشرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم ثم مشى معهم حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فرموا بأنفسهم عن ركائبهم فأخذوا يده فقبلوها وتأخر الأشج في الركاب حتى أناخها وجمع متاعهم ثم جاء يمشي فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن فيك خصلتين الحديث أخرجه البيهقي وأخرجه البخاري في الأدب المفرد مطولا من وجه آخر عن رجل من وفد عبد القيس لم يسمه ثانيتهما كانت في سنة الوفود وكان عددهم حينئذ أربعين رجلا كما في حديث أبي حيوة الصناحي الذي أخرجه بن منده وكان فيهم الجارود العبدي وقد ذكر بن إسحاق قصته وأنه كان نصرانيا فأسلم وحسن إسلامه ويؤيد التعدد ما أخرجه بن حبان من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم مالي أرى ألوانكم تغيرت ففيه إشعار بأنه كان رآهم قبل التغير ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث أحدها حديث بن عباس

[ 4110 ] قوله قلت لابن عباس إن لي جرة تنتبذ لي نبيذا أسند الفعل إلى الجرة مجازا وقوله في جر يتعلق بجرة وتقديره أن لي جرة كائنة في جملة جرار وقوله خشيت أن افتضح أي لأني أصير في مثل حال السكارى وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى في الكلام على باب ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الأوعية وقدم حديث الباب في أواخر كتاب الإيمان

الحديث الثاني حديث أم سلمة

[ 4112 ] قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث قوله وقال بكر بن مضر الخ وصله الطحاوي من طريق عبد الله بن صالح عن بكر بن مضر بإسناده وساقه هنا على لفظ بكر بن مضر وتقدم في سجود السهو في الصلاة من الوجهين وساقه على لفظ عبد الله بن وهب وتقدم شرحه هناك والغرض منه ما فيه من ذكر وفد عبد القيس الحديث الثالث

[ 4113 ] قوله حدثنا أبو عامر عبد الملك هو بن عمرو العقدى قوله بجواثي بضم الجيم وتخفيف المثلثة وقد تقدم ذلك مع شرح الحديث في كتاب الجمعة

قوله باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن آثال أما حنيفة فهو بن لجيم بجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وهي قبيلة كبيرة شهيرة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن وكان وفد بني حنيفة كما ذكره بن إسحاق وغيره في سنة تسع وذكر الواقدي أنهم كانوا سبعة عشر رجلا فيهم مسيلمة وأما ثمامة بن آثال فأبوه بضم الهمزة وبمثلثة خفيفة بن النعمان بن مسلمة الحنفي وهو من فضلاء الصحابة وكانت قصته قبل وفد بني حنيفة بزمان فإن قصته صريحة في أنها كانت قبل فتح مكة كما سنبينه وكأن البخاري ذكرها هنا استطرادا ثم ذكر المصنف فيه أربعة أحاديث الحديث الأول حديث أبي هريرة في قصة ثمامة وقد صرح فيه بسماع سعيد المقبري له من أبي هريرة وأخرجه بن إسحاق عن سعيد فقال عن أبيه عن أبي هريرة وهو من المزيد في متصل الأسانيد فإن الليث موصوف بأنه أتقن الناس لحديث سعيد المقبري ويحتمل أن يكون سعيد سمعه من أبي هريرة وكان أبوه قد حدثه به قبل أو ثبته في شيء منه فحدث به على الوجهين

[ 4114 ] قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد أي بعث فرسان خيل إلى جهة نجد وزعم سيف في كتاب الزهد له أن الذي أخذ ثمامة وأسره هو العباس بن عبد المطلب وفيه نظر أيضا لأن العباس إنما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان فتح مكة وقصة ثمامة تقتضي أنها كانت قبل ذلك بحيث اعتمر ثمامة ثم رجع إلى بلاده ثم منعهم أن يميروا أهل مكة ثم شكا أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثم بعث يشفع فيهم عند ثمامة قوله ماذا عندك أي أي شيء عندك ويحتمل أن تكون ما استفهامية و ذا موصولة وعندك صلته أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك فأجاب بأنه ظن خيرا فقال عندي يا محمد خير أي لأنك لست ممن يظلم بل ممن يعفو ويحسن قوله إن تقتلني تقتل ذا دم كذا للأكثر بمهملة مخففة الميم وللكشميهني ذم بمعجمة مثقل الميم قال النووي معنى رواية الأكثر إن تقتل تقتل ذا دم أي صاحب دم لدمه موقع يشتفى قاتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته ويحتمل أن يكون المعنى أنه عليه دم وهو مطلوب به فلا لوم عليك في قتله وأما الرواية بالمعجمة فمعناها ذا ذمة وثبت كذلك في رواية أبي داود وضعفها عياض بأنه يقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله قال النووي يمكن تصحيحها بأن يحمل على الوجه الأول والمراد بالذمة الحرمة في قومه وأوجه الجميع الوجه الثاني لأنه مشاكل لقوله بعد ذلك وأن تنعم تنعم على شاكر وجميع ذلك تفصيل لقوله عندي خير وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر قوله قال عندي ما قلت لك أي إن تنعم تنعم على شاكر هكذا اقتصر في اليوم الثاني على أحد الشقين وحذف الامرين في اليوم الثالث وفيه دليل على حذفه وذلك أنه قدم أول يوم أشق الامرين عليه واشفى الامرين لصدر خصومه وهو القتل فلما لم يقع اقتصر على ذكر الاستعطاف وطلب الأنعام في اليوم الثاني فكأنه في اليوم الأول رأى إمارات الغضب فقدم ذكر القتل فلما لم يقتله طمع في العفو فاقتصر عليه فلما لم يعمل شيئا مما قال اقتصر في اليوم الثالث على الإجمال تفويضا إلى جميل خلقه صلى الله عليه وسلم وقد وافق ثمامة في هذه المخاطبة قول عيس عليه السلام ان تعذبهم فإنهم عبادك وأن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم لأن المقام يليق بذلك قوله فقال اطلقوا ثمامة في رواية بن إسحاق قال قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك وزاد بن إسحاق في روايته أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي صلى الله عليه وسلم من طعام ولبن فلم يقع ذلك من ثمامة موقعا فلما أسلم جاءوه بالطعام فلم يصب منه إلا قليلا فتعجبوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وأن المؤمن يأكل في معي واحد قوله فبشره أي بخيرى الدنيا والآخرة أو بشره بالجنة أو بمحو ذنوبه وتبعاته السابقة قوله فلما قدم مكة زاد بن هشام قال بلغني أنه خرج معتمرا حتى إذا كان ببطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة يلبى فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا وأرادوا قتله فقال قائل منهم دعوه فإنكم يحتاجون إلى الطعام من اليمامة فتركوه قوله قال لا ولكن أسلمت مع محمد كأنه قال لا ما خرجت من الدين لأن عبادة الأوثان ليست دينا فإذا تركتها لا أكون خرجت من دين بل استحدثت دين الإسلام وقوله مع محمد أي وافقته على دينه فصرنا متصاحبين في الإسلام أنا بالابتداء وهو بالاستدامة ووقع في رواية بن هشام ولكن تبعت خير الدين دين محمد قوله ولا والله فيه حذف تقديره والله لا أرجع إلى دينكم ولا أرفق بكم فاترك الميرة تأتيكم من اليمامة قوله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم زاد بن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم إلى يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلى بينهم وبين الحمل إليهم وفي قصة ثمامة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن على الآسير الكافر وتعظيم أمر العفو عن المسيء لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبا في ساعة واحدة لما اسداه النبي صلى الله عليه وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل وفيه الاغتسال عند الإسلام وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم شرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير وفيه الملاطفة يمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار وأسر من وجد منهم والتخيير بعد ذلك في قتله أو الإبقاء عليه

الحديث الثاني

[ 4115 ] قوله عن عبد الله بن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث النوفلي تابعي صغير مشهور نسب هنا لجده قوله قدم مسيلمة الكذاب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أي المدينة ومسيلمة مصغر بكسر اللام بن ثمامة بن كبير بموحدة بن حبيب بن الحارث من بني حنيفة قال بن إسحاق ادعى النبوة سنة عشر وزعم وثيمة في كتاب الردة أن مسيلمة لقب واسمه ثمامة وفيه نظر لأن كنيته أبو ثمامة فإن كان محفوظا فيكون ممن توافقت كنيته واسمه وسياق هذه القصة يخالف ما ذكره بن إسحاق أنه قدم مع وفد قومه وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم وذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخدوا منه جائزته وأنه قال لهم إنه ليس بشكرهم وأن مسيلمة لما ادعى أنه أشرك في النبوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج بهذه المقالة وهذا مع شذوذه ضعيف السند لانقطاعه وأمر مسيلمة كان عند قومه أكثر من ذلك فقد كان يقال له رحمان اليمامة لعظم قدره فيهم وكيف يلتئم هذا الخبر الضعيف مع قوله في هذا الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع به وخاطبه وصرح له بحضرة قومه أنه لو سأله القطعة الجريدة ما أعطاه ويحتمل أن يكون مسيلمة قدم مرتين الأولى كان تابعا وكان رئيس بني حنيفة غيره ولهذا أقام في حفظ رحالهم ومرة متبوعا وفيها خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم أو القصة واحدة وكانت إقامته في رحالهم باختياره أنفة منه واستكبارا أن يحضر مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وعامله النبي صلى الله عليه وسلم معاملة الكرم علىعادته في الاستئلاف فقال لقومه إنه ليس بشركم أي بمكان لكونه كان يحفظ رحالهم وأراد استئلافه بالإحسان بالقول والفعل فلما لم يفد في مسيلمة توجه بنفسه إليهم ليقيم عليهم الحجة ويعذر إليه بالإنذار والعلم عند الله تعلى ويستفاد من هذه القصة أن الإمام يأتي بنفسه إلى من قدم يريد لقاءه من الكفار إذا تعين ذلك طريقا لمصلحة المسلمين قوله ان جعل لي محمد الأمر من بعده أي الخلافة وسقط لفظ الأمر هنا عند الأكثر وهو مقدر وقد ثبتت في رواية بن السكن وثبتت أيضا في الرواية المتقدمة في علامات النبوة قوله وقدمها في بشر كثير ذكر الواقدي كما تقدم أن عدد من كان مع مسيلمة من قومه سبعة عشر نفسا فيحتمل تعدد القدوم كما تقدم قوله ولن تعدو أمر الله كذا للأكثر ولبعضهم لن تعد بالجزم وهو لغة أي الجزم بلن والمراد بأمر الله حكمة وقوله ولئن أدبرت أي خالفت الحق وقوله ليعقرنك بالقاف أي يهلكك قوله وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني أي لأنه كان خطيب الأنصار وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى جوامع الكلم فاكتفى بما قاله لمسيلمة وأعلمه أنه إن كان يريد الاسهاب في الخطاب فهذا الخطيب يقوم عني في ذلك ويؤخد منه استعانة الإمام بأهل البلاغة في جواب أهل العناد ونحو ذلك قوله أريت بضم أوله وكسر الراء من رؤيا المنام وقد فسره بن عباس عن أبي هريرة وهو الحديث الثالث وسيأتي شرحه في تعبير الرؤيا إن شاء الله تعالى قوله من ذهب من لبيان الجنس لقوله تعالى وحلوا أساور من فضه ووهم من قال الاساور لا تكون إلا من ذهب فإن كانت من فضة فهي القلب قوله فأهمني شأنهما في رواية همام التي بعدها فكبرا على قوله أحدهما العنسي بالمهملة ثم نون ساكنة ثم سين مهملة وهو الأسود وهو صاحب صنعاء كما في الرواية الثانية وسأذكر شأنه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى ويؤخذ من هذه القصة منقبة للصديق رضي الله عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولى نفخ السوارين بنفسه حتى طارا فأما الأسود فقتل في زمنه وأما مسيلمة فكان القائم عليه حتى قتله أبو بكر الصديق فقام مقام النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ويؤخذ منه أن السوار وسائر آلات أنواع الحلي اللائقة بالنساء تعبر للرجال بما يسوؤهم ولا يسرهم وسيأتي مزيدا لذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى

الحديث الرابع

[ 4117 ] قوله حدثنا الصلت بن محمد أي بن عبد الرحمن الخاركي بالخاء المعجمة يكنى أبا همام بصري ثقة أكثر عنه البخاري وهو بفتح المهملة وسكون اللام بعدها مثناة قوله هو أخير منه في رواية الكشميهني أحسن بدل أخير وأخير لغة في خير والمراد بالخيرية الحسية من كونه أشد بياضا أو نعومة أو نحو ذلك من صفات الحجارة المستحسنة قوله جثوه من تراب بضم الجيم وسكون المثلثة هو القطعة من التراب تجمع فتصير كوما وجمعها الجثا قوله ثم جئنا بالشاة نحلبها عليه أي لتصير نظير الحجر وأبعد من قال المراد بجلبهم الشاة على التراب مجاز ذلك وهو أنهم يتقربون إليه بالتصدق عليه بذلك اللبن قوله منصل بسكون النون وكسر الصاد وللكشميهني بفتح النون وتشديد الصاد وقد فسره بنزع الحديد من السلاح لأجل شهر رجب إشارة إلى تركهم القتال لأنهم كانوا ينزعون الحديد من السلاح في الأشهر الحرم ويقال نصلت الرمح إذا جعلت له نصلا وأنصلته إذا نزعت منه النصل قوله وألقيناه شهر رجب بالفتح أي في شهر رجب ولبعضهم لشهر رجب أي لأجل شهر رجب وأخرج عمر بن شبة في أخبار البصرة في ذكر وقعة الجمل هذا الخبر من طريق عبد الله بن عون عن أبي رجاء أنه ذكر الدماء فعظمها وقال كان أهل الجاهلية إذا دخل الشهر الحرام نزع أحدهم سنانه من رمحه وجعلها في علوم النساء ويقولون جاء منصل الأسنة ثم والله لقد رأيت هودج عائشة يوم الجمل كأنه قنفذ فقيل له قاتلت يومئذ قال لقد رميت بأسهم فقال له كيف ذلك وأنت تقول ما تقول فقال ما كان إلا أن رأينا أم المؤمنين فما تمالكنا قوله وسمعت أبا رجاء يقول هو حديث آخر متصل بالإسناد المذكور قوله كنت يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم غلاما أرعى الإبل على أهلي فلما سمعنا بخروجه فررنا إلى النار إلى مسيلمة الكذاب الذي يظهر أن مراده بقوله بعث أي اشتهر أمره عندهم ومراده بخروجه أي ظهوره على قومه من قريش بفتح مكة وليس المراد مبدأ ظهوره بالنبوة ولا خروجه من مكة إلى المدينة لطول المدة بين ذلك وبين خروج مسيلمة ودلت القصة على أن أبا رجاء كان من جملة من بايع مسيلمة من قومه بني عطارد بن عوف بن كعب بطن من بني تميم وكان السبب في ذلك أن سجاحا بفتح المهملة وتخفيف الجيم وآخره حاء مهملة وهو امرأة من بني تميم ادعت النبوة أيضا فتابعها جماعة من قومها ثم بلغها أمر مسيلمة فخادعها إلى أن تزوجها واجتمع قومها وقومه على طاعة مسيلمة

قوله

[ 4118 ] قصة الأسود العنسي بسكون النون وحكى بن التين جواز فتحها ولم أر له في ذلك سلفا قوله حدثنا سعيد بن محمد الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء كوفي ثقة مكثر ويعقوب بن إبراهيم هو بن سعد الزهري وصالح هو بن كيسان قوله عن بن عبيدة بن نشيط بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة قوله وكان في موضع آخر اسمه عبد الله أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم هو عبد الله بن عبيدة لا أخوه موسى وموسى ضعيف جدا وأخوه عبد الله ثقة وكان عبد الله أكبر من موسى بثمانين سنة وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق صالح بن كيسان وعبد الله بن عبيدة وعبيد الله بن عبد الله وهو بن عتبة بن مسعود وساق البخاري عنه الحديث مرسلا وقد ذكره في الباب الذي قبله موصولا لكن من رواية نافع بن جبير عن بن عباس قوله في دار بنت الحارث وكان تحته ابنة الحارث بن كريز وهي أم عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس والذي وقع هنا أنها أم عبد الله بن عامر قيل الصواب أم أولاد عبد الله بن عامر لأنها زوجته لا أمه فإن أم بن عامر ليلى بنت أبي حثمة العدوية وهو اعتراض متجه ولعله كان فيه أم عبد الله بن عبد الله بن عامر فإن لعبد الله بن عامر ولدا اسمه عبد الله كاسم أبيه وهو من بنت الحارث واسمها كيسة بتشديد التحتانية بعدها مهملة وهي بنت عبد الله بن عامر بن كريز ولها منه أيضا عبد الرحمن وعبد الملك وكانت كيسة قبل عبد الله بن عامر بن كريز تحت مسيلمة الكذاب وإذا ثبت ذلك ظهر السر في نزول مسيلمة وقومه عليها لكونها كانت امرأته وأما ما وقع عند بن إسحاق أنهم نزلوا بدار بنت الحارث وذكر غيره أن اسمها رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد وهي من الأنصار ثم من بني النجار وله صحبة وتكنى أم ثابت وكانت زوج معاذ بن عفراء الصحابي المشهور فكلام بن سعد يدل على أن دارها كانت معدة لنزول الوفود فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب وغيرهم أنهم نزلوا في دار بنت الحارث وكذا ذكر بن إسحاق أن بني قريظة حبسوا في دار بنت الحارث وتعقب السهيلي ما وقع عند بن إسحاق في قصة مسيلمة بأن الصواب بنت الحارث وهو تعقب صحيح إلا أنه يمكن الجمع بأن يكون وفد بني حنيفة نزلوا بدار بنت الحارث كسائر الوفود ومسيلمة وحده نزل بدار زوجته بنت الحارث ثم ظهر لي أن الصواب ما وقع عند بن إسحاق وأن مسيلمة والوفد نزلوا في دار بنت الحارث وكانت دارها معدة للوفود وكان يقال لها أيضا بنت الحارث كذا صرح به محمد بن سعد في طبقات النساء فقال رملة بنت الحارث ويقال لها ابنة الحارث بن ثعلبة الأنصارية وساق نسبها وأما زوجة مسيلمة وهي كيسة بنت الحارث فلم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت عند مسيلمة باليمامة فلما قتل تزوجها بن عمها عبد الله بن عامر بعد ذلك والله أعلم قوله ثم جعلته لنا بعدك هذا مغاير لما ذكر بن إسحاق أنه ادعى الشركة إلا أن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع قوله فقال بن عباس ذكر لي كذا فيه بضم الذال من ذكر على البناء للمجهول وقد وضح من حديث الباب قبله أن الذي ذكر له ذلك هو أبو هريرة قوله إسواران بكسر الهمزة وسكون المهملة تثنية إسوار وهي لغة في السوار والسوار بالكسر ويجوز الضم والاسوار أيضا صفة للكبير من الفرس وهو بالضم والكسر معا بخلاف الإسوار من الحلي فإنه بالكسر فقط قوله ففظعتهما وكرهتهما بفاء وظاء مشالة مكسورة بعدها عين مهملة يقال فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار قال بن الأثير الفظيع الأمر الشديد وجاء هنا متعديا والمعروف فظعت به وفظعت منه فيحتمل التعديه على المعنى أي خفتهما أو معنى فظعتهما أشتد على امرهما قلت يؤيد الثاني قوله في الرواية الماضية قريبا وكبرا علي قوله فقال عبيد الله أحدهما العنسى الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة الكذاب أما مسيلمة فقد ذكرت خبره وأما العنسي وفيروز فكان من قصته أن العنسي وهو الأسود واسمه عجلة بن كعب وكان يقال له أيضا ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه وقيل هو اسم شيطانه وكان الأسود قد خرج بصنعاء وادعى النبوة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي أمية ويقال أنه مر به فلما حاذاه عثر الحمار فادعى أنه سجد له ولم يقم الحمار حتى قال له شيئا فقام وروى يعقوب بن سفيان والبيهقي في الدلائل من طريقه من حديث النعمان بن بزرج بضم الموحدة وسكون الزاي ثم راء مضمومة ثم جيم قال خرج الأسود الكذاب وهو من بني عنس يعني بسكون النون وكان معه شيطانان يقال لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغر والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغر وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس وكان باذان عامل النبي صلى الله عليه وسلم بصنعاء فمات فجاء شيطان الأسود فأخبره فخرج في قومه حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجة باذان فذكر القصة في مواعدتها دادويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلا وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا حتى سكر وكان على بابه ألف حارس فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز واحتز رأسه وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت وأرسلوا الخبر الى المدينة فوافى بذلك عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو الأسود عن عروة أصيب الأسود قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة فأتاه الوحي فأخبر به أصحابه ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه وقيل وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم

[ 4119 ] قوله قصة أهل نجران بفتح النون وسكون الجيم بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن يشتمل على ثلاثة وسبعين قرية مسيرة يوم الراكب السريع كذا في زيادات يونس بن بكير بإسناد له في المغازي وذكر بن إسحاق أنهم وفدوا علىرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهم حينئذ عشرون رجلا لكن أعاد ذكرهم في الوفود بالمدينة فكأنهم قدموا مرتين وقال بن سعد كان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليهم فخرج إليه وفدهم في أربعة عشر رجلا من اشرافهم وعند بن إسحاق أيضا من حديث كرز بن علقمة أنهم كانوا أربعة وع رجلا وسرد أسماءهم وقوله حدثني عباس بن الحسين هو بغدادي ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في التهجد مقرونا قوله حدثنا يحيى بن آدم في رواية الحاكم في المستدرك عن الأصم عن الحسن بن علي بن عفان عن يحيى بن آدم بهذا الإسناد عن بن مسعود بدل حذيفة وكذلك أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة من طرق أخرى عن إسرائيل ورجح الدارقطني في العلل هذه وفيه نظر فإن شعبة قد روى أصل الحديث عن أبي إسحاق فقال عن حذيفة كما في الباب أيضا وكأن البخاري فهم ذلك فاستظهر برواية شعبة والذي يظهر أن الطريقين صحيحان فقد رواه بن أبي شيبة أيضا والإسماعيلي من رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة قوله جاء السيد والعاقب صاحبا نجران أما السيد فكان اسمه الأيهم بتحتانية ساكنه ويقال شرحبيل وكان صاحب رحالهم ومجتمعهم ورئيسهم في ذلك وأما العاقب فاسمه عبد المسيح وكان صاحب مشورتهم وكان معهم أيضا أبو الحارث بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وصاحب مدراسهم قال بن سعد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلىالاسلام وتلا عليهم القرآن فامتنعوا فقال أن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم فانصرفوا على ذلك قول يريدان أن يلاعناه أي يباهلاه وذكر بن إسحاق بإسناد مرسل أن ثمانين آية من أول سورة آل عمران نزلت في ذلك يشير الى قوله تعالى فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم الآية قوله فقال أحدهما لصاحبه ذكر أبو نعيم في الصحابة بإسناد له أن القائل ذلك هو السيد وقال غيره بل الذي قال ذلك هو العاقب لأنه كان صاحب رأيهم وفي زيادات يونس بن بكير في المغازي بإسناد له أن الذي قال ذلك شرحبيل أبو مريم قوله فوالله لئن كان نبيا فلا عنا في رواية الكشميهني فلاعننا بإظهار النون قوله لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا زاد في رواية بن مسعود أبدا وفي مرسل الشعبي عند بن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران لو تموا على الملاعنة ولما غدا عليهم أخذ بيد حسن وحسين وفاطمة تمشي خلفه للملاعنة قوله انا نعطيك ما سألتنا وفي رواية يونس بن بكير أنه صالحهم على ألفى حلة ألف في رجب وألف في صفر ومع كل حلة أوقية وساق الكتاب الذي كتبه بينهم مطولا وذكر بن سعد أن السيد والعاقب رجعا بعد ذلك فأسلما زاد في رواية بن مسعود فأتياه فقالا لا نلاعنك ولكن نعطيك ما سألت وفي قصة أهل نجران من الفوائد أن إقرار الكافر بالنبوة لا يدخله في الإسلام حتى يلتزم أحكام الإسلام وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب وقد تجب إذا تعينت مصلحته وفيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة وقد دعا بن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي ووقع ذلك لجماعة من العلماء ومما عرف بالتجربة أن من بأهل وكان مبطلا لا تمضى عليه سنة من يوم المباهلة ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين وفيها مصالحة أهل الذمة على ما يراه الإمام من أصناف المال ويجري ذلك مجرى ضرب الجزية عليهم فإن كلا منا مال يؤخذ من الكفار على وجه الصغار في كل عام وفيها بعث الإمام الرجل العالم الأمين إلى أهل الهدنة في مصلحة الإسلام وفيها منقبة ظاهرة لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وقد ذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم وهذه القصة غير قصة أبي عبيدة لأن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع وعلى أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية ويأخذ ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة والله أعلم ثم أورد المصنف حديث أنس أن أمين هذه الأمة أبو عبيدة إشارة إلى أن سببه الحديث الذي قبله وقد تقدم في مناقب أبي عبيدة

قوله قصة عمان والبحرين أما البحرين فبلد عبد القيس وقد تقدم بيانها في كتاب الجمعة وأما عمان فبضم المهملة وتخفيف الميم قال عياض هي فرضة بلاد اليمن لم يزد في تعريفها على ذلك وقال الرشاطي عمان في اليمن سميت بعمان بن سبأ ينسب إليها الجلندي رئيس أهل عمان ذكر وثيمة أن عمرو بن العاص قدم عليه من عند النبي صلى الله عليه وسلم فصدقه وذكر غيره أن الذي آمن على يد عمرو بن العاص ولدا الجلندي عياذ وجيفر وكان ذلك بعد خيبر ذكره أبو عمرو انتهى وروى الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله إلى الملوك فذكر الحديث وفيه وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندى ملك عمان وفيه فرجعوا جميعا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عمرا فإنه توفي وعمرو بالبحرين وفي هذا إشعار بقرب عمان من البحرين وبقرب البعث إلىالملوك من وفاته صلى الله عليه وسلم فلعلها كانت بعد حنين فتصحفت ولعل المصنف أشار بالترجمة إلى هذا الحديث لقوله في حديث الباب فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أحمد من طريق أبي لبيد قال خرج رجل منا يقال له بيرح بن أسد فرآه عمر فقال ممن أنت قال من أهل عمان فأدخله على أبي بكر فقال هذا من أهل الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأعلم أرضا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر وعند مسلم من حديث أبي برزة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلى قوم فسبوه وضربوه فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك تنبيهان بعمل الشام بلدة يقال لها عمان لكنها بفتح العين وتشديد الميم وهي التي أرادها الشاعر بقوله في وجهه خالان لولاهما مابت مفتتونا بعمان وليست مرادة هنا قطعا وإنما وقع اختلاف الرواة فيما وقع في صفة الحوض النبوي كما سيأتي في مكانه حيث جاء في بعض طرقه ذكر عمان وجيفر مثل جعفر إلا أن بدل العين تحتانية وعياذ بفتح المهملة وتشديد التحتانية وآخره معجمة والجلندى بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون والقصر ويبرح بموحدة ثم تحتانية ثم مهملة بوزن ديلم ثم ذكر المصنف حديث جابر

[ 4122 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة قوله سمع بن المنكدر جابر بن عبد الله بنصب جابر على أنه مفعول سمع وفي روياة الحميدي في مسنده حدثنا سفيان قال سمعت بن المنكدر قال سمعت جابرا وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في الكفالة وفي الشهادات وفي فرض الخمس قوله وعن عمرو هو معطوف على الإسناد الأول وعمرو هو بن دينار ومحمد بن علي هوالمعروف بالباقر وأبوه هو زين العابدين بن الحسين بن علي ووهم من زعم أن محمد بن علي هو بن الحنفية ووقع في رواية الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار أخبرني محمد بن علي فذكره

قوله باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن هو من عطف العام على الخاص لأن الأشعريين من أهل اليمن ومع ذلك ظهر لي أن في المراد بأهل اليمن خصوصا آخر وهو ما سأذكره من قصة نافع بن زيد الحميري أنه قدم وافدا في نفر من حمير وبالله التوفيق قوله وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم هم مني وأنا منهم هو طرف من حديث أوله أن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو جمعوا ثم اقتسموا بينهم فهم منى وأنا منهم الحديث وقد وصله المؤلف في الشركة وشرح هناك والمراد بقوله هم مني المبالغة في اتصال طريقهما واتفاقهما علىالطاعة ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث الحديث الأول

[ 4123 ] قوله حدثنا بن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة والإسناد كله كوفيون سوى شيخى البخاري قوله عن الأسود في المناقب من طريق يوسف بن أبي إسحاق حدثني الأسود سمعت أبا موسى قوله قدمت أنا وأخي من اليمن تقدم بيان اسم أخيه في غزوة خيبر قوله ما نرى بضم النون قوله بان مسعود وأمه أسم أمه أم عبد بنت عبد ود بن سواء وله صحبة وقوله من أهل البيت أي بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم في المناقب بلفظ من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم الحديث في مناقب بن مسعود تنبيه سقط شيخا البخاري من أول هذا الإسناد من رواية أبي زيد المروزي وابتداء الإسناد حدثنا يحيى بن آدم وثبتا عند غيره وهو الصواب ولم يدرك البخاري يحيى بن آدم لأنه مات في ربيع الأول سنة ثلاث ومائتين بالكوفة والبخاري يومئذ ببخارى ولم يرحل منها وعمره يومئذ تسع سنين وإنما رحل بعد ذلك بمدة كما بينته في ترجمته في المقدمة تنبيه آخر كان قدوم أبي موسى على النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح خيبر لما قدم جعفر بن أبي طالب وقيل إنه قدم عليه بمكة قبل الهجرة ثم كان ممن هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى ثم قدم الثانية صحبة جعفر والصحيح أنه خرج طالبا المدينة في سفينة فألقتهم الريح إلى الحبشة فاجتمعوا هناك بجعفر ثم قدموا صحبته وعلى هذا فإنما ذكره البخاري هنا ليجمع ما وقع على شرطه من البعوث والسرايا والوفود ولو تباينت تواريخهم ومن ثم ذكر غزوة سيف البحر مع أبي عبيدة بن الجراح وكانت قبل فتح مكة بمدة وكنت أظن أن قوله وأهل اليمن بعد الأشعريين من عطف العام على الخاص ثم ظهر لي أن لهذا العام خصوصا أيضا وأن المراد بهم بعض أهل اليمن وهم وفد حمير فوجدت في كتاب الصحابة لابن شاهين من طريق إياس بن عمير الحميري أنه قدم وافدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من حمير فقالوا آتيناك لنتفقه في الدين الحديث وقد ذكرت فوائده في أول بدء الخلق وحاصله أن الترجمة مشتلمة على طائفتين وليس المراد اجتماعهما في الوفاة فإن قدوم الأشعريين كان مع أبي موسى في سنة سبع عند فتح خيبر وقدوم وفد حمير في سنة تسع وهي سنة الوفود ولاجل هذا اجتمعوا مع بني تميم وقد عقد محمد بن سعد في الترجمة النبوية من الطبقات للوفود بابا وذكر فيه القبائل من مضر ثم من ربيعة ثم من اليمن وكاد يستوعب ذلك بتلخيص حسن وكلامه أجمع ما يوجد في ذلك ومع أنه ذكر وفد حمير لم يقع له قصة نافع بن زيد التي ذكرتها

الحديث الثاني

[ 4124 ] قوله حدثنا عبد السلام هو بن حرب قوله عن زهدم بزاى وزن جعفر وهو بن مضرب بالضاد المعجمة وكسر الراء قوله لما قدم أبو موسى أي إلى الكوفة أميرا عليها في زمن عثمان ووهم من قال أراد قدم اليمن لأن زهدما لم يكن من أهل اليمن قوله أكرم هذاالحي من جرم بفتح الجيم وسكون الراء قبيلة شهيرة ينسبون إلى جرم بن ربان براء ثم موحدة ثقيلة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة قوله فقذرته بفتح القاف وكسر الذال المعجمة وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأطعمة وعلى باقي الحديث في كتاب الأيمان والنذور أن شاء تعالى وكان الوقت الذي طلب فيه الاشعريون الحملان من النبي صلى الله عليه وسلم عند إرادة غزوة تبوك

الحديث الثالث حديث عمران أورده مختصرا وقد تقدم بتمامه في بدء الخلق والغرض منه

[ 4125 ] قوله فجاء ناس من أهل اليمن فقال أقبلوا البشرى واستشكل بأن قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك عقب فتح خيبر سنة سبع وأجيب باحتمال أن يكون طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك

الحديث الرابع حديث أبي مسعود

[ 4126 ] الإيمان ههنا وأشار بيده إلى اليمن أي إلى جهة اليمن وهذا يدل على أنه أراد أهل البلد لا من ينسب إلى اليمن ولو كان من غير أهلها الحديث الخامس حديث أبي هريرة

[ 4127 ] قوله عن سليمان هو الأعمش وذكوان هو بن صالح قوله وقال غندر عن شعبة الخ أورده لوقوع التصريح بقول الأعمش سمعت ذكوان وقد وصله أحمد عن محمد بن جعفر غندر بهذا الإسناد

[ 4128 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال وثور بن زيد هو المدني وأما ثورين يزيد الشامي فأبوه بزيادة تحتانية مفتوحة في أوله وأبو الغيث اسمه سالم قوله الإيمان يمان في رواية الأعرج التي بعدها الفقه يمان وفيها وفي رواية ذكوان والحكمة يمانية وفي أولها وأول رواية ذكوان أتاكم أهل اليمن وهو خطاب للصحابة الذين بالمدينة وفي حديث أبي مسعود والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين الخ وفي رواية ذكوان عن أبي هريرة والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل وزاد فيها والسكينة والوقار في أهل الغنم وزاد في رواية أبي الغيث والفتنة ههنا حيث يطلع قرن الشيطان وهذا هو الحديث السادس وسيأتي شرحه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وتقدم شرح سائر ذلك في أول المناقب وفي بدء الخلق وأشرت هناك إلى أن الرواية التي فيها أتاكم أهل اليمن ترد قول من قال إن المراد بقوله الايمان الإيمان الأنصار وغير ذلك وقد ذكر بن الصلاح قول أبي عبيد وغيره إن معنى قوله الإيمان يمان أن مبدأ الإيمان من مكة لأن مكة من تهامة وتهامة من اليمن وقيل المراد مكة والمدينة لأن هذا الكلام صدر وهو صلى الله عليه وسلم بتبوك فتكون المدينة حينئذ بالنسبة إلى المحل الذي هو فيه يمانية والثالث واختاره أبو عبيد أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره وقال بن الصلاح ولو تأملوا ألفاظ الحديث لما احتاجوا إلى هذا التأويل لأن

[ 4129 ] قوله أتاكم أهل اليمن خطاب للناس ومنهم الأنصار فيتعين أن الذين جاءوا غيرهم قال ومعنى الحديث وصف الذين جاءوا بقوة الإيمان وكماله ولا مفهوم له قال ثم المراد الموجودون حينئذ منهم لا كل أهل اليمن في كل زمان انتهى ولا مانع أن يكون المراد بقوله الإيمان يمان ما هو أعم مما ذكره أبو عبيد وما ذكره بن الصلاح وحاصله أن قوله يمان يشمل من ينسب إلى اليمن بالسكنى وبالقبيلة لكن كون المراد به من ينسب بالسكنى أظهر بل هو المشاهد في كل عصر من أحوال سكان جهة اليمن وجهة الشمال فغالب من يوجد من جهة اليمن رقاق القلوب والأبدان وغالب من يوجد من جهة الشمال غلاظ القلوب والابدان وقد قسم في حديث أبي مسعود أهل الجهات الثلاثة اليمن والشام والمشرق ولم يتعرض للمغرب في هذا الحديث وقد ذكره في حديث آخر فلعله كان فيه ولم يذكره الراوي إما لنسيان أو غيره والله أعلم وأورد البخاري هذه الأحاديث في الأشعريين من أهل اليمن قطعا وكأنه أشار إلى حديث بن عباس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قال الله أكبر إذا جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن نقية قلوبهم حسنة طاعتهم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية أخرجه البزار وعن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب هم خير أهل الأرض الحديث أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وفي الطبراني من حديث عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعيينه بن حصن أي الرجال خير قال رجال أهل نجد قال كذبت بل هم أهل اليمن الإيمان يمان الحديث وأخرجه أيضا من حديث معاذ بن جبل قال الخطابي قوله هم أرق أفئدة وألين قلوبا أي لأن الفؤاد غشاء القلب فإذا رق نفذ القول وخلص إلى ما وراءه وإذا غلظ بعد وصوله إلى داخل وإذا كان القلب لينا علق كل ما يصادفه

الحديث السابع

[ 4130 ] قوله فجاء خباب بالمعجمة والموحدتين الأولى ثقيلة وهو بن الأرت الصحابي المشهور قوله يا أبا عبد الرحمن هو كنية بن مسعود قوله أمرت بعضهم فيقرأ عليك في رواية الكشميهني فقرأ بصيغة الفعل الماضي قوله فقال زيد بن حدير بمهملة مصغر أخو زياد بن حدير وزياد من كبار التابعين أدرك عمر وله رواية في سنن أبي داود ونزل الكوفة وولي إمرتها مرة وهو أسدى من بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وأما أخوه زيد فلا أعرف له رواية قوله أما بتخفيف الميم إن شئت أخبرتك بما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قومك وفي قومه كأنه يشير إلى ثناء النبي صلى الله عليه وسلم علىالنخع لأن علقمة نخعي وإلى ذم بني أسد وزياد بن حدير أسدى فأما ثناؤه علىالنخع ففيما أخرجه أحمد والبزار بإسناد حسن عن بن مسعود قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الحي من النخع أو يثني عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم وأما ذمة لبني أسد فتقدم في المناقب حديث أبي هريرة وغيره أن جهينة وغيرها خير من بني أسد وغطفان وأما النخعي فمنسوب إلى النخع قبيلة مشهورة من اليمن واسم النخع حبيب بن عمرو بن علة بضم المهملة وتخفيف اللام بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد وقيل له النخع لأنه نخع عن قومه أي بعد وفي رواية شعبة عن الأعمش عند أبي نعيم في المستخرج لتسكتن أو لأحدثنك بما قيل في قومك وقومه قوله فقرأت خمسين آية من سورة مريم في رواية شعبة فقال عبد الله رتل فداك أبي وأمي قوله وقال عبد الله كيف ترى هو موصول بالإسناد المذكور وخاطب عبد الله بذلك خبابا لأنه هو الذي سأله أولا وهو الذي قال قد أحسن وكذا ثبت في رواية أحمد عن يعلى عن الأعمش ففيه قال خباب أحسنت قوله قال عبد الله هو موصول أيضا قوله ما أقرأ شيئا إلا وهو يقرؤه يعني علقمة وهي منقبة عظيمة لعلقمة حيث شهد له بن مسعود أنه مثله في القراءة قوله ثم ألتفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب فقال ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى بضم أوله وفتح القاف أي يرمي به قوله رواه غندر عن شعبة أي عن الأعمش بالإسناد المذكور وقد وصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر وهو غندر بإسناده هذا وكأنه في الزهد لأحمد وإلا فلم أره في مسند أحمد إلا من طريق يعلىبن عبيد عن الأعمش ووهم بعض من لقيناه فزعم أن هذا التعليق معاد في بعض النسخ وأن محله عقب حديث أبي هريرة وقد ظهر لي أن لا إعادة وأنه في جميع النسخ وأن الذي وقع في الموضعين من رواية غندر عن شعبة صواب وأن المراد في الموضع الثاني أن شعبة رواه عن الأعمش بالإسناد الذي وصله به من طريق أبي حمزة عن الأعمش وقد أثبت الإسماعيلي في مستخرجه رواية غندر عن شعبة فقال بعد أن أخرجه من طريق بن شهاب عن الأعمش بالإسناد الذي وصله به رواه جماعة عن الأعمش ورواه غندر عن شعبة وفي الحديث منقبة لابن مسعود وحسن تأنيه في الموعظة والتعليم وأن بعض الصحابة كان يخفى عليه بعض الأحكام فإذا نبه عليها رجع ولعل خبابا كان يعتقد أن النهي عن لبس الرجال خاتم الذهب للتنزيه فنبهه بن مسعود على تحريمه فرجع إليه مسرعا

قوله قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي بفتح المهملة وسكون الواو بعدها مهملة تقدم نسبهم في غزوة ذي الخلصة والطفيل بن عمرو أي بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس كان يقال له ذو النور آخره راء لأنه لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم بعثه إلى قومه فقال اجعل لي آية فقال اللهم نور له فسطع نور بين عينيه فقال يا رب أخاف أن يقولوا إنه مثله فتحول إلى طرف سوطه وكان يضىء في الليلة المظلمة ذكره هشام بن الكلبي في قصة طويلة وفيها أنه دعا قومه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمه وأجابه أبو هريرة وحده قلت وهذا يدل على تقدم إسلامه وقد جزم بن أبي حاتم بأنه قدم مع أبي هريرة بخيبر وكأنها قدمته الثانية

[ 4131 ] قوله عن بن ذكون هو عبد الله أبو الزناد قوله اللهم اهد دوسا وائت بهم وقع مصداق ذلك فذكر بن الكلبي أن حبيب بن عمرو بن حثمة الدوسي كان حاكما على دوس وكذا كان أبوه من قبله وعمر ثلاثمائة سنة وكان حبيب يقول إني لأعلم أن للخلق خالقا لكني لا أدرى من هو فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليه ومعه خمسة وسبعون رجلا من قومه فأسلم وأسلموا وذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الطفيل بن عمرو ليحرق صنم عمرو بن حثمة الذي كان يقال له دو الكفين بفتح الكاف وكسر الفاء فأحرقه وذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب أن الطفيل بن عمرو استشهد بأجنادين في خلافة أبي بكر وكذا قال أبو الأسود عن عروة وجزم بن سعد بأنه استشهد باليمامة وقيل باليرموك

[ 4132 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي خالد عن قيس هو بن أبي حازم قوله لما قدمت أي أردت القدوم قوله قلت في الطريق تقدم شرحه مستوفى في كتاب العتق وقوله في هذه الرواية وأبق غلام لي لا يغاير قوله في الرواية الماضية في العتق فأضل أحدهما صاحبه لأن رواية أبق فسرت وجه إلا ضلال وأن الذي أضل هو أبو هريرة بخلاف غلامه فإنه أبق أبو هريرة مكانه لهربه فلذلك أطلق أنه أضله فلا يلتفت إلى إنكار بن التين أنه أبقى وأما كونه عاد فحضر عند النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينافيه أيضا لأنه يحمل على أنه رجع عن الإباق وعاد إلى سيده ببركة الإسلام ويحتمل أن يكون أطلق أبق بمعنى أنه أضل الطريق فلا تتنافى الروايتان

قوله وفد طيء وحديث عدي بن حاتم أي بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بمهملة ثم معجمة ثم راء ثم جيم بوزن جعفر بن أمرىء القيس بن عدي الطائي منسوب إلى طيء بفتح المهملة وتشديد التحتانية المكسورة بعدها همزة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ يقال كان اسمه جلهمة فسمى طيئا لأنه أول من طوى بئرا ويقال أول من طوى المناهل وأخرج مسلم من وجه آخر عن عدي بن حاتم قال أتيت عمر فقال أن أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيء جئت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزاد أحمد في أوله أتيت عمر في أناس من قومي فجعل يعرض عني فاستقبلته فقلت أتعرفني فذكر نحو ما أورده البخاري ونحو ما أورده مسلم جميعا

[ 4133 ] قوله حدثنا عبد الملك هو بن عمير وعمرو بن حريث بالمهملة وبالمثلثة مصغر هو المخزومى صحابي صغير وفي الإسناد ثلاثة من الصحابة في نسق قوله أتيت عمر أي في خلافته قوله فجعل يدعو رجلا رجلا يسميهم أي قبل أن يدعوهم قوله بلى أسلمت إذ كفروا الخ يشير بذلك إلى وفاء عدي بالإسلام والصدقة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه منع من أطاعه من الردة وذلك مشهور عند أهل العلم بالفتوح قوله فقال عدي فلا أبالي إذا أي إذا كنت تعرف قدري فلا أبالي إذا قدمت على غيري وفي الأدب المفرد للبخارى ان عمر قال لعدى حياك الله من معرفة وروى أحمد في سبب إسلام عدي أنه قال لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كرهته فانطلقت إلى أقصى الأرض مما يلي الروم ثم كرهت مكاني فقلت لو أتيته فإن كان كاذبا لم يخف على فأتيته فقال أسلم تسلم فقلت إن لي دينا وكان نصرانيا فذكر إسلامه وذكر ذلك بن إسحاق مطولا وفيه أن خيل النبي صلى الله عليه وسلم أصابت أخت عدي وأن النبي صلى الله عليه وسلم من عليها فأطلقها بعد أن استعطفته بإشارة على عليها فقالت له هلك الوالد وغاب الوافد فامنن على من الله عليك فقال ومن وافدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله وروسله فلما قدمت بنت حاتم على عدى أشارت عليه بالقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم وأسلم وروى الترمذي من وجه آخر عن عدى بن حاتم قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال هذا عدي بن حاتم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يقول إني لأرجو الله أن يجعل يده في يدي

قوله باب حجة الوداع بكسر الحاء المهملة وبفتحها وبكسر الواو وبفتحها ذكر جابر في حديثه الطويل في صفتها كما أخرجه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين أي منذ قدم المدينة لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ووقع في حديث أبي سعيد الخدري مايوهم أنه صلى الله عليه وسلم حج قبل أن يهاجر غير حجة الوداع ولفظه وعند الترمذي من حديث جابر حج قبل أن يهاجر ثلاث حجج وعن بن عباس مثله أخرجه بن ماجة والحاكم قلت وهو مبنى على عدد وفود الأنصار إلى العقبة بمنى بعد الحج فإنهم قدموا أولا فتواعدوا ثم قدموا ثانيا فبايعوا البيعة الأولى ثم قدموا ثالثا فبايعوا البيعة الثانية كما تقدم بيانه أول الهجرة وهذا لا يقتضى نفىالحج قبل ذلك وقد أخرج الحاكم بسند صحيح إلى الثوري أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قبل أن يهاجر حججا وقال بن الجوزي حج حججا لا يعرف عددها وقال بن الأثير في النهاية كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر وفي حديث بن عباس أن خروجه من المدينة كان لخمس بقين من ذي القعدة أخرجه المصنف في الحج وأخرجه هو ومسلم من حديث عائشة مثله وجزم بن حزم بأن خروجه كان يوم الخميس وفيه نظر لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس قطعا لما ثبت وتواتر أن وقوفه بعرفة كان يوم الجمعة فتعين أن أول الشهر يوم الخميس فلا يصح أن يكون خروجه يوم الخميس بل ظاهر الخبر أن يكون يوم الجمعة لكن ثبت في الصحيحين عن أنس صلينا الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين فدل على أن خروجهم لم يكن يوم الجمعة فما بقي إلا أن يكون خروجهم يوم السبت ويحمل قول من قال لخمس بقين أي إن كان الشهر ثلاثين فاتفق أن جاء تسعا وعشرين فيكون يوم الخميس أول ذي الحجة بعد مضى أربع ليال لا خمس وبهذا تتفق الاخبار هكذا جمع الحافظ عماد الدين بن كثير بين الروايات وقوى هذا الجمع بقول جابر أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة أو أربع وكان دخوله صلى الله عليه وسلم مكة صبح رابعة كما ثبت في حديث عائشة وذلك يوم الأحد وهذا يؤيد أن خروجه من المدينة كان يوم السبت كما تقدم فيكون مكثه في الطريق ثمان ليال وهي المسافة الوسطى ثم ذكر المصنف في الباب سبعة عشر حديثا تقدم غالبها في كتاب الحج مشروحة وسأبين ذلك مع مزيد فائدة الحديث الأول حديث عائشة وقد تقدم شرحه مستوفى في باب التمتع والقرآن من كتاب الحج

الحديث الثاني

[ 4135 ] قوله عن بن عباس إذا طاف بالبيت فقد حل فقلت من أين قال هذا بن عباس القائل هو بن جريج والمقول له عطاء وذلك صريح في رواية مسلم والمراد بالمعرف وهو بتشديد الراء الوقوف بعرفة وهو ظاهر في أن المراد بذلك من اعتمر مطلقا سواء كان قارنا أو متمتعا وهو مذهب مشهور لابن عباس وقد تقدم البحث فيه في أبواب الطواف في باب من طاف بالبيت إذا قدم من كتاب الحج

الحديث الخامس حديث بن عباس أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الحديث في أمرها بالحج عن أبيها وقد تقدم شرحه في كتاب الحج وفيه الكلام على اسمها واسم أبيها وأورده هنا لتصريح الراوي بأن ذلك كان في حجة الوداع وقوله في أول الإسناد

[ 4138 ] وقال محمد بن يوسف هو الفريابي وهو من شيوخ البخاري وكأنه لم يسمع هذا الحديث منه وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريقه وساق المصنف الحديث هنا على لفظه وأما لفظ شعيب فسيأتي في كتاب الاستئذان وهو أتم سياقا من رواية الأوزاعي

[ 4139 ] الحديث السادس حديث بن عمر في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة تقدم شرحه مستوفى في باب إغلاق البيت من أبواب الطواف في كتاب الحج وقوله في أول الإسناد حدثني محمد هو بن رافع كما تقدم في الحج وتقدم هناك بيان الاختلاف فيه وقوله سطرين بالمهملة ووقع في رواية الأصيلي بالمعجمة وخطأه عياض وقوله عند المكان الذي صلى فيه مرمرة بسكون الراء والمهملتين والميمين المفتوحتين واحدة المرمر وهو جنس من الرخام نفيس معروف وكان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم غير بناء الكعبة بعده في زمن بن الزبير كما تقدم بسطه في كتاب الحج وقد أشكل دخول هذا الحديث في باب حجة الوداع لأن فيه التصريح بأن القصة كانت عام الفتح وعام الفتح كان سنة ثمان وحجة الوداع كانت سنة عشر وفي أحاديث هذا الباب جميعها التصريح بحجة الوداع وبحجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي حجة الوداع

الحديث الثامن

[ 4141 ] قوله حدثني عمر بن محمد أي بن زيد بن عبد الله بن عمر قوله كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في رواية أبي عاصم عن عمر بن محمد عند الإسماعيلي كنا نسمع بحجة الوداع قوله ولا ندري ما حجة الوداع كأنه شيء ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فتحدثوا به وما فهموا أن المراد بالوداع وداع النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقعت وفاته صلى الله عليه وسلم بعدها بقليل فعرفوا المراد وعرفوا أنه ودع الناس بالوصية التي أوصاهم بها أن لا يرجعوا بعده كفارا وأكد التوديع باشهاد الله عليهم بأنهم شهدوا أنه قد بلغ ما أرسل إليهم به فعرفوا حينئد المراد بقولهم حجة الوداع وقد وقع في الحج في باب الخطبة بمنى من رواية عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن بن عمر في هذا الحديث فودع الناس وقدمت هناك ما وقع عند البيهقي أن سورة إذا جاء نصر الله والفتح نزلت في وسط أيام التشريق فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه الوداع فركب واجتمع الناس فذكر الخطبة قوله فحمد الله وأنثى عليه في رواية أبي نعيم في المستخرج فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الله وحده وأثنى عليه الحديث وذكر فيه قصة الدجال وفيه ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وهذا يدل على أن هذه الخطبة كلها كانت في حجة الوداع وقد ذكر الخطبة في حجة الوداع جماعة من الصحابة لم يذكر أحد منهم قصة الدجال فيها إلا بن عمر بل اقتصر الجميع على حديث أن أموالكم عليكم حرام الحديث وقد أورد المصنف منها حديث جرير وأبي بكرة هنا وحديث بن عباس في الحج وقد تقدم في الحج من رواية عاصم بن محمد بن زيد وهو أخو عمر بن محمد بن زيد عن أبيه عن بن عمر بدونها وزيادة عمر بن محمد صحيحة لأنه ثقة وكأنه حفظ ما لم يحفظه غيره وسيأتي شرح ما تضمنته هذه الزيادة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى

الحديث التاسع حديث زيد بن أرقم تقدم شرحه في أول الهجرة وقوله

[ 4142 ] وأنه حج بعد ما هاجر حجة واحدة لم يحج بعدها حجة الوداع يعني ولا حج قبلها إلا أن يريد نفىالحج الأصغر وهو العمرة فلا فإنه اعتمر قبلها قطعا قوله قال أبو إسحاق وبمكة أخرى هو موصول بالإسناد المذكور وغرض أبي إسحاق أن لقوله بعد ما هاجر مفهوما وأنه قبل أن يهاجر كان قد حج لكن اقتصاره على قوله أخرى قد يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة وليس كذلك بل حج قبل أن يهاجر مرارا بل الذي لا ارتاب فيه أنه لم يترك الحج وهو بمكة قط لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج وإنما يتأخر منهم عنه من لم يكن بمكة أو عاقه ضعف وإذا كانوا وهم على غير دين يحرصون على إقامة الحج ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يتركه وقد ثبت من حديث جبير بن مطعم أنه رآه في الجاهلية واقفا بعرفة وأن ذلك من توفيق الله له وثبت دعاؤه قبائل العرب إلى الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية كما بينته في الهجرة إلى المدينة

الحديث العاشر حديث جرير

[ 4143 ] قوله عن علي بن مدرك بضم الميم وسكون الدال وكسر الراء وهو نخعي كوفى ثقة ذكره بن حبان في ثقات التابعين وما له في البخاري سوى هذا الحديث لكنه أورده في مواضع والله أعلم قوله استنصت الناس فيه دليل على وهم من زعم أن إسلام جرير كان قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما لأن حجة الوداع كانت قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثمانين يوما وقد ذكر جرير أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع

الحديث الحادي عشر حديث أبي بكرة

[ 4144 ] قوله عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي ومحمد هو بن سيرين وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن وقد تقدم شرح الحديث في العلم وفي الحج وقوله في الآية منها أربعة حرم قيل الحكمة في جعل المحرم أول السنة أن يحصل الابتداء بشهر حرام ويختم بشهر حرام وتتوسط السنة بشهر حرام وهو رجب وإنما توالى شهران في الآخر لإرادة تفضيل الختام والأعمال بالخواتيم

الحديث الثاني عشر

[ 4145 ] قوله إن أناسا من اليهود تقدم في كتاب الإيمان بلفظ إن رجلا من اليهود وبينت أن المراد به كعب الأحبار وفيه إشكال من جهة أنه كان أسلم ويجوز أن يكون السؤال صدر قبل إسلامه لكن قد قيل إنه أسلم وهو باليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم على يد علي فإن ثبت احتمل أن يكون الذين سألوا جماعة من اليهود

[ 4146 ] ثم أورد المصنف حديث عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة الحديث أورده من طرق عن مالك بسنده في طريقين منها حجةالوداع وهو مقصود الترجمة وقد تقدم من وجه آخر في أول الباب عن شيخ آخر لمالك بأتم من السياق المذكور هنا

الحديث الثالث عشر

[ 4147 ] حديث سعد وهو بن أبي وقاص في الوصية بالثلث وقد تقدم شرحه في الوصايا وتقرير كون ذلك وقع في حجة الوداع وبيان توجيه من قال إن ذلك في فتح مكة ووجه الجمع بين الروايتين بما يغنى عن إعادته الحديث الرابع عشر حديث بن عمر في الحلق في حجة الوداع أورده من طريقين وقد تقدم شرحه في الحج الحديث الخامس عشر حديث بن عباس في الصلاة بمنى وقد تقدم شرحه في أبواب السترة في الصلاة الحديث السادس عشر حديث أسامة بن زيد كان يسير في حجته العنق بفتح المهملة والنون والقاف وقد تقدم شرحه في الحج أيضا الحديث السابع عشر حديث أبي أيوب في الجمع بين المغرب والعشاء في حجة الوداع وقد تقدم شرحه في الحج أيضا

قوله باب غزوة تبوك هكذا أورد المصنف هذه الترجمة بعد حجة الوداع وهو خطأ وما أظن ذلك إلا من النساخ فإن غزوة تبوك كانت في شهر رجب من سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف وعند بن عائذ من حديث بن عباس أنها كانت بعد الطائف بستة أشهر وليس مخالفا لقول من قال في رجب إذا حذفنا الكسور لأنه صلى الله عليه وسلم قد دخل المدينة من رجوعه من الطائف في ذي الحجة وتبوك مكان معروف هو نصف طريق المدينة إلى دمشق ويقال بين المدينة وبينه أربع عشرة مرحلة وذكرها في المحكم في الثلاثي الصحيح وكلام بن قتيبة يقتضى أنها من المعتل فإنه قال جاءها النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبكون مكان مائها بقدح فقال ما زلتم تبوكونها فسميت حينئذ تبوك قوله وهي غزوة العسرة وفي أول أحاديث الباب

[ 4153 ] قول أبي موسى في جيش العسرة بمهملتين الأولى مضمومة وبعدها سكون مأخوذ من قوله تعالى الذين اتبعوه في ساعة العسرة وهي غزوة تبوك وفي حديث بن عباس قيل لعمر حدثنا عن شأن ساعة العسرة قال خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فأصابنا عطش الحديث أخرجه بن خزيمة وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن بن عقيل قال خرجوا في قلة من الظهر وفي حر شديد حتى كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء فكان ذلك عسرة من الماء وفي الظهر وفي النفقة فسميت غزوة العسرة وتبوك المشهور فيها عدم الصرف للتأنيث والعلية ومن صرفها أراد الموضع ووقعت تسميتها بذلك في الأحاديث الصحيحة منها حديث مسلم إنكم ستأتون غدا عين تبوك وكذا أخرجه أحمد والبزار من حديث حذيفة وقيل سميت بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين الذين سبقاه إلى العين مازلتما تبوكانها منذ اليوم قال بن قتيبة فبذلك سميت عين تبوك والبوك كالحفر انتهى والحديث المذكور عند مالك ومسلم بغير هذا اللفظ أخرجاه من حديث معاذ بن جبل إنهم خرجوا في عام تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء فذكر الحديث في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه بشيء من مائها ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس وبينها وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة وكان السبب فيها ما ذكره بن سعد وشيخه وغيره قالوا بلغ المسلمين من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلىالمدينة أن الروم جمعت جموعا وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من متنصرة العرب وجاءت مقدمتهم إلى البلقاء فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج وأعلمهم بجهة غزوهم كما سيأتي في الكلام على حديث كعب بن مالك وروى الطبراني من حديث عمران بن حصين قال كانت نصارىالعرب كتبت إلى هرقل أن هذا الرجل الذي خرج يدعي النبوة هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم فبعث رجلا من عظمائهم يقال له قباذ وجهز معه أربعين ألفا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يكن للناص قوة وكان عثمان قد جهز عيرا إلىالشام فقال يا رسول الله هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية قال فسمعته يقول لا يضر عثمان ما عمل بعدها وأخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبد الرحمن بن حبان نحوه وذكر أبو سعيد في شرف المصطفى والبيهقي في الدلائل من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن اليهود قالوا يا أبا القاسم إن كنت صادقا فالحق بالشام فأنها أرض المحشر وأرض الأنبياء فغزا تبوك لا يريد إلا الشام فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى الآيات من سورة بني إسرائيل وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها الآية انتهى وإسناده حسن مع كونه مرسلا قوله أسأله الحملان لهم بضم الحاء المهملة أي الشيء الذي يركبون عليه ويحملهم قوله لا أجد ما أحملكم عليه في رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب وجاء نفر كلهم معسر يستحملونه لا يحبون التخلف عنه فقال لا أجد قال ومن هؤلاء نفر من الأنصار ومن بني مزينة وفي مغازي بن إسحاق أن البكائين سبعة نفر سالم بن عمير وأبو ليلى بن كعب وعمرو بن الحمام وعبد الله بن مغفل وقيل بن غنمه وعلية بن زيد وهرمى بن عبد الله وعرباض بن سارية وسلمة بن صخر قال فبلغني أن أبا ياسر اليهودي وقيل بن يامين جهز أبا ليلى وابن مغفل وقيل كان في البكائين بنو مقرن السبعة معقل وإخوته قوله خذ هذين القرينين أي الجملين المشدودين أحدهما إلى الآخر وقيل النظيرين المتسايين وفي رواية أبي ذر عن المستملى هاتين القرينتين أي الناقتين وتقدم في قدوم الأشعريين أنه صلى الله عليه وسلم أمر لهم بخمس ذود وقال هذا بستة أبعرة فأما تعددت القصة أو زادهم على الخمس واحدا وأما قوله هاتين القرينتين وهاتين القرينتين فيحتمل أن يكون اختصارا من الراوي أو كانت الأولى اثنتين والثانية أربعة لأن القرين يصدق على الواحد وعلى الأكثر وأما الرواية التي فيها هذين القرينين فذكر ثم أنث فالأولى على إرادة البعير والثانية على إرادة الاختصاص لا على الوصفية قوله ابتاعهن في رواية الكشميهني ابتاعهم وكذا انطلق بهن في روايته بهم وهو تحريف والصواب ما عند الجماعة لأنه جمع ما يعقل قوله حينئذ من سعد لم يتعين لي من هو سعد إلى الآن إلا أنه يهجس في خاطري أنه سعد بن عبادة وفي الحديث استحباب حنث الحالف في يمينه إذا رأى غيرها خيرا منها كما سيأتي البحث في الإيمان والنذور وانعقاد اليمين في الغضب وسنذكر هناك بقية فوائد حديث أبي موسى إن شاء الله تعالى

[ 4154 ] قوله غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العسرة كذا للأكثر وفي رواية السرخسي العسيرة بالتصغير قال

[ 4155 ] كان يعلى يقول تلك الغزوة أوثق أعمالي عندي تقدم في الإجارة بلفظ اجمالي وبالعين المهملة أصح قوله قال عطاء هو موصول بالإسناد المذكور قوله كان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر قال عطاء فلقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر فنسيته سيأتي البحث في ذلك وتتمة شرح هذا الحديث في كتاب الديات إن شاء الله تعالى

قوله

[ 4156 ] حديث كعب بن مالك وقول الله تعالى وعلىالثلاثة الذين خلفوا سيأتي الكلام على قوله خلفوا في آخر الحديث قوله عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب كذا عند الأكثر ووقع عن الزهري في بعض هذا الحديث رواية عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وهو عم عبد الرحمن بن عبد الله الذي حدث به عنه هنا وفي رواية عن عبد الله بن كعب نفسه قال أحمد بن صالح فيما أخرجه بن مردويه كان الزهري سمع هذا القدر من عبد الله بن كعب نفسه وسمع هذا الحديث بطوله من ولده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وعنه أيضا رواية عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بالتصغير ووقع عند بن جرير من طريق يونس عن الزهري في أول الحديث بغير إسناد قال الزهري غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وهو يريد نصارىالعرب والروم بالشام حتى إذا بلغ تبوك أقام بضع عشرة ليلة ولقيه بها وفد أذرح ووفد أيلة فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية ثم قفل من تبوك ولم يجاوزها وأنزل الله تعالى لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة الآية والثلاثة الذين خلفوا رهط من الأنصار في بضعة وثمانين رجلا فلما رجع صدقه أولئك واعترفوا بذنوبهم وكذب سائرهم فحلفوا ما حبسهم إلا العذر فقبل ذلك منهم ونهى عن كلام الذين خلفوا قال الزهري وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب فساق الحديث بطوله قوله وكان قائد كعب من بنيه بفتح الموحدة وكسر النون بعدها تحتانية ساكنة وقع في رواية القابسي هنا وكذا لابن السكن في الجهاد من بيته بفتح الموحدة وسكون التحتانية بعدها مثناة والأول هوالصواب وفي رواية معقل عن بن شهاب عند مسلم وكان قائد كعب حين أصيب بصره وكان أعلم قومه وأوعاهم لأحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله حين تخلف أي زمان تخلفه وقوله عن قصة متعلق بقوله يحدث قوله الا في غزوة تبوك زاد أحمد من رواية معمر وهي آخر غزوة غزاها وهذه الزيادة رواها موسى بن عقبة عن بن شهاب بغير إسناد ومثله في زيادات المغازي ليونس بن بكير من مرسل الحسن وقوله ولم يعاتب أحدا تقدم في غزوة بدر بهذا السند ولم يعاتب الله أحدا قوله تواثقنا بمثلثة وقاف أي أخذ بعضنا على بعض الميثاق لما تبايعنا على الإسلام والجهاد قوله وما أحب أن لي بها مشهد بدر أي أن لي بدلها قوله وأن كانت بدر أذكر في الناس أي أعظم ذكرا وفي رواية يونس عن بن شهاب عند مسلم وأن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها ولأحمد من طريق معمر عن بن شهاب ولعمرى إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبدر قوله أقوى ولا أيسر زاد مسلم مني قوله ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها أي أوهم غيرها والتورية أن يذكر لفظا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد وزاد أبو داود من طريق محمد بن ثور عن معمر عن الزهري وكان يقول الحرب خدعة تنبيه هذه القطعة من الحديث أفردت منه وقد تقدمت في الجهاد بهذا الإسناد وزاد فيه من طريق يونس عن الزهري وقلما كان يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس وللنسائي من طريق بن وهب عن يونس في سفر جهاد ولا غيره وله من وجه آخر وخرج في غزوة تبوك يوم الخميس قوله وعدوا كثيرا في رواية وغزو عدو كبير قوله فجلى بالجيم وتشديد اللام ويجوز تخفيفها أي أو صح قوله أهبة غزوهم في رواية الكشميهني أهبة عدوهم والأهبة بضم الهمزة وسكون الهاء ما يحتاج إليه في السفر والحرب قوله ولا يجمعهم كتاب حافظ بالتنوين فيهما وفي رواية مسلم بالإضافة وزاد في رواية معقل يزيدون على عشرة آلاف ولا يجمع ديوان حافظ وللحاكم في الإكليل من حديث معاذ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا وبهذه العدة جزم بن أسحق وأورده الواقدي بسند آخر موصول وزاد أنه كان معه عشرة آلاف فرس فتحمل رواية معقل على إرادة عدد الفرسان ولابن مردويه ولا يجمعهم ديوان حافظ يعني كعب بذلك الديوان يقول لايجمعهم ديوان مكتوب وهو يقوي رواية التنوين وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة تبوك أربعين ألفا ولا تخالف الراوية التي في الإكليل أكثر من ثلاثين ألفا لاحتمال أن يكون من قال أربعين ألفا جبر الكسر وقوله يريد الديوان هو كلام الزهري وأراد بذلك الاحتراز عما وقع في حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام وقد ثبت أن أول من دون الديوان عمر رضي الله عنه قوله قال كعب هو موصول بالإسناد المذكور قوله فما رجل في رواية مسلم فقل رجل قوله الا ظن أنه سيخفى في رواية الكشميهني أن سيخفى بتخفيف النون بلا هاء وفي رواية مسلم أن ذلك سيخفى له قوله حين طابت الثمار والظلال في رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب في قيظ شديد في ليالي الخريف والناس خارفون في تخيلهم وفي رواية أحمد من طريق معمر وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاز وخفة الحاذ وأنا في ذلك أصغوا إلى الظلال والثمار وقوله الحاذ بحاء مهملة وتخفيف الذال المعجمة هو الحال وزنا ومعنى وقوله أصغو بصاد مهملة وضم المعجمة أي أميل ويروي أصعر بضم العين المهملة بعدها راء وفي رواية بن مردويه فالناس إليها صعر قوله حتى أشتد الناس الجد بكسر الجيم وهو الجد في الشيء والمبالغة فيه وضبطوا الناس بالرفع على أنه الفاعل والجد بالنصب على نزع الخافض أو هو نعت لمصدر محذوف أي أشتد الناس الاشتداد الجد وعند بن السكن أشتد بالناس الجد برفع الجد وزيادة الموحدة وهو الذي في رواية أحمد ومسلم وغيرهما وفي رواية الكشميهني بالناس الجد والجد على هذا فاعل وهو مرفوع وهي رواية مسلم وعند بن مردويه حتى شمر الناس الجد وهو يؤيد التوجيه الأول قوله فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي بفتح الجيم وبكسرها وعند بن أبي شيبة وابن جرير من وجه آخر عن كعب فأخذت في جهازي فأمسيت ولم أقرع فقلت أتجهز في غد قوله حتى أسرعوا وفي رواية الكشميهني حتى شرعوا بالشين المعجمة وهو تصحيف قوله وليتني فعلت زاد في رواية بن مردويه ولم أفعل قوله وتفارط بالفاء والطاء والمهملة أي فات وسبق والفرط السبق وفي رواية بن أبي شيبة حتى أمعن القوم وأسرعوا فطفقت أغدو للتجهيز وتشغلني الرجال فأجمعت القعود حين سبقني القوم وفي رواية أحمدمن طريق عمر بن كثير عن كعب فقلت أيهات سار الناس ثلاثا فأقمت قوله مغموصا بالغين المعجمة والصاد المهملة أي مطعونا عليه في دينه متهما بالنفاق وقيل معناه مستحقرا تقول غمصت فلانا إذا استحقرته قوله حتى بلغ تبوك بغير صرف للأكثر وفي رواية تبوكا على إرادة المكان قوله فقال رجل من بني سلمة بكسر اللام وفي رواية معمر من قومي وعند الواقدي أنه عبد الله بن أنيس وهذا غير الجهني الصحابي المشهور وقد ذكر الواقدي فيمن استشهد باليمامة عبد الله بن أنيس السلمي بفتحتين فهو هذا والذي رد عليه هو معاذ بن جبل اتفاقا إلا ما حكى الواقدي وفي رواية أنه أبو قتادة قال والأول أثبت قوله حبسه برداه والنظر في عطفه بكسر العين المهملة وكنى بذلك عن حسنة وبهجته والعرب تصف الرداء بصفة الحسن وتسميه عطفا لوقوعه على عطفى الرجل قوله فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فينما هو كذلك رأى رجلا منتصبا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري قلت واسم أبي خيثمة هذا سعد بن خيثمة كذا أخرجه الطبراني من حديثه ولفظه تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت حائطا فرأيت عريشا قد رش بالماء ورأيت زوجتي فقلت ما هذا بانصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحرور وأنا في الظل والنعيم فقمت إلى ناضح لي وتمرات فخرجت فلما طلعت على العسكر فرآني الناس قال النبي كن أبا خيثمة فجئت فدعا لي وذكره بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم مرسلا وذكر الواقدي أن اسمه عبد الله بن خيثمة وقال بن شهاب اسمه مالك بن قيس قوله فلما بلغني أنه توجه قافلا في رواية مسلم فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بن سعد أن قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان في رمضان قوله حضرني همي في رواية الكشميهني همنى وفي رواية مسلم بثي بالموحدة ثم المثلثة وفي رواية بن أبي شيبة فطفقت أعد العذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء وأهيء الكلام قوله وأجمعت صدقه أي جزمت بذلك وعقدت عليه قصدى وفي رواية بن أبي شيبة وعرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق قوله وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس هذه القطعة من هذا الحديث أفردت في الجهاد وقد أخرجه أحمد من طريق بن جريج عن بن شهاب بلفظ لا يقدم من سفر إلا في الضحى فيبدأ بالمسجد فيصلى فيه ركعتين ويقعد وفي رواية بن أبي شيبة ثم يدخل على أهله وفي حديث أبي ثعلبة عند والطبراني كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم يثني بفاطمة ثم يأتي أزواجه وفي لفظ ثم بدأ ببيت فاطمة ثم أتى بيوت نسائه قوله جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا ذكر الواقدي أن هذاالعدد كان من منافقي الأنصار وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضا اثنين وثمانين رجلا من بني غفار وغيرهم وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه كانوا من غير هؤلاء وكانوا عددا كثيرا قوله فما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب وعند بن عائذ في المغازى فأعرض عنه فقال يا نبي الله لم تعرض عني فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت قال فما خلفك قوله والله لقد أعطيت جدلا أي فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إلى بما يقبل ولا يرد قوله تجد على بكسر الجيم أي تغضب قوله حتى يقضي الله فيك فقمت زاد النسائي من طريق يونس عن الزهري فمضيت قوله وثار رجال أي وثبوا قوله كافيك ذنبك بالنصب على نزع الخافض أو على المفعولية أيضا واستغفار بالرفع على أنه الفاعل وعند بن عائذ فقال كعب ما كنت لأجمع أمرين أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكذبه فقالوا إنك شاعر جريء فقال أما علىالكذب فلا زاد في رواية بن أبي شيبة كما صنع ذلك بغيرك فقبل منهم عذرهم واستغفر لهم قوله وقيل لهم مثل ما قيل لك في رواية بن مردويه وقال لهما مثل ما قيل لك قوله يؤنبوني بنون ثقيلة ثم موحدة من التأنيب وهو اللوم العنيف قوله مرارة بضم الميم وراءين الأولى خفيفة وقوله العمرى بفتح المهملة وسكون الميم نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ووقع لبعضهم العامري وهو خطأ وقوله بن الربيع هو المشهور ووقع في رواية لمسلم بن ربيعة وفي حديث مجمع بن جارية عند بن مردويه مرارة بن ربعي وهو خطأ وكذا ما وقع عند بن أبي حاتم من مرسل الحسن من تسميته ربيع بن مرارة وهو مقلوب وذكر في هذا المرسل أن سبب تخلفه أنه كان له حائط حين زهى فقال في نفسه قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا فلما تذكر ذنبه قال اللهم إني أشهدك أتى قد تصدقت به في سبيلك وفيه أن الآخر يعني هلالا كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال لو أقمت هذا العام عندهم فلما تذكر قال اللهم لك على أن لا أرجع إلى أهل ولا مال قوله وهلال بن أمية الواقفي بقاف ثم فاء نسبة إلى بني واقف بن أمرىء القيس بن مالك بن الأوس قوله فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا هكذا وقع هنا وظاهره أنه من كلام كعب بن مالك وهو مقتضى صنيع البخاري وقد قررت ذلك واضحا في غزوة بدر وممن جزم بأنهما شهدا بدرا أبو بكر الأثرم وتعقبه بن الجوزي ونسبه الى الغلط فلم يصب واستدل بعض المتأخرين لكونهما لم يشهدا بدرا بما وقع في قصة حاطب وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجره ولا عاقبه مع كونه جس عليه بل قال لعمر لما هم بقتله وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال وأين ذنب التخلف من ذنب الجس قلت وليس ما استدل به بواضح لأنه يقتضى أن البدري عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها وليس كذلك فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب فقد جلد قدامة بن مظعون الحد لما شرب الخمر وهو يدري كما تقدم وإنما لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا ولا هجره لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشا خشية على أهله وولده وأراد أن يتخذ له عندهم يدا فعذره بذلك بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم عذر أصلا والله أعلم قوله لي فيهما أسوة بكسر الهمزة ويجوز ضمها قال بن التين التأسى بالنظير ينفع في الدنيا بخلاف الآخرة فقد قال تعالى ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم الآية قوله فمضيت حين ذكر وهما لي في رواية معمر فقلت والله لا أرجع إليه في هذا أبدا قوله ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة بالرفع وهو في موضع نصب على الاختصاص أي متخصصين بذلك دون بقية الناس قوله حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي بالتي أعرف وفي رواية معمر وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالحيطان التي نعرف وتنكر لنا الناس حتى ما هم الذين نعرف وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء حتى قد يجده في نفسه وزاد المصنف في التفسير من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري وما من شيء أهم إلى من أن أموت فلا يصلىعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلىعلى وعند بن عائذ حتى وجلوا أشد الوجل وصاروا مثل الرهبان قوله هل حرك شفتيه برد السلام على لم يجزم كعب بتحريك شفتيه عليه السلام ولعل ذلك بسبب أنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل قوله فأسارقه بالسين المهملة وللقاف أي أنظر إليه في خفية قوله من جفوة الناس بفتح الجيم وسكون الفاء أي إعراضهم وفي رواية بن أبي شيبة وطفقنا نمشي في الناس لا يكلمنا أحد ولا يرد علينا سلاما قوله حتى تسورت أي علوت سور الدار قوله جدار حائط أبي قتادة وهو بن عمي وأحب الناس إلى ذكر أنه بن عمه لكونهما معا من بني سلمة وليس هو بن عمه أخي أبيه الأقرب وقوله أنشدك بضم المعجمة وفتح أوله أي أسألك وقوله الله ورسوله أعلم ليس هو تكليما لكعب لأنه لم ينو به ذلك كما سيأتي تقريره قوله وتوليت حتى تسورت الحائط وفي رواية معمر فلم أملك نفسي أن بكيت ثم اقتحمت الحائط خارجا قوله إذا نبطى بفتح النون والموحدة قوله من أنباط أهل الشام نسبة إلى استنباط الماء واستخراجه وهؤلاء كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة وهذا النبطى الشامى كان نصرانيا كما وقع في رواية معمر إذا نصراني جاء بطعام له يبيعه ولم أقف على اسم هذا النصراني ويقال أن النبط ينسبون إلى نبط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح قوله من ملك غسان بفتح المعجمة وسين مهملة ثقيلة هو جبلة بن الأيهم جزم بذلك بن عائذ وعند الواقدي الحارث بن أبي شمر ويقال جيلة بن الايهم وفي رواية بن مردويه فكتب إلى كتابا في سرقة من حرير قوله ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة بسكون المعجمة ويجوز كسرها أي حيث يضيع حقك وعند بن عائذ فإن لك متحولا بالمهملة وفتح الواو أي مكانا تتحول إليه قوله فالحق بنا نواسك بضم النون وكسر المهملة من المواساة وزاد في رواية بن أبي شيبة في أموالنا فقلت إنا لله قد طمع في أهل الكفر ونحوه لابن مردويه قوله فتيممت أي قصدت والتنور ما يخبز فيه وقوله فسجرته بسين مهملة وجيم أي أوقدته وأنت الكتاب على معنى الصحيفة وفي رواية بن مردويه فعمدت بها إلى تنور به فسجرته بها ودل صنيع كعب هذا على قوة إيمانه ومحبته لله ولرسوله وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر والاعراض قد يضعف عن احتمال ذلك وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره ولا سيما مع أمنه من الملك الذي استدعاه إليه أنه لايكرهه على فراق دينه لكن لما احتمل عنده أنه لا يأمن من الافتتان حسم المادة وأحرق الكتاب ومنع الجواب هذا مع كونه من الشعراء الذين طبعت نفوسهم على الرغبة ولا سيما بعد الاستدعاء والحث على الوصول إلى المقصود من الجاه والمال ولا سيما والذي استدعاه قريبه ونسيبه ومع ذلك فغلب عليه دينه وقوى عنده يقينه ورجح ما هو فيه من النكد والتعذيب على ما دعي إليه من الراحة والنعيم حبا في الله ورسوله كما قال صلى الله عليه وسلم وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وعند بن عائذ أنه شكا حاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ما زال إعراضك عنى حتى رغب في أهل الشرك قوله إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أقف على اسمه ثم وجدت في رواية الواقدي أنه خزيمة بن ثابت قال وهو الرسول إلى هلال ومرارة بذلك قوله أن تعتزل امرأتك هي عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة عبد الله وعبيد الله ومعبد ويقال اسم امرأته التي كانت يومئد عنده خيرة بالمعجمة المفتوحة ثم التحتانية قوله الحقى بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضى الله زاد النسائي من طريق معقل بن عبيد الله عن الزهري فلحقت بهم قوله فجاءت امرأة هلال هي خولة بنت عاصم قوله فقال لي بعض أهلي لم أقف على اسمه ويشكل مع نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام الثلاثة ويجاب بأنه لعله بعض ولده أو من النساء ولم يقع النهى عن كلام الثلاثة للنساء اللاتي في بيوتهم أو الذي كلمه بذلك كان منافقا أو كان ممن يخدمه ولم يدخل في النهى قوله فأوفى بالفاء مقصور أي أشرف واطلع قوله على جبل سلع بفتح المهملة وسكون اللام وفي رواية معمر من ذروة سلع أي أعلاه وزاد بن مردويه وكنت ابتنيت خيمة في ظهر سلع فكنت أكون فيها ونحوه لابن عائذ وزاد أكون فيها نهارا قوله يا كعب بن مالك أبشر في رواية عمر بن كثير عن كعب عند أحمد إذ سمعت رجلا على الثنية يقول كعبا كعبا حتى دنا مني فقال بشروا كعبا قوله فخررت ساجدا وقد عرفت أنه جاء فرج وعند بن عائذ فخر ساجدا يبكي فرحا بالتوبة قوله وآذن بالمد وفتح المعجمة أي أعلم وللكشميهني بغير مد وبالكسر ووقع في رواية إسحاق بن راشد وفي رواية معمر فانزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني معتنية بأمرى فقال يا أم سلمة تيب على كعب قالت أفلا أرسل إليه فأبشره قال إذا يحطمكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة حتى إذا صلى الفجر آذن بتوبة الله علينا قوله وركض إلى رجل فرسا لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو حمزة بن عمرو الأسلمي قوله وسعى ساع من اسلم هو حمزة بن عمرو ورواه الواقدي وعند بن عائذ أن الذين سعيا أبو بكر وعمر لكنه صدره بقوله زعموا وعند الواقدي وكان الذي أوفى على سلع أبا بكر الصديق فصاح قد تاب الله على كعب والذي خرج على فرسه الزبير بن العوام قال وكان الذي بشرني فنزعت له ثوبي حمزة بن عمرو الأسلمي قال وكان الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد قال وخرجت إلى بني واقف فبشرته فسجد قال سعيد فما ظننته يرفع رأسه حتى تخرج نفسه يعني لما كان فيه من الجهد فقد قيل إنه أمتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صائما ولا يفتر من البكاء وكان الذي بشر مرارة بتوبته سلكان بن سلامة أو سلمة بن سلامة بن وقش قوله والله ما أملك غيرهما يومئذ يريد من جنس الثياب وإلا فقد تقدم أنه كان عنده راحلتان وسيأتي أنه استأذن أن يخرج من ماله صدقة ثم وجدت في رواية بن أبي شيبة التصريح بذلك ففيها ووالله ما أملك يومئذ ثوبين غيرهما وزاد بن عائذ من وجه آخر عن الزهرى فلبسهما قوله واستمرت ثوبين في رواية الواقدي من أبي قتادة قوله وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فوجا فوجا أي جماعة جماعة قوله ليهنك بكسر النون وزعم بن التين أنه يفتحها بل قال السفاقسى إنه أصوب لأنه من الهناء وفيه نظر قوله ولا أنساه الطلحة قالوا سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بينه وبين طلحة لما آخى بين المهاجرين والأنصار والذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير لكن كان الزبير أخا طلحة في إخوة المهاجرين فهو أخو أخيه قوله أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك استشكل هذا الإطلاق بيوم إسلامه فإنه مر عليه بعد أن ولدته أمه وهو خير أيامه فقيل هو مستثنى تقديرا وإن لم ينطق به لعدم خفائه والأحسن في الجواب أن يوم توبته مكمل ليوم إسلامه فيوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها فهو خير جميع أيامه وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها والله أعلم قوله قال لا بل من عند الله زاد في روياة بن أبي شيبة انكم صدقتم الله فصدقكم قوله حتى كأنه قطعة قمر في رواية إسحاق بن راشد في التفسير حتىكأنه قطعة من القمر ويسأل عن السر في التقييد بالقطعة مع كثرة ما ورد في كلام البلغاء من تشبيه الوجه بالقمر بغير تقييد وقد تقدم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم تشبيههم له بالشمس طالعة وغير ذلك وكان كعب بن مالك قائل هذا من شعراء الصحابة وحال في ذلك مشهورة فلا بد في التقييد بذلك من حكمة وما قيل في ذلك من الاحتراز من السواد الذي في القمر ليس بقوي لأن المراد تشبيهه بما في القمر من الضياء والاستنارة وهو في تمامه لا يكون فبها أقل مما في القطعة المجردة وقد ذكرت في صفة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك توجيهات ومنها أنه للإشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين وفيه يظهر السرور كما قالت عائشة مسرورا تبرق أسارير وجهه فكأن التشبيه وقع على بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر قوله وكنا نعرف ذلك منه في رواية الكشميهني فيه وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من كمال الشفقة على أمته والرأفة بهم والفرح بما يسرهم وعند بن مردويه من وجه آخر عن كعب بن مالك لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبلت يده وركبته قوله ان من توبتي أن أنخلع من مالي أي أخرج من جميع مالي قوله صدقة هو مصدر في موضع الحال أي متصدقا أو ضمن أنخلع معنى اتصدق وهو مصدر أيضا وقوله أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك في رواية أبي داود عن كعب أنه قال أن من توبتي أن أخرج من مالي كله إلى الله ورسوله صدقة قال لا قلت نصفه قال لا قلت فثلثه قال نعم ولابن مردويه من طريق بن عيينة عن الزهري فقال النبي صلى الله عليه وسلم يجزي عنك من ذلك الثلث ونحوه لأحمد في قصة أبي لبابة حين قال أن من توبتي أن انخلع من مالي كله صدقة لله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم يجزي عنك الثلث قوله فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله أي أنعم عليه وقوله في صدق الحديث قد ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني وكذلك قوله بعد ذلك فوالله ما أنعم الله علىمن نعمة قط بعد أن هداني إلى الإسلام أعظم من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففي قوله أحسن وأعظم شاهد على أن هذا السياق يورد ويراد به نفي الأفضلية لا المساواة لأن كعبا شاركه في ذلك رفيقان وقد نفى أن يكون أحد حصل له أحسن مما حصل له وهو كذلك لكنه لم ينف المساواة قوله أن لا أكون كذبته لا زائدة كما نبه عليه عياض قوله وكنا تخلفنا بضم أوله وكسر اللام وفي رواية مسلم وغيره خلفنا بضم المعجمة من غير شيء قبلها قوله وأرجأ مهموزا أي أخر وزنا ومعنى وحاصله أن كعبا فسر قوله تعالى وعلىالثلاثة الذين خلفوا أي أخروا حتى تاب الله عليهم لا أن المراد أنهم خلفوا عن الغزو وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عمن سمع عكرمة في قوله تعالى وعلىالثلاثة الذين خلفوا قال خلفوا عن التوبة ولابن جرير من طريق قتادة نحوه قال بن جرير فمعنى الكلام لقد تاب الله على الذين أخرت توبتهم وفي قصة كعب من الفوائد غير ما تقدم جواز طلب أموال الكفار من ذوي الحرب وجواز الغزو في الشهر الحرام والتصريح بجهة الغزو إذا لم تقتض المصلحة ستره وأن الإمام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير ولحق اللوم بكل فرد فرد أن لو تخلف وقال السهيلي إنما اشتد الغضب على من تخلف وأن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا عل ذلك ومصداق ذلك قوله وهم يحفرون الخندق نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة لأنها كالنكث لبيعتهم كدا قال بن بطال قال السهيلي ولا أعرف له وجها غير الذي قال قلت وقد ذكرت وجها غير الذي ذكره ولعله أقعد ويؤيده قوله تعالى ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله الآية وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا فيتوجه العتاب على من تخلف مطلقا وفيها أن العاجز عن الخروج بنفسه أو بماله لالوم عليه واستخلاف من يقوم مقام الإمام على أهله والضعفة وفيها ترك قتل المنافقين ويستنبط منه ترك قتل الزنديق إذا أظهر التوبة وأجاب من أجازه بأن الترك كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لمصلحة التأليف على الإسلام وفيها عظم أمر المعصية وقد نبه الحسن البصري على ذلك فيما أخرجه بن أبي حاتم عنه قال يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالا حراما ولا سفكوا دما حراما ولا افسدوا في الأرض أصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فيكف بمن يواقع الفواحش والكبائر وفيها أن القوي في الدين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين وجواز إخبار المرء عن تقصيره وتفريطه وعن سبب ذلك وما آل إليه أمره تحذيرا ونصيحة لغيره وجواز مدح المرء بما فيه من الخير إذا أمن الفتنة وتسلية نفسه بما لم يحصل له بما وقع لنظيره وفضل أهل بدر والعقبة والحلف للتأكيد من غير استحلاف والتورية عن المقصد ورد الغيبة وجواز ترك وطء الزوجة مدة وفيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها ولا يسوف بها لئلا يحرمها كما قال تعالى استجيبوا لله وللرسول إذ دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ومثله قوله تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونسأل الله تعالى أن يلهمنا المبادرة إلى طاعته وأن لا يسلبنا ما خولنا من نعمته وفيها جواز تمنى ما فات من الخير وأن الإمام لا يهمل من تخلف عنه في بعض الأمور بل يذكره ليراجع التوبة وجواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن عن حمية لله ورسوله وفيها جواز الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الراد وهم الطاعن أو غلطه وفيها أن المستحب للقادم أن يكون على وضوء وأن يبدأ بالمسجد قبل بيته فيصلى ثم يجلس لمن يسلم عليه ومشروعية السلام على القادم وتلقيه والحكم بالظاهر وقبول المعاذير واستحباب بكاء العاصى أسفا على ما فاته من الخير وفيها إجراء الأحكام علىالظاهر ووكول السرائر إلى الله تعالى وفيها ترك السلام على من أذنب وجواز هجره أكثر من ثلاث وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيا وأن التبسم قد يكون عن غضب كما يكون عن تعجب ولا يختص بالسرور ومعاتبة الكبير أصحابه ومن يعز عليه دون غيره وفيها فائدة الصدق وشؤم عاقبة الكذب وفيها العمل بمفهوم اللقب إذا حفته قرينة لقوله صلى الله عليه وسلم لما حدثه كعب أما هذا فقد صدق فأنه يشعر بأن من سواه كذب لكن ليس على عمومه في حق كل أحد سواه لأن مرارة وهلالا أيضا قد صدقا فيختص الكذب بمن حلف واعتذر لا بمن اعترف ولهذا عاقب من صدق بالتأديب الذي ظهرت فائدته عن قرب وأخر من كذب للعقاب الطويل وفي الحديث الصحيح إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا وإذا أراد به شرا أمسك عنه عقوبته فيرد القيامة بذنوبه قيل وإنما غلظ في حق هؤلاء الثلاثة لأنهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر ويدل عليه قوله تعالى ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله وقول الأنصار نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وفيها تبريد حر المصيبة بالتأسى بالنظير وفيها عظم مقدار الصدق في القول والفعل وتعليق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرهما به وأن من عوقب بالهجر يعذر في التخلف عن صلاة الجماعة لأن مرارة وهلالا لم يخرجا من بيوتهما تلك المدة وفيها سقوط رد السلام على المهجور عمن سلم عليه إذ لو كان واجبا لم يقل كعب هل حرك شفتيه برد السلام وفيها جواز دخول المرء دار جاره وصديقه بغير إذنه ومن غير الباب إذا علم رضاه وفيها أن قول المرء الله ورسوله أعلم ليس بخطاب ولا كلام ولا يحنث به من حلف أن لا يكلم الآخر إذا لم ينوبه مكالمته وإنما قال أبو قتادة ذلك لما ألح عليه كعب وإلا فقدتقدم أن رسول ملك غسان لما سأل عن كعب جعل الناس يشيرون له إلى كعب ولا يتكلمون بقولهم مثلا هذا كعب مبالغة في هجره والإعراض عنه وفيها أن مسارقة النظر في الصلاة لا تقدح في صحتها وإيثار طاعة الرسول على مودة القريب وخدمة المرأة زوجها والاحتياط لمجانبة ما يخشى الوقوع فيه وجواز تحريق ما فيه اسم الله للمصلحة وفيها مشروعية سجود الشكر والاستباق إلى البشارة بالخير وإعطاء البشير أنفس ما يحضر الذي يأتيه بالبشارة وتهنئة من تجددت له نعمة والقيام إليه إذا أقبل واجتماع الناس عند الإمام في الأمور المهمة وسروره بما يسر أتباعه ومشروعية العارية ومصافحة القادم والقيام له والتزام المداومة على الخير الذي ينتفع به واستحباب الصدقة عند التوبة وأن من نذر الصدقة بكل ماله لم يلزمه إخراج جميعه وسيأتي البحث فيه في كتاب النذر إن شاء الله تعالى وقال بن التين فيه أن كعب بن مالك من المهاجرين الأولين الذين صلوا الى القبلتين كذا قال وليس كعب من المهاجرين إنما هو من السابقين من الأنصار

قوله باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر بكسر المهملة وسكون الجيم وهي منازل ثمود زعم بعضهم أنه مر به ولم ينزل ويرده التصريح في حديث بن عمر بأنه لما نزل الحجر أمرهم أن لا يشربوا وقد تقدم حديث بن عمر في بئر ثمود وقد تقدمت مباحثه في أحاديث الأنبياء وقوله

[ 4157 ] أن يصيبكم بفتح الهمزة مفعول له أي كراهة الإصابة وقوله أجاز الوادي أي قطعه وقوله في الرواية الثانية قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر لا تدخلوا قال الكرماني أي قال لأصحابه الذين معه في ذلك الموضع وأضيف إلى الحجر لعبورهم عليه وقد تكلم في ذلك وتعسف وليس كما قال بل اللام في

[ 4158 ] قوله لأصحاب الحجر بمعنى عن وحذف المقول لهم ليعم كل سامع والتقدير قال لأمته عن أصحاب الحجر وهم ثمود لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين أي ثمود وهذا واضح لاخفاء به

قوله باب كذافيه بغير ترجمة وهو كالفصل مما تقدم لأن أحاديثه تتعلق ببقية قصة تبوك

[ 4159 ] قوله عن الليث عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن سعد بن إبراهيم تقدم في الطهارة عن الليث عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم فكأن له فيه شيخين قوله ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته ققمت أسكب عليه لا أعلمه إلا في غزوة تبوك كذا فيه وقد قدمت في المسح على الخفين بيان من رواه بغير تردد وذكرت هناك بقية شرحه ووقع عند مسلم من رواية عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة أن المغيرة أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فذكر حديث المسح كا تقدم وزاد المغيرة فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلي بهم فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الأخيرة فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فأفزع ذلك الناس وفي رواية له قال المغيرة فأردت تأخير عبد الرحمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعه

[ 4160 ] قوله سليمان هو بن هلال و عمرو بن يحيى هو المازني وقد قتدمت مباحث حديث أبي حميد هذا في أواخر الزكاة وفي الجهاد في باب من غزا بصبي للخدمة

[ 4161 ] قوله عبد الله هو بن المبارك وقد تقدمت مباحث الحديث سندا ومتنا في الجهاد في باب من حبسه العذر عن الغزو

قوله باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر أما كسرى فهو بن برويز بن هرمز بن أنوشروان وهو كسرى الكبير المشهور وقيل إن الذي بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو أنوشروان وفيه نظر لما سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن زربان ابنه يقتله والذي قتله ابنه هو كسرى بن برويز بن هرمز وكسرى بفتح الكاف وبكسرها لقب كل من تملك الفرس ومعناه بالعربية المظفرى وقد تقدم الكلام في ضبط كافة في علامات النبوة وأما قيصر فهو هرقل وقد تقدم شأنه في أول الكتاب

[ 4162 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه ويعقوب بن إبراهيم أي بن سعد وصالح هو بن كيسان وقد تقدم للمصنف في العلم عاليا عن إبراهيم بن سعد قوله مع عبد الله بن حذافة هذا هو المعتمد ووقع في رواية عمر عمر بن شبة أنه خنيس بن حذافة وهو غلط فإنه مات بأحد فتأيمت منه حفصة وبعث الرسل كان بعد الهدنة سنة سبع ووقع في ترجمة عبد الله بن عيسى أخي كامل بن عدي من طريقه عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس في قصة اتخاذ الخاتم وفيه وبعث كتابا إلى كسرى بن هرمز بعث به مع عمر بن الخطاب كذا قال وعبد الله ضعيف فإن ثبت فلعله كتب إلى ملك فارس مرتين وذلك في أوائل سنة سبع قوله إلى عظيم البحرين هو المنذر بن ساوى العبدى قوله فدفعه الفاء عاطفة على محذوف تقديره فتوجه إليه فأعطاه الكتاب فأعطاه لقاصده عنده فتوجه به فدفعه إلى كسرى ويحتمل أن يكون المنذر توجه بنفسه فلا يحتاج إلى القاصد ويحتمل أن يكون القاصد لم يباشر إعطاء كسرى بنفسه كما هو الأغلب من حال الملوك فيزداد التقدير قوله فلما قرأ كذا للأكثر بحذف المفعول وللكشميهني فلما قرأه وفيه مجاز فإنه لم يقرأه بنفسه وإنما قرئ عليه كما سيأتي قوله مزقه أي قطعه قوله فحسبت أن بن المسيب القائل هو الزهري وهو موصول بالإسناد المذكور ووقع في جميع الطرق مرسلا ويحتمل أن يكون بن المسيب سمعه من عبد الله بن حذافة صاحب القصة فإن بن سعد ذكر من حديثه أنه قال فقرأ عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فمزقه قوله فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على كسرى وجنوده قوله أن يمزقوا كل ممزق بفتح الزاي أي يتفرقوا ويتقطعوا وفي حديث عبد الله بن حذافة فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم مزق ملكه وكتب إلى باذان عامله على اليمن ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فكتب باذان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة قال وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع وإن الله سلط عليه ابنه شيرويه فقتله وعن الزهري قال بلغني أن كسرى كتب إلى باذان بلغني أن رجلا من قريش يزعم أنه نبي فسر إليه فإن تاب وإلا بعث برأسه فذكر القصة قال فلما بلغ باذان أسلم هو ومن معه من الفرس تنبيه جزم بن سعد بأن بعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى كان في سنة سبع في زمن الهدنة وهو عند الواقدي من حديث الشفاء بنت عبد الله بلفظ منصرفه من الحديبيه وصنيع البخاري يقتضى أنه كان في سنة تسع فأنه ذكره بعد غزوة تبوك وذكر في آخر الباب حديث السائب أنه تلقى النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من تبوك إشارة إلى ما ذكرت وقد ذكر أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لما كان بتبوك كتب إلى قيصر وغيره وهي غير المرة التي كتب إليه مع دحية فأنها كانت في زمن الهدنة كما صرح به في الخبر وذلك سنة سبع ووقع عند مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر الحديث وفيه وإلى كل جبار عنيد وروى الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال ان الله بعثني للناس كافة فأدوا عني ولا تختلفوا علي فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى وسليط بن عمرو إلى هوذة بن علي باليمامة والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي بهجر وعمرو بن العاص إلى جيفر وعباد بن الجلندى بعمان ودحية إلى قيصر وشجاع بن وهب إلى بن أبي شمر الغساني وعمرو بن أمية إلى النجاشي فرجعوا جميعا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم غير عمرو بن العاص وزاد أصحاب السير أنه بعث المهاجربن أبي أمية بن الحارث بن عبد كلال وجريرا إلى ذي الكلاع والسائب إلى مسيلمة وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس وفي حديث أنس الذي أشرت إليه عند مسلم أن النجاشي الذي بعث إليه مع هؤلاء غير النجاشي الذي أسلم

[ 4163 ] قوله حدثنا عوف هو الأعرابي و الحسن هو البصري والإسناد كله بصريون وسماع الحسن من أبي بكرة تقدم بيانه في الصلح قوله نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل فيه تقديم وتأخير والتقدير نفعني الله أيام الجمل بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قبل ذلك فايام يتعلق بنفعي لا بسمعتها فأنه سمعها قبل ذلك قطعا والمراد بأصحاب الجمل العسكر الذين كانوا مع عائشة قوله بعد ما كدت ألحق بأصحاب الجمل يعني عائشة رضي الله عنها ومن معها وسيأتي بيان هذه القصة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى ومحصلها أن عثمان لما قتل وبويع على بالخلافة خرج طلحة والزبير إلى مكة فوجدا عائشة وكانت قد حجت فاجتمع رأيهم على التوجه إلى البصرة يستنفرون الناس للطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عليا فخرج إليهم فكانت وقعة الجمل ونسبت إلى الجمل الذي كانت عائشة قد ركبته وهي في هودجها تدعو الناس إلى الإصلاح والقائل لما بلغ هو أبو بكرة وهو تفسير لقوله بكلمة وفيه إطلاق الكلمة على الكلام الكثير قوله ملكوا عليهم بنت كسرى هي بوران بنت شيرويه بن كسرى بن برويز وذلك أن شيرويه لما قتل أباه كما تقدم كان أبوه لما عرف أن ابنه قد عمل على قتله احتال على قتل ابنه بعد موته فعمل في بعض خزائنه المختصة به حقا مسموما وكتب عليه حق الجماع من تناول منه كذا جامع كذا فقرأه سيرويه فتناول منه فكان فيه هلاكه فلم يعش بعد أبيه سوى ستة أشهر فلما مات لم يخلف أخا لأنه كان قتل إخوته حرصا على الملك ولم يخلف ذكرا وكرهوا خروج الملك عن ذلك البيت فملكوا المرأة واسمها بوران بضم الموحدة ذكر ذلك قتيبة في المغازي وذكر الطبري أيضا أن أختها أرزميدخت ملكت أيضا قال الخطابي في الحديث أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء وفيه أنها لا تزوج نفسها ولا تلي العقد على غيرها كذا قال وهو متعقب والمنع من أن تلي الإجارة والقضاء قول الجمهور وأجازه الطبري وهي رواية عن مالك وعن أبي حنيفة تلك الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء ومناسبة هذا الحديث للترجمة من جهة أنه تتمة قصة كسرى الذي مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فسلط الله عليه ابنه فقتله ثم قتل إخوته حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير المرأة فجر ذلك إلى ذهاب ملكهم ومزقوا كما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم

[ 4164 ] قوله وقال سفيان مرة مع الصبيان هو موصول ولكن بين الراوي عنه أنه قال مرة الغلمان ومرة الصبيان وهو بالمعنى ثم ساقه عن شيخ آخر عن سفيان وزاد في آخره مقدمة من تبوك فأنكر الداودي هذا وتبعه بن القيم وقال ثنية الوداع من جهة مكة لا من جهة تبوك بل هي مقابلها كالمشرق والمغرب قال إلا أن يكون هناك ثنية أخرى في تلك الجهة والثنية ما ارتفع في الأرض وقيل الطريق في الجبل قلت لا يمنع كونها من جهة الحجاز أن يكون خروج المسافر إلى الشام من جهتها وهذا واضح كما في دخول مكة من ثنية والخروج منها من أخرى وينتهى كلاهما إلى طريق واحدة وقد روينا بسند منقطع في الحلبيات قول النسوة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طلع البدر علينا من ثنيات الوداع فقيل كان ذلك عند قدومه في الهجرة وقيل عند قدومه من غزوة تبوك تنبيه في إيراد هذا الحديث آخر هذا الباب إشارة إلى أن إرسال الكتب إلىالملوك كان في سنة غزوة تبوك ولكن لايدفع ذلك قول من قال إنه كاتب الملوك في سنة الهدنة كقيصر والجمع بين القولين أنه كاتب قيصر مرتين وهذه الثانية قد وقع التصريح بها في مسند أحمد وكاتب النجاشي الذي أسلم وصلى عليه لما مات ثم كاتب النجاشي الذي ولي بعده وكان كافرا وقد روى مسلم من حديث أنس قال كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل جبار يدعوهم إلى الله وسمي منهم كسرى وقيصر والنجاشي قال وليس بالنجاشي الذي أسلم

قوله باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وقول الله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون سيأتي في الكلام على الحديث السادس عشر من هذا الباب وجه مناسبة هذه الآية لهذا الباب وقد ذكر في الباب أيضا ما يدل على جنس مرضه كما سيأتي وأما ابتداؤه فكان في بيت ميمونة كما سيأتي ووقع في السيرة لأبي معشر في بيت زينب بنت جحش وفي السيرة لسليمان التيمى في بيت ريحانة والأول المعتمد وذكر الخطابي أنه ابتدأ به يوم الإثنين وقيل يوم السبت وقال الحاكم أبو أحمد يوم الاربعاء واختلف في مدة مرضه فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوما وقيل بزيادة يوم وقيل بنقصه والقولان في الروضة وصدر بالثاني وقيل عشرة أيام وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح وكانت وفاته يوم الإثنين بلا خلاف من ربيع الأول وكاد يكون إجماعا لكن في حديث بن مسعود عند البزار في حادى عشر رمضان ثم عند بن إسحاق والجمهور أنها في الثاني عشر منه وعند موسى بن عقبة والليث والخوارزمي وابن زبر مات لهلال ربيع الأول وعند أبي مخنف والكلبي في ثانيه ورجحه السهيلي وعلى القولين يتنزل ما نقله الرافعي أنه عاش بعد حجته ثمانين يوما وقيل أحدا وثمانين وأما على ما جزم به في الروضة فيكون عاش بعد حجته تسعين يوما أو أحدا وتسعين وقد استشكل ذلك السهيلي ومن تبعه أعنى كونه مات يوم الإثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول وذلك أنهم اتفقوا على أن ذا الحجة كان أوله يوم الخميس فمهما فرضت الشهور الثلاثة توام أو نواقص أو بعضها لم يصح وهو ظاهر لمن تأمله وأجاب البارزي ثم بن كثير باحتمال وقوع الأشهر الثلاثة كوامل وكان أهل مكة والمدينة اختلفوا في رؤية هلال ذي الحجة فرآه أهل مكة ليلة الخميس ولم يره أهل المدينة إلا ليلة الجمعة فحصلت الوقفة برؤية أهل مكة ثم رجعوا إلى المدينة فأرخوا برؤية أهلها فكان أول ذي الحجة الجمعة وآخره السبت وأول المحرم الأحد وآخره الإثنين وأول صفر الثلاثاء وآخره الأربعاء وأول ربيع الأول الخميس فيكون ثاني عشره الإثنين وهذا الجواب بعيد من حيث أنه يلزم توالى أربعة أشهر كوامل وقد جزم سليمان التيمي أحد الثقاة بأن ابتداء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم السبت الثاني والعشرين من صفر ومات يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول فعلى هذا كان صفر ناقصا ولا يمكن أن يكون أول صفر السبت إلا أن كان ذو الحجة والمحرم ناقصين فيلزم منه نقص ثلاثة أشهر متوالية وأما على قول من قال مات أول يوم من ربيع الأول فيكون اثنان ناقصين وواحد كاملا ولهذا رجحه السهيلي وفي المغازي لأبي معشر عن محمد بن قيس قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة مضت من صفر وهذا موافق لقول سليمان التيمي المقتضى لأن أول صفر كان السبت وأما ما رواه بن سعد من طريق عمر بن علي بن أبي طالب قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر فاشتكى ثلاث عشرة ليلة ومات يوم الإثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول فيرد على هذا الإشكال المتقدم وكيف يصح أن يكون أول صفر الأحد فيكون تاسع عشرينه الأربعاء والغرض أن ذا الحجة أوله الخميس فلو فرض هو والمحرم كاملين لكان أول صفر الإثنين فكيف يتأخر إلى يوم الأربعاء فالمعتمد ما قال أبو مخنف وكأن سبب غلط غيره أنهم قالوا مات في ثاني شهر ربيع الأول فتغيرت فصارت ثاني عشر واستمر الوهم بذلك يتبع بعضهم بعضا من غير تأمل والله أعلم وقد أجاب القاضي بدر الدين بن جماعة بجواب آخر فقال يحمل قول الجمهور لاثنتي عشرة ليلة خلت أي بأيامها فيكون موته في اليوم الثالث عشر ويفرضه الشهور كوامل فيصح قول الجمهور ويعكر عليه ما يعكر على الذي قبله مع زيادة مخالفة اصطلاح أهل اللسان في قولهم لاثنتي عشرة فإنهم لايفهمون منها الا مضى الليالي ويكون ما أرخ بذلك واقعا في اليوم الثاني عشر ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة وعشرين حديثا

الحديث الأول قوله عن أم الفضل هي والدة بن عباس وقد تقدم شرح حديثها في القراءة في الصلاة

الحديث الثاني قوله عن بن عباس قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدني بن عباس هو من إقامة الظاهر مقام المضمر وقد أخرجه الترمذي من طريق شعبة المذكورة بلفظ كان عمر يسألني مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم شرح حديث الباب في غزوة الفتح من طريق آخر عن أبي بشر أتم سياقا وأكثر فوائد وأطلنا بشرحه على تفسير سورة النصر وتقدم في حجة الوداع حديث بن عمر نزلت سورة إذا جاء نصر الله في أيام التشريق في حجة الوداع وعند الطبراني عن بن عباس من وجه آخر أنها لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة وللطبراني من حديث جابر لما نزلت هذه السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل نعيت إلى نفسي فقال له جبريل والآخرة خير لك من الأولى

الحديث الثالث وقال يونس هو بن يزيد الأيلي وهذا قد وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد وقال البزار تفرد به عنبسة عن يونس أي بوصله وإلا فقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري لكنه أرسله وله شاهدان مرسلان أيضا أخرجهما إبراهيم الحربي في غرائب الحديث له أحدهما من طريق يزيد بن رومان والآخر من رواية أبي جعفر الباقر وللحاكم موصول من حديث أم مبشر قالت قلت يا رسول الله ما تتهم بنفسك فأني لا أتهم بابني إلا الطعام الذي أكل بخيبر وكان ابنها بشر بن البراء بن معرور مات فقال وأنا لا أتهم غيرها وهذا أوان انقطاع أبهرى وروى بن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة في قصة الشاة التي سمت له بخيبر فقال في آخر ذلك وعاش بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه وجعل يقول ما زلت أجد ألم الأكلة التي أكلتها بخيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهرى عرق في الظهر وتوفي شهيدا انتهى وقوله عرق في الظهر من كلام الراوي وكذا قوله وتوفي شهيدا وقوله ما أزال أجد ألم الطعام أي أحس الألم في جوفي بسبب الطعام وقال الداودي المراد أنه نقص من لذة ذوقه وتعقبه بن التين وقوله أوان بالفتح على الظرفية قال أهل اللغة الأبهر عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه وقال الخطابي يقال إن القلب متصل به وقد تقدم شرح حال الشاة التي سمت بخيبر في غزوة خيبر مفصلا

الحديث الرابع حديث عائشة

[ 4175 ] قوله اشتكى أي مرض و نفث أي تفل بغير ريق أو مع ريق خفيف قوله بالمعوذات أي يقرؤها ماسحا لجسده عند قراءتها ووقع في رواية مالك عن بن شهاب في فضائل القرآن بلفظ فقرأ على نفسه المعوذات وسيأتي في الطب قول معمر بعد هذا الحديث قلت للزهري كيف ينفث قال ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه وسيأتي في الدعوات من طريق عقيل عن الزهري أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا أخذ مضجعه هذه رواية الليث عن عقيل وفي رواية المفضل بن فضالة عن عقيل في فضائل القرآن كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما ثم يقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس والمراد بالمعوذات سورة قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وجمع إما باعتبار أن أقل الجمع اثنان أو باعتبار أن المراد الكلمات التي يقع التعوذ بها من السورتين ويحتمل أن المراد بالمعوذات هاتان السورتان مع سورة الإخلاص وأطلق ذلك تغليبا وهذا هو المعتمد قوله ومسح عنه بيده في رواية معمر وأمسح بيد نفسه لبركتها وفي رواية مالك وأمسح بيده رجاء بركتها ولمسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسح بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي وسيأتي في آخر هذا الباب من طريق بن أبي مليكة عن عائشة فذهبت أعوذه فرفع رأسه إلى السماء وقال في الرفيق الأعلى وللطبراني من حديث أبي موسى فأفاق وهي تمسح صدره وتدعو بالشفاء فقال لا ولكن أسأل الله الرفيق الأعلى وسأذكر الكلام على الرفيق الأعلى في الحديث السابع

الحديث الخامس

[ 4168 ] قوله يوم الخميس هو خبر لمبتدأ محذوف أو عكسه وقوله وما يوم الخميس يستعمل عند إرادة تفخيم الأمر في الشدة والتعجب منه زاد في أواخر الجهاد من هذا الوجه ثم بكى حتى خضب دمعه الحصي ولمسلم من طريق طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيتها على خديه كأنها نظام اللؤلؤة وبكاء بن عباس يحتمل لكونه تذكر وفاة رسول الله فتجدد له الحزن عليه ويحتمل أن يكون أنضاف إلى ذلك ما فات في معتقده من الخير الذي كان يحصل لو كتب ذلك الكتاب ولهذا أطلق في الرواية الثانية أن ذلك رزية ثم بالغ فيها فقال كل الرزية وقد تقدم في كتاب العلم الجواب عمن أمتنع من ذلك كعمر رضي الله عنه قوله اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه زاد في الجهاد يوم الخميس وهذا يؤيد أن ابتداء مرضه كان قبل ذلك ووقع في الرواية الثانية لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة أي حضره الموت وفي إطلاق ذلك تجوز فإنه عاش بعد ذلك إلى يوم الإثنين قوله كتابا قيل هو تعيين الخليفة بعده وسيأتي شيء من ذلك في كتاب الأحكام في باب الاستخلاف منه قوله لن تضلوا في رواية الكشميهني لا تضلون وتقدم في العلم وكذا في الرواية الثانية وتقدم توجيهه قوله ولا ينبغي عند نبي تنازع هو من جملة الحديث المرفوع ويحتمل أن يكون مدرجا من قول بن عباس والصواب الأول وقد تقدم في العلم بلفظ لا ينبعي عندي التنازع قوله فقالوا ما شأنه أهجر بهمزة لجميع رواة البخاري وفي الرواية التي في الجهاد بلفظ فقالوا هجر بغير همزة ووقع للكشميهني هناك فقالوا هجر هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعاده هجر مرتين قال عياض معنى أهجرأ فحش يقال هجر الرجل إذا هذى وأهجر إذا أفحش وتعقب بأنه يستلزم أن يكون بسكون الهاء والروايات كلها إنما هي بفتحها وقد تكلم عياض وغيره على هذا الموضع فأطالوا ولخصه القرطبي تلخيصا حسنا ثم لخصته من كلامه وحاصله أن قوله هجر الراجح فيه إثبات همزة الاستفهام وبفتحات على أنه فعل ماض قال ولبعضهم أهجر بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين على أنه مفعول بفعل مضمر أي قال أهجرا والهجر بالضم ثم السكون الهذيان والمراد به هنا ما يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مستحيل لأنه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ولقوله صلى الله عليه وسلم إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقا وإذا عرف ذلك فإنما قاله من قاله منكرا على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة فكأنه قال كيف تتوقف أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه امتثل أمره وأحضره ما طلب فإنه لا يقول إلا الحق قال هذا أحسن الاجوبه قال ويحتمل أن بعضهم قال ذلك عن شك عرض له ولكن يبعده أن لا ينكره الباقون عليه مع كونهم من كبار الصحابة ولو أنكروه عليه لنقل ويحتمل أن يكون الذي قال ذلك صدر عن دهش وحيرة كما أصاب كثيرا منهم عند موته وقال غيره ويحتمل أن يكون قائل ذلك أراد أنه أشتد وجعه فأطلق اللازم وأراد الملزوم لأن الهذيان الذي يقع للمريض ينشأ عن شدة وجعه وقيل قال ذلك لإرادة سكوت الذين لغطوا ورفعوا أصواتهم عنده فكأنه قال إن ذلك يؤذيه ويفضى في العادة إلى ما ذكر ويحتمل أن يكون قوله أهجر فعلا ماضيا من الهجر بفتح الهاء وسكون الجيم والمفعول محذوف أي الحياة وذكره بلفظ الماضي مبالغة لما رأى من علامات الموت قلت ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات التي ذكرها القرطبي ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام وكان يعهد أن من أشتد عليه الوجع قد يشتغل به عن تحرير ما يريد أن يقوله لجواز وقوع ذلك ولهذا وقع في الرواية الثانية فقال بعضهم إنه قد غلبه الوجع ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن خلاد عن سفيان في هذا الحديث فقالوا ما شأنه يهجر استفهموه وعن بن سعد من طريق أخرى عن سعيد بن جبير أن نبي الله ليهجر ويؤيده أنه بعد أن قال ذلك استفهموه بصيغة الأمر بالاستفهام أي اختبروا أمره بأن يستفهموه عن هذا الذي أراده وابحثوا معه في كونه أولا أولى وفي قوله في الرواية الثانية فاختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم ما يشعر بأن بعضهم كان مصمما على الامتثال والرد على من أمتنع منهم ولما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر وقد مضى في الصيام أنه صلى الله عليه وسلم خرج يخبرهم بليلة القدر فرأى رجلين يختصمان فرفعت قال المازري إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم بذلك لأن الاوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم بل على الاختيار فاختلف اجتهادهم وصمم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم وعزمه صلى الله عليه وسلم كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا فبالاجتهاد أيضا وفيه حجة لمن قال بالرجوع إلى الاجتهاد في الشرعيات وقال النووي اتفق قول العلماء على أن قول عمر حسبنا كتاب الله من قوة فقهه ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب أمورا ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة وأراد أن لا ينسد باب الاجتهاد على العلماء وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويبه رأيه وأشار بقوله حسبنا كتاب الله إلى قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه إذ لو كان من هذا القبيل لم يتركه صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم ولا يعارض ذلك قول بن عباس إن الرزية الخ لأن عمر كان أفقه منه قطعا وقال الخطابي لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد كتابته بل امتناعه محمول على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلا إلى الطعن فيما يكتبه وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق فكان ذلك سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا جواز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا وقد تقدم شرح حديث بن عباس في أواخر كتاب العلم وقوله وقد ذهبوا يردون عنه يحتمل أن يكون المراد يردون عليه أي يعيدون عليه مقالته ويستثبئونه فيها ويحتمل أن يكون المراد يردون عنه القول المذكور على من قاله قوله فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني اليه قال بن الجوزي وغيره يحتمل أن يكون المعنى دعوني فالذي أعاينه من كرامة الله التي أعدها لي بعد فراق الدنيا خير مما أنا فيه في الحياة أو أن الذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله والتفكر في ذلك ونحوه أفضل من الذي تسألونني فيه من المباحثة عن المصلحة في الكتابة أو عدمها ويحتمل أن يكون المعنى فإن امتناعي من أن أكتب لكم خير مما تدعونني إليه من الكتابة قلت ويحتمل عكسه أن الذي أشرت عليكم به من الكتابة خير مما تدعونني إليه من عدمها بل هذا هو الظاهر وعلى الذي قبله كان ذلك الأمر اختبارا وامتحانا فهدى الله عمر لمراده وخفي ذلك على غيره وأما قول بن بطال عمر أفقه من بن عباس حيث اكتفى بالقرآن ولم يكتف بن عباس به وتعقب بأن إطلاق ذلك مع ما تقدم ليس بجيد فإن قول عمر حسبنا كتاب الله لم يرد أنه يكتفى به عن بيان السنة بل لما قام عنده من القرينة وخشى من الذي يترتب على كتابة الكتاب مما تقدمت الإشارة إليه فرأى أن الاعتماد على القرآن لا يترتب عليه شيء مما خشيه وأما بن عباس فلا يقال في حقه لم يكتف بالقرآن مع كونه حبر القرآن وأعلم الناس بتفسيره وتأويله ولكنه أسف على ما فاته من البيان بالتنصيص عليه لكونه أولى من الاستنباط والله أعلم وسيأتي في كفارة المرض في هذا الحديث زيادة لابن عباس وشرحها إن شاء الله تعلى قوله وأوصاهم بثلاث أي في تلك الحالة وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه لم يكن أمرا متحتما لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم ولعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه ولبلغه لهم لفظا كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك وقد عاش بعد هذه المقالة أياما وحفظوا عنه أشياء لفظا فيحتمل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه والله أعلم وجزيرة العرب تقدم بيانها في كتاب الجهاد وقوله أجيزوا الوفد أي اعطوهم والجائزة العطية وقيل أصله أن ناسا وفدوا على بعض الملوك وهو قائم على قنطرة فقال اجيزوهم فصاروا يعطون الرجل ويطلقونه فيجوز على القنطرة متوجها فسميت عطية من يقدم على الكبير جائزة وتستعمل أيضا في إعطاء الشاعر على مدحه ونحو ذلك وقوله بنحو ما كنت أجيزهم أي بقريب منه وكانت جائزة الواحد على عهده صلى الله عليه وسلم وقيه من فضة وهي أربعون درهما قوله وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها يحتمل أن يكون القائل ذلك هو سعيد بن جبير ثم وجدت عند الإسماعيلي التصريح بأن قائل ذلك هو بن عيينة وفي مسند الحميدي ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج قال سفيان قال سليمان أي بن أبي مسلم لا أدرى أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها وهذا هو الارجح قال الداودي الثالثة الوصية بالقرآن وبه جزم بن التين وقال المهلب بل هو تجهيز جيش أسامة وقواه بن بطال بأن الصحابة لما اختلفوا على أبي بكر في تنفيذ جيش أسامة قال لهم أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بذلك عند موته وقال عياض يحتمل أن تكون هي قوله ولا تتخذوا قبري وثنا فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود ويحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله الصلاة وما ملكت أيمانكم قوله في الرواية الثانية

[ 4169 ] فاختلف أهل البيت أي من كان في البيت من الصحابة ولم يرد أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم قوله فيها فقال قوموا زاد بن سعد من وجه آخر فقال قوموا عني

الحديث السادس

[ 4170 ] قوله حدثنا يسرة بفتح التحتانية والمهملة ووالد إبراهيم بن سعد هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قوله دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشيء وفي أول هذا الحديث من رواية مسروق عن عائشة كما مضت في علامات النبوة أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا ببنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها ولأبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من طريق عائشة بنت طلحة عن عاشه قالت ما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها وقعودها من فاطمة وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها فعلت ذلك فلما مرض دخلت عليه فأكبت عليه تقبله واتفقت الروايتان على أن الذي سارهابه أولا فبكت هو إعلامه إياها بأنه ميت من مرضه ذلك واختلفا قيما سارها به ثانيا فضحكت ففي رواية عروة أنه إخبار إياها بأنها أول أهله لحوقا به وفي رواية مسروق أنه إخباره إياها بأنها سيدة نساء أهل الجنة وجعل كونها أول أهله لحوقا به مضموما إلى الأول وهو الراجح فإن حديث مسروق يشتمل على زيادات ليست في حديث عروة وهو من الثقات الضابطين فما زاده مسروق قول عائشة فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عن ذلك فقالت ما كنت لأفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت أسر إلى أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلى وأنك أول أهل بيتي لحوقا بي وقولها كأن مشيتها هو بكسر الميم لأن المراد الهيئة وقولها ما رأيت كاليوم فرحا تقدم توجيهه في الكسوف وأن التقدير ما رأيت كفرح اليوم فرحا أو ما رأيت فرحا كفرح رأيته اليوم وقولها حتى توفي متعلق بمحذوف تقديره فلم تقل لي شيئا حتى توفي وقد طوى عروة هذا كله فقال في روايته بعد قوله فضحكت فسألناها عن ذلك فقالت سارني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه الحديث وفي رواية عائشة بنت طلحة من الزيادة أن عائشة لما رأت بكاءها وضحكها قالت إن كنت لأظن أن هذه المرأة أعقل النساء فإذا هي من النساء ويحتمل تعدد القصة ويؤيده الجزم في رواية عروة بأنه ميت من وجعه ذلك بخلاف رواية مسروق ففيها أنه ظن ذلك بطريق الاستنباط مما ذكره من معارضة القرآن وقد يقال لا منافاة بين الخبرين إلا بالزيادة ولا يمتنع أن يكون إخباره بأنها أول أهله لحوقا به سببا لبكائها أو ضحكها معا باعتبارين فذكر كل من الراويين ما لم يذكره الآخر وقد روىالنسائي من طريق أبي سلمة عن عائشة في سبب البكاء أنه ميت وفي سبب الضحك الأمرين الآخرين ولابن سعد من رواية أبي سلمة عنها أن سبب البكاء موته وسبب الضحك أنها سيدة النساء وفي رواية عائشة بنت طلحة عنها أن سبب البكاء موته وسبب الضحك لحاقها به وعند الطبري من وجه آخر عن عائشة أنه قال لفاطمة إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم ذرية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع كما قال فأنهم اتفقوا على أن فاطمة عليها السلام كانت أول من مات من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بعده حتى من أزواجه

الحديث السابع حديث عائشة ذكره من طريق شعبة عن سعد وهو بن إبراهيم المذكور قبله أورده عاليا مختصرا ونازلا تاما ثم أورده أتم منه من طريق الزهري عن عروة فاما الرواية النازلة فإنه ساقها من طريق غندر عن شعبة وأما الرواية العالية فأخرجها عن مسلم وهو بن إبراهيم ولفظه مغاير للرواية الأخرى قالت عائشة لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم المرض الذي مات فيه جعل يقول الرفيق الأعلى وهذا القدر ليس في رواية غندر منه شيء وقد وقع لي من طريق أحمد بن حرب عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه بزيادة بعد قوله الذي قبض فيه أصابته بحة فجعلته أسمعه يقول في الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين الآية قالت فعلت أنه يخير فكأن البخارى اقتصر من رواية مسلم بن إبراهيم على موضع الزيادة وهي قوله في الرفيق الأعلى فأنها ليست من رواية غندر وقد اقتصر الإسماعيلي على تخريج رواية غندر دون رواية مسلم بن إبراهيم وأخرجه من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة ولفظه مثل غندر قولها

[ 4171 ] قوله كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بضم أوله وفتح الخاء المعجمة ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت ذلك منه في هذه الرواية وصرحت بذلك في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى أو يخير وهو شك من الراوي هل قال يحيى بضم أوله وفتح المهملة وتشديد التحتانية بعدها أخرى أو يخير كما في رواية سعد بن إبراهيم وعند أحمد من طريق المطلب بن عبد الله عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ما من نبي يقبض الا يرى الثواب ثم يخير ولأحمد أيضا من حديث أبي مويهبة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه خيرت بين أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل تنبيه فهم عائشة من قوله صلى الله عليه وسلم وفي الرفيق الأعلى أنه خير نظير لهم أبيها رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم أن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده أن العبد المراد هو النبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى كما تقدم في مناقبه قوله وأخدته بحة بضم الموحدة وتشديد المهملة شيء يعرض في الحلق فيتغير له الصوت فيغلظ تقول بححت بالكسر بحا ورجل أبح إذا كان فيه خلقة قوله مع الذين أنعم الله عليهم في رواية المطلب عن عائشة عند أحمد فقال مع الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء إلى قوله رفيقا وفي رواية أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عند النسائي وصححه بن حبان فقال أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل وظاهره أن الرفيق المكان الذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين وفي رواية الزهري في الرفيق الأعلى وفي رواية عباد عن عائشة بعد هذا قال اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق وفي رواية ذكوان عن عائشة فجعل يقول في الرفيق الأعلى حتى قبض وفي رواية بن أبي مليكة عن عائشة وقال في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى وهذه الأحاديث ترد على من زعم أن الرفيق تغيير من الراوي وأن الصواب الرقيع بالقاف والعين المهملة وهو من أسماء السام وقال الجوهري الرفيق الأعلى الجنة ويؤيده ما وقع عند أبي إسحاق الرفيق الأعلى الجنة وقيل بل الرفيق هنا اسم جنس يشمل الواحد وما فوقه والمراد الأنبياء ومن ذكر في الآية وقد ختمت بقوله وحسن أولئك رفيقا ونكتة الإتيان بهذه الكلمه بالإفراد الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد نبه عليه السهيلي وزعم بعض المغاربة أنه يحتمل أن يراد بالرفيق الأعلى الله عز وجل لأنه من أسمائه كما أخرج أبو داود من حديث عبد الله بن مغفل رفعه إن الله رفيق يحب الرفق كذا اقتصر عليه والحديث عند مسلم عن عائشة فعزوه إليه أولى قال والرفيق يحتمل أن يكون صفة ذات كالحكيم أو صفة فعل قال ويحتمل أن يراد به حضرة القدس ويحتمل أي يراد به الجماعة المذكورون في آية النساء ومعنى كونهم رفيقا تعاونهم على طاعة الله وارتفاق بعضهم ببعض وهذا الثالث هو المعتمد وعليه اقتصر أكثر الشراح وقد غلط الأزهري القول الأول ولا وجه لتغليطه من الجهة التي غلطه بها وهو قوله مع الرفيق أو في الرفيق لأن تأويله على ما يليق بالله سائغ قال السهيلي الحكمة في اختتام كلام المصطفى بهذه الكلمة كونها تتضمن التوحيد والذكر بالقلب حتى يستفاد منه الرخصة لغيره أنه لا يشترط أن يكون الذكر باللسان لأن بعض الناس قد يمنعه من النطق مانع فلا يضره إذا كان قلبه عامرا بالذكر انتهى ملخصا قوله فظننت أنه خير في رواية الزهري فقلت إذا لا يختارنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح وعند أبي الأسود في المغازي عن عروة أن جبريل نزل إليه في تلك الحالة فخيره تنبيه قال السهيلي وجدت في بعض كتب الواقدي أن أول كلمة تكلم بها صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة الله أكبر وآخر كلمة تكلم بها كما في حديث عائشة في الرفيق الأعلى روى الحاكم من حديث أنس أن آخر ما تكلم به جلال ربي الرفيع

الحديث الثامن حديث عائشة في السواك

[ 4174 ] قوله حدثني محمد جزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي وسقط عند بن السكن فصار من رواية البخاري عن عفان بلا واسطة وعفان من شيوخ البخاري قد أخرج عنه بلا واسطة قليلا من ذلك في كتاب الجنائز قوله ومع عبد الرحمن سواك رطب في رواية بن أبي مليكة عن عائشة ومر عبد الرحمن وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه قوله يستن به أي يستاك قال الخطابي أصله من السن أي بالفتح ومنه المسن الذي يسن عليه الحديد قوله فأبده بتشديد الدال أي مد نظره إليه يقال أبددت فلانا النظر إذا طولته إليه وفي رواية الكشميهني فأمده بالميم قوله فقضمته بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة أي مضغته والقضم الأخذ بطرف الأسنان يقال قضمت الدابة بكسر الضاد شعيرها تقضم بالفتح إذا مضغته وحكى عياض أن الأكثر رووه بالصاد المهملة أي كسرته أو قطعته وحكى بن التين رواية بالفاء والمهملة قال المحب الطبري أن كان بالضاد المعجمة فيكون قولها فطيبته تكرارا وأن كان بالمهملة فلا لأنه يصير المعنى كسرته لطوله أو لإزالة المكان الذي تسوك به عبد الرحمن قوله ثم لينته ثم طيبته أي بالماء ويحتمل أن يكون طيبته تأكيدا للينته وسيأتي من رواية ذكوان عن عائشة فقلت آخذه لك فأومأ برأسه أن نعم فتناولته فأدخلته في فيه فاشتد فتناولته فقلت ألينه لك فأومأ برأسه أن نعم ويؤخذ منه العمل بالإشارة عند الحاجة إليها وقوة فظنه عائشة قوله ونفضته بالفاء والضاد المعجمة وقوله فما عدا أن فرغ أي من السواك قوله وكانت تقول مات ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي وفي رواية ذكوان عن عائشة توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وإن الله جمع ريقى وريقه عند موته في آخر يوم من الدنيا والحاقنة بالمهملة والقاف ما سفل من الذقن والذاقنة ما علا منه أو الحاقنة نقرة الترقوة هما حاقنتان ويقال إن الحاقنة المطمئن من الترقوة والحلق وقيل ما دون الترقوة من الصدر وقيل هي تحت السرة وقال ثابت الذاقنة طرف الحلقوم والسحر بفتح المهملة وسكون الحاء المهملة هو الصدر وهو في الأصل الرئة والنحر بفتح النون وسكون المهملة والمراد به موضع النحر وأغرب الداودي فقال هو ما بين الثديين والحاصل أن ما بين الحاقنة والذاقنة هو ما بين السحر والنحر والمراد أنه مات ورأسه بين حنكها وصدرها صلى الله عليه وسلم ورضى عنها وهذا لايغاير حديثها الذي قبل هذا أن رأسه كان على فخذها لأنه محمول على أنها رفعته من فخذها إلى صدرها وهذا الحديث يعارض ما أخرجه الحاكم وابن سعد من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ورأسه في حجر علي وكل طريقي منها لا يخلو من شيعي فلا يلتفت إليهم وقد رأيت بيان حال الأحاديث التي أشرت إليها دفعا لتوهم التعصب قال بن سعد ذكر من قال توفي في حجر علي وساق من حديث جابر سأل كعب الأحبار عليا ما كان آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم فقال أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال الصلاة الصلاة فقال كعب كذلك آخر عهد الأنبياء وفي سنده الواقدي وحرم بن عثمان وهما متروكان وعن الواقدي عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه أدعو إلى أخي فدعا له على فقال ادن مني قال فلم يزل مستندا إلى وأنه ليكلمني حتى نزل به وثقل في حجري فصحت يا عباس أدركني فإني هالك فجاء العباس فكان جهدهما جميعا أن أضجعاه فيه انقطاع مع الواقدي وعبد الله فيه لين وبه عن أبيه عن علي بن الحسين قبض ورأسه في حجر علي فيه انقطاع وعن الواقدي عن أبي الحويرث عن أبيه عن الشعبي مات ورأسه في حجر علي فيه الواقدي والإنقطاع وأبو الحويرث اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن الحارث المدني قال مالك ليس بثقة وأبوه لا يعرف حاله وعن الواقدي عن سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن أبي غطفان سألت بن عباس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إلى صدر علي قال فقلت فإن عروة حدثني عن عائشة قالت توفي النبي صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحرى فقال بن عباس لقد توفي وأنه لمستند إلى صدر علي وهو الذي غسله وأخي الفضل وأبي أبى أن يحضر فيه الواقدي وسليمان لا يعرف حاله وأبو غطفان بفتح المعجمة ثم المهملة اسمه سعد وهو مشهور بكنيته وثقه النسائي وأخرج الحاكم في الإكليل من طريق حبة العدني عن على اسندته إلى صدري فسالت نفسه وحبة ضعيف ومن حديث أم سلمة قالت على آخرهم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث عن عائشة أثبت من هذا ولعلها أرادت آخر الرجال به عهدا ويمكن الجمع بأن يكون على آخرهم عهدا به وأنه لم يفارقه حتى مال فلما مال ظن أنه مات ثم أفاق بعد أن توجه فأسندته عائشة بعده إلى صدرها فقبض ووقع عند أحمد من طريق يزيد بن باينوس بموحدتين بينهما ألف غير مهموز وبعد الثانية المفتوحة نون مضمومة ثم واو ساكنة ثم سين مهملة في أثناء حديث فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي فظننت أنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نقطة باردة فوقعت على ثغرة نحري فاقشعر لها جلدي وظننت أنه غشي عليه فسجيته ثوبا

الحديث التاسع في النهي عن اتخاذ القبور مساجد تقدم شرحه في المساجد من كتاب الصلاة وفي كتاب الجنائز

الحديث العاشر قولها فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي بيان الشدة المذكورة في الحديث الآتي أو اخر الباب من رواية ذكوان عن عائشة ولفظه بين يديه ركوة أو علبة بها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه يقول لا إله إلا الله إن للموت لكرات وعند أحمد والترمذي وغيرهما من طريق القاسم عن عائشة قالت رأيته وعنده قدح فيه ماء وهو يموت فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم أعنى على سكرات الموت وفي رواية شقيق عن مسروق عن عائشة قالت ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في الطب وبين في حديث بن مسعود في الطب أن له بسبب ذلك أجرين ولأبي يعلى من حديث أبي سعيد إنا معاشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر

الحديث الحادي عشر

[ 4178 ] قوله لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في وجعه وفي رواية معمر عن الزهري أن ذلك كان في بيت ميمونة قوله استأذن أزواجه أن يمرض بضم أوله وفتح الميم وتشديد الراء وذكر بن سعد بإسناد صحيح عن الزهري أن فاطمة هي التي خاطبت أمهات المؤمنين بذلك فقالت لهن أنه يشق عليه الاختلاف وفي رواية بن أبي مليكة عن عائشة أن دخوله بيتها كان يوم الإثنين ومات يوم الإثنين الذي يليه وقد مضى شرح هذا الحديث في أبواب الإمامة وفي كتاب الطهارة وذكرت في أبواب الإمامة طرفا من الاختلاف في اسم الذي كان يتكىء عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع العباس وقد وقع في رواية لمسلم عن عائشة فخرج بين الفضل بن العباس ورجل آخر وفي أخرى رجلين أحدهما أسامة وعند الدارقطني أسامة والفضل وعند بن حبان في آخره بريرة ونوبة بضم النون وسكون الواو ثم موحدة ضبطه بن ماكولا وأشار إلى هذه الرواية واختلف هل هو اسم عبد أو أمة فجزم سيف في الفتوح بأنه عبد وعند بن سعد من وجه آخر الفضل وثوبان وجمعوا بين هذه الروايات على تقدير ثبوتها بأن خروجه تعدد فيتعدد من أتكأ عليه وهو أولى من قول من قال تناوبوا في صلاة واحدة قوله في بيتي وفي رواية يزيد بن بابنوس عن عائشة عند أحمد انه صلى الله عليه وسلم قال لنسائه إني لا أستطيع أن أدور بيوتكن فإذا شئتن أذنتن لي وسيأتي بعد قليل من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنه كان يقول أين أنا غدا يريد يوم عائشة وكان أول ما بدأ مرضه في بيت ميمونة قوله من سبع قرب قيل الحكمة في هذا العدد أن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر وقد ذكر في أوائل الباب هذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم وتمسك به بعض من أنكر نجاسة سؤر الكلب وزعم أن الأمر بالغسل منه سبعا إنما هو لدفع السمية التي في ريقه وقد ثبت حديث من تصبح بسبع تمرات من عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر وللنسائي في قراءة الفاتحة على المصاب سبع مرات وسنده صحيح وفي صحيح مسلم القول لمن به وجع أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات وفي النسائي م من قال عند مريض لم يحضر أجله أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات وفي مرسل أبي جعفر عند بن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم قال أين أكون فاكررها فعرفت أزواجه أنه إنما يريد عائشة فقلن يا رسول الله قد وهبنا أيامنا لاختنا عائشة وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عند الإسماعيلي كان يقول أين أنا حرصا على بيت عائشة فلما كان يومي سكن وأذن له نساؤه أن يمرض في بيتي وقوله وكانت عائشة تحدث هو موصول بالإسناد المذكور وكذا قوله أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة هو مقول الزهري وهو موصول وقد مضى القول فيه قريبا قوله ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم تقدم في فضل أبي بكر من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في مرضه فذكر الحديث وقال فيه لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر الحديث وفيه أنه آخر مجلس جلسة ولمسلم من حديث جندب أن ذلك قبل موته بخمس فعلى هذا يكون يوم الخميس ولعله كان بعد أن وقع عنده اختلافهم ولغطهم كما تقدم قريبا وقال لهم قوموا فلعله وجد بعد ذلك خفة فخرج وقوله

[ 4179 ] وأخبرني عبيد الله أن عائشة قالت الخ هو مقول الزهري أيضا وموصول أيضا وإنما فصل ذلك ليبين ما هو عند شيخه عن بن عباس وعائشة معا وعن عائشة فقط

[ 4180 ] قوله رواه بن عمر وأبو موسى وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يشير إلى ما يتعلق بصلاة أبي بكر لا إلى جميع الحديث فأما حديث بن عمر فوصله المؤلف في أبواب الإمامة وكذا حديث أبي موسى وصله أيضا في أحاديث الأنبياء في ترجمة يوسف الصديق وأما حديث بن عباس فوصله المؤلف في الإمامة أيضا من حديث عائشة

[ 4182 ] قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه وبه جزم أبو نعيم في المستخرج قوله أخبرني عبد الله بن كعب هذا يؤيد ما تقدم في غزوة تبوك أن الزهري سمع من عبد الله وهو من أخويه عبد الرحمن وعبيد الله ومن عبد الرحمن بن عبد الله ولا معنى لتوقف الدمياطي فيه فإن الإسناد صحيح وسماع الزهري من عبد الله بن كعب ثابت ولم ينفرد به شعيب وقد أخرجه الأسماعيلي من طريق صالح عن بن شهاب فصرح أيضا به وقد رواه معمر عن الزهري عن بن كعب بن مالك ولم يسمه أخرجه عبد الرزاق وفي الإسناد لطيفة وهي رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي قوله بارثا اسم فاعل من برأ بمعنى أفاق من المرض قوله أنت والله بعد ثلاث عبد العصا هو كناية عمن يصير تابعا لغيره والمعنى أنه يموت بعد ثلاث وتصير أنت مأمورا عليك وهذا من قوة فراسة العباس رضي الله عنه قوله لأرى بفتح الهمزة من الاعتقاد وبضمها بمعنى الظن وهذا قاله العباس مستندا إلى النجرة لقوله بعد ذلك أني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت وذكر بن إسحاق عن الزهري أن ذلك كان يوم قبض النبي صلى الله عليه وسلم قوله هذا الأمر أي الخلافة وفي مرسل الشعبي وإلا أوصى بنا فحفظا من بعده وله من طريق أخرى فقال على وهل يطمع في هذا الآمر غيرنا قال أظن والله سيكون قوله لا يعطيناها إلياس بعده أي يحتجون عليهم بمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم وصرح بذلك في رواية لابن سعد قوله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لا اطلبها منه وزاد بن سعد في مرسل الشعبي في آخره فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال العباس لعلي أبسط يدك أبايعك تبايعك الناس فلم يفعل وزاد عبد الرزاق عن بن عيينة قال قال الشعبي لو أن عليا سأله عنها كان خيرا له من ماله وولده ورويناه في فوائد أبي الطاهر الذهلي بسند جيد عن بن أبي ليلى قال سمعت عليا يقول لقيني العباس فذكر نحو القصة التي في هذا الحديث باختصار وفي آخرها قال سمعت عليا يقول بعد ذلك يا ليتني أطعت عباسا يا ليتني أطعت عباسا وقال عبد الرزاق كان معمر يقول لنا أيهما كان أصوب رايا فنقول العباس فيأبى ويقول لو كان أعطاها عليا فمنعه الناس لكفروا

الحديث الثالث عشر حديث أنس

[ 4183 ] ان المسلمين بينا هم في صلاة الفجر يوم الإثنين فيه أنه لم يصل بهم ذلك اليوم وأما ما أخرجه البيهقي من طريق محمد بن جعفر عن حميد عن أنس آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم الحديث وفسرها بأنها صلاة الصبح فلا يصح لحديث الباب ويشبه أن يكون الصواب صلاة الظهر قوله ثم دخل الحجرة وأرخى الستر زاد أبو اليمان عن شعيب وتوفي من يومه ذلك أخرجه المصنف في الصلاة وللإسماعيلي من هذا الوجه فلما توفي بكى الناس فقام عمر في المسجد فقال ألا لا أسمعن أحدا يقول مات محمد الحديث بهذه القصة وهي على شرط الصحيح قوله وتوفى من آخر ذلك اليوم يخدش في جزم بن إسحاق بأنه مات حين أشتد الضحى ويجمع بينهما بأن إطلاق الآخر بمعنى ابتداء الدخول في أول النصف الثاني من النهار وذلك عند الزوال واشتداد الضحى يقع قبل الزوال ويستمر حتى يتحقق زوال الشمس وقد جزم موسى بن عقبة عن بن شهاب بأنه صلى الله عليه وسلم مات حين زاغت الشمس وكذا لأبي الأسود عن عروة فهذا يؤيد الجمع الذي أشرت إليه

الحديث الرابع عشر

[ 4184 ] قوله بن أبي مليكة أن ذكوان أخبره أن عائشة سيأتي بعد حديث من رواية بن أبي مليكة عن عائشة بلا واسطة لكن في كل من الطريقين ما ليس في الآخر فالظاهر أن الطريقين محفوظان قوله فلينته أي لينت السواك قوله فأمره بفاء وفتح الميم وتشديد الراء أي أمره على أسنانه فاستاك به وللكشميهني والأصيلي والقابسى بأمره بموحدة وميم ساكنة وراء مكسورة قال عياض والأول أولى وقد تقدم شرح ما تضمنه هذا الحديث في هذا الباب الحديث الخامس عشر تقدم شرح ما تضمنه أيضا كذلك وقوله

[ 4185 ] فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحرى في رواية همام عن هشام بهذا الإسناد عند أحمد نحره وزاد فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها الحديث السادس عشر تقدم كذلك

الحديث السابع عشر

[ 4187 ] قوله من مسكنه بالسنح بضم المهملة وسكون النون وبضمها أيضا وآخره حاء مهملة وتقدم ضبطه في الجنائز وأنه مسكن زوجة أبي بكر الصديق قوله لا يجمع الله عليك موتتين تقدم الكلام عليه في أول الجنائز وأغرب من قال المراد بالموتة الأخرى مونة الشريعة أي لا يجمع الله عليك موتك وموت شريعتك قال هذا القائل ويؤيده قول أبي بكر بعد ذلك في خطبته من كان يعيد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال الكرماني فإن قلت ليس في القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ثم أجاب بأن أبا بكر تلاها لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات قلت ورواية بن السكن قد أوضحت المراد فإنه زاد لفظ عملت قوله قال وحدثني أبو سلمة القائل هو الزهري قوله وعمر يكلم الناس أي يقول لهم ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أحمد من طريق يزيد بن بابنوس عن عائشة متصلا بما ذكرته في آخر الكلام على الحديث الثامن شيء دار بين المغيرة وعمر ففيه بعد قولها فسجيته ثوبا فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت الحجاب فنظر عمر إليه فقال واغشيتاه ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة يا عمر مات قال كذبت بل أنت رجل تحوشك فتنة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفنى الله المنافقين ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بن إسحاق وعبد الرزاق والطبراني من طريق عكرمة أن العباس قال لعمر هل عند أحد منكم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قال لا قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ولم يمت حتى حارب وما لم ونكح وطلق وترككم على محجة واضحة وهذه من موافقات العباس للصديق في حديث بن عمر عند بن أبي شيبة أن أبا بكر مر بعمر وهو يقول ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين وكانوا اظهروا الاستبشار ورفعوا رءوسهم فقال أيها الرجل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمات ألم تسمع الله تعالى يقول انك ميت وإنهم ميتون وقال تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ثم أتى المنبر فصعد فحمد الله وأثنى عليه فذكر خطبته قوله وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل زاد يزيد بن بابنوس عن عائشة أن أبا بكر حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله يقول انك ميت وأنهم ميتون حتى فرغ من الآية ثم تلا وما محمد إلا رسول قد خلت الآية وقال فيه قال عمر أو أنها في كتاب الله ما شعرت أنها في كتاب الله وفي حديث بن عمر نحوه وزاد ثم نزل فاستيشر المسلمون وأخذ المنافقين الكآبة قال بن عمر وكأنما على وجوهنا أغطية فكشفت قوله فأخبرني سعيد بن المسيب هو مقول الزهري وأغرب الخطابي فقال ما أدرى القائل فأخبرني سعيد بن المسيب الزهري أو شيخه أبو سلمة فقلت صرح عبد الرزاق عن معمر بأنه الزهري وأثر بن المسيب عن عمر هذا أهمله المزي في الأطراف مع أنه على شرطه قوله فعقرت بضم العين وكسر القاف أي هلكت وفي رواية بفتح العين أي دهشت وتحيرت ويقال سقطت ورواه يعقوب بن السكيت بالفاء من العفر وهو التراب ووقع في رواية الكشميهني فقعرت بتقديم القاف على العين وهو خطأ والصواب الأول قوله ما تقلني بضم أوله وكسر القاف وتشديد اللام أي ما تحملني قوله وحتى أهويت في رواية الكشميهني هويت بفتح أوله وثانيه قوله إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات كذا للأكثر وقوله أن النبي صلى الله عليه وسلم على البدل من الهاء في قوله تلاها أي تلا الآية التي معناها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات وهو قوله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون وفي رواية بن السكن فعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات وهي واضحة وكذا عند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فعقرت وأنا قائم حتى خررت إلى الأرض فأيقنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات وفي الحديث قوة جأش أبي بكر وكثرة علمه وقد وافقه على ذلك العباس كما ذكرنا والمغيرة كما رواه بن سعد وابن أم مكتوم كما في المغازي لأبي الأسود عن عروة قال إنه كان يتلو قوله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون والناس لا يلتفتون إليه وكان أكثر الصحابة على خلاف ذلك فيؤخذ منه أن الأفل عددا في الاجتهاد قد يصيب ويخطىء الأكثر فلا يتعين الترجيح بالأكثر ولا سيما إن ظهر أن بعضهم قلد بعضا

[ 4188 ] الحديث الثامن عشر حديث بن عباس وعائشة أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما مات تقدم في الحديث الذي قبله أنه كشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وفي رواية يزيد بن باينوس عنها أتاه من قبل رأسه فحر فاه فقبل جبهته ثم قال وأنبياه ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال واصفياه ثم رفع رأسه وحذر فاه وقبل جبهته ثم قال واخليلاه ولابن أبي شيبة عن بن عمر فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقبله ويبكي ويقول بأبي وأمي طبت حيا وميتا وللطبراني من حديث جابر أن أبا بكر قبل جبهته وله من حديث سالم بن عتيك أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فمسه فقالوا يا صاحب رسول الله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم

الحديث التاسع عشر

[ 4189 ] قوله حدثنا على حدثنا يحيى وزاد قالت عائشة لددناه في مرضه أما على فهو بن عبد الله بن المديني وأما يحيى فهو بن سعيد القطان ومراده أن عليا وافق عبد الله بن أبي شيبة في روايته عن يحيى بن سعيد الحديث الذي قبله وزاد عليه قصة اللدود قوله لددناه أي جعلنا في جانب فمه دواه بغير اختياره وهذا هو اللدود فأما ما يصب في الحلق فيقال له الوجور وقد وقع عند الطبراني من حديث العباس أنهم أذابوا قسطا أي بزيت فلدوه به قوله فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء قال عياض ضبطناه بالرفع أي هذا منه كراهية وقال أبو البقاء هو خبر مبتدأ محذوف أي هذا الامتناع كراهية ويحتمل أن النصب على أنه مفعول له أي نهانا للكراهية للدواء ويحتمل أن يكون مصدرا أي كرهه كراهية الدواء قال عياض الرفع أوجه من النصب عل المصدر قوله لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا انظر إلا العباس فأنه لم يشهدكم قيل فيه مشروعية القصاص في جميع ما يصاب به الإنسان عمدا وفيه نظر لأن الجميع لم يتعاطوا ذلك وإنما فعل بهم ذلك عقوبة لهم لتركهم امتثال نهيه عن ذلك أما من باشره فظاهر وأما من لم يباشره فلكونهم تركوا نهيهم عما نهاهم هو عنه ويستفاد منه أن التأويل البعيد لا يعذر به صاحبه وفيه نظر أيضا لأن الذي وقع في معارضة النهي قال بن العربي أراد أن لا يأتوا يوم القيامة وعليهم حقه فيقعوا في خطب عظيم وتعقب بأنه كان يمكن العفو لأنه كان لا ينتقم لنفسه والذي يظهر أنه أراد بذلك تأديبهم لئلا يعودوا فكان ذلك تأديبا لا قصاصا ولا انتقاما قيل وإنما كره اللد مع أنه كان يتداوى لأنه تحقق أنه يموت في مرضه ومن حقق ذلك كره له التداوى قلت وفيه نظر والذي يظهر أن ذلك كان قبل التخيير والتحقق وإنما أنكر التداوى لأنه كان غير ملائم لدائه لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب فداووه بما يلائمها ولم يكن به ذلك كما هو ظاهر في سياق الخبر كما ترى والله أعلم قوله رواه بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة وصله محمد بن سعد عن محمد بن الصباح عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بهذا السند ولفظه كانت تأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه فلما أفاق قال هذا من فعل نساء جئن من هنا وأشار إلى الحبشة وأن كنتم ترون أن الله يسلط على ذات الجنب ما كان الله ليجعل لها على سلطانا والله لا يبقى أحد في البيت إلا لد فما بقي أحد في البيت إلا لد ولددنا ميمونة وهي صائمة ومن طريق أبي بكر بن عبد الرحمن أن أم سلمة وأسماء بنت عميس أشارتا بأن يلدوه ورواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أسماء بنت عميس قالت أن أول ما اشتكى كان في بيت ميمونة فاشتد مرضه حتى أغمى عليه فتشاورن في لده فلدون فلما أفاق قال هذا فعل نساء جئن من هنا وأشار إلى الحبشة وكانت أسماء منهن فقالوا كنا نتهم بك ذات الجنب فقال ما كان الله ليعذبني به لا يبقى أحد في البيت إلا لد قال فلقد التدت ميمونة وهي صائمة وفي رواية بن أبي الزناد هذه بيان ضعف ما رواه أبو يعلى بسند فيه بن لهيعة من وجه آخر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم مات من ذات الجنب ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بينهما بأن ذات الجنب تطلق بإزاء مرضين كما سيأتي بيانه في كتاب الطب أحدهما ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن والآخر ريح محتقن بين الأضلاع فالأول هو المنفى هنا وقد وقع في رواية الحاكم في المستدرك ذات الجنب من الشيطان والثاني هو الذي أثبت هنا وليس فيه محذور كالأولى

الحديث العشرون حديث عائشة

[ 4190 ] قوله أخبرني أزهر هو بن سعد السمان بصري وشيخه عبد الله بن عون بصري أيضا وأما إبراهيم وهو بن يزيد النخعي والأسود فكوفيان قوله ذكر بضم أوله وتقدم في الوصايا من وجه آخر بلفظ ذكروا وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه قيل لعائشة إنهم يزعمون أنه أوصى إلى على فقالت ومتى أوصى إليه وقد رأيته دعا بالطست ليتفل فيها وقد تقدم شرح ما يتعلق به هناك وما يتعلق ببقية الحديث في أثناء هذا الباب

الحديث الحادي والعشرون حديث عبد الله بن أبي أوفى تقدم شرحه مستوفى في أوائل الوصايا

الحديث الثاني والعشرون

[ 4192 ] حديث عمرو بن الحارث وهو المصطلقى أخو ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل الوصايا أيضا الحديث الثالث والعشرون حديث أنس عن فاطمة

[ 4193 ] قوله واكرب أباه في رواية مبارك بن فضالة عن ثابت عند النسائي واكرباه والأول أصوب لقوله في نفس الخبر ليس على أبيك كرب بعد اليوم وهذا يدل أنها لم ترفع صوتها بذلك وإلا لكان ينهاها قوله يا ابتاه كأنها قالت يا أبي والمثناة بدل من التحتانية والالف للندبة ولمد الصوت والهاء للسكت قوله من جنة الفردوس مأواه بفتح الميم في أوله على أنها موصولة وحكى الطيبي عن نسخة من المصابيح بكسرها على أنها حرف جر قال والأولى والأول قوله إلى جبريل ننعاه قيل الصواب إلى جبريل نعاه جزم بذلك سبط بن الجوزي في المرآة والأول موجه فلا معنى لتغليط الرواة بالظن وزاد الطبراني من طريق عارم والإسماعيلي من طريق سعيد بن سليمان كلاهما عن حماد في هذا الحديث يا أبتاه من ربه ما أدناه ومثله للطبراني من طريق معمر ولأبي داود من طريق حماد بن سلمة كلاهما عن ثابت به قال الخطابي زعم بعض من لا يعد في أهل العلم أن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام لا كرب على أبيك بعد اليوم أن كربه كان شفقة على أمته لما علم من وقوع الفتن والاختلاف وهذا ليس بشيء لأنه كان يلزم أن تنقطع شفقته على أمته بموته والواقع أنها باقية إلى يوم القيامة لأنه مبعوث إلى من جاء بعده وأعمالهم تعرض عليه وإنما الكلام على ظاهره وأن المراد بالكرب ما كان يجده من شدة الموت وكان فيما يصيب جسده من الآلآم كالبشر ليتضاعف له الأجر كما تقدم قوله فلما دفن قالت فاطمة يا أنس الخ وهذا من رواية أنس عن فاطمة وأشارت عليها السلام بذلك إلى عتابهم على إقدامهم على ذلك لأنه يدل على خلاف ما عرفته منهم من رقة قلوبهم عليه لشدة محبتهم له وسكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حاله يقول لم تطب أنفسنا بذلك إلا أنا قهرناها على فعله امتثالا لأمره وقد قال أبو سعيد فيما أخرجه البزار بسند جيد وما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ومثله في حديث ثابت عن أنس عند الترمذي وغيره يريد أنهم وجدوها تغيرت عما عهدوه في حياته من الألفة والصفاء والرقة لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب ويستفاد من الحديث جواز التوجع للميت عند احتضاره بمثل قول فاطمة عليها السلام واكرب أباه وأنه ليس من النياحة لأنه صلى الله عليه وسلم أقرها على ذلك وأما قولها بعد أن قبض وا أبتاه الخ فيؤخذ منه أن تلك الألفاظ إذا كان الميت متصفا بها لا يمنع ذكره لها بعد موته بخلاف ما إذا كانت فيه ظاهرا وهو في الباطن بخلافه أو لا يتحقق اتصافه بها فيدخل في المنع ونبه هنا على أن المزي ذكر كلام فاطمة هذا في مسند أنس وهو متعقب فإنه وإن كان أوله في مسنده لأن الظاهر أنه حضره لكن الأخير إنما هو من كلام فاطمة فحقه أن يذكر في رواية أنس عنها

قوله باب آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه حديث عائشة وقد شرح في الحديث السابع من الباب الذي قبله وقول الزهري

[ 4194 ] أخبرني سعيد بن المسيب في رجال أهل العلم قد تقدم منهم عروة بن الزبير وكأن عائشة أشارت إلى ما أشاعته الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي بالخلافة وأن يوفى ديونه وقد أخرج العقيلي وغيره في الضعفاء في ترجمة حكيم بن جبير من طريق عبد العزيز بن مروان عن أبي هريرة عن سلمان أنه قال قلت يا رسول الله إن الله لم يبعث نبيا إلا بين له من يلي بعده فهل بين لك قال نعم على بن أبي طالب ومن طريق جرير بن عبد الحميد عن أشياخ من قومه عن سلمان قلت يا رسول الله من وصيك قال وصيي وموضع سري وخليفتي على أهلي وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب ومن طريق أبي ربيعة الإيادي عن بن بريدة عن أبيه رفعه لكل نبي وصي وإن عليا وصي وولدى ومن طريق عبد الله بن السائب عن أبي ذر رفعه أنا خاتم النبيين وعلى خاتم الاوصياء أوردها وغيرها بن الجوزي في الموضوعات

قوله باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أي في أي السنين وقعت

[ 4195 ] قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا هذا يخالف المروي عن عائشة عقبة أنه عاش ثلاثا وستين إلا أن يحمل على الغاء الكسر كما قيل مثله في حديث أنس المتقدم في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناقب وأكثر ما قيل في عمره أنه خمس وستون سنة أخرجه مسلم من طريق عمار بن أبي عمار عن بن عباس ومثله لأحمد عن يوسف بن مهران عن بن عباس وهو مغاير لحديث الباب لأن مقتضاه أن يكون عاش ستين إلا أن يحمل على إلغاء الكسر أو على قول من قال إنه بعث بن ثلاث وأربعين وهو مقتضى رواية عمرو بن دينار عن بن عباس أنه مكث بمكة ثلاث عشرة ومات بن ثلاث وستين وفي رواية هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس لبث بمكة ثلاث عشرة وبعث لأربعين ومات وهو بن ثلاث وستين وهذا موافق لقول الجمهور وقد مضى في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم والحاصل إن كل من روى عنه من الصحابة ما يخالف المشهور وهو ثلاث وستون جاء عنه المشهور وهم بن عباس وعائشة وأنس ولم يخلف على معاوية أنه عاش ثلاثا وستين وبه جزم سعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد وقال أحمد هو الثبت عندنا وقد جمع السهيلي بين القولين المحكيين بوجه آخر وهو أن من قال مكث ثلاث عشرة عد من أول ما جاءه الملك بالنبوة ومن قال مكث عشرا أخذ ما بعد فترة الوحي ومجىء الملك يا أيها المدثر وهو مبنى على صحة خبر الشعبي الذي نقلته من تاريخ الإمام أحمد في بدء الوحي ولكن وقع في حديث بن عباس عند بن سعد ما يخالفه كما أوضحته في الكلام على حديث عائشة في بدء الوحى المخرج في عن رواية معمر عن الزهري فيما يتعلق بالزيادة التي ارسلها الزهري ومن الشذوذ ما رواه عمر بن شبة أنه عاش وحدي أو اثنتين وستين ولم يبلغ ثلاثا وستين وكذا رواه بن عساكر من وجه آخر أنه عاش اثنتين وستين ونصفا وهذا يصح على قول من قال ولد في رمضان وقد بينا في الباب المذكور أنه شاذ من القول وقد جمع بعضهم بين الروايات المشهورة بأن من قال خمس وستون جبر الكسر وفيه نظر لأنه يخرج منه أربع وستون فقط وقل من تنبه لذلك

[ 4196 ] قوله قال بن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب مثله هو موصول بالإسناد المذكور وقوله مثله يحتمل أن يريد أنه حدثه بذلك عن عائشة أو أرسله والقصد بالمثل فقط وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها وقد جوزت أن يكون موصولا لما شرحت هذا الحديث في أوائل صفة النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظفرت به الآن كما حررت ولله الحمد

قوله باب كذا للجميع بغير ترجمة قوله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين كذا للأكثر بحذف المميز وللمستملي وحده ثلاثين صاعا ووجه إيراده هنا الإشارة إلى أن ذلك من آخر أحواله وهو يناسب حديث عمرو بن الحارث في الباب الأول أنه لم يترك دينارا ولا درهما

قوله باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه إنما أخر المصنف هذه الترجمة لما جاء أنه كان تجهيز أسامة يوم السبت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيومين وكان ابتداء ذلك قبل مرض النبي صلى الله عليه وسلم فندب الناس لغزو الروم في آخر صفر ودعا أسامة فقال سر الىموضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد ولينك هذا الجيش وأغر صباحا على ابني وحرق عليهم وأسرع المسير تسبق الخبر فإن ظفرك الله بهم فأقل الليث فيهم فبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه في اليوم الثالث فعقد لأسامة لواء بيده فأخذه أسامة فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف وكان ممن انتدب مع أسامة كبار المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم فتكلم في ذلك قوم منهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي فرد عليه عمر وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فخطب بما ذكر في هذا الحديث ثم أشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال انفذوا بعث أسامة فجهزه أبو بكر بعد أن استخلف فسار عشرين ليلة إلى الجهة التي أمر بها وقتل قاتل أبيه ورجع بالجيش سالما وقد غنموا وقد قص أصحاب المغازي قصة مطولة فلخصتها وكانت آخر سرية جهزها النبي صلى الله عليه وسلم وأول شيء جهزه أبو بكر رضي الله عنه وقد أنكر بن تيمية في كتاب الرد على بن المطهر أن يكون أبو بكر وعمر كانا في بعث أسامة ومستند ما ذكره ما أخرجه الواقدي بأسانيده في المغازي وذكره بن سعد أواخر الترجمة النبوية بغير إسناد وذكره بن إسحاق في السيرة المشهورة ولفظه بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الأربعاء فأصبح يوم الخميس فعقد لأسامة فقال أغز في سبيل الله وسر إلى موضع مقتل أبيك فقد وليتك هذا الجيش بن فذكر القصة وفيها لم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر وعمر ولما جهزه أبو بكر بعد أن استخلف سأله أبو بكر أن يأذن لعمر بالإقامة فأذن ذكر ذلك كله بن الجوزي في المنتظم جازما به وذكر الواقدي وأخرجه بن عساكر من طريقه مع أبي بكر وعمر أبا عبيدة وسعدا وسعيدا وسلمة بن أسلم وقتادة بن النعمان والذي باشر القول ممن نسب إليهم الطعن في إمارته عياش بن أبي ربيعة وعند الواقدي أيضا أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة من قريش وفيه عن أبي هريرة كانت عدة الجيش سبعمائة

قوله باب كذا للجميع بغير ترجمة

[ 4200 ] قوله عن بن أبي حبيب هو يزيد وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله والصنابحي اسمه عبد الرحمن بن عسيلة وليس له في صحيح البخاري سوى هذا الحديث وعند أبي داود من وجه آخر عن الصنابحي أنه صلى الله عليه وسلم خلف أبا بكر الصديق قوله فأقبل راكب لم أقف على اسمه قوله قلت هل سمعت القائل هو أبو الخير والمقول له الصنابحي وقد تقدم الكلام على ليلة القدر في كتاب الصيام بما لا مزيد في التتبع عليه

قوله باب كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم ختم البخاري كتاب المغازي بنحو ما ابتدأه به وقد تقدم الكلام في أول المغازي على حديث زيد بن أرقم وزاد هنا عن أبي إسحاق حديث البراء قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة وكأن أبا إسحاق كان حريصا على معرفة عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم فسأل زيد بن أرقم والبراء وغيرهما قوله

[ 4203 ] حدثنا أحمد بن الحسن هو بن جنيدب بالجيم والنون وموحدة مصغرا الترمذي الحافظ ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وهو من أقران البخاري قوله عن كهمس بمهملة وزن جعفر وفي رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن معتمر سمعت كهمس بن الحسن وابن بريدة هو عبد الله ولم يخرج البخاري لسليمان بن بريدة شيئا قوله قال غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة كذا وقع في مسند أحمد وكذا أخرجه مسلم عن أحمد نفسه وهو أحد الأحاديث الاربعة التي أخرجها مسلم عن شيوخ أخرج البخاري تلك الأحاديث بعينها عن أولئك الشيوخ بواسطة ووقع من هذا النمط للبخاري أكثر من مائتي حديث وقد جردتها في جزء مفرد وأخرج مسلم أيضا من وجه آخر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة قاتل منها في ثمان وقد تقدم في أول المغازي توجيه ذلك وتحرير عدد الغزوات وأما السرايا فتقرب من سبعين وقد استوعبها محمد بن سعد في الطبقات وقرأت بخط مغلطاي أن مجموع الغزوات والسرايا مائة وهو كما قال والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب المغازي من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها على خمسمائة وثلاثة وستين حديثا المعلق منها ستة وسبعون حديثا والباقي موصول المكرر منها فيه وفيما مضى أربعمائة حديث وعشرة أحاديث والخالص مائة وثلاثة وخمسون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى ثلاثة وستين حديثا وهي حديث بن مسعود شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا وحديث بن عباس لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر وحديث على أنا أول من يجثو للخصومة وحديث البراء شهد على بدرا وبارز وظاهر وحديث بن عمر في توجيهه إلى سعيد بن زيد وكان بدريا وحديث محمد بن إياس بن البكير وكان أبوه شهد بدرا وحديث رفاعة بن رافع في فضل أهل بدر وحديث بن عباس هذا جبريل آخذ برأس فرسه وعليه أداة الحرب يوم بدر وحديث أنس في أبي زيد البدري وحديث قتادة بن النعمان في الأضاحي وحديث الزبير في قتله العاصي بن سعيد ببدر وحديث الربيع بنت معوذ في الضرب بالدف وحديث علي في تكبيره على سهل بن حنيف وحديث عمر تأيمت حفصة وحديث عمر مع قدامة بن مظعون وحديث البراء في قتل أبي رافع اليهودي حديث عبد الرحمن بن عوف أنه أتى بطعام فقال قتل مصعب بن عمير وحديث زيد بن ثابت حين نسخ المصاحف وحديث وحشي في قتل حمزة وحديث بن عمر في قتل مسيلمة وحديث أبي هريرة في قصة خبيب بن عدي وحديث بنت الحارث فيه وحديث بن عمر مع حفصة وفيه مراجعته مع حبيب بن سلمة وحديث سليمان بن صرد الآن نغزوهم وحديث بن عباس صلى الخوف بذي قرد وحديث أبي موسى فيه معلق وحديث جابر فيه معلق وحديث القاسم في أنمار معلق مرسل وحديث عائشة في الولق وحديث البراء في بئر الحديبية وحديث مرداس يذهب الصالحون وحديث بنت خفاف وحديث عمر معها في شهود أبيها وحديث البراء لا ندري ما أحدثنا وحديث زاهر في لحوم الحمر وحديث أهبان بن أوس في السجود وحديث عائذ بن عمرو في نقض الوتر وحديث قتادة في المثلثة بلاغا وحديث سلمة في الضرب يوم خبير وحديث أنس في الطيالسه وحديث عائشة في تمر خيبر وحديث بن عمر فيه وحديث بن عمر في موته وحديث خالد بن الوليد فيه وحديث عمرة بنت رواحة في البكاء وحديث عروة في قصة الفتح مرسل وحديث عبد الله بن ثعلبة في مسح وجهه وحديث عمرو بن سلمة في الصلاة وفيه حديثه عن أبيه وحديث بن أبي أوفى في ضربة حنين وحديث بن عمر في قصة بني جذيمة وحديث أبي بردة في قصة اليهودي المرتد مرسل وحديث البراء في قصة على مع الجارية وحديث بريدة فيه وحديث جرير في بعثه إلى اليمن وفيه روايته عن ذي عمرو وحديث عبد الله بن الزبير في وفد بني تميم وحديث أبي رجاء العطاردي في رجب وحديثه فررنا إلى مسيلمة وحديث بن مسعود مع خباب وفيه قراءة علقمة وحديث عدي مع عمر أسلمت إذ كفروا وحديث أبي بكرة لايفلح قوم ولوا أمرهم امرأة وحديث على مع العباس في الوفاة النبوية وحديث أنس مع فاطمة فيه وحديث بلال في ليلة القدر وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين اثنان وأربعون أثرا غير ما ذكرناه في المسند مما له حكم الرفع والله سبحانه وتعالى أعلم