كتاب التفسير
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب التفسير في رواية أبي ذر كتاب تفسير القرآن وأخر غيره البسملة والتفسير تفعيل من الفسر وهو البيان تقول فسرت الشيء بالتخفيف أفسره فسرا وفسرته بالتشديد أفسره تفسيرا إذا بينته وأصل الفسر نظر الطبيب إلى الماء ليعرف العلة وقيل هو من فسرت الفرس إذا ركضتها محصورة لينطلق حصرها وقيل هو مقلوب من سفر كجذب وجبذ تقول سفر إذا كشف وجهه ومنه أسفر الصبح إذا أضاء واختلفوا في التفسير والتأويل قال أبو عبيدة وطائفة هما بمعنى وقيل التفسير هو بيان المراد باللفظ والتأويل هو بيان المراد بالمعنى وقيل في الفرق بينهما غير ذلك وقد بسطته في أواخر كتاب التوحيد قوله الرحمن الرحيم اسمان من الرحمة أي مشتقان من الرحمة والرحمة لغة الرقة والانعطاف وعلى هذا فوصفه به تعالى مجاز عن إنعامه على عباده وهي صفة فعل لا صفة ذات وقيل ليس الرحمن مشتقا لقولهم وما الرحمن وأجيب بأنهم جهلوا الصفة والموصوف ولهذا لم يقولوا ومن الرحمن وقيل هو علم بالغلبة لأنه جاء غير تابع لموصوف في قوله الرحمن على العرش استوى وإذا قيل لهم اسجدوا الرحمن قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وغير ذلك وتعقب بأنه لا يلزم من مجيئه غير تابع أن لا يكون صفة لأن الموصوف إذا علم جاز حذفه وأبقاء صفته قوله الرحيم والراحم بمعنى واحد كالعليم والعالم هذا بالنظر إلى أصل المعنى وإلا فصيغة فعيل من صيغ المبالغة فمعناها زائد على معنى الفاعل وقد ترد صيغة فعيل بمعنى الصفة المشبهة وفيها أيضا زيادة لدلالتها على الثبوت بخلاف مجرد الفاعل فإنه يدل على الحدوث ويحتمل أن يكون المراد أن فعيلا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول لنه قد يرد بمعنى مفعول فاحترز عنه واختلف هل الرحمن والرحيم بمعنى واحد كالندمان والنديم فجمع بينهما تأكيدا أو بينهما مغايرة بحسب المتعلق فهو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأن رحمته في الدنيا تعم المؤمن والكافر وفي الآخرة تخص المؤمن و التغاير بجهة أخرى فالرحمن أبلغ لأنه يتناول جلائل النعم وأصولها تقول فلان غضبان إذا امتلأ غضبا وأردف بالرحيم ليكون كالتتمة ليتناول مادق وقيل الرحيم أبلغ لما يقتضيه صيغة فعيل والتحقيق أن جهة المبالغة فيهما مختلفة وروى بن جرير من طريق عطاء الخراساني أن غير الله لما تسمى بالرحمن كمسيلمة جىء بلفظ الرحيم لقطع التوهم فأنه لم يوصف بهما أحد إلا الله وعن بن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل يغضب ومن الشاذ ما روى عن المبرد وثعلب أن الرحمن عبراني والرحيم عربي وقد ضعفه بن الأنباري والزجاج وغيرهما وقد وجد في اللسان العبراني لكن بالخاء المعجمة والله أعلم
قوله باب ما جاء في فاتحة الكتاب أي من الفضل أو من التفسير أو أعم من ذلك مع التقييد بشرطه في كل وجه قوله وسميت أم الكتاب أنه بفتح الهمزة يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة هو كلام أبي عبيدة في أول مجاز القرآن لكن لفظه ولسور القرآن أسماء منها أن الحمد لله تسمى أم الكتاب لأنه يبدأ بها في أول القرآن وتعاد قراءتها فيقرأ بها في كل ركعة قبل السورة ويقال لها فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بها في المصاحف فتكتب قبل الجميع انتهى وبهذا تبين المراد مما اختصره المصنف وقال غيره سميت أم الكتاب لأن أم الشيء ابتداؤه وأصله ومنه سميت مكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها وقال بعض الشراح التعليل بأنها يبدأ بها يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم الكتاب والجواب أنه يتجه ما قال بالنظر إلى أن الأم مبدأ الولد وقيل سميت أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى والتعبد بالأمر والنهي والوعد والوعيد وعلى ما فيها من ذكر الذات والصفات والفضل واشتمالها على ذكر المبدأ والمعاد والمعاش ونقل السهيلي عن الحسن وابن سيرين ووافقهما بقي بن مخلد كراهية تسمية الفاتحة أم الكتاب وتعقبه السهيلي قلت وسيأتي في حديث الباب تسميتها بذلك ويأتي في تفسير الحجر حديث أبي هريرة مرفوعا أم القرآن هي السبع المثاني ولا فرق بين تسميتها بأم القرآن وأم الكتاب ولعل الذي كره ذلك وقف عند لفظ الأم وإذا ثبت النص طاح مادونه وللفاتحة أسماء أخرى جمعت من آثار أخرى الكنز والوافية والشافية والكافية وسورة الحمد والحمد لله وسورة الصلاة وسورة الشفاء والاساس وسورة الشكر وسورة الدعاء قوله الدين الجزاء في الخير والشر كما تدين تدان هو كلام أبي عبيدة أيضا قال الدين الحساب والجزاء يقال في المثل كما تدين تدان انتهى وقد ورد هذا في حديث مرفوع أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وهو مرسل رجاله ثقات ورواه عبد الرزاق بهذا الإسناد أيضا عن أبي قلابة عن أبي الدرداء موقوفا وأبو قلابة لم يدرك أبا الدرداء وله شاهد موصول من حديث بن عمر أخرجه بن عدي وضعفه قوله وقال مجاهد بالدين بالحساب مدينين محاسبين وصله عبد بن حميد في التفسير من طريق منصور عن مجاهد في قوله تعالى كلا بل تكذبون بالدين قال بالحساب ومن طريق ورقاء بن عمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فلولا أن كنتم غير مدينين غير محاسبين والأثر الأول جاء موقوفا عن ناس من الصحابة أخرجه الحاكم من طريق السدي عن مرة الهمداني عن بن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى مالك يوم الدين قال هو يوم الحساب ويوم الجزاء وللدين معان أخرى منها العادة والعمل والحكم والحال والخلق والطاعة والقهر والملة والشريعة والورع والسياسة وشواهد ذلك يطول ذكرها

[ 4204 ] قوله حدثني خبيب بالمعجمة مصغر بن عبد الرحمن أي بن خبيب بن يساف الأنصاري وحفص بن عاصم أي بن عمر بن الخطاب قوله عن أبي سعيد بن المعلى بين في رواية أخرى تأتي في تفسير الأنفال سماع خبيب له من حفص وحفص له من أبي سعيد وليس لأبي سعيد هذا في البخاري سوى هذا الحديث واختلف في اسمه فقيل رافع وقيل الحارث وقواه بن عبد البر ووهي الذي قبله وقيل أوس وقيل بل أوس اسم أبيه والمعلى جده ومات أبو سعيد سنة ثلاث أو أربع وسبعين من الهجرة وأرخ بن عبد البر وفاته سنة أربع وسبعين وفيه نظر بينته في كتابي في الصحابة تنبيهان يتعلقان بإسناد هذا الحديث أحدهما نسب الغزالي والفخر الرازي وتبعه البيضاوي هذه القصة لأبي سعيد الخدري وهو وهم وإنما هو أبو سعيد بن المعلى ثانيهما روى الوافدي هذا الحديث عن محمد بن معاذ عن خبيب بن عبد الرحمن بهذا الإسناد فزاد في إسناده عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب والذي في الصحيح أصح والواقدي شديد الضعف إذا انفرد فكيف إذا خالف وشيخه مجهول وأظن الواقدي دخل عليه حديث في حديث فإن مالكا أخرج نحو الحديث المذكور من وجه آخر فيه ذكر أبي بن كعب فقال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي سعيد مولى عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب ومن الرواة عن مالك من قال عن أبي سعيد عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه وكذلك أخرجه الحاكم ووهم بن الأثير حيث ظن أن أبا سعيد شيخ العلاء هو أبو سعيد بن المعلى فإن بن المعلى صحابي أنصاري من أنفسهم مدني وذلك تابعي مكي من موالي قريش وقد اختلف فيه على العلاء أخرجه الترمذي من طريق الدراوردي والنسائي من طريق روح بن القاسم وأحمد من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم وابن خزيمة من طريق حفص بن ميسرة كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب فذكر الحديث وأخرجه الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الحميد بن جعفر والحاكم من طريق شعبة كلاهما عن العلاء مثله لكن قال عن أبي هريرة رضي الله عنه ورجح الترمذي كونه من مسند أبي هريرة وقد أخرجه الحاكم أيضا من طريق الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو مما يقوي ما رجحه الترمذي وجمع البيهقي بأن القصة وقعت لأبي كعب ولأبي سعيد بن المعلى ويتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديثين واختلاف سياقهما كما سأبينه قوله كنت أصلى في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم اجبه زاد في تفسير الأنفال من وجه آخر عن شعبة فلم آته حتى صليت ثم أتيته وفي رواية أبي هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي فقال أي أبي فالتفت فلم يجبه ثم صلى فخفف ثم انصرف فقال سلام عليك يا رسول الله قال ويحك ما منعك إذ دعوتك أن لا تجيبني الحديث قوله ألم يقل الله تعالى استجيبوا في حديث أبي هريرة أو ليس تجد فيما أوحى الله إلى أن استجيبوا لله وللرسول الآية فقلت بلى يا رسول الله لا أعود إن شاء الله تنبيه نقل بن التين عن الداودي أن في حديث الباب تقديما وتأخيرا وهو قوله ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول قبل قول أبي سعيد كنت في الصلاة قال فكأنه تأول أن من هو في الصلاة خارج عن هذا الخطاب قال والذي تأول القاضيان عبد الوهاب وأبو الوليد أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فرض يعصي المرء بتركه وأنه حكم يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم قلت وما ادعاه الداودي لا دليل عليه وما جنح إليه القاضيان من المالكية هو قول الشافعية على اختلاف عندهم بعد قولهم بوجوب الإجابة هل تبطل الصلاة أم لا قوله لأعلمنك سورة هي أعظم السور في رواية روح في تفسير الأنفال لأعلمنك أعظم سورة في القرآن وفي حديث أبي هريرة أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها قال بن التين معناه أن ثوابها أعظم من غيرها واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد منع ذلك الأشعري وجماعة لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله وصفاته وكلامه لانقص فيها وأجابوا عن ذلك بأن معنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض فالتفضيل إنما هو من حيث المعاني لا من حيث الصفة ويؤيد التفضيل قوله تعالى نأت بخير منها أو مثلها وقد روى بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله نأت بخير منها أي في المنفعة والرفق والرفعة وفي هذا تعقب على من قال فيه تقديم وتأخير والتقدير نأت منها بخير وهو كما قيل في قوله تعالى من جاء بالحسنة فله خير منها لكن قوله في آية الباب أو مثلها يرجح الاحتمال الأول فهو المعتمد والله أعلم قوله ثم أخذ بيدى زاد في حديث أبي هريرة يحدثني وأنا أتباطأ مخافة أن يبلغ الباب قبل أن ينقضي الحديث قوله ألم تقل لأعلمنك سورة في حديث أبي هريرة قلت يا رسول الله ما السورة التي قد وعدتني قال كيف تقرأ في الصلاة فقرأت عليه أم الكتاب قوله قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم في رواية معاذ تفسير الأنفال فقال هي الحمد لله رب العالمين السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته وفي حديث أبي هريرة فقال إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته وفي هذا تصريح بأن المراد بقوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني هي الفاتحة وقد روىالنسائي بإسناد صحيح عن بن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطوال أي السور من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءة وقيل يونس وعلى الأول فالمراد بالسبع الآى لأن الفاتحة سبع آيات وهو قول سعيد بن جبير واختلف في تسميتها مثانى فقيل لأنها تثني في كل ركعة أي تعاد وقيل لأنها يثني بها على الله تعالى وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها قال بن التين فيه دليل على أن بسم الله الرحمن الرحيم ليست آية من القرآن كذا قال وعكس غيره لأنه أراد السورة ويؤيده أنه لو أراد الحمد لله رب العالمين الآية لم يقل هي السبع المثاني لأن الآية الواحدة لا يقال لها سبع فدل على أنه أراد بها السورة والحمد لله رب العالمين من اسمائها وفيه قوة لتأويل الشافعي في حديث أنس قال كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين قال الشافعي أراد السورة وتعقب بأن هذه السورة تسمى سورة الحمد لله ولا تسمى الحمد لله رب العالمين وهذا الحديث يرد هذا التعقب وفيه أن الأمر يقتضى الفور لأنه عاتب الصحابي على تأخير إجابته وفيه استعمال صيغة العموم في الأحوال كلها قال الخطابي فيه أن حكم لفظ العموم أن يجري على جميع مقتضاه وأن الخاص والعام إذا تقابلا كان العام منزلا على الخاص لأن الشارع حرم الكلام في الصلاة على العموم ثم استثنى منه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وفيه أن إجابة المصلي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا تفسد الصلاة هكذا صرح به جماعة من الشافعية وغيرهم وفيه بحث لاحتمال أن تكون إجابته واجبة مطلقا سواء كان المخاطب مصليا أو غير مصل أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج فليس من الحديث ما يستلزمه فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المجيب من الصلاة وإلى ذلك جنح بعض الشافعية وهل يختص هذا الحكم بالنداء أو يشمل ما هو أعم حتى تجب إجابته إذا سأل فيه بحث وقد جزم بن حبان بأن إجابة الصحابة في قصة ذي اليدين كان كذلك قوله والقرآن العظيم الذي أوتيته قال الخطابي في قوله هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته دلالة على أن الفاتحة هي القرآن العظيم وان الواو ليست بالعاطفة التي تفصل بين الشيئين وإنما هي التي تجيء بمعنى التفصيل كقوله فاكهة ونخل ورمان وقوله وملائكته ورسله وجبريل وميكال انتهى وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله والقرآن العظيم محذوف الخبر والتقدير ما بعد الفاتحة مثلا فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله هي السبع المثاني ثم عطف قوله والقرآن العظيم أي ما زاد على الفاتحة وذكر ذلك رعاية لنظم الآية ويكون التقدير والقرآن العظيم هو الذ أوتيته زيادة على الفاتحة تنبيه يستنبط من تفسير السبع المثاني بالفاتحة أن الفاتحة مكية وهو قول الجمهور خلافا لمجاهد ووجه الدلالة أنه سبحانه أمتن على رسوله بها وسورة الحجر مكية اتفاقا فيدل على تقديم نزول الفاتحة عليها قال الحسين بن الفضل هذه هفوة من مجاهد لأن العلماء على خلاف قوله وأغرب بعض المتأخرين فنسب القول بذلك لأبي هريرة والزهري وعطاء بن يسار وحكى القرطبي أن بعضهم زعم أنها نزلت مرتين وفيه دليل على أن الفاتحة سبع آيات ونقلوا فيه الإجماع لكن جاء عن حسين بن علي الجعفي أنها ست آيات لأنه لم يعد البسملة وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان آيات لأنه عدها وعد أنعمت عليهم وقيل لم يعدها وعد إياك نعبد وهذا أغرب الأقوال

قوله باب غير المغضوب عليهم ولا الضالين

[ 4205 ] قال أهل العربية لا زائدة لتأكيد معنى النفى المفهوم من غير لئلا يتوهم عطف الضالين على الذين أنعمت وقيل لا بمعنى غير ويؤيده قراءة عمر غير المغضوب عليهم وغير الضالين ذكرها أبو عبيد وسعيد بن منصور بإسناد صحيح وهي للتأكيد أيضا وروى أحمد وابن حبان من حديث عدي بن حاتم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين النصارى هكذا أورده مختصرا وهو عند الترمذي في حديث طويل وأخرجه بن مردويه بإسناد حسن عن أبي ذر وأخرجه أحمد من طريق عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال بن أبي حاتم لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافا قال السهيلي وشاهد ذلك قوله تعالى في اليهود فباءوا بغضب على غضب وفي النصارى قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة في موافقة الإمام في التأمين وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة وروى أحمد وأبو داود والترمذي من حديث وائل بن حجر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين ومد بها صوته وروى أبو داود وابن ماجة نحوه من حديث أبي هريرة

قوله بسم الله الرحمن الرحيم سورة البقرة كذا لأبي ذر وسقطت البسملة لغيره واتفقوا على أنها مدنية وأنها أول سورة أنزلت بها وسيأتي قول عائشة ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم ولم يدخل عليها إلا بالمدينة قوله باب قول الله تعالى وعلم آدم الأسماء كذا لأبي ذر وسقطت لغيره باب قول الله

[ 4206 ] قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وهشام هو الدستوائي وساق المصنف حديث الشفاعة لقول أهل الموقف لآدم وعلمك أسماء كل شيء واختلف في المراد بالأسماء فقيل أسماء ذريته وقيل أسماء الملائكة وقيل أسماء الملائكة وقيل أسماء الأجناس دون أنواعها وقيل أسماء كل ما في الأرض وقيل أسماء كل شيء حتى القصعة وقد غفل المزي في الأطراف فنسب هذه الطريق إلى كتاب الإيمان وليس لها فيه ذكر وإنما هي في التفسير وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قوله قال أبو عبد الله هو المصنف

قوله باب كذا لهم بغير ترجمة قوله قال مجاهد إلى آخر ما أورده عنه من التفاسير سقط جميع ذلك السرخسي قوله إلى شياطينهم أصحابهم من المنافقين والمشركين وصله عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وإذا خلوا الى شياطينهم قال إلى أصحابهم فذكره ومن طريق شيبان عن قتادة قال إلى إخوانهم من المشركين ورءوسهم وقادتهم في الشر وروى الطبراني نحوه عن بن مسعود ومن طريق بن عباس قال كان رجال من اليهود إذا لقوا الصحابة قالوا إنا على دينكم وإذا خلوا إلى شياطينهم وهم أصحابهم قالوا إنا معكم والنكتة في تعدية خلوا بالى مع أن أكثر ما يتعدى بالباء أن الذين يتعدى بالباء يحتمل الانفراد والسخرية تقول خلوت به إذا سخرت منه والذي يتعدى بالى نص في الانفراد أفاد ذلك الطبري ويحتمل أن يكون ضمن خلا معنى ذهب وعلى طريقة الكوفيين بأن حروف الجر تتناوب فإلى بمعنى الباء أو بمعنى مع قوله محيط بالكافرين الله جامعهم وصله عبد بن حميد بالإسناد المذكور عن مجاهد ووصله الطبري من وجه آخر عنه وزاد في جهنم ومن طريق بن عباس في قوله محيط بالكافرين قال منزل بهم النقمة تنبيه قوله والله محيط بالكافرين جملة مبتدأ وخبر اعترضت بين جملة يجعلون اصابعهم وجملة يكاد البرق يخطف أبصارهم قوله صبغة دين وصله عبد بن حميد من طريق منصور عن مجاهد قال قوله صبغة الله أي دين الله ومن طريق بن أبي نجيح عنه قال صبغة الله أي قطرة الله ومن طريق قتادة قال أن اليهود تصبغ أبناءها تهودا وكذلك النصارى وأن صبغة الله الإسلام وهو دين الله الذي بعث به نوحا ومن كان بعده انتهى وقراءة الجمهور صبغة بالنصب وهو مصدر انتصب عن قوله ونحن له مسلمون على الارجح وقيل منصوب على الإغراء أي الزموا وكأن لفظ صبغة ورد بطريق المشا كله لأن النصارى كانوا يغمسون من ولد منهم في ماء المعمودية ويزعمون أنهم يطهرونهم بذلك فقيل للمسلمين الزموا صبغة الله فإنها أطهر وقوله على الخاشعين على المؤمنين حقا وصله عبد بن حميد عن شبابة بالسند المذكور عن مجاهد وروى بن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال في قوله إلا على الخاشعين قال يعني الخائفين ومن طريق مقاتل بن حبان قال يعني به المتواضعين قوله بقوة يعمل بما فيه وصله عبد بالسند المذكور وروى بن أبي حاتم والطبري من طريق أبي العالية قال القوة الطاعة ومن طريق قتادة والسدي قال القوة الجد والاجتهاد قوله وقال أبو العالية مرض شك وصله بن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية في قوله تعالى في قلوبهم مرض أي شك ومن طريق علي بن طلحة عن بن عباس مثله ومن طريق عكرمة قال الرياء ومن طريق قتادة في قوله فزادهم الله مرضا أي نفاقا وروى الطبري من طريق قتادة في قوله في قلوبهم مرض قال ريبة وشك في أمر الله تعالى قوله وما خلفها عبرة لمن بقي وصله بن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية في قوله فجعلناها نكالا لما بين يديها أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم وما خلفها أي عبرة لمن بقي بعدهم من الناس قوله لاشية فيها لابياض فيها تقدم في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء قوله وقال غيره يسومونكم يولونكم هو بضم أوله وسكون الواو والغير المذكور هو أبو عبيد القاسم بن سلام ذكره كذلك في الغريب المصنف وكذا قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في المجاز ومنه قول عمرو بن كلثوم إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فينا ويحتمل أن يكون السوم بمعنى الدوام أي يديمون تعذيبكم ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعى وقال الطبري معنى يسومونكم يوردونكم أو يذيقونكم أو يولونكم قوله الولاية مفتوحة أي مفتوحة الواو مصدر الولاء وهي الربوبية وإذا كسرت الواو فهي الإمارة هو معنى كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق الولاية بالفتح مصدر الولي وبالكسر ووليت العمل والأمر تليه وذكر البخاري هذه الكلمة وأن كانت في الكهف لا في البقرة ليقوى تفسير يسومونكم يولونكم قوله وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم هذا حكاه الفراء في معاني القرآن عن عطاء وقتادة قال الفوم كل حب يختبز وأخرج بن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن بن عباس ومجاهد وغيرهما أن الفوم الحنطة وحكى بن جرير أن في قراءة بن مسعود الثوم بالمثلثة وبه فسره سعيد بن جبير وغيره فإن كان محفوظا فالفاء تبدل من الثاء في عدة أسماء فيكون هذا منها والله أعلم قوله وقال قتادة فباءوا فانقلبوا وصله عبد بن حميد من طريقه قوله وقال غيره يستفتحون يستنصرون هو تفسير أبي عبيدة وروى مثله الطبري من طريق العوفي عن بن عباس ومن طريق الضحاك عن بن عباس قال أي يستظهرون وروى بن إسحاق في السيرة النبوية عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ لهم قالوا فينا وفي اليهود نزلت وذلك أنا كنا قد علوناهم في الجاهلية فكانوا يقولون أن نبيا سيبعث قد أظل زمانه فنقتلكم معه فلما بعث الله نبيه واتبعناه كفروا به فنزلت وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن بن عباس مطولا قوله شروا باعوا هو قول أبي عبيدة أيضا قال في قوله ولبئس ما شروا به أنفسهم أي باعوا وكذا أخرجه بن أبي حاتم من طريق السدي قوله راعنا من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا راعنا قلت هذا على قراءة من نون وهي قراءة الحسن البصري وأبي حيوة ووجهه أنها صفة لمصدر محذوف أي لا تقولوا قولا راعنا أي قولا ذا رعونة وروى بن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور عن الحسن قال الراعن السخرى من القول نهاهم الله أن يسخروا من محمد ويحتمل أن يضمن القول التسمية أي لا تسموا نبيكم راعنا الراعن الأحمق والأرعن مبالغة فيه وفي قراءة أبي بن كعب لا تقولوا راعونا وهي بلفظ الجمع وكذا في مصحف بن مسعود وفيه أيضا أرعونا وقرأ الجمهور راعنا بغير تنوين على أنه فعل أمر من المراعاة وإنما نهوا عن ذلك لأنها كلمة تقتضي المساواة وقد فسرها مجاهد لا تقولوا أسمع منا ونسمع منك وعن عطاء كانت لغة تقولها الأنصار فنهوا عنها وعن السدي قال كان رجل يهودي يقال له رفاعة بن زيد يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له ارعنى سمعك وأسمع غير مسمع فكان المسلمون يحسبون أن في ذلك تفخيما للنبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يقولون ذلك فنهوا عنه وروى أبو نعيم في الدلائل بسند ضعيف جدا عن بن عباس قال راعنا بلسان اليهود السب القبيح فسمع سعد بن معاذ ناسا من اليهود خاطبوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لئن سمعتها من أحد منكم لأضربن عنقه قوله لاتجزى لا تغنى هو قول أبي عبيدة في قوله تعالى لا تجزى نفس عن نفس شيئا أي لاتغنى وروى بن أبي حاتم من طريق السدي قال يغنى لاتغنى نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا قوله خطوات من الخطر والمعنى آثاره قال أبو عبيدة في قوله تعالى لا تتبعوا خطوات الشيطان هي الخطا واحدتها خطوة ومعناها آثار الشيطان وروى بن أبي حاتم من طريق عكرمة قال خطوات الشيطان نزعات الشيطان ومن طريق مجاهد خطوات الشيطان خطاه ومن طريق القاسم بن الوليد قلت لقتادة فقال كل معصية الله فهي من خطوات الشيطان وروى سعيد بن منصور عن أبي مجلز قال خطوات الشيطان النذور في المعاصي كذا قال واللفظ أعم من ذلك فمن في كلامه مقدرة قوله ابتلى اختير هو تفسير أبي عبيدة والأكثر وقال الفراء أمره وثبت هذا في نسخة الصغائي

قوله تعالى فلا تجعلوا لله اندادا وأنتم تعلمون

قوله باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله اندادا وأنتم تعلمون الأنداد جمع ند بكسر النون وهو النظير وروى بن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال الند العدل ومن طريق الضحاك عن بن عباس قال الأنداد الأشياء وسقط لفظ باب لأبي ذر ثم ذكر المصنف حديث بن مسعود أي الذنب أعظم وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

قوله باب وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى إلى يظلمون كذا لأبي ذر وسقط له لفظ باب وساق الباقون الآية قوله وقال مجاهد المن صمغة أي بفتح الصاد المهملة وسكون الميم ثم غين معجمة والسلوى الطير وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد مثله وكذا قال عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء وروى بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال كان المن ينزل على الشجر فيأكلون منه ما شاءوا ومن طريق عكرمة قال كان مثل الرب الغليظ أي بضم الراء بعدها موحدة ومن طريق السدي قال كان مثل الترنجبيل ومن طريق سعيد بن بشير عن قتادة قال كان المن يسقط عليهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وهذه الأقوال كلها لاتنافي فيها ومن طريق وهب بن منبه قال المن خبز الرقاق وهذا مغاير لجميع ما تقدم والله أعلم وروى بن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال السلوى طائر يشبه السمائي ومن طريق وهب بن منبه قال هو السمانى وعنه قال هو طير سمين مثل الحمام ومن طريق عكرمة قال طير أكبر من العصفور ثم ذكر المصنف حديث سعيد بن زيد في الكمأة من المن وسيأتي شرحه في كتاب الطب ووقع في رواية بن عيينة عن عبد الملك بن عمير في حديث الباب من المن الذي أنزل على بنى إسرائيل وبه تظهر مناسبة ذكره في التفسير والرد على الخطابي حيث قال لا وجه لإدخال هذا الحديث هنا قال لأنه ليس المراد في الحديث أنها نوع من المن المنزل على بن إسرائيل فإن ذاك شيء كان يسقط عليهم كالترنجبيل والمراد أنها شجرة تنبت بنفسها من غير استنبات ولا مؤنة انتهى وقد عرف وجه إدخاله هنا ولو كان المراد ما ذكره الخطابي والله أعلم

قوله باب وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قوله المحسنين قوله رغدا واسعا كثيرا هو من تفسير أبي عبيدة قال الرغد الكثير الذي لا يتعب يقال قد أرغد فلان إذا أصاب عيشا واسعا كثيرا وعن الضحاك عن بن عباس في قوله وكلا منها رغدا حيث شئتما قال الرغد سعة المعيشة أخرجه الطبري وأخرج من طريق السدي عن رجاله قال الرغد الهنىء ومن طريق مجاهد قال الرغد الذي لا حساب فيه ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة في قوله تعالى وقولوا حطة وقد تقدم ذكره في قصة موسى من أحاديث الأنبياء وأحلت بشرحه على تفسير سورة الأعراف وسأذكره هناك إن شاء الله تعالى وقوله في أول هذا الإسناد

[ 4209 ] حدثنا محمد لم يقع منسوبا إلا في رواية أبي علي بن السكن عن الفريري فقال محمد بن سلام ويحتمل عندي أن يكون محمد بن يحيى الذهلي فإنه يروي عن عبد الرحمن بن مهدي أيضا وأما أبو على الجياني فقال الاشبه أنه محمد بن بشار

قوله باب من كان عدوا لجبريل كذا لأبي ذر ولغيره قوله من كان عدوا لجبريل قيل سبب عداوة اليهود لجبريل أنه أمر باستمرار النبوة فيهم فنقلها لغيرهم وقيل لكونه يطلع على أسرارهم قلت وأصح منهما ما سيأتي بعد قليل لكونه الذي ينزل عليهم بالعذاب قوله قال عكرمة جبر وميك وسراف عبد إيل الله وصله الطبري من طريق عاصم عنه قال جبريل عبد الله وميكائيل عبد الله إيل الله ومن وجه آخر عن عكرمة جبر عبد وميك عبد وإيل الله ومن طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس نحو الأول وزاد وكل اسم فيه إيل فهو الله ومن طريق عبد الله بن الحارث البصري أحد التابعين قال أيل الله بالعبرانية ومن طريق علي بن الحسين قال اسم جبريل عبد الله وميكائيل عبيد الله يعني بالتصغير وإسرافيل عبد الرحمن وكل اسم فيه إيل فهو معبد الله وذكر عكس هذا وهو أن إيل معناه عبد وما قبله معناه اسم لله كما تقول عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم فلفظ عبد لا يتغير وما بعده يتغير لفظه وان كان المعنى واحدا ويؤيده أن الاسم المصاف في لغة غير العرب غالبا يتقدم فيه المضاف إليه على المضاف وقال الطبري وغيره في جبريل لغات فأهل الحجاز يقولون بكسر الجيم بغير همز وعلى ذلك عامة القراء وبنو أسد مثله لكن آخره نون وبعض أهل نجد وتميم وقيس يقولون جبرائيل بفتح الجيم والراء بعدها همزة وهي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر وخلف واختيار أبي عبيد وقراءة يحيى بن وثاب وعلقمة مثله لكن بزيادة ألف وقراءة يحيى بن آدم مثله لكن بغير ياء وذكر عن الحسن وابن كثير أنهما قرأ كالأول لكن بفتح الجيم وهذا الوزن ليس في كلام العرب فزعم بعضهم أنه اسم اعجمي وعن يحيى بن يعمر جبرائيل بفتح الجيم والراء بعدها همزة مكسورة وتشديد اللام ثم ذكر حديث أنس في قصة عبد الله بن سلام وقد تقدمت قبيل كتاب المغازي وتقدم معظم شرحها هناك وقوله

[ 4210 ] ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ظاهر السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قرأ الآية ردا لقول اليهود ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ وهذا هو المعتمد فقد روى أحمد والترمذي والنسائي في سبب نزول الآية قصة غير قصة عبد الله بن سلام فاخرجوا من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن بن عباس أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بها عرفنا أنك نبي واتبعناك فذكر الحديث وفيه أنهم سألوه عما حرم إسرائيل على نفسه وعن علامة النبوة وعن الرعد وصوته وكيف تذكر المرأة وتؤنث وعمن يأتيه بالخبر من السماء فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنية وفي رواية لأحمد والطبري من طريق شهر بن حوشب عن بن عباس عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتبايعني فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق فذكر الحديث لكن ليس فيه السؤال عن الرعد وفي رواية شهر بن حوشب لما سألوه عمن يأتيه من الملائكة قال جبريل قال ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه فقالوا فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة لبايعناك وصدقناك قال فما منعكم أن تصدقوه قالوا إنه عدونا فنزلت وفي رواية بكير بن شهاب قالوا جبريل ينزل بالحرب والقتل والعذاب لو كان ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر فنزلت وروى الطبري من طريق الشعبي إن عمر كان يأتي اليهود فيسمع من التوراة فيتعجب كيف تصدق ما في القرآن قال فمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت نشدتكم بالله أتعلمون أنه رسول الله فقال له عالمهم نعم تعلم أنه رسول الله قال فلم لا تتبعونه قالوا أن لنا عدوا من الملائكة وسلما وأنه قرن بنبوته من الملائكة عدونا فذكر الحديث وأنه لحق النبي صلى الله عليه وسلم فتلا عليه الآية وأورده من طريق قتادة عن عمر نحوه وأورد بن أبي حاتم والطبري أيضا من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا لقي عمر فقال أن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا فقال عمر من كان عدو الله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين فنزلت على وفق ما قال وهذه طرق يقوي بعضها بعضا ويدل على أن سبب نزول الآية قول اليهودي المذكور لا قصة عبد الله بن سلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له عبد الله بن سلام أن جبريل عدو اليهود تلا عليه الآية مذكرا له سبب نزولها والله أعلم وحكى الثعلبي من بن عباس أن سبب عداوة اليهود لجبريل أن نبيهم أخبرهم أن يختنصر سيخرب بيت المقدس فبعثوا رجلا ليقتله فوجده شابا ضعيفا فمنعه جبريل من قتله وقال له أن كان الله أراد هلاككم على يده فلن تسلط عليه وأن كان غيره فعلى أي حق تقتله فتركه فكبر يختنصر وغزا بيت المقدس فقتلهم وخربه فصاروا يكرهون جبريل لذلك وذكر أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هو عبد الله بن صوريا وقوله أما أول أشراط الساعة فنار يأتي شرح ذلك في أواخر كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى

قوله ما ننسخ من آية أو ننسأها

قوله باب قوله تعالى ما ننسخ من آية أن ننسها نأت بخير منها أو مثلها كذا لأبي ذر ننسها بضم أوله وكسر السين بغير همز ولغيره ننسأها والأول قراءة الأكثر واختارها أبو عبيدة وعليه أكثر المفسرين والثانية قراءة بن كثير وأبي عمرو وطائفة وسأذكر توجيههما وفيها قراءات أخرى في الشواذ

[ 4211 ] قوله حدثنا يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري قوله عن حبيب هو بن أبي ثابت وورد منسوبا في رواية صدقة بن الفضل عن يحيى القطان في فضائل القرآن وفي رواية الإسماعيلي من طريق بن خلاد عن يحيى بن سعيد عن سفيان حدثنا حبيب قوله قال عمر أقرؤنا أبي وأقضانا على كذا أخرجه موقوفا وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعا في ذكر جماعة وأوله أرحم أمتى بأمتي أبو بكر وفيه وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب الحديث وصححه لكن قال غيره إن الصواب إرساله وأما قوله وأقضانا على فورد في حديث مرفوع أيضا عن أنس رفعه أقضى أمتي علي بن أبي طالب أخرجه البغوي وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أرحم أمتي بأمتى أبو بكر واقضاهم على الحديث ورويناه موصولا في فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح من حديث أبي سعيد الخدري مثله وروى البزار من حديث بن مسعود قال كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله وإنا لندع من قول أبى في رواية صدقة من لحن أبي واللحن اللغة وفي رواية بن خلاد وأنا لنترك كثيرا من قراءة أبي قوله سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية صدقة أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أتركه لشيء لأنه بسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل له العلم القطعي به فإذا أخبره غيره عنه بخلافه لم ينتهض معارضا له حتى يتصل إلى درجة العلم القطعي وقد لا يحصل ذلك غالبا تنبيه هذا الإسناد فيه ثلاثة من الصحابة في نسق بن عباس عن عمر عن أبي بن كعب قوله وقد قال الله تعالى الخ هو مقول عمر محتجا به على أبي بن كعب ومشيرا إلى أنه ربما قرأ ما نسخت تلاوته لكونه لم يبلغه النسخ واحتج عمر لجواز وقوع ذلك بهذه الآية وقد أخرج بن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال خطبنا عمر فقال أن الله يقول ما ننسخ من آية أو ننسأها أي نؤخرها وهذا يرجح رواية من قرأ بفتح أوله وبالهمز وأما قراءة من قرأ بضم أوله فمن النسيان وكذلك كان سعيد بن المسيب يقرؤها فأنكر عليه سعد بن أبي وقاص أخرجه النسائي وصححه الحاكم وكانت قراءة سعد أو تنساها بفتح المثناة خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم واستدل بقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى وروى بن أبي حاتم من طريق عكرمة عن بن عباس قال ربما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل ونسيه بالنهار فنزلت واستدل بالآية المذكورة على وقوع النسخ خلافا لمن شذ فمنعه وتعقب بأنها قضية شرطية لا تستلزم الوقوع وأجيب بأن السياق وسبب النزول كان في ذلك لأنها نزلت جوابا لمن أنكر ذلك

قوله باب وقالوا أتخذ الله ولدا سبحانه كذا للجميع وهي قراءة الجمهور وقرأ بن عامر قالوا بحذف الواو واتفقوا على أن الآية نزلت فيمن زعم أن لله ولدا من يهود خيبر ونصارى نجران ومن قال من مشركي العرب الملائكة بنات الله فرد الله تعالى عليهم

[ 4212 ] قوله قال الله تعالى هذا من الأحاديث القدسية قوله وأما شتمه إياي فقوله لي ولد إنما سماه شتما لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح والناكح يستدعى باعثا له على ذلك والله سبحانه منزه عن جميع ذلك ويأتي شرحه في تفسير سورة الإخلاص

قوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى مثابة يتوبون يرجعون

[ 4213 ] وقال بن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب حدثني حميد سمعت أنسا عن عمر قوله باب واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى كذا لهم والجمهور على كسر الخاء من قوله واتخذوا بصيغة الأمر وقرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء بصيغة الخبر والمراد من أتبع إبراهيم وهو معطوف على قوله جعلنا فالكلام جملة واحدة وقيل على وإذ جعلنا فيحتاج إلى تقدير إذ ويكون الكلام جملتين وقيل على محذوف تقديره فثابوا أي رجعوا واتخذوا وتوجيه قراءة الجمهور أنه معطوف على ما تضمنه قوله مثابة كأنه قال ثوبوا واتخذوا أو معمول لمحذوف أي وقلنا اتخذوا ويحتمل أن يكون الواو للاستئناف قوله مثابة يثوبون يرجعون قال أبو عبيدة قوله تعالى مثابة مصدر يثوبون أي يصيرون إليه ومراده بالمصدر اسم المصدر وقال غيره هو اسم مكان وروى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس في قوله مثابة قال يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه لا يقضون منه وطرا قال الفراء المثابة والمثاب بمعنى واحد كالمقام والمقامة وقال البصريون الهاء للمبالغة لما كثر من يثوب إليه كما قالوا سيارة لمن يكثر السير والأصل في مثابة مثوبة فأعل بالنقل والقلب ثم ذكر المصنف حديث أنس عن عمر قال وافقت ربي في ثلاث وقد تقدم في أوائل الصلاة وتأتي قصة الحجاب في تفسير الأحزاب والتخيير في تفسير التحريم وقوله في الحديث فانتهيت إلى إحداهن يأتي الكلام عليه في باب غيرة النساء من أواخر كتاب النكاح قوله وقال بن أبي مريم الخ تقدم أيضا في الصلاة وروى أبو نعيم في الدلائل من حديث بن عمر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر فمر به على المقام فقال له هذا مقام إبراهيم قال يا نبي الله إلا تتخذه مصلى فنزلت تكملة قال بن الجوزي إنما طلب عمر الاستنان بإبراهيم عليه السلام مع النهي عن النظر في كتاب التوراة لأنه سمع قول الله تعالى في حق إبراهيم أني جاعلك للناس إماما وقوله تعالى أن أتبع ملة إبراهيم فعلم أن الائتمام بإبراهيم من هذه الشريعة ولكون البيت مضافا إليه وأن أثر قدميه في المقام كرقم البائي في البناء ليذكر به بعد موته فرأى الصلاة عند المقام كقراءة الطائف بالبيت اسم من بناه انتهى وهي مناسبة لطيفة ثم قال ولم تزل آثار قدمي إبراهيم حاضرة في المقام معروفة عند أهل الحرم حتى قال أبو طالب في قصيدته المشهورة وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافيا غير ناعل وفي موطأ بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن أنس قال رأيت المقام فيه أصابع إبراهيم وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم وأخرج الطبري في تفسيره من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذه الآية إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه قال ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبة وأصابعه فيها فما زالوا يمسحونه حتى اخلولق وانمحى وكان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن آخره عمر رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن أخرجه عبد الرزاق في مصنفة بسند صحيح عن عطاء وغيره وعن مجاهد أيضا وأخرج البيهقي عن عائشة مثله بسند قوي ولفظه أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقا بالبيت ثم آخره عمر وأخرج بن مردويه بسند ضعيف عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوله والأول أصح وقد أخرج بن أبي حاتم بسند صحيح عن بن عيينة قال كان المقام في سقع البيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوله عمر فجاء سيل فذهب به فرده عمر إليه قال سفيان لا أدرى أكان لاصقا بالبيت أم لا انتهى ولم تنكر الصحابة فعل عمر ولا من جاء بعدهم فصار إجماعا وكان عمر رأى أن إبقاءه يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع به الحرج وتهيأ له ذلك لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلى وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن

قوله تعالى وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم القواعد أساسه واحدتها قاعدة والقواعد من النساء وأحدها قاعد

قوله باب وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ساق إلى العليم قوله القواعد أساسه واحدتها قاعدة قال أبو عبيدة في قوله تعالى وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت قال قواعده أساسه وقال الفراء يقال القواعد أساس البيت قال الطبري اختلفوا في القواعد التي رفعها إبراهيم وإسماعيل أهما أحدثاها أم كانت قبلهما ثم روى بسند صحيح عن بن عباس قال كانت قواعد البيت قبل ذلك ومن طريق عطاء قال قال آدم أي رب لا أسمع أصوات الملائكة قال بن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بيتي الذي في السماء فيزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل حتى بناه إبراهيم بعد وقد تقدم بزيادة فيه في قصة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قوله والقواعد من النساء واحدتها قاعد أراد الإشارة إلى أن لفظ الجمع مشترك وتظهر التفرقة بالواحد فجمع النساء اللواتي قعدن عن الحيض والاستمتاع قاعد بلا هاء ولولا لا تخصيصهن بذلك لثبت الهاء نحو قاعدة من القعود المعروف ثم ذكر المصنف حديث عائشة في بناء قريش البيت وقد سبق بسطه في كتاب الحج

قوله باب قولوا آمنا بالله سقط لفظ باب لغير أبي ذر

[ 4215 ] قوله كان أهل الكتاب أي اليهود قوله لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم أي إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفافه نبه على ذلك الشافعي رحمه الله ويؤخذ من هذا الحديث التوقف عن الخوض في المشكلات والجزم فيها بما يقع في الظن وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف من ذلك قوله وقولوا آمنا بالله وما انزل إلينا الآية زاد في الاعتصام وما انزل اليكم وزاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن المثنى عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد وما انزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون

قوله باب قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله مستقيم والسفهاء جمع سفيه وهو خفيف العقل وأصله من قولهم ثوب سفيه أي خفيف النسج واختلف في المراد بالسفهاء فقال البراء كما في حديث الباب وابن عباس ومجاهد هم اليهود وأخرج ذلك الطبري عنهم بأسانيد صحيحة وروى من طريق السدي قال هم المنافقون والمراد بالسفهاء الكفار وأهل النفاق واليهود أما الكفار فقالوا لما حولت القبلة رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى دينا فإنه علم أنا على الحق وأما أهل النفاق فقالوا أن كان أولا على الحق فالذي انتقل إليه باطل وكذلك بالعكس وأما اليهود فقالوا خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيا لما خالف فلما كثرت أقاويل هؤلاء السفهاء أنزلت هذه الآيات من قوله تعالى ما ننسخ من آية إلى قوله تعالى فلا تخشوهم واخشوني الآية قوله

[ 4216 ] ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا تقدم الكلام عليه وعلى شرح الحديث في كتاب الإيمان

قوله باب قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى مستقيم وسيأتي الكلام على الآية في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى قوله حدثنا قتيبة حدثنا جرير وأبو أسامة واللفظ لجرير أي لفظ المتن

[ 4217 ] قوله وقال أبو أسامة حدثنا أبو صالح يعني قال أبو أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح فأفاد تصريح الأعمش بالتحديث وقد أخرجه في الاعتصام من وجه آخر عن أبي أسامة وصرح في روايته أيضا بالتحديث وسيأتي في رواية أبي أسامة مفردة في الاعتصام قوله يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم زاد في الاعتصام نعم يا رب قوله فيقول من يشهد لك في الاعتصام فيقول من شهودك قوله فيشهدون في الاعتصام فيجاء بكم فتشهدون وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد أتم من سياق غيره وأشمل ولفظه يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه أكثر من ذلك قال فيقال لهم أبلغكم هذا فيقولون لا فيقال للنبي ابلغتهم فيقول نعم فيقال له من يشهد لك الحديث أخرجه أحمد عنه والنسائي وابن ماجة والإسماعيلي من طريق أبي معاوية أيضا قوله فيشهدون أنه قد بلغ زاد أبو معاوية فيقال وما علمكم فيقولون أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه ويؤخد من حديث أبي بن كعب تعميم ذلك فأخرج بن أبي حاتم بسند جيد عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية قال لتكونوا شهداء وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وغيرهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم قال أبو العالية وهي قراءة أبي لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة ومن حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من رجل من الأمم الا ود أنه منا أيتها الأمة ما من نبي كذبه قومه إلا ونحن شهداؤه يوم القيامة أن قد بلغ رسالة الله ونصح لهم قوله فذلك قوله عز وجل وكذلك جعلناكم أمة وسطا في الاعتصام ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله والوسط العدل هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهم فيه بعضهم وسيأتي في الاعتصام بلفظ وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدلا وأخرج الإسماعيلي من طريق حفص بن غياث عن الأعمش بهذا السند في قوله وسطا قال عدلا كذا أورده مختصرا مرفوعا وأخرجه الطبري من هذا الوجه مختصرا مرفوعا ومن طريق وكيع عن الأعمش بلفظ والوسط العدل مختصرا مرفوعا ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش مثله وكذا أخرجه الترمذي والنسائي من هذا الوجه وأخرجه الطبري من طريق جعفر بن عون عن الأعمش مثله وأخرجه عن جماعة من التابعين كمجاهد وعطاء وقتادة ومن طريق العوفي عن بن عباس مثله قال الطبري الوسط في كلام العرب الخيار يقولون فلان وسط في قومه وواسط إذا أرادوا الرفع في حسبه قال والذي أرى أن معنى الوسط في الآية الجزء الذي بين الطرفين والمعنى أنهم وسط لتوسطهم في الدين فلم كغلوا كفاو النصارى ولم يقصروا كتقصير اليهود ولكنهم أهل وسط واعتدال قلت لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحا لمعنى التوسط أن لا يكون أريد به معناه الآخر كما نص عليه الحديث فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دل عليه معنى الآية والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله رءوف رحيم ثم أورد حديث بن عمر في تحويل القبلة أورده مختصرا وقد تقدم شرحه في أوائل الصلاة مستوفى

قوله باب قوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية وفي رواية كريمة إلى عما تعلمون

[ 4219 ] قوله عن أنس صرح في رواية الإسماعيلي وأبي نعيم بسماع سليمان له من أنس قوله لم يبق ممن صلى القبلتين غيري يعني الصلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة وفي هذا إشارة إلى أن أنسا آخر من مات ممن صلى إلى القبلتين والظاهر أن أنسا قال ذلك وبعض الصحابة ممن تأخر إسلامه موجود ثم تأخر أنس إلى أن كان آخر من مات بالبصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله علي بن المديني والبزار وغيرهما بل قال بن عبد البر هو آخر الصحابة موتا مطلقا لم يبق بعده غير أبي الطفيل كذا قال وفيه نظر فقد ثبت لجماعة ممن سكن البوادي من الصحابة تأخرهم عن أنس وكانت وفاة أنس سنة تسعين أو إحدى أو ثلاث وهو أصح ما قيل فيها وله مائة وثلاث سنين على الأصح أيضا وقيل أكثر من ذلك وقيل أقل وقوله تعالى فلنولينك قبلة ترضاها هي الكعبة وروى الحاكم من حديث بن عمر في قوله فلنولينك قبلة ترضاها قال نحو ميزاب الكعبة وإنما قال ذلك لأن تلك الجهة قبلة أهل المدينة

قوله باب ولئن آتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك الآية كذا لأبي ذر ولغيره إلى لمن الظالمين ذكر فيه حديث بن عمر المشار إليه قبل باب من وجه آخر

قوله باب الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم كذا لأبي ذر ولغيره الى آخر الآية وساق فيه حديث بن عمر المذكور من وجه آخر

قوله باب ولكل وجهة وجهة موليها الآية كذا لأبي ذر ولغيره إلى كل شيء قدير

[ 4222 ] قوله صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ثم صرفه نحو القبلة في رواية الكشميهني ثم صرفوا وهذا طرف من حديث البراء المشار إليه قريبا

قوله ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام الآية كذا لأبي ذر ولغيره إلى عما تعلمون قوله شطره تلقاؤه قال الفراء في قوله تعالى فولوا وجوهكم شطره يريد نحوه قال وفي بعض القراءات تلقاءه وروى الطبري من طريق أبي العالية قال شطر المسجد الحرام تلقاءه ومن طريق قتادة نحوه ثم ذكر حديث بن عمر من طريق أخرى

قوله باب قوله تعالى ان الصفا والمروة من شعائر الله شعائر علامات واحدتها شعيرة وهو قول أبي عبيدة قوله وقال بن عباس الصفوان الحجر وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه قوله ويقال الحجارة الملس التي لا تنبت شيئا والواحدة صفوانة بمعنى الصفا والصفا للجميع هو كلام أبي عبيدة أيضا قال الصفوان إجماع ويقال الواحدة صفوانة في معنى الصفا والصفا للجميع وهي الحجارة الملس التي لا تنبت شيئا أبدا من الأرضين والرءوس وواحد الصفا صفاة وقيل الصفا اسم جنس يفرق بينه وبين مفرده بالتاء وقيل مفرد يجمع على فعول وأفعال كقفا وأقفاء فيقال فيه صفا وأصفاء ويجوز كسر صاد صفا أيضا ثم ساق حديث عائشة في سبب نزول أن الصفا والمروة من شعائر الله وقد تقدم شرحه في كتاب الحج وكذا حديث أنس وقوله

[ 4226 ] هنا كنا نرى من أمر الجاهلية فيه حذف سقط ووقع في رواية بن السكن كنا نرى أنهما وبه يستقيم الكلام

قوله باب قوله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله يعني أضدادا وأحدها ند قد تقدم تفسير الأنداد في أوائل هذه السورة وتفسير الانداد بالأضداد لأبي عبيدة وهوتفسير باللازم وذكر هنا أيضا حديث بن مسعود من مات وهو يجعل لله ندا وقد مضى شرحه في أوائل كتاب الجنائز ويأتي الإلمام بشيء منه في الإيمان والنذور

قوله باب يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى أليم قوله عمرو هو بن دينار

[ 4228 ] قوله كان في بني إسرائيل القصاص سيأتي شرحه في كتاب الديات

[ 4229 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد أن أنسا حدثهم عن الني صلى الله عليه وسلم قال كتاب الله القصاص هكذا أورده مختصرا وساقه في الصلح بهذا الإسناد مطولا وسيأتي في الديات أيضا باختصار ثم أورده من وجه آخر عن حميد وسيأتي شرحه في تفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى وقوله كتاب الله القصاص بالرفع فيهما على أنه مبتدأ وخبر وبالنصب فيهما على أن الأول إغراء والثاني بدل ويجوز في الثاني الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي اتبعوا كتاب الله ففيه القصاص قال الخطابي في قوله فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع الخ ويحتاج إلى تفسير لأن العفو يقتضى إسقاط الطلب فما هو الأتباع وأجاب بأن العفو في الآية محمول على العفو على الدية فيتجه حينئذ المطالبة بها ويدخل فيه بعض مستحقي القصاص فأنه يسقط وينتقل حتى من لم يعف إلى الدية فيطالب بحصته

قوله باب يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أما قوله كتب فمعناه فرض والمراد بالمكتوب فيه اللوح المحفوظ وأما قوله كما فاختلف في التشبيه الذي دلت عليه الكاف هل هو على الحقيقة فيكون صيام رمضان قد كتب على الذين من قبلنا أو المراد مطلق الصيام دون وقته وقدره فيه قولان

[ 4231 ] وورد في أول حديث مرفوع عن بن عمر أورده بن أبي حاتم بإسناد فيه مجهول ولفظه صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم وبهذا قال الحسن البصري والسدي وله شاهد آخر أخرجه الترمذي من طريق معقل النسابة وهو من المخضرمين ولم تثبت له صحبة ونحوه عن الشعبي وقتادة والقول الثاني أن التشبيه واقع على نفس الصوم وهو قول الجمهور وأسنده بن أبي حاتم والطبري عن معاذ وابن مسعود وغيرهما من الصحابة والتابعين وزاد الضحاك ولم يزل الصوم مشروعا من زمن نوح وفي قوله لعلكم تتقون إشارة إلى أن من قبلنا كان فرض الصوم عليهم من قبيل الآصار والاثقال التي كلفوا بها وأما هذه الأمة فتكليفها بالصوم ليكون سببا لاتقاء المعاصي وحائلا بينهم وبينها فعلى هذا المفعول المحذوف يقدر بالمعاصي أو بالمنهيات ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن عمر وقد تقدم في كتاب الصيام من وجه آخر مع شرحه ثانيها

[ 4232 ] حديث عائشة أورده من وجهين عن عروة عنها وقد تقدم شرحه كذلك ثالثها حديث بن مسعود

[ 4233 ] قوله حدثني محمود هو بن غيلان وثبت كذلك في رواية كذا قال أبو علي الجياني وقد وقع في نسخة الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني حدثنا محمد بدل محمود وقد ذكر الكلاباذي أن البخاري روى عن محمود بن غيلان وعن محمد وهو بن يحيى الذهلي عن عبيد الله بن موسى قال أبو على الجياني لكن هنا الاعتماد على ما قال الجماعة عن محمود بن غيلان المروزي قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله قال دخل عليه الأشعث وهو يطعم أي يأكل وفي رواية مسلم من وجه آخر عن إسرائيل بسنده المذكور إلى علقمة قال دخل الأشعث بن قيس على بن مسعود وهو يأكل وهو ظاهر في أن علقمة حضر القصة ويحتمل أن يكون لم يحضرها وحملها عن بن مسعود كما دل عليه سياق رواية الباب ولمسلم أيضا من طريق عبد الرحمن بن يزيد قال دخل الأشعث بن قيس على عبد الله وهو يتغدى قوله فقال اليوم عاشوراء كذا وقع مختصرا وتمامة في رواية مسلم بلفظ فقال أي الأشعث يا أبا عبد الرحمن وهي كنية بن مسعود وأوضح من ذلك رواية عبد الرحمن بن يزيد المذكورة فقال أي بن مسعود يا أبا محمد وهي كنية الأشعث ادن إلى الغداء فقال أو ليس اليوم يوم عاشوراء قوله كان يصام قبل أن ينزل رمضان في رواية عبد الرحمن بن يزيد إنما هو يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان قوله فلما نزل رمضان ترك زاد مسلم في روايته فإن كنت مفطرا فأطعم وللنسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله كنا نصوم عاشوراء فلما نزل رمضان لم نؤمر به ولم ننه عنه وكنا نفعله ولمسلم من حديث جابر بن سمرة نحو هذه الرواية واستدل بهذا الحديث على أن صيام عاشوراء كان مفترضا قبل أن ينزل فرض رمضان ثم نسخ وقد تقدم القول فيه مبسوطا في أواخر كتاب الصيام وإيراد هذا الحديث في هذه الترجمة يشعر بأن المصنف كان يميل إلى ترجيح القول الثاني ووجهه أن رمضان لو كان مشروعا قبلنا لصامه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصم عاشوراء أولا والظاهر أن صيامه عاشوراء ما كان إلا عن توقيف ولا يضرنا في هذه المسألة اختلافهم هل كان صومه فرضا أو نفلا

قوله باب قوله تعالى أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر إلى قوله أن كنتم تعلمون ساق الآية كلها وانتصب أياما بفعل مقدر يدل عليه سياق الكلام كصوموا أو صاموا وللزمخشرى في إعرابه كلام متعقب ليس هذا موضعه قوله وقال عطاء يفطر من المرض كله كما قال الله تعالى وصله عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء من أي وجع أفطر في رمضان قال من المرض كله قلت يصوم فإذا غلب عليه أفطر قال نعم وللبخارى في هذا الأثر قصة مع شيخه إسحاق بن راهويه ذكرتها في ترجمة البخاري من تعليق التعليق وقد اختلف السلف في الحد الذي إذا وجده المكلف جاز له الفطر والذي عليه الجمهور أنه المرض الذي يبيح له التيمم مع وجود الماء وهو ما إذا خاف على نفسه لو تمادى على الصوم أو على عضو من أعضائه أو زيادة في المرض الذي بدأ به أوتماديه وعن بن سيرين متى حصل للإنسان حال يستحق بها اسم المرض فله الفطر وهو نحو قول عطاء وعن الحسن والنخعي إذ لم يقدر على الصلاة قائما يفطر قوله وقال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما تفطران ثم تقضيان كذا وقع لأبي ذر وللأصيلي بلفظ أو الحامل ولغيرهما والحامل بالواو وهو أظهر وأما أثر الحسن فوصله عبد بن حميد من طريق يونس بن حميد عن الحسن هو البصري قال المرضع إذ خافت على ولدها أفطرت وأطعمت والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت وهي بمنزلة المريض ومن طريق قتادة عن الحسن تفطران وتقضيان وأما قول إبراهيم وهو النخعي فوصله عبد بن حميد أيضا من طريق أبي معشر عن النخعي قال الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وقضتا صوما قوله وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بن مالك بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر وروى عبد بن حميد من طريق النضر بن أنس عن أنس أنه أفطر في رمضان وكان قد كبر فأطعم مسكينا كل يوم ورويناه في فوائد محمد بن هشام بن ملاس عن مروان عن معاوية عن حميد قال ضعف أنس عن الصوم عام توفي فسألت ابنه عمر بن أنس أطاق الصوم قال لا فلما عرف أنه أنه لايطيق القضاء أمر بجفان من خبز ولحم فأطعم العدة أو أكثر تنبيه قوله فقد أطعم الفاء جواب للدليل الدال على جواز الفطر وتقدير الكلام وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فأنه يجوز له أن يفطر ويطعم فقد أطعم الخ وقوله كبر بفتح الكاف وكسر الموحدة أي أسن وكان أنس حينئذ في عشر المائة كما تقدم التنبيه عليه قريبا قوله قراءة العامة يطيقونه وهو أكثر يعني من أطاق يطيق وسأذكر ما خالف ذلك في الذي بعده قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه وروح بفتح الراء هو بن عبادة قوله

[ 4235 ] سمع بن عباس يقول في رواية الكشميهني يقرأ قوله يطوفونه بفتح الطاء وتشديد الواو مبنيا للمفعول مخفف الطاء من طوق بضم أوله بوزن قطع وهذه قراءة بن مسعود أيضا وقد وقع عند النسائي من طريق بن أبي نجيح عن عمرو بن دينار يطوقونه يكلفونه وهو تفسير حسن أي يكلفون إطاقته وقوله طعام مسكين زاد في رواية النسائي واحد وقوله فمن تطوع خيرا زاد في رواية النسائي فزاد مسكين آخر قوله قال بن عباس ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة هذا مذهب بن عباس وخالفه الأكثر وفي هذا الحديث الذي بعده ما يدل على أنها منسوخة وهذه القراءة تضعف تأويل من زعم أن لا محذوفة من القراءة المشهورة وأن المعنى وعلى الذين لا يطيقونه فدية وأنه كقول الشاعر فقلت يمين الله أبرح قاعدا أي لا أبرح قاعدا ورد بدلالة القسم على النفي بخلاف الآية ويثبت هذا التأويل أن الأكثر على أن الضمير في قوله يطيقونه للصيام فيصير تقدير الكلام وعلى الذين يطيقون الصيام فدية والفدية لا تجب على المطيق وإنما تجب على غيره والجواب عن ذلك أن في الكلام حذفا تقديره وعلى الذين يطيقون الصيام إذا أفطروا فدية وكان هذا في أول الأمر عند الأكثر ثم نسخ وصارت الفدية للعاجز إذا أفطر وقد تقدم في الصيام حديث بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد لما نزل رمضان شق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم وأما على قراءة بن عباس فلا نسخ لأنه يجعل الفدية على من تكلف الصوم وهو لا يقدر عليه فيفطر ويكفر وهذا الحكم باق وفي الحديث حجة لقول الشافعي ومن وافقه أن الشيخ الكبير ومن ذكر معه إذا شق عليهم الصوم فأفطروا فعليهم الفدية خلافا لمالك ومن وافقه واختلف في الحامل والمرضع ومن أفطر لكبر ثم قوي على القضاء بعد فقال الشافعي وأحمد يقضون ويطعمون وقال الأوزاعي والكوفيون لا أطعام

قوله باب فمن شهد منكم الشهر فليصمه ذكر فيه حديث بن عمر أنه قرأ فدية طعام بالإضافة و مساكين بلفظ الجمع وهي قراءة نافع وابن ذكوان والباقون بتنوين فدية وتوحيد مسكين وطعام بالرفع على البدلية وأما الإضافة فهي من إضافة الشيء إلى نفسه والمقصود به البيان مثل خاتم حديد وثوب حرير لأن الفدية تكون طعاما وغيره ومن جمع مساكين فلمقابلة الجمع بالجمع ومن أفرد فمعناه فعلى كل واحد ممن يطيق الصوم ويستفاد من الإفراد أن الحكم لكل يوم يفطر فيه إطعام مسكين ولا يفهم ذلك من الجمع والمراد بالطعام الإطعام

[ 4236 ] قوله قال هي منسوخة هو صريح في دعوى النسخ ورجحه بن المنذر من جهة قوله وأن تصوموا خير لكم قال لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال له وأن تصوموا خير لكم مع أنه لا يطيق الصيام

[ 4237 ] قوله في حديث بن الأكوع لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية الخ هذا أيضا صريح في دعوى النسخ وأصرح منه ما تقدم من حديث بن أبي ليلى ويمكن إن كانت القراءة بتشديد الواو ثابتة أن يكون الوجهان ثابتين بحسب مدلول القرائن والله أعلم قوله قال أبو عبد الله هو المصنف وثبت هذا الكلام في رواية المستملى وحده قوله مات بكير قبل يزيد أي مات بكير بن عبد الله بن الأشج الراوي عن يزيد وهو بن أبي عبيد قبل شيخه يزيد وكانت وفاته سنة عشرين ومائة وقيل قبلها أو بعدها ومات يزيد سنة ست أو سبع وأربعين ومائة

قوله باب أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله وابتغوا ما كتب الله لكم كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها

[ 4238 ] قوله لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء قد تقدم في كتاب الصيام من حديث البراء أيضا أنهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا وأن الآية نزلت في ذلك وبينت هناك أن الآية نزلت في الأمرين معا وظاهر سياق حديث الباب أن الجماع كان ممنوعا في جميع الليل والنهار بخلاف الأكل والشرب فكان مأذونا فيه ليلا ما لم يحصل النوم لكن بقية الأحاديث الواردة في هذا المعنى تدل على عدم الفرق كما سأذكرها بعد فيحمل قوله كانوا لا يقربون النساء على الغالب جمعا بين الأخبار قوله وكان رجال يخونون أنفسهم سمي من هؤلاء عمر وكعب بن مالك رضي الله عنهما فروى أحمد وأبو داود والحاكم من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال أحل الصيام ثلاثة أحوال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ثم إن الله فرض عليه الصيام وأنزل عليه يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام فذكر الحديث إلى أن قال وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا ثم أن رجلا من الأنصار صلى العشاء ثم نام فأصبح مجهودا وكان عمر أصاب من النساء بعد ما نام فأنزل الله عز وجل أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل وهذا الحديث مشهور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى لكنه لم يسمع من معاذ وقد جاء عنه فيه حدثنا أصحاب محمد كما تقدم التنبيه عليه قريبا فكأنه سمعه من غير معاذ أيضا وله شواهد منها ما أخرجه بن مردويه من طريق كريب عن بن عباس قال بلغنا ومن طريق عطاء عن أبي هريرة نحوه وأخرج بن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده فأراد امرأته فقالت إني قد نمت قال ما نمت ووقع عليها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فنزلت وروى بن جرير من طريق بن عباس نحوه ومن طريق أصحاب مجاهد وعطاء وعكرمة وغير واحد من غيرهم كالسدى وقتادة وثابت نحو هذا الحديث لكن لم يزد واحد منهم في القصة على تسمية عمر إلا في حديث كعب بن مالك والله أعلم

قوله باب وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر الآية العاكف المقيم ثبت هذا التفسير في رواية المستملى وحده وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى سواء العاكف فيه والباد أي المقيم والذي لا يقيم ثم ذكر حديث عدي بن حاتم من وجهين في تفسير الخيط الأبيض والأسود وحديث سهل بن سعد في ذلك وقد تقدما في الصيام مع شرحهما

قوله باب وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى الآية كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى آخرها ثم ذكر حديث البراء في سبب نزولها وقد تقدم شرحه في كتاب الحج

قوله باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ساق إلى آخر الآية

[ 4243 ] قوله أتاه رجلان تقدم في مناقب عثمان أن اسم أحدهما العلاء بن عرار وهو بمهملات واسم الآخر حبان السلمي صاحب الدثنية أخرج سعيد بن منصور من طريقه ما يدل على ذلك وسيأتي في تفسير سورة الأنفال أن رجلا اسمه حكيم سأل بن عمر عن شيء من ذلك ويأتي شرح الحديث هناك إن شاء الله تعالى وقوله في فتنة بن الزبير في رواية سعيد بن منصور أن ذلك عام نزول الحجاج بابن الزبير فيكون المراد بفتنة بن الزبير ما وقع في آخر أمرة وكان نزول الحجاج وهو بن يوسف الثقفي من قبل عبد الملك بن مروان جهزه لقتال عبد الله بن الزبير وهو بمكة في أواخر سنة ثلاث وسبعين وقتل عبد الله بن الزبير في آخر تلك السنة ومات عبد الله بن عمر في أول سنة أربع وسبعين كما تقدمت الإشارة إليه في باب العيدين قوله أن الناس قد ضيعوا بضم المعجمة وتشديد التحتانية المكسورة للأكثر في رواية الكشميهني صنعوا بفتح المهملة والنون ويحتاج إلى تقدير شيء محذوف أي صنعوا ما ترى من الاختلاف وقوله في الرواية الأخرى وزاد عثمان بن صالح هو السهمي وهو من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه في الأحكام حديثا غير هذا وقوله أخبرني فلان وحيوة بن شريح لم أقف على تعيين اسم فلان وقيل إنه عبد الله بن لهيعة وسيأتي سياق لفظ حيوة وحده في تفسير سورة الأنفال وهذا الإسناد من ابتدائه إلى بكير بن عبد الله وهو بن الأشج بصريون ومنه إلى منتهاه مدنيون قوله ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وأن كان الصواب عند غيره خلافه وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا قوله إم قتلوه وإما يعذبونه كذا فيه الأول بصيغة الماضي لكونه إذا قتل ذهب والثاني بصيغة المضارع لأنه يبقى أو يتجدد له التعذيب قوله فكرهتم أن يعفو بالتحتانية أوله وبالافراد إخبار عن الله وهو الأوجه وبالمثناة من فوق والجمع وهو الكثر قوله وختنه بفتح المعجمة والمثناة من فوق ثم نون قال الأصمعي الأختان من قبل المرأة والأحماء من قبل الزوج والصهر جمعهما وقيل اشتق الختن مما اشتق منه الختان وهو التقاء الختانين

قوله باب قوله وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وساق إلى آخر الآية قوله التهلكة والهلاك واحد هو تفسير أبي عبيدة وزاد والهلاك والهلك يعني بفتح الهاء وبضمها واللام ساكنة فيهما وكل هذه مصادر هلك بلفظ الفعل الماضي وقيل التهلكة ما أمكن التحرز منه والهلاك بخلافه وقيل التهلكة نفس الشيء المهلك وقيل ما تضر عاقبته والمشهور الأول ثم ذكر المصنف حديث حذيفة في هذه الآية قال نزلت في النفقة أي في ترك النفقة في سبيل الله عز وجل وهذا الذي قاله حذيفة جاء مفسرا في حديث أبي أيوب الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم من طريق أسلم بن عمران قال كنا بالقسطنطينية فخرج صف عظيم من الروم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم رجع مقبلا فصاح الناس سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب أيها الناس إنكم تؤولون هذه الآية على هذا التأويل وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قلنا بيننا سرا إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله هذه الآية فكانت التهلكة الإقامة التي أردناها وصح عن بن عباس وجماعة من التابعين نحو ذلك في تأويل الآية وروى بن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم أنها كانت نزلت في ناس كانوا يغزون بغير نفقه فيلزم على قوله اختلاف المأمورين فالذين قيل لهم أنفقوا وأحسنوا أصحاب الأموال والذين قيل لهم ولا تلقوا الغزاة بغر نفقة ولا يخفى ما فيه ومن طريق الضحاك بن أبي جبيرة كان الأنصار يتصدقون فأصابتهم سنة فامسكوا فنزلت وروى بن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن مدرك بن عوف قال إني لعند عمر فقلت إن لي جارا رمى بنفسه في الحرب فقتل فقال ناس ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر كذبوا لكنه اشترى الآخرة بالدنيا وجاء عن البراء بن عازب في الآية تأويل آخر أخرجه بن جرير وابن المنذر وغيرهما عنه بإسناد صحيح عن أبي إسحاق قال قلت للبراء أرأيت قول الله عز وجل ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة هو الرجل يحمل على الكتيبة فيها ألف قال لا ولكنه الرجل يذنب فيلقى بيده فيقول لا توبة لي وعن النعمان بن بشير نحوه والأول أظهر لتصدير الآية بذكر النفقة فهو المعتمد في نزولها وأما قصرها عليه ففيه نظر لأن العبرة بعموم اللفظ على أن أحمد أخرج الحديث المذكور من طريق أبي بكر وهو بن عياش عن أبي إسحاق بلفظ آخر قال قلت للبراء الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة قال لا لأن الله تعالى قد بعث محمدا فقال فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك فإنما ذلك في النفقة فإن كان محفوظا فلعل للبراء فيه جوابين والأول من رواية الثوري وإسرائيل وأبي الأحوص ونحوهم وكل منهم أتقن من أبي بكر فكيف مع اجتماعهم وانفراده أه وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرىء المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن ومتى كان مجرد تهور فممنوع ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين والله أعلم

قوله باب قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ذكر فيه حديث كعب بن عجرة في سبب نزول هذه الآية وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الحج

قوله باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ذكر فيه حديث عمران بن حصين أنزلت آية المتعة في كتاب الله يعني متعة الحج وقد تقدم شرحه وأن المراد بالرجل في

[ 4246 ] قوله هنا قال رجل برأيه ما شاء هو عمر

قوله باب ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ذكر فيه حديث بن عباس وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الحج

قوله باب ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ذكر فيه حديث عائشة كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الحج أيضا ثم ذكر فيه حديث بن عباس

[ 4249 ] قوله يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا أي المقيم بمكة والذي دخل بعمرة وتحلل منها قوله فعليه ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة هو تقييد من بن عباس لما أطلق في الآية قوله ثم لينطلق وقع بحذف اللام في رواية المستملى وقوله من صلا العصر إلى أن يكون الظلام أي يحصل الظلام بغروب الشمس وقوله من صلاة العصر يحتمل أن يريد من أول وقتها وذلك عند مصير الظل مثله وكان ذلك الوقت بعد ذهاب القائلة وتمام الراحة ليقف بنشاط ويحتمل أن يريد من بعد صلاتها وهي تصلي عقب صلاة الظهر جمع تقديم ويقع الوقوف عقب ذلك ففيه إشارة إلى أول مشروعية الوقوف وأما قوله ويختلط الظلام ففيه إشارة إلى الأخذ بالأفضل والا فوقت الوقوف يمتد إلى الفجر قوله حتى يبلغوا جمعا بفتح الجيم وسكون الميم وهو المزدلفة وقوله يتبرر فيه براءين مهملتين أي يطلب في البر وقوله ثم ليذكروا الله كثيرا أو أكثروا التكبير والتهليل هو شك من الراوي قوله ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون قد تقدم بيانه وتفصيله في حديث عائشة الذي قبله وقوله حتى ترموا الجمرة هو غاية لقوله ثم أفيضوا ويحتمل أن يكون غاية لقوله أكثروا التكبير والتهليل

قوله باب ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة الآية ذكر فيه حديث أنس في

[ 4250 ] قوله ذلك وسيأتي بأتم من هذا في كتاب الدعوات وعبد العزيز الراوي عنه هو بن صهيب

قوله باب وهو ألد الخصام ألد أفعل تفضيل من اللدد وهو شدة الخصومة والخصام جمع خصم وزن كلب و كلاب والمعنى وهو أشد المخاصمين مخاصمة ويحتمل أن يكون مصدرا تقول خاصم خصاما كقاتل قتالا والتقدير وخاصمه أشد الخصام أو هو أشد ذوي الخصام مخاصمة وقيل أفعل هنا ليست للتفضيل بل بمعنى الفاعل أي وهو لديد الخصام أي شديد المخاصمة فيكون من إضافة الصفة المشبهة قوله وقال عطاء النسل الحيوان وصله الطبري من طريق بن جرير قلت لعطاء في قوله تعالى ويهلك الحرث والنسل قال الحرث الزرع والنسل من الناس والانعام وزعم مغلطاي أن بن أبي حاتم أخرجه من طريق العوفي عن عطاء ووهم في ذلك وإنما هو عند بن أبي حاتم وغيره رواه عن العوفي عن بن عباس

[ 4251 ] قوله عن عائشة ترفعه أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله الألد الخصم بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد أي الشديد اللدد الكثير الخصومة وسيأتي شرح الحديث في كتاب الأحكام قوله وقال عبد الله هو بن الوليد العدني وسفيان هو الثوري وأورده لتصريحه برفع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو موصول بالإسناد في جامع سفيان الثوري من رواية عبد الله بن الوليد هذا ويحتمل أن يكون عبد الله هو الجعفي شيخ البخاري وسفيان هو بن عيينة فقد أخرج الحديث المذكور الترمذي وغيره من رواية بن علية لكن بالأول جزم خلف والمزى وقد تقدم هذا الحديث في كتاب المظالم

قوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية ذكر فيه حديث بن أبي مليكة عن بن عباس وحديثه عن عروة عن عائشة في قوله حتى إذا استيأس الرسل وسيأتي شرحه في تفسير سورة يوسف إن شاء الله تعالى

قوله باب نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم اختلف في معنى أنى فقيل كيف وقيل حيث وقيل متى وبحسب هذا الاختلاف جاء الاختلاف في تأويل الآية قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه

[ 4253 ] قوله فأخذت عليه يوما أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب وجاء ذلك صريحا في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال قال لي بن عمر أمسك على المصحف يا نافع فقرأ أخرجه الدارقطني في غرائب مالك قوله حتى انتهى إلى مكان قال تدري فيما أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى هكذا أورد مبهما لمكان الآية والتفسير وسأذكر ما فيه بعد قوله وعن عبد الصمد هو معطوف على قوله أخبرنا النضر بن شميل وهو عند المصنف أيضا عن إسحاق بن راهويه عن عبد الصمد وهو بن عبد الوارث بن سعيد وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل بسنده وعن عبد الصمد بسنده قوله يأتيها في هكذا وقع في جميع النسخ لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدى يأتيها في الفرج وهو من عنده بحسب ما فهمه ثم وقفت على سلفه فيه وهو البرقاني فرأيت في نسخة الصغاني زاد البرقاني يعني الفرج وليس مطابقا لما في نفس الرواية عن بن عمر لما سأذكره وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال يأتيها في وترك بياضا والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزءا وصنف فيها محمد بن شعبان كتابا وبين أن حديث بن عمر في إتيان المرأة في دبرها قوله رواه محمد بن يحيى بن سعيد أي القطان عن أبيه عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر هكذا أعاد الضمير على الذي قبله والذي قبله قد اختصره كما ترى فأما الرواية الأولى وهي رواية بن عون فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره بالإسناد المذكور وقال بدل قوله حتى انتهى إلى مكان حتى انتهى إلى قوله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم فقال أتدرون فيما أنزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهن وهكذا أورده بن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن بن عون مثله ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن بن عون نحوه وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ بن عون فأبهمه فقال في كذا وكذا وأما رواية عبد الصمد فأخرجها بن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي فذكره بلفظ يأتيها في الدبر وهو يؤيد قول بن العربي ويرد قول الحميدي وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد له من نكتة يحسن بسببها استعماله وأما رواية محمد بن يحيى بين سعيد القطان فوصلها الطبراني في الأوسط من طريق أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى بن عمر قال إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤكم حرث لكم رخصة في إتيان الدبر قال الطبراني لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا يحيى بن سعيد تفرد به ابنه محمد كذا قال ولم يتفرد به يحيى بن سعيد فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر أيضا كما سأذكره بعد وقد روى هذا الحديث عن نافع أيضا جماعة غير من ذكرنا ورواياتهم بذلك ثابتة عند بن مردويه في تفسيره وفي فوائد الاصبهانيين لأبي الشيخ وتاريخ نيسابور للحاكم وغرائب مالك الدارقطني وغيرها وقد عاب الإسماعيلي صنيع البخاري فقال جميع ما أخرج عن بن عمر مبهم لا فائدة فيه وقد رويناه عن عبد العزيز يعني الدراوردي عن مالك وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع بالتفسير وعن مالك من عدة أوجه أه كلامه ورواية الدراوردي المذكورة قد أخرجها الدارقطني في غرائب مالك من طريقة عن الثلاثة عن نافع نحو رواية بن عون عنه ولفظه نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فنزلت قال فقلت له من دبرها في قبلها فقال لا إلا في دبرها وتابع نافعا على ذلك زيد بن أسلم عن بن عمر وروايته عند النسائي بإسناد صحيح وتكلم الأزدي في بعض رواته ورد عليه بن عبد البر فأصاب قال ورواية بن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه بغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم قلت وقد رواه عن عبد الله بن عمر أيضا ابنه عبد الله أخرجه النسائي أيضا وسعيد بن يسار وسالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع وروايتهما عنه عند النسائي وابن جرير ولفظه عن عبد الرحمن بن القاسم قلت لمالك إن ناسا يروون عن سالم كذب العبد على أبي فقال مالك أشهد على زيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع فقلت له أن الحارث بن يعقوب يروي عن سعيد بن يسار عن بن عمر أنه قال أف أو يقول ذلك مسلم فقال مالك أشهد على ربيعة لأخبرني عن سعيد بن يسار عن بن عمر مثل ما قال نافع وأخرجه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك وقال هذا محفوظ عن مالك صحيح أه روى الخطيب في الرواة عن مالك من طريق إسرائيل بن روح قال سألت مالكا عن ذلك فقال ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث الا موضع الزرع وعلى هذه القصة اعتمد المتأخرون من المالكية فلعل مالكا رجع عن قوله الأول أو كان يرى أن العمل على خلاف حديث بن عمر فلم يعمل به وأن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته ولم ينفرد بن عمر بسبب هذا النزول فقد أخرج أبو يعلى وابن مردويه وابن جرير والطحاوي من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدرى ان رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا نعيرها فأنزل الله عز وجل هذه الآية وعلقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ بن عباس وبلغه حديث بن عمر فوهمه فيه فروى أبو داود من طريق مجاهد عن عباس قال أن بن عمر وهم والله يغفر له إثما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب فكانوا يأخذون بكثير من فعلهم وكان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فأخذ ذلك الأنصار عنهم وكان هذا الحي من قريش يتلذذون بنسائهم مقبلات ومدبرات ومستلقيات فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فذهب يفعل فيها ذلك فامتنعت فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أتى شئتم مقبلات ومدبرات ومستلقيات في الفرج أخرجه أحمد والترمذي من وجه آخر صحيح عن بن عباس قال جاء عمر فقال يا رسول الله هلكت حولت رحلي البارحة فأنزلت هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم انى شئتم أقبل وأدبر واتقى الدبر والحيضة وهذا الذي حمل عليه الآية موافق لحديث جابر المذكور في الباب في سبب نزول الآية كما سأذكره عند الكلام عليه وروى الربيع في الأم عن الشافعي قال احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة حيث شاء زوجها لأن أتى بمعنى أين شئتم واحتملت أن يراد بالحرث موضع النبات والموضع الذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة فوجدنا حديثين أحدهما ثابت وهو حديث خزيمة بن ثابت في التحريم فقوي عنده التحريم وروى الحاكم في مناقب الشافعي من طريق بن عبد الحكم أنه حكى عن الشافعي مناظرة جرت بينه وبين محمد الحسن في ذلك وأن بن الحسن احتج عليه بان الحرث إنما يكون في الفرج فقال له فيكون ما سوى الفرج محرما فالتزمه فقال أرأيت لو وطئها بين سافيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث قال لا قال أفيحرم قال لا قال فكيف تحتج بما لا تقول به قال الحاكم لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم وأما في الجديد فصرح بالتحريم أه ويحتمل أن يكون ألزم محمدا بطريق المناظرة وأن كان لا يقول بذلك وإنما انتصر لأصحابه المدنيين والحجة عنده في التحريم غير المسلك الذي سلكه محمد كما يشير إليه كلامه في الأم وقال المازري اختلف الناس في هذه المسألة وتعلق من قال بالحل بهذه الآية بن وانفصل عنها من قال يحرم بأنها نزلت بالسبب الوارد في حديث جابر في الرد على اليهود يعني كما بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهذا يقتضى أن تكون الآية حجة في الجواز لكن وردت أحاديث كثيرة بالمنع فتكون مخصصة لعموم الآية وفي تخصيص عموم القرآن ببعض حبر الآحاد خلاف اه وذهب جماعة من أئمة الحديث كالبخارى والذهلي والبزار والنسائي وأبي على النيسابوري إلى أنه لا يثبت فيه شيء قلت لكن طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به ويؤيد القول بالتحريم أنا لو قدمنا أحاديث الإباحة للزم أنه أبيح بعد أن حرم والأصل عدمه فمن الأحاديث الصالحة الإسناد حديث خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه بن حبان وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وصححه بن حبان أيضا وحديث بن عباس وقد تقدمت الإشارة إليه وأخرجه الترمذي من وجه آخر بلفظ لا ينظر الله إلى رجل آتي رجلا أو امرأة في الدبر وصححه بن حبان أيضا وإذا كان ذلك صلح أن يخصص عموم الآية ويحمل على الإتيان في غير هذا المحل بناء على أن معنى أني حيث وهو المتبادر الى السياق ويغنى ذلك عن حملها علىمعنى آخر غير المتبادر والله أعلم

[ 4254 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري قوله كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت هذا السياق قد يوهم أنه مطابق لحديث بن عمر وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها وكذا أخرجه مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن بن المنكدر بلفظ إذا أتيت امرأة من دبرها في قبلها ومن طريق أبي حازم عن بن المنكدر بلفظ إذا أتيت المرأة من دبرها فحملت وقوله فحملت يدل على أن مراده أن الإتيان في الفرج لا في الدبر وهذا كله يؤيد تأويل بن عباس الذي رد به على بن عمر وقد أكذب الله اليهود في زعمهم وأباح للرجال أن يتمتعوا بنسائهم كيف شاءوا وإذا تعارض المجمل والمفسر قدم المفسر وحديث جابر مفسر فهو أولى أن يعمل به من حديث بن عمر والله أعلم وأخرج مسلم أيضا من حديث جابر زيادة في طريق الزهري عن بن المنكدر بلفظ ان شاء محبية وأن شاء غير محبية غير أن ذلك في صمام واحد وهذه الزيادة يشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب بن المنكدر مع كثرتهم وقوله محبية بميم ثم موحدة أي باركة وقوله صمام بكسر المهملة والتخفيف هو المنفذ

قوله باب وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن اتفق أهل التفسير على أن المخاطب بذلك الأولياء ذكره بن جرير وغيره وروى بن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس هي في الرجل يطلق امرأته فتقضى عدتها فيبدو له أن يراجعها وتريد المرأة ذلك فيمنعه وليها ثم ذكر المصنف حديث معقل بن يسار في سبب نزول الآية لكنه ساقه مختصرا وقد أورده في النكاح بتمامة وسيأتي شرحه وكذا ما جاء في تسمية أخت معقل واسم زوجها هناك إن شاء الله تعالى وقوله

[ 4255 ] وقال إبراهيم عن يونس عن الحسن حدثني معقل أراد بهذا التعليق بيان تصريح الحسن بالتحديث عن معقل ورواية إبراهيم هذا وهو بن طهمان وصلها المؤلف في النكاح كما سيأتي وقد صرح الحسن بتحديث معقل له أيضا في رواية عباد بن راشد كما سيأتي أيضا

قوله باب والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا ساق الآية إلى قوله والله بما تعملون خبير قوله يعفون يهبن ثبت هذا هنا في نسخة الصغائي وهو تفسير أبي عبيدة قال يعفون يتركن يهبن وهو على رأى الحميدي خلافا لمحمد بن كعب فإنه قال المراد عفو الرجال وهذه اللفظة ونظائرها مشتركة بين جمع المذكر والمؤنث لكن في الرجال النون علامة الرفع وفي النساء النون ضمير لهن ووزن جمع المذكر يفعون وجمع المؤنث يفعلن

[ 4256 ] قوله عن حبيب هو بن الشهيد كما سيأتي بعد بابين قوله عن بن أبي مليكة في رواية الإسماعيلي من طريق علي بن المديني عن يزيد بن زريع حدثنا حبيب بن الشهيد حدثني عبد الله بن أبي مليكة قوله قال بن الزبير في رواية بن المديني المذكورة عن عبد الله بن الزبير وله من وجه آخر عن يزيد بن زريع بسنده أن عبد الله بن الزبير قال قلت لعثمان قوله فلم تكتبها أو تدعها كذا في الأصول بصيغة الاستفهام الانكارى كأنه قال لم تكتبها وقد عرفت أنها منسوخة أو قال لم تدعها أي تتركها مكتوبة وهو شك من الراوي أي اللفظين قال ووقع في الرواية الآتية بعد بابين فلم تكتبها قال تدعها يا بن أخي وفي رواية الإسماعيلي لم تكتبها وقد نسختها الآية الأخرى وهو يؤيد التقدير الذي ذكرته وله من رواية أخرى قلت لعثمان هذه الآية والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج قال نسختها الآية الاخرى قلت نكتبها أو تدعها قال يا بن أخي لا أغير منها شيئا عن مكانه وهذا لسياق أولى من الذي قبله واو للتخيير لا للشك وفي جواب عثمان هذا دليل على أن ترتيب الآي توقيفي وكأن عبد الله بن الزبير ظن أن الذي ينسخ حكمة لا يكتب فأجابه عثمان بأن ذلك ليس بلازم والمتبع فيه التوقف وله فوائد منها ثواب التلاوة والامتثال على أن من السلف من ذهب إلى أنها ليست منسوخة وإنما خص من الحول بعضه وبقي البعض وصية لها إن شاءت أقامت كما في الباب عن مجاهد لكن الجمهور على خلافه وهذا الموضع مما وقع فيه الناسخ مقدما في ترتيب التلاوة على المنسوخ وقد قيل إنه لم يقع نظير ذلك إلا هنا وفي الأحزاب على قول من قال أن إحلال جميع النساء هو الناسخ وسيأتي البحث فيه هناك إن شاء الله تعالى وقد ظفرت بمواضع أخرى منها في البقرة أيضا قوله فأينما تولوا فتم وجه الله فإنها محكمة في التطوع مخصصة لعموم قوله وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره كونها مقدمة في التلاوة ومنها في البقرة أيضا قوله تعالى ما ننسخ من آية على قول من قال إن سبب نزولها أن اليهود طعنوا في تحويل القبلة فإنه يقتضى أن تكون مقدمة في التلاوة متأخرة في النزول وقد تتبعت من ذلك شيئا كثيرا ذكرته في غير هذا الموضع ويكفى هنا الإشارة إلى هذا القدر قوله وقول عثمان لعبد الله يا بن أخي يريد في الإيمان أو بالنسبة إلى السن وزاد الكرماني أو على عادة مخاطبة العرب ويمكن أن يتحد مع الذي قبله قال أو لأنهما يجتمعان في قصي قال إلا أن عثمان وعبد الله في العدد إلى قصي سواء بين كل منهما وبينه أربعة أباء فلو أراد ذلك لقال يا أخي

[ 4257 ] قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه وروح هو بن عبادة وشبل هو بن عباد وابن أبي نجيح هو عبد الله قوله زعم ذلك عن مجاهد قائل ذلك هو شبل وفاعل زعم هو بن أبي نجيح وبهذا جزم الحميدي في جمعه وقوله وقال عطاء هو عطف على قوله مجاهد وهو من رواية بن أبي نجيح عن عطاء ووهم من زعم أنه معلق وقد أبدى المصنف ما نبهت عليه برواية ورقاء التي ذكرها بعد هذه وقوله عن محمد بن يوسف هو معطوف على قوله أنبأنا روح وقد أورد أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث طريق محمد بن عبد الملك بن زنجويه عن محمد بن يوسف هو الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد وعن عطاء بتمامه وقال ذكره البخاري عن الفريابي هذا يدل على أنه فهم أن البخاري علقه عن شيخه والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث بن مسعود أنزلت سورة النساء القصري بعد الطولى وسيأتي شرحه في تفسير سورة الطلاق وقوله وقال أيوب وصله هناك بتمامه

قوله باب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى هي تأنيث الأوسط والاوسط الأعدل ممن كل شيء وليس المراد به التوسط بين الشيئين لأن فعلى معناها التفضيل ولا ينبني للتفضيل إلا ما يقبل الزيادة والنقص والوسط بمعنى الخيار والعدل يقبلهما بخلاف المتوسط فلا يقبلهما فلا يبني منه أفعل تفضيل

[ 4259 ] قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي ويزيد هو بن هارون وهشام هو بن حسان ومحمد هو بن سيرين وعبيدة بفتح العين هو بن عمرو وعبد الرحمن في الطريق الثانية هو بن بشر بن الحكم ويحيى بن سعيد هو القطان قوله حبسونا عن صلاة الوسطى أي منعونا عن صلاة الوسطى أي عن إيقاعها زاد مسلم من طريق شتير بن شكل عن علي شغلونا عن الصلاة الوسطي صلاة العصر وزاد في آخره ثم صلاها بين المغرب والعشاء ولمسلم عن بن مسعود نحو حديث علي وللترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش عن علي مثله ولمسلم أيضا من طريق أبي حسان الأعرج عن عبيدة السلماني عن على فذكر الحديث بلفظ كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس يعني العصر وروى أحمد والترمذي من حديث سمرة رفعه قال صلاة الوسطى صلاة العصر وروى بن جرير من حديث أبي هريرة رفعه الصلاة الوسطي صلاة العصر ومن طريق كهيل بن حرملة سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال اختلفنا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا أبو هاشم بن عتبة فقال أنا أعلم لكم فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلينا فقال أخبرنا أنها صلاة العصر ومن طريق عبد العزيز بن مروان أنه أرسل إلى رجل فقال أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى فقال أرسلني أبو بكر وعمر أسأله وأنا غلام صغير فقال هي العصر ومن حديث أبي مالك الأشعري رفعه الصلاة الوسطى صلاة العصر وروى الترمذي وابن حبان من حديث بن مسعود مثله وروى بن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال كان في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر وروى بن المنذر من طريق مقسم عن بن عباس قال شغل الأحزاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فقال شغلونا عن الصلاة الوسطى وأخرج أحمد من حديث أم سلمة وأبي أيوب وأبي سعيد وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عباس من قولهم أنها صلاة العصر وقد اختلف السلف في المراد بالصلاة الوسطى وجمع الدمياطي في ذلك جزءا مشهورا سماه كشف الغطا عن الصلاة الوسطى فبلغ تسعة عشر قولا أحدها الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو جميع الصلوات فالأول قول أبي إمامة وأنس وجابر وأبي العالية وعبيد بن عمير وعطاء وعكرمة ومجاهد وغيرهم نقله بن أبي حاتم عنهم وهو أحد قولي بن عمر وابن عباس ونقله مالك والترمذي عنهما ونقله مالك بلاغا عن على والمعروف عنه خلافه وروى بن جرير من طريق عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي قال صليت خلف بن عباس الصبح فقنت فيها ورفع يديه ثم قال هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين وأخرجه أيضا من وجه آخر عنه وعن بن عمرو من طريق أبي العالية صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة في زمن عمر صلاة الغداة فقلت لهم ما الصلاة الوسطى قالوا هي هذه الصلاة وهو قول مالك والشافعي فيما نص عليه في الأم واحتجوا له بأن فيها القنوت وقد قال الله تعالى وقوموا لله قانتين وبأنها لاتقصر في السفر وبانها بين صلاتي جهر وصلاتي سر والثاني قول زيد بن ثابت أخرجه أبو داود من حديثه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم تكن صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت حافظوا على الصلوات الآية وجاء عن أبي سعيد وعائشة القول بأنها الظهر أخرجه بن المنذر وغيره وروى مالك في الموطأ عن زيد بن ثابت الجزم بأنها الظهر وبه قال أبو حنيفة في رواية وروى الطيالسي من طريق زهرة بن معبد قال كنا عند زيد بن ثابت فأرسلوا إلى أسامة فسألوه عن الصلاة الوسطى فقال هي الظهر ورواه أحمد من وجه آخر وزاد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه الا الصف أو الصفان والناس في قائلتهم وفي تجارتهم فنزلت والثالث قول علي بن أبي طالب فقد روى الترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش قال قلنا لعبيدة سل عليا عن الصلاة الوسطى فسأله فقال كنا نرى أنها الصبح حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر انتهى وهذه الرواية تدفع دعوى من زعم أن قوله صلاة العصر مدرج من تفسير بعض الرواة وهي نص في أن كونها العصر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأن شبهة من قال أنها الصبح قوية لكن كونها العصر هو المعتمد وبه قال بن مسعود وأبو هريرة وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه قال الترمذي هو قول أكثر علماء الصحابة وقال الماوردي هو قول جمهور التابعين وقال بن عبد البر هو قول أكثر أهل الأثر وبه قال من المالكية بن حبيب وابن العربي وابن عطية ويؤيده أيضا ما روى مسلم عن البراء بن عازب نزل حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء الله ثم نسخت فنزلت حافظوا علىالصلوات والصلاة الوسطى فقال رجل فهي إذن صلاة العصر فقال أخبرتك كيف نزلت والرابع نقله بن أبي حاتم بإسناد حسن عن بن عباس قال صلاة الوسطى هي المغرب وبه قال قبيصة بن ذؤيب أخرجه بن جرير وحجتهم أنها معتدلة في عدد الركعات وأنها لاتقصر في الأسفار وأن العمل مضى على المبادرة إليها والتعجيل لها في أول ما تغرب الشمس وأن قبلها صلاتا سر وبعدها صلاتا جهر والخامس وهو آخر ما صححه بن أبي حاتم أخرجه أيضا بإسناد حسن عن نافع قال سئل بن عمر فقال هي كلهن فحافظوا عليهن وبه قال معاذ بن جبل واحتج له بأن قوله حافظوا على الصلوات يتناول الفرائض والنوافل فعطف عليه الوسطى وأريد بها كل الفرائض تأكيدا لها واختار هذا القول بن عبد البر وأما بقية الأقوال فالسادس أنها الجمعة ذكره بن حبيب من المالكية واحتج بما اختصت به من الاجتماع والخطبة وصححه القاضي حسين في صلاة الخوف من تعليقه ورجحه أبو شامة السابع الظهر في الأيام والجمعة ويوم الجمعة الثامن العشاء نقله بن التين والقرطبي واحتج له بأنها بين صلاتين لا تقصران ولأنها تقع عند النوم فلذلك أمر بالمحافظة عليها واختاره الواحدى التاسع الصبح والعشاء للحديث الصحيح في أنهما أثقل الصلاة علىالمنافقين وبه قال الأبهري من المالكية العاشر الصبح والعصر لقوة الأدلة في أن كلا منهما قيل إنه الوسطى فظاهر القرآن الصبح ونص السنة العصر الحادي عشر صلاة الجماعة الثاني عشر الوتر وصنف فيه علم الدين السنخاوى جزءا ورجحه القاضي تقى الدين الاخنائي واحتج له في جزء رأيته بخطه الثالث عشر صلاة الخوف الرابع عشر صلاة عبيد الأضحى الخامس عشر صلاة عيد الفطر السادس عشر صلاة الضحى السابع عشر واحدة من الخمس غير معينة قاله الربيع بن خثيم وسعيد بن جبير وشريح القاضي وهو اختيار إمام الحرمين من الشافعية ذكره في النهاية قال كما أخفيت ليلة القدر الثامن عشر أنها الصبح أو العصر على الترديد وهو غير القول المتقدم الجازم بأن كلا منهما يقال له الصلاة الوسطى التاسع عشر التوقف فقد روى بن جرير بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا وشبك بين أصابعه العشرون صلاة الليل وجدته عندي وذهلت الآن عن معرفة قائله وأقوى شبهة لمن زعم أنها غير العصر مع صحة الحديث حديث البراء الذي ذكرته عند مسلم فإنه يشعر بأنها أبهمت بعدما عينت الترجيح وفي دعوى أنها أبهمت ثم عينت من حديث البراء نظر بل فيه أنها عينت ثم وصفت ولهذا قال الرجل فهي إذن العصر ولم ينكر عليه البراء نعم جواب البراء يشعر بالتوقف لما نظر فيه من الاحتمال وهذا لايدفع التصريح بها في حديث علي ومن حجتهم أيضا ما روى مسلم وأحمد من طريق أبي يونس عن عائشة أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا فلما بلغت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى قال فأملت على وصلاة العصر قالت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى مالك عن عمرو بن رافع قال كنت أكتب مصحفا لحفصة فقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني فأملت على حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وأخرجه بن جرير من وجه آخر حسن عن عمرو بن رافع وروى بن المنذر من طريق عبيد الله بن رافع أمرتني أم سلمة أن اكتب لها مصحفا فذكر مثل حديث عمرو بن رافع سواء ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر أن حفصة أمرت إنسانا أن يكتب لها مصحفا نحوه ومن طريق نافع أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فذكر مثله وزادكما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها قال نافع فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه الواو فتمسك قوم بأن العطف يقتضى المغايرة فتكون صلاة العصر غير الوسطى وأجيب بأن حديث على ومن وافقه أصح إسنادا وأصرح وبأن حديث عائشة قد عورض برواية عروة أنه كان في مصحفها وهي العصر فيحتمل أن تكون الواو زائدة ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر بغير واو أو هي عاطفة لكن عطف صفة لا عطف ذات وبأن قوله والصلاة الوسطى والعصر لم يقرأ بها أحد ولعل أصل ذلك ما في حديث البراء أنها نزلت أولا والعصر ثم نزلت ثانيا بدلها والصلاة الوسطى فجمع الراوي بينهما ومع وجود الاحتمال لا ينهض الاستدلال فكيف يكون مقدما على النص الصريح بأنها صلاة العصر قال شيخ شيوخنا الحافظ صلاح الدين العلائي حاصل أدلة من قال أنها غير العصر يرجع إلى ثلاثة أنواع أحدها تنصيص بعض الصحابة وهو معارض بمثله ممن قال منهم أنها العصر ويترجح قول العصر بالنص الصريح المرفوع وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره فتبقى حجة المرفوع قائمة ثانيها معارضة المرفوع بورود التأكيد على فعل غيرها كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء وقد تقدم في كتاب الصلاة وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك صلاة العصر وقد تقدم أيضا ثالثها ما جاء عن عائشة وحفصة من قراءة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر فإن العطف يقتضى المغايرة وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد وهو ممتنع وكونه ينزل منزلة خبر الواحد مختلف فيه سلمنا لكن لا يصلح معارضا للمنصوص صريحا وأيضا فليس العطف صريحا في اقتضاء المغايرة لوروده في نسق الصفات كقوله تعالى الأول والآخر والظاهر والباطن انتهى ملخصا وقد تقدم شرح أحوال يوم الخندق في المغازي وما يتعلق بقضاء الفائتة في المواقيت من كتاب الصلاة قوله ملأ الله قبورهم وبيوتهم أو أجوافهم نارا شك يحيى هو القطان راوي الحديث وأشعر هذا بأنه ساق المتن على لفظه وأما لفظ يزيد بن هارون فأخرجه أحمد عنه بلفظ ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ولم يشك وهو لفظ روح بن عبادة كما مضى في المغازي وعيسى بن يونس كما مضى في الجهاد ولمسلم مثله عن أبي أسامة عن هشام وكذا له من رواية أبي حسان الأعرج عن عبيدة بن عمرو ومن طريق شتير بن شكل عن علي مثله وله من رواية يحيى بن الجزار عن على قبورهم وبيوتهم أو قال قبورهم وبطونهم ومن حديث بن مسعود ملأ الله أجوافهم أو قبورهم نارا أو حشى الله اجوافهم وقبورهم نارا ولابن حبان من حديث حذيفة ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا أو قلوبهم وهذه الروايات التي وقع فيها الشك مرجوحة بالنسبة إلى التي لا شك فيها وفي هذا الحديث جواز الدعاء على المشركين بمثل ذلك قال بن دقيق العيد تردد الراوي في قوله ملأ الله أو حشى يشعر بأن شرط الرواية بالمعنى أن يتفق المعنى في اللفظين وملأ ليس مرادفا لحشى فإن حشي يقتضى التراكم وكثرة أجزاء المحشو بخلاف ملأ فلا يكون في ذلك متمسك لمن منع الرواية بالمعنى وقد استشكل هذا الحديث بأنه تضمن دعاء صدر من النبي صلى الله عليه وسلم على من يستحقه وهو من مات منهم مشركا ولم يقع أحد الشقين وهو البيوت أما القبور قوقع في حق من مات منهم مشركا لا محالة ويجاب بأن يحمل على سكانها وبه يتبين رجحان الرواية بلفظ قلوبهم أو اجوافهم

قوله باب وقوموا لله قانتين أي مطيعين هو تفسير بن مسعود أخرجه بن أبي حاتم بإسناد صحيح ونقله أيضا عن بن عباس وجماعة من التابعين وذكر من وجه آخر عن بن عباس قال قانتين أي مصلين وعن مجاهد قال من القنوت الركوع والخشوع وطول القيام وغض البصر وخفض الجناح والرهبة لله وأصح ما دل عليه حديث الباب وهو حديث زيد بن أرقم في أن المراد بالقنوت في الآية السكوت وقد تقدم شرحه في أبواب العمل في الصلاة من أواخر كتاب الصلاة والمراد به السكوت عن كلام الناس لا مطلق الصمت لأن الصلاة لا صمت فيها بل جميعها قرآن وذكر والله أعلم

قوله باب قوله تعالى فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا امنتم الآية ذكر فيه حديث بن عمر في صلاة الخوف وقد تقدم البحث فيه في أبواب صلاة الخوف مبسوطا قوله وقال بن جبير كرسيه علمه وصله سفيان الثوري في تفسيره في رواية أبي حذيفة عنه بإسناد صحيح أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير فزاد فيه عن بن عباس وأخرجه العقيلي من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند الطبراني في كتاب السنة من هذا الوجه مرفوعا وكذا رويناه في فوائد أبي الحسن علي بن عمر الحربي مرفوعا والموقوف أشبه وقال العقيلي إن رفعه خطأ ثم هذا التفسير غريب وقد روى بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس أن الكرسي موضع القدمين وروى بن المنذر بإسناد صحيح عن أبي موسى مثله وأخرجا عن السدي أن الكرسي بين يدي العرش وليس ذلك مغايرا لما قبله والله أعلم قوله يقال بسطة زيادة وفضلا هكذا ثبت لغير أبي ذر وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله بسطة في العلم والجسم أي زيادة وفضلا وكثرة وجاء عن بن عباس نحوه وذكره بن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن بن عباس قال في قوله وزادكم في الخلق بسطة يقول فضيلة قوله أفرغ أنزل ثبت هذا أيضا لغير أبي ذر وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى ربنا أفرغ علينا صبرا أي أنزل علينا قوله ولا يتوده لا يثقله هو تفسير بن عباس أخرجه بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وذكر مثله عن جماعة من التابعين ولسقوط ما قبله من رواية أبي ذر صار كأنه من كلام سعيد بن جبير لعطفه على تفسير الكرسي ولم أره منقولا عنه قوله آدنى أثقلني والآد والايد القوة هو كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى ولا يتوده أي لا يثقله تقول آدنى هذا الأمر أثقلني وتقول ما آدك فهو لي آيد أي ما اثقلك فهو لي مثقل وقال في قوله تعالى واذكر عبدنا داود ذا الايد أي ذا القوة قوله السنة النعاس أخرجه بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قوله لم يتسنه لم يتغير أخرجه بن أبي حاتم من وجهين عن بن عباس وعن السدي مثله قال لم يحمض التين والعنب ولم يختمر العصير بل هما حلو أن كما هما وعلى هذا فالهاء فيه أصلية وقيل هي هاء السكت وقيل أصله يتسنن مأخوذ من الحمأ المسنون أي المستن وفي قراءة يعقوب لم يتسن بتشديد النون بلا هاء أي لم تمض عليه السنون الماضية كأنه بن ليلة قوله فبهت ذهبت حجته هو كلام أبي عبيدة قاله في قوله فبهت الذي كفر قال انقطع وذهبت حجته قوله خاوية لا أنيس فيها ذكره بن أبي حاتم بنحوه من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله وهي خاوية قال ليس فيها أحد قوله عروشها أبنيتها ثبت هذا والذي بعده لغير أبي ذر وقد ذكره بن أبي حاتم من طريق الضحاك والسدي بمعناه قوله ننشرها نخرجها أخرجه بن أبي حاتم من طريق السدي بمعناه في قوله كيف ننشرها يقول نخرجها قال فبعث الله ريحا فحملت عظامه من كل مكان ذهب به الطير والسباع فاجتمعت فركب بعضها في بعض وهو ينظر فصار عظما كله لا لحم له ولا دم تنبيه أخرج بن أبي حاتم من حديث على أن هذه القصة وقعت لعزيز وهو قول عكرمة وقتادة والسدي والضحاك وغيرهم وذكر بعضهم قصة في ذلك وأن القرية بيت المقدس وأن ذلك لما خربه يختنصر وقال وهب بن منبه ومن تبعه هي أرمياء وساق بن إسحاق قصة في المبتدأ تكملة استدل بهذه الآية بعض أئمة الأصول على مشروعية القياس بأنها تضمنت قياس إحياء هذه القرية وأهلها وعمارتها لما فيها من الرزق بعد خرابها على إحياء هذا المار وإحياء حماره بعد موتهما بما كان مع المار من الرزق قوله إعصار ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود نار ثبت هذا لأبي ذر عن الحموي وحده وهو كلام أبي عبيدة قال في قوله اعصار فيه نار فاحترقت قال الإعصار ريح عاصف الخ وروى بن أبي حاتم عن بن عباس قال الإعصار ريح فيها سموم شديدة قوله وقال بن عباس صلدا ليس عليه شيء سقط من هنا إلى آخر الباب من رواية أبي ذر وتفسير قوله صلدا وصله بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه وروى بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس قال فتركه يابسا لاينبت شيئا قوله قال عكرمة وابل مطر شديد الطل الندى وهذا مثل عمل المؤمن وصله عبد بن حميد عن روح بن عبادة عن عثمان بن غياث سمعت عكرمة بهذا وسيأتي شرح حديث بن عباس مع عمر في ذلك قريبا قوله يتسنه يتغير تقدم تفسيره عن بن عباس وأما عن عكرمة فذكره بن أبي حاتم من روايته

قوله باب والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ذكر فيه حديث بن الزبير مع عثمان وقد تقدم قبل بابين وسقطت الترجمة لغير أبي ذر فصار من الباب الذي قبله عندهم

قوله باب وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى فصرهن قطعهن ثبت هذا لأبي ذر وحده وقد أخرجه بن أبي حاتم من وجهين عن بن عباس ومن طرق عن جماعة من التابعين ومن وجه آخر عن بن عباس قال صرهن أي أوثقهن ثم اذبحهن وقد اختلف نقلة القراءات في ضبط هذه اللفظة عن بن عباس فقيل بكسر أوله كقراءة حمزة وقيل بضمه كقراءة الجمهور وقيل بتشديد الراء مع ضم أوله وكسره من صرة يصره إذا جمعه ونقل أبو البقاء تثليث الراء في هذه القراءة وهي شاذة قال عياض تفسير صرهن بقطعهن غريب والمعروف أن معناها أملهن يقال صاره يصيره ويصوره إذا أماله قال بن التين صرهن بضم الصاد معناها ضمهن وبكسرها قطعهن قلت ونقل أبو علي الفارسي أنهما بمعنى واحد وعن الفراء الضم مشترك والكسر القطع فقط وعنه أيضا هي مقلوبة من قوله صراه عن كذا أي قطعه يقال صرت الشيء فانصار أن انقطع وهذا يدفع قول من قال يتعين حمل تفسير بن عباس بالقطع على قراءة كسر الصاد وذكر صاحب المغرب أن هذه اللفظة بالسريانية وقيل بالنبطية لكن المنقول أولا يدل على أنها بالعربية والعلم عند الله تعالى ثم ذكر حديث أبي هريرة نحن أحق بالشك من إبراهيم وقد تقدم شرحه مستوفى في أحاديث الأنبياء

قوله أيود أحدكم أن تكون له جنة إلى قوله تتفكرون

قوله باب قوله أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب إلى قوله لعلكم تتفكرون كذا لجميعهم

[ 4264 ] قوله حدثنا إبراهيم هو بن موسى وهشام هو بن يوسف قوله وسمعت أخاه هو مقول بن جريج وأبو بكر بن أبي مليكة لا يعرف اسمه وعبيد بن عمير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وسماعه من عمر صحيح وقد بين الإسماعيلي والطبري من طريق بن المبارك عن بن جريج أن سياق الحديث له فإنه ساقه على لفظه ثم عقبة برواية بن جريج عن بن أبي مليكة عن بن عباس به قوله فيم بكسر الفاء وسكون التحتانية أي في أي شيء وترون بضم أوله قوله حتى أغرق أعماله بالغين المعجمة أي أعماله الصالحة وأخرج بن المنذر هذا الحديث من وجه آخر عن بن أبي ملكية وعنده بعد قوله أي عمل قال بن عباس شيء ألقى في روعي فقال صدقت يا بن أخي ولابن جرير من وجه آخر عن بن أبي مليكة عنى بها العمل بن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر سنة وكثر عياله وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يبعث صدقت يا بن أخي ولابن جرير من وجه آخر عن بن أبي مليكة عن عمر قال هذا مثل ضرب للإنسان يعمل صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إلى العمل الصالح عمل عمل السوء ومن طريق عطاء عن بن عباس معناه أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل الخير حتى إذا كان حين فني عمره ختم ذلك بعمل أهل الشقاء فأفسد ذلك وفي الحديث قوة فهم بن عباس وقرب منزلته من عمر وتقديمه له من صغره وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسن منه إذا عرف فيه الأهلية لما فيه من تنشيطه وبسط نفسه وترغيبه في العلم

قوله باب لا يسألون الناس إلحافا يقال ألحف على وألح وأحفانى بالمسألة زاد في نسخة الصغائي فيحفكم يجهدكم هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا يقال أحفاني بالمسألة والحف على وألح على بمعنى واحد واشتقاق ألحف من اللحاف لأنه يشتمل على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في التغطيه وقال أبو عبيدة في قوله لا يسألون الناس إلحافا قال إلحافا انتهى وانتصب الحافا على أنه مصدر في موضع الحال أي لا يسألون في حال الالحاف أو مفعول لأجله أي لا يسألون لأجل الإلحاف وهل المراد نفي المسألة فلا يسألون أصلا أو نفى السؤال بالالحاف خاصة فلا ينتفى السؤال بغير الحاف فيه احتمال والثاني أكثر في الاستعمال ويحتمل أن يكون المراد لو سألوا لم يسألوا إلحافا فلا يستلزم الوقوع ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة ليس المسكين الذي ترده التمرة الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الزكاة وقوله افرءوا أن شئتم يعني قوله لا يسألون الناس إلحافا ووقع عند الإسماعيلي بيان قائل يعني فأنه أخرجه عن الحسن بن سفيان عن حميد بن زنجويه عن سعيد بن أبي مريم بسنده وقال في آخره قلت لسعيد بن أبي مريم ما تقرأ قال للفقراء الذن أحصروا في سبيل الله الآية فيستفاد منه أن قائل يعني هو سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري فيه وقد أخرج مسلم والإسماعيلي هذا الحديث من طريق إسماعيل بن جعفر عن شريك بن أبي نمر بلفظ أقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا فدل على صحة ما فسرها به سعيد بن أبي مريم وكذا أخرجه الطبري من طريق صالح بن سويد عن أبي هريرة لكنه لم يرفعه وروى أحمد وأبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه مرفوعا من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف وفي رواية بن خزيمة فهو ملحف والأوقية أربعون درهما ولأحمد من حديث عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد رفعه من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا ولأحمد والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه من سأل وله أربعون درهما فهو ملحف

قوله باب وأحل الله البيع وحرم الربا إلى آخر الآية وقوله المس الجنون هو تفسير الفراء قال في قوله تعالى لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي لا يقوم في الآخرة قال والمس الجنون والعرب تقول ممسوس أي مجنون انتهى وقال أبو عبيدة المس اللمم من الجن وروى بن أبي حاتم عن بن عباس قال آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا ومن طريق بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أنه كان يقرأ الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس يوم القيامة وقوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا يحتمل أن يكون من تمام اعتراض الكفار حيث قالوا إنما البيع مثل الربا أي فلم أحل هذا وحرم هذا ويحتمل أن يكون ردا عليهم ويكون اعتراضهم بحكم العقل والرد عليهم بحكم الشرع الذي لا معقب لحكمه وعلى الثاني أكثر المفسرين واستبعد بعض الجذاق الأول وليس ببعيد إلا من جهة أن جوابهم بقوله فمن جاءه موعظة إلى آخره يحتاج إلى تقدير والأصل عدمه قوله فقرأها أي الآيات وفي رواية شعبة التي بعد هذه في المسجد وقد مضى ما يتعلق به في المساجد من كتاب الصلاة واقتضى صنيع المصنف في هذه التراجم أن المراد بالآيات آيات الربا كلها إلى آية الدين

[ 4266 ] قوله ثم حرم التجارة في الخمر تقدم توجيهه في البيوع وأن تحريم التجارة في الربا وقع بعد تحريم الخمر بمدة فيحصل به جواب من استشكل الحديث بأن آيات الربا من آخر ما نزل من القرآن وتحريم الخمر تقدم قبل ذلك بمدة

قوله باب يمحق الله الربا يذهبه هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى يمحق الله الربا أي يذهبه وأخرج أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث بن مسعود رفعه أن الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قلة ثم ذكر المصنف حديث عائشة المذكور قبله من وجه آخر عن الأعمش ومراده الإشارة إلى أن هذه الآية من جملة الآيات التي ذكرتها عائشة

قوله باب فأذنوا بحرب من الله ورسوله فاعلموا هو تفسير فأذنوا على القراءة المشهورة بإسكان الهمزة وفتح الذال قال أبو عبيدة معنى قوله فأذنوا أيقنوا وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم فآذنوا بالمد وكسر الذال قال أبو عبيدة معنى قوله فأذنوا أيقنوا وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم فآذنوا بالمد وكسر الذال أي آذنوا غيركم وأعلموهم والأول أوضح في مراد السياق ثم ذكر المصنف حديث عائشة عن شيخ له آخر

قوله وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة الآية كذا لأبي ذر وساق غيره بقية الآية وهي خبر بمعنى الأمر أي إن كان الذي عليه دين الربا معسرا فأنظروه إلى ميسرته

[ 4269 ] قوله وقال محمد بن يوسف كذا لأبي ذر ولغيره وقال لنا محمد بن يوسف وهو الفريابي وسفيان هو الثوري وقد رويناه موصولا في تفسير الفريابي بهذا الإسناد

قوله باب واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله قرأ الجمهور بضم التاء من ترجعون مبنيا للمجهول وقرأ أبو عمرو وحده بفتحها مبنيا للفاعل

[ 4270 ] قوله سفيان هو الثوري وعاصم هو بن سليمان الأحول قوله عن بن عباس كذا قال عاصم عن الشعبي وخالفه داود بن أبي هند عن الشعبي فقال عن عمر أخرجه الطبري بلفظ كان من آخر ما نزل من القرآن آيات الربا وهو منقطع فإن الشعبي لم يلق عمر قوله آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا كذا ترجم المصنف بقوله واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله وأخرج هذا الحديث بهذا اللفظ ولعله أراد أن يجمع بين قولي بن عباس فإنه جاء عنه ذلك من هذا الوجه وجاء عنه من وجه آخر آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله أخرجه الطبري من طرق عنه وكذا أخرجه من طرق جماعة من التابعين وزاد عن بن جريج قال يقولون إنه مكث بعدها تسع ليال ونحوه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وروى عن غيره أقل من ذلك وأكثر فقيل إحدى وعشرين وقيل سبعا وطريق الجمع بين هذين القولين أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا اذهى معطوفة عليهن وأما ما سيأتي في آخر سورة النساء من حديث البراء آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة فيجمع بينه وبين قول بن عباس بأن الآيتين نزلتا جميعا فيصدق أن كلا منهما آخر بالنسبة لما عداهما ويحتمل أن تكون الآخرية في آية النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث مثلا بخلاف آية البقرة ويحتمل عكسه والأول أرجح لما في آية البقرة من الإشارة الى معنى الوفاة المستلزمة لخاتمة النزول وحكى بن عبد السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد نزول الآية المذكورة أحدا وعشرين يوما وقيل سبعا وأما ما ورد في إذا جاء نصر الله والفتح أنها آخر سورة نزلت الآيات المتعلقة به من سورة البقرة وأما حكم تحريم الربا فنزوله سابق لذلك بمدة طويلة على ما يدل عليه قوله تعالى في آل عمران في أثناء قصة أحد يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة الآية

قوله باب قوله تعالى وأن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قدير

[ 4271 ] قوله حدثنا محمد كذا للآكثر وبه صرح الإسماعيلي وأبو نعيم وغيرهما ووقع لأبي علي بن السكن عن الفريري عن البخارى حدثنا النفيلي فاسقط ذكر محمد المهمل والصواب إثباته ولعل بن السكن ظن أن محمدا هو البخاري فحذفه وليس كذلك لما ذكرته وذكر أبو علي الجياني أنه وقع محذوفا في رواية أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني وأشار إلى أن الصواب إثباته انتهى وكلام أبي نعيم في المستخرج يقتضى أنه في روايته عن الجرجاني ثابت وقد ثبت في رواية النسفي عن البخاري أيضا واختلف فيه فقال الكلاباذي هو بن يحيى الذهلي فيما أراه قال وقال لي الحاكم هو محمد بن إبراهيم البوشنجي قال وهذا الحديث مما أملاه البوشنجي بنيسابور انتهى وذكر الحاكم هذا الكلام في تاريخه عن شيخه أبي عبد الله بن الأخرم وكلام أبي نعيم يقتضى أنه محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي فأنه أخرجه من طريقه ثم قال أخرجه البخاري عن محمد عن النفيلي والنفيلي بنون وفاء مصغر اسمه عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل يكنى أبا جعفر ليس له في البخاري ولا لشيخه مسكين بن بكير الحراني إلا هذا الحديث الواحد قوله حدثنا شعبة قال أبو علي الجياني وقع في رواية أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد حدثنا مسكين وشعبة وكتب بين الأسطر أراه حدثنا شعبة قال أبو علي وهذا هو الصواب لا شك فيه ومسكين هذا إنما يروي عن شعبة قوله عن مروان الأصفر تقدم ذكره في الحج وأنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وآخر في الحج قوله عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن عمر لم يتضح لي من هو الجازم بأنه بن عمر فإن الرواية الآتية بعد هذه وقعت بلفظ أحسبه بن عمر وعندي في ثبوت كونه بن عمر توقف لأنه ثبت أن بن عمر لم يكن اطلع على كون هذه الآية منسوخة فروى أحمد من طريق مجاهد قال دخلت على بن عباس فقلت كنت عند بن عمر فقرأ وأن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه فبكى فقال بن عباس أن هذه الآية لما أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا وقالوا يا رسول الله هلكنا فإن قلوبنا ليست بأيدينا فقال قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا فنسختها هذه الآية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وأصله عند مسلم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس دون قصة بن عمر وأخرج الطبري بإسناد صحيح عن الزهري أنه سمع سعيد بن مرجانة يقول كنت عند بن عمر فتلا هذه الآية وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه فقال والله لئن واخذنا الله بهذا لنهلكن ثم بكى حتى سمع نشيجه فقمت حتى أتيت بن عباس فذكرت له ما قال بن عمر وما فعل حين تلاها فقال يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري لقد وجد المسلمون حين نزلت مثل ما وجد فأنزل الله لايكلف الله نفسا إلا وسعها وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال لما نزلت لله ما في السماوات وما في الأرض الآية أشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر القصة مطولا وفيها فلما فعلوا نسخها الله فانزل الله لايكلف الله نفسا إلا وسعها إلى آخر السورة ولم يذكر قصة بن عمر ويمكن أن بن عمر كان أولا لا يعرف القصة ثم لما تحقق ذلك جزم به فيكون مرسل صحابي والله أعلم

قوله باب آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه أي إلى آخر السورة قوله وقال بن عباس أصرا عهدا وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ولا تحمل علينا اصرا أي عهدا وأصل الإصر الشيء الثقيل ويطلق على الشديد وتفسيره بالعهد تفسير باللازم لأن الوفاء بالعهد شديد وروى الطبري من طريق بن جريج في قوله إصرا قال عهدا لا نطيق القيام به قوله ويقال غفرانك مغفرتك فاغفر لنا هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله غفرانك أي مغفرتك أي اغفر لنا وقال الفراء غفرانك مصدر وقع في موضع أمر فنصب وقال سيبويه التقدير اغفر غفرانك وقيل يحتمل أن يقدر جملة خبرية أي نستغفرك غفرانك والله أعلم

[ 4272 ] قوله نسختها الآية التي بعدها قد عرف بيانه من حديثي بن عباس وأبي هريرة والمراد بقوله نسختها أي أزالت ما تضمنته من الشدة وبينت أنه وأن وقعت المحاسبة به لكنها لا تقع المؤاخذة به أشار إلى ذلك الطبري فرارا من اثبات دخول النسخ في الأخبار وأجيب بأنه وأن كان خبرا لكنه يتضمن حكما ومهما كان من الأخبار يتضمن الأحكام أمكن دخول النسخ فيه كسائر الأحكام وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار ما كان خبرا محضا لا يتضمن حكما كالاخبار عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك ويحتمل أن يكون المراد بالنسخ في الحديث التخصيص فإن المتقدمين يطلقون لفظ النسخ عليه كثيرا والمراد بالمحاسبة يخفى الإنسان ما يصمم عليه ويشرع فيه دون ما يخطر له ولا يستمر عليه والله أعلم

قوله سورة آل عمران بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر ولم أر البسملة لغيره قوله صر برد هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى كمثل ريح فيها صر الصر شدة البرد قوله شفا حفرة مثل شفا الركبة بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتانية وهو حرفها كذا للأكثر بفتح المهملة وسكون الراء وللنسفى بضم الجيم والراء والأول أصوب والجرف الذي أضيف إليه شفا في الآية الأخرى غير شفا هنا وقد قال أبو عبيدة في قوله تعالى شفا حفرة شفا جرف وهو يقتضى التسوية بينهما في الإضافة وإلا فمدلول جرف غير مدلول حفرة فإن لفظ شفا يضاف إلى أعلى الشيء ومنه قوله شفا جرف وإلى أسفل الشيء ومنه شفا حفرة ويطلق شفا أيضا على القليل تقول ما بقي منه شيء غير شفا أي غير قليل ويستعمل في القرب ومنه أشفى على كذا أي قرب منه قوله تبوىء تتخذ معسكرا هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال أي تتخذ لهم مصاف ومعسكرا وقال غيره تبوىء تنزل بوأه أنزله وأصله من المباءة وهي المرجع والمقاعد جمع مقعد وهو مكان القعود وقد تقدم شيء من ذلك في غزوة أحد قوله ربيون الجموع وأحدها ربي هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير قال الربيون الجماعة الكثيرة وأحدها ربي وهو بكسر الراء في الواحد والجمع قراءة الجمهور وعن على وجماعة بضم الراء وهو من تغيير النسب في القراءتين إن كانت النسبة إلى الرب وعليها قراءة بن عباس ربيون بفتح الراء وقيل بل هو منسوب إلى الربة أي الجماعة وهو بضم الراء وبكسرها فإن كان كذلك فلا تغيير والله أعلم قوله تحسونهم تستأصلونهم قتلا وقع هذا بعد قوله واحدها ربي وهو تفسير أبي عبيدة أيضا بلفظه وزاد يقال حسناهم من عند آخرهم أي استأصلناهم وقد تقدم بيان ذلك في غزوة أحد قوله غزا وأحدها غاز هو تفسير أبي عبيدة أيضا قال في قوله أو كانوا غزا لا يدخلها رفع ولاجر لأن وأحدها غاز فخرجت مخرج قائل وقول انتهى وقرأ الجمهور غزا بالتشديد جمع غاز وقياسه غزاة لكن حملوا المعتل على الصحيح كما قال أبو عبيدة وقرأ الحسن وغيره غزا بالتخفيف فقيل خفف الزاي كراهية التثقيل وقيل أصله غزاة وحذف الهاء قوله سنكتب ما قالوا سنحفظ هو تفسير أبي عبيدة أيضا لكنه ذكره بضم الياء التحتانية على البناء للمجهول وهي قراءة حمزة وكذلك قرأ وقتلهم بالرفع عطفا على الموصول لأنه منصوب المحل وقراءة الجمهور بالنون للمتكلم العظيم وقتلهم بالنصب على الموصول لأنه منصوب المحل وتفسير الكتابة بالحفظ تفسير باللازم وقد كثر ذلك في كلامهم كما مضى ويأتي قوله نزلا ثوابا ويجوز ومنزل من عند الله كقولك أنزلته هو قول أبي عبيدة أيضا بفصه والنزل ما يهيأ للنزيل وهو الضيف ثم اتسع فيه حتى سمي به الغداء وأن لم يكن للضيف وفي نزل قولان أحدهما مصدر والآخر أنه جمع نازل كقول الأعشى أو تنزلون فأنا معشر نزل أي نزول وفي نصب نزلا في الآية أقوال منها أنه منصوب على المصدر المؤكد لأن معنى لهم جنات ننزلهم جنات نزلا وعلى هذا يتخرج التأويل الأول لأن تقديره ينزلهم جناز رزقا وعطاء من عند الله ومنها أنه حال من الضمير في فيها أي منزلة على أن نزلا مصدر بمعنى المفعول وعليه يتخرج التأويل الثاني قوله والخيل المسومة المسوم الذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان وقال مجاهد الخيل المسمومة المطهمة الحسان وقال سعيد بن جبير وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى المسومة الراعية أما التفسير الأول فقال أبو عبيدة الخيل المسومة المعلمة بالسيماء وقال أيضا في قوله من الملائكة مسومين أي معلمين والمسوم الذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان وأما قول مجاهد فرويناه في تفسير الثوري رواية أبي حذيفة عنه بإسناد صحيح وكذا أخرجه عبد الرزاق عن الثوري وأما قول بن جبير فوصله أبو حذيفة أيضا بإسناد صحيح إليه وأما قول بن أبزى فوصله الطبري من طريقه وأورد مثله عن بن عباس من طريق للعوفى عنه وقال أبو عبيدة أيضا يجوز أن يكون معنى مسومة مرعاة من أسمتها فصارت سائمة قوله وقال سعيد جبير وحصورا لا يأتي النساء وقع هذا بعد ذكر المسومة وصله الثوري في تفسيره عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير به وهو الممدوح والمراد في وصف السيد يحيى عليه السلام قوله وقال عكرمة من فورهم غضبهم يوم بدر وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة في قوله ويأتوكم من فورهم هذا قال فورهم ذلك كان يوم أحد غضبوا ليوم بدر بما لقوا وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن عكرمة في قولهم من فورهم هذا قال من وجوههم هذا وأصل الفور العجلة والسرعة ومنه فارت القدر يعبر به عن الغضب لأن الغضبان يسارع إلى البطش قوله وقال مجاهد يخرج الحي من الميت النطفة تخرج ميتة ويخرج منها الحي وصله عبد بن حميد من طريق أين أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي قال الناس الأحياء من النطف الميتة والنطف الميتة من الناس الأحياء قوله الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس إلى أن تغرب وقع هذا أيضا عند غير أبي ذر وقد تقدم شرحه في بدء الخلق

قوله منه آيات محكمات قال مجاهد الحلال والحرام وأخر متشابهات يصدق بعضها بعضا كقوله وما يضل به الا الفاسقين وكقوله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون وكقوله والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم هكذا وقع فيه وفيه تغيير وبتحريره يستقيم الكلام وقد أخرجه عبد بن حميد بالإسناد الذي ذكرته قريبا إلى مجاهد قال في قوله تعالى منه آيات محكمات قال ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضا هو مثل قوله وما يضل به الا الفاسقين إلى آخر ما ذكره قوله زيغ شك فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة المشتبهات هو تفسير مجاهدا أيضا وصله عبد بن حميد بهذا الاسناذ كذلك ولفظه وأما الذين في قلوبهم زيغ قال شك فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة المشتبهات الباب بن الذي ضلوا منه وبه هلكوا قوله والراسخون في العلم يعلمون و يقلون آمنا به وصله عبد بن حميد من الطريق المذكور عن مجاهد في قول والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به ومن طريق قتادة قال الراسخون كما يسمعون آمنا به كل من عند ربنا التشابه والمحكم فآمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه فأصابوا وهذا الذي ذهب إليه مجاهد من تفسير الآية يقتضي أن تكون الواو في والراسخون عاطفة على معمول الاستثناء وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عباس أنه كان يقرأ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وأن لم تثبت بها القراءة لكن أقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه في ذلك على من دونه ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متبعي المتشابه لوصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة وصرح بوفق ذلك حديث الباب ودلت الآية على مدح الذين فوضوا العلم إلي الله وسلموا إليه كما مدح الله المؤمنين بالغيب وحكى الفراء أن في قراءة أبي بن كعب مثل ذلك أعنى ويقول الراسخون في العلم آمنا به تنبيه سقط جميع هذه الآثار من أول السورة إلى هنا لأبي ذر عن السرخسي وثبت عند أبي ذر عن شيخه قبل قوله منه آيات محكمات باب بغير ترجمة ووقع عند أبي ذر آثار أخرى ففي أول السورة قول تقاه وتقيه واحد هو تفسير أبي عبيدة أي إنهما مصدران بمعنى واحد وقد قرأ عاصم في رواية عنه إلا أن تتقوا منهم تقيه

[ 4273 ] قوله التستري بضم المثناة وسكون المهملة وفتح المثناة قوله عن بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة قد سمع بن أبي مليكة من عائشة كثيرا وكثيرا أيضا ما يدخل بينها وبينه واسطة وقد اختلف عليه في هذا الحديث فأخرجه الترمذي من طريق أبي عامر الجزار عن بن أبي مليكة عن عائشة ومن طريق زيد بن إبراهيم كما في الباب بزيادة القاسم ثم قال روى غير واحد هذا الحديث عن بن أبي مليكة عن عائشة ولم يذكروا القاسم وإنما ذكره يزيد بن إبراهيم انتهى وقد أخرجه بن أبي حاتم من طريق أبي الوليد الطيالسي عن يزيد بن إبراهيم وحماد بن سلمة جميعا عن بن أبي مليكة عن القاسم فلم ينفرد يزيد بزيادة القاسم وممن رواه عن بن أبي مليكة بغير ذكر القاسم أيوب أخرجه بن ماجة من طريقه ونافع بن عمر وابن جريج وغيرهما قوله تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قرأ هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات من أم الكتاب وآخر متشابهات قال أبو البقاء أصل المتشابه أن يكون بين اثنين فإذا اجتمعت الأشياء المتشابهة كان كل منها مشابها للآخر فصح وصفها بأنها متشابهة وليس المراد أن الآية وحدها متشابهة في نفسها وحاصلة أنه ليس من شرط صحة الوصف في الجمع صحة انبساط مفردات الأوصاف على مفردات الموصوفات وأن كان الأصل ذلك قوله فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه قال الطبري قيل إن هذه الآية نزلت في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى وقيل في أمر مدة هذه الأمة والثاني أولى لأن أمر عيسى قد بينه الله لنبيه فهو معلوم لأمته بخلاف أمر هذه الأمة فإن علمه خفي عن العباد وقال غيره المحكم من القرآن ما وضح معناه والمتشابة نقيضه وسمي المحكم بذلك لوضوح مفردات كلامه وإتقان تركيبه بخلاف المتشابه وقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل السور وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال آخر غير هذه نحو العشرة ليس هذا موضع بسطها وما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصواب وذكر الإستاذ أبو منصور البغدادي أن الأخير هو الصحيح عندنا وابن السمعاني أنه أحسن الأقوال والمختار على طريقه أهل السنة وعلى القول الأول جرى المتأخرون والله أعلم وقال الطيبي المراد بالمحكم ما اتضح معناه والمتشابه بخلافه لأن اللفظ الذي يقبل معنى إما أن يقبل غيره أو لا الثاني النص والأول إما أن تكون دلالته على ذلك المعنى راجحة أو لا والأول هو الظاهر والثاني إما أن يكون مساويه أو لا والأول هو المجمل والثاني المؤول فالمشترك هو النص والظاهر هو المحكم والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه ويؤيد هذا التقسيم أنه سبحانه وتعالى أوقع المحكم مقابلا للتشابه فالواجب أن يفسر المحكم بما يقابله ويؤيد ذلك أسلوب الآية وهو الجمع مع التقسيم لأنه تعالى فرق ما جمع في معنى الكتاب بأن قال منه آيات محكمات وآخر متشابهات أراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء منهما من الحكم فقال أولا فأما الذين في قلوبهم زيغ إلىان قال والراسخون في العلم يقولون آمنا به وكان يمكن أن يقال وأما الذين في قلوبهم استقامة فيتبعون المحكم لكنه وضع موضع ذلك الراسخون في العلم الإتيان لفظ الرسوخ لأنه لا يحصل إلا بعد التتبع التام والاجتهاد البليغ فإذا استقام القلب على طريق الرشاد ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النطق بالقول الحق وكفى بدعاء الراسخين في العلم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا الخ شاهدا على أن والراسخون في العلم مقابل لقوله وأما الذين في قلوبهم زيغ وفيه إشارة على أن الوقف على قوله إلا الله قام وإلى أن علم بعض المتشابه مختص بالله تعالى وأن من حاول معرفته هو الذي أشار إليه في الحديث بقوله فاحذروهم وقال بعضهم العقل مبتلى باعتقاد حقيقة المتشابه كابتلاء البدن بأداء العبادة كالحكيم إذا صنف كتابا أجمل فيه أحيانا ليكون موضع خضوع المتعلم لاستاذه وكالملك يتخذ علامة يمتاز بها من يطلعه على سر وقيل لو لم يقبل العقل الذي هو أشرف البدن لاستمر العالم في أبهة العلم على التمرد فبذلك يستأنس إلى التذلل بعز العبودية والمتشابه هو موضع خضوع العقول لباريها استسلاما واعترافا بقصورها وفي ختم الآية بقوله تعالى وما يذكر الا أولو الألباب تعريض بالزائغين ومدح للراسخين يعني من لم يتذكر ويتعظ ويخالف هواه فليس من أولى العقول ومن ثم قال الراسخون ربنا لا تزغ قلوبنا إلى آخر الآية فخضعوا لباريهم لاشتراك العلم اللدني بعد أن استعاذوا به من الزيغ النفساني وبالله التوفيق وقال غيره دلت الآية على أن بعض القرآن محكم وبعضه متشابه ولا يعارض ذلك قوله احكمت آياته ولا قوله كتابا متشابها مثانى حتى زعم بعضهم أن كله محكم وعكس آخرون لأن المراد بالأحكام في قوله أحكمت الأتقان في النظم وأن كلها حق من عند الله والمراد بالمتشابه كونه يشبه بعضه بعضا في حسن السياق والنظم أيضا وليس المراد اشتباه معناه على سامعه وحاصل الجواب أن المحكم ورد بإزاء معنيين والمتشابه ورد بإزاء معنيين والله أعلم قوله فهم الذين سمي الله فاحذروهم في رواية الكشميهني فاحذرهم بالإفراد والأولى أولى والمراد التحذير من الاصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه من القرآن وأول ما ظهر ذلك من اليهود كما ذكره بن إسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وأن عددها بالجمل مقدار مدة هذه الأمة ثم أول ما ظهر في الإسلام من الخوارج حتى جاء عن بن عباس أنه فسر بهم الآية وقصة عمر فيا نكاره على ضبيع لما بلغه أنه يتبع المتشابه فضربه على رأسه حتى أدماه أخرجها الدارمي وغيره وقال الخطابي المتشابه على ضربين أحدهما ما إذا رد إلى المحكم واعتبر به عرف معناه والآخر ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الذي يتبعه أهل الزيغ فيطلبون تأويله ولا يبلغون كنهه فيرتابون فيه فيفتنون والله أعلم

قوله باب وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم أورد فيه حديث أبي هريرة ما من مولود ولد إلا والشيطان يمسه الحديث وقد تقدم الكلام على شرحه واختلاف ألفاظه في أحاديث الأنبياء وقد طعن صاحب الكشاف في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته فقال إن صح هذا الحديث فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين وكذلك من كان في صفتهما لقوله تعالى إلا عبادك منهم المخلصين قال واستهلال الصبي صارخا من مس الشيطان تخيل لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغربه وأما صفة النخس كما يتوهمه أهل الحشو فلا ولو ملك إبليس على الناس نخسهم لامتلأت الدنيا صراخا انتهى وكلامه متعقب من وجوه والذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء بل ظاهر الخبر أن إبليس ممكن من مس كل مولود عند ولادته لكن من كان من عباد الله المخلصين لم يضره ذلك المس أصلا واستثنى من المخلصين مريم وابنها فإنه ذهب يمس علىعادته فحيل بينه وبين ذلك فهذا وجه الاختصاص ولا يلزم منه تسلطه على غيرهما من المخلصين وأما قوله لو ملك إبليس الخ فلا يلزم من كونه جعل له ذلك عند ابتداء الوضع أن يستمر ذلك في حق كل أحد وقد أورد الفخر الرازي هذا الاشكال وبالغ في تقريره على عادته وأجمل الجواب فما زاد على تقريره أن الحديث خبر واحد ورد على خلاف الدليل لأن الشيطان إنما يغوى من يعرف الخير والشر والمولود بخلاف ذلك وأنه لو مكن من هذا القدر لفعل أكثر من ذلك من أهلاك وإفساد وأنه لا اختصاص لمريم وعيسى بذلك دون غيرهما إلى آخر كلام الكشاف ثم أجاب بان هذه الوجوه محتملة ومع الاحتمال لا يجوز دفع الخبر انتهى وقد فتح الله تعالى بالجواب كما تقدم والجواب عن إشكال الإغواء يعرف مما تقدم أيضا وحاصله أن ذلك جعل علامة في الابتداء على من يتمكن من إغوائه والله أعلم

قوله باب إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم لا خير قال أبو عبيدة في قوله من خلاق أي نصيب من خير قوله أليم مؤلم موجع من الألم وهو في موضع مفعل هو كلام أبي عبيدة أيضا واستشهد بقول ذي الرمة يصيبك وجهها وهج أليم ثم ذكر حديث بن مسعود من حلف يمين صبر وفيه قول الأشعث أن قوله تعالى أن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا نزلت فيه وفي خصمه حين تحاكما في البئر وحديث عبد الله بن أبي أوفى أنها نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطى بها ما لم يعطه وقد تقدما جميعا في الشهادات وأنه لا منافاة بينهما ويحمل على أن النزول كان بالسببين جميعا ولفظ الآية أعم من ذلك ولهذا وقع في صدر حديث بن مسعود ما يقتضى ذلك وذكر الطبري من طريق عكرمة أن الآية نزلت في حي بن أخطب وكعب بن الأشرف وغيرهما من اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة من شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا وحلفوا أنه من عند الله وقص الكلبي في تفسيره في ذلك قصة طويلة وهي محتملة أيضا لكن المعتمد في ذلك ما ثبت في الصحيح وسنذكر ما يتعلق بحكم اليمن في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى قوله

[ 4277 ] حدثنا نصر بن علي هو الجهضمي بجيم ومعجمة وعبد الله بن داود وهو الخربي بمعجمة وموحدة مصغر قوله ان امرأتين سيأتي تسميتهما في كتاب الإيمان والنذور مع شرح الحديث وإنما أورده هنا لقول بن عباس أقرءوا عليها أن الذين يشترون بعهد الله الآية فإن فيه الإشارة إلى العمل بما دل عليه عموم الآية لا خصوص سبب نزولها وفيه أن الذي تتوجه عليه اليمين يوعظ بهذه الآية ونحوها قوله في بيت وفي الحجرة كذا للأكثر بواو العطف وللاصيلى وحده في بيت أو في الحجرة بأو والأول هو الصواب وسبب الخطأ في رواية الأصيلي أن في السياق حذفا بينه بن السكن في روايته حيث جاء فيها في بيت وفي الحجرة حداث فالواو عاطفة أو الجملة حالية لكن المبتدأ محذوف وحداث بضم المهملة والتشديد وآخره مثلثة أي ناس يتحدثون وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدثون فسقط المبتدأ من الرواية فصار مشكلا فعدل الراوي عن الواو إلى أو التي للترديد فرارا من استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة معا على أن دعوى الاستحالة مردودة لأن له وجها ويكون من عطف الخاص على العام لأن الحجرة أخص من البيت لكن رواية بن السكن أفصحت عن المراد فأغنت عن التقدير وكذا ثبت مثله في رواية الإسماعيلي والله أعلم

قوله باب قوله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لانعبد إلا الله كذا للأكثر ولأبي ذر وبينكم الآية قوله سواء قصدا كذا لأبي ذر بالنصب ولغيره بالجر فيهما وهو أظهر على الحكاية لأنه يفسر قوله إلى كلمة سواء وقد قرئ في الشواذ بالنصب وهي قراءة الحسن البصري قال الحوفي انتصب على المصدر أي استوت استواء والقصد بفتح القاف وسكون المهملة الوسط المعتدل قال أبو عبيدة في قوله إلى كلمة سواء أي عدل وكذا أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس وأخرج الطبري عن قتادة مثله ونسبها الفراء إلى قراءة بن مسعود وأخرج عن أبي العالية أن المراد بالكلمة لا إله إلا الله وعلى ذلك يدل سياق الآية الذي تضمنه قوله أن لانعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن جميع ذلك داخل تحت كلمة الحق وهي لا إله إلا الله والكلمة على هذا بمعنى الكلام وذلك سائغ في اللغة فتطلق الكلمة على الكلمات لأن بعضها ارتبط ببعض فصارت في قوة الكلمة الواحدة بخلاف اصطلاح النحاة في تفريقهم بين الكلمة والكلام ثم ذكر المصنف حديث أبي سفيان في قصة هرقل بطوله وقد شرحته في بدء الوحي وأحلت بقية شرحه على الجهاد فلم يقدر إيراده هناك فأوردته هنا وهشام في أول الإسناد هو بن يوسف الصغاني

[ 4278 ] قوله حدثني أبو سفيان من فيه إلى في إنما لم يقل إلى إذني يشير إلى أنه كان متمكنا من الاصغاء إليه بحديث يجيبه إذا أحتاج إلى الجواب فلذلك جعل التحديث متعلقا بفمه وهو في الحقيقة إنما يتعلق بإذنه وأتفق أكثر الروايات على أن الحديث كله من رواية بن عباس عن أبي سفيان إلا ما وقع من رواية صالح بن كيسان عن الزهري في الجهاد فأنه ذكر أول الحديث عن بن عباس إلى قوله فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه التمسوا لي ههنا أحدا من قومه لأسألهم عنه قال بن عباس فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام الحديث كذا وقع عند أبي يعلى من رواية الوليد بن محمد عن الزهري وهذه الرواية المفصلة تشعر بأن فاعل قال الذي وقع هنا من قوله قال وكان دحية الخ هو بن عباس لا أبو سفيان وفاعل قال وقال هرقل هل هنا أحد هو أبو سفيان قوله هرقل بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف على المشهور في الروايات وحكى الجوهري وغير واحد من أهل اللغة سكون الراء وكسر القاف وهو اسم غير عربي فلا ينصرف للعلمية والعجمة قوله فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فيه حذف تقديره فجاءنا رسوله فتوجهنا معه فاستأذن لنا فأذن فدخلنا وهذه الفاء تسمى الفصيحة وهي الدالة على محذوف قبلها هو سبب لما بعدها سميت فصيحة لإفصاحها عما قبلها وقيل لأنها تدل على فصاحة المتكلم بها فوصفت بالفصاحة على الإسناد المجازى ولهذا لا تقع إلا في كلام بليغ ثم إن ظاهر السياق أن هرقل أرسل إليه بعينه وليس كذلك وإنما كان المطلوب من يوجد من قريش ووقع في الجهاد قال أبو سفيان فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام فانطلق بن وبأصحابي حتى قدمنا إلى إيلياء وتقدم في بدء الوحي أن المراد بالبعض غزة وقيصر هو هرقل وهرقل اسمه وقيصر لقبه قوله فدخلنا على هرقل تقدم في بدء الوحي بلفظ فأتوه وهو بإيلياء وفي رواية هناك وهم بإيلياء واستشكلت ووجهت أن المراد الروم مع ملكهم والأول أصوب ز قوله فأجلسنا بين يديه فقال أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي ثم دعا بترجمانه وهذا يقتضى أن هرقل خاطبهم أولا بغير ترجمان ثم دعا بالترجمان لكن وقع في الجهاد بلفظ فقال لترجمانه سلهم أيهم أقرب نسبا الخ فيجمع بين هذا الاختلاف بأن قوله ثم دعا بترجمانه أن فأجلسه إلى جنب أبي سفيان لا أن المراد أنه كان غائبا فأرسل في طلبه فحضر وكأن الترجمان كان واقفا في المجلس كما جرت به عادة ملوك الأعاجم فخاطبهم هرقل بالسؤال الأول فلما تحرر له حال الذي أراد أن يخاطبه من بين الجماعة أمر الترجمان بالجلوس إليه ليعبر عنه بما أراد والترجمان من يفسر لغة بلغة فعلى هذا لا يقال ذلك لمن فسر كلمة غريبة بكلمة واضحة فإن اقتضى معنى الترجمان ذلك فليعرف أنه الذي يفسر لفظا بلفظ وقد اختلف هل هو عربي أو معرب والثاني أشهر وعلى الأول قنونة زائدة اتفاقا ثم قيل هو من ترجيم الظن وقيل من الرجم فعلى الثاني تكون التاء أيضا زائدة ويوجب كونه من الرجم أن الذي يلقى الكلام كأنه يرجم الذي يلقيه إليه قوله أقرب نسبا من هذا الرجل من كأنها ابتدائية والتقدير أيكم أقرب نسبا مبدؤه من هذا الرجل أو هي بمعنى الباء ويؤيده أن في الرواية التي في بدء الوحي بهذا الرجل وفي رواية الجهاد إلى هذا الرجل ولا أشكل فيها فإن أقرب يتعدى بالى قال الله تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد والمفضل عليه محذوف تقديره من غيره ويحتمل أن يكون في رواية الباب بمعنى الغاية فقد ثبت ورودها للغاية مع قلة قوله واجلسوا أصحابي خلفي في رواية الجهاد عند كتفي وهي أخص وعند الواقدي فقال لترجمانه قل لأصحابه إنما جعلتكم عند كتفيه لتردوا عليه كذبا إن قاله قوله عن هذا الرجل أشار أليه إشارة القرب لقرب العهد يذكره أو لأنه معهود في أذهانهم لاشتراك الجميع في معاداته ووقع عند بن إسحاق من الزيادة في هذه القصة وقال أبو سفيان فجعلت أزهده في شأنه واصغر أمره وأقول إن شأنه دون ما بلغك فجعل لا يلتفت إلى ذلك قوله فان كذبني بالتخفيف فكذبوه بالتشديد أي قال لترجمانه يقول لكم ذلك ولما جرت العادة أن مجالس الأكابر لا يواجه أحد فيها بالتكذيب احتراما لهم أذن لهم هرقل في ذلك للمصلحة التي أرادها قال محمد بن إسماعيل التيمي كذب بالتخفيف يتعدى إلى مفعولين مثل صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث قال الله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد وهما من غرائب الألفاظ لمخالفتهما الغائب لأن الزيادة تناسب الزيادة وبالعكس والأمر هنا بالعكس قوله وأيم الله بالهمز وبغير الهمز وفيها لغات أخرى تقدمت قوله يؤثر بفتح المثلثة أي ينقل قوله كيف حسبه كذا هنا وفي غيرها كيف نسبه والنسب الوجه الذي يحصل به الادلاء من جهة الآباء والحسب ما يعده المرء من مفاخر آبائه وقوله هو فينا ذو حسب في غيرها ذو نسب واستشكل الجواب لأنه لم يزد على ما في السؤال لأن السؤال تضمن أن له نسبا أو حسبا والجواب كذلك وأجيب بان التنوين يدل على التعظيم كأنه قال هو فينا ذو نسب كبير أو حسب رفيع ووقع في رواية بن إسحاق كيف نسبه فيكم قال في الذروة وهي بكسر المعجمة وسكون الراء أعلى ما في البعير من السنام فكأنه قال هو من أعلانا نسبا وفي حديث دحية عن البزار حدثني عن هذا الذي خرج بأرضكم ما هو قال شاب قال كيف حسبه فيكم قال هو في حسب ما لا يفضل عليه أحد قال هذه آية قوله هل كان في آبائه ملك في رواية الكشميهني من آبائه وملك هنا بالتنوين وهي تؤيد أن الرواية السابقة في بدء الوحي بلفظ من ملك ليست بلفظ الفعل الماضي قوله قال يزيدون أم ينقصون كذا فيه بإسقاط همزة الاستفهام وقد جزم بن مالك بجوازه مطلقا خلافا لمن خصه بالشعر قوله قال هي يرتد الخ إنما لم يستغن هرقل بقوله بل يزيدون عن هذا السؤال لأنه لا ملازمة بين الارتداد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلا قوله سخطه له يريد أن من دخل في الشيء على بصيرة يبعد رجوعه عنه بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فأنه يتزلزل بسرعة وعلى هذا يحمل حال من ارتد من قريش ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم وفيهم صهره زوج ابنته أم حبيبة وهو عبيد الله بن جحش فأنه كان أسلم وهاجر إلىالحبشة بزوجته ثم تنضر بالحبشة ومات على نصرانيته وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بعده وكأنه ممن لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة وكان أبو سفيان وغيره من قريش يعرفون ذلك منه ولذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه ويحتمل أن يكونوا عرفوه بما وقع له من التنصر وفيه بعد أو المراد بالارتداد الرجوع إلى الدين الأول ولم يقع ذلك لعبيد الله بن جحش ولم يطلع أبو سفيان على من وقع له ذلك زاد في حديث دحية أرأيت من خرج من أصحابه إليكم هل يرجعون إليه قال نعم قوله فهل قاتلتموه نسب ابتداء القتال إليهم ولم يقل قاتلكم فينسب ابتداء القتال إليه محافظة على احترامه أو لأطلاعه على أن النبي لا يبدأ قومه بالقتال حتى يقاتلوه أو لما عرفة من العادة من حمية من يدعي إلى الرجوع عن دينه وفي حديث دحية هل ينكب إذا قاتلكم قال قد قاتله قوم فهزمهم وهزموه قال هذه آية قوله يصيب منا ونصيب منه وقعت المقاتلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش قبل هذه القصة في ثلاثة مواطن بدر واحد والخندق فأصاب المسلمون من المشركين في بدر وعكسه في أحد وأصيب من الطائفتين ناس قليل في الخندق فصح قول أبي سفيان يصيب منا ونصيب منه ولم يصب من تعقب كلامه وأن فيه دسيسة لم ينبه عليها كما نبه على قوله ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها والحق أنه لم يدس في هذه القصة شيئا وقد ثبت مثل كلامه هذا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كما أشرت إليه في بدء الوحي قوله انى سألتك عن حسبه فيكم ذكر الأسئلة والأجوبة على ترتيب ما وقعت وأجاب عن كل جواب بما يقتضيه الحال وحاصل الجميع ثبوت علامات النبوة في الجميع فالبعض مما تلقفه من الكتب والبعض مما استقرأه بالعادة ووقع في بدء الوحي إعادة الأجوبة مشوشة الترتيب وهو من الراوي بدليل أنه حذف منها واحدة وهي قوله هل قاتلتموه الخ ووقع في رواية الجهاد شيء خالفت فيه ما في الموضعين فإنه أضاف قول بم يأمركم الى بقية الأسئلة فكملت بها عشرة وأما هنا فإنه آخر قوله بم يأمركم إلى ما بعد إعادة الأسئلة والأجوبة وما رتب عليها وقوله قال لترجمانه قل له أي قل لأبي سفيان إني سألتك أي قل له حاكيا عن هرقل أني سألتك أو المراد أني سألتك على لسان هرقل لأن الترجمان يعيد كلام هرقل ويعيد لهرقل كلام أبي سفيان ولا يبعد أن يكون هرقل كان يفقه بالعربية ويأنف من التكلم بغير لسان قومه كما جرت به عادة الملوك من الأعاجم قوله قلت لو كان من آبائه أي قلت في نفسي بن وأطلق على حديث النفس قولا قوله ملك أبيه أفرده ليكون أعذر في طلب الملك بخلاف ما لو قال ملك آبائه أو المراد بالأب ما هو أعم من حقيقته ومجازه قوله وكذلك الإيمان إذا خالط يرجح أن الرواية التي في بدء الوحي بلفظ حتى يخالط وهم والصواب حين كما للأكثر قوله قلت يأمرنا بالصلاة الخ في بدء الوحي فقلت يقول اعبدوا الله الخ واستدل به على إطلاق الأمر على صيغة أفعل وعلى عكسه وفيه نظر لأن الظاهر أنه من تصرف الرواة ويستفاد منه أن المأموارت كلها كانت معروفة عند هرقل ولهذا لم يستفسره عن حقائقها قوله أن يك ما تقول فيه حقا فإنه نبي وقع في رواية الجهاد وهذه صفة نبي وفي مرسل سعيد بن المسيب عند بن أبي شيبة فقال هو نبي ووقع في أمالى المحاملي رواية الاصبهانيين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان أن صاحب بصري أخذه وناسا معه وهم في تجارة فذكر القصة مختصرة دون الكتاب وما فيه وزاد في آخرها قال فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها قلت نعم فأدخلت كنيسة لهم فيها الصور فلم أره ثم أدخلت أخرى فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبي بكر إلا أنه دونه وفي دلائل النبوة لأبي نعيم بإسناد ضعيف أن هرقل أخرج لهم سقطا من ذهب عليه قفل من ذهب فأخرج منه حريرة مطوية فيها صور فعرضها عليهم إلى أن كان آخرها صورة محمد فقلنا باجمعنا هذه صورة محمد فذكر لهم أنها صور الأنبياء وأنه خاتمهم صلى الله عليه وسلم قوله وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أك أظنه منكم أي أعلم أن نبيا سيبعث في هذا الزمان لكن لم أعلم تعيين جنسه وزعم بعض الشراح أنه كان يظن أنه من بني إسرائيل لكثرة الأنبياء فيهم وفيه نظر لأن اعتماد هرقل في ذلك كان على ما اطلع عليه من الاسرائيليات وهي طافحة بان النبي الذي يخرج في آخر الزمان من ولد إسماعيل فيحمل قوله لم أكن أظن أنه منكم أي من قريش قوله لأحببت لقاءه في بدء الوحي لتجشمت بجيم ومعجمة أي تكلفت ورجحها عياض لكن نسبها لرواية مسلم خاصة وهي عند البخاري أيضا وقال النووي قوله لتجشمت لقاءه أي تكلفت الوصول إليه وارتكبت المشقة في ذلك ولكني أخاف أن اقتطع دونه قال ولا عذر له في هذا لأنه عرف صفة النبي لكنه شح بملكه ورغب في بقاء رياسته فآثرها وقد جاء ذلك مصرحا به في صحيح البخاري قال شيخنا شيخ الإسلام كذا قال ولم أر في شيء من طرق الحديث في البخاري ما يدل على ذلك قلت والذي يظهر لي أن النووي عني ما وقع في آخر الحديث عند البخاري دون مسلم من القصة التي حكاها بن الناطور وأن في آخرها في بدء الوحي أن هرقل قال إني قلت مقالتي آنفا اختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت وزاد في آخر حديث الباب فقد رأيت الذي أحببت فكأن النووي أشار إلى هذا والله أعلم وقد وقع التعبير بقوله شح بملكه في الحديث الذي أخرجه قوله ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ظاهره أن هرقل هو الذي قرأ الكتاب ويحتمل أن يكون الترجمان قرأه ونسبت قراءته إلى هرقل مجازا لكونه الأمر به وقد تقدم في رواية الجهاد بلفظ ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرىء وفي مرسل محمد بن كعب القرظي عند الواقدي في هذه القصة فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربيه فقرأه ووقع في رواية الجهاد ما ظاهره أن قراءة الكتاب وقعت مرتين فإن في أوله فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه التمسوا لي ههنا أحدا من قومه لأسالهم عنه قال بن عباس فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام في رجال من قريش فذكر القصة إلى أن قال ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرىء والذي يظهر لي أن هرقل قرأه بنفسه أولا ثم لما جمع قومه وأحضر أبا سفيان ومن معه وسأله وأجابه أمر بقراءة الكتاب على الجميع ويحتمل أن يكون المراد بقوله أولا فقال حين قرأه أي قرأ عنوان الكتاب لأن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كان مختوما بختمه وختمه محمد رسول الله ولهذا قال إنه يسأل عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ويؤيد هذا الاحتمال أن من جملة الأسئلة قول هرقل بم يأمركم فقال أبو سفيان يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وهذا بعينه في الكتاب فلو كان هرقل قرأه أولا ما أحتاج إلى السؤال عنه ثانيا نعم يحتمل أن يكون سأل عنه ثانيا مبالغة في تقريره قال النووي في هذه القصة فوائد منه جواز مكاتبة الكفار ودعاؤهم إلى الإسلام قبل القتال وفيه تفصيل فمن بلغته الدعوة وجب إنذارهم قبل قتالهم وإلا استحب ومنها وجوب العمل بخير الواحد وإلا لم يكن في بعث الكتاب مع دحية وحده فائدة ومنها وجوب العمل بالخط إذا قامت القرائن بصدقه قوله فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم قال النووي فيه استحباب تصدير الكتب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا ويحمل قوله في حديث أبي هريرة كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع أي بذكر الله كما جاء في رواية أخرى فإنه روى على أوجه يذكر الله ببسم الله بحمد الله قال وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام ولم يبدأ فيه بلفظ الحمد بل بالبسملة انتهى والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو عوانة في صحيحه وصححه بن حبان أيضا وفي إسناده مقال وعلى تفسير صحته فالرواية المشهورة فيه بلفظ حمد الله وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية ثم اللفظ وأن كان عاما لكن أريد به الخصوص وهي الأمور التي تحتاج إلى تقدم الخطبة وأما المراسلات فلم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بابتدائها بذلك وهو نظير الحديث الذي أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذباء فالابتداء بالحمد واشتراط التشهد خاص بالخطبة بخلاف بقية الأمور المهمة فبعضها يبدأ فيه بالبسملة تامة كالمراسلات وبعضها ببسم الله فقط كما في أول الجماع والذبيحة وبعضها بلفظ من الذكر مخصوص كالتكبير وقد جمعت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد بل بالبسملة وهو يؤيد ما قررته والله أعلم وقد تقدم في الحيض استدلال المصنف بهذا الكتاب على جواز قراءة الجنب القرآن وما يرد عليه وكذا في الجهاد الاستدلال به على جواز السفر بالقرآن إلى أرض العدو وما يرد عليه بما أغنى عن الإعادة ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عند بن أبي شيبة أن هرقل لما قرأ الكتاب قال هذا كتاب لم أسمعه بعد سليمان عليه السلام كأنه يريد الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم وهذا يؤيد ما قدمناه أنه كان عالما بأخبار أهل الكتاب قوله من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع في بدء الوحي وفي الجهاد من محمد بن عبد الله ورسوله قوفيه إشارة إلى أن رسل الله وإن كانوا أكرم الخلق على الله فهم مع ذلك مقرون بأنهم عبيد الله وكأن فيه إشارة إلى بطلان ما تدعيه النصارى في عيسى عليه السلام وذكر المدائني أن القارئ لما قرأ من محمد رسول الله إلى عظيم الروم غضب آخو هرقل واجتذب الكتاب فقال له هرقل مالك فقال بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم فقال هرقل انك لضعيف الرأي أتريد أن أرمى بكتاب قبل أن أعلم ما فيه لئن كان رسول الله إنه لأحق أن يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الروم والله مالكى ومالكهم وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده من طريق عبد الله بن شداد عن دحية بعثني النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الى هرقل فقدمت عليه فأعطيته الكتاب وعنده بن أخ له أحمر أزرق سبط الرأس بن فلما قرأ الكتاب نخر بن أخيه نخرة فقال لا تقرأ فقال قيصر لم قال لأنه بدأ بنفسه وقال صاحب الروم ولم يقل ملك الروم قال اقرأ فقرأ الكتاب قوله إلى هرقل عظيم الروم عظيم بالجر على البدل ويجوز الرفع على القطع والنصب على الاختصاص والمراد من تعظمة الروم وتقدمه للرياسة عليها قوله أما بعد تقدم في كتاب الجمعة في باب من قال في الخطبة بعد الثاء أما بعد الإشارة إلى عدد من روى من الصحابة هذه الكلمة وتوجيهها ونقلت هناك أن سيبويه قال أن معنى أما بعد مهما يكن من شيء وأقول هنا سيبويه لا يخص ذلك بقولنا أما بعد بل كل كلام أوله أما وفيه معنى الجزاء قاله في مثل أما عبد الله فمنطلق والفاء لازمة في أكثر الكلام وقد تحذف وهو نادر قال الكرماني فإن قلت أما للتفصيل فأين القسيم ثم أجاب بأن التقدير أما الابتداء فهو بسم الله وأما المكتوب فهو من محمد الخ وأما المكتوب به فهو ما ذكر في الحديث وهو توجيه مقبول لكنه لا يطرد في كل موضع ومعناها الله الفصل بين الكلامين واختلف في أول من قالها فقيل داود عليه السلام وقيل يعرب بن قحطان وقيل كعب بن لؤي وقيل قس بن ساعده وقيل سحبان وفي غرائب مالك الداراقطنى أن يعقوب عليه السلام قالها فإن ثبت وقلنا أن قحطان من ذرية إسماعيل فيعقوب أول من قالها مطلقا وإن قلنا أن قحطان قبل إبراهيم عليه السلام فيعرب أول من قالها والله أعلم قوله أسلم تسلم فيه بشارة لمن دخل في الإسلام أنه يسلم من الآفات اعتبارا بأن ذلك لا يختص بهرقل كما أنه لا يختص بالحكم الآخر وهو قوله أسلم يؤتك الله أجرك مرتين لأن ذلك عام في حق من كان مؤمنا بنبيه ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم قوله وأسلم يؤتك فيه تقوية لأحد الاحتمالين المتقدمين في بدء الوحي وأنه أعاد أسلم تأكيدا ويحتمل أن يكون قوله أسلم أولا أي لا تعتقد في المسيح ما تعتقده النصارى وأسلم ثانيا أي ادخل في دين الإسلام فلذلك قال بعد ذلك يؤتك الله أجرك مرتين تنبيه لم يصرح في الكتاب بدعائه إلى الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة لكن ذلك منطو في قوله والسلام على من أتبع الهدى وفي قوله أدعوك بدعاية الإسلام وفي قوله أسلم فإن جميع ذلك يتضمن الإقرار بالشهادتين قوله إثم الاريسيين تقدم ضبطه وشرحه في بدء الوحي ووجدته هناك في أصل معتمد بتشديد الراء وحكى هذه الرواية أيضا صاحب المشارق وغيره وفي أخرى الاريسين بتحتانية واحدة قال بن الأعرابي ارس يأرس بالتخفيف فهو أريس وأرس بالتشديد يؤرس فهو أريس وقال الأزهري بالتخفيف وبالتشديد الأكار لغة شامية وكان أهل السواد أهل فلاحة وكانوا مجوسا وأهل الروم أهل صناعة فأعلموا بأنهم وإن كانوا أهل كتاب فإن عليهم إن لم يؤمنوا من الإثم إثم المجوس انتهى وهذا توجيه آخر لم يتقدم ذكره وحكى غيره أن الاريسيين ينسبون إلى عبد الله بن أريس رجل كان تعظمه النصارى ابتدع في دينهم أشياء مخالفة لدين عيسى وقيل أنه من قوم بعث إليهم نبي فقتلوه فالتقدير على هذا فإن عليك مثل إثم الاريسيين وذكر بن حزم أن أتباع عبد الله بن أريس كانوا أهل مملكة هرقل ورده بعضهم بأن الاريسيين كانوا قليلا وما كانوا يظهرون رأيهم فإنهم كانوا ينكرون التثليث وما أظن قول بن حزم إلا عن أصل فأنه لا يجازف في النقل ووقع في رواية الأصيلي اليريسيين بتحتانية في أوله وكأنه بتسهيل الهمزة وقال بن سيده في المحكم الأريس الأكار عند ثعلب والأمين عند كراع فكأنه من الأضداد أي يقال للتابع والمتبوع والمعنى في الحديث صالح على الرأيين فإن كان المراد التابع فالمعنى إن عليك مثل إثم التابع لك على ترك الدخول في الإسلام وأن كان المراد المتبوع فكأنه قال فإن عليك إثم المتبوعين وإثم المتبوعين يضاعف باعتبار ما وقع لهم من عدم الاذعان إلى الحق من اضلال أتباعهم وقال النووي نبه بذكر الفلاحين على بقية الرعية لأنهم الأغلب ولأنهم أسرع انقيادا وتعقب بأن من الرعايا غير الفلاحين من له صرامة وقوة وعشيرة فلا يلزم من دخول الفلاحين في الإسلام دخول بقية الرعايا حتى يصح أنه نبه بذكرهم على الباقين كذا تعقبه شيخنا شيخ الإسلام والذي يظهر أن مراد النووي أنه نبه بذكر طائفة من الطوائف على بقية الطوائف كأنه يقول إذا امتنعت كان عليك إثم كل من أمتنع بامتناعك وكان يطيع لو أطعمت كالفلاحين فلا وجه للتعقب عليه نعم قول أبي عبيد في كتاب الأموال ليس المراد بالفلاحين الزراعين فقط بل المراد به جميع أهل المملكة إن أراد به على التقرير الذي قررت به كلام النووي فلا اعتراض عليه وإلا فهو معترض وحكى أبو عبيد أيضا أن الاريسيين هم الخول والخدم وهذا أخص من الذي قبله إلا أن يريد بالخول ما هو أعم بالنسبة إلى من يحكم الملك عليه وحكى الأزهري أيضا أن الاريسيين قوم من المجوس كانوا يعبدون النار ويحرمون الزنا وصناعتهم الحراثة ويخرجون العشر مما يزعون لكنهم يأكلون الموقوذة وهذا أثبت فمعنى الحديث فإن عليك مثل إثم الاريسيين كما تقدم قوله فلما فرغ أي القارئ ويحتمل أن يريد هرقل ونسب إليه ذلك مجازا لكونه الآمر به ويؤيده قوله بعده عنده فإن الضمير فيه وفيما بعده لهرقل جزما قوله ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط ووقع في الجهاد فلما أن قضى مقالته علمت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لفظهم فلا أدرى ما قالوا لكن يعرف من قرائن الحال أن اللغط كان لما فهموه من هرقل من ميله إلى التصديق قوله لقد أمر أمر بن أبي كبشة تقدم ضبطه في بدء الوحي وأن أمر الأول بفتح الهمزة وكسر الميم والثاني بفتح الهمزة وسكون الميم وحكى بن التين أنه روى بكسر الميم أيضا وقد قال كراع في المجرد ورع أمر بفتح ثم كسر أي كثير فحينئذ يصير المعنى لقد كثر كثيرا بن بن كبشة وفيه قلق وفي كلام الزمخشري ما يشعر بان الثاني بفتح الميم فإنه قال أمرة على وزن بركة الزيادة ومنه قول أبي سفيان لقد أمر أمر محمد انتهى هكذا أشار إليه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين في شرحه ورده والذي يظهر لي أن الزمخشري إنما أراد تفسير اللفظة الأولى وهي أمر بفتح ثم كسر وأن مصدرها أمر بفتحتين والأمر بفتحتين الكثرة والعظم والزيادة ولم يرد ضبط اللفظة الثانية والله أعلم قوله قال الزهري فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم الخ هذه قطعة من الرواية التي وقعت في بدء الوحي عقب القصة التي حكاها بن الناطور وقد بين هناك أن هرقل دعاهم في دسكرة له بحمص وذلك بعد أن رجع من بيت المقدس وكاتب صاحبه الذي برومية فجاءه جوابه يوافقه على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالفاء في قوله فدعا فصيحة والتقدير قال الزهري فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه برومية فجاءه جوابه فدعا الروم تنبيه وقع في سيرة بن إسحاق من روايته عن الزهري بإسناد حديث الباب إلى أبي سفيان بعض القصة التي حكاها الزهري عن بن الناطور والذي يظهر لي أنه دخل عليه حديث في حديث ويؤيده أنه حكى قص الكتاب عن الزهري قال حدثني اسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان قلت وهذا هو بن الناطور وقصة الكتاب إنما ذكرها الزهري من طريق أبي سفيان وقد فصل شعيب بن أبي حمزة عن الزهري الحديث تفصيلا واضحا وهو أوثق من بن إسحاق وأتقن فروايته هي المحفوظة ورواية بن إسحاق شاذة ومحل هذا التنبيه أن يذكر في الكلام على الحديث في بدء الوحي لكن فات ذكره هناك فاستدركته هنا قوله فجمعهم في دار له فقال تقدم في بدء الوحي أنه جمعهم في كان وكان هو في أعلاه فاطلع عليهم وصنع ذلك خوفا على نفسه أن ينكروا مقالته فيبادروا إلى قتله وقوله آخر الأبد أي يدوم ملككم إلى آخر الزمان لأنه عرف من الكتب أن لا أمة بعد هذه الأمة ولا دين بعد دينها وأن من دخل فيه آمن على نفسه فقال لهم ذلك قوله فقال على بهم فدعا بهم فقال فيه حذف تقديره فردوهم فقال قوله فقد رأيت منكم الذي أحببت يفسر ما وقع مختصرا في بدء الوحي مقتصرا على قوله فقد رأيت واكتفى بذلك عما بعده قوله فسجدوا له ورضوا عنه يشعر بأنه كان من عادتهم السجود لملوكهم ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى تقبيلهم الأرض حقيقة فإن الذي يفعل ذلك ربما صار غالبا كهيئة الساجد وأطلق أنهم رضوا عنه بناء على رجوعهم عما كانوا هموا به عند تفرقهم عنه من الخروج والله أعلم وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم البداءة باسم الكاتب قبل المكتوب إليه وقد أخرج أحمد وأبو داود عن العلاء بن الحضرمي أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان عامله على البحرين فبدأ بنفسه من العلاء إلىمحمد رسول الله وقال ميمون كانت عادة ملوك العجم إذا كتبوا إلى ملوكهم بدءوا باسم ملوكهم فتبعتهم بنو أمية قلت وسيأتي في الأحكام أن بن عمر كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية وإلى عبد الملك كذلك وكذا جاء عن زيد بن ثابت إلى معاوية وعند البزار بسند ضعيف عن حنظلة الكاتب أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه عليا وخالد بن الوليد فكتب إليه خالد فبدأ بنفسه وكتب إليه على فبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب على واحد منهما وقد تقدم الكلام على أما بعد في كتاب الجمعة

قوله باب لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون الآية كذا لأبي ذر ولغيره إلى به عليم ثم ذكر المصنف حديث أنس في قصة بيرحاء وقد تقدم ضبطها في الزكاة وشرح الحديث في الوقف

[ 4279 ] قوله وقال عبد الله بن يوسف وروح بن عبادة عن مالك قال رابح يعني أن المذكورين رويا الحديث عن مالك بإسناده فوافقا فيه إلا في هذه اللفظة فأما رواية عبد الله بن يوسف فوصلها المؤلف في الوقف عنه ووقع عند المزي أنه أوردها في التفسير موصولة عن عبد الله بن يوسف أيضا وأما رواية روح بن عبادة فتقدم في الوكالة أن أحمد وصلها عنه وذكرت هناك ما وقع للرواة عن مالك في ضبط هذه اللفظة وهل هي رابح بالموحدة أو التحتانية مع الشرح قوله حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك رايح كذا اختصره وكان قد ساقه بتمامه من هذا الوجه في كتاب الوكالة تنبيه وقع هنا لغير أبي ذر حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس قال فجعلها لحسان وأبي بن كعب وأنا أقرب إليه منهما ولم يجعل لي منها شيئا وهذا طرف من الحديث وقد تقدم بتمامه في الوقف مع شرحه وأغفل المزي التنبيه على هذا الطريق هنا وممن عمل بالآية بن عمر فروى البزار من طريقه أنه قرأها قال فلم أجد شيئا أحب إلى من مرجانة جارية لي رومية فقلت هي حرة لوجه الله فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لتزوجتها

قوله باب قل فأتوا بالتوراة فأتلوها إن كنتم صادقين ذكر فيه حديث بن عمر في قصة اليهوديين اللذين زنيا وسيأتي شرحه في الحدود وقوله في هذه الرواية كيف تفعلون في رواية الكشميهني كيف تعملون وقوله نحممهما بمهملة ثم ميم مثقلة أي نسكب عليهما الماء الحميم وقيل نجعل في وجوهما الحمة بمهملة وميم خفيفة أي السواد وسيأتي ما في ذلك عند شرح الحديث وقوله فوضع مدراسها بكسر أوله كذا للكشميهني ولغيره مدارسها بضم أوله وتقديم الألف بوزن المفاعلة من الدراسة والأول أوجه

[ 4280 ] قوله فلما رأوا ذلك قالوا في رواية الكشميهني بالافراد فيهما قوله يجنأ بجيم ساكنة ثم نون مفتوحة ثم همزة وللكشميهني يحيى بالمهملة وكسر النون بغير همز

قوله باب كنتم خير أمة أخرجت للناس ذكر فيه حديث أبي هريرة في تفسيرها غير مرفوع وقدتقدم في أواخر الجهاد من وجه آخر مرفوعا وهو يرد قول من تعقب البخاري فقال هذا موقوف لا معنى لادخاله في المسند

[ 4281 ] قوله سفيان هو الثوري قوله عن ميسرة هو بن عمار الأشجعي كوفي ثقة ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في بدء الخلق ويأتي في النكاح وشيخه أبو حازم بمهملة ثم زاى هو سليمان الأشجعي وقوله خير الناس للناس أي خير بعض الناس لبعضهم أي أنفعهم لهم وإنما كان ذلك لكونهم كانوا سببا في إسلامهم وبهذا التقرير يندفع تعقب من زعم بأن التفسير المذكور ليس بصحيح وروى بن أبي حاتم والطبري من طريق السدي قال قال عمر لو شاء الله لقال أنتم خير امة فكنا كلنا ولكن قال كنتم فنهى خاصة لأصحاب محمد ومن صنع مثل صنيعهم وهذا منقطع وروى عبد الرزاق وأحمد والنسائي والحاكم من حديث بن عباس بإسناد جيد قال هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أخص من الذي قبله وللطبراني من طريق بن جريج عن عكرمة قال نزلت في بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وهذا موقوف فيه انقطاع وهو أخص مما قبله وروى الطبري من طريق مجاهد قال معناه على الشرط المذكور تأمرون بالمعروف الخ وهذا أعم وهو نحو الأول وجاء في سبب هذا الحديث ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال كان من قبلكم لا يأمن هذا في بلاد هذا ولا هذا في بلاد هذا فلما كنتم أنتم أمن فيكم الأحمر والأسود ومن وجه آخر عنه قال لم تكن أمة دخل فيها من أصناف الناس مثل هذه الأمة وعن أبي بن كعب قال لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة أخرجه الطبري بإسناد حسن عنه وهذا كله يقتضى حملها على عموم الأمة وبه جزم الفراء واستشهد بقوله واذكروا إذ أنتم قليل وقوله واذكروا إذ كنتم قليلا قال وحذف كان في مثل هذا وإظهارها سواء وقال غيره المراد بقوله كنتم في اللوح المحفوظ أو في علم الله تعالى ورجح الطبري أيضا حمل الآية على عموم الأمة وأيد ذلك بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية كنتم خير أمة أخرجت للناس قال أنتم متمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله وهو حديث حسن صحيح أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه وله شاهد مرسل عن قتادة عند الطبري رجاله ثقات وفي حديث على عند أحمد بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وجعلت أمتي خير الأمم

قوله باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ذكر فيه حديث جابر وقد تقدم مشروحا في غزوة أحد وقوله والله وليهما ذكر الفراء أن في قراءة بن مسعود والله وليهم قال وهو كقوله وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا

قوله باب ليس لك من الأمر شيء سقط باب لغير أبي ذر قوله

[ 4283 ] أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله فلانا وفلانا وفلانا تقدمت تسميتهم في غزوة أحد من رواية مرسلة أوردها المصنف عقب هذا الحديث بعينه عن حنظلة بن أبي سفيان عن سالم بن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمير والحارث بن هشام فنزلت وأخرج أحمد والترمذي هذا الحديث موصولا من رواية عمرو بن حمزة عن سالم عن أبيه فسماهم وزاد في آخر الحديث فتيب عليهم كلهم وأشار بذلك إلى قوله في بقية الآية أو يتوب عليهم ولأحمد أيضا من طريق محمد بن عجلان عن نافع عن بن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على أربعة فنزلت قال وهداهم الله للإسلام وكان الرابع عمرو بن العاصي فقد عزاه السهيلي لرواية الترمذي لكن لم أره فيه والله أعلم

[ 4284 ] قوله رواه إسحاق بن راشد عن الزهرى أي بالإسناد المذكور وهو موصول عند الطبراني في المعجم الكبير من طريقه قوله كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد أي في صلاته قوله قنت بعد الركوع تمسك بمفهومه من زعم أن القنوت قبل الركوع قال وإنما يكون بعد الركوع عند إرادة الدعاء على قوم أو لقوم وتعقب أحتمال أن مفهومه أن القنوت لم يقع إلا في هذه الحالة ويؤيده ما أخرجه بن خزيمة بإسناد صحيح عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم وقد تقدم بيان الاختلاف في القنوت وفي محله في آخر باب الوتر قوله الوليد بن الوليد أي بن المغيرة وهو أخو خالد بن الوليد وكان ممن شهد بدرا مع المشركين وأسر وفدى نفسه ثم أسلم فحبس بمكة ثم تواعد هو وسلمة وعياش المذكورين معه وهربوا من المشركين فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمخرجهم فدعا لهم أخرجه عبد الرزاق بسند مرسل ومات الوليد المذكور لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم روينا ذلك في فوائد الزيادات من حديث الحافظ أبي بكر بن زياد النيسابوري بسند عن جابر قال رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح صبيحة خمس عشرة من رمضان فقال اللهم أنج الوليد بن الوليد الحديث وفيه فدعا بذلك خمسة عشر يوما حتى إذا كان صبيحة يوم الفطر ترك الدعاء فسأله عمر فقال أو ما علمت أنهم قدموا قال بينما هو يذكرهم انفتح عليهم الطريق يسوق بهم الوليد بن الوليد قد نكت إصبعه بالحرة وساق بهم ثلاثا على قدميه فنهج بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى قضى فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشهيد أنا على هذا شهيد ورثته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بأبيات مشهورة قوله وسلمة بن هشام أي بن المغيرة وهو بن عم الذي قبله وهو أخو أبي جهل وكان من السابقين إلى الإسلام واستشهد في خلافه أبي بكر بالشام سنة أربع عشرة قوله وعياش هو بالتحتانية ثم المعجمة وأبوه أبو ربيعة اسمه عمرو بن المغيرة فهو عم الذي قبله أيضا وكان من السابقين الىالاسلام أيضا وهاجر الهجرتين ثم خدعة أبو جهل فرجع إلىمكة فحبسه ثم فر مع رفيقيه المذكورين وعاش إلى خلافة عمر فمات كان سنة خمس عشرة وقيل قبل ذلك والله أعلم قوله وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر كأنه يشير إلى أنه لا يداوم على ذلك قوله اللهم العن فلانا وفلانا لاحياء من العرب وقع تسميتهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم بلفظ اللهم العن رعلا وذكوان وعصية قوله حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء تقدم استشكاله في غزوة أحد وأن قصة وعل وذكوان كانت بعد أحد ونزول ليس لك من الأمر شيء كان في قصة أحد فكيف يتأخر السبب عن النزول ثم ظهر لي علة الخبر وأن فيه إدراجا وأن قوله حتى أنزل الله منقطع من رواية الزهري عمن بلغه بين ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا قال يعني الزهري ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت وهذا البلاغ لا يصح لما ذكرته وقد ورد في سبب نزول الآية شيء آخر لكنه لا ينافي ما تقدم بخلاف قصة رعل ذكوان فعند أحمد ومسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج وجهه حتى سأل الدم على وجهه فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء الآية وطريق الجمع بينه وبين حديث بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فنزلت الآية في الأمرين معا فيما وقع له من الأمر المذكور وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم وذلك كله في أحد بخلاف قصة رعل وذكوان فأنها أجنبية ويحتمل أن يقال إن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلا ثم نزلت في جميع ذلك والله أعلم

قوله باب قوله تعالى والرسول يدعوكم في أخراكم وهو تأنيث آخركم كذا وقع فيه وهو تابع لأبي عبيدة فإنه قال أخراكم آخركم وفيه نظر لأن أخرى تأنيث آخر بفتح الخاء لاكسرها وقد حكى الفراء أن من العرب من يقول في اخراتكم بزيادة المثناة قوله وقال بن عباس إحدى الحسنيين فتحا أو شهادة كذا وقع هذا التعليق بهذه الصورة ومحله في سورة براءة ولعله أورده هنا للإشارة إلى أن إحدى الحسنيين وقعت في أحد وهي الشهادة وقد وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مثله ثم ذكر المصنف طرفا من حديث البراء في قصة الرماة يوم أحد وقد تقدم بتمامه مع شرحه في المغازي

قوله باب قوله آمنة نعاسا

[ 4286 ] قوله حدثني إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو يعقوب هو بغدادي لقبه لؤلؤ ويقال يؤيؤ بتحتانيتين وهو بن عم أحمد بن منيع وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في كتاب الرقاق وهو ثقة بانفاق وعاش بعد البخاري ثلاث سنين مات سنة تسع وخمسين ثم ذكر حديث أبي طلحة في النعاس يوم أحد وقد تقدم في المغازي من وجه آخر عن قتادة مع شرحه

قوله باب قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ساق الآية إلى عظيم قوله القرح الجراح هو تفسير أبي عبيدة وكذا أخراجه بن جرير من طريق سعيد بن جبير مثله وروى سعيد بن منصور بإسناد جيد عن بن مسعود أنه قرأ القرح بالضم قلت وهي قراءة أهل الكوفة وذكر أبو عبيد عن عائشة أنها قالت اقرأها بالفتح لا بالضم قال الأخفش الفرح بالضم وبالفتح المصدر فالضم لغة أهل الحجاز والفتح لغة غيرهم كالضعف والضعف وحكى الفراء أنه بالضم الجرح وبالفتح ألمه وقال الراغب القرح بالفتح أثر الجراحة وبالضم أثرها من داخل قوله استجابوا أجابوا ويستجيب يجيب هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى فاستجاب لهم أي أجابهم تقول العرب استجيتك أي أجبتك قال كعب الغنوي وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب وقال في قوله تعالى ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي يجيب الذين آمنوا وهذه في سورة الشورى وإنما أوردها المصنف استشهادا للآية الأخرى تنبيه لم يسق البخاري في هذا الباب حديثا وكأنه بيض له واللائق به حديث عائشة أنها قالت لعروة في هذه الآية يا بن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر وقد تقدم في المغازي مع شرحه وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس قال لما رجع المشركون عن أحد قالوا لا محمدا قتلتم ولا الكواعب ردفتم بئسما صنعتم فرجعوا فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد فبلغ المشركين فقالوا نرجع من قابل فأنزل الله تعالى الذين استجابوا لله والرسول الآية أخرجه النسائي وابن مردويه ورجاله رجال الصحيح إلا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه بن عباس ومن الطريق المرسلة أخرجه أبن أبي حاتم وغيره

قوله باب قوله الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم في رواية أبي ذر باب إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم وزاد غيره الآية

[ 4287 ] قوله حدثنا أحمد بن يونس أراه قال حدثنا أبو بكر كذا وقع القائل أراه هو البخاري وهو بضم الهمزة بمعنى أظنه وكأنه عرض له شك في اسم شيخ شيخه وقد أخرجه الحاكم من طريق أحمد بن إسحاق عن أحمد بن يونس حدثنا أبو بكر بن عياش بإسناده المذكور بغير شك لكن وهم الحاكم في استدراكه قوله عن أبي حصين بفتح المهملة واسمه عثمان بن عاصم ولأبي بكر بن عياش في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه بن مردويه من وجه آخر عنه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فنزلت هذه الآية قوله عن أبي الضحى اسمه مسلم بن صبيح بالتصغير قوله قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار في الرواية التي بعدها أن ذلك آخر ما قال وكذا وقع في رواية الحاكم المذكورة ووقع عند النسائي من طريق يحيى بن أبي بكير عن أبي بكر كذلك وعند أبي نعيم في المستخرج من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا الإسناد أنها أول ما قال فيمكن أن يكون أول شيء قال وآخر شيء قال والله أعلم قوله حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فيه إشارة إلى ما أخرجه بن إسحاق مطولا في هذه القصة وأن أبا سفيان رجع بقريش بعد أن توجه من أحد فلقيه معبد الخزاعي فأخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في جمع كثير وقد اجتمع معه من كان تخلف عن أحد وندموا فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه فرجعوا وأرسل أبو سفيان ناسا فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان وأصحابه يقصدونهم فقال حسبنا الله ونعم الوكيل ورواه الطبري من طريق السدي نحوه ولم يسم معبدا قال أعرابيا ومن طريق بن عباس موصولا لكن بإسناد لين قال استقبل أبو سفيان عيرا وأردة المدينة ومن طريق مجاهد أن ذلك كان من أبي سفيان في العام المقبل بعد أحد وهي غزوة بدر الموعد ورجح الطبري الأول ويقال إن الرسول بذلك كان نعيم بن مسعود الأشجعي ثم أسلم نعيم فحسن إسلامه قيل إطلاق الناس على الواحد لكونه من جنسهم كما يقال فلان يركب الخيل وليس له إذ ذاك إلا فرس واحد قلت وفي صحة هذا المثال نظر

قوله باب ولا يحسبن الذي يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية ساق غير أبي ذر إلى قوله خبير قال الواحدى أجمع المفسرون على انها نزلت في مانعى الزكاة وفي صحة هذا النقل نظر فقد قيل إنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة محمد قاله بن جريج واختاره الزجاج وقيل فيمن يبخل بالنفقة في الجهاد وقيل على العيال وذي الرحم المحتاج نعم الأول هو الراجح واليه أشار البخاري قوله سيطوقون كقولك طوقته يطوق قال أبو عبيدة في قوله تعالى سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة أي يلزمون كقولك طوقته بالطوق وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي بإسناد جيد في هذه الآية سيطوقون قال بطوق من النار ثم ذكر حديث أبي هريرة فيمن لم يؤد الزكاة وقد تقدم مع شرحه في أوائل كتاب الزكاة وكذا الاختلاف في التطويق المذكور هل يكون حسيا أو معنويا وروى أحمد والترمذي والنسائي وصححه بن خزيمة من طريق أبي وائل عن عبد الله مرفوعا لا يمنع عبد زكاة ماله إلا جعل الله له شجاعا أقرع يطوق في عنقه ثم قرأ مصداقة في كتاب الله سيطوفون ما بخلوا به يوم القيامة وقد قيل إن الآية نزلت في اليهود الذين سئلوا أن يخبروا بصفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فبخلوا بذلك وكتموه ومعنى قوله سيطوقون ما بخلوا أي بائمه

قوله باب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنها نزلت في كعب بن الأشرف فيما كان يهجو به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الشعر وقد تقدم في المغازي خبره وفيه شرح حديث من لكعب بن الأشرف فأنه آذى الله ورسوله وروى بن أبي حاتم وابن المنذر بإسناد حسن عن بن عباس أنها نزلت فيما كان بين أبي بكر وبين فنحاص اليهودي في قوله تعالى أن الله فقير ونحن اغنياء تعالى الله عن قوله فغضب أبو بكر فنزلت

[ 4290 ] قوله على قطيفة فدكية أي كساء غليظ منسوب إلى فدك بفتح الفاء والدال وهي بلد مشهور على مرحلتين من المدينة قوله يعود سعد بن عبادة فيه عيادة الكبير بعض أتباعه في داره وقوله في بني الحارث بن الخزرج أي في منازل بني الحارث وهم قوم سعد بن عبادة قوله قبل وقعة بدر في رواية الكشميهني وقيعة قوله وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي أي قبل أن يظهر الإسلام قوله فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود المسلمين كذا فيه تكرار لفظ المسلمين آخرا بعد البداءة به والأولى حذف أحدهما وسقطت الثانية من رواية مسلم وغيره وأما قوله عبدة الأوثان فعلى البدل من المشركين وقوله اليهود يجوز أن يكون معطوفا على البدل أو على المبدل منه وهو أظهر لأن الهيود مقرون بالتوحيد نعم من لازم قول من قال منهم عزيز بن الله تعالى الله عن قولهم الإشراك وعطفهم على أحد التقديرين تنويها بهم في الشر ثم ظهر لي رجحان أن يكون عطفا على المبدل منه كأنه فسر المشركين بعبدة الأوثان وباليهود ومنه يظهر توجيه إعادة لفظ المسلمين كأنه فسر الخلاط بشيئين المسلمين والمشركين ثم لما فسر المشركين بشيئين رأى إعادة ذكر المسلمين تأكيدا ولو كان قال أولاهن المسلمين والمشركين واليهود ما احتاج إلى إعادة وإطلاق المشركين على اليهود لكونهم يضاهون قولهم ويرجحونهم على المسلمين ويوافقونهم في تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاداته وقتاله بعد ما تبين لهم الحق ويؤيد ذلك أنه قال في آخر الحديث قال عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من المشكرين وعبدة الأوثان فعطف عبدة الأوثان علىالمشركين وبالله التوفق قوله عجاجة بفتح المهملة وجيمين الأولى خفيفة أي غبارها وقوله خمر أي غطى وقوله أنفه في رواية الكشميهني وجهه قوله فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم يؤخذ منه جواز السلام على المسلمين إذا كان معهم كفار وينوى حينئذ بالسلام المسلمين ويحتمل أن يكون الذي سلم به عليهم صيغة عموم فيها تخصيص كقوله السلام على من أتبع الهدى قوله ثم وقف فنزل عبر عن انتهاء مسيرة بالوقوف قوله أنه لا أحسن مما تقول بنصب أحسن وفتح أوله على أنه أفعل تفصيل ويجوز في أحسن الرفع على أنه خبر لا والاسم محذوف أي لا شيء أحسن من هذا ووقع في رواية الكشميهني بضم أوله وكسر السين وضم النون ووقع في رواية أخرى لأحسن بحذف لكن بفتح السين وضم النون على أنها لام القسم كأنه قال أحسن من هذا أن تقعد في بيتك حكاه عياض عن أبي على واستحسنه وحكى بن الجوزي تشديد السين المهملة بغير نون من الحس أي لا أعلم منه شيئا قوله يتثاورون بمثلثة أي يتواثبون أي قاربوا أن يثب بعضهم على بعض فيقتتلوا يقال ثار إذا قام بسرعة وانزعاج قوله حتى سكنوا بالنون كذا للأكثر وعند الكشميهني بالمثناة ووقع في حديث أنس أنه نزل في ذلك وأن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا الآية وقد قدمت ما فيه من الإشكال وجوابه عند شرح حديث أنس في كتاب الصلح قوله أبا سعد في رواية مسلم أي سعد قوله أبو حباب بضم المهملة وبموحدتين الأولى خفيفة وهي كنية عبد الله بن أبي وكناه النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لكونه كان مشهورا بها أو لمصلحة التألف قوله ولقد اصطلح بثبوت الواو للأكثر وبحذفها لبعضهم قوله أهل هذه البحرة في رواية الحموي البحيرة بالتصغير وهذا اللفظ يطلق على القرية وعلى البلد والمراد به هنا المدينة النبويه ونقل ياقوت أن البحرة من أسماء المدينة النبوية قوله على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة يعني يرئسوه عليهم ويسودوه وسمي الرئيس معصيا لما يعصب برأسه من الأمور أو لأنهم يعصبون رءوسهم بعصابة لا تنبغي لغيرهم يمتازون بها ووقع في غير البخاري فيعصبونه والتقدير فهم يعصبونه أو فإذا هم يعصبونه وعند بن إسحاق لقد جاءنا الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فهذا تفسير المراد وهو أولى مما تقدم قوله شرق بذلك بفتح المعجمة وكسر الراء أي غص به وهو كناية عن الحسد يقال غص بالطعام وشجى بالعظم وشرق بالماء إذا اعترض شيء من ذلك في الحلق فمنعه الإساغة قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب هذا حديث آخر أفرده بن أبي حاتم في التفسير عن الذي قبله وأن كان الإسناد متحدا وقد أخرج مسلم الحديث الذي قبله مقتصرا عليه ولم يخرج شيئا من هذا الحديث الآخر قوله وقال الله ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم إلى آخر الآية ساق في رواية أبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي اليمان بالإسناد المذكور الآية وبما بعد ما ساقه المصنف منها تتبين المناسبة وهو قوله تعالى فاعفوا واصفحوا قوله حتى أذن الله فيهم أي في قتالهم أي فترك العفو عنهم وليس المراد أنه تركه أصلا بل بالنسبة إلى ترك القتال أولا ووقوعه آخرا وإلا فعفوه صلى الله عليه وسلم عن كثير من المشركين واليهود بالمن والفداء وصفحه عن المنافقين مشهور في الأحاديث والسير قوله صناديد بالمهملة ثم نون خفيفة جمع صنديد بكسر ثم سكون وهو الكبير في قومه قوله هذا أمر قد توجه أي ظهر وجهه قوله فبايعوا بلفظ الماضي ويحتمل أن يكون بلفظ الأمر والله أعلم

قوله باب لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا سقط لفظ باب لغير أبي ذر

[ 4291 ] قوله حدثنا محمد بن جعفر أي بن أبي كثير المدني والإسناد كله مدنيون إلى شيخ البخارىقوله إن رجالا من المنافقين هكذا ذكره أبو سعيد الخدري في سبب نزول الآية وأن المراد من كان يعتذر عن التخلف من المنافقين وفي حديث بن عباس الذي بعده أن المراد من أجاب من اليهود بغير ما سئل عنه وكتموا ما عندهم من ذلك ويمكن الجمع بأن تكون الآية نزلت في الفريقين معا وبهذا أجاب القرطبي وغيره وحكى الفراء أنها نزلت في قول اليهود نحن أهل الكتاب الأول والصلاة والطاعة ومع ذلك لا يقرون بمحمد فنزلت ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا وروى بن أبي حاتم من طرق أخرى عن جماعة من التابعين نحو ذلك ورجحه الطبري ولا مانع أن تكون نزلت في كل ذلك أو نزلت في أشياء خاصة وعمومها يتناول كل من أتى بحسنة ففرح بها فرح إعجاب وأحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه والله أعلم

[ 4292 ] قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله عن بن أبي مليكة في رواية عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني بن أبي مليكة وسيأتي وكذا أخرجه بن أبي حاتم من طريق محمد بن ثور عن بن جريج قوله أن علقمة بن وقاص هو الليثي من كبار التابعين وقد قيل إن له صحبة وهو راوي حديث الأعمال عن عمر قوله أن مروان هو بن الحكم بن أبي العاص الذي ولي الخلافة وكان يومئذ أمير المدينة من قبل معاوية قوله قال لبوابة أذهب يا رافع إلى بن عباس فقل رافع هذا لم أر له ذكرا في كتاب الرواة إلا بما جاء في هذا الحديث والذي يظهر من سياق الحديث أنه توجه إلى بن عباس فبلغه الرسالة ورجع إلى مروان بالجواب فلولا أنه معتمد عند مروان ما قنع برسالته لكن قد ألزم الإسماعيلي البخاري أن يصحح حديث يسرة بن صفوان في نقض الوضوء من مس الذكر فإن عروة ومروان اختلفا في ذلك فبعث مروان حرسيه إلى يسرة فعاد إليه بالجواب عنها فصار الحديث من رواية عروة عن رسول مروان عن يسرة ورسول مروان مجهول الحال فتوقف عن القول بصحة الحديث جماعة من الأئمة لذلك فقال الإسماعيلي أن القصة التي في حديث الباب شبيهة بحديث يسرة فإن كان رسول مروان معتمدا في هذه فليعتمد في الأخرى فإنه لا فرق بينهما إلا أنه في هذه القصة سمي رافعا ولم يسم الحرسي قال ومع هذا فاختلف على بن جريج في شيخ شيخه فقال عبد الرزاق وهشام عنه عن بن أبي مليكة عن علقمة وقال حجاج بن محمد عن بن جريج عن بن أبي مليكة عن حميد بن عبد الرحمن ثم ساقه من رواية محمد بن عبد الملك بن جريج عن أبيه عن بن أبي مليكة عن حميد بن عبد الرحمن فصار لهشام متابع وهو عبد الرزاق ولحجاج بن محمد متابع وهو محمد وأخرجه بن أبي حاتم من طريق محمد بن ثور عن بن جريج كما قال عبد الرزاق والذي يتحصل لي من الجواب عن هذا الاحتمال أن يكون علقمة بن وقاص كان حاضرا عند بن عباس لما أجاب فالحديث من رواية علقمة عن بن عباس وإنما قص علقمة سبب تحديث بن عباس بذلك فقط وكذا أقول في حميد بن عبد الرحمن فكأن بن أبي مليكة حمله عن كل منهما وحدث به بن جريج عن كل منهما فحدث به بن جريج تارة عن هذا وتارة عن هذا وقد روى بن مردويه في حديث أبي سعيد ما يدل على سبب إرساله لابن عباس فأخرج من طريق الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال كان أبو سعيد وزيد بن ثابت ورافع بن خديج عند مروان فقال يا أبا سعيد أرأيت قول الله فذكر الآية فقال إن هذا ليس من ذاك إنما ذاك أن ناسا من المنافقين فذكر نحو حديث الباب وفيه فإن كان لهم نصر وفتح حلفوا لهم على سرورهم بذلك ليحمدوهم على فرحهم وسرورهم فكأن مروان توقف في ذلك فقال أبو سعيد هذا يعلم بهذا فقال أكذلك يا زيد قال نعم صدق ومن طريق مالك عن زيد بن أسلم عن رافع بن خديج أن مروان سأله عن ذلك فأجابه بنحو ما قال أبو سعيد فكأن مروان أراد زيادة الاستظهار فأرسل بوابه رافعا إلى بن عباس يسأله عن ذلك والله أعلم وأما قول البخاري عقب الحديث تابعه عبد الرزاق عن بن جريج فيريد أنه تابع هشام بن يوسف على روايته إياه عن بن جريج عن بن أبي مليكة عن علقمة ورواية عبد الرزاق وصلها في التفسير وأخرجها الأسماعيلي والطبري وأبو نعيم وغيرهم من طريقه وقد ساق البخاري إسناد حجاج عقب هذا ولم يسق المتن بل قال عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن مروان بهذا وساقه مسلم والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ أن مروان قال لبوابة أذهب يا رافع إلى بن عباس فقل له فذكر نحو حديث هشام قوله لنعذبن أجمعون في رواية حجاج بن محمد لنعذبن أجمعين قوله إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهودا فسألهم عن شيء في رواية حجاج بن محمد إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب قوله فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم في رواية حجاج بن محمد فخرجوا قد أروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وهذا أوضح قوله بما أتوا كذا للآكثر بالقصر بمعنى جاءوا أي بالذي فعلوه وللحموى بما أوتوا بضم الهمزة بعدها واو أي أعطوا أي من العلم الذي كتموه كما قال تعالى فرحوا بما عندهم والأول أولى لموافقته التلاوة المشهورة على أن الأخرى قراءة السلمي وسعيد بن جبير وموافقة المشهور أولى مع موافقته لتفسير بن عباس قوله ثم قرأ بن عباس وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب فيه إشارة إلى أن الذين أخبر الله عنهم في الآية المسئول عنها هم المذكورون في الآية التي قبلها وأن الله ذمهم بكتمان العلم الذي أمرهم أن لا يكتموه وتوعدهم بالعذاب على ذلك ووقع في رواية محمد بن ثور المذكورة فقال بن عباس قال الله جل ثناؤه في التوراة إن الإسلام دين الله الذي افترضه على عبادة وإن محمدا رسول الله تنبيه الشيء الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه اليهود لم أره مفسرا وقد قيل إنه سألهم عن صفته عندهم بأمر واضح فأخبروه عنه بأمر مجمل وروى عبد الرزاق من طريق سعيد بن جبير في قوله ليبيننه للناس ولا يكتمونه قال محمد وفي قوله يفرحون بما أتوا قال بكتمانهم محمدا وفي قوله أن يحمدوا بما لم يفعلوا قال قولهم نحن على دين إبراهيم

قوله باب قوله أن في خلق السماوات والأرض ساق إلى الألباب وذكر حديث بن عباس في بيت ميمونة أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفى في أبواب الوتر وورد في سبب نزول هذه الآية ما أخرجه بن أبي حاتم والطبراني من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس أنت قريش اليهود فقالوا أيما جاء به موسى قالوا العصا ويده الحديث إلى أن قال فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا الصفا ذهبا فنزلت هذه الآية ورجاله ثقات الا الحماني فإنه تكلم فيه وقد خالفه الحسن بن موسى فرواه عن يعقوب عن جعفر عن سعيد مرسلا وهو أشبه وعلى تقدير كونه محفوظا وصله ففيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنية وقريش من أهل مكة قلت ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة

قوله باب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم الآية أورد فيه حديث بن عباس من وجه آخر عن كريب عنه مطولا وقد تقدمت فوائده أيضا ووقع في هذه الرواية فقرأ الآيات العشر الأواخر من آل عمران حتى ختم فلهذا ترجم ببعض الآية المذكورة واستفيد من الرواية التي في الباب قبله أن أول المقروء قوله تعالى أن في خلق السماوات والأرض

قوله باب ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ذكر فيه حديث بن عباس المذكور وليس فيه الا تغيير شيخ شيخه فقط وسياق الرواية في هذا الباب أتم من تلك ووقع في رواية الأصيلي هنا وأخذ بيدي اليمني وهو وهم والصواب بأذني كما في سائر الروايات

قوله باب ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان الآية ذكر فيه الحديث المذكور عن شيخ له آخر عن مالك وساقه أيضا بتمامه

قوله سورة النساء بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله قال بن عباس يستنكف يستكبر وقع هذا في رواية المستملى والكشميهني حسب وقد وصله بن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس في قوله تعالى ومن يستنكف عن عبادته قال يستكبر وهو عجيب فإن في الآية عطف الاستكبار على الاستنكاف فالظاهر أنه غيره ويمكن أن يحمل على التوكيد وقال الطبري معنى يستنكف يأنف وأسند عن قتادة قال يحتشم وقال الزجاج هو استفعال من النكف وهو الآنفة والمراد دفع ذلك عنه ومنه نكفت الدمع بالأصبع إذا منعته من الجري على الخد قوله قواما قوامكم من معايشكم هكذا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس ووصله الطبري من هذا الوجه بلفظ لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما يعني قوامكم من معايشكم يقول لا تعمد إلى مالك الذي جعله الله لك معيشة فتعطيه امرأتك ونحوها وقوله قياما القراءة المشهورة بالتحتانية بدل الوال لكنهما بمعنى قال أبو عبيدة يقال قيام أمركم وقوام أمركم والأصل بالواو فأبدلوها ياء لكسرة القاف قال بعض الشراح فأورده المصنف على الأصل قلت ولا حاجة لذلك لأنه ناقل لها عن بن عباس وقد ورد عنه كلا الأمرين وقيل أنها أيضا قراءة بن عمر أعنى بالواو وقد قرئ في المشهور عن أهل المدينة أيضا قيما بلا ألف وفي الشواذ قراءات أخرى وقال أبو ذر الهروي قوله قوامكم إنما قاله تفسيرا لقوله قياما على القراءة الأخرى قلت ومن كلام أبي عبيدة يحصل جوابه قوله مثنى وثلاث ورباع يعني اثنتين وثلاثا وأربعا ولا تجاوز العرب رباع كذا وقع لأبي ذر فأوهم أنه عن بن عباس أيضا كالذي قبله ووقع لغيره وقال غيره مثنى الخ وهو الصواب فإن ذلك لم يرو عن بن عباس وإنما هو تفسير أبي عبيدة قال لا تنوين في مثنى لأنه مصروف عن حده والحد أن يقولوا اثنين وكذلك ثلاث ورباع لأنه ثلاث وأربع ثم أنشد شواهد لذلك ثم قال ولا تجاوز العرب رباع غير أن الكميت قال فلم يستريثوك حتى رميت فوق الرجال خصالا عشارا انتهى وقيل بل يجوز إلى سداس وقيل إلى عشار قال الحريري في درة الغواص غلط المتنبي في قوله احاد أم سداس في أحاد لم يسمع في الفصيح إلا مثنى وثلاث ورباع والخلاف في خماس إلى عشار ويحكى عن خلف الحمر أنه أنشد أبياتا من خماس إلى عشار وقال غيره في هذه الألفاظ المعدولة هل يقتصر فيها على السماع أو يقاس عليها قولان أشهرهما الاقتصار قال بن الحاجب هذا هو الأصح ونص عليه البخاري في صحيحه كذا قال قلت وعلى الثاني يجعل بيت الكميت وكذا قول الآخر ضربت خماس ضربة عبشمي أراد سداس أن لا تستقيما وهذه المعدولات لا تقع إلا أحوالا كهذه الآية أو أوصافا كقوله تعالى أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع أو اخبارا كقوله عليه السلام صلاة الليل مثنى ولا يقال فيها مثناة وثلاثة بل تجري مجرى واحدا وهل يقال موحد كما يقال مثنى الفصيح لا وقيل يجوز وكذا مثلث الخ وقول أبي عبيدة أن معنى مثنى اثنتين في اختصار وإنما معناه اثنتين اثنتين وثلاث ثلاث وكأنه ترك ذلك لشهرته أو كان لا يرى التكرار فيه وسيأتي ما يتعلق بعدد ما ينكح من النساء في أوائل النكاح إن شاء الله تعالى قوله لهن سبيلا يعني الرجم للثيب والجلد للبكر ثبت هذا أيضا في رواية المستملى والكشميهني حسب وهو من تفسير بن عباس أيضا وصله عبد بن حميد عنه بإسناد صحيح وروى مسلم وأصحاب السنن من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم والمراد الإشارة إلى قوله تعالى حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا وقد روى الطبراني من حديث بن عباس قال فلما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حبس بعد سورة النساء وسيأتي البحث في الجمع بين الجلد والرجم للثيب في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى

قوله باب وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر ومعنى خفتم ظننتم ومعنى تقسطوا تعدلوا وهو من اقسط يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل وقيل الهمزة فيه للسلب أي أزال القسط ورجحه بن التين بقوله تعالى ذلكم أقسط عند الله لأن أفعل في أبنية المبالغة لا تكون في المشهور إلا من الثلاثي نعم حكى السيرافي جواز التعجب بالرباعي وحكى غيره أن أقسط من الأضداد والله أعلم

[ 4297 ] قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف وهذه الترجمة من لطائف أنواع الإسناد وهي بن جريج عن هشام وهشام ألأعلى هو بن عروة والأدنى بن يوسف قوله أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها هكذا قال هشام عن بن جريج فأوهم أنها نزلت في شخص معين والمعروف عن هشام بن عروة التعميم وكذلك أخرجه الأسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن بن جريج ولفظه أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة الخ وكذا هو عند المصنف في الرواية التي تلي هذه من طريق بن شهاب عن عروة وفيه شيء آخر نبه عليه الإسماعيلي وهو قوله فكان لها عذق فكأن يمسكها عليه فإن هذا نزل في التي يرغب عن نكاحها وأما التي يرغب في نكاحها فهي التي يعجبه مالها وجمالها فلا يزوجها لغيره ويريد أن يتزوجها بدون صداق مثلها وقد وقع في رواية بن شهاب التي بعد هذه التنصيص على القصتين ورواية حجاج بن محمد سالمة من هذا الاعتراض فإنه قال فيها أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة وهي ذات مال الخ وكذا أخرجه المصنف في أواخر هذه السورة من طريق أبي أسامة وفي النكاح من طريق وكيع كلاهما عن هشام قوله عذق بفتح العين المهملة وسكون المعجمة النخلة وبالكسر الكباسة والقنو وهو من النخلة كالعنقود من الكرمة والمراد هنا الأول وأغرب الدوادي ففسر العذق في حديث عائشة هذا بالحائط قوله وكان يمسكها عليه أي لأجله وفي رواية الكشميهني فيمسك بسببه قوله أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق هو شك من هشام بن يوسف ووقع مبينا مجزوما به في رواية أبي أسامة ولفظه هو الرجل يكون عنده اليتيمة هو وليها وشريكته في ماله حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في ماله فيعضلها فنهوا عن ذلك ورواية بن شهاب شاملة للقصتين وقد تقدمت في الوصايا من رواية شعيب عنه

[ 4298 ] قوله اليتيمة أي التي مات أبوها قوله في حجر وليها أي الذي يلي مالها قوله بغير أن يقسط في صداقها في النكاح من رواية عقيل عن بن شهاب ويريد أن ينتقص من صداقها قوله فيعطيها مثل ما يعطيها غيره هو معطوف على معمول بغير أي يريد أن يتزوجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره أي ممن يرغب في نكاحها سواء ويدل على هذا قوله بعد ذلك فنهوا عن ذلك إلا أن يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق وقد تقدم في الشركة من رواية يونس عن بن شهاب بلفظ بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره قوله فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن أي بأي مهر توافقوا عليه وتأويل عائشة هذا جاء عن بن عباس مثله أخرجه الطبري وعن مجاهد في مناسبة ترتب قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء على قوله وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى شيء آخر قال في معنى قوله تعالى وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أي إذا كنتم تخافون أن لا تعدلوا في مال اليتامى فتحرجتم أن لا تلوها فتحرجوا من الزنا وانكحوا ما طاب لكم من النساء وعلى تأويل عائشة يكون المعنى وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى قوله قال عروة قالت عائشة هو معطوف على الإسناد المذكور وأن كان بغير أداة عطف وفي رواية عقيل وشعيب المذكورين قالت عائشة فاستفتى الناس الخ قوله بعد هذه الآية أي بعد نزول هذه الآية بهذه القصة وفي رواية عقيل بعد ذلك قوله فأنزل الله ويستفتونك في النساء قالت عائشة وقول الله تعالى في آية أخرى وترغبون أن تنكحوهن كذا وقع في رواية صالح وليس ذلك في آية أخرى وإنما هو في نفس الآية وهي قوله ويستفتونك في النساء ووقع في رواية شعيب وعقيل فأنزل الله تعالى ويستفتونك في النساء إلى قوله وترغبون أن تنكحوهن ثم ظهر لي أنه سقط من رواية البخاري شيء اقتضى هذا الخطأ ففي صحيح مسلم والإسماعيلي والنسائي واللفظ له من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد في هذا الموضع فانزل الله يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن فذكر الله أن يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى وهي قوله وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء قالت عائشة وقول الله في الآية الأخرى وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم الخ كذا أخرجه مسلم من طريق يونس عن بن شهاب وتقدم للمصنف أيضا في الشركة من طريق يونس عن بن شهاب مقرونا بطريق صالح بن كيسان المذكورة هنا فوضح بهذا في رواية صالح أن في الباب اختصارا وقد تكلف له بعض الشراح فقال معنى قوله في آية أخرى أي بعد قوله وأن خفتم وما أوردناه أوضح والله أعلم تنبيه أغفل المزي في الأطراف عزو هذه الطريق أي طريق صالح عن بن شهاب إلى كتاب التفسير واقتصر على عزوها إلى كتاب الشركة قوله وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته فيه تعيين أحد الاحتمالين في قوله وترغبون لأن رغب يتغير معناه بمتعلقه يقال رغب فيه إذا أراده ورغب عنه إذا لم يرده لأنه يحتمل أن تحذف في وأن تحذف عن وقد تأوله سعيد بن جبير على المعنيين فقال نزلت في الغنية والمعدمة والمروى هنا عن عائشة أوضح في أن الآية الأولى نزلت في الغنية وهذه الآية نزلت في المعدمة قوله فنهوا أي نهوا عن نكاح المرغوب فيها لجمالها ومالها لأجل زهدهم فيها إذا كانت قليلة المال والجمال فينبغي أن يكون نكاح اليتيمتين على السواء في العدل وفي الحديث اعتبار مهر المثل في المحجورات وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك وفيه أن للولي أن يتزوج من هي تحت حجرة لكن يكون العاقد غيره وسيأتي البحث فيه في النكاح وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ لأنهن بعد البلوغ لا يقال لهن يتيمات إلا أن يكون أطلق استصحابا لحالهن وسيأتي البحث فيه أيضا في كتاب النكاح

قوله باب ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ساق إلى قوله حسيبا قوله وبدارا مبادرة هو تفسير أول الآية المترجم بها وقال أبو عبيدة في قوله تعالى ولا تأكلوها إسرافا وبدارا الإسراف الإفراط وبدارا مبادرة وكأنه فسر المصدر بأشهر منه يقال بادرت بدارا ومبادرة وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال يعني يأكل مال اليتيم ويبادر إلى أن يبلغ فيحول بينه وبين ماله قوله اعتدنا أعددنا أفعلنا من العتاد كذا للآكثر وهو تفسير أبي عبيدة ولأبي ذر عن الكشميهني اعتددنا افتعلنا والأول هو الصواب والمراد أن أعتدنا واعددنا بمعنى واحد لأن العتيد هو الشيء المعد تنبيه وقعت هذه الكلمة في هذا الموضع سهوا من بعض نساخ الكتاب ومحلها بعد هذا قبل باب لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه وأما أبو نعيم في المستخرج فأخرجه من طريق بن راهويه ثم قال أخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور قوله في مال اليتيم في رواية الكشميهني في وإلى اليتيم والمراد بوالي اليتيم المتصرف في ماله بالوصية ونحوها والضمير في كان على الرواية الأولى ينصرف إلى مصرف المال بقرينة المقام ووقع في البيوع من طريق عثمان بن فرقد عن هشام بن عروة بلفظ أنزلت في وإلى اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف وفي الباب حديث مرفوع أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن الجارود وابن أبي حاتم من طريق حسين المكتب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن عندي يتيما له مال وليس عندي شيء أفآكل من ماله قال بالمعروف وأسناده قوي

[ 4299 ] قوله إذا كان فقيرا مصير منه إلى أن الذي يباح له الآجرة من مال اليتيم من أتصف بالفقر وقد قدمت البحث في ذلك في كتاب الوصايا وذكر الطبري من طريق السدي أخبرني من سمع بن عباس يقول في قوله ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال بأطراف أصابعه ومن طريق عكرمة يأكل ولا يكتسى ومن طريق إبراهيم النخعي يأكل ما سد الجوعة ووارى العورة وقد مضى بقية نقل الخلاف فيه في الوصايا وقال الحسن بن حي يأكل وصي الأب بالمعروف وأما قيم الحاكم فله أجرة فلا يأكل شيئا وأغرب ربيعة فقال المراد خطاب الولي بما يصنع باليتيم إن كان غنيا وسع عليه وإن كان فقيرا أنفق عليه بقدره وهذا أبعد الأقوال كلها تنبيه وقع لبعض الشراح ما نصه قوله فمن كان غنيا فليستعفف التلاوة ومن كان بالواو انتهى وأنا ما رأيته في النسخ التي وقفت عليها إلا بالواو

قوله باب وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين الآية سقط باب لغير أبي ذر

[ 4300 ] قوله حدثنا أحمد بن حميد هو القرشي الكوفي صهر عبيد الله بن موسى يقال له دار أم سلمة لقب بذلك لجمعة حديث أم سلمة وتتبعه لذلك وقال بن عدي كان له اتصال بأم سلمة يعني زوج السفاح الخليفة فلقب بذلك ووهم الحاكم فقال يلقب جار أم سلمة وثقة مطين وقال كان يعد في حفاظ أهل الكوفة ومات سنة عشرين ومائتين ووهم من قال خلاف ذلك وما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وشيخه عبيد الله الأشجعي هو بن عبيد الرحمن الكوفي وأبوه فرد في الأسماء مشهور في أصحاب سفيان الثوري والشيباني هو أبو إسحاق والإسناد إلى عكرمة كوفيون قوله هي محكمة وليست بمنسوخة زاد اسماعيلي من وجه آخر عن الأشجعي وكان بن عباس إذا ولي رضخ وإذا كان في المال قلة اعتذار إليهم فذلك القول بالمعروف وعند الحاكم من طريق عمرو بن أبي قيس عن الشيباني بالإسناد المذكور في هذه الآية قال ترضخ لهم وأن كان في المال تقصيرا اعتذر إليهم قوله تابعه سعيد بن جبير عن بن عباس وصله في الوصايا بلفظ أن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت ولا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون الناس بها هما واليان وآل يرث وذلك الذي يرزق ووال لا يرث وذلك الذي يقال له بالمعروف يقول لا أملك لك أن أعطيك وهذان الاسنادان الصحيحان عن بن عباس هما المعتمدان وجاءت عنه روايات من أوجه ضعيفة عند بن أبي حاتم وابن مردويه أنها منسوخة نسختها آية الميراث وصح ذلك عن سعيد بن المسيب وهو قول القاسم بن محمد وعكرمة وغير واحد وبه قال الأئمة الأربعة وأصحابهم وجاء عن بن عباس قول آخر أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن القاسم بن محمد أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن في حياة عائشة فلم يدع في الدار ذا قرابة ولا مسكينا إلا أعطاه من ميراث أبيه وتلا الآية قال القاسم فذكرته لابن عباس فقال ما أصاب ليس ذلك له إنما ذلك إلى الوصي وإنما ذلك في العصبة أي ندب للميت أن يوصى لهم قلت وهذا لاينافى حديث الباب وهو أن الآية محكمة وليست بمنسوخة وقيل معنى الآية وإذا حضر قسمة الميراث قرابة الميت ممن لا يرث واليتامى والمساكين فإن نفوسهم تتشوف إلى أخذ شيء منه ولا سيما أن كان جزيلا فأمر الله سبحانه أن يرضخ لهم بشيء على سبيل البر والإحسان واختلف من قال بذلك هل الأمر فيه على الندب أو الوجوب فقال مجاهد وطائفة هي على الوجوب وهو قول بن حزم أن على الوارث أن يعطي هذه الأصناف ما طابت به نفسه ونقل بن الجوزي عن أكثر أهل العلم أن المراد بأولى الغرابة من لا يرث وأن معنى فارزقوهم اعطوهم من المال وقال آخرون أطمعوهم وأن ذلك على سبيل الاستحباب وهو المعتمد لأنه لو كان على الوجوب لاقتضى استحقاقا في التركة ومشاركة في الميراث بجهة مجهولة فيقضى إلى التنازع والتقاطع وعلى القول بالندب فقد قيل يفعل ذلك ولي المحجور وقيل لا بل يقول ليس المال لي وإنما هو لليتيم وأن هذا هو المراد بقوله وقولوا لهم قولا معروفا وعلى هذا فتكون الواو في قوله وقولوا للتقسيم وعن بن سيرين وطائفة المراد بقوله فازقوهم منه اصنعوا لهم طعاما يأكلونه وأنها على العموم في مال المحجور وغيره والله أعلم

قوله باب يوصيكم الله في أولادكم سقط لغير أبي ذر باب و في أولادكم والمراد بالوصية هنا بيان قسمة الميراث

[ 4301 ] قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف وابن المنكدر هو محمد قوله عن جابر في رواية شعبة عن بن المنكدر سمعت جابرا وتقدمت في الطهارة قوله عادني النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي ما يتعلق بذلك في كتاب المرضى قبيل كتاب الطب قوله في بني سلمة بفتح المهملة وكسر اللام هم قوم جابر وهم بطن من الخزرج قوله لا أعقل زاد الكشميهني شيئا قوله ثم رش على بينت في الطهارة الرد على من زعم أنه رش عليه من الذي فضل وسيأتي في الاعتصام التصريح بأنه صب عليه نفس الماء الذي توضأ به قوله فقلت ما تأمرني أن أصنع في مالي في رواية شعبة المذكورة فقلت يا رسول الله لمن الميراث إنما يرثني كلالة وسيأتي بيان ذلك في الفرائض قوله فنزلت يوصيكم الله في أولادكم هكذا وقع في رواية بن جريج وقيل إنه وهم في ذلك وأن الصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر هذه الآية الأخيرة من النساء وهي يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة لأن جابرا يومئذ لم يكن له ولد ولا والد والكلالة من لا ولد له ولا والد وقد أخرجه مسلم عن عمرو الناقد والنسائي عن محمد بن منصور كلاهما عن بن عيينة عن بن المنكدر فقال في هذا الحديث حتى نزلت عليه آية الميراث يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ولمسلم أيضا من طريق شعبة عن بن المنكدر قال في آخر هذا الحديث فنزلت آية الميراث فقلت لمحمد بن المنكدر يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة قال هكذا أنزلت وقد تفطن البخاري بذلك فترجم في أول الفرائض قوله يوصيكم الله في أولادكم إلى قوله والله عليم حليم ثم ساق حديث جابر المذكور عن قتيبة عن بن عيينة وفي آخره حتى نزلت آية الميراث ولم يذكر ما زاده الناقد فأشعر بأن الزيادة عنده مدرجة من كلام بن عيينة وقد أخرجه أحمد عن بن عيينة مثل رواية الناقد وزاد في آخره كان ليس له ولد وله أخوات وهذا من كلام بن عيينة أيضا وقد اضطرب فيه فأخرجه بن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عنه بلفظ حتى نزلت آية الميراث إن امرؤ هلك ليس له ولد وقال مرة حتى نزلت آية الكلالة وأخرجه عبد بن حميد والترمذي عنه عن يحيى بن آدم عن بن عيينة بلفظ حتى نزلت يوصيكم الله في أولادكم الذكر مثل حظ الأنثيين وأخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عنه فقال في آخره حتى نزلت آية الميراث يوصيكم الله في أولادكم فمراد البخاري بقوله في الترجمة إلى قوله والله عليم حليم الآشارة إلى أن مراد جابر من آية الميراث قوله وأن كان رجل يورث كلالة وأما الآية الأخرى وهي قوله يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة فسيأتي في آخر تفسير هذه السورة أنها من آخر ما نزل فكأن الكلالة لما كانت مجملة في آية المواريث استفتوا عنها فنزلت الآية الأخيرة ولم ينفرد بن جريج بتعيين الآية المذكورة فقد ذكرها بن عيينة أيضا على الاختلاف عنه وكذا أخرجه الترمذي والحاكم من طريق عمرو بن أبي قيس عن بن المنكدر وفيه نزلت يوصيكم الله في أولادكم وقد أخرجه البخاري أيضا عن بن المديني وعن الجعفي مثل رواية قتيبة بدون الزيادة وهو المحفوظ وكذا أخرجه مسلم من طريق سفيان الثوري عن بن المنكدر بلفظ حتى نزلت آية الميراث فالحاصل أن المحفوظ عن بن المنكدر أنه قال آية الميراث أو آية الفرائض والظاهر أنها يوصيكم الله كما صرح به في رواية بن جريج ومن تابعه وأما من قال إنها يستفتونك فعمدته أن جابرا لم يكن له حينئذ ولد وإنما كان يورث كلالة فكان المناسب لقصته نزول الآية الأخيرة لكن ليس ذلك بلازم لأن الكلالة مختلف في تفسيرها فقيل هي اسم المال الموروث وقيل اسم الميت وقيل اسم الإرث وقيل ما تقدم فلما لم يعين تفسيرها بمن لا ولد له ولا والد لم يصح الاستدلال لما قدمته أنها نزلت في آخر الأمر وآية المواريث نزلت قبل ذلك بمدة كما أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال جاءت امرأة سعد بن الربيع فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد وأن عمهما أخذ مالهما قال يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فأرسل إلى عمها فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن فما بقي فهو لك وهذا ظاهر في تقدم نزولها نعم وبه احتج من قال إنها لم تنزل في قصة جابر إنما نزلت في قصة ابنتي سعد بن الربيع وليس ذلك بلازم إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معا ويحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين وآخرها وهي قوله وأن كل رجل يورث كلالة في قصة جابر ويكون مراد جابر فنزلت يوصيكم الله في أولادكم أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية والله أعلم وإذا تقرر جميع ذلك ظهر أن بن جريج لم يهم كما جزم به الدمياطي ومن تبعه وأن من وهمه هو الواهم والله أعلم وسيأتي بقية ما يتعلق بشرح هذا الحديث في الفرائض إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله ولكم نصف ما ترك ازواجكم سقط قوله باب لغير أبي ذر وثبت قوله قوله للمستملى فقط

[ 4302 ] قوله كان المال للولد يشير إلى ما كانوا عليه قبل وقد روى الطبري من وجه آخر عن بن عباس أنها لما نزلت قالوا يا رسول الله أنعطى الجارية الصغيرة نصف الميراث وهي لا تركب الفرس ولا تدافع العدو قال وكانوا في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم قوله فنسخ الله من ذلك ما أحب هذا يدل على أن الأمر الأول استمر إلى نزول الآية وفيه رد على من أنكر النسخ ولم ينقل ذلك عن أحد من المسلمين إلا عن أبي مسلم الأصبهاني صاحب التفسير فأنه أنكر النسخ مطلقا ورد علي بالإجماع على أن شريعة الإسلام ناسخة لجميع الشرائع أجيب عنه بأنه يرى أن الشرائع الماضية مستقرة الحكم إلى ظهور هذه الشريعة قال فسمى ذلك تخصيصا لا نسخا ولهذا قال بن السمعاني أن كان أبو مسلم لا يعترف بوقوع الأشياء التي نسخت في هذه الشريعة فهو مكابر وأن قال لا أسميه نسخا كان الخلاف لفظيا والله أعلم قوله وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث قال الدمياطي قوله والثلث زيادة هنا وقد أخرج المصنف هذا الحديث بهذا الإسناد في كتاب الفرائض فلم يذكرها قلت اختصرها هناك ولكنها ثابتة في تفسير محمد بن يوسف الفريابي شيخه فيه والمعنى أن لكل واحد منهما السدس في حال وللام الثلث في حال ووزان ذلك ما ذكره في بقية الحديث وللزوج النصف والربع أي كل منهما في حال

قوله باب قوله لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الآية سقط باب وما بعد كرها لغير أبي ذر وقوله كرها مصدر في موضع الحال قرأها حمزة والكسائي بالضم والباقون بالفتح قوله ويذكر عن بن عباس لا تعضلوهن ولا تقهروهن في رواية الكشميهني تنتهروهن بنون بعدها مثناة من الانتهار وهي رواية القابسي أيضا وهذه الرواية وهم والصواب ما عند الجماعة وهذا الأثر وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله لا تعضلوهن لا تقهروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضرها لتفتدى وأسند عن السدي والضحاك نحوه وعن مجاهد أن المخاطب بذلك أولياء المرأة كالعضل المذكور في سورة البقرة ثم ضعف ذلك ورجح الأول قوله حوبا إثما وصله بن أبي حاتم بإسناد صحيح عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى أنه كان حوبا قال إثما عظيما ووصله الطبري من طريق مجاهد والسدي والحسن وقتادة مثله والجمهور على ضم الحاء وعن الحسن بفتحها قوله تعولوا تميلوا وصله سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله ذلك أدنى أن لا تعولوا قال أن لا تميلوا ورويناه في فوائد أبي بكر الآجري بإسناد آخر صحيح إلى الشعبي عن بن عباس ووصله الطبري من طريق الحسن ومجاهد وعكرمة والنخعي والسدي وقتادة وغيرهم مثله وأنشد في رواية عكرمة لأبي طالب من أبيات بميزان صدق وزنه غير عائل وجاء مثله مرفوعا صححه بن حبان من حديث عائشة وروى بن المنذر عن الشافعي أن لا تعولوا أن لا يكثر عيالكم وأنكره المبرد وابن داود والثعلبي وغيرهم لكن قد جاء عن زيد بن أسلم نحو ما قال الشافعي أسنده الدارقطني وإن كان الأول أشهر واحتج من رده أيضا من حيث المعنى بأنه أحل من ملك اليمين ما شاء الرجل بلا عدد ومن لازم ذلك كثرة العيال وإنما ذكر النساء وما يحل منهن فالجور والعدل يتعلق بهن وأيضا فإنه لو كان المراد كثرة العيال لكان أعال يعيل من الرباعي وأما تعولوا فمن الثلاثى لكن نقل الثعلبي عن أبي عمرو الدوري قال وكان من اثمة اللغة قال هي لغة حمير ونقل عن طلحة بن مصرف أنه قرأ أن لا تعيلوا قوله نحلة فالنحلة المهر كذا لأبي ذر ولغيره بغير فاء قال الإسماعيلي إن كان ذلك من تفسير البخاري ففيه نظر فقد قيل فيه غير ذلك وأقرب الوجوه أن النحلة ما يعطونه من غير عوض وقيل المراد نحلة ينتحلونها أي يتدينون بها ويعتقدون ذلك قلت والتفسير الذي ذكره البخاري قد وصله بن أبي حاتم والطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة قال النحلة المهروروى الطبري عن قتادة قال نحلة أي فريضة ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال النحلة في كلام العرب الواجب قال ليس ينبغي لأحد أن ينكح إلا بصداق كذا قال والنحلة في كلام العرب العطية لا كما قال بن زيد ثم قال الطبري وقيل إن المخاطب بذلك آولياء النساء كان الرجل إذا زوج امرأة أخذ صداقها دونها فنهوا عن ذلك ثم اسنده إلى سيار عن أبي صالح بذلك واختار الطبري القول الأول واستدل له تنبيه محل هذه التفاسير من قوله حوبا إلى آخرها في أول السورة وكأنه من بعض انساخ الكتاب كما قدمناه غير مرة وليس هذا خاصا بهذا الموضع ففي التفسير في غالب السور أشياء هذا

[ 4303 ] قوله حدثنا أسباط بن محمد هو بفتح الهمزة وسكون المهملة بعدها موحدة كوفى ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وأورده في كتاب الإكراه عن حسين بن منصور عنه أيضا وقد قال الدروي عن بن معين كان يخطىء عن سفيان فذكره لأجل ذلك بن الجوزي في الضعفاء لكن قال كان ثبتا فيما يروي عن الشيباني ومطرف وذكره العقيلي وقال ربما وهم في الشيء وقد أدركه البخاري بالسن لأنه مات في أول سنة مائتين قوله قال الشيباني سماه في كتاب الإكراه سليمان بن فيروز قوله وذكره أبو الحسن السواني ولا أظنه ذكره إلا عن بن عباس حاصله أن للشيباني فيه طريقين إحداهما موصولة وهي عكرمة عن بن عباس والأخرى مشكوك في وصلها وهي أبو الحسن السواكي عن بن عباس والشيباني هو أبو إسحاق والسواكي بضم المهملة وتخفيف الواو ثم ألف ثم همزة واسمه عطاء ولم أقف له على ذكر إلا في هذا الحديث قوله كانوا إذا مات الرجل في رواية السدي تقييد ذلك بالجاهلية وفي رواية الضحاك تخصيص ذلك بأهل المدينة وكذلك أورده الطبري من طريق العوفي عن بن عباس لكن لا يلزم من كونه في الجاهلية أن لا يكون استمر في أول الإسلام إلى أن نزلت الآية فقد جزم الواحدي أن ذلك كان في الجاهلية وفي أول الإسلام وساق القصة مطولة وكأنه نقله من تفسير الشعبي ونقل عن تفسير مقاتل نحوه إلا أنه خالف في اسم بن أبي قيس فالأول قال قيس ومقاتل قال حصين روى الطبري من طريق بن جريج عن عكرمة أنها نزلت في قصة خاصة قال نزلت في كبشة بنت معن بن عاصم من الأوس وكانت تحت أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها فجنح عليها ابنه فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا تركت فانكح فنزلت هذه الآية وباسناد حسن عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان ذلك لهم في الجاهلية فانزل الله هذه الآية قوله كان أولياؤه أحق بامرأته في رواية أبي معاوية عن الشيباني عن عكرمة وحده عن بن عباس في هذا الحديث تخصيص ذلك بمن مات زوجها قبل أن يدخل بها قوله إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها وهم أحق بها من أهلها في رواية أبي معاوية المذكور حبسها عصبته أن تنكح أحدا حتى تموت فيرثوها قال الإسماعيلي هذا مخالف لرواية أسباط قلت ويمكن ردها إليها بأن يكون المراد أن تنكح إلا منهم أو بأذنهم نعم هي مخالفة لها في التخصيص السابق وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس كان الرجل إذا مات وترك امرأة ألقى عليها حميمة ثوبا فمنعها من الناس فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ويرثها وروى الطبري أيضا من طريق الحسن والسدي وغيرهما كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها أو ترد إليه الصداق وزاد السدي أن سبق الوارث فألقى عليها ثوبه كان أحق بها وأن سبقت هي إلى أهلها فهي أحق بنفسها

قوله باب ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدن والأقربون ساق إلى قوله شهيدا وسقط ذلك لغير أبي ذر قوله وقال معمر أولياء موالي أولياء ورثة عاقدت أيمانكم هو مولى اليمين وهو الحليف والمولى أيضا بن العم والمولى المنعم المعتق أي بكسر المثناة والمولى المعتق أي بفتحها والمولى المليك والمولى مولى في الدين انتهى ومعمر هذا بسكون المهملة وكنت أظنه معمر بن راشد إلى أن رأيت الكلام المذكور في المجاز لأبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى ولم أره عن معمر بن راشد وإنما أخرج عبد الرزاق عنه في قوله ولكل جعلنا موالي قال الموالي الأولياء الأب والأخ والابن وغيرهم من العصبة وكذا أخرجه إسماعيلي القاضي في الأحكام من طريق محمد بن ثور عن معمر وقال أبو عبيدة ولكل جعلنا موالي أولياء ورثة والذين عاقدت أيمانكم فالمولى بن العم وساق ما ذكره البخاري وأنشد في المولى بن العم مهلا بني عمنا مهلا موالينا ومما لم يذكره وذكره غيره من أهل اللغة المولى المحب والمولى الجار والمولى الناصر والمولى الصهر والمولى التابع والمولى القرار والمولى الولي والمولى الموازى وذكروا أيضا العم والعبد وابن الأخ والشريك والنديم ويلتحق بهم معلم القرآن جاء فيه حديث مرفوع من علم عبدا آية من كتاب الله فهو مولاه الحديث أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة ونحوه قول شعبة من كتبت عنه حديثا فأنا له عبد وقال أبو إسحاق الزجاج كل من يليك أو اولاك فهو مولى

[ 4304 ] قوله حدثنا الصلت بن محمد تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في الكفالة وأحيل بشرحه على هذا الموضع قوله عن إدريس هو بن يزيد الأودي بفتح الألف وسكون الواو والد عبد الله بن إدريس الفقيه الكوفي وإدريس ثقة عندهم وما له في البخاري سوى هذا الحديث ووقع في رواية الطبري عن أبي كريب عن أبي أسامة حدثنا إدريس بن يزيد قوله عن طلحة بن مصرف وقع في الفرائض عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي أسامة عن إدريس حدثنا طلحة قوله ولكل جعلنا موالي قال ورثة هذا متفق عليه بين أهل التفسير من السلف اسنده الطبري عن مجاهد وقتادة والسدي وغيرهم ثم قال وتأويل الكلام ولكلكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثونه مما ترك والده وأقربوه من ميراثهم له وذكر غيره للآية تقديرا غير ذلك فقيل التقدير جعلنا لكل ميت ورثة ترث مما ترك الوالدان والاقربون وقيل التقدير ولكل مال مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا ورثة يحوزونه فعلى هذا كل متعلقة يجعل و مما ترك صفة لكل و الوالدان فاعل ترك ويلزم عليه الفصل بين الموصوف وصفته وقد سمع كثيرا وفي القرآن قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات فإن فاطر صفة الله اتفاقا وقيل التقدير ولكل قوم جعلناهم مولى أي ورثة نصيب مما ترك والداهم وأقربوهم وهذا يقتضى أن لكل خبر مقدم و نصيب مبتدأ مؤخر و جعلناهم صفة لقوم و مما ترك صفة للمبتدأ الذي حذف و نصيب صفته وكذا حذف ما أضيفت إليه كل وبقيت صفته وكذا حذف العائد على الموصوف هذا حاصل ما ذكره المعربون وذكروا غير ذلك مما ظاهره التكلف وأوضح من ذلك أن الذي يضاف إليه كل هو ما تقدم في الآية التي قبلها وهو قوله للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ثم قال ولكل أي من الرجال والنساء جعلنا أي قدرنا نصيبا أي ميراثا مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم أي بالحلف أو الموالاة والمؤاخاة فأتوهم نصيبهم خطاب لمن يتولى ذلك أي من ولي على ميراث أحد فليعط لكل من يرثه نصيبه وعلى هذا المعنى المتضح ينبغي أن يقع الأعراب ويترك ما عداه من التعسف قوله والذين عاقدت أيمانكم كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوى رحمه للأخوة هكذا حملها بن عباس على من آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم وحملها غيره على أعم من ذلك فأسند الطبري عنه قال كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك ومن طريق سعيد بن جبير قال كان الرجل يعاقد الرجل فيرثه وعاقدا أبو بكر مولى فورثه قوله فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت هكذا وقع في هذه الرواية أن ناسخ ميراث الحليف هذه الآية وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال كان الرجل يعاقد الرجل فإذا مات ورثه الآخر فأنزل الله عز وجل وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا يقول إلا أن توصوا لأوليائكم الذين عاقدتم ومن طريق قتادة كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول دمى دمك وترثني وأرثك فلما جاء الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخ بالميراث فقال وأولو الأرحام بعضهم أولى لبعض ومن طرق شتى عن جماعة من العلماء كذلك وهذا هو المعتمد ويحتمل أن يكون النسخ وقع مرتين الأولى حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة فنزلت ولكل وهي آية الباب فصاروا جميعا يرثون وعلى هذا يتنزل حديث بن عباس ثم نسخ ذلك آية الأحزاب وخص الميراث بالعصبة وبقي للمعاقد النصر والإرقاد ونحوهما وعلى هذا يتنزل بقية الآثار وقد تعرض له بن عباس في حديثه أيضا لكن لم يذكر الناسخ الثاني ولا بد منه والله أعلم قوله ثم قال والذين عاقدت أيمانكم من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له كذا وقع فيه وسقط منه شيء بينه الطبري في روايته عن أبي كريب عن أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه ثم قال والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النصر الخ فقوله من النصر يتعلق بآتوهم لا بعاقدت ولا بأيمانكم وهو وجه الكلام والرقادة بكسر الراء بعدها فاء خفيفة الآعانة بالعطية قوله سمع أبو أسامة إدريس وسمع إدريس طلحة وقع هذا في رواية المستملى وحده وقد قدمت التنبيه على من وقع عنده التصريح بالتحديث لأبي أسامة من إدريس ولإدريس من طلحة في هذا الحديث بعينه وإلى ذلك أشار المصنف والله أعلم

قوله باب قوله ان الله لا يظلم مثقال ذرة يعني زنة ذرة هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى مثقال ذرة أي زنة ذرة ويقال هذا مثقال هذا أي وزنه وهو مفعال من الثقل والذرة النملة الصغيرة ويقال واحدة الهباء والذرة يقال زنتها ربع ورقة نخالة وورقة النخالة وزن ربع خردلة وزنة الخردلة ربع سمسمة ويقال الذرة لا وزن لها وأن شخصا ترك رغيفا حتى علا الذر فوزنه فلم يزد شيئا حكاه الثعلبي ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد في الشفاعة وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى مع حديث أبي هريرة المذكور هناك وهو بطوله في معناه وقد وقع ذكرهما بتمامهما متواليين في كتاب التوحيد وشيخه محمد بن عبد العزيز هو الرملي يعرف بابن الواسطي وثقة العجلي ولينه أبو زرعة وأبو حاتم وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الاعتصام

قوله باب فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وقع في الباب تفاسير لا تتعلق بالآية وقد قدمت الاعتذار عن ذلك قوله المختال والختال واحد كذا للأكثر بمثناة فوقانية ثقيلة وفي رواية الأصيلي المختال والخال واحد وصوبه بن مالك وكذلك هو في كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى مختالا فخورا المختال ذو الخيلاء والخال واحد قال ويجيء مصدرا قال العجاج والخال ثوب من ثياب الجهال قلت والخال يطلق لمعان كثيرة نظمها بعضهم في قصيدة فبلغ نحوا من العشرين ويقال إنه وجدت قصيدة تزيد على ذلك عشرين أخرى وكلام عياض يقتضى أن الذي في رواية الأكثر بالمثناة التحتانية لا الفوقانية ولهذا قال كله صحيح لكنه أورده في الخاء والتاء الفوقانية والختال بمثناة فوقانية لا معنى له هنا كما قال بن مالك وإنما هو فعال من الختل وهو الغدر ولأن عينه ياء تحتانية لا فوقانية والاسم الخلاء والمعنى أنه يختل في صورة من هو أعظم منه على سبيل التكبير والتعاظم قوله نطمس وجوها نسويها حتى تعود كأقفائهم طمس الكتاب محاه هو مختصر من كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى من قبل أن نطمس وجوها أي نسويها حتى تعود كأفقائهم يقال الريح طمست الآثار أي محتها وطمس الكتاب أي محاه وأسند الطبري عن قتادة المراد أن تعود الأوجه في الأقفية وقيل هو تمثيل وليس المراد حقيقته حسا قوله بجهنم سعيرا وقودا هو قول أبي عبيدة أيضا قال في قوله تعالى وكفى بجهنم سعيرا أي وقودا وأخرج بن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك مثله تنبيه هذه التفاسير ليست لهذه الآية وكأنه من النساخ كما نبهت عليه غير مرة

[ 4306 ] قوله حدثنا صدقة هو بن الفضل ويحيى هو القطان وسفيان هو الثوري وسليمان هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو بن عمرو وعبد الله هو بن مسعود والإسناد كله سوى شيخ البخاري وشيخه كوفيون فيه ثلاثة من التابعين في نسق أولهم الأعمش قوله قال يحيي هوالقطان وهو موصول بالإسناد ذلك واضحا في فضائل القرآن حيث أخرجه المصنف عن مسدد عن يحيى القطان بالإسناد المذكور وقال بعده قال الأعمش وبعض الحديث حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم يعني بإسناده ويأتي شرح الحديث هناك إن شاء الله تعالى وقال الكرماني إسناد عمرو مقطوع وبعض الحديث مجهول قلت عبر عن المنقطع بالمقطوع لقلة إكتراثه بمراعاة الاصطلاح وأما قوله مجهول فيريد ما حدثه به عمرو بن مرة فكأنه ظن أنه أراد أن البعض عن هذا والبعض عن هذا وليس كذلك وإنما هو عنده كله في الرواية الآتية وبعضه في أثنائه أيضا

قوله باب قوله وأن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط هذا القدر مشترك في آيتي النساء والمائدة وايراد المصنف له في تفسير سورة النساء يشعر بأن آية النساء نزلت في قصة عائشة وقد سبق ما فيه في كتاب التيمم قوله صعيدا وجه الأرض قال أبو عبيدة في قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا تيمموا أي تعمدوا قال والصعيد وجه الأرض قال الزجاج لا أعلم خلافا بين أهل اللغة أن الصعيد وجه الأرض سواء كان عليها تراب أم لا ومنه قوله تعالى صعيد جرزا و صعيدا زلفا وإنما سمي صعيدا لأنه نهاية ما يصعد من الأرض وقال الطبري بعد أن روى من طريق قتادة قال الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات ومن طريق عمرو بن قيس قال الصعيد التراب ومن طريق بن زيد قال الصعيد الأرض المستوية الصواب أن الصعيد وجه الأرض المستوية الخالية من الغرس والنبات والبناء وأما الطيب فهو الذي تمسك به من اشترط في التيمم التراب لأن الطيب هو التراب المنبت قال الله تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه وروى عبد الرزاق من طريق بن عباس الصعيد الطيب الحرث قوله وقال جابر كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان وصله بن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه قال سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت فذكر مثله وزاد وفي هلال واحد وقد تقدم نسب جهينة وأسلم في غزوة الفتح وأما هلال فقبيلة ينتسبون إلى هلال بن عامر بن صعصعة منهم ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وجماعة من الصحابة وغيرهم قوله الجبت السحر والطاغوت الشيطان وصله عبد بن حميد في تفسيره ومسدد في مسنده وعبد الرحمن بن رستة في كتاب الإيمان كلهم من طريق أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر مثله وإسناده قوي وقد وقع التصريح بسماع أبي إسحاق له من حسان وسماع حسان من عمر في رواية رستة وحسان بن فائد بالفاء عبسى بالموحدة قال أبو حاتم شيخ وذكره بن حبان في الثقات وروى الطبري عن مجاهد مثل قول عمر وزاد والطاغوت الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه ومن طريق سعيد بن جبير وأبي العالية قال الجبت الساحر والطاغوت الكاهن وهذا يمكن رده بالتأويل إلى الذي قبله قوله وقال عكرمة الجبت بلسان الحبشة شيطان والطاغوت الكاهن وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عنه وروى الطبري من طريق قتادة مثله بغير ذكر الحبشة قال كنا نتحدث أن الحبت الشيطان والطاغوت الكاهن ومن طريق العوفي عن بن عباس قال الجبت الأصنام والطواغيت الذين كانوا يعبرون عن الأصنام بالكذب قال وزعم رجال أن الجبت الكاهن والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال الجبت حي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف واختار الطبري أن المراد بالجبت والطاغوت جنس من كان يعبد من دون الله سواء كان صنما أو شيطانا جنيا أو آدميا فيدخل فيه الساحر والكاهن والله أعلم وأما قول عكرمة إن الجبت بلسان الحبشة الشيطان فقد وافقه سعيد بن جبير على ذلك لكن عبر عنه بالساحر أخرجه الطبري بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال الجبت الساحر بلسان الحبشة والطاغوت الكاهن وهذا مصير منهما إلى وقوع المعرب في القرآن وهي مسألة اختلف فيها فبالغ الشافعي وأبو عبيدة اللغوي وغيرهما في إنكار ذلك فحملوا ما ورد من ذلك على توارد اللغتين وأجاز ذلك جماعة واختاره بن الحاجب واحتج له بوقوع أسماء الأعلام فيه كإبراهيم فلا مانع من وقوع أسماء الأجناس وقد وقع في صحيح البخاري جملة من هذا وتتبع القاضي تاج الدين السبكي ما وقع في القرآن من ذلك ونظمه في أبيات ذكرها في شرحه على المختصر وعبر بقوله يجمعها هذه الأبيات فذكرها وقد تتبعت بعده زيادة كثيرة على ذلك تقرب من عدة ما أورد ونظمتها أيضا وليس جميع ما أورده هو متفقا على أنه من ذلك لكن اكتفى بإيراد ما نقل في الجملة فتبعته في ذلك وقد رأيت إيراد الجميع للفائدة فأول بيت منها من نظمى والخمسة التي تليه له وباقيها لي أيضا فقلت من المعرب عد التاج كز وقد ألحقت كد وضمتها الاساطير السلسبيل وطه كورت بيع روم وطوبى وسجيل وكافور والزنجبيل ومشكاة سرادق مع إستبرق صلوات سندس طور كذا قراطيس ربانيهم وغساق ثم دينار القسطاس مشهور كذاك فسورة واليم ناشئة ويؤت كفلين مذكور ومسطور له مقاليد فردوس يعد كذا فيما حكى بن دريد منه تنور وزدت حرم ومهل والسجل كذا السري والأب ثم الجبت مذكور وقطنا وأناه ثم متكأ دارست يصهر منه فهو مصهور وهيت والسكر الأواه مع حصب وأوبى معه والطاغوت منظور صرهن اصرى وغيض الماء مع وزر ثم الرقيم مناص والسنا النور والمراد بقولى كنز أن عدة ما ذكره التاج سبعة وعشرون وبقولى كد أن عدة ما ذكرته أربعة وعشرون وأن معترف أنني لم أستوعب ما يستدرك عليه فقد ظفرت بعد نظمي هذا بأشياء تقدم منها في هذا الشرح الرحمن وراعنا وقد عزمت أني إذا أتيت على آخر شرح هذا التفسير إن شاء الله تعالى ألحق ما وقفت عليه من زيادة في ذلك منظوما إن شاء الله تعالى ثم أورد المصنف طرفا من حديث عائشة في سقوط عقدها ونزول آية التيمم وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب التيمم

قوله باب أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ذوي الأمر كذا لأبي ذر ولغيره وأولى الأمر منكم ذوي الأمر وهو تفسير أبي عبيدة قال ذلك في هذه الآية وزاد والدليل على ذلك أن وأحدها ذو أي واحد أولي لأنها لا واحد لها من لفظها

[ 4308 ] قوله حدثنا صدقة بن الفضل كذا للأكثر وفي رواية بن السكن وحده عن الفريري عن البخاري حدثنا سنيد وهو بن داود المصيصي واسمه الحسين وسنيد لقب وهو من حفاظ الحديث وله تفسير مشهور لكن ضعفه أبو حاتم والنسائي وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع إن كان بن السكن حفظه ويحتمل أن يكون البخاري أخرج الحديث عنهما جميعا واقتصر الأكثر على صدقة لاتقانه واقتصر بن السكن على سنيد بقرينة التفسير وقد ذكر أحمد أن سنيدا ألزم حجاجا يعني حجاج بن محمد شيخه في هذا الحديث إلا أنه كان يحمله على تدليس التسوية وعابه بذلك وكأن هذا هو السبب في تضعيف من ضعفه والله أعلم قوله عن يعلى بن مسلم في رواية الإسماعيلي من طريق حجاج عن بن جريج أخبرني يعلى بن مسلم قوله نزلت في عبد الله بن حذافة كذا ذكره مختصرا والمعنى نزلت في قصة عبد الله بن حذافة أي المقصود منها في قصته قوله فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله الآية وقد غفل الداودي عن هذا المراد فقال هذا وهم على بن عباس فإن عبد الله بن حذافة خرج على جيش فغضب فاوقدوا نارا وقال اقتحموها فامتنع بعض وهم بعض أن يفعل قال فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره وإن كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم إنما الطاعة في المعروف وما قيل لهم لم لم تطيعوه انتهى وبالحمل الذي قدمته يظهر المراد وينتفى الإشكال الذي أبداه لأنهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به وسببه أن الذين هموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة والذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من النار فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى الله وإلى رسوله أي إن تنازعتم في جواز الشيء وعدم جوازه فارجعوا إلى الكتاب والسنة والله أعلم وقد روى الطبري أن هذه الآية نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد وكان خالد أميرا فأجاز عمار رجلا بغير أمره فتخاصما فنزلت فالله أعلم وقد تقدم شرح حال هذه السرية والاختلاف في اسم أميرها في المغازي بعد غزوة حنين بقليل واختلف في المراد بأولى الأمر في الآية فعن أبي هريرة قال هم الأمراء أخرجه الطبري بإسناد صحيح وأخرج عن ميمون بن مهران وغيره نحوه وعن جابر بن عبد الله قال هم أهل العلم والخير وعن مجاهد وعطاء والحسن وأبي العالية هم العلماء ومن وجه آخر أصح منه عن مجاهد قال هم الصحابة وهذا أخص وعن عكرمة قال أبو بكر وعمر وهذا أخص من الذي قبله ورجح الشافعي الأول واحتج له بأن قريشا كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم من أطاع أميري فقد أطاعني متفق عليه واختار الطبري حملها على العموم وأن نزلت في سبب خاص والله أعلم

قوله فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم سقط باب لغير أبي ذر وذكر فيه قصة الزبير مع الأنصاري الذي خاصمه في شراج الحرة وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الشرب وبينت هناك الاختلاف على عروة في وصله وإرساله بحمد الله تعالى وقوله هنا أن كان

[ 4309 ] بن عمتك بفتح أن للجميع أي من أجل ووقع عند أبي ذر وأن بزيادة واو وفي روايته عن الكشميهني آن بزيادة همزة ممدودة وهي للاستفهام

قوله باب فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين ذكر فيه حديث عائشة وقد تقدم شرحه في الوفاة النبوية ولله الحمد وقوله في شكواه الذي قبض فيه في رواية الكشميهني التي قبض فيها

قوله باب وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله إلى الظالم أهلها ولأبي ذر والمستضعفين من الرجال والنساء الآية والأظهر أن المستضعفين مجرور بالعطف عل اسم الله أي وفي سبيل المستضعفين أو على سبيل الله أي وفي خلاص المستضعفين وجوز الزمخشري أن يكون منصوبا على الاختصاص

[ 4311 ] قوله عن عبيد الله هو بن أبي يزيد وفي مسند أحمد عن سفيان حدثني عبيد الله بن أبي يزيد قوله كنت أنا وأمي من المستضعفين كذا للأكثر زاد أبو ذر من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان وأراد حكاية الآية وإلا فهو من الولدان وأمه من المستضعفين ولم يذكر في هذا الحديث من الرجال أحدا وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن موسى عن بن عيينة بلفظ كنت أنا وأمي من المستضعفين أنا من الولدان وأمي من النساء قوله في الطريق الأخرى أن بن عباس تلا في رواية المستملى عن بن عباس أنه تلا قوله كنت أنا وأمي ممن عذر الله أي في الآية المذكورة وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج من طريق محمد بن عبيد عن حماد بن زيد كنت أنا وأمي من المستضعفين قلت واسم أمه لبابة بنت الحارث الهلالية أم الفضل أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال الداودي فيه دليل لمن قال إن الولد يتبع المسلم من أبويه قوله ويذكر عن بن عباس حصرت ضاقت وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى حصرت صدورهم قال ضاقت وعن الحسن أنه قرأ حصرت صدورهم بالرفع حكاه الفراء وهو على هذا خبر بعد خبر وقال المبرد هو على الدعاء أي أحصر الله صدورهم كذا قال والأول أولى وقد روى بن أبي حاتم من طريق مجاهد أنها نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي وكان بينه وبين المسلمين عهد وقصده ناس من قومه فكره أن يقاتل المسلمين وكره أن يقاتل قومه قوله تلووا ألسنتكم بالشهادة وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى وأن تلووا أو تعرضوا قال تلووا ألسنتكم بشهادة أو تعرضوا عنها وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال أن تدخل في شهادتك ما يبطلها أو تعرض عنها فلا تشهدها وقرأ حمزة وابن عامر وأن تلوا بواو واحدة ساكنة وصوب أبو عبيد قراءة الباقين واحتج بتفسير بن عباس المذكور وقال ليس للولاية هنا معنى وأجاب الفراء بأنها بمعنى اللي كقراءة الجماعة إلا أن الواو المضمومة قبلت همزة ثم سهلت وأجاب الفارسي بأنها على بابها من الولاية والمراد أن توليتم إقامة الشهادة قوله وقال غيره المراغم المهاجر راغمت هاجرت قومي قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة والمراغم والمهاجر واحد تقول هاجرت قومي وراغمت قومي قال الجعدي عزيز المراغم والمهرب وروى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله مراغما قال متحولا وكذا أخرجه بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قوله موقوتا موقتا وقته عليهم لم يقع هذا في رواية أبي ذر وهو قول أبي عبيدة أيضا قال في قوله تعالى أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أي موقتا وقته الله عليهم وروى بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله موقوتا قال مفروضا

قوله باب فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا قال بن عباس بددهم وصله الطبري من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس في قوله والله اركسهم بما كسبوا قال بددهم ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال أوقعهم ومن طريق قتادة قال أهلكهم وهو تفسير باللازم لأن الركس الرجوع فكأنه ردهم إلى حكمهم الأول قوله فئة جماعة روى الطبري من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة قال الأخرى كفار قريش وقال أبو عبيدة في قوله تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة قال الفئة الجماعة قوله

[ 4313 ] حدثنا غندر هو محمد بن جعفر قوله وعبد الرحمن هو بن مهدي قوله عن عدى هو بن ثابت قوله عن عبد الله بن يزيد هو الخطمي بفتح المعجمة ثم سكون المهملة وهو صحابي صغير قوله رجع ناس من أحد هم عبد الله بن أبي بن سلول ومن تبعه وقد تقدم بيان ذلك في غزوة أحد من كتاب المغازي مستوفى وقوله في آخره خبث الفضة في رواية الحموي خبث الحديد وقد تقدم بيان الاختلاف في قوله تنفى الخبث في فضل المدينة قوله باب وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف اذاعوا به أي أفشوه وصله بن المنذر عن بن عباس في قوله اذاعوا به أي افشوه قوله يستنبطونه يستخرجونه قال أبو عبيدة في قوله تعالى لعلمه الذين يستنبطونه منهم أي يستخرجونه يقال الركية إذا أستخرج ماؤها هي نبط إذا أمامها قوله حسيبا كافيا وقع هنا لغير أبي ذر وقد تقدم في الوصايا قوله إلا إناثا يعني الموات حجرا أو مدرا أو ما أشبهه قال أبو عبيدة في قوله تعالى ان يدعون من دونه إلا إناثا الا الموات حجرا أو مدرا أو ما أشبه ذلك والمراد بالموات ضد الحيوان وقال غيره قيل لها إناث لأنهم سموها مناة واللات والعزى وإساف ونائلة ونحو ذلك وعن الحسن البصري لم يكن حي من أحياء العرب الا ولهم صنم يعبدونه يسمى أنثى بني فلان وسيأتي في الصافات حكاية عنهم أنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك وفي رواية عبد الله بن أحمد في مسند أبيه عن أبي بن كعب في هذه الآية قال مع كل صنم جنية ورواته ثقات ومن هذا الوجه أخرجه بن أبي حاتم قوله مريدا متمردا وقع هذا للمستملي وحده وهو تفسير أبي عبيدة بلفظه وقد تقدم في بدء الخلق ومعناه الخروج عن الطاعة وروى بن أبي حاتم من طريق قتادة في قوله مريدا قال متمردا على معصية الله قوله فليبتكن بتكه قطعه قال أبو عبيدة في قوله تعالى فليبتكن آذان الآنعام يقال بتكه قطعه وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كانوا يبتكون آذانها لطواغيتهم قوله قيلا وقولا واحد قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن أصدق من الله قيلا وقيلا وقولا واحد قوله طبع ختم قال أبو عبيدة في قوله طبع الله على قلوبهم أي ختم تنبيه ذكر هذا الباب آثارا ولم يذكر فيه حديثا وقد وقع عند مسلم من حديث عمر في سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هجر نساءه وشاع أنه طلقهن وأن عمر جاءه فقال أطلقت نساءك قال لا قال فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه فنزلت هذه الآية فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر وأصل هذه القصة عند البخاري أيضا لكن بدون هذه الزيادة فليست على شرطه فكأنه أشار إليها بهذه الترجمة

قوله باب ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم يقال نزلت في مقيس بن ضبابة وكان أسلم هو وأخوه هشام فقتل هشاما رجل من الأنصار غيلة فلم يعرف فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يأمرهم أن يدفعوا إلى مقيس دية أخيه ففعلوا فأخذ الدية وقتل الرسول ولحق بمكة مرتدا فنزلت فيه وهو ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح أخرجه بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير

[ 4314 ] قوله شعبة حدثنا مغيرة بن النعمان لشعبة فيه شيخ آخر وهو منصور كما سيأتي في سورة الفرقان قوله آية اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت فيها إلى بن عباس فسألته عنها سقط لفظ آية لغير أبي ذر وسيأتي مزيد فيه في الفرقان وقع في تفسير الفرقان من طريق غندر عن شعبة بلفظ اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن فدخلت فيه إلى بن عباس وفي رواية الكشميهني فرحلت بالراء والمهملة وهي أصوب وسيأتي شرح الحديث مستوفى هناك إن شاء الله تعالى وقوله هي آخر ما نزل أي في شأن قتل المؤمن عمدا بالنسبة لآية الفرقان

قوله باب ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا السلم والسلام والسلم واحد يعني أن الأول بفتحتين والثالث بكسر ثم سكون فالأول قراءة نافع وابن عامر وحمزة والثاني قراءة الباقين والثالث قراءة رويت عن عاصم بن أبي النجود وروى عن عاصم الجحدري بفتح ثم سكون فأما الثاني فمن التحية وأما ما عداه فمن الانقياد

[ 4315 ] قوله عن عمرو هو بن دينار وفي رواية بن أبي عمر عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار كذا أخرجها أبو نعيم في مستخرجه من طريقه قوله كان رجل في غنيمة بالتصغير وفي رواية سماك عن عكرمة عن بن عباس عند أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه مر رجل من بني سليم بنفر من الصحابة وهو يسوق غنما له فسلم عليهم قوله فقتلوه زاد في رواية سماك وقالوا ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا قوله وأخذوا غنيمته في رواية سماك وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت وروى البزار من طريق حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس في سبب نزول هذه الآية قصة أخرى قال بعث رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كيف لك بلا إله إلا الله غدا وأنزل الله هذه الآية وهذه القصة يمكن الجمع بينها وبين التي قبلها ويستفاد منها تسمية القاتل وأما المقتول فروى الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس وأخرجه عبد بن حميد من طريق قتادة نحوه واللفظ للكلبي أن اسم المقتول مرداس بن نهيك من أهل فدك وأن اسم القاتل أسامة بن زيد وأن اسم أمير السرية غالب بن فضالة الليثي وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي هو وحده وكان ألجأ غنمه بجبل فلما لحقوه قال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد فلما رجعوا نزلت الآية وكذا أخرج الطبري من طريق السدي نحوه وفي آخر رواية قتادة لأن تحية المسلمين السلام بها يتعارفون وأخرج بن أبي حاتم من طريق بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال أنزلت هذه الآية ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام في مرداس وهذا شاهد حسن وورد في سبب نزولها عن غير بن عباس شيء آخر فروى بن إسحاق في المغازي وأخرجه أحمد من طريقه عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلم بن جثامة فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم علينا فحمل عليه محلم فقتله فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل القرآن فذكر هذه الآية وأخرجها بن إسحاق من طريق بن عمر أتم سياقا من هذا وزاد أنه كان بين عامر ومحلم عداوة في الجاهلية وهذه عندي قصة أخرى ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معا قوله في آخر الحديث قال قرأ بن عباس السلام هو مقول عطاء وهو موصول بالإسناد المذكور وقد قدمت أنها قراءة الأكثر وفي الآية دليل على أن من أظهر شيئا من علامات الإسلام لم يحل دمه حتى يختبر أمره لأن السلام تحية المسلمين وكانت تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك فكانت هذه علامة وأما على قراءة السلم على اختلاف ضبطه فالمراد به الانقياد وهو علامة الإسلام لأن معنى الإسلام في اللغة الانقياد ولا يلزم من الذي ذكرته الحكم بإسلام من اقتصر على ذلك واجراء أحكام المسلمين عليه بل لا بد من التلفظ بالشهادتين على تفاصيل في ذلك بين أهل الكتاب وغيرهم والله أعلم

قوله باب لا يستوي القاعدون من المؤمنين الآية كذا لأبي ذر ولغيره والمجاهدون في سبيل الله واختلفت القراءة في غير أولى الضرر فقرأ بن كثير وأبو عمرو وعاصم بالرفع على البدل من القاعدون وقرأ الأعمش بالجر على الصفة للمؤمنين وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء

[ 4316 ] قوله عن صالح هو بن كيسان قوله حدثني سهل بن سعد كذا قال صالح وتابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن بن شهاب عند الطبري وخالفهما معمر فقال عن بن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت أخرجه أحمد قوله أنه رأى مروان بن الحكم أي بن أبي العاص أمير المدينة الذي صار بعد ذلك خليفة قوله فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا قال الترمذي في هذا الحديث رواية رجل من الصحابة وهو سهل بن سعد عن رجل من التابعين وهو مروان بن الحكم ولم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسم فهو من التابعين قلت لا يلزم من عدم السماع عدم الصحبة والأولى ما قال فيه البخاري لم ير النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكره بن عبد البر في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل لعام أحد وقيل عام الخندق وثبت عن مروان أنه قال لما طلب الخلافة فذكروا له بن عمر فقال ليس بن عمر بأفقه مني ولكنه أسن مني وكانت له صحبة فهذا اعتراف منه بعدم صحبته وإنما لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان سماعه منه ممكنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أباه إلى الطائف فلم يرده إلا عثمان لما استخلف وقد تقدمت روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الشروط مقرونة بالمسور بن مخرمة ونبهت هناك أيضا على أنها مرسلة والله الموفق قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله في رواية قبيصة المذكورة عن زيد بن ثابت كنت اكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه إني لقاعد إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم إذ أوحى إليه وغشيته السكينة فوضع فخذه على فخذي قال زيد فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل منها وفي حديث البراء بن عازب الذي في الباب بعد هذا لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم أدع لي فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف وفي الرواية الأخرى عنه في الباب أيضا دعا زيدا فكتبها فيجمع بينهما بأن المراد بقوله لما نزلت كادت أن تنزل لتصريح رواية خارجة بأن نزولها كان بحضرة زيد قوله فجاءه بن أم مكتوم في رواية قبيصة المذكورة فجاء عبد الله بن أم مكتوم وعند الترمذي من طريق الثوري وسليمان التيمي كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء جاء عمرو بن أم مكتوم وقد نبه الترمذي على أنه يقال له عبد الله وعمرو وأن اسم أبيه زائدة وأن أم مكتوم أمه قلت واسمها عاتكة وقد تقدم شيء من خبره في كتاب الأذان قوله وهو يملها بضم أول وكسرالميم وتشديد اللام هو مثل يمليها يملي ويملل بمعنى ولعل الياء منقلبة من إحدى اللامين قوله والله لو أستطيع الجهاد معك لجاهدت أي لو استطعت وعبر بالمضارع إشارة إلى الاستمرار واستحضارا لصورة الحال قال وكان أعمى هذا يفسر ما في حديث البراء فشكا ضرارته وفي الرواية الأخرى عنه فقال أنا ضرير وفي رواية خارجة فقام حين سمعها بن أم مكتوم وكان أعمى فقال يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى وأشباه ذلك وفي رواية قبيصة فقال إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي من الزمانة ما ترى ذهب بصري قوله أن ترض فخذي أي تدقها قوله ثم سرى بضم المهملة وتشديد الراء أي كشف قوله فأنزل الله غير أولى الضرر في رواية قبيصة ثم قال اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر وزاد في رواية خارجة بن زيد قال زيد بن ثابت فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف قوله في الحديث الثاني عن أبي إسحاق هو السبيعي قوله عن البراء في رواية محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحاق أنه سمع البراء أخرجه أحمد عنه ووقع في رواية الطبراني من طريق أبي سنان الشيباني عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم وأبو سنان اسمه ضرار بن مرة وهو ثقة إلا أن المحفوظ عن أبي إسحاق عن البراء كذا أنفق الشيخان عليه من طريق شعبة ومن طريق إسرائيل وأخرجه الترمذي وأحمد من رواية سفيان الثوري والترمذي أيضا والنسائي وابن حبان من رواية سليمان التيمي وأحمد أيضا من رواية زهير والنسائي أيضا من رواية أبي بكر بن عياش وأبو عوانة من طريق زكريا بن أبي زائدة ومسعر ثمانيتهم عن أبي إسحاق

[ 4318 ] قوله ادعوا فلانا كذا أبهمه إسرائيل في روايته وسماه غيره كما تقدم قوله وخلف النبي صلى الله عليه وسلم بن أم مكتوم كذا في رواية إسرائيل وفي رواية شعبة التي قبلها دعا زيدا فكتبها فجاء بن أم مكتوم فيجمع بأن معنى قوله جاء أنه قام من مقامه خلف النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء مواجهة فخاطبه قوله فنزلت مكانها قال بن التين يقال إن جبريل هبط ورجع قبل أن يجف القلم قوله لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله قال بن المنير لم يقتصر الراوي في الحال الثاني على ذكر الكلمة الزائدة وهي غير أولى الضرر فإن كان الوحي نزل بزيادة قوله غير أولي الضرر فقط فكأنه رأى إعادة الآية من أولها حتى يتصل الاستثناء بالمستثنى منه وإن كان الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها فقد حكى الراوي صورة الحال قلت الأول أظهر فإن في رواية سهل بن سعد فأنزل الله غير أولى الضرر وأوضح من ذلك رواية خارجة بن زيد عن أبيه ففيها ثم سري عنه فقال أقرأ فقرأت عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم غير أولى الضرر وفي حديث الفلتان بفتح الفاء واللام وبمثناة فوقانية بن عاصم في هذه القصة قال فقال الأعمى ما ذنبنا فأنزل الله فقلنا له إنه يوحى إليه فخاف أن ينزل في أمره شيء فجعل يقول أتوب إلى الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب أكثب غير أولى الضرر أخرجه البزار والطبراني وصححه بن حبان ووقع في غير هذا الحديث ما يؤيد الثاني وهو في حديث البراء بن عازب فأنزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء الله ثم نزلت حافظوا عل الصلوات والصلاة الوسطى الحديث الثالث

[ 4319 ] قوله وحدثني إسحاق جزم أبو نعيم في المستخرج وأبو مسعود في الأطراف بأنه إسحاق بن منصور وكنت أظن أنه بن راهويه لقوله أخبرنا عبد الرزاق ثم رأيت في أصل النسفي حدثني إسحاق حدثنا عبد الرزاق فعرفت أنه بن منصور لأن بن راهويه لا يقول في شيء من حديثه حدثنا قوله أخبرني عبد الكريم تقدم في غزوة بدر أنه الجزري قوله أن مقسما مولى عبد الله بن الحارث أخبره أما مقسم فتقدم ذكره في غزوة بدر وأما عبد الله بن الحارث فهو بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب لأبيه ولجده وصحبه وله هو رؤية وكان يلقب بية بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة قوله لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر كذا أورده مختصرا وظن بن التين أنه مغاير لحديثي سهل والبراء فقال القرآن ينزل في الشيء ويشتمل على ما في معناه وقد أخرجه الترمذي من طريق حجاج بن محمد عن بن جريج بهذا مثله وزاد لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم الاعميان يا رسول الله هل لنا رخصة فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة فهؤلاء القاعدون غير أولى الضرر وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولى الضرر هكذا أورده سياقا واحدا ومن قوله درجة الخ مدرج في الخير من كلام بن جريج بين الطبري فأخرج من طريق حجاج نحو ما أخرجه الترمذي إلى قوله درجة ووقع عنده فقال عبد الله بن أم مكتوم وأبو أحمد بن جحش وهو الصواب في بن جحش فإن عبد الله أخوه وأما هو فاسمه عبد بغير إضافة وهو مشهور بكنيته ثم أخرجه بالسند المذكور عن بن جريج قال وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه قال على القاعدين من المؤمنين غير أولى الضرر وحاصل تفسير بن جريج أن المفضل عليه غير أولى الضرر وأما أولو الضرر فملحقون في الفضل بأهل الجهاد إذا صدقت نياتهم كما تقدم في المغازي من حديث أنس أن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم حبسهم العذر ويحتمل أن يكون المراد بقوله فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة أي من أولى الضرر وغيرهم وقوله وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه أي على القاعدين من غير أولى الضرر ولا ينافي ذلك الحديث المذكور عن أنس ولا ما دلت عليه الآية من استواء أولى الضرر مع المجاهدين لأنها استثنت أولى الضرر من عدم الاستواء فأفهمت إدخالهم في الاستواء إذ لا واسطة بين الاستواء وعدمه لأن المراد منه استواؤهم في أصل الثواب لا في المضاعفة لأنها تتعلق بالفعل ويحتمل أن يلتحق بالجهاد في ذلك سائر الأعمال الصالحة وفي أحاديث الباب من الفوائد أيضا أتخاذ الكاتب وتقريبه وتقييد العلم بالكتابة

قوله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى فتهاجروا فيها وليس عند الجميع لفظ باب

[ 4320 ] قوله حدثنا حيوة بفتح المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو وهو بن شريح المصري يكنى أبا زرعة قوله وغيره هو بن لهيعة أخرجه الطبراني وقد أخرجه إسحاق بن راهويه عن المقرئ عن حيوة وحده وكذا أخرجه النسائي عن زكريا بن يحيى عن إسحاق والآسماعيلي من طريق يوسف بن موسى عن المقرئ كذلك قوله قالا حدثنا محمد بن عبد الرحمن هو أبو الأسود الأسدي يتيم عروة بن الزبير قوله قطع بضم أوله قوله بعث أي جيش والمعنى أنهم ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة قوله فاكتتبت بضم المثناة الأولى وكسر الثانية بعدها موحدة ساكنة على البناء للمجهول قوله أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين سمي منهم في رواية أشعث بن سوار عن عكرمة عن بن عباس قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أمية بن سفيان وعلى بن أمية بن خلف وذكر في شأنهم أنهم خرجوا إلى بدر فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا غر هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر أخرجه بن مردويه ولابن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عكرمة نحوه وذكر فيهم الحارث بن زمعة بن الأسود والعاص بن منبه بن الحجاج وكذا ذكرهما بن إسحاق قوله يرمى به بضم أوله على البناء للمجهول قوله فأنزل الله هكذا جاء في سبب نزولها وفي رواية عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس عند بن المنذر والطبري وكان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يخفون الإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت فكتبوا بها إلى من بقي بمكة منهم وأنهم لا عذر لهم فخرجوا فلحقهم المشركون ففتنوهم فرجعوا فنزلت ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله فكتب إليهم المسلمون بذلك فحزنوا فنزلت ثم أن ربك الذين هاجروا من بعد ما فتنوا الآية فكتبوا إليهم بذلك فخرجوا فلحقوهم فنجا من نجا وقتل من قتل قوله رواه الليث عن أبي الأسود وصله الإسماعيلي والطبراني في الأوسط من طريق أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن أبي الأسود عن عكرمة فذكره بدون قصة أبي الأسود قال الطبراني لم يروه عن أبي الأسود إلا الليث وابن لهيعة قلت ورواية البخاري من طريق حيوة ترد عليه ورواية بن لهيعة أخرجها بن أبي حاتم أيضا وفي هذه القصة دلالة على براءة عكرمة مما ينسب إليه من رأى الخوارج لأنه بالغ في النهى عن قتال المسلمين وتكثير سواد من يقاتلهم وغرض عكرمة أن الله ذم من كثر سواد المشركين مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم قال فكذلك أنت لا تكثر سواد هذا الجيش وأن كنت لا تريد موافقتهم لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله وقوله فيم كنتم سؤال توبيخ واستنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية

قوله الا المستضعفين من الرجال والنساء الآية فيه معذرة من اتصف بالاستضعاف من المذكورين وقد ذكروا في الآية الأخرى في سياق الحث على القتال عنهم وتقدم حديث بن عباس المذكور والكلام عليه قبل ستة أبواب

قوله باب قوله فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم الآية كذا لأبي ذر ولغيره فعسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا كذا وقع عند أبي نعيم في المستخرج وهو خطأ من النساخ بدليل وقوعه على الصواب في رواية أبي ذر فاولئك عسى الله وهي التلاوة ووقع في تنقيح الزركشي هنا وكان الله غفورا رحيما قال وهو خطأ أيضا قلت لكن لم أقف عليه في رواية ثم ذكر فيه حديث أبي هريرة في الدعاء للمستضعفين وقد تقدم الكلام عليه في أول الاستسقاء

قوله باب ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر الآية كذا لأبي ذر وله عن المستملى باب قوله ولا جناح الخ وسقط لغيره باب وزادوا كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم

[ 4323 ] قوله حجاج هو بن محمد ويعلى هو بن مسلم قوله أن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى قال عبد الرحمن بن عوف وكان جريحا في رواية كان بغير واو كذا وقع عنده مختصرا ومقول بن عباس ما ذكر عن عبد الرحمن وقوله كان جريحا أي فنزلت الآية فيه وقال الكرماني يحتمل هذا ويحتمل أن التقدير قال بن عباس وعبد الرحمن بن عوف يقول من كان جريحا فحكمه كذلك فكان عطف الجريح على المريض إلحاقا به على سبيل القياس أو لأن الجرح نوع من المرض فيكون كله مقول عبد الرحمن وهو مروي عن بن عباس قلت وسياق ما أورده غير البخاري يدفع هذا الاحتمال فقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري عن حجاج بن محمد قال كان عبد الرحمن بن عوف جريحا وهو ظاهر في أن فاعل قال هو بن عباس وأنه لا رواية لابن عباس في هذا عن عبد الرحمن قوله في الآية الكريمة أن تضعوا أسلحتكم رخص لهم في وضع السلاح لثقلها عليهم بسبب ما ذكر من المطر أو المرض ثم أمرهم بأخذ الحذر خشية أن يغفلوا فيهجم العدو عليهم

قوله باب ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء كذا لأبي ذر وله عن غير المستملى باب يستفتونك وسقط لغيره باب وقوله يستفتونك أي يطلبون الفتيا أو الفتوى وهما بمعنى واحد أي جواب السؤال عن الحادثة التي تشكل على السائل وهي مشتقة من الفتى ومنه الفتى وهو الشاب القوي ثم ذكر حديث عائشة في قصة الرجل يكون عنده اليتيمة فتشركه في ماله وقد تقدم الكلام عليه في أوائل هذه السورة مستوفى وروى بن أبي حاتم من طريق السدي قال كان لجابر بنت عم دميمة ولها مال ورثته عن أبيها وكان جابر يرغب عن نكاحها ولا ينكحها خشية أن يذهب الزوج بمالها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت

قوله وأن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا كذا للجميع بغير باب قوله وقال بن عباس شقاق تفاسد وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وقال غيره الشقاق العداوة لأن كلا عن المتعاديين في شق خلاف شق صاحبة قوله وأحضرت الأنفس الشح قال هواه في الشيء يحرص عليه وضله بن أبي حاتم أيضا بهذا الإسناد عن بن عباس قوله كالمعلقة لا هي أيم ولا ذات زوج وصله بن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق يزيد النحرى عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى فتذروها كالمعلقة قال لا هي أيم ولا ذات زوج انتهى والأيم بفتح الهمزة وتشديد التحتانية هي التي لا زوج لها قوله نشوزا بغضا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في

[ 4225 ] قوله وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا قال يعني البغض وقال الفراء النشوز يكون من قبل المرأة والرجل وهو هنا من قبل الرجل قولة عبد الله هو بن المبارك قوله قالت الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها أي في المحبة والمعاشرة والملازمة قوله فتقول أجعلك من شأني في حل أي وتتركني من غير طلاق قولة فنزلت في ذلك زاد أبو ذر عن غير المستملى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا الآية وعن على نزلت في المرأة تكون عند الرجل تكره مفارقته فيصطلحان على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة وروى الحاكم من طريق بن المسيب عن رافع بن خديج أنه كانت تحته امرأة فتزوج عليها شابة فآثر البكر عليها فنازعته فطلقها ثم قال لها أن شئت راجعتك وصبرت فقالت راجعني فراجعها ثم لم تصبر فطلقها قال فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله أنزل فيه هذه الآية وروى الترمذي من طريق سماك عن عكرمة عن بن عباس قال خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومى لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية وقال حسن غريب قلت وله شاهد في الصحيحين من حديث عائشة بدون ذكر نزول الآية

قوله باب أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار كذا لأبي ذر وسقط لغيره باب قوله قال بن عباس أسفل النار وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال الدرك الأسفل أسفل النار قال العلماء عذاب المنافق أشد من عذاب الكافر لاستهزائه بالدين قوله نفقا سربا وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس به وهذه الكلمة ليست من سورة النساء وإنما هي من سورة الأنعام ولعل مناسبة ذكرها هنا للإشارة إلى اشتقاق النفاق لأن النفاق إظهار غير ما يبطن كذا وجهه الكرماني وليس ببعيد مما قالوه في اشتقاق النفاق أنه من النافقاء وهو جحر اليربوع وقيل هو من النفق وهو السرب حكاه في النهاية

[ 4326 ] قوله إبراهيم هو النخعي والأسود خاله وهو بن يزيد النخعي قوله كنا في حلقة عبد الله يعني بن مسعود قوله فجاء حذيفة هو بن اليمان قوله لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم أي ابتلوا به لأنهم كانوا من طبقة الصحابة فهم خير من طبقة التابعين لكن الله ابتلاهم فارتدوا نافقوا فذهبت الخيرية منهم ومنهم من تاب فعادت له الخيرية فكأن حذيفة حذر الذين خاطبهم وأشار لهم أن لا يغتروا فإن القلوب تتقلب فحذرهم من الخروج من الإيمان لأن الأعمال بالخاتمة وبين لهم أنهم وأن كانوا في غاية الوثوق بايمانهم فلا ينبغي لهم أن يأمنوا مكر الله فإن الطبقة الذين قبلهم وهم الصحابة كانوا خيرا منهم ومع ذلك وجد بينهم من ارتد ونافق فالطبقة التي هي من بعدهم أمكن من الوقوع في مثل ذلك وقوله فتبسم عبد الله كأنه تبسم تعجبا من صدق مقالته قوله فرماني أي حذيفة رمى الأسود يستدعيه إليه قوله عجبت من ضحكه أي من اقتصاره على ذلك وقد عرف ما قلت أي فهم مرادي وعرف أنه الحق قوله ثم تابوا فتاب الله عليهم أي رجعوا عن النفاق ويستفاد من حديث حذيفة أن الكفر والإيمان والإخلاص والنفاق كل بخلق الله تعالى وتقديره وإرادته ويستفاد من قوله تعالى إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين صحة توبة الزنديق وقبولها على ما عليه الجمهور فإنها مستثناة من المنافقين من قوله ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار وقد استدل بذلك جماعة منهم أبو بكر الرازي في أحكام القرآن والله أعلم

قوله باب قوله إنا أوحينا إليك كما اوحينا إلى نوح إلى قوله ويونس وهارون وسليمان كذا لأبي ذر وزاد في رواية أبي الوقت والنبيين من بعده والباقي سواء لكن سقط لغير أبي ذر باب

[ 4327 ] قوله ما ينبغي لأحد وفي رواية المستملى والحموي لعبد قوله أن يقول أنا خير من يونس يحتمل أن يكون المراد أن العبد القائل هو الذي لا ينبغي له أن يقول ذلك ويحتمل أن يكون المراد بقوله أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله تواضعا ودل حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب على أن الاحتمال الأول أولى

[ 4328 ] قوله فقد كذب أي إذا قال ذلك بغير توقيف وقد تقدم شرح هذا الحديث في أحاديث الأنبياء بما أغنى عن إعادته هنا والله المستعان

قوله باب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ساقوا الآية إلى قوله أن لم يكن لها ولد وسقط باب لغير أبي ذر والمراد بقوله يستفتونك أي عن مواريث الكلالة وحذف لدلالة السياق عليه في قوله قل الله يفتيكم في الكلالة قوله والكلالة من لم يرثه أب ولا بن هو قول أبي بكر الصديق أخرجه بن أبي شيبة عنه وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وروى عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل قال ما رأيتهم إلا تواطئوا على ذلك وهذا إسناد صحيح وعمرو بن شرحبيل هو أبو ميسرة وهو من كبار التابعين مشهور بكنيته أكثر من اسمه قوله وهو مصدر من تكللة النسب أي تعطف النسب عليه وزاد غيره كأنه أخذ طرفيه من جهة الولد والوالد وليس له منهما أحد وهو قول البصريين قالوا هو مأخوذ من الإكليل كأن الورثة أحاطوا به وليس له أب ولا بن وقيل هو من كل يكل يقال كلت الرحم إذا تباعدت وطال انتسابها وقيل الكلالة من سوى الولد وزاد الداودي وولد الولد وقيل من سوى الوالد وقيل هم الإخوة وقيل من الأم وقال الأزهري سمي الميت الذي لا والد له ولا ولد كلالة وسمي الوارث كلالة وسمي الإرث كلالة وعن عطاء الكلالة هي المال وقيل الفريضة وقيل الورثة والمال وقيل بنو العم ونحوهم وقيل العصبات وأن بعدوا وقيل غير ذلك ولكثرة الاختلاف فيه صح عن عمر أنه قال لم أقل في الكلالة شيئا

[ 4329 ] قوله آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة تقدم الكلام على الأخيرة في تفسير البقرة وللترمذي من طريق أبي السفر عن البراء قال آخر آية نزلت وآخر شيء نزل فذكرها وفي النسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال اشتكيت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أوصى لأخواتي بالثلث قال أحسن قلت بالشطر قال أحسن ثم خرج ثم دخل على فقال لا أراك تموت من وجعك هذا إن الله أنزل وبين ما لاخواتك وهو الثلثان فكان جابر يقول نزلت هذه الآية في يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة قلت وهذه قصة أخرى لجابر غير التي تقدمت في أول تفسير سورة النساء فيما يظهر لي وقد قدمت المستند في ذلك واضحا في أوائل هذه السورة والله أعلم قال الداودي في الآية دليل على أن الأخت ترث مع البنت خلافا لابن عباس حيث قال لا ترث الأخت إلا إذا لم تكن بنت لقوله تعالى أن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت قال والحجة عليه في بقية الآية وهو يرثها إن لم يكن لها ولد كذا قال وسأذكر البحث في ذلك واضحا في الفرائض

قوله بسم الله الرحمن الرحيم سورة المائدة سقطت البسملة لأبي ذر والمائدة فاعلة بمعنى مفعولة أي ميد بها صاحبها وقيل على بابها وسيأتي ذكر ذلك مبينا بعد قوله وأنتم حرم وحدها حرام هو قول أبي عبيدة وزاد حرام بمعنى محرم وقرأ الجمهور بضم الراء ويحيى بن وثاب بإسكانها وهي لغة كرسل ورسل قوله فبما نقضهم ميثاقهم بنقضهم هو تفسير قتادة أخرجه الطبري من طريقه وكذا قال أبو عبيدة فيما نقضهم أي فبنقضهم قال والعرب تستعمل ما في كلامهم توكيدا فإن كان الذي قبلها يجر أو يرفع أو ينصب عمل فيما بعدها قوله التي كتب الله أي جعل الله قال أبو عبيدة في قوله تعالى يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم أي جعل الله لكم وقضى وعن بن إسحاق كتب لكم أي وهب لكم أخرجه الطبري وأخرج من طريق السدي أن معناه أمر قال الطبري والمراد أنه قدرها لسكنى بني إسرائيل في الجملة فلا يرد كون المخاطبين بذلك لم يسكنوها لأن المراد جنسهم بل قد سكنها بعض أولئك كيوشع وهو ممن خوطب بذلك قطعا قوله تبوء تحمل قال أبو عبيدة في قوله تعالى إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك أي تحمل إثمي وإثمك قال وله تفسير آخر تبوء أي تقر وليس مرادا هنا وروى الطبري من طريق مجاهد قال إني أريد أن تبوء أن تكون عليك خطيئتك ودمى قال والجمهور على أن المراد بقوله إثمي أي إثم قتلى ويحتمل أن يكون على بابه من جهة أن الفتل يمحو خطايا المقتول وتحمل على القاتل إذا لم تكنله حسنات يوفى منها المقتول قوله وقال غيره الإغراء التسليط هكذا وقع في النسخ التي وقفت عليها ولم تكن له حسنات يوفى منها المقتول قوله وقال غيره الإغراء التسليط هكذا وقع في النسخ التي وقفت عليها ولم أعرف الغير ولا من عاد عليه الضمير لأنه لم يفصح بنقل ما تقدم عن أحد نعم سقط وقال غيره من رواية النسفي وكأنه أصوب ويحتمل أن يكون المعنى وقال غيره الإغراء التسليط وهذا أوجه وتفسير المخمصة وقع في النسخ الأخرى بعد هذا وقد وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وكذا فسره أبو عبيدة والحاصل أن التقديم والتأخير في وضع هذه التفاسير وقع ممن نسخ كتاب البخاري كما قدمناه غير مرة ولا يضر ذلك غالبا وتفسير الإغراء بالتسليط يلازم معنى الإغراء لأن حقيقة الإغراء كما قال أبو عبيدة التهييج للافساد وقد روى بن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله وأغرينا قال ألقينا وهذا تفسير بما وقع في الآية الأخرى قوله اجورهن مهورهن هو تفسير أبي عبيدة قوله المهيمن القرآن أمين على كل كتاب قبله أورد بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى ومهيمنا عليه قال القرآن أمين على كل كتاب كان قبله وروى عبد بن حميد من طريق أربدة التميمي عن بن عباس في قوله تعالى ومهيمنا عليه قال مؤتمنا عليه وقال بن قتيبة وتبعه جماعة مهيمنا مفيعل من أيمن قلبت همزته هاء وقد أنكر ذلك ثعلب فبالغ حتى نسب قائله إلى الكفر لأن المهيمن من الأسماء الحسني وأسماء الله تعالى لا تصغر والحق أنه أصل بنفسه ليس مبدلا من شيء وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب تقول هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن قال أبو عبيدة لم يجيء في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة ألفاظ مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر قوله وقال سفيان ما في القرآن آية أشد على من لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم يعني أن من لم يعمل بما أنزل الله في كتابه فليس على شيء ومقتضاه أن من أخل ببعض الفرائض فقد أخل بالجميع ولاجل ذلك أطلق كونها أشد من غيرها ويحتمل أن يكون هذا مما كان على أهل الكتاب من الإصر وقد روى بن أبي حاتم أن الآية نزلت في سبب خاص فأخرج بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء مالك بن الصيف وجماعة من الأحبار فقالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حتى قال بلى ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ مما أحدثتموه قالوا فأنا تمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به فأنزل الله هذه الآية وهذا يدل على أن المراد بما أنزل إليكم من ربكم أي القرآن ويؤيد هذا التفسير قوله تعالى في الآية التي قبلها ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا إلى قوله لأكلوا من فوقهم الآية تنبيه سفيان المذكور وقع في بعض النسخ أنه الثوري ولم يقع لي إلى الآن موصولا قوله من أحياها يعني من حرم قتلها إلا بحتى حي الناس منه جميعا وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قوله شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة وقد تقدم في الإيمان وقال أبو عبيدة لكل جعلنا منكم شرعة أي سنة ومنهاجا أي سبيلا بينا واضحا قوله عثر ظهر الاوليان وأحدهما أولى أي أحق به طعامهم وذبائحهم كذا ثبت في بعض النسخ هنا وقد تقدم في الوصايا إلا الأخير فسيأتي في الذبائح

قوله باب قوله اليوم أكملت لكم دينكم سقط باب لغير أبي ذر قوله وقال بن عباس مخمصة مجاعة كذا ثبت لغير أبي ذر هنا وتقدم قريبا

[ 4330 ] قوله حدثنا عبد الرحمن هو بن مهدي قوله عن قيس هو بن مسلم قوله قالت اليهود في رواية أبي العميس عن قيس في كتاب الإيمان أن رجلا من اليهود وقد تقدمت تسميته هناك وأنه كعب الأحبار واحتمل أن يكون الراوي حيث أفرد السائل أراد تعيينه وحيث جمع أراد باعتبار من كان معه على رأيه وأطلق على كعب هذه الصفة إشارة إلى أن سؤاله عن ذلك وقع قبل إسلامه لأن إسلامه كان في خلافة عمر على المشهور وأطلق عليه ذلك باعتبار ما مضى قوله إني لأعلم وقع في هذه الرواية اختصار وقد تقدم في الإيمان من وجه آخر عن قيس بن مسلم فقال عمر أي آية الخ قوله حيث أنزلت وأين أنزلت في رواية أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي حيث أنزلت وأي يوم أنزلت وبها يظهر أن لا تكرار في قوله حيث وأين بل أراد باحداهما المكان وبالاخرى الزمان قوله وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنزلت يوم عرفة كذا لأبي ذر ولغيره حين بدل حيث وفي رواية أحمد وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت أنزلت يوم عرفة بتكرار أنزلت وهي أوضح وكذا لمسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الرحمن في الموضعين قوله وأنا والله بعرفة كذا للجميع وعند أحمد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة وكذا لمسلم وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار وبندار شيخ البخاري فيه قوله قال سفيان وأشك كان يوم الجمعة أم لا قد تقدم في الإيمان من وجه آخر عن قيس بن مسلم الجزم بأن ذلك كان يوم الجمعة وسيأتي الجزم بذلك من رواية مسعر عن قيس في كتاب الاعتصام وقد تقدم في كتاب الإيمان بيان مطابقة جواب عمر للسؤال لأنه سأله عن اتخاذه عيدا فأجاب بنزولها بعرفة يوم الجمعة ومحصله أن في بعض الروايات وكلاهما بحمد الله لنا عيد قال الكرماني أجاب بأن النزول كان يوم عرفة ومن المشهور أن اليوم الذي بعد عرفة هو عيد المسلمين فكأنه قال جعلناه عيدا بعد إدراكنا استحقاق ذلك اليوم للتعبد فيه قال وإنما لم يجعله يوم النزول لأنه ثبت أن النزول كان بعد العصر ولا يتحقق العيد الا من أول النهار ولهذا قال الفقهاء أن رؤية الهلال نهارا تكون لليلة المستقيلة انتهى والتنصيص على أن تسمية يوم عرفة يوم عيد يغنى عن هذا التكلف فإن العيد مشتق من العود وقيل له ذلك لنه يعود في كل عام وقد نقل الكرماني عن الزمخشري أن العيد هو السرور العائد وأقر ذلك فالمعنى أن كل يوم شرع تعظيمه يسمى عيدا انتهى ويمكن أن يقال هو عيد لبعض الناس دون بعض وهو للحجاج خاصة ولهذا يكره لهم صومه بخلاف غيرهم فيستحب ويوم العيد لا يصام وقد تقدم في شرح هذا الحديث في كتاب الإيمان بيان من روى في حديث الباب أن الآية نزلت يوم عيد وأنه عند الترمذي من حديث بن عباس وأما تعليله لترك جعله عيدا بأن نزول الآية كان بعد العصر فلا يمنع أن يتخذ عيدا ويعظم ذلك اليوم من أوله لوقوع موجب التعظيم في أثنائه والتنظير الذي نظر به ليس بمستقيم لأن مرجع ذلك من جهة سير الهلال وإني لا تعجب من خفاء ذلك عليه وفي الحديث بيان ضعف ما أخرجه الطبري بسند فيه بن لهيعة عن بن عباس أن هذه الآية نزلت يوم الإثنين وضعف ما أخرجه من طريق العوفي عن بن عباس أن اليوم المذكور ليس بمعلوم وعلى ما أخرجه البيهقي بسند منقطع أنها نزلت يوم التروية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة فأمر الناس أن يروحوا إلى من وصلى الظهر بها قال البيهقي حديث عمر أولى وهو كما قال واستدل بهذا الحديث على مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة على غيره من الأيام لأن الله تعالى إنما يختار لرسوله الأفضل وأن الأعمال تشرف بشرف الأزمنة كالأمكنه ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة الحديث ولأن في يوم الجمعة الساعة المستجاب فيها الدعاء ولا سيما على قول من قال إنها بعد العصر وأما ما ذكره رزين في جامعة مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة وافق يوم الجمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غيرها فهو حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من أخرجه بل أدرجه في حديث الموطأ الذي ذكره مرسلا عن طلحة بن عبد الله بن كريز وليست الزيادة المذكورة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد أو المبالغة وعلى كل منهما فثبتت المزية بفلك والله أعلم

قوله باب قوله فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا كذا في الأصول وزعم بن التين وتبعه بعض الشراح المتأخرين أنه وقع هنا فإن لم تجدوا ماء ورد عليه بأن التلاوة فلم تجدوا ماء وهذا الذي أشار إليه إنما وقع في كتاب الطهارة وهو في بعض الروايات دون بعض كما تقدم التنبيه عليه قوله تيمموا تعمدوا آمين عامدين أممت وتيممت واحد قال أبو عبيدة في قوله تعالى فتيمموا صعيدا أي فتعمدوا وقال في قوله تعالى ولا آمين البيت الحرام أي ولا عامدين ويقال أممة وبعضهم يقول تيممت قال الشاعر إني كذاك إذا ما ساءني بلد يممت صدر بعيري غيره بلدا تنبيه قرأ الجمهور ولا آمين البيت بإثبات النون وقرأ الأعمش بحذف النون مضافا كقوله محلى الصيد قوله وقال بن عباس لمستم وتمسوهن واللاتي دخلتم بهن والإفضاء النكاح أما قوله لمستم فروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق مجاهد عن بن عباس في قوله تعالى أو لامستم النساء قال هو الجماع وأخرجه بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير بإسناد صحيح وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن بن عباس قال هو الجماع ولكن الله يعفو ويكنى وأما قوله تمسوهن فروى بن أبي حاتم من طريق عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى ما لم تمسوهن أي تنكحوهن وأما قوله دخلتم بهن فروى بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى اللاتي دخلتم بهن قال الدخول النكاح وأما قوله والإفضاء فروى بن أبي حاتم من طريق بكر بن عبد الله المزني عن بن عباس في قوله تعالى وقد أفضى بعضكم إلى بعض قال الإفضاء الجماع وروى عبد بن حميد من طريق عكرمة عن بن عباس قال الملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والغشيان والجماع كله النكاح ولكن الله يكنى وروى عبد الرزاق من طريق بكر المزني عن بن عباس إن الله حي كريم يكنى عما شاء فذكر مثله لكن قال التغشى بدل الغشيان وإسناده صحيح قال الإسماعيلي أراد بالتغشى قوله تعالى فلما تغشاها وسيأتي شيء من هذا في النكاح والذي يتعلق بالباب قوله لمستم وهي قراءة الكوفيين حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب وخالفهم عاصم من الكوفيين فوافق أهل الحجاز فقرؤوا أو لامستم بالألف ووافقهم أبو عمرو بن العلاء من البصريين ثم ذكر المصنف حديث عائشة في سبب نزول الآية المذكورة من وجهين وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في كتاب التيمم واستدل به على أن قيام الليل لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وتعقب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم صلى أول ما نزل ثم نام وفيه نظر لأن التهجد القيام إلى الصلاة بعد هجعة ثم يحتمل أنه هجع فلم ينتفض وضوؤه لأن قلبه لا ينام ثم قام فصلى ثم نام والله أعلم

قوله باب قوله فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون كذا للمستملي ولغيره باب فاذهب الخ وأغرب الداودى فقال مرادهم بقولهم وربك أخوه هارون لأنه كان أكبر منه سنا وتعقبه بن التين بأنه خلاف قول أهل التفسير كلهم

[ 4333 ] قوله وحدثني حمدان بن عمر هو أبو جعفر البغدادي واسمه أحمد وحمدان لقبه وليس له في البخاري إلا هذا الموضع وهو من صغار شيوخه وعاش بعد البخاري سنتين وقد تقدم الكلام على الحديث في غزوة بدر قوله ورواه وكيع عن سفيان الخ يريد بذلك أن صورة سياقه أنه مرسل بخلاف سياق الأشجعي لكن استظهر المصنف لرواية الأشجعي الموصولة برواية إسرائيل التي ذكرها قبل وطريق وكيع هذه وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه وكذا أخرجها بن أبي خيثمة من طريقه تنبيه وقع قوله ورواه وكيع الخ مقدما في الباب على بقية ما فيه عند أبي ذر مؤخرا عند الباقين وهو أشبه بالصواب

قوله باب إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الآية كذا لأبي ذر وساقها غيره قوله المحاربة لله الكفر به هو قول سعيد بن جبير والحسن وصله بن أبي حاتم عنهما وفسره الجمهور هنا بالذي يقطع الطريق على الناس مسلما أو كافرا وقيل نزلت في النفر العرنيين وقد تقدم في مكانه

[ 4334 ] قوله حدثنا على بن عبد الله هو بن المديني ومحمد بن عبد الله الأنصاري هو من كبار شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كهذا قوله حدثني سلمان كذا للأكثر بالسكون وفي رواية الكشميهني بالتصغير وكذا ذكر أبو علي الجياني أنه وقع في رواية القاسي عن أبي زيد المروزي قال والأول هو الصواب وقوله هذه نعم لنا مغاير لقوله في الطريق المتقدمة اخرجوا إلى إبل الصدقة ويجمع بان في قوله لنا تجوزا سوغه أنه كان يحكم عليها أو كانت له نعم ترعى مع إبل الصدقة وفي سياق بعض طرقه ما يؤيد هذا الأخير حيث قال فيه هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها وكأن نعمة في ذلك الوقت كان يريد إرسالها إلى الموضع الذي ترعى فيه إبل الصدقة فخرجوا صحبة النعم قوله فذكروا وذكروا أي القسامة وسيأتي ذلك واضحا في كتاب الديات مع بقية شرح الحديث وقوله واستصحوا بفتح الصاد المهملة وتشديد الحاء أي حصلت لهم الصحة وقوله واطردوا بتشديد الطاء أي أخرجوها طردا أي سوقا وقوله فما يستبطأ بضم أوله استفعال من البطء وفي الرواية الأخرى بالقاف بدل الطاء وقوله حدثنا أنس بكذا وكذا أي بحديث العرنيين وقوله وقال يا أهل كذا في الرواية الآتية عن بن عون المنبه عليها في الديات يا أهل الشام قوله ما أبقى مثل هذا فيكم كذا للأكثر بضم الهمزة من أبقى وفي رواية الكشميهني ما أبقى الله مثل هذا فأبرز الفاعل

قوله باب قوله والجروح قصاص كذا للمستملي ولغيره باب والجروح قصاص وأورد فيه حديث أنس أن الربيع أي بالتشديد عمته كسرت ثنية جارية الحديث وسيأتي شرحه مستوفى في الديات

[ 4335 ] تنبيه الفزاري المذكور في هذا الإسناد هو مروان بن معاوية ووهم من زعم أنه أبو إسحاق

قوله باب يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ذكر فيه طرفا من حديث عائشة من حدثك أن محمد كتم شيئا مما انزل الله عليه فقد كذب وسيأتي بتمامه مع كمال شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم سقط باب قوله لغير أبي ذر وفسرت عائشة لغو اليمين بما يجري على لسان المكلف من غير قصد وقيل هو الحلف على غلبة الظن وقيل في الغضب وقيل في المعصية وفيه خلاف أخر سيأتي بيانه في الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى وقولها لا والله وبلى والله أي كل واحد منهما إذا قالها لغو فلو أن رجلا قال الكلمتين معا فالأولى لغو والثانية منعقدة لأنها استدراك مقصودة قاله الماوردي قوله حدثنا علي بن عبد الله كذا لأبي ذر عن الكشميهني والحموي وله عن المستملى حدثنا علي بن سلمة وهي رواية الباقين إلا النسفي فقال حدثنا على فلم ينسبه وعلى بن سلمة هذا يقال له اللبقي بفتح اللام والموحدة الخفيفة بعدها قاف خفيفة وهو ثقة من صغار شيوخ البخاري ولم يقع له عنده ذكر إلا في هذا الموضع وقد نبهت على موضع آخر في الشفعة ويأتي آخر في الدعوات

[ 4337 ] قوله حدثنا مالك بن سعير بمهملتين مصغر ضعفه أبو داود وقال أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني صدوق وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الدعوات وأبوه هو بن الخمس بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم وآخره مهملة قوله في قول الرجل لا والله وبلى والله وسيأتي البحث فيه في الإيمان والنذور وكذلك الحديث الذي بعده وقوله كان أبو بكر الخ أخرجه بن حبان من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف على يمين لم يحنث الخ والمحفوظ ما وقع في الصحيحين أن ذلك فعل أبي بكر وقوله والله أعلم وحكى بن التين عن الداودي أن الحديث الثاني يفسر الأول وتعقبه والحق أن الأول في تفسير لغو اليمين والثاني في تفسير عقد اليمين

[ 4338 ] قوله قال أبو بكر لا أرى يمينا أرى غيرها خيرا منها بفتح الهمزة في الموضعين من الرؤية بمعنى الاعتقاد وفي الثاني بالضم بمعنى الظن وقد أخرجه في أول الأيمان والنذور من رواية عبد الله بن المبارك عن هشام بلفظ لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرا منها قوله إلا قبلت رخصة الله أي في كفار اليمين وفي رواية بن المبارك إلا أتيت الذي هو خير منه

قوله باب قوله تعالى يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم سقط باب قوله لغير أبي ذر قوله خالد هو بن عبد الله الطحان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وعبد الله هو بن مسعود وسيأتي شرح الحديث في كتاب النكاح وفي الترمذي محسنا من حديث بن عباس أن رجلا أني النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إذا اكلت من هذا اللحم انتشرت وإني حرمت على اللحم فنزلت وروى بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس أنها نزلت في ناس قالوا نترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض الحديث وسيأتي ما يتعلق به أيضا في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله إنما الخمر والميسر ساق إلى من عمل الشيطان وسقط باب قوله لغير أبي ذر ووقع بينهم في سياق ما قبل الحديث المرفوع تقديم وتأخير قوله وقال بن عباس الازلام القداح يقتسمون بها في الأمور وصله بن أبي حاتم من طريق عطاء عن بن عباس مثله وقد تقدم في حديث الهجرة قول سراقة بن مالك لما تتبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قال استقسمت بالأزلام هل أضرهم أم لا فخرج الذي أكره وقال بن جرير كانوا في الجاهلية يعمدون إلى ثلاثة سهام على أحدها مكتوب أفعل وعلى الثاني لا تفعل والثالث غفل وقال الغراء كان على الواحد أمرني ربي وعلى الثاني نهاني ربي وعلى الثالث غفل فإذا أراد أحدهم الأمر أخرج واحدا فإن طلع الأمر فعل أو الناهي ترك أو الغفل أعاد وذكر بن إسحاق أن أعظم اصنام قريش كان هبل وكان في جوف الكعبة وكانت الازلام عنده يتحاكمون عنده فيما أشكل عليهم فما خرج منها رجعوا إليه قلت وهذا لا يدفع أن يكون آحادهم يستعملونها منفردين كما في قصة سرافة وروى الطبري من طريق سعيد بن جبير قال الازلام حصى بيض ومن طريق مجاهد قال حجارة مكتوب عليها وعنه كانوا يضربون بها لكل سفر وغزو وتجارة وهذا محمول على غير التي كانت في الكعبة والذي تحصل من كلام أهل النقل أن الازلام وكانت عندهم على ثلاثة انحاء أحدها لكل أحد وهي ثلاثة كما تقدم وثانيها للاحكام وهي التي عند الكعبة وكان عند كل كاهن وحاكم للعرب مثل ذلك كانت سبعة مكتوب عليها فواحد عليه منكم وآخر ملصق وآخر فيه العقول والديات إلى غير ذلك من الأمور التي يكثر وقوعها وثالثها قداح الميسر وهي عشرة سبعة مخططة وثلاثة غفل وكانوا يضربون بها مقامرة وفي معناها كل ما يتقامر به كالنرد والكعاب وغيرها قوله والنصب أنصاب يذبحون عليها وصله بن أبي حاتم أيضا من طريق عطاء عن بن عباس وقال أبو عبيدة النصب واحد الأنصاب وقال بن قتيبة هي حجارة كانوا ينصبونها ويذبحون عندها فينصب عليها دماء الذبائح والأنصاب أيضا جمع نصب بفتح أوله ثم سكون وهي الأصنام قوله وقال غيره الزلم القدح لا ريش له وهو واحد الازلام قال أبو عبيدة واحد الأزلام زلم بفتحتين وزلم بضم أوله وفتح ثانيه لغتان وهو القدح أي بكسر القاف وسكون الدال قوله والاستقسام أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وأن أمرته فعل ما تأمره قال أبو عبيدة الاستقسام من قسمت أمري بأن أجيل القداح لتقسم لي أمري السافر أم أقيم وإغزو أم لا أغزو أو نحو ذلك فتكون هي التي تأمرني وتنهاني ولكل ذلك قدح معروف قال الشاعر ولم أقسم فتحسبني القسوم والحاصل أن الاستقسام استفعال من القسم بكسر القاف أي استدعاء ظهور القسم كما أن الاستسقاء طلب وقوع السقي قال الفراء الأزلام سهام كانت في الكعبة يقسمون بها في أمورهم قوله يجيل يدير ثبت هذا لأبي ذر وحده وهو شرح لقوله يجيل القدح قوله وقد أعلموا القدح أعلاما بضروب يستقسمون بها بين ذلك بن إسحاق كما تقدم قريبا قوله وفعلت منه قسمت والقسوم المصدر قال أبو عبيدة في قوله تعالى وأن تستقسموا بالأزلام هو استفعلت من قسمت أمرى

[ 4340 ] قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه قوله نزل تحريم الخمر وأن في المدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب يريد بذلك أن الخمر لا يختص بماء العنب ثم أيد ذلك بقول أنس ما كان لنا خمر غير فضيخكم ثم ذكر حديث جابر في الذين صبحوا الخمر ثم قتلوا بأحد وذلك قبل تحريمها ويستفاد منه أنها كانت مباحة قبل التحريم ثم ذكر حديث عمر أنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة وذكر منها العنب وظاهره يعارض حديث بن عمر المذكور أول الباب وسنذكر وجه الجمع بينهما في كتاب الأشربة مع شرح أحاديث الباب إن شاء الله تعالى وقوله في هذه الرواية اهريقت أنكره بن التين وقال الصواب هريقت بالهاء بدل الهمزة ولا يجمع بينهما وأثبت غيره من أئمة اللغة ما أنكره وقد أخرج أحمد ومسلم في سبب نزول هذه الآية عن سعد بن أبي وقاص قال صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى سكرنا فتفاخرنا إلى أن قال فنزلت إنما الخمر والميسر إلى قوله فهل أنتم منتهون

قوله باب ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية كذا لأبي ذر ولغيره إلى قوله والله يحب المحسنين وذكر فيه حديث أنس أن الخمر التي هريقت الفضيح وسيأتي شرحه في الأشربة وقوله

[ 4344 ] وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان كذا ثبت لأبي ذر وسقط لغيره البيكندي ومراده أن البيكندي سمعه من شيخهما أبي النعمان بالإسناد المذكور فزاده فيه زيادة والحاصل أن البخاري سمع الحديث من أبي النعمان مختصرا ومن محمد بن سلام البيكندي عن أبي النعمان مطولا وتصرف الزركشي فيه غافلا عن زيادة أبي ذر فقال القائل وزادني هو الفربري ومحمد هو البخاري وليس كما ظن رحمه الله وإنما هو كما قدمته وقوله فنزلت تحريم الخمر فأمر مناديا الأمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم والمنادى لم أر التصريح باسمه والوقت الذي وقع ذلك فيه زعم الواحدى أنه عقب قول حمزة إنما أنتم عبيد لأبي وحديث جابر يرد عليه والذي يظهر أن تصريحهما كان عام الفتح سنة ثمان لما روى أحمد من طريق عبد الرحمن بن وعلة قال سألت بن عباس عن بيع الخمر فقال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه فقال يا فلان أما علمت أن الله حرمها فأقبل الرجل على غلامه فقال بعها فقال أن الذي حرم شربها حرم بيعها وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي وعلة نحوه لكن ليس في ثعيين الوقت وروى أحمد من طريق نافع بن كيسان الثقفي عن أبيه أنه كان يتجر في الخمر وأنه أقبل من الشام فقال يا رسول الله أني جئتك بشراب جيد فقال يا كيسان أنها حرمت بعدك قال فأبيعها قال أنها حرمت وحرم ثمنها وروى أحمد وأبو يعلى من حديث تميم الداري أنه كان يهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر فلما كان عام حرمت جاء براوية فقال أشعرت أنها قد حرمت بعدك قال أفلا أبيعها وانتفع بثمنعا فنهاه يستفاد من حديث كيسان تسمية المبهم في حديث بن عباس ومن حديث تميم تأييد الوقت المذكور فإن إسلام تميم كان بعد الفتح وقوله فقال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله تعالى الخ لم أقف على اسم القائل فائدة في رواية الإسماعيلي عن بن ناجية عن أحمد بن عبيدة ومحمد بن موسى عن حماد في آخر هذا الحديث قال حماد فلا أدرى هذا في الحديث أي عن أنس أو قاله ثابت أي مرسلا يعني قوله فقال بعض القوم إلى آخر الحديث وكذا عند مسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد نحو هذا وتقدم للمصنف في المظالم عن أنس بطوله من طريق عفان عن حماد كما وقع عنده في هذا الباب فالله أعلم وأخرجه بن مردويه من طريق قتادة عن أنس بطوله وفيه الزيادة المذكورة وروى النسائي والبيهقي من طريق بن عباس قال نزل تحريم الخمر في ناس شربوا فلما ثملوا عبثوا فلما صحوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر فنزلت فقال ناس من المتكلفين هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل بأحد فنزلت ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح إلى آخرها وروى البزار من حديث جابر أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود وروى أصحاب السنن من طريق أبي ميسرة عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة قل فيهما إثم كبير فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في النساء لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في المائدة فاجتنبوه إلى قوله منتهون فقال عمر انتهينا انتهينا وصححه علي بن المديني والترمذي وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة نحوه دون قصة عمر لكن قال عند نزول آية البقرة فقال الناس ما حرم علينا فكانوا يشربون حتى أم رجل أصحابه في المغرب فخلط في قراءته فنزلت الآية التي في النساء فكانوا يشربون ولا يقرب الرجل الصلاة حتى يفيق ثم نزلت آية المائدة فقالوا يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فرشهم وكانوا يشربونها فانزل الله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو حرم عليهم لتركوه كما تركتموه وفي مسند الطيالسي من حديث بن عمر نحوه وقال في الآية الأولى قيل حرمت الخمر فقالوا دعنا يا رسول الله ننتفع بها وفي الثانية فقيل حرمت الخمر فقالوا لا إنا لا نشربها قرب الصلاة وقال في الثالثة فقالوا يا رسول الله حرمت الخمر قال بن النين وغيره في حديث أنس وجوب قبول خبر الواحد والعمل به في النسخ وغيره وفيه عدم مشروعية تخليل الخمر لأنه لو جاز لما أراقوها وسيأتي مزيد لذلك في الأشربة إن شاء الله تعالى تنبيه في رواية عبد العزيز بن صهيب أن رجلا أخبرهم أن الخمر حرمت فقالوا أرق يا أنس وفي رواية ثابت عن أنس إنهم سمعوا المنادي فقال أبو طلحة أخرج يا أنس فأنظر ما هذا الصوت وظاهرهما التعارض لأن الأول يشعر بأن المنادى بذلك شافههم والثاني يشعر بأن الذي نقل لهم ذلك غير أنس فنقل بن التين عن الداودي أنه قال لا اختلاف بين الروايتين لأن الآتي أخبر أنا وأنسا أخبر القوم وتعقبه بن التين بأن نص الرواية الأولى أن الآتي أخبر القوم مشافهة بذلك قلت فيمكن الجمع بوجه آخر وهو أن المنادى غير الذي أخبرهم أو أن أنسا لما أخبرهم عن المنادى جاء المنادى أيضا في أثره فشافههم

قوله باب قوله لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم سقط باب قوله لغير أبي ذر وقد تعلق بهذا النهي من كره السؤال عما لم يقع وقد أسنده الدارمي في مقدمة كتابه عن جماعة من الصحابة والتابعين وقال بن العربي اعتقد قوم من الغافلين منع أسئلة النوازل حتى تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المساءة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك وهو كما قال إلا أنه أساء في قوله الغافلين على عادته كما نبه عليه القرطبي وقد روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رفعه أعظم المسلمين بالمسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسئلته وهذا يبين المراد من الآية وليس مما أشار إليه بن العربي في شيء

[ 4345 ] قوله حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن أي بن حبيب بن علياء بن حبيب بن الجارود العبدي البصري الجارودي نسبة إلى جده الأعلى وهو ثقة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في كفارات الإيمان وأبوه ماله في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع ولا رأيت عنه راويا إلا ولده وحديثه هذا في المنابعات فإن المنصف أورده في الاعتصام من رواية غيره كما سأبينه تنبيه وقع في كلام أبي على الغساني فيما حكاه الكرماني أن البخاري روى هذا الحديث عن محمد غير منسوب عن منذر هذا وأن محمد المذكور هو بن يحيى الذهلي ولم أر ذلك في شيء من الروايات التي عندنا من البخاري وأظنه وقع في بعض النسخ حدثنا محمد غير منسوب والمراد به البخاري المصنف والقائل ذلك الراوي عنه وظنوه شيخا للبخاري وليس كذلك والله أعلم قوله عن أنس في رواية روح بن عبادة عن شعبة في الاعتصام أخبرني موسى قال سمعت أنس بن مالك يقول قوله خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط قال لو تعلمون ما أعلم وقع عند مسلم من طريق النضر بن شميل عن شعبة في أوله زيادة يظهر منها سبب الخطبة ولفظه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال عرضت على الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم قوله لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قال فغطى في رواية النضر بن شميل قال فما آتي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد من ذلك غطوا رءوسهم قوله لهم حنين بالحاء المهملة للآكثر وللكشميهني بالخاء المعجمة والأول الصوت الذي يرتفع بالبكاء من الصدر والثاني من الأنف وقال الخطابي الحنين بكاء دون الانتحاب وقد يجعلون الحنين والخنين واحدا إلا أن الحنين من الصدر أي بالمهملة والخنين من الأنف بالمعجمة وقال عياض قوله فقال رجل من أبي قال أبوك فلان تقدم في العلم أنه عبد الله بن حذافة وفي رواية للعسكرى نزلت في قيس بن حذافة وفي رواية للآسماعيلي يأتي التنبيه عليها في كتاب الفتن خارجة بن حذافة والأول أشهر وكلهم له صحبة وتقدم فيه أيضا زيادة من حديث أبي موسى وأحلت بشرحه على كتاب الاعتصام وسيأتي إن شاء الله تعالى فاقتصر هنا على بيان الاختلاف في سبب نزول الآية قوله فنزلت هذه الآية هكذا أطلق ولم يقع ذلك في سياق الزهري عن أنس مع أنه أشبع سياقا من رواية موسى بن أنس كما تقدم في أوائل المواقيت لذا لم يذكر ذلك هلال بن علي عن أنس كما سيأتي في كتاب الرقاق ووقع في الفتن من طريق قتادة عن أنس في آخر هذا الحديث بعد أن ساقه مطولا قال فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء وروى بن أبي حاتم من وجه آخر عن قتادة عن أنس قال سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة فصعد المنبر فقال لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به فجعلت ألتفت عن يمين وشمال فإذا كل رجل لاف ثوبه برأسه يبكي الحديث وفيه قصة عبد الله بن حذافة وقول عمر روى الطبري من طريق أبي صالح عن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال أين أنا قال في النار فقام آخر فقال من أبي فقال حذافة فقام عمر فذكر كلامه وزاد فيه وبالقرآن إماما قال فسكن غضبه ونزلت هذه الآية وهذا شاهد جيد لحديث موسى بن أنس المذكور وأما ما روى الترمذي من حديث على قال لما نزلت ولله على الناس حج البيت قالوا يا رسول الله في كل عام فسكت ثم قالوا يا رسول الله في كل عام فقال لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا فهذا لا ينافي حديث أبي هريرة لاحتمال أن تكون نزلت في الأمرين ولعل مراجعتهم له في ذلك هي سبب غضبه وقد روى أحمد من حديث أبي هريرة والطبري من حديث أبي أمامة نحو حديث على هذا وكذا أخرجه من وجه ضعيف ومن آخر منقطع عن بن عباس وجاء في سبب نزولها قول ثالث وهو ما يدل عليه حديث بن عباس في الباب عقب هذا وهو أصح إسنادا لكن لا مانع أن يكون الجميع سبب نزولها والله أعلم وجاء في سبب نزولها قولان آخران فأخرج الطبري وسعيد بن منصور من طريق خصيف عن مجاهد عن بن عباس أن المراد بالأشياء البحيرة والوصيلة والسائبة والحام قال فكان عكرمة يقول إنهم كانوا يسألون عن الآيات فنهوا عن ذلك قال والمراد بالآيات نحو سؤال قريش أن يجعل الصفا لهم ذهبا وسؤال اليهود أن ينزل عليهم كتابا من السماء ونحو ذلك وأخرج بن أبي حاتم من طريق عبد الكريم عن عكرمة قال نزلت في الذي سأل عن أبيه وعن سعيد بن جبير في الذين سألوا عن البحيرة وغيرها وعن مقسم فيما سأل الأمم أنبياءها عن الآيات قلت وهذا الذي قاله محتمل وكذا ما أخرج بن أبي حاتم من طريق عطية قال نهوا أن يسألوا مثل ما سأل النصارى من المائدة فأصبحوا بها كافرين وقد رجحه الماوردي وكأنه من حيث المعنى لوقوع قصة المائدة في السورة بعد ذلك واستبعد نزولها في قصة من سأل عن أبيه أو عن الحج كل عام وهو إغفال منه لما في الصحيح ورجح بن المنير نزولها في النهي عن كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن واستند إلى كثير مما أورده المصنف في باب ما يكره من كثرة السؤال في كتاب الاعتصام وهو متجه لكن لا مانع أن تتعدد الأسباب وما في الصحيح أصح وفي الحديث إيثار الستر على المسلمين وكراهة التشديد عليهم وكراهية التنقيب عما لم يقع وتكلف الأجوبة لمن يقصد بذلك التمرن على التفقه فالله أعلم وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى قوله رواه النضر هو بن شميل وروح بن عبادة عن شعبة أي بإسناده ورواية النضر وصلها مسلم رواية روح بن عبادة وصلها المؤلف في كتاب الاعتصام

[ 4346 ] قوله حدثني الفضل بن سهل هو البغدادي وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وشيء تقدم في الصلاة وأبو النضر هاشم بن القاسم وأبو خيثمة هو زهير بن معاوية وأبو الجويرية بالجيم مصغر اسمه حطان بكسر المهملة وتشديد الطاء بن خفاف بضم المعجمة وفاءين الأولى خفيفة ثقة ماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الزكاة ويأتي في الأشربة له ثالث قوله عن بن عباس في رواية بن أبي حاتم من طريق أبي النضر عن أبي خيثمة حدثنا أبو الجويرية سمعت أعرابيا من بني سليم سأله يعني بن عباس قوله كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء قد تقدم طريق الجمع بينه وبين الذي قبله والحاصل أنها نزلت بسبب كثرة المسائل إما على سبيل الاستهزاء أو الامتحان وإما على سبيل التعنت عن الشيء الذي لو لم يسأل عنه لكان على الإباحة وفي أول رواية الطبري من طريق حفص بن نفيل عن أبي خيثمة عن أبي الجويرية قال بن عباس قال أعرابي من بني سليم هل تدري فيم أنزلت هذه الآية فذكره ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي خيثمة عن أبي الجويرية عن بن عباس أنه سئل عن الضالة فقال بن عباس من أكل الضالة فهو ضال

قوله باب ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام أي ما حرم ولم يرد حقيقة الجعل لأن الكل خلقه وتقديره ولكن المراد بيان ابتداعهم ما صنعوه من ذلك قوله وإذ قال الله يقول قال الله وإذ ههنا صلة كذا ثبت هذا وما بعده هنا وليس بخاص به وهو على ما قدمنا من ترتيب بعض الرواة وهذا الكلام ذكره أبو عبيدة في قوله تعالى وإذ قال الله يا عيسى بن مريم قال مجازه يقول الله وإذ من حروف الزوائد وكذلك قوله وإذ علمتك أي وعلمتك قوله المائدة أصلها مفعولة كعيشة راضية وتطليقه بائنة والمعنى ميد بها صاحبها من خير يقال ما دنى يميدني قال بن التين هو قول أبي عبيدة وقال غيره هي من ماد يميد إذا تحرك وقيل من ماد يميد إذا أطعم قال بن التين وقوله تطليقة بائنة غير واضح إلا أن يريد أن الزوج أبان المرأة بها وإلا فالظاهر أنها فرقت بين الزوجين فهي فاعل على بابها قوله وقال بن عباس متوفيك مميتك هكذا ثبت هذا هنا وهذه اللفظة إنما هي في سورة آل عمران فكأن بعض الرواة ظنها من سورة المائدة فكتبها فيها أو ذكرها المصنف هنا لمناسبة قوله في هذه السورة فلما توفيتني كنت أنت الرقيب ثم ذكر المصنف حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب في تفسير البحيرة والسائبة والاختلاف في وقفه ورفعه

[ 4347 ] قوله البحيرة التي يمنع درها الطواغيت وهي الأصنام فلا يحلبها أحد من الناس والبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة وهي التي بحرت أذنها أي خرمت قال أبو عبيدة جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها أي شقوها وتركت فلا يمسها أحد وقال آخرون بل البحيرة الناقة كذلك وخلوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحل وأما قوله فلا يحلبها أحد من الناس فهكذا أطلق نفي الحلب وكلام أبي عبيدة يدل على أن المنفى إنما هو الشرب الخاص قال أبو عبيدة كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء يحلون ذلك للرجال وما ولدت فهو بمنزلتها وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال البحيرة من الإبل كانت الناقة إذا نتجت خمس بطون فإن كان الخامس ذكرا كان للرجال دون النساء وأن كانت أنثى بتكت أذنها ثم أرسلت فلم يجزوا لها وبرا ولم يشربوا لها لبنا ولم يركبوا لها ظهرا وأن تكن ميتة فهم فيه شركاء الرجال والنساء ونقل أهل اللغة في تفسير البحيرة هيآت أخرى تزيد بما ذكرت على العشر وهي فعيلة بمعنى مفعولة والبحر شق الأذن كان ذلك علامة لها قوله والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء قال أبو عبيدة كانت السائبة من جميع الأنعام وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد قال وقيل السائبة لا تكون إلا من الإبل كان الرجل ينذر إن برئ من مرضه أو قدم من سفره ليسيبن بعيرا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال السائبة كانوا يسيبون بعض إبلهم فلا تمنع حوضا أن تشرب فيه قوله قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعي الخ هكذا وقع في هذه الرواية إيراد القدر المرفوع من الحديث في أثناء الموقوف وسأبين ما فيه بعد قوله والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بعد بأنثى هكذا أورده متصلا بالحديث المرفوع وهو يوهم أنه من جملة المرفوع وليس كذلك بل هو بقية تفسير سعيد بن المسيب والمرفوع من الحديث إنما هو ذكر عمرو بن عامر فقط وتفسير البحيرة وسائر الأربعة المذكورة في الآية عن سعيد بن المسيب ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم أبن سعد عن أبيه بهذا الإسناد مثل رواية الباب إلا أنه بعد إيراد المرفوع قال وقال بن المسيب والوصيلة الناقة الخ فأوضح أن التفسير جميعه موقوف وهذا هو المعتمد وهكذا أخرجه بن مردويه من طريق يحيى بن سعيد وعبيد الله بن زياد عن بن شهاب مفصلا قوله أن وصلت أي من أجل وقال أبو عبيدة كانت السائبة مهما ولدته فهو بمنزلة أمها إلى ستة أولاد فإن ولدت السابع أنثيين تركتا فلم تذبحا وإن ولدت ذكرا ذبح وأكله الرجال دون النساء وكذا إذا ولدت ذكرين وأن أتت بتوأم ذكر وأنثى سموا الذكر وصيلة فلا يذبح لأجل أخته وهذا كله إن لم تلد ميتا فإن ولدت بعد البطن السابع ميتا أكله النساء دون الرجال وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال الوصيلة الشاة كانت إذا ولدت سبعة فإن كان السابع ذكر ذبح وأكل وإن كان أنثى تركت وأن كان ذكرا وانثى قالوا وصلت أخاها فترك ولم يذبح قوله والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود الخ وكلام أبي عبيدة يدل على أن الحام إنما يكون من ولد السائبة وقال أيضا كانوا إذا ضرب فحل من ولد البحيرة فهو عندهم حام وقال أيضا الحام من فحول الإبل خاصة إذا نتجوا منه عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره فأحموا ظهره ووبره وكل شيء منه فلم يركب ولم يطرق وعرف بهذا بيان العدد المبهم في رواية سعيد وقيل الحام فحل الإبل إذا ركب ولد ولده قال الشاعر حماها أبو قابوس في غير ملكه كما قد حمى أولاد أولاده الفحلا وقال الفراء اختلف في السائبة فقيل كان الرجل يسيب من ماله ما شاء يذهب به الى السدنة وهم الذين يقومون على الأصنام وقيل السائبة الناقة إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث سيبت فلم تركب ولم يجز لها وبر ولم يشرب لها لبن وإذا ولدت بنتها بحرت أي شقت أذنها فالبحيرة ابنة السائبة وهي بمنزلة أمها والوصيلة من الشاة إذا ولدت سبعة أبطن إذا ولدت في آخرها ذكرا وانثى قيل وصلت أخاه فلا تشرب النساء لبن الأم وتشربه الرجال وجرت مجرى السائبة الا في هذا وأما الحام فهو فحل الإبل كان إذا لقح ولد ولده قيل حمى ظهره فلا يركب ولا يجز له وبر ولا يمنع من مرعى قوله وقال لي أبو اليمان عند غير أبي ذر وقال أبو اليمان بغير مجاورة قوله سمعت سعيدا يخبره بهذا قال وقال أبو هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه هكذا للأكثر يخبر بصيغة الفعل المضارع من الخبر متصل بهاء الضمير ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملى بحيرة بفتح الموحدة وكسر المهملة وكأنه أشار إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعد وأن المرفوع منه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عمرو بن عامر حسب وهذا هو المعتمد فإن المصنف أخرجه في مناقب قريش قال حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري سمعت سعيد بن المسيب قال البحيرة التي يمنع درها الخ لكنه أورده باختصار قال وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخ قوله ورواه بن الهاد عن بن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أما طريق بن الهاد فأخرجها بن مردويه من طريق خالد بن حميد المهري عن بن الهاد وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي بهذا الإسناد ولفظ المتن رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار وكان أول من سيب السوائب والسائبة التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء إلى آخر التفسير المذكور وقد أخرجه أبو عوانة وابن أبي عاصم في الأوائل والبيهقي والطبراني من طرق عن الليث عن بن الهاد بالمرفوع فقط وظهر أن في رواية خالد بن حميد إدراجا وأن التفسير من كلام سعيد بن المسيب والله أعلم وقوله في المرفوع وهو أول من سيب السوائب زاد في رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند مسلم وبحر البحيرة وغير دين إسماعيل وروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم مرسلا أول من سيب السوائب عمرو بن لحي وأول من بحر البحائر رجل من بن مدلج جدع أذن ناقته وحرم شرب آلبانها والأول أصح والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث عائشة رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ورأيت عمرا يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب هكذا وقع هنا مختصرا وتقدم في أبواب العمل في الصلاة من وجه آخر عن يونس عن زيد مطولا وأوله خسفت الشمس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة طويلة الحديث وفيه لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وفيه القدر المذكور هنا وأورده في أبواب الكسوف من وجه آخر عن يونس بدون الزيادة وكذا من طريق عقيل عن الزهري وقد تقدم بيان نسب عمرو الخزاعي في مناقب قريش وكذا بيان كيفية تغييره لملة إبراهيم عليه السلام ونصبه الأصنام وغير ذلك

قوله باب وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ذكر فيه حديث بن عباس إنكم محشورون إلى الله حفاة الحديث وسيأتي شرحه في الرقاق والغرض منه فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم وقوله

[ 4349 ] أصيحابي كذا للأكثر بالتصغير وللكشميهني بغير تصغير قال الخطابي فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك وإنما وقع لبعض جفاة العرب ولم يقع من أحد الصحابة المشهورين

قوله باب قوله أن تعذبهم فإنهم عبادك الآية ذكر فيه حديث بن عباس المذكور قبل أورده مختصرا

قوله سورة الأنعام بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله قال بن عباس ثم لم تكن فتنتهم معذرتهم وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عنه وقال معمر عن قتادة فتنتهم مقالتهم قال وسمعت من يقول معذرتهم أخرجه عبد الرزاق وأخرج عبد بن حميد عن يونس عن شيبان عن قتادة في قوله ثم لم تكن فتنتهم قال معذرتهم قوله معروشات ما يعرش من الكرم وغير ذلك كذا ثبت لغير أبي ذر وقد وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس في قوله وهو الذي أنشأ جنات معروشات قال ما يعرش من الكروم وغير معروشات مالا يعرش وقيل المعروش ما يقوم على ساق وغير المعروش ما يبسط على وجه الأرض قوله حمولة ما يحمل عليها وصله بن أبي حاتم أيضا من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله حمولة وفرشا فأما الحمولة فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه وقال أبو عبيدة الفرش صغار الإبل التي لم تدر ولم يحمل عليها وقال معمر عن قتادة عن الحسن الحمولة ما حمل عليه منها والفرش حواشيها يعني صغارها قال قتادة وكان غير الحسن يقول الحمولة الإبل والبقر والفرش الغنم أحسبه ذكره عن عكرمة أخرجه عبد الرزاق وعن بن مسعود الحمولة ما حمل من الإبل والفرش الصغار أخرجه الطبري وصححه الحاكم قوله وللبسنا لشبهنا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله وللبسنا عليهم ما يلبسون يقول لشبهنا عليهم قوله لانذركم به أهل مكة هكذا رأيته في مستخرج أبي نعيم في هذا الموضع وكذا ثبت عند النسفي وقد وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به يعني أهل مكة وقوله ومن بلغ قال ومن بلغه هذا القرآن من الناس فهو له نذير قوله وينأون يتباعدون وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس في قوله وهم ينهون عنه وينأون عنه قال يتباعدون وكذا قال أبو عبيد ينأون عنه أي يتباعدون عنه وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وأخرجه من وجه آخر عن بن عباس نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتباعد عما جاء به وصححه الحاكم من هذا الوجه قوله تبسل تفضح وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله وذكر به أن تبسل نفس يعني أن تفضح وروى عبد بن حميد من طريق مجاهد ان تبسل أي تسلم ومن طريق قتادة تحبس قوله أبسلوا أفضحوا كذا فيه من الرباعي وهي لغة يقال فضح وأفضح وروى بن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا يعني فضحوا وقد مضى كما ترى لهذه الكلمة تفسير آخر عن غير بن عباس وأنكر الإسماعيلي هذا التفسير الأول فكأنه لم يعرف أنه عن بن عباس قوله باسطوا أيديهم البسط الضرب وصله بن أبي حاتم أيضا من هذا الوجه عن بن عباس في قوله والملائكة باسطو أيديهم قال هذا عند الموت والبسط الضرب صلى الله عليه وسلم استكثرتم أضللتم كثيرا وصله بن أبي حاتم أيضا كذلك قوله مما ذرأ من الحرث جعلوا لله من ثمراتهم ومالهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا وصله بن أبي حاتم أيضا عن بن عباس في قوله وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا الآية قال جعلوا لله فذكر مثله وزاد فإن سقط من ثمرة ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه وإن سقط مما جعلوا للشيطان في نصيب الله لقطوه وروى عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال كانوا يسمون لله جزءا من الحرث ولشركائهم جزءا فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا الله غنى عن هذا وما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه والأنعام التي سمي الله هي البحيرة والسائبة كما تقدم تفسيرها في المائدة وقد تقدم في أخبار الجاهلية قول بن عباس أن سرك أن تعلم جهل العرب فأشار إلى هذه الآية قوله أكنة وأحدها كنان ثبت هذا لأبي ذر عن المستملى وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى اكنة أن يفقهوه وأحدها كنان أي أغطية ومثله أعنة وعنان وأسنه وسنان قوله سرمدا دائما كذا وقع هنا وليس هذا في الأنعام وإنما هو في سورة القصص قال أبو عبيدة في قوله تعالى قل أرأيتم أن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة سرمدا أي دائما قال وكل شيء لاينقطع فهو سرمد وقال الكرماني كأنه ذكرها هنا لمناسبة قوله تعالى في هذه السورة وجاعل الليل سكنا قوله وقرأ صمم قال أبو عبيدة في قوله تعالى وفي آذانهم وقرا أي الثقل والصمم وأن كانوا يسمعون لكنهم صم عن الحق والهدى وقال معمر عن قتادة في قوله على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا قال يسمعون بآذانهم ولا يعون منها شيئا كمثل البهيمة تسمع القول ولا تدري مايقال لها وقرأ الجمهور بفتح الواو وقرأ طلحة بن مصرف بكسرها وقوله وأما الوقر أي بكسر الواو فأنه الحمل هو قول أبي عبيدة قاله متصلا بكلامه الذي قبله فقال الوقر الحمل إذا كسرته وأفاد الراغب الوقر حمل الحمار والوسق حمل الجمل والمعنى على قراءة الكسر أن في آذانهم شيئا يسدها عن استماع القول ثقيلا كوقر البعير قوله أساطير وأحدها أسطورة وأسطارة وهي الترهات هو كلام أبي عبيدة أيضا قال في قوله إلا أساطير الأولين واحدها أسطورة وأسطارة ومجازها الترهات انتهى والترهات بضم أوله وتشديد الراء أصلها بنيات الطريق وقيل إن ناءها منقلبة من واو وأصلها الوره وهو الحمق قوله البأساء من البأس ويكون من البؤس هو مضى كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى فاخذناهم بالبأساء هي البأس من الخير والشر والبؤس انتهى والبأس الشدة والبؤس الفقر وقيل البأس القتل والبؤس الضر قوله جهرة معاينة قال أبو عبيدة في قوله قل ارأيتكم أن أتاكم عذاب الله بفتة أي فجأة وهم لا يشعرون أو جهرة أي علانية وهم ينظرون قوله الصور جماعة صورة كقولك سورة وسور بالصاد أولا وبالسين ثانيا كذا للجميع إلا في رواية أبي أحمد الجرجاني ففيها كقوله صورة وصور بالصاد في الموضعين والاختلاف في سكون الواو وفتحها قال أبو عبيدة في قوله تعالى ويوم ينفخ في الصور يقال أنها جمع صورة ينفخ فيها روحها فتحيا بمنزلة قولهم سور المدينة وأحدها سورة قال النابغة ألم تر أن الله أعطاك سورة يرى كل ملك دونها يتذبذب انتهى والثابت في الحديث أن الصور قرن ينفخ فيه وهو واحد لا اسم جمع وحكى الفراء الوجهين وقال في الأول فعلى هذا فالمراد النفخ في الموتى وذكر الجوهري في الصحاح أن الحسن قرأها بفتح الواو وسبق النحاس فقال ليست بقراءة وأثبتها أبو البقاء العكبري قراءة في كتابه اعراب الشواذ وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قوله يقال على الله حسبانه أي حسابه تقدم هذا في بدء الخلق وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى والشمس والقمر حسبانا قال يدوران في حساب وعن الأخفش قال حسبان جمع حساب مثل شهبان جمع شهاب قوله تعالى علا وقع في مستخرج أبي نعيم تعالى الله علا الله وهو في رواية النسفي أيضا قوله حسبانا مرامى ورجوما للشياطين تقدم الكلام عليه في بدء الخلق قوله جن أظلم قال أبو عبيدة في قوله تعالى فلما جن عليه الليل أي غطى عليه وأظلم وما جنك من شيء فهو جنان لك أي غطاء قوله مستقر في لا الصلب ومستودع في الرحم هكذا وقع هنا وقد قال معمر عن قتادة في قوله فمستقر ومستودع قال مستقر في الرحم ومستودع في الصلب أخرجه عبد الرزاق وأخرج سعيد بن منصور من حديث بن عباس مثله بإسناد صحيح وصححه الحاكم وقال أبو عبيدة مستقر في صلب الأب ومستودع في رحم الأم وكذا أخرج عبد بن حميد من حديث محمد بن الحنفية وهذا موافق لما عند المصنف مخالف لما تقدم وأخرج عبد الرزاق عن بن مسعود قال مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة وللطبراني من حديثه المستقر الرحم والمستودع الأرض تنبيه قرأ أبو عمرو وابن كثير فمستقر بكسر القاف والباقون بفتحها وقرأ الجميع مستودع بفتح الدال إلا رواية عن أبي عمرو فبكسرها قوله القنو العذق والاثنان قنوان والجماعة أيضا قنوان مثل صنوان وصنوان كذا وقع لأبي ذر تكرير صنوان الأولى مجرورة النون والثانية مرفوعة وسقطت الثانية لغير أبي ذر ويوضح المراد كلام أبي عبيدة الذي هو منقول منه قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن النخل من طلعها فنوان قال القنو هو العذق بكسر العين يعني العنقود والأثنان قنوان والجمع قنوان كلفظ الإثنين إلا أن الإثنين مجرورة ونون الجمع يدخله الرفع والنصب والجر ولم تجد مثله غير صنو وصنوان والجمع صنوان وحاصله أن من وقف على قنوان وصنوان وقع الاشتراك اللفظي في إرادة التثنية والجمع فإذا وصل ظهر الفرق فيقع الأعراب على النون في الجمع دون التثنية فإنها مكسورة النون خاصة ويقع الفرق أيضا بانقلاب الألف في التثنية حال الجر والنصب بخلافها في الجمع وكذا بحذف نون التثنية في الإضافة بخلاف الجمع تنبيه قرأ الجمهور قنوان بكسر القاف وقرأ الأعمش والأعرج وهي رواية عن أبي عمرو بضمها وهي لغة قيس وعن أبي عمرو رواية أيضا بفتح القاف وخرجها بن جنى على أنها اسم جمع لقنو لا جمع وفي الشواذ قراءة أخرى قوله ملكوت وملك رهبوت رحموت وتقول ترهب خير من أن ترحم كذا لأبي ذر وفيه تشويش ولغيره ملكوت ملك مثل رهبوت خير من رحموت وتقول ترهب خير من أن ترحم وهذا هو الصواب فسر معنى ملكوت بملك وأشار إلى أن وزنه رهبوت ورحموت ويوضحه كلام أبي عبيدة فأنه قال في قوله تعالى وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض أي ملك السماوات خرج مخرج قولهم في المثل رهبوت خير من رحموت أي رهبة خير من رحمة انتهى وقرأ الجمهور ملكوت بفتح اللام وقرأ أبو السماك بسكونها وروى عبد بن حميد والطبري عن عكرمة قال ملكوت السماوات والأرض ملك السماوات والأرض وهي بالنبطية ملكوثا أي بسكون اللام والمثلثة وزيادة ألف وعلى هذا فيحتمل أن تكون الكلمة معربة والأولى ما تقدم وأنها مشتقة من ملك كما ورد مثله في رهبوت وجبروت قوله وأن تعدل تقسط لا يقبل منها في ذلك اليوم وقع هذا في رواية أبي ذر وحده وقد حكاه الطبري واستنكره وفسر أبو عبيدة العدل بالتوبة قال لأن التوبة إنما تنفع في حال الحياة والمشهور ما روى معمر عن قتادة في قوله تعالى وأن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أي لو جاءت بملء الأرض ذهبا لم يقبل فجعله من العدل بمعنى المثل وهو ظاهر أخرجه عبد الرزاق وغيره قوله أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يعني هل تشتمل إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا كذا وقع لأبي ذر هنا ولغيره في أوائل التفاسير وهو أصوب وهو إردافه على تفاسير بن عباس فقد وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس مثله ووقع عند كثر من الرواة فلم تحرموا ولم تحللوا بغير نون فيهما وحذف النون بغير ناصب ولا جازم لغة وقال الفراء قوله قل الذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يقول أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من قبل الذكرين أم من الأنثيين فإن قالوا من قبل الذكر لزم تحريم كل ذكر أو من قبل الأنثى فكذلك وأن قالوا من قبل ما اشتمل عليه الرحم لزم تحريم الجميع لأن الرحم لا يشتمل إلا على ذكر أو أنثى وقد تقدم في أخبار الجاهلية قول بن عباس أن سرك أن تعلم جهل العرب فأقرأ الثلاثين ومائة من سورة الأنعام يعني الآيات المذكورة قوله مسفوحا مهراقا وقع هذا للكشميهني وهو تفسير أبي عبيدة في قوله تعالى أو دما مسفوحا أي مهراقا مصبوبا ومنه قولهم سفح الدمع أي سأل قوله صدف أعرض قال أبو عبيدة في قوله تعالى ثم هم يصدفون أي يعرضون يقال صدف عني بوجهه أي أعرض وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله يصدفون أي يعرضون عنها قوله ابلسوا أويسوا كذا للكشميهني ولغيره أيسوا بغير واو قال أبو عبيدة في قوله تعالى فإذا هم مبلسون المبلس الحزين النادم قال رؤية بن العجاج وفي الوجوه صفرة وإبلاس أي اكتئاب وحزن وقال الفراء قوله فإذا هم مبلسون المبلس البائس المنقطع رجاؤه وكذلك يقال للذي يسكت عند انقطاع حجته فلا يجيب قد أبلس قال العجاج يا صاح هل تعرف رسما دارسا قال نعم أعرفه وأبلسا وتفسير المبلس بالحزين وبالبائس متقارب قوله ابسلوا أسلموا قال أبو عبيدة في قوله تعالى أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا أي أسلموا وقوله في الآية الأخرى أن تبسل نفس أي ترتهن وتسلم قال عوف بن الأحوص وابسالى بني بغير جرم وروى معمر عن قتادة في قوله أن تبسل نفس قال تحبس قال قتادة وقال الحسن أي تسلم أي إلى الهلاك أخرجه عبد الرزاق وقد تقدم لهذه الكلمة تفسير آخر والمعنى متقارب قوله استهوته أضلته هو تفسير قتادة أخرجه عبد الرزاق وقال أبو عبيدة في قوله تعالى كالذي استهوته الشياطين هو الذي تشبه له الشياطين فيتبعها حتى يهوى في الأرض فيضل قوله تمترون تشكون قال أبو عبيدة في قوله تعالى ثم أنتم تمترون أي تشكون وكذا أخرجه الطبري من طريق أسباط عن السدي قوله يقال على الله حسبانه أي حسابه كذا لأبي ذر أعاده هنا وقد تقدم قبل

قوله باب وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو المفاتح جمع مفتح بكسر الميم الآلة التي يفتح بها مثل منجل ومناجل وهي لغة قليلة في الآلة والمشهور مفتاح بإثبات الألف وجمعه مفاتيح بإثبات الياء وقد قرئ بها في الشواذ قرأ بن السميفع وعنده مفاتيح الغيب وقيل بل هو جمع مفتح بفتح الميم وهو المكان ويؤيده تفسير السدي فيما رواه الطبري قال مفاتح الغيب خزائن الغيب وجوز الواحدى أنه جمع مفتح بفتح الميم على أنه مصدر بمعنى الفتح أي وعنده فتوح الغيب أي يفتح الغيب على من يشاء من عباده ولا يخفى بعد هذا التأويل للحديث المذكور في الباب وأن مفاتح الغيب لا يعلمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى وروى الطبري من طريق بن مسعود قال أعطى نبيكم صلى الله عليه وسلم علم كل شيء إلا مفاتح الغيب ويطلق المفتاح على ما كان محسوسا مما يحل غلقا كالقفل وعلى ما كان معنويا كما جاء في الحديث أن من الناس مفاتيح للخير الحديث صححه بن حبان من حديث أنس ثم ذكر المصنف في الباب حديث بن عمر مفاتح الغيب خمس أورده مختصرا وساقه في تفسير سورة لقمان مطولا وسيأتي شرحه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى

قوله باب قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية يلبسكم يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا هو من كلام أبي عبيدة في الموضعين وعند بن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي مثله

[ 4352 ] قوله شيعا فرقا هو كلام أبي عبيدة أيضا وزاد واحدتها شيعة وللطبرى من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله شيعا قال الأهواء المختلفة قوله عن جابر وقع في الاعتصام من وجه آخر عن بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت جابرا وكذا للنسائي من طريق معمر عن عمرو بن دينار قوله عذابا من فوقكم قال أعوذ بوجهك زاد الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عمرو الكريم في الموضعين قوله هذا أهون أو هذا أيسر هو شك من الراوي والضمير يعود على الكلام الأخير ووقع في الاعتصام هاتان أهون أو أيسر أي خصلة الالتباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض وقد روى بن مردويه من حديث بن عباس ما يفسر به حديث جابر ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم ثنتين وأبي أن يرفع عنهم اثنتين دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع الله عنهم الخسف والرجم وأبي أن يرفع عنهم الأخريين فيستفاد من هذه الرواية المراد بقوله من فوقكم أو من تحت أرجلكم ويستأنس له أيضا بقوله تعالى أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ووقع أصرح من ذلك عند بن مردويه من حديث أبي بن كعب قال في قوله تعالى عذابا من فوقكم قال الرجم أو من تحت أرجلكم قال الخسف وروى بن أبي حاتم من طريق السدي عن شيوخه أيضا أن المراد بالعذاب من فوق الرجم ومن تحت الخسف وأخرج من طريق بن عباس أن المراد بالفوق أئمة السوء وبالنحت خدم السوء وقيل المراد بالفوق حبس المطر وبالقحت منع التمرات والأول هو المعتمد وفي الحديث دليل على أن الخسف والرجم لا يقعان في هذه الأمة وفيه نظر فقد روى أحمد والطبري من حديث أبي بن كعب في هذه الآية قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية قال هن أربع وكلهن واقع لا محالة فمضت اثنتان بعد وفاة نبيهم بخمس وعشرين سنة ألبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم وقد أعل هذا الحديث بأن أبي بن كعب لم يدرك سنة خمس وعشرين من الوفاة النبويه فكأن حديثه انتهى عند قوله لا محالة والباقي من كلام بعض الرواة وأعل أيضا بأنه مخالف لحديث جابر وغيره وأجيب بأن طريق الجمع أن الإعادة المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدة بزمان مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم وقد روى أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية قل هو القادر إلى آخرها فقال أما أنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد وهذا يحتمل أن لا يخالف حديث جابر بأن المراد بتأويلها ما يتعلق بالفتن ونحوها وعند أحمد بإسناد صحيح من حديث صحار بالمهملتين أوله مضموم مع التخفيف العبدي رفعه قال لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل الحديث وسيأتي في كتاب الأشربة في الكلام على حديث أبي مالك الأشعري ذكر الخسف والمسخ أيضا وللترمذي من حديث عائشة مرفوعا يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ولابن أبي خيثمة من طريق هشام بن الغازي بن ربيعة الجرشي عن أبيه عن جده رفعه يكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف الحديث وورد فيه أيضا عنه عن على وعن أبي هريرة عند وعن عثمان عند وعن بن مسعود وابن عمر وابن عمرو وسهل بن سعد عند بن ماجة وعن أبي أمامة عند أحمد وعن عبادة عند ولده وعن أنس عند البزار وعن عبد الله بن بسر وسعيد بن أبي راشد عند الطبراني في الكبير وعن بن عباس وأبي سعيد عنده في الصغير وفي أسانيدها مقال غالبا لكن بدل مجموعها على أن لذلك أصلا ويحتمل في طريق الجمع أيضا أن يكون المراد أن ذلك لا يقع لجميعهم وأن وقع لأفراد منهم غير مقيد بزمان كما في خصلة العدو الكافر والسنة العامة فإنه ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رفعه في حديث بأوله أن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها الحديث وفيه وإني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من غير أنفسهم وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فقال يا محمد إن إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا اسلط عليهم عدوا من غيرهم يستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وأخرج الطبري من حديث شداد نحوه بإسناد صحيح فلما كان تسليط العدو الكافر قد يقع على بعض المؤمنين لكنه لا يقع عموما فكذلك الخسف والقذف ويؤيد هذا الجمع ما روى الطبراني من مرسل الحسن قال لما نزلت قل هو القادر الآية سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه فهبط جبريل فقال يا محمد إنك سألت ربك أربعا فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين أن يأتيهم عذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم فيستأصلهم كما أستأصل الأمم الذين كذبوا انبياءهم ولكنه يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض وهذان عذابان لأهل الإقرار بالكتاب والتصديق بالأنبياء انتهى وكأن من قوله وهذان الخ من كلام الحسن وقد وردت الاستعاذة من خصال أخرى منها عن بن عباس عند بن مردويه مرفوعا سألت ربي لأمتي أربعا فأعطاني اثنتين ومنعني اثنتين سألته أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض فرفعهما الحديث ومنها حديث سعد بن أبي وقاص عند مسلم مرفوعا سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالفرق فأعطانيها وسألته أن لا يهلكهم بالسنة فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وعند الطبري من حديث جابر بن سمرة نحوه لكن بلفظ أن لا يهلكوا جوعا وهذا مما يقوي أيضا الجمع المذكور فإن الغرق والجوع قد يقع لبعض دون بعض لكن الذي حصل منه الأمان أن يقع عاما وعند الترمذي وابن مردويه من حديث خباب نحوه وفيه وأن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا وكذا في حديث نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه عند الطبراني وعند أحمد من حديث أبي بصرة بالياء والصاد المهملة نحوه لكن قال بدل خصلة الاهلاك أن لايجمعهم على ضلالة وكذا للطبرى من مرسل الحسن ولابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة رفعه سألت ربي لأمتي أربعا فأعطاني ثلاثا ومنعني واحدة سألته أن لا يكفر أمتي جملة فأعطانيها وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وللطبراني من طريق السدي مرسلا نحوه ودخل في قوله بما عذب به الأمم قبلهم الغرق كقوم نوح وفرعون والهلاك بالريح كعاد والخسف كقوم لوط وقارون والصيحة كثمود وأصحاب مدين والرجم كأصحاب الفيل وغير ذلك مما عذبت به الأمم عموما وإذا جمعت الخصال المستعاذ منها من هذه الأحاديث التي سقتها بلغت نحو العشرة وفي حديث الباب أيضا أنه صلى الله عليه وسلم سأل رفع الخصلتين الأخيرتين فأخبر بأن ذلك قد قدر من قضاء الله وأنه لا يرد وأما ما زاده الطبراني من طريق أبي الزبير عن جابر في حديث الباب بعد قوله قال ليس هذا قال ولو استعاده لأعاذه فهو محمول على أن جابرا لم يسمع بقية الحديث وحفظه سعد بن أبي وقاص وغيره ويحتمل أن يكون قائل ولو استعاذه الخ بعض رواته دون جابر والله أعلم

قوله باب ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ذكر فيه حديث سليمان وهو الأعمش عن إبراهيم وهو النخعي عن علقمة وهو بن يزيد عن عبد الله وهو بن مسعود قال لما نزلت ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحابه أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإيمان بما أغنى عن إعادته

قوله باب قوله ويونس ولوطا ذكر فيه حديثي بن عباس وأبي هريرة ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء

قوله باب قوله أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ذكر فيه حديث بن عباس في السجود في ص وسيأتي شرحه في تفسير ص

[ 4356 ] قوله زاد يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد وسهل بن يوسف عن العوام هو بن حوشب عن مجاهد قلت لابن عباس فقال نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أمر أن يقتدى بهم حاصله أن الزيادة لفظية وإلا فالكلام المذكور داخل في قوله في الرواية الأولى هو منهم أي داود ممن أمر نبيكم أن يقتدى به في قوله تعالى فبهداهم اقتده وطريق يزيد بن هارون المذكورة وصلها الإسماعيلي وطريق محمد بن عبيد وصلها المصنف في تفسير ص وطريق سهل بن يوسف وصلها المصنف في أحاديث الأنبياء وقد اختلف هل كان عليه الصلاة والسلام متعبدا بشرع من قبله حتى نزل عليه ناسخة فقيل نعم وحجتهم هذه الآية ونحوها وقيل لا وأجابوا عن الآية بأن المراد أتباعهم فيما أنزل عليه وفاقه ولو على طريق الإجمال فيتبعهم في التفصيل وهذا هو الأصح عند كثير من الشافعية واختاره إما الحرمين ومن تبعه واختار الأول بن الحاجب والله أعلم

قوله باب وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر زاد أبو در في روايته إلى قوله وإنا لصادقون قوله كل ذي ظفر البعير والنعامة وصله بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مثله وروى من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد مثله وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال كل ذي ظفر هو الذي ليس بمنفرج الأصابع يعني ليس بمشقوق الأصابع منها الإبل والنعام وإسناده حسن وأخرجه بن جرير من طريق سعيد بن جبير مثله مفرقا وليس فيه بن عباس ومن طريق قتادة قال البعير والنعامة وأشباهه من الطير والحيوانات والحيتان قوله الحوايا المبعر في رواية أبي الوقت المباعر وصله بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال الحوايا هو المبعر وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله وقال سعيد بن جبير الحوايا المباعر أخرجه بن جرير وقال الحوايا جمع حوية وهي ما تحوى واجتمع واستدار من البطن وهي نبات اللبن وهي المباعر وفيها الأمعاء قال ومعنى الكلام إلا ما حملت ظهورهما وإلا ما حملت الحوايا أي فهو حلال لهم تنبيه المبعر بفتح الميم ويجوز كسرها ثم ذكر المصنف حديث جابر قاتل الله اليهود حرمت عليهم شحومها الحديث وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب البيوع وقد تقدم أيضا بيان من وصل رواية أبي عاصم المذكور هنا ونبه بن التين على أنه وقع في الرواية هنا لحومها قال والصواب شحومها قوله هادوا تابوا هدنا تبنا هائد تائب هو كلام أبي عبيدة وقد تقدم في أوائل الهجرة

قوله باب قوله تعالى ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ذكر فيه حديث بن مسعود لا أحد أغير من الله وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

قوله

[ 4358 ] وكيل حفيظ محيط به قال أبو عبيدة في قوله والله على كل شيء وكيل أي حفيظ محيط قوله قبلا جمع قبيل والمعنى أنه ضروب للعذاب كل ضرب منها قبيل انتهى هو من كلام أبي عبيدة أيضا لكن بمعناه قال في قوله تعالى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا قال فمعنى حشرنا جمعنا وقبلا جمع قبيل أي صنف وروى بن جرير عن مجاهد قال قبلا أي أفواجا قال بن جرير أي حشرنا عليهم كل شيء قبيلة قبيلة صنفا صنفا وجماعة جماعة فيكون القبل جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة فيكون القبل جمع الجمع قال أبو عبيدة ومن قرأها قبلا أي بكسر القاف فأنه يقول معناها عيانا انتهى ويجوز أن يكون بمعنى ناحية يقول لي قبل فلان كذا أي من جهته فهو نصب على الظرفية وقال آخرون قبلا أي مقابلا انتهى وقد روى بن أبي حاتم وابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله كل شيء قبلا أي معاينة فكأنه قرأها بكسر القاف وهي قراءة أهل المدينة وابن عامر مع أنه يجوز أن يكون بالضم ومعناه المعاينة يقول رأيته قبلا لآدبرا إذا أتيته من قبل وجهه وتستوى على هذا القراءتان قال بن جرير ويحتمل أن يكون القبل جمع قبيل وهو الضمين والكفيل أي وحشرنا عليهم كل شيء كفيلا يكفلون لهم أن الذي نعدهم حق وهو بمعنى قوله في الآية الأخرى أو تأتي بالله والملائكة قبيلا انتهى ولم أر من فسره باصناف العذاب فليحرر هذا تنبيه ثبت هذا والذي بعده لأبي ذر عن المستملى والكشميهني حسب قوله زخرف القول كل شيء حسنته وزينته وهو باطل فهو زخرف هو كلام أبي عبيدة وزاد يقال زخرف فلان كلامه وشهادته وقيل أصل الزخرف في اللغة التزيين والتحسين ولذلك سموا الذهب زخرفا قوله وحرث حجر حرام الخ تقدم الكلام عليه في قصة ثمود من أحاديث الأنبياء مستوفى وسقط هنا من رواية أبي ذر والنسفى وهو أولى

قوله باب قوله قل هلم شهداءكم لغة أهل الحجاز هلم للواحد والإثنين والجمع هو كلام أبي عبيدة بزيادة والذكر والأنثى سواء وأهل نجد يقولون الواحد هلم وللمرأة هلمي وللانثين هلما وللقوم هلموا وللنساء هلمن يجعلونها من هلممت وعلى الأول فهو اسم فعل معناه طلب الإحضار وشهداءكم مفعول به والميم في هلم مبنية على الفتح في اللغة الأولى واختلف هل هي بسيطة أو مركبة ولبسط ذلك موضع غير هذا

قوله باب لا ينفع نفسا إيمانها ذكر فيه حديث أبي هريرة في طلوع الشمس من المغرب وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الرفاق إن شاء الله تعالى وإسحاق في الطريق الأخرى جزم خلف بأنه بن نصر وأبو مسعود بأنه بن منصور وقول خلف أقوى والله أعلم

قوله سورة الأعراف اختلف في المراد بالأعراف في قوله تعالى وعلى الأعراف رجال فقال وعن أبي مجلز هم ملائكة وكلوا بالصور ليميزوا المؤمن من الكافر واستشكل بأن الملائكة ليسوا ذكورا ولا إناثا فلا يقال لهم رجال وأجيب بأنه مثل قوله في حق الجن كانوا يعودون برجال من الجن كذا ذكره القرطبي في التذكرة وليس بواضح لأن الجن يتوالدون فلا يمتنع أن يقال فيهم الذكور والإناث بخلاف الملائكة قوله بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله قال بن عباس وريشا المال وصله بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ورياشا قال مالا ومن طريق مجاهد والسدي فرقهما قال في قوله وريشا قال المال ومن وجه آخر عن بن عباس قال الرياش اللباس والعيش والنعيم ومن طريق معبد الجهني قال الرياش المعاش وقال أبو عبيدة الرياش ما ظهر من اللباس والستارة والرياش أيضا الخصب في المعاش وقد تقدم شيء من هذا في أول أحاديث الأنبياء تنبيه قرأ ورياشا عاصم وأبو عمرو والباقون وريشا قوله أنه لا يحب المعتدين في الدعاء زاد أبو ذر عن الحموي والكشميهني وفي غيره وعند النسفي ولا في غيره وكذا أخرج بن جرير من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس وقد جاء نحو هذا مرفوعا أخرجه أحمد وأبو داود من حديث سعد بن أبي وقاص أنه سمع ابنا له يدعو فقال أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية وأخرج أيضا بن ماجة من حديث عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنا له يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة فذكر نحوه لكن لم يقل وقرأ الآية والاعتداء في الدعاء يقع بزيادة الرفع فوق الحاجة أو بطلب ما يستحيل حصوله شرعا أو بطلب معصية أو يدعو بما لم يؤثر خصوصا ما وردت كراهته كالسجع المتكلف وترك المأمور وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى قوله نتقنا الجبل رفعنا انبجست انفجرت تقدم شرحهما في أحاديث الأنبياء قوله ما منعك أن لا تسجد يقول ما منعك أن تسجد كذا لأبي ذر فأوهم أنه وما بعده من تفسير بن عباس كالذي قبله وليس كذلك ولغير أبي ذر وقال غيره ما منعك الخ وهو الصواب فإن هذا كلام أبي عبيدة وقد تقدم في أول أحاديث الأنبياء ونقل بن جرير عن بعض الكوفيين أن المنع هنا بمعنى القول والتقدير من قال لك أن لا تسجد قال وأدخلت أن قبل لا كما دخلت في قولهم ناديت أن لاتقم وحلفت أن لا تجلس ثم أختار بن جرير أن في هذا الكلام حذفا تقديره ما منعك من السجود وحملك على أن لا تسجد قال وإنما حذف لدلالة السياق عليه قوله يخصفان أخذا الخصاف من ورق الجنة يؤلفان الورق يخصفان الورق بعضه إلى بعض كذا لأبي عبيدة لكن باختصار وروى بن جرير بإسناد حسن عن بن عباس في قوله وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال جعلا يأخذان من ورق الجنة فيجعلان على سوآتهما ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يخصفان قال يرفعان كهيئة الثوب ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال أخذا من ورق التين وأخرجه الحاكم من هذا الوجه ومن طريق قتادة قال كان لباس آدم في الجنة ظفرا كله فلما أكل من الشجرة كشط عنه وبدت سوأته ومن طريق بن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه قال كان لباس آدم وحواء النور فكان أحدهما لا يرى عورة الآخر وقد تقدم شيء من هذا في أحاديث الأنبياء أيضا قوله سوآتهما كناية عن فرجيهما هو كلام أبي عبيدة ولم يقع في رواية أبي ذر قوله اداركوا اجتمعوا هو كلام أبي عبيدة وزاد ويقال تدارك لي عليه شيء أي اجتمع والتاء مدغمة في الدال انتهى وهي قراءة الجمهور والأصل تداركوا وقد قرأ بها الأعمش ورويت عن أبي عمرو بن العلاء أيضا قوله الفتاح القاضي افتح بيننا اقض كذا وقع هنا والفتاح لم يقع في هذه السورة وإنما هو في سورة سبأ وكأنه ذكره هنا توطئة لتفسير قوله في هذه السورة ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ولعله وقع فيه تقديم وتأخير من النساخ فقد قال أبو عبيدة في قوله افتح بيننا وبين قومنا أي احكم بيننا وبين قومنا قال الشاعر ألا أبلغ بني عصم رسولا فإني عن فتاحتكم غنى الفتاح القاضي انتهى كلامه ومنه ينقل البخاري كثيرا وروى بن جرير من طرق عن قتادة عن بن عباس قال ما كنت أدرى ما معنى قوله افتح بيننا حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها انطلق أفاتحك ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس افتح بيننا أي اقض بيننا ومن طريق قتادة والسدي وغيرهما مثله قوله ومتاع إلى حين الخ تقدم في بدء الخلق قوله الرياش والريش واحد الخ تقدم أيضا في أول أحاديث الأنبياء ورواه بن المنذر من طريق الكسائي أي قال الريش والرياش اللباس قوله قبيله جيله الذي هو منهم هو كلام أبي عبيدة وروى بن جرير من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قبيله قال الجن والشياطين وهو بمعناه وقد تقدم في بدء الخلق قوله ومشاق الإنسان والدابة كلها تسمى سموما وأحدها سم وهي عيناه ومنخراه وفمه وأذناه ودبره وإحليله قال أبو عبيدة في قوله تعالى في سم الخياط أي ثقب الإبرة وكل ثقب من عين أو أنف أو أذن أو غير ذلك فهو سم والجمع سموم ووقع في بعض النسخ مسام الإنسان بدل مشاق وهي بمعناه قوله غواش ما غشوا به قال أبو عبيدة في قوله ومن فوقهم غواش واحدتها غاشية وهي ما غشاهم فغطاهم من فوقهم وروى بن جرير من طريق السدي قال المهاد لهم كهيئة الفراش والغواش يتغشاهم من فوقهم ومن طريق محمد بن كعب قال المهاد الفرش ومن فوقهم غواش قال اللحف قوله نكدا قليلا قال أبو عبيدة في قوله تعالى والذي خبث لا يخرج الا نكدا أي قليلا عسر في شدة قال الشاعر لا تنجز الوعد أن وعدت وأن أعطيت تافها نكدا وروى بن أبي حاتم من طريق السدي قال النكد الشيء القليل الذي لا ينفع قوله طائرهم حظهم قال أبو عبيدة في قوله تعالى إلا إنما طائرهم عند الله قال حظهم ونصيبهم قوله طوفان من السيل ويقال للموت الكثير الطوفان قال أبو عبيدة الطوفان من السيل ومن الموت البالغ الذريع كأنه مأخوذ من أطاف به إذا عمه بالهلاك وعن الأخفش الطوفان واحدته طوفانه وقيل هو مصدر كالرجحان والنقصان فلا واحد له وروى بن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال أرسل عليهم المطر حتى خافوا الهلاك فأتوا موسى فدعا الله فرفع ثم عادوا وعند بن مردويه بإسنادين ضعيفين عن عائشة مرفوعا الطوفان الموت قوله القمل الحمنان بضم المهملة وسكون الميم شبة صغار الحلم بفتح المهملة واللام قال أبو عبيدة القمل عند العرب هو الحمنان والحمنان ضرب من القردان واحدتها حمنانة وقد تقدم مع الذي قبله في بدء الخلق واختلف في تفسير القمل اختلافا كثيرا قيل السوس وقيل الدبا بفتح المهملة والموحدة مخفف وهو صغار الجراد وقال الراغب وقيل دواب سود صغار وقيل صغار الذر وقيل هو القمل المعروف وقيل دابة أصغر من الطير لها جناح أحمر ومن شأنه أن يمص الحب من السنبلة فتكبر السنبلة ولا حب فيها وقيل فيه غير ذلك قوله عرو وعريش بناء وقال أبو عبيدة في قوله تعالى وما كانوا يعرشون أي يبنون وعرش مكة خيامها وقد تقدم في سورة الأنعام تفسير معروشات قوله سقط كل من ندم فقد سقط في يده قال أبو عبيدة في قوله تعالى ولما سقط في أيديهم يقال لكل من ندم وعجز عن شيء سقط في يد فلان وقد تقدم في أحاديث الأنبياء قوله متبر خسران تقدم في أحاديث الآنبياء أيضا قوله آسى أحزن تأس تحزن تقدم في أحاديث تفسير اللفظتين جميعا والأولى في الأعراف والثانية في المائدة ذكرها استطرادا قوله عفوا كثروا زاد غير أبي ذر وكثرت أموالهم قال أبو عبيدة في قوله تعالى حتى عفوا أي كثروا وكذلك كل نبات وقوم وغيره إذا كثروا فقد عفوا قال الشاعر ولكنا نعض السيف منها بأسوق عافيات الشحم كوم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة حتى عفوا أي حتى سروا بذلك قوله نشرا متفرقه تقدم في بدء الخلق قوله يغنوا يعيشوا قال أبو عبيدة في قوله تعالى كأن لم يغنوا فيها أي ينزلوها ولم يعيشوا فيها ومنه قولهم مغاني الديار واحدتها مغنى قال الشاعر أتعرف مغنى دمنة ورسوم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كأن لم يغنوا فيها أي كأن لم يعيشوا أو كأن لم يتنعموا قوله حقيق حق تقدم في أحاديث الأنبياء قوله لسترهبوهم من الرهبة قال أبو عبيدة في قوله تعالى واسترهبوهم هو من الرهبة أي خوفوهم قوله تلقف تلقم تقدم في أحاديث الأنبياء قوله الأسباط قبائل بني إسرائيل هو قول أبي عبيدة وزاد وأحدها سبط تقول من أي سبط أنت أي من أي قبيلة وجنس انتهى والأسباط في ولد يعقوب كالقبائل في ولد إسماعيل واشتقاقه من اسبط وهو التتابع وقيل من السبط بالتحريك وهو الشجر الملتف وقيل للحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم لانتشار ذريتهما ثم قيل لكل بن بنت سبط قوله يعدون في السبت يتعدون ثم يتجاوزون تقدم في أحاديث الأنبياء وهو قول أبي عبيدة ووقع هنا في رواية أبي ذر بدل قوله ثم يتجاوزون تجاوزا بعد تجاوز وهو بالمعنى قوله شرعا شوارع قال أبو عبيدة في قوله إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا أي شوارع انتهى وشرع وشوارع جمع شارع وهو الظاهر على وجه الماء وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن رجل عن عكرمة عن بن عباس في قوله إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا أي بيضا سمانا فتنبطح بأفنيتهم ظهورها لبطونها قوله بئيس شديد قال أبو عبيدة في قوله بعذاب بئيس أي شديد وبئيس بفتح أوله وكسر الهمزة وهي القراءة المشهورة وفيها قراءات كثيرة في المشهور والشاذة لا نطيل بها قوله أخلذ إلى الأرض قعد وتقاعس قال أبو عبيدة ولكنه أخلد إلى الأرض أي لزمها وتقاعس وأبطأ يقال فلان مخلد أي بطيء الشباب وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أخلد إلى الأرض مال إلى الدنيا انتهى وأصل الإخلاد اللزوم فالمعنى لزم الميل إلى الأرض قوله سنستدرجهم نأتيهم من مأمنهم كقوله تعالى فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا قال أبو عبيدة في قوله تعالى سنستدرجهم الاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم ومن حيث يتلطف به حتى يغيره انتهى وأصل الاستدراج التقريب منزلة منزلة من الدرج لأن الصاعد يرقى درجة درجة قوله من جنة من جنون قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما بصاحبهم من جنة أي جنون وقيل المراد بالجنة الجن كقوله من الجنة والناس وعلى هذا فيقدر محذوف أي مس جنة قوله أيان مرساها متى خروجها هو قول أبي عبيدة أيضا وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله مرساها أي منتهاها ومن طريق قتادة قال قيامها قوله فمرت به استمر بها الحمل فائمته تقدم في أحاديث الأنبياء ولم يقع هنا في رواية أبي ذر قوله ينزعنك يستخفنك هو قول أبي عبيدة وزاد منه قوله نزع الشيطان بينهم أي أفسد قوله طيف ملم به لمم ويقال طائف وهو واحد قال أبو عبيدة في قوله إذا مسهم طائف أي لمم انتهى واللمم يطلق على ضرب من الجنون وعلى صغار الذنوب واختلف الفراء فمنهم من قرأ طائف ومنهم من قرأ طيف واختار بن جرير الأولى واحتج بأن أهل التأويل فسروه بمعنى الغضب أو الزلة وأما الطيف فهو الخيال ثم حكى بعض أهل العربية أن الطيف والطائف بمعنى واحد وأسند عن بن عباس قال الطائف اللمة من الشيطان قوله يمدونهم يزينون قال أبو عبيدة في قوله وإخوانهم يمدونهم في الغي أي يزينون لهم الغي والكفر قوله وخفية خوفا وخيفة من الإخفاء قال أبو عبيدة في قوله واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة أي خوفا وذهبت الواو لكسرة الحاء وقال بن جريج في قوله ادعوا ربكم تضرعا وخفية أي سرا أخرجه بن المنذر وقوله من الإخفاء فيه تجوز والمعروف في عرف أهل الصرف من الخفاء لأن المزيد مشتق من الثلاثي ويوجه الذي هنا بأنه أراد انتظام الصفتين من معنى واحد قوله والآصال وأحدها أصيل وهو ما بين العصر إلى المغرب كقولك بكرة وأصيلا هو قول أبي عبيدة أيضا بلفظه قال بن التين ضبط في نسخة أصل بضمتين وفي بعضها أصيل بوزن عظيم وليس ببين إلا أن يريد أن الآصال جمع أصيل فيصح قلت وهو واضح في كلام المصنف وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الآصال العشي وقال بن فارس الاصيل واحد الأصل وجمع الأصل آصال فهو جمع الجمع والأصائل جمع أصيلة ومنه قوله بكرة وأصيلا

قوله باب قول الله عز وجل قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ذكر فيه حديث بن مسعود لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفواحش وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد وقد حكى بن جرير أن أهل التأويل اختلفوا في المراد بالفواحش فمنهم من حملها على العموم وساق ذلك عن قتادة قال المراد سر الفواحش وعلانيتها ومنهم من حملها على نوع خاص وساق عن بن عباس قال كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد ما ظهر نكاح الأمهات وما بطن الزنا ثم أختار بن جرير القول الأول قال وليس ما روى عن بن عباس وغيره بمدفوع ولكن الأولى الحمل على العموم والله أعلم

قوله باب ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمة ربه قال رب أرني أنظر إليك الآية قال بن عباس أرني أعطني وصله بن جرير من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله رب أرني أنظر إليك قال أعطني وأخرج من طريق السدي قال لما كلم الله موسى أحب أن ينظر إليه قال رب أرني أنظر إليك تكملة تعلق بقوله تعالى لن تراني نفاة رؤية الله تعالى مطلقا من المعتزلة فقالوا لن لتأكيد النفي الذي يدل عليه لا فيكون النفي على التأييد وأجاب أهل السنة بأن التعميم في الوقت مختلف فيه سلمنا لكن خض بحالة الدنيا التي وقع فيها الخطاب وجاز في الآخرة لأن أبصار المؤمنين فيها باقية فلا استحالة أن يرى الباقي بالباقى بخلاف حالة الدنيا فإن أبصارهم فيها فانية فلا يرى الباقي بالفاني وتواترت الأخبار النبويه بوقوع هذه الرؤية للمؤمنين في الآخرة وباكرامهم بها في الجنة ولا استحالة فيها فوجب الإيمان بها وبالله التوفيق وسيأتي مزيد لهذا في كتاب التوحيد حيث ترجم المصنف وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة

[ 4362 ] قوله جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه الحديث تقدم شرحه مستوفى في أحاديث الأنبياء وقوله فيه أم جزى كذا للأكثر ولأبي ذر عن الحموي والمستملى جوزى وهو المشهور في غير هذا الموضع

قوله المن والسلوى ذكر فيه حديث سعيد بن زيد في الكمأة وسيأتي شرحه في الطب وقوله

[ 4363 ] شفاء من العين أي وجع العين وفي رواية الكشميهني شفاء للعين وتقدم شرح المن والسلوى في تفسير البقرة وهو المشهور في غير هذه وقوله في أول الإسناد حدثنا مسلم ووقع لأبي ذر غير منسوب وعند غيره مسلم بن إبراهيم

قوله باب قل يا أيهاالناس إني رسول الله إليكم جميعا ذكر فيه حديث أبي الدرداء فيما كان بين أبي بكر وعمر وقد تقدم شرحه مستوفى في مناقب أبي بكر وقوله في أول الإسناد حدثني عبد الله كذا وقع غير منسوب عند الأكثر ووقع عند بن السكن عن الفربري عن البخاري حدثني عبد الله بن حماد وبذلك جزم الكلاباذي وطائفة وعبد الله بن حماد هذا هو الآملي بالمد وضم الميم الخفيفة يكنى أبا عبد الرحمن قال الأصيلي هو من تلامذة البخاري وكان يورق بين يديه قلت وقد شاركه في كثير من شيوخه وكان من الحفاظ مات قبل السبعين أو بعدها فقال غنجار في تاريخ بخاري مات سنة تسع وستين وقيل سنة ثلاث وسبعين وسليمان بن عبد الرحمن هو الدمشقي من شيوخ البخاري وأما موسى بن هارون فهو النبي بضم الموحدة وتشديد النون والبردى وهو بضم الموحدة وسكون الراء كوفي قدم مصر ثم سكن الفيوم ومات بها سنة أربع وعشرين ومائتين وما له في البخاري سوى هذا الموضع قوله قال أبو عبد الله غامر سبق بالخير تقدم شرحه أيضا في مناقب أبي بكر

قوله باب قوله حطة

[ 4365 ] حدثني إسحاق هو بن إبراهيم الحنظلي بن راهويه قوله قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وقولوا حطة قال الحسن أي اخطط عنا خطايانا وهذا يليق بقراءة من قرأ حطة بالنصب وهي قراءة إبراهيم بن أبي عبلة وقرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة وقيل أمروا أن يقولوا على هذه الكيفية فالرفع على الحكاية وهي في محل نصب بالقول وإنما منع النصب حركة الحكاية وقيل رفعت لتعطى معنى الثبات كقوله سلام واختلف في معنى هذه الكلمة فقيل هي اسم للهيئة من الحط كالجلسة وقيل هي التوبة كما قال الشاعر فاز بالحطة التي صير الله بها ذنب عبدة مغفورا وقيل لا يدري معناها وإنما تعبدوا بها وروى بن أبي حاتم عن بن عباس وغيره قال قيل لهم قولوا مغفرة قوله فبدلوا أي غيروا وقوله سبحانه وتعالى فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم التقدير فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم ويحتمل أن يكون ضمن بدل معنى قال قوله فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة كذا للأكثر وكذا في رواية الحسن المذكورة بفتحتين وللكشميهني في شعيرة بكسر المهملة وزيادة تحتانية بعدها والحاصل أنهم خالفوا ما أمروا به من الفعل والقول فإنهم أمروا بالسجود عند انتهائهم شكرا لله تعالى وبقولهم حطة فبدلوا السجود بالزحف وقالوا حنظة بدل حطة أو قالوا حطة وزادوا فيها حبة في شعيرة وروى الحاكم من طريق السدي عن مرة عن بن مسعود قال قالوا هطى سمقا وهي بالعربية حنطة حمراء قوية فيها شعيرة سوداء ويستنبط منه أن الأقوال المنصوصة إذا تعبد بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى وليست هذه مسألة الرواية بالمعنى بل هي متفرعة منها وينبغى أن يكون ذلك قيدا في الجواز أعنى يزاد في الشرط أن لا يقع التعبد بلفظه ولا بد منه ومن أطلق فكلامه محمول عليه

قوله باب خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين العرف المعروف وصله عبد الرزاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه بهذا وكذا أخرجه الطبري من طريق السدي وقتادة قوله في حديث عمر أو شبانا بضم أوله وتشديد الموحدة وبعد الألف نون للكثر وفي رواية الكشميهني بفتح أوله وبموحدتين الأولى خفيفة وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الاعتصام

[ 4367 ] قوله حدثني يحيى نسبه بن السكن فقال يحيى بن موسى ونسبه المستملى فقال يحيى بن جعفر ولا يخرج عن واحد منهما والأشبه ما قال المستملى قوله عن هشام هو بن عروة وابن الزبير هو عبد الله قوله ما أنزل الله أي هذه الآية إلا في أخلاق الناس كذا أخرجه بن جرير عن بن وكيع عن أبيه بلفظ ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس وكذا أخرجه بن أبي شيبة عن وكيع وأخرج بن جرير أيضا من طريق وهب بن كيسان عن عبد الله بن الزبير نحوه قوله وقال عبد الله بن براد بموحدة وتثقيل الراء ويراد اسم جده وهو عبد الله بن عامر بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ما له في البخاري سوى هذا الموضع قوله أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس أو كما قال وقد اختلف عن هشام في هذا الحديث فوصله من ذكرنا عنه وتابعهم عبدة بن سليمان عن هشام عند بن جرير والطفاوى عن هشام عند الإسماعيلي وخالفهم معمر وابن أبي الزناد وحماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه من قوله موقوفا وقال أبو معاوية عن هشام عن وهب بن كيسان عن بن الزبير أخرجه سعيد بن منصور عنه وقال عبيد الله بن عمر عن هشام عن أبيه عن بن عمر أخرجه البزار والطبراني وهي شاذة وكذا رواية حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة عند بن مردويه وأما رواية أبي معاوية فشاذة أيضا مع احتمال أن يكون لهشام فيه شيخان وأما رواية معمر ومن تابعه فمرجوحة بأن زيادة من خالفهما مقبولة لكونهم حفاظا وإلى ما ذهب إليه بن الزبير من تفسير الآية ذهب مجاهد وخالف في ذلك بن عباس فروى بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال خذ العفو يعني خذ ما عفا لك من أموالهم أي ما فضل وكان ذلك قبل فرض الزكاة وبذلك قال السدي وزاد نسختها آية الزكاة وبنحوه قال الضحاك وعطاه وأبو عبيدة ورجح بن جرير الأول واحتج له وروى عن جعفر الصادق وقال ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها ووجهوه بأن الأخلاق ثلاثة بحسب القوي الإنسانية عقلية وشهويه وغضبية فالعقلية الحكمة ومنها الأمر بالمعروف والشهوية العفة ومنها أخذ العفو والغضبية الشجاعة ومنها الإعراض عن الجاهلين وروى الطبري مرسلا وابن مردويه موصولا من حديث جابر وغيره لما نزلت خذ العفو وأمر بالعرف سأل جبريل فقال لا أعلم حتى أسأله ثم رجع فقال إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك

قوله سورة الأنفال بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله قال بن عباس الأنفال المغانم وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد فيها شيء وروى أبو داود والنسائي وابن حبان من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنع كذا فله كذا الحديث فنزلت يسألونك عن الأنفال قوله نافلة عطية قال في رواية النسفي يقال فذكره وقد قال أبو عبيدة في

[ 4368 ] قوله ومن الليل فتهجد به نافلة لك أي غنيمة قوله وأن جنحوا طلبوا قال أبو عبيدة في قوله وإن جنحوا للسلم أي رجعوا إلى المسالمة وطلبوا الصلح قوله السلم والسلم والسلام واحد ثبت هذا لأبي ذر وحده وقد تقدم في تفسير سورة النساء قوله يثخن أي يغلب قال أبو عبيدة في قوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض يثخن أي يبالغ ويغلب قوله وقال مجاهد مكاء ادخالهم أصابعهم في أفواهم وصله عبد بن حميد والفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قوله وتصدية الصفير وصله عبد بن حميد أيضا كذلك تنبيه وقع هذا في رواية أبي ذر متراخيا عن الذي قبله وعند غيره بعقبه وهو أولى وقد قال الفريابي حدثنا ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء قال إدخالهم أصابعهم في أفواههم وتصدية الصفير يخلطون على محمد صلاته وقال أبو عبيدة المكاء الصفير والتصدية صفق الأكف ووصله بن مردويه من حديث بن عمر مثله من قوله قوله وقال قتادة ويحكم الحرب تقدم في الجهاد قوله الشوكة الحد ثبت لغير أبي ذر قال أبو عبيدة في قوله وتودون أن غير دات الشوكة تكون لكم مجاز الشوكة الحد يقال ما أشد شوكة بني فلان أي حدهم قوله مردفين فوجا بعد فوج يقال ردفني وأردفني جاء بعدي وقال أبو عبيدة في قوله مردفين بكسر الدال فاعلين من أردفوا أي جاءوا بعد قوم قبلهم وبعضهم يقول ردفني جاء بعدي وهما لغتنان ومن قرأ بفتح الدال فهو من أردفهم الله من بعد من قبلهم انتهى وقراءة الجمهور بكسر الدال ونافع بفتحها وقال الأخفش بنو فلان يردفوننا أي يجيئون بعدنا قوله فيركمه يجمعه قال أبو عبيدة في قوله فيركمه جميعا أي فيجمعه بعضه فوق بعض قوله شرد فرق هو قول أبي عبيدة أيضا قوله ليثبتوك يحبسوك وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عنه روى أحمد والطبراني من حديث بن عباس قال تشاورت قريش فقال بعضهم إذا أصبح محمد فأثبتوه بالوثاق الحديث قوله دوقوا باشروا وجربوا وليس هذا من ذوق الفم هو قول أبي عبيدة أيضا بن ونظيره قوله تعالى لا يذوقون فيها الموت قوله حدثني محمد بن عبد الرحيم كذا ثبت هذا الحديث في آخر هذه التفاسير عند أبي ذر وثبت عند غيره في اثنائها والخطب فيه سهل والحديث المذكور سيأتي بأثم من هذا في تفسير سورة الحشر ويأتي شرحه هناك وقد تقدم طرف منه أيضا في المغازي

قوله

[ 4369 ] إن شر الدواب ذكر فيه حديث مجاهد عن بن عباس قال هم نفر من بني عبد الدار وفي رواية الإسماعيلي نزلت في نفر زاد بن جرير من طريق شبل بن عباد عن بن أبي نجيح لا يتبعون الحق ثم أورد من طريق ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا يعقلون لا يتبعون الحق قال مجاهد قال بن عباس هم نفر من بني عبد الدار

قوله يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول استجيبوا أجيبوا لما يحييكم لما يصلحكم قال أبو عبيدة في قوله تعالى استجيبوا لله أي أجيبوا لله يقال استجيب له واستجبته بمعنى وقوله لما يحييكم أي لما يهديكم ويصلحكم انتهى وقد تقدم في آل عمران شيء من هذا في قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول

[ 4370 ] قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه وقد تقدم شرح الحديث في تفسير الفاتحة قوله وقال معاذ هو بن معاذ العنبري البصري وقد وصله الحسن بن سفيان في مسنده عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه وفائدة إيراده ما وقع فيه من تصريح حفص بسماعه من أبي سعيد بن المعلى

قوله باب قوله وإذ قالوا اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية قوله قال بن عيينة الخ كذا في تفسير بن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه قال ويقول ناس ما سمي الله المطر في القرآن الا عذابا ولكن تسمية العرب الغيث يريد قوله تعالى وهو الذي ينزل الغيث كذا وقع في تفسير حم عسق وقد تعقب كلام بن عيينة بورود المطر بمعنى الغيث في القرآن في قوله تعالى أن كان بكم أذى من مطر فالمراد به هنا الغيث قطعا ومعنى التأذى به البلل الحاصل منه للثوب والرجل وغير ذلك وقال أبو عبيدة أن كان من العذاب فهو امطرت وأن كان من الرحمة فهو مطرت وفيه نظر أيضا

[ 4371 ] قوله حدثني أحمد كذا في جميع الروايات غير منسوب وجزم الحاكمان أبو أحمد وأبو عبد الله أنه بن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري وقد روى البخاري الحديث المذكور بعينه عقب هذا عن محمد بن النضر أخي أحمد هذا قال الحاكم بلغني أن البخاري كان ينزل عليهما ويكثر الكمون عندهما إذا قدم نيسابور قلت وهما من طبقة مسلم وغيره من تلامذة البخاري وأن شاركوه في بعض شيوخه وقد أخرج مسلم هذا الحديث بعينه عن شيخهما عبيد الله بن معاذ نفسه وعبيد الله بن معاذ المذكور من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري فنزل في هذا الإسناد درجتين لأن عنده الكثير عن أصحاب شعبة بواسطة واحدة بينه وبين شعبة قال الحاكم أحمد بن النضر يكنى أبا الفضل وكان من أركان الحديث انتهى وليس له في البخاري ولا لأخيه سوى هذا الموضع وقد روى البخاري عن أحمد في التاريخ الصغير ونسبه

[ 4372 ] قوله عن عبد الحميد صاحب الزيادي هو عبد الحميد بن دينار تابعي صغير ويقال له بن كرديد بضم الكاف وسكون الراء وكسر الدال المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم دال أخرى ووقع كذلك في بعض النسخ والزبادى الذي نسب إليه من ولد زياد الذي يقال له بن أبي سفيان قوله قال أبو جهل اللهم أن كان هذا الخ ظاهر في أنه القائل ذلك وأن كان هذا القول نسب إلى جماعة فلعله بدأ به ورضى الباقون فنسب إليهم وقد روى الطبراني من طريق بن عباس أن القائل ذلك هو النضر بن الحارث قال فأنزل الله تعالى سأل سائل بعذاب واقع وكذا قال مجاهد وعطاء والسدي ولا ينافي ذلك ما في الصحيح لاحتمال أن يكونا قالاه ولكن نسبته إلى أبي جهل أولى وعن قتادة قال قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهلتها وروى بن جرير من طريق يزيد بن رومان أنهم قالوا ذلك ثم لما أمسوا ندموا فقالوا غفرانك اللهم فأنزل الله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وروى بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس أن معنى قوله وهم يستغفرون أي من سبق له من الله أنه سيؤمن وقيل المراد من كان بين أظهرهم حينئذ من المؤمنين قال الضحاك وأبو مالك ويؤيده ما أخرجه الطبري من طريق بن ابزى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأنزل الله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ثم خرج إلى المدينة فانزل الله وما كان معذبهم وهم يستغفرون وكان من بقي من المسلمين بمكة يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام الآية فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم الله تعالى وروى الترمذي من حديث أبي موسى رفعه قال أنزل الله على أمتي أمانين فذكر هذه الآية قال فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار وهو يقوي القول الأول والحمل عليه أولى وأن العذاب حل بهم لما تركوا الندم على ما وقع منهم وبالغوا في معاندة المسلمين ومحاربتهم وصدهم عن المسجد الحرام والله أعلم

قوله باب قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم تقدم شرحه في الذي قبله

قوله باب وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله سقط باب لغير أبي ذر

[ 4373 ] قوله حدثنا عبد الله بن يحيى هو البراسى يكنى أبا يحيى صدوق أدركه البخاري ولكن روى عنه بواسطة هنا وفي تفسير سورة الفتح فقط وقد تقدمت الإشارة إلى حال بقية الإسناد في تفسير سورة البقرة قوله عن بن عمر أن رجلا جاءه تقدم في تفسير سورة البقرة ما أخرج سعيد بن منصور من أن السائل هو حيان صاحب الدثنية وروى أبو بكر النجاد في فوائده أنه الهيثم بن حنش وقيل نافع بن الأزرق وسأذكر في الطريق التي بعد هذه قولا آخر ولعل السائلين عن ذلك جماعة أو تعددت القصة قوله فما يمنعك أن لا تقاتل لا زائدة وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأعراف عند قوله ما منعك ألا تسجد قوله أعير بمهملة وتحتانية ثقيلة للكشميهني في الموضعين ولغيره بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وتخفيف المثناة الفوقانية وتشديد الراء فيهما والحاصل أن السائل كان يرى قتال من خالف الإمام الذي يعتقد طاعته وكان بن عمر يرى ترك القتال فيما يتعلق بالملك وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن قوله فكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلوه وإما يوثقوه كذا للأكثر فزعم بعض الشراح بأنه غلط وأن الصواب بإثبات النون فيهما لأن إما التي تجزم هي الشرطية وليست هنا شرطية قلت وهي رواية أبي ذر ووجهت رواية الأكثر بأن النون قد تحذف بغير ناصب ولا جازم في لغة شهيرة وتقدم في تفسير البقرة بلفظ إما تعذبوه وإما تقتلوه وقد مضى القول فيه هناك وأما قوله فما قولك في على وعثمان فيؤيد أن السائل كان من الخوارج فإنهم كانوا يتولون الشيخين ويحطون عثمان وعليا فرد عليه بن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من النبي صلى الله عليه وسلم والاعتذار عما عابوا به عثمان من الفرار يوم أحد فإنه تعالى صرح في القرآن بأنه عفا عنهم وقد تقدم في مناقب عثمان سؤال السائل لابن عمر عن عثمان وأنه فر يوم أحد وغاب عن بدر وعن بيعة الرضوان وبيان بن عمر له عذر عثمان في ذلك فيحتمل أن يكون هو السائل هنا ويحتمل أن يكون غيره وهو الأرجح لأنه لم يتعرض هناك لذكر على وكأنه كان رافضيا وأما عدم ذكره للقتال فلا يقتضى التعدد لأن الطريق التي بعدها قد ذكر فيها القتال ولم يذكر قصة عثمان والأولى الحمل على التعدد لاختلاف الناقلين في تسمية السائلين وأن اتحد المسئول والله أعلم قوله فكرهتم أن تعفوا عنه بالمثناة الفوقانية وبصيغة الجمع ومضى في تفسير البقرة بلفظ أن يعفو بالتحتانية أوله والإفراد أي الله وقوله وهذه ابنته أو بنته كذا للأكثر بالشك ووافقهم الكشميهني لكن قال أو أبيته بصيغة جمع القلة في البيت وهو شاذ وقد تقدم في مناقب على من وجه آخر بلفظ فقال هو ذاك بينه أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية النسائي ولكن انظر إلى منزلته من نبي الله صلى الله عليه وسلم ليس في المسجد غير بيته وهذا يدل على أنه تصحف على بعض الرواة بيته ببنته فقرأها بنته بموحدة ثم نون ثم طرأ له الشك فقال بنته أو بيته والمعتمد أنه البيت فقط لما ذكرنا من الروايات المصرحة بذلك وتقدم أيضا في مناقب أبي بكر أشياء تتعلق ببيت على واختصاصه بكونه بين بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

[ 4374 ] قوله حدثنا أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس نسب لجده وشيخه زهير هو بن معاوية الجعفي وشيخه بيان هو بن بشر وشيخه وبرة بفتح الواو والموحدة هو بن عبد الرحمن قوله فقال رجل كيف ترى في قتال الفتنة وقع في رواية البيهقي من وجه آخر عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه فقال له حكيم وكذا في مستخرج أبي نعيم من وجه آخر عن زهير بن معاوية والحديث المذكور مختصر من الذي قبله أو هما واقعتان كما تقدمت الإشارة إليه

قوله باب يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال الآية ساق غير أبي ذر الآية إلى يفقهون وسقط عندهم باب

[ 4375 ] قوله عن عمرو هو بن دينار قوله فكتب عليهم أن لا يفر أي فرض عليهم والسياق وأن كان بلفظ الخبر لكن المراد منه الأمر لأمرين أحدهما أنه لو كان خبرا محضا للزم وقوع خلاف المخبر به وهو محال فدل على أنه أمر والثاني لقرينه التخفيف فأنه لا يقع إلا بعد تكليف والمراد بالتخفيف هنا التكليف بالأخف لا رفع الحكم أصلا قوله أن لا يفر واحد من عشرة فقال سفيان غير مرة أن لا يفر عشرون من مائتين أي أن سفيان كان يرويه بالمعنى فتارة يقول باللفظ الذي وقع في القرآن محافظة على التلاوة وهو الأكثر وتارة يرويه بالمعنى وهو أن لا يفر واحد من العشرة ويحتمل أن يكون سمعه باللفظين ويكون التأويل من غيره ويؤيده الطريق التي بعد هذه فإن ذلك ظاهر في أنه من تصرف بن عباس وقد روى الطبري من طريق بن جريج عن عمرو بن دينار عن بن عباس قال جعل على الرجل عشرة من الكفار ثم خفف عنهم فجعل على الرجل رجلان وروى أيضا الطبري من طريق على بن أبي طلحة ومن طريق العوفي وغيرهما عن بن عباس نحوه مطولا ومختصرا قوله وزاد سفيان كأنه حدث مرة بالزيادة ومرة بدونها وقد روى بن مردويه من طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن بن عباس قال كان الرجل لا ينبغي له أن يفر من عشرة ثم أنزل الله الآن خفف الله عنكم الآية فجعل الرجل منهم لا ينبغي له أن يفر من اثنين وهذا يؤيد ما قلناه أنه من تصرف بن عباس لا بن عيينة فكأنه سمعه من عمرو بن دينار باللفظين وسأذكر ما فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى قوله قال سفيان وقال بن شبرمة هو عبد الله قاضي الكوفة وهو موصول ووهم من زعم أنه معلق فإن في رواية بن أبي عمر عن سفيان عند أبي نعيم في المستخرج قال سفيان فذكرته لابن شبرمة فذكر مثله قوله وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا أي أنه عنده في حكم الجهاد لجامع ما بينهما من إعلاء كلمة الحق وإخماد كلمة الباطل

قوله باب الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا الآية زاد غير أبي ذر إلى قوله والله مع الصابرين

[ 4376 ] قوله أخبرني الزبير بن الخربت بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة فوقانية بصري ثقة من صغار التابعين قد تقدم ذكره في كتاب المظالم ولجرير بن حازم راوي هذا الحديث عن الزبير بن الخريت شيخ آخر أخرجه بن مردويه من طريق إسحاق بن إبراهيم بن راهويه في تفسيره عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء عن بن عباس وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق زياد بن أيوب عن وهب بن جرير عن أبيه عن الزبير وهو مما يؤيد أن لجرير فيه طريقين ولفظ رواية عطاء افترض الله عليهم أن يقاتل الواحد عشرة فشق عليهم فوضع الله عنهم إلى أن يقاتل الواحد الرجلين ثم ذكر الآية وزاد بعدها ثم قال لولا كتاب من الله سبق فذكر تفسيرها ثم قال يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى فذكر قول العباس في العشرين وفي قوله فأعطاني عشرين عبدا كلهم قد تاجر بمالي مع ما أرجوه من مغفرة الله تعالى قلت وفي سند طريق عطاء محمد بن إسحاق وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة وصنيع بن إسحاق وتبعه الطبراني وابن مردويه يقتضى أنها موصولة والعلم عند الله تعالى قوله شق ذلك على المسلمين زاد الإسماعيلي من طريق سفيان بن أبي شيبة عن جرير جهد الناس ذلك وشق عليهم قوله فجاء التخفيف في رواية الإسماعيلي فنزلت الآية الأخرى وزاد ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثلهم واستدل بهذا الحديث على وجوب ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفار وتحريم الفرار عليه منهما سواء طلباه أو طلبهما سواء وقع ذلك وهو واقف في الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر وهذا هو ظاهر تفسير بن عباس ورجحه بن الصباغ من الشافعية وهو المعتمد لوجود نص الشافعي عليه في الرسالة الجديده رواية الربيع ولفظه ومن نسخة عليها خط الربيع نقلت قال بعد أن ذكر للآية آيات في كتابه أنه وضع عنهم أن يقوم الواحد بقتال العشرة وأثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الإثنين ثم ذكر حديث بن عباس المذكور في الباب وساق الكلام عليه لكن المنفرد لو طلباه وهو على غير أهبة جاز له التولى عنهما جزما وأن طلبهما فهل يحرم وجهان أصحهما عند المتأخرين لا لكن ظاهر هذه الآثار المتضافرة عن بن عباس بأباه وهو ترجمان القرآن وأعرف الناس بالمراد لكن يحتمل أن يكون ما أطلقه إنما هو في صورة ما إذا قاوم الواحد المسلم من جملة الصف في عسكر المسلمين اثنين من الكفار أما المنفرد وحده بغير العسكر فلا لأن الجهاد إنما عهد بالجماعة دون الشخص المنفرد وهذا فيه نظر فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه سرية وحده وقد استوعب الطبري وابن مردويه طرق هذا الحديث عن بن عباس وفي غالبهما التصريح بمنع تولى الواحد عن الإثنين واستدل بن عباس في بعضها بقوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله وبقوله تعالى فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك قوله فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر كذا في رواية بن المبارك وفي رواية بن جرير عن أبيه عند الإسماعيلي نقص من النصر وهذا قاله بن عباس توقيفا على ما يظهر ويحتمل أن يكون قاله بطريق الاستقراء

قوله سورة براءة هي سورة التوبة وهي أشهر أسمائها ولها أسماء أخرى تزيد على العشرة واختلف في ترك البسملة أولها افقيل لأنها نزلت بالسيف والبسملة أمان وقيل لأنهم لما جمعوا القرآن شكوا هل هي والانفال واحدة أو ثنتان ففصلوا بينهما بسطر لا كتابة فيه ولم يكتبوا فيه البسملة روى ذلك بن عباس عن عثمان وهو المعتمد وأخرجه أحمد والحاكم وبعض أصحاب السنن قوله مرصد طريق كذا في بعض النسخ وسقط للأكثر وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى واقعدوا لهم كل مرصد أي كل طريق والمراصد الطرق قوله الا الال القرابة والذمة والعهد تقدم في الجزية قوله وليجة كل شيء أدخلته في شيء تقدم في بدء الخلق وسقط هو والذي قبله لأبي ذر قوله الشقة السفر هو كلام أبي عبيدة وزاد البعيد وقيل الشقة الأرض التي يشق سلوكها قوله الخيال الفساد قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما زادوكم إلا خبالا الخبال الفساد قوله والخبال الموت كذا لهم والصواب الموتة بضم الميم وزيادة هاء في آخره وهو ضرب من الجنون قوله ولا تفتني لا توبخني كذا للأكثر بالموحدة والخاء المعجمة من التوبيخ وللمستملى والجرجاني توهني بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف ولابن السكن تؤثمني بمثلثة ثقيلة وميم ساكنة من الإثم قال عياض وهو الصواب وهي الثابتة في كلام أبي عبيدة الذي يكثر المصنف النقل عنه وأخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله ولا تفتني قال لا تؤتمنى ألا في الفتنة سقطوا ألا في الإثم سقطوا قوله كرها وكرها واحد أي بالضم والفتح وهو كلام أبي عبيدة أيضا وسقط لأبي ذر وبالضم قرأ الكوفيون حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي والباقون بالفتح قوله مدخلا يدخلون فيه قال أبو عبيدة في قوله ملجأ يلجئون إليه أو مغارات أو مدخلا يدخلون فيه ويتغيبون انتهى وأصل مدخلا فأدغم وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر بتشديد الخاء أيضا وعن بن كثير في رواية مدخلا بفتحتين بينهما سكون يجمحون يسرعون هو قول أبي عبيدة وزاد لا يرد وجوههم شيء ومنه فرس جموح قوله والمؤتفكات ائتفكت انقلبت بها الأرض قال أبو عبيدة في قوله تعالى والمؤتفكات أتتهم رسلهم هم قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم قوله أهوى ألقاه في هوة هذه اللفظة لم تقع في سورة براءة وإنما هي في سورة النجم ذكرها المصنف هذا استطرادا من قوله والمؤتفكة أهوى قوله عدن خلد الخ واقتصر أبو ذر على ما هنا قال أبو عبيدة في قوله تعالى جنات عدن أي خلد يقال عدن فلان بأرض كذا أي أقام ومنه المعدن عدنت بأرض أقمت ويقال في معدن صدق في منبت صدق قوله الخوالف الخالف الذي خلفني فقعد بعدي ومنه يخلفه في الغابرين قال أبو عبيدة في قوله مع الخالفين الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله وهو من تخلف عن القوم ومنه اللهم اخلفني في ولدي وأشار بقوله ومنه يخلفه في الغابرين إلى حديث عوف بن مالك في الصلاة على الجنازة قوله ويجوز أن يكون النساء من الخالفة وأن كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك قال أبو عبيدة في قوله رضوا بأن يكونوا مع الخوالف يجوز أن يكون الخوالف ههنا النساء ولا يكادون يجمعون الرجال على فواعل غير أنهم قد قالوا فارس وفوارس وهالك وهوالك انتهى وقد استدرك عليه بن مالك شاهق وشواهق وناكس ونواكس وداجن ودواجن وهذه الثلاثة مع الإثنين جمع فاعل وهو شاذ والمشهور في فواعل جمع فاعلة فإن كان من صفة النساء فواضح وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النساء وأن كان من صفة الرجال قالها للمبالغة يقال رجل خالفه لا خير فيه والأصل في جمعه بالنون واستدرك بعض الشراح على الخمسة المتقدمة كامل وكوامل وجانح وجوانح وغارب وغوارب وغاش وغواش ولا يرد شيء منها لأن الأولين ليسا من صفات الآدميين والآخران جمع غارب وغاشية والهاء للمبالغة إن وصف بها المذكر وقد قال المبرد في الكامل في قول الفرزدق وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرقاب نواكس الاذقان أحتاج الفرزدق لضرورة الشعر فأجرى نواكس على أصله ولا يكون مثل هذا أبدا إلا في ضرورة ولا تجمع النحاة ما كان من فاعل نعتا على فواعل لئلا يلتبس بالمؤنث ولم يأت ذا إلا في حرفين فارس وفوارس وهلك وهوالك أما الأول فإنه لا يستعمل في الفرد فأمن فيه اللبس وأما الثاني فلأنه جرى مجرى المثل يقولون هالك في الهوالك فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال قلت فظهر أن الضابط في هذا أن يؤمن اللبس أو يكثر الاستعمال أو تكون الهاء للمبالغة أو يكون في ضرورة الشعر والله أعلم وقال بن قتيبة الخوالف النساء ويقال خساس النساء ورذالتهم ويقال فلان خالفه أهله إذا كان دينا فيهم والمراد بالخوالف في الآية النساء والرجال العاجزون والصبيان فجمع جمع المؤنث تغليبا لكونهن أكثر في ذلك من غيرهن وأما قوله مع الخالفين فجمع جمع الذكور تغليبا لأنه الأصل قوله الخيرات وأحدها خيرة وهي الفواضل قال أبو عبيدة في قوله تعالى واولئك لهم الخيرات مع خيرة ومعناها الفاضلة من كل شيء قوله مرجون مؤخرون سقط هذا لأبي ذر قوله الشفا الشمير وهو حده في رواية الكشميهني وهو حرفه قوله والجرف ما تجرف من السبول والأودية قال أبو عبيدة في قوله تعالى على شفا جرف الشفا الشفير والجرف ما لم يبن من الركايا قال والآية على التمثيل لأن الذي يبني على الكفر فهو على شفا جرف وهو ما تجرف من السيول والأودية ولا يثبت البناء عليه قوله هار هاثر تهورت البئر إذا انهدمت وانهار مثله قال أبو عبيدة في قوله تعالى قار أي هاثر والعرب تنزع الياء التي في الفاعل وقيل لاقلب فيه وإنما هو بمعنى ساقط وقد تقدم شيء من هذا في في آل عمران قوله لأواه شفقا وفرقا قال الشاعر إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين قال أبو عبيدة في قوله تعالى أن إبراهيم لأواه هو فعال من التأوه ومعناه متضرع شفقا وفرقا لطاعة ربه قال الشاعر فذكره وقوله أرحلها هو بفتح الهمزة والحاء المهملة وقوله آهة بالمد للأكثر وفي رواية الأصيلي بتشديد الهاء بلا مد تنبيه هذا الشعر للثقب العبدي واسمه جحاش بن عائذ وقيل بن نهار وهو من جملة قصيدة أولها أناظم قبل بينك متعيني ومنعك ما سألت كأن تبينى ولا تعدى مواعد كاذبات تمر بها رياح الصيف دوني فإني لو تخالفني شمالي لما أتبعتها أبدا يميني ويقول فيها فأما أن تكون أخى بحق فأعرف منك غنى من سمينى وإلا فاطرحني واتخذني عدوا أتقيك وتتقيني وهي كثيرة الحكم والأمثال وكان أبو محمد بن العلاء يقول لو كان الشعر مثلها وجب على الناس أن يتعلموه

قوله باب قوله براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين أذان إعلام قال أبو عبيدة في قوله تعالى وأذان من الله ورسوله قال علم من الله وهو مصدر من قولك أذنتهم أي أعلمتهم قوله وقال بن عباس إذن يصدق وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ويقولون هو أذن يعني أنه يسمع من كل أحد قال الله قل أذن خير لكم يؤمن بالله يعني يصدق بالله وظهر أن يصدق تفسير يؤمن لا تفسير إذن كما يفهمه صنيع المصنف حيث اختصره قوله تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير وفي بعض النسخ ومثل هذا كثير أي في القرآن ويقال التزكية والزكاة الطاعة والإخلاص وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تطهرهم وتزكيهم بها قال الزكاة طاعة الله والإخلاص قوله لا يؤتون الزكاة لا يشهدون أن لا إله إلا الله وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة قال هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله وهذه الآية من تفسير فصلت ذكرها هنا استطرادا وفي تفسير بن عباس الزكاة بالطاعة والتوحيد دفع لاحتجاج من احتج بالآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قوله يضاهون يشبهون وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى يضاهون قول الذين كفروا أي يشبهون وقال أبو عبيدة المناهاة التشبيه ثم ذكر حديث البراء في آخر آية نزلت وآخر سورة نزلت فأما الآية فتقدم حديث بن عباس في سورة البقرة وأن آخر آية نزلت آية الربا ويجمع بأنهما لم ينقلاه وإنما ذكراه عن استقراء بحسب ما اطلع عليه وأولى من ذلك أن كلا منهما أراد آخرية مخصوصة وأما السورة فالمراد بعضها أو معظمها وإلا ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية وأوضح من ذلك أن أول براءة نزل عقب فتح مكة في سنة تسع عام حج أبي بكر وقد نزل اليوم أكملت لكم دينك وهي في المائدة في حجة الوداع سنة عشر فالظاهر أن المراد معظمها ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في تفسير إذا جاء نصر الله أنها آخر سورة نزلت وأذكر الجمع هناك إن شاء الله تعالى وقد قيل في آخرية نزول براءة أن المراد بعضها فقيل قوله فإن تابوا وأقاموا الصلاة الآية وقيل لقد جاءكم رسول من أنفسكم وأصح الأقوال في آخرية الآية قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله كما تقدم في البقرة ونقل بن عبد السلام آخر آية نزلت آية الكلالة فعاش بعدها خمسين يوما ثم نزلت آية البقرة والله أعلم

قوله باب فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ساق إلى الكافرين فسيحوا سيروا هو كلام أبي عبيدة بزيادة قال في قوله تعالى فسيحوا في الأرض قال سيروا وأقبلوا وأدبروا

[ 4378 ] قوله حدثني الليث عن عقيل في الرواية التي بعدها حدثني الليث حدثني عقيل ولليث فيه شيخ آخر تقدم في كتاب الحج عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس قوله عن بن شهاب وأخبرني حميد قال الكرماني بواو العطف إشعارا بأنه أخبره أيضا بغير ذلك قيل فهو عطف على مقدر قلت لم أر في طرق حديث أبي هريرة عن أبي بكر الصديق زيادة الا ما وقع في رواية شعيب عن الزهري فإن فيه كان المشركون يوافون بالتجارة فينتفع بها المسلمون فلما حرم الله على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام وجد المسلمون في أنفسهم مما قطع عنهم من التجارة فنزلت وأن خفتم عيلة الآية ثم أحل في الآية الأخرى الجزية الحديث أخرجه الطبراني وابن مردويه مطولا من طريق شعيب وهو عند المصنف في كتاب الجزية من هذا الوجه قوله أن أبا هريرة رضي الله عنه قال بعثني في رواية صالح بن كيسان عن بن شهاب في الباب الذي يليه أن أبا هريرة أخبره

قوله باب وأذان من الله ورسوله إلى قوله المشركين أورد فيه حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله من وجهين

[ 4379 ] قوله بعثني أبو بكر في تلك الحجة في رواية صالح بن كيسان التي بعد هذه الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع وروى الطبري من طريق بن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج وأمره أن يقيم للناس حجهم فخرج أبو بكر قوله يؤذنون بمنى أن لايحج بعد العام مشرك في رواية بن أخي الزهري عن عمه في أوائل الصلاة في مؤذنين أي في جماعة مؤذنين والمراد بالتأذين الإعلام وهو اقتباس من قوله تعالى واذان من الله ورسوله أي إعلام وقد وقفت ممن سمي ممن كان مع أبي بكر في تلك الحجة على أسماء جماعة منهم سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه الطبري من طريق الحكم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فلما انتهينا إلى ضجنان أتبعه عليا ومنهم جابر روى الطبري من طريق عبد الله بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه قوله أن لا يحج بفتح الهمزة وادغام النون في اللام قال الطحاوي في مشكل الآثار هذا مشكل لأن الأخبار في هذه القصة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث أبا بكر بذلك ثم أتبعه عليا فأمره أن يؤذن فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ومن معه بالتأذين مع صرف الأمر عنه في ذلك إلى على ثم أجاب بما حاصله أن أبا بكر كان الأمير على الناس في تلك الحجة بلا خلاف وكان على هو المأمور بالتأذين بذلك وكأن عليا لم يطق التأذين بذلك وحده واحتاج إلى من يعينه على ذلك فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة وغيره ليساعدوه على ذلك ثم ساق من طريق المحرر بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع على حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة فكنت أنادى معه بذلك حتى يصحل صوتي وكان هو ينادي قبلي حتى يعي وأخرجه أحمد أيضا وغيره من طريق محرر بن أبي هريرة فالحاصل أن مباشرة أبي هريرة لذلك كانت بأمر أبي بكر وكان ينادي بما يلقيه إليه على مما أمر بتبليغه قوله بعد العام أي بعد الزمان الذي وقع فيه الاعلام بذلك قوله ولا يطوف بفتح الفاء عطفا على الحج قوله قال حميد هو بن عبد الرحمن بن عوف ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي وأمره أن يؤذن ببراءة هذا القدر من الحديث مرسل لأن حميد لم يدرك ذلك ولا صرح بسماعه له من أبي هريرة لكن قد ثبت إرسال على من عدة طرق فروى الطبري من طريق أبي صالح عن علي قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ببراءة إلى أهل مكة وبعثه على الموسم ثم بعثني في أثره فأدركته فأخذتها منه فقال أبو بكر ما لي قال خير أنت صاحبي في الغار وصاحبي على الحوض غير أنه لا يبلغ عنى غيري أو رجل مني ومن طريق عمرو بن عطية عن أبيه عن أبي سعيد مثله ومن طريق العمري عن نافع عن بن عمر كذلك وروى الترمذي من حديث مقسم عن بن عباس مثله مطولا وعند الطبراني من حديث أبي رافع نحوه لكن قال فأتاه جبريل فقال أنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك وروى الترمذي وحسنه وأحمد من حديث أنس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم براءة مع أبي بكر ثم دعا عليا فأعطاها إياه وقال لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي وهذا يوضح قوله في الحديث الآخر لا يبلغ عني ويعرف منه أن المراد خصوص القصة المذكورة لا مطلق التبليغ وروى سعيد بن منصور والترمذي والنسائي والطبري من طريق أبي إسحاق عن زيد بن يثبع قال سألت عليا بأي شيء بعثت قال بأنه لا يدخل الجنة الا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مسلم مع مشرك في الحج بعد عامهم هذا ومن كان له عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فاربعة أشهر واستدل بهذا الكلام الأخير على أن قوله تعالى فسيحوا في الأرض أربعة أشهر يختص بمن لم يكن له عهد مؤقت أو لم يكن له عهد أصلا وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته فروى الطبري من طريق بن إسحاق قال هم صنفان صنف كان له عهد دون أربعة أشهر فأمهل إلى تمام أربعة أشهر وصنف كانت له مدة عهده بغير أجل فقصرت على أربعة أشهر وروى أيضا من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس أن الأربعة الأشهر أجل من كان له عهد مؤقت بقدرها أو يزيد عليها وأما من ليس له عهد فانقضاؤه إلى سلخ المحرم لقوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ومن طريق عبيدة بن سلمان سمعت الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهد ناسا من المشركين من أهل مكة وغيرهم فنزلت براءة فنبذ إلى كل أحد عهده وأجلهم أربعة أشهر ومن لا عهد له فأجله انقضاء الأشهر الحرم ومن طريق السدي نحوه ومن طريق معمر عن الزهري قال كان أول الأربعة أشهر عند نزول براءة في شوال فكان آخرها آخر المحرم فبذلك يجمع بين ذكر الأربعة أشهر وبين قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين واستبعد الطبري ذلك من حيث أن بلوغهم الخبر إنما كان عندما وقع النداء به في ذي الحجة فكيف يقال لهم سيحوا أربعة أشهر ولم يبق منها إلا دون الشهرين ثم أسند عن السدي وغير واحد التصريح بأن تمام الأربعة الأشهر في ربيع الأخر قوله أن يؤذن ببراءة يجوز فيه التنوين بالرفع على الحكاية وبالجر ويجوز أن يكون علامة الجر فتحة وهو الثابت في الروايات قوله قال أبو هريرة فأذن معنا على كذا للآكثر وفي رواية الكشميهني وحد قال أبو بكر فأذن معنا وهو غلط فاحش مخالف لرواية الجميع وإنما هو كلام أبي هريرة قطعا فهو الذي كان يؤذن بذلك وذكر عياض أن أكثر رواة الفريري وافقوا الكشميهني قال وهو غلط قوله قال أبو هريرة فأذن معنا على هو موصول بالإسناد المذكور وكأن حميد بن عبد الرحمن حمل قصة توجه على من المدينة إلى أن لحق أبا بكر عن غير أبي هريرة وحمل بقية القصة كلها عن أبي هريرة وقوله فأذن معنا على في أهل مني يوم النحر الخ قال الكرماني فيه إشكال لأن عليا كان مأمورا بأن يؤذن ببراءة فكيف يؤذن بأن لا يحج بعد العام مشرك ثم أجاب بأنه أذن ببراءة ومن جملة ما اشتملت عليه أن لا يحج بعد العام مشرك من قوله تعالى فيها إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ويحتمل أن يكون أمر أن يؤذن ببراءة وبما أمر أبو بكر أن يؤذن به أيضا قلت وفي قوله يؤذن ببراءة تجوز لأنه أمر أن يؤذن ببضع وثلاثين آية منتهاها عند قوله تعالى ولو كره المشركون فروى الطبري من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب وغيره قال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج سنة تسع وبعث عليا بثلاثين أو أربعين آية من براءة وروى الطبري من طريق أبي الصهباء قال سألت عليا عن يوم الحج الأكبر فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر يقيم للناس الحج وبعثني بعده بأربعين آية من براءة حتى آتي عرفة فخطب ثم ألتفت إلى فقال يا علي قم فأد رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت فقرأت أربعين آية من أول براءة ثم صدرنا حتى رميت الجمرة فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم لأن الجميع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة قوله وأن لا يحج بعد العام مشرك هو منتزع من قوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام ولو لم يقصدوا الحج ولكن لما كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لهم بالمنع منه فيكون ما وراءه أولى بالمنع والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله وأما ما وقع في حديث جابر فيما أخرجه الطبري وإسحاق في مسنده والنسائي والدارمي كلاهما عنه وصححه بن خزيمة وابن حبان من طريق بن جريج حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح فسمع رغوة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا على عليها فقال له أمير أر رسول فقال بلى أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرؤها على الناس فقدمنا مكة فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس بمناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم كان يوم النحر كذلك ثم يوم النفر كذلك فيجمع بأن عليا قرأها كلها في المواطن الثلاثة وأما في سائر الأوقات فكان يؤذن بالأمور المذكورة أن لا يحج بعد العام مشرك الخ وكان يستعين بأبي هريرة وغيره في الأذان بذلك وقد وقع في حديث مقسم عن بن عباس عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الحديث وفيه فقام على أيام التشريق فنادى ذمة الله وذمة رسوله بريئة من كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فكان على ينادي بها فإذا قام أبو هريرة فنادى بها وأخرج أحمد بسند حسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة مع أبي بكر فلما بلغ ذا الحليفة قال لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي فبعث بها مع على قال الترمذي حسن غريب ووقع في حديث يعلى عند أحمد لما نزلت عشر آيات من براءة بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ منه الكتاب فرجع أبو بكر فقال يا رسول الله نزل في شيء فقال لا إلا أنه لن يؤدي أو لكن جبريل قال لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك قال العماد بن كثير ليس المراد أن أبا بكر رجع من فوره بل المراد رجع من حجته قلت ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة وأما قوله عشر آيات فالمراد أولها إنما المشركون نجس

قوله

[ 4380 ] حدثني إسحاق هو بن منصور كما جزم به المزي ويعقوب بن إبراهيم أي بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وصالح هو بن كيسان وقد تقدم في أوائل الصلاة من رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن بن أخي بن شهاب عن عمه فله فيه طريقان وسياقه عن بن أخي بن شهاب موافق لسياق عقيل وأما رواية صالح فوقع في آخرها فكان حميد يقول يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة وهذه الزيادة قد أدرجها شعيب عن الزهري كما تقدم في الجزية ولفظه عن أبي هريرة بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بني لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصفر فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم مشرك انتهى وقوله يوم الحج الأكبر يوم النحر هو قول حميد بن عبد الرحمن استنبطه من قوله تعالى وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ومن مناداة أبي هريرة بذلك بأمر أبي بكر يوم النحر فدل على أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر وسياق رواية شعيب يوهم أن ذلك مما نادى به أبو بكر وليس كذلك فقد تضافرت الروايات عن أبي هريرة بأن الذي كان ينادي به هو ومن معه من قبل أبي بكر شيآن منع حج المشركين ومنع طواف العريان وأن عليا أيضا كان ينادي بهما وكان يزيد من كان له عهد فعهده إلى مدته وأن لا يدخل الجنة إلا مسلم وكأن هذه الأخيرة كالتوطئة لأن لا يحج البيت مشرك وأما التي قبلها فهي التي احتض على بتبليغها ولهذا فإن العلماء أن الحكمة في إرسال على بعد أبي بكر أن عادة العرب جرت بأن لا ينفض العهد إلا من عقده أو من هو منه بسبيل من أهل بيته فأجراهم ذلك على عادتهم ولهذا قال لا يبلغ عنى إلا أنا أو رجل من أهلي بيتي وروى أحمد والنسائي من طريق محرر بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع على حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ببراءة فكنا ننادى أن لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله أربعة أشهر فإذا مضت فإن الله برئ من المشركين ورسوله ولا يحج بعد العام مشرك فكنت أنادى حتى صحل صوتي وقوله وإنما قبل الأكبر الخ في حديث بن عمر عند أبي داود وأصله في هذا الصحيح رفعه أي يوم هذا قالوا هذا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر واختلف في المراد بالحج الأصغر فالجمهور على أنه العمرة وصل ذلك عبد الرزاق من طريق عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين ووصله الطبري عن جماعة منهم عطاء والشعبي وعن مجاهد الحج الأكبر القرآن والأصغر الإفراد وقيل يوم الحج الأصغر يوم عرفة ويوم الحج الأكبر يوم النحر لأن فيه تتكمل بقية المناسك وعن الثوري أيام الحج تسمى يوم الحج الأكبر كما يقال يوم الفتح وأيده السهيلي بأن عليا أمر بذلك في الأيام كلها وقيل لأن أهل الجاهلية كانوا يقفون بعرفة وكانت قريش تقف بالمزدلفة فإذا كان صبيحة النحر وقف الجميع بالمزدلفة فقيل له الأكبر لاجتماع الكل فيه وعن الحسن سمي بذلك لاتفاق حج جميع الملل فيه وروى الطبري من طريق أبي جحيفة وغيره أن يوم الحج الأكبر يوم عرفة ومن طريق سعيد بن جبير أنه النحر واحتج بأن يوم التاسع وهو يوم عرفة إذا انسلخ قبل الوقوف لم يفت الحج بخلاف العاشر فإن الليل إذا انسلخ قبل الوقوف فات وفي رواية الترمذي من حديث على مرفوعا وموقوفا يوم الحج الأكبر يوم النحر ورجح الموقوف وقوله فنبذ أبو بكر الخ هو أيضا مرسل من قول حميد بن عبد الرحمن والمراد أن أبا بكر أفصح لهم بذلك وقيل إنما لم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ أبي بكر عنه ببراءة لأنها تضمنت مدح أبي بكر فأراد أن يسمعوها من غير أبي بكر وهذه غفلة من قائله حمله عليها ظنة أن المراد تبليغ براءة كلها وليس الأمر كذلك لما قدمناه وإنما أمر بتبليغه منها أوائلها فقط وقد قدمت حديث جابر وفيه أن عليا قرأها حتى ختمها وطريق الجمع فيه واستدل به على أن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة على خلاف المنقول عن مجاهد وعكرمة بن خالد وقد قدمت النقل عنهما بذلك في المغازي ووجه الدلالة أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر في تلك الحجة يوم النحر وهذا لا حجة فيه لأن قول مجاهد إن ثبت فالمراد بيوم النحر الذي هو صبيحة يوم الوقوف سواء كان الوقوف وقع في ذي القعدة أو في ذي الحجة نعم روى بن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانوا يجعلون عاما شهرا وعاما شهرين يعني يحجون في شهر واحد مرتين في سنتين ثم يحجون في الثالث في شهر آخر غيره قال فلا يقع الحج في أيام الحج إلا في كل خمس وعشرين سنة فلما كان حج أبي بكر وافق ذلك العام شهر الحج فسماه الله الحج الأكبر تنبيه اتفقت الروايات على أن حجة أبي بكر كانت سنة تسع ووقع في حديث لعبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في قول براءة من الله ورسوله قال لما كان زمن خيبر اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ثم أمر أبا بكر الصديق على تلك الحجة قال الزهري وكان أبو هريرة يحدث أن أبا بكر أمره أن يؤذن ببراءة ثم أتبع النبي صلى الله عليه وسلم عليا الحديث قال الشيخ عماد الدين بن كثير هذا فيه غرابة من جهة أن الأمير في سنة عمرة الجعرانة كان عتاب بن أسيد وأما حجة أبي بكر فكانت سنة تسع قلت يمكن رفع الإشكال بان المراد بقوله ثم أمر أبا بكر يعني بعد أن رجع إلى المدينة وطوى ذكر من ولي الحج سنة ثمان فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من العمرة إلى الجعرانة فأصبح بها توجه هو ومن معه إلى المدينة إلى أن جاء أوان الحج فأمر أبا بكر وذلك سنة تسع وليس المراد أنه أمر أبا بكر أن يحج في السنة التي كانت فيها عمرة الجعرانة وقوله على تلك الحجة يريد الآتية بعد رجوعهم إلى المدينة

قوله باب قوله تعالى فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم قرأ الجمهور بفتح الهمزة من أيمان أي لا عهود لهم وعن الحسن البصري بكسر الهمزة وهي قراءة شاذة وقد روى الطبري من طريق عمار بن ياسر وغيره في قوله إنهم لا أيمان لهم أي لا عهد لهم وهذا يؤيد قراءة الجمهور

[ 4381 ] قوله حدثنا يحيي هو بن سعيد وإسماعيل هو بن أبي خالد قوله ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة هكذا وقع مبهما ووقع عند الإسماعيلي من رواية بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد بلفظ وما بقي من المنافقين من أهل هذه الآية لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية إلا أربعة نفر إن أحدهم لشيخ كبير قال الإسماعيلي إن كانت الآية ما ذكر في خبر بن عيينة فحق هذا الحديث أن يخرج في سورة الممتحنة انتهى وقد وافق البخاري على إخراجها عند آية براءة النسائي وابن مردويه فأخرجاه من طرق عن إسماعيل وليس عند أحد منهم تعيين الآية وانفرد بن عيينة بتعيينها إلا أن عند الإسماعيلي من رواية خالد الطحان عن إسماعيل في آخر الحديث قال إسماعيل يعني الذين كاتبوا المشركين وهذا يقوي رواية بن عيينة وكأن مستند من أخرجها في آية براءة ما رواه الطبري من طريق حبيب بن حسان عن زيد بن وهب قال كنا عند حذيفة فقرأ هذه الآية فقاتلوا أئمة الكفر قال ما قوتل أهل هذه الآية بعد ومن طريق الأعمش عن زيد بن وهب نحوه والمراد بكونهم لم يقاتلوا أن قتالهم لم يقع لعدم وقوع الشرط لأن لفظ الآية وأن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا فلما لم يقع منهم نكث ولا طعن لم يقاتلوا وروى الطبري من طريق السدي قال المراد بأئمة الكفر كفار قريش ومن طريق الضحاك قال أئمة الكفر رؤوس المشركين من أهل مكة قوله الا ثلاثة سمي منهم في رواية أبي بشر عن مجاهد أبو سفيان بن حرب وفي رواية معمر عن قتادة أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وأبو سفيان وسهيل بن عمرو وتعقب بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر وإنما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة وهو حي فيصح في أبي سفيان وسهيل بن عمرو وقد أسلما جميعا قوله ولا من المنافقين إلا أربعة لم أقف على تسميتهم قوله فقال أعرابي لم أقف على اسمه قوله إنكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بنصب أصحاب على الماء مع حذف الأداة أو هو بدل من الضمير في إنكم قوله تخبروننا فلا ندري كذا وقع في رواية الإسماعيلي وتخبروننا عن أشياء قوله يبقرون بموحدة ثم قاف أي ينقبون قال الخطابي وأكثر ما يكون النقر في الخشب والصخور يعني بالنون قوله أعلاقنا بالعين المهملة والقاف أي نفائس أموالنا وقال بن التين وجدته في بعض الروايات مضبوطا بالغين المعجمة ولا وجه له انتهى ووجد في نسخة الدمياطي بخطة بالغين المعجمة أيضا ذكره شيخنا بن الملقن ويمكن توجيهه بأن الاغلاق جمع علق بفتحتين وهو الباب الذي يغلق على البيت ويفتح بالمفتاح ويطلق الغلق على الحديدة التي تجعل في الباب ويعمل فيها القفل فيكون قوله ويسرقوا أغلاقنا إما على الحقيقة فإنه إذا تمكن من سرقة الغلق توصل إلى فتح الباهلي أو فيه مجاز الحذف أي يسرقون ما في أغلاقنا قوله أولئك الفساق أي الذين يبقرون ويسرقون لا الكفار ولا المنافقون قوله أحدهم شيخ كبير لم أقف على تسميته قوله لو شرب الماء البارد لما وجد برده أي لذهاب شهوته وفساد معدته فلا يفرق بين الألوان ولا الطموم

قوله باب قوله والذين يكنزون الذهب والفضة الآية

[ 4382 ] قوله يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أفرع كذا أورده مختصرا وهو عند أبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي اليمان وزاد يفر منه صاحبه ويطلبه أنا كنزك فلا يزال به حتى يلقمه إصبعه وكذا أخرجه النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب وقد تقدم من وجه آخر عن أبي هريرة في كتاب الزكاة مع شرح الحديث ثم ذكر حديث أبي ذر في قصته مع معاوية في تأويل قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله وقد تقدم في الزكاة أيضا مع شرحه قوله باب قوله عز وجل يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها الآية

[ 4384 ] قوله وقال أحمد بن شبيب كذا أورده مختصرا وتقدم بأتم منه في كتاب الزكاة مع شرحه

قوله باب قوله أن عدة المشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض أي أن الله سبحانه وتعالى لما ابتدأ خلق السماوات والأرض جعل السنة أثنى عشرا شهرا قوله منها أربعة حرم قد ذكر تفسيرها في حديث الباب قوله ذلك الدين القيم قال أبو عبيدة في قوله ذلك الدين القيم مجازه القائم أي المستقيم فخرج مخرج سيد من ساد يسود كقام يقوم قوله فلا تظلموا فيهن أنفسكم أي في الأربعة باستحلال القتال وقيل بارتكاب المعاصي

[ 4385 ] قوله ان الزمان قد استدار كهيئته تقدم الكلام عليه في أوائل بدء الخلق وأن المراد بالزمان السنة وقوله كهيئته أي استدار استدارة مثل حالته ولفظ الزمان يطلق على قليل الوقت وكثيره والمراد باستدارته وقوع تاسع ذي الحجة في الوقت الذي حلمت فيه الشمس برج الحمل حيث يستوي الليل والنهار ووقع في حديث بن عمر عند بن مردويه أن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض قوله السنة اثنا عشر شهرا أي السنة العربية الهلالية وذكر الطبرى في سبب ذلك من طريق حصين بن عبد الرحمن عن أبي مالك كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا ومن وجه آخر كانوا يجعلون السنة اثني عشر شهرا وخمسة وعشرين يوما فتدور الأيام والشهور كذلك قوله ثلاث متواليات هو تفسير الأربعة الحرم قال بن التين الصواب ثلاثة متوالية يعني لأن المميز الشهر قال ولعله أعاده علىالمعنى أي ثلاث مدد متواليات انتهى أو باعتبار العدة مع أن الذي لا يذكر التمييز معه يجوز فيه التذكير والتأنيث وذكرها من سنتين لمصلحة التوالى بين الثلاثة وإلا فلو بدأ بالمحرم لفات مقصود التوالى وفيه إشارة إلى إبطال ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من تأخير بعض الأشهر الحرم فقيل كانوا يجعلون المحرم صفرا ويجعلون صفرا المحرم لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يتعاطون فيها القتال فذلك قال متواليات وكانوا في الجاهلية على أنحاء منهم من يسعى المحرم صفرا فيحل فيه القتال ويحرم القتال في صفر ويسميه المحرم ومنهم من كان يجعل ذلك سنة هكذا وسنة هكذا ومنه من يجعله سنتين هكذا وسنتين هكذا ومنهم من يؤخر صفرا إلى ربيع الأول وربيعا إلى ما يليه وهكذا إلى أن يصير شوال ذا القعدة وذو القعدة ذا الحجة ثم يعود فيعيد العدد على الأصل قوله ورجب مضر إضافة إليهم لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه بخلاف غيرهم فيقال إن ربيعة كانوا يجعلون بدله رمضان وكان من العرب من يحمل في رجب وشعبان ما ذكر في المحرم وصفر فيحلون رجبا ويحرمون شعبان ووصفه بكونه بين جمادى وشعبان تأكيدا وكان أهل الجاهلية قد نسئوا بعض الأشهر الحرم أي اخروها فيحلون شهر حراما ويحرمون مكانه آخر بدله حتى رفض تخصيص الأربعة بالتحريم أحيانا ووقع تحريم أربعة مطلقة من السنة فمعنى الحديث أن الأشهر رجعت إلى ما كانت عليه وبطل النسىء وقال الخطابي كانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل والتحريم والتقديم والتأخير لأسباب تعرض لهم منها استعجال الحرب فيستحلون الشهر الحرام ثم يحرمون بدله شهرا غيره فتتحول في ذلك شهور السنة وتتبدل فإذا أتى على ذلك عدة من السنين استدار الزمان وعاد الأمر إلى أصله فاتفق وقوع حجة النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك تنبيه أبدى بعضهم لما استقر عليه الحال من ترتيب هذه الأشهر الحرم مناسبة لطيفة حاصلها أن الاشهر الحرم مزية على ما عداها فناسب أن يبدأ بها العام وأن تتوسطه وأن تختم به وإنما كان الختم بشهرين لوقوع الحج ختام الأركان الأربع لأنها تشتمل على عمل مال محض وهو الزكاة وعمل بدن محض وذلك تارة يكون بالجوارح وهو الصلاة وتارة بالقلب وهو الصوم لأنه كف عن المفطرات وتارة عمل مركب من مال وبدن وهو الحج فلما جمعهما ناسب أن يكون له ضعف ما لواحد منهما فكان له من الأربعة الحرم شهران والله أعلم

قوله باب قوله ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا أي ناصرنا قال أبو عبيدة في قوله تعالى أن الله معنا أي ناصرنا وحافظنا قوله السكينة فعيلة من السكون هو قول أبي عبيدة أيضا

[ 4387 ] قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي وهو المذكور في جميع أحاديث الباب إلا الطريق الأخير وفي شيوخه عبد الله بن محمد جماعة منهم أبو بكر بن أبي شيبة ولكن حيث يطلق ذلك فالمراد به الجعفي لاختصاصه به وإكثاره عنه وحبان بفتح أوله ثم الموحدة الثقيلة هو بن هلال وقد تقدم الحديث مع شرحه في مناقب أبي بكر قوله حين وقع بينه وبين بن الزبير أي بسبب البيعة وذلك أن بن الزبير حين مات معاوية أمتنع من البيعة ليزيد بن معاوية وأصر على ذلك حتى أغرى يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة بالمدينة فكانت وقعة الحرة ثم توجه الجيش إلى مكة فمات أميرهم مسلم بن عقبة وقام بأمر الجيش الشامي حصين بن نمير فحصر بن الزبير بمكة ورموا الكعبة بالمنجنيق حتى احترقت ففجأهم الخبر بموت يزيد بن معاوية فرجعوا إلى الشام وقام بن الزبير في بناء الكعبة ثم دعا إلى نفسه فبويع بالخلافة وأطاعه أهل الحجاز ومصر والعراق وخراسان وكثير من أهل الشام ثم غلب مروان على الشام وقتل الضحاك بن قيس الأمير من قبل بن الزبير بمرج راهط ومضى مروان إلى مصر وغلب عليها وذلك كله في سنة أربع وستين وكمل بناء الكعبة في سنة خمس ثم مات مروان في سنة خمس وستين وقام عبد الملك بن مقامه وغلب المختار بن أبي عبيد على الكوفة ففر منه من كان من قبل بن الزبير وكان محمد بن على بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية وعبد الله بن عباس مقيمين بمكة منذ قتل الحسين فدعاهما بن الزبير إلىالبيعة له فامتنعا وقالا لا نبايع حتى يجتمع الناس على خليفة وتبعهما جماعة على ذلك فشدد عليهم بن الزبير وحصرهم فبلغ المختار فجهز إليهم جيشا فأخرجوهما واستأذنوهما في قتال بن الزبير فامتنعا وخرجا إلى الطائف فأقاما بها حتى مات بن عباس سنة ثمان وستين ورحل بن الحنفية بعده إلى جهة رضوى جبل بينبع فأقام هناك ثم أراد دخول الشام فتوجه إلى نحو أيلة فمات في آخر سنة ثلاث أو أول سنة أربع وسبعين وذلك عقب قتل بن الزبير على الصحيح وقيل عاش إلى سنة ثمانين أو بعد ذلك وعند الوافدي أنه مات بالمدينة سنة إحدى وثمانين وزعمت الكيسانية أنه حي لم يمت وأنه المهدي وأنه لا يموت حتى يملك الأرض في خرافات لهم كثيرة ليس هذا موضعها وإنما لخصت ما ذكرته من طبقات بن سعد وتاريخ الطبري وغيره لبيان المراد بقول بن أبي مليكة حين وقع بينه وبين بن الزبير ولقوله في الطريق الأخرى فغدوت على بن عباس فقلت أتريد أن تقاتل بن الزبير وقول بن عباس قال الناس بايع لابن الزبير فقلت وأين بهذا الأمر عنه أي أنه مستحق لذلك لما له من المناقب المذكورة ولكن أمتنع بن عباس من المبايعة له لما ذكرناه وروى الفاكهي من طريق سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال كان بن عباس وابن الحنفية بالمدينة ثم سكنا مكة وطلب منهما بن الزبير البيعة فأبيا حتى يجتمع الناس على رجل فضيق عليهما فبعث رسولا إلى العراق فخرج إليهما جيش في أربعة آلاف فوجدوهما محصورين وقد أحضر الحطب فجعل على الباب يخوفهما بذلك فأخرجوهما إلى الطائف وذكر بن سعد أن هذه القصة وقعت بين بن الزبير وابن عباس في سنة ست وستين قوله وأمه أسماء أي بنت أبي بكر الصديق وقوله وجدته صفية أي بنت عبد المطلب وقوله في الرواية الثانية وأما عمته فزوج النبي صلى الله عليه وسلم يريد خديجة أطلق عليها عمته تجوزا وإنما هي عمة أبيه لألها خديجة بنت خويلد أي بن أسد والزبير هو بن العوام بن خويلد بن أسد وكذا تجوز في الرواية الثالثة حيث قال بن أبي بكر وإنما هو بن بنته وحيث قال بن أخي خديجة وإنما هو بن بن أخيها العوام قوله فقلت لسفيان إسناده بالنصب أي أذكر إسناده أو بالرفع أي ما إسناده فقال حدثنا فشغله إنسان ولم يقل بن جريج ظاهر هذا أنه صرح له بالتحديث لكن لما لم يقل بن جريج احتمل أن يكون أراد أن يدخل بينهما واسطة واحتمل عدم الواسطة ولذلك استظهر البخاري بإخراج الحديث من وجه آخر عن بن جريج ثم من وجه آخر عن شيخه قوله في الطريق الثانية حجاج هو بن محمد المصيصي قوله قال بن أبي مليكة وكان بينهما شيء كذا أعاد الضمير بالتثنية على غير مذكور اختصارا ومراده بن عباس وابن الزبير وهو صريح في الرواية الأولى حيث قال قال بن عباس حين وقع بينه وبين بن الزبير قوله فتحل ما حرم الله أي من القتال في الحرم قوله كتب أي قدر قوله محلين أي أنهم كانوا يبيحون القتال في الحرم وإنما نسب بن الزبير إلى ذلك وأن كان بنو أمية هم الذين ابتدؤه بالقتال وحصروه وإنما بدأ منه أولا دفعهم عن نفسه لأنه بعد أن ردهم الله عنه حصر بني هاشم ليبايعوه فشرع فيما يؤذن بإباحته القتال في الحرم وكان بعض الناس يسمى بن الزبير المحل لذلك قال الشاعر يتغزل في أخته رملة ألا من لقلب معنى غزل يحب المحلة أخت المحل وقوله لا أحله أبدا أي لا أبيح القتال فيه وهذا مذهب بن عباس أنه لا يقاتل في الحرم ولو قوتل فيه قوله قال قال الناس القائل هو بن عباس ونافل ذلك عنه بن أبي مليكة فهو متصل والمراد بالناس من كان من جهة بن الزبير وقوله بايع بصيغة الأمر وقوله وأين بهذا الأمر أي الخلافة أي ليست بعيدة عنه لما له من الشرف بأسلافه الذين ذكرهم ثم صفته التي أشار إليها بقوله عفيف في الإسلام قارىء للقرآن وفي رواية بن قتيبة من طريق محمد بن الحكم عن عوانة ومن طريق يحيى بن سعد عن الأعمش قال قال بن عباس لما قيل له بايع لابن الزبير أين المذهب عن بن الزبير وسيأتي الكلام على قوله في الرواية الثانية بن أبي بكر في تفسير الحجرات قوله والله إن وصلونى وصلونى من قريب أي بسبب القرابة قوله وأن ربوني بفتح الراء وضم الموحدة الثقيلة من التربية قوله ربوني في رواية الكشميهني ربني بالافراد وقوله أكفاء أي أمثال وأحدها كفء وقوله كرام أي في أحسابهم وظاهر هذا أن مراد بن عباس بالمذكورين بنو أسد رهط بن الزبير وكلام أبي مخنف الأخباري يدل على أنه أراد بني أمية فأنه ذكر من طريق أخرى أن بن عباس لما حضرته الوفاة بالطائف جمع بنيه فقال يا بني إن بن الزبير لما خرج بمكة شددت أزره ودعوت الناس إلى بيعته وتركت بني عمنا من بني أمية الذين إن قبلونا قبلونا أكفاء وأن ربونا ربونا كراما فلما أصاب ما أصاب جفائي ويؤيد هذا ما في آخر الرواية الثالثة حيث قال وأن كان لا بد لأن يربنى بنو عمي أحب إلى من أن يربني غيرهم فإن بني عمه هم بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف لأنهم من بني عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فعبد المطلب جد عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن عم أمية جد مروان بن الحكم بن أبي العاص وكان هاشم وعبد شمس شقيقين قال الشاعر عبد شمس كان يتلو هاشما وهما بعد لأم ولأب وأصرح من ذلك ما في خبر أبي مخنف فإن في آخره أن بن عباس قال لبنيه فإذا دفنتموني فالحقوا ببني عمكم بني أمية ثم رأيت بيان ذلك واضحا فيما أخرجه بن أبي خيثمة في تاريخه في الحديث المذكور فإنه قال بعد قوله ثم عفيف في الإسلام قارىء للقرآن وتركت بني عمي إن وصلوني وصلوني عن قريب أي اذعنت له وتركت بني عمي فآثر على غيري وبهذا يستقيم الكلام وأصرح من ذلك في رواية بن قتيبة المذكورة أن بن عباس قال لابنه على الحق بابن عمك فإن أنفك منك وأن كان أجدع فلحق على بعبد الملك فكان آثر الناس عنده قوله فآثر على بصيغة الفعل الماضي من الأثرة ووقع في رواية الكشميهني فأين بتحتانية ساكنة ثم نون وهو تصحيف وفي رواية بن قتيبة المذكورة فشددت على عضدة فآثر على فلم أرض بالهوان قوله التويتات والاسامات والحميدات يريد أبطنا من بني أسد أما التويتات فنسبة إلى بني تويت بن أسد ويقال تويت بن الحارث بن عبد العزي بن قصي وأما الاسامات فنسبة إلى بني أسامة بن أسد بن عبد العزى وأما الحميدات فنسبة إلى بني حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزي قال الفاكهي حدثنا الزبير بن كبار عن محمد بن الضحاك في آخرين أن زهير بن الحارث دفن في الحجر قال وحدثنا الزبير قال كان حميد بن زهير أول من بني بمكة بيتا مربعا وكانت قريش تكره ذلك لمضاهاة الكعبة فلما بني حميد بيته قال قاتلهم اليوم يبني لحميد بيته إما حياته وأما موته فلما لم يصبه شيء تابعوه على ذلك وتجتمع هذه الأبطن مع خويلد بن أسد جد بن الزبير قال الأزرقي كان بن الزبير إذا دعا الناس في الإذن بدأ ببني أسد على بني هاشم وبني عبد شمس وغيرهم فهذا معنى قول بن عباس فآثر على التويتات الخ قال فلما ولي عبد الملك بن مروان قدم بني عبد شمس ثم بني هاشم وبني المطلب وبني نوفل ثم أعطى بني الحارث بن فهر قبل بني أسد وقال لأقدمن علهيم أبعد بطن من قريش فكان يصنع ذلك مبالغة منه في مخالفة بن الزبير وجمع بن عباس البطون المذكورة جمع القلة تحقيرا لهم قوله يريد ابطنا من بني أسد بن تويت كذا وقع وصوابه يريد أبطنا من بني تويت بن أسد الخ نبه على ذلك عياض قلت وكذا وقع في مستخرج أبي نعيم على الصواب وفي رواية أبي مخنف المذكورة أفخاذا صغارا من بني أسد بن عبد العزي وهذا صواب قوله أن بن أبي العاص يعني عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص قوله برز أي ظهر قوله يمشى القدمية بضم القاف وفتح الدال وقد تضم أيضا وقد تسكن وكسر الميم وتشديد التحتانية قال الخطابي وغيره معناها التبختر وهو مثل يريد أنه برز يطلب معالى الأمور قال بن الأثير الذي في البخاري القدمية وهي التقدمة في الشرف والفضل والذي في كتب الغريب القديمة بزيادة تحتانية في أوله ومعناها التقدمة في الشرف وقيل التقدم بالهمة والفعل قلت وفي رواية أبي مخنف مثل ما وقع في الصحيح قوله وأنه لوسى ذنبه يعني بن الزبير لوي بتشديد الواو وبتخفيفها أي ثناه وكنى بذلك عن تأخره وتخلفه عن معالي الأمور وقيل كنى به عن الجبن وإيثار الدعة كما تفعل السباع إذا أرادت النوم والأول أولى وفي مثله قال الشاعر مشى بن الزبير القهقرى وتقدمت أمية حتى أحرزوا القصبات وقال الداودي المعنى أنه وقف فلم يتقدم ولم يتأخر ولا وضع الأشياء مواضعها فأدنى الناصح وأقصى الكاشح وقال بن التين معنى لوي ذنبه لم يتم له ما أراده وفي رواية أبي مخنف المذكورة وأن بن الزبير يمشي القهقرى وهو المناسب لقوله في عبد الملك يمشى القدمية وكان الأمر كما قال بن عباس فإن عبد الملك لم يزل في تقدم من أمره إلى أن استنقذ العراق من بن الزبير وقتل أخاه مصعبا ثم جهز العساكر إلى بن الزبير بمكة فكان من الأمر ما كان ولم يزل أمر بن الزبير في تأخر إلى أن قتل رحمه الله تعالى قوله في الرواية الثالثة

[ 4389 ] عن عمر بن سعيد أي بن أبي حسين المكي وقوله لأحاسبن نفسي أي لاناقشنها في معونته ونصحه قاله الخطابي وقال الداودي معناه لذكرن من مناقبه ما لم أذكر من منافيهما وإنما صنع بن عباس ذلك لاشتراك الناس في معرفة مناقب أبي بكر وعمر بخلاف بن الزبير فما كانت مناقبه في الشهرة كمناقبهما فأظهر ذلك بن عباس وبينه للناس انصافا منه له فلما لم ينصفه هو رجع عنه قوله فإذا هو يتعلى عنى أي يترفع على متنحيا عنى قوله ولا يريد ذلك أي لا يريد أن أكون من خاصته وقوله ما كنت أظن أني أعرض هذا من نفسي أي أبدؤه بالخضوع له ولا يرضى منى بذلك وقوله وما أراه يريد خيرا أي لا يريد أن يصنع بن خيرا وفي رواية الكشميهني وإنما أراه يريد خيرا وهو تصحيف ويوضحه ما تقدم وقوله لأن يربني أي يكون على ربا أي أميرا أو ربه بمعنى رباه وقام بأمره وملك تدبيره قال التيمي معناه لأن أكون في طاعة بني أمية أحب إلى من أن أكون في طاعة بني أسد لأن بني أمية أقرب إلى بني هاشم من بني أسد كما تقدم والله أعلم

قوله باب قوله والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب قال مجاهد يتألفهم بالعطية وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد وسقط قوله وفي الرقاب من غير رواية أبي در وهو أوجه إذ لم يذكر ما يتعلق بالرقاب ثم ذكر حديث أبي سعيد إلى بعث النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فقسمه بين أربعة وقال أتألفهم فقال رجل ما عدلت أورده مختصرا جدا وأيهم الباعث والمبعوث وتسمية الأربعة والرجل القائل وقد تقدم بيان جميع ذلك في غزوة حنين من المغازي

قوله باب قوله الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات يلمزون يعيبون سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في الزكاة قوله جهدهم وجهدهم طافتهم قال أبو عبيدة في قوله والذين لا يجدون الا جهدهم مضموم ومفتوح سواء ومعناه طاقتهم يقال جهد المقل وقال الفراء الجهد بالضم لغة أهل الحجاز ولغة غيرهم الفتح وهذا هو المعتمد عند أهل العلم باللسان قاله الطبري وحكى عن بعضهم أن معناهما مختلف قيل بالفتح المشقة وبالضم الطاقة وقيل غير ذلك

[ 4391 ] قوله عن سليمان هو الأعمش وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو البدري قوله لما أمرنا بالصدقة تقدم في الزكاة بلفظ لما نزلت آية الصدقة وقد تقدم بيانه هناك قوله كنا نتحامل أي يحمل بعضنا لبعض بالأجرة وقد تقدم في الزكاة من وجه آخر عن شعبة بلفظ تحامل أي نؤاجر أنفسنا في الحمل وتقدم بيان الاختلاف في ضبطه وقال صاحب المحكم تحامل في الأمر أي تكلفة على مشقة ومنه تحامل على فلان أي كلفه ما لا يطيق قوله فجاء أبو عقيل بنصف صاع اسم أبي عقيل هذا وهو بفتح أوله حجاب بمهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره مثلها ذكره عبد بن حميد والطبري وابن منده من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال في قوله تعالى الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات قال جاء رجل من الأنصار يقال له الحجاب أبو عقيل فقال يا نبي الله بت أجر الجرير على صاعين من تمر فأما صاع فأمسكته لأهلى وأما صاع فها هو ذا فقال المنافقون أن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل فنزلت وهذا مرسل ووصله الطبراني والبارودى والطبري من طريق موسى بن عبيدة عن خالد بن يسار عن بن أبي عقيل عن أبيه بهذا ولكن لم يسموه وذكر السهيلي أنه رآه بخط بعض الحفاظ مضبوطا بجيمين وروى الطبراني في الأوسط وابن منده من طريق سعيد بن عثمان البلوي عن جدته بنت عدي أن أمها عميرة بنت سهل بن رافع صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون خرج بزكاته صاع تمر وبابنته عميرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لهما بالبركة وكذا ذكر بن الكلبي أن سهل بن رافع هو صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون وروى عبد بن حميد من طريق عكرمة قال في قوله تعالى والذين لا يجدون إلا جهدهم هو رفاعة بن سهل ووقع عند بن أبي حاتم رفاعة بن سعد فيحتمل أن يكون تصحيفا ويحتمل أن يكون اسم أبي عقيل سهل ولقبه حبحاب أو هما اثنان وفي الصحابة أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة البلوي بدري لم يسمه موسى بن عقبة ولا بن إسحاق وسماه الواقدي عبد الرحمن قال واستشهد باليمامة وكلام الطبري يدل على أنه هو صاحب الصاع عنده وتبعه بعض المتأخرين والأول أولى وقيل هو عبد الرحمن بن سمحان وقد ثبت في حديث كعب بن مالك في قصة توبته قال وجاء رجل يزول به السراب فقال النبي صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة وهو صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون واسم أبي خيثمة هذا عبد الله بن خيثمة من بني سالم من الأنصار فهذا يدل على تعدد من جاء بالصاع ويؤيد ذلك أن أكثر الروايات فيها أنه جاء بصاع وكذا وقع في الزكاة فجاء رجل فتصدق بصاع وفي حديث الباب فجاء أبو عقيل بنصف صاع وجزم الواقدي بأن الذي جاء بصدقة ماله هو زيد بن أسلم العجلاني والذي جاء بالصاع هو علية بن زيد المحاربي وسمي من الذين قالوا إن هذا مراء وأن الله غنى عن صدقة هذا معتب بن قشير وعبد الله بن نبتل وأورده الخطيب في المبهمات من طريق الواقدي وفيه عبد الرحمن بن نبتل وهو بنون ثم موحدة ثم مثناة ثم لام بوزن جعفر وسيأتي أيضا ما يدل على تعدد من جاء بأكثر من ذلك قوله وجاء انسان بأكثر منه تقدم في الزكاة بلفظ وجاء رجل بشيء كثير وروى البزار من طريق عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا قال فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال يا رسول الله عندي أربعة آلاف ألفين أقرضهما ربي وألفين أمسكهما لعيالى فقال بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت قال وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر الحديث قال البزار لم يسنده إلا طالوت بن عباد عن أبي عوانة عن عمر قال وحدثناه أبو كامل عن أبي عوانة فلم يذكر أبا هريرة فيه وكذلك أخرجه عبد بن حميد عن يونس بن محمد عن أبي عوانه وأخرجه بن أبي حاتم والطبري وابن مردويه من طرق أخرى عن أبي عوانة مرسلا وذكره بن إسحاق في المغازي بغير إسناد وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن أبي كثير ومن طريق سعيد عن قتادة وابن أبي حاتم من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة والمعنى واحد قال وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة يعني في غزوة تبوك فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف فقال يا رسول الله مالي ثمانية آلاف جئتك بنصفها وأمسكت نصفها فقال بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر وجاء أبو عقيل بصاع من تمر الحديث وكذا أخرجه الطبري من طريق العوفي عن بن عباس نحوه ومن طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب بمعناه وعند عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس قال جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعمائة أوقية من ذهب فقال أن لي ثمانمائة أوقية من ذهب الحديث وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة فقال ثمانية آلاف دينار ومثله لابن أبي حاتم من طريق مجاهد وحكى عياض في الشفاء أنه جاء يومئذ بتسعمائة بعير وهذا اختلاف شديد في القدر الذي أحضره عبد الرحمن بن عوف وأصح الطرق فيه ثمانية آلاف درهم وكذلك أخرجه بن أبي حاتم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أو غيره والله أعلم ووقع في معاني الفراء أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الناس على الصدقة فجاء عمر بصدقة وعثمان بصدقة عظيمة وبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني عبد الرحمن بن عوف ثم جاء أبو عقيل بصاع من تمر فقال المنافقون ما أخرج هؤلاء صدقاتهم إلا رياء وأما أبو عقيل فإنما جاء بصاعه ليذكر بنفسه فنزلت ولابن مردويه من طريق أبي سعيد فجاء عبد الرحمن بن عوف بصدقته وجاء المطوعون من المؤمنين الحديث قوله فنزلت الذين يلمزون المطوعين قراءة الجمهور بتشديد الطاء والواو وأصله المتطوعين فأدغمت التاء في الطاء وهم الذين يغزون بغير استعانة برزق من سلطان أي غيره وقوله والذين لا يجدون إلا جهدهم معطوف على المطوعين وأخطأ من قال إنه معطوف على الذين يلمزون لاستلزامه فساد المعنى وكذا من قال معطوف على المؤمنين لأنه يفهم منه أن الذين لا يجدون إلا جهدهم ليسوا بمؤمنين لأن الأصل في العطف المغايرة فكأنه قيل الذين يلمزون المطوعين من هذين الصنفين المؤمنين والذين لا يجدون إلا جهدهم فكأن الأولين مطوعون مؤمنون والثاني مطوعون غير مؤمنين وليس بصحيح فالحق أنه معطوف على المطوعين ويكون من عطف الخاص على العام والنكتة فيه التنويه بالخاص لأن السخرية من المقل أشد من المكثر غالبا والله أعلم قوله في الحديث الثاني فيحتال أحدنا حتى يجيء بالمدينة يعني فيتصدق به في رواية الزكاة فينطلق أحدنا إلىالسوق فيحامل فأفاد بيان المراد بقوله في هذه الرواية فيحتال قوله وأن لأحدهم اليوم مائة ألف في رواية الزكاة وأن لبعضهم اليوم لمائة ألف ومائة بالنصب على أنها اسم أن والخبر لأحدهم أو لبعضهم واليوم ظرف ولم يذكر مميز المائة ألف فيحتمل أن يريد الدراهم أو الدنانير أو الأمداد قوله كأنه يعرض بنفسه هو كلام شقيق الراوي عن أبي مسعود بينه إسحاق بن راهويه في مسنده وهو الذي أخرجه البخاري عنه وأخرجه بن مردويه من وجه آخر عن إسحاق فقال في آخره وأن لأحدهم اليوم لمائة ألف قال شقيق كأنه يعرض بنفسه وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر وزاد في آخر الحديث قال الأعمش وكان أبو مسعود قد كثر ماله قال بن بطال يريد أنهم كانوا في زمن الرسول يتصدقون مع قلة الشيء ويتكلفون ذلك ثم وسع الله عليهم فصاروا يتصدقون من يسر ومع عدم خشية عسر قلت ويحتمل أن يكون مراده أن الحرص على الصدقة الآن لسهولة مأخذها بالتوسع الذي وسع عليهم أولي من الحرص عليها مع تكلفهم أو أراد الإشارة إلى ضيق العيش في زمن الرسول وذلك لقلة ما وقع من الفتوح والغنائم في زمانه وإلى سعة عيشهم بعده لكثرة الفتوح والغنائم

قوله باب قوله استغفر لهم أو لا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم كذا لأبي ذر ورواية غيره مختصرة

[ 4393 ] قوله عن عبيد الله هو بن عمر قوله لما توفي عبد الله بن أبي ذكرة الواقدي ثم الحاكم في الإكليل أنه مات بعد منصرفهم من تبوك وذلك في ذي القعدة سنة تسع وكانت مدة مرضه عشرين يوما ابتداؤها من ليال بقيت من شوال قالوا وكان قد تخلف هو ومن تبعه عن غزوة تبوك وفيهم نزلت لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا وهذا يدفع قول بن التين إن هذه القصة كانت في أول الإسلام قبل تقرير الأحكام قوله جاء ابنه عبد الله بن عبد الله وقع في رواية الطبري من طريق الشعبي لما احتضر عبد الله جاء ابنه عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله إن أبي قد احتضر فأحب أن تشهده وتصلى عليه قال ما اسمك قال الحباب يعني بضم المهملة وموحدتين مخففا قال بل أنت عبد الله الحباب اسم الشيطان وكان عبد الله بن عبد الله بن أبي هذا من فضلاء الصحابة وشهد بدرا وما بعدها واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق ومن مناقبه أنه بلغه بعض مقالات أبيه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتله قال بل أحسن صحبته أخرجه بن منده من حديث أبي هريرة بإسناد حسن وفي الطبراني من طريق عروة بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أنه استأذن نحوه وهذا منقطع لأن عروة لم يدركه وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام فلذلك التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر عنده ويصلي عليه ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة قال أرسل عبد الله بن أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه قال أهلكك حب يهود فقال يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتوبخني ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه وهذا مرسل مع ثقة رجاله ويعضده ما أخرجه الطبراني من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس قال لما مرض عبد الله بن أبي جاءه النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال قد فهمت ما تقول فامتن على فكفني في قميصك وصل على ففعل وكأن عبد الله بن أبي أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ووقعت اجابته إلى سؤاله بحسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك كما سيأتي وهذا من أحسن الأجوبة فيما يتعلق بهذه القصة قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بن عباس عن عمر ثاني حديث الباب فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث الترمذي من هذا الوجه فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على بن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا أعدد عليه قوله يشير بذلك إلى مثل قوله لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وإلى مثل قوله ليخرجن الأعز منها الأذل وسيأتي بيانه في تفسير المنافقين قوله فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه كذا في هذه الرواية إطلاق النهى عن الصلاة وقد استشكل جدا حتى أقدم بعضهم فقال هذا وهم من بعض رواته وعاكسه غيره فزعم أن عمر اطلع على نهى خاص في ذلك وقال القرطبي لعل ذلك وقع في خاطر عمر فيكون من قبيل الالهام ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين قلت الثاني يعني ما قاله القرطبي أقرب من الأول لأنه لم يتقدم النهى عن الصلاة على المنافقين بدليل أنه قال في آخر هذا الحديث قال فأنزل الله ولا تصل على أحد منهم والذي يظهر أن في رواية الباب تجوزا بينته الرواية التي في الباب بعده من وجه آخر عن عبد الله بن عمر بلفظ فقال تصلي عليه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم وروى عبد بن حميد والطبري من طريق الشعبي عن بن عمر عن عمر قال أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه فقلت والله ما أمرك الله بهذا لقد قال أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ووقع عند بن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس فقال عمر أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه قال أين قال قال استغفر لهم الآية وهذا مثل رواية الباب فكأن عمر قد فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب من أن أو ليست لتخيير بل للتسوية في عدم الوصف المذكور أي أن الاستغفار لهم وعدم الاستغفار سواء وهو كقوله تعالى سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لكن الثانية أصرح ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذه القصة كما سأذكره وفهم عمر أيضا من قوله سبعين مرة أنها للمبالغة وأن العدد المعين لا مفهوم له بل المراد نفى المغفرة لهم ولو كثر الاستغفار فيحصل من ذلك النهى عن الاستغفار فأطلقه وفهم أيضا أن المقصود الأعظم من الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت والشفاعة له فلذلك استلزم عنده النهى عن الاستغفار ترك الصلاة لذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة ولهذه الأمور استنكر إرادة الصلاة على عبد الله بن أبي هذا تقرير ما صدر عن عمر مع ما عرف من شدة صلابته في الدين وكثرة بغضه للكفار والمنافقين وهو القائل في حق حاطب بن أبي بلتعة مع ما كان له من الفضل كشهوده بدرا وغير ذلك لكونه كاتب قريشا قبل الفتح دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقد نافق فلذلك أقدم على كلامه للنبي صلى الله عليه وسلم بما قال ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره لما غلب عليه من الصلابة المذكورة قال الزين بن المنير وإنما قال ذلك عمر حرصا على النبي صلى الله عليه وسلم ومشورة لا إلزاما وله عوائد بذلك ولا يبعد أن يكون النبي كان أذن له في مثل ذلك فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النص كما تمسك به قوم في جواز ذلك وإنما أشار بالذي ظهر له فقط ولهذا احتمل منه النبي صلى الله عليه وسلم أخذه بثوبه ومخاطبته له في مثل ذلك المقام حتى ألتفت إليه متبسما كما في حديث بن عباس بذلك في هذا الباب قوله إنما خيرني الله فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيده على السبعين في حديث بن عباس عن عمر من الزيادة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال أني خيرت فاخترت أي خيرت بين الاستغفار وعدمه وقد بين ذلك حديث بن عمر حيث ذكر الآية المذكورة وقوله

[ 4394 ] في حديث بن عباس عن عمر لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها وحديث بن عمر جازم بقصة الزيادة وآكد منه ما روى عبد بن حميد من طريق قتادة قال لما نزلت استغفر لهم أو لا تستغفر لهم قال النبي صلى الله عليه وسلم قد خيرني ربي فوالله لأزيدن على السبعين وأخرجه الطبري من طريق مجاهد مثله والطبري أيضا وابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه مثل وهذه طرق وأن كانت مراسيل فإن بعضها يعضد بعضا وقد خفيت هذه اللفظة على من خرج أحاديث المختصر والبيضاوى واقتصروا على ما وقع في حديثي الباب وذل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم أطال في حال الصلاة عليه من الاستغفار له وقد ورد ما يدل على ذلك فذكر الواقدي أن مجمع بن جارية قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطال على جنازة قط ما أطال على جنازة عبد الله بن أبي من الوقوف وروى الطبري من طريق مغيرة عن الشعبي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فأنا استغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين وقد تمسك بهذه القصة من جعل مفهوم العدد حجة وكذا مفهوم الصفة من باب الأولى ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم فهم أن ما زاد على السبعين بخلاف السبعين فقال سازيد على السبعين وأجاب من أنكر القول بالمفهوم بما قع في بقية القصة وليس ذلك بدافع للحجة لأنه لو لم يقم الدليل على أن المقصود بالسبعين المبالغة لكان الاستدلال بالمفهوم باقيا قوله قال إنه منافق فصلى عليه إما جزم عمر بأنه منافق فجرى على ما كان يطلع عليه من أحواله وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وصلى عليه إجراء له على ظاهر حكم الإسلام كما تقدم تقريره واستصحابا لظاهر الحكم ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الاستئلاف لقومه ودفع المفسدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح ثم أمر بقتال المشركين فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الإسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه ولذلك قال لا يتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الإسلام وقل أهل الكفر وذلوا أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة علىالمنافقين وغير ذلك مما أمر فيه بمجاهرتهم وبهذا التقرير يندفع الإشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى قال الخطابي إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي ما فعل لكمال شفقته على من تعلق بطرف من الدين ولتطييب قلب ولده عبد الله الرجل الصالح ولتألف قومه من الخزرج لرياسته فيهم فلو لم يجب سؤال ابنه وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبة على ابنه وعارا على قومه فاستعمل أحسن الأمرين في السياسة إلى أن نهى فانتهى وتبعه بن بطال وعبر بقوله ورجا أن يكون معتقدا لبعض ما كان يظهره من الإسلام وتعقبه بن المنير بأن الإيمان لا يتبعض وهو كما قال لكن مراد بن بطال أن إيمانه كان ضعيفا قلت وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبي لكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وذهل عن الوارد من الآيات والأحاديث المصرحة في حقه بما ينافي ذلك ولم يقف على جواب شاف في ذلك فأقدم على الدعوى المذكورة وهو محجوج بإجماع من قبله على نقيض ما قال وإطباقهم على ترك ذكره في كتب الصحابة مع شهرته وذكر من هو دونه في الشرف والشهرة بأضعاف مضاعفة وقد أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه القصة قال فأنزل الله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره قال فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال وما يغنى عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه قوله فانزل الله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره زاد عن مسدد في حديثه عن يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر في آخره فترك الصلاة عليهم أخرجه بن أبي حاتم عن أبيه عن مسدد وحماد بن زاذان عن يحيى وقد أخرجه البخاري في الجنائز عن مسدد بدون هذه الزيادة وفي حديث بن عباس فصلى عليه ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت زاد بن إسحاق في المغازي قال حدثني الزهري بسنده في ثاني حديثي الباب قال فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه الله ومن هذا الوجه أخرجه بن أبي حاتم وأخرجه الطبري من وجه آخر عن بن إسحاق فزاد فيه ولا قام على قبره وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال لما نزلت استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزيدن على السبعين فأنزل الله تعالى سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ورجاله ثقات مع إرساله ويحتمل أن تكون الآيتان معا نزلتا في ذلك الحديث الثاني قوله حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل وقال غيره حدثني الليث حدثني عقيل كذا وقع هنا والغير المذكور هو أبو صالح كاتب الليث واسمه عبد الله بن صالح أخرجه الطبري من المثنى بن معاذ عنه عن الليث قال حدثني عقيل قوله لما مات عبد الله بن أبي بن سلول بفتح المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها لام هو اسم امرأة وهي والدة عبد الله المذكور وهي خزاعية وأما هو فمن الخزرج أحد قبيلتي الأنصار وابن سلول يقرأ بالرفع لآنه صفة عبد الله لا صفة أبيه قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخر عنى أي كلامك واستشكل الداودي تبسمه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة مع ما ثبت أن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسما ولم يكن عند شهود الجنائز يستعمل ذلك وجوابه أنه عبر عن طلافة وجهه بذلك تأنيسا لعمر وتطييبا لقلبه كالمعتذر عن ترك قبول كلامه ومشورته قوله ان زدت على السبعين يغفر له كذا للأكثر يغفر بسكون الراء جوابا للشرط وفي رواية الكشميهني فغفر له بقاء وبلفظ الفعل الماضي وضم أوله والراء مفتوحة والأول أوجه قوله فعجبت بعد بضم الدال من جرأتي بضم الجيم وسكون الراء بعدها همزة أي إقدامى عليه وقد بينا توجيه ذلك قوله والله ورسوله أعلم ظاهره أنه قول عمر ويحتمل أن يكون قول بن عباس وقد روى الطبري من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس في نحو هذه القصة قال بن عباس الله أعلم أي صلاة كانت وما خادع محمد أحدا قط وقال بعض الشراح يحتمل أن يكون عمر ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تقدم للصلاة على عبد الله بن أبي كان ناسيا لما صدر من عبد الله بن أبي وتعقب بما في السايق من تكرير المراجحة فهي دافعة لاحتمال النسيان وقد صرح في حديث الباب بقوله فلما أكثرت عليه قال فذل على أنه كان ذاكرا

قوله باب ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم قال الواقدي أنبأنا معمر عن الزهري قال قال حذيفة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني مسر إليك سرا فلا تذكره لأحد أني نهيت أن أصل على فلان وفلان رهط ذوي عدد من المنافقين قال فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه ومن طريق أخرى عن جبير بن مطعم أنهم أثنا عشر رجلا وقد تقدم حديث حذيفة قريبا أنه لم يبق منهم غير رجل واحد ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك أن الله علم أنهم يموتون على الكفر بخلاف من سواهم فإنهم تابوا ثم أورد المصنف حديث بن عمر المذكور في الباب قبله من وجه آخر وقوله

[ 4395 ] فيه إنما خيرني الله أو أخبرني الله كذا وقع بالشك والأول بمعجمة مفتوحة وتحتانية ثقيلة من التخيير والثاني بموحدة من الأخبار وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبي ضمرة الذي أخرجه البخاري من طريقه بلفظ إنما خبرني الله بغير شك وكذا في أكثر الروايات بلفظ التخيير أي بين الاستغفار وعدمه كما تقدم واستشكل فهم التخيير من الآية حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه وانفاق الشيخين وسائر الذين خرجوا الصحيح على تصحيحه وذلك ينادي على منكرى صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الاطلاع على طرقه قال بن المنير مفهوم الآية زلت فيه الأقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول قاله انتهى ولفظ القاضي أبي بكر البافلاني في التقريب هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها وقال إمام الحرمين في مختصره هذا الحديث غير مخرج في الصحيح وقال في البرهان لا يصححه أهل الحديث وقال الغزالي في المستصفى الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح وقال الداودي الشارح هذا الحديث غير محفوظ والسبب في إنكارهم صحته ما تقرر عندهم مما قدمناه وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه من حمل أو على التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل السبعين على المبالغة قال بن المنير ليس عند أهل البيان تردد أن التخصيص بالعدد في هذا السياق غير مراد انتهى وأيضا فشرط القول بمفهوم الصفة وكذا العدد عندهم مماثلة المنطوق للمسكوت وعدم فائدة أخرى وهنا للمبالغة فائدة واضحة فأشكل قوله سأزيده على السبعين مع أن حكم ما زاد عليها حكمها وقد أجاب بعض المتأخرين عن ذلك بأنه إنما قال سأزيد على السبعين استمالة لقلوب عشيرته لا أنه أراد أن زاد على السبعين يغفر له ويؤيده تردده في ثاني حديثي الباب حيث قال لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت لكن قدمنا أن الرواية ثبتت بقوله سأزيد ووعده صادق ولا سيما وقد ثبت قوله لازيدن بصيغة المبالغة في التأكيد وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون فعل ذلك استصحابا للحال لأن جواز المغفرة بالزيادة كان ثابتا قبل مجيء الآية فجاز أن يكون باقيا على أصله في الجواز وهذا جواب حسن وحاصله أن العمل بالبقاء على حكم الأصل مع فهم المبالغة لا يتنافيان فكأنه جوز أن المغفرة تحصل بالزيادة على السبعين لا أنه جازم بذلك ولا يخفى ما فيه وقيل إن الإستغفار يتنزل منزلة الدعاء والعبد إذا سأل ربه حاجة فسؤاله إياه يتنزل منزلة الذكر لكنه من حيث طلب تعجيل حصول المطلوب ليس عبادة فإذا كان كذلك والمغفرة في نفسها ممكنة وتعلق العلم بعدم نفعها لا بغير ذلك فيكون طلبها لا لغرض حصولها بل لتعظيم المدعو فإذا تعذرت المغفرة عوض الداعي عنها ما يليق به من الثواب أو دفع السوء كما ثبت في الخبر وقد يحصل بذلك عن المدعو لهم تخفيف كما في قصة أبي طالب هذا معنى ما قاله بن المنير وفيه نظر لأنه يستلزم مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة له شرعا وقد ورد إنكار ذلك في قوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ووقع في أصل هذه القصة إشكال آخر وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أطلق أنه خير بين الاستغفار لهم وعدمه بقوله تعالى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وأخذ بمفهوم العدد من السبعين فقال سازيد عليها مع أنه قد سبق قيل ذلك بمدة طويلة نزول قوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى فإن هذه الآية كما سيأتي في تفسير هذه هذه السورة قريبا نزلت في قصة أبي طالب حين قال صلى الله عليه وسلم لاستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقا وقصة عبد الله بن أبي هذه في السنة التاسعة من الهجرة كما تقدم فكيف يجوز مع ذلك الاستغفار للمنافقين مع الجزم بكفرهم في نفس الآية وقد وقفت على جواب لبعضهم عن هذا حاصله أن المنهي عنه استغفار ترجى اجابته حتى يكون مقصودة تحصيل المغفرة لهم كما في قصة أبي طالب بخلاف الاستغفار لمثل عبد الله بن أبي فإنه استغفار لقصد تطييب قلوب من بقي منهم وهذا الجواب ليس بمرضي عندي ونحوه قول الزمخشري فأنه قال فإن قلت كيف خفي على أفصح الخلق وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته أن المراد بهذا العدد أن الاستغفار ولو كثر لا يجدى ولا سيما وقد تلاه قوله ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله الآية فبين الصارف عن المغفرة لهم قلت لم يخف عليه ذلك ولكنه فعل ما فعل وقال ما قال إظهارا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه وهو كقول إبراهيم عليه السلام ومن عصاني فإنك غفور رحيم وفي إظهار النبي صلى الله عليه وسلم الرأفة المذكورة لطف بأمته وباعث على رحمة بعضهم بعضا انتهى وقد تعقبه بن المنير وغيره وقالوا لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول لأن الله أخبر أنه لا يغفر للكفار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيل وطلب المستحيل لا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال أن النهى عن الاستغفار لمن مات مشركا لا يستلزم النهى عن الاستغفار لمن مات مظهرا للإسلام لاحتمال أن يكون معتقدة صحيحا وهذا جواب جيد وقد قدمت البحث في هذه الآية في كتاب الجنائز والترجيح أن نزولها كان متراخيا عن قصة أبي طالب جدا وأن الذي نزل في قصته انك لا تهدى من أحببت وحررت دليل ذلك هناك إلا أن في بقية هذه الآية من التصريح بأنهم كفروا بالله ورسوله ما يدل على أن نزول ذلك وقع متراخيا عن القصة ولعل الذي نزل أولا وتمسك النبي صلى الله عليه وسلم به قوله تعالى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم إلى هنا خاصة ولذلك اقتصر في جواب عمر على التخيير وعلى ذكر السبعين فلما وقعت القصة المذكورة كشف الله عنهم الغطاء وفضحهم على رءوس الملأ ونادى عليهم بأنهم كفورا بالله ورسوله ولعل هذا هو السر في اقتصار البخاري في الترجمة من هذه الآية على هذا القدر إلى قوله فلن يغفر الله لهم ولم يقع في شيء من نسخ كتابه تكميل الآية كما جرت به العادة من اختلاف الرواة عنه في ذلك وإذا تأمل المتأمل المنصف وجد الحامل على من رد الحديث أو تعسف في التأويل ظنه بأن قوله ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله نزل مع قوله استغفر لهم أي نزلت الآية كاملة لأنه لو فرض نزولها كاملة لاقترن بالنهى العلة وهي صريحة في أن قليل الاستغفار وكثيرة لا يجدى وإلا فإذا فرض ما حررته أن هذا القدر نزل متراخيا عن صدر الآية ارتفع الإشكال وإذا كان الأمر كذلك فحجة المتمسك من القصة بمفهوم العدد صحيح وكون ذلك وقع من النبي صلى الله عليه وسلم متمسكا بالظاهر على ما هو المشروع في الأحكام إلى أن يقوم الدليل الصارف عن ذلك إشكال فيه فلله الحمد على ما ألهم وعلم وقد وقفت لأبي نعيم الحافظ صاحب حلية الأولياء على جزء جمع فيه طرق هذا الحديث وتكلم على معانيه فلخصته فمن ذلك أنه قال وقع في رواية أبي أسامة وغيره عن عبيد الله العمري في قول عمر أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين ولم يبين محل النهى فوقع بيانه في رواية أبي ضمرة عن العمري وهو أن مرداه بالصلاة عليهم الاستغفار لهم ولفظه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم قال وفي قول بن عمر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه أن عمر ترك رأى نفسه وتابع النبي صلى الله عليه وسلم ونبه على أن بن عمر حمل هذه القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة بخلاف بن عباس فإنه إنما حملها عن عمر إذ لم يشهدها قال وفيه جواز الشهادة على المرء بما كان عليه حيا وميتا لقول عمر أن عبد الله منافق ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قوله ويؤخذ أن المنهي عنه من سب الأموات ما قصد به الشتم لا التعريف وأن المنافق تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة وأن الإعلام بوفاة الميت مجردا لا يدخل في النعي المنهي عنه وفيه جواز سؤال الموسر من المال من ترجى بركته شيء من ماله لضرورة دينية وفيه رعاية الحمى المطيع بالإحسان إلى الميت العاصي وفيه التكفين بالمخيط وجواز تأخير البيان عن وقت النزول إلى وقت الحاجة والعمل بالظاهر إذا كان النص محتملا وفيه جواز تنبيه المفضول للفاضل على ما يظن أنه سها عنه وتنبيه الفاضل المفضول على ما يشكل عليه وجواز استفسار السائل المسئول وعكسه عما يحتمل ما دار بينهما وفيه جواز التبسم في حضور الجنازة عند وجود ما يقتضيه وقد استحب أهل العلم عدم التبسم من أجل تمام الخشوع فيستثني منه ما تدعو إليه الحاجة وبالله التوفيق

قوله باب قوله سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم الآية سقط لكم من رواية الأصيلي والصواب إثباتها ثم ذكر فيه طرفا من حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته يتعلق بالترجمة وقوله فيه ما أنعم الله على من نعمة كذا للأكثر والمستملى وحده على عبد نعمة والأول هو الصواب وقد سبق شرح الحديث بطوله في كتاب المغازي

قوله باب قوله يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم إلى قوله الفاسقين كذا ثبت لأبي ذر وحده الترجمة بغير حديث وسقطت لللباقين وقد أخرج بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد أنها نزلت في المنافقين

قوله باب قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى رحيم وذكر فيه طرفا من حديث سمرة بن جندب في المنام الطويل وسيأتي بتمامه مع شرحه في التعبير

[ 4397 ] قوله حدثنا مؤمل زاد في رواية الأصيلي وغيره هو بن هشام وإسماعيل بن إبراهيم هو المعروف بابن علية وقوله فيه كانوا شطر منهم حسن قيل الصواب حسنا لأنه خبر كان وخرجوه على أن كان تامة وشطر وحسن مبتدأ وخبره

قوله باب قوله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ذكر فيه حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في قصة وفاة أبي طالب وقد سبق شرحه في كتاب الجنائز ويأتي الإلمام بشيء منه في تفسير القصص إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى رحيم ذكر فيه طرفا من حديث كعب الطويل في قصة توبته وقد سبق شرحه مستوفى في كتاب المغازي والقدر الذي اقتصر عليه هنا أيضا في الوصايا

[ 4399 ] وقوله هنا حدثنا أحمد بن صالح حدثني بن وهب أخبرني يونس قال أحمد وحدثنا عنبسة حدثنا يونس مراده أن أحمد بن صالح روى هذا الحديث عن شيخين عن يونس لكن فرقهما لاختلاف الصيغة ثم إن ظاهره أن السند عنهما متحد وليس كذلك لأن في رواية بن وهب أن شيخ بن شهاب هنا هو عبد الرحمن بن كعب كما في رواية عنبسة وليس كذلك بل هو في رواية بن وهب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب كذلك أخرجه النسائي عن سليمان بن داود المهري عن بن وهب ولعل البخاري بناه على أن عبد الرحمن نسب لجده فتتحد الروايتان نبه على ذلك الحافظ أبو على الصدفي فيما قرأته بخطه بهامش نسخته قلت قد أفرد البخاري رواية بن وهب بهذا الإسناد في النذر فوقع في رواية أبي ذر عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وإنما أخرج النسائي بعض الحديث وقد وجدت بعض الحديث أيضا في سنن أبي داود عن سليمان بن داود شيخ البخاري فيه كما في النسائي وعن أبي الطاهر بن السرح عن بن وهب كذلك

قوله وعلىالثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى الرحيم

[ 4400 ] قوله حدثني محمد حدثنا أحمد بن أبي شعيب كذا للأكثر وسقط محمد من رواية بن السكن فسار للبخاري عن أحمد بن أبي شعيب بلا واسطة وعلى قول الأكثر فاختلف في محمد فقال الحاكم هو محمد بن النضر النيسابوري يعني الذي تقدم ذكره في تفسير الأنفال وقال مرة هو محمد بن إبراهيم البوشنجي لأن هذا الحديث وقع له من طريقه وقال أبو على الغساني هو الذهلي وأيد ذلك أن الحديث في علل حديث الزهري للذهلى عن أحمد بن أبي شعيب والبخاري يستمد منه كثيرا وهو يهمل نسبه غالبا وأما أحمد بن أبي شعيب فهو الحراني نسبة المؤلف إلى جده واسم أبيه عبد الله بن مسلم وأبو شعيب كنية مسلم لا كنية عبد الله وكنية أحمد أبو الحسن وهو ثقة باتفاق وليس له في البخاري سوى هذا الموضع ثم ذكر المصنف قطعا من قصة توبة كعب بن مالك وقد تقدم شرحه مستوفى في المغازي وقوله فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي على في رواية الكشميهني ولا يسلم وحكى عياض أنه وقع لبعض الرواة فلا يكلمني أحد منهم ولا يسلمنى واستبعده لأن المعروف أن السلام إنما يتعدى بحر جر وقد يوجه بأن يكون أتباعا أو يرجع إلى قول من فسر السلام بأن معناه أنت مسلم مني وقوله وكانت أم سلمة معنية في آمري كذا للأكثر بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون بعدها تحتانية ثقيلة من الاعتناء وفي رواية الكشميهني معينة بضم الميم وكسر العين وسكون التحتانية بعدها نون من العون والأول أنسب وقوله يحطمكم في رواية أبي ذر عن الكشميهني والمستملى يخطفكم

قوله باب يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ذكر فيه طرفا مختصرا من قصة توبة كعب أيضا

قوله باب قوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى رءوف رحيم قوله من الرأفة ثبت هذا لغير أبي ذر وهو كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى ان الله بالناس لرؤوف رحيم هو فعول من الرأفة وهي أشد الرحمة

[ 4402 ] قوله أخبرني بن السباق بمهملة وتشديد الموحدة اسمه عبيد وسيأتي شرح الحديث مستوفى في فضائل القرآن وتقدم في أوائل الجهاد التنبيه علىاختلاف عبيد بن السباق وخارجه بن زيد في تعيين الآية قوله تابعه عثمان بن عمر والليث بن سعد عن يونس عن بن شهاب أما متابعة عثمان بن عمر فوصلها أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه وأما متابعة الليث عن يونس فوصلها المؤلف في فضائل القرآن وفي التوحيد قوله وقال الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد عن بن شهاب وقال مع أبي خزيمة يريد أن لليث فيه شيخا آخر عن بن شهاب وأنه رواه عنه بإسناده المذكور لكن خالف في قوله مع خزيمة الأنصاري فقال مع أبي خزيمة ورواية الليث هذه وصلها أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة من طريق أبي صالح كاتب الليث عنه به قوله وقال موسى عن إبراهيم حدثنا بن شهاب وقال مع أبي خزيمة وتابعه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه أما موسى فهو بن إسماعيل وأما إبراهيم فهو بن سعد ويعقوب هو ولده ومتابعة موسى وصلها المؤلف في فضائل القرآن وقال في آية التوبة مع أبي خزيمة وفي آية الأحزاب مع خزيمة بن ثابت الأنصاري ومما ننبه عليه أن آية التوبة وجدها زيد بن ثابت لما جمع القرآن في عهد أبي بكر وآية الأحزاب وجدها لما نسخ المصاحف في عهد عثمان وسيأتي بيان ذلك واضحا في فضائل القرآن وأما رواية يعقوب بن إبراهيم فوصلها أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف من طريقه وكذا أخرجها أبو يعلى من هذا الوجه لكن باختصار وروها الذهلي في الزهريات عنه لكن قال مع خزيمة وكذا أخرجه الجوزفى من طريقه قوله وقال أبو ثابت حدثنا إبراهيم وقال مع خزيمة أو أبي خزيمة فأما أبو ثابت فهو محمد بن عبيد الله المدني وأما إبراهيم فهو بن سعد ومراده أن أصحاب إبراهيم بن سعد اختلفوا فقال بعضهم مع أبي خزيمة وقال بعضهم مع خزيمة وشك بعضهم والتحقيق ما قدمناه عن موسى بن إسماعيل أن آية التوبة مع أبي خزيمة وآية الأحزاب مع خزيمة وستكون لنا عودة إلى تحقيق هذا في تفسير سورة الأحزاب إن شاء الله تعالى ورواية أبي ثابت المذكورة وصلها المؤلف في الأحكام بالشك كما قال

قوله بسم الله الرحمن الرحيم سورة يونس أخر أو ذر البسملة قوله وقال بن عباس فاختلط فنبت بالماء من كل لون وصله بن جرير من طريق آخر عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس في قوله إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض قال اختلط فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض قوله وقالوا اتخد الله ولدا سبحانه هو الغني كذا ثبت هذا لغير أبي ذر ترجمة خاليه من الحديث ولم أر في هذه الآية حديثا مسندا ولعله أراد أن يخرج فيها طريقا للحديث الذي في التوحيد بما يتعلق بذم من زعم ذلك فبيض له قوله وقال زيد بن أسلم أن لهم قدم صدق عند ربهم محمد صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد خير أما قول زيد بن أسلم فوصله بن جرير من طريق بن عيينة عنه بهذا الحديث وهو في تفسير بن عيينة أخبرت عن زيد بن أسلم وأخرج الطبري من طريق الحسن وقتادة قال محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم وهذا وصله بن مردويه من حديث على ومن حديث أبي سعيد بإسنادين ضعيفين وأما قول مجاهد فوصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق قال خير وروى بن جرير من وجه آخر عن مجاهد في قوله قدم صدق قال صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم ولا تنافى بين القولين ومن طريق الربيع بن أنس قدم صدق أي ثواب صدق ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى أن لهم قدم صدق قال سبقت لهم السعادة في الذكر الأول ورجح بن جرير قول مجاهد ومن تبعه لقول العرب لفلان قدم صدق في كذا أي قدم فيه خير أو قدم سوء في كذا أي قدم فيه شر وجزم أبو عبيدة بأن المراد بالقدم السابقة وروى الحاكم من طريق أنس عن أبي بن كعب في قوله قدم صدق قال سلف صدق وإسناده حسن تنبيه ذكر عياض أنه وقع في رواية أبي ذر وقال مجاهد بن جبير قال وهو خطأ قلت لم أره في النسخة التي وقعت لنا من رواية أبي ذر إلا على الصواب كما قدمته نعم ذكر بن التين أنها وقعت كذلك في رواية الشيخ أبي الحسن يعني القابسي ومجاهد هو بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة لكن المراد هنا أنه فسر القدم بالخير ولو كان وقع بزيادة بن مع التصحيف لكان عاريا عن ذكر القول المنسوب لمجاهد في تفسير القدم قوله يقال تلك آيات يعني هذه أعلام القرآن ومثله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم المعنى بكم هذا وقع لغير أبي ذر وسيأتي للجميع في التوحيد وقائل ذلك هو أبو عبيدة بن المثنى وفي تفسير السدي آيات الكتاب الأعلام والجامع بينهما أن في كل منهما صرف الخطاب عن الغيبة إلى الحضور وعكسه قوله دعواهم دعاؤهم هو قول أبي عبيدة قاله في معنى قوله دعواهم فيها سبحانك اللهم وروى الطبري من طريق الثوري قال في قوله دعواهم فيها قال إذا أرادوا الشيء قالوا اللهم فيأتيهم ما دعوا به ومن طريق بن جريج قال أخبرت فذكر نحوه وسياقه أتم وكل هذا يؤيد أن معنى دعواهم دعاؤهم لأن اللهم معناها يا الله أو معنى الدعوى العبادة أي كلامهم في الجنة هذا اللفظ بعينه قوله أحيط بهم دنوا من الهلكة أحاطت به خطيئته قال أبو عبيدة في قوله وظنوا أنهم أحيط بهم أي دنوا للهلكة يقال قد أحيط به أي أنه لهالك انتهى وكأنه من إحاطة العدو بالقوم فإن ذلك يكون سببا للهلاك غالبا فجعل كناية عنه ولهذا أردفه المصنف بقوله أحاطت به خطيئته إشارة إلى ذلك قوله وقال مجاهد ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير قول الإنسان لولده وما له إذا غضب اللهم لا تبارك فيه والعنه وقوله لقضى إليهم أجلهم أي لأهلك من دعي عليه ولأمانة هكذا وصله الفريابي وعبد بن حميد وغيرهما من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في تفسير هذه الآية وروا الطبري بلفظ مختصر قال فلو يعجل الله لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب في الخير لأهلكهم ومن طريق قتادة قال هو دعاء الإنسان على نفسه وما له بما يكره أن يستجاب له انتهى وقد ورد في النهى عن ذلك حديث مرفوع أخرجه مسلم في أثناء حديث طويل وأفرده أبو داود من طريق عبادة بن الوليد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم قوله للذين أحسنوا الحسني مثلها حسنى وزيادة مغفرة ورضوان هو قول مجاهد وصله الفريابي وعبد وغيرهما من طريق بن أبي نجيح عنه قوله وقال غيره النظر إلى وجهه ثبت هذا لأبي ذر وأبي الوقت خاصة والمراد بالغير هنا فيما أظن قتادة فقد أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه قال الحسني هو الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الحسني الجنة والزيادة فيما بلغنا النظر إلى وجه الله ولسعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن سابط مثله موقوفا أيضا ولعبد بن حميد عن الحسن مثله وله عن عكرمة قال للذين أحسنوا قالوا لا إله إلا الله الحسني الجنة وزيادة النظر إلى وجه الله الكريم وقد ورد ذلك في حديث مرفوع أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا إن لكم عند الله وعدا فيقولون ألم يبيض وجوهنا ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم منه ثم قرأ للذين أحسنوا الحسني وزيادة قال الترمذي إنما اسنده حماد بن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قلت وكذا قال معمر أخرجه عبد الرزاق عنه وحماد بن زيد عن ثابت أخرجه الطبري وأخرجه أيضا من طريق أبي موسى الأشعري نحوه موقوفا عليه ومن طريق كعب بن عجرة مرفوعا قال الزيادة النظر إلى وجه الرب ولكن في إسناده ضعف ومن حديث حذيفة موقوفا مثله ومن طريق أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق مثله وصله قيس بن الربيع وإسرائيل عنه ووقفه سفيان وشعبة وشريك على عامر بن سعد وجاء في تفسير الزيادة أقوال أخر منها قول علقمة والحسن إن الزيادة التضعيف ومنها قول على أن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب أخرج جميع ذلك الطبري وأخرج عبد بن حميد رواية حذيفة ورواية أبي بكر من طريق إسرائيل أيضا وأشار الطبري إلى أنه لاتعارض بين هذه الأقوال لأن الزيادة تحتمل كلا منها والله أعلم قوله الكبرياء الملك هو قول مجاهد وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عنه وقال الفراء قوله وتكون لكما الكبرياء في الأرض لأن النبي إذا صدق صارت مقاليد أمته وملكهم إليه قوله فاتبعهم وأتبعهم واحد يعني بهمزة القطع والتشديد وبالثاني قرأ الحسن وقال أبو عبيدة فأتبعهم مثل تبعهم بمعنى واحد وهو كردفته وأردفته بمعنى وعن الأصمعي المهموز بمعنى أدرك وغير المهموز بمعنى مضى وراءه أدركه أو لم يدركه وقيل اتبعه بالتشديد في الأمر اقتدى به واتبعه بالهمز تلاه قوله عدوا من العدوان هو قول أبي عبيدة أيضا وهو وما قبله نعتان منصوبان على أنهما مصدران أو على الحال أي باغين متعدين ويجوز أن يكونا مفعولين أي لأجل البغي والعدوان وقرأ الحسن بتشديد الواو وضم أوله

قوله باب وجاوزنا ببني إسرائيل البحر سقط للأكثر باب وساقوا الآية إلى من المسلمين قوله ننجيك نلقيك على نجوة من الأرض وهو النشز المكان المرتفع قال أبو عبيدة في قوله تعالى فاليوم ننجيك ببدنك أي نلقيك على نجوة أي ارتفاع اه والعجوة هي الربوة المرتفعة وجمعها نجا بكسر النون والقصر وليس قوله ننجيك من النجاة بمعنى السلامة وقد قيل هو بمعناها والمراد مما وقع فيه قومك من قعر البحر وقيل هو وقد قرأ بن مسعود وابن السميفع وغيرهما ننجيك بالتشديد والحاء المهملة أي نلقيك بناحية وورد سبب ذلك فيما أخرجه عبد الرزاق عن بن التيمي عن أبيه عن أبي السليل عن قيس بن عباد أو غيره قال قال بنو إسرائيل لم يمت فرعون فأخرجه الله إليهم ينظرون إليه كالثور الأحمر وهذا موقوف رجاله ثقات وعن معمر عن قتادة قال لما أغرق الله فرعون لم يصدق طائفة من الناس بذلك فأخرجه الله ليكون لهم عظة وآية وروى بن أبي حاتم من طريق الضحاك عن بن عباس قال فلما خرج موسى وأصحابه قال من تخلف من قوم فرعون ما غرق فرعون وقومه ولكنهم في جزائر البحر يتصيدون فأوحى الله إلى البحر أن لفظ فرعون عريانا فلفظه عريانا أصلع أخنس قصيرا فهو قوله فاليوم ننجيك ببدنك ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد ببدنك قال بجسدك ومن طريق أبي صخر المدني قال البدن الدرع الذي كان عليه ثم ذكر المصنف حديث بن عباس في صيام عاشوراء وقد تقدم شرحه في الصيام ومناسبته للترجمة قوله في بعض طرقه ذاك يوم نجى الله فيه موسى وأغرق فرعون

قوله سورة هود بسم الله الرحمن الرحيم ثبتت البسملة لأبي ذر قوله قال بن عباس عصيب شديد وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال في قوله وقال هذا يوم عصيب قال شديد وأخرجه الطبري من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما مثله وقال ومنه قول الراجز يوم عصيب يعصب الأبطالا ويقولون عصب يومنا يعصب عصبا أي اشتد قوله لا جرم بلى وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله لا جرم أن الله قال أي بلى أن الله يعلم وقال الطبري معنى جرم أي كسب الذنب ثم كثر استعماله في موضع لا بد كقولهم لا جرم انك ذاهب وفي موضع حقا كقولك لا جرم لتقومن قوله وقال غيره وحاق نزل يحيق ينزل قال أبو عبيدة في قوله تعالى وحاق بهم أي نزل بهم واصابهم قوله يئوس فعول من يئست هو قول أبي عبيدة أيضا قال في قوله تعالى ليئوس كفور هو فعول من يئست قوله وقال مجاهد تبتئس تحزن وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد أيضا قال في قوله فلا تبتئس قال لا تحزن ومن طريق قتادة وغير واحد نحوه قوله يثنون صدورهم شك وامتراء في الحق ليستخفوا منه من الله أن استطاعوا وهو قول مجاهد أيضا قال في قوله ألا أنهم يثنون صدورهم قال شك وامتراء في الحق ليستخفوا من الله إن استطاعوا وصله الطبري من طرق عن بن أبي نجيح عن مجاهد عنه ومن طريق معمر عن قتادة قال أخفى ما يكون الإنسان إذا أسر في نفسه شيئا وتغطى بثوبه والله مع ذلك يعلم ما يسرون وما يعلنون ومن طريق عكرمة عن بن عباس في قوله يثنون صدورهم الشك في الله وعمل السيئات يستغثى بثيابه ويستكن من الله والله يراه ويعلم ما يسر وما يعلن والثنى يعبر به عن الشك في الحق والإعراض عنه ومن طريق عبد الله بن شداد أنها نزلت في المنافقين كان أحدهم إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وطأطأ رأسه وتغشى بثوبه لئلا يراه اسنده الطبري من طرق عنه وهو بعيد فإن الآية مكية وسيأتي عن بن عباس ما يخالف القول الأول لكن الجمع بينهما ممكن تنبيه قدمت هذه التفاسير من أول السورة إلى هنا في رواية أبي ذر وهي عند الباقين مؤخرة عما سيأتي إلى قوله اقلعى أمسكى قوله وقال أبو ميسرة الأواه الرحيم بالحبشية تقدم في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وسقط هنا من رواية أبي ذر قوله وقال بن عباس بادى الرأي ما ظهر لنا وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة وقال الحسن إنك لانت الحليم الرشيد يستهزئون به وقال بن عباس اقلعي أمسكى وفار التنور نبع الماء وقال عكرمة وجه الأرض تقدم جميع ذلك في أحاديث الأنبياء وسقط هنا لأبي ذر

قوله باب إلا إنهم يثنون صدورهم سقط باب للأكثر

[ 4404 ] قوله أخبرني محمد بن عباد بن جعفر هكذا رواه هشام بن يوسف عن بن جريج وتابعه حجاج عند أحمد وقال أبو أسامة عن بن جريج عن بن أبي مليكة عن بن عباس أخرجه الطبري قوله أنه سمع بن عباس يقرأ الا أنهم يثنون يعني بفتح أوله بتحتانية وفي رواية بفوقانية وسكون المثلثة وفتح النون وسكون الواو وكسر النون بعدها ياء على وزن تفعوعل وهو بناء مبالغة كاعشوشب لكن جعل الفعل للصدور وأنشد الفراء لعنترة وقولك للشىء الذي لا تناله إذا ما هو احلولى ألا ليت ذا ليا وحكى أهل القراءات عن بن عباس في هذه الكلمة قراءات أخرى وهي يثنون بفتح أوله وسكون المثلثة وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون من الثني بالمثلثة والنون وهو ما هش وضعف من النبات وقراءة ثالثة عنه أيضا بوزن يرعوى وقال أبو حاتم السجستاني في هذه القراءة غلط إذ لا يقال ثنوته فانثوى كرعوته فارعوى قلت وفي الشواذ قراءات أخرى ليس هذا موضع بسطها قوله أناس كانوا يستخفون أن يتخلوا أي أن يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة وحكى بن التين أنه روى يتحلوا بالمهملة وقال الشيخ أبو الحسن يعني القابسي أنه أحسن أي يرقد على حلاوة قفاه قلت والأول أولى وفي رواية أبي أسامة كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء

[ 4406 ] قوله في رواية عمرو هو بن دينار قال قرأ بن عباس إلا إنهم يثنون صدورهم ضبط أوله بالياء التحتانية وبنون آخره وصدورهم بالنصب على المفعولية وهي قراءة الجمهور كذا للأكثر ولأبي ذر كالذي قبله ولسعيد بن منصور عن بن عيينة يثنوني أوله تحتانية وآخره تحتانية أيضا وزاد وعن حميد الأعرج عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك قوله وقال غيره أي عن بن عباس يستغشون يغطون رءوسهم الضمير في غيره على عمرو بن دينار وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وتفسير التغشى بالتغطية متفق عليه وتخصيص ذلك بالرأس يحتاج إلى توقيف وهذا مقبول من مثل بن عباس يقال منه استغشى بثوبه وتغشاه وقال الشاعر وتارة اتغشى فضل اطمارى قوله سيء بهم ساء ظنه بقومه وضاق بهم بأضيافه هو تفسير بن عباس وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في هذه الآية ولما جاءت رسلنا لوطا ساء ظنا بقومه وضاق ذرعا باضيافه ويلزم منه اختلاف الضميرين وأكثر المفسرين على اتحادهما وصله بن أبي حاتم من طريق الضحاك قال ساءه مكانهم لما رأى بهم من الجمال قوله بقطع من الليل بسواد وصله بن أبي حاتم من طريق عليى بن أبي طلحة عن بن عباس وقال أبو عبيدة معناه ببعض من الليل وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بطائفة من الليل قوله وقال مجاهد إليه أنيب ارجع كذا للأكثر وسقط لأبي ذر نسبته إلى مجاهد فأوهم أنه عن بن عباس كما قبله وقد وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ووقع للأكثر قبيل قوله باب وكان عرشه على الماء

[ 4407 ] قوله سجيل الشديد الكبير سجيل وسجين واحد بن واللام والنون أختان وقال تميم بن مقبل ورجلة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصى به الأبطال سجينا هو كلام أبي عبيدة بمعناه قال في قوله تعالى حجارة من سجيل هو الشديد من الحجارة الصلب ومن الضرب أيضا قال بن مقبل فذكره قال وقوله سجيلا أي شديدا وبعضهم يحول اللام نونا وقال في موضع آخر السجيل الشديد الكثير وقد تعقبه بن قتيبة بأنه لو كان معنى السجيل الشديد لما دخلت عليه من وكان يقول حجارة سجيلا لأنه لا يقال حجارة من شديد ويمكن أن يكون الموصوف حذف وأنشد غير أبي عبيدة البيت المذكور فأبدل قوله ضاحية بقوله عن عرض وهو بضمتين وضاد معجمة وسيأتي قول بن عباس ومن تبعه إن الكلمة فارسية في تفسير سورة الفيل وقد قال الأزهري أن ثبت أنها فارسية فقد تكلمت بها العرب فصارت وقيل هو اسم لسماء الدنيا وقيل بحر معلق بين السماء والأرض نزلت منه الحجارة وقيل هي جبال في السماء تنبيه تميم بن مقبل هو بن خبيب بن عوف بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن عامر بن صعصعة العامري ثم العجلاني شاعر مخضرم أدرك في الجاهلية والإسلام وكان أعرابيا جافيا وله قصة مع عمر ذكره المرزباني ورجله بفتح الراء ويجوز كسرها على تقدير ذوي رجلة والجيم ساكنة وحكى بن التين في هذه الحاء المهملة والبيض بفتح الموحدة جمع بيضة وهي الخوذة أو بكسرها جمع أبيض وهو السيف فعلى الأول المراد مواضع البيض وهي الرءوس وعلى الثاني المراد يضربون بالبيص على نزع الخافض والأول أوجه وضاحية أي ظاهرة أو المراد في وقت الضحوة وتواصى أصله تتواصى فحذفت إحدى التاءين وروى تواصت بمثناة بدل التحتانية في آخره وقوله سجينا بكسر المهملة وتشديد الجيم قال الحسن بن المظفر هو فعيل من السجن كأنه يثبت من وقع فيه فلا يبرح مكانه وعن بن الأعرابي أنه رواه بالخاء المعجمة بدل الجيم أي ضربا حارا قوله استعمركم جعلكم عمارا أعمرته الدار فهي عمري سقط هذا لغير أبي ذر وقد تقدم شرحه في كتاب الهبة قوله نكرهم وأنكرهم واستنكرهم واحد هو قول أبي عبيدة وأنشد وأنكرتني وما كان الذي نكرت قوله حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد محمود من حمد كذا وقع هنا والذي في كلام أبي عبيدة حميد مجيد أي محمود وهذا هو الصواب والحميد فعيل من حمد فهو حامد أي يحمد من يطيعه أو هو حميد بمعنى محمود والمجيد فعيل من مجد بضم الجيم يمجد كشرف يشرف وأصله الرفعة قوله اجرامى مصدر أجرمت وبعضهم يقول جرمت هو كلام أبي عبيدة وأنشد طريد عشيرة ورهين ذنب بما جرمت يدي وجنى لساني وجرمت بمعنى كسبت وقد تقدم قريبا قوله الفلك والفلك واحد وهي السفينة والسفن كذا وقع لبعضهم بضم الفاء فيهما وسكون اللام في الأولى وفتحها في الثانية ولآخرين بفتحتين في الأولى وبضم ثم سكون في الثانية ورجحه بن التين وقال الأول واحد والثاني جمع مثل أسد وأسد قال عياض ولبعضهم بضم ثم سكون فيهما جميعا وهو الصواب والمراد أن الجمع والواحد بلفظ واحد وقد ورد ذلك في القرآن فقد قال في الواحد في الفلك المشحون وقال في الجمع حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم والذي في كلام أبي عبيدة الفلك واحد وجمع وهي السفينة والسفن وهذا أوضح في المراد قوله مجراها مدفعها وهو مصدر أجريت وأرسيت حبست ويقرأ مجراها من جرت هي ومرسيها من رست ومجريها ومرسيها من فعل به قال أبو عبيدة في قوله تعالى بسم الله مجراها أي مسيرها وهي من جرت بهم ومن قرأها بالضم فهو من أجريتها أنا ومرساها أي وقفها وهو مصدر أي ارسيتها أنا انتهى ووقع في بعض الشروح مجراها موقفها بواو وقاف وفاء وهو تصحيف لم أره في شيء من النسخ ثم وجدت بن التين حكاها عن رواية الشيخ أبي الحسن يعني القابسي قال وليس بصحيح لأنه فاسد المعنى والصواب ما في الأصل بدال ثم فاء ثم عين تنبيه الذي قرأ بضم الميم في مجراها الجمهور وقرأ الكوفيون حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالفتح وأبو بكر عن عاصم كالجمهور وقرءوا كلهم في المشهور بالضم في مرساها وعن بن مسعود فتحها أيضا رواه سعيد بن منصور بإسناد حسن وفي قراءة يحيى بن وثاب مجريها ومرسيها بضم أولهما وكسر الراء والسين أي الله فاعل ذلك قوله راسيات ثابتات قال أبو عبيدة في قوله تعالى وقدور راسيات أي ثقال ثابتات عظام وكأن المصنف ذكرها استطرادا لما ذكر مرساها قوله عند وعنود وعاند واحد هو تأكيد التجبر هو قول أبي عبيدة بمعناه لكن قال وهو العادل عن الحق وقال بن قتيبة المعارض المخالف قوله ويقول الأشهاد واحدة شاهد مثل صاحب وأصحاب هو كلام أبي عبيدة أيضا واختلف في المراد بهم هنا فقيل الأنبياء وقيل الملائكة أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد وعن زيد بن أسلم الأنبياء والملائكة والمؤمنون وهذا أعم وعن قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق الخلائق وهذا أعم من الجميع

قوله باب قوله وكان عرشه على الماء ذكر فيه حديث أبي هريرة وفيه قوله وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقوله لا يغيضها بالغين المعجمة والضاد المعجمة الساقطة أي لا ينقصها وسحاء بمهملتين مثقلا ممدود أي دائمة ويروي سحا بالتنوين فكأنها لشدة امتلائها تغيض أبدا والليل والنهار بالنصب على الظرفية والميزان كناية عن العدل

قوله باب قوله تعالى ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا الآية ذكر فيه حديث بن عمر في النجوى يوم القيامة وسيأتي شرحه في كتاب الأدب وقوله

[ 4408 ] حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع لمسدد فيه إسناد آخر يأتي في الأدب وفي التوحيد وهو أعلى من هذا رواه عنه مسدد عن أبي عوانة عن قتادة وقوله في الإسناد حدثنا سعيد وهشام أما سعيد فهو بن أبي عروبة وأما هشام فهو بن عبد الله الدستوائي وصفوان بن محرز بالحاء المهملة والراء ثم الزاي قوله وقال شيبان عن قتادة حدثنا صفوان وصله بن مردويه من طريق شيبان وسيأتي بيان ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قوله اعترك افتعلك من عروبة أي أصبته ومنه يعروه واعتراني هو كلام أبي عبيدة وقد تقدم شرحه في فرض الخمس وثبت هنا للكشميهني وحده ووقع في بعض النسخ اعتراك افتعلت بمثناة في آخره وهو كذلك عند أبي عبيدة واعترى افتعل من عراه يعروه إذا أصابه وقوله أن نقول إلا اعتراك ما بعد إلا مفعول بالقول قبله ولا يحتاج إلى تقدير محذوف كما قدره بعضهم أي ما نقول إلا هذا اللفظ فالجملة محكية نحو ما قلت إلا زيد قائم قوله آخذ بناصيتها في ملكه وسلطانه هو كلام أبي عبيدة أيضا وقد تقدم في بدء الخلق وثبت هنا للكشميهني وحده قوله وإلى مدين أي لأهل مدين لأن مدين بلد ومثله واسأل القرية والعير أي أهل القرية وأصحاب العير قال أبو عبيدة في قوله تعالى وإلى مدين أخاهم شعيبا مدين لا ينصرف لأنه اسم بلد مؤنث ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير أي إلى أهل مدين ومثله واسأل القرية والعير أي من في العير قوله وراءكم ظهريا يقول لم يلتفتوا إليه ويقال إذا لم يقض الرجل حاجته ظهرت لحاجتي الخ ثبت هذا الكشميهني وحده وقد تقدم شرحه في ترجمة شعيب عليه السلام من أحاديث الأنبياء قوله أراذلنا سقاطنا بضم المهملة وتشديد القاف والأراذل جمع أرذال إما على بابه كما جاء أحاسنكم أخلافا أو جرى مجرى الأسماء كالأبطح وقيل أراذل جمع أرذل بضم الذال وهو جمع رذل مثل كلب وأكالب

قوله باب قوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد الكاف في ذلك لتشبيه الأخذ المستقبل بالأخذ الماضي وأتى باللفظ الماضي موضع المضارعة على قراءة طلحة بن مصرف وأخذ بفتحتين في الأول كالثاني مبالغة في تحققه قوله الرفد المرفود العون المعين رفدته أعنته كذا وقع فيه وقال أبو عبيدة الرفد المرفود العون المعين يقال رفدته عند الأمير أي أعنته قال الكرماني وقع في النسخة التي عندنا العون المعين والذي يدل عليه التفسير المعان فأما أن يكون الفاعل بمعنى المفعول أو المعنى ذو إعانة قوله تركنوا تميلوا قال أبو عبيدة في قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا لا تعدلوا إليهم ولا تميلوا يقال ركنت إلى قولك أي أردته وقبلته وروى عبد بن حميد من طريق الربيع بن أنس لا تركنوا إلى الذين ظلموا لا ترضوا أعمالهم قوله فلولا كان فهلا كان سقط هذا والذي قبله من رواية أبي ذر وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية مجازه فهلا كان من القرون وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله فلولا قال في حرف بن مسعود فهلا قوله أترفوا أهلكوا هو تفسير باللازم أي كان الترف سببا لاهلاكهم وقال أبو عبيدة في قوله تعالى واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه أي ما تجبروا وتكبروا عن أمر الله وصدوا عنه قوله زفير وشهيق الخ تقدم في بدء الخلق

[ 4409 ] قوله أنبأنا بريد بن أبي بردة عن أبيه كذا وقع لأبي ذر ووقع لغيره عن أبي بردة بدل عن أبيه وهو أصوب لأن بريد هو بن عبد الله بن أبي بردة فأبو بردة جده لا أبوه لكن يجوز إطلاق الأب عليه مجازا قوله ان الله ليملى للظالم أي بمهله ووقع في رواية الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية أن الله يملي وربما قال يمهل ورواه عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي أسامة عن يزيد قال يملي ولم يشك قلت قد رواه مسلم وابن ماجة والنسائي من طرق عن أبي معاوية يملي ولم يشك قوله حتى إذا أخذه لم يفلته بضم أوله من الرباعي أي لم يخلصه أي إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك وهذا على تفسير الظلم بالشرك على إطلاقة وإن فسر بما هو أعم فيحمل كل على ما يليق به وقيل معنى لم يفلته لم يؤخره وفيه نظر لأنه يتبادر منه أن الظالم إذا صرف عن منصبه وأهين لا يعود إلى عزه والمشاهد في بعضهم بخلاف ذلك فالأولى حمله على ما قدمته والله أعلم

قوله باب وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيآت الآية كذا لأبي ذر وأكمل غيره الآية واختلف في المراد بطرفي النهار فقيل الصبح والمغرب وقيل الصبح والعصر وعن مالك وابن حبيب الصبح طرف والظهر والعصر طرف قوله وزلفا ساعات بعد ساعات ومنه سميت المزدلفة الزلف منزلة بعد منزلة وأما زلفى فمصدر من القربى ازدلفوا اجتمعوا أزلفنا جمعنا انتهى قال أبو عبيدة في قوله زلفا من الليل ساعات واحدتها زلفة أي ساعة ومنزلة وقربة ومنها سميت المزدلفة قال العجاج ناج طواه الأين مما وجفا طي الليالي زلفا فزلفا وقال في قوله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت وأدنيت وله عندي زلفى أي قربى وفي قوله وأزلفنا ثم الآخرين أي جمعنا ومنه ليلة المزدلفة واختلف في المراد بالزلف فعن مالك المغرب والعشاء واستنبط منه بعض الحنفية وجوب الوتر لأن زلفا جمع أقله ثلاثة فيضاف إلى المغرب والعشاء الوتر ولا يخفى ما فيه وفي رواية معمر المقدم ذكرها قال قتادة طرفي النهار الصبح والعصر وزلفا من الليل المغرب والعشاء

[ 4410 ] قوله حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي كذا وقع فيه وأخرجه الطبراني عن معاذ بن المثنى عن مسدد عن سلام بن أبي مطيع عن سليمان التيمي وكان لمسدد فيه شيخان قوله عن أبي عثمان هو النهدمى في رواية للإسماعيلي وأبي نعيم حدثنا أبو عثمان قوله أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له في رواية معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عند مسلم والإسماعيلى فذكر أنه أصاب من امرأة قبلة أو مسا بيد أو شيئا كأنه يسأل عن كفارة ذلك وعند عبد الرزاق عن معمر عن سليمان التيمي بإسناده ضرب رجل على كفل امرأة الحديث وفي رواية مسلم وأصحاب السنن من طريق سماك بن حرب عن إبراهيم النخعي عن علقمة والأسود عن بن مسعود جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وجدت امرأة في بستان ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها قبلتها ولزمتها فافعل بن ما شئت الحديث وللطبرى من طريق الأعمش عن إبراهيم النخعي قال جاء فلان بن معتب الأنصاري فقال يا رسول الله دخلت على امرأة ففعلت منها ما ينال الرجل من أهله إلا أني لم أجامعها الحديث وأخرجه بن أبي خيثمة لكن قال أن رجلا من الأنصار يقال له معتب وقد جاء أن اسمه كعب بن عمرو وهو أبو اليسر بفتح التحتانية والمهملة الأنصاري أخرجه الترمذي والنسائي والبزار من طريق موسى بن طلحة عن أبي اليسر بن عمرو أنه أتته امرأة وزوجها قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقالت له بعني تمرا بدرهم قال فقلت لها وأعجبتني إن في البيت تمر أطيب من هذا فانطلق بها معه فغمزها وقبلها ثم فرغ فخرج فلقى أبا بكر فأخبره فقال تب ولا تعد ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفي روايته أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر فنزلت وفي رواية بن مردويه من طريق أبي بريدة عن أبيه جاءت امرأة من الأنصار إلى رجل يبيع التمر بالمدينة وكانت حسناء جميلة فلما نظر إليها أعجبته فذكر نحوه ولم يسم الرجل ولا المرأة ولا زوجها وذكر بعض الشراح في اسم هذا الرجل نبهان التمار وقيل عمرو بن غزية وقيل أبو عمرو زيد بن عمرو بن غزية وقيل عامر بن قيس وقيل عباد قلت وقصة نبهان التمار ذكرها عبد الغني بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء في تفسيره عن بن عباس وأخرجه الثعلبي وغيره من طريق مقاتل عن الضحاك عن بن عباس أن نبهانا التمار أتته امرأة حسناء جميلة تبتاع منه تمرا فضرب على عجيزتها ثم ندم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إياك أن تكون امرأة غاز في سبيل الله فذهب يبكي ويصوم ويقوم فانزل الله تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله الآية فأخبره فحمد الله وقال يا رسول الله هذه توبتي قبلت فكيف لي بأن يتقبل شكرى فنزلت وأقم الصلاة طرفي النهار الآية قلت وهذا أن ثبت حمل على واقعة أخرى لما بين السياقين من المغايرة وأما قصة بن غزية فأخرجها بن منده من طريق الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس في قوله أقسم الصلاة طرفي النهار قال نزلت في عمرو بن غزية وكان يبيع التمر فاتته امرأة تبتاع تمرا فأعجبته الحديث والكلبي ضعيف فإن ثبت حمل أيضا علىالتعدد وظن الزمخشري أن عمرو بن غزية اسم أبي اليسر فجزم به فوهم وأما ما أخرجه أحمد وعبد بن حميد وغيرهما من حديث أبي أمامة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت حدا فأقمه على فسكت عنه ثلاثا فأقيمت الصلاة فدعا الرجل فقال أرأيت حين خرجت من بيتك ألست قد توضأت فأحسنت الوضوء قال بلى قال ثم شهدت الصلاة معنا قال نعم قال فإن الله قد غفر لك وتلا هذه الآية فهي قصة أخرى ظاهر سياقها أنها متأخرة عن نزول الآية ولعل الرجل ظن أن كل خطيئة فيها حد فأطلق على ما فعل حدا والله أعلم وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى وأما قصة عامر بن قيس فذكرها مقاتل بن سليمان في تفسيره وأما قصة عباد فحكاها القرطبي ولم يعزها وعباد اسم جد أبي اليسر فلعله نسب ثم سقط شيء وأقوى الجميع أنه أبو اليسر والله أعلم قوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية عبد الرزاق أنه أتى أبا بكر وعمر أيضا وقال فيها فكل من سأله عن كفارة ذلك قال أمعزبة هي قال نعم قال لا أدرى حتى أنزل فذكر بقية الحديث وهذه الزيادة وقعت في حديث يوسف بن مهران عن بن عباس عند أحمد بمعناه دون قوله لا أدرى قوله قال الرجل إلى هذه أي الآية يعني خاصة بن بأن صلاتي مذهبة لمعصيتي وظاهر هذا أن صاحب القصة هو السائل عن ذلك ولأحمد والطبراني من حديث بن عباس قال يا رسول الله إلى خاصة أم للناس عامة فضرب عمر صدره وقال لا ولا نعمة عين بل الناس عامة فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق عمر وفي حديث أبي اليسر فقال إنسان يا رسول الله له خاصة وفي رواية إبراهيم النخعي عند مسلم فقال معاذ يا رسول الله أنه وحده أم للناس كافة وللدارقطنى مثله من حديث معاذ نفسه ويحمل على تعدد السائلين عن ذلك وقوله إلى بفتح الهمزة استفهاما وقوله هذا مبتدأ تقدم خبره عليه وفائدته التخصيص قوله قال لمن عمل بها من أمتى تقدم في الصلاة من هذا الوجه بلفظ قال لجميع أمتي كلهم وتمسك بظاهر قوله تعالى أن الحسنات يذهبن السيآت المرجئة وقالوا أن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة وحمل الجمهور هذا المطلق على المقيد في الحديث الصحيح أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر فقال طائفة إن اجتنبت الكبائر كانت الحسنات كفارة لما عدا الكبائر من الذنوب وأن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئا وقال آخرون إن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئا منها وتحط الصغائر وقيل المراد أن الحسنات تكون سببا في ترك السيآت كقوله تعالى أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لا أنها تكفر شيئا حقيقة وهذا قول بعض المعتزلة وقال بن عبد البر ذهب بعض أهل العصر إلى أن الحسنات تكفر الذنوب واستدل بهذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث الظاهرة في ذلك قال ويرد الحث على التوبة في أي كبيرة فلو كانت الحسنات تكفر جميع السيئات لما أحتاج إلى التوبة واستدل بهذا الحديث على عدم وجوب الحد في القبلة واللمس ونحوهما وعلى سقوط التعزيز عمن أتى شيئا منها وجاء تائبا نادما واستنبط منه بن المنذر أنه لا حد على من وجد مع امرأة أجنبية في ثوب واحد

قوله سورة يوسف بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال فضيل عن حصين عن مجاهد متكأ الأترج بالحبشية متكا كذا لأبي ذر ولغيره متكا الأترج قال فضيل الأترج بالحبشة متكا وهذا وصله بن أبي حاتم من طريق يحيى بن يمان عن فضيل بن عياض وأما روايته عن حصين فرويناه في مسند مسدد رواية معاذ بن المثنى عنه عن فضيل عن حصين عن مجاهد في قوله تعالى واعتدت لهن متكأ قال أترج ورويناه في تفسير بن مردويه من هذا الوجه فزاد فيه عن مجاهد عن بن عباس ومن طريقه أخرجه الحافظ الضياء في المختارة وقد روى عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وأعتدت لهن متكا قال طعاما قوله وقال بن عيينة عن رجل عن مجاهد متكا كل شيء قطع بالسكين هكذا رويناه في تفسيير بن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه بهذا وأخرج بن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد المتكأ بالتثقيل الطعام وبالتخفيف الأترج والرواية الأولى عنه أعم قوله يقال بلغ أشده قبل أن يأخذ في النقصان ويقال بلغوا أشدهم وقال بعضهم وأحدها شد والمتكا ما انكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام وأبطل الذي قال الأترج وليس في كلام العرب الأترج فلما احتج عليهم بأن المتكا من نمارق فروا إلى شر منه وقالوا إنما هو المتك ساكنة التاء وإنما المتك طرف البظر ومن ذلك قيل لها متكاء وابن المتكاء فإن كان ثم أترج فأنه بعد المتكأ قلت وقع هذا متراخيا عما قبله عند الأكثر والصواب إيراده تلوه فأما الكلام على الأشد فقال أبو عبيدة هو جمع لا واحد له من لفظه وحكى الطبري أنه واحد لا نظير له في الآحاد وقال سيبويه واحدة شدة وكذا قال الكسائي لكن بلا هاء واختلف النقلة في قدر الأشد الذي بلغه يوسف فالأكثر أنه الحلم وعن سعيد بن جبير ثمان عشرة وقيل سبع عشرة وقيل عشرون وقيل خمسة وعشرون وقيل ما بين ثمان وعشرة إلى ثلاثين وفي غيره قيل الأكثر أربعون وقيل ثلاثون وقيل ثلاثة وثلاثون وقيل خمسة وثلاثون وقيل ثمانة وأربعون وقيل ستون وقال بن التين الأظهر أنه أربعون لقوله تعالى فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكان النبي لا ينبا حتى يبلغ أربعين وتعقب بأن عيسى عليه السلام نبىء لدون أربعين ويحيى كذلك لقوله تعالى وآتيناه الحكم صبيا وسليمان لقوله تعالى ففهمناها سليمان إلى غير ذلك والحق أن المراد بالاشد بلوغ سن الحلم ففي حتى يوسف عليه السلام ظاهر ولهذا جاء بعده وراودته التي هو في بيتها وفي حق موسى عليه السلام لعله بعد ذلك كبلوغ الأربعين ولهذا جاء بعده واستوى ووقع في قوله آتيناه حكما وعلما في الموضعين فدل على أن الأربعين ليست حدا لذلك وأما المتكأ فقال أبو عبيدة أعتدت أفعلت من العتاد ومعناه أعتدت لهن متكأ أي نمرقا يتكأ عليه وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض ولكن عسى أن يكون مع المتكأ ترنج يأكلونه ويقال ألقى له متكأ يجلس عليه انتهى وقوله ليس في كلام العرب الأترج يريد أنه ليس في كلام العرب تفسير المتكأ بالأترج قال صاحب المطالع وفي الأترج ثلاث لغات ثانيها بالنون وثالثها مثلها بحذف الهمزة وفي المفرد كذلك وعند بعض المفسرين أعتدت لهن البطيخ والموز وقيل كان مع الأترج عسل وقيل كان للطعام المذكور بزماورد لكن ما نفاه المؤلف رحمه الله تبعا لأبي عبيدة قد أثبته غيره وقد روى عبد بن حميد من طريق عوف الأعرابي حديث بن عباس أنه كان يقرأها متكا مخففة ويقال هو الأترج وقد حكاه الفراء وتبعه الأخفش وأبو حنيفة الدينوري والقالى وابن فارس وغيرهم كصاحب المحكم و الجامع و الصحاح وفي الجامع أيضا أهل عمان يسمون السوسن المتكأ وقيل بضم أوله الأترج وبفتحه السوسن وقال الجوهري المتكأ ما تبقيه الخاتنة بعد الختان من المرأة والمتكاه التي لم تختن وعن الأخفش المتكأ الأترج تنبيه متكا بضم أوله وسكون ثانيه وبالتنوين على المفعوليه هو الذي فسره مجاهد وغيره بالاترج أو غيره وهي قراءة وأما القراءة المشهورة فهو ما يتكأ عليه من وسادة وغيرها كما جرت به عادة الأكابر عند الضيافة وبهذا التقرير لا يكون بين النقلين تعارض وقد روى عبد بن حميد عن طريق منصور عن مجاهد قال من قرأها مثقلة قال الطعام ومن قرأها مخففة قال الأترج ثم لا مانع أن يكون المتكأ مشتركا بين الأترج وطرف البظر والبظر بفتح الموحدة وسكون الظاء المشالة موضع الختان من المرأة وقيل البظراء التي لا تحبس بولها قال الكرماني أراد البخاري أن المتكأ في قوله واعتدت لهن متكأ اسم مفعول من الاتكاء وليس هو متكأ بمعنى الأترج ولا بمعنى طرف البظر فجاء فيها بعبارات معجرفة كذا قال فوقع في أشد مما أنكره فإنها إساءة على مثل هذا الامام الذي لا يليق لمن يتصدى لشرح كلامه وقد ذكر جماعة من أهل اللغة أن البظر في الأصل يطلق على ماله طرف من الجسد كالثدى قوله وقال قتادة لذو علم لما علمناه عامل بما علم وصله بن أبي حاتم من طريق بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عنه بهذا قوله وقال سعيد بن جبير صواع الملك مكوك الفارسي الذي يلتقى طرفاه كانت تشرب الأعاجم به وصله بن أبي حاتم من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير مثله ورواه بن منده في غرائب شعبة وابن مردويه من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله صواع الملك قال كان كهيئة المكوك من فضة يشربون فيه وقد كان للعباس مثله في الجاهلية وكذا أخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن محمد بن جعفر عن شعبة وإسناده صحيح والمكوك بفتح الميم وكافين الأولى مضمومة ثقيلة بينهما واو ساكنة هو مكيال معروف لأهل العراق تنبيه قراءة الجمهور صواع وعن أبي هريرة أنه قرأ صاع الملك عن أبي رجاء وصوع الملك بسكون الواو وعن يحيى بن يعمر مثله لكن بغين معجمة حكاها الطبري قوله وقال بن عباس تفندون تجهلون وروى بن أبي حاتم من طريق أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل عن بن عباس في قوله لولا أن تفندون أي تسفهون كذا قال أبو عبيدة وكذا أخرجه عبد الرزاق وأخرج أيضا عن معمر عن قتادة مثله وأخرجه بن مردويه من طريق بن أبي الهذيل أيضا أتم منه قال في قوله ولما فصلت العير قال لما خرجت العير هاجت ريح فأتت يعقوب بريح يوسف فقال إني لأجدريح يوسف لولا أن تفندون قال لولا أن تسفهون قال فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام وقوله تفندون مأخوذ من العتد محركا وهو الهرم قوله غيابة الجب كل شيء غيب عنك فهو غيابة والجب الركية التي لم تطو كذا وقع لأبي ذر فأوهم أنه من كلام بن عباس لعطفه عليه وليس كذلك وإنما هو كلام أبي عبيدة كما سأذكره ووقع في رواية غير أبي ذر وقال غيره غيابة الخ وهذا هو الصواب قوله بمؤمن لنا مصدق قال أبو عبيدة في قوله تعالى وما أنت بمؤمن لنا أي بمصدق قوله شغفها حبا يقال بلغ شافها وهو غلاف قلبها وأما شعفها يعني بالعين المهملة فمن الشعوف قال أبو عبيدة في قوله تعالى قد شغفها حبا أي وصل الحب إلى شغاف قلبها وهو غلافه قال ويقرأه قوم شعفها أي بالعين المهملة وهو من الشعوف انتهى والذي قرأها بالمهملة أبو رجاء والأعرج وعوف رواه الطبري ورويت عن على والجمهور بالمعجمة يقال فلان مشغوف بفلان إذا بلغ الحب أقصى المذاهب وشعاف الجبال أعلاها والشغاف بالمعجمة حبة القلب وقيل علقة سوداء في صميمة وروى عبد بن حميد من طريق قرة عن الحسن قال الشغف يعني بالمعجمة أن يكون قذف في بطنها حبه والشعف يعني بالمهملة أن يكون مشعوفا بها وحكى الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن الشعف بالعين المهملة البغض وبالمعجمة الحب وغلطه الطبري وقال إن الشعف بالعين المهملة بمعنى عموم الحب أشهر من أن يجهله ذو على بكلامهم قوله أصب إليهن أميل إليهن حبا قال أبو عبيدة في قوله تعالى وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن أي اهواهن وأميل إليهن قال الشاعر الى هند صبا قلبي وهند مثلها يصبى أي يمال قوله أضغاث احلام ما لا تأويل له الضغث ملء اليد من حشيش وما أشبهه ومنه وخذ بيدك ضغثا لا من قوله أضغاث أحلام وأحدها ضغث كذا وقع لأبي ذر وتوجيهه أنه أراد أن ضغثا في قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا بمعنى ملء الكف من الحشيش لا بمعنى ما لا تأويل له ووقع عند أبي عبيدة في قوله تعالى قالوا أضغاث أحلام وأحدها ضغث بالكسر وهي ما لا تأويل له من الرؤيا وأراه جماعات تجمع من الرؤيا كما يجمع الحشيش فيقول ضغث أي ملء كف منه وفي آية أخرى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله اضغاث أحلام قال أخلاط أحلام ولأبي يعلى من حديث بن عباس في قوله اضغاث أحلام قال هي الأحلام الكاذبة قوله نمير من الميرة ونزدا كيل بعير ما يحمل بغير قال أبو عبيدة في قوله تعالى ونمير أهلنا من مرت نمير ميرا وهي الميرة أي نأتيهم ونشترى لهم الطعام وقوله كيل بعير أي حمل بعير يكال له ما حمل بعيره وروى الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قوله كيل بعير أي كيل حمار وقال بن خالويه في كتاب ليس هذا حرف نادر ذكر مقاتل عن الزبور البعير كل ما يحمل بالعبرانية ويؤيذ ذلك أن إخوة يوسف كانوا من أرض كنعان وليس بها إبل كذا قال قوله آوى إليه ضم قال أبو عبيدة في قوله آوى إليه أخاه أي ضمه آواه فهو يؤوى إليه إيواء قوله السقاية مكيال هي الإناء الذي كان يشرب به قيل جملة يوسف عليه السلام مكيالا لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله جعل السقاية قال إناء الملك الذي يشرب به قوله تفتأ لا تزال قال أبو عبيدة في قوله تعالى تالله تفتأ تذكر يوسف أي لا تزال تذكرة وروى الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد تفتأ أي لا تفتر عن حبه وقيل معنى تفتأ تزال فحذف حرف النفي قوله تحسسوا تخبروا قال أبو عبيدة في قوله تعالى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه يقول تخبروا والتمسوا في المظان قوله مزجاة قليلة قال أبو عبيدة في قوله تعالى وجئنا ببضاعة مزجاة أي يسيرة قليلة قيل فاسدة وروى عبد الرزاق عن قتادة في قوله مزجاة قال يسيرة ولسعيد بن منصور عن عكرمة في قوله مزجاة قال قليلة واختلف في بضاعتهم فقيل كانت من صوف ونحوه وقيل دراهم رديئة وروى عبد الرزاق بإسناد حسن عن بن عباس وسئل عن قوله ببضاعة مزجاة قال رثة الحبل والغرارة والشن قوله غاشية من عذاب الله عامة مجللة بالجيم وهو تأكيد لقوله عامة وقال أبو عبيدة غاشية من عذاب الله مجلة وهي بالجيم وتشديد اللام أي تعمهم وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله غاشية من عذاب الله أي وقيعة تغشاهم قوله حرضا محرضا يذيبك الهم قال أبو عبيدة في قوله تعالى حتى تكون حرضا الحوض الذي اذابة الحزن أو الحب وهو موضع محرض قال الشاعر إني امرؤ لج بي حزن فأحرضني أي إذا بنى قوله استيأسوا يئسوا ولا تيأسوا من روح الله معناه الرجاء ثبت هذا لأبي ذر عن المستملى والكشميهني وسقط لغيرهما وقد تقدم في ترجمة يوسف من أحاديث الأنبياء قوله خلصوا نجيا أي اعتزلوا نجيا والجمع أنجية يتناجون الواحد نجى والاثنان والجمع نجى وانجية ثبت هذا لابن ذر عن المستملى والكشميهني ووقع في رواية المستملى اعترفوا بدل اعتزلوا والصواب الأول قال أبو عبيدة في قوله تعالى خلصوا نجيا أي اعتزلوا نجيا يتناجون والنجى يقع لفظه على الواحد والجمع أيضا وقد يجمع فيقال أنجيه

قوله باب قوله ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب الآية ذكر فيه حديث بن عمر الكريم بن الكريم الحديث وأخرج الحاكم مثله من حديث أبي هريرة وهو دال على فضيلة خاصة وقعت ليوسف عليه السلام لم يشركه فيها أحد ومعنى قوله أكرم الناس أن من جهة النسب ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضل من غيره مطلقا وقوله في أول الإسناد حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي شيخه المشهور ووقع في أطراف خلف هنا وقال عبد الله بن محمد والأول أولى

قوله باب قوله لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ذكر بن جرير وغيره أسماء إخوة يوسف وهم روبيل وشمعون ولآوي ويهوذا وريالون ويشجر ودان ونيال وجاد واشر وبنيامين وأكبرهم أولهم ثم ذكر المصنف فيه حديث أبي هريرة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في أحاديث الأنبياء ومحمد في أول الإسناد هو بن سلام كما تقدم مصرحا به في أحاديث الأنبياء وعبدة هو بن سليمان وعبيد الله هو العمري وفي الجمع بين قول يعقوب وكذلك يجتبيك ربك وبين قوله وأخاف أن يأكله الذئب غموض لأنه جزم بالاجتباء وظاهره فيما يستقبل فكيف يخاف عليه أن يهلك قبل ذلك وأجيب بأجوبة أحدها لا يلزم من جواز أكل الذئب له أكل جميعه بحيث يموت ثانيها أراد بذلك دفع إخوته عن التوجه به فخاطبهم بما جرت عادتهم لا على ما هو في معتقده ثالثها أن قوله بجتبيك لفظه لفظ خبر ومعناه الدعاء كما يقال فلان يرحمه الله فلا ينافي وقوع هلاكه قبل ذلك رابعها أن الاجتباء الذي ذكر يعقوب أنه سيحصل له كان حصل قبل أن يسأل إخوته أباهم أن يوجهه معهم بدليل قوله بعد أن ألقوه في الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ولا بعد في أن يؤتى النبوة في ذلك السن فقد قال في قصة يحيى وآتيناه الحكم صبيا ولا اختصاص لذلك بيحيي فقد قال عيسى وهو في المهد أني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وإذا حصل الاجتباء الموعود به لم يمتنع عليه الهلاك خامسها أن يعقوب أخبر بالاجتباء مستندا إلى ما أوحى اليه به والخبر يجوز أن يدخله النسخ عند قوم فيكون هذا من أمثلته وإنما قال وأخاف أن يأكله الذئب تجويزا لا وقوعا وقريب منه أنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأشياء من علامات الساعة كالدجال ونزول عيسى وطلوع الشمس من المغرب ومع ذلك فأنه خرج لما كسفت الشمس يجر رداءه فزعا يخشى أن تكون الساعة وقوله تابعه أبو أسامة عن عبيد الله وصله المؤلف في أحاديث الأنبياء

قوله باب قوله قال بل سولت لكم أنفسكم أمر فصبر جميل سولت زينت قال أبو عبيدة في قوله بل سولت لكم أنفسكم أي زينت وحسنت ثم ذكر المصنف طرفا من حديث الإفك وسيأتي شرحه بتمامه في تفسير سورة النور وذكر أيضا من طريق مسورق حدثتني أم رومان وهي أم عائشة فذكر أيضا من حديث الإفك طرفا وقد تقدم بأتم سياقا من هذا في ترجمة يوسف من أحاديث الأنبياء وتقدم شرح ما قيل في الإسناد المذكور من الانقطاع والجواب عنه مستوفى ويأتي التنبيه على ما فيه من فائدة في تفسير سورة النور إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله وراودته التي هو في بيتها عن نفسه اسم هذه المرأة في المشهور زليخا وقيل راعيل واسم سيدها العزيز قطفير بكسر أوله وقيل بهمزة بدل القاف قوله وغلقت الأبواب قالت هيت لك وقال عكرمة هيت بالحورانية هلم وقال بن جبير تعاله أما قوله عكرمة فوصله عبد بن حميد من طريقه وأخرج من وجه آخر عن عكرمة قال هيئت لك يعني بضم الهاء وتشديد التحتانية بعدها أخرى مهموزة وأخرج بن مردويه من طريق مسروق عن عبد الله قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم هيت لك يعني هلم لك وعند عبد الرزاق من وجه آخر عن عكرمة قال معناها تهيأت لك وعن قتادة قال يقول بعضهم هلم لك وأما قول سعيد بن جبير فوصله الطبري وأبو الشيخ من طريقه وقال أبو عبيدة في قوله وقالت هيت لك أي هلم وأنشدنى أبو عمرو بن العلاء ان العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا قال ولفظ هيت للواحد والإثنين والجمع من الذكر والأنثى سواء إلا أن العدد فيما بعد نقول هيت لك وهيت لكما قال وشهدت أبا عمرو بن العلاء وسأله رجل عمن قرأ هئت لك أي بكسر الهاء وضم المثناة مهموزا فقال باطل لا يعرف هذا أحد من العرب انتهى وقد أثبت ذلك الفراء وساقه من طريق الشعبي عن بن مسعود وسيأتي تحرير النقل عن بن مسعود في ذلك قريبا قول

[ 4415 ] عن سليمان هو الأعمش قوله عن عبد الله بن مسعود قالت هيت لك وقال إنما نقرؤها كما علمناها هكذا أورده مختصرا وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش بلفظ أني سمعت الفراء فسمعتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم وإياكم والتنطع والاختلاف فإنما هو كقول الرجل هلم وتعال ثم قرا وقالت هيت لك فقلت إن ناسا يقرءونها هيت لك قال لا لأن أقرأها كما علمت أحب الى وكذا أخرجه بن مردويه من طريق شيبان وزائدة عن الأعمش نحوه ومن طريق طلحة بن مصرف عن أبي وائل أن بن مسعود قرأها هيت لك بالفتح ومن طريق سليمان التيمي عن الأعمش بإسناده لكن قال بالضم وروى عبد بن حميد من طريق أبي وائل قال قرأها عبد الله بالفتح فقلت له إن الناس يقرءونها بالضم فذكره وهذا أقوى قلت وقراءة بن مسعود بكسر الهاء وبالضم وبالفتح بغير همز وروى عبد بن حميد عن أبي وائل أنه كان يقرؤها كذلك لكن بالهمز وقد تقدم إنكار أبي عمرو ذلك لكن ثبت ما أنكره في قراءة هشام في السبعة وجاء عنه الضم والفتح أيضا وقرأ بن كثير بفتح الهاء وبالضم وقرأ نافع وابن ذكوان بكسر أوله وفتح آخره وقرأ الجمهور بفتحهما وقرأ بن محيصن بفتح أوله وكسر آخره وهي عن بن عباس أيضا والحسن وقرأ بن أبي إسحاق أحد مشايخ النحو بالبصرة بكسر أوله وضم آخره وحكى النحاس أنه قرأ بكسرهما وأما ما نقل عن عكرمة أنها بالحورانية فقد وافقه عليه الكسائي والفراء وغيرهما كما تقدم وعن السدي أنها لغة قبطية معناها هلم لك وعن الحسن أنها بالسريانية كذلك وقال أبو زيد الأنصاري هي بالعبرانية وأصلها هيت لج أي تعاله فعربت وقال الجمهور هي عربية بمعناها الحث على الإقبال والله أعلم قوله مثواه مقامه ثبت هذا لأبي ذر وكذا الذي بعده قال أبو عبيدة في قوله تعالى اكرمى مثواه أي مقامه الذي ثواه ويقال لمن نزل عليه الشخص ضيفا أبو مثواه قوله وألفيا وجدا ألفوا آباءهم وألفى قال أبو عبيدة في قوله تعالى وألفيا سيدها لدى الباب أي وجداه وفي قوله إنهم ألفوا آباءهم أي وجدوا وفي قوله ألفي أي وجد قوله وعن بن مسعود بل عجبت ويسخرون هكذا وقع في هذا الموضع معطوفا على الإسناد الذي قبله وقد وصله الحاكم في المستدرك من طريق جرير عن الأعمش بهذا وقد أشكلت مناسبة إيراد هذه الآية في هذا الموضع فأنها من سورة والصافات وليس في هذه السورة من معناها شيء لكن أورد البخاري في الباب حديث عبد الله وهو بن مسعود أن قريشا لما أبطئوا على النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم أكفنيهم بسبع كسبع يوسف الحديث ولا تظهر مناسبته أيضا للترجمة المذكورة وهي قوله باب قوله وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وقد تكلف لها أبو الإصبع عيسى بن سهل في شرحه فيما نقلته من رحلة أبي عبد الله بن رشيد عنه ما ملخصه ترجم البخاري باب قوله وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وأدخل حديث بن مسعود أن قريشا لما أبطئوا الحديث وأورد قبل ذلك في الترجمة عن بن مسعود بل عجبت ويسخرون قال فانتهى الىموضع الفائدة ولم يذكرها وهو قوله وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون قال ويؤخذ من ذلك مناسبة التبويب المذكورة ووجهه أنه شبة ما عرض ليوسف عليه السلام مع إخوته ومع امرأة العزيز بما عرض لمحمد صلى الله عليه وسلم مع قومه حين أخرجوه من وطنه كما أخرج يوسف إخوته وباعوه لمن استعبده فلم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم قومه لما فتح مكة كما لم يعنف يوسف إخوته حين قالوا له تالله لقد آثرك الله علينا ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بالمطر لما سأله أبو سفيان أن يستسقى لهم كما دعا يوسف لإخوته لما جاءوه نادمين فقال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم قال فمعنى الآية بل عجبتم حلمى عنهم مع سخريتهم بك وتماديهم على غيهم وعلى قراءة بن مسعود بالضم بل عجبت من حلمك عن قومك إذ أتوك متوسلين بك فدعوت فكشف عنهم وذلك كحلم يوسف عن إخوته إذ أتوه محتاجين وكحلمه عن امرأة العزيز حيث أغرت به سيدها وكذبت عليه ثم سجنته ثم عفا عنها بعد ذلك ولم يؤاخذها قال فظهر تناسب هاتين الآيتين في المعنى مع بعد الظاهر بينهما قال ومثل هذا كثير في كتابه مما عابه به من لم يفتح الله عليه والله المستعان ومن تمام ذلك أن يقال تظهر المناسبة أيضا بين القصتين من قوله في الصافات وإذا رأوا آية يستسخرون فإن فيه إشارة إلى تماديهم على كفرهم وغيهم ومن قوله في قصة يوسف ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين وقول البخاري وعن بن مسعود هو موصول بالإسناد الذي قبله وقد روى الطبري وابن أبي حاتم من طريق الأعمش عن أبي وائل عن شريح أنه أنكر قراءة عجبت بالضم ويقول إن الله لا يعجب وإنما يعجب من لا يعلم قال فذكرته لإبراهيم النخعي فقال أن شريحا كان معجبا برأيه وأن بن مسعود كان يقرؤها بالضم وهو أعلم منه قال الكرماني أورد البخاري هذه الكلمة وإن كانت في الصافات هنا إشارة إلى أن بن مسعود كان يقرؤها بالضم كما يقرأ هيت بالضم انتهى وهي مناسبة لا بأس بها إلا أن الذي تقدم عن بن سهل أدق والله أعلم وقرأ بالضم أيضا سعيد بن جبير وحمزة والكسائي والباقون بالفتح وهو ظاهر وهو ضمير الرسول وبه صرح قتادة ويحتمل أن يراد به كل من يصح منه وأما الضم فحكاية شريح تدل على أنه حمله على الله وليس لإنكاره معنى لأنه إذا ثبت حمل على ما يليق به سبحانه وتعالى ويحتمل أن يكون مصروفا للسامع أي قل بل عجبت ويسخرون والأول هو المعتمد وقد أقره إبراهيم النخعي وجزم بذلك سعيد بن جبير فيما رواه بن أبي حاتم قال في قوله بل عجبت الله عجب ومن طريق أخرى عن الأعمش عن أبي وائل عن بن مسعود أنه قرأ بل عجبت بالرفع ويقول نظيرها وأن تعجب فعجب قولهم ومن طريق الضحاك عن بن عباس قال سبحان الله عجب ونقل بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن محمد بن عبد الرحمن المقري ولقبه مت قال وكان يفضل على الكسائي في القراءة أنه قال يعجبني أن أقرأ بل عجبت بالضم خلافا للجهمية

[ 4416 ] قوله حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم وهو بن صبيح بالتصغير وهو أبو الضحى وهو بكنيته أشهر ووقع في مسند الحميدي عن سفيان أخبرني الأعمش أو أخبرت عنه عن مسلم كذا عنده بالشك وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه وأخرجه الإسماعيلي من طريق بن أبي عمر عن سفيان قال سمعت من الأعمش أو أخبرته عنه عن مسلم بن صبيح وهذا الشك لا يقدح في صحة الحديث فإنه قد تقدم في الاستسقاء من طريق أخرى عن الأعمش من غير رواية بن عيينة فتكون هذه معدودة في المتابعات والله أعلم

قوله باب قوله فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك إلى قول قلن حاش لله كذا لإبي ذر وكأن الترجمة انقضت عند قوله ربك ثم فسر قوله حاش لله وساق غيره من أول الآية إلى قوله عن نفسه فلن حاش لله قوله حاش وحاشا تنزيه واستثناء قال أبو عبيدة في قوله حاش لله الشين مفتوحة بغير ياء وبعضهم يدخلها في آخره كقول الشاعر حاشى أبي ثوبان أن به ومعناه التنزيه والاستثناء عن الشر تقول حاشيته أي استثنيته وقد قرأ الجمهور بحذف الألف بعد الشين وأبو عمرو بأثباتها في الوصل وفي حذف الألف بعد الحاء لغة وقرأ بها الأعمش واختلف في أنها حرف أو اسم أو فعل وشرح ذلك يطول والذي يظهر أن من حذفها رجح فعليتها بخلاف من نفاها ويؤيد فعليتها قول النابغة ولا أحاشى من الأقوام من أحد فإن تصرف الكلمة من الماضي إلى المستقبل دليل فعليتها واقتضى كلامه أن إثبات الألف وحذفها سواء لغة وقيل إن حذف الألف الأخيرة لغة أهل الحجاز دون غيرهم تنبيه قول تنزيه في رواية الأكثر بفتح أوله وسكون النون بعدها زاى مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم هاء وفي رواية حكاها عياض موحدة ساكنة بعد أوله وكسر الراء بعدها تحتانية مفتوحة مهموزة ثم تاء تأنيث قوله حصحص وضح قال أبو عبيدة في قوله الآن حصحص الحق أي الساعة وضح الحق وتبين وقال الخليل معناه تبين وظهر بعد خفاء ثم قيل هو مأخوذ من الحصة أي ظهرت حصة الحق من حصة الباطل وقيل من حصه إذا قطعه ومنه أحص الشعر وحص وحصحص مثل كف وكفكف

[ 4417 ] قوله حدثنا سعيد بن تليد بفتح المثناة وكسر اللام بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة هو سعيد بن عيسى بن تليد مصري يكنى أبا عثمان تقدم ذكره في بدء الخلق نسبه البخاري إلى جده قوله حدثنا عبد الرحمن بن القاسم هو العتقي بضم المهملة وفتح المثناة بعدها قاف المصري الفقيه المشهور صاحب مالك وراوى المدونة من علم مالك وليس له في البخاري سوى هذا الموضع والإسناد مسلسل بالمصريين إلى يونس بن يزيد والباقون مدنيون وفيه رواية الأقران لأن عمرو بن الحارث المصري الفقيه المشهور من أقران يونس بن يزيد وقد تقدم شرح حديث الباب في ترجمتي إبراهيم ولوط من أحاديث الأنبياء

قوله باب قوله حتى إذا استيأس الرسل استيأس استفعل من اليأس ضد الرجاء قال أبو عبيدة في قوله فلما استيأسوا منه استفعلوا من يئست ومثله في هذه الآية وليس مراده باستفعل إلا الوزن خاصة وإلا فالسين والتاء زائدتان واستيأس بمعنى يئس كاستعجب وعجب وفرق بينهما الزمخشري بأن الزيادة تقع في مثل هذا التنبيه على المبالغة في ذلك الفعل واختلف فيما تعلقت به الغاية من قوله حتى فاتفقوا على أنه محذوف فقيل التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فتراخى النصر عنهم حتى إذا وقيل التقدير فلم تعاقب أممهم حتى إذا وقيل فدعوا قومهم فكذبوهم فطال ذلك حتى إذا

[ 4419 ] قوله عن صالح هو بن كيسان قوله عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله عز وجل في رواية عقيل عن بن شهاب في أحاديث الأنبياء أخبرني عروة أنه سأل عائشة عن قوله تعالى فذكره قوله قلت أكذبوا أم كذبوا أي مثقلة أو مخففة ووقع ذلك صريحا في رواية الإسماعيلي من طريق صالح بن كيسان هذه قوله قالت عائشة كذبوا أي بالتثقيل في رواية الإسماعيلي مثقلة قوله فما هو بالظن قالت أجل زاد الإسماعيلي قلت فهي مخففة قالت معاذ الله وهذا ظاهر في أنها أنكرت القراءة بالتخفيف بناء على أن الضمير للرسل وليس الضمير الرسل على ما بينته ولا لإنكار القراءة بذلك معنى بعد ثبوتها ولعلها لم يبلغها ممن يرجع إليه في ذلك وقد قرأها بالتخفيف أئمة الكوفة من القراء عاصم ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ووافقهم من الحجازيين أبو جعفر بن القعقاع وهي قراءة بن مسعود وابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي في آخرين وقال الكرماني لم تنكر عائشة القراءة وإنما أنكرت تأويل بن عباس كذا قال وهو خلاف الظاهر وظاهر السياق أن عروة كان يوافق بن عباس في ذلك قبل أن يسأل عائشة ثم لا يدري رجع إليها أم لا وروى بن أبي حاتم من طريق يحيى بن سعيد الانصارى قال جاء رجل إلى القاسم بن محمد فقال له إن محمد بن كعب القرظي يقرأ كذبوا بالتخفيف فقال أخبره عني أني سمعت عائشة تقول كذبوا مثقلة أي كذبتهم أتباعهم وقد تقدم في تفسير البقرة من طريق بن أبي مليكة قال قال بن عباس حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة قال ذهب بها هنالك وفي رواية الأصيلي بما هنالك لك بميم بدل الهاء وهو تصحيف وقد أخرجه النسائي والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ ذهب ههنا وأشار إلىالسماء وتلا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله إلا إن نصر الله قريب وزاد الإسماعيلي في روايته ثم قال بن عباس كانوا بشرا ضعفوا وأيسوا وظنوا أنهم قد كذبوا وهذا ظاهره أن بن عباس كان يذهب إلى أن قوله متى نصر الله مقول الرسول واليه ذهب طائفة ثم اختلفوا فقيل الجميع مقول الجميع وقيل الجملة الأولى مقول الجميع والأخيرة من كلام الله وقال آخرون الجملة الأولى وهي متى نصر الله مقول الذين آمنوا معه والجملة الأخيرة وهي الا أن نصر الله قريب مقول الرسول وقدم الرسول في الذكر لشرفه وهذا أولى وعلى الأول فليس قول الرسول متى نصر الله شكا بل استبطاء للنصر وطلبا له وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم يوم بدر اللهم أنجز لي ما وعدتني قال الخطابي لا شك أن عباس لا يجيز عل الرسل أنها تكذب بالوحي ولا يشك في صدق المخبر فيحمل كلامه على أنه أراد أنهم لطول البلاء عليهم وابطاء النصر وشدة استنجاز من وعدوه به توهموا أن الذي جاءهم من الوحي كان حسبانا من أنفسهم وظنوا عليها الغلط في تلقى ما ورد عليهم من ذلك فيكون الذي بني له الفعل أنفسهم لا الآتي بالوحي والمراد بالكذب الغلط لا حقيقة الكذب كما يقول القائل كذبتك نفسك قلت ويؤيده قراءة مجاهد وظنوا أنهم قد كذبوا بفتح أوله مع التخفيف أي غلطوا ويكون فاعل وظنوا الرسل ويحتمل أن يكون أتباعهم ويؤيده ما رواه الطبري بأسانيد متنوعه من طريق عمران بن الحارث وسعيد بن جبير وأبي الضحى وعلى بن أبي طلحة والعوفى كلهم عن بن عباس في هذه الآية قال ايس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل كذبوا وقال الزمخشري إن صح هذا عن بن عباس فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال ويهجس في النفس من الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية وأما الظن وهو ترجيح أحد الطرفين فلا يظن بالمسلم فضلا عن الرسول وقال أبو نصر القشيري ولا يبعد أن المراد خطر بقلب الرسل فصرفوه عن أنفسهم أو المعنى قربوا من الظن كما يقال بلغت المنزل إذا قربت منه وقال الترمذي الحكيم وجهه أن الرسل كانت تخاف بعد أن وعدهم الله النصر أن يتخلف النصر لا من تهمة بوعد الله بل لتهمة النفوس أن تكون قد أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط فكان الأمر إذا طال واشتد البلاء عليهم دخلهم الظن من هذه الجهة قلت ولا يظن بابن عباس أنه يجوز على الرسول أن نفسه تحدثه بأن الله يخلف وعده بل الذي يظن بابن عباس أنه أراد بقوله كانوا بشر إلى آخر كلامه من آمن من أتباع الرسل لا نفس الرسل وقول الراوي عنه ذهب بها هناك أي إلى السماء معناه أن أتباع الرسل ظنوا أن ما وعدهم به الرسل على لسان الملك تخلف ولا مانع أن يقع ذلك في خواطر بعض الأتباع وعجب لابن الأنباري في جزمه بأنه لا يصح ثم الزمخشري في توقفه عن صحة ذلك عن بن عباس فإنه صح عنه لكن لم يأت عنه التصريح بأن الرسل هم الذين ظنوا ذلك ولا يلزم ذلك من قراءة التخفيف بل الضمير في وظنوا عائد على المرسل إليهم وفي وكذبوا عائد على الرسل أي وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا أو الضمائر للرسل والمعنى يئس الرسل من النصر وتوهموا أن أنفسهم كذبتهم حين حدثتهم بقرب النصر أو كذبهم رجاؤهم أو الضمائر كلها للرسل إليهم أي يئس الرسل من إيمان من أرسلوا إليه وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم في جميع ما ادعوه من النبوة والوعد بالنصر لمن أطاعهم والوعيد بالعذاب لمن لم يجبهم وإذا كان ذلك محتملا وجب تنزيه بن عباس عن تجويزه ذلك على الرسل ويحمل إنكار عائشة على ظاهر مساقهم من إطلاق المنقول عنه وقد روى الطبري أن سعيد بن جبير سئل عن هذه الآية فقال يئس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا فقال الضحاك بن مزاحم لما سمعه لو رحلت إلى اليمن في هذه الكلمة لكان قليلا فهذا سعيد بن جبير وهو من أكابر أصحاب بن عباس العارفين بكلامه حمل الآية على الاحتمال الأخير الذي ذكرته وعن مسلم بن يسار أنه سأل سعيد بن جبير فقال له آية بلغت مني كل مبلغ فقرأ هذه الآية بالتخفيف قال في هذا ألوت أن تظن الرسل ذلك فأجابه بنحو ذلك فقال فرجت عنى فرج الله عنك وقام إليه فاعتنقه وجاء ذلك من رواية سعيد بن جبير عن بن عباس نفسه فعند النسائي من طريق أخرى عن سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله قد كذبوا قال استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم وإسناده حسن فليكن هو المعتمد في تأويل ما جاء عن بن عباس في ذلك وهو أعلم بمراد نفسه من غيره ولا يرد على ذلك ما روى الطبري من طريق بن جريج في قوله قد كذبوا خفيفة أي اخلفوا إلا أنا إذا قررنا أن الضمير للمرسل إليهم لم يضر تفسير كذبوا بأخلفوا أي ظن المرسل إليهم أن الرسل أخلفوا ما وعدوا به والله أعلم وروى الطبري من طريق تميم بن حذلم سمعت بن مسعود يقول في هذه الآية استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم حين أبطأ الأمر أن الرسل كذبوهم ومن طريق عبد الله بن الحارث استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن القوم أنهم قد كذبوا فيما جاءوهم به وقد جاء عن بن مسعود شيء موهم كما جاء عن بن عباس فروى الطبري من طريق صحيح عن مسروق عن بن مسعود أنه قرأ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا مخففة قال أبو عبد الله هو الذي يكره وليس في هذا أيضا ما يقطع به على أن بن مسعود أراد أن الضمير للرسل بل يحتمل أن يكون الضمير عنده لمن آمن من أتباع الرسل فإن صدور ذلك ممن آمن مما يكره سماعه فلم يتعين أنه أراد الرسل قال الطبري لو جاز أن يرتاب الرسل بوعد الله ويشكوا في حقيقة خبره لكان المرسل إليهم أولى بجواز ذلك عليهم وقد أختار الطبري قراءة التخفيف ووجهها بما تقدم ثم قال وإنما اخترت هذا لأن الآية وقعت عقب قوله فينظروا كيف كان عافية الذين من قبلهم فكان في ذلك إشارة إلى أن يأس الرسل كان من إيمان قومهم الذين كذبوهم فهلكوا أو أن المضمر في قوله وظنوا إنهم قد كذبوا إنما هو للذين من قبلهم من الأمم الهالكة ويزيد ذلك وضوحا أن في بقية الآية الخبر عن الرسل ومن آمن بهم بقوله تعالى فننجى من نشاء أي الذين هلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبوا فكذبوهم والرسل ومن اتبعهم هم الذين نجوا انتهى كلام ولا يخلو من نظر قوله قالت أجل أي نعم ووقع في رواية عقيل في أحاديث الأنبياء في هذا الموضع فقالت يا عرية وهو بالتصغير وأصله عريوة فاجتمع حرفا علة فأبدلت الواو ياء ثم ادغمت في الأخرى قوله لعمري لقد استيقنوا بذلك فيه إشعار يحمل عروة الظن على حقيقته وهو رجحان أحد الطرفين ووافقته عائشة لكن روى الطبري من طريق سعيد عن قتادة أن المراد بالظن هنا اليقين ونقله نقطوية هنا عن أكثر أهل اللغة وقال هو كقوله في آية أخرى وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه وأنكر ذلك الطبري وقال أن الظن لا تستعمله العرب في موضع العلم الا فيما كان طريقه غير المعاينة فأما ما كان طريقه المشاهدة فلا فإنها لا تقول أظنني إنسانا ولا أظنني حيا بمعنى أعلمنى إنسانا أو حيا قوله في الطريق الثانية عن الزهري أخبرني عروة فقلت لعلها كذبوا مخففة قالت معاذ الله نحوه هكذا أورده مختصرا وقد ساقه أبو نعيم في المستخرج بتمامه ولفظه عن عروة أنه سأل عائشة فذكر نحو حديث صالح بن كيسان فائدة قوله تعالى في بقية الآية فننجى من نشاء قرأ الجمهور بنونين الثانية ساكنة والجيم خفيفة وسكون آخره مضارع أنجى وقرأ عاصم وابن عامر بنون واحدة وجيم مشددة وفتح آخره على أنه فعل ماض مبنى للمفعول ومن قائمة مقام الفاعل وفيها قراءات أخرى قال الطبري كل من قرأ بذلك فهو منفرد بقراءته والحجة في قراءة غيره والله أعلم

قوله سورة الرعد بسم الله الرحمن الرحيم ثبتت البسملة لأبي ذر وحده قوله قال بن عباس كباسط كفيه مثل المشرك الذي عبد مع الله إلها آخر غيره كمثل العطشان الذي ينظر إلى ظل خياله في الماء من بعيد وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر وصله بن أبي حاتم وابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه الآية فذكر مثله وقال في آخره ولا يقدر عليه تنبيه وقع في رواية الأكثر فلا يقدر بالراء وهو الصواب وحكى عياض أن في رواية غير القابسي يقدم بالميم وهو تصحيف وأن كان له وجه من جهة المعنى وروى الطبري أيضا من طريق العوفي عن بن عباس في هذه الآية قال مثل الأوثان التي تعبد من دون الله كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كربه الموت وكفاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه يقول الله لا يستجيب له الأوثان ولا تنفعه حتى تبلغ كفا هذا فاه وما هما ببالغتين فاه أبدا ومن طريق أبي أيوب عن على قال كالرجل العطشان يده يه إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو بمرتفع ومن طريق سعيد عن قتادة الذي يدعو من دون الله إلها لا يستجيب له بشيء أبدا من نفع أو ضر حتى يأتيه الموت مثله كمثل الذي بسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ولا يصل ذلك إليه فيموت عطشا ومن طريق معمر عن قتادة نحوه ولكن قال وليس الماء ببالغ فاه ما دام باسطا كفيه لا يقبضهما وسيأتي قول مجاهد في ذلك فيما بعد قوله وقال غيره متجاورات متدانيات وقال غيره المثلاث وأحدها مثله وهي الأمثال والأشياء وقال إلا مثل أيام الذين خلوا هكذا وقع في رواية أبي ذر ولغير وقال غيره سخر ذلل متجاورات متدانيات المثلات وأحدها مثلة إلى آخره فجعل الكل لقائل واحد وقوله وسخر هو بفتح المهملة وتشديد الخاء المعجمة وذلل بالذال المعجمة وتشديد اللام تفسير سخر وكل هذا كلام أبي عبيدة قال في قوله وسخر الشمس والقمر أي ذللهما فانطاعا قال والتنوين في كل بدل من الضمير للشمس والقمر وهو مرفوع على الاستئناف فلم يعمل فيه وسخر وقال في قوله وفي الأرض قطع متجاورات أي متدانيات متقاربات وقال في قوله وقد خلت من قبلهم الثلات قال الأمثال والاشياه والنظير وروى للطبرى من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله المثلات قال الأمثال ومن طريق معمر عن قتادة قال المثلاث العقوبات ومن طريق زيد بن أسلم المثلاث ما مثل الله به من الأمم من العذاب وهو جمع مثلة كقطع الأذن والأنف تنبيه المثلاث والمثلة كلاهما بفتح الميم وضم المثلثة مثل سمرة وسمرات وسكن يحيى بن وثاب المثلثة في قراءته وضم الميم وكذا طلحة بن مصرف لكن فتح أوله وقرأ الأعمش بفتحهما وفي رواية أبي بكر بن عياش بضمهما وبهما قرأ عيسى بن عمر قوله بمقدا بقدر هو كلام أبي عبيدة أيضا وزاد مفعال من القدر وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة أي جعل لهم أجلا معلوما قوله يقال معقبات ملائكة حفظة تعقب الأولى منها الأخرى ومنه قيل العقيب أي عقبت في أثره سقط لفظ يقال من رواية غير أبي ذر وهو أولى فإنه كلام أبي عبيدة أيضا قال في قوله تعالى له معقبات من بين يديه أي ملائكة تعقب بعد ملائكة حفظة بالليل تعقب بعد حفظة النهار وحفظة النهار تعقب بعد حفظة الليل ومنه قولهم فلان عقبنى وقولهم عقبت في أثره وروى الطبري بإسناد حسن عن بن عباس في قوله تعالى له معقبات بين يديه ومن خلفه قال ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدره خلوا عنه ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله من أمر الله يقول بإذن الله فالمعقبات هن من أمر الله وهي الملائكة ومن طريق سعيد بن جبير قال حفظهم إياه بأمر الله ومن طريق إبراهيم النخعي قال يحفظونه من الجن ومن طريق كعب الأحبار قال لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتم وأخرج الطبري من طريق كنانة العدوي أن عثمان سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد الملائكة الموكلة بالآدمى فقال لكل آدمي عشرة بالليل وعشرة بالنهار واحد عن يمينه وآخر عن شماله واثنان من بين يديه ومن خلفه واثنان على جنبيه وآخر قابض على ناصيته فإن تواضع رفعه وأن تكبر وضعه واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه الا الصلاة على محمد والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه يعني إذا نام وجاء في تأويل ذلك قول آخر رجحه بن جرير فأخرج بإسناد صحيح عن بن عباس في قوله له معقبات قال ذلك ملك من ملوك الدنيا له حرس ومن دونه حرس ومن طريق عكرمة في قوله معقبات قال المراكب تنبيه عقبت يجوز فيه تخفيف القاف وتشديدها وحكى بن التين عن رواية بعضهم كسر القاف مع التخفيف فيكشف عن ذلك لاحتمال أن يكون لغة قوله المحال العقوبة هو قول أبي عبيدة أيضا وروى بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله شديد المحال قال شديد القوة ومثله عن قتادة ونحوه عن السدي وفي رواية عن مجاهد شديد الانتقام وأصل المحال بكسر الميم القوة وقيل أصله المحل وهو المكر وقيل الحيلة والميم مزيدة وغلطوا قائله ويؤيد التأويل الأول قوله في الآية ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وروى النسائي في سبب نزولها من طريق علي بن أبي سارة عن ثابت عن أنس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل من فراعنة العرب يدعوه الحديث وفيه فأرسل الله صاعقة فذهبت بقحف رأسه فأنزل الله هذه الآية وأخرجه البزار من طريق أخرى عن ثابت والطبراني من حديث بن عباس مطولا قوله كباسط كفيه إلى الماء ليقبض على الماء هو كلام أبي عبيدة أيضا قال في قوله إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه أي أن الذي يبسط كفيه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فمه لا يتم له ذلك ولا تجمعه أنامله قال صابىء بن الحارث وإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله تسقه بكسر المهملة وسكون القاف أي لم تجمعه قوله رابيا من ربا يربو قال أبو عبيدة في قوله فاحتمل السيل زبدا رابيا من ربا يربو أي ينتفخ وسيأتي تفسير قتادة قريبا قوله أو متاع زيد مثله المتاع ما تمتعت به هو قول أبي عبيدة أيضا وسيأتي تفسير مجاهد لذلك قريبا قوله جفاء يقال أجفات القدر إذا غلت فعلاها الزبد ثم تسكن فيذهب الزبد بلا منفعة فكذلك يميز الحق من الباطل قال أبو عبيدة في قوله فأما الزبد فيذهب جفاء قال أبو عمرو بن العلاء يقال أجفأت القدر وذلك إذا غلت وانتصب زبدها فإذا سكنت لم يبق منه شيء ونقل الطبري عن بعض أهل اللغة من البصريين أن معنى قوله فيذهب جفاء تنشفه الأرض يقال جفا الوادي وأجفى في معنى نشف وقرأ رؤبة بن العجاج فيذهب جفالا باللام بدل الهمزة وهي من أجفلت الريح الغيم إذا قطعته قوله المهاد الفراش ثبت هذا لغير أبي ذر وهو قول أبي عبيدة أيضا قوله يدرءون يدفعون درأته عني دفعته هو قول أبي عبيدة أيضا قوله الأغلال وأحدها غل ولا تكون إلا في الأعناق هو قول أبي عبيدة أيضا قوله سلام عليكم أي يقولون سلام عليكم قال أبو عبيدة في قوله والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام قال مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير تقديره يقولون سلام عليكم وقال الطبري حذفت يقولون لدلالة الكلام كما حذفت في قوله ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا والأولى أن المحذوف حال من فاعل يدخلون أي يدخلون قائلين وقوله بما صبرتم يتعلق بما يتعلق به عليكم وما مصدرية أي بسبب صبركم قوله والمتاب إليه توبتي قال أبو عبيدة المتاب مصدر تبت إليه وتوبتي وروى بن أبي حاتم من طريق أبي نجيح في قوله واليه متاب قال توبتي قوله أفلم ييأس أفلم يتبين قال أبو عبيدة في قوله تعالى أفلم ييأس الذين آمنوا أي أفلم يعلم ويتبين قال سحيم اليربوعي ألم تيأسوا أني بن فارس زهدم أي لم تبينوا وقال آخر ألم ييأس الأقوام أنى أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا ونقل الطبري عن القاسم بن معن أنه كان يقول إنها لغة هوازن تقول يئست كذا أي علمته قال وأنكره بعض الكوفيين يعني الفراء لكنه سلم أنه هنا بمعنى علمت وأن لم يكن مسموعا ورد عليه بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ووجهوه بأن اليأس إنما استعمل بمعنى العلم لأن الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون وروى الطبري من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما أفلم ييأس أي أفلم يعلم وروى الطبري وعبد بن حميد بإسناد صحيح كلهم من رجال البخاري عن بن عباس أنه كان يقرؤها أفلم يتبين ويقول كتبها الكاتب وهو ناعس ومن طريق بن جريج قال زعم بن كثير وغيره أنها القراءة الأولى وهذه القراءة جاءت عن علي وابن عباس وعكرمة وابن أبي مليكة وعلي بن بديمة وشهر بن حوشب وعلي بن الحسين وابنه زيد حفيده جعفر بن محمد في آخر من قرؤوا كلهم أفلم يتبين وأما ما أسنده الطبري عن بن عباس فقد أشتد إنكار جماعة ممن لا علم له بالرجال صحته وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته إلى أن قال وهي والله فريه ما فيها مرية وتبعه جماعة بعده والله المستعان وقد جاء عن بن عباس نحو ذلك في قوله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه قال ووصى التزقت الواو في الصاد أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيد عنه وهذه الأشياء وإن كان غيرها المعتمد لكن تكذيب المنقول بعد صحته ليس من دأب أهل التحصيل فلينظر في تأويله بما يليق به قوله قارعة داهية قال أبو عبيدة في قوله تصيبهم بما صنعوا قارعة أي داهية مهلكة تقول قرعت عظمه أي صدعته وفسره غيره بأخص من ذلك فأخرج الطبري بإسناد حسن عن بن عباس في قوله تعالى ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة قال سرية أو تحل قريبا من دارهم قال أنت يا محمد حتى يأتي وعد الله فتح مكة ومن طريق مجاهد وغيره نحوه قوله فأمليت أطلت من الملى والملاءة ومنه مليا ويقال للواسع الطويل من الأرض ملء كذا فيه والذي قال أبو عبيدة في قوله تعالى فأمليت الذين كفروا أي أطلت لهم ومنه الملى والملاوة من الدهر ويقال لليل والنهار الملوان لطولهما ويقال للخرق الواسع من الأرض ملي قال الشاعر ملي لا تخطاه العيون رغيب انتهى والملى بفتح ثم كسر ثم تشديد بغير همزة قوله أشق أشد من المشقة هو قول أبي عبيدة أيضا ومراده أنه أفعل تفضيل قوله معقب مغير قال أبو عبيدة في قوله لا معقب لحكمه أي لا راد لحكمه ولا مغير له عن الحق وروى بن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم في قوله لا معقب لحكمه أي لا يتعقب أحد حكمة فيرده قوله وقال مجاهد متجاورات طيبها وخبيثها السباخ كذا للجميع وسقط خبر طيبها وقد وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وفي الأرض قطع متجاورات قال طيبها عذبها وخبيثها السباخ وعند الطبري من وجه آخر عن مجاهد القطع المتجاورات العذبه والسبخة والمالح والطيب ومن طريق أبي سنان عن بن عباس مثله ومن وجه آخر منقطع عن بن عباس مثله وزاد تنبت هذه وهذه إلى جنبها لا تنبت ومن طريق أخرى متصلة عن بن عباس قال تكون هذه حلوة وهذه حامضة وتسقى بماء واحد وهن متجاورات قوله صنوان النخلتان أو أكثر في أصل واحد وغير صنوان وحدها تسقى بماء واحد كصالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد وصله الفرباني أيضا عن مجاهد مثله لكن قال تسقى بماء واحد قال بماء السماء والباقي سواء وروى الطبري من طريق سعيد بن جبير في قوله صنوان وغير صنوان مجتمع وغير مجتمع وعن سعيد بن منصور عن البراء بن عازب قال الصنوان أن يكون أصلها واحد ورءوسها متفرقة وغير الصنوان أن تكون النخلة منفردة ليس عندها شيء انتهى وأصل الصنو المثل والمراد به هنا فرع يجمعه وفرعا آخر أو أكثر أصل واحد ومنه عم الرجل صنو أبيه لأنهما يجمعهما أصل واحد قوله السحاب الثقال الذي فيه الماء وصله الفريابي أيضا عن مجاهد مثله قوله كباسط كفيه إلى الماء يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا وصله الفريابي والطبري من طرق عن مجاهد أيضا وقد تقدم قول غيره في أول السورة قوله فسالت أودية بقدرها تملأ بطن كل واد زبدا رابيا الزبد السيل زبد مثله خبث الحديد والحلبة وصله الفريابي أيضا عن مجاهد في قوله زبدا رابيا قال الزبد السيل وفي قوله زبد مثله قال خبث الحلية والحديد وأخرجه الطبري من وجهين عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فسالت أودية بقدرها قال بملئها فاحتمل السيل زيدا رابيا قال الزبد السيل ومما توقدون عليه في النار ابتغاء خلية أو متاع زبد مثله قال خبث الحديد والحلية فأما الزبد فيذهب جفاء قال جمودا في الأرض وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض قال الماء وهما مثلان للحق والباطل وأخرجه من طريقين عن بن عباس نحوه ووجه المماثلة في قوله زبد مثله أن كلا من الزبدين ناشيء عن الأكدار ومن طريق سعيد عن قتادة في قوله بقدرها قال الصغير بصفره والكبير بكبره وفي قوله رابيا أي عاليا وفي قوله ابتغاء حلية الذهب والفضة وفي قوله أو متاع الحديد والصفر الذي ينتفع به والجفاء ما يتعلق بالشجر وهي ثلاثة أمثال ضربها انه في مثل واحد يقول كما اضمحل هذا الزبد فصار لا ينتفع به والجفاء ما يتعلق بالشجر وهي ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد يقول كما اضمحل هذا الزبد فصار لا ينتفع به كذلك يضمحل الباطل عن أهله وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت وأخرجت نباتها كذلك يبقي الحق لأهله ونظيره بقاء خالص الذهب والفضة إذا دخل النار وهذب خبثه وبقي صفوه كذلك يبقى الحق لأهله ويذهب الباطل تنبيه وقع اللأكثر يملأ بطن واد وفي رواية الأصيلي يملأ كل واحد وهو أشبه ويروي ماء بطن واد

قوله باب قوله الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الرحام غيض نقص قال أبو عبيدة في قوله وغيض الماء أي ذهب وقيل وهذا تفسير سورة هود وانما ذكره هنا لتفسير قوله تغيض الأرحام فانها من هذه المادة وروى عبد بن حميد من طريق أبي بشر عن مجاهد في قوله الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد قال إذا حاضت المرأة وهي حامل كان نقصانا من الولد فان زادت على تسعة أشهر كان تمام لما نقص من ولدها ثم روى من طريق منصور عن الحسن قال الغيض ما دون تسعة أشهر والزيادة ما زادت عليها يعني في الوضع ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في مفاتح الغيب وقد تقدم في سورة الأنعام ويأتي في تفسير سورة لقمان ويشرح هناك إن شاء الله تعالى

[ 4420 ] قوله حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا معن عن مالك قال أبو مسعود تفرد به إبراهيم بن المنذر وهو غريب عن مالك قلت أخرجه الدارقطني من رواية عبد الله بن جعفر البرمكي عن معن ورواه أيضا من طريق القعنبي عن مالك لكنه اختصره قلت وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق بن القاسم عن مالك قال الدارقطني ورواه أحمد بن أبي طيبة عن مالك عن نافع عن بن عمر فوهم فيه إسنادا ومتنا

قوله سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال بن عباس هاد داع كذا في جميع النسخ وهذه الكلمة إنما وقعت في السورة التي قبلها في قوله تعالى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد واختلف أهل التأويل في تفسيرها بعد اتفاقهم على أن المراد بالمنذر محمد صلى الله عليه وسلم فروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ولكل قوم هاد أي داع ومن طريق قتادة مثله ومن طريق العوفي عن بن عباس قال الهادي الله وهذا بمعنى الذي قبله كأنه لحظ قوله تعالى والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء ومن طريق أبي العالية قال الهادي القائد ومن طريق مجاهد وقتادة أيضا الهادي نبي وهذا أخص من الذي قبله ويحمل القوم في الآية في هذه الأقوال على العموم ومن طريق عكرمة وأبي الضحى ومجاهد أيضا قال الهادي محمد وهذا أخص من الجميع والمراد بالقوم على هذا الخصوص أي هذه الأمة والمستغرب ما أخرجه الطبري بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما نرلت هذه الآية وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال أنا المنذر وأومأ إلى على وقال أنت الهادي بك يهتدي المهتدون بعدي فإن ثبت هذا فالمراد بالقوم أخص من الذي قبله أي بني هاشم مثلا وأخرج بن أبي حاتم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند وابن مردويه من طريق السدي عن عبد خير عن علي قال الهادي رجل من بني هاشم قال بعض رواته هو علي وكأنه أخذه من الحديث الذي قبله وفي إسناد كل منهما بعض الشيعة ولو كان ذلك ثابتا ما تخالفت رواته قوله وقال مجاهد صديد قيح ودم سقط هذا لأبي ذر وصله الفريابي بسنده إليه في قوله ويسقى من ماء صديد قال قيح ودم قوله وقال بن عيينة اذكروا نعمة الله عليكم أيادي الله عندكم وأيامه وصله الطبري من طريق الحميدي عنه وكذا رويناه في تفسير بن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والنسائي وكذا ذكره بن أبي حاتم من طريق بن عباس عن أبي بن كعب قال أن الله أوحى إلى موسى وذكرهم بأيام الله قال نعم الله وأخرجه عبد الرزاق من حديث بن عباس بإسناد صحيح فلم يقل عن أبي بن كعب قوله وقال مجاهد من كل ما سألتموه رغبتم إليه فيه وصله الفريابي في قوله وآتاكم من كل ما سألنموه قال رغبتم إليه فيه قوله تبغونها عوجا تلتمسون لها عوجا كذا وقع هنا للأكثر ولأبي ذر قبل الباب الذي يليه وصنيعهم أولى لأن هذا من قول مجاهد فذكره مع غيره من تفاسيره أولى وقد وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وتبغونها عوجا قال تلتمسون لها الزيغ وذكر يعقوب بن السكيت أن العوج بكسر العين في الأرض والدين وبفتحها في العود ونحوه مما كان منتصبا قوله ولا خلال مصدر خاللته خلالا ويجوز أيضا جمع خلة وخلال كذا وقع فيه فأوهم أنه من تفسير مجاهد وإنما هو من كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى لا بيع فيه ولا خلال أي لا مخاللة خليل قال وله معنى آخر جمع خلة مثل حلة والجمع خلال وقلة والجمع قلال وروى الطبري من طريق قتادة قال علم الله أن في الدنيا بيوعا وخلالا يتخالون بها في الدنيا فمن كان يخالل الله فليدم عليه وإلا فسينقطع ذلك عنه وهذا يوافق من جعل الخلال في الآية جمع خلة قوله وإذ تأذن ربكم أعلمكم آذنكم كذا للأكثر ولأبي ذر أعلمكم ربكم قال أبو عبيدة في قوله تعالى وإذ تأذن ربكم إذ زائدة وتأذن تفعل من آذن أي أعلم وهو قول أكثر أهل اللغة أن تأذن من الإيذان وهو الأعلام ومعنى تفعل عزم عزما جازما ولهذا أجيب بما يجاب به القسم ونقل أبو علي الفارسي أن بعض العرب يجعل أذن وتأذن بمعنى واحد قلت ومثله قولهم تعلم موضع أعلم وأوعد وتوعد وقيل إن إذ زائدة فإن المعنى اذكروا حين تأذن ربكم وفيه نظر قوله أيديهم في أفواههم هذا مثل كفوا عما أمروا به قال أبو عبيدة في قوله فردوا أيديهم في أفواههم مجازه مجاز المثل ومعناه كقوله عما أمروا بقبوله من الحق ولم يؤمنوا به يقال رد يده في فمه إذا أمسك ولم يجب وقد تعقبوا كلام أبي عبيدة فقيل لم يسمع من العرب رد يده في فيه إذا ترك الشيء الذي كان يريد أن يفعله وقد روى عبد بن حميد من طريق أبي الأحوص عن عبد الله قال عضوا على أصابعهم وصححه الحاكم وإسناده صحيح ويؤيده الآية الأخرى وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ وقال الشاعر يردون في فيه غيظ الحسود أي يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وقيل المعنى رد الكفار أيدي الرسل في أفواههم بمعنى أنهم امتنعوا من قبول كلامهم أو المراد بالأيدي النعم أي ردو نعمة الرسل وهي نصائحهم عليهم لأنهم إذا كذبوها كأنهم ردوها من حيث جاءت قوله مقامي حيث يقيمه الله بين يديه قال أبو عبيدة في قوله ذلك إن خاف مقامي قال حيث أقيمه بين يدي للحساب قلت وفيه قول آخر قال الفراء أيضا إنه مصدر لكن قال إنه مضاف للفاعل أي قيامي عليه بالحفظ قوله من ورائه قدامة جهنم قال أبو عبيدة قوله من ورائه جهنم مجازه قدامة وأمامه يقال الموت من ورائك أي قدامك وهو اسم لكل ما توارى عن الشخص نقله ثعلب ومنه قول الشاعر أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع وقول النابغة وليس وراء الله للمرء مذهب أي بعد الله ونقل قطرب وغيره أنه من الأضداد وأنكره إبراهيم بن عرفة نفطويه وقال لا يقع وراء بمعنى إمام إلا في زمان أو مكان قوله لكم تبعا وأحدها تابع مثل غيب وغائب هو قول أبي عبيدة أيضا وغيب بفتح الغين المعجمة والتحتانية بعدها موحدة قوله بمصرخكم استصرخنى استغاثني يستصرخه من الصراخ سقط هذا لأبي ذر قال أبو عبيدة ما أنا بمصرخكم أي ما أنا بمغيثكم ويقال استصرخني فأصرخته أي استغاثني فأغثته قوله اجتثت استؤصلت هو قول أبي عبيدة أيضا أي قطعت جثثها بكمالها وأخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة مثله ومن طريق العوفي عن بن عباس ضرب الله مثل الشجرة الخبيثة بمثل الكافر يقول الكافر لا يقبل عمله ولا يصعد فليس له أصل ثابت في الأرض ولا فرع في السماء ومن طريق الضحاك قال في قوله مالها من قرار أي مالها أصل ولا فرع ولا ثمرة ولا منفعة كذلك الكافر ليس يعمل خيرا ولا يقول خيرا ولم يجعل الله فيه بركة ولا منفعة

قوله باب قوله كشجرة طيبة أصلها ثابت الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى حين وسقط عندهم باب قوله ثم ذكر حديث بن عمر

[ 4421 ] قوله تشبه أو كالرجل المسلم شك من أحد رواته وأخرجه الإسماعيلي من الطريق التي أخرجها منها البخاري بلفظ تشبه الرجل المسلم ولم يشك وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب العلم وقد تقدم هناك البيان الواضح بأن المراد بالشجرة في هذه الآية النخلة وفيه رد على من زعم أن المراد بها شجرة الجوز الهندي وقد أخرجه بن مردويه من حديث بن عباس بإسناد ضعيف في قوله تؤتى أكلها كل حين قال هي شجرة جوز الهند لا تتعطل من ثمرة تحمل كل شهر ومعنى قوله طيبة أي لذيذة الثمر أو حسنة الشكل أو نافعة فتكون طيبة بما ينول إليه نفسها وقوله أصلها ثابت أي لا ينقطع وقوله وفرعها في السماء أي هي نهاية في الكمال لأنها إذا كانت مرتفعه بعدت عن عفونات الأرض وللحاكم من حديث أنس الشجرة الطيبة النخلة والشجرة الخبيثة الحنظلة

قوله باب يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ذكر فيه حديث البراء مختصرا وقد تقدم في الجنائز أتم سياقا واستوفيت شرحه في ذلك الباب

قوله باب ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ألم تر ألم تعلم كقوله ألم تر إلى الذين خرجوا زاد غير أبي ذر ألم تر كيف وهذا قول أبي عبيدة بلفظه قوله البوار الهلاك بار يبور بورا قوما بورا هالكين هو كلام أبي عبيدة ثم ذكر حديث بن عباس فيمن نزلت فيه الآية مختصرا وقد تقدم مستوفى مع شرحه في غزوة بدر وروى الطبري من طريق أخرى عن بن عباس أنه سأل عمر عن هذه الآية فقال من هم قال هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية أخوالي وأعمامك فأما اخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين ومن طريق على قال هم الأفجران بنو أمية وبنو المغيرة فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما بنوا أمية فمتعوا إلى حين وهو عند عبد الرزاق أيضا والنسائي وصححه الحاكم قلت والمراد بعضهم لا جميع بني أمية وبني مخزوم فإن بني مخزوم لم يستأصلوا يوم بدر بل المراد بعضهم كأبي جهل من بني مخزوم وأبي سفيان من بني أمية

قوله تفسير سورة الحجر بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر عن المستملى وله عن غيره بدون لفظ تفسير وسقطت البسملة للباقين قوله وقال مجاهد صراط على مستقيم الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه وصله الطبري من طرق عنه مثله وزاد لا يعرض على شيء ومن طريق قتادة ومحمد بن سيرين وغيرهما أنهم قرؤوا على بالتنوين على أنه صفة للصراط أي رفيع قلت وهي قراءة يعقوب قوله لبامام مبين على الطريق وروى الطبري من طرق عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وأنهما لبامام مبين قال بطريق معلم ومن رواية سعيد عن قتادة قال طريق واضح وسيأتي له تفسير آخر تنبيه سقط هذا والذي قبله لأبي ذر إلا عن المستملي قوله وقال بن عباس لعمرك لعيشك وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قوله قوم منكرون أنكرهم لوط وصله بن أبي حاتم أيضا من الوجه المذكور تنبيه سقط هذا والذي قبله لأبي ذر قوله كتاب معلوم أجل كذا لأبي ذر فأوهم أنه من تفسير مجاهد ولغيره وقال غيره كتاب معلوم أجل وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله إلا ولها كتاب معلوم أي أجل ومدة معلوم أي مؤقت قوله لوما هلا تأتينا قال أبو عبيدة في قوله لوما تاتينا مجازها هلا تأتينا قوله شيع أمم والأولياء أيضا شيع قال أبو عبيدة في قوله شيع الأولين أي أمم الأولين واحدتها شيعة والأولياء أيضا شيع أي يقال لهم شيع وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين يقول أمم الأولين قال الطبري ويقال لأولياء الرجل أيضا شيعة قوله وقال بن عباس يهرعون مسرعين كذا أوردها هنا وليست من هذه السورة وإنما هي في سورة هود وقد وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قوله للمتوسمين للناظرين تقدم شرحه في قصة لوط من أحاديث الأنبياء تنبيه سقط هذا والذي قبله لأبي ذر أيضا قوله سكرت غشيت كذا لأبي ذر فأوهم أنه من تفسير مجاهد وغيره يوهم أنه من تفسير بن عباس لكنه قول أبي عبيدة وهو بمهملة ثم معجمة

وذكر الطبري عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول هو مأخوذ من سكر الشراب قال ومعناه غشي أبصارنا مثل السكر ومن طريق مجاهد والضحاك قوله سكرت أبصارنا قال سدت ومن طريق قتادة قال سحرت ومن وجه آخر عن قتادة قال سكرت بالتشديد سددت وبالتخفيف سحرت انتهى وهما قراءاتان مشهورتان فقرأها بالتشديد الجمهور وابن كثير بالتخفيف وعن الزهري بالتخفيف لكن بناها للفاعل قوله لعمرك لعيشك كذا ثبت هنا لبعضهم وسيأتي لهم في الأيمان والنذور مع شرحه قوله وإنا له لحافظون قال مجاهد عندنا وصله بن المنذر ومن طريق بن أبي نجيح عنه وهو في بعض نسخ الصحيح قوله بروجا منازل الشمس والقمر لواقع ملافح حمأ جماعة حمأة وهو الطين المتغير والمسنون المصبوب كذا ثبت لغير أبي ذر وسقط له وقد تقدم مع شرحه في بدء الخلق قوله لا ترجل لا تخف دابر آخر تقدم شرح الأول في قصة إبراهيم وشرح الثاني في قصة لوط من أحاديث الأنبياء وسقط لأبي ذر هنا قوله لبامام مبين الإمام كل ما ائتممت به واهتديت هو تفسير أبي عبيدة قوله الصيحة الهلكة هو تفسير أبي عبيدة وقد تقدمت الإشارة إليه في قصة لوط من أحاديث الأنبياء

قوله باب قوله الا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة مسترقي السمع أورده أولا معنا ثم ساقه بالإسناد بعينه مصرحا فيه بالتحديث وبالسماع في جميعه وذكر فيه اختلاف القراءة في فزع عن قلوبهم وسيأتي شرحه في تفسير سورة سبأ ويأتي الإلمام به في أواخر الطب وفي كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ذكر فيه حديث بن عمر في النهي عن الدخول على المعذبين وقوله

[ 4425 ] الا أن تكونوا باكين ذكر بن التين أنه عند الشيخ أبي الحسن بائين بهمزة بدل الكاف قال ولا وجه له

قوله باب قوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ذكر فيه حديث أبي سعيد بن المعلى في ذكر فاتحة الكتاب وقد سبق في أول التفسير مشروحا ثم ذكر حديث أبي هريرة مختصرا بلفظ أم القرآن هي السبع المثاني في رواية الترمذي من هذا الوجه الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وقد تقدم في تفسير الفاتحة من وجه آخر عن أبي هريرة ورفعه أتم من هذا وللطبري من وجه آخر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رفعه الركعة التي لا يقرأ فيها كالخداج قال فقلت لأبي هريرة فإن لم يكن معي إلا أم القرآن قال هي حسبك هي أم الكتاب وهي أم القرآن وهي السبع المثاني قال الخطابي وفي الحديث رد على بن سيرين حيث قال إن الفاتحة لا يقال لها أم القرآن وإنما يقال لها فاتحة الكتاب ويقول أم الكتاب هو اللوح المحفوظ قال وأم الشيء أصله وسميت الفاتحة أم القرآن لأنها أصل القرآن وقيل لأنها متقدمة كأنها تؤمه

[ 4426 ] قوله هي السبع المثاني والقرآن العظيم هو معطوف على قوله أم القرآن وهو مبتدأ وخبره محذوف أو خبر مبتدأ محذوف تقديره والقرآن العظيم ما عداها وليس هو معطوفا على قوله السبع المثاني لأن الفاتحة ليست هي القرآن العظيم وإنما جاز إطلاق القرآن عليها لأنها من القرآن لكنها ليست هي القرآن كله ثم وجدت في تفسير بن أبي حاتم من طريق أخرى عن أبي هريرة مثله لكن بلفظ والقرآن العظيم الذي اعطيتموه أي هو الذي أعطيتموه فيكون هذا هو الخبر وقد روى الطبري بإسنادين جيدين عن عمر ثم عن على قال السبع المثاني فاتحة الكتاب زاد عن عمر تثني في كل ركعة وباسناد منقطع عن بن مسعود مثله وباسناد حسن عن بن عباس أنه قرأ الفاتحة ثم قال ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال هي فاتحة الكتاب وبسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة ومن طريق جماعة من التابعين السبع المثاني هي فاتحة الكتاب ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال السبع المثاني فاتحة الكتاب قلت للربيع أنهم يقولون إنها السبع الطوال قال لقد أنزلت هذه الآية وما نزل من الطوال شيء وهذا الذي أشار إليه هو قول آخر مشهور في السبع الطوال وقد أسنده النسائي والطبري والحاكم عن بن عباس أيضا بإسناد قوي وفي لفظ للطبري البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف قال الراوي وذكر السابعة فنسيها وفي رواية صحيحة عن بن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير أنها يونس وعند الحاكم أنها الكهف وزاد قيل له ما المثاني قال تثني فيهن القصص ومثله عن سعيد بن جبير عن سعيد بن منصور وروى الطبري أيضا من طريق خضيف عن زياد بن أبي مريم قال في قوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال مر وأنه وبشر وأنذر وأضرب الأمثال واعدد النعم والأنباء ورجح الطبري القول الأول لصحة الخبر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ساقه من حديث أبي هريرة في قصة أبي بن كعب كما تقدم في تفسير الفاتحة

قوله باب الذين جعلوا القرآن عضين قيل إن عضين جمع عضو فروى الطبري من طريق الضحاك قال في قوله جعلوا القرآن عضين أي جعلوه أعضاء كأعضاء الجزور وقيل هي جمع عضة وأصلها عضمة فحذفت الهاء كما حذفت من الشفة وأصلها شفهة وجمعت بعد الحذف على عضين مثل برة وبرين وكرة كرين وروى الطبري من طريق قتادة قال عضين عضهوه وبهتوه ومن طريق عكرمة قال العضة السحر بلسان قريش تقول للساحرة العاضهة أخرجه بن أبي حاتم وروى بن أبي حاتم أيضا من طريق عطاء مثل قول الضحاك ولفظه عضوا القرآن أعضاء فقال بعضهم ساحر وقال آخر مجنون وقال آخر كاهن فذلك العضين ومن طريق مجاهد مثله وزاد وقالوا أساطير الأولين ومن طريق السدي قال قسموا القرآن واستهزءوا به فقالوا ذكر محمد البعوض والذباب والنمل والعنكبوت فقال بعضهم أنا صاحب البعوض وقال آخر أنا صاحب النمل وقال آخر أنا صاحب العنكبوت وكان المستهزئون خمسة الأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والعاصي بن وائل والحارث بن قيس والوليد بن المغيرة ومن طريق عكرمة وغيره في عد المستهزئين مثله ومن طريق الربيع بن أنس مثله وزاد بيان كيفية هلاكهم في ليلة واحدة قوله المقتسمين الذين حلفوا ومنه لا أقسم أي أقسم وتقرأ لأقسم وقاسمها حلف لهما ولم يحلفا له وقال مجاهد تقاسموا تحالفوا قلت هكذا جعل المقتسمين من القسم بمعنى الحلف والمعروف أنه من القسمة وبه جزم الطبري وغيره وسياق الكلام يدل عليه وقوله

[ 4428 ] الذين جعلوا هو صفة للمقتسمين وقد ذكرنا أن المراد أنهم قسموه وفرقوه وقال أبو عبيدة وقاسمهما حلف لهما وقال أيضا أبو عبيدة الذي يكثر المصنف نقل كلامه من المقتسمين الذين اقتسموا وفرقوا قال وقوله عضين أي فرقوه عضوه أعضاء قال رؤبة وليس دين الله بالمعضى أي بالمفرق وأما قوله ومنه لا أقسم الخ فليس كذلك أي فليس هو من الاقتسام بل هو من القسم وانما قال ذلك بناء على ما اختاره من أن المقتسمين من القسم وقال أبو عبيدة في قوله لا أقسم بيوم القيامة مجازها أقسم بيوم القيامة واختلف المعربون في لا فقيل زائدة وإلى هذا يشير كلام أبي عبيدة وتعقب بأنها لا تزاد إلا في أثناء الكلام وأجيب بأن القرآن كله كالكلام الواحد وقيل هو جواب شيء محذوف وقيل نفى على بابها وجوابها محذوف والمعنى لا أقسم بكذا بل بكذا وأما قراءة لأقسم بغير ألف فهي رواية عن بن كثير واختلف في اللام فقيل هي لام القسم وقيل لام التأكيد واتفقوا على إثبات الألف في التي بعدها ولا أقسم بالنفس وعلى إثباتها في لا أقسم بهذا البلد أتباعا لرسم المصحف في ذلك وأما قول مجاهد تقاسموا تحالفوا فهو كما قال وقد أخرجه الفريابي من طريق بن أبي نجيح عنه في قوله قالوا تقاسموا بالله قال تحالفوا على هلاكه فلم يصلوا إليه حتى هلكوا جميعا وهذا أيضا لا يدخل في المقتسمين إلا على رأي زيد بن أسلم فإن الطبري روى عنه أن المراد بقوله المقتسمين قوم صالح الذين تقاسموا على هلاكه فلعل المصنف اعتمد على ذلك قوله عن بن عباس الذين جعلوا القرآن عضين يعني في تفسير هذه الكلمة وقد ذكرت ما قيل في أصل اشتقاقها أول الباب قوله هم أهل الكتاب فسره في الرواية الثانية فقال اليهود والنصارى وقوله جزءوه أجزاء فسره في الرواية الثانية فقال آمنوا ببعض وكفروا ببعض قوله في الرواية الثانية عن أبي ظبيان بمعجمة ثم موحدة هو حصين بن جندب وليس له في البخاري عن بن عباس سوى هذا الحديث

قوله باب قوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين قال سالم اليقين الموت وصله الفربابي وعبد بن حميد وغيرهما من طريق طارق بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد بهذا وأخرجه الطبري من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما مثله واستشهد الطبري لذلك بحديث أم العلاء في قصة عثمان بن مظعون أما هو فقد جاء اليقين وإني لأرجو له الخير وقد تقدم في الجنائز مشروحا وقد اعترض بعض الشراح على البخاري لكونه لم يخرج هنا هذا الحديث وقال كان ذكره أليق من هذا قال ولأن اليقين ليس من أسماء الموت قلت لا يلزم البخاري ذلك وقد أخرج النسائي حديث بعجة عن أبي هريرة رفعه خير ما عاش الناس به رجل ممسك بعنان فرسه الحديث وفي آخره حتى يأتيه اليقين ليس هو من الناس إلا في خير فهذا شاهد جيد لقول سالم ومنه قوله تعالى وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين وإطلاق اليقين على الموت مجاز لأن الموت لا يشك فيه

قوله بسم الله الرحمن الرحيم سورة النحل سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله روح القدس جبريل نزل به الروح الأمين أما قوله روح القدس جبريل فأخرجه بن أبي حاتم بإسناد رجاله ثقات عن عبد الله بن مسعود وروى الطبري من طريق محمد بن كعب القرظي قال روح القدس جبريل وكذا جزم به أبو عبيدة وغير واحد وأما قوله نزل به الروح الأمين فذكره استشهادا لصحة هذا التأويل فإن المراد به جبريل اتفاقا وكأنه أشار إلى رد ما رواه الضحاك عن بن عباس قال روح القدس الاسم الذي كان عيسى يحيى به الموتى أخرجه بن أبي حاتم وإسناده ضعيف قوله وقال بن عباس في تقلبهم في اختلافهم وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عنه مثله ومن طريق سعيد عن قتادة في تقلبهم يقول في أسفارهم قوله وقال مجاهد تميد تكفأ هو بالكاف وتشديد الفاء مهموز وقيل بضم أوله وسكون الكاف وقد وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم قال تكفأ بكم ومعنى تكفأ تقلب وروى الطبري من حديث على بإسناد حسن موقوفا قال لما خلق الله الأرض قمصت قال فأرسى الله فيها الجبال وهو عند أحمد والترمذي من حديث أنس مرفوع قوله مفرطون منسيون وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون قال منسيون ومن طريق سعيد بن جبير قال مفرطون أي متروكون في النار منسيون فيها ومن طريق سعيد عن قتادة قال معجلون قال الطبري ذهب قتادة إلى أنه من قولهم أفرطنا فلانا إذا قدموه فهو مفرط ومنه أنا فرطكم على الحوض قلت وهذا كله على قراءة الجمهور بتخفيف الراء وفتحها وقرأها نافع بكسرها وهو من الإفراط وقراها أبو جعفر بن القعقاع بفتح الفاء وتشديد الراء مكسورة أي مقصرون في أداء الواجب مبالغون في الإساءة قوله في ضيق يقال أمر ضيق وأمر ضيق مثل هين وهين ولين وميت وميت قال أبو عبيدة في قوله تعالى ولأنك في ضيق بفتح أوله وتخفيف ضيق كميت وهين ولين فإذا خففتها قلت ميت وهين ولين فإذا كسرت أوله فهو مصدر ضيق انتهى وقرأ بن كثير هنا وفي النمل بالكسر والباقون بالفتح فقيل على لغتين وقيل المفتوح مخفف من ضيق أي في أمر ضيق واعترضه الفارسي بأن الصفة غير خاصة بالموصوف فلا يدعي الحذف قوله قال بن عباس تتفيأ ظلاله تتهيأ كذا فيه والصواب تتميل وقد تقدم بيانه في كتاب الصلاة قوله سبل ربك ذللا لا يتوعر عليها مكان سلكته رواه الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد مثله ويتوعر بالعين المهملة وذللا حال من السبل أي ذللها الله لها وهو جمع ذلول قال تعالى جعل لكم الأرض ذلولا ومن طريق قتادة في قوله تعالى ذللا أي مطيعة وعلى هذا فقوله ذللا حال من فاعل أسلكي وانتصاب سبل على الظرفية أو على أنه مفعول به قوله القانت المطيع سيأتي في آخر السورة قوله وقال غيره فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم هذا مقدم ومؤخر وذلك أن الاستعاذة قبل القراءة المراد بالغير أبو عبيدة فإن هذا كلامه بعينه وقرره غيره فقال إذا وصلة بين الكلامين والتقدير فإذا أخذت في القراءة فاستعذ وقيل هو على أصله لكن فيه إضمار أي إذا أردت القراءة لأن الفعل يوجد عند القصد من غير فاصل وقد أخذ بظاهر الآية بن سيرين ونقل عن أبي هريرة وعن مالك وهو مذهب حمزة الزيات فكانوا يستعيذون بعد القراءة وبه قال داود الظاهري قوله ومعناها أي معنى الاستعاذة الاعتصام بالله هو قول أبي عبيدة أيضا قوله وقال بن عباس تسيمون ترعون روى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس في قوله تعالى ومنه شجر فيه تسيمون قال ترعون فيه أنعامكم ومن طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس تسيمون أي ترعون ومن طريق عكرمة مولى بن عباس مثله وقال أبو عبيدة أسمت الإبل رعيتها وسامت هي رعت قوله شاكلته ناحيته كذا وقع هنا وإنما هو في السورة التي تليها وقد أعاده فيها ووقع في رواية أبي ذر عن الحموي نيته بدل ناحيته وسيأتي الكلام عليها هناك قوله قصد السبيل البيان وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله وعلى الله قصد السبيل قال البيان ومن طريق العوفي عن بن عباس مثله وزاد البيان بيان الضلالة والهدى قوله الدفء ما استدفأت به قال أبو عبيدة الدفء ما استدفأت به من أوبارها ومنافع ما سوى ذلك وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله لكم فيها دفء قال الثياب ومن طريق مجاهد قال لباس ينسج ومن طريق قتادة مثله قوله تخوف تنقص وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أو يأخذهم على تخوف قال على تنقص وروى بإسناد فيه مجهول عن عمر أنه سأل عن ذلك فلم يجب فقال عمر ما أرى إلا أنه على ما ينتقصون من معاصي الله قال فخرج رجل فلقى أعرابيا فقال ما فعل فلان قال تخوفته أي تنقصته فرجع فأخبر عمر فأعجبه وفي شعر أبي كثير الهذلي ما يشهد له وروى بن أبي حاتم من طريق الضحاك عن بن عباس على تخوف قال على تنقص من أعمالهم وقيل التخوف تفعل من الخوف قوله تريحون بالعشي وتسرحون بالغداة قال أبو عبيدة في قوله ولكم فيها جمال حين تريحون أي بالعشي وحين تسرحون أي بالغداة قوله الأنعام لعبرة وهي تؤنث وتذكر وكذلك النعم الأنعام جماعة النعم قال أبو عبيدة في قوله وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه فذكر وأنث فقيل الأنعام تذكر وتؤنث وقيل المعنى على النعم فهي تذكر وتؤنث والعرب تظهر الشيء ثم تخبر عنه بما هو منه بسبب وأن لم يظهروه كقول الشاعر قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أولى من ثلاث وأطيب أي ثلاثة أحياء ثم قال من ثلاث أي قبائل انتهى وأنكر الفراء تأنيث النعم وقال إنما يقال هذا نعم ويجمع على نعمان بضم أوله مثل حمل وحملان قوله أكنانا وأحدها كن مثل حمل وأحمال هو تفسير أبي عبيدة وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله أكنانا قال غير انا من الجبال يسكن فيها قوله بشق يعني المشقة قال أبو عبيدة في قوله لم تكونوا بالغيه إلا بشق أي بمشقة الأنفس وروى الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إلا بشق الأنفس قال المشقة عليكم ومن طريق سعيد عن قتادة إلا بشق الأنفس إلا بجهد الأنفس تنبيه قرأ الجمهور بكسر الشين من شق وقرأها أبو جعفر بن القعقاع بفتحها قال أبو عبيدة هما بمعنى وأنشد وذو إبل تسعى ويحبسها له أخو نصب من شقها وذءوب قال الأثرم صاحب أبي عبيدة سمعته بالكسر والفتح وقال الفراء معناهما مختلف فالبكسر معناه ذابت حتى صارت على نصف ما كانت وبالفتح المشقة انتهى وكلام أهل التفسير يساعد الأول قوله سرابيل قمص تقيكم الحر وأما سرابيل تقيكم بأسكم فإنها الدروع قال أبو عبيدة في قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر أي قمصا وسرابيل تقيكم بأسكم أي دروعا وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر قال القطن والكتان وسرابيل تقيكم بأسكم قال دروع من حديد قوله دخلا بينكم كل شيء لم يصح فهو دخل هو قول أبي عبيدة أيضا وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال دخلا خيانة وقيل الدخل الداخل في الشيء ليس منه قوله وقال بن عباس حفدة من ولد الرجل وصله الطبري من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله بنين وحفدة قال الولد وولد الولد وإسناده صحيح وفيه عن بن عباس قول آخر أخرجه من طريق العوفي عنه قال هم بنو امرأة الرجل وفيه عنه قول ثالث أخرجه من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال الحفدة الأصهار ومن طريق عكرمة عن بن عباس قال الأختان وأخرج هذا الأخير عن بن مسعود بإسناد صحيح ومن طريق أبي الضحى وإبراهيم وسعيد بن جبير وغيرهم مثله وصحح الحاكم حديث بن مسعود وفيه قول رابع عن بن عباس أخرجه الطبري من طريق أبي حمزة عنه قال من أعانك فقد حفدك ومن طريق عكرمة قال الحفدة الخدام ومن طريق الحسن قال الحفدة البنون وبنو البنين ومن أعانك من أهل أو خادم فقد حفدك وهذا أجمع الأقوال وبه تجتمع وأشار إلى ذلك الطبري وأصل الحفد مداركة الخطو والاسراع في المشي فأطلق على من يسعى في خدمة الشخص ذلك قوله السكر ما حرم من ثمرتها والرزق الحسن ما أحل وصله الطبري بأسانيد من طريق عمرو بن سفيان عن بن عباس مثله وإسناده صحيح وهو عند أبي داود في الناسخ وصححه الحاكم ومن طريق سعيد بن جبير عنه قال الرزق الحسن الحلال والسكر الحرام ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد مثله وزاد أن ذلك كان قبل تحريم الخمر وهو كذلك لأن سورة النحل مكية ومن طريق قتادة السكر خمر الأعاجم ومن طريق الشعبي وقيل له في قوله تتخذون منه سكرا أهو هذا الذي تصنع النبط قال لا هذا خمر وإنما السكر نقيع الزبيب والرزق الحسن التمر والعنب واختار الطبري هذا القول وانتصر له قوله وقال بن عيينة عن صدقة أنكاثا هي خرقاء كانت إذا أبرمت غزلها نقضته وصله بن أبي حاتم عن أبيه عن أبي عمر العدني والطبري من طريق الحميدي كلاهما عن بن عيينة عن صدقة عن السدي قال كانت بمكة امرأة تسمى خرقاء فذكر مثله وفي تفسير مقاتل أن اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم وعند البلاذري أنها والدة أسد بن عبد العزي بن قصي وأنها بنت سعد بن تميم بن مرة وفي غرر التبيان أنها كانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى نصف النهار ثم تأمرهن بنقض ذلك هذا دأبها لا تكف عن الغزل ولا تبقى ما غزلت وروى الطبري من طريق بن جريج عن عبد الله بن كثير مثل رواية صدقة المذكور ومن طريق سعيد عن قتادة قال هو مثل ضربه الله تعالى لمن نكث عهده وروى بن مردويه بإسناد ضعيف عن بن عباس أنها نزلت في أم زفر الآتي ذكرها في كتاب الطب والله أعلم وصدقة هذا لم أر من ذكره في رجال البخاري وقد أقدم الكرماني فقال صدقة هذا هو بن الفضل المروزي شيخ البخاري وهو يروي عن سفيان بن عيينة وهنا روى عنه سفيان ولا سلف له فيما ادعاه من ذلك ويكفي في الرد عليه ما أخرجناه من تفسير بن جرير وابن أبي حاتم من رواية صدقة هذا عن السدي فإن صدقه بن الفضل المروزي ما أدرك السدي ولا أصحاب السدي وكنت أظن أن صدقة هذا هو بن أبي عمران قاضي الأهواز لأن لابن عيينة عنه رواية إلى أن رأيت في تاريخ البخاري صدقة أبو الهذيل روى عن السدي قوله روى عنه بن عيينة وكذا ذكره بن حبان في الثقات من غير زيادة وكذا بن أبي حاتم عن أبيه لكن قال صدقة بن عبد الله بن كثير القارئ صاحب مجاهد فظهر أنه غير بن أبي عمران ووضح أنه من رجال البخاري تعليقا فيستدرك على من صنف في رجاله فإن الجميع أغفلوه والله أعلم قوله وقال بن مسعود الأمة معلم الخير والقانت المطيع وصله الفريابي وعبد الرزاق وأبو عبيد الله في المواعظ والحاكم كلهم من طريق الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال قرئت عنه هذه الآية إن إبراهيم كان أمة قانتا لله فقال بن مسعود إن معاذا كان أمة قانتا لله فسئل عن ذلك فقال هل تدرون ما الأمة الأمة الذي يعلم الناس الخير والقانت الذي يطيع الله ورسوله

قوله باب قوله تعالى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ذكر فيه حديث أنس في الدعاء بالاستعاذة من ذلك وغيره وسيأتي شرحه في الدعوات

[ 4430 ] وشعيب الراوي عن أنس هو بن الحبحاب بمهملتين وموحدتين وروى بن أبي حاتم من طريق السدي قال أرذل العمر هو الخرف وروى بن مردويه من حديث أنس أنه مائة سنة

قوله سورة بني إسرائيل بسم الله الرحمن الرحيم ثبتت البسملة لأبي ذر

[ 4431 ] قوله سمعت بن مسعود قال في بني إسرائيل والكهف ومريم إنهن من العتاق بكسر المهملة وتخفيف المثناة جمع عتيق وهو القديم أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث وبالأول جزم أبو الحسين بن فارس وقوله الأول بتخفيف الواو وقوله هن من تلادي بكسر المثناة وتخفيف اللام أي مما حفظ قديما والتلاد قديم الملك وهو بخلاف الطارف ومراد بن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم وسيأتي الحديث في فضائل القرآن بأتم من هذا السياق إن شاء الله تعالى قوله فسينغضون إليك رءوسهم قال بن عباس يهزون وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس ومن طريق العوفي عن بن عباس قال يحركونها استهزاء ومن طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس نحوه ومن طريق سعيد عن قتادة مثله قوله وقال غيره نغضت سنك أي تحركت قال أبو عبيدة في قوله فسينغضون إليك رءوسهم أي يحركونها استهزاء يقال نغضت سنة أي تحركت وارتفعت من أصلها وقال بن قتيبة المراد أنهم يحركون رءوسهم استبعادا وروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن كعب في قوله فسينغضون قال يحركون

قوله وقضينا إلى بني إسرائيل أخبرناهم إنهم سيفسدون والقضاء على وجوه قضى ربك أمر ومنه الحكم ان ربك يقضي بينهم ومنه الخلق فقضاهن سبع سماوات خلقهن قال أبو عبيدة في قوله وقضينا إلى بني إسرائيل أي أخبرناهم وفي قوله وقضى ربك أي أمر وفي قوله إن ربك يقضي بينهم أي يحكم وفي قوله فقضاهن سبع سماوات أي خلقهن وقد بين أبو عبيدة بعض الوجوه التي يرد بها لفظ القضاء وأغفل كثيرا منها واستوعبها إسماعيل بن أحمد النيسابوري في كتاب الوجوه والنظائر فقال لفظه قضى في الكتاب العزيز جاءت على خمسة عشر وجها الفراغ فإذا قضيتم مناسككم والأمر إذا قضى أمرا والأجل فمنهم من قضى نحبه والفصل لقضى الأمر بيني وبينكم والمضي ليقضي الله أمرا كان مفعولا والهلاك لقضى إليهم أجلهم والوجوب لما قضى الأمر والإبرام في نفس يعقوب قضاها والإعلام وقضينا إلى بني إسرائيل والوصية وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه والموت فوكزه موسى فقضى عليه والنزول فلما قضينا عليه الموت والخلق فقضاهن سبع سماوات والفعل

[ 4625 ] كلا لما يقض ما أمره يعني حقا لم يفعل والعهد إذ قضينا إلى موسى الأمر وذكر غيره القدر المكتوب في اللوح المحفوظ كقوله وكان أمرا مقضيا والفعل فاقض ما أنت قاض والوجوب إذ قضى الأمر أي وجب لهم العذاب والوفاء كفائت العبادة

والكفاية وإن يقضي عن أحد من بعدك انتهى وبعض هذه الأوجه متداخل وأغفل أنه يرد بمعنى الانتهاء فلما قضى زيد منها وطرأ وبمعنى الإتمام ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده وبمعنى كتب إذا قضى أمرا وبمعنى الأداء وهو ما ذكر بمعنى الفراغ ومنه قضى دينه وتفسير قضى ربك أن لا تعبدوا بمعنى وصي منقول من مصحف أبي بن كعب أخرجه الطبري وأخرجه أيضا من طريق قتادة قال هي في مصحف بن مسعود ووصى ومن طريق مجاهد في قوله وقضى قال وأوصى ومن طريق الضحاك أنه قرأ ووصى وقال ألصقت الواو بالصاد فصارت قافا فقرئت وقضى كذا قال واستنكروه منه وأما تفسيره بالأمر كما قال أبو عبيدة فوصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس ومن طريق الحسن وقتادة مثله وروى بن أبي حاتم من طريق ضمرة عن الثوري قال معناه أمر ولو قضى لمضى يعني لو حكم وقال الأزهري القضاء مرجعه إلى انقطاع الشيء وتمامه ويمكن رد ما ورد من ذلك كله إليه وقال الأزهري أيضا كل ما أحكم عمله أو ختم أو أكمل أو وجب أو ألهم أو أنفذ أو مضى فقد قضى وقال في قوله تعالى وقضينا إلى بني إسرائيل أي أعلمناهم علما قاطعا انتهى والقضاء يتعدى بنفسه وإنما تعدى بالحرف في قوله تعالى وقضينا إلى بني إسرائيل لتضمنه معنى أوحينا قوله نفيرا من ينفر معه قال أبو عبيدة في قوله أكثر نفيرا قال الذين ينفرون معه وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله وجعلناكم أكثر نفيرا أي عددا ومن طريق أسباط عن السدي مثله قوله ميسورا لينا قال أبو عبيدة في قوله فقل لهم قولا ميسورا أي لينا وروى الطبري من طريق إبراهيم النخعي في قوله فقل لهم قولا ميسورا أي لصام تعدهم

ومن طريق عكرمة قال عدهم عدة حسنة وروى بن أبي حاتم من طريق محمد بن أبي موسى عن بن عباس في قوله تعالى فقل لهم قولا ميسورا قال العدة ومن طريق السدي قال تقول نعم وكرامة وليس عندنا اليوم ومن طريق الحسن نقول سيكون إن شاء الله تعالى قوله خطأ إثما وهو اسم من خطئت والخطأ مفتوح مصدره من الإثم خطئت بمعنى أخطات قال أبو عبيدة في قوله كان خطئا كبيرا أي إمما وهو اسم من خطئت فإذا فتحته فهو مصدر قال الشاعر دعيني إنما خطئي وصوبي على وإنما اهلكت مالي ثم قال وخطئت وأخطات لغتان وتقول العرب خطئت إذا أذنبت عمدا وأخطأت إذا أذنبت على غير عمد واختار الطبري القراءة التي بكسر ثم سكون وهي المشهورة ثم أسند عن مجاهد في قوله خطئا قال خطيئة قال وهذا أولى لأنهم كانوا يقتلون أولادهم على عمد لا خطأ فنهوا عن ذلك وأما القراءة بالفتح فهي قراءة بن ذكوان وقد أجابوا عن الاستبعاد الذي أشار إليه الطبري بأن معناها إن قتلهم كان غير صواب تقول أخطأ يخطىء خطأ إذا لم يصب وأما قول أبي عبيدة الذي تبعه فيه البخاري حيث قال خطئت بمعنى أخطأت ففيه نظر فإن المعروف عند أهل اللغة أن خطيء بمعنى أثم وأخطأ إذا لم يتعمد أو إذا لم يصب قوله حصيرا محبسا محصرا أما محبسا فهو تفسير بن عباس وصله بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عنه في قوله وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا قال محبسا وقال أبو عبيدة في قوله حصيرا قال محصرا قوله تخرق تقطع قال أبو عبيدة في قوله تعالى لن تخرق الأرض قال لن تقطع قوله وإذ هم نجوى مصدر من ناجيت فوصفهم بها والمعنى يتناجون كذا فيه وقال أبو عبيدة في قوله إذ يستمعون إليك وإذهم نجوى هو مصدر ناجيت أو اسم منها فوصف بها القوم كقولهم هم عذاب فجاءت نجوى في موضع متناجين انتهى ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي وهو ذوو نجوى أو هو جمع نجى كقتيل وقتلى قوله رفانا حطاما قال أبو عبيدة في قوله رفاتا أي حطاما أي عظاما محطمة وروى الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أئذا كنا عظاما ورفاتا قال ترابا قوله واستفزز استخف بخيلك الفرسان والرجل والرجال والرجالة وأحدها راجل مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر هو كلام أبي عبيدة بنصه وتقدم شرحه في بدء الخلق وروى بن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله واستفزز قال استنزل قوله حاصبا الريح العاصف والحاصب أيضا ما ترمي به الريح ومنه حصب جهنم يرمي به في جهنم وهم حصبها ويقال حصب في الأرض ذهب والحاصب مشتق من الحصباء الحجارة تقدم في صفة النار من بدء الخلق قال أبو عبيدة في قوله ويرسل عليكم حاصبا أي ريحا عاصفا تحصب ويكون الحاصب من الجليد أيضا قال الفرزدق بحاصب كنديف القطن منثور وفي قوله حصب جهنم كل شيء ألقيته في النار فقد حصبتها به وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال أو يرسل عليكم حاصبا قال حجارة من السماء ومن طريق السدي قال راميا يرميكم بحجارة قوله تارة أي مرة والجمع تير وتارات هو كلام أبي عبيدة أيضا وقوله والجمع تير بكسر المثناة الفوقانية وفتح المثناة التحتانيه وروى بن أبي حاتم من طريق شعبة عن قتادة في تارة أخرى قال مرة أخرى قوله لأحتنكن لأستأصلنهم يقال احتنك فلان ما عند فلان من علم استقصاه تقدم شرحه في بدء الخلق وروى سعيد بن منصور من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لاحتنكن قال لاحتوين قال يعني شبة الزناق قوله وقال بن عباس كل سلطان في القرآن فهو حجة وصله بن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس وهذا على شرط الصحيح ورواه الفريابي بإسناد آخر عن بن عباس وزاد وكل تسبيح في القرآن فهو صلاة قوله ولى من الذل لم يحالف أحدا وروى الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولم يكن له ولي من الذل قال لم يحالف أحدا

قوله باب قوله أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام لم يختلف القراءة في أسرى بخلاف قوله في قصة لوط فأسر فقرئت بالوجهين وفيه تعقب على من قال من أهل اللغة أن أسرى وسرى بمعنى واحد قال السهيلي السري من سريت إذا سرت ليلا يعني فهو لازم والاسراء يتعدى في المعنى لكن حذف مفعوله حتى ظن من ظن أنهما بمعنى واحد وإنما معنى أسرى بعبده جعل البراق يسرى به كما تقول أمضيت كذا بمعنى جعلته يمضي لكن حسن حذف المفعول لقوة الدلالة عليه أو الاستغناء عن ذكره لأن المقصود بالذكر المصطفى لا الدابة التي سارت به وأما قصة لوط فالمعنى سر بهم على ما يتحملون عليه من دابة ونحوها هذا معنى القراءة بالقطع ومعنى الوصل سر بهم ليلا ولم يأت مثل ذلك في الإسراء لأنه لا يجوز أن يقال سري بعبده بوجه من الوجوه انتهى والنفي الذي جزم به إنما هو من هذه الحيثية التي قصد فيها الإشارة إلى أنه سار ليلا على البراق وإلا فلو قال قائل سرت بزيد بمعنى صاحبته لكان المعنى صحيحا ذكر فيه حديث أبي هريرة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به بإيلياء بقدحين وقد تقدم شرحه في السيرة النبويه ويأتي في الأشربة وذكر فيه أيضا حديث جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبتني قريش كذا للأكثر وللكشميهني كذبني بغير مثناة

[ 4433 ] قوله فجلى الله لي بيت المقدس تقدم شرحه أيضا في السيرة النبوية والذي اقترح على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم بيت المقدس هو المطعم بن عدي أخرجه أبو يعلى من حديث أم هانئ وأخرج النسائي من طريق زرارة بن أبي أوفى عن بن عباس هذه القصة مطولة وقد ذكرت طرفا منها في أول شرح حديث الإسراء معزوا إلى أحمد والبزار ولفظ النسائي لما كان ليلة أسرى بي ثم أصبحت بمكة قطعت بأمري وعرفت أن الناس مكذبي فقعدت معتزلا حزينا فمر بن عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ هل كان من شيء قال نعم قال ما هو قال إني أسرى بي الليله قال إلى أين قال الى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين أظهرنا قال نعم قال فلم ير أن يكذبه مخافة أن يجحد ما قال إن دعا قومه قال إن دعوت قومك لك تحدثهم قال نعم قال أبو جهل يا معشر بني كعب بن لؤي هلم قال فانقضت إليه المجالس فجاءوا حتى جلسوا إليهما قال حدث قومك بما حدثتني فحدثهم قال فمن مصفق ومن واضع يده على رأسه متعجبا وفي القوم من سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد قال فهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد قال النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنعت لهم قال فما زلت أنعت حتى التبس على بعض النعت فجيء بالمسجد حتى وضع فنعته وأنا انظر إليه قال فقال القوم أما النعت فقد أصاب قوله زاد يعقوب بن إبراهيم حدثنا بن أخي بن شهاب عن عمه لما كذبتني قريش حين أسرى إلى بيت المقدس وصله الذهلي في الزهريات عن يعقوب بهذا الإسناد وأخرجه قاسم بن ثابت في الدلائل من طريقه ولفظه جاء ناس من قريش إلى أبي بكر فقالوا هل لك في صاحبك يزعم أنه أتى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة قال أبو بكر أو قال ذلك قالوا نعم قال لقد صدق وروى الذهلي أيضا وأحمد في مسنده جميعا عن يعقوب بن إبراهيم المذكور عن أبيه عن صالح بن كيسان عن بن شهاب بسنده لما كذبتني قريش الحديث فلعله دخل إسناد في إسناد أو لما كان الحديثان في قصة واحدة أدخل ذلك

قوله باب قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم كرمنا وأكرمنا واحد أي في الأصل وإلا فالتشديد أبلغ قال أبو عبيدة كرمنا أي أكرمنا إلا أنها أشد مبالغة في الكرامة انتهى وهي من كرم بضم الراء مثل شرف وليس من الكرم الذي هو في المال قوله ضعف الحياة وضعف الممات عذاب الحياة وعذاب الممات قال أبو عبيدة في قوله ضعف الحياة مختصر والتقدير ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات وروى الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ضعف الحياة قال عذابها وضعف الممات قال عذاب الآخرة ومن طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال ضعف عذاب الدنيا والآخرة ومن طريق سعيد عن قتادة مثله وتوجيه ذلك أن عذاب النار يوصف بالضعف قال لقوله تعالى عذابا ضعفا من النار أي عذابا مضاعفا فكأن الأصل لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه ثم أضيفت إضافة الموصوف فهو كما لو قيل أليم الحياة مثلا قوله خلافك وخلفك سواء قال أبو عبيدة في قوله وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا أي بعدك قال وخلفك سواء وهما لغتين بمعنى وقرئ بهما قلت والقراءتان مشهورتان فقرأ خلفك الجمهور وقرأ خلافك بن عامر والاخوان وهي رواية حفص عن عاصم قوله ونأي تباعد هو قول أبي عبيدة قال في قوله ونأي بجانبه أي تباعد قوله شاكلته ناحيته وهي من شكلته وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله على شاكلته قال على ناحيته ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال على طبيعته وعلى حدته ومن طريق سعيد عن قتادة قال يقول على ناحيته وعلى ما ينوي وقال أبو عبيدة قل كل يعمل على شاكلته أي على ناحيته وخلقته ومنها قولهم هذا من شكل هذا قوله صرفنا وجهنا قال أبو عبيدة في قوله ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن أي وجهنا وبينا قوله حصيرا محبسا

هو قول أبي عبيدة أيضا وهو بفتح الميم وكسر الموحدة وروى بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال حصيرا أي سجنا قوله قبيلا معاينة ومقابلة وقيل القابلة لأنها مقابلتها وتقبل ولدها قال أبو عبيدة والملائكة قبيلا مجاز مقابلة أي معاينة قال الأعشى كصرخة حبلى بشرتها قبيلها أي قابلتها وقال بن التين ضبط بعضهم تقبل ولدها بضم الموحدة وليس بشيء وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قبيلا أي جندا تعاينهم معاينة قوله خشية الإنفاق يقال أنفق الرجل املق ونفق الشيء ذهب كذا ذكره هنا والذي قاله أبو عبيدة في قوله ولا تقتلوا أولادكم من إملاق أي من ذهاب مال يقال أملق فلان ذهب ماله وفي قوله ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق أي فقر وقوله نفق الشيء ذهب هو بفتح الفاء ويجوز كسرها هو قول أبي عبيدة وروى بن أبي حاتم من طريق السدي قال خشية الإنفاق أي خشية أن ينفقوا فيفتقروا قوله قتورا مقترا هو قول أبي عبيدة أيضا قوله للاذقان مجتمع اللحيين الواحد ذقن هو قول أبي عبيدة أيضا وسيأتي له تفسير آخر قريبا واللحيين بفتح اللام ويجوز كسرها تثنية لحية قوله وقال مجاهد موفورا وافرا وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عنه سواء قوله تبيعا ثائرا وقال بن عباس نصيرا أما قول مجاهد فوصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عنه في قوله ثم لاتجد لك علينا به تبيعا أي ثائرا وهو اسم فاعل من الثأر يقال لكل طالب بثأر وغيره تبيع وتابع ومن طريق سعيد عن قتادة أي لا تخاف أن تتبع بشيء من ذلك وأما قول بن عباس فوصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عنه في قوله تبيعا قال نصيرا قوله لا تبذر لا تنفق في الباطل وصله الطبري من طريق عطاء الخراساني عن بن عباس في قوله ولا تبذر لا تنفق في الباطل والتبذير السرف في غير حق ومن طريق عكرمة قال المبذر المنفق في غير حق ومن طرق متعددة عن أبي العبيدين وهو بلفظ التصغير والتثنية عن بن مسعود مثله وزاد في بعضها كنا أصحاب محمد نتحدث أن التبذير النفقة في غير حق قوله ابتغاء رحمة رزق وصله الطبري من طريق عطاء عن بن عباس في قوله تعالى واما تعرفن عنهم ابتغاء رحمة من ربك قال ابتغاء رزق ومن طريق عكرمة مثله ولابن أبي حاتم من طريق إبراهيم النخعي في قوله ابتغاء رحمة من ربك ترجوها قال فضلا قوله مثبورا ملعونا وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس ومن وجه آخر عن سعيد بن جبير عنه ومن طريق العوفي عنه قال مغلوبا ومن طريق الضحاك مثله ومن طريق مجاهد قال هالكا ومن طريق قتادة قال مهلكا ومن طريق عطية قال مغيرا مبدلا ومن طريق بن زيد بن أسلم قال مخبولا لا عقل له قوله فجاسوا تيمموا أخرجه بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله فجاسوا خلال الديار أي فمشوا وقال أبو عبيدة جاس يجوس أي نقب وقيل نزل وقيل قتل وقيل تردد وقيل هو طلب الشيء باستقصاء وهو بمعنى نقب قوله يزجى الفلك يجري الفلك وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عنه به ومن طريق سعيد عن قتادة يزجى الفلك أي يسيرها في البحر قوله يخرون للاذقان للوجوه وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عنه وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله وعن معمر عن الحسن للحي وهذا يوافق قول أبي عبيدة الماضي والأول على المجاز

قوله باب وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها الآية ذكر فيه حديث عبد الله وهو بن مسعود كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية أمر بنو فلان ثم ذكره عن شيخ آخر عن سفيان يعني بسنده قال أمر فالأولى بكسر الميم والثانية بفتحها وكلاهما لغتان وأنكر بن التين فتح الميم في أمر بمعنى كثر وغفل في ذلك ومن حفظه حجة عليه كما سأوضحه وضبط الكرماني أحدهما بضم الهمزة وهو غلط منه وقراءة الجمهور بفتح الميم وحكى أبو جعفر عن بن عباس أنه قرأها بكسر الميم وأثبتها أبو زيد لغة وأنكرها الفراء وقرأ أبو رجاء في آخرين بالمد وفتح الميم ورويت عن أبي عمرو وابن كثير وغيرهما واختارها يعقوب ووجهها الفراء بما ورد من تفسير بن مسعود وزعم أنه لا يقال أمرنا بمعنى كثرنا إلا بالمد وأعتذر عن حديث أفضل المال مهرة مأمورة فإنها ذكرت للمزاوجة لقوله فيه أو سكة مأبورة وقرأ أبو عثمان النهدي كالأول لكن بتشديد الميم بمعنى الأمارة واستشهد الطبري بما أسنده من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله أمرنا مترفيها قال سلطنا شرارها ثم ساق عن أبي عثمان وأبي العالية ومجاهد أنهم قرؤوا بالتشديد وقيل التضعيف للتعدية والأصل أمرنا بالتخفيف أي كثرنا كما وقع في هذا الحديث الصحيح ومنه حديث خير المال مهرة مأمورة أي كثيرة النتاج أخرجه أحمد ويقال أمر بنو فلان أي كثروا وأمرهم الله كثرهم وأمروا أي كثروا وقد تقدم قول أبي سفيان في أول هذا الشرح في قصة هرقل حيث قال لقد أمر أمر بن أبي كبشة أي عظم واختار الطبري قراءة الجمهور واختار في تأويلها حملها على الظاهر وقال المعنى أمرنا مترفيها بالطاعة فعصوا ثم أسنده عن بن عباس ثم سعيد بن جبير وقذ أنكر الزمخشري هذا التأويل وبالغ كعادته وعمدة إنكاره أن حذف ما لا دليل عليه غير جائز وتعقب بأن السياق يدل عليه وهو كقولك أمرته فعصاني أي أمرته بطاعتي فعصاني وكذا أمرته فامتثل

قوله باب ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ذكر فيه حديث أبي هريرة في الشفاعة من طريق أبي زرعة بن عمرو عنه وسيأتي في شرحه في الرقاق وأورده هنا لقوله فيه يقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا وقد مضى البحث في كونه أول الرسل في كتاب التيمم وقوله فيه في ذكر إبراهيم وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرهن أبو حيان في الحديث يشير إلى أن من دون أبي حيان اختصر ذلك وأبو حيان هو الراوي عن أبي زرعة وقد مضى ذلك في أحاديث الأنبياء وفي الحديث رد على من زعم أن الضمير في قوله أنه كان عبدا شكورا لموسى عليه السلام وقد صحح بن حبان من حديث سلمان الفارسي كان نوح إذا طعم أو لبس حمد الله فسمي عبدا شكورا وله شاهد عند بن مردويه من حديث معاذ بن أنس وآخر من حديث أبي فاطمة وقوله ينفذهم البصر بفتح أوله وضم الفاء من الثلاثي أي يخرقهم وبضم أوله وكسر الفاء من الرباعي أي يحيط بهم والذال معجمة في الرواية وقال أبو حاتم السجستاني أصحاب الحديث يقولونه بالمعجمة وإنما هو بالمهملة ومعناه يبلغ أولهم واخرهم وأجيب بأن المعنى يحيط بهم الرائي لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض فلا يكون فيها ما يستتر به أحد من الرائي وهذا أولى من قول أبي عبيدة يأتي عليهم بصر الرحمن إذ رؤية الله تعالى محيطة بجميعهم في كل حال سواء الصعيد المستوى وغيره ويقال نفذه البصر إذا بلغه وجاوزه والنفاذ الجواز والخلوص من الشيء ومنه نفذ السهم إذا خرق الرمية وخرج منها

قوله باب قوله وآتينا داود زبورا ذكر فيه حديث أبي هريرة خفف على داود القرآن ووقع في رواية لأبي ذر القراءة والمراد بالقرآن مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة وقد تقدم إشباع القول فيه في ترجمة داود عليه السلام من أحاديث الأنبياء

قوله باب قل ادعوا الذين زعمتم من دونه الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى تحويلا قوله يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري وسليمان هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي وأبو معمر هو عبد الله الأزدي وعبد الله هو بن مسعود قوله عن عبد الله إلى ربهم الوسيلة قال كان ناس في رواية النسائي من هذا الوجه عن عبد الله في قوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة قال كان ناس الخ والمراد بالوسيلة القربة أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وأخرجه الطبري من طريق أخرى عن قتادة ومن طريق بن عباس أيضا قوله فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم أي استمر الأنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة وروى الطبري من وجه آخر عن بن مسعود فزاد فيه والأنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم وهذا هو المعتمد في تفسير هذه الآية وأما ما أخرجه الطبري من وجه آخر عن بن مسعود قال كان قبائل العرب يعبدون صنفا من الملائكة يقال لهم الجن ويقولون هم بنات الله فنزلت هذه الآية فإن ثبت فهو محمول على أنها نزلت في الفريقين وإلا فالسياق يدل على أنهم قبل الإسلام كانوا راضين بعبادتهم وليست هذه من صفات الملائكة وفي رواية سعيد بن منصور عن بن مسعود في حديث الباب فعيرهم الله بذلك وكذا ما أخرجه من طريق أخرى ضعيفة عن بن عباس أن المراد من كان يعبد الملائكة والمسيح وعزيزا تنبيه استشكل بن التين قوله ناسا من الجن من حيث أن الناس ضد الجن وأجيب بأنه على قول من قال أنه من ناس إذا تحرك أو ذكر للتقابل حيث قال ناس من الإنس وناسا من الجن ويا ليت شعري على من يعترض قوله زاد الأشجعي هو عبيد الله بن عبيد الرحمن بالتصغير فيها قوله عن سفيان عن الأعمش قل ادعوا الذين زعمتم أي روى الحديث بإسناده وزاد في أوله من أول الآية التي قبلها وروى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس في قوله قل ادعوا الذين زعمتم إلى آخر الآية قال كان أهل الشرك يقولون نعبد الملائكة وهو الذين يدعون

قوله باب قوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة الآية ذكر فيه الحديث قبله من وجه آخر عن الأعمش مختصرا ومفعول يدعون محذوف تقديره أولئك الذين يدعونهم آلهة يبتغون إلى ربهم الوسيلة وقرأ بن مسعود تدعون بالمثناة الفوقانية على أن الخطاب للكفار وهو واضح وقوله أيهم أقرب معناه يبتغون من هو أقرب منهم إلى ربهم وقال أبو البقاء مبتدأ والخبر أقرب وهو استفهام في موضع نصب يبدعون ويجوز أن يكون بمعنى الذين وهو بدل من الضمير في يدعون كذا قال وكأنه ذهب إلى أن فاعل يدعون ويبتغون واحد والله اعلم

قوله باب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس سقط باب لغير أبي ذر

[ 4439 ] قوله عن عمرو هو بن دينار قوله هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به لم يصرح بالمرئي وعنه سعيد بن منصور من طريق أبي مالك قال هو ما أرى في طريقه إلى بيت المقدس قلت وقد بينت ذلك واضحا في الكلام على حديث الإسراء في السيرة النبوية من هذا الكتاب قوله أريها ليلة أسرى به زاد سعيد بن منصور عن سفيان في آخر الحديث وليست رؤيا منام وقوله ليلة أسري به جاء فيه قول آخر فروى بن مردويه من طريق العوفي عن بن عباس قال أرى أنه دخل مكة هو وأصحابه فلما رده المشركون كان لبعض الناس بذلك فتنة وجاء فيه قول آخر فروى بن مردويه من حديث الحسين بن على رفعه إني أريت كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا فقيل هي دنيا تنالهم ونزلت هذه الآية وأخرجه بن أبي حاتم من حديث عمرو بن العاص ومن حديث يعلى بن مرة ومن مرسل بن المسيب نحوه وأسانيد الكل ضعيفة واستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين في اليقظة وقد أنكره الحريري تبعا لغيره وقالوا إنما يقال رؤيا في المنام وأما التي في اليقظة فيقال رؤية وممن استعمل الرؤيا في اليقظة المتنبي في قوله ورؤياك أحلى في العيون من الغمض وهذا التفسير يرد على من خطأه قوله والشجرة الملعونه في القرآن قال شجرة الزقوم هذا هو الصحيح وذكره بن أبي حاتم عن بضعة عشر نفسا من التابعين ثم روى من حديث عبد الله بن عمرو أن الشجرة الملعونة الحكم بن أبي العاص وولده وإسناده ضعيف وأما الزقوم فقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات الزقوم شجرة غبراء تنبت في السهل صغيرة الورق مدورته لا شوك لها زفرة مرة ولها نور أبيض ضعيف تجرسه النحل ورءوسها قباح جدا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قال المشركون يخبرنا محمد أن في النار شجرة والنار تأكل للشجر فكان ذلك فتنة لهم وقال السهيلي الزقوم فعول من الزقم وهو اللقم الشديد وفي لغة تميمية كل طعام يتقيأ منه يقال له زقوم وقيل هو كل طعام ثقيل

قوله باب قوله ان قرآن الفجر كان مشهودا قال مجاهد صلاة الفجر وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عنه وزاد يجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار ومن طريق طريق العوفي عن بن عباس نحوه ثم ذكر فيه حديث أبي هريرة وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة

قوله باب قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا روى النسائي بإسناد صحيح من حديث حذيفة قال يجتمع الناس في صعيد واحد فأول مدعو محمد فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك المهدي من هديت عبدك وابن عبديك وبك وإليك ولا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك تباركت وتعاليت فهذا قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وصححه الحاكم ولا منافاة بينه وبين حديث بن عمر في الباب لأن هذا الكلام كأنه مقدمة الشفاعة وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن المقام المحمود الذي ذكره الله أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل فيغبطه لمقامه ذلك أهل الجمع ورجاله ثقات لكنه مرسل ومن طريق علي بن الحسين بن علي أخبرني رجل من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تمد الأرض مد الأديم الحديث وفيه ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول أي رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض قال فذلك المقام المحمود ورجاله ثقات وهو صحيح إن كان الرجل صحابيا وقد تقدم في كتاب الزكاة أن المراد بالمقام المحمود أخذه بحلقة باب الجنة وقيل إعطاؤه لواء الحمد وقيل جلوسه على العرش أخرجه عبد بن حميد وغيره عن مجاهد وقيل شفاعته رابع أربعة وسيأتي بيانه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى

[ 4441 ] قوله حدثنا أبو الأحوص بمهملتين هو سلام بن سليم قوله عن آدم بن علي هو العجلي بصري ثقة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وقد تقدم في الزكاة من وجه آخر عن بن عمر وفيه تسمية بعض من أبهم هنا بقوله حدثنا فلان وقوله جثا بضم أوله والتنوين جمع جثوة كخطوة وخطا وحكى بن الأثير أنه روى جثى بكسر المثلثة وتشديد التحتانية جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبته وقال بن الجوزي عن بن الخشاب إنما هو جثى بفتح المثلثة وتشديدها جمع جاث مثل غاز وغزى قوله حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم زاد في الرواية المعلقة في الزكاة فيشفع ليقضي بين الخلق ويأتي شرح حديث الشفاعة مستوفي في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى

[ 4442 ] قوله رواة حمزة بن عبد الله أي بن عمر عن أبيه تقدم ذكر من وصله في كتاب الزكاة ثم ذكر المصنف حديث جابر في الدعاء بعد الأذان وقد تقدم شرحه في أبواب الأذان

قوله باب وقل جاء الحق وزهق الباطل الآية يزهق يهلك قال أبو عبيدة في قوله تزهق أنفسهم وهم كارهون أي تخرج وتموت وتهلك ويقال زهق ما عندك أي ذهب كله وروى بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس إن الباطل كان زهوقا أي ذاهبا ومن طريق سعيد عن قتادة زهق الباطل أي هلك قوله عن بن أبي نجيح كذا لهم وفي بعض النسخ حدثنا بن أبي نجيح قوله دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم والنسائي أن ذلك كان في فتح مكة وأوله في قصة فتح مكة إلى أن قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف بالبيت فجعل يمر بتلك الأصنام فجعل يطعنها بسية القوس ويقول جاء الحق وزهق الباطل الحديث بطوله وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في غزوة الفتح بحمد الله تعالى وقوله وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب كذا للأكثر هنا بغير ألف وكذا وقع في رواية سعيد بن منصور لكن بلفظ صنم والأوجه نصبه على التمييز إذ لو كان مرفوعا لكان صفة والواحد لا يقع صفة للجمع ويحتمل أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف والجملة صفة أو هو منصوب لكنه كتب بغير ألف على بعض اللغات

قوله باب ويسألونك عن الروح ذكر فيه حديث إبراهيم وهو النخعي عن علقمة عن عبد الله وهو بن مسعود

[ 4444 ] قوله في حرث بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة ووقع في كتاب العلم من وجه آخر بخاء معجمة وموحدة وضبطوه بفتح أوله وكسر ثانيه وبالعكس والأول أصوب فقد أخرجه مسلم من طريق مسروق عن بن مسعود بلفظ كان في نخل وزاد في رواية العلم بالمدينة ولابن مردويه من وجه آخر عن الأعمش في حرث للأنصار وهذا يدل على أن نزول الآية وقع بالمدينة لكن روى الترمذي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس قال قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فأنزل الله تعالى ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ورجاله رجال مسلم وهو عند بن إسحاق من وجه آخر عن بن عباس نحوه ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك وإن ساغ هذا وإلا فما في الصحيح أصح قوله يتوكأ أي يعتمد قوله على عسيب بمهملتين وآخره موحدة بوزن عظيم وهي الجريدة التي لا خوص فيها ووقع في رواية بن حبان ومعه جريدة قال بن فارس العسبان من النخل كالقضبان من غيرها قوله إذ مر اليهود كذا فيه اليهود بالرفع على الفاعلية وفي بقية الروايات في العلم والاعتصام والتوحيد وكذا عند مسلم إذ مر بنفر من اليهود وعند الطبري من وجه آخر عن الأعمش إذ مررنا على يهود ويحمل هذا الاختلاف على أن الفريقين تلاقوا فيصدق أن كلا مر بالآخر وقوله يهود هذا اللفظ معرفة تدخله اللام تارة وتارة ينجرد وحذفوا منه ياء النسبة ففرقوا بين مفرده وجمعه كما قالوا زنج وزنجي ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية أحد من هؤلاء اليهود قوله ما رأيكم اليه كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي من الريب ويقال فيه رأبه كذا وأرابه كذا بمعنى وقال أبو زيد رابه إذا علم منه الريب وأرأبه إذا ظن ذلك به ولأبي ذر عن الحموي وحده بهمزة وضم الموحدة من الرأب وهو الأصلاح يقال فيه رأب بين القوم إذا أصلح بينهم وفي توجيهه هنا بعد وقال الخطابي الصواب ما أربكم بتقديم الهمزة وفتحتين من الأرب وهو الحاجة وهذا واضح المعنى لو ساعدته الرواية نعم رأيته في رواية المسعودي عن الأعمش عند الطبري كذلك وذكر بن التين أن رواية القابسي كرواية الحموي لكن بتحتانية بدل الموحدة من الرأي والله أعلم قوله وقال بعضهم لا يستقبلكم بشيء تكرهونه في رواية العلم لا يجيء فيه بشيء تكرهونه وفي الاعتصام لا يسمعكم ما تكرهون وهي بمعنى وكلها بالرفع على الاستئناف ويجوز السكون وكذا النصب أيضا قوله فقالوا سلوه في رواية التوحيد فقال بعضهم لنسألنه واللام جواب قسم محذوف قوله فسألوه عن الروح في رواية التوحيد فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح وفي رواية العوفي عن بن عباس عند الطبري فقالوا أخبرنا عن الروح قال بن التين اختلف الناس في المراد بالروح المسئول عنه في هذا الخبر على أقوال الأول روح الإنسان الثاني روح الحيوان الثالث جبريل الرابع عيسى الخامس القرآن السادس الوحي السابع ملك يقوم وحده صفا يوم القيامة الثامن ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه وقيل ملك له سبعون ألف لسان وقيل له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان ألف لغة يسبح الله تعالى يخلق الله بكل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة وقيل ملك رجلاه في الأرض السفلى ورأسه عند قائمة العرش التاسع خلق كخلق بني آدم يقال لهم الروح يأكلون ويشربون لا ينزل ملك من السماء إلا نزل معه وقيل بل هم صنف من الملائكة يأكلون ويشربون انتهى كلامه ملخصا بزيادات من كلام غيره وهذا إنما اجتمع من كلام أهل التفسير في معنى لفظ الروح الوارد في القرآن لا خصوص هذه الآية فمن الذي في القرآن نزل به الروح الأمين وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا يلقى الروح من أم فالأول جبريل والثاني القرآن والثالث الوحي والرابع القوة والخامس والسادس محتمل لجبريل ولغيره ووقع إطلاق روح الله على عيسى وقد روى بن إسحاق في تفسيره بإسناد صحيح عن بن عباس قال الروح من الله وخلق من خلق الله وصور كبني آدم لا ينزل ملك إلا ومعه واحد من الروح وثبت عن بن عباس أنه كان لا يفسر الروح أي لا يعين المراد به في الآية وقال الخطابي حكوا في المراد بالروح في الآية أقوالا قيل سألوه عن جبريل وقيل عن ملك له ألسنة وقال الأكثر سألوه عن الروح التي تكون بها الحياة في الجسد وقال أهل النظر سألوه عن كيفية مسلك الروح في البدن وامتزاجه به وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه وقال القرطبي الراجح أنهم سألوه عن روح الإنسان لأن اليهود لا تعترف بأن عيسى روح الله ولا تجهل أن جبريل ملك وأن الملائكة أرواح وقال الإمام فخر الدين الرازي المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه وبيانه أن السؤال عن الروح يحتمل عن ماهيته وهل هي متحيزة أم لا وهل هي حالة في متحيز أم لا وهل هي قديمة أو حادثة وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من متعلقاتها قال وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهية وهل الروح قديمة أو حادثة والجواب يدل على أنها شيء موجود مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها فهو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث وهو قوله تعالى كن فكأنه قال هي موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه قال ويحتمل أن يكون المراد بالأمر في قوله من أمر ربي الفعل كقوله وما أمر فرعون برشيد أي فعله فيكون الجواب الروح من فعل ربي وإن كان السؤال هل هي قديمة أو حادثة فيكون الجواب إنها حادثة إلى أن قال وقد سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء والتعمق فيها أه وقد تنطع قوم فتباينت أقوالهم فقيل هي النفس الداخل والخارج وقيل الحياة وقيل جسم لطيف يحل في جميع البدن وقيل هي الدم وقيل هي عرض حتى قيل إن الأقوال فيها بلغت مائة ونقل بن منده عن بعض المتكلمين أن لكل نبي خمسة أرواح وأن لكل مؤمن ثلاثة ولكل حي واحدة وقال بن العربي اختلفوا في الروح والنفس فقيل متغايران وهو الحق وقيل هما شيء واحد قال وقد يعبر بالروح عن النفس وبالعكس كما يعبر عن الروح وعن النفس بالقلب وبالعكس وقد يعبر عن الروح بالحياة حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء بل إلى الجماد مجازا وقال السهيلي يدل على مغايرة الروح والنفس قوله تعالى فإذا سويته ونفخت فيه من روحي وقوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فأنه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر ولولا التغاير لساغ ذلك قوله فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم في رواية الكشمهيني عليه بالافراد وفي رواية العلم فقام متوكئا على العسيب وأنا خلفه قوله فعلمت أنه يوحى اليه في رواية التوحيد فظننت أنه يوحى إليه وفي الاعتصام فقلت إنه يوحى إليه وهي متقاربة وإطلاق العلم على الظن مشهور وكذا إطلاق القول على ما يقع في النفس ووقع عند بن مردويه من طريق بن إدريس عن الأعمش فقام وحنى من رأسه فظننت أنه يوحى اليه قوله فقمت مقامي في رواية الاعتصام فتأخرت عنه أي أدبا معه لئلا يتشوش بقربي منه قوله فلما نزل الوحي قال في رواية الاعتصام حتى صعد الوحي فقال وفي رواية العلم فقمت فلما انجلى قوله من أمر ربي قال الإسماعيلي يحتمل أن يكون جوابا وأن الروح من جملة أمر الله وأن يكون المراد أن الله اختص بعلمه ولا سؤال لأحد عنه وقال بن القيم ليس المراد هنا بالأمر الطلب اتفاقا وإنما المراد به المأمور والأمر يطلق على المأمور كالخلق على المخلوق ومنه لما جاء أمر ربك وقال بن بطال معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله بعلمه بدليل هذا الخبر قال والحكمة في إبهامه اختبار الخلق ليعرفهم عجزهم عن علم ما لا يدركونه حتى يضطرهم إلى رد العلم اليه وقال القرطبي الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق من باب الأولى وجنح بن القيم في كتاب الروح إلى ترجيح أن المراد بالروح المسئول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال وأما أرواح بني آدم فلم يقع تسميتها في القرآن الا نفسا كذا قال ولا دلالة في ذلك لما رجحه بل الراجح الأول فقد أخرج الطبري من طريق العوفي عن بن عباس في هذه القصة أنهم قالوا عن الروح وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإنما الروح من الله فنزلت الآية وقال بعضهم ليس في الآية دلالة على أن الله لم يطلع نبيه على حقيقة الروح بل يحتمل أن يكون أطلعه ولم يأمره أنه يطلعهم وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا والله أعلم وممن رأى الإمساك عن الكلام في الروح إسناد الطائفة أبو القاسم فقال فيما نقله في عوارف المعارف عنه بعد أن نقل كلام الناس في الروح وكان الأولى الإمساك عن ذلك والتأدب بأدب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقل عن الجنيد أنه قال الروح استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه فلا تجوز العبادة عنه بأكثر من موجوده وعلى ذلك جرى بن عطية وجمع من أهل التفسير وأجاب من خاض في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليط لكونه يطلق على أشياء فأضمروا أنه بأي شيء أجاب قالوا ليس هذا المراد فرد الله كيدهم وأجابهم جوابا مجملا مطابقا لسؤالهم المجمل وقال السهروردي في العوارف يجوز أن يكون من خاض فيها سلك سبيل التأويل لا التفسير إذ لايسوغ التفسير إلا نقلا وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل وهو ذكر ما لا يحتمل إلا به من غير قطع بأنه المراد فمن ثم يكون القول فيه قال وظاهر الآية المنع من القول فيها لختم الآية بقوله وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أخبرني اجعلوا حكم الروح من الكثير الذي لم تؤتوه فلا تسألوا عنه فإنه من الأسرار وقيل المراد بقوله أمر ربي كون الروح من عالم الأمر الذي هو عالم الملكوت لا عالم الخلق الذي هو عالم الغيب والشهادة وقد خالف الجنيد ومن تبعه من الأئمة جماعة من متأخري الصوفية فأكثروا من القول في الروح وصرح بعضهم بمعرفة حقيقتها وعاب من أمسك عنها ونقل بن منده في كتاب الروح له عن محمد بن نصر المروزي الإمام المطلع على اختلاف الأحكام من عهد الصحابة إلى عهد فقهاء الأمصار أنه نقل الإجماع على أن الروح مخلوقة وإنما ينقل القول بقدمها عن بعض غلاة الرافضة والمتصوفة واختلف هل تفنى عند فناء العالم قبل البعث أو تستمر باقية على قولين والله أعلم ووقع بعض التفاسير أن الحكمة في سؤال اليهود عن الروح أن عندهم في التوراة أن روح بني آدم لا يعلمها إلا الله فقالوا نسأله فإن فسرها فهو نبي وهو معنى قولهم لا يجيء بشيء تكرهونه وروى الطبري من طريق مغيرة عن إبراهيم في هذه القصة فنزلت الآية فقالوا هكذا نجده عندنا ورجاله ثقات إلا أنه سقط من الإسناد علقمة قوله وما أوتيتم من العلم كذا للكشميهني هنا وكذا لهم في الاعتصام ولغير الكشميهني هنا وما أوتوا وكذا لهم في العلم وزاد قال الأعمش هكذا قراءتنا وبين مسلم اختلاف الرواة عن الأعمش فيها وهي مشهورة عن الأعمش أعنى بلفظ وما أوتوا ولا مانع أن يذكرها بقراءة غيره وقراءة الجمهور وما أوتيتم والأكثر على أن المخاطب بذلك اليهود فتتحد القراءتان نعم وهي تتناول جميع علم الخلق بالنسبة إلى علم الله ووقع في حديث بن عباس الذي أشرت إليه أول الباب أن اليهود لما سمعوها قالوا أوتينا علما كثيرا التوراة ومن أوتى التوراة فقد أوتى خيرا كثيرا فنزلت قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي الآية قال الترمذي حسن صحيح قوله الا قليلا هو استثناء من العلم أي إلا قليلا أو من الإعطاء أي الإعطاء قليلا أو من ضمير المخاطب أو الغائب على القراءتين أي إلا قليلا منهم أو منكم وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق جواز سؤال العالم في حال قيامه ومشيه إذا كان لا يثقل ذلك عليه وأدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بما يغلب على الظن والتوقف عن الجواب بالاجتهاد لمن يتوقع النص وأن بعض المعلومات قد استأثر الله بعلمه حقيقة وأن الأمر يرد لغير الطلب والله أعلم

قوله باب ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها سقط باب لغير أبي ذر

[ 4445 ] قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي قوله أخبرنا أبو بشر في رواية غير أبي ذر حدثنا أبو بشر وهو جعفر بن أبي وحشية وذكر الكرماني أنه وقع في نسخته يونس بدل قوله أبو بشر وهو تصحيف قال الفربري أنبأنا محمد بن عياش قال لم يخرج محمد بن إسماعيل البخاري في هذا الكتاب من حديث هشيم إلا ما صرح فيه بالإخبار قلت يريد في الأصول وسبب ذلك أن هشيما مذكور بتدليس الإسناد قوله عن بن عباس كذا وصله هشيم وأرسله شعبة أخرجه الترمذي من طريق الطيالسي عن شعبة وهشيم مفصلا قوله نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة يعني في أول الإسلام قوله رفع صوته بالقرآن في رواية الطبري من وجه آخر عن بن عباس فكان إذا صلى بأصحابه وأسمع المشركين فآذوه وفسرت رواية الباب الأذى بقوله سبوا القرآن وللطبري من وجه آخر عن سعيد بن جبير فقالوا له لاتجهر فتؤذي آلهتنا فنهجو إلهك ومن طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرق عنه أصحابه وإذا خفض صوته لم يسمعه من يريد أن يسمع قراءته فنزلت قوله ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك وفي رواية الطبري لاتجهر بصلاتك أي لا تعلن بقراءة القرآن إعلانا شديدا فيسمعك المشركون فيؤذونك ولا تخافت بها أي لا تخفض صوتك حتى لا تسمع أذنيك وابتغ بين ذلك سبيلا أي طريقا وسطا

[ 4446 ] قوله حدثنا طلق بفتح المهملة وسكون اللام بن غنام بالمعجمة والنون وهو النخعي من كبار شيوخ البخاري وروايته عنه في هذا الكتاب قليلة وشيخه زائدة هو بن قدامة قوله عن عائشة تابعه الثوري عن هشام وأرسله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندراني عن هشام وكذلك أرسله مالك قوله أنزل ذلك في الدعاء هكذا أطلقت عائشة وهو أعم من أن يكون ذلك داخل الصلاة أو خارجها وقد أخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام فزاد في الحديث في التشهد ومن طريق عبد الله بن شداد قال كان أعرابي من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم ارزقنا ما لا وولدا ورجح الطبري حديث بن عباس قال لأنه أصح مخرجا ثم أسند عن عطاء قال يقول قوم إنها في الصلاة وقوم إنها في الدعاء وقد جاء عن بن عباس نحو تأويل عائشة أخرجه الطبري من طريق أشعث بن سوار عن عكرمة عن بن عباس قال نزلت في الدعاء ومن وجه آخر عن بن عباس مثله ومن طريق عطاء ومجاهد وسعيد ومكحول مثله ورجح النووي وغيره قول بن عباس كما رجحه الطبري لكن يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى بن مردويه من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت ورفع صوته بالدعاء فنزلت وجاء عن أهل التفسير في ذلك أقوال أخرمنها ما روى سعيد بن منصور من طريق صحابي لم يسم رفعه في هذه الآية لا ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتعير بها ومنها ما روى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس لا تجهر بصلاتك أي لا تصل مراآة للناس ولا تخافت بها أي لا تتركها مخافة منهم ومن طرق عن الحسن البصري نحوه وقال الطبري لولا أننا لا نستجيز مخالفة أهل التفسير فيما جاء عنهم لأحتمل أن يكون المراد لا تجهر بصلاتك أي بقرءاتك نهارا ولا تخافت بها أي ليلا وكان ذلك وجها لايبعد من الصحة انتهى وقد أثبته بعض المتأخرين قولا وقيل الآية في الدعاء وهي منسوخة بقوله ادعوا ربكم تضرعا وخفية

سورة الكهف بسم الله الرحمن الرحيم ثبتت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال مجاهد تقرضهم تتركهم وصله الفريابي عنه وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة نحوه وسقط هنا لأبي ذر قوله وقال مجاهد وكان له ثمر ذهب وفضة وصله الفريابي بلفظه وأخرج الفراء من وجه آخر عن مجاهد قال ما كان في القرآن ثمر بالضم فهو المال وما كان بالفتح فهو النبات قوله وقال غيره جماعة الثمر كأنه عنى به قتادة فقد أخرج الطبري من طريق أبي سفيان المعمري عن معمر عن قتادة قال الثمر المال كله وكل مال إذا اجتمع فهو ثمر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من المال كله وروى بن المنذر من وجه آخر عن قتادة قال قرأ بن عباس ثمر يعني بفتحتين وقال يريد أنواع المال انتهى والذي قرأ هنا بفتحتين عاصم وبضم ثم سكون أبو عمرو والباقون بضمتين قال بن التين معنى قوله جماعة الثمر أن ثمرة يجمع على ثمار وثمار على ثمر قوله باخع مهلك هو قول أبي عبيدة وأنشد لذي الرمة ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة باخع نفسك أي قاتل نفسك قوله أسفا ندما هو قول أبي عبيدة وقال قتادة حزنا قوله الكهف الفتح في الجبل والرقيم الكتاب مرقوم مكتوب من الرقم تقدم جميع ذلك في أحاديث الأنبياء مشروحا قوله أمدا غاية طال عليهم الأمد سقط هذا لأبي ذر وهو قول أبي عبيدة وروى عبد بن حميد من طريق مجاهد في قوله أمدا قال عددا قوله وقال سعيد يعني بن جبير عن بن عباس الرقيم لوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثم طرحه في خزانته فضرب الله على آذانهم وصله عبد بن حميد من طريق يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير مطولا وقد لخصته في أحاديث الأنبياء وإسناده صحيح على شرط البخاري وقد روى بن مردويه من طريق عكرمة عن بن عباس أنه قال ما كنت أعرف الرقيم ثم سألت عنه فقيل لي هي القرية التي خرجوا منها وإسناده ضعيف قوله وقال غيره ربطنا على قلوبهم ألهمناهم صبرا تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء قوله لولا أن ربطنا على قلبها أي ومن هذه المادة هذا الموضع ذكره استطرادا وإنما هو في سورة القصص وهو قول أبي عبيدة أيضا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال لولا أن ربطنا على قلبها بالإيمان قوله مرفقا كل شيء ارتفقت به هو قول أبي عبيدة وزاد ويقرؤه قوم بفتح الميم وكسر الفاء انتهى وهي قراءة نافع وابن عامر واختلف هل هما بمعنى أم لا فقيل هو بكسر الميم للجارحة وبفتحها للأمر وقد يستعمل أحدهما موضع الآخر وقيل لغتان فيما يرتفق به وأما الجارحة فبالكسر فقط وقيل لغتان في الجارحة أيضا وقال أبو حاتم هو بفتح الميم الموضع كالمسجد وبكسرها الجارحة قوله تزاور من الزور والأزور الأميل هو قول أبي عبيدة قوله فجوة متسع والجمع فجوات وفجى كقولك زكوات وزكاة هو قول أبي عبيدة أيضا قوله شططا إفراطا الوصيد الفناء الخ تقدم كله في أحاديث الأنبياء قوله بعثناهم أحييناهم هو قول أبي عبيدة وروى عبد الرزاق من طريق عكرمة قال كان أصحاب الكهف أولاد ملوك اعتزلوا قومهم في الكهف فاختلفوا في بعث الروح والجسد فقال قائل يبعثان وقال قائل تبعث الروح فقط وأما الجسد فتأكله الأرض فأماتهم ثم أحياهم فذكر القصة قوله أزكى أكثر ويقال أحل ويقال أكثر ريعا تقدم أيضا وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس أحل ذبيحة وكانوا يذبحون للطواغيت تنبيه سقط من قوله الكهف الفتح إلى هنا من رواية أبي ذر هنا وكأنه استغنى بتقديم جل ذلك هناك قوله وقال غيره لم يظلم لم ينقص كذا لأبي ذر ولغيره وقال بن عباس فذكره وقد وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس وكذا الطبري من طريق سعيد عن قتادة قوله وقال مجاهد موئلا محرزا وصله الفريابي وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله موئلا قال ملجأ ورجحه بن قتيبة وقال هو من وأل إذا لجأ إليه وهو هنا مصدر وأصل الموئل المرجح قوله وألت تئل تنجو قال أبو عبيدة في قوله موئلا ملجأ ومنجأ قال الشاعر فلا وألت نفس عليها تحاذر أي لا نجت قوله لايستطيعون سمعا أي لا يعقلون وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله

قوله باب وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ذكر فيه حديث على مختصرا ولم يذكر مقصود الباب على عادته في التعمية وقد تقدم شرحه مستوفي في صلاة الليل وفيه ذكر الآية المذكورة و قوله في آخره ألا تصليان زاد في نسخة الصغائي وذكر الحديث والآية إلى قوله أكثر شيء جدلا

[ 4447 ] قوله رجما بالغيب لم يستبن سقط هذا لأبي ذر هنا وقد تقدم في أحاديث الأنبياء ولقتادة عند عبد الرزاق رجما بالغيب قال قذفا بالظن قوله فرطا ندما وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند في قوله فرطا قال ندامة وقال أبو عبيدة في قوله وكان أمره فرطا أي تضييعا وإسرافا وللطبري عن مجاهد قال ضياعا وعن السدي قال إهلاكا وعن بن جريج نزلت في عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري قبل أن يسلم قوله سرادقها مثل السرادق والحجرة التي تطيف بالفساطيط هو قول أبي عبيدة لكنه تصرف فيه قال أبو عبيدة في قوله أحاط بهم سرادقها كسرادق الفسطاط وهي الحجرة التي تطوف بالفسطاط قال الشاعر سرادق المجد عليك ممدود وروى الطبري من طريق بن عباس بإسناد منقطع قال سرادقها حائط من نار قوله يحاوزه من المحاورة قال أبو عبيدة يحاوره أي يكلمه من المحاورة أي المراجعة قوله لكنا هو الله ربي أي لكن أنا هو الله ربي ثم حذف الألف وأدغم إحدى النونين في الأخرى هو قول أبي عبيدة وقال الفراء ترك الألف من أنا كثير في الكلام ثم أدغمت نون أنا في نون لكن وأنشد وترمقني بالطرف أي أنت مذنب وتقلينني لكن إياك لا أقلي أي لكن أنا إياك لا أقلي قال ومن العرب من يشبع ألف أنا فجاءت القراءة على تلك اللغة قوله وفجرنا خلالهما نهرا تقول بينهما ثبت لأبي ذر وهو قول أبي عبيدة وقراءة الجمهور بالتشديد ويعقوب وعيسى بن عمر بالتخفيف قوله هنالك الولاية مصدر ولي الولي ولاء كذا لأبي ذر وللباقين مصدر الولي وهو أصوب وهو قول أبي عبيدة قاله في تفسير سورة البقرة وقرأ الجمهور بفتح الواو والأخوان بكسرها وأنكره أبو عمرو والأصمعي لأن الذي بالكسر الإمارة ولا معنى له هنا وقال غيرهما الكسر لغة بمعنى الفتح كالدلالة بفتح دالها وكسرها بمعنى تنبيه يأتي قوله خير عقبا في الدعوات قوله قبلا وقبلا وقبلا استئنافا قال أبو عبيدة في قوله أو يأتيهم العذاب قبلا أي أولا فإن فتحوا أولها فالمعنى استئنافا وغفل بن التين فقال لا أعرف للاستئناف هنا معنى وإنما هو استقبالا وهو يعود على قبلا بفتح القاف انتهى والمؤتنف قريب من المقبل فلا معنى لادعاء تفسيره قوله ليدحضوا ليزيلوا الدحض الزلق قال أبو عبيدة في قوله ليدحضوا به الحق أي ليزيلوا يقال مكان دحض أي مزل مزلق لا يثبت فيه خف ولا حافر

قوله باب قوله وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين اختلف في مكان مجمع البحرين فروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال بحر فارس والروم وعن الربيع بن أنس مثله أخرجه عبد بن حميد وروى بن أبي حاتم من طريق السدي قال هما الكر والرس حيث يصبان في البحر قال بن عطية مجمع البحرين ذراع في أرض فارس من جهة أذربيجان يخرج من البحر المحيط من شماليه إلى جنوبيه وطرفيه مما يلي بر الشام وقيل هما بحر الأردن والقلزم وقال محمد بن كعب القرظي مجمع البحرين بطنجة وعن بن المبارك قال قال بعضهم بحر أرمينية وعن أبي بن كعب قال بإفريقية أخرجهما بن أبي حاتم لكن السند إلى أبي بن كعب ضعيف وهذا اختلاف شديد وأغرب من ذلك ما نقله القرطبي عن بن عباس قال المراد بمجمع البحرين اجتماع موسى والخضر لأنهما بحرا علم وهذا غير ثابت ولا يقتضيه اللفظ وإنما يحسن أن يذكر في مناسبة اجتماعهما بهذا المكان المخصوص كما قال السهيلي اجتمع البحران بمجمع البحرين قوله أو أمضى حقبا زمانا وجمعه أحقاب هو قول أبي عبيدة قال ويقال فيه أيضا حقبة أي بكسر أوله والجمع حقب وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الحقب الزمان وعن بن عباس الحقب الدهر وعن سعيد بن جبير الحقب الحين أخرجهما بن المنذر وجاء تقديره عن غيرهم فروى بن المنذر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ثمانون سنة وروى عبد بن حميد عن مجاهد أنه سبعون ثم ذكر المصنف قصة موسى والخضر وسأذكر شرح ذلك في الباب الذي يليه

قوله باب قوله فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما ووقع في رواية الأصيلي فلما بلغ مجمع بينهما والأول هو الموافق للتلاوة قوله فاتخذ سبيله في البحر سربا مذهبا يسرب يسلك ومنه سارب بالنهار قال أبو عبيدة في قوله تعالى فاتخذ سبيله في البحر سربا أي مسلكا ومذهبا يسرب فيه وفي آية أخرى وسارب بالنهار وقال أيضا في قوله وسارب بالنهار سالك في سربه أي مذهبه ومنه أصبح فلان آمنا في سربه ومنه انسرب فلان إذا مضى

[ 4449 ] قوله يزيد أحدهما على صاحبه يستفاد بيان زيادة أحدهما على الآخر من الإسناد الذي قبله فإن الأول من رواية سفيان عن عمرو بن دينار فقط وهو أحمد شيخي بن جريج فيه قوله وغيرهما قد سمعته يحدثه أي يحدث الحديث المذكور وعداه بغير الباء ووقع في رواية الكشميهني يحدث بحذف المفعول وقد عين بن جريج بعض من أبهمه كعثمان بن أبي سليمان وروى شيئا من هذه القصة عن سعيد بن جبير من مشايخ بن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم وعبد الله بن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته عند مسلم وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق وسأذكر بيان في رواياتهم من فائدة قوله إذ قال سلوني فيه جواز قول العالم ذلك ومحله إذا أمن العجب أو دعت الضرورة إليه كخشية نسيان العلم قوله أي أبا عباس هي كنية عبد الله بن عباس وقوله جعلني الله فداءك فيه حجة لمن أجاز ذلك خلافا لمن منعه وسيأتي البحث فيه في كتاب الأدب قوله إن بالكوفة رجلا قاصا في رواية الكشميهني بالكوفة رجل قاص يحذف إن من أوله والقاص بتشديد المهملة الذي يقص على الناس الأخبار من المواعظ وغيرها قوله يقال له نوف بفتح النون وسكون الواو بعدها فاء وفي رواية سفيان أن نوفا البكالي وهو بكسر الموحدة مخففا وبعد الألف لام ووقع عند بعض رواة مسلم بفتح أوله والتشديد والأول هو الصواب واسم أبيه فضالة بفتح الفاء وتخفيف المعجمة وهو منسوب إلى بني بكال بن دعمى بن سعد بن عوف بطن من حمير ويقال أنه بن امرأة كعب الأحبار وقيل بن أخيه وهو تابعي صدوق وفي التابعين جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة بن نوف البكيلي بفتح الموحدة وكسر الكاف مخففا بعدها تحتانية بعدها لام منسوب إلى بكيل بطن من همدان ويكنى أبا الوداك بتشديد الدال وهو مشهور بكنيته ومن زعم أنه ولد نوف البكالي فقد وهم قوله يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل في رواية سفيان يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل ووقع في رواية بن إسحاق عن سعيد بن جبير عند النسائي قال كنت عند بن عباس وعنده قوم من أهل الكتاب فقال بعضهم يا أبا عباس إن نوفا يزعم عن كعب الأحبار أن موسى الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا أي بن أفرائيم بن يوسف عليه السلام فقال بن عباس أسمعت ذلك منه يا سعيد قلت نعم قال كذب نوف وليس بين الروايتين تعارض لأنه يحمل على أن سعيدا أبهم نفسه في هذه الرواية ويكون قوله فقال بعضهم أي بعض الحاضرين لا أهل الكتاب ووقع عند مسلم من هذا الوجه قيل لابن عباس يدل قوله فقال بعضهم وعند أحمد في رواية أبي إسحاق وكان بن عباس متكئا فاستوى جالسا وقال أكذاك يا سعيد قلت نعم أنا سمعته وقال بن إسحاق في المبتدأ كان موسى بن ميشا قبل موسى بن عمران نبيا في بني إسرائيل ويزعم أهل الكتاب أنه الذي صحب الخضر قوله أما عمرو بن دينار قال لي كذب عدو الله أراد بن جريج أن هذه الكلمة وقعت في رواية عمرو بن دينار دون رواية يعلى بن مسلم وهو كما قال فإن سفيان رواها أيضا عن عمرو بن دينار كما مضى وسقط ذلك من رواية يعلى بن مسلم وقوله كذب وقوله عدو الله محمولان على إرادة المبالغة في الزجر والتنفير عن تصديق تلك المقالة وقد كانت هذه المسألة دارت أولا بين بن عباس والحر بن قيس الفزاري وسألا عن ذلك أبي بن كعب لكن لم يفصح في تلك الرواية ببيان ما تنازعا فيه وقد تقدم بيان ذلك في كتاب العلم قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية سفيان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله قال ذكر هو بتشديد الكاف أي وعظهم وفي رواية بن إسحاق عند النسائي فذكرهم بأيام الله وأيام الله نعماؤه ولمسلم من هذا الوجه يذكرهم بأيام الله وآلاء الله نعماؤه وبلاؤه وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في تفسير سورة إبراهيم وفي رواية سفيان قام خطيبا في بني إسرائيل قوله حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب يظهر لي أن هذا القدر من زيادة يعلى بن مسلم على عمرو بن دينار لأن ذلك لم يقع في رواية سفيان عن عمرو وهو أثبت الناس فيه وفيه أن الواعظ إذا أثر وعظه في السامعين فخشعوا وبكوا ينبغي أن يخفف لئلا يملوا قوله فأدركه رجل لم أقف على اسمه وهو يقتضي أن السؤال عن ذلك وقع بعد أن فرغ من الخطبة وتوجه ورواية سفيان توهم أن ذلك وقع في الخطبة لكن يمكن حملها على هذه الرواية فإن لفظه قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل فتحمل على أن فيه حذفا تقديره قام خطيبا فخطب ففرغ فتوجه فسئل والذي يظهر أن السؤال وقع وموسى بعد لم يفارق المجلس ويؤيده أن في منازعة بن عباس والحر بن قيس بينما موسى في ملأ بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك الحديث قوله هل في الأرض أحد أعلم منك قال لا في رواية سفيان فسئل أي الناس أعلم فقال أنا وبين الروايتين فرق لأن رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلمية له ورواية الباب تنفي الأعلمية من غيره عليه فيبقى احتمال المساواة ويؤيد رواية الباب أن في قصة الحر بن قيس فقال هل تعلم أحدا أعلم منك قال لا وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم فقال ما أعلم في الأرض رجلا خيرا وأعلم مني فأوحى الله إليه إني أعلم بالخير عند من هو وإن في الأرض رجلا هو أعلم منك وقد تقدم في كتاب العلم البحث عما يتعلق بقوله فعتب الله عليه وهذا اللفظ في العلم ووقع هنا فعتب بحذف الفاعل وقوله في رواية الباب قيل بلى وقع في رواية سفيان فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك وفي قصة الحر بن قيس فأوحى الله إلى موسى بلى عبدنا خضر وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم أن في الأرض رجلا هو أعلم منك وعند عبد بن حميد من طريق هارون بن عنترة عن أبيه عن بن عباس أن موسى قال أي رب أي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه قال من هو وأين هو قال الخضر تلقاه عند الصخرة وذكر له حليته وفي هذه القصة وكان موسى حدث نفسه بشيء من فضل علمه أو ذكره على منبره وتقدم في كتاب العلم شرح هذه اللفظة وبيان ما فيها من إشكال والجواب عنه مستوفى ووقع في رواية أبي إسحاق عند النسائي أن من عبادي من آتيته من العلم ما لم آوتك وهو يبين المراد أيضا وعند عبد بن حميد من طريق أبي العالية ما يدل على أن الجواب وقع في نفس موسى قبل أن يسأل ولفظه لما أوتى موسى التوراة وكلمه الله وجد في نفسه أن قال من أعلم مني ونحوه عند النسائي من وجه آخر عن بن عباس وأن ذلك وقع في حال الخطبة ولفظه قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فأبلغ في الخطبة فعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتى قوله قال أي رب فأين في رواية سفيان قال يا رب فكيف لي به وفي رواية النسائي المذكورة قال فادللني على هذا الرجل حتى أتعلم منه قوله اجعل لي علما بفتح العين واللام أي علامة وفي قصة الحر بن قيس فجعل الله له الحوت آية وفي رواية سفيان فكيف لي به وفي قصة الحر بن قيس فسأل موسى السبيل إلى لقيه قوله أعلم ذلك به أي المكان الذي أطلب فيه قوله فقال لي عمرو هو بن دينار والقائل هو بن جريج قوله قال حيث يفارقك الحوت يعني فهو ثم وقع ذلك مفسرا في رواية سفيان عن عمرو قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثم ونحوه في قصة الحر بن قيس ولفظه وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه قوله وقال لي يعلى هو بن مسلم والقائل أيضا هو بن جريج قوله قال خذ حوتا في رواية الكشميهني نونا وفي رواية أبي أسحق عند مسلم فقبل له تزود حوتا مالحا فإنه حيث تفقد الحوت ويستفاد من هذه الرواية أن الحوت كان ميتا لأنه لا يملح وهو حي ومنه تعلم الحكمة في تخصيص الحوت دون غيره من الحيوانات لأن غيره لا يؤكل ميتا ولا يرد الجراد لأنه قد يفقد وجوده لا سيما بمصر قوله حيث ينفخ فيه الروح هو بيان لقوله في الروايات الأخرى حيث تفقده قوله فأخذ حوتا فجعله في مكتل في رواية الربيع بن أنس عند بن أبي حاتم أنهما اصطاداه يعني موسى وفتاه قوله فقال لفتاه في رواية سفيان ثم انطلق وانطلق معه بفتاه قوله ما كلفت كثيرا للأكثر بالمثلثة وللكشميهني بالموحدة قوله فذلك قوله وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نون ليست عن سعيد القائل ليست عن سعيد هو بن جريج ومراده أن تسمية الفتى ليست عنده في رواية سعيد بن جبير ويحتمل أن يكون الذي نفاه صورة السياق لا التسمية فإنها وقعت في رواية سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير ولفظه ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون وقد تقدم بيان نسب يوشع في أحاديث الأنبياء وأنه الذي قام في بني إسرائيل بعد موت موسى ونقل بن العربي أنه كان بن أخت موسى وعلى القول الذي نقله نوف بن فضالة من أن موسى صاحب هذه القصة ليس هو بن عمران فلا يكون فتاه يوشع بن نون وقد روى الطبري من طريق عكرمة قال قيل لابن عباس لم نسمع لفتى موسى بذكر من حين لقي الخضر فقال بن عباس أن الفتى شرب من الماء الذي شرب منه الحوت فخلد فأخذه العالم فطابق به بين لوحين ثم أرسله في البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه قال أبو نصرين القشيري إن ثبت هذا فليس هو يوشع قلت لم يثبت فإن إسناده ضعيف وزعم بن العربي أن ظاهر القرآن يقتضي أن الفتى ليس هو يوشع وكأنه أخذه من لفظ الفتى أو أنه خاص بالرقيق وليس بجيد لأن الفتى مأخوذ من الفتي وهو الشباب وأطلق ذلك على من يخدم المرء سواء كان شابا أو شيخا لأن الأغلب أن الخدم تكون شبانا قوله فبينما هو في ظل صخرة في رواية سفيان حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما قوله في مكان ثريان بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة ثم تحتانية أي مبلول قوله إذ تضرب الحوت بضاد معجمة وتشديد وهو تفعل من الضرب في الأرض وهو السير وفي رواية سفيان واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم فاضطرب الحوت في الماء ولا مغايرة بينهما لأنه اضطرب أولا في المكتل فلما سقط في الماء اضطرب أيضا فاضطرابه الأول فيما في مبدأ ماحي والثاني في سيره في البحر حيث أتخذ فيه مسلكا وفي رواية قتيبة عن سفيان في الباب الذي يليه من الزيادة قال سفيان وفي غير حديث عمرو وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حي فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر وحكى بن الجوزي أن في روايته في البخاري الحيا بغير هاء قال وهو ما يحيى به الناس وهذه الزيادة التي ذكر سفيان أنها في حديث غير عمرو قد أخرجها بن مردويه من رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان مدرجة في حديث عمرو ولفظه حتى انتهيا إلى الصخرة فقال موسى عندها أي نام قال وكان عند الصخرة عين ماء يقال لها عين الحياة لا يصيب من ذلك الماء ميت إلا عاش فقطرت من ذلك الماء على الحوت قطرة فعاش وخرج من المكتل فسقط في البحر وأظن أن بن عيينة أخذ ذلك عن قتادة فقد أخرج بن أبي حاتم من طريقه قال فأني على عين في البحر يقال لها عين الحياة فلما أصاب تلك العين رد الله روح الحوت إليه وقد أنكر الداودي فيما حكاه بن التين هذه الزيادة فقال لا أرى هذا يثبت فإن كان محفوظا فهو من خلق الله وقدرته قال لكن في دخول الحوت العين دلالة على أنه كان حي قبل دخوله فلو كان كما في هذا الخبر لم يحتج إلى العين قال والله قادر على أن يحييه بغير العين انتهى قال ولا يخفى ضعف كلامه دعوى واستدلالا وكأنه ظن أن الماء الذي دخل فيه الحوت هو ماء العين وليس كذلك بل الأخبار صريحة في أن العين عند الصخرة وهي غير البحر وكأن الذي أصاب الحوت من الماء كان شيئا من رشاش ولعل هذا العين إن ثبت النقل فيها مستند من زعم أن الخضر شرب من عين الحياة فخلد وذلك مذكور عن وهب بن منبه وغيره ممن كان ينقل من الإسرائيليات وقد صنف أبو جعفر بن المنادي في ذلك كتابا وقرر أنه لا يوثق بالنقل فيما يوجد من الاسرائيليات قوله وموسى نائم فقال قتاه لا أوقظه حتى إذا استيقظ فنسي أن يخبره في الكلام حذف تقديره حتى إذا استيقظ سار فنسي وأما قوله تعالى نسيا حوتهما فقيل نسب النسيان إليهما تغليبا والناس هو الفتى نسي أن يخبر موسى كما في هذا الحديث وقيل بل المراد أن الفتى نسي أن يخبر موسى بقصة الحوت ونسي موسى أن يستخبره عن شأن الحوت بعد أن استيقظ لأنه حينئذ لم يكن معه وكان بصدد أن يسأله أين هو فنسي ذلك وقيل بل المراد بقوله نسيا أخرا مأخوذ من النسي بكسر النون وهو التأخير والمعنى أنهما اخرا افتقاده لعدم الاحتياج إليه فلما احتاجا إليه ذكراه وهو بعيد بل صريح الآية يدل على صحة صريح الخبر وأن الفتى اطلع على ما جرى للحوت ونسي أن يخبر موسى بذلك ووقع عند مسلم في رواية أبي إسحاق أن موسى تقدم فتاه لما استيقظ فسار فقال فتاه ألا ألحق نبي الله فأخبره قال فنسي أن يخبره وذكر بن عطية أنه رأى سمكة أحد جانبيها شوك وعظم وجلد رقيق على أحشائها ونصفها الثاني صحيح ويذكر أهل ذلك المكان أنها من نسل حوت موسى إشارة إلى أنه لما حيي بعد أن أكل منه استمرت فيه تلك الصفة ثم في نسله والله أعلم قوله فأمسك الله عنه جربة البحر حتى كان أثره في حجر كذا فيه بفتح الحاء المهملة والجيم وفي رواية جحر بضم الجيم وسكون المهملة وهو وضح قوله قال لي عمرو القائل هو بن جريج كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه والتي في رواية الكشمهيني واللتين تليانهما يعني السبابتين وفي رواية سفيان عن عمرو فصار عليه مثل الطاق وهو يفسر ما أشار إليه من الصفة وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم فاضطرب الحوت في الماء فجعل لا يلتئم عليه صار مثل الكوة قوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا كذا وقع هنا مختصرا وفي رواية سفيان فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال الداودي هذه الرواية وهم وكأنه فهم أن الفتى لم يخبر موسى إلا بعد يوم وليلة وليس ذلك المراد بل المراد أن ابتداءها من يوم خرجا لطلبه ويوضح ذلك ما في رواية أبي إسحاق عند مسلم فلما تجاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال ولم يصبه نصب حتى تجاوزا وفي رواية سفيان المذكورة ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به قوله قال قد قطع الله عنك النصب ليست هذه عن سعيد هو قول بن جريج ومراده أن هذه اللفظة ليست في الإسناد الذي ساقه قوله أخره كذا عند أبي ذر بهمزة ومعجمة وراء وهاء ثم في نسخة منه بمد الهمزة وكسر الخاء وفتح الراء بعدها هاء ضمير أي إلى آخر الكلام وأحال ذلك على سياق الآية وفي أخرى بفتحات وتاء تأنيث منونه منصوبه وفي رواية غير أبي ذر أخبره بفتح الهمزة وسكون الخاء ثم موحدة من الإخبار أي أخبر الفتى موسى بالقصة ووقع في رواية سفيان فقال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فساق الآية إلى عجبا قال فكان للحوت سربا ولموسى عجبا ولابن أبي حاتم من طريق قتادة قال عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل قوله فرجعا فوجدا خضرا في رواية سفيان فقال موسى ذلك ما كنا نبغ أي نطلب وفي رواية للنسائي هذه حاجتنا وذكر موسى ما كان الله عهد إليه يعني في أمر الحوت قوله فارتدا على آثارهما قصصا قال رجعا يقصان آثارهما

أي آثار سيرهما حتى انتهيا إلى الصخرة

زاد النسائي في رواية له التي فعل فيها الحوت ما فعل وهذا يدل على أن الفتى لم يخبر موسى حتى سارا زمانا إذ لو أخبره أول ما استيقظ ما احتاجا إلى اقتصاص آثارهما قوله فوجدا خضرا تقدم ذكر نسبه وشرح حاله في أحاديث الأنبياء وفي رواية سفيان حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل وزعم الداودي أن هذه الرواية وهم وانهما وجداه في جزيرة البحر قلت ولا مغايرة بين الروايتين فإن المراد أنهما لما انتهيا إلى الصخرة تتبعاه إلى أن وجداه في الجزيرة ووقع في رواية أبي إسحاق عند مسلم فأراه مكان الحوت فقال ههنا وصف لي فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر وروى بن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس قال انجاب الماء عن مسالك الحوت فصار كوة فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر وروى بن أبي حاتم من طريق العوفي عن بن عباس قال فرجع موسى حتى أتى الصخرة فوجد الحوت فجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يصير صخرة فجعل موسى يعجب من ذلك حتى انتهى إلى جزيرة في البحر فلقى الخضر ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال بلغنا عن بن عباس أن موسى دعا ربه ومعه ماء في سقاء يصب منه في البحر فيصير حجرا فيأخذ فيه حتى انتهى إلى صخر فصعدها وهو يتشوف هل يرى الرجل ثم رآه قوله قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسة خضراء القائل هو بن جريج وعثمان هو بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم وهو ممن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبير وروى عبد بن حميد من طريق بن المبارك عن بن جريج عن عثمان بن أبي سليمان قال رأى موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء انتهى والطنفسة فرش صغير وهي بكسر الطاء والفاء بينهما نون ساكنة وبضم الطاء والفاء وبكسر الطاء وبفتح الفاء لغات قوله قال سعيد بن جبير مسجى بثوبه هو موصول بالإسناد المذكور وفي رواية سفيان فإذا رجل مسجى بثوب وفي رواية مسلم مسجى ثوبا مستلقيا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائما في جزيرة من جزائر البحر ملتفا بكساء ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن السدي فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه قال وإنما سمي الخضر لأنه كان إذا أقام في مكان نبت العشب حوله انتهى وقد تقدم في أحاديث النبياء حديث أبي هريرة رفعه إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء والمراد بالفروة وجه الأرض قوله فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه في رواية أبي إسحاق عند مسلم فقال السلام عليكم فكشف الثوب عن وجهه وقال وعليكم السلام قوله وقال هل بأرضي من سلام في رواية الكشمهيني بأرض بالتنوين وفي رواية سفيان قال وأنى بأرضك السلام وهي بمعنى أين أو كيف وهو استفهام استبعاد يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين ويجمع بين الروايتين بأنه استفهمه بعد أن رد عليه السلام قوله من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم وسقط من رواية سفيان قوله من أنت وفي رواية أبي إسحاق قال من أنت قال موسى قال من موسى قال موسى بني إسرائيل ويجمع بينهما بان الخضر أعاد ذلك تأكيدا وأما ما أخرجه عبد بن حميد من طريق الربيع بن أنس في هذه القصة فقال موسى السلام عليك يا خضر فقال وعليك السلام يا موسى قال وما يدريك أني موسى قال أدراني بك الذي أدراك بي وهذا إن ثبت فهو من الحجج على أن الخضر نبي لكن يبعد ثبوته قوله في الرواية التي في الصحيح من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل الحديث قوله قال فما شأنك في رواية أبي إسحاق قال ما جاء بك قوله جئت لتعلمني مما علمت رشدا قرأ أبو عمرو بفتحتين والباقون كلهم بضم أوله وسكون ثانيه والجمهور على أنهما بمعنى كالبخل والبخل وقيل بفتحتين الدين وبضم ثم سكون صلاح النظر وهو منصوب على أنه مفعول ثان لتعلمني وأبعد من قال إنه لقوله علمت قوله أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك سقطت هذه الزيادة من رواية سفيان فالذي يظهر أنها من رواية يعلى بن مسلم قوله يا موسى إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه أي جميعه وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه أي جميعه وتقدير ذلك متعين لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى بالمكلف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي ووقع في رواية سفيان يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وهو بمعنى الذي قبله وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كتاب العلم قوله في رواية سفيان قال إنك لن تستطيع معي صبرا كذا أطلق بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لأن ذلك شأن عصمته ولذلك لم يسأله موسى عن شيء من أمور الديانة بل مشى معه ليشاهد منه ما أطلع به على منزلته في العلم الذي اختص به وقوله وكيف تصبر استفهام عن سؤال تقديره لم قلت إني لا أصبر وأنا سأصبر قال كيف تصبر وقوله ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك قيل استثنى في الصبر فصبر ولم يستثن فيي العصيان فعصاه وفيه نظر وكان المراد بالصبر أنه صبر عن أتباعه والمشي معه وغير ذلك لا الإنكار عليه فيما يخالف ظاهر الشرع وقوله فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا في رواية العوفي عن بن عباس حتى أبين لك شانه قوله فأخذ طائر بمنقاره تقدم شرحه في كتاب العلم وظاهر هذه الرواية أن الطائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى ما يتعلق بعلمهما ورواية سفيان تقتضي أن ذلك وقع بعد ما خرق السفينة ولفظه كانت الأولى من موسى نسيانا قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر الخ فيجمع بأن قوله فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر السفينة وروى النسائي من وجه آخر عن بن عباس أن الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطائر قال لا قال يقول ما علمكما االذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما أنقص بمنقاري من جميع هذا البحر وفي رواية هارون بن عنترة عند عبد بن حميد في هذه القصة قال أرسل ربك الخطاف فجعل يأخذ بمنقاره من الماء ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال الخطاف ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية قال رأى هذا الطائر الذي يقال له النمر ونقل بعض من تكلم على البخاري أنه الصرد قوله وجدا معابر هو تفسير لقوله ركبا في السفينة لا أن قوله وجدا جواب إذا لأن وجودهما المعابر قبل ركوبهما السفينة ووقع في رواية سفيان فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرا في سفينة فكلموهم أن يحملوهم والمعابر بمهملة وموحدة جمع معبر وهي السفن الصغار ولابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس قال مرت بهم سفينة ذاهب فناداهم خضر قوله عرفوه فقالوا عبد الله الصالح قال قلنا لسعيد بن جبير خضر قال نعم القائل فيما أظن يعلى بن مسلم وفي رواية سفيان عن عمرو بن دينار فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوا قوله بأجر أي أجرة وفي رواية سفيان فحملوا بغير نول بفتح النون وسكون الواو وهو الأجره ولابن أبي حاتم من رواية الربيع بن أنس فناداهم خضر وبين لهم أن يعطي عن كل واحد ضعف ما حملوا به غيرهم فقالوا لصاحبهم أنا نرى رجالا في مكان مخوف نخشى أن يكونوا لصوصا فقال لأحملنهم فإني أرى على وجوههم النور فحملهم بغير أجرة وذكر النقاش في تفسيره أن أصحاب السفينة كانوا سبعة بكل واحد زمانه ليست في الآخر قوله فخرقها ووتد فيها بفتح الواو وتشديد المثناة أي جعل فيها وتدا وفي رواية سفيان فلما ركبوا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم والجمع بين الروايتين أنه قلع اللوح وجعل مكانه وتدا وعند عبد بن حميد من رواية بن المبارك عن بن جريج عن يعلى بن مسلم جاء بود حين خرقها والود بفتح الواو وتشديد الدال لغة في الوتد وفي رواية أبي العالية فخرق السفينة فلم يره أحد إلا موسى ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين ذلك قوله لقد جئت شيئا أمرا قال مجاهد منكرا هو من رواية بن جريج عن مجاهد وقيل لم يسمع منه وقد أخرجه عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد مثله وروى بن أبي حاتم من طريق خالد بن قيس عن قتادة في قوله إمرا قال عجبا ومن طريق أبي صخر في قوله إمرا قال عظيما وفي رواية الربيع بن أنس عند بن أبي حاتم إن موسى لما رأى ذلك امتلأ غضبا وشد ثيابه وقال أردت أهلاكهم ستعلم إنك أول هالك فقال له يوشع ألا تذكر العهد فأقبل عليه الخضر فقال ألم أقل لك فأدرك موسى الحلم فقال لا تؤاخذني وأن الخضر لما خلصوا قال لصاحب السفينة إنما أردت الخير فحمدوا رأيه وأصلحها الله على يده قوله كانت الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا في رواية سفيان قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأولى من موسى نسيانا ولم يذكر الباقي وروى بن مردويه من طريق عكرمة عن بن عباس مرفوعا قال الأولى نسيان والثانية عذر والثالثة فراق وعند بن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس قال قال الخضر لموسى إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك وروى الفراء من وجه آخر عن أبي بن كعب قال لم ينس موسى ولكنه من معاريض الكلام وإسناده ضعيف والأول هو معتمد ولو كان هذا ثابتا لاعتذر موسى عن الثانية وعن الثالثة بنحو ذلك قوله لقيا غلاما في رواية سفيان فبينما هما يمشيان على الساحلي إذ أبصر الخضر غلاما قوله فقتله الفاء عاطفة على لقيا وجزاء الشرط قال أقتلت والقتل من جملة الشرط إشارة إلى أن قتل الغلام يعقب لقاءه من غير مهلة وهو بخلاف قوله حتى إذا ركبا في السفينة خرقها فإن الخرق وقع جواب الشرط لأنه تراخى عن الركوب قوله قال يعلى هو بن مسلم وهو بالإسناد المذكور قال سعيد هو بن جبير وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا في رواية أخرى عن بن جريج عند عبد بن حميد غلاما وضيء الوجه فأضجعه ثم ذبحه بالسكين وفي رواية سفيان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله وفي روايته في الباب الذي يليه فقطعه ويجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتلع رأسه وفي رواية أخرى عند الطبري فأخذ صخره فثلغ رأسه وهي بمثلثة ثم معجمة والأول أصح ويمكن أن يكون ضرب رأسه بالصخرة ثم ذبحه وقطع رأسه قوله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لم تعمل الخبث بكسر المهملة وسكون النون وآخره مثلثة ولأبي ذر بفتح المعجمة والموحدة وقوله لم تعمل تفسير لقوله زكية والتقدير أقتلت نفسا زكية لم تعمل الخبث بغير نفس قوله وابن عباس قرأها كذا لأبي ذر ولغيره وكان بن عباس يقرؤها زكية وهي قراءة الأكثر وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو زاكية والأولى أبلغ لأن فعيلة من صيغ المبالغة قوله زاكية مسلمة كقولك غلاما زاكيا هو تفسير من الراوي ويشير إلى القراءتين أي أن قراءة بن عباس بصيغة المبالغة والقراءة الأخرى باسم الفاعل بمعنى مسلمة وإنما أطلق ذلك موسى على حسب ظاهر حال الغلام لكن اختلف في ضبط مسلمة فالأكثر بسكون السين وكسر اللام ولبعضهم بفتح السين وتشديد اللام المفتوحة وزاد سفيان في روايته هنا ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال وهذه أشد من الأولى زاد مسلم من رواية أبي إسحاق عن سعيد بن جبير في هذه القصة فقال النبي صلى الله عليه وسلم رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأي العجب ولكنه أخذته ذمامة من صاحبه فقال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ولابن مردويه من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير عن سعيد بن جبير فاستحيا عند ذلك موسى وقال إن سألتك عن شيء بعدها وهذه الزيادة وقع مثلها في رواية عمرو بن دينار من رواية سفيان في آخر الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما زاد الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن سفيان أكثر مما قص قوله فانطلقا فوجدا جدارا في رواية سفيان فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم أهل قرية لئاما فطافا في المجالس فاستطعما أهلها قيل هي الأبلة وقيل إنطاكية وقيل أذربيجان وقيل برقة وقيل ناصرة وقيل جزيرة الأندلس وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدة المباينة في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك قوله قال سعيد بيده هكذا ورفع يده فاستقام هو من رواية بن جريج عن عمرو بن دينار عن سعيد ولهذا قال بعده قال يعلى هو بن مسلم حسبت أن سعيدا قال فمسحه بيده فاستقام وفي رواية سفيان فوجدا جدارا يريد أن ينقض قال مائل فقال الخضر بيده فأقامه وذكر الثعلبي أن عرض ذلك الجدار كان خمسين ذراعا في مائة ذراع بذراعهم قوله قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال سعيد أجرا نأكله زاد سفيان في روايته فقال موسى قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت عليه أجرا وفي رواية أبي إسحاق قال هذا فراق بيني وبينك فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني وذكر الثعلبي أن الخضر قال لموسى أتلومني على خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ونسيت نفسك حين ألقيت في البحر وحين قتلت القبطي وحين سقيت أغنام ابنتي شعيب احتسابا قوله وكان وراءهم ملك وكان أمامهم قرأها بن عباس أمامهم ملك وفي رواية سفيان وكان بن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وقد تقدم الكلام في وراء في تفسير إبراهيم قوله يزعمون عن غير سعيد أنه هدد بن بدد القائل ذلك هو بن جريج ومراده أن تسمية الملك الذي كان يأخذ السفن لم تقع في رواية سعيد قلت وقد عزاه بن خالويه في كتاب ليس لمجاهد قال وزعم بن دريد أن هدد اسم ملك من ملوك حمير زوجه سليمان بن داود بلقيس قلت إن ثبت هذا حمل على التعدد والاشتراك في الاسم لبعد ما بين مدة موسى وسليمان وهدد في الروايات بضم الهاء وحكى بن الأثير فتحها والدال مفتوحة اتفاقا ووقع عند بن مردويه بالميم بدل الهاء وأبوه بدد بفتح الموحدة وجاء في تفسير مقاتل أن اسمه منولة بن الجلندي بن سعيد الأزدي وقيل هو الجلندي وكان بجزيرة الأندلس قوله الغلام المقتول اسمه يزعمون حي سور القائل ذلك هو بن جريج وحيسور في رواية أبي ذر عن الكشمهيني بفتح المهملة أوله ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة مضمومة وكذا في رواية بن السكن وفي روايته عن غيره بجيم أوله وعند القابسي بنون بدل التحتانية وعند عبدوس بنون بدل الراء وذكر السهيلي أنه رآه في نسخة بفتح المهملة والموحدة ونونين الأولى مضمومة بينهما الواو ساكنة وعند الطبري من طريق شعيب الجبائي كالقابسي وفي تفسير الضحاك بن مزاحم اسمه حشرد ووقع في تفسير الكلى اسم الغلام شمعون قوله ملك يأخذ كل سفينة غصبا في رواية النسائي وكان أبي يقرأ يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وفي رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان وكان بن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبا قوله فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها في رواية النسائي فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها قوله فإذا جاوزوا أصلوحها فانتفعوا بها في رواية النسائي فإذا جاوزوه رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم قوله ومنهم من يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار أما القار فهو بالقاف وهو الزفت وأما قارورة فضبطت في الروايات بالقاف لكن في رواية بن مردويه ما يدل على أنها بالفاء لأنه وقع في روايته ثارورة بالمثلثة والمثلثة تقع في موضع الفاء في كثير من الأسماء ولا تقع بدل القاف قال الجوهري يقال فار فورة مثل ثار ثورة فإن كان محفوظا فلعله فاعولة من ثوران القدر الذي يغلى فيها القار أو غيره وقد وجهت رواية القارورة بالقاف بأنها فاعولة من القار وأما التي من الزجاج فلا يمكن السد بها وجوز الكرماني احتمال أن يسحق الزجاج ويلت بشيء ويلصق به ولا يخفى بعده ووقع في رواية مسلم وأصلحوها بخشبة ولا إشكال فيها قوله كان أبواه مؤمنين وكان كافرا يعني الغلام المقتول في رواية سفيان وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرا وكان أبواه قد عطفا عليه وفي المبتدأ لوهب بن منبه كان اسم أبيه ملاس واسم أمه رحما وقيل اسم أبيه كاردي واسم أمه سهوى قوله فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا أن يحملها حبه على أن يتابعاه على دينه هذا من تفسير بن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير وأخرج بن المنذر من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير مثله وقال أبو عبيدة في قوله يرهقهما أي يغشاهما قوله خيرا منه زكاة وأقرب رحما لقوله أقتلت نفسا زكية يعني أن قوله زكاة ذكر المناسبة المذكورة وروى بن المنذر من طريق حجاج بن محمد عن بن جريج في قوله خيرا منه زكاة قال اسلاما ومن طريق عطية العوفي قال دينا قوله وأقرب رحما هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر وروى بن المنذر من طريق إدريس الأودي عن عطية نحوه وعن الأصمعي قال الرحم بكسر الحاء القرابة وبسكونها فرج الأنثى وبضم الراء ثم السكون الرحمة وعن أبي عبيد القاسم بن سلام الرحم والرحم يعني بالضم والفتح مع السكون فيهما بمعنى وهو مثل العمر والعمر وسيأتي قوله رحما في الباب الذي بعده أيضا قوله وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية هو قول بن جريج وروى بن مردويه من وجه آخر عن بن جريج قال وقال يعلى بن مسلم أيضا عن سعيد بن جبير إنها جارية وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه قال ويقال أيضا عن سعيد بن جبير إنها جارية وللنسائي من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن بن عباس فأبدلهما ربهما خيرا منه زكاة قال أبدلهما جارية فولدت نبيا من الأنبياء وللطبري من طريق عمرو بن قيس نحوه ولابن المنذر من طريق بسطام بن حميل قال أبدلهما مكان الغلام جارية ولدت نبيين ولعبد بن حميد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة ولدت جارية ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال ولدت جارية فولدت نبيا وهو الذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله واسم هذا النبي شمعون واسم أمه حنة وعند بن مردويه من حديث أبي بن كعب أنها ولدت غلاما لكن إسناده ضعيف وأخرجه بن المنذر بإسناد حسن عن عكرمة عن بن عباس نحوه وفي تفسير بن الكلبي ولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أمما وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيا قوله وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد إنها جارية هو قول بن جريج أيضا وروى الطبري من طريق حجاج بن محمد عن بن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن يعقوب بن عاصم أنهما أبدلا جارية قال وأخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير إنها جارية قال بن جريج وبلغني أن أمه يوم قتل كانت حبلى بغلام ويعقوب بن عاصم هو أخو داود وهما ابنا عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي وكل منهما ثقة من صغار التابعين وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم استحباب الحرص على الازدياد من العلم والرحلة فيه ولقاء المشايخ وتجشم المشاق في ذلك والاستعانة في ذلك بالأتباع وإطلاق الفتى على التابع واستخدام الحر وطواعية الخادم لمخدومه وعذر الناسي وقبول الهبة من غير المسلم واستدل به على أن الخضر بني لعدة معان قد نبهت عليها فيما تقدم كقوله وما فعلته عن أمرى وكاتباع موسى رسول الله له ليتعلم منه وكأطلاق أنه أعلم منه وكإقدامه على قتل النفس لما شرحه بعد وغير ذلك وأما من استدل به على جواز دفع أغلظ الضررين بأخفهما والإغضاء على بعض المنكرات مخافة أن يتولد منه ما هو أشد وإفساد بعض المال لإصلاح معظمه كخصاء البهيمة للسمن وقطع أذنها لتتميز ومن هذا مصالحة ولي اليتيم السلطان على بعض مال اليتيم خشية ذهابه بجميعه فصحيح لكن فيما لا يعارض منصوص الشرع فلا يسوغ الأقدام على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل أنفسا كثيرة قبل أن يتعاطى شيئا من ذلك وإنما فعل الخضر ذلك لاطلاع الله تعالى عليه وقال بن بطال قول الخضر وأما الغلام فكان كافرا هو باعتبار ما يئول إليه أمره أن لو عاش حتى يبلغ واستحباب مثل هذا القتل لا يعلمه إلا الله ولله أن يحكم في خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده انتهى ويحتمل أن يكون جواز تكليف المميز قبل أن يبلغ كان في تلك الشريعة فيرتفع الإشكال وفيه جواز الإخبار بالتعب ويلحق به الألم من مرض ونحوه ومحل ذلك إذا كان على غير سخط من المقدور وفيه أن المتوجه إلى ربه يعان فلا يسرع إليه النصب والجوع بخلاف المتوجه إلى غيره كما في قصة موسى في توجهه إلى ميقات ربه وذلك في طاعة ربه فلم ينقل عنه أنه تعب ولا طلب غداء ولا رافق أحدا وأما في توجهه إلى مدين فكان في حاجة نفسه فأصابه الجوع وفي توجهه إلى الخضر لحاجة نفسه أيضا فتعب وجاع وفيه جواز طلب القوت وطلب الضيافة وفيه قيام العذر بالمرة الواحدة وقيام الحجة بالثانية قال بن عطية يشبه أن يكون هذا أصل مالك في ضرب الآجال في الأحكام إلى ثلاثة أيام وفي التلوم ونحو ذلك وفيه حسن الأدب مع الله وأن لا يضاف إليه ما يستهجن لفظه وإن كان الكل بتقديره وخلقه لقول الخصر عن السفينة فأردت أن أعيبها وعن الجدار فأراد بك ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم والخير بيدك والشر ليس إليك

باب قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة

قوله باب فلما جاوزا قال لفتاه أتنا غداءنا إلى قوله قصصا ساق فيه قصة موسى عن قتيبة عن سفيان وقد نبهت على ما فيه فائدة زائدة في الذي قبله وقوله

[ 4450 ] عن عمرو بن دينار تقدم قبل بباب من رواية الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار وروى الترمذي من طريق على بن المديني قال حججت حجة وليس لي همة إلا أن أسمع من سفيان الخبر في هذا الحديث حتى سمعته يقول حدثنا عمرو وكان قبل ذلك يقول بالعنعنة قوله ينقض ينقاض كما ينقاض السن كذا لأبي ذر ولغيره الشيء بمعجمة وتحتانية وهو قول أبي عبيدة قال في قوله يريد أن ينقض أي يقع يقال انقضت الدار إذا انهدمت قال وقرأه قوم ينقاض أي ينقلع من أصله كقولك انقاضت السن إذا انقلعت من أصلها وهذا يؤيد رواية أبي ذر وقراءة ينقاض مرويه عن الزهري واختلف في ضادها فقيل بالتشديد بوزن يحمار وهو أبلغ من ينقض وينقض بوزن يفعل من انقضاض الطائر إذا سقط إلى الأرض وقيل بالتخفيف وعليه ينطبق المعنى الذي ذكره أبو عبيدة وعن على أنه قرأ ينقاص بالمهملة وقال بن خالويه يقولون انقاصت السن إذا انشقت طولا وقيل إذا تصدعت كيف كان وقال بن فارس قيل معناه كالذي بالمعجمة وقيل الشق طولا وقال بن دريد انقاض بالمعجمة انكسر وبالمهملة الصدع وقرأ الأعمش تبعا لابن مسعود يريد لينقض بكسر اللام وضم التحتانية وفتح القاف وتخفيف الضاد من النقض قوله نكرا داهية كذا فيه والذي عند أبي عبيدة في قوله لقد جثت شيئا إمرا داهية ونكرا أي عظيما واختلف في أيهما أبلغ فقيل أمرا أبلغ من نكرا لأنه قالها بسبب الخرق الذي يفضي إلى هلاك عدة أنفس وتلك بسبب نفس واحدة وقيل نكرا أبلغ لكون الضرر فيها ناجزا بخلاف أمرا لكون الضرر فيها متوقعا ويؤيد ذلك أنه قال في نكرا ألم أقل لك ولم يقلها في أمرا قوله لتخذت واتخذت واحدا هو قول أبي عبيدة ووقع في رواية مسلم عن عمرو بن محمد عن سفيان في هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأها لتخذت وهي قراءة أبي عمرو ورواية غيره لاتخذت قوله رحما من الرحم وهي أشد مبالغة من الرحمة ويظن أنه من الرحيم وتدعى مكة أم رحم أي الرحمة تنزل بها هو من كلام أبي عبيدة ووقع عنده مفرقا وقد تقدم في الحديث الذي قبله وحاصل كلامه أن رحما من الرحم التي هي القرابة وهي أبلغ من الرحمة التي هي رقة القلب لأنها تستلزمها غالبا من غير عكس وقوله ويظن مبنى للمجهول وقوله مشتق من الرحمة أي التي أشتق منها الرحيم وقوله أم رحم بضم الراء والسكون وذلك لتنزل الرحمة بها ففيه تقوية لما اختاره من أن الرحم من القرابة لا من الرقة قوله باب قوله تعالى قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة الخ ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر وذكر فيه قصة موسى والخضر عن قتيبة عن سفيان بن عيينة وقد تقدمت عن عبد الله بن محمد عن سفيان بن عيينة في كتاب العلم وقوله في آخرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا أمرهما تقدم في العلم بلفظ يرحم الله موسى لوددنا لو صبر وتقدم في أحاديث الأنبياء عن علي بن عبد الله بن المديني عن سفيان كرواية قتيبة لكن قال بعدها قال سفيان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله موسى الخ فهذا يحتمل أن تكون هذه الزيادة وهو يرحم الله موسى لم تكن عند بن عيينة بهذا الإسناد ولكنه أرسلها ويحتمل أن يكون على سمعه منه مرتين مرة بإثباتها ومرة بحذفها وهو أولى فقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعمرو بن محمد الناقد وابن أبي عمر وعبيد الله بن سعيد والترمذي عن بن أبي عمر والنسائي عن بن أبي عمر كلهم عن سفيان بلفظ يرحم الله موسى الخ متصلا بالخبر وأخرجه مسلم من طريق رقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير بزيادة ولفظه ولو صبر لرأي العجب وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي كذا وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق حمزة الزيات عن أبي إسحاق مختصرا وأبو داود من هذا الوجه مطولا ولفظه وكان إذا دعا بدأ بنفسه وقال رحمة الله علينا وعلى موسى وقد ترجم المصنف في الدعوات من خص أخاه بالدعاء دون نفسه وذكر فيه عدة أحاديث وكأنه أشار إلى أن هذه الزيادة وهي كان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه لم تثبت عنده وقد سئل أبو حاتم الرازي عن زيادة وقعت في قصة موسى والخضر من رواية بن إسحاق هذه عن سعيد بن جبير وهي قوله في صفة أهل القرية أتيا أهل القرية لئاما فطافا في المجالس فأنكرها وقال هي مدرجة في الخبر فقد يقال وهذه الزيادة مدرجة فيه أيضا والمحفوظ رواية بن عيينة المذكورة والله أعلم

قوله باب قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ذكر فيه حديث مصعب بن سعد سألت أبي يعني سعد بن أبي وقاص عن هذه الآية وهذا الحديث رواه جماعة من أهل الكوفة عن مصعب بن سعد بألفاظ مختلفة ننبه على ما تيسر منها ووقع في رواية يزيد بن هارون عن شعبة بهذا الإسناد عند النسائي سأل رجل أبي فكأن الراوي نسي اسم السائل فأبهمه وقد تبين من رواية غيره أنه مصعب راوي الحديث قوله هم الحرورية بفتح المهملة وضم الراء نسبة إلى حروراء وهي القرية التي كان ابتداء خروج الخوارج على على منها ولابن مردويه من طريق حصين بن مصعب لما خرجت الحرورية قلت لأبي أهؤلاء الذين أنزل الله فيهم وله من طريق القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عن على في هذه الآية قال أظن أن بعضهم الحرورية وللحاكم من وجه آخر عن أبي الطفيل قال قال على منهم أصحاب النهروان وذلك قبل أن يخرجوا وأصله عند عبد الرزاق بلفظ قام بن الكواء إلى على فقال ما الأخسرين أعمالا قال ويلك منهم أهل حروراء ولعل هذا السبب في سؤال مصعب أباه عن ذلك وليس الذي قاله على ببعيد لأن اللفظ يتناوله وإن كان السبب مخصوصا قوله قال لا هم اليهود والنصارى وللحاكم قال لا أولئك أصحاب الصوامع ولابن أبي حاتم من طريق هلال بن يساف عن مصعب هم أصحاب الصوامع وله من طريق أبي خميصة بفتح المعجمة وبالصاد المهملة واسمه عبيد الله بن قيس قال هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في السواري قوله وأما النصارى كفروا بالجنة وقالوا ليس فيها طعام ولا شراب في رواية بن أبي حاتم من طريق عمرو بن مرة عن مصعب قال هم عباد النصارى قالوا ليس في الجنة طعام ولا شراب قوله والحرورية الذين ينقضون الخ في رواية النسائي والحرورية الذين قال الله ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل إلى الفاسقين قال يزيد هكذا حفظت قلت وهو غلط منه أو ممن حفظه عنه وكذا وقع عند بن مردويه أولئك هم الفاسقون والصواب الخاسرون ووقع على الصواب كذلك في رواية الحاكم قوله وكان سعد يسميهم الفاسقين لعل هذا السبب في الغلط المذكور وفي رواية الحاكم الخوارج قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم وهذه الآية هي التي آخرها الفاسقين فلعل الاختصار اقتضى ذلك الغلط وكأن سعدا ذكر الآيتين معا التي في البقرة والتي في الصف وقد روى بن مردويه من طريق أبي عون عن مصعب قال نظر رجل من الخوارج إلى سعد فقال هذا من أئمة الكفر فقال له سعد كذبت أنا قاتلت أئمة الكفر فقال له آخر هذا من الأخسرين أعمالا فقال له سعد كذبت أولئك الذين كفروا بآيات ربهم الآية قال بن الجوزي وجه خسرانهم أنهم تعبدوا على غير أصل فابتدعوا فخسروا الأعمار والأعمال

قوله باب أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه الآية تقدم من حديث سعد بن أبي وقاص في الذي قبله بيان أنها نزلت في الأخسرين اعمالا

[ 4452 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الله هو الذهلي نسبة إلى جد أبيه وقوله حدثنا سعيد بن أبي مريم هو شيخ البخاري أكثر عنه في هذا الكتاب وربما حدث عنه بواسطة كما هنا قوله الرجل العظيم السمين في رواية بن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة الطويل العظيم الأكول الشروب قوله وقال أقرءوا فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا القائل يحتمل أن يكون الصحابي أو هو مرفوع من بقية الحديث قوله وعن يحيى بن بكير هو معطوف على سعيد بن أبي مريم والتقدير حدثنا محمد بن عبد الله عن سعيد بن أبي مريم وعن يحيى بن بكير وبهذا جزم أبو مسعود ويحيى بن بكير هو بن عبد الله بن بكير نسب لجده وهو من شيوخ البخاري أيضا وربما أدخل بينهما واسطة كهذا وجوز غير أبي مسعود أن تكون طريق يحيى هذه معلقة وقد وصلها مسلم عن محمد بن إسحاق الصغائي عنه

قوله بسم الله الرحمن الرحيم سورة كهيعص سقطت البسملة لغير أبي ذر وهي له بعد الترجمة وروى الحاكم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال الكاف من كريم والهاء من هادي والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق ومن وجه آخر عن سعيد نحوه لكن قال يمين بدل حكيم وعزيز بدل عليم وللطبري من وجه آخر عن سعيد نحوه لكن قال الكاف من كبير وروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال كهيعص قسم أقسم الله به وهو من أسمائه ومن طريق فاطمة بنت على قالت كان على يقول يا كهيعص اغفر لي وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة هي اسم من أسماء القرآن قوله وقال بن عباس أسمع بهم وأبصر الله يقوله وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون في ضلال مبين يعني قوله أسمع بهم وأبصر الكفار يومئذ أسمع شيء وأبصره وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس وعند عبد الرزاق عن قتادة أسمع بهم وأبصر يعني يوم القيامة زاد الطبري من وجه آخر عن قتادة سمعوا حين لا ينفعهم السمع وأبصروا حين لا ينفعهم آل البصر قوله لأرحمنك لأشتمنك وصله بن أبي حاتم بإسناد الذي قبله ومن وجه آخر عن بن عباس قال الرجم الكلام قوله ورئيا منظرا وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس به ولابن أبي حاتم من طريق أبي ظبيان عن بن عباس قال الأثاث المتاع والرئى المنظر ومن طريق أبي رزين قال الثياب ومن طريق الحسن البصري قال الصور وسيأتي مثله عن قتادة قوله وقال أبو وائل الخ تقدم في أحاديث الأنبياء قوله وقال بن عيينة تؤزهم أزا تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا كذا هو في تفسير بن عيينة ومثله عند عبد الرزاق وذكره عبد بن حميد عن عمرو بن سعد وهو أبو داود الحفري عن سفيان وهو الثوري قال تغريهم إغراء ومثله عند بن أبي حاتم عن على بن أبي طلحة عن بن عباس ومن طريق السدي تطغيهم طغيانا قوله وقال مجاهد إذا عوجا سقط هذا من رواية أبي ذر وقد وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد مثله قوله وقال بن عباس وردا عطاشا تقدم في بدء الخلق قوله أثاثا ما لا وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عنه وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أحسن أثاثا ورئيا قال أكثر أموالا وأحسن صورا قوله أدا قولا عظيما وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قوله غيا خسرانا ثبت لغيره أبي ذر وقد وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس وقال بن مسعود ألغى واد في جهنم بعيد القعر أخرجه الحاكم والطبري ومن طريق عبد الله بن عمرو بن العاص مثله ومن طريق أبي أمامة مرفوعا مثله وأتم منه قوله ركزا صوتا وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس وعند عبد الرزاق عن قتادة مثله وقال الطبري الركز في كلام العرب الصوت الخفي قوله وقال غيره بكيا جماعة باك هو قول أبي عبيدة وتعقب بأن قياس جمع باك بكاة مثل قاض وقضاة وأجاب الطبري بأن أصله بكرا بالواو الثقيلة مثل قاعد وقعود فقلبت الواو ياء لمجيئها بعد كسرة وقيل هو مصدر على وزن فعول مثل جلس جلوسا ثم قال يجوز أن يكون المراد بالبكى نفس البكاء ثم أسند عن عمر أنه قرأ هذه الآية فسجد ثم قال ويحك هذا السجود فأين البكاء كذا قال وكلام عمر يحتمل أن يريد الجماعة أيضا أي أين القوم البكى قوله صليا صلى يصلي هو قول أبي عبيدة وزاد والصلى فعول ولكن انقلبت الواو ياء ثم أدغمت قوله نديا والنادي واحد مجلسا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وأحسن نديا قال مجلسا وقال أبو عبيدة في قوله وأحسن نديا أي مجلسا والندي والنادي واحد والجمع أندية وقيل أخذ من الندى وهو الكرم لأن الكرماء يجتمعون فيه ثم أطلق على كل مجلس وقال بن إسحاق في السيرة في قوله تعالى فليدع نادية النادي المجلس ويطلق على الجلساء قوله وقال مجاهد فليمدد فيدعه هو بفتح الدال وسكون العين وصله الفريابي بلفظ فليدعه الله في طغيانه أي يمهله إلى مدة وهو بلفظ الأمر والمراد به الإخبار وروى بن أبي حاتم من طريق حبيب بن أبي ثابت قال في حرف أبي بن كعب قل من كان في الضلالة فإن الله يزيده ضلالة

قوله باب قوله عز وجل وأنذرهم يوم الحسرة ذكر في حديث أبي سعيد في ذبح الموت وسيأتي في الرقاق مشروحا وقوله فيه فيشرئبون بمعجمة وراء مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم موحدة ثقيلة مضمومة أي يمدون أعناقهم ينظرون وقوله أملح قال القرطبي الحكمة في ذلك أن يجمع بين صفتي أهل الجنة والنار السواد والبياض قوله ثم قرأ وأنذرهم في رواية سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش في آخر الحديث ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستفاد منه انتفاء الإدراج وللترمذي من وجه آخر عن الأعمش في أول الحديث قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنذرهم يوم الحسرة فقال يؤتى بالموت الخ

قوله باب

[ 4454 ] قوله وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ما بين أيدينا الآخرة وما خلفنا الدنيا وما بين ذلك ما بين النفختين قوله قال النبي صلى الله وعليه السلام لجبريل ما يمنعك أن تزورنا وروى الطبري من طريق العوفي وابن مردويه من طريق سماك بن حرب عن سعيد بن جبير كلاهما عن بن عباس قال احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال أبطأ جبريل في النزول أربعين يوما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما نزلت حتى اشتقت إليك قال أنا كنت أشوق إليك ولكني مأمور وأوحى الله إلى جبريل قل له وما نتنزل إلا بأمر ربك وروى بن مردويه في سبب ذلك من طريق زياد النميري عن أنس قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي البقاع أحب إلى الله وأيها أبغض إلى الله قال ما أدري حتى أسأل فنزل جبريل وكان قد أبطأ عليه الحديث وعند بن إسحاق من وجه آخر عن بن عباس ان قريشا لما سألوا عن أصحاب الكهف فمكث النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيا فلما نزل جبريل قال له أبطأت فذكره وحكى بن التين للداودي في هذا الموضع كلاما في استشكال نزول الوحي في القضايا الحادثة مع أن القرآن قديم وجوابه واضح فلم أتشاغل به هنا لكن ألمت به في كتاب التوحيد تنبيه الأمر في هذه الآية معناه الإذن بدليل سبب النزول المذكور ويحتمل الحكم أي تتنزل مصاحبين لأمر الله عباده بما أوجب عليهم أو حرم ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك عند من يجيز حمل اللفظ على جميع معانيه

قوله باب قوله أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال الأوتين مالا وولدا قراءة الأكثر بفتحتين والكوفيين سوى عاصم بضم ثم سكون قال الطبري لعلهم أرادوا التفرقة بين الواحد والجمع لكن قراءة الفتح أشمل وهي أعجب إلى

[ 4455 ] قوله عن الأعمش عن أبي الضحى كذا رواه بشر بن موسى وغير واحد عن الحميدي وأخرجه بن مردويه من وجه آخر عن الحميدي بهذا الإسناد فقال عن أبي وائل بدل أبي الضحى والأول أصوب وشذ حماد بن شعيب فقال أيضا عن الأعمش عن أبي وائل وأخرجه بن مردويه أيضا قوله جئت العاص بن وائل السهمي هو والد عمرو بن العاص الصحابي المشهور وكان له قدر في الجاهلية ولم يوفق للأسلام قال بن الكلبي كان من حكام قريش وقد تقدم في ترجمة عمر بن الخطاب أنه أجاز عمر بن الخطاب حين أسلم وقد أخرج الزبير بن بكار هذه القصة مطولة وفيها أن العاص بن وائل قال رجل أختار لنفسه أمرا فما لكم وله فرد المشركين عنه وكان موته بمكة قبل الهجرة وهو أحد المستهزئين قال عبد الله بن عمرو سمعت أبي يقول عاش أبي خمسا وثمانين وأنه ليركب حمارا إلى الطائب فيمشى عنه أكثر مما يركب ويقال أن حماره رماه على شوكة أصابت رجله فانتفخت فمات فمنها قوله أتقاضاه حقا لي عنده بين في الرواية التي بعد هذه أنه أجره سيفا عمله له وقال فيها كنت فينا وهو بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون وهو الحداد ولأحمد من وجه آخر عن الأعمش فاجتمعت لي عند العاص بن وائل دراهم قوله فقلت لا أي لا أكفر قوله حتى تموت ثم تبعث مفهومه أنه يكفر حينئذ لكنه لم يرد ذلك لأن الكفر حينئذ لا يتصور فكأنه قال لا أكفر أبدا والنكتة في تعبيره بالبعث تعبير العاص بأنه لا يؤمن به وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل قوله هذا فقال علق الكفر ومن علق الكفر كفر وأجاب بأنه خاطب العاص بما يعتقده فعلق على ما يستحيل بزعمه والتقرير الأول يغنى عن هذا الجواب قوله فأقضيك فنزلت زاد بن مردويه من وجه آخر عن الأعمش فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت قوله رواه الترمذي وشعبة وحفص وأبو معاوية ووكيع عن الأعمش أما رواية الثوري فوصلها بعد هذا وكذا رواية شعبة ووكيع وأما رواية حفص وهو بن غياث فوصلها في الإجازة وأما رواية أبي معاوية فوصلها أحمد قال حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش به وفيه قال فإني إذا مت بعثت جثتي ولي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله أفرأيت الذي كفر بآياتنا إلى قوله ويأتينا فردا وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية أبي معاوية

قوله باب أطلع الغيب أم أتخذ عند الرحمن عهدا قال موثقا سقط قوله موثقا من رواية أبي ذر وساق المؤلف الحديث من رواية الثوري وقال في آخره أم أتخذ عند الرحمن عهدا قال موثقا وكذا أخرجه بن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه

[ 4456 ] قوله لم يقل الأشجعي عن سفيان سيفا ولا موثقا هو كذلك في تفسير الثوري رواية الأشجعي عنه

قوله باب كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ساق فيه الحديث المذكور من رواية شعبة عن الأعمش

قوله باب وترثه ما يقول ويأتينا فردا ساق فيه الحديث المذكور من رواية وكيع وسياقه أتم كسياق أبي معاوية ويحيى شيخه هو بن موسى ويؤخذ من هذا السياق الجواب عن إيراد المصنف الآيات المذكورة في هذه الأبواب مع أن القصة واحدة فكأنه أشار إلى أنها كلها نزلت في هذه القصة بدليل هذه الرواية وما وافقها قوله في الترجمة وقال بن عباس هذا هدما وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عنه

قوله سورة طه بسم الله الرحمن الرحيم قال عكرمة والضحاك بالنبطية أي طه يا رجل كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما قال بن جبير أي سعيد فأما قول عكرمة في ذلك فوصله بن أبي حاتم من رواية حصين بن عبد الرحمن عن عكرمة في قوله طه أي طه يا رجل وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن عكرمة عن بن عباس في قوله طه قال هو كقولك يا محمد بالحبشية وأما قول الضحاك فوصله الطبري من طريق قرة بن خالد عن الضحاك بن مزاحم في قوله طه قال يا رجل بالنبطية وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر قال قال رجل من بني مازن ما يخفى علي من القرآن شيء فقال له الضحاك ما طه قال اسم من أسماء الله تعالى قال إنما هو بالنبطية يا رجل وسيأتي الكلام على النبط في سورة الرحمن وأما قول سعيد بن جبير فرويناه في الجعديات للبغوي وفي مصنف بن أبي شيبة من طريق سالم الأفطس عنه مثل قول الضحاك وزاد الحارث في مسنده من هذا الوجه فيه بن عباس وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وعن قتادة قالا في قوله طه قال يارجل وعند عبد بن حميد عن الحسن وعطاء مثله ومن طريق الربيع بن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع أخرى فأنزل الله تعالى طه أي طأ الأرض ولابن مردويه من حديث على نحوه بزيادة أن ذلك لطول قيام الليل وقرأت بخط الصدفي في هامش نسخته بلغنا أن موسى عليه السلام حين كلمه الله قام على أطراف أصابعه خوفا فقال الله عز وجل طه أي اطمئن وقال الخليل بن أحمد من قرأ طه بفتح ثم سكون فمعناه يا رجل وقد قيل إنها لغة عك ومن قرأ بلفظ الحرفين فمعناه اطمئن أوطأ الأرض قلت جاء عن بن الكلبي أنه لو قيل لعلكي يا رجل لم يجب حتى يقال له طه وقرأ بفتح ثم سكون الحسن وعكرمة وهي اختيار ورش وقد وجهوها أيضا على أنها فعل أمر من الوطء إما بقلب الهمزة ألفا أو بإبدالها هاء فيوافق ما جاء عن الربيع بن أنس فأنه على قوله يكون قد أبدل الهمزة ألفا ولم يحذفها في الأمر نظرا إلى أصلها لكن في قراءة ورش حذف المفعول البتة وعلى ما نقل الربيع بن أنس يكون المفعول هو الضمير وهو للأرض وإن لم يتقدم لها ذكر لما دل عليه الفعل وعلى ما تقدم يكون اسما وقد قيل إن طه من أسماء السورة كما قيل في غيرها من الحروف المقطعة قوله وقال مجاهد ألقى صنع أزرى ظهري فيستحكم يهلككم تقدم ذلك كله في قصة موسى من أحاديث الأنبياء قوله المثلى تأنيث الأمثل الخ هو قول أبي عبيدة وقد تقدم شرحه في قصة موسى أيضا وكذلك قوله فأوجس في نفسه خيفة وقوله في جذوع النخل و خطبك و مساس و لننسفنه في اليم نسفا وكله كلام أبي عبيدة قوله قاعا يعلوه الماء والصفصف المستوى من الأرض قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة القاع الصفصف الأرض المستويه وقال الفراء القاع ما انبسط من الأرض ويكون فيه السراب نصف النهار والصفصف الأملس الذي لانبات فيه قوله وقال مجاهد أو زارا أثقالا ثبت هذا لأبي ذر وهو عند الفريابي من طريقه قوله من زينة القوم الحلي الذي استعاروا من آل فرعون وهو الأثقال وصله الفريابي أيضا وقد تقدم في قصة موسى وروى الحاكم من حديث على قال عمد السامري إلى ما قدر عليه من الحلي فضربه عجلا ثم ألقى القبضة في جوفة فإذا هو عجل له خوار الحديث وفيه فعمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد على شفير الماء فما شرب من ذلك أحد ممن كان عبد العجل إلا اصفر وجهه وروى النسائي في الحديث الطويل الذي يقال له حديث الفتون عن بن عباس قال لما توجه موسى لميقات ربه خطب هارون بني إسرائيل فقال إنكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم ودائع وعواري وأنا أرى أن نحفر حفيرة ونلقى فيها ما كان عندكم من متاعهم فنحرقه وكان السامري من قوم يعبدون البقر وكان من جيران بني إسرائيل فاحتمل معهم فرأى أثرا فأخذ منه قبضة فمر بهارون فقال له ألا تلقي ما في يدك فقال لا ألقيها حتى تدعو الله أن يكون ما أريد فدعا له فألقاها فقال أريد أن يكون عجلا له جوف يخور قال بن عباس ليس له روح كانت الريح تدخل من ديره وتخرج من فيه فكان الصوت من ذلك فتفرق بنو إسرائيل عند ذلك فرقا الحديث بطوله قوله فقذفتها ألقيتها ألقى صنع فنسي موسى هم يقولونه أخطأ الرب لا يرجع إليهم قولا العجل تقدم كله في قصة موسى قوله همسا حس الأقدام وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد وعن قتادة قال صوت الأقدام أخرجه عبد الرزاق وعن عكرمة قال وطء الأقدام أخرجه عبد بن حميد وقال أبو عبيدة في قوله همسا قال صوتا خفيا قوله حشرتني أعمى عن حجتي وقد كنت بصيرا في الدنيا وصله الفريابي من طريق مجاهد قوله وقال بن عباس بقبس ضلوا الطريق وكانوا شاتين الخ وصله بن عيينة من طريق عكرمة عنه وفي آخره آنكم بنار توقدون ووقع في رواية أبي ذر تدفئون قوله وقال بن عيينة أمثلهم طريقة أعدلهم كذا هو في تفسير بن عيينة وفي رواية للطبري عن سعيد بن جبير أوفاهم عقلا وفي أخرى عنه أعلمهم في أنفسهم قوله وقال بن عباس هضما لا يظلم فيهضم من حسناته وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله فلا يخاف ظلما ولا هضما قال لا يخاف بن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزاد في سيئاته ولا يهضم فينقص من حسناته وعن قتادة عند عبد بن حميد مثله قوله عوجا واديا ولا أمتا رابية وصله بن أبي حاتم أيضا عن بن عباس وقال أبو عبيدة العوج بكسر أوله ما أعوج من المسايل والأودية والأمت الأنثناء يقال مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا قوله ضنكا الشقاء وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس وللطبري عن عكرمة مثله ومن طريق قيس بن أبي حازم في قوله معيشة ضنكا قال رزقا في معصية وصحح بن حبان من حديث أبي هريرة مرفوعا في قوله معيشة ضنكا قال عذاب القبر أورده من وجهين مطولا ومختصرا وأخرجه سعيد بن منصور الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري موقوفا ومرفوعا والطبراني من حديث بن مسعود ورجح الطبري هذا مستندا إلى قوله في آخر الآيات ولعذاب الآخرة أشد وأبقى وفي تفسير الضنك أقوال أخرى قيل الضيق وهذا أشهرها ويقال أنها كلمة فارسية معناها الضيق وأصلها التنك بمثناة فوقانية بدل الضاد فعربت وقيل الحرام وقيل الكسب الخبيث قوله هوى شقى وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة أيضا قوله سيرتها حالتها الأولى وقوله النهي التقي بالوادي المقدس المبارك طوى اسم الوادي تقدم كله في أحاديث الأنبياء قوله بملكنا بامرنا سوى منصف بينهم يبسا يابسا على قدر على موعد سقط هذا كله لأبي ذر وقد تقدم في قصة موسى أيضا قوله يفرط عقوبة قال أبو عبيدة في قوله أن يفرط علينا قال يقدم علينا بعقوبة وكل متقدم أو متعجل فارط قوله ولا تنيا لا تضعفا وصله عبد بن حميد من طريق قتادة مثله ومن طريق مجاهد كذلك ومن طريق أخرى ضعيفة عن مجاهد عن بن عباس وروى بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله لا تنيا لا تبطئا

قوله باب واصطنعتك لنفسي وقع في رواية أبي أحمد الجرجاني واصطفيتك وهو تصحيف ولعلها ذكرت على سبيل التفسير وذكر في الباب حديث أبي هريرة في محاجة موسى وآدم عليهما السلام وسيأتي شرحه في كتاب القدر

قوله باب ولقد أوحينا إلى موسى الخ وقع عند غير أبي ذر وأوحينا إلى موسى وهو خلاف التلاوة قوله اليم البحر وصله بن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي وذكر حديث بن عباس في صيام عاشوراء وقد سبق شرحه في كتاب الصيام مستوفى

قوله باب قوله فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ذكر فيه حديث أبي هريرة في محاجة موسى وآدم عليهما السلام وسيأتي في القدر إن شاء الله تعالى

قوله سورة الأنبياء بسم الله الرحمن الرحيم ذكر فيه حديث بن مسعود قال بني إسرائيل كذا فيه وزعم بعض الشراح أنه وهم وليس كذلك بل وجه وهو أن الأصل سورة بني إسرائيل فحذف المضاف وبقي المضاف إليه على هيئته ثم وجدت في رواية الإسماعيلي سمعت بن مسعود يقول في بني إسرائيل الخ وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سبحان وزاد في هذه الرواية ما لم يذكره في تلك وحاصله أنه ذكر خمس سور متوالية ومقتضى ذلك أنهن نزلن بمكة لكن اختلف في بعض آيات منهن أما في سبحان فقوله ومن قتل مظلوما الآية وقوله وان كادوا ليستفزونك إلى تحويلا وقوله ولقد آتينا موسى تسع آيات الآية وقوله وقل رب أدخلني مدخل صدق الآية وفي الكهف قوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الآية وقيل من أولها إلى أحسن عملا وفي مريم وإن منكم إلا واردها الآية وفي طه وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها الآية وفي الأنبياء أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها الآية قيل في جميع ذلك أنه مدني ولا يثبت شيء من ذلك والجمهور على أن الجميع مكيات وشذ من قال خلاف ذلك قوله وقال قتادة جذاذا قطعهن وصله الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله فجعلهم جذاذا أي قطعا تنبيه قرأ الجمهور جذاذا بضم أوله وهواسم للشيء المكسر كالحطام في المحطم وقيل جمع جذاذة كزجاج وزجاجة وقرأ الكسائي وابن محيصن بكسر أوله فقيل هو جمع جذيذ ككرام وكريم وفيها قراءات أخرى في الشواذ قوله وقال الحسن في فلك مثل فلكة المغزل وصله بن عيينة عن عمرو عن الحسن في قوله وكل في فلك يسبحون مثل فلكة المغزل قوله يسبحون ويدورون وصله بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله كل في فلك يسبحون قال يدورون حوله ومن طريق مجاهد في فلك كهيئة جديدة الرحى يسبحون يجرون وقال الفراء قال يسبحون لأن السباحة من أفعال الآدميين فذكرت بالنون مثل والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قوله وقال بن عباس نفشت رعت ليلا سقط ليلا لغير أبي ذر وقد وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس بهذا وهو قول أهل اللغة نفشت إذا رعت ليلا بلا راع وإذا رعت نهارا بلا راع قيل هملت قوله يصبحون يمنعون وصله بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ولا هم منا يصبحون قال يمنعون ومن وجه آخر منقطع عن بن عباس يمنعون قال ينصرون وهو قول مجاهد رواه الطبري قوله أمتكم أمة واحدة دينكم دين واحد قال قتادة في هذه الآية ان هذه أمتكم قال دينكم أخرجه الطبري وابن المنذر من طريقه قوله وقال عكرمة حصب جهنم حطب بالحبشة سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق وروى الفراء بإسنادين عن على وعائشة أنهما قرأ حطب بالطاء وعن بن عباس أنه قرأها بالضاد الساقطة المنقوطة قال وهو ما هيجت به النار قوله وقال غيره أحسوا توقعوا من أحسست كذا لهم وللنسفي وقال معمر أحسوا الخ ومعمر هذا هو بالسكون وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي وقد أكثر البخاري نقل كلامه فتارة يصرح بعزوه وتارة يبهمه وقال أبو عبيدة في قوله فلما أحسوا بأسنا لقوه يقال هل أحسست فلانا أي هل وجدته وهل احسست من نفسك ضعفا أو شرا قوله خامدين هامدين قال أبو عبيدة في قوله حصيدا خامدين مجاز خامد أي هامد كما يقال للنار إذا اطفئت خمدت قال والحصيد المستأصل وهو يوصف بلفظ الواحد والإثنين والجمع من الذكر والأنثى سواء كأنه أجرى مجرى المصدر قال ومثله كانتا رتقا ومثله فجعلهم جذاذا قوله والحصيد مستأصل يقع على الواحد والإثنين والجميع كذا لأبي ذر ولغيره حصيدا مستأصلا وهو قول أبي عبيدة كما ذكرنه قبل تنبيه هذه القصة نزلت في أهل حضور بفتح المهملة وضم المعجمة قرية بصنعاء من اليمن وبه جزم بن الكلبي وقيل بناحية الحجاز من جهة الشام بعث إليهم نبي من حمير يقال له شعيب وليس صاحب مدين بين زمن سليمان وعيسى فكذبوه فقصمهم الله تعالى ذكره الكلبي وقد روى قصته بن مردويه من حديث بن عباس ولم يسمه قوله ولا يستحسرن لا يعيبون ومنه حسير وحسرت بعيري هو قول أبي عبيدة أيضا وكذا روى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله ولا يستحسرون قال لا يعيبون تنبيه وقع في رواية أبي ذر يعيبون بفتح أوله ووهاه بن التين وقال هو من أعى أي الصواب بضم أوله قوله عميق بعيد كذا ذكره هنا وإنما وقع ذلك في السورة التي بعدها وهو قول أبي عبيدة وكأنه لما وقع في هذه السورة فجاجا وجاء في التي بعدها من كل فج عميق كأنه استطرد من هذه لهذه أو كان في طرة فنقلها الناسخ إلى غير موضعها قوله نكسوا ردوا قال أبو عبيدة في قوله ثم نكسوا على رءوسهم أي قلبوا وتقول نكسته على رأسه إذا قهرته وقال الفراء نكسوا رجعوا وتعقبه الطبري بأنه لم يتقدم شيء يصح أن يرجعوا إليه ثم أختار ما رواه بن إسحاق وحاصله أنهم قلبوا في الحجة فاحتجوا على إبراهيم بما هو حجة لإبراهيم عليه السلام وهذا كله على قراءة الجمهور وقرأ بن أبي عبلة نكسوا بالفتح وفيه حذف تقديره نكسوا أنفسهم على رءوسهم قوله صنعه لبوس الدروع قال أبو عبيدة اللبوس السلاح كله من درع إلى رمح وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة اللبوس الدروع كانت صفائح وأول من سردها وحلقها داود وقال الفراء من قرأ لتحصنكم بالمثناة فلتأنيث الدروع ومن قرأ بالتحتانية فلتذكير اللبوس قوله تقطعوا أمرهم اختلفوا هو قول أبي عبيدة وزاد وتفرقوا وروى الطبري من طريق زيد بن أسلم مثله وزاد في الدين قوله الحسيس والحس والجرس والهمس واحد وهو من الصوت الخفي سقط لأبي ذر والهمس وقال أبو عبيدة في قوله لا يسمعون حسيسها أي صوتها والحسيس والحس واحد وقد تقدم في أواخر سورة مريم قوله آذناك أعلمناك آذنتكم إذا أعلمته فأنت وهو على سواء لم تغدر قال أبو عبيدة في قوله آذنتكم على سواء إذا أنذرت عدوك وأعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء فقد آذنته وقد تقدم في تفسير سورة إبراهيم عليه السلام وقوله آذناك هو في سورة حم فصلت ذكره هنا استطرادا قوله وقال مجاهد لعلكم تسألون تفهمون وصله الفريابي من طريق ولابن المنذر من وجه آخر عنه تفقهون قوله ارتضى رضى وصله الفريابي من طريق بلفظ رضي عنه وسقط لأبي ذر قوله التماثيل الأصنام وصله الفريابي من طريقه أيضا قوله السجل الصحيفة وصله الفريابي من طريقه وجزم به الفراء وروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله كطي السجل يقول كطي الصحيفة على الكتاب قال الطبري معناه كطي السجل على ما فيه من الكتاب وقيل على بمعنى من أي من أجل الكتاب لأن الصحيفة تطوى حسناته لما فيها فيها من الكتابة وجاء عن بن عباس أن السجل اسم كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود والنسائي والطبري من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن بن عباس بهذا وله شاهد من حديث بن عمر عند بن مردويه وفي حديث بن عباس المذكور عند بن مردويه والسجل الرجل بلسان الحبش وعند بن المنذر من طريق السدي قال السجل الملك وعند الطبري من وجه آخر عن بن عباس مثله وعند عبد بن حميد من طريق عطية مثله وباسناد ضعيف عن على مثله وذكر السهيلي عن النقاش أنه ملك في السماء الثانية ترفع الحفظة إليه الأعمال كل خميس واثنين وعند الطبري من حديث بن عمر بعض معناه وقد أنكر الثعلبي والسهيلي أن السجل اسم الكاتب بأنه لا يعرف في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا في أصحابه من اسمه السجل قال السهيلي ولا وجد إلا في هذا الخبر وهو حصر مردود فقد ذكره في الصحابة بن منده وأبو نعيم وأوردا من طريق بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له سجل وأخرجه بن مردويه من هذا الوجه

ثم ذكر المصنف حديث بن عباس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة الحديث وسيأتي شرحه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى

قوله سورة الحج بسم الله الرحمن الرحيم قوله قال بن عيينة المخبتين المطمئنين هو كذلك في تفسير بن عيينة لكن اسنده عن بن أبي نجيح عن مجاهد وكذا هو عند بن المنذر من هذا الوجه ومن وجه آخر عن مجاهد قال المصلين ومن طريق الضحاك قال المتواضعين والمحنث من الإخبات وأصله الخبت بفتح أوله وهو المطمئن من الأرض قوله وقال بن عباس إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس مقطعا قوله ويقال أمنيته قراءته إلا أماني يقرؤون ولا يكتبون هو قول الفراء قال التمني التلاوة قال وقوله لا يعلمون الكتاب إلا أماني قال الأماني أن يفتعل الأحاديث وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم وليست من كتاب الله قال ومن شواهد ذلك قول الشاعر تمنى كتاب الله أول ليلة تمنى داود الزبور على رسل قال الفراء والتمني أيضا حديث النفس انتهى قال أبو جعفر النحاس في كتاب معاني القرآن له بعد أن ساق رواية على بن أبي طلحة عن بن عباس في تأويل الآية هذا من أحسن ما قيل في تأويل الآية وأعلاه وأجله ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال بمصر صحيفة في التفسير رواها على بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا انتهى وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس وهي عند البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرا على ما بيناه في أماكنه وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح انتهى وعلى تأويل بن عباس هذا يحمل ما جاء عن سعيد بن جبير وقد أخرجه بن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم فلما بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسنه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت هذه الآية وأخرجه البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن بن عباس فيما احسب ثم ساق الحديث وقال البزار لا يروي متصلا إلا بهذا الإسناد تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور قال وإنما يروي هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس انتهى والكلبي متروك ولا يعتمد عليه وكذا أخرجه النحاس بسند آخر فيه الواقدي وذكره بن إسحاق في السيرة مطولا وأسندها عن محمد بن كعب وكذلك موسى بن عقبة في المغازي عن بن شهاب الزهري وكذا ذكره أبو معشر في السيرة له عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وأورده من طريقه الطبري وأورده بن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي ورواه بن مردويه من طريق عباد بن صهيب عن يحيى بن كثير عن الكلبي عن أبي صالح وعن أبي بكر الهذلي وأيوب عن عكرمة وسليمان التيمي عمن حدثه ثلاثتهم عن بن عباس وأوردها الطبري أيضا من طريق العوفي عن بن عباس ومعناهم كلهم في ذلك واحد وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكرا نحوه والثاني ما أخرجه أيضا من طريق المعتمر بن سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عن داود بن أبي هند عن أبي العالية وقد تجرأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها وهو إطلاق مردود عليه وكذا قول عياض هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده وكذا قوله ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية قال وقد بين البزار أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله وأما الكلبي فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفه ثم رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم قال ولم ينقل ذلك انتهى وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته وقد سلك العلماء في ذلك مسالك فقيل جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة وهو لا يشعر فلما علم بذلك أحكم الله آياته وهذا أخرجه الطبري عن قتادة ورده عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا ولاية للشيطان عليه في النوم وقيل إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره ورده بن العربي بقوله تعالى حكاية عن الشيطان وما كان لي عليكم من سلطان الآية قال فلو كان للشيطان قوة على ذلك لما بقي لأحد قوة في طاعة وقيل إن المشركين كانوا إذا ذكروا آلهتهم وصفوهم بذلك فعلق ذلك بحفظه صلى الله عليه وسلم فجرى على لسانه لما ذكرهم سهوا وقد رد ذلك عياض فأجاد وقيل لعله قالها توبيخا للكفار قال عياض وهذا جائز إذا كانت هناك قرينة تدل على المراد ولا سيما وقد كان الكلام في ذلك الوقت في الصلاة جائزا وإلى هذا نحا الباقلاني وقيل إنه لما وصل إلى قوله ومناة الثالثة الأخرى خشي المشركون أن يأتي بعدها بشيء يذم آلهتهم به فبادروا إلى ذلك الكلام فخلطوه في تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم على عادتهم في قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ونسب ذلك للشيطان لكونه الحامل لهم على ذلك أو المراد بالشيطان شيطان الأنس وقيل المراد بالغرانيق العلى الملائكة وكان الكفار يقولون الملائكة بنات الله ويعبدونها فسيق ذكر الكل ليرد عليهم بقوله تعالى ألكم الذكر وله الأنثى فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع وقالوا وقد عظم آلهتنا ورضوا بذلك فنسخ الله تلك الكلمتين وأحكم آياته وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها قال وهذا أحسن الوجوه ويؤيده ما تقدم في صدر الكلام عن بن عباس من تفسير تمنى بتلا وكذا استحسن بن العربي هذا التأويل وقال قبله أن هذه الآية نص في مذهبنا في براءة النبي صلى الله عليه وسلم مما نسب إليه قال ومعنى قوله في أمنيته أي في تلاوته فأخبر تعالى في هذه الآية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه فهذا نص في أن الشيطان مؤاده في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله قال وقد سبق إلى ذلك الطبري لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب على هذا المعنى وحوم عليه تنبيه هذه القصة وقعت بمكة قبل الهجرة اتفاقا فتمسك بذلك من قال إن سورة الحج مكية لكن تعقب بأن فيها أيضا ما يدل على أنها مدنية كما في حديث على وأبي ذر في هذان خصمان فإنها نزلت في أهل بدر وكذا قوله أذن الذين يقاتلون الآية وبعدها الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق فإنها نزلت في الذين هاجروا من مكة إلى المدينة فالذي يظهر أن أصلها مكي ونزل منها آيات بالمدينة ولها نظائر والله اعلم قوله وقال مجاهد مشية بالقصة جص وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وقصر مسيد قال بالقصة يعني الجص والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص بكسر الجيم وتشديد المهملة ومن طريق عكرمة قال المشيد المجصص قال والجص في المدينة يسمى الشيد وأنشد الطبري قول امرئ القيس وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ولا أجما إلا مشيدا بجندل ومن طريق قتادة قال كان أهله شيدوه وحصنوه وقصة القصر المشيد ذكر أهل الأخبار أنه من بناء شداد بن عاد فصار معطلا بعد العمران لا يستطيع أحد أن يدنو منه على أميال مما يسمع فيه من أصوات الجن المنكرة قوله وقال غيره يسطون يفرطون من السطوة ويقال يسطون يبطشون قال أبو عبيدة في قوله يكادون يسطون أي يفرطون عليه من السطوة وقال الفراء كان مشركو قريش إذا سمعوا المسلم يتلو القرآن كادوا يبطشون به وتقدم في تفسير طه وقال عبد بن حميد أخبرني شبابة عن ورقاء عن بن نجيح عن مجاهد في قوله يكادون أي كفار قريش يسطون أي يبطشون بالذين يتلون القرآن وروى بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله يسطون فقال يبطشون قوله وهدوا إلى صراط الحميد الإسلام هكذا لهم وسيأتي تحريره من رواية النسفي قريبا قوله وقال بن عباس بسبب بحبل إلى سقف البيت وصله عبد بن حميد من طريق أبي إسحاق عن التميمي عن بن عباس بلفظ من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب بحبل إلى سماء بيته فليختنق به قوله ثاني عطفه مستكبر ثبت هذا للنسفي وسقط للباقين وقد وصله بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ثاني عطفه قال مستكبر في نفسه قوله وهدوا إلى الطيب من القول ألهموا إلى القرآن سقط قوله إلى القرآن لغير أبي ذر ووقع في رواية النسفي وهدوا إلى الطيب ألهموا وقال بن أبي خالد إلى القرآن وهدوا إلى صراط الحميد الإسلام وهذا هو التحرير وقد أخرج الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله وهدوا إلى الطيب من القول قال ألهموا وروى بن المنذر من طريق سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله إلى الطيب من القول قال القرآن وفي قوله وهدوا إلى صراط الحميد الإسلام قوله تذهل تشغل روى بن المنذر من طريق الضحاك قال في قوله تذهل كل مرضعة أي تسلو من شدة خوف ذلك اليوم وقال أبو عبيدة في قوله تذهل كل مرضعة أي تسلو قال الشاعر صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل وقيل الذهول الاشتغال عن الشيء مع دهش

قوله باب قوله وترى الناس سكارى سقط الباب والترجمة لغير أبي ذر وقدم عندهم الطريق الموصول على التعاليق وعكس ذلك في رواية أبي ذر وسيأتي شرح الحديث الموصول في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى

[ 4464 ] قوله وقال أبو أسامة عن الأعمش سكارى وما هم بسكارى يعني أنه وافق حفص بن غياث في رواية هذا الحديث عن الأعمش بإسناده ومتنه وقد أخرجه أحمد عن وكيع عن الأعمش كذلك قوله قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين أي أنه جزم بذلك بخلاف حفص فأنه وقع في روايته من كل ألف أراه قال فذكره ورواية أبي أسامة هذه وصلها المؤلف في قصة يأجوج ومأجوج من أحاديث الأنبياء قوله وقال جرير وعيسى بن يونس وأبو معاوية سكر وما هم بسكرى يعني أنهم رووه عن الأعمش بإسناده هذا ومتنه لكنهم خالفوا في هذه اللفظة فأما رواية جرير فوصلها المؤلف في الرقاق كما قال وأما رواية عيسى بن يونس فوصلها إسحاق بن راهويه عنه كذلك وأما رواية أبي معاوية فاختلف عليه فيها فرواها بلفظ سكر أبو بكر بن أبي شيبة عنه وقد أخرجها سعيد بن منصور عن أبي معاوية والنسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية فقالا في روايتهما سكارى وما هم بسكارى وكذا عند الإسماعيلي من طريق أخرى عن أبي معاوية وأخرجها مسلم عن أبي كريب عنه مقرونة برواية وكيع وأحال بهما على رواية جرير وروى بن مردويه من طريق محاضر والطبري من طريق المسعودي كلاهما عن الأعمش بلفظ سكر وقال الفراء أجمع القراء على سكارى وما هم بسكارى ثم روى بإسناده عن بن مسعود سكر وما هم بسكر قال وهو جيد في العربية انتهى ونقله الإجماع عجب مع أن أصحابه الكوفيين يحيى بن وثاب وحمزة والأعمش والكسائي قرؤوا بمثل ما نقل عن بن مسعود ونقلها أبو عبيد أيضا عن حذيفة وأبي زرعة بن عمرو واختارها أبو عبيد وقد اختلف أهل العربية في سكر هل هي صيغة جمع على فعلى مثل مرضى أو صيغة مفرد فاستغنى بها عن وصف الجماعة

قوله ذلك هو الضلال البعيد أترفناهم وسعناهم

قوله باب ومن الناس من يعبد الله على حرف شك سقط لفظ شك لغير أبي ذر وأراد بذلك تفسير قوله حرف وهو تفسير مجاهد أخرجه بن أبي حاتم من طريقه وقال أبو عبيدة كل شاك في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم وزاد غير أبي ذر بعد حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة إلى قوله ذلك هو الضلال البعيد قوله أترفناهم وسعناهم كذا وقع هنا عندهم وهذه الكلمة من السورة التي تليها وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى وأترفناهم في الحياة الدنيا مجازه وسعنا عليهم وأترفوا بغوا وكفروا

[ 4465 ] قوله يحيى بن أبي بكير هو الكرماني وهو غير يحيى بن بكير المصري يلتبسان لكنهما يفترقان من أربعة أوجه أحدهما النسبة الثاني أبو هذا فيه أداة الكنية بخلاف المصري الثالث ولا يظهر غالبا أن بكيرا جد المصري وأبا بكير والد الكرماني الرابع المصري شيخ المصنف والكرماني شيخ شيخه قوله حدثنا إسرائيل كذا رواه يحيى عنه بهذا الإسناد موصولا ورواه أبو أحمد الزبيري عن إسرائيل بهذا الإسناد فلم يجاوز سعيد بن جبير أخرجه بن أبي شيبة عنه وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ عن يحيى بن أبي بكير كما أخرجه البخاري وقال في آخره قال محمد بن إسماعيل بن سالم هذا حديث حسن غريب وقد أخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير فذكر فيه بن عباس قوله كان الرجل يقدم المدينة فيسلم في رواية جعفر كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون قوله فان ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله هو بضم نون نتجت فهي منتوجة مثل نفست فهي منفوسة زاد العوفي عن بن عباس وصح جسمه أخرجه بن أبي حاتم ولابن المنذر من طريق الحسن البصري كان الرجل يقدم المدينة مهاجرا فإن صح جسمه الحديث وفي رواية جعفر فإن وجدوا عام خصب وغيث وولاد وقوله قال هذا دين صالح في رواية العوفي رضي واطمأن وقال ما أصبت في ديني إلا خيرا وفي رواية الحسن قال لنعم الدين هذا وفي رواية جعفر قالوا أن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به قوله وان لم تلد الخ في رواية جعفر وأن وجدوا عام جدب وقحط وولاد سوء قالوا ما في ديننا هذا خير وفي رواية العوفي وأن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال والله ما أصبت على دينك هذا إلا شرا وذلك الفتنة وفي رواية الحسن فإن سقم جسمه وحبست عنه الصدقة وأصابته الحاجة قال والله ليس الدين هذا ما زلت أتعرف النقصان في جسمي وحالي وذكر الفراء أنها نزلت في أعاريب من بني أسد انتقلوا إلى المدينة بذراريهم وامتنوا بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوما تقدم وروى بن مردويه من حديث أبي سعيد بإسناد ضعيف أنها نزلت في رجل من اليهود أسلم فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام فقال لم أصب في ديني خيرا

قوله باب هذان خصمان اختصموا في ربهم الخصمان تثنية خصم وهو يطلق على الواحد وغيره وهو من تقع منه المخاصمة قوله يقسم قسما كذا للأكثر ولأبي ذر عن الكشميهني يقسم فيها وهو تصحيف

[ 4466 ] قوله نزلت في حمزة أي بن عبد المطلب وقد تقدم مشروحا في غزوة بدر مستوفى ونقتصر هنا على بيان الاختلاف في إسناده قوله رواه سفيان أي الثوري عن أبي هاشم أي شيخ هشيم فيه وهو الرماني بضم الراء وتشديد الميم أي بإسناده ومتنه وقد تقدمت روايته موصولة في غزوة بدر ولسفيان فيه شيخ آخر أخرجه الطبري من طريق محمد بن مجيب عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف قال نزلت هذه الآية في الذين تبارزوا يوم بدر قوله وقال عثمان أي بن أبي شيبة عن جرير أي بن عبد الحميد عن منصور أي بن المعتمر عن أبي هاشم عن أبي مجلز قوله أي موقوفا عليه قوله عن قيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة

[ 4467 ] قوله عن على قال أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة قال قيس هو بن عباد الراوي المذكور وفيهم نزلت وهذا ليس باختلاف على قيس بن عبادة في الصحابي بل رواية سليمان التيمي عن أبي مجلز تقتضي أن عند قيس عن على هذا القدر المذكور هنا فقط ورواية أبي هاشم عن أبي مجلز تقتضي أن عند قيس عن أبي ذر ما سبق لكن يعكر على هذا النسائي أخرج من طريق يوسف بن يعقوب عن سليمان التيمي بهذا الإسناد إلى على قال فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر هذان خصمان ورواه أبو نعيم في المستخرج من هذا الوجه وزاد في أوله ما في رواية معتمر بن سليمان وكذا أخرجه الحاكم من طريق أبي جعفر الرازي وكذا ذكر الدارقطني في العلل أن كهمس بن الحسن رواه كلاهما عن سليمان التيمي وأشار الدارقطني إلى أن روايتهم مدرجة وأن الصواب رواية معتمر قلت وقد رواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون وعن حماد بن مسعدة كلاهما عن سليمان التيمي كرواية معتمر فإن كان محفوظا فيكون الحديث عن قيس عن أبي ذر وعن على معا بدليل اختلاف سياقهما ثم ينظر بعد ذلك في الاختلاف الواقع عن أبي مجلز في إرساله حديث أبي ذر ووصله فوصله عنه أبو هاشم في رواية الثوري وهشيم عنه وأما سليمان التيمي فوقفه على قيس وأما منصور فوقفه على أبي مجلز ولا يخفى أن الحكم للواصل إذا كان حافظا وسليمان وأبو هاشم متقاربان في الحفظ فتقدم رواية من معه زيادة والثوري أحفظ من منصور فتقدم روايته وقد وافقه شعبة عن أبي هاشم أخرجه الطبراني على أن الطبري أخرجه من وجه آخر عن جرير عن منصور موصولا فبهذا التقرير يرتفع اعتراض من ادعى أنه مضطرب كما أشرت إلى ذلك في المقدمة وإنما أعيد مثل هذا لبعد العهد به والله المستعان وقد روى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس أنها نزلت في أهل الكتاب والمسلمين ومن طريق الحسن قال هم الكفار والمؤمنون ومن طريق مجاهد هو اختصام المؤمن والكافر في البعث واختار الطبري هذه الأقوال في تعميم الآية قال ولا يخالف المروي عن على وأبي ذر لأن الذين تبارزوا ببدر كانوا فريقين مؤمنين وكفار إلا أن الآية إذا نزلت في سبب من الأسباب لا يمتنع أن تكون عامة في نظير ذلك السبب

قوله سورة المؤمنون بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال بن عيينة سبع طرائق سبع سماوات هو في تفسير بن عيينة من رواية سعد بن عبد الرحمن المخزومي عنه وأخرجه الطبري من طريق بن زيد بن أسلم مثله قوله سابقون سبقت لهم السعادة ثبتت لغير أبي ذر وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قوله قلوبهم وجلة خائفين وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله وقلوبهم وجلة قال يعملون خائفين وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وقلوبهم وجلة قال خائفة وللطبري من طريق يزيد النحوي عن عكرمة مثله وفي الباب عن عائشة قالت يا رسول الله في قوله تعالى وقلوبهم وجلة أهو الرجل يزني ويسرق وهو مع ذلك يخاف الله قال لا بل هو الرجل يصوم ويصلي وهو مع ذلك يخاف الله أخرجه الترمذي وأحمد وابن ماجة وصححه الحاكم قوله وقال بن عباس هيهات هيهات بعيد بعيد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مثله وروى عبد بن حميد عن سعيد عن قتادة قال تباعد ذلك في أنفسهم وقال الفراء إنما دخلت اللام في لما توعدون لأن هيهات أداة ليست بمأخوذة من فعل بمنزلة قريب وبعيد كما تقول هلم لك فإذا قلت أقبل لم تقل لك قوله فاسأل العادين الملائكة كذا لأبي ذر فأوهم أنه من تفسير بن عباس ولأبي ذر والنسفي وقال مجاهد فاسأل الخ وهو أولى فقد أخرجه الفريابي من طريقه وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله العادين قال الحساب أي بضم أوله والتشديد قوله تنكصون تستأخرون ثبت عند النسفي وحده ووصله الطبري من طريق مجاهد قوله لناكبون لعادلون في رواية أبي ذر وقال بن عباس لناكبون الخ ووصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عنه وفي كلام أبي عبيدة مثله زاد ويقال نكب عن الطريق أي عدل عنه قوله كالحون عابسون وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس مثله ومن طريق أبي الأحوص عن بن مسعود قال مثل كلوح الرأس النضيخ وكشر عن ثغره وأخرجه الحاكم وصححه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا تشويه النار فتقلص شفته العليا وتسترخي السفلى قوله وقال غيره من سلالة الولد والنطفة السلالة سقط وقال غيره لغير أبي ذر فأوهم أنه من تفسير بن عباس أيضا وليس كذلك وإنما هو قول أبي عبيدة قال في قوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة السلالة الولد والنطفة السلالة قال الشاعر وهل هند إلا مهرة عربية سلالة أفراس تحللها بغل انتهى وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله من سلالة استل آدم من طين وخلقت ذريته من ماء مهين وقد استشكل الكرماني ما وقع في البخاري فقال لا يصح تفسير السلالة بالولد لأن الإنسان ليس من الولد بل الأمر بالعكس ثم قال لم يفسر السلالة بالولد بل الولد مبتدأ وخبره السلالة والمعنى السلالة وما يستل من الشيء كالولد والنطفة انتهى وهو جواب ممكن في إيراد البخاري وكلام أبي عبيدة يأباه ولم يرد أبو عبيدة تفسير السلالة بالولد أنه المراد في الآية وإنما أشار إلى أن لفظ السلالة مشترك بين الولد والنطفة والشيء الذي يستل من الشيء وهذا الأخير هو الذي في الآية ولم يذكره استغناء بما ورد فيها وتنبيها على أن هذه اللفظة تطلق أيضا على ما ذكر قوله والجنة والجنون واحد هو قول أبي عبيدة أيضا قوله والغثاء الزبد وما ارتفع عن الماء وما لا ينتفع به قال أبو عبيدة في قوله تعالى فجعلناهم غثاء الغثاء الزبد وما ارتفع على الماء من الجيف مما لا ينتفع به وفي رواية عنه وما أشبه ذلك مما لا ينتفع به في شيء وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله غثاء قال هو الشيء البالي قوله يجأرون يرفعون أصواتهم كما تجأر البقرة ثبت هذا هنا للنسفي وتقدم في أواخر الزكاة وسيأتي في كتاب الأحكام لغيره مثله قوله على أعقابكم رجع على عقبيه هو قول أبي عبيدة قوله سامرا من السمر والجمع السمار والسامر ههنا في موضع الجمع ثبت هنا للنسفي وقد تقدم في أواخر المواقيت قوله تسحرون تعمون من السحر

قوله سورة النور بسم الله الرحمن الرحيم من خلاله من بين أضعاف السحاب هو قول أبي عبيدة ولفظه أضعاف أو بين مزيدة فإن المعنى ظاهر بأحدهما وروى الطبري من طريق بن عباس أنه قرأ يخرج من خلله قال هارون أحد رواته فذكرته لأبي عمرو فقال أنها لحسنة ولكن خلاله أعم قوله سنابرقة وهو الضياء قال أبو عبيدة في قوله يكاد سنابرقه مقصور أي ضياء والسناء ممدود في الحسب وروى الطبري من طريق بن عباس في قوله يكاد سنابرقه يقول ضوء برقه ومن طريق قتادة قال لمعان البرق قوله مذعنين يقال للمستخذي مذعن قال أبو عبيدة في قوله يأتوا إليه مذعنين أي مستخذين وهو بالخاء والذال المعجمتين وروى الطبري من طريق مجاهد في قوله مذعنين قال سراعا وقال الزجاج الإذعان الإسراع في الطاعة قوله أشتاتا وشتى وشتات وشت واحد هو قول أبي عبيدة بلفظه وقال غيره أشتات جمع وشت مفرد قوله وقال مجاهد لواذا خلافا وصله الطبري من طريقه واللواذ مصدر لاوذت قوله وقال سعد بن عياض الثمالي بضم المثلثة وتخفيف الميم نسبة إلى ثمالة قبيلة من الأزد وهو كوفي تابعي ذكر مسلم أن أبا إسحاق تفرد بالرواية عنه وزعم بعضهم أن له صحبة ولم يثبت وما له في البخاري إلا هذا الموضع وله حديث عن بن مسعود عند أبي داود والنسائي قال بن سعد كان قليل الحديث وقال البخاري مات غازيا بأرض الروم قوله المشكاة الكوة بلسان الحبشة وصله بن شاهين من طريقه ووقع لنا بعلو في فوائد جعفر السراج وقد روى الطبري من طريق كعب الأحبار قال المشكاة الكوة والكوة بضم الكاف وبفتحها وتشديد الواو وهي الطاقة للضوء وأما قوله بلسان الحبشة فمضى الكلام فيه في تفسير سورة النساء وقال غيره المشكاة موضع الفتيلة رواه الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس وأخرج الحاكم من وجه آخر عن بن عباس في قوله كمشكاة قال يعني الكوة قوله وقال بن عباس سورة أنزلناها بيناها قال عياض كذا في النسخ والصواب أنزلناها وفرضناها بيناها فبيناها تفسير فرضناها ويدل عليه قوله بعد هذا ويقال في فرضناها أنزلنا فيها فرائض مختلفة فإنه يدل على أنه تقدم له تفسير آخر انتهى وقد روى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله وفرضناها يقول بيناها وهو يؤيد قول عياض قوله وقال غيره سمي القرآن لجماعة السور وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى فلما قرن بعضها إلى بعض سمي قرآنا وهو قول أبي عبيدة قاله في أول المجاز وفي رواية أبي جعفر المصادري عنه سمي القرآن لجماعة السور فذكر مثله سواء وجوز الكرماني في قراءة هذه اللفظه وهي لجماعة وجهين إما بفتح الجيم وآخرها تاء تأنيث بمعنى الجميع وإما بكسر الجيم وآخرها ضمير يعود على القرآن قوله وقوله أن علينا جمعه وقرآنه تأليف بعضه إلى بعض الخ يأتي الكلام عليه في تفسير سورة القيامة إن شاء الله تعالى قوله ويقال ليس لشعره قرآن أي تأليف هو قول أبي عبيدة قوله ويقال للمرأة ما قرأت بسلا قط أي لم تجمع ولدا في بطنها هو قول أبي عبيدة أيضا قاله في المجاز رواية أبي جعفر المصادري عنه وأنشد قول الشاعر هجان اللون لم يقرأ جنينا والسلا بفتح المهملة وتخفيف اللام وحاصله أن القرآن عنده من قرأ بمعنى جمع لا من قرأ بمعنى تلا قوله وقال فرضناها أنزلنا فيها فرائض مختلفة ومن قرأ فرضناها يقول فرضنا عليكم وعلى من بعدكم فيها كذا وقال الفراء من قرأ فرضناها يقول فرضنا فيها فرائض مختلفة وأن شئت فرضناها عليكم وعلى من بعدكم إلى يوم القيامة قال فالتشديد بهذين الوجهين حسن وقال أبو عبيدة في قوله فرضناها حددنا فيها الحلال والحرام وفرضنا من الفريضة وفي رواية له ومن خففها جعلها من الفريضة قوله وقال الشعبي أولى الاربة من ليس له أرب ثبت هذا للنسفي وسيأتي بعضه في النكاح وقد وصله الطبري من طريق شعبة عن مغيرة عن الشعبي مثله ومن وجه آخر عنه قال الذي لم يبلغ أربه أن يطلع على عورة النساء قوله وقال طاوس هو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء وصله عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس عن أبيه مثله قوله وقال مجاهد لا يهمه إلا بطنه ولا يخاف على النساء أو الطفل الذين لم يظهروا لم يدروا لما بهم من الصغر وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أو التابعين غير أولى الأربة قال الذي يريد الطعام ولا يريد النساء ومن وجه آخر عنه قال الذين لا يهمهم إلا بطونهم ولا يخافون على النساء وفي قوله أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء قال لم يدروا ما هي من الصغر قبل الحلم

قوله باب قوله عز وجل والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الآية ذكر فيه حديث سهل بن سعد مطولا وفي الباب الذي بعده مختصرا وسيأتي شرحه في كتاب اللعان وقوله في أول الباب

[ 4468 ] حدثنا إسحاق حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وهو شيخ البخاري لكن ربما ادخل بينهما واسطة وإسحاق المذكور وقع غير منسوب ولم ينسبه الكلاباذي أيضا وعندي أنه إسحاق بن منصور وقد بينت ذلك في المقدمة

قوله باب ويدرأ عنها العذاب الآية ذكر فيه حديث بن عباس في قصة المتلاعنين من رواية عكرمة عنه وقد ذكره في اللعان من رواية القاسم بن محمد عنه وبينهما في سياقه اختلاف سأبينه هناك وأقتصر هنا على بيان الراجح من الاختلاف في سبب نزول آيات اللعان دون أحكامه فأذكرها في بابها إن شاء الله تعالى وقوله

[ 4470 ] عن هشام بن حسان حدثنا عكرمة هكذا قال بن عدي عنه وقال عبد الأعلى ومخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس فمنهم من أعلى حديث بن عباس بهذا ومنهم من حمله على أن لهشام فيه شيخين وهذا هو المعتمد فإن البخاري أخرج طريق عكرمة ومسلما أخرج طريق بن سيرين ويرجع هذا الحمل اختلاف السياقين كما سنبينه إن شاء الله تعالى قوله البينة أو حد في ظهرك قال بن مالك ضبطوا البينة بالنصب على تقدير عامل أي أحضر البينة وقال غيره روى بالرفع والتقدير أما البينة وأما حد وقوله في الرواية المشهورة أوحد في ظهرك قال بن مالك حذف منه فاء الجواب وفعل الشرط بعد إلا والتقدير وإلا تحضرها فجزاؤك حد في ظهرك قال وحذف مثل هذا لم يذكر النحاة أنه يجوز إلا في الشعر لكن يرد عليهم وروده في هذا الحديث الصحيح قوله فقال هلال والذي بعثك بالحق أني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل وأنزل عليه والذين يرمون أزواجهم كذا في هذه الرواية أن آيات اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية وفي حديث سعد الماضي أنها نزلت في هويمر ولفظه فجاء عويمر فقال يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فأمرهما بالملاعنة وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع فمنهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضا فنزلت في شأنهما معا في وقت واحد وقد جنح النووي إلى هذا وسبقه الخطيب فقال لعلهما اتفق كونهما جاآ في وقت واحد ويؤيد التعدد أن القائل في قصة هلال سعد بن عبادة كما أخرجه أبو داود والطبري من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن بن عباس مثل رواية هشام بن حسان بزيادة في أوله لما نزلت والذين يرمون أزواجهم الآية قال سعد بن عبادة لو رأيت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء ما كنت لآتي بهم حتى يفرغ من حاجته قال فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية الحديث وعند الطبري من طريق أيوب عن عكرمة مرسلا فيه نحوه وزاد فلم يلبثوا أن جاء بن عم له فرمى امرأته الحديث والقائل في قصة عويمر عاصم بن عدي كما في حديث سهل بن سعد في الباب الذي قبله وأخرج الطبري من طريق الشعبي مرسلا قال لما نزلت والذين يرمون أزواجهم الآية قال عاصم بن عدي إن أنا رأيت فتكلمت جلدت وإن سكت سكت على غيظ الحديث ولا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النزول وروى البزار من طريق زيد بن تبيع عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به قال كنت فاعلا به شرا قال فأنت يا عمر قال كنت أقول لعن الله الأبعد قال فنزلت ويحتمل أن النزول سبق بسبب هلال فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم ولهذا قال في قصة هلال فنزل جبريل وفي قصة عويمر قد أنزل الله فيك فيؤول قوله قد أنزل الله فيك أي وفيمن كان مثلك وبهذا أجاب بن الصباغ في الشامل قال نزلت الآية في هلال وأما قوله لعويمر قد نزل فيك وفي صاحبتك فمعناه ما نزل في قصة هلال ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى قال أول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته الحديث وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين قال وهذه الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليط الرواة الحفاظ وقد أنكر جماعة ذكر هلال فيمن لاعن قال القرطبي أنكره أبو عبد الله بن أبي صفرة أخو المهلب وقال هو خطأ والصحيح أنه عويمر وسبقه إلى نحو ذلك الطبري وقال بن العربي قال الناس هو وهم من هشام بن حسان وعليه دار حديث بن عباس وأنس بذلك وقال عياض في المشارق كذا جاء من رواية هشام بن حسان ولم يقله غيره وإنما القصة لعويمر العجلاني قال ولكن وقع في المدونة في حديث العجلاني ذكر شريك وقال النووي في مبهماته اختلفوا في الملاعن على ثلاثة أقوال عويمر العجلاني وهلال بن أمية وعاصم بن عدي ثم نقل عن الواحدي أن أظهر هذه الأقوال أنه عويمر وكلام الجميع متعقب أما قول بن أبي صفرة فدعوى مجردة وكيف يجزم بخطأ حديث ثابت في الصحيحين مع إمكان الجمع وما نسبه إلى الطبري لم أره في كلامه وأما قول بن العربي إن ذكر هلال دار على هشام بن حسان وكذا جزم عياض بأنه لم يقله غيره فمردود لأن هشام بن حسان لم ينفرد به فقد وافقه عباد بن منصور كما قدمته وكذا جرير بن حازم عن أيوب أخرجه الطبري وابن مردويه موصولا قال لما قذف هلال بن أمية امرأته وأما قول النووي تبعا للواحدي وجنوحه إلى الترجيح فمرجوح لأن الجمع مع إمكانه أولى من الترجيح ثم قوله وقيل عاصم بن عدي فيه نظر لأنه ليس لعاصم فيه قصة أنه الذي لاعن امرأته وإنما الذي وقع من عاصم نظير الذي وقع من سعد بن عبادة ولما روى بن عبد البر في التمهيد طريق جرير بن حازم تعقبه بأن قال قد رواه القاسم بن محمد عن بن عباس كما رواه الناس وهو يوهم أن القاسم سمي الملاعن عويمرا والذي في الصحيح فأتاه رجل من قومه أي من قوم عاصم والنسائي من هذا الوجه لاعن بين العجلاني وامرأته والعجلاني هو عويمر

قوله باب قوله والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين

[ 4471 ] حدثنا مقدم هو بوزن محمد وهو بن محمد بن يحيى بن عطاء بن مقدم الهلالي المقدمي الواسطي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في التوحيد وكلاهما في المتابعات قوله حدثني عمي القاسم بن يحيى هو ثقة وهو بن عم أبي بكر بن على المقدمي والد محمد شيخ البخاري أيضا وليس للمقاسم عند البخاري سوى الحديثين المذكورين قوله عن عبيد الله وقد سمع منه هو كلام البخاري وأشار بذلك إلى حديث غير هذا صرح فيه القاسم بن يحيى بسماعه من عبد الله بن عمرو أما هذا الحديث فقد رواه الطبراني عن أبي بكر بن صدقة عن يقدم بن محمد بهذا الإسناد معنعنا قوله ان رجلا رمى امرأته فانتفى من ولدها سيأتي البحث فيه مفصلا في كتاب اللعان إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قوله عذاب عظيم وهو أولى لأنه اقتصر في الباب على تفسير الذي تولى كبره فقط قوله أفاك كذاب هو تفسير أبي عبيدة وغيره

[ 4472 ] قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان هو الثوري وقد صرح به بن مردويه من وجه آخر عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه ورواه عبد الرزاق عن معمر مطولا في جملة حديث الإفك وقد تقدم في غزوة المريسيع من المغازي من رواية معمر أيضا وغيره عن الزهري وفي القصة التي دارت بينه وبين الوليد بن عبد الملك في ذلك قوله عن عائشة والذي تولى كبره أي قالت عائشة في تفسير ذلك قوله قالت عبد الله بن أبي بن سلول أي هو عبد الله وتقدمت ترجمته قريبا في سورة براءة وهذا هو المعروف في أن المراد بقوله تعالى والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم وهو عبد الله بن أبي وبه تظاهرت الروايات عن عائشة من قصة الإفك المطولة كما في الباب الذي بعد هذا وسيأتي بعد خمسة أبواب بيان من قال خلاف ذلك إن شاء الله تعالى

قوله باب لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا إلى قوله الكاذبون كذا لأبي ذر وقد وقع عند غيره سياق آيتين غير متواليتين الأولى قوله ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا إلى قوله عظيم والأخرى قوله لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء عالي قوله الكاذبون واقتصر النسفي على الآية الأخيرة ثم ساق المصنف حديث الإفك بطوله من طريق الليث عن يونس بن يزيد عن الزهري عن مشايخه الأربعة وقد ساقه بطوله أيضا في الشهادات من طريق فليح بن سليمان وفي المغازي من طريق صالح بن كيسان كلاهما عن الزهري وأورده في مواضع أخرى باختصار فأول ما أخرجه في الجهاد ثم في الشهادات ثم في التفسير ثم في الإيمان والنذر ثم في التوحيد من طريق عبد الله النميري عن يونس باختصار في هذه المواضع وأخرجه في التوحيد وعلقه في الشهادات باختصار أيضا من رواية الليث أيضا وأخرجه في التفسير والأيمان والنذور والاعتصام من طريق صالح بن كيسان باختصار في هذه المواضع أيضا وأخرج طرفا منه معلقا في المغازي من طريق النعمان بن راشد عن الزهري ومن طريق معمر عن الزهري طرفا آخر وأخرجه مسلم من رواية عبد الله بن المبارك عن يونس ومن رواية عبد الرزاق عن معمر كلاهما عن الزهري ساقه على لفظ معمر ثم ساقه من طريق فليح وصالح باسنادهما قال مثله غير أنه بين الاختلاف في احتملته الحمية أو اجتهلته وفي موغرين كما سيأتي وذكر في رواية صالح زيادة كما سأنبه عليها وأخرجه النسائي في عشرة النساء من طريق صالح وأخرجه في التفسير من طريق محمد بن ثور عن معمر لكنه اقتصر على نحو نصف أوله ثم قال وساق الحديث وأخرج من طريق بن وهب عن يونس وذكر آخر كلاهما عن الزهري بسنده ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة يستشيرهما إلى قوله فتأتي الداجن فتأكله أخرجه في القضاء وأخرج أبو داود من طريق بن وهب عن يونس طرفا منه في السنة وهو قول عائشة ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى وذكره الترمذي عن يونس ومعمر وغيرهما عن الزهري معلقا عقب رواية هشام بن عروة عن أبيه فهذه جميع طرقه في هذه الكتب وقد جاء عن الزهري من غير رواية هؤلاء فأخرجه أبو عوانة في صحيحه والطبراني من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر العمري وإسحاق بن راشد وعطاء الخراساني وعقيل وابن جريج وأخرجه أبو عوانة أيضا من رواية محمد بن إسحاق وبكر بن وائل ومعاوية بن يحيى وحميد الأعرج وعند أبي داود طرف من رواية حميد هذا والطبراني أيضا من رواية زياد بن سعد وابن أبي عتيق وصالح بن أبي الأخضر وأفلح بن عبد الله بن المغيرة وإسماعيل بن رافع ويعقوب بن عطاء وأخرجه بن مردويه من رواية بن عيينة وعبد الرحمن بن إسحاق كلهم وعدتهم ثمانية عشر نفسا عن الزهري منهم من طوله ومنهم من اختصره وأكثرهم يقدم عروة على سعيد وبعد سعيد علقمة ويختم بعبيد الله وقدم معمر ويونس من رواية بن وهب عنه وعقيل وابن إسحاق في رواية معاوية وزياد وأفلح وإسماعيل ويعقوب سعيد بن المسيب على عروة وقدم بن وهب علقمة على عبيد الله وقدم بن إسحاق في رواية علقمة وثنى بسعيد وثلث بعروة وآخر عبيد الله وقدم عطاء الخراساني عبيد الله على عروة في رواية وحذف من أخرى سعيدا وكذا قدم صالح بن أبي الأخضر عبيد الله لكن ثنى بأبي سلمة بن عبد الرحمن بدل سعيد وثلث بعلقمة وختم بعروة واقتصر بكر على سعيد قوله وكل حدثني طائفة من الحديث أي بعضه هو مقول الزهري كما في رواية فليح قال الزهري الخ وفي رواية بن إسحاق قال الزهري كل حدثني بعض هذا الحديث وقد جمعت لك كل الذي حدثوني ولما ضم بن إسحاق إلى رواية الزهري عن الأربعة روايته هو عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه كلاهما عن عائشة قال دخل حديث هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه وكل كان ثقة فكل حدث عنها ما سمع قال فذكره قال عياض انتقدوا على الزهري ما صنعه من روايته لهذا الحديث ملفقا عن هؤلاء الأربعة وقالوا كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر انتهى وقد تتبعت طرقه فوجدته من رواية عروة على انفرداه ومن رواية علقمة بن وقاص على انفرداه وفي سياق كل منهما مخالفات ونقص وبعض زيادة لما في سياق الزهري عن الأربعة فأما رواية عروة فأخرجها المصنف في الشهادات من رواية فليح بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عقب رواية فليح عن الزهري قال مثله ولم يسق لفظه وبينهما تفاوت كبير فكأن فليحا تجوز في قوله مثله وقد علقها المصنف كما سيأتي قريبا لأبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه بتمامه ووصلها مسلم لأبي أسامة إلا أنه لم يسقه بتمامه ووصله أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة بتمامه وكذا أخرجه الترمذي والطبري والإسماعيلي من رواية أبي أسامة وأخرجه أبو عوانة والطبراني من رواية حماد بن سلمة وأبي أويس وأبي عوانة وابن مردويه من رواية يونس بن بكير والدارقطني في الغرائب من رواية مالك وأبو عوانة من رواية على بن مسهر وسعيد بن أبي هلال ووصلها المصنف باختصار في الاعتصام من رواية يحيى بن أبي زكريا كلهم عن هشام بن عروة مطولا ومختصرا وأما رواية علقمة بن وقاص فوصلها الطبري والطبراني من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنه وأما رواية سعيد بن المسيب وعبيد الله فلم أجدهما إلا من رواية الزهري عنهما وقد رواه عن عائشة غير هؤلاء الأربعة فأخرجه المصنف في الشهادات من رواية عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ولم يسق لفظها وقد ساقه أبو عوانة في صحيحه والطبراني من طريق أبي أويس وأبو عوانة والطبري أيضا من طريق محمد بن إسحاق كلاهما عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عنها وأخرجه أبو عوانة أيضا من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة والمصنف من رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة إلا أنه لم يسق لفظه أخرجه في الشهادات وكذا رواية عمرة عقب رواية فليح عن الزهري وأخرجه أبو عوانة والطبراني من طريق الأسود بن يزيد وعباد بن عبد الله بن الزبير ومقسم مولى بن عباس ثلاثتهم عن عائشة وقد روى هذا الحديث من الصحابة غير عائشة جماعة منهم عبد الله بن الزبير وحديثه أيضا عقب رواية فليح عند المصنف في الشهادات ولم يسق لفظه وأم رومان قد تقدم حديثها في قصة يوسف وفي المغازي ويأتي باختصار قريبا وابن عباس وابن عمر وحديثهما عند الطبراني وابن مردويه وأبو هريرة وحديثه عند البزار وأبو اليسر وحديثه باختصار عند بن مردويه فجميع من رواه من الصحابة غير عائشة ستة ومن التابعين عن عائشة عشرة وأورده بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير مرسلا بإسناد واه وأورده الحاكم في الأكليل من رواية مقاتل بن حيان وهو بالمهملة والتحتانية مرسلا أيضا وسأذكر في أثناء شرح هذا الحديث ما في رواية هؤلاء من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى قوله وبعض حديثهم يصدق بعضا كأنه مقلوب والمقام يقتضى أن يقول وحديث بعضهم يصدق بعضا ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد أن بعض حديث كل منهم يدل على صدق الراوي في بقية حديثه لحسن سياقه وجودة حفظه قوله وان كان بعضهم أوعى له من بعض هو إشارة إلى أن بعض هؤلاء الأربعة أميز في سياق الحديث من بعض من جهة حفظ أكثره لا أن بعضهم أضبط من بعض مطلقا ولهذا قال أوعى له أي للحديث المذكور خاصة زاد في رواية فليح وأثبت اقتصاصا أي سياقا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة أي القدر الذي حدثني به ليطابق قوله وكل حدثني طائفة من الحديث وحاصله أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم ووقع في رواية أفلح وبعض القوم أحسن سياقا وأما قوله في رواية الباب الذي حدثني عروة عن عائشة فهكذا في رواية الليث عن يونس وأما رواية بن المبارك وابن وهب وعبد الله النميري فلم يقل واحد منهم عن يونس الذي حدثني عروة وإنما قالوا عن عائشة فاقتضت رواية الليث أن سياق الحديث عن عروة ويحتمل أن يكون المراد أول شيء منه ويؤيده أنه تقدم في الهبة وفي الشهادات من طريق يونس عن الزهري عن عروة وحده عن عائشة أول هذا الحديث وهو القرعة عند إرادة السفر وكذلك أفردها أبو داود والنسائي من طريق يونس وكذا يحيى بن يمان عن معمر عن الزهري عن عروة عند بن ماجة والاحتمال الأول أولى لما ثبت أن الرواة اختلفوا في تقديم بعض شيوخ الزهري على بعض فلو كان الاحتمال الثاني متعينا لامتنع تقديم غير عروة على عروة ولأشعر أيضا أن الباقين لم يرووا عن عائشة قصة القرعة وليس كذلك فقد أخرج النسائي قصة القرعة خاصة من طريق محمد بن على بن شافع عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله وحده عن عائشة وستأتي القصة من رواية هشام بن عروة وحده وفي سياقه مخالفة كثيرة للسياق الذي هنا للزهري عن عروة وهو مما يتأيد به الاحتمال الأول والله اعلم قوله عروة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ليس المراد أن عائشة تروي عن نفسها بل معنى قوله عن عائشة أي عن حديث عائشة في قصة الإفك ثم شرع يحدث عن عائشة فقال أن عائشة قالت ووقع في رواية فليح زعموا أن عائشة قالت والزعم قد يقع موضع القول وأن لم يكن فيه تردد لكن لعل السر فيه أن جميع مشايخ الزهري لم يصرحوا له بذلك كذا أشار إليه الكرماني

[ 4473 ] قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج زاد معمر سفرا أي إلى سفر فهو منصوب بنزع الخافض أو ضمن يخرج معنى ينشئ فيكون سفرا نصبا على المفعولية وفي رواية فليح وصالح بن كيسان كان إذا أراد سفرا قوله أقرع بين أزواجه فيه مشروعية القرعة والرد على من منع منها وقد تقدم التعريف بها وحكمها في أواخر كتاب الشهادات في باب القرعة في المشكلات قوله فأيتهن وقع في رواية الأصيلي من طريق فليح فأيهن بغير مثناة والأولى أولى قوله في غزوة غزاها هي غزوة بني المصطلق وصرح بذلك محمد بن إسحاق في روايته وكذا أفلح بن عبد الله عند الطبراني وعنده في رواية أبي أويس فخرج سهم عائشة في غزوة بني المصطلق من خزاعة وعند البزار من حديث أبي هريرة فأصابت عائشة القرعة في غزوة بني المصطلق وفي رواية بكر بن وائل عند أبي عوانة ما يشعر بأن تسمية الغزوة في حديث عائشة مدرج في الخبر قوله فخرج سهمي هذا يشعر بأنها كانت في تلك الغزوة وحدها لكن عند الواقدي من طريق عباد بن عبد الله عنها أنها خرجت معه في تلك الغزوة أيضا أم سلمة وكذا في حديث بن عمر وهو ضعيف ولم يقع لأم سلمة في تلك الغزوة ذكر ورواية بن إسحاق من رواية عباد ظاهره في تفرد عائشة بذلك ولفظه فخرج سهمي عليهن فخرج بي معه قوله بعد ما نزل الحجاب أي بعد ما نزل الأمر بالحجاب والمراد حجاب النساء عن رؤية الرجال لهن وكن قبل ذلك لا يمنعن وهذا قالته كالتوطئة للسبب في كونها كانت مستترة في الهودج حتى أفضى ذلك إلى تحميله وهي ليست فيه وهم يظنون أنها فيه بخلاف ما كان قبل الحجاب فلعل النساء حينئذ كن يركبن ظهور الرواحل بغير هوادج أو يركبن الهوادج غير مستترات فما كان يقع لها الذي يقع بل كان يعرف الذي كان يخدم بعيرها إن كانت ركبت أم لا قوله فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه في رواية بن إسحاق فكنت إذا رحلوا بعيري جلست في هودجي ثم يأخذون بأسفل الهودج فيضعونه على ظهر البعير والهودج بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة وآخره جيم محمل له قبة تستر بالثياب ونحوه يوضع عن ظهر البعير يركب عليه النساء ليكون أستر لهن ووقع في رواية أبي أويس بلفظ المحفة قوله فسرنا حتى إذا فرغ كذا اقتصرت القصة لأن مراد سياق قصة الإفك خاصة وإنما ذكرت ما ذكرت ذلك كالتوطئة لما أرادت اقتصاصه ويحتمل أن تكون ذكرت جميع ذلك فاختصره الراوي للغرض المذكور ويؤيده أنه قد جاء عنها في قصة غزوة بني المصطلق أحاديث غير هذا ويؤيد الأول أن في رواية الواقدي عن عباد قلت لعائشة يا أمتاه حدثينا عن قصة الإفك قال نعم وعنده فخرجنا فغنمه الله أموالهم وأنفسهم ورجعنا قوله وقفل بقاف وفاء أي رجع من غزوته قوله ودنونا من المدينة قافلين أي راجعين أي أن قصتها وقعت حال رجوعهم من الغزوة قرب دخولهم المدينة قوله آذن بالمد والتخفيف وبغير مد والتشديد كلاهما بمعنى أعلم بالرحيل وفي رواية بن إسحاق فنزل منزلا فبات به بعض الليل ثم آذن بالرحيل قوله بالرحيل في رواية بعضهم الرحيل بغير موحدة وبالنصب وكأنه حكاية قولهم الرحيل بالنصب على الإغراء قوله فمشيت جتى جاوزت الجيش أي لتقضي حاجتها منفردة قوله فلما قضيت شأني الذي توجهت بسببه ووقع في حديث بن عمر خلاف ما في الصحيح وأن سبب توجهها لقضاء حاجتها أن رحل أم سلمة مال فأناخوا بعيرها ليصلحوا رحلها قالت عائشة فقلت إلى أن يصلحوا رحلها قضيت حاجتي فتوجهت ولم يعلموا بن فقضيت حاجتي فانقطعت قلادتي فأقمت في جمعها ونظامها وبعث القوم إبلهم ومضوا ولم يعلموا بنزولي وهذا شاذ منكر قوله عقد بكسر العين قلادة تعلق في العنق للتزين بها قوله من جزع بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها مهملة خرز معروف في سوادة بياض كالعروق قال بن القطاع هو واحد لا جمع له وقال بن سيده هو جمع واحدة جزعة وهو بالفتح فأما الجزع بالكسر فهو جانب الوادي ونقل كراع أن جانب الوادي بالكسر فقط وأن الآخر يقال بالفتح وبالكسر وأغرب بن التين فحكى فيه الضم قال التيفاشي يوجد في معادن العقيق ومنه ما يؤتى به من الصين قال وليس في الحجارة أصلب جسما منه ويزداد حسنة إذا طبخ بالزيت لكنهم لا يتيمنون بلبسه ويقولون من تقلده كثرت همومه ورأى منامات رديئة وإذا علق على طفل سأل لعابه ومن منافعه إذا أمر على شعر المطلقة سهلت ولادتها قوله جزع أظفار كذا في هذه الرواية أظفار بزيادة ألف وكذا في رواية فليح لكن في رواية الكشميهني من طريقه ظفار وكذا في رواية معمر وصالح وقال بن بطال الرواية أظفار بألف وأهل اللغة لا يعرفونه بألف ويقولون ظفار قال بن قتيبة جزع ظفاري وقال القرطبي وقع في بعض روايات مسلم أظفار وهي خطأ قلت لكنها في أكثر روايات أصحاب الزهري حتى إن في رواية صالح بن أبي الأخضر عند الطبراني جزع الأظافير فأما ظفار بفتح الظاء المعجمة ثم فاء بعدها راء مبنية على الكسر فهي مدينة باليمن وقيل جبل وقيل سميت به المدينة وهي في أقصى اليمن إلى جهة الهند وفي المثل من دخل ظفار حمر أي تكلم بالحميرية لأن أهلها كانوا من حمير وأن ثبتت الرواية أن جزع أظفار فلعل عقدها كان من الظفر أحد أنواع القسط وهو طيب الرائحة يتبخر به فلعله عمل مثل الخرز فأطلقت عليه جزعا تشبيها به ونظمته قلادة إما لحسن لونه أو لطيب ريحه وقد حكى بن التين أن قيمته كانت أثنى عشر درهما وهذا يؤيد أنه ليس جزعا ظفاريا إذ لو كان كذلك لكانت قيمته أكثر من ذلك ووفع في رواية الواقدي فكان في عنقي عقد من جزع ظفار كانت أمي أدخلتني به على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فلما قضيت شأني أي فرغت من قضاء حاجتي أقبلت إلى رحلى أي رجعت إلى المكان الذي كانت نازلة فيه قوله فإذا عقد لي في رواية فليح فلمست صدري فإذا عقدي قوله قد انقطع في رواية بن إسحاق قد انسل من عنقي وأنا لا أدري قوله فالتمست عقدي في رواية فليح فرجعت فالتمست وحبسني ابتغاؤه أي طلبه وفي رواية بن إسحاق فرجعت عودي على بدئي إلى المكان الذي ذهبت إليه وفي رواية الواقدي وكنت أظن أن القوم لو لبثوا شهرا لم يبعثوا بعيري حتى أكون في هودجي قوله وأقبل الرهط هو عدد من ثلاثة إلى عشرة وقيل غير ذلك كما تقدم في أول الكتاب في حديث أبي سفيان الطويل ولم أعرف منهم هنا أحدا إلا أن في رواية الواقدي أن أحدهم أبو موهوبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو مويهبة الذي روى عنه عبد الله بن عمرو بن العاص حديثا في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته أخرجه أحمد وغيره قال البلاذري شهد أبو مويهبة غزوة المريسيع وكان يخدم بعير عائشة وكان من مولدي بني مزبنة وكأنه في الأصل أبو موهوبة ويصغر فيقال أبو مويهبة قوله يرحلون بفتح أوله والتخفيف رحلت البعير إذا شددت عليه الرحل ووقع في رواية أبي ذر هنا بالتشديد في هذا وفي فرحلوه قوله إلى في رواية معمر بن وحكى النووي عن أكثر نسخ صحيح مسلم يرحلون لي قال وهو أجود وقال غيره بالباء أجود لأن المراد وضعها وهي في الهودج فشبهت الهودج الذي هي فيه بالرحل الذي يوضع على البعير قوله فرحلوه في وضعوه وفيه تجوز وإنما الرحل هو الذي يوضع على ظهر البعير ثم يوضع الهودج فوقه قوله وكان النساء إذ ذاك خفافا قالت هذا كالتفسير لقولها وهم يحسبون إني فيه قوله لم يثقلهن اللحم في رواية فليح لم يثقلهن ولم يغشهن اللحم قال بن أبي جمرة ليس هذا تكرارا لأن كل سمين ثقيل من غير عكس لأن الهزيل قد يمتلئ بطنه طعاما فيقل بدنه فأشارت إلى أن المعنيين لم يكونا في نساء ذلك الزمان وقال الخطابي معنى قولها لم يغشهن أي لم يكثر عليهن فيركب بعضه بعضا وفي رواية معمر لم يهبلهن وضبطه بن الخشاب فيما حكاه بن الجوزي بفتح أوله وسكون الهاء وكسر الموحدة ومثله القرطبي لكن قال وضم الموحدة قال لأن ماضيه بفتحتين مخففا وقال النووي المشهور في ضبطه بضم أوله وفتح الهاء وتشديد الموحدة وبفتح أوله وثالثه أيضا وبضم أوله وكسر ثالثه من الرباعي يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وأصبح فلان مهبلا أي كثير اللحم أو رام الوجه قلت وفي رواية بن جريج لم يهبلهن اللحم وحكى القرطبي أنها في رواية لابن الحذاء في مسلم أيضا وأشار إليها بن الجوزي وقال المهبل الكثير اللحم الثقيل الحركة من السمن وفلان مهبل أي مهيج كأن به ورما قوله إنما يأكلن كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني هنا إنما نأكل بالنون أوله وباللام فقط قوله العلقة بضم العين المهملة وسكون اللام ثم قاف أي القليل قال القرطبي كأن المراد الشيء القليل الذي يسكن الرمق كذا قال وقد قال الخليل العلقة ما فيه بلغة من الطعام إلى وقت الغداء حكاه بن بطال قال وأصلها شجر يبقى في الشتاء تتبلغ به الإبل حتى يدخل زمن الربيع قوله فلم يستنكر القوم خفة الهودج وقع في رواية فليح ومعمر ثقل الهودج والأول أوضح لأن مرادها إقامة عذرهم في تحميل هودجها وهي ليست فيه فكأنها تقول كأنها لخفة جسمها بحيث أن الذين يحملون هودجها لا فرق عندهم بين وجودها فيه وعدمها ولهذا أردفت ذلك بقولها وكنت جارية حديثه السن أي أنها مع نحافتها صغيرة السن فذلك أبلغ في خفتها وقد وجهت الرواية الأخرى بأن المراد لم يستنكروا الثقل الذي اعتادوه لأن ثقله في الأصل إنما هو ركب الهودج منه من خشب وحبال وستور وغير ذلك وأما هي فلشدة نحافتها كان لا يظهر بوجودها فيه زيادة ثقل والحاصل أن الثقل والخفة من الأمور الاضافية فيتفاوتان بالنسبة ويستفاد من ذلك أيضا أن الذين كانوا يرحلون بعيرها كانوا في غاية الأدب معها والمبالغة في ترك التنقيب عما في الهودج بحيث أنها لم تكن فيه وهم يظنون أنها فيه وكأنهم جوزوا أنها نائمة قوله وكنت جارية حديثه السن هو كما قالت لأنها أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة في شوال ولها تسع سنين وأكثر ما قبل في المريسيع كما سيأتي أنها عند بن إسحاق كانت في شعبان سنة ست فتكون لم تكمل خمس عشرة فإن كانت المريسيع قبل ذلك فتكون أصغر من ذلك وقد أشرت إلى فائدة ذكرها ذلك قبل ويحتمل أن تكون أشارت بذلك إلى بيان عذرها فيما فعلته من الحرص على العقد الذي انقطع ومن استقلالها بالتفتيش عليه في تلك الحال وترك إعلام أهلها بذلك وذلك لصغر سنها وعدم تجاربها للأمور بخلاف ما لو كانت ليست صغيرة لكانت تتفطن لعاقبة ذلك وقد وقع لها بعد ذلك في ضياع العقد أيضا أنها أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بأمره فأقام بالناس على غير ماء حتى وجدته ونزلت آية التيمم بسبب ذلك فظهر تفاوت حال من جرب الشيء ومن لم يجربه وقد تقدم إيضاحه في كتاب التيمم قوله فبعثوا الجمل أي أثاروه قوله بعد ما استمر الجيش أي ذهب ماضيا وهو استفعل من مر قوله فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب في رواية فليح وليس فيها أحد فإن قيل لم لم تستصحب عائشة معها غيرها فكان ادعى لأمنها مما يقع للمنفرد ولكانت لما تأخرت للبحث عن العقد ترسل من رافقها لينتظروها إن أرادوا الرحيل والجواب أن هذا من جملة ما يستفاد من قوله حديثه السن لأنها لم يقع لها تجربة مثل ذلك وقد صارت بعد ذلك إذا خرجت لحاجتها تستصحب كما سيأتي في قصتها مع أم مسطح وقوله فأممت منزلي بالتخفيف أي قصدت وفي رواية أبي ذر هنا بتشديد الميم الأولى قال الداودي ومنه قوله تعالى ولا آمين البيت الحرام قال بن التين هذا على أنه بالتخفيف انتهى وفي رواية صالح بن كيسان فتيممت قوله وظننت أنهم سيعقدونني في رواية فليح سيفقدوني بنون واحدة فأما أن تكون حذفت تخفيفا أو هي مثقلة قوله فيرجعون إلى وقع في رواية معمر فيرجعوا بغير نون وكأنه على لغة من يحذفها مطلقا قال عياض الظن هنا بمعنى العلم وتعقب باحتمال أن يكون على بابه فإنهم أقاموا إلى وقت الظهر ولم يرجح أحد منهم إلى المنزل الذي كانت به ولا نقل أن أحدا لاقاها في الطريق لكن يحتمل أن يكونوا استمروا في السير إلى قرب الظهر فلما نزلوا إلى أن يشتغلوا بحط رحالهم وربط رواحلهم واستصحبوا حالهم في ظنهم أنها في هودجها لم يفتقدوها إلى أن وصلت على قرب ولو فقدوها لرجعوا كما ظنته وقد وقع في رواية بن إسحاق وعرفت أن لو افتقدوني لرجعوا إلى وهذا ظاهر في أنها لم تتبعهم ووقع في حديث بن عمر خلاف ذلك فإن فيه فجئت فاتبعتهم حتى أعييت فقمت على بعض الطريق فمر بن صفوان وهذا السياق ليس بصحيح لمخالفته لما في الصحيح وأنها أقامت في منزلها إلى أن أصبحت وكأنه تعارض عندها أن تتبعهم فلا تأمن أن يختلف عليها الطرق فتهلك قبل أن تدركهم ولا سيما وقد كانت في الليل أو تقيم في منزلها لعلهم إذا فقدوها عادوا إلى مكانها الذي فارقوها فيه وهكذا ينبغي لمن فقد شيئا أن يرجع بفكره القهقرى إلى الحد الذي يتحقق وجوده ثم يأخذ من هناك في التنقيب عليه وأرادت بمن يفقدها من هو منها بسبب كزوجها أو أبيها والغالب الأول لأنه كان من شأنه صلى الله عليه وسلم أن يساير بعيرها ويتحدث معها فكأن ذلك لم يتفق في تلك الليلة ولما لم يتفق ما توقعته من رجوعهم إليها ساق الله إليها من حملها بغير حول منها ولا قوة قوله فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت يحتمل أن يكون سبب النوم شدة الغم الذي حصل لها في تلك الحالة ومن شأن الغم وهو وقوع ما يكره غلبة النوم بخلاف الهم وهو توقع ما يكره فأنه يقتضي السهر أو لما وقع من برد السحر لها مع رطوبة بدنها وصغر سنها وعند بن إسحاق فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني أو أن الله سبحانه وتعالى لطف بها فألقى عليها النوم لتستريح من وحشة الانفراد في البرية بالليل قوله وكان صفوان بن المعطل بفتح الطاء المهملة المشددة السلمي بضم المهملة ثم الذكوائي منسوب إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها مثلثة بن سليم وذكوان بطن من بني سليم وكان صحابيا فاضلا أول مشاهده عند الواقدي الخندق وعند بن الكلبي المريسيع وسيأتي في أثناء شرح هذا الحديث ما يدل على تقدم إسلامه ويأتي أيضا بعد خمسة أبواب قول عائشة أنه قتل شهيدا في سبيل الله ومرادها أنه قتل بعد ذلك لا أنه في تلك الأيام وقد ذكر بن إسحاق أنه استشهد في غزاة ارمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة وقيل بل عاش إلى سنة أربع وخمسين فاستشهد بأرض الروم في خلافة معاوية قوله من وراء الجيش في رواية معمر قد عرس من وراء الجيش وعرس بمهملات مشددا أي نزل قال أبو زيد التعريس النزول في السفر في أي وقت كان وقال غيره أصله النزول من آخر الليل في السفر للراحة ووقع في حديث بن عمر بيان سبب تأخر صفوان ولفظه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله على الساقة فكان إذا رحل الناس قام يصلي ثم اتبعهم فمن سقط له شيء أتاه به وفي حديث أبي هريرة وكان صفوان يتخلف عن الناس فيصيب القدح والجراب والإداوة وفي مرسل مقاتل بن حيان فيحمله فيقدم به فيعرفه في أصحابه وكذا في مرسل سعيد بن جبير نحوه قوله فأدلج فأصبح عند منزلي أدلج بسكون الدال في روايتنا وهو كادلج بتشديدها وقيل بالسكون سار من أوله وبالتشديد سار من آخره وعلى هذا فيكون الذي هنا بالتشديد لأنه كان في آخر الليل وكأنه تأخر في مكانه حتى قرب الصبح فركب ليظهر له ما يسقط من الجيش مما يخفيه الليل ويحتمل أن يكون سبب تأخيره ما جرت به عادته من غلبة النوم عليه ففي سنن أبي داود والبزار وابن سعد وصحيح بن حبان والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد إن امرأة صفوان بن المعطل جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن زوجي يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس قال وصفوان عنده فسأله فقال أما قولها يضربني إذا صليت فإنها تقرأ سورتي وقد نهيتها عنها وأما قولها يفطرني إذا صمت فأنا رجل شاب لا أصبر وأما قولها إني لا أصلي حتى تطلع الشمس الحديث قال البزار هذا الحديث كلامه منكر ولعل الأعمش أخذه من غير ثقة فدلسه فصار ظاهر سنده الصحة وليس للحديث عندي أصل انتهى وما أعله به ليس بقادح لأن بن سعد صرح في روايته بالتحديث بين الأعمش وأبي صالح وأما رجاله فرجال الصحيح ولما أخرجه أبو داود قال بعده رواه حماد بن سلمة عن حميد عن ثابت عن أبي المتوكل عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه متابعة جيدة تؤذن بأن للحديث أصلا وغفل من جعل هذه الطريقة الثانية علة للطريق الأولى وأما استنكار البزار ما وقع في متنه فمراده أنه مخالف للحديث الآتي قريبا من رواية أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة الإفك قالت فبلغ الأمر ذلك الرجل فقال سبحان الله والله ما كشفت كنف أنثى قط أي ما جامعتها والكنف بفتحتين الثوب الساتر ومنه قولهم أنت في كنف الله أي في ستره والجمع بينه وبين حديث أبي سعيد على ما ذكر القرطبي أن مراده بقوله ما كشفت كنف أنثى قط أي بزنا قلت وفيه نظر لأن في رواية سعيد بن أبي هلال عن هشام بن عروة في قصة الإفك أن الرجل الذي قيل فيه ما قيل لما بلغه الحديث قال والله ما أصبت امرأة قط حلالا ولا حراما وفي حديث بن عباس عند الطبراني وكان لا يقرب النساء فالذي يظهر أن مراده بالنفي المذكور ما قبل هذه القصة ولا مانع أن يتزوج بعد ذلك فهذا الجمع لا اعتراض عليه إلا بما جاء عن بن إسحاق أنه كان حصورا لكنه لم يثبت فلا يعارض الحديث الصحيح ونقل القرطبي أنه هو الذي جاءت امرأته تشكوه ومعها ابنان لها منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما أشبه به من الغراب بالغراب ولم أقف على مستند القرطبي في ذلك وسيأتي هذا الحديث في كتاب النكاح وأبين هناك أن المقول فيه ذلك غير صفوان وهو المعتمد إن شاء الله تعالى قوله فرأى سواد إنسان نائم السواد بلفظ ضد البياض يطلق على الشخص أي شخص كان فكأنها قالت رأى شخص آدمي لكن لا يظهر أهو رجل أو امرأة قوله فعرفني حين رآني هذا يشعر بأن وجهها انكشف لما نامت لأنه تقدم أنها تلففت بجلبابها ونامت فلما انتبهت باسترجاع صفوان بادرت إلى تغطية وجهها قوله وكان يراني قبل الحجاب أي قبل نزول آية الحجاب وهذا يدل على قدم إسلام صفوان فإن الحجاب كان في قول أبي عبيدة وطائفة في ذي القعدة سنة ثلاث وعند آخرين فيها سنة أربع وصححه الدمياطي وقيل بل كان فيها سنة خمس وهذا مما تناقض فيه الواقدي فإنه ذكر أن المريسيع كان في شعبان سنة خمس وأن الخندق كانت في شوال منها وأن الحجاب كان في ذي القعدة منها مع روايته حديث عائشة هذا وتصريحها فيه بأن قصة الإفك التي وقعت في المريسيع كانت بعد الحجاب وسلم من هذا بن إسحاق قال المريسيع عنده في شعبان لكن سنة ست وسلم الواقدي من التناقض في قصة سعد بن معاذ الآتي ذكرها نعم وسلم منها بن إسحاق فإنه لم يذكر سعد بن معاذ في القصة أصلا كما سأبينه ومما يؤيد صحة ما وقع في هذا الحديث أن الحجاب كان قبل قصة الإفك قول عائشة أيضا في هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عنها وفيه وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه وطفقت أختها حمنة تحارب لها فكل ذلك دال على أن زينب كانت حينئذ زوجته ولا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله صلى الله عليه وسلم بها فثبت أن الحجاب كان قبل قصة الإفك وقد كنت أمليت في أوائل كتاب الوضوء أن قصة الإفك وقعت قبل نزول الحجاب وهو سهو والصواب بعد نزول الحجاب فليصلح هناك قوله فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني أي بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون وصرح بها بن إسحاق في روايته وكأنه شق عليه ما جرى لعائشة أو خشي أن يقع ما وقع أو أنه اكتفى بالاسترجاع رافعا به صوته عن مخاطبتها بكلام آخر صيانة لها عن المخاطبة في الجملة وقد كان عمر يستعمل التكبير عند إرادة الإيقاظ وفيه دلالة على فطنة صفوان وحسن أدبه قوله فخمرت أي غطيت وجهي بجلبابي أي الثوب الذي كان عليها وقد تقدم شرحه في الطهارة قوله والله ما كلمني كلمة عبرت بهذه الصيغة إشارة إلى أنه استمر منه ترك المخاطبة لئلا يفهم لو عبرت بصيغة الماضي اختصاص النفي بحال الاستيقاظ فعبرت بصيغة المضارعة قوله ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته في رواية الكشميهني حين أناخ راحلته ووقع في رواية فليح حتى للاصيلي و حين للباقين وكذا عند مسلم عن معمر وعلى التقديرين فليس فيه نفى أنه كلمها بغير الاسترجاع لأن النفي على رواية حين مقيد بحال إناخة الراحلة فلا يمنع ما قبل الاناخة ولا ما بعدها وعلى رواية حتى معناها بجميع حالاته إلى أن أناخ ولا يمنع ما بعد الإناخة وقد فهم كثير من الشراح أنها أرادت بهذه العبارة نفي المكالمة البتة فقالوا استعمل معها الصمت اكتفاء بقرائن الحال مبالغة منه في الأدب وإعظاما لها وإجلالا انتهى وقد وقع في رواية بن سحق أنه قال لها ما خلفك وأنه قال لها اركبي واستأخر وفي رواية أبي أويس فاسترجع وأعظم مكاني أي حين رآني وحدي وقد كان يعرفني قبل أن يضرب علينا الحجاب فسألني عن أمري فسترت وجهي عنه بجلبابي وأخبرته بأمري فقرب بعيره فوطيء على ذراعه فولاني قفاه فركبت وفي حديث بن عمر فلما رآني ظن أني رجل فقال يا نومان قم فقد سار الناس وفي مرسل سعيد بن جبير فاسترجع ونزل عن بعيره وقال ما شأنك يا أم المؤمنين فحدثته بأمر القلادة قوله فوطيء على يدها أي ليكون أسهل لركوبها ولا يحتاج إلى مسها عند ركوبها وفي حديث أبي هريرة فغطى وجهه عنها ثم أدنى بعيره منها قوله فانطلق يقود بن الراحلة حتى أتينا الجيش هكذا وقع في جميع الروايات إلا في مرسل مقاتل بن حيان فإن فيه أنه ركب معها مردفا لها والذي في الصحيح هو الصحيح قوله بعد ما نزلوا موغرين بضم الميم وكسر الغين المعجمة والراء المهملة أي نازلين في وقت الوغرة بفتح الواو وسكون الغين وهي شدة الحر لما تكون الشمس في كبد السماء ومنه أخذ وغر الصدر وهو توقده من الغيظ بالحقد وأوغر فلان إذا دخل في ذلك الوقت كأصبح وأمسى وقد وقع عند مسلم عن عبد بن حميد قال قلت لعبد الرزاق ما قوله موغرين قال الوغرة شدة الحر ووقع في مسلم من طريق يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن كيسان موعزين بعين مهملة وزاي قال القرطبي كأنه من وعزت إلى فلان بكذا أي تقدمت والأول أولى قال وصحفه بعضهم بمهلتين وهو غلط قلت وروى مغورين بتقديم الغين المعجمة وتشديد الواو والتغوير النزول وقت القائلة ووقع في رواية فليح معرسين بفتح العين المهملة وتشديد الراء ثم سين مهملة والتعريس نزول المسافر في آخر الليل وقد استعمل في النزول مطلقا كما تقدم وهو المراد هنا قوله في نحر الظهيرة تأكيد لقوله موغرين فإن نحر الظهيرة أولها وهو وقت شدة الحر ونحر كل شيء أوله كأن الشمس لما بلغت غايتها في الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر الذي هو أعلى الصدر ووقع في رواية بن إسحاق فوالله ما أدركنا الناس وإلا افتقدت حتى نزلوا واطمأنوا طلع الرجل يقودني قوله فهلك من هلك زاد صالح في روايته في شأني وفي رواية أبي أويس فهنالك قال في وفيه أهل الإفك ما قالوا فأبهمت القائل وما قال وأشارت بذلك إلى الذين تكلموا بالإفك وخاضوا في ذلك وأما أسماؤهم فالمشهور في الروايات الصحيحة عبد الله بن أبي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وقد وقع في المغازي من طريق صالح بن كيسان عن الزهري قال قال عروة لم يسم من أهل الإفك أيضا غير عبد الله بن أبي إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى انتهى والعصبة من ثلاثة إلى عشرة وقد تطلق على الجماعة من غير حصر في عدد وزاد أبو الربيع بن سالم فيهم تبعا لأبي الخطاب بن دحية عبد الله وأبا أحمد ابنا جحش وزاد فيهم الزمخشري زيد بن رفاعة ولم أره لغيره وعند بن مردويه من طريق بن سيرين حلف أبو بكر أن لا ينفق على يتيمين كانا عنده خاضا في أمر عائشة أحدهما مسطح انتهى ولم أقف على تسمية رفيق مسطح وأما القول فوقع في حديث بن عمر فقال عبد الله بن أبي فجربها ورب الكعبة وأعانه على ذلك جماعة وشاع ذلك في العسكر وفي مرسل سعيد بن جبير وقذفها عبد الله بن أبي فقال ما برئت عائشة من صفوان ولا بريء منها وخاض بعضهم وبعضهم أعجبه قوله وكان الذي تولى كبره أي تصدى لذلك وتقلده وكبره أي كبر الإفك وكبر الشيء معظمه وهو قراءة الجمهور بكسر الكاف وقرأ حميد الأعرج بضمها قال الفراء وهي قراءة جيدة في العربية وقيل المعنى الذي تولى أئمة قوله عبد الله بن أبي تقدمت ترجمته في تفسير سورة براءة وقد بينت قوله في ذلك من قبل وقد اقتصر بعضهم من قصة الإفك على هذه القصة كما تقدم في الباب الذي قبل هذا وسيأتي بعد أربعة أبواب نقل الخلاف في المراد بالذي تولى كبره في الآية ووقع في المغازي من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة قال أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره بضم أوله وكسر القاف ويستمعه ويستوشيه بمهملة ثم معجمة أي يستخرجه بالبحث عنه والتفتيش ومنهم من ضبطه يقره بفتح أوله وضم القاف وفي رواية بن إسحاق وكان الذي تولى كبر ذلك عبد الله بن أبي في رجال من الخزرج قوله فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وفي رواية بن إسحاق وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي ولا يذكرون لي شيئا من ذلك وفيها أنها مرضت بضعا وعشرين ليلة وهذا فيه رد على ما وقع في مرسل مقاتل بن حيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قول أهل الإفك وكان شديد الغيرة قال لا تدخل عائشة رحلي فخرجت تبكي حتى أتت أباها فقال أنا أحق أن أخرجك فانطلقت تجول لا يؤويها أحد حتى أنزل الله عذرها وإنما ذكرته مع ظهور نكارته لا يراد الحاكم له في الأكليل وتبعه بعض من تأخر غير متأمل لما فيه من النكارة والمخالفة للحديث الصحيح من عدة أوجه فهو باطل ووقع في حديث بن عمر فشاع ذلك في العسكر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة أشاع عبد الله بن أبي ذلك في الناس فاشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله والناس يفيضون بضم أوله أي يخوضون من أفاض في قول إذا أكثر منه قوله وهو يريني في وجعي بفتح أوله من الريب ويجوز الضم من الرباعي يقال رأبه وأرابه وقد تقدم تقريبا قوله اللطف بضم أوله وسكون ثانيه وبفتحهما لغتان والمراد الرفق ووقع في رواية بن إسحاق أنكرت بعض لطفه قوله الذي كنت أرى منه حين أشتكى أي حين أمرض قوله إنما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم وفي رواية بن إسحاق فكان إذا دخل قال لامي وهي تمرضني كيف تيكم بالمثناة المكسورة وهي للمؤنث مثل ذاكم للمذكر واستدلت عائشة بهذه الحالة على أنها استشعرت منه بعض جفاء ولكنها لما لم تكن تدري السبب لم تبالغ في التنقيب عن ذلك حتى عرفته ووقع في رواية أبي أويس إلا أنه يقول وهو مار كيف تيكم ولا يدخل عندي ولا يعودني ويسأل عني أهل البيت وفي حديث بن عمر وكنت أرى منه جفوة ولا أدري من أي شيء قوله نقهت بفتح القاف وقد تكسر والأول أشهر والناقه بكسر القاف الذي أفاق من مرضه ولم تتكامل صحته وقيل إن الذي بكسر القاف بمعنى فهمت لكنه هنا لا يتوجه لأنها ما فهمت ذلك إلا فيما بعد وقد أطلق الجوهري وغيره أنه بفتح القاف وكسرها لغتان في برأ من المرض وهو قريب العهد لم يرجع إليه كمال صحته قوله فخرجت مع أم مسطح في رواية أبي أويس فقلت يا أم مسطح خذي الإداوة فاملئيها ماء فاذهبي بنا إلى المناصع قوله قبل المناصع أي جهتها تقدم شرحه في أوائل كتاب الوضوء وأن المناصع صعيد أفيح خارج المدينة قوله متبرزنا بفتح الراء قبل الزاي موضع التبرز وهو الخروج إلى البراز وهو الفضاء وكله كناية عن الخروج إلى قضاء الحاجة والكنف بضمتين جمع كنيف وهو الساتر والمراد به هنا المكان المتخذ لقضاء الحاجة وفي رواية بن إسحاق الكنف التي يتخذها الأعاجم قوله وأمرنا أمر العرب الأول بضم الهمزة وتخفيف الراء صفة العرب وبفتح الهمزة وتشديد الراء صفة الأمر قال النووي كلاهما صحيح تريد أنهم لم يتخلقوا بأخلاق العجم قلت ضبطه بن الحاجب بالوجه الثاني وصرح بمنع وصف الجمع باللفظ الأول ثم قال إن ثبتت الرواية خرجت على أن العرب اسم جمع تحته جموع فتصير مفردة بهذا التقدير قوله في التبرز قبل الغائط في رواية فليح في البرية بفتح الموحدة وتشديد الراء ثم التحتانية أو في التنزه بمثناة ثم نون ثم زاي ثقيلة هكذا على الشك والتنزه طلب النزاهة والمراد البعد عن البيوت قوله فانطلقت أنا وأم مسطح بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء بعدها حاء مهملات قيل اسمها سلمى وفيه نظر لأن سلمى اسم أم أبي بكر ثم ظهر لي أن لا وهم فيه فإن أم أبي بكر خالتها فسميت باسمها قوله وهي بنت أبي رهم بضم الراء وسكون الهاء قوله بن عبد مناف كذا هنا ولم ينسبه فليح وفي رواية صالح بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وهو الصواب واسم أبي رهم أنيس قوله وأمها بنت صخر بن عامر أي بن كعب بن سعد بن تيم من رهط أبي بكر قوله خالة أبي بكر الصديق اسمها رائطة حكاه أبو نعيم قوله وابنها مسطح بن أثاثة بضم الهمزة ومثلثتين الأولى خفيفة بينهما ألف بن عباد بن المطلب فهو المطلبي من أبيه وأمه والمسطح عود من أعواد الخباء وهو لقب واسمه عوف وقيل عامر والأول هو المعتمد وقد أخرج الحاكم من حديث بن عباس قال قال أبو بكر يعاتب مسطحا في قصة عائشة يا عوف ويحك هل لا قلت عارفة من الكلام ولم تبتغ به طعما وكان هو وأمه من المهاجرين الأولين وكان أبوه مات وهو صغير فكفله أبو بكر لقرابة أم مسطح منه وكانت وفاة مسطح سنة أربع وثلاثين وقيل سنة سبع وثلاثين بعد أن شهد صفين مع على قوله فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا فعثرت بالمهملة والمثلثة أم مسطح في مرطها بكسر الميم وفي رواية مقسم عن عائشة أنها وطئت على عظم أو شوكة وهذا ظاهره أنها عثرت بعد أن قضت عائشة حاجتها ثم أخبرتها الخبر بعد ذلك لكني في رواية هشام بن عروة الآتية قريبا أنها عثرت قبل أن تقضي عائشة حاجتها وأنها لما أخبرتها الخبر رجعت كأن الذي خرجت له لا تجد منه لا قليلا ولا كثيرا وكذا وقع في رواية بن إسحاق قالت فوالله ما قدرت أن أقضي حاجتي وفي رواية بن أويس فذهب عني ما كنت أجد من الغائط ورجعت عودي على بدئي وفي حديث بن عمر فأخذتني الحمى وتقلص ما كان مني ويجمع بينهما بأن معنى قولها وقد فرغنا من شأننا أي من شأن المسير لاقضاء الحاجه قوله فقالت تعس مسطح بفتح المثناة وكسر العين المهملة وبفتحها أيضا بعدها سين مهملة أي كب لوجهه أو هلك ولزمه الشر أو بعد أقوال وقد تقدم شرحها أيضا في الجهاد قوله فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا في رواية هشام بن عروة أنها عثرت ثلاث مرات كل ذلك تقول تعس مسطح وأن عائشة تقول لها أي أم أتسبين ابنك وأنها انتهرتها في الثالثة فقالت والله ما أسبه إلا فيك وعند الطبراني فقلت أتسبين ابنك وهو من المهاجرين الأولين وفي رواية بن حاطب عن علقمة بن وقاص فقلت أتقولين هذا لابنك وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت مرتين فأعدت عليها فحدثتني بالخبر فذهب عني الذي خرجت له حتى ما أجد منه شيئا قال أبو محمد بن أبي جمرة يحتمل أن يكون قول أم مسطح هذا عمدا لتتوصل إلى إخبار عائشة بما قيل فيها وهي غافلة ويحتمل أن يكون اتفاقا أجراه الله على لسانها لتستيقظ عائشة من غفلتها عما قيل فيها قوله قالت أي هنتاه أي حرف نداء للبعيد وقد يستعمل للقريب حيث ينزل منه منزل البعيد والنكتة فيه هنا أن أم مسطح نسبت عائشة إلى الغفلة عما قيل فيها لإنكارها سب مسطح فخاطبتها خطاب البعيد وهنتاه بفتح الهاء وسكون النون وقد تفتح بعدها مثناة وآخره هاء ساكنة وقد تضم أي هذه وقيل امرأة وقيل بلهى كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وهذه اللفظة تختص بالنداء وهي عبارة عن كل نكرة وإذا خوطب المذكر قيل ياهنة وقد تشبع النون فيقال يا هناه وحكى بعضهم تشديد النون فيه وأنكره الأزهري قوله قالت قلت وما قال في رواية أبي أويس فقالت لها إنك لغافلة عما يقول الناس وفيها أن مسطحا وفلانا وفلانا يجتمعون في بيت عبد الله بن أبي يتحدثون عنك وعن صفوان يرمونك به وفي رواية مقسم عن عائشة أشهد إنك من الغافلات المؤمنات وفي رواية هشام بن عروة الآتيه فنقرت لي الحديث وهي بنون وقاف ثقيلة أي شرحته ولبعضهم بموحدة وقاف خفيفة أي أعلمتنيه قوله فازددت مرضا على مرضي عند سعيد بن منصور من مرسل أبي صالح فقالت وما تدرين ما قال قالت لا والله فأخبرتها بما خاض فيه الناس فأخذتها الحمى وعند الطبراني بإسناد صحيح عن أيوب عن بن أبي مليكة عن عائشة قالت لما بلغني ما تكلموا به هممت أن آتي قليبا فأطرح نفسي فيه وأخرجه أبو عوانة أيضا قوله فلما رجعت إلى بيتي ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية معمر فدخل قيل الفاء زائدة والأولى أن في الكلام حذفا تقديره فلما دخلت بيتي استقريت فيه فدخل قوله فقلت أتأذن لي أن آتي أبوي في رواية هشام بن عروة المعلقة فقلت أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام وسيأتي نحوه موصولا في الاعتصام ولم أقف على اسم هذا الغلام قوله فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس قالت يا بنية هوني عليك في رواية هشام بن عروة فقالت يا بنية خففي عليك الشأن قوله وضيئة بوزن عظيمة من الوضاءة أي حسنة جميلة وعند مسلم من رواية بن ماهان حظية بمهملة ثم معجمة من الحظوة أي رفيعة المنزلة وفي رواية هشام ما كانت امرأة حسناء قوله ضرائر جمع ضرة وقيل للزوجات ضرائر لأن كل واحدة يحصل لها الضرر من الأخرى بالغيرة قوله أكثرن عليها في رواية الكشميهني كثرن بالتشديد أي القول في عيبها وفي رواية بن حاطب لقلما أحب رجل امرأته إلا قالوا لها نحو ذلك وفي رواية هشام إلا حسدنها وقيل فيها وفي هذا الكلام من فطنة أمها وحسن تأتيها في تربيتها ما لا مزيد عليه فإنها علمت أن ذلك يعظم عليها فهونت عليها الأمر بإعلامها بأنها لم تنفرد بذلك لأن المرء يتأسى بغيره فيما يقع له وأدمجت في ذلك ما تطيب به خاطرها من أنها فائقة في الجمال والحظوة وذلك مما يعجب المرأة أن توصف به مع ما فيه من الإشارة إلى ما وقع من حمنة بنت جحش وأن الحامل لها على ذلك كون عائشة ضرة أختها زينب بنت جحش وعرف من هذا أن الاستثناء في قولها إلا أكثرن عليها متصل لأنها لم تقصد قصتها بعينها بل ذكرت شأن الضرائر وأما ضرائرها هي فإنهن وإن كن لم يصدر منهن في حقها شيء مما يصدر من الضرائر لكن لم يعدم ذلك ممن هو منهن بسبيل كما وقع من حمنة لأن ورع أختها منعها من القول في عائشة كما منع بقية أمهات المؤمنات وإنما اختصت زينب بالذكر لأنها التي كانت تضاهي عائشة في المنزلة قوله فقلت سبحان الله أو لقد تحدث الناس بهذا زاد الطبري من طريق معمر عن الزهري وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت نعم وفي رواية هشام فقلت وقد علم به أبي قالت نعم قلت ورسول الله قلت نعم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية بن إسحاق فقلت لأمي غفر الله لك يتحدث الناس بهذا ولا تذكرين لي وفي رواية بن حاطب عن علقمة ورجعت إلى أبوي فقلت أما اتقيتما الله في وما وصلتما رحمي يتحدث الناس بهذا ولم تعلماني وفي رواية هشام بن عروة فاستعبرت فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فقال لأمي ما شأنها فقالت بلغها الذي ذكر من شأنها ففاضت عيناه فقال أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك فرجعت وفي رواية معمر عند الطبراني فقالت أمي لم تكن علمت ما قيل لها فأكبت تبكي ساعة ثم قال اسكتي يا بنية قوله فقل
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز الحديث عن جماعة ملفقا مجملا وقد تقدم البحث فيه وفيه مشروعية القرعة حتى بين النساء وفي المسافرة بهن والسفر بالنساء حتى في الغزو وجواز حكاية ما وقع للمرء من الفضل ولو كان فيه مدح ناس وذم ناس إذا تضمن ذلك إزلة توهم النقص عن الحاكي إذا كان بريئا عند قصد نصح من يبلغه ذلك لئلا يقع فيما وقع فيه من سبق وإن الاعتناء بالسلامة من وقوع الغير في الإثم أولى من تركه يقع في الإثم وتحصيل الأجر للموقوع فيه وفيه استعمال التوطئة فيما يحتاج إليه من الكلام وأن الهودج يقوم مقام البيت في حجب المرأة وجواز ركوب المرأة الهودج على ظهر البعير ولو كان ذلك مما يشق عليه حيث يكون مطيقا لذلك وفيه خدمة الأجانب للمرأة من وراء الحجاب وجواز تستر المرأة بالشيء المنفصل عن البدن وتوجه المرأة لقضاء حاجتها وحدها وبغير إذن خاص من زوجها بل اعتمادا على الأذن العام المستند إلى العرف العام وجواز تحلى المرأة في السفر بالقلادة ونحوها وصيانة المال ولو قل للنهي عن إضاعة المال فإن عقد عائشة لم يكن من ذهب ولا جوهر وفيه شؤم الحرص على المال لأنها لو لم تطل في التفتيش لرجعت بسرعة فلما زاد على قدر الحاجة أثر ما جرى وقريب منه قصة المتخاصمين حيث رفع علم ليلة القدر بسببهما فإنهما لم يقتصرا على ما لا بد منه بل زاد في الخصام حتى ارتفعت أصواتهما فأثر ذلك بالرفع المذكور وتوقف رحيل العسكر على إذن الأمير واستعمال بعض الجيش ساقه يكون أمينا ليحمل الضعيف ويحفظ ما يسقط وغير ذلك من المصالح والاسترجاع عند المصيبة وتغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي وإطلاق الظن على العلم كذا قيل وفيه نظر قدمته وإغاثة الملهوف وعون المنقطع وإنقاذ الضائع وإكرام ذوي القدر وإيثارهم بالركوب وتجشم المشقة لأجل ذلك وحسن الأدب مع الأجانب خصوصا النساء لا سيما في الخلوة والمشي أمام المرأة ليستقر خاطرها وتأمن مما يتوهم من نظره لما عساه ينكشف منها في حركة المشي وفيه ملاطفة الزوجة وحسن معاشرتها والتقصير من ذلك عند إشاعة ما يقتضي النقص وإن لم يتحقق وفائدة ذلك أن تتفطن لتغيير الحال فتعتذر أو تعترف وأنه لا ينبغي لأهل المريض أن يعلموه بما يؤذي باطنه لئلا يزيد ذلك في مرضه وفيه السؤال عن المريض وإشارة إلى مراتب الهجران بالكلام والملاطفة فإذا كان السبب محققا فيترك أصلا وإن كان مظنونا فيخفف وإن كان مشكوكا فيه أو محتملا فيحسن التقليل منه لا للعمل بما قيل بل لئلا يظن بصاحبه عدم المبالاة بما قيل في حقه لأن ذلك من خوارم المروءة وفيه أن المرأة إذا خرجت لحاجة تستصحب من يؤنسها أو يخدمها ممن يؤمن عليها وفيه ذب المسلم عن المسلم خصوصا من كان من أهل الفضل وردع من يؤذيهم ولو كان منهم بسبيل وبيان مزيد فضيلة أهل بدر وإطلاق السب على لفظ الدعاء بالسوء على الشخص وفيه البحث عن الأمر القبيح إذا أشيع وتعرف صحته وفساده بالتنقيب على من قيل فيه هل وقع منه قبل ذلك ما يشبهه أو يقرب منه واستصحاب حال من أتهم بسوء إذا كان قبل ذلك معروفا بالخير إذا لم يظهر عنه بالبحث ما يخالف ذلك وفيه فضيلة قوية لأم مسطح لأنهالم تحاب ولدها في وقوعه في حق عائشة بل تعمدت سبه على ذلك وفيه تقوية لأحد الاحتمالين في قوله صلى الله عليه وسلم عن أهل بدر إن الله قال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وأن الراجح أن المراد بذلك أن الذنوب تقع منهم لكنها مقرونة بالمغفرة تفضيلا لهم على غيرهم بسبب ذلك المشهد العظيم ومرجوحية القول الآخر أن المراد أن الله تعالى عصمهم فلا يقع منهم ذنب نبه على ذلك الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به وفيه مشروعية التسبيح عند سماع ما يعتقد السامع أنه كذب وتوجيهه هنا أنه سبحانه وتعالى ينزه أن يحصل لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدنيس فيشرع شكره بالتنزيه في مثل هذا نبه عليه أبو بكر بن العربي وفيه توقف خروج المرأة من بيتها على إذن زوجها ولو كانت إلى بيت أبويها وفيه البحث عن الأمر المقول ممن يدل عليه المقول فيه والتوقف في خير الواحد ولو كان صادقا وطلب الارتقاء من مرتبة الظن إلى مرتبة اليقين وأن خبر الواحد إذا جاء شيئا بعد شيء أفاد القطع لقول عائشة لأستيقن الخبر من قبلهما وأن ذلك لا يتوقف على عدد معين وفيه استشارة المرء أهل بطانته ممن يلوذ به بقرابة وغيرها وتخصيص من جربت صحة رأيه منهم بذلك ولو كان غيره أقرب والبحث عن حال من اتهم بشيء وحكاية ذلك للكشف عن أمره ولا يعد ذلك غيبة وفيه استعمال لا نعلم إلا خيرا في التزكية وأن ذلك كاف في حق من سبقت عدالته ممن يطلع على خفي أمره وفيه التثبت في الشهادة وفطنة الإمام عند الحادث المهم والاستنصار بالاخصاء على الأجانب وتوطئة العذر لمن يراد إيقاع العقاب به أو العتاب له واستشارة الأعلى لمن هو دونه واستخدام من ليس في الرق وأن من استفسر عن حال شخص فأراد بيان ما فيه من عيب فليقدم ذكر عذره في ذلك إن كان يعلمه كما قالت بريرة في عائشة حيث عاتبها بالنوم عن العجين فقدمت قبل ذلك أنها جارية حديثه السن وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجزم في القصة بشيء قبل نزول الوحي نبه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به وأن الحمية لله ورسوله لا تذم وفيه فضائل جمة لعائشة ولأبويها ولصفوان ولعلى بن أبي طالب وأسامة وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وفيه أن التعصب لأهل الباطل يخرج عن اسم الصلاح وجواز سب من يتعرض للباطل ونسبته إلى ما يسوءه وإن لم يكن ذلك في الحقيقة فيه لكن إذا وقع منه ما يشبه ذلك جاز إطلاق ذلك عليه تغليظا له وإطلاق الكذب على الخطأ والقسم بلفظ لعمر الله وفيه الندب إلى قطع الخصومة وتسكين ثائرة الفتنة وسد ذريعة ذلك واحتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما وفضل احتمال الأذى وفيه مباعدة من خالف الرسول ولو كان قريبا حميما وفيه أن من آذى النبي صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل يقتل لأن سعد بن معاذ أطلق ذلك ولم ينكره النبي عليه وسلم وفيه مساعدة من نزلت فيه بلية بالتوجع والبكاء والحزن وفيه تثبت أبي بكر الصديق في الأمور لأنه لم ينقل عنه في هذه القصة مع تمادي الحال فيها شهرا كلمة فما فوقها إلا ما ورد عنه في بعض طرق الحديث أنه قال والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية فكيف بعد أن أعزانا الله بالإسلام وقع ذلك في حديث بن عمر عند الطبراني وفيه ابتداء الكلام في الأمر المهم بالتشهد والحمد والثناء وقول أما بعد وتوقيف من نقل عنه ذنب على ما قيل فيه بعد البحث عنه وأن قول كذا وكذا يكنى بها عن الأحوال كما يكنى بها عن الأعداد ولا تختص بالأعداد وفيه مشروعية التوبة وأنها تقبل من المعترف المقلع المخلص وأن مجرد الاعتراف لا يجزئ فيها وأن الاعتراف بما لم يقع لا يجوز ولو عرف أنه يصدق في ذلك ولا يؤاخذ على ما يترتب على اعترافه بل عليه أن يقول الحق أو يسكت وأن الصبر يحمد عاقبته ويغبط صاحبه وفيه تقديم الكبير في الكلام وتوقف من اشتبه عليه الأمر في الكلام وفيه تبشير من تجددت له نعمة أو اندفعت عنه نقمة وفيه الضحك والفرح والاستبشار عند ذلك ومعذرة من انزعج عند وقوع الشدة لصغر سن ونحوه وإدلال المرأة على زوجها وأبويها وتدريج من وقع في مصيبة فزالت عنه لئلا يهجم على قلبه الفرح من أول وهله فيهلكه يؤخذ ذلك من ابتداء النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي ببراءة عائشة بالضحك ثم تبشيرها ثم إعلامها ببراءتها مجملة ثم تلاوته الآيات على وجهها وقد نص الحكماء على أن من أشتد عليه العطش لا يمكن من المبالغة في الري في الماء لئلا يفضي به ذلك إلى الهلكة بل يجرع قليلا قليلا وفيه أن الشدة إذا اشتدت أعقبها الفرج وفضل من يفوض الأمر لربه وأن من قوي على ذلك خف عنه الهم والغم كما وقع في حالتي عائشة قبل استفسارها عن حالها وبعد جوابها بقولها والله المستعان وفيه الحث على الإنفاق في سبيل الخير خصوصا في صلة الرحم ووقوع المغفرة لمن أحسن إلى من أساء إليه أو صفح عنه وأن من حلف أن لا يفعل شيئا من الخير استحب له الخنث وجواز الاستشهاد بآي القرآن في النوازل والتأسي بما وقع للأكابر من الأنبياء وغيرهم وفيه التسبيح عند التعجب واستعظام الأمر وذم الغيبة وذم سماعها وزجر من يتعاطاها لا سيما إن تضمنت تهمة المؤمن بما لم يقع منه وذم إشاعة الفاحشة وتحريم الشك في براءة عائشة وفيه تأخير الحد عمن يخشى من إيقاعه به الفتنة نبه على ذلك بن بطال مستندا إلى أن عبد الله بن أبي كان ممن قذف عائشة ولم يقع في الحديث أنه ممن حد وتعقبه عياض بأنه لم يثبت أنه قذف بل الذي ثبت أنه كان يستخرجه ويستوشيه قلت وقد ورد أنه قذف صريحا ووقع ذلك في مرسل سعيد بن جبير عند بن أبي حاتم وغيره وفي مرسل مقاتل بن حيان عند الحاكم في الأكليل بلفظ فرماها عبد الله بن أبي وفي حديث بن عمر عند الطبراني بلفظ أشنع من ذلك وورد أيضا أنه ممن جلد الحد وقع ذلك في رواية أبي أويس عن الحسن بن زيد وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهما مرسلا أخرجه الحاكم في الأكليل فإن ثبتا سقط السؤال وإن لم يثبتا فالقول ما قال عياض فإنه لم يثبت خبر بأنه قذف صريحا ثم لم يحد وقد حكى الماوردي إنكار وقوع الحد بالذين قذفوا عائشة أصلا كما تقدم واعتل قائله بأن حد القذف لا يجب إلا بقيام بينة أو إقرار وزاد غيره أو بطلب المقذوف قال ولم ينقل ذلك كذا قال وفيه نظر يأتي إيضاحه في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى واستدل به أبو على الكرابيسي صاحب الشافعي في كتاب القضاء على منع الحكم حالة الغضب لما بدا من سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة من قول بعضهم لبعض حالة الغضب حتى كادوا يقتتلون قال فإن الغضب يخرج الحليم المتقي إلى ما لا يليق به فقد أخرج الغضب قوما من خيار هذه الأمة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مالا يشك أحد من الصحابة أنها منهم زلة إلى آخر كلامه في ذلك وهذه مسألة نقل بعض المتأخرين فيها رواية عن أحمد ولم تثبت وسيأتي القول فيها في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى ويؤخذ من سياق عائشة رضي الله عنها جميع قصتها المشتملة على براءتها بيان ما أجمل في الكتاب والسنة لسياق أسباب ذلك وتسمية من يعرف من أصحاب القصص لما في ضمن ذلك من الفوائد الأحكامية والآدابية وغير ذلك وبذلك يعرف قصور من قال براءة عائشة ثابتة بصريح القرآن في فائدة لسياق قصتها

قوله باب قوله ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم في رواية أبي ذر بعد قوله أفضتم فيه الآية قوله أفضتم قلتم ثبت هذا لأبي نعيم في رواية المستخرج وقال أبو عبيدة في قوله أفضتم أي خضتم فيه قوله تفيضون فيه تقولون هو قول أبي عبيدة قوله وقال مجاهد تلقونه يرويه بعضكم عن بعض وصله الفريابي من طريقه وقال معناه من النلقي للشيء وهو أخذه وقبوله وهو على القراءة المشهورة وبذلك جزم أبو عبيدة وغيره وتلقونه بحذف إحدى التاءين وقرأ بن مسعود بإثباتها وقراءة عائشة ويحيى بن يعمر تلقونه بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق بسكون اللام وهو الكذب وقال الفراء الولق الاستمرار في السير وفي الكذب ويقال الذي أدمن الكذب الألق بسكون اللام وبفتحها أيضا وقال الخليل أصل الولق الإسراع ومنه جاءت الإبل تلق وقد تقدم في غزوة المريسيع التصريح بأن عائشة قرأته كذلك وأن بن أبي مليكة قال هي أعلم من غيرها بذلك لكونه نزل فيها وقد تقدم فيه أيضا الكلام على إسناد حديث أم رومان المذكور في هذا الباب والمذكور هنا طرف من حديثها وقد تقدم بتمامه هناك وتقدم شرحه مستوفى في الباب الذي قبله في أثناء حديث عائشة وقال الإسماعيلي هذا الذي ذكره من حديث أم رومان لا يتعلق بالترجمة وهو كما قال إلا أن الجامع بينهما قصة الإفك في الجملة وقوله في هذه الرواية حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان عن حصين كذا للأكثر وسليمان هو بن كثير أخو محمد الراوي عنه وللأصيلي عن الجرجاني سفيان بدل سليمان قال أبو على الجياني هو خطأ والصواب سليمان وهو كما قال

قوله باب إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى عظيم وقد ذكرت ما فيه في الذي قبله قوله باب ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى عظيم قوله لجى اللجة معظم البحر ثبت هذا لأبي نعيم في المستخرج وهو قول أبي عبيدة قال في قوله في بحر لجى يضاف إلى اللجة وهي معظم البحر تنبيه ينبغي أن يكون هذا في أثناء التفاسير المذكورة في أول السورة وأما خصوص هذا الباب فلا تعلق له بها

[ 4476 ] قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان قوله وهي مغلوبة أي من شدة كرب الموت قوله قالت أخشى أن يثني على فقيل بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن القائل فهم عنا أنها تمنعه من الدخول للمعنى الذي ذكرته فذكرها بمنزلته والذي راجع عائشة في ذلك هو بن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن والذي أستأذن لابن عباس على عائشة حينئذ هو ذكوان مولاها وقد بين ذلك كله أحمد وابن سعد من طريق عبد الله بن عثمان هو بن خثيم عن بن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت فذكر الحديث وفيه فقال لها عبد الله يا أمتاه إن بن عباس من صالح بيتك يسلم عليك ويودعك قالت ائذن له إن شئت وادعى بعض الشراح أن هذا يدل على أن رواية البخاري مرسلة قال لأن بن أبي مليكة لم يشهد ذلك ولا سمعه من بن عباس حال قوله لعائشة لعدم حضوره انتهى وما أدرى من أين له الجزم بعدم حضوره وسماعه وما المانع من ذلك ولعله حضر جميع ذلك وطال عهده به فذكره به ذكوان أو أن ذكوان ضبط منه ما لم يضبطه هو ولهذا وقع في رواية ذكوان ما لم يقع في رواية بن أبي مليكة قوله كيف تجدينك في رواية بن ذكوان فلما جلس قال أبشري قالت وأيضا قال ما بينك وبين أن تلقى محمدا والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد قوله بخير إن اتقيت أي إن كنت من أهل التقوى ووقع في رواية الكشميهني أبقيت قوله فأنت بخير إن شاء الله تعالى زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكح بكرا غيرك في رواية ذكوان كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يحب إلا طيبا قوله ونزل عذرك من السماء يشير إلى قصة الإفك ووقع في رواية ذكوان وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات جاء به الروح الأمين فليس في الأرض مسجد إلا وهو يتلى فيه أناء الليل وأطراف النهار وزاد في آخره وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فنزل التيمم فوالله إنك لمباركة ولأحمد من طريق أخرى فيها رجل لم يسم عن بن عباس أنه قال لها أنها سميت أم المؤمنين لتسعدي وإنه لاسمك قبل أن تولدي وأخرجه بن سعد من طريق عبد الرحمن بن سابط عن بن عباس مثله قوله ودخل بن الزبير خلافه أي على عائشة بعد أن خرج بن عباس فتخالفا في الدخول والخروج ذهابا وإيابا وافق رجوع بن عباس مجيء بن الزبير قوله وددت الخ هو على عادة أهل الورع في شدة الخوف على أنفسهم ووقع في رواية ذكوان أنها قالت لابن عباس هذا الكلام قبل أن يقوم ولفظه فقالت دعني منك يا بن عباس فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا تنبيه لم يذكر هنا خصوص ما يتعلق بالآية التي ذكرها في الترجمة صريحا وأن كان داخلا في عموم قول بن عباس نزل عذرك من السماء فإن هذه الآية من أعظم ما يتعلق بإقامة عذرها وبراءتها رضي الله عنها وسيأتي في الاعتصام من طريق هشام بن عروة وقال رجل من الأنصار سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك الآية وسأذكر تسميته هناك إن شاء الله تعالى قوله حدثنا بن عون هو عبد الله عن القاسم هو بن محمد بن أبي بكر قوله ان بن عباس رضي الله عنه استأذن على عائشة نحوه في رواية الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف وغيره عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه فذكر معناه قال المزي في الأطراف يعني قوله أنت زوجة رسول الله ونزل عذرك قلت وقد أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرج من طريق حماد بن زيد عن عبد الله بن عون ولفظه عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها اشتكت فاستأذن بن عباس عليها واتاها يعودها فقالت الآن يدخل علي فيزكيني فأذنت له فقال أبشري يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق وتقدمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر قالت أعوذ بالله أن تزكيني وقد تقدم في مناقب عائشة عن محمد بن بشار عن عبد الوهاب بإسناد الباب بلفظ أن عائشة اشتكت فجاء بن عباس فقال يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فالذي يظهر أن رواية عبد الوهاب مختصرة وكأن المراد بقوله نحوه ومعناه بعض الحديث لا جميع تفاصيله ثم راجعت مستخرج الإسماعيلي فظهر لي أن محمد بن المثنى هو الذي اختصره لا البخاري لأنه صرح بأنه لا يحفظ حديث بن عون وأنه كان سمعه ثم نسيه فكان إذا حدث به يختصره وكان يتحقق قولها نسيا منسيا لم يقع في رواية بن عون وإنما وقعت في رواية بن أبي مليكة وأخرج ذلك الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه عن محمد بن المثنى وأخرجه من طريق حماد بن زيد عن عبد الله بن عون فساقه بتمامه كما بينته فهذا الذي أشار إليه بن المثنى والله أعلم وفي هذه القصة دلالة على سعة علم بن عباس وعظيم منزلته بين الصحابة والتابعين وتواضع عائشة وفضلها وتشديدها في أمر دينها وأن الصحابة كانوا لا يدخلون على أمهات المؤمنين إلا بإذن ومشورة الصغير على الكبير إذا رآه عدل إلى ما الأولي خلافه والتنبيه على رعاية جانب الأكابر من أهل العلم والدين وأن لا يترك ما يستحقونه من ذلك لمعارض دون ذلك في المصلحة

قوله باب يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا الآية سقط لغير أبي ذر لفظ الآية

[ 4477 ] قوله عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء حسان بن ثابت يستأذن عليها فيه التفات من المخاطبة إلى الغيبة وفي رواية مؤمل عن سفيان عند الإسماعيلي كنت عند عائشة فدخل حسان فأمرت فألقيت له وسادة فلما خرج قلت أتأذنين لهذا قوله قلت أتأذنين لهذا في رواية مؤمل ما تصنعين بهذا وفي رواية شعبة في الباب الذي يليه تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد نزل الله والذي تولى كبره منهم وهذا مشكل لأن ظاهره أن المراد بقوله والذي تولى كبره منهم هو حسان بن ثابت وقد تقدم قبل هذا أنه عبد الله بن أبي وهو المعتمد وقد وقع في رواية أبي حذيفة عن سفيان الثوري عند أبي نعيم في المستخرج وهو ممن تولى كبره فهذه الرواية أخف إشكالا قوله قالت أو ليس قد أصابه عذاب عظيم في رواية شعبة قالت وأي عذاب أشد من العمى قوله قال سفيان تعني ذهاب بصره زاد أبو حذيفة وإقامة الحدود ووقع بعد هذا الباب في رواية شعبة تصريح عائشة بصفة العذاب دون رواية سفيان ولهذا أحتاج أن يقول تعني وسفيان المذكور هو الثوري والراوي عنه الفريابي وقد روى البخاري عن محمد بن يوسف عن الأعمش شيئا غير هذا ومحمد بن يوسف فيه هو البيكندي وسفيان هو بن عيينة بخلاف الذي هنا ووقع عند الإسماعيلي التصريح بأن سفيان هنا هو الثوري ومحمد بن يوسف هو الفريابي

[ 4478 ] قوله فشبب بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة أي تغزل يقال شبب الشاعر بفلانة أي عرض بحبها وذكر حسنها والمراد ترقيق الشعر بذكر النساء وقد يطلق على إنشاد الشعر وإنشائه ولم يكن فيه غزل كما وقع في حديث أم معبد فلما سمع حسان شعر الهاتف شبب يجاريه أخذ في نظم جوابه قوله حصان بفتح المهملة قال السهيلي هذا الوزن يكثر في أوصاف المؤنث وفي الإعلام منها كأنهم قصدوا بتوالي الفتحات مشاكلة خفة اللفظ لخفة المعنى حصان من الحصين والتحصين يراد به الامتناع على الرجال ومن نظرهم إليها وقوله رزان من الرزانة يراد قلة الحركة وتزن بضم أوله ثم زاي ثم نون ثقيلة أي ترمي وقوله غرثى بفتح المعجمة وسكون الراء ثم مثلثة أي خميصة البطن أي لا تغتاب أحدا وهي استعارة فيها تلميح بقوله تعالى في المغتاب أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا والغوافل جمع غافلة وهي العفيفة الغافلة عن الشر والمراد تبرئتها من اغتياب الناس بأكل لحومهم من الغيبة ومناسبة تسمية الغيبة بأكل اللحم أن اللحم ستر على العظم فكأن المغتاب يكشف ما على من اغتابه من ستر وزاد بن هشام في السيرة في هذا الشعر على أبي زيد الأنصاري عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدهم غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل سوء وباطل وفيه عن بن إسحاق فان كنت قد قلت الذي زعموا لكم فلا رفعت سوطي إلي أناملي فكيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافل وزاد فيه الحاكم في رواية له من غير رواية بن إسحاق حليلة خير الخلق دينا ومنصبا نبي الهدى والمكرمات الفواضل رأيتك وليغفر لك الله حرة من المحصنات غير ذات الغوائل والخيم بكسر المعجمة وسكون التحتانية الأصل الثابت وأصله من الخيمة يقال خام يخيم إذا أقام بالمكان قوله فقالت عائشة لست كذاك ذكر بن هشام عن أبي عبيدة أن امرأة مدحت بنت حسان بن ثابت عند عائشة فقالت حصان رزان البيت فقالت عائشة لكن أبوها وهو بتخفيف النون فإن كان محفوظا أمكن تعدد القصة ويكون قوله في بعض طرق رواية مسروق يشبب ببنت له بالنون لا بالتحتانية ويكون نظم حسان في بنته لا في عائشة وإنما تمثل به لكن بقية الأبيات ظاهرة في أنها في عائشة وهذا البيت في قصيدة لحسان يقول فيها فإن كنت قد قلت الذي زعموا لكم فلا رفعت سوطي إلي أناملي وإن الذي قد قيل ليس بلائق بك الدهر بل قيل امرئ متماحل قوله قالت لكن أنت في رواية شعيب قالت لست كذاك وزاد في آخره وقالت قد كان يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم في المغازي من وجه آخر عن شعبة بلفظ أنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودل قول عائشة لكن أنت لست كذلك على أن حسان كان ممن تكلم في ذلك وهذه الزيادة الأخيرة تقدمت هناك من طريق عروة عن عائشة أتم من هذا وتقدم هناك أيضا في أثناء حديث الإفك من طريق صالح بن كيسان عن الزهري قال عروة كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء قوله باب ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ذكر فيه بعض حديث مسروق عن عائشة وقد بينت ما فيه في الباب الذي قبله وقوله في أول السند حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سليمان

كذا للأكثر غير منسوب وهو سليمان بن كثير أخو محمد الراوي عنه صرح به ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد كالجماعة وعن الجرجاني سفيان بدل سليمان قال أبو على الجياني وسليمان هو الصواب

قوله باب قوله إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا الآية إلى قوله رءوف رحيم كذا لأبي ذر وساق غيره إلى رءوف رحيم قوله تشيع تظهر ثبت هذا لأبي ذر وحده وقد وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تشيع الفاحشة تظهر يتحدث به ومن طريق سعيد بن جبير في قوله أن تشيع الفاحشة يعني أن تفشو وتظهر الفاحشة الزنا قوله ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين إلى قوله والله غفور رحيم سقط لغير أبي ذر فصارت الآيات موصولا بعضها ببعض فأما قوله ولا يأتل فقال أبو عبيدة معناه لا يفتعل من آليت أي أقسمت وله معنى آخر من ألوت أي فصرت ومنه لا يألونكم خبالا وقال الفراء الائتلاء الحلف وقرأ أهل المدينة ولا يتأل بتأخير الهمزة وتشديد اللام وهي خلاف رسم المصحف وما نسبه إلى أهل المدينة غير معروف وإنما نسبت هذه القراءة للحسن البصري وقد روى بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ولا يأتل بقول لا يقسم وهو يؤيد القراءة المذكورة

[ 4479 ] قوله وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة الخ وصله أحمد عنه بتمامه وقد ذكرت ما فيه من فائدة أثناء حديث الإفك الطويل قريبا ووقع في رواية المستملي عن الفربري حدثنا حميد بن الربيع حدثنا أبو أسامة فظن الكرماني أن البخاري وصله عن حميد بن الربيع وليس كذلك بل هو خطأ فاحش فلا يغتر به

قوله باب وليضربن بخمرهن على جيوبهن كأن يضربن ضمن معنى يلقين فلذلك عدي بعلي

[ 4480 ] قوله وقال أحمد بن شبيب بمعجمة وموحدتين وزن عظيم وهو من شيوخ البخاري إلا أنه أورد هذا عنه بهذه الصيغة وقد وصله بن المنذر عن محمد بن إسماعيل الصائغ عن أحمد بن شبيب وكذا أخرجه بن مردويه من طريق موسى بن سعيد الدنداني عن أحمد بن شبيب بن سعيد وهكذا أخرجه أبو داود والطبراني من طريق قرة بن عبد الرحمن عن الزهري مثله قوله يرحم الله نساء المهاجرات أي النساء المهاجرات فهو كقولهم شجر الأراك ولأبي داود من وجه آخر عن الزهري يرحم الله النساء المهاجرات قوله الأول بضم الهمزة وفتح الواو جمع أولى أي السابقات من المهاجرات وهذا يقتضي أن الذي صنع ذلك نساء المهاجرات لكن في رواية صفية بنت شيبة عن عائشة أن ذلك في نساء الأنصار كما سأنبه عليه قوله مروطهن جمع مرط وهو الإزار وفي الرواية الثانية أزرهن وزاد شققنها من قبل الحواشي قوله فاختمرن أي غطين وجوههن وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التمتع قال الفراء كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار والخمار للمرأة كالعمامة للرجل قوله في الرواية الثانية

[ 4481 ] عن الحسن هو بن مسلم قوله لما نزلت هذه الآية وليضربن بخمرهن على جيوبهن أخذن أزرهن هكذا وقع عند البخاري الفاعل ضميرا وأخرجه النسائي من رواية بن المبارك عن إبراهيم بن نافع بلفظ أخذ النساء وأخرجه الحاكم من طريق زيد بن الحباب عن إبراهيم بن نافع بلفظ أخذ نساء الأنصار ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفية ما يوضح ذلك ولفظه ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت إن نساء قريش لفضلاء ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل لقد أنزلت سورة النور وليضربن بخمرهن على جيوبهن فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رؤسهن الغربان ويمكن الجمع بين الروايتين بأن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك

قوله سورة الفرقان بسم الله الرحمن الرحيم وقال بن عباس هباء منثورا ما يسفى به الريح وصله بن جرير من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس مثله وزاد في آخره ويبثه ولابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال

وقال أبو عبيدة في قوله هباء منثورا هو الذي يدخل البيت من الكوة يدخل مثل الغبار مع الشمس وليس له مس ولا يرى في الظل وروى بن أبي حاتم من طريق الحسن البصري نحوه وزاد لو ذهب أحدكم يقبض عليه لم يستطع ومن طريق الحارث عن على في قوله هباء منثورا قال ما ينثر من الكوة قوله دعاؤكم إيمانكم وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مثله وقد تقدم الكلام عليه في أوائل كتاب الإيمان وثبت هذا هنا للنسفي وحده قوله مد الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مثله وعند عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة مثله وقال بن عطية تظاهرت أقوال المفسرين بهذا وفيه نظر لأنه لا خصوصية لهذا الوقت بذلك بل من بعد غروب الشمس مدة يسيرة يبقى فيها ظل ممدود مع أنه في نهار وأما سائر النهار ففيه ظلال متقطعة ثم أشار إلى اعتراض آخر وهو أن الظل إنما يقال لما يقع بالنهار قال والظل الموجود في هذين الوقتين من بقايا الليل انتهى والجواب عن الأول أنه ذكر تفسير الخصوص من سياق الآية فإن في بقيتها ثم جعلنا الشمس عليه دليلا والشمس تعقب الذي يوجد قبل طلوعها فيزيله فلهذا جعلت عليه دليلا فظهر اختصاص الوقت إلي قبل الطلوع بتفسير الآية دون الذي بعد الغروب وأما الاعتراض الثاني فساقط لأن الذي نقل أنه يطلق على ذلك ظل ثقة مثبت فهو مقدم على النافي حتى ولو كان قول النافي محققا لما أمتنع إطلاق ذلك عليه مجازا قوله ساكنا دائما وصله بن أبي حاتم من الوجه المذكور قوله عليه دليلا طلوع الشمس وصله بن أبي حاتم كذلك قوله خلفة من فاته من الليل عمل أدركه بالنهار أو وفاته بالنهار أدركه بالليل وصله بن أبي حاتم أيضا كذلك وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن نحوه قوله قال الحسن هو البصري قوله هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين في طاعة الله وصله سعيد بن منصور حدثنا جرير بن حازم سمعت الحسن وسأله رجل عن قوله هب لنا من أزواجنا ما القرة أفي الدنيا أم في الآخرة قال بل في الدنيا هي والله أن يرى العبد من ولده طاعة الله الخ وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب البر والصلة عن حزم القطعي عن الحسن وسمي الرجل السائل كثير بن زياد قوله وما شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى حبيبه في طاعة الله في رواية سعيد بن منصور أن يرى حميمه قوله وقال بن عباس ثبورا وبلا وصله بن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وثبت هذا لأبي ذر والنسفي فقط وقال أبو عبيدة في قوله دعوا هنالك ثبورا أي هلكة وقال مجاهد عتوا طغوا وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وعتوا عتوا كبيرا قال طغوا قوله وقال غيره السعير مذكر قال أبو عبيدة في قوله وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ثم قال بعده إذا رأتهم والسعير مذكر وهو ما يسعر به النار ثم أعاد الضمير للنار والعرب تفعل ذلك تظهر مذكرا من سبب مؤنث ثم يؤنثون ما بعد المذكر قوله والتسعير والاضطرام التوقد الشديد هو قول أبي عبيدة أيضا قوله أساطير تقدم في تفسير سورة الأنعام قوله تملى عليه تقرأ عليه من أمليت وأمللت قال أبو عبيدة في قوله فهي تملي عليه أي تقرأ عليه وهو من أمليت عليه وهي في موضع آخر أمللت عليه يشير إلى قوله تعالى في سورة البقرة وليملل الذي عليه الحق قوله الرس المعدن جمعه رساس قال أبو عبيدة في قوله وأصحاب الرس أي المعدن وقال الخليل الرس كل بئر تكون غير مطوية ووراء ذلك أقوال أحدها أورده بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال الرس البئر ومن طريق سفيان عن رجل عن عكرمة قال أصحاب الرس رسوا نبيهم في بئر ومن طريق سعيد عن قتادة قال حدثنا أن أصحاب الرس كانوا باليمامة ومن طريق شبيب عن عكرمة عن بن عباس في قوله وأصحاب الرس قال بئر بأذربيجان قوله ما يعبأ يقال ما عبأت به شيئا لا يعتد به قال أبو عبيدة في قوله قل ما يعبأ بكم ربي هو من قولهم ما عبأت بك شيئا أي ما عددتك شيئا تنبيه وقع في بعض الروايات تقديم وتأخير لهذه التفاسير والخطب فيها سهل قوله غراما هلاكا قال أبو عبيدة في قوله إن عذابها كان غراما أي هلاكا وإلزاما لهم ومنه رجل مغرم بالحب قوله وقال بن عيينة عاتية عتت على الخزان كذا في تفسيره وهذا في سورة الحاقة وإنما ذكره هنا استرداد لما ذكر قوله عتوا وقد تقدم ذكر هذا في قصة هود من أحاديث الأنبياء

قوله باب قوله الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله وأضل سبيلا قوله شيبان هو بن عبد الرحمن قوله إن رجلا قال يا نبي الله يحشر الكافر لم أقف على اسم السائل وسيأتي شرح الحديث مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قوله يحشر الكافر في رواية الحاكم من وجه آخر عن أنس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر أهل النار على وجوههم وفي حديث أبي هريرة عند البزار يحشر الناس على ثلاثة أصناف صنف على الدواب وصنف على أقدامهم وصنف على وجوههم فقيل فكيف يمشون على وجوههم الحديث ويؤخذ من مجموع الأحاديث أن المقربين يحشرون ركبانا ومن دونهم من المسلمين على أقدامهم وأما الكفار فيحشرون على وجوههم قوله قال قتادة بل وعزة ربنا هذه الزيادة موصولة بالإسناد المذكور قالها قتادة تصديقا لقوله أليس

قوله باب قوله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس الآية كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله أثاما قوله يلق أثاما العقوبة قال أبو عبيدة في قوله ومن يفعل ذلك يلق أثاما أي عقوبة وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يلق أثاما قال نكالا قال ويقال إنه واد في النار وهذا الأخير أخرجه بن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو وعكرمة وغيرهما

[ 4483 ] قوله حدثني منصور هو بن المعتمر وسليمان هو الأعمش عن أبي وائل عن أبي ميسرة بفتح الميم وسكون التحتانية بعدها مهملة اسمه عمرو بن شرحبيل قوله قال وحدثني واصل هو بن حبان الأسدي الكوفي ثقة من طبقة الأعمش والقائل هو سفيان الثوري وحاصله أن الحديث عنده عن ثلاثة أنفس أما اثنان منهما فأدخلا فيه بين أبي وائل وابن مسعود أبا ميسرة وأما الثالث وهو واصل فأسقطه وقد رواه عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الثلاثة عن أبي وائل عن أبي ميسرة عن بن مسعود فعدوهما والصواب إسقاط أبي ميسرة من رواية واصل كما فصله يحيى بن سعيد وقد أخرجه بن مردويه من طريق مالك بن مغول عن واصل بإسقاط أبي ميسرة أيضا وكذلك رواه شعبة ومهدي بن ميمون عن واصل وقال الدارقطني رواه أبو معاوية وأبو شهاب وشيبان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بإسقاط أبي ميسرة والصواب إثباته في رواية الأعمش وذكر رواية بن مهدي وأن محمد بن كثير وافقه عليها قال ويشبه أن يكون الثوري لما حدث به بن المهدي فجمع بين الثلاثة حمل رواية واصل عن رواية الأعمش ومنصور قوله سألت أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية قلت يا رسول الله ولأحمد من وجه آخر عن مسروق عن بن مسعود جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على نشز من الأرض وقعدت أسفل منه فاغتنمت خلوته فقلت بأبي وأمي أنت يا رسول الله أي الذنوب أكبر الحديث قوله أي الذنب عند الله أكبر في رواية مسلم أعظم قوله قلت ثم أي تقدم الكلام في ضبطها في الكلام على حديث بن مسعود أيضا في سؤاله عن أفضل الأعمال قوله ندا بكسر النون أي نظيرا قوله أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك أي من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة البخل مع الوجدان قوله أن تزاني بحليلة بالمهملة بوزن عظيمة والمراد الزوجة وهي مأخوذة من الحل لأنها تحل له فهي فعيلة بمعنى فاعلة وقيل من الحلول لأنها تحل معه ويحل معها قوله ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى ولا يزنون هكذا قال بن مسعود والقتل والزنا في الآية مطلقان وفي الحديث مقيدان أما القتل فبالولد خشية الأكل معه وأما الزنا فبزوجة الجار والاستدلال لذلك بالآية سائغ لأنها وإن وردت في مطلق الزنا والقتل لكن قتل هذا والزنا بهذه أكبر وأفحش وقد روى أحمد من حديث المقداد بن الأسود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقولون في الزنا قالوا حرام قال لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره

[ 4484 ] قوله أخبرني القاسم بن أبي بزة بفتح الموحدة وتشديد الزاي واسم أبي بزة نافع بن يسار ويقال أبو بزه جد القاسم لا أبوه مكي تابعي صغير ثقة عندهم وهو والد جد البزي المقرئ وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم وليس للقاسم في البخاري إلا هذا الحديث الواحد قوله هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة في رواية منصور عن سعيد بن جبير في آخر الباب قال لا توبة له قوله فقال سعيد أي بن جبير قرأتها على بن عباس في الرواية التي بعدها من طريق المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن قوله فدخلت فيه إلى بن عباس في رواية الكشميهني فرحلت براء وحاء مهملتين وهي أوجه قوله هذه مكية يعني نسختها آية مدنية كذا في هذه الرواية وروى بن مردويه من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال نزلت سورة النساء بعد سورة الفرقان بستة أشهر قوله في رواية غندر عن شعبة

[ 4485 ] اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن كذا وقع مختصرا وأخصر منه رواية آدم في تفسير النساء وقد أخرجه مسلم وغيره من طرق عن شعبة منه عن غندر بلفظ اختلف أهل الكوفة في هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم قوله نزلت في آخر ما نزل ولم ينسخها شيء كذا في هذه الرواية ولا يظهر من سياقها تعيين الآية المذكورة وقد بينها في رواية منصور في الباب عن سعيد بن جبير سألت بن عباس عن قوله فجزاؤه جهنم فقال لا توبة له وعن قوله لا يدعون مع الله إلها آخر قال كانت هذه في الجاهلية ويأتي في الباب الذي يلي الذي يليه أوضح من ذلك

قوله باب يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا قرأ الجمهور بالجزم في يضاعف ويخلد بدلا من الجزاء في قوله يلق أثاما بدل اشتمال وقرأ بن عامر و أبو بكر عن عاصم بالرفع على الاستئناف

[ 4487 ] قوله حدثنا سعد بن حفص هو الطلحي وشيبان هو بن عبد الرحمن ومنصور هو بن المعتمر قوله عن سعيد بن جبير قال قال بن أبزي بموحدة وزاي مقصورة واسمه عبد الرحمن وهو صحابي صغير قوله سئل بن عباس كذا في رواية أبي ذر بصيغة الفعل الماضي ومثله للنسفي وهو يقتضي أنه من رواية سعيد بن جبير عن بن أبزي عن بن عباس وفي رواية الأصيلي سل بصيغة الأمر وهو المعتمد ويدل عليه قوله بعد سياق الآيتين فسألته فإنه واضح في جواب قوله سل وإن كان اللفظ الآخر يمكن توجيهه بتقدير سئل بن عباس عن كذا فأجاب فسألته عن شيء آخر مثلا ولا يخفى بمكانة ويؤيد الأول رواية شعبة في الباب الذي يليه عن منصور عن سعيد بن جبير قال أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل بن عباس فسألته وكذا أخرجه إسحاق بن إبراهيم في تفسيره عن جرير عن منصور وأخرجه بن مردويه من طريق أخرى عن جرير بلفظ قال أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن سل بن عباس فذكره وذكر عياض ومن تبعه أنه وقع في رواية أبي عبيد القاسم بن سلام في هذا الحديث من طريق عن سعيد بن جبير أمرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل بن عباس فالحديث من رواية سعيد بن جبير عن بن عباس ولغيره أمرني بن عبد الرحمن قال وقال بعضهم لعله سقط بن قبل عبد الرحمن وتصحف من أمرني ويكون الأصل أمر بن عبد الرحمن ثم لا ينكر سؤال عبد الرحمن واستفادته من بن عباس فقد سأله من كان أقدم منه وأفقه قلت الثابت في الصحيحين وغيرهما من المستخرجات عن سعيد بن جبير أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل بن عباس فالحديث من رواية سعيد بن جبير عن بن عباس والذي زاد فيه سعيد بن عبد الرحمن أو بن عبد الرحمن

قوله

[ 4488 ] عن هاتين الآيتين ومن يقتل مؤمنا متعمدا فسألته فقال لم ينسخها شيء وعن والذين يدعون مع الله إلها آخر قال نزلت في أهل الشرك هكذا أورده مختصرا وسياق مسلم من هذا الوجه أتم وأتم منهما ما تقدم في المبعث من رواية جرير بلفظ هاتين الآيتين ما أمرهما التي في سورة الفرقان والذين لا يدعون مع الله إلها آخر والتي في سورة النساء ومن يقتل مؤمنا متعمدا قال سألت بن عباس فقال لما أنزلت التي في سورة قال مشركو مكة قد قتلنا النفس ودعونا مع الله إلها آخر وأتينا الفواحش قال فنزلت إلا من تاب الآية قال فهذه لأولئك قال وأما التي في سورة النساء فهو الذي قد عرف الإسلام ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم لا توبة له قال فذكرت ذلك لمجاهد فقال إلا من ندم وحاصل ما في هذه الروايات أن بن عباس كان تارة يجعل الآيتين في محل واحد فلذلك يجزم بنسخ إحداهما وتارة يجعل محلهما مختلفا ويمكن الجمع بين كلامية بأن عموم التي في الفرقان خص منها مباشرة المؤمن القتل متعمدا وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه وقول بن عباس بأن المؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا لا توبة له مشهور عنه وقد جاء عنه في ذلك ما هو أصرح مما تقدم فروى أحمد والطبري من طريق يحيى الجابر والنسائي وابن ماجة من طريق عمار الذهبي كلاهما عن سالم بن أبي الجعد قال كنت عند بن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فقال ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا قال جزاؤه جهنم خالدا فيها وساق الآية إلى عظيما قال لقد نزلت في آخر ما نزل وما نسختها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفرأيت إن تاب وآمن وعمل عملا صالحا ثم اهتدى قال وأني له التوبة والهدى لفظ يحيى الجابر والآخر نحوه وجاء على وفق ما ذهب إليه بن عباس في ذلك أحاديث كثيرة منها ما أخرجه أحمد والنسائي من طريق أبي إدريس الخولاني عن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا والرجل يقتل مؤمنا متعمدا وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السنة ما ورد من ذلك على التغليظ وصححوا توبة القاتل كغيره وقالوا معنى قوله فجزاؤه جهنم أي إن شاء الله أن يجازيه تمسكا بقوله تعالى في سورة النساء أيضا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم أتى بتمام المائة فقال له لا توبة فقتله فأكمل به مائة ثم جاء آخر فقال ومن يحول بينك وبين التوبة الحديث وهو مشهور وسيأتي في الرقاق واضحا وإذا ثبت ذلك لمن قبل من غير هذه الأمة فمثله لهم أولى لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم

قوله باب قوله فسوف يكون لزاما هلكة قال أبو عبيدة في قوله فسوف يكون لزاما أي جزاء يلزم كل عامل بما عمل وله معنى آخر يكون هلاكا

[ 4489 ] قوله حدثنا مسلم هو أبو الضحى الكوفي

بسم الله الرحمن الرحيم ثبتت البسملة لأبي ذر مؤخرة قوله وقال مجاهد تعيشون تبنون وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عنه في قوله أتبنون بكل ريع قال بكل فج آية تعيشون بنيانا وقيل كانوا يهتدون في الأسفار بالنجوم ثم اتخذوا أعلاما في أماكن مرتفعة ليهتدوا بها وكانوا في غنية عنها بالنجوم فاتخذوا البنيان عبثا قوله هضم يتفتت إذا مس وصله الفريابي بلفظ يتهشم هشيما وروى بن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد الطلعة إذا مسستها تناثرت ومن طريق عكرمة قال الهضيم الرطب اللين وقيل المذنب قوله مسحرين مسحورين وصله الفريابي في قوله إنما أنت من المسحرين أي من المسحورين وقال أبو عبيدة كل من أكل فهو مسحر وذلك أن له سحرا يفرى ما أكل فيه انتهى والسحر بمهملتين بفتح ثم سكون الرئة وقال الفراء المعنى إنك تأكل الطعام والشراب وتسحر به فأنت بشر مثلنا لا تفضلنا في شيء قوله في الساجدين المصلين وصله الفريابي كذلك والمراد أنه كان يرى من خلفه في الصلاة قوله الليكة والأيكة جمع أيكة وهي جمع الشجر كذا لأبي ذر ولغيره جمع شجر وللبعض جماعة الشجر وقد تقدم في قصة شعيب من أحاديث الأنبياء اللفظ الأول مع شرحه والكلام الأول من قول مجاهد ومن قوله جمع أيكة الخ هو من كلام أبي عبيدة ووقع فيه سهو فإن الليكة والأيكة بمعنى واحد عند الأكثر والمسهل الهمزة فقط وقيل ليكة اسم القرية والأيكة الغيضة وهي الشجر الملتف وأما قوله جمع شجر يقال جمعها ليك وهو الشجر الملتف قوله يوم الظلة إظلال العذاب إياهم وصله الفريابي وقد تقدم أيضا في أحاديث الأنبياء قوله موزون معلوم كذا لهم ووقع في رواية أبي ذر وقال بن عباس لعلكم تخلدون كأنكم ليكة الأيكة وهي الغيضة موزون معلوم فأما قوله لعلكم فوصله بن أبي طلحة عنه به وحكى البغوي في تفسيره عن الواحدي قال كل ما في القرآن لعل فهو للتعليل إلا هذا الحرف فإنه للتشبيه كذا قال وفي الحصر نظر لأنه قد قيل مثل ذلك في قوله لعلك باخع نفسك وقد قرأ أبي بن كعب كأنكم تخلدون وقرأ بن مسعود كي تخلدوا وكأن المراد أن ذلك بزعمهم لأنهم كانوا يستوثقون من البناء ظنا منهم أنها تحصنهم من أمر الله فكأنهم صنعوا الحجر صنيع من يعتقد أنه يخلد وأما قوله ليكة فتقدم بيانه في أحاديث الأنبياء ووصله بن أبي حاتم بهذا اللفظ أيضا وأما قوله موزون فمحله في سورة الحجر ووقع ذكره هنا غلطا وكأنه انتقل من بعض من نسخ الكتاب من محله وقد وصله بن أبي حاتم أيضا كذلك ووصله الفريابي بالإسناد المذكور عن مجاهد في قوله وانبتنا فيها من كل شيء موزون قال بقدر مقدور قوله كالطود كالجبل وقع هذا لأبي ذر منسوبا إلى بن عباس ولغيره منسوبا إلى مجاهد والأول أظهر ووصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس وزاد على نشز من الأرض ووصله الفريابي من طريق مجاهد قوله وقال غيره لشرذمة الشرذمة طائفة قليلة كذا لأبي ذر ولغيره ذكر ذلك فيما نسب إلى مجاهد والأول أولى وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى إن هؤلاء لشرذمة قليلون أي طائفة قليلة وذهب إلى القوم فقال فليلون والذي أورده الفريابي وغيره عن مجاهد في هذا أنه قال في قوله إن هؤلاء لشرذمة قليلون قال هم يومئذ ستمائة ألف ولا يحصى عدد أصحاب فرعون وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ذكر لنا أن بني إسرائيل الذين قطع بهم موسى البحر كانوا ستمائة ألف مقاتل بني عشرين سنة فصاعدا وأخرج بن أبي حاتم من طريق بن إسحاق عن أبي عبيدة عن بن مسعود قال كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا ومن طريق بن إسحاق عن عمرو بن ميمون مثله قوله الريع الأيفاع من الأرض وجمعه ريعه وأرياع واحدة ريعه كذا فيه وريعه الأول بفتح التحتانية والثاني بسكونها وعند جماعة من المفسرين ريع واحد جمعه أرياع وريعه بالتحريك وريع أيضا واحدة ريعة بالسكون كعهن وعهنة وقال أبو عبيدة في قوله أتبنون بكل ريع الريع الارتفاع من الأرض والجمع أرياع وريعة والريعة واحدة أرياع وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى بكل ريع أي بكل طريق قوله مصانع كل بناء فهو مصنعة هو قول أبي عبيدة وزاد بفتح النون وبضمها وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة المصانع القصور والحصون وقال عبد الرزاق المصانع عندنا بلغة اليمن القصور العادية وقال سفيان ما يتخذ فيه الماء ولابن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال المصانع القصور المشيدة ومن وجه آخر قال المصانع بروج الحمام قوله فرهين مرحين كذا لهم ولأبي ذر فرحين بحاء مهملة والأول أصح وصوبه بعضهم لقرب مخرج الحاء من الهاء وليس بشيء قال أبو عبيدة في قوله بيوتا فرهين أي مرحين وله تفسير آخر في الذي بعده وسيأتي تفسير الفرحين بالمرحين في سورة القصص قوله فارهين بمعناه ويقال فارهين حاذقين هو كلام أبي عبيدة أيضا وأنشده على المعنى الأول لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ولن تراني بخير فاره الليت والليت بكسر اللام بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة العنق وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والكلبي في قوله فرهين قال معجبين بصنيعكم ولابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال آمنين ومن طريق مجاهد قال شرهين ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح عن عبد الله بن شداد قال أحدهما حاذقين وقال الآخر جبارين قوله تعثوا هو أشد الفساد وعاث يعيث عيثا مراده أن اللفظين بمعنى واحد ولم يرد أن تعثوا مشتق من العيث وقد قال أبو عبيدة في قوله ولا تعثوا في الأرض مفسدين هو من عثيت تعثى وهو أشد مبالغة من عثت تعيث وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة ولا تعثوا أي لا تسيروا في الأرض مفسدين قوله الجبلة الخلق جبل خلق ومنه جبلا وجبلا يعني الخلق قال بن عباس كذا لأبي ذر وليس عند غيره قال بن عباس وهو أولى فإن هذا كله كلام أبي عبيدة قال في قوله والجبلة الأولين أي الخلق هو من جبل على كذا أي تخلق وفي القرآن ولقد أضل منكم جبلا مثقل وغير مثقل ومعناه الخلق انتهى وقوله مثقل وغير مثقل لم يبين كيفيتهما وفيهما قراءات ففي المشهور بكسرتين وتشديد اللام لنافع وعاصم وبضمة ثم سكون لأبي عمرو وابن عامر وبكسرتين واللام خفيفة للأعمش وبضمتين واللام خفيفة للباقين وفي الشواذ بضمتين ثم تشديد وبكسرة ثم سكون وبكسرة ثم فتحه مخففة وفيها قراءات أخرى وأخرج بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال في قوله والجبلة الأولين قال خلق الأولين ومن طريق مجاهد قال الجبلة الخلق ولابن أبي حاتم من طريق بن أبي عمر عن سفيان مثل قول بن عباس ثم قرأ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا

قوله باب ولا تخزني يوم يبعثون سقط باب لغير أبي ذر

[ 4490 ] قوله وقال إبراهيم بن طهمان الخ وصله النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان وساق الحديث بتمامه

[ 4491 ] قوله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة كذا قال بن أبي أويس وأورد البخاري هذه الطريق معتمدا عليها وأشار إلى الطريق الأخرى التي زيد فيها بين سعيد وأبي هريرة رجل فذكرها معلقة وسعيد قد سمع من أبي هريرة وسمع من أبيه عن أبي هريرة فلعل هذا مما سمعه من أبيه عن أبي هريرة ثم سمعه من أبي هريرة أو سمعه من أبي هريرة مختصرا و من أبيه عنه تاما أو سمعه من أبي هريرة ثم ثبته فيه أبوه وكل ذلك لا يقدح في صحة الحديث وقد وجد للحديث أصل عن أبي هريرة من وجه آخر أخرجه البزار والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة وشاهده عندهما أيضا من حديث أبي سعيد قوله إن إبراهيم يرى أباه يوم القيامة وعليه الغيرة والقترة والغبرة هي القترة كذا أورده مختصرا ولفظ النسائي وعليه الغبرة والقترة فقال له قد نهيتك عن هذا فعصيتني قال لكني لا أعصيك اليوم الحديث فعرف من هذا أن قوله والغبرة هي القترة من كلام المصنف وأخذه من كلام أبي عبيدة وأنه قال في تفسير سورة يونس ولا يرهق وجوههم فتر ولا ذلة القتر الغبار وأنشد لذلك شاهدين قال بن التين وعلى هذا فقوله في سورة عبس غيرة ترهقها قترة تأكيد لفظى كأنه قال غبرة فوقها غبرة وقال غير هؤلاء القترة ما يغشى الوجه من الكرب والغبرة ما يعلوه من الغبار وأحدهما حسى والآخر معنوي وقيل القترة شدة الغبرة بحيث يسود الوجه وقيل القترة سواد الدخان فاستعير هنا قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه أبو بكر عبد الحميد قوله في الطريق الموصولة يلقى إبراهيم أباه فيقول يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين هكذا أورده هنا مختصرا وساقه في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء تاما قوله يلقى إبراهيم أباه آزر هذا موافق لظاهر القرآن في تسمية والد إبراهيم وقد سبقت سبته في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وحكى الطبري من طريق ضعيفة عن مجاهد أن آزر اسم الصنم وهو شاذ قوله وعلى وجه آزر قترة وغبرة هذا موافق لظاهر القرآن وجوه يومئذ عليها ترهقها قترة أي يغشاها قترة فالذي يظهر أن الغبرة الغبار من التراب والقترة السواد الكائن عن الكآبة قوله فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك في رواية إبراهيم بن طهمان فقال له قد نهيتك عن هذا فعصيتني قال لكني لا أعصيك واحدة قوله فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الأبعد وصف نفسه بالأبعد على طريق الفرض إذا لم تقبل شفاعته في أبيه وقيل الأبعد صفة أبيه أي أنه شديد البعد من رحمة الله لأن الفاسق بعيد منها فالكافر أبعد وقيل الأبعد بمعنى البعيد والمراد الهالك ويؤيد الأول أن في رواية إبراهيم بن طهمان وأن أخزيت أبي فقد أخزيت الأبعد وفي رواية أيوب يلقى رجل أباه يوم القيامة فيقول له أي أبن كنت لك فيقول خير بن فيقول هل أنت مطيعي اليوم فيقول نعم فيقول خذ بازرتي فيأخذ بازرته تم ينطلق حتى يأتي ربه وهو يعرض الخلق فيقول الله يا عبدي ادخل من أي أبواب الجنة شئت فيقول أي رب أبي معي فإنك وعدتني أن لا تخزني قوله فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين في حديث أبي سعيد فينادي إن الجنة لا يدخلها مشرك قوله ثم يقال يا إبراهيم ما تحت رجليك انظر فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار في رواية إبراهيم بن طهمان فيؤخذ منه فيقول يا إبراهيم أين أبوك قال أنت أخذته مني قال انظر أسفل فينظر فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه وفي رواية أيوب فيمسخ الله أباه ضبعا فيأخذ بأنفه فيقول يا عبدي أبوك هو فيقول لا وعزتك وفي حديث أبي سعيد فيحول في صورة قبيحة وريح منتنة في صورة ضبعان زاد بن المنذر من هذا الوجه فإذا رآه كذا تبرأ منه قال لست أبي والذيخ بكسر الذال المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم خاء معجمة ذكر الضباع وقيل لا يقال له ذيخ إلا إذا كان كثير الشعر والضبعان لغة في الضبع وقوله متلطخ قال بعض الشراح أي في رجيع أو دم أو طين وقد عينت الرواية الأخرى المراد وأنه الاحتمال الأول حيث قال فيتمرغ في نتنه قيل الحكمة في مسخة لتنفر نفس إبراهيم منه ولئلا يبقى في النار على صورته فيكون فيه غضاضة على إبراهيم وقيل والحكمة في مسخه ضبعا أن الضبع من أحمق الحيوان وآزر كان من أحمق البشر لأنه بعد أن ظهر له من ولده من الآيات البينات أصر على الكفر حتى مات واقتصر في مسخه على هذا الحيوان لأنه وسط في التشويه بالنسبة إلى ما دونه كالكلب والخنزير وإلى ما فوقه كالأسد مثلا ولأن إبراهيم بالغ في الخضوع له وخفض الجناح فأبى واستكبر وأصر على الكفر فعومل بصفة الذل يوم القيامة ولأن للضبع عوجا فأشير إلى أن آزر لم يستقم فيؤمن بل استمر على عوجه في الدين وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته فقال بعد أن أخرجه هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيا مع علمه بذلك وقال غيره هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعده وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه انتهى والجواب عن ذلك أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه فقيل كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات آزر مشركا وهذا أخرجه الطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عباس وإسناده صحيح وفي رواية فلما مات لم يستغفر له ومن طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس نحوه قال استغفر له ما كان حيا فلما مات أمسك وأورده أيضا من طريق مجاهد وقتادة وعمرو بن دينار نحو ذلك وقيل إنما تبرأ منه يوم القيامة لما يئس منه حين مسخ على ما صرح به في رواية بن المنذر التي أشرت إليها وهذا الذي أخرجه الطبري أيضا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول إن إبراهيم يقول يوم القيامة رب والدي رب والدي فإذا كان الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرأ منه ومن طريق عبيد بن عمير قال يقول إبراهيم لأبيه إني كنت آمرك في الدنيا وتعصيني ولست تاركك اليوم فخذ بحقوى فيأخذ بضبعيه فيمسخ ضبعا فإذا رآه إبراهيم مسخ تبرأ منه ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرأ منه لما مات مشركا فترك الاستغفار له لكن لما رآه يوم القيامة أدركته الرأفة والرقة فسأل فيه فلما رآه مسخ يئس منه حينئذ فتبرأ منه تبرءا أبديا وقيل إن إبراهيم لم يتيقن موته على الكفر بجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع إبراهيم على ذلك وتكون تبرئته منه حينئذ بعد الحال التي وقعت في هذا الحديث قال الكرماني فإن قلت إذا أدخل الله أباه النار فقد أخزاه لقوله إنك من تدخل النار فقد اخزيته وخزى الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد وهو محال ولو لم يدخل النار لزم الخلف في الوعيد وهو المراد بقوله إن الله حرم الجنة على الكافرين والجواب أنه إذا مسخ في صورة ضبع وألقى في النار لم تبق الصورة التي هي سبب الخزي فهو عمل بالوعد والوعيد وجواب آخر وهو أن الوعد كان مشروطا بالإيمان وإنما استغفر له وفاء بما وعده فلما تبين له أن عدو لله تبرأ منه قلت وما قدمته يؤدي المعنى المراد مع السلامة مما في اللفظ من الشناعة والله أعلم

قوله باب وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك ألن جانبك هو قول أبي عبيدة وزاد وكلامك

[ 4492 ] قوله عن بن عباس قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين هذا من مراسيل الصحابة وبذلك جزم الإسماعيلي لأن أبا هريرة إنما أسلم بالمدينة وهذه القصة وقعت بمكة وابن عباس كان حينئذ إما لم يولد وإما طفلا ويؤيد الثاني نداء فاطمة فإنه يشعر بأنها كانت حينئذ بحيث تخاطب بالأحكام وقد قدمت في باب من انتسب إلى آبائه في أوائل السيرة النبويه احتمال أن تكون هذه القصة وقعت مرتين لكن الأصل عدم تكرار النزول وقد صرح في هذه الرواية بأن ذلك وقع حين نزلت نعم وقع عند الطبراني من حديث أبي أمامة قال لما نزلت وأنذر عشيرتك جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم ونساءه وأهله فقال يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم يا عائشة بنت أبي بكر يا حفصة بنت عمر يا أم سلمة فذكر حديثا طويلا فهذا إن ثبت دل على تعدد القصة لأن القصة الأولى وقعت بمكة لتصريحه في حديث الباب أنه صعد الصفا ولم تكن عائشة وحفصة وأم سلمة عنده ومن أزواجه إلا بالمدينة فيجوز أن تكون متأخرة عن الأولى فيمكن أن يحضرها أبو هريرة وابن عباس أيضا ويحمل قوله لما نزلت جمع أي بعد ذلك لا أن الجمع وقع على الفور ولعله كان نزل أولا وانذر عشيرتك الأقربين فجمع قريشا فعم ثم خص كما سيأتي ثم نزل ثانيا ورهطك منهم المخلصين فخص بذلك بني هاشم ونساءه والله اعلم وفي هذه الزيادة تعقب على النووي حيث قال في شرح مسلم إن البخاري لم يخرجها أعني ورهطك منهم المخلصين اعتمادا على ما في هذه السورة وأغفل كونها موجودة عند البخاري في سورة تبت قوله لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين زاد في تفسير تبت من رواية أبي أسامة عن الأعمش بهذا السند ورهطك منهم المخلصين وهذه الزيادة وصلها الطبري من وجه آخر عن عمرو بن مرة أنه كان يقرؤها كذلك قال القرطبي لعل هذه الزيادة كانت قرآنا فنسخت تلاوتها ثم استشكل ذلك بأن المراد إنذار الكفار والمخلص صفة المؤمن والجواب عن ذلك أنه لا يمتنع عطف الخاص على العام فقوله وأنذر عشيرتك عام فيمن آمن منهم ومن لم يؤمن ثم عطف عليه الرهط المخلصين تنويها بهم وتأكيدا واستدل بعض المالكية بقوله في هذا الحديث يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا أن النيابة لا تدخل في أعمال البر إذ لو جاز ذلك لكان يتحمل عنها صلى الله عليه وسلم بما يخلصها فإذا كان عمله لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع وتعقب أن هذا كان قبل أن يعلمه الله تعالى بأنه يشفع فيمن أراد وتقبل شفاعته حتى يدخل قوما الجنة بغير حساب ويرفع درجات قوم آخرين ويخرج من النار من دخلها بذنوبه أو كان المقام مقام التخويف والتحذير أو أنه أراد المبالغة في الحض على العمل ويكون في قوله لا أغني شيئا إضمار إلا إن أذن الله لي بالشفاعة قوله فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش في حديث أبي هريرة قال يا معشر قريش أو كلمة نحوها ووقع عند البلاذري من وجه آخر عن بن عباس أبين من هذا ولفظه فقال يا بني فهر فاجتمعوا ثم قال يا بني غالب فرجع بنو محارب والحارث ابنا فهر فقال يا بني لؤي فرجع بنو الأدرم بن غالب فقال يا آل كعب فرجع بنو عدي وسهم وجمح فقال يا آل كلاب فرجع بنو مخزوم وتيم فقال يا آل قصي فرجع بنو زهرة فقال يا آل عبد مناف فرجع بنو عبد الدار وعبد العزي فقال له أبو لهب هؤلاء بنو عبد مناف عندك وعند الواقدي أنه قصر الدعوة على بني هاشم والمطلب وهم يومئذ خمسة وأربعون رجلا وفي حديث على عند بن إسحاق والطبري والبيهقي في الدلائل أنهم كانوا حينئذ أربعون يزيدون رجلا أو ينقصون وفيه عمومته أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ولابن أبي حاتم من وجه آخر عنه إنهم يومئذ أربعون غير رجل أو أربعون ورجل وفي حديث على من الزيادة أنه صنع لهم شاة على ثريد وقعب لبن وأن الجميع أكلوا من ذلك وشربوا وفضلت فضلة وقد كان الواحد منهم يأتي عل جميع ذلك قوله أرأيتكم لو أخبرتكم الخ أراد بذلك تقريرهم بأنهم يعلمون صدقه إذا أخبر عن الأمر الغائب ووقع في حديث علي ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة قوله كنتم مصدقي بتشديد التحتانية قوله قال فأني نذير لكم أي منذر ووقع في حديث قبيصة بن محارب وزهير بن عمرو عند مسلم وأحمد فجعل ينادي إنما أنا نذير وإنما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو فجعل يهتف يا صباحاه يعني ينذر قومه وفي رواية موسى بن وردان عن أبي هريرة عند أحمد قال أنا النذير والساعة الموعد وعند الطبري من مرسل قسامة بن زهير قال بلغني أنه صلى الله عليه وسلم وضع أصابعه في أذنه ورفع صوته وقال يا صباحاه ووصله مرة أخرى عن قسامة عن أبي موسى الأشعري وأخرجه الترمذي موصولا أيضا قوله فنزلت تبت يدا أبي لهب وتب في رواية أبي أسامة تبت يدا أبي لهب وقد تب وزاد هكذا قرأها الأعمش يومئذ انتهى وليست هذه القراءة فيما نقل الفراء عن الأعمش فالذي يظهر أنه قرأها حاكيا لا قارئا ويؤيده قوله في هذا السياق يومئذ فإنه يشعر بأنه كان لا يستمر على قراءاتها كذلك والمحفوظ أنها قراءة بن مسعود وحده قوله في حديث أبي هريرة اشتروا أنفسكم من الله أي باعتبار تخليصها من النار كأنه قال أسلموا تسلموا من العذاب فكان ذلك كالشراء كأنهم جعلوا الطاعة ثمن النجاة وأما قوله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم فهناك المؤمن بائع باعتبار تحصيل الثواب والثمن الجنة وفيه إشارة إلى أن النفوس كلها ملك لله تعالى وأن من أطاعه حق طاعته في امتثال أوامره واجتناب نواهيه وفي ما عليه من الثمن وبالله التوفيق

[ 4493 ] قوله يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله يا عباس الخ في رواية موسى بن طلحة عن أبي هريرة عند مسلم وأحمد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعم وخص فقال يا معشر قريش انقذوا أنفسكم من النار يا معشر بني كعب كذلك يا معشر بني هاشم كذلك يا معشر بني عبد المطلب كذلك الحديث قوله يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصب عمة ويجوز في صفية الرفع والنصب وكذا القول في قوله يا فاطمة بنت محمد قوله تابعه أصبغ عن بن وهب الخ سبق التنبيه عليه في الوصايا وفي الحديث أن الأقرب للرجل من كان يجمعه هو وجد أعلى وكل من اجتمع معه في جد دون ذلك كان أقرب إليه وقد تقدم البحث في المراد بالأقربين والأقارب في الوصايا والسر في الأمر بإنذار الأقربين أولا أن الحجة إذا قامت عليهم تعدت إلى غيرهم وإلا فكانوا علة للأبعدين في الامتناع وأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة فيحابيهم في الدعوة والتخويف فلذلك نص له على إنذارهم وفيه جواز تكنية الكافر وفيه خلاف بين العلماء كذا قيل وفي إطلاقه نظر لأن الذي منع من ذلك إنما منع منه حيث يكون السياق يشعر بتعظيمه بخلاف ما إذا كان ذلك لشهرته بها دون غيرها كما في هذا أو للإشارة إلى ما يئول أمره إليه من لهب وجهنم ويحتمل أن يكون ترك ذكره باسمه لقبح اسمه لأن اسمه كان عبد العزي ويمكن جواب آخر وهو أن التكنية لا تدل بمجردها على التعظيم بل قد يكون الاسم أشرف من الكنية ولهذا ذكر الله الأنبياء بأسمائهم دون كناهم

قوله سورة النمل بسم الله الرحمن الرحيم سقط سورة والبسملة لغير أبي ذر وثبت للنسفي لكن بتقديم البسملة قوله الخبء ما خبأت في رواية غير أبي ذر والخبء بزيادة واو في أوله وهذا قول بن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال يخرج الخبء يعلم كل خفية في السماوات والأرض وقال الفراء في قوله يخرج الخبء أي الغيث من السماء والنبات من الأرض قال وفي هنا بمعنى من وهو كقولهم ليستخرجن العلم فيكم أي الذي منكم وقرأ بن مسعود يخرج الخبء من بدل في وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال الخبء السر ولابن أبي حاتم من طريق عكرمة مثله ومن طريق مجاهد قال الغيث ومن طريق سعيد بن المسيب قال الماء قوله لا قبل لا طاقة هو قول أبي عبيدة وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد مثله قوله الصرح كل ملاط أتخذ من القواير كذا للأكثر بميم مكسورة وفي رواية الأصيلي بالموحدة المفتوحة ومثله لابن السكن وكتبه الدمياطي في نسخته بالموحدة وليست هي روايته والملاط بالميم المكسورة الطين الذي يوضع بين ساقتي البناء وقيل الصخر وقيل كل بناء عال منفرد وبالموحدة المفتوحة ما كسيت به الأرض من حجارة أو رخام أو كلس وقد قال أبو عبيدة الصرح كل بلاط أتخذ من قوارير والصرح القصر وأخرج الطبري من طريق وهب بن منيه قال أمر سليمان الشياطين فعملت له الصرح من زجاج كأنه الماء بياضا ثم أرسل الماء تحته ووضع سريره فيه فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس ليريها ملكا هو أعز من ملكها فلما رأت ذلك بلقيس حسبته لجة وكشفت عن ساقيها لتخوضه ومن طريق محمد بن كعب قال سجن سليمان فيه دواب البحر الحيتان والضفادع فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما فأمرها سليمان فاستترت قوله والصرح القصر وجماعته صروح هو قول أبي عبيدة كما تقدم وسيأتي له تفسير آخر بعد هذا بقليل قوله وقال بن عباس ولها عرش سرير كريم حسن الصنعة وغلاء الثمن وصله الطبري من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس في قوله ولها عرش عظيم قال سرير كريم حسن الصنعة قال وكان من ذهب وقوائمه من جوهر ولؤلؤ ولابن أبي حاتم من طريق زهير بن محمد قال حسن الصنعة غالي الثمن سرير من ذهب وصفحتاه مرمول بالياقوت والزبرجد طوله ثمانون ذراعا في أربعين قوله يأتوني مسلمين طائعين وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مثله ومن طريق بن جريج أي مقرين بدين الإسلام ورجح الطبري الأول واستدل له قوله ردف اقترب وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله عسى أن يكون ردف لكم اقترب لكم وقال أبو عبيدة في قوله تعالى عسى أن يكون ردف لكم أي جاء بعدكم ودعوى المبرد أن اللام زائدة وأن الأصل ردفكم قاله على ظاهر اللفظ وإذا صح أن المراد به اقترب صح تعديته باللام كقوله اقترب للناس حسابهم قوله جامدة قائمة وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مثله قوله أوزعني اجعلني وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مثله وقال أبو عبيدة في قوله أوزعني أي سددني إليه وقال في موضع آخر أي ألهمني وبالثاني جزم الفراء قوله وقال مجاهد نكروا غيروا وصله الطبري من طريقه ومن طريق قتادة وغيره نحوه وأخرج بن أبي حاتم من وجه آخر صحيح عن مجاهد قال أمر بالعرش فغير ما كان أحمر جعل أخضر وما كان أخضر جعل أصفر غير كل شيء عن حاله ومن طريق عكرمة قال زيدوا فيه وانقضوا قوله والقبس ما اقتبست منه النار ثبت هذا للنسفي وحده وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى أو آتيكم بشهاب قبس أي بشعلة نار ومعنى قبس ما أقتبس من النار ومن الجمر قوله وأوتينا العلم يقوله سليمان وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ونقل الواحدي أنه من قول بلقيس قالته مقرة بصحة نبوة سليمان والأول هو المعتمد قوله الصرح بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير وألبسها إياه في رواية الأصيلي إياها وأخرج الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال الصرح بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها قال وكانت هلباء شقراء ومن وجه آخر عن مجاهد كشفت بلقيس عن ساقيها فإذا هما شعراوان فأمر سليمان بالنورة فصنعت ومن طريق عكرمة نحوه قال فكان أول من صنعت له النورة وصله بن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة عن بن عباس

قوله سورة القصص بسم الله الرحمن الرحيم سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر والنسفي قوله إلا وجهه إلا ملكه في رواية النسفي وقال معمر فذكره ومعمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى وهذا كلامه في كتابه مجاز القرآن لكن بلفظ إلا هو وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية وكذا ذكره الفراء وقال بن التين قال أبو عبيدة إلا وجهه أي جلالة وقيل إلا إياه تقول أكرم الله وجهك أي أكرمك الله وقوله ويقال إلا ما أريد به وجهه نقله الطبري أيضا عن بعض أهل العربية ووصله بن أبي حاتم من طريق خصيف عن مجاهد مثله ومن طريق سفيان الثوري قال إلا ما ابتغى به وجه الله من الأعمال الصالحة انتهى ويتخرج هذان القولان على الخلاف في جواز إطلاق شيء على الله فمن أجازه قال الاستشاء متصل والمراد بالوجه الذات والعرب تعبر بالأشرف عن الجملة ومن لم يجز إطلاق شيء على الله قال هو منقطع أي لكن هو تعالى لم يهلك أو متصل والمراد بالوجه ما عمل لأجله قوله وقال مجاهد فعميت عليهم الأنباء الحجج وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عنه

قوله باب إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء لم تختلف النقلة في أنها نزلت في أبي طالب واختلفوا في المراد بمتعلق أحببت فقيل المراد أحببت هدايته وقيل أحببته هو لقرابته منك

[ 4494 ] قوله عن أبيه هو المسيب بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون وقد تقدم بعض شرح الحديث في الجنائز قوله لما حضرت أبا طالب الوفاة قال الكرماني المراد حضرت علامات الوفاة وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم انتهى ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحالة لكن رجاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أقر بالتوحيد ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه وتسوغ شفاعته صلى الله عليه وسلم لمكانه منه ولهذا قال أجادل لك بها وأشفع لك وسيأتي بيانه ويؤيد الخصوصية أنه بعد أن أمتنع من الإقرار بالتوحيد وقال هو على ملة عبد المطلب ومات على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الشفاعة له بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره وكان ذلك من الخصائص في حقه وقد تقدمت الرواية بذلك في السيرة النبوية قوله جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية يحتمل أن يكون المسيب حضر هذه القصة فإن المذكورين من بني مخزوم وهو من بني مخزوم أيضا وكان الثلاثة يومئذ كفارا فمات أبو جهل على كفره وأسلم الآخران وأما قول بعض الشراح هذا الحديث من مراسيل الصحابة فمردود لأنه استدل بأن المسيب على قول مصعب من مسلمة الفتح وعلى قول العسكري ممن بايع تحت الشجرة قال فأيا ما كان فلم يشهد وفاة أبي طالب لأنه توفي هو وخديجة في أيام متقاربة في عام واحد والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ نحو الخمسين انتهى ووجه الرد أنه لا يلزم من كون المسيب تأخر إسلامه أن لا يشهد وفاة أبي طالب كما شهدها عبد الله بن أبي أمية وهو يومئذ كافر ثم أسلم بعد ذلك وعجب من هذا القائل كيف يعزو كون المسيب كان ممن بايع تحت الشجرة إلى العسكري ويغفل عن كون ذلك ثابتا في هذا الصحيح الذي شرحه كما مر في المغازي واضحا قوله أي عم أما أي فهو بالتخفيف حرف نداء وأما عم فهو منادى مضاف ويجوز فيه إثبات الياء وحذفها قوله كلمة بالنصب على البدل من لا إله إلا الله أو الاختصاص ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف قوله أحاج بتشديد الجيم من المحاجة وهي مفاعلة من الحجة والجيم مفتوحة على الجزم جواب الأمر والتقدير إن نقل أحاج ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ووقع في رواية معمر عن الزهري بهذا الإسناد في الجنائز أشهد بدل أحاج وفي رواية مجاهد عند الطبري أجادل عنك بها زاد الطبري من طريق سفيان بن حسين عن الزهري قال أي عم إنك أعظم الناس على حقا وأحسنهم عندي يدا فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة قوله فلم يزل يعرضها بفتح أوله وكسر الراء وفي رواية الشعبي عند الطبري فقال له ذلك مرارا قوله ويعيد أنه بتلك المقالة أي ويعيدانه إلى الكفر بتلك المقالة كأنه قال كان قارب أن يقولها فيردانه ووقع في رواية معمر فيعودان له بتلك المقالة وهي أوضح وقع عند مسلم فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويقول له تلك المقالة قال القرطبي في المفهم كذا في الأصول وعند أكثر الشيوخ والمعنى أنه عرض عليه الشهادة وكررها عليه ووقع في بعض النسخ ويعيدان له بتلك المقالة والمراد قول أبي جهل ورفيقه له ترغب عن ملة عبد المطلب قوله آخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب خبر مبتدأ محذوف أي هو على ملة وفي رواية معمر هو على ملة عبد المطلب وأراد بذلك نفسه ويحتمل أن يكون قال أنا فغيرها الراوي أنفة أن يحكي كلام أبي طالب استقباحا للفظ المذكور وهي من التصرفات الحسنة ووقع في رواية مجاهد قال يا بن أخي ملة الأشياخ ووقع في حديث أبي حازم عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي والطبري قال لولا أن تعيرني قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت لأقررت بها عينك وفي رواية الشعبي عند الطبراني قال لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل وضبط جزع بالجيم والزاي ولبعض رواة مسلم بالخاء المعجمة والراء قوله وأبى أن يقول لا إله إلا الله هو تأكيد من الراوي في نفي وقع ذلك من أبي طالب وكأنه استند في ذلك إلى عدم سماعه ذلك منه في تلك الحال وهذا القدر هو الذي يمكن اطلاعه عليه ويحتمل أن يكون أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك قوله والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك قال الزين بن المنير ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب الشرك وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينا في حديث آخر قلت وهي غفلة شديده منه فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد وطلبها لم ينه عنه وإنما وقع النهي عن طلب المغفرة العامة وإنما ساغ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بإبراهيم في ذلك ثم ورد نسخ ذلك كما سيأتي بيانه واضحا قوله فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين أي ما ينبغي لهم ذلك وهو خبر بمعنى النهي هكذا وقع في هذه الرواية وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال قال النبي صلى الله عليه وسلم استغفروا إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي فقال أصحابه لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه فنزلت وهذا فيه إشكال لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقا وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية والأصل عدم تكرر النزول وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن بن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه فقال إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فانزل علي ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وأخرج أحمد من حديث بن بريدة عن أبيه نحوه وفيه نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ولم يذكر نزول الآية وفي رواية الطبري من هذا الوجه لما قدم مكة أتى رسم قبر ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت وللطبرائي من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن بن عباس نحو حديث بن مسعود وفيه لما هبط من ثنية عسفان وفيه نزول الآية في ذلك فهذه طرق يعضد بعضها بعضا وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب ويؤيده أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد بعد أن شج وجهه رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصا بالإحياء وليس البحث فيه ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم ويكون لنزولها سببان متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب ويشير إلى ذلك أيضا قوله في حديث الباب وأنزل الله في أبي طالب إنك لا تهدي من أحببت لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره والثانية نزلت فيه وحده ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ما كان للنبي الآية وروى الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال وقال المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه فنزلت ومن طريق قتادة قال ذكرنا له أن رجالا فذكر نحوه وفي الحديث أن من لم يعمل خيرا قط إذا ختم عمره بشهادة أن لا إله إلا الله حكم بإسلامه وأجريت عليه أحكام المسلمين فإن نطق لسانه عقد قلبه نفعه ذلك عند الله تعالى بشرط أن يكون وصل إلى حد انقطاع الأمل من الحياة وعجز عن فهم الخطاب ورد الجواب وهو وقت المعاينة وإيه الإشارة بقوله تعالى وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن والله أعلم قوله العدوان والعداء والتعدي واحد أي بمعنى واحد وأراد تفسير قوله في قصة موسى وشعيب فلا عدوان على والعداء بفتح العين ممدود قال أبو عبيدة في قوله فلا عدوان على وهو والعداء والتعدي والعدو كله واحد والعدو من قوله عدا فلان على فلان قوله وقال بن عباس أولى القوة لا يرفعها العصبة من الرجال لتنوء لتثقل فارغا إلا من ذكر موسى الفرحين المرحين قصيه اتبعي أثره وقد يكون أن يقص الكلام نحن نقص علمك عن جنب عن بعد وعن جنابة واحدة وعن اجتناب أيضا نبطش ونبطش أي بكسر الطاء وضمها يأتمرون يتشاورون هذا جميعه سقط لأبي ذر والأصيلي وثبت لغيرهما من أوله إلى قوله ذكر موسى تقدم في أحاديث الأنبياء في قصة موسى وكذا قوله نبطش الخ وأما قوله الفرحين المرحين فهو عند بن أبي حاتم موصول من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وقوله قصيه اتبعي أثره وصله بن أبي حاتم من طريق القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال في قوله وقالت لأخته قصيه قضى أثره وقال أبو عبيدة في قوله قصية اتبعي أثره يقال قصصت آثار القوم وقال في قوله فبصرت به عن جنب أي عن بعد وتجنب ويقال ما تأتينا إلا عن جنابة وعن جنب قوله تأجرني تأجر فلانا تعطيه أجرا ومنه التعزية آجرك الله ثبت هذا للنسفي وقد قال أبو عبيدة في قوله على أن تأجرني ثماني حجج من الإجارة يقال فلان تأجر فلانا ومنه آجرك الله قوله الشاطيء والشط واحد وهما ضفتا وعدوتا الوادي ثبت هذا للنسفي أيضا وقد قال أبو عبيدة نودي من شاطئ الوادي الشاطيء والشط واحد وهما ضفتا الوادي وعدوتاه قوله كأنها جان في رواية أخرى حية تسعى والحيات أجناس الجان والأفاعي والأسارد ثبت هذا للنسفي أيضا وقد تقدم في بدء الخلق قوله مقبوحين مهلكين هو قول أبي عبيدة أيضا قوله وصلنا بيناه وأتمناه هو قول أبي عبيدة أيضا وأخرج بن أبي حاتم من طريق السدي في قوله ولقد وصلنا لهم القول قال بينا لهم القول وقيل المعنى أتبعنا بعضه بعضا فاتصل وهذا قول الفراء قوله يجبى يجلب هو بسكون الجيم وفتح اللام ثم موحدة وقال أبو عبيدة في قوله يجبي إليه ثمرات كل شيء أي يجمع كما يجمع الماء في الجابية فيجمع للوارد قوله بطرت أشرت قال أبو عبيدة في قوله وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها أي أشرت وطغت وبغت والمعنى بطرت في معيشتها فانتصب بنزع الخافض وقال الفراء المعنى أبطرتها معيشتها قوله في أمها رسولا أم القرى مكة وما حولها قال أبو عبيدة أم القرى مكة في قول العرب وفي رواية أخرى لتنذر أم القرى ومن حولها ولابن أبي حاتم من طريق قتادة نحوه ومن وجه آخر عن قتادة عن الحسن في قوله في أمها قال في أوائلها قوله تكن تخفي أكنت الشيء أخفيته وكننته أخفيته وأظهرته كذا للأكثر ولبعضهم أكننته أخفيته وكننته خفيته وقال بن فارس أخفيته سترته وخفيته أظهرته وقال أبو عبيدة في قوله وربك يعلم ما تكن صدورهم أي تخفي يقال أكننت ذلك في صدري بألف وكنت الشيء خفيته وهو بغير ألف وقال في موضع آخر أكننت وكننت واحد وقال أبو عبيدة أكننته فإذا أخفيته وأظهرته وهو من الأضداد قوله ويكأن الله مثل ألم تر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسع عليه ويضيق وقع هذا لغير أبي ذر وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى ويكأن الله أي ألم تر أن الله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ويكأن الله أي أولا يعلم أن الله

قوله باب إن الذي فرض عليك القرآن سقطت الترجمة لغير أبي ذر

[ 4495 ] قوله أخبرنا يعلى هو بن عبيد قوله حدثنا سفيان العصفري هو بن دينار التمار كما تقدم تحقيقه في آخر الجنائز وليس له في البخاري سوى هذين الموضعين قوله لرادك إلى معاد قال إلى مكة هكذا في هذه الرواية وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال كان بن عباس يكتم تفسير هذه الآية وروى الطبري من وجه آخر عن بن عباس قال لرادك إلى معاد قال إلى الجنة وإسناده ضعيف ومن وجه آخر قال إلى الموت وأخرجه بن أبي حاتم وإسناده لا بأس به ومن طريق مجاهد قال يحييك يوم القيامة ومن وجه آخر عنه إلى مكة وقال عبد الرزاق قال معمر وأما الحسن والزهري فقالا هو يوم القيامة وروى أبو يعلى من طريق أبي جعفر محمد بن على قال سألت أبا سعيد عن هذه الآية فقال معاده آخرته وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف

قوله سورة العنكبوت بسم الله الرحمن الرحيم سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر قوله وقال مجاهد وكانوا مستبصرين ضللة وصله بن أبي حاتم من طريق شبل بن عباد عن بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال معجبين بضلالتهم وأخرج بن أبي حاتم من وجه آخر عن قتادة قال كانوا مستبصرين في صلالتهم معجبين بها قوله وقال غيره الحيوان والحي واحد ثبت هذا لأبي ذر وحده وللأصيلي الحيوان والحياة واحد وهو قول أبي عبيدة قال الحيوان والحياة واحد وزاد ومنه قولهم نهر الحيوان أي نهر الحياة وتقول حييت حيا والحيوان والحياة اسمان منه وللطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لهي الحيوان قال لأموت فيها قوله فليعلمن الله علم الله ذلك إنما هي بمنزلة فليميز الله كقوله ليميز الله الخبيث من الطيب وقال أبو عبيدة في قوله تعالى فليعلمن الله الذين آمنوا أي فليميزن الله لأن الله قد علم ذلك من قبل قوله أثقالا مع أثقالهم أوزارا مع أوزارهم هو قول أبي عبيدة أيضا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في هذه الآية قال من دعا قوما إلى ضلالة فعليه مثل أوزارهم ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن قتادة قال وليحملن أثقالهم أي أوزارهم وأثقالا مع أثقالهم أوزار من أضلوا

قوله سورة الروم بسم الله الرحمن الرحيم سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر قوله وقال مجاهد يحبرون ينعمون وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون أي ينعمون ولابن أبي حاتم والطبري من طريق يحيى بن أبي كثير قال لذة السماع ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس يحبرون قال يكرمون قوله فلا يربو من أعطى يبتغي أفضل فلا أجر له فيها وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال يعطي ماله يبتغي أفضل منه وقال عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد عن الضحاك في هذه الآية قال هذا هو الربا الحلال يهدي الشيء ليثاب أفضل منه ذاك لا له ولا عليه وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن عبد العزيز وزاد ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه خاصة ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن إبراهيم قال هذا في الجاهلية كان يعطي الرجل قرابته المال يكثر به ماله ومن طريق محمد بن كعب القرظي قال هو الرجل يعطي الآخر الشيء ليكافئه به ويزاد عليه فلا يربو عند الله ومن طريق الشعبي قال هو الرجل يلصق بالرجل يخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح بعض ما يتجر فيه وإنما أعطاه التماس عونه ولم يرد به وجه الله قوله يمهدون يسوون المضاجع وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فلأنفسهم يمهدون قال يسوون المضاجع قوله الودق المطر وصله الفريابي أيضا بالإسناد المذكور قوله قال بن عباس هل لكم مما ملكت أيمانكم في الآلهة وفيه تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا وصله الطبري من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس في هذه الآية قال هي في الآلهة وفيه يقول تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا والضمير في قوله فيه لله تعالى أي أن المثل لله وللأصنام فالله المالك والأصنام مملوكة والمملوك لا يساوي المالك ومن طريق أبي مجلز قال أن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك وليس له ذلك كذلك الله لا شريك له ولابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال هذا مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه يقول أكان أحد منكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته وكذلك لا يرضى الله أن يعدل به أحد من خلقه قوله يصدعون يتفرقون فاصدع أما قوله يتفرقون فقال أبو عبيدة في قوله يومئذ يصدعون أي يتفرقون وأما قوله فاصدع فيشير إلى قوله تعالى فاصدع بما تؤمر وقد قال أبو عبيدة أيضا في قوله فاصدع بما تؤمر أي أفرق وامضه واصل الصدع الشق في الشيء وخصه الراغب بالشيء الصلب كالحديد تقول صدعته فانصدع بالتخفيف وصدعته فتصدع بالتثقيل ومنه صداع الرأس لتوهم الاشتقاق فيه والمراد بقوله اصدع أي فرق بين الحق والباطل بدعائك إلى الله عز وجل وافصل بينهما قوله وقال غيره ضعف وضعف لغتان هو قول الأكثر وقرئ بهما فالجمهور بالضم وقرأ عاصم وحمزة بالفتح في الألفاظ الثلاثة وقال الخليل الضعف بالضم ما كان في الجسد وبالفتح ما كان في العقل قوله وقال مجاهد السوآي الإساءة جزاء المسيئين وصله الفريابي واختلف في ضبط الإساءة فقيل بكسر الهمزة والمد وجوز بن التين فتح أوله ممدودا ومقصورا وهو من آسى أي حزن وللطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوآي أن كذبوا أي الذين كفروا جزاؤهم العذاب ثم ذكر المصنف حديث بن مسعود في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالسنين وسؤالهم له الدعاء برفع القحط وقد تقدم شرح ذلك في الاستسقاء ويأتي ما يتعلق بالذي وقع في صدر الحديث من الدخان في تفسير سورة الدخان إن شاء الله تعالى وقوله

[ 4496 ] أن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم أي أن تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم وهذا مناسب لما اشتهر من أن لا أدري نصف العلم ولأن القول فيما لا يعلم قسم من التكلف

قوله باب لا تبديل لخلق الله لدين الله خلق الأولين دين الأولين أخرج الطبري من طريق إبراهيم النخعي في قوله لا تبديل لخلق الله قال لدين الله ومن طرق عن مجاهد وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك مثله وفيه قول آخر أخرجه الطبري من طرق عن بن عباس وعكرمة ومجاهد قال الإحصاء وروى بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله إن هذا إلا خلق الأولين يقول دين الأولين وهذا يؤيد الأول وفيه قول آخر أخرجه بن أبي حاتم من طريق الشعبي عن علقمة في قوله خلق الأولين قال اختلاق الأولين ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال كذبهم ومن طريق قتادة قال سيرتهم قوله والفطرة الإسلام هو قول عكرمة وصله الطبري من طريقه وقد تقدم نقل الخلاف في ذلك في أواخر كتاب الجنائز ثم ذكر حديث أبي هريرة ما من مولود إلا يولد على الفطرة وقد تقدم بسند ومتنه في كتاب الجنائز مع شرحه في باب ما قيل في أولاد المشركين

قوله سورة لقمان بسم الله الرحمن الرحيم سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر وسقطت البسملة فقط للنسفي قوله لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ذكر فيه حديث بن مسعود في تفسير قوله تعالى

[ 4498 ] الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإيمان

قوله باب قوله إن الله عنده علم الساعة ذكر فيه حديث أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام وغير ذلك وفيه خمس لا يعلمهن إلا الله وقد تقد م شرح الحديث مستوفى في كتاب الإيمان وسيأتي في التوحيد شيء يتعلق بذلك

[ 4500 ] قوله حدثني عمر بن محمد بن زيد أن أباه حدثه أن عبد الله بن عمر قال هكذا قال بن وهب وخالفه أبو عاصم فقال عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم عن بن عمر أخرجه الأسماعيلي فإن كان محفوظا احتمل أن يكون لعمر بن محمد فيه شيخان أبوه وعم أبيه قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ إن الله عنده علم الساعة هكذا وقع مختصرا وفي رواية أبي عاصم المذكورة مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث يعني الآية كلها وقد تقدم في تفسير سورة الرعد وفي الاستسقاء من طريق عبد الله بن دينار عن بن عمر بلفظ مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله لا يعلم ما في الغد إلا الله الحديث هذا السياق في الخمس وفي تفسير الأنعام من طريق الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ مفاتح الغيب خمس إن الله عنده علم الساعة إلى آخر السورة وأخرجه الطيالسي في مسنده عن إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ أوتى نبيكم مفاتح الغيب إلا الخمس ثم تلا الآية وأظنه دخل له متن في متن فإن هذا اللفظ أخرجه بن مردويه من طريق عبد الله بن سلمة عن بن مسعود نحوه وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة عبر بالمفاتح لتقريب الأمر على السامع لأن كل شيء جعل بينك وبينه حجاب فقد غيب عنك والتوصل إلى معرفته في العادة من الباب فإذا أغلق الباب احتيج إلى المفتاح فإذا كان الشيء الذي لا يطلع على الغيب إلا بتوصيله لا يعرف موضعه فكيف يعرف المغيب انتهى ملخصا وروى أحمد والبزار وصححه بن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه قال خمس لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة الآية وقد تقدم في كتاب الإيمان بيان جهة الحصر في قوله لا يعلمهن إلا الله ويراد هنا أن ذلك يمكن أن يستفاد من الآية الأخرى وهي قوله تعالى قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله فالمراد بالغيب المنفى فيها هو المذكور في هذه الآية التي في لقمان وأما قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحدا إلا من ارتضى من رسول الآية فيمكن أن يفسر بما في حديث الطيالسي وأما ما ثبت بنص القرآن أن عيسى عليه السلام قال أنه يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون وأن يوسف قال إنه ينبئهم بتأويل الطعام قبل أن يأتي إلى غير ذلك مما ظهر من المعجزات والكرامات فكل ذلك يمكن أن يستفاد من الاستثناء في قوله إلا من ارتضى من رسول فإنه يقتضي اطلاع الرسول على بعض الغيب والولي التابع للرسول عن الرسول يأخذ وبه يكرم والفرق بينهما أن الرسول يطلع على ذلك بأنواع الوحي كلها والولي لا يطلع على ذلك إلا بمنام أو الهام والله اعلم ونقل بن التين عن الداودي أنه أنكر على الطبري دعواه أنه بقي من الدنيا من هجرة المصطفى نصف يوم وهو خمسمائة عام قال وتقوم الساعة ويعود الأمر إلى ما كان عليه قبل أن يكون شيء غير الباري تعالى فلا يبقى غير وجهه فرد عليه بأن وقت الساعة لا يعلمها إلا الله فالذي قاله مخالف لصريح القرآن والحديث ثم تعقبه من جهة أخرى وذلك أنه توهم من كلامه أنه ينكر البعث فأقدم على تفكيره وزعم أن كلامه لا يحتمل تأويلا وليس كما قال بل مراد الطبري أنه يصير الأمر أي بعد فناء المخلوقات كلها على ما كان عليه أولا ثم يقع البعث والحساب هذا الذي يجب حمل كلامه عليه وأما إنكاره عليه استخراج وقت الساعة فهو معذور فيه ويكفي في الرد عليه أن الأمر وقع بخلاف ما قال قد مضت خمسمائة ثم ثلاثمائة وزيادة لكن الطبري تمسك بحديث أبي ثعلبة رفعه لن يعجز هذه الأمة أن يؤخرها الله نصف يوم الحديث أخرجه أبو داود وغيره لكنه ليس صريحا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك والله أعلم وسيأتي ما يتعلق بقدر ما بقي من الدنيا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى

قوله سورة السجدة بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر وسقطت البسملة للنسفي ولغيرهما تنزيل السجدة حسب قوله وقال مجاهد مهين ضعيف نطفة الرجل وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله من ماء مهين ضعيف وللفريابي من هذا الوجه في قوله من سلالة من ماء مهين قال نطفة الرجل قوله ضللنا هلكنا وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وقالوا أئذا ضللنا في الأرض قال هلكنا قوله وقال بن عباس الجرز التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن رجل عن مجاهد عنه مثله وذكره الفريابي وإبراهيم الحربي في غريب الحديث من طريق بن أبي نجيح عن رجل عن بن عباس كذلك زاد إبراهيم وعن مجاهد قال هي أرض أبين وأنكر ذلك الحربي وقال أبين مدينة معروفة باليمن فلعل مجاهدا قال ذلك في وقت لم تكن أبين تنبت فيه شيئا وأخرج بن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن بن عباس في قوله إلى الأرض الجزر قال هي أرض باليمن وقال أبو عبيدة الأرض الجرز اليابسة الغليظة التي لم يصبها مطر قوله يهد يبين أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله أو لم يهد لهم قال أو لم يبين لهم وقال أبو عبيدة في قوله أو لم يهد لهم أي يبين لهم وهو من الهدى

قوله باب قوله فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين قرأ الجمهور أخفى بالتحريك على البناء للمفعول وقرأ حمزة بالإسكان فعلا مضارعا مسندا للمتكلم ويؤيده قراءة بن مسعود تخفي بنون العظمة وقرأها محمد بن كعب أخفى بفتح أوله وفتح الفاء على البناء للفاعل وهو الله ونحوها قراءة الأعمش أخفيت وذكر المصنف في آخر الباب أن أبا هريرة قرأ قرأت أعين بصيغة الجمع وبها قرأ بن مسعود أيضا وأبو الدرداء قال أبو عبيدة ورأيتها في المصحف الذي يقال له الإمام قرة بالهاء على الوحدة وهي قراءة أهل الأمصار

[ 4501 ] قوله يقول الله تعالى أعددت لعبادي ووقع في حديث آخر أن سبب الحديث أن موسى عليه السلام سأل ربه من أعظم أهل الجنة منزلة فقال غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر أخرجه مسلم والترمذي من طريق الشعبي سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى سأل ربه فذكر الحديث بطوله وفيه هذا وفي آخره قال ومصداق ذلك في كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين قوله ولا خطر على قلب بشر زاد بن مسعود في حديثه ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل أخرجه بن أبي حاتم وهو يدفع قول من قال إنما قيل البشر لأنه يخطر بقلوب الملائكة والأولى حمل النفي فيه على عمومه فإنه أعظم في النفس قوله دخرا بضم الدال المهملة وسكون المعجمة منصوب متعلق بأعددت أي جعلت ذلك لهم مدخورا

[ 4502 ] قوله من بله ما أطلعتم عليه قال الخطابي كأنه يقول دع ما أطلعتم عليه فإنه سهل في جنب ما ادخر لهم قلت وهذا لائق بشرح بله بغير تقدم من عليها وأما إذا تقدمت من عليها فقد قيل هي بمعنى كيف ويقال بمعنى أجل ويقال بمعنى غير أو سوى وقيل بمعنى فضل لكن قال الصغاني اتفقت نسخ الصحيح على من بله والصواب إسقاط كلمة من وتعقب بأنه لا يتعين إسقاطها إلا إذا فسرت بمعنى دع وأخرجه سعيد بن منصور ومن طريقه بن مردويه من رواية أبي معاوية عن الأعمش كذلك وقال بن مالك المعروف بله اسم فعل بمعنى أترك ناصبة لما يليها بمقتضى المفعولية واستعماله مصدرا بمعنى الترك مضافا إلى ما يليه والفتحه في الأولى بنائية وفي الثانية إعرابية وهو مصدر مهمل الفعل ممنوع الصرف وقال الأخفش بله هنا مصدر كما تقول ضرب زيد وندر دخول من عليها زائدة ووقع في المغني لابن هشام أن بله استعملت معربة مجرورة بمن وإنها بمعنى غير ولم يذكر سواه وفيه نظر لأن بن التين حكى رواية من بله بفتح الهاء مع وجود من فعلى هذا فهي مبنية وما مصدرية وهي وصلتها في موضع رفع على الابتداء والخبر هو الجار والمجرور المتقدم ويكون المراد ببله كيف التي يقصد بها الاستبعاد والمعنى من أين اطلاعكم على هذا القدر الذي تقصر عقول البشر عن الإحاطة به ودخول من على بله إذا كانت بهذا المعنى جائز كما أشار إليه الشريف في شرح الحاجبية قلت وأصح التوجيهات لخصوص سياق حديث الباب حيث وقع فيه ولا خطر على قلب بشر دخرا من بله ما أطلعتم إنها بمعنى غير وذلك بين لمن تأمله والله اعلم قوله وقال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح قرأ أبو هريرة قرأت أعين وصله أبو عبيدة القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن له عن أبي معاوية بهذا الإسناد مثله سواء وأخرج مسلم الحديث كله عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية به

قوله سورة الأحزاب بسم الله الرحمن الرحيم سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر وسقطت البسملة فقط للنسفي قوله وقال مجاهد صياصيهم قصورهم وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عنه قوله معروفا في الكتاب ثبت هذا للنسفي وحده وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة إن بن جريج قال قلت لعطاء في هذه الآية إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا فقال هو إعطاء المسلم الكافر بينهما قرابة صلة له قوله النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر وذكر فيه حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مؤمن إلا وأنا أولى به الحديث وسيأتي الكلام في الفرائض إن شاء الله تعالى

قوله باب ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله أي أعدل وسيأتي تفسير القسط والفرق بين القاسط والمقسط في آخر الكتاب

[ 4504 ] قوله ان زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله في رواية القاسم بن معن عن موسى بن عقبة في هذا الحديث ما كنا ندعو زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا زيد بن محمد أخرجه الإسماعيلي وفي حديث عائشة الآتي في النكاح في قصة سالم مولى أبي حذيفة وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه حتى نزلت هذه الآية وسيأتي مزيد الكلام على قصة زيد بن حارثة في ذلك بعد قليل إن شاء الله تعالى

قوله باب فمنهم من قضى نحبه عهده قال أبو عبيدة في قوله فمنهم من قضى نحبه أي نذره والنحب النذر والنحب أيضا النفس والنحب أيضا الخطر العظيم وقال غيره النحب في الأصل المنذر ثم استعمل في آخر كل شيء وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الحسن في قوله فمنهم من قضى نحبه قال قضى أجله على الوفاء والتصديق وهذا مخالف لما قاله غيره بل ثبت عن عائشة إن طلحة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنت يا طلحة ممن قضى نحبه أخرجه بن ماجة والحاكم ويمكن أن يجمع بحمل حديث عائشة على المجاز وقضى بمعنى يقضي ووقع في تفسير بن أبي حاتم منهم عمار بن ياسر وفي تفسير يحيى بن سلام منهم حمزة وأصحابه وقد تقدم في قصة أنس بن النضر قول أنس بن مالك منهم أنس بن النضر وعند الحاكم من حديث أبي هريرة منهم مصعب بن عمير ومن حديث أبي ذر أيضا قوله أقطارها جوانبها هو قول أبي عبيدة قوله الفتنة لآتوها لأعطوها هو قول أبي عبيدة أيضا وهو على قراءة آتوها بالمد وأما من قرأها بالقصر وهي قراءة أهل الحجاز فمعناه جاءوها ثم ذكر طرفا من حديث أنس في قصة أنس بن النضر وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل الجهاد

[ 4506 ] قوله أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت قال لما نسخنا الصحف في المصاحف تقدم في آخر تفسير التوبة من وجه آخر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت لكن في تلك الرواية أن الآية لقد جاءكم رسول وفي هذه أن الآية من المؤمنين رجال فالذي يظهر أنهما حديثان وسيأتي في فضائل القرآن من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بالحديثين معا في سياق واحد قوله فقدت آية من سورة الأحزاب كنت كثيرا أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها هذا يدل على أن زيدا لم يكن يعتمد في جمع القرآن على علمه ولا يقتصر على حفظه لكن فيه إشكال لأن ظاهره أنه اكتفى مع ذلك بخزيمة وحده والقرآن إنما يثبت بالتواتر والذي يظهر في الجواب أن الذي أشار إليه أن فقده فقد وجودها مكتوبة لا فقد وجودها محفوظة بل كانت محفوظة عنده وعند غيره ويدل على هذا قوله في حديث جمع القرآن فأخذت أتتبعه من الرقاع والعسب كما سيأتي مبسوطا في فضائل القرآن وقوله خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين يشير إلى قصة خزيمة المذكورة وهو خزيمة بن ثابت كما سأبينه في رواية إبراهيم بن سعد الآتية وأما قصته المذكورة في الشهادة فأخرجها أبو داود والنسائي ووقعت لنا في جزء محمد بن يحيى الذهلي من طريق الزهري أيضا عن عمارة بن خزيمة عن عمه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع من أعرابي فرسا فاستتبعه ليقضيه ثمن الفرس فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الإعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي يساومونه في الفرس حتى زادوه على ثمنه فذكر الحديث قال فطفق الإعرابي يقول هلم شهيدا يشهد أني قد بعتك فمن جاء من المسلمين يقول ويلك إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقول إلا الحق حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع المراجعة فقال أنا أشهد إنك قد بايعته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بم تشهد قال بتصديقك فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين ووقع لنا من وجه آخر أن اسم هذا الأعرابي سواد بن الحارث فأخرج الطبراني وابن شاهين من طريق زيد بن الحباب عن محمد بن زرارة بن خزيمة حدثني عمارة بن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى فرسا من سواد بن الحارث فجحده فشهد له خزيمة بن ثابت فقال له بم تشهد ولم تكن حاضرا قال بتصديقك وأنك لا تقول إلا حقا فقال النبي صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه قال الخطابي هذا الحديث حمله كثير من الناس على غير محمله وتذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عندهم بالصدق على كل شيء ادعاه وإنما وجه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الأعرابي بعلمه وجرت شهادة خزيمة مجرى التوكيد لقوله والاستظهار على خصمه فصار في التقدير كشهادة الإثنين في غيرها من القضايا انتهى وفيه فضيلة الفطنة في الأمور وأتها ترفع منزلة صاحبها لأن السبب الذي أبداه خزيمة حاصل في نفس الأمر يعرفه غيره من الصحابة إنما هو لما اختص بتفطنة لما غفل عنه غيره مع وضوحه جوزي على ذلك بان خص بفضيلة من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه تنبيه زعم بن التين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته شهادتين لا تعد أي تشهد على ما لم تشاهده انتهى وهذه الزيادة لم أقف عليها

قوله باب قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا في رواية أبي ذر أمتعكن الآية قوله وقال معمر كذا لأبي ذر وسقط هذا العزو من رواية غيره قوله التبرج أن تخرج زينتها هو قول أبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى ولفظه في كتاب المجاز في قوله تعالى ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى هو من التبرج وهو أن يبرزن محاسنهن وتوهم مغلطاي ومن قلده أن مراد البخاري معمر بن راشد فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر ولا وجود لذلك في تفسير عبد الرزاق وإنما أخرج عن معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال كانت المرأة تخرج تتمشى بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية وعند بن أبي حاتم من طريق شيبان عن قتادة قال كانت لهن مشية وتكسر وتغنج إذا خرجن من البيوت فنهين عن ذلك ومن طريق عكرمة عن بن عباس قال قال عمر ما كانت إلا جاهلية واحدة فقال له بن عباس هل سمعت بأولى إلا ولها آخرة ومن وجه آخر عن بن عباس قال تكون جاهلية أخرى ومن وجه آخر عنه قال كانت الجاهلية الأولى ألف سنة فيما بين نوح وإدريس وإسناده قوي ومن حديث عائشة قالت الجاهلية الأولى بين نوح وإبراهيم وإسناده ضعيف ومن طريق عامر وهو الشعبي قال هي ما بين عيسى ومحمد وعن مقاتل بن حيان قال الأولى زمان إبراهيم والأخرى زمان محمد قبل أن يبعث قلت ولعله أراد الجمع بين ما نقل عن عائشة وعن الشعبي والله أعلم قوله سنة الله استنها جعلها هو قول أبي عبيدة أيضا وزاد جعلها سنة ونسبه مغلطاي ومن تبعه أيضا إلى تخريج عبد الرزاق عن معمر وليس ذلك فيه قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخبر أزواجه سيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده

قوله باب قوله وإن كنتن تردن الله ورسوله ساقوا كلهم الآية إلى عظيما قوله وقال قتادة واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة القرآن والسنة وصله بن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة بلفظ من آيات الله والحكمة القرآن والسنة أورده بصورة اللف والنشر المرتب وكذا هو في تفسير عبد الرزاق

[ 4508 ] قوله وقال الليث حدثني يونس وصله الذهلي عن أبي صالح عنه وأخرجه بن جرير والنسائي والإسماعيلي من رواية بن وهب عن يونس كذلك قوله لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه ورد في سبب هذا التخيير ما أخرجه مسلم من حديث جابر قال دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم هن حولي كما ترى يسألنني النفقة يعني نساءه وفيه أنه اعتزلهن شهرا ثم نزلت عليه هذه الآية يا أيها النبي قل لأزواجك حتى بلغ أجرا عظيما قال فبدأ بعائشة فذكر نحو حديث الباب وقد تقدم في المظالم من طريق عقيل ويأتي في النكاح أيضا من طريق شعيب كلاهما عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن بن عباس عن عمر في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا بطوله وفي آخره حين أفشته حفصة إلى عائشة وكان قد قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وقد أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين قالت عائشة فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة فقال إني ذاكرا لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي الحديث وهذا السياق ظاهره أن الحديث كله من رواية بن عباس عن عمر وأما المروي عن عائشة فمن رواية بن عباس عنها وقد وقع التصريح بذلك فيما أخرجه بن أبي حاتم وابن مردويه من طريق أبي صالح عن الليث بهذا الإسناد إلى بن عباس قال قالت عائشة أنزلت آية التخيير فبدأ بي الحديث لكن أخرج مسلم الحديث من رواية معمر عن الزهري ففصله تفصيلا حسنا وذلك أنه أخرجه بطوله إلى آخر قصة عمر في المتظاهرتين إلى قوله حتى عاتبه ثم عقبة بقوله قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضى تسع وعشرون فذكر مراجعتها في ذلك ثم عقبة بقوله قال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك الحديث فعرف من هذا أن قوله فلما مضت تسع وعشرون الخ في رواية عقيل هو من رواية الزهري عن عائشة بحذف الواسطة ولعل ذلك وقع عن عمد من أجل الاختلاف على الزهري في الواسطة بينه وبين عائشة في هذه القصة بعينها كما بينه المصنف هنا وكأن من أدرجه في رواية بن عباس مشى على ظاهر السياق ولم يفطن للتفصيل الذي وقع في رواية معمر وقد أخرج مسلم أيضا من طريق سماك بن الوليد عن بن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد الحديث بطوله وفي آخره قال وأنزل الله آية التخيير فاتفق الحديثان على أن آية التخيير نزلت عقب فراغ الشهر الذي اعتزلهن فيه ووقع ذلك صريحا في رواية عمرة عن عائشة قالت لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم إلى نسائه أمر أن يخبرهن الحديث أخرجه الطبري والطحاوي واختلف الحديثان في سبب الاعتزل ويمكن الجمع بأن يكون القضيتان جميعا سبب الاعتزال فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين وسيأتي في باب من خير نساءه من كتاب الطلاق بيان الحكم فيمن خيرها زوجها إن شاء الله تعالى وقال الماوردي اختلف هل كان التخيير بين الدنيا والآخرة أو بين الطلاق والإقامة عنده على قولين للعلماء أشبههما بقول الشافعي الثاني ثم قال أنه الصحيح وكذا قال القرطبي اختلف في التخيير هل كان في البقاء والطلاق أو كان بين الدنيا والآخرة انتهى والذي يظهر الجمع بين القولين لأن أحد الأمرين ملزوم للآخر وكأنهن خيرن بين الدنيا فيطلقهن وبين الآخرة فيمسكهن وهو مقتضى سياق الآية ثم ظهر لي أن محل القولين هل فوض إليهن الطلاق أم لا ولهذا أخرج أحمد عن على قال لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه إلا بين الدنيا والآخرة قوله فلا عليك أن لا تعجلي أي فلا بأس عليك في التأني وعدم العجلة حتى تشاوري أبويك قوله حتى تستأمري أبويك أي تطلبي منها أن يبينا لك رأيهما في ذلك ووقع في حديث جابر حتى تستشيري أبويك زاد محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان أخرجه أحمد والطبري ويستفاد منه أن أم رومان كانت يومئذ موجودة فيرد به على من زعم أنها ماتت سنة ست من الهجرة فإن التخيير كان في سنة تسع قوله قالت فقلت ففي أي هذا أستأمر أبوي في رواية محمد بن عمرو فقلت فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ولا أؤامر أبوي أبا بكر وأم رومان فضحك وفي رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه عند الطبري ففرح قوله ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت في رواية عقيل ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة زاد بن وهب عن يونس في روايته فلم يكن ذلك طلاقا حين قاله لهن فاخترته أخرجه الطبري وفي رواية محمد بن عمرو المذكورة ثم استقرى الحجر يعني حجر أزواجه فقال إن عائشة قالت كذا فقلن ونحن نقول مثل ما قالت وقوله استقري الحجر أي تتبع والحج بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة بضم ثم سكون والمراد مساكن أزواجه صلى الله عليه وسلم وفي حديث جابر المذكور أن عائشة لما قالت بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة قالت يا رسول الله وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت فقال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني متعنتا وإنما بعثني معلما ميسرا وفي رواية معمر عند مسلم قال معمر فأخبرني أيوب أن عائشة قالت لا تخبر نساءك أني اخترتك فقال إن الله أرسلني مبلغا ولم يرسلني متعنتا وهذا منقطع بين أيوب وعائشة ويشهد لصحته حديث جابر والله اعلم وفي الحديث ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وحلمه عنهن وصبره على ما كان يصدر منهن من إدلال وغيره مما يبعثه عليهن الغيرة وفيه فضل عائشة لبداءته بها كذا قرره النووي لكن روى بن مردويه من طريق الحسن عن عائشة أنها طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا فأمر الله نبيه أن يخير نساءه أما عند الله تردن أم الدنيا فإن ثبت هذا وكانت هي السبب في التخيير فلعل البداءة بها لذلك لكن الحسن لم يسمع من عائشة فهو ضعيف وحديث جابر في أن النسوة كن يسألنه النفقة أصح طريقا منه وإذا تقرر أن السبب لم يتحد فيها وقدمت في التخيير دل على المراد لا سيما مع تقديمه لها أيضا في البداءة بها في الدخول عليها وفيه أن صغر السن مظنة لنقص الرأي قال العلماء إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تستأمر أبويها خشية أن يحملها صغر السن على اختيار الشق الآخر لاحتمال أن لا يكون عندها من الملكة ما يدفع ذلك العارض فإذا استشارت أبويها أوضحا لها ما في ذلك من المفسدة وما في مقابله من المصلحة ولهذا لما فطنت عائشة لذلك قالت قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ووقع في رواية عمرة عن عائشة في هذه القصة وخشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثني وهذا شاهد للتأويل المذكور وفيه منقبة عظيمة لعائشة وبيان كمال عقلها وصحة رأيها مع صغر سنها وأن الغيرة تحمل المرأة الكاملة الرأي والعقل على ارتكاب ما لا يليق بحالها لسؤالها النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخبر أحدا من أزواجه بفعلها ولكنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن الحامل لها على ذلك ما طبع عليه النساء من الغيرة ومحبة الاستبداد دون ضرائرها لم يسعفها بما طلبت من ذلك تنبيه وقع في النهاية والوسيط التصريح بأن عائشة أرادت أن يختار نساؤه الفراق فإن كانا ذكراه فيما فهماه من السياق فذاك وإلا فلم أر في شيء من طرق الحديث التصريح بذلك وذكر بعض العلماء أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم تخيير أزواجه واستند إلى هذه القصة ولا دلالة فيها على الاختصاص نعم أدعى بعض من قال إن التخيير طلاق أنه في حق الأمة واختص هو صلى الله عليه وسلم بأن ذلك في حقه ليس بطلاق وسيأتي مزبد بيان لذلك في كتاب الطلاق أن شاء تعالى واستدل به بعضهم على ضعف ما جاء أن من الأزواج حينئذ من اختارت الدنيا فزوجها وهي فاطمة بنت الضحاك لعموم قوله ثم فعل الخ قوله تابعه موسى بن أعين عن معمر عن الزهري أخبرني أبو سلمة يعني عن عائشة وصله النسائي من طريق محمد بن موسى بن أعين حدثنا أبي فذكره قوله وقال عبد الرزاق وأبو سفيان المعمري عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أما رواية عبد الرزاق فوصلها مسلم وابن ماجة من طريقه وأخرجها أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه وقصر من قصر تخريجها على بن ماجة وأما رواية أبي سفيان المعمري فأخرجها الذهلي في الزهريات وتابع معمرا على عروة جعفر بن برقان ولعل الحديث كان عند الزهري عنهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وإلى هذا مال الترمذي وقد رواه عقيل وشعيب عن الزهري عن عائشة بغير واسطة كما قدمته والله أعلم

قوله باب وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه لم تختلف الروايات أنها نزلت في قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش

[ 4509 ] قوله حدثنا معلى بن منصور هو الرازي وليس له عند البخاري سوى هذا الحديث وآخر في البيوع وقد قال في التاريخ الصغير دخلنا عليه سنة عشر فكأنه لم يكثر عنه ولهذا حدث عنه في هذين الموضعين بواسطة قوله حدثنا ثابت كذا قال معلى بن منصور عن حماد وتابعه محمد بن أبي بكر المقدمي وعارم وغيرهما وقال الصلت بن مسعود وروح بن عبد المؤمن وغيرهما عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس فلعل لحماد فيه إسنادين وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن أيوب صاحب البصري عن حماد بن زيد بالإسنادين معا قوله ان هذه الآية وتخفى في نفسك ما الله مبديه نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة هكذا اقتصر على هذا القدر من هذه القصة وقد أخرجه في التوحيد من وجه آخر عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتق الله وأمسك عليك زوجك قال أنس لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه الآية قال وكانت تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وأخرجه أحمد عن مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد بهذا الإسناد بلفظ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد بن حارثة فجاءه زيد يشكوها إليه فقال له أمسك عليك زوجك واتق الله فنزلت إلى قوله زوجناكها قال يعني زينب بنت جحش وقد أخرج بن أبي حاتم هذه القصة من طريق السدي فساقها سياقا واضحا حسنا ولفظه بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه فكرهت ذلك ثم أنها رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه ثم أعلم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بعد أنها من أزواجه فكان يستحي أن يأمر بطلاقها وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب ما يكون من الناس فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك عليه زوجه وأن يتقي الله وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا تزوج امرأة ابنه وقد كان قد تبنى زيدا وعنده من طريق على بن زيد عن على بن الحسين بن علي قال أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما أتاه زيد يشكوها إليه وقال له اتق الله وأمسك عليك زوجك قال الله قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفى في نفسك ما الله مبديه وقد أطنب الترمذي الحكيم في تحسين هذه الرواية وقال إنها من جواهر العلم المكنون وكأنه لم يقف على تفسير السدي الذي أوردته وهو أوضح سياقا وأصح إسنادا إليه لضعف على بن زيد بن جدعان وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال جاء زيد بن حارثة فقال يا رسول الله إن زينب أشتد على لسانها وأنا أريد أن أطلقها فقال له اتق الله وأمسك عليك زوجك قال والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها ويخشى قاله الناس ووردت آثار أخرى أخرجها بن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها والذي أوردته منها هو المعتمد والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس تزوج امرأة ابنه وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا ووقوع ذلك من إمام المسلمين ليكون أدعى لقبولهم وإنما وقع الخبط في تأويل متعلق الخشية والله أعلم وقد أخرج الترمذي من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن عائشة قالت لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية وإذ تقول الذي أنعم الله عليه يعني بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق أمسك عليك زوجك إلى قوله قدرا مقدورا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا تزوج حليلة ابنه فأنزل الله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم الآية وكان تبناه وهو صغير قلت حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد فأنزل الله تعالى ادعوهم لآبائهم إلى قوله ومواليكم قال الترمذي روى عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة إلى قوله لكتم هذه الآية ولم يذكر ما بعده قلت وهذا القدر أخرجه مسلم كما قال الترمذي وأظن الزائد بعده مدرجا في الخبر فإن الراوي له عن داود لم يكن بالحافظ وقال بن العربي إنما قال عليه الصلاة والسلام لزيد أمسك عليك زوجك اختبارا لما عنده من الرغبة فيها أو عنها فلما أطلعه زيد على ما عنده منها من النفرة التي نشأت من تعاظمها عليه وبذاءة لسانها أذن له في طلاقها وليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الآمر به والله اعلم وروى أحمد ومسلم والنسائي من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذكرها على قال فانطلقت فقلت يا زينب أبشري أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك فقالت ما أنا بصانعه شيئا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها بغير إذن وهذا أيضا من أبلغ ما وقع في ذلك وهو أن يكون الذي كان زوجها هو الخاطب لئلا يظن أحد أن ذلك وقع قهرا بغير رضاه وفيه أيضا اختبار ما كان عنده منها هل بقي منه شيء أم لا وفيه استحباب فعل المرأة الاستخارة ودعائها عند الخطبة قبل الإجابة وأن من وكل أمره إلى الله عز وجل يسر الله له ما هو الأحظ له والأنفع دنيا وأخرى

قوله باب قوله ترجئ من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك كذا للجميع وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وحكى الواحدي عن المفسرين أن هذه الآية نزلت عقب نزول آية التخيير وذلك أن التخيير لما وقع أشفق بعض الأزواج أن يطلقهن ففوضن أمر القسم إليه فأنزلت ترجى من تشاء الآية قوله قال بن عباس ترجئ تؤخر وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس به قوله أرجه أخره هذا من تفسير الأعراف والشعراء ذكره هنا استطرادا وقد وصله بن أبي حاتم أيضا من طريق عطاء عن بن عباس قال في قوله أرجه وأخاه قال أخره وأخاه

[ 4510 ] قوله حدثنا زكريا بن يحيى هو الطائي وقيل البلخي وقد تقدم بيان ذلك في العيدين قوله حدثنا أبو أسامة قال هشام حدثنا هو من تقديم المخبر على الصيغة وهو جائز قوله كنت أغار كذا وقع بالغين المعجمة من الغيرة ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن بشر عن هشام بن عروة بلفظ كانت تعير اللاتي وهبن أنفسهن بعين مهملة وتشديد قوله وهبهن أنفسهن هذا ظاهر في أن الواهية أكثر من واحدة ويأتي في النكاح حديث سهل بن سعد أن امرأة قالت يا رسول الله إني وهبت نفسي لك الحديث وفيه قصة الرجل الذي طلبها قال التمس ولو خاتما من حديد ومن حديث أنس أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له إن لي ابنة فذكرت من جمالها فآثرتك بها فقال قد قبلتها فلم تزل تذكر حتى قالت لم تصدع قط فقال لا حاجة لي في ابنتك وأخرجه أحمد أيضا وهذه امرأة أخرى بلا شك وعند بن أبي حاتم من حديث عائشة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم هي خولة بنت حكيم وسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح فإن البخاري أشار إليه معلقا ومن طريق الشعبي قال من الواهبات أم شربك وأخرجه النسائي من طريق عروة وعند أبي عبيدة معمر بن المثنى أن من الواهبات فاطمة بنت شريح وقيل إن ليلى بنت الحطيم ممن وهبت نفسها له ومنهن زينب بنت خزيمة جاء عن الشعبي وليس بثابت وخولة بنت حكيم وهو في هذا الصحيح ومن طريق قتادة عن بن عباس قال التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم هي ميمونة بنت الحارث وهذا منقطع وأورده من وجه آخر مرسل وإسناده ضعيف ويعارضه حديث سماك عن عكرمة عن بن عباس لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له أخرجه الطبري وإسناده حسن والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له وأن كان مباحا له لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى إن أراد النبي أن يستنكحها وقد بينت عائشة في هذا الحديث سبب نزول قوله تعالى ترجى من تشاء منهن وأشارت إلى قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي وقوله تعالى قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وروى بن مردويه من حديث بن عمر ومن حديث بن عباس أيضا قال فرض عليهم أن لا نكاح إلا بولي وشاهدين قوله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك أي ما أرى الله إلا موجدا لما تريد بلا تأخير منزلا لما تحب وتختار وقوله ترجى من تشاء منهن أي تؤخرهن بغير قسم وهذا قول الجمهور وأخرجه الطبري عن بن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبي رزين وغيرهم وأخرج الطبري أيضا عن الشعبي في قوله ترجى من تشاء منهن قال كن نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن وأرجا بعضهن لم ينكحهن وهذا شاذ والمحفوظ أنه لم يدخل بأحد من الواهبات كما تقدم وقيل المراد بقوله ترجى من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء أنه كان هم بطلاق بعضهن فقلن له لا تطلقنا واقسم لنا ما شئت فكان يقسم لبعضهن قسما مستويا وهن اللاتي آواهن ويقسم للباقي ما شاء وهن اللاتي أرجأهن فحاصل ما نقل في تأويل ترجى أقوال أحدها تطلق وتمسك ثانيها تعتزل من شئت منهن بغير طلاق وتقسم لغيرها ثالثها تقبل من شئت من الواهبات وترد من شئت وحديث الباب يؤيد هذا والذي قبله واللفظ يحتمل للأقوال الثلاثة وظاهر ما حكته عائشة من استئذانه أنه لم يرج أحدا منهن بمعنى أنه لم يعتزل وهو قول الزهري ما أعلم أنه أرجأ أحدا من نسائه أخرجه بن أبي حاتم وعن قتادة أطلق له أن يقسم كيف شاء فلم يقسم إلا بالسوية

[ 4511 ] قوله يستأذن المرأة في اليوم أي الذي يكون فيه نوبتها إذا أراد أن يتوجه إلى الأخرى قوله تابعه عباد بن عباد سمع عاصما وصله بن مردويه في تفسيره من طريق يحيى بن معين عن عباد بن عباد ورويناه في الجزء الثالث من حديث يحيى بن معين رواية أبي بكر المروزي عنه من طريق المصريين إلى المروزي تكميل اختلف في المنفى في قوله تعالى في الآية التي تلي هذه الآية وهي قوله لا تحل لك النساء من بعد هل المراد بعد الأوصاف المذكورة فكان يحل له صنف دون صنف أو بعد النساء الموجودات عند التخيير على قولين وإلى الأول ذهب أبي بن كعب ومن وافقه أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وإلى الثاني ذهب بن عباس ومن وافقه وأن ذلك وقع مجازاة لهن على اختيارهن إياه نعم الواقع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتجدد له تزوج امرأة بعد القصة المذكورة لكن ذلك لا يرفع الخلاف وقد روى الترمذي والنسائي عن عائشة ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء وأخرج بن أبي حاتم عن أم سلمة رضي الله عنها مثله

قوله باب قوله لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام إلى قوله إن ذلكم كان عند الله عظيما كذا لأبي ذر والنسفي وساق غيرهما الآية كلها قوله يقال أناه إدراكه أني يأنى أناة فهو آن أني بفتح الألف والنون مقصور ويأتي بكسر النون وأناة بفتح الهمزة والنون مخففا وآخره هاء تأنيث بغير مد مصدر قال أبو عبيدة في قوله إلى طعام غير ناظرين أناه أي إدراكه وبلوغه ويقال أني يأنى أنيا أي بلغ وأدرك قال الشاعر تمحضت المنون له بنوم أني ولكل حاملة تمام وقوله أنيا بفتح الهمزة وسكون النون مصدر أيضا وقرأ الأعمش وحده آناه بمد أوله بصيغة الجمع مثل آناء الليل ولكن بغير همز في آخره قوله لعل الساعة تكون قريبا إذا وصفت صفة المؤنث قلت قريبة وإذا جعلته ظرفا وبدلا ولم ترد الصفة نزعت الهاء من المؤنث وكذلك لفظها في الواحد والإثنين والجمع المذكر والأنثى هكذا وقع هذا الكلام هنا لأبي ذر والنسفي وسقط لغيرهما وهو أوجه لأنه وإن اتجه ذكره في هذه السورة لكن ليس هذا محله وقد قال أبو عبيدة في قوله تعالى وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا مجازه مجاز الظرف ههنا ولو كان صفا للساعة لكان قريبة وإذا كانت ظرفا فإن لفظها في الواحد وفي الإثنين والجمع من المذكر والمؤنث واحد بغير هاء وبغير جمع وبغير تثنية وجوز غيره أن يكون المراد بالساعة اليوم فلذلك ذكره أو المراد شيئا قريبا أو زمانا قريبا أو التقدير قيام الساعة فحذف قيام وروعيت الساعة في تأنيث تكون وروعى المضاف المحذوف في تذكير قريبا وقيل قريبا كثر استعماله استعمال الظروف فهو ظرف في موضع الخبر ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدهما حديث أنس عن عمر قال قلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب وهو طرف من حديث أوله وافقت ربي في ثلاث وقد تقدم بتمامه في أوائل الصلاة وفي تفسير البقرة ثانيها حديث أنس في قصة بناء النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول آية الحجاب أورده من أربعة طرق عن أنس بعضها أتم من بعض وقوله لما أهديث أي لما زينتها الماشطة وزفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزعم الصغائي أن الصواب هديت بغير ألف لكن توارد النسخ على إثباتها يرد عليه ولا مانع من استعمال الهدية في هذا استعارة

[ 4513 ] قوله لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا في رواية الزهري عن أنس كما سيأتي في الاستئذان قال أنا أعلم الناس بشأن الحجاب وكان في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أصبح بها عروسا فدعا القوم وفي رواية أبي قلابة عن أنس قال أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب لما أهديت زينب بنت جحش إلى النبي صلى الله عليه وسلم صنع طعاما وفي رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس أنه كان الداعي إلى الطعام قال فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون قال فدعوت حتى ما أجد أحدا وفي رواية حميد فأشبع المسلمين خبزا ولحما ووقع في رواية الجعد بن عثمان عن أنس عندمسلم وعلقه البخاري قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله فصنعت له أم سليم حيسا فذهبت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع لي فلانا وفلانا وذهبت فدعوتهم زهاء ثلاثمائة رجل فذكر الحديث في إشباعهم من ذلك وقد تقدمت الإشارة إليه في علامات النبوة ويجمع بينه وبين رواية حميد بأنه صلى الله عليه وسلم أو لم عليه باللحم والخبز وأرسلت إليه أم سليم الحيس وفي رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم حتى امتد النهار الحديث أخرجه مسلم قوله قلت يا رسول الله والله ما أجد أحدا قال فارفعوا طعامكم زاد الإسماعيلي من طريق جعفر بن مهران عن عبد الوارث فيه قال وزينب جالسة في جانب البيت قال وكانت امرأة قد أعطيت جمالا وبقي في البيت ثلاثة قوله ثم جلسوا يتحدثون في رواية أبي قلابة فجعل يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون قوله وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر في رواية عبد العزيز وبقي ثلاثة رهط وفي رواية حميد فلما رجع إلى بيته رأى رجلين ووافقه بيان بن عمرو عن أنس عند الترمذي وأصله عند المصنف أيضا ويجمع بين الروايتين بأنهم أول ما قام وخرج من البيت كانوا ثلاثة وفي آخر ما رجع توجه واحد منهم في أثناء ذلك فصاروا اثنين وهذا أولى من جزم بن التين بأن إحدى الروايتين وهم وجوز الكرماني أن يكون التحديث وقع من اثنين منهم فقط والثالث كان ساكتا فمن ذكر الثلاثة لحظ الأشخاص ومن ذكر الإثنين لحظ سبب العقود ولم أقف على تسمية أحد منهم قوله فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم انطلقوا هكذا وقع الجزم في هذه الرواية بأنه الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهم وكذا في رواية الجعد المذكورة واتفقت رواية عبد العزيز وحميد على أن أنسا كان يشك في ذلك ولفظ حميد فلا أدري أنا أخبرته بخروجهما أم أخبر وفي رواية عبد العزيز عن أنس فما أدري أخبرته أو أخبر وهو مبنى للمجهول أي أخبر بالوحي وهذا الشك قريب من شك أنس في تسمية الرجل الذي سأل الدعاء بالاستسقاء فإن بعض أصحاب أنس جزم عنه بأنه الرجل الأول وبعضهم ذكر أنه سأله عن ذلك فقال لا أدري كما تقدم في مكانه وهو محمول على أنه كان يذكره ثم عرض له الشك فكان يشك فيه ثم تذكر فجزم قوله فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلو بيوت النبي الآية زاد أبو قلابة في روايته إلا أن يؤذن لكم إلى قوله من وراء حجاب فضرب الحجاب وفي رواية عبد العزيز حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة والأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب وعند الترمذي من رواية عمرو بن سعيد عن أنس فلما أرخى الستر دوني ذكرت ذلك لأبي طلحة فقال إن كان كما تقول لينزلن فيه قرآن فنزلت آية الحجاب قوله في رواية عبد العزيز

[ 4515 ] فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال السلام عليكم في رواية حميد ثم خرج إلى أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلم عليهن ويسلمن عليه ويدعو لهن ويدعون له وفي رواية عبد العزيز أنهن قلن له كيف وجدت أهلك بارك الله لك قوله فتقرى بفتح القاف وتشديد الراء بصيغة الفعل الماضي أي تتبع الحجرات واحدة واحدة يقال منه قريت الأرض إذا تتبعتها أرضا بعد أرض وناسا بعد ناس قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة في رواية حميد رأى رجلين جرى بهما الحديث فلما رآهما رجع عن بيته فلما رأى الرجلان نبي الله صلى الله عليه وسلم رجع عن بيته وثبا مسرعين ومحصل القصة أن الذين حضروا الوليمة جلسوا يتحدثون واستحى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالخروج فتهيأ للقيام ليفطنوا لمراده فيقوموا بقيامه فلما ألهاهم الحديث عن ذلك قام وخرج فخرجوا بخروجه إلا الثلاثة الذين لم يفطنوا لذلك لشدة شغل بالهم بما كانوا فيه من الحديث وفي غضون ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقوموا من غير مواجهتهم بالأمر بالخروج لشدة حيائه فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام على نسائه وهم في شغل بالهم وكأن أحدهم في أثناء ذلك أفاق من غفلته فخرج وبقي الاثنان فلما طال ذلك ووصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله فرآهما فرجع فرأياه لما رجع فحينئذ فطنا فخرجا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأنزلت الآية فأرخى الستر بينه وبين أنس خادمه أيضا ولم يكن له عهد بذلك تنبيه ظاهر الرواية الثانية أن الآية نزلت قبل قيام القوم وا لأولى وغيرها أنها نزلت بعد فيجمع بان المراد أنها نزلت حال قيامهم أي أنزلها الله وقد قاموا ووقع في رواية الجعد فرجع فدخل البيت وارخى الستر وإني لفي الحجرة وهو يقول يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلى قوله من الحق وفي الحديث من الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين قال عياض فرض الحجاب مما اختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا إظهار شخوصهن وأن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة من براز ثم استدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها انتهى وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن وقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص وقد تقدم في الحج قول بن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة أقبل الحجاب أو بعده قال قد أدركت ذلك بعد الحجاب وسيأتي في آخر الحديث الذي يليه مزيد بيان لذلك

[ 4516 ] قوله وقال بن أبي مريم أنبأنا يحيى حدثني حميد سمعت أنسا مراده بذلك أن عنعنة حميد في هذا الحديث غير مؤثرة لأنه ورد عنه التصريح بالسماع لهذا الحديث منه ويحيى المذكور هو بن أبي أيوب الغافقي المصري وابن أبي مريم من شيوخ البخاري واسمه سعيد بن الحكم ووقع في بعض النسخ من رواية أبي ذر وقال إبراهيم بن أبي مريم وهو تغيير فاحش وإنما هو سعيد الحديث الثالث حديث عائشة خرجت سودة أي بنت زمعة أم المؤمنين بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وقد تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره رواية الزهري هذه عن عروة قال الكرماني فإن قلت وقع هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب وتقدم في الوضوء أنه كان قبل الحجاب فالجواب لعله وقع مرتين قلت بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرح بقوله عليه الصلاة والسلام احجب نساءك وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا ولو كن مستترات فبالغ في ذلك فمنع منه وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعا للمشقة ورفعا للحرج وقد اعترض بعض الشراح بأن إيراد الحديث المذكور في الباب ليس مطابقا بل إيراده في عدم الحجاب أولى وأجيب بأنه أحال على أصل الحديث كعادته وكأنه أشار إلى أن الجمع بين الحديثين ممكن والله اعلم وقد وقع في رواية مجاهد عن عائشة لنزول آية الحجاب سبب آخر أخرجه النسائي بلفظ كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيسا في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصاب إصبعه إصبعي فقال حس أو أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب ويمكن الجمع بأن ذلك وقع قبل قصة زينب فلقربه منها أطلقت نزول الحجاب بهذا السبب ولا مانع من تعدد الأسباب وقد أخرج بن مردويه من حديث بن عباس قال دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فأطال الجلوس فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ليخرج فلم يفعل فدخل عمر فرأى الكراهية في وجهه فقال للرجل لعلك آذيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قمت ثلاثا لكي يتبعني فلم يفعل فقال له عمريا رسول الله لو اتخذت حجابا فإن نساءك لسن كسائر النساء وذلك أطهر لقلوبهن فنزلت آية الحجاب

قوله باب قوله إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان إلى قوله شهيدا كذا لأبي ذر وساق غيره الآيتين جميعا ثم ذكر حديث عائشة في قصة أفلح أخي أبي القعيس وسيأتي شرح الحديث مستوفى في الرضاع ومطابقته للترجمة من قوله لا جناح عليهن في آبائهن الخ فإن ذلك من جملة الآيتين وقوله

[ 4518 ] في الحديث ائذني له فإنه عمك مع قوله في الحديث الآخر العم صنو الأب وبهذا يندفع اعتراض من زعم أنه ليس في الحديث مطابقة للترجمة أصلا وكأن البخاري رمز بإيراد هذا الحديث إلى رد على من كره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها كما أخرجه الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة والشعبي أنه قيل لهما لم لم يذكر للعم والخال في هذه الآية فقالا لأنهما ينعتاها لأبنائهما وكرها لذلك أن تضع خمارها عند عمها أو خالها وحديث عائشة في قصة أفلح يرد عليهما وهذا من دقائق ما في تراجم البخاري

قوله باب قوله إن الله وملائكته يصلون على النبي الآية كذا لأبي ذر وساقها غيره إلى تسليما قوله قال أبو العالية صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء أخرجه بن أبي حاتم ومن طريق آدم بن أبي إياس حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع هو بن أنس بهذا وزاد في آخره له قوله وقال بن عباس يصلون يبركون وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله يصلون على النبي قال يبركون على النبي أي يدعون له بالبركة فيوافق قول أبي العالية لكنه أخص منه وقد سئلت عن إضافة الصلاة إلى الله دون السلام وأمر المؤمنين بها وبالسلام فقلت يحتمل أن يكون السلام له معنيان التحية والانقياد فأمر به المؤمنون لصحتهما منهم والله وملائكته لا يجوز منهم الانقياد فلم يضف إليهم دفعا للإيهام والعلم عند الله قوله لنعزينك لنسلطنك كذا وقع هذا هنا ولا تعلق له بالآية وإن كان من جملة السورة فلعله من الناسخ وهو قول بن عباس ووصله الطبري أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عنه بلفظ لنسلطنك عليهم وقال أبو عبيدة مثله وكذا قال السدى

[ 4519 ] قوله سعيد بن يحيى هو الأموي قوله قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه في حديث أبي سعيد الذي بعد هذا قلنا يا رسول الله والمراد بالسلام ما علمهم إياه في التشهد من قولهم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته والسائل عن ذلك هو كعب بن عجرة نفسه أخرجه بن مردويه من طريق الأجلح عن الحكم بن أبي ليلى عنه وقد وقع السؤال عن ذللك أيضا لبشير بن سعد والد النعمان بن بشير كذا وقع في حديث أبي مسعود عند مسلم بلفظ أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله تعالى أن نصلي عليه فكيف نصلي عليك وروى الترمذي من طريق يزيد بن أبي زيادة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت إن الله وملائكته الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام فكيف الصلاة قوله فكيف الصلاة عليك في حديث أبي سعيد فكيف نصلي عليك زاد أبو مسعود في روايته إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا أخرجه الطبري أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بهذه الزيادة قوله قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد في حديث أبي سعيد على محمد عبدك ورسولك قوله كما صليت على آل إبراهيم أي تقدمت منك الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فنسأل منك الصلاة على محمد وعلى آل محمد بطريق الأولى لأن الذي يثبت للفاضل يثبت للأفضل بطريق الأولى وبهذا يحصل الانفصال عن الإيراد المشهور من أن شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى ومحصل الجواب أن التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل بل من باب النهييج ونحوه أو من بيان حال ما لا يعرف بما يعرف لأنه فيما يستقبل والذي يحصل لمحمد صلى الله عليه وسلم من ذلك أقوى وأكمل وأجابوا بجواب آخر على تقدير أنه من باب الإلحاق وحاصل الجواب أن التشبيه وقع للمجموع بالمجموع لأن مجموع آل إبراهيم أفضل من مجموع آل محمد لأن في آل إبراهيم الأنبياء بخلاف آل محمد ويعكر على هذا الجواب التفصيل الواقع في غالب طرق الحديث وقيل في الجواب أيضا إن ذلك كان قبل أن يعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه أفضل من إبراهيم وغيره من الأنبياء وهو مثل ما وقع عند مسلم عن أنس إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم قوله على آل إبراهيم كذا فيه في الموضعين وسأذكر تحرير ذلك في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وفي آخر حديث أبي سعيد المذكور والسلام كما قد علمتم قوله في حديث أبي سعيد

[ 4520 ] قال أبو صالح عن الليث يعني بالإسناد المذكور قبل قوله على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم يعني أن عبد الله بن يوسف لم يذكر آل إبراهيم عن الليث وذكرها أبو صالح عنه في الحديث المذكور وهكذا أخرجه أبو نعيم من طريق يحيى بن بكير عن الليث قوله حدثنا بن أبي حازم هو عبد العزيز بن سلمة بن دينار قوله والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد قوله عن يزيد هو بن عبد الله بن شداد بن الهاد شيخ الليث فيه ومراده أنهما روياه بإسناد الليث فذكر آل إبراهيم كما ذكره أبو صالح عن الليث واستدل بهذا الحديث على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم من أجل قوله فيه وعلى آل محمد وأجاب من منع بأن الجواز مقيد بما إذا وقع تبعا والمنع إذا وقع مستقلا والحجة فيه أنه صار شعارا للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يشاركه غيره فيه فلا يقال قال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وأن كان معناه صحيحا ويقال صلى الله على النبي وعلى صديقه أو خليفته ونحو ذلك وقريب من هذا أنه لا يقال قال محمد عز وجل وأن كان معناه صحيحا لأن هذا الثناء صار شعارا لله سبحانه فلا يشاركه غيره فيه ولا حجة لمن أجاز ذلك منفردا فيما وقع من قوله تعالى وصل عليهم ولا في قوله اللهم صل على آل أبي أوفى ولا في قول امرأة جابر صل علي وعلى زوجي فقال اللهم صل عليهما فإن ذلك كله وقع من النبي صلى الله عليه وسلم ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما شاء وليس لغيره أن يتصرف إلا بإذنه ولم يثبت عنه إذن في ذلك ويقوى المنع بأن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم صار شعارا لأهل الأهواء يصلون على من يعظمونه من أهل البيت وغيرهم وهل المنع في ذلك حرام أو مكروه أو خلاف الأولى حكى الأوجه الثلاثة النووي في الإذكار وصحح الثاني وقد روى إسماعيل بن إسحاق في كتاب أحكام القرآن له بإسناد حسن عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أما بعد فإن ناسا من الناس التمسوا عمل الدنيا بعمل الآخرة وإن ناسا من القصاص أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين ويدعوا ما سوى ذلك ثم أخرج عن بن عباس بإسناد صحيح قال لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار وذكر أبو ذر أن الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كان في السنة الثانية من الهجرة وقيل من ليلة الإسراء

قوله باب لا تكونوا كالذين آذوا موسى ذكر فيه طرفا من قصة موسى مع بني إسرائيل وقد تقدم بسنده مطولا في أحاديث الأنبياء مع شرحه مستوفى وقد روى أحمد بن منيع في مسنده والطبري وابن أبي حاتم بإسناد قوي عن بن عباس عن علي قال صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون فقال بنو إسرائيل لموسى أنت قلته كان ألين لنا منك وأشد حبا فآذوه بذلك فأمر الله الملائكة فحملته فمرت به على مجالس بني إسرائيل فعلموا بموته قال الطبري يحتمل أن يكون هذا المراد بالأذى في قوله لا تكونوا كالذين آذوا موسى قلت وما في الصحيح أصح من هذا لكن لا مانع أن يكون للشيء سببان فأكثر كما تقدم تقريره غير مرة

قوله سورة سبأ بسم الله الرحمن الرحيم سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر وهذه السورة سميت بقوله فيها لقد كان لسبأ في مساكنهم الآية قال بن إسحاق وغيره هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ووقع عند الترمذي وحسنه من حديث فروة بن مسيك قال أنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل يا رسول الله وما سبأ أرض أو امرأة قال ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن ستة وتشاءم أربعة الحديث قال وفي الباب عن بن عباس قلت حديث بن عباس وفروة صححهما الحاكم وأخرج بن أبي حاتم في حديث فروة زيادة أنه قال يا رسول الله إن سبأ قوم كان لهم عز في الجاهلية وإني أخشى أن يرتدوا فأقاتلهم قال ما أمرت فيهم بشيء فنزلت لقد كان لسبأ في مساكنهم الآيات فقال له رجل يا رسول الله وما سبأ فذكره وأخرج بن عبد البر في الأنساب له شاهدا من حديث تميم الداري وأصله قصة سبأ وقد ذكرها بن إسحاق مطولة في أول السيرة النبوية وأخرج بعضها بن أبي حاتم من طريق حبيب بن الشهيد عن عكرمة وأخرجها أيضا من طريق السدي مطولا قوله معاجزين مسابقين بمعجزين بفائنين معاجزي مسابقي سبقوا فاتوا لا يعجزون لا يفوتون يسبقونا يعجزونا قوله بمعجزين بفائتين ومعنى معاجزين مغالبين يريد كل واحد منهما أن يظهر عجز صاحبه أما قوله معاجزين مسابقين فقال أبو عبيدة في قوله والذين سعوا في آياتنا معاجزين أي مسابقين يقال ما أنت بمعجزي أي سابقي وهذا اللفظ أي معاجزين على إحدى القراءتين وهي قراءة الأكثر في موضعين من هذه السورة وفي سورة الحج والقراءة الأخرى لابن كثير وأبي عمرو معجزين بالتشديد في المواضع الثلاثة وهي بمعناها وقيل معنى معاجزين معاندين ومغالبين ومعنى معجزين ناسبين غيرهم إلى العجز وأما قوله بمعجزين فلعله أشار إلى قوله في سورة العنكبوت وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وقد أخرج بن أبي حاتم بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير نحوه وأما قوله معاجزي مسابقي فسقط من رواية الأصيلي وكريمة وثبت عندهما معاجزين مغالبين وتكرر لهما بعد وقد ظهر أنه بقية كلام أبي عبيدة كما قدمته وأما قوله سيقوا الخ فقال أبو عبيدة في سورة الأنفال في قوله ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا مجازه فاتوا أنهم لا يعجزون أي لا يفوتون وأما قوله يسبقونا فأخرج بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا أي يعجزونا وأما قوله بمعجزين بفائتين فكذا وقع مكررا في رواية أبي ذر وحده وسقط للباقين وأما قوله معاجزين مغالبين الخ فقال الفراء معناه معاندين وذكر بن أبي حاتم من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس في قوله معاجزين قال مراغمين وكلها بمعنى قوله معشار عشر قال أبو عبيدة في قوله تعالى وما بلغوا معشار ما آتيناهم أي عشر ما أعطيناهم وقال الفراء المعنى وما بلغ أهل مكة معشار الذين أهلكناهم من قبلهم من القوة والجسم والولد والعدد والمعشار العشر قوله يقال الأكل الثمرة قال أبو عبيدة في قوله تعالى ذواتي أكل خمط وأثل قال الخمط هو كل شجر ذي شوك والأكل الجني أي بفتح الجيم مقصور وهو بمعنى الثمرة قوله باعد وبعد واحد قال أبو عبيدة في قوله تعالى قالوا ربنا باعد بين أسفارنا مجازه مجاز الدعاء وقرأه قوم بعد يعني بالتشديد قلت قراءة باعد للجمهور وقرأه بعد أبو عمرو وابن كثير وهشام قوله وقال مجاهد لا يعزب لا يغيب وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عنه بهذا قوله سيل العرم السد كذا للأكثر بضم المهملة وتشديد الدال ولأبي ذر عن الحموي الشديد بمعجمة وزن عظيم قوله فشقة كذا للأكثر بمعجمة قبل القاف الثقيلة وذكر عياض أن في رواية أبي ذر فبثقه بموحدة ثم مثلثة قبل القاف الخفيفة قال وهو الوجه تقول بثقت النهر إذا كسرته لتصرفه عن مجراه قوله فارتفعتا عن الجنبتين كذا للأكثر بفتح الجيم والنون الخفيفة بعدها موحدة ثم مثناة فوقانية ثم تحتانية ثم نون ولأبي ذر عن الحموي بتشديد النون بغير موحدة تثنية جنة واستشكل هذا الترتيب لأن السياق يقتضي أن يقول ارتفع الماء على الجنتين وارتفعت الجنتان عن الماء وأجيب بان المراد من الارتفاع الزوال أي ارتفع اسم الجنة منهما فالتقدير فارتفعت الجنتان عن كونهما جنتين وتسمية ما بدلوا به جنتين على سبيل المشاكلة قوله ولم يكن الماء الأحمر من السد كذا للأكثر بضم المهملة وتشديد الدال وللمستملى من السيل وعند الإسماعيلي من السيول وهذا الأثر عن مجاهد وصله الفريابي أيضا وقال السد في الموضعين يقال فشقه بالمعجمة والقاف الثقيلة وقال على الجنتين تثنية جنة كما للأكثر في المواضع كلها قوله وقال عمرو بن شرحبيل العرم المسناة بلحن أهل اليمن وقال غيره العرم الوادي أما قول عمرو فوصله سعيد بن منصور عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة وهو عمرو بن شرحبيل فذكره سواء واللحن اللغة والمسناة بضم الميم وفتح المهملة وتشديد النون وضبط في أصل الأصيلي بفتح الميم وسكون المهملة قال بن التين المراد بها ما يبني في عرض الوادي ليرتفع السيل ويفيض على الأرض وكأنه أخذ من عرامة الماء وهو ذهابه كل مذهب وقال الفراء العرم المسناة وهي مسناة كانت تحبس الماء على ثلاثة أبواب منها فيسيبون من ذلك الماء من الباب الأول ثم الثاني ثم الآخر ولا ينفذ حتى يرجع الماء السنة المقبلة وكانوا أنعم قوم فلما أعرضوا عن تصديق الرسل وكفروا بثق الله عليهم تلك المسناة فغرقت أرضهم ودقت الرمل بيوتهم ومزقوا كل ممزق حتى صار تمزيقهم عند العرب مثلا يقولون تفرقوا أيدي سبأ وأما قول غيره فأخرجه بن أبي حاتم من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه قال العرم اسم الوادي وقيل العرم اسم الجرذ الذي خرب السد وقيل هو صفة السيل مأخوذ من العرامة وقيل اسم المطر الكثير وقال أبو حاتم هو جمع لا واحد له من لفظة وقال أبو عبيدة سيل العرم واحدتها عرمة وهو بناء يحبس به الماء يبني فيشرف به على الماء في وسط الأرض ويترك فيه سبيل للسفينة فتلك العرمات واحدتها عرمة قوله السابغات الدروع قال أبو عبيدة في قوله أن أعمل سابغات أي دروعا واسعة طويلة قوله وقال مجاهد يجازي يعاقب وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عنه ومن طريق طاوس قال هو المناقشة في الحساب ومن نوقش الحساب عذب وهو الكافر لا يغفر له تنبيه قيل إن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله من جهة الحصر في الكفر فمفهومه أن غير الكفر بخلاف ذلك ومثله ان العذاب على من كذب وتولى وقيل ولسوف يعطيك ربك فترضى وقيل فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وقيل كل يعمل على شاكلته وقيل

[ 4532 ] قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية وقيل آية الدين وقيل ولا يأثل أولو الفضل منكم والسعة وهذا الأخير نقله مسلم في صحيحه عن عبد الله بن المبارك عقب حديث الإفك وفي كتاب الإيمان من مستدرك الحاكم عن بن عباس قوله تعالى ولكن ليطمئن قلبي قوله أعظكم بواحدة بطاعة الله مثنى وفرادى واحد واثنين وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا قوله التناوش الرد من الآخرة إلى الدنيا وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ وأنى لهم التناوش قال رد من مكان بعيد من الآخرة إلى الدنيا وعند الحاكم من طريق التميمي عن بن عباس في قوله وأنى لهم التناوش من مكان بعيد قال يسألون الرد وليس بعين رد قوله وبين ما يشتهون من مال أو ولد أو زهرة وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله ولم يقل أو زهرة قوله بأشياعهم بأمثالهم وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ كما فعل باشياعهم من قبل قال الكفار من قبلهم قوله وقال بن عباس كالجوابي كالجوبة من الأرض تقدم هذا في أحاديث الأنبياء قيل الجوابي في اللغة جمع جابية وهو الحوض الذي يجبي فيه الشيء أي يجمع وأما الجوبه من الأرض فهي الموضع المطمئن فلا يستقيم تفسير الجوابي بها وأجيب باحتمال أن يكون فسر الجابية بالجوبة ولم يرد أن اشتقاقهما واحد قوله الخمط الأراك والأوائل الطرفاء العرم الشديد سقط الكلام الأخير للنسفي وقد وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس بهذا كله مفرقا

قوله باب حتى إذا فزع من قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير

[ 4522 ] قوله حدثنا عمرو هو بن دينار قوله إذا قضى الله الأمر في السماء في حديث النواس بن سمعان عند الطبراني مرفوعا إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع أهل السماء بذلك صعقوا وخروا سجدا فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به على الملائكة كلما مر بسماء سأله أهله ماذا قال ربنا قال الحق فينتهي به حيث أمر قوله ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا بفتحتين من الخضوع وفي رواية بضم أوله وسكون ثانية وهو مصدر بمعنى خاضعين قوله كأنه أي القول المسموع سلسلة على صفوان هو مثل قوله في بدء الوحي صلصلة كصلصلة الجرس وهو صوت الملك بالوحي وقد روى بن مردويه من حديث بن مسعود رفعه إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السماوات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أنه من أمر الساعة وقرأ حتى إذا فزع الآية وأصله عند أبي داود وغيره وعلقه المصنف موقوفا ويأتي في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قال الخطابي الصلصلة صوت الحديد إذا تحرك وتداخل وكان الرواية وقعت له بالصاد وأراد أن التشبيه في الموضعين بمعنى واحد فالذي في بدء الوحي هذا والذي هنا جر السلسلة من الحديد على الصفوان الذي هو حجر الأملس يكون الصوت الناشيء عنهما سواء قوله على صفوان زاد في سورة الحجر عن علي بن عبد الله قال غيره يعني غير سفيان ينفذهم ذلك في حديث بن عباس عند بن مردويه من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا وعند مسلم والترمذي من طريق على بن الحسين بن علي عن بن عباس عن رجال من الأنصار أنهم كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فرمى بنجم فاستنار فقال ما كنتم تقولون لهذا إذا رمى به في الجاهلية قالوا كنا نقول مات عظيم أو يولد عظيم فقال إنها لا يرمي بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح سماء الدنيا ثم يقولون لحملة العرش ماذا قال ربكم الحديث وليس عند الترمذي عن رجال من الأنصار وسيأتي مزيد فيه في كتاب التوحيد قوله ومسترق السمع في رواية علي عند أبي ذر ومسترق بالإفراد وهو فصيح قوله هكذا بعضه فوق بعض وصفه سفيان أي بن عيينة بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه أي فرق وفي رواية على ووصف سفيان بيده ففرج بين أصابع يده اليمني نصبها بعضها فوق بعض وفي حديث بن عباس عند بن مردويه كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يسمعون منه الوحي يعني يلقيها زاد على عن سفيان حتى ينتهي إلى الأرض فيلقى قوله على لسان الساحر أو الكاهن في رواية الجرجاني على لسان الآخر بدل الساحر وهو تصحيف وفي رواية على الساحر والكاهن وكذا قال سعيد بن منصور عن سفيان قوله فربما أدرك الشهاب الخ يقتضي أن الأمر في ذلك يقع على حد سواء والحديث الآخر يقتضي أن الذي يسلم منهم قليل بالنسبة إلى من يدركه الشهاب ووقع في رواية سعيد بن منصور عن سفيان في هذا الحديث فيرمى هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى يلقى على فم ساحر أو كاهن قوله فيكذب معها مائة كذبة فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء زاد على بن عبد الله عن سفيان كما تقدم في تفسير الحجر فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقا الكلمة التي سمعت من السماء وفي حديث بن عباس المذكور فيقول يكون العام كذا وكذا فيسمعه الجن فيخبرون به الكهنة فتخبر الكهنة الناس فيجدونه وسيأتي بقية شرح هذا القدر في أواخر كتاب الطب إن شاء الله تعالى تنبيه وقع في تفسير سورة الحجر في آخر هذا الحديث عن على بن عبد الله قلت لسفيان إن إنسانا روى عنك عن عمرو عن عكرمة عن أبي هريرة أنه قرا فرغ بضم الفاء وبالراء المهملة الثقيلة وبالغين المعجمة فقال سفيان هكذا قرأ عمرو يعني بن دينار فلا أدري سمعه هكذا أم لا وهذه القراءة رويت أيضا عن الحسن وقتادة ومجاهد والقراءة المشهورة بالزاي والعين المهملة وقرأها بن عامر مبنيا للفاعل ومعناه بالزاي والمهملة أدهش الفزع عنهم ومعنى التي بالراء والغين المعجمة ذهب عن قلوبهم ما حل فيها فقال سفيان هكذا قرأ عمرو فلا أدري سمعه أم لا قال سفيان وهي قراءتنا قال الكرماني فإن قيل كيف جازت القراءة إذا لم تكن مسموعة فالجواب لعل مذهبه جواز القراءة بدون السماع إذا كان المعنى صحيحا قلت هذا وإن كان محتملا لكن إذا وجد احتمال غيره فهو أولى وذلك محمل قول سفيان لا أدري سمعه أم لا على أن مراده سمعه من عكرمة الذي حدثه بالحديث لا أنه شك في أنه هل سمعه مطلقا فالظن به أن لا يكتفي في نقل القرآن بالأخذ من الصحف بغير سماع وأما قول سفيان وهي قراءتنا فمعناه أنها وافقت ما كان يختار من القراءة به فيجوز أن ينسب إليه كما نسب لغيره

قوله باب قوله إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ذكر فيه طرفا من حديث بن عباس في نزول قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين وقد تقدم شرحه مستوفى في سورة الشعراء

قوله سورة الملائكة وياسين بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر وسقط لغيره لفظ سورة وياسين والبسملة والأولى سقوط لفظ يس لأنه مكرر قوله الفطمير لفافة النواة كذا لأبي ذر ولغيره وقاله مجاهد وقد وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد مثله وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة عن بن عباس القطمير القشر الذي يكون على النواة وقال أبو عبيدة القطمير الفوقة التي فيها النواة قال الشاعر وأنت لن تغني عني فوقا قوله وقال بن عباس وغرابيب سود أشد سوادا الغربيب زاد غير أبي ذر الشديد السواد وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس بلفظ قال الغربيب الأسود الشديد السواد قوله مثقلة مثقلة سقط هذا لأبي ذر وهو قول مجاهد قال وأن تدع مثقلة أي مثقلة بذنوبها قوله وقال بن عباس الحرور بالليل والسموم بالنهار سقط هذا لأبي ذر هنا وتقدم في كتاب بدء الخلق قوله وقال غيره الحرور بالنهار مع الشمس ثبت هذا هنا للنسفي وحده وهو قول رؤبة كما تقدم في بدء الخلق

قوله سورة يس سقط هذا لأبي ذر هنا والصواب إثباته قوله وقال مجاهد فعززنا فشددنا سقط هذا لأبي ذر وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد قوله يا حسرة على العباد وكان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل وصله الفريابي كذلك وقد أخرج سعيد بن منصور عن سفيان عن عمرو بن دينار عن بن عباس أنه قرأ يا حسرة العباد بالإضافة قوله أن تدرك القمر الخ وقوله ساق النهار الخ وقوله نسلخ تخرج الخ سقط كله لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق قوله من مثله من الأنعام وصله الفريابي أيضا من طريق مجاهد وعن بن عباس قال المراد بالمثل هنا السفن ورجح لقوله بعد وإن نشأ نغرقهم إذ الغرق لا يكون في الأنعام قوله فكهون معجبون في رواية غير أبي ذر فاكهون وهي القراءة المشهورة والأولى رويت عن يعقوب الحضرمي وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد فاكهون معجبون قال أبو عبيدة من قراها فاكهون جعله كثير الفاكهة قال الحطيئة ودعوتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر أي عندك لبن كثير وتمر كثير وأما فكهون فهي قراءة أبي جعفر وشيبة وهي بوزن فرحون ومعناه مأخوذ من الفاكهة وهي التلذذ والتنعم قوله جند محضرون عند الحساب سقط هذا لأبي ذر وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد كذلك قوله ويذكر عن عكرمة المشحون الموقر سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في أحاديث الأنبياء وجاء مثله عن بن عباس وصله الطبري من طريق سعيد بن جبير عنه بإسناد حسن قوله سورة يس بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر هنا وسقط لغيره قوله وقال بن عباس طائركم عند الله مصائبكم وتقد م في أحاديث الأنبياء وللطبري من وجه آخر عن بن عباس قال طائركم أعمالكم وقال أبو عبيدة طائركم أي حظكم من الخير والشر قوله ينسلون يخرجون وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس به قوله مرقدنا مخرجنا وقوله أحصيناه حفظناه وقوله مكانتهم ومكانهم واحد سقط هذا كله لأبي ذر وسيأتي تفسير أحصيناه في كتاب التوحيد وروى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس في قوله ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم يقول لأهلكناهم في مساكنهم وقال أبو عبيدة في قوله لمسخناهم على مكانتهم المكان والمكانة واحد

قوله باب قوله والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ذكر فيه حديث أبي ذر كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس قال الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب تسجد تحت العرش فذلك

[ 4524 ] قوله والشمس تجري لمستقر لها إلى آخر الآية هكذا أورده مختصرا وأخرجه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بفلظ تذهب حتى تنتهي تحت العرش عند ربها وزاد ثم تستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها وتستشفع وتطلب فإن كان ذلك قيل أطلعي من مكانك فذلك قوله والشمس تجري لمستقر لها وقد ذكر نحو هذه الزيادة من غير طريق أبي نعيم كما سأنبه عليه قوله في الرواية الثانية سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش كذا رواه وكيع عن الأعمش مختصرا وهو بالمعنى فإن في الرواية الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي استفهمه أتدري أين تغرب الشمس فقال الله ورسوله أعلم قوله فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش في رواية أبي معاوية عن الأعمش كما سيأتي في التوحيد فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ثم قرأ وذلك مستقر لها قال وهي قراءة عبد الله وروى عبد الرزاق من طريق وهب عن جابر عن عبد الله بن عمرو في هذه الآية قال مستقرها أن تطلع فيردها ذنوب بني آدم فإذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها فتقول إن السير بعد وإني إن لا يؤذن لي لا أبلغ فتحبس ما شاء الله ثم يقال اطلعي من حيث غربت قال فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها وأما قوله تحت العرش فقيل هو حين محاذاتها ولا يخالف هذا قوله وجدها تغرب في عين حمنة فإن المراد بها نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب وفي الحديث رد على من زعم أن المراد بمستقرها غاية ما تنتهي إليه في الارتفاع وذلك أطول يوم في السنة وقيل إلى منتهى أمرها عند انتهاء الدنيا وقال الخطابي يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن ويحتمل أن يكون المعنى أو علم ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش في كتاب كتب فيه ابتداء أمور العالم ونهايتها فيقطع دوران الشمس وتستقر عند ذلك ويبطل فعلها وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها قلت وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري والله أعلم

قوله سورة الصافات بسم الله الرحمن الرحيم قوله وقال مجاهد ويقذفون بالغيب من مكان بعيد من كل مكان ويقذفون من كل جانب دحورا يرمون واصب دائم لازب لازم سقط هذا كله لأبي ذر وقد تقدم بعضه في بدء الخلق وروى الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ويقذفون بالغيب من مكان يقولون هو ساحر هو كاهن هو شاعر وفي قوله إنا خلقناهم من طين لازب قال لازم وقال أبو عبيدة في قوله ولهم عذاب واصب أي دائم وفي قوله من طين لازب هي بمعنى اللازم قال النابغة ولا يحسبون الشر ضربة لازب أي لازم قوله تأتوننا عن اليمن يعني الحق الكفار تقوله للشياطين ووقع في رواية الكشميهني يعني الجن بجيم ثم نون ونسبه عياض للأكثر وقد وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قال الكفار تقوله للشياطين ولم يذكر الزيادة فدل على أنه شرح من المصنف ولكل من الروايتين وجه فمن قال يعني الجن أراد بيان المقول له وهم الشياطين ومن قال الحق بالمهملة والقاف أراد تفسير لفظ اليمين أي كنتم تأتوننا من جهة الحق فنلبسوه علينا ويؤيده تفسير قتادة قال يقول الإنس للجن كنتم تأتوننا عن اليمن أي من طريق الجنة تصدوننا عنها قوله غول وجع بطن ينزفون لا تذهب عقولهم قرين شيطان سقط هذا لأبي ذر وقد وصله الفريابي عن مجاهد كذلك قوله يهرعون كهيئة الهرولة وصله الفريابي عن مجاهد كذلك قوله يزفون النسلان في المشي سقط هذا لأبي ذر وقد وصله عبد بن حميد من طريق شبل عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فأقبلوا إليه يزفون قال الوزيف النسلان انتهى والنسلان بفتحتين الإسراع مع تقارب الخطا وهو دون السعي قوله وبين الجنة نسبا الخ سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق قوله وقال بن عباس لنحن الصافون الملائكة وصله الطبري وقد تقدم في بدء الخلق قوله صراط الجحيم سواء الجحيم ووسط الجحيم لشوبا يخلط طعامهم ويساط بالحميم مدحورا مطرودا سقط هذا كله لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق قال بعض الشراح أراد أن يفسر دحورا التي في الصافات ففسر مدحورا التي في سورة الإسراء قوله بيض مكنون اللؤلؤ المكنون وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عنه وقال أبو عبيدة في قوله كأنهن بيض مكنون أي مصون وكل شيء صنته فهو مكنون وكل شيء أضمرته في نفسك فقد أكننته قوله وتركنا عليه في الآخرين يذكر بخير ثبت هذا للنسفي وحده وقد تقدم في بدء الخلق قوله الأسباب السماء سقط هذا لغير أبي ذر وثبت للنسفي بلفظ ويقال وقد وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قوله ويقال يستسخرون يسخرون ثبت هذا أيضا للنسفي وأبي ذر فقط وقال أبو عبيدة يستسخرون ويسخرون سواء قوله بعلا ربا ثبت هذا للنسفي وحده وقد وصله بن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن عكرمة عن بن عباس أنه أبصر رجلا يسوق بقرة فقال من بعل هذه قال فدعاه يقال من أنت فقال من أهل اليمن قال هي لغة أتدعون بعلا أي ربا وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث من هذا الوجه مختصرا الخ ولمح المصنف بهذا القدر من قصة اليأس وقد ذكرت خبره في أحاديث الأنبياء عند ذكر إدريس

قوله باب قوله وإن يونس لمن المرسلين ذكر فيه حديث بن مسعود لا ينبغي لأحد أن يكون خيرا من يونس بن متى وحديث أبي هريرة من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء ولله الحمد

قوله سورة ص بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة فقط للنسفي واقتصر الباقون على ص وحكمها حكم الحروف المقطعة أوائل السور وقد قرأها عيسى بن عمر بكسر الدال فقيل للدرج وقيل بل هي عنده فعل أمر من المصاداة وهي المعارضة كأنه قيل عارض القرآن بعملك والأول هو المشهور وسيأتي مزيد بيان في أسماء السورة في أول غافر

[ 4528 ] قوله حدثنا شعبة عن العوام هو بن حوشب كذا قال أكثر أصحاب شعبة وقال أمية بن خالد عنه عن منصور وعمرو بن مرة وأبي حصين ثلاثتهم عن مجاهد فكأن لشعبة فيه مشايخ قوله عن مجاهد كذا قال أكثر أصحاب العوام بن حوشب وقال أبو سعيد الأشج عن أبي خالد الأحمر وحفص بن غياث عن العوام عن سعيد بن جبير بدل مجاهد أخرجه بن خزيمة فلعل للعوام فيه شيخين وقد تقدم في تفسير الأنعام من طريق سليمان الأحول عن مجاهد أنه سأل بن عباس أفي ص سجدة قال نعم ثم تلا ووهبنا له إسحاق ويعقوب إلى قوله فبهداهم اقتده قال هو منهم فالحديث محفوظ لمجاهد فرواية أبي سعيد الأشج شاذة قوله في الرواية الثانية حدثنا محمد بن عبد الله قال الكلاباذي وابن طاهر هو الذهلي نسب إلى جده وقال غيرهما يحتمل أن يكون محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي فإنه من هذه الطبقة قوله فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط فسجدها داود من رواية غير أبي ذر وهذا أصرح في الرفع من رواية شعبة وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالسجود في ص في كتاب سجود التلاوة مستوفى واستدل بهذا على أن شرع من قبلنا شرع لنا وهي مسألة مشهورة في الأصول وقد تعرضنا لها في مكان آخر قوله عجاب عجيب هو قول أبي عبيدة قال والعرب تحول فعيلا إلى فعال بالضم وهو مثل طويل وطوال قال الشاعر تعدو به سهلبة سراعة أي سريعة وقرأ عيسى بن عمر ونقلت عن علي عجاب بالتشديد وهو مثل كبار في قوله ومكروا مكرا كبارا وهو أبلغ من كبار بالتخفيف وكبار المخفف أبلغ من كبير قوله القط الصحيفة هو ههنا صحيفة الحسنات في رواية الكشميهني الحساب وكذا في رواية النسفي وذكره بعض الشراح بالعكس قال أبو عبيدة القط الكتاب والجمع قطوط وقططة كقرد وقرود وقردة وأصله من قط الشيء أي قطعه والمعنى قطعة ما وعدتنا به ويطلق على الصحيفة قط لأنها قطعة تقطع وكذلك الصك ويقال للجائزة أيضا قط لأنها قطعة من العطية وأكثر استعماله في الكتاب وسيأتي له تفسير آخر قريبا وعند عبد بن حميد من طريق عطاء أن قائل ذلك هو النضر بن الحارث قوله وقال مجاهد في عزة أي معازين وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد به وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله في عزة قال في حمية ونقل عن الكسائي في رواية أنه قرأ في غرة بالمعجمة والراء وهي قراءة الجحدري وأبي جعفر قوله الملة الآخرة ملة قريش الاختلاق الكذب وصله الفريابي أيضا عن مجاهد في قوله ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة قال ملة قريش إن هذا إلا اختلاق كذب وأخرج الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله الملة الآخرة قال النصرانية وعن السدي نحوه وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن الكلبي قال وقال قتادة دينهم الذي هم عليه قوله جند ما هنالك مهزوم يعني قريشا سقط لفظ قوله لغير أبي ذر وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله جند ما هنالك مهزوم قال قريش وقوله جند خبر مبتدأ محذوف أي هم وما مزيدة أو صفة لجند وهنا لك مشار به إلى مكان المراجعة ومهزوم صفة لجند أي سيهزمون بذلك المكان وهو من الأخبار بالغيب لأنهم هزموا بعد ذلك بمكة لكن يعكر على هذا ما أخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال وعده الله وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها ببدر فعلى هذا فهنا لك ظرف للمراجعة فقط ومكان الهزيمة لم يذكر قوله الأسباب طرق السماء في أبوابها وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ طرق السماء أبوابها وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الأسباب هي أبواب السماء وقال أبو عبيدة العرب تقول للرجل إذا كان ذا دين ارتقى فلان في الأسباب قوله أولئك الأحزاب القرون الماضية وصله الفريابي عن مجاهد قوله فواق رجوع وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ليس لها مثنوية وهي بمعنى قول مجاهد وروى بن أبي حاتم من طريق السدي ما لها من فواق يقول ليس لهم إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا وقال أبو عبيدة من فتحها أي الفاء قال مالها من راحة ومن ضمها جعلها من فواقي ناقة وهو ما بين الحلبتين والذي قرأ بضم الفاء حمزة والكسائي والباقون بفتحها وقال قوم المعنى بالفتح وبالضم واحد مثل قصاص الشعر يقال بضم القاف وبفتحها قوله قطنا عذابنا وصله الفريابي من طريق مجاهد أيضا ولا منافاة بينه وبين ما تقدم فإنه محمول على أن المراد بقولهم قطنا أي نصيبنا من العذاب وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله قطنا قال نصيبنا من العذاب وهو شبيه قولهم وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية وقول الآخرين ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين وقد أخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال قوله قطنا أي رزقنا ومن طريق سعيد بن جبير قال نصيبنا من الجنة ومن طريق السدي نحوه ثم قال وأولى الأقوال بالصواب أنهم سألوا تعجيل كتبهم بنصيبهم من الخير أو الشر الذي وعد الله عباده في الآخرة أن يعجل لهم ذلك في الدنيا استهزاء منهم وعنادا قوله الصافنات صفن الفرس الخ وقوله الجياد السراع وقوله جسدا شيطانا وقوله رخاء الرخاء الطيب وقوله حيث أصاب حيث شاء وقوله فامنن أعط وقوله بغير حساب بغير حرج ثبت هذا كله للنسفي هنا وسقط للباقين وقد تقدم جميعه في ترجمة سليمان بن داود عليهما السلام من أحاديث الأنبياء قوله اتخذناهم سخريا أحطنا بهم قال الدمياطي في حواشيه لعله احطناهم وتلقاه عن عياض فإنه قال احطنا بهم كذا وقع ولعله اخطأناهم وحذف مع ذلك القول الذي هذا تفسيره وهو أم زاغت عنهم الأبصار انتهى وقد أخرجه بن أبي حاتم من طريق مجاهد بلفظ أخطأناهم أم هم في النار لا نعلم مكانهم وقال بن عطية المعنى ليسوا معنا أم هم معنا لكن أبصارنا تميل عنهم وقال أبو عبيدة من قرأها اتخذناهم أي بهمزة قطع جعلها استفهاما وجعل أم جوابا ومن لم يستفهم فتحها على القطع ومعنى أم معنى بل ومثله أم أنا خير من هذا الذي هو مهين انتهى والذي قرأها بهمزة وصل أبو عمرو وحمزة والكسائي قوله أتراب أمثال وصله الفريابي كذلك قال أبو عبيدة الأتراب جمع ترب وهو بكسر أوله من يولد في زمن واحد وروى بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال أتراب مستويان قوله وقال بن عباس الآيد القوة في العبادة وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله داود ذا الأيد قال القوة ومن طريق مجاهد قال القوة في الطاعة وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ذا الأيد ذا القوة في العبادة قوله الأبصار البصر في أمر الله وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله أولى الأيدي والأبصار قال أولى القوة في العبادة والفقه في الدين ومن طريق منصور عن مجاهد قال الأبصار العقول تنبيه الأبصار وزدت في هذه السورة عقب الأيدي لا عقب الأيد لكن في قراءة بن مسعود أولى الأيدي والأبصار من غير ياء فلعل البخاري فسره على هذه القراءة قوله حب الخير عن ذكر ربي إلى آخره سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في ترجمة سليمان بن داود من أحاديث الأنبياء قوله الأصفاد الوثاق سقط هذا أيضا لأبي ذر وقد تقدم في ترجمة سليمان أيضا

قوله باب قوله هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب تقدم شرحه في ترجمة سليمان عليه السلام من أحاديث الأنبياء

[ 4530 ] قوله تفلت على البارحة أو كلمة نحوها يحتمل أن يكون الشك في لفظ التفلت أو في لفظ البارحة وقد تقدم ذلك في أوائل كتاب الصلاة قوله فذكرت قول أخي سليمان تقدم الكلام عليه في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء وأما ما أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال في قوله لا ينبغي لأحد من بعدي لا أسلبه كما سلبته أول مرة وظاهر حديث الباب يرد عليه وكأن سبب تأويل قتادة هذا هكذا طعن بعض الملاحدة على سليمان ونسبته في هذا إلى الحرص على الاستبداد بنعمة الدنيا وخفي عليه أن ذلك كان بإذن له من الله وأن تلك كانت معجزته كما اختص كل نبي بمعجزة دون غيره والله أعلم قوله قال روح فرده خاسئا روح هو بن عبادة أحد رواته وكأن المراد أن هذه الزيادة وقعت في روايته دون رواية رفيقة وقد ذكرت ما في ذلك من البحث في أوائل كتاب الصلاة وذكرت ما يتعلق برؤية الجن في ترجمة سليمان عليه السلام من أحاديث الأنبياء

قوله وما أنا من المتكلفين ذكر فيه حديث بن مسعود في قصة الدخان وقد تقدم قريبا في تفسير سورة الروم ويأتي في تفسير الدخان وتقدم ما يتعلق منه بالاستسقاء في بابه

قوله سورة الزمر بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال مجاهد يتقي بوجهه يجر على وجهه في النار وهو قوله أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ قال ويقول هي مثل قوله أفمن يلقى الخ ومراده بالمثلثة أن في كل منهما محذوفا وعند الأكثر يجر بالجيم وهو الذي في تفسير للفريابي وغيره وللأصيلي وحده يخر بالخاء المنقوطة من فوق وقال عبد الرزاق أنبأنا بن عيينة عن بشر بن تميم قال نزلت في أبي جهل وعمار بن ياسر أفمن يلقى في النار أبو جهل خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة عمار وذكر الطبري أنه روى عن بن عباس بإسناد ضعيف قال ينطلق به إلى النار مكتوفا ثم يرمي به فيها فأول ما يمس وجهه النار وذكر أهل العربية أن من في قوله أفمن موصولة في محل رفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره أهو كمن أمن العذاب قوله ذي عوج لبس وصله الفريابي والطبري أي ليس فيه لبس وهو تفسير باللازم لأن الذي فيه لبس يستلزم العوج في المعنى وأخرج بن مردويه من وجهين ضعيفين عن بن عباس في قوله غير ذي عوج قال ليس بمخلوق قوله خولنا أعطينا وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ وإذا خولناه قال أعطيناه وقال أبو عبيدة كل مال أعطيته فقد خولته قال أبو النجم كؤم الدري من خول المخول وقال زهير هنالك إن يستخولوا المال يخولوا قوله والذي جاء بالصدق القرآن وصدق به المؤمن يجيء به يوم القيامة زاد النسفي يقول هذا الذي أعطيتني عملت بما فيه قال عبد الرزاق عن بن عيينة عن منصور قلت لمجاهد يا أبا الحجاج والذي جاء بالصدق وصدق به قال هم الذين يأتون بالقرآن فيقول هذا الذي أعطيتمونا قد عملنا بما فيه ووصله بن المبارك في الزهد عن مسعر عن منصور عن مجاهد في قوله عز وجل والذي جاء بالصدق وصدق به قال هم الذين يجيئون بالقرآن قد اتبعوه أو قال اتبعوا ما فيه وأما قتادة فقال الذي جاء بالصدق النبي والذي صدق به المؤمنون أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه وروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس الذي جاء بالصدق لا إله إلا الله وصدق به أي صدق بالرسول ومن طريق السدي الذي جاء بالصدق جبريل والصدق القرآن والذي صدق به محمد صلى الله عليه وسلم ومن طريق أسيد بن صفوان عن علي الذي جاء بالصدق محمد والذي صدق به أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وهذا أخص من الذي قبله وعن أبي العالية الذي جاء بالصدق محمد وصدق به أبو بكر قوله ورجلا سلما لرجل صالحا في رواية الكشميهني خالصا وسقطت للنسفي هذه اللفظة زاد غير أبي ذر مثلا لآلهتهم الباطل والاله الحق وقد وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد ولفظه في قوله رجلا سالما لرجل قال مثل آلهة الباطل ومثل إله الحق وسيأتي تفسير آخر قريبا قوله ويخوفونك بالذين من دونه بالأوثان سقط هذا لأبي ذر وقد وصله الفريابي أيضا عن مجاهد وقال عبد الرزاق عن معمر قال لي رجل قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لتكفن عن شتم آلهتنا أو لنأمرنها فلتخبلنك فنزلت ويخوفونك قوله وقال غيره متشاكسون الرجل الشكس العسر لا يرضى بالأنصاف ورجلا سلما ويقال سالما صالحا سقط وقال غيره لأبي ذر فصار كأنه من بقايا كلام مجاهد وللنسفي وقال بغير ذكر الفاعل والصواب ما عند الأكثر وهو كلام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال الشكس العسر لا يرضى بالأنصاف أخرجه الطبري وعن أبي عبيدة قال في قوله تعالى ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون هو من الرجل الشكس ورجلا سالما الرجل سالم وسلم واحد وهو من الصلح تنبيه قرأ بن كثير وأبو عمرو سالما والباقون سلما بفتح أوله وفي الشواذ بكسره وهما مصدران وصف بهما على سبيل المبالغة أو على أنه واقع موقع اسم الفاعل وهو أولى ليوافق الرواية الأخرى وعليه قوله أبي عبيدة المذكور أنهما واحد أي بمعنى وقوله الشكس بكسر الكاف ويجوز إسكانها هو السيء الخلق وقيل من كسر الكاف فتح أوله ومن سكنها كسر وهما بمعنى قوله اشمأزت نفرت قال أبو عبيدة في قوله تعالى وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون تقول العرب اشمأز قلبي عن فلان أي نفر وروى الطبري من طريق السدي قال اشمأزت أي نفرت ومن طريق مجاهد قال انقبضت قوله بمفازتهم من الفوز قال أبو عبيدة في قوله وينجي الله الذين أتقوا بمفازتهم أي بنجاتهم وهو من الفوز وروى الطبري من طريق السدي قال وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم أي بفضائلهم قوله حافين أطافوا به مطيفين بحفافيه بكسر المهملة وفاءين الأولى خفيفة وفي رواية المستملي بجانبيه وفي رواية كريمة والأصيلي بجوانبه وللنسفي بحافته بجوانبه والصواب رواية الأكثر وهو كلام أبي عبيدة في قوله وترى الملائكة حافين من حول العرش طافوا به بحفافيه ورواية المستملي بالمعني قوله متشابها ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضا في التصديق قال أبو عبيدة في قوله متشابها قال يصدق بعضه بعضا وروى الطبري من طريق السدي في قوله كتابا متشابها قال يشبه بعضه بعضا ويدل بعضه على بعض ومن طريق سعيد بن جبير نحوه وقوله مثاني يجوز أن يكون بيانا لقوله متشابها لأن القصص المتكررة تكون متشابهة والمثاني جمع مثنى بمعنى مكرر لما أعيد فيه من قصص وغيرها

قوله باب قوله يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية ذكر فيه حديث بن عباس إن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا

[ 4532 ] قوله ان بن جريج أخبرهم قال يعلي أي قال قال يعلى و قال تسقط خطا وتثبت لفظا ويعلى هذا هو بن مسلم كما وقع عند مسلم من طريق حجاج بن محمد عن بن جريج في هذا الحديث بعينه بلفظ أخبرني مسلم بن يعلى

وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية حجاج هذا لكن وقع عندهما عن يعلى غير منسوب كما وقع عند البخاري وزعم بعض الشراح أنه وقع عند أبي داود فيه يعلى بن حكيم ولم أر ذلك في شيء من نسخه وليس في البخاري من رواية يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن بن عباس سوى حديث واحد وهو من رواية غير بن جريج عن يعلى والله أعلم ويعلي بن مسلم بصري الأصل سكن مكة مشهور بالرواية عن سعيد بن جبير وبرواية بن جبير عنه وقد روى يعلى بن حكيم أيضا عن سعيد بن جبير وروى عنه بن جريج ولكن ليس هو المراد هنا قوله لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة في رواية الطبراني من وجه آخر عن بن عباس أن السائل عن ذلك هو وحشي بن حرب قاتل حمزة وأنه لما قال ذلك نزلت إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا الآية فقال هذا شرط شديد فنزلت قل يا عبادي الآية وروى بن إسحاق في السيرة قال حدثني نافع عن بن عمر عن عمر قال اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص أن نهاجر إلى المدينة فذكر الحديث في قصتهم ورجوع رفيقه فنزلت قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية قال فكتبت بها إلى هشام قوله ونزل قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم في رواية الطبراني فقال الناس يا رسول الله إنا أصبنا ما أصاب وحشي فقال هي للمسلمين عامة وروى أحمد والطبراني في الأوسط من حديث ثوبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أحب أن لي بهذه الآية الدنيا وما فيها يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية فقال رجل ومن أشرك فسكت ساعة ثم قال ومن أشرك ثلاث مرات واستدل بعموم هذه الآية على غفران جميع الذنوب كبيرها وصغيرها سواء تعلقت بحق الآدميين أم لا والمشهور عند أهل السنة أن الذنوب كلها تغفر بالتوبة وأنها تغفر لمن شاء الله ولو مات على غير توبة لكن حقوق الآدميين إذا تاب صاحبها من العود إلى شيء من ذلك تنفعة التوبة من العود وأما خصوص ما وقع منه فلا بد له من رده لصاحبه أو محاللته منه نعم في سعة فضل الله ما يمكن أن يعرض صاحب الحق عن حقه ولا يعذب العاصي بذلك ويرشد إليه عموم قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والله أعلم

قوله باب قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره ذكر فيه حديث عبد الله وهو بن مسعود

[ 4533 ] قال جاء حبر بفتح المهملة وبكسرها أيضا ولم أقف على اسمه قوله إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع الحديث يأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قال بن التين تكلف الخطابي في تأويل الإصبع وبالغ حتى جعل ضحكه صلى الله عليه وسلم تعجبا وانكارا لما قال الحبر ورد ما وقع في الرواية الأخرى فضحك صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا بأنه على قدر ما فهم الراوي قال النووي وظاهر السياق أنه ضحك تصديقا له بدليل قراءته الآية التي تدل على صدق ما قال الحبر والأولى في هذه الأشياء الكف عن التأويل مع اعتقاد التنزيه فإن كل ما يستلزم النقص من ظاهرها غير مراد وقال بن فورك يحتمل أن يكون المراد بالإصبع إصبع بعض المخلوقات وما ورد في بعض طرقه أصابع الرحمن يدل على القدرة والملك قوله حتى بدت نواجذه أي أنيابه وليس ذلك منافيا للحديث الآخر أن ضحكه كان تبسما كما سيأتي في تفسير الأحقاف

قوله باب قوله والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه لما وقع ذكر الأرض مفردا حسن تأكيد بقوله جميعا إشارة إلى أن المراد جميع الأراضي ثم ذكر حديث أبي هريرة يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض وسيأتي شرحه أيضا مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله اختلف في تعيين من استثنى الله وقد لمحت بشيء من ذلك في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء

[ 4535 ] قوله حدثني الحسن كذا في جميع الروايات غير منسوب فجزم أبو حاتم سهل بن السري الحافظ فيما نقله الكلاباذي بأنه الحسن بن شجاع البلخي الحافظ وهو أصغر من البخاري لكن مات قبله وهو معدود من الحفاظ ووقع في المصافحة للبرقائي أن أعلم وإسماعيل بن الخليل شيخه من أوساط شيوخ البخاري وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين لأنه يروي عن واحد عن زكريا بن أبي زائدة وهنا بينهما ثلاثة أنفس قوله أخبرنا عبد الرحيم هو بن سليمان وعامر هو الشعبي قوله اني من أول من يرفع رأسه تقدم شرحه مستوفى في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء قوله أم بعد النفخة نقل بن التين عن الداودي أن هذه اللفظة وهم واستند إلى أن موسى ميت مقبور فيبعث بعد النفخة فكيف يكون مستثنى وقد تقدم بيان وجه الرد عليه في هذا يغنى عن إعادته ولله الحمد

[ 4536 ] قوله ما بين النفختين تقدم في أحاديث النبياء الرد على من زعم أنها أربع نفخات وحديث الباب يؤيد الصواب قوله أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما لم أقف على اسم السائل قوله أبيت بموحدة أي امتنعت عن القول بتعيين ذلك لأنه ليس عندي في ذلك توقيف ولابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش في هذا الحديث فقال اعييت من الأعياء وهو التعب وكأنه أشار إلى كثرة من يسأله عن تبيين ذلك فلا يجيبه وزعم بعض الشراح أنه وقع عند مسلم أربعين سنة ولا وجود لذلك نعم أخرج بن مردويه من طريق سعيد بن الصلت عن الأعمش في هذا الإسناد أربعون سنة وهو شاذ ومن وجه ضعيف عن بن عباس قال ما بين النفخة والنفخة أربعون سنة ذكره في أواخر سورة ص وكأن أبا هريرة لم يسمعها إلا مجملة فلهذا قال لمن عينها له أبيت وقد أخرج بن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال بين النفختين أربعون قالوا أربعون ماذا قالت هكذا سمعت وقال بن التين ويحتمل أيضا أن يكون علم ذلك لكن سكت ليخبرهم في وقت أو اشتغل عن الإعلام حينئذ ووقع في جامع بن وهب أربعين جمعة وسنده منقطع قوله ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه فيه يركب الخلق في رواية مسلم ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا الحديث وأفرد هذا القدر من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ كل بن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب وله من طريق همام عن أبي هريرة قال إن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا فيه يركب يوم القيامة قالوا أي عظم هو قال عجب الذنب وفي حديث أبي سعيد عند الحاكم وأبي يعلى قيل يا رسول الله ما عجب الذنب قال مثل حبة خردل والعجب بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها موحدة ويقال له عجم بالميم أيضا عوض الباء وهو عظم لطيف في أصل الصلب وهو رأس العصعص وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع وفي حديث أبي سعيد الخدري عند بن أبي الدنيا وأبي داود والحاكم مرفوعا أنه مثل حبة الخردل قال بن الجوزي قال بن عقيل لله في هذا سر لا يعلمه إلا الله لأن من يظهر الوجود من العدم لا يحتاج إلى شيء يبني عليه ويحتمل أن يكون ذلك جعل علامة للملائكة على إحياء كل إنسان بجوهره ولا يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم كل شخص ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هي جزء منها ولولا إبقاء شيء منها لجوزت الملائكة أن الأعادة إلى أمثال الأجساد لا إلى نفس الأجساد وقوله في الحديث ويبلى كل شيء من الإنسان يحتمل أن يريد به يفنى أي تعدم أجزاؤه بالكلية ويحتمل أن يراد به يستحيل فتزول صورته المعهودة فيصير على صفة جسم التراب ثم يعاد إذا ركبت إلى ما عهد وزعم بعض الشراح أن المراد أنه لا يبلى أي يطول بقاؤه لا أنه لا يفنى أصلا والحكمة فيه أنه قاعدة بدء الإنسان وأسه الذي ينبني عليه فهو أصلب من الجميع كقاعدة الجدار وإذا كان أصلب كان أدوم بقاء وهذا مردود لأنه خلاف الظاهر بغير دليل وقال العلماء هذا عام يخص منه الأنبياء لأن الأرض لا تأكل أجسادهم وألحق بن عبد البر بهم الشهداء والقرطبي المؤذن المحتسب قال عياض فتأويل الخبر وهو كل بن آدم يأكله التراب أي كل بن آدم مما يأكله التراب وأن كان التراب لا يأكل أجسادا كثيرة كالأنبياء قوله إلا عجب ذنبه أخذ بظاهره الجمهور فقالوا لا يبلى عجب الذنب ولا يأكله التراب وخالف المزني فقال إلا هنا بمعنى الواو أي وعجب الذنب أيضا يبلى وقد أثبت هذا المعنى الفراء والأخفش فقالوا ترد إلا بمعنى الواو ويرد ما انفرد به المزني التصريح بأن الأرض لا تأكله أبدا كما ذكرته من رواية همام وقوله في رواية الأعرج منه خلق يقتضي أنه أول كل شيء يخلق من الآدمي ولا يعارضه حديث سلمان أن أول ما خلق من آدم رأسه لأنه يجمع بينهما بان هذا في حق آدم وذاك في حق بنيه أو المراد بقول سلمان نفخ الروح في آدم لا خلق جسده

قوله سورة المؤمن بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال مجاهد حم مجازها مجاز أوائل السور ويقال بل هو اسم لقول شريح بن أبي أوفى العبسي يذكرني حاميم والرمح شاجر فلا تلا حاميم قبل التقدم ووقع في رواية أبي ذر وقال البخاري ويقال الخ وهذا الكلام لأبي عبيدة في مجاز القرآن ولفظه حم مجازها مجاز أوائل السور وقال بعضهم بل هو اسم وهو يطلق المجاز ويريد به التأويل أي تأويل حم تأويل أوائل السور أي إن الكل في الحكم واحد فمهما قيل مثلا في ألم يقال مثله في حم وقد اختلف في هذه الحروف المقطعة التي في أوائل السور على أكثر من ثلاثين قولا ليس هذا موضع بسطها وأخرج الطبري من طريق الثوري عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال ألم وحم وألمص وص فواتح افتتح بها وروى بن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد قال فواتح السور كلها ق و ص و طسم وغيرها هجاء مقطوع والإسناد الأول أصح وأما قوله ويقال بل هو اسم فوصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال حم اسم من أسماء القرآن وقال بن التين لعله يريد على قراءة عيسى بن عمر بفتح الحاء والميم الثانية من ميم ويحتمل أن يكون عيسى فتح لالتقاء الساكنين قلت والشاهد الذي أنشده يوافق قراءة عيسى وقال الطبري الصواب من القراءة عندنا في جميع حروف فواتح السور السكون لأنها حروف هجاء لا أسماء مسميات وروى بن مردويه من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال ص وأشباهها قسم أقسم بالله بها وهو من أسماء الله وشريح بن أبي أوفى الذي نسب إليه البيت المذكور وقع في رواية القابسي شريح بن أبي أوفى وهو خطأ ولفظ أبي عبيدة وقال بعضهم بل هو اسم واحتجوا بقول شريح بن أبي أوفى العبسي فذكر البيت وروى هذه القصة عمر بن شبة في كتاب الجمل له من طريق داود بن أبي هند قال كان على محمد بن طلحة بن عبيد الله يوم الجمل عمامة سوداء فقال على لا تقتلوا صاحب العمامة السوداء فإنما أخرجه بره بأبيه فلقيه شريح بن أبي أوفى فأهوى له بالرمح فتلاحم فقتله وحكى أيضا عن بن إسحاق أن الشعر المذكور للأشتر النخعي وقال وهو الذي قتل محمد بن طلحة وذكر أبو مخنف أنه لمدلج بن كعب السعدي ويقال كعب بن مدلج وذكر الزبير بن بكار أن الأكثر على أن الذي قتله عصام بن مقشعر قال المرزباني هو الثبت وأنشد له البيت المذكور وأوله وأشعث قوام بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه فخر صريعا لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعا عليا و من لا يتبع الحق يندم يذكرني حم البيت ويقال إن الشعر لشداد بن معاوية العبسي ويقال اسمه حديد من بني أسد بن خزيمة حكاه الزبير وقيل عبد الله بن معكبر وذكر الحسن بن المظفر النيسابوري في كتاب مأدبة الأدباء قال كان شعار أصحاب على يوم الجمل حم وكان شريح بن أبي أوفى مع على فلما طعن شريح محمدا قال حم فانشد شريح الشعر قال وقيل بل قال محمد لما طعنه شريح أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله فهذا معنى قوله يذكرني حم أي بتلاوة الآية المذكورة لأنها من حم تكملة حم جمع على حواميم قال أبو عبيدة على غير قياس وقال الفراء ليس هذا الجمع من كلام العرب ويقال كان مراد محمد بن طلحة بقوله أذكرك حم أي قوله تعالى في حم عسق قل لا أسألكم عليه أجرا الآية كأنه يذكره بقرابته ليكون ذلك دافعا له عن قتله قوله الطول التفضل هو قول أبي عبيدة وزاد تقول العرب للرجل إنه لذو طول على قومه أي ذو فضل عليهم وروى بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ذي الطول قال ذي السعة والغنى ومن طريق عكرمة قال ذي المنن ومن طريق قتادة قال ذي النعماء قوله داخرين خاضعين هو قول أبي عبيدة وروى الطبري من طريق السدي في قوله سيدخلون جهنم داخرين أي صاغرين قوله وقال مجاهد إلى النجاة إلى الإيمان وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا قوله ليس له دعوة يعني الوثن وصله الفريابي أيضا عن مجاهد بلفظ الأوثان قوله يسجرون توقد بهم النار وصله الفريابي أيضا عن مجاهد بهذا قوله تمرحون تبطرون وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ يبطرون ويأشرون قوله وكان العلاء بن زياد يذكر النار هو بتشديد الكاف أي يذكر الناس النار أي يخوفهم بها قوله فقال رجل لم أقف على اسمه قوله لم بكسر اللام للاستفهام تقنط بتشديد النون وأراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى الآية الأخرى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا فنهاهم عن القنوط من رحمته مع قوله إن المسرفين هو أصحاب النار استدعاء منهم الرجوع عن الإسراف والمبادرة إلى التوبة قبل الموت وأبو العلاء هذا هو العلاء بن زياد البصري تابعي زاهد قليل الحديث وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع ومات قديما سنة أربع وتسعين ثم ذكر حديث عروة بن الزبير قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنعه المشركون وقد تقدم شرحه في أوائل السيرة النبوية

قوله سورة حم السجدة بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال طاوس عن بن عباس ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين أعطينا وصله الطبري وابن أبي حاتم بإسناد على شرط البخاري في الصحة ولفظ الطبري في قوله ائتيا قال أعطيا وفي قوله قالتا أتينا قالتا أعطينا وقال عياض ليس أتى هنا بمعنى أعطى وإنما هو من الإتيان وهو المجيء بمعنى الانفعال للوجود بدليل الآية نفسها وبهذا فسره المفسرون أن معناه جيئا بما خلقت فيكما وأظهراه قالتا أجبنا وروى ذلك عن بن عباس قال وقد روى عن سعيد بن جبير نحو ما ذكره المصنف ولكنه يخرج على تقريب المعنى أنهما لما أمرتا بإخراج ما فيهما من شمس وقمر ونهر ونبات وغير ذلك وأجابتا إلى ذلك كان كالإعطاء فعبر بالإعطاء عن المجيء بما أودعتاه قلت فإذا كان موجها وثبتت به الرواية فأي معنى لإنكاره عن بن عباس وكأنه لما رأى عن بن عباس أنه فسر بمعنى المجيء نفى أن يثبت عنه أنه فسره بالمعنى الآخر وهذا عجيب فما المانع أن يكون له في الشيء قولان بل أكثر وقد روى الطبري من طريق مجاهد عن بن عباس رضي الله عنهما قال قال الله عز وجل للسماوات أطلعي الشمس والقمر والنجوم وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك قالتا أتينا طائعين وقال بن التين لعل بن عباس قرأها آتينا بالمد ففسرها على ذلك قلت وقد صرح أهل العلم بالقراءات أنها قراءته وبها قرأ صاحباه مجاهد وسعيد بن جبير وقال السهيلي في أماليه قيل إن البخاري وقع له في آي من القرآن وهم فإن كان هذا منها وإلا فهي قراءة بلغته وجهه أعطيا الطاعة كما يقال فلان يعطي الطاعة لفلان قال وقد قرئ ثم سئلوا الفتنة لآتوها بالمد والقصر والفتنة ضد الطاعة وإذا جاز في إحداهما جاز في الأخرى انتهى وجوز بعض المفسرين أن آتينا بالمد بمعنى الموافقة وبه جزم الزمخشري فعلى هذا يكون المحذوف مفعولا واحدا والتقدير لتوافق كل منكما الأخرى قالتا توافقنا وعلى الأول يكون قد حذف مفعولان والتقدير أعطيا من أمركما الطاعة من أنفسكما قالتا أعطيناه الطاعة وهو أرجح لثبوته صريحا عن ترجمان القرآن قوله قالتا قال بن عطية أراد الفرقتين المذكورتين جعل السماوات سماء والأرضين أرضا ثم ذكر لذلك شاهدا وهي غفلة منه فإنه لم يتقدم قبل ذلك إلا لفظ سماء مفرد ولفظ أرض مفرد نعم قوله طائعين عبد بالجمع بالنظر إلى تعدد كل منهما وعبر بلفظ جمع المذكر من العقلاء لكونهم عوملوا معاملة العقلاء في الإخبار عنهم وهو مثل رأيتهم لي ساجدين

قوله وقال المنهال هو بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في قصة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وهو صدوق من طبقة الأعمش وثقه بن معين والنسائي والعجلي وغيرهم وتركه شعبة لأمر لا يوجب فيه قدحا كما بينته في المقدمة وهذا التعليق قد وصله المصنف بعد فراغه من سياق الحديث كما سأذكره قوله عن سعيد هو بن جبير وصرح به الأصيلي في روايته وكذا النسفي قوله قال رجل لابن عباس كأن هذا الرجل هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارفة من الخوارج وكان يجالس بن عباس بمكة ويسأله ويعارضه ومن جملة ما وقع سؤاله عنه صريحا ما أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة قال سأل نافع بن الأزرق بن عباس عن قوله تعالى هذا يوم لا ينطقون ولا تسمع إلا همسا وقوله وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وهاؤم أقرءوا كتابيه الحديث بهذه القصة حسب وهي إحدى القصص المسئول عنها في حديث الباب وروى الطبراني من حديث الضحاك بن مزاحم قال قدم نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رءوس الخوارج مكة فإذا هم بابن عباس قاعدا قريبا من زمزم والناس قياما يسألونه فقال له نافع بن الأزرق أتيتك لأسألك فسأله عن أشياء كثيرة من التفسير ساقها في ورقتين وأخرج الطبري من هذا الوجه بعض القصة ولفظه أن نافع بن الأزرق أتى بن عباس فقال قول الله ولا يكتمون الله حديثا وقوله والله ربنا ما كنا مشركين فقال أني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت لهم أين بن عباس فألقى عليه متشابه القرآن فأخبرهم أن الله تعالى إذا جمع الناس يوم القيامة قال المشركون إن الله لا يقبل إلا من وحده فيسألهم فيقولون والله ربنا ما كنا مشركين قال فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم انتهى وهذه القصة إحدى ما ورد في حديث الباب فالظاهر أنه المبهم فيه قوله إني أجد في القرآن أشياء تختلف على أي تشكل وتضطرب لأن بين ظواهرها تدافعا زاد عبد الرزاق في روايته عن معمر عن رجل عن المنهال بسنده فقال بن عباس ما هو أشك في القرآن قال ليس بشك ولكنه اختلاف فقال هات ما اختلف عليك من ذلك قال أسمع الله يقول وحاصل ما وقع السؤال في حديث الباب أربعة مواضع الأول نفى المسائلة يوم القيامة وإثباتها الثاني كتمان المشركين جالهم وافشاؤه الثالث خلق السماوات والأرض أيهما تقدم الرابع الإتيان بحرف كان الدال على الماضي مع أن الصفة لازمة وحاصل جواب بن عباس عن الأول أن نفي المسائلة فيما قبل النفخة الثانية وإثباتها فيما بعد ذلك وعن الثاني أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم وعن الثالث أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة ثم خلق السماء فسواها في يومين ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين فتلك أربعة أيام للأرض فهذا الذي جمع به بن عباس بين قوله تعالى في هذه الآية وبين قوله والأرض بعد ذلك دحاها هو المعتمد وإماما أخرجه عبد الرزاق من طريق أبي سعيد عن عكرمة عن بن عباس رفعه قال خلق الله الأرض في يوم الأحد وفي يوم الإثنين وخلق الجبال وشقق الأنهار وقدر في كل أرض قوتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ثم استوى إلى السماء وهي دخان وتلا الآية إلى قوله في كل سماء أمرها قال في يوم الخميس ويوم الجمعة الحديث فهو ضعيف لضعف أبي سعيد وهو البغال وعن الرابع بأن كان وأن كانت للماضي لكنها لا تستلزم الانقطاع بل المراد أنه لم يزل كذلك فأما الأول فقد جاء في تفسير آخر أن نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فيما عدا ذلك وهذا منقول عن السدي أخرجه الطبري ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس أن نفي المساءلة عند النفخة الأولى وإثباتها بعد النفخة الثانية وقد تأول بن مسعود نفي المسائلة على معنى آخر وهو طلب بعضهم من بعض العفو فأخرج الطبري من طريق زاذان قال أتيت بن مسعود فقال يؤخذ بيد العبد يوم القيامة فينادي ألا إن هذا فلان بن فلان فمن كان له حق قبله فليأت قال فتود المرأة يومئذ أن يثبت لها حق على أبيها أو ابنها أو أخيها أو زوجها فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ومن طريق أخرى قال لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئا ولا يتساءلون به ولا يمت برحم وأما الثاني فقد تقدم بسطه من وجه آخر عند الطبري والآية الأخرى التي ذكرها بن عباس وهي قوله والله ربنا ما كنا مشركين فقد ورد ما يؤيده من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم في أثناء حديث وفيه ثم يلقى الثالث فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك ويثني ما استطاع فيقول الآن نبعث شاهدا عليك فيفكر في نفسه من الذي يشهد على فيختم على فيه وتنطق جوارحه وأما الثالث فأجيب بأجوبة أيضا منها أن ثم بمعنى الواو فلا إيراد وقيل المراد ترتيب الخبر لا المخبر به كقوله ثم كان من الذين آمنوا الآية وقيل على بابها لكن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في الزمان وقيل خلق بمعنى قدر وأما الرابع وجواب بن عباس عنه فيحتمل كلامه أنه أراد أنه سمي نفسه غفورا رحيما وهذه التسمية مضت لأن التعلق انقضى وأما الصفتان فلا يزالان كذلك لا ينقطعان لأنه تعالى إذا أراد المغفرة أو الرحمة في الحال أو الاستقبال وقع مراده قال الكرماني قال ويحتمل أن يكون بن عباس أجاب بجوابين أحدهما أن التسمية هي التي كانت وانتهت والصفة لا نهاية لها والآخر أن معنى كان الدوام فإنه لا يزال كذلك ويحتمل أن يحمل السؤال على مسلكين والجواب على رفعهما كأن يقال هذا اللفظ مشعر بأنه في الزمان الماضي كان غفورا رحيما مع أنه لم يكن هناك من يغفر له أو يرحم وبأنه ليس في الحال كذلك لما يشعر به لفظ كان والجواب عن الأول بأنه كان في الماضي يسمى به وعن الثاني بأن كان تعطى معني الدوام وقد قال النجاة كان لثبوت خبرها ماضيا دائما أو منقطعا قوله فلا يختلف بالجزم للنهي وقد وقع في رواية بن أبي حاتم من طريق مطرف عن المنهال بن عمرو وفي آخره قال فقال له بن عباس هل بقي في قلبك شيء إنه ليس من القرآن شيء إلا نزل فيه شيء ولكن لا تعلمون وجهه تنبيه وقع في السياق والسماء بناها والتلاوة أم السماء بناها كذا زعم بعض الشراح والذي في الأصل من رواية أبي ذر والسماء وما بناها وهو على وفق التلاوة لكن قوله بعد ذلك إلى قوله دحاها يدل على أن المراد الآية التي فيها أم السماء بناها قوله حدثنيه يوسف بن عدي أي بن أبي زريق التيمي الكوفي نزيل مصر وهو أخو زكريا بن عدي وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وقد وقع في رواية القابسي حدثنيه عن يوسف بزيادة عن وهي غلط وسقط قوله وحدثنيه الخ من رواية النسفي وكذا من رواية أبي نعيم عن الجرجاني عن الفربري وثبت ذلك عند جمهور الرواة عن الفربري لكن ذكر البرقاني في المصافحة بعد أن أخرج الحديث من طريق محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا أبو يعقوب يوسف بن عدي فساقه بتمامه قال وقال لي محمد بن إبراهيم الأردستاني قال شاهدت نسخة من كتاب البخاري في هامشها حدثنيه محمد بن إبراهيم حدثنا يوسف بن عدي قال البرقاني ويحتمل أن يكون هذا من صنيع من سمعه من البوشنجي فإن اسمه محمد بن إبراهيم قال ولم يخرج البخاري ليوسف ولا لعبيد الله بن عمرو ولا لزيد بن أبي أنيسة حديثا مسندا سواه وفي مغايرة البخاري سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن صارت صورته صورة الموصول وقد صرح بن خزيمة في صحيحه بهذا الاصطلاح وأن ما يورده بهذه الكيفية ليس على شرط صحيحه وخرج على من يغير هذه الصيغة المصطلح عليها إذا أخرج منه شيئا على هذه الكيفية فزعم بعض الشراح أن البخاري سمعه أولا مرسلا وآخرا مسندا فنقله كما سمعه وهذا بعيدا جدا وقد وجدت للحديث طريقا أخرى أخرجها الطبري من رواية مطرف من طريق عن المنهال بن عمرو بتمامه فشيخ معمر المبهم يحتمل أن يكون مطرفا أو زيد بن أبي أنيسة أو ثالثا قوله وقال مجاهد لهم أجر غير ممنون محسوب سقط هذا من رواية النسفي وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد به وروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله غير ممنون قال غير منقوص وهو بمعنى قول مجاهد محسوب والمراد أنه يحسب فيحصى فلا ينقص منه شيء قوله أقواتها أرزاقها أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن بلفظ قال وقال قتادة جبالها وأنهارها ودوابها وثمارها وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ وقدر فيها أقواتها قال من المطر وقال أبو عبيدة أقواتها واحدها قوت وهي الأرزاق قوله في كل سماء أمرها مما أمر به وصله الفريابي بلفظ مما أمر به وأراده أي من خلق الرجوم والنيرات وغير ذلك قوله نحسات مشائيم وصله الفريابي من طريق مجاهد به وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ريحا صرصرا باردة نحسات مشومات وقال أبو عبيدة الصرصر هي الشديدة الصوت العاصفة نحسات ذوات نحوس أي مشائيم قوله وقيضنا لهم قرناء تنزل عليهم الملائكة عند الموت كذا في رواية أبي ذر والنسفي وطائفة وعند الأصيلي وقيضنا لهم قرناء قرناهم بهم تتنزل عليهم الملائكة عند الموت وهذا هو وجه الكلام وصوابه وليس تتنزل عليهم تفسيرا لقيضنا وقد أخرج الفريابي من طريق مجاهد بلفظ وقيضنا لهم قرناء قال شياطين وفي قوله تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا قال عند الموت وكذلك أخرجه الطبري مفرقا في موضعيه ومن طريق السدي قال تتنزل عليهم الملائكة عند الموت ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال تتنزل عليهم الملائكة وذلك في الآخرة قلت ويحتمل الجمع بين التأويلين فإن حالة الموت أول أحوال الآخرة في حق الميت والحاصل من التأويلين أنه ليس المراد تتنزل عليهم في حال تصرفهم في الدنيا قوله اهتزت بالنبات وربت ارتفعت من أكمامها حين تطلع كذا لأبي ذر والنسفي وفي رواية غيرهما إلى قوله ارتفعت وهذا هو الصواب وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد إلى قوله ارتفعت وزاد قبل أن تنبت قوله ليقولن هذا لي أي بعلمي أنا محقوق بهذا وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ولكن لفظه بعملي بتقديم الميم على اللام وهو الأشبه واللام في ليقولن جواب القسم وأما جواب الشرط فمحذوف وأبعد من قال اللام جواب الشرط والفاء محذوفة منه لأن ذلك شاذ مختلف في جوازه في الشعر ويحتمل أن يكون قوله هذا لي أي لا يزول عني قوله وقال غيره سواء للسائلين قدرها سواء سقط وقال غيره لغير أبي ذر والنسفي وهو أشبه فإنه معنى قول أبي عبيدة وقال في قوله سواء للسائلين نصبها على المصدر وقال الطبري قرأ الجمهور سواء بالنصب وأبو جعفر بالرفع ويعقوب بالجر فالنصب على المصدر أو على نعت الأقوات ومن رفع فعلى القطع ومن خفض فعلى نعت الأيام أو الأربعة قوله فهديناهم دللناهم على الخير والشر كقوله وهديناه النجدين وكقوله هديناه السبيل والهدى الذي هو الإرشاد بمنزلة أسعدناه ومن ذلك قوله أولئك الذين هدى الله فبهداهم افتده كذا لأبي ذر والأصيلي ولغيرهما أصعدناه بالصاد المهملة قال السهيلي هو بالصاد أقرب إلى تفسير أرشدناه من أسعدناه بالسين المهملة لأنه إذا كان بالسين كان من السعد والسعادة وأرشدت الرجل إلى الطريق وهديته السبيل بعيد من هذا التفسير فإذا قلت أصعدناهم بالصاد خرج اللفظ إلى معنى الصعدات في قوله إياكم والقعود على الصعدات وهي الطرق وكذلك أصعد في الأرض إذا سار فيها على قصد فإن كان البخاري قصد هذا وكتبها في نسخته بالصاد التفاتا إلى حديث الصعدات فليس بمنكر انتهى والذي عند البخاري إنما هو بالسين كما وقع عند أكثر الرواة عنه وهو منقول من معاني القرآن قال في قوله تعالى وأما ثمود فهديناهم يقال دللناهم على مذهب الخير ومذهب الشر كقوله وهديناه النجدين ثم ساق عن علي في قوله وهديناه النجدين قال الخير والشر قال وكذلك قوله إنا هديناه السبيل قال والهدى على وجه آخر وهو الإرشاد ومثله قولك أسعدناه من ذلك أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده في كثير من القرآن قوله يوزعون يكفون قال أبو عبيدة في قوله فهو يوزعون أي يدفعون وهو من وزعت وأخرج الطبري من طريق السدي في قوله فهم يوزعون قال عليهم وزعة ترد أولاهم على أخراهم قوله من أكمامها قشر الكفري الكم كذا لأبي ذر ولغيره هي الكم زاد الأصيلي وأحدها هو قول الفراء بلفظه وقال أبو عبيدة في قوله من أكمامها أي أوعيتها وأحدها كمة وهو ما كانت فيه وكم وكمه واحد والجمع أكمام وأكمة تنبيه بكاف الكم مضمومة كم القميص وعليه يدل كلام أبي عبيدة وبه جزم الراغب ووقع في الكشاف بكسر الكاف فإن ثبت فلعلها لغة فيه دون كم القميص قوله وقال غيره ويقال للعنب إذا خرج أيضا كافور وكفري ثبت هذا في رواية المستملى وحده والكفرى بضم الكاف وفتح الفاء وبضمها أيضا والراء مثقلة مقصور وهو وعاء الطلع وقشره الأعلى قاله الأصمعي وغيره قالوا ووعاء كل شيء كافوره وقال الخطابي قول الأكثرين الكفري الطلع بما فيه وعن الخليل أنه الطلع قوله ولي حميم القريب كذا للأكثر وعند النسفي وقال معمر فذكره ومعمر هم بن المثنى أبو عبيدة وهذا كلامه قال في قوله كأنه ولي حميم قال ولي قريب قوله من محيص حاص عنه حاد عنه قال أبو عبيدة في قوله مالنا من محيص يقال حاص عنه أي عدل وحاد وقال في موضع آخر من محيص أي من معدل قوله مرية ومرية واحد أي بكسر الميم وضمها أي امتراء هو قول أبي عبيدة أيضا وقراءة الجمهور بالكسر وقرأ الحسن البصري بالضم قوله وقال مجاهد اعملوا ما شئتم الوعيد في رواية الأصيلي هو وعيد وقد وصله عبد بن حميد من طريق سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله اعملوا ما شئتم قال هذا وعيد وأخرجه عبد الرزاق من وجهين آخرين عن مجاهد وقال أبو عبيدة لم يأمرهم بعمل الكفر وإنما هو توعد قوله وقال بن عباس ادفع بالتي هي أحسن الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم سقط كأنه ولي حميم من رواية أبي ذر وحده وثبت للباقين وقد وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة الخ ومن طريق عبد الكريم الجزري عن مجاهد ادفع بالتي هي أحسن السلام

قوله باب قوله وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم الآية قال الطبري اختلف في معنى قوله تستترون ثم أخرج من طريق السدي قال تستخفون ومن طريق مجاهد قال تتقون ومن طريق شعبة عن قتادة قال ما كنتم تظنون أن يشهد عليكم الخ

[ 4538 ] قوله عن بن مسعود وما كنتم تستترون أي قال في تفسير قوله تعالى وما كنتم تستترون قوله كان رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف أو رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش هذا الفك من أبي معمر من رواية عن بن مسعود وهو عبد الله بن سخبرة وقد أخرجه عبد الرزاق من طريق وهب بن ربيعة عن بن مسعود بلفظ ثقفي وختناه قرشيان ولم يشك وأخرج مسلم من طريق وهب هذه ولم يسق لفظها أخرجه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن بن مسعود قال ثلاثة نفر ولم ينسبهم وذكر بن بشكوال في المبهمات من طريق تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء بإسناده عن بن عباس قال القرشي الأسود بن عبد يغوث الزهري والثقفيان الأخنس بن شريق والآخر لم يسم وراجعت التفسير المذكور فوجدته قال في تفسير قوله تعالى أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم قال جلس رجلان عند الكعبة أحدهما من ثقيف وهو الأخنس بن شريق والآخر من قريش وهو الأسود بن عبد يغوث فذكر الحديث وفي تنزيل هذا على ما لا يخفى وذكر الثعلبي وتبعه البغوي أن الثقفي عبد يا ليل بن عمرو بن عمير والقرشيان صفوان وربيعة ابنا أمية بن خلف وذكر إسماعيل بن محمد التيمي في تفسيره أن القرشي صفوان بن أمية والثقفيان ربيعة وحبيب ابنا عمرو فالله أعلم

قوله باب وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم فأصبحتم من الخاسرين الإشارة في قوله وذلكم لما تقدم من صنيع الاستتار ظنا منهم أنهم يخفى عملهم عند الله وهو مبتدأ والخبر أرادكم وظنكم بدل من ذلكم ثم ذكر فيه الحديث الذي قبله من طريق أخرى

[ 4539 ] قوله اجتمع عند البيت أي عند الكعبة قوله كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم كذا للأكثر بإضافة بطون لشحم وإضافة قلوب لفقه وتنوين كثيرة وقليلة وفي رواية سعيد بن منصور والترمذي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن بن مسعود كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم وذكره بعض الشراح بلفظ إضافة شحم إلى كثيرة وبطونهم بالرفع على أنه المبتدأ أي بطونهم كثيرة الشحم والآخر مثله وهو محتمل وقد أخرجه بن مردويه من وجه آخر بلفظ عظيمة بطونهم قليل فقههم وفيه إشارة إلى أن الفطنة قلما تكون مع البطنة قال الشافعي ما رأيت سمينا عاقلا إلا محمد بن الحسن قوله لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله أي لأن نسبة جميع المسموعات إليه واحدة فالتخصيص تحكم وهذا يشعر بأن قائل ذلك كان أفطن أصحابه وأخلق به أن يكون الأخنس بن شريق لأنه أسلم بعد ذلك وكذا صفوان بن أمية قوله وكان سفيان يحدثنا بهذا فيقول حدثنا منصور أو بن أبي نجيح أو حميد أحدهم أو اثنان منهم ثم ثبت على منصور وترك ذلك مرارا غير واحدة هذا كلام الحميدي شيخ البخاري فيه وقد أخرجه عنه في كتاب التوحيد قال حدثنا سفيان حدثنا منصور عن مجاهد فذكره مختصرا ولم يذكر مع منصور أحدا وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن سفيان بن عيينة عن منصور وحده به

[ 4540 ] قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان قوله حدثنا سفيان هو الثوري قوله عن منصور لسفيان فيه إسناد آخر أخرجه مسلم عن أبي بكر بن خلاد عن يحيى القطان عن سفيان الثوري عن سليمان وهو الأعمش عن عمارة بن عمير عن وهب بن ربيعة عن بن مسعود وكأن البخاري ترك طريق الأعمش للاختلاف عليه قيل عنه هكذا وقيل عنه عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن بن مسعود أخرجه الترمذي بالوجهين

قوله سورة حم عسق بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير بن ذر قوله ويذكر عن بن عباس عقيما التي لا تلد وصله بن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس بلفظ ويجعل من يشاء عقيما قال لا يلقح وذكره باللفظ المعلق بلفظ جوبير عن الضحاك عن بن عباس وفيه ضعف وانقطاع فكأنه لم يجزم به لذلك قوله روحا من أمرنا القرآن وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس بهذا وروى الطبري من طريق السدي قال في قوله روحا من أمرنا قال وحيا ومن طريق قتادة عن الحسن في قوله روحا من أمرنا قال رحمة قوله وقال مجاهد يذرؤكم فيه نسل بعد نسل وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله يذرؤكم فيه قال نسلا بعد نسل من الناس والأنعام وروى الطبري من طريق السدي في قوله يذرؤكم قال يخلقكم قوله لا حجة بيننا وبينكم لا خصومة بيننا وبينكم وصله الفريابي عن مجاهد بهذا وروى الطبري من طريق السدي في قوله حجتهم داحضة عند ربهم قال هم أهل الكتاب قالوا للمسلمين كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم قوله من طرف خفي ذليل وصله الفريابي عن مجاهد بهذا وروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس مثله ومن طريق قتادة ومن طريق السدي في قوله ينظرون من طرف خفي قال يسارقون النظر وتفسير مجاهد هو بلازم هذا قوله شرعوا ابتدعوا هو قول أبي عبيدة قوله فيظللن رواكد على ظهره يتحركن ولا يجرين في البحر وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال سفن هذا البحر تجري بالريح فإذا أمسكت عنها الريح ركدت وقوله يتحركن أي يضربن بالأمواج ولا يجرين في البحر بسكون الريح وبهذا التقرير يندفع اعتراض من زعم أن لا سقطت في قوله يتحركن قال لأنهم فسروا رواكد بسواكن وتفسير رواكد بسواكن قول أبي عبيدة ولكن السكون والحركة في هذا أمر نسبي

قوله باب قوله إلا المودة في القربى ذكر فيه حديث طاوس عن بن عباس سئل عن تفسيرها فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد فقال بن عباس عجلت أي أسرعت في التفسير وهذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن بن عباس مرفوعا فأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما نزلت قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم الحديث وإسناده ضعيف وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح والمعنى إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني والخطاب لقريش خاصة والقربى قرابة العصوبة والرحم فكأنه قال احفظوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة ثم ذكر ما تقدم عن عكرمة في سبب نزول

وقد جزم بهذا التفسير جماعة من المفسرين واستندوا إلى ما ذكرته عن بن عباس من الطبراني وابن أبي حاتم وإسناده واه فيه ضعيف ورافضى وذكر الزمخشري هنا أحاديث ظاهر وضعها ورده الزجاج بما صح عن بن عباس من رواية طاوس في حديث الباب وبما نقله الشعبي عنه وهو المعتمد وجزم بأن الاستثناء منقطع وفي سبب نزولها قول آخر ذكره الواحدي عن بن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس بيده شيء فجمع له الأنصار ما لا فقالوا يا رسول الله إنك بن أختنا وقد هدانا الله بك وتنوبك النوائب وحقوق وليس لك سعة فجمعنا لك من أموالنا ما تستعين به علينا فنزلت وهذه من رواية الكلبي ونحوه من الضعفاء وأخرج من طريق مقسم عن بن عباس أيضا قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنصار شيء فخطب فقال ألم تكونوا اضلالا فهداكم الله بن الحديث وفيه فجثوا على الركب وقالوا أنفسنا وأموالنا لك فنزلت وهذا أيضا ضعيف ويبطله أن الآية مكية والأقوى في سبب نزولها

عن قتادة قال قال المشركون لعل محمدا يطلب أجرا على ما يتعاطاه فنزلت وزعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة ورده الثعلبي بأن الآية دالة على الأمر بالتودد إلى الله بطاعته أو باتباع نبيه أو صلة رحمه بترك أذيته أو صلة أقاربه من أجله وكل ذلك مستمر الحكم غير منسوخ والحاصل أن سعيد بن جبير ومن واقفه كعلي بن الحسين والسدي وعمرو بن شعيب فيما أخرجه الطبري عنهم حملوا الآية على أمر المخاطبين بان يواددوا أقارب النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس حملها على أن يواددوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينهم وبينه فعلى الأول الخطاب عام لجميع المكلفين وعلى الثاني الخطاب خاص بقريش ويؤيد ذلك أن السورة مكية وقد قيل إن هذه الآية نسخت بقوله قل ما أسألكم عليه من أجر ويحتمل أن يكون هذا عاما خص بما دلت عليه آية الباب والمعنى أن قريشا كانت تصل أرحامها فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعوه فقال صلوني كما تصلون غيري من أقاربكم وقد روى سعيد بن منصور من طريق الشعبي قال أكثروا علينا في هذه الآية فكتبت إلى بن عباس أسأله عنها فكتب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش لم يكن حي من أحياء قريش إلا ولده فقال الله قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى تودوني بقرابتي منكم وتحفظوني في ذلك وفيه قول ثالث أخرجه أحمد من طريق مجاهد عن بن عباس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قل لا أسألكم عليه أجرا على ما جئتكم به من البينات والهدى إلا أن تقربوا إلى الله بطاعته وفي إسناده ضعف وثبت عن الحسن البصري نحوه والأجر على هذا مجاز وقوله القربى هو مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة والمراد في أهل القربى وعبر بلفظ في دون اللام كأنه جعلهم مكانا للمودة ومقرا لها كما يقال لي في آل فلان هوى أي مكان هواي ويحتمل أن تكون في سببية وهذا على أن الاستثناء متصل فإن كان منقطعا فالمعنى لا أسألكم عليه أجرا قط ولكن أسألكم أن تودوني بسبب قرابتي فيكم

قوله سورة حم الزخرف بسم الله الرحمن الرحيم قوله على أمة على أمام كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر وقال مجاهد فذكره والأول أولى وهو قول أبي عبيدة وروى عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله على أمة قال على ملة وروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله على أمة أي على دين ومن طريق السدي مثله قوله وقيله يا رب تفسيره أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع عليهم قال بن التين هذا التفسير أنكره بعضهم وإنما يصح لو كانت التلاوة وقيلهم وقال أبو عبيدة وقيله منصوب في قول أبي عمرو بن العلاء على نسمع سرهم ونجواهم وقيله قال وقال غيره هي في موضع الفعل أي ويقول وقال غيره هذا التفسير محمول على أنه أراد تفسير المعنى والتقدير ونسمع قيله فحذف العامل لكن يلزم منه الفصل بين المتعاطفين بجمل كثيرة وقال الفراء من قرأ وقيله فنصب تجوز من قوله نسمع سرهم ونجواهم ونسمع قيلهم وقد ارتضى ذلك الطبري وقال قرأ الجمهور وقيله بالنصب عطفا على قوله أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم والتقدير ونسمع قيله يا رب وبهذا يندفع اعتراض بن التين وإلزامه بل يصح والقراءة وقيله بالافراد قال الطبري وقراءة الكوفيين وقيله بالجر على معنى وعنده علم الساعة وعلم قيله قال وهما قراءتان صحيحتا المعنى وسيأتي في أواخر هذه السورة أن بن مسعود قرأ وقال الرسول يا رب في موضع وقيله يا رب وقال بعض النحويين المعنى إلا من شهد بالحق وقال قيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون وفيه أيضا الفصل بين المتعاطفين بجمل كثيرة قوله وقال بن عباس ولولا أن يكون الناس أمة واحدة الخ وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس بلفظه مقطعا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أمة واحدة كفارا وروى الطبري من طريق عوف عن الحسن في قوله ولولا أن يكون الناس أمة واحدة قال كفارا يميلون إلى الدنيا قال وقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل فكيف لو فعل قوله مقرنين مطيقين وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله وما كنا له مقرنين قال مطيقين وهو بالقاف ومن طريق للسدى مثله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وما كنا له مقرنين لا في الأيدي ولا في القوة قوله أسفونا اسخطونا وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله فلما أسفونا قال اسخطونا وقال عبد الرزاق سمعت بن جريج يقول اسفونا أغضبونا وعن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه مثله وأورده في قصة له مع عروة بن محمد السعدي عامل عمر بن عبد العزيز على اليمن قوله يعش يعمى وصله بن أبي حاتم من طريق شبيب عن بشر عن عكرمة عن بن عباس في قوله ومن يعش عن ذكر الرحمن قال يعمى وروى الطبري من طريق السدي قال ومن يعش أي يعرض ومن طريق سعيد عن قتادة مثله قال الطبري من فسر يعش بمعنى يعمى فقراءته بفتح الشين وقال بن قتيبة قال أبو عبيدة قوله ومن يعش بضم الشين أي تظلم عينه وقال الفراء يعرض عنه قال ومن قرأ يعش بفتح الشين أراد تعمى عينه قال ولا أرى القول إلا قول أبي عبيدة ولم أر أحدا يجيز عشوت عن الشيء أعرضت عنه إنما يقال تعايشت عن كذا تغافلت عنه ومثله تعاميت وقال غيره عشى إذا مشى ببصر ضعيف مثل عرج مشى مشية الأعرج قوله وقال مجاهد أفتضرب عنكم الذكر صفحا أي تكذبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه وروى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال أفحسبتم أن نصفح عنكم ولم تفعلوا ما أمرتم به قوله ومضى مثل الأولين سنة الأولين وصله الفريابي عن مجاهد في قوله ومضى مثل الأولين قال سننهم وسيأتي له تفسير آخر قريبا قوله مقرنين يعني الإبل والخيل والبغال وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وزاد والحمير وهذا تفسير المراد بالضمير في قوله له وأما لفظ مقرنين فتقدم معناه قريبا قوله أو من ينشأ في الحلية الجواري يقول جعلتموهن للرحمن ولدا فكيف تحكمون وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه والمعنى أنه تعالى أنكر على الكفرة الذين زعموا أن الملائكة بنات الله فقال أم أتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وأنتم تمقتون البنات وتنفرون منهن حتى بالغتم في ذلك فوأدتموهن فكيف تؤثرون أنفسكم بأعلى الجزأين وتدعون له الجزء الأدنى مع أن صفة هذا الصنف الذي هو البنات أنها تنشأ في الحلية والزينة المفضية إلى نقص العقل وعدم القيام بالحجة وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله أو من ينشأ في الحلية قال البنات وهو في الخصام غير مبين قال فما تكلمت المرأة تريد أن تكلم بحجة لها إلا تكلمت بحجة عليها تنبيه قرأ ينشأ بفتح أوله مخففا الجمهور وحمزة والكسائي وحفص بضم أوله مثقلا والجحدري مثله مخففا قوله وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم يعنون الأوثان يقول الله تعالى ما لهم بذلك من علم الأوثان إنهم لا يعلمون وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم قال الأوثان قال الله ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ما تعلمون قدرة الله على ذلك والضمير في قوله مالهم بذلك من علم للكفار أي ليس لهم علم بما ذكروه من المشيئة ولا برهان معهم على ذلك إنما يقولونه ظنا وحسبانا أو الضمير للأوثان ونزلهم منزلة من يعقل ونفى عنهم علم ما يصنع المشركون من عبادتهم قوله في عقبة ولده وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه والمراد بالولد الجنس حتى يدخل فيه ولد الولد وأن سفل وقال عبد الرزاق في عقبة لا يزال في ذريته من يوحد الله عز وجل قوله مقترنين يمشون معا وصله الفريابي عن مجاهد في قوله أو جاء معه الملائكة مقترنين يمشون معا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يعني متتابعين قوله سلفا قوم فرعون سلفا لكفار أمة محمد وصله الفريابي من طريق مجاهد قال هم قوم فرعون كفارهم سلفا لكفار أمة محمد قوله ومثلا عبرة وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وزاد لمن بعدهم قوله يصدون يضجون وصله الفريابي والطبري عن مجاهد بلفظه وهو قول أبي عبيدة وزاد ومن ضمها فمعناه يعدلون وروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس ومن طريق آخر عن بن عباس ومن طريق سعيد عن قتادة في قوله يصدون قال يضجون وقال عبد الرزاق عن معمر عن عاصم أخبرني زر هو بن حبيش أن بن عباس كان يقرؤها يصدون يعني بكسر الصاد يقول يضجون قال عاصم وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقرؤها بضم الصاد فبالكسر معناه يضج وبالضم معناه يعرض وقال الكسائي هما لغتان بمعنى وأنكر بعضهم قراءة الضم واحتج بأنه لو كانت كذلك لكانت عنه لا منه وأجيب بأن المعنى منه أي من أجله فيصح الضم وروى الطبري من طريق أبي يحيى عن بن عباس أنه أنكر على عبيد بن عمير قرءاته يصدون بالضم قوله مبرمون مجمعون وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وزاد إن كادو شرا كدناهم مثله قوله أول العابدين أول المؤمنين وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ وأول المؤمنين بالله فقولوا ما شئتم وقال عبد الرزاق عن معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال قوله فأنا أول العابدين يقول فأنا أول من عبد الله وحده وكفر بما تقولون وروى الطبري من طريق محمد بن ثور عن معمر بسنده قال قل أن كان الرحمن ولد في زعمكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم وسيأتي له بعد هذا تفسير آخر قوله وقال غيره إنني براء مما تعبدون العرب تقول نحن منك البراء والخلاء الواحد والاثنان والجميع من المذكر والمؤنث سواء يقال فيه براء لأنه مصدر ولو قيل بريء لقيل في الإثنين بريئان وفي الجميع بريئون قال أبو عبيدة قوله إنني براء مجازها لغة عالية يجعلون الواحد والإثنين والثلاثة من المذكر والمؤنث على لفظ واحد وأهل نجد يقولون أنا بريء وهي بريئة ونحن براء قوله وقرأ عبد الله إنني بريء بالياء وصله الفضل بن شاذان في كتاب القراءات بإسناده عن طلحة بن مصرف عن يحيى بن وثاب عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قوله والزخرف الذهب قال عبد الله بن حميد حدثنا هاشم بن القاسم عن شعبة عن الحكم عن مجاهد قال كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيتها في قراءة عبد الله أي بن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وزخرفا قال الذهب وعن معمر عن الحسن مثله قوله ملائكة في الأرض يخلفون يخلف بعضهم بعضا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وزاد في آخره مكان بن آدم

قوله باب قوله ونادوا يا مالك ظاهرها أنهم بعد ما طال إبلاسهم تكلموا والمبلس الساكت بعد اليأس من الفرج فكان فائدة الكلام بعد ذلك حصول بعض فرج لطول العهد أو النداء يقع قبل الإبلاس لأن الواو لا تستلزم ترتيبا

[ 4542 ] قوله عمرو هو بن دينار قوله عن صفوان بن يعلى عن أبيه هو يعلى بن أمية المعروف بابن منية قوله يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك كذا للجميع بإثبات الكاف وهي قراءة الجمهور وقرأ الأعمش ونادوا يا مال بالترخيم ورويت عن على وتقدم في بدء الخلق أنها قراءة بن مسعود قال عبد الرزاق قال الثوري في حرف بن مسعود ونادوا يا مال يعني بالترخيم وبه جزم بن عيينة ويذكر عن بعض السلف أنه لما سمعها قال ما أشغل أهل النار عن الترخيم وأجيب باحتمال إنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وشدة ما هم فيه قوله وقال قتادة مثلا للآخر بن عظة لمن بعدهم قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله فلما أسفونا قال أغضبونا فجعلناهم سلفا قال إلى النار ومثلا للآخرين قال عظة للآخرين قوله وقال غيره مقرنين ضابطين يقال فلان مقرن لفلان ضابط له هو قول أبي عبيدة واستشهد بقول الكميت ولستم للصعاب مقرنينا قوله والأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها هو قول أبي عبيدة بلفظه وروى الطبري من طريق السدي قال الأكواب الأباريق التي لا آذان لها قوله وقال قتادة في أم الكتاب جملة الكتاب أصل الكتاب قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وإنه في أم الكتاب قال في أصل الكتاب وجملته قوله أول العابدين أي ما كان فأنا أول الآنفين وهما لغتان رجل عابد وعبد وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال يقول لم يكن للرحمن ولد ومن طريق سعيد عن قتادة قال هذه كلمة في كلام العرب إن كان للرحمن ولد أي إن ذلك لم يكن ومن طريق زيد بن أسلم قال هذا معروف من قول العرب إن كان هذا الأمر قط أي ما كان ومن طريق السدي إن بمعنى لو أي لو كان للرحمن ولد كنت أول من عبدة بذلك لكن لا ولد له ورجحه الطبري وقال أبو عبيدة أن بمعنى ما في قول والفاء بمعنى الواو أي ما كان للرحمن ولد وأنا أول العابدين وقال آخرون معناه إن كان للرحمن في قولكم ولد فأنا أول العابدين أي الكافرين بذلك والجاحدين لما قلتم والعابدين من عبد بكسر الباء يعبد بفتحها قال الشاعر أولئك قومي إن هجوني هجوتهم وأعبد أن أهجو كليبا بدارم أي أمتنع وأخرج الطبري أيضا عن يونس بن عبد الأعلى عن بن وهب عبد معناه استنكف ثم ساق قصة عن عمر في ذلك وقال بن فارس عبد بفتحتين بمعنى عابد وقال الجوهري العبد بالتحريك الغضب قوله وقرأ عبد الله وقال الرسول يا رب تقدمت الإشارة إلى إسناد قراءة عبد الله وهو بن مسعود وأخرج الطبري من وجهين عن قتادة في قوله وقيله يا رب قال هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم قوله ويقال أول العابدين أول الجاحدين من عبد يعبد وقال بن التين كذا ضبطوه ولم أر في اللغة عبد بمعنى جحد انتهى وقد ذكرها الفربري تنبيه ضبطت عبد يعبد هنا بكسر الموحدة في الماضي وفتحها في المستقبل

قوله أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين مشركين والله لو أن هذا القرآن رفع حيث رده أوائل هذه الأمة لهلكوا وصله بن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظه وزاد ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاهم إليه قوله فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين عقوبة الأولين وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بهذا قوله جزءا عدلا وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بهذا وهو بكسر العين وكذا أخرجه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مثله وأما أبو عبيدة فقال جزءا أي نصيبا وقيل جزءا إناثا تقول جزأت المرأة إذا أتت بأنثى

قوله سورة حم الدخان بسم الله الرحمن الرحيم سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر قوله وقال مجاهد رهوا طريقا يابسا ويقال رهوا ساكنا أما قول مجاهد فوصله الفريابي من طريقه بلفظه وزاد كهيئته يوم ضرب يقول لا تأمره أن يرجع بل اتركه حتى يدخل آخره أخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن مجاهد في قوله رهوا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عطف موسى ليضرب البحر ليلتئم وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده فقيل له أترك البحر رهوا يقول كما هو طريقا يابسا أنهم جند مغرقون وأما القول الآخر فهو قول أبي عبيدة قال في قوله واترك البحر رهوا أي ساكنا يقال جاءت الخيل رهوا أي ساكنة وأره على نفسك أي أرفق بها ويقال عيش رآه وسقط هذا القول هنا لغير أبي ذر وإثباته هو الصواب قوله على علم على العالمين على من بين ظهريه هو قول مجاهد أيضا وصله الفريابي عنه بلفظ فضلناهم على من هم بين ظهريه أي على أهل عصرهم قوله وزوجناهم بحور عين أنكحناهم حورا عينا يحار فيها الطرف وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ أنكحناهم الحور التي يحار فيها الطرف يبان مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرأة من رقة الجلد وصفاء اللون قوله اعتلوه ادفعوه وصله الفريابي من طريق مجاهد وقال في قوله خذوه فاعنلوه قال ادفعوه قوله ويقال أن ترجمون القتل سقط ويقال لغير أبي ذر فصار كأنه من كلام مجاهد وقد حكاه الطبري ولم يسم من قاله وأورد من طريق العوفي عن بن عباس أنه بمعنى الشتم وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ترجمون قال بالحجارة واختار بن جرير حمل الرجم هنا على جميع معانيه قوله ورهوا ساكنا كذا لغير أبي ذر هنا وقد تقدم بيانه في أول السورة قوله وقال بن عباس كالمهل أسود كمهل الزيت وصله بن أبي حاتم من طريق مطرف عن عطية سئل بن عباس عن المهل قال شيء غليظ كدردي الزيت وقال الليث المهل ضرب من القطران إلا أنه رقيق شبيه بالزيت يضرب إلى الصفرة وعن الأصمعي المهل بفتح الميم هو الصديد وما يسيل من الميت وبالضم هو عكر الزيت وهو كل شيء يتحات عن الجمر من الرماد وحكى صاحب المحكم أنه خبث الجواهر الذهب وغيره وقيل في تفسير المهل أقوال أخرى فعند عبد بن حميد عن سعيد بن جبير هو الذي انتهى حره وقيل الرصاص المذاب أو الحديد أو الفضة وقيل السم وقيل خشار الزيت وعند أحمد من حديث أبي سعيد في قوله تعالى كالمهل قال كعكر الزيت إذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه قوله وقال غيره تبع ملوك اليمن كل واحد منهم يسمى تبعا لأنه يتبع صاحبه والظل يسمى تبعا لأنه يتبع الشمس هو قول أبي عبيدة بلفظه وزاد وموضع تبع في الجاهلية موضع الخلفية في الإسلام وهم ملوك العرب الأعاظم وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قالت عائشة كان تبع رجلا صالحا قال معمر وأخبرني تميم بن عبد الرحمن أنه سمع سعيد بن جبير يقول إنه كسا البيت ونهى عن سبه وقال عبد الرزاق أنبأنا بكار بن عبد الرحمن سمعت وهب بن منبه يقول نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب أسعد وهو تبع قال وهب وكان على دين إبراهيم وروى أحمد من حديث سهل بن سعد رفعه لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم وأخرجه الطبراني من حديث بن عباس مثله وإسناده أصلح من إسناد سهل وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن بن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعا لا أدري تبعا كان لعينا أم لا وأخرجه بن أبي حاتم والحاكم والدارقطني وقال تفرد به عبد الرزاق فالجمع بينه وبين ما قبله أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بحاله بعد أن كان لا يعلمها فلذلك نهى عن سبه خشية أن يبادر إلى سبه من سمع الكلام الأول

قوله باب فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين فارتقب فانتظر كذا لأبي ذر وفي رواية غيره وقال قتادة فارتقب فانتظر وقد وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة به

[ 4543 ] قوله عن الأعمش عن مسلم هو بن صبيح بالتصغير أبو الضحى كما صرح به في الأبواب التي بعده وقد ترجم لهذا الحديث ثلاث تراجم بعد هذا وساق الحديث بعينه مطولا ومختصرا وقد تقدم أيضا في تفسير الفرقان مختصرا وفي تفسير الروم وتفسير ص مطولا ويحيى الراوي فيه عن أبي معاوية وفي الباب الذي يليه عن وكيع هو بن موسى البلخي وقوله في الطريق الأولى حتى أكلوا العظام زاد في الرواية التي بعدها والميتة وفي التي تليها حتى أكلوا الميتة وفي التي بعدها حتى أكلوا العظام والجلود وفي رواية فيها حتى أكلوا الجلود والميتة وقع في جمهور الروايات الميتة بفتح الميم وبالتحتانية ثم المثناة وضبطها بعضهم بنون مكسورة ثم تحتانية ساكنة وهمزة وهو الجلد أول ما يدبغ والأول أشهر

قوله بعد قوله يغشى الناس هذا عذاب أليم قال فأتى رسول الله كذا بضم الهمزة على البناء للمجهول والآتي المذكور هو أبو سفيان كما صرح به في الرواية الأخيرة

[ 4544 ] قوله فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم فحسن أن يطلب الدعاء لهم ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش لئلا يذكرهم فيذكر بجرمهم فقال لمضر ليندرجوا فيهم ويشير أيضا إلى أن غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم وقد وقع في الرواية الأخيرة وأن قومك هلكوا ولا منافاة بينهما لأن مضر أيضا قومه وقد تقدم في المناقب أنه صلى الله عليه وسلم كان من مضر قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضر إنك لجريء أي أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك به ووقع في شرح الكرماني قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضر أي لأبي سفيان فإنه كان كبيرهم في ذلك الوقت وهو كان الآتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المستدعي منه الاستسقاء تقول العرب قتلت قريش فلانا ويريدون شخصا منهم وكذا يضيفون الأمر إلى القبيلة والأمر في الواقع مضاف إلى واحد منهم انتهى وجعله اللام متعلقة بقال غريب وإنما هي متعلقه بالمحذوف كما قررته أولا قوله فلما أصابهم الرفاهية بتخفيف التحتانية بعد الهاء أي التوسع والراحة

قوله في الباب الثاني عن مسروق قال دخلت على عبد الله أي بن مسعود قوله ان من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم تقدم سبب قول بن مسعود هذا في سورة الروم من وجه آخر عن الأعمش ولفظه عن مسروق قال بينما رجل يحدث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام ففزعنا فأتيت بن مسعود وكان متكئا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم وقد جرى البخاري على عادته في إيثار الخفي على الواضح فإن هذه السورة كانت أولى بإيراد هذا السياق من سورة الروم لما تضمنته من ذكر الدخان لكن هذه طريقته بذكر الحديث في موضع ثم يذكره في الموضع اللائق به عاريا عن الزيادة اكتفاء بذكرها في الموضع الأخر شحذا للأذهان وبعثا على مزيد الاستحضار وهذا الذي أنكره بن مسعود قد جاء عن علي فأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق الحارث عن على قال آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينفذ ثم أخرج عبد الرزاق من طريق بن أبي مليكة قال دخلت على بن عباس يوما فقال لي لم أنم البارحة حتى أصبحت قالوا طلع الكوكب ذو الذنب فخشينا الدخان قد خرج وهذا أخشى أن يكون تصحيفا وإنما هو الدجال بالجيم الثقيلة واللام ويؤيد كون آية الدخان لم تمض ما أخرجه مسلم من حديث أبي شريحة رفعه لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة الحديث وروى الطبري من حديث ربعي عن حذيفة مرفوعا في خروج الآيات والدخان قال حذيفة يا رسول الله وما الدخان فلا هذه الآية قال أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة وأما الكافر فيخرج من منخريه وأذنيه ودبره وإسناده ضعيف أيضا وروى بن أبي حاتم من حديث أبي سعيد نحوه وإسناده ضعيف أيضا وأخرجه مرفوعا بإسناد أصلح منه وللطبري من حديث أبي مالك الأشعري رفعه إن ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة الحديث ومن حديث بن عمر نحوه وإسنادهما ضعيف أيضا لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلا ولو ثبت طريق حديث حذيفة لاحتمل أن يكون هو القاص المراد في حديث بن مسعود

قوله الذكرى هو والذكر سواء

قوله في الرواية الأخيرة أخبرنا محمد هو بن جعفر غندر قوله عن سليمان هو الأعمش ومنصور هو بن المعتمر قوله حتى حصت بمهملتين أي جردت وأذهبت يقال سنة حصاء أي جرداء لا غيث فيها قوله فقال أحدهم كذا قاله في موضعين أي أحد الرواة ولم يتقم في سياق السدوسي موضع واحد فيه اثنان سليمان ومنصور فحق العبارة أن يقول قال أحدهما لكن تحمل على تلك اللغة قوله وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان وقع في الرواية التي قبلها فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجوع ولا تدافع بينهما لأنه يحمل على أنه كان مبدؤه من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض ولا معارضة أيضا بين قوله يخرج من الأرض وبين قوله كهيئة الدخان لاحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة الأرض ووهجها من عدم الغيث وكانوا يرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط حرارة الجوع والذي كان يخرج من الأرض بحسب تخيلهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع أو لفظ من الجوع صفة الدخان أي يرون مثل الدخان الكائن من الجوع

قوله سورة حم الجاثية بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر ولغيره الجاثية حسب قوله جاثية مستوفزين على الركب كذا لهم وهو قول مجاهد وصله الطبري من طريقه وقال أبو عبيدة في قوله جاثية قال على الركب ويقال استوفز في قعدته إذا قعد منتصبا قعود غير مطمئن قوله نستنسخ نكتب كذا لأبي ذر ولغيره وقال مجاهد فذكره وقد أخرج بن أبي حاتم معناه عن مجاهد قوله ننساكم نترككم هو قول أبي عبيدة وقد وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله فاليوم ننساكم كما نسيتم قال اليوم نترككم كما تركتم وأخرجه بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس أيضا وهو من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم لأن من نسي فقد ترك بغير عكس

[ 4549 ] قوله يؤذيني بن آدم كذا أورده مختصرا وقد أخرجه الطبري عن أبي كريب عن بن عيينة بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار هو الذي يميتنا ويحيينا فقال الله في كتابه وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا الآية قال فيسبون الدهر قال الله تبارك وتعالى يؤذيني بن آدم فذكره قال القرطبي معناه يخاطبني من القول بما يتأذى من يجوز في حقه التأذي والله منزه عن أن يصل إليه الأذى وإنما هذا من التوسع في الكلام والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله قوله وإنا الدهر قال الخطابي معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا بؤسا للدهر وتبا للدهر وقال النووي قوله أنا الدهر بالرفع في ضبط الأكثرين والمحققين ويقال بالنصب على الظرف أي أنا باق أبدا والموافق لقوله إن الله هو الدهر الرفع وهو مجاز وذلك أن العرب كانوا يسبون الدهر عند الحوادث فقال لا تسبوه فإن فاعلها هو الله فكأنه قال لا تسبوا الفاعل فإنكم إذا سببتموه سببتموني أو الدهر هنا بمعنى الداهر فقد حكى الراغب أن الدهر في قوله إن الله هو الدهر غير الدهر في قوله يسب الدهر قال والدهر الأول الزمان والثاني المدبر المصرف لما يحدث ثم استضعف هذا القول لعدم الدليل عليه ثم قال لو كان كذلك لعد الدهر من أسماء الله تعالى انتهى وكذا قال محمد بن داود محتجا لما ذهب إليه من أنه بفتح الراء فكان يقول لو كان بضمها لكان الدهر من أسماء الله تعالى وتعقب بأن ذلك ليس بلازم ولا سيما مع روايته فإن الله هو الدهر قال بن الجوزي يصوب ضم الراء من أوجه أحدها أن المضبوط عند المحدثين بالضم ثانيها لو كان بالنصب يصير التقدير فأنا الدهر أقلبه فلا تكون علة النهي عن سبه مذكورة لأنه تعالى يقلب الخير والشر فلا يستلزم ذلك منع الذم ثالثها الرواية التي فيها فإن الله هو الدهر انتهى وهذه الأخيرة لا تعين الرفع لأن للمخالف أن يقول التقدير فإن الله هو الدهر يقلب فترجح للرواية الأخرى وكذا ذكر علة النهي لا يعين الرفع لأنها تعرف من السياق أي لا ذنب له فلا تسبوه

قوله سورة حم الأحقاف بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال بعضهم أثره وأثرة وأثاره بقية من علم قال أبو عبيدة في قوله أو أثارة من علم أي بقية من علم ومن قال أثرة أي بفتحتين فهو مصدر أثره يأثره فذكره قال الطبري قرأ الجمهور أو أثارة بالألف وعن أبي عبد الرحمن السلمي أو أثرة بمعنى أو خاصة من علم أوتيتموه وأوثرتم به على غيركم قلت وبهذا فسره الحسن وقتادة قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله أو أثرة من علم قال أثرة شيء يستخرجه فيثيره قال وقال قتادة أو خاصة من علم وأخرج الطبري من طريق أبي سلمة عن بن عباس في قوله أو أثارة من علم قال خط كانت تخطه العرب في الأرض وأخرجه أحمد والحاكم وإسناده صحيح ويروي عن بن عباس جودة الخط وليس بثابت وحمل بعض المالكية الخط هنا على المكتوب وزعم أنه أراد الشهادة على الخط إذا عرفه والأول هو الذي عليه الجمهور وتمسك به بعضهم في تجويد الخط ولا حجة فيه لأنه إنما جاء على ما كانوا يعتمدونه فالأمر فيه ليس هو لإباحته قوله وقال بن عباس بدعا من الرسل ما كنت بأول الرسل وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس وللطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد مثله وقال أبو عبيدة مثله قال ويقال ما هذا مني ببدع أي ببديع وللطبري من طريق سعيد عن قتادة قال أن الرسل قد كانت قبلي قوله تفيضون تقولون كذا لأبي ذر وذكره غيره في أول السورة عن مجاهد وقد وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قوله وقال غيره أرأيتم هذه الألف إنما هي توعد إن صح ما تدعون لا يستحق أن يعبد وليس قوله أرأيتم برؤية العين إنما هو أتعلمون أبلغكم أن ما تدعون من دون الله خلقوا شيئا هذا كله سقط لأبي ذر

قوله باب والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج إلى قوله أساطير الأولين كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى آخرها وأف قرأها الجمهور بالكسر لكن نونها نافع وحفص عن عاصم وقرا بن كثير وابن عامر وابن محيصن وهي رواية عن عاصم بفتح الفاء بغير تنوين

[ 4550 ] قوله عن يوسف بن ماهك بفتح الهاء وبكسرها ومعناه القمير تصغير القمر ويجوز صرفه وعدمه كما سيأتي قوله كان مروان على الحجاز أي أميرا على المدينة من قبل معاوية وأخرج الإسماعيلي والنسائي من طريق محمد بن زياد هو الجمحي قال كان مروان عاملا على المدينة قوله استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له في رواية الإسماعيلي من الطريق المذكورة فأراد معاوية أن يستخلف يزيد يعني ابنه فكتب إلى مروان بذلك فجمع مروان الناس فخطبهم فذكر يزيد ودعا إلى بيعته وقال إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر قوله فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا قيل قال له بيننا وبينكم ثلاث مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ولم يعهدوا كذا قال بعض الشراح وقد اختصره فأفسده والذي في رواية الإسماعيلي فقال عبد الرحمن ما هي إلا هرقلية وله من طريق شعبة عن محمد بن زياد فقال مروان سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن سنة هرقل وقيصر ولابن المنذر من هذا الوجه اجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم ولأبي يعلى وابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد حدثني عبد الله المدني قال كنت في المسجد حين خطب مروان فقال أن الله قد رأى أمير المؤمنين رأيا حسنا في يزيد وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر فقال عبد الرحمن هرقلية إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا في أهل بيته وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده قوله فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا أي امتنعوا من الدخول خلفه إعظاما لعائشة وفي رواية أبي يعلي فنزل مروان عن المنبر حتى أتى باب عائشة فجعل يكلمها وتكلمة ثم انصرف قوله فقال مروان أن هذا الذي أنزل الله فيه في رواية أبي يعلى فقال مروان اسكت ألست الذي قال الله فيه فذكر الآية فقال عبد الرحمن ألست بن اللعين الذي لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقالت عائشة في رواية محمد بن زياد فقالت كذب مروان قوله ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله انزل عذري أي الآية التي في سورة النور في قصة أهل الإفك وبراءتها مما رموها به وفي رواية الإسماعيلي فقالت عائشة كذب والله ما نزلت فيه وفي رواية له والله ما أنزلت إلا في فلان بن فلان الفلاني وفي رواية له لو شئت أن أسميه لسميته ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه وأخرج عبد الرزاق من طريق ميناء أنه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر وقالت إنما نزلت في فلان بن فلان سمت رجلا وقد شغب بعض الرافضة فقال هذا يدل على أن قوله ثاني اثنين ليس هو أبا بكر وليس كما فهم هذا الرافضي بل المراد بقول عائشة فينا أي في بني أبي بكر ثم الاستثناء من عموم النفي وإلا فالمقام يخصص والآيات التي في عذرها في غاية المدح لها والمراد نفي إنزال ما يحصل به الذم كما في قصة قوله والذي قال لوالديه إلى آخره والعجب مما أورده الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر وقد تعقبه الزجاج قال الصحيح أنها نزلت في الكافر العاق وإلا فعبد الرحمن قد أسلم فحسن إسلامه وصار من خيار المسلمين وقد قال الله في هذه الآية أولئك الذين حق عليهم القول إلى آخر الآية فلا يناسب ذلك عبد الرحمن وأجاب المهدوي عن ذلك بأن الإشارة بأولئك للقوم الذين أشار إليهم المذكور بقوله وقد خلت القرون من قبلي فلا يمتنع أن يقع ذلك من عبد الرحمن قبل إسلامه ثم يسلم بعد ذلك وقد أخرج بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن مجاهد قال نزلت في عبد الله بن أبي بكر الصديق قال بن جريج وقال آخرون في عبد الرحمن بن أبي بكر قلت والقول في عبد الله كالقول في عبد الرحمن فإنه أيضا أسلم وحسن إسلامه ومن طريق أسباط عن السدي قال نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قال لأبويه وهما أبو بكر وأم رومان وكانا قد أسلما وأبي هو أن يسلم فكانا يأمرانه بالإسلام فكان يرد عليهما ويكذبهما ويقول فأين فلان وأين فلان يعني مشايخ قريش ممن قد مات فأسلم بعد فحسن إسلامه فنزلت توبته في هذه الآية ولكل درجات مما عملوا قلت لكن نفي عائشة أن تكون نزلت في عبد الرحمن وآل بيته أصح إسنادا وأولى بالقبول وجزم مقاتل في تفسيره أنها نزلت في عبد الرحمن وأن قوله أولئك الذين حق عليهم القول نزلت في ثلاثة من كفار قريش والله أعلم

قوله باب فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم الآية ساقها غير أبي ذر قوله قال بن عباس عارض السحاب وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وأخرج الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال الريح إذا أثارت سحابا قالوا هذا عارض

[ 4551 ] قوله حدثنا أحمد كذا لهم وفي رواية أبي ذر حدثنا أحمد بن عيسى قوله أخبرنا عمرو هو بن الحارث وأبو النضر هو سالم المدني ونصف هذا الإسناد الأعلى مدنيون والأدنى مصريون قوله حتى أرى منه لهواته بالتحريك جمع لهاة وهي اللحمة المتعلقة في أعلى الحنك ويجمع أيضا على لهى بفتح اللام مقصور قوله إنما كان يتبسم لا ينافي هذا ما جاء في الحديث الآخر أنه ضحك حتى بدت نواجذه لأن ظهور النواجذ وهي الأسنان التي في مقدم الفم أو الأنياب لا يستلزم ظهور اللهاة قوله عرفت الكراهية في وجهه عبرت عن الشيء الظاهر في الوجه بالكراهة لأنه ثمرتها ووقع في رواية عطاء عن عائشة في أول هذا الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم أني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا أمطرت سري عنه الحديث أخرجه مسلم بطوله وتقدم في بدء الخلق من قوله كان إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر وقد تقدم لهذا الدعاء شواهد من حديث أنس وغيره في أواخر الاستسقاء قوله عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ظاهر هذا أن الذين عذبوا بالريح غير الذين قالوا ذلك لما تقرر أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأول لكن ظاهر آية الباب على أن الذين عذبوا بالريح هم الذين قالوا هذا عارض ففي هذه السورة واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف الآيات وفيها فلما رآوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم وقد أجاب الكرماني عن الإشكال بأن هذه القاعدة المذكورة إنما تطرد إذا لم يكن في السياق قرينة تدل على أنها عين الأول فإن كان هناك قرينة كما في قوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله فلا ثم قال ويحتمل أن عادا قومان قوم بالأحقاف وهم أصحاب العارض وقوم غيرهم قلت ولا يخفى بعده لكنه محتمل فقد قال تعالى في سورة النجم وأنه أهلك عادا الأولى فإنه يشعر بأن ثم عادا أخرى وقد أخرج قصة عاد الثانية أحمد بإسناد حسن عن الحارث بن حسان البكري قال خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فقلت أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد قال وما وافد عاد وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه فقلت إن عادا قحطوا فبعثوا قيل بن عنز إلى معاوية بن بكر بمكة يستسقي لهم فمكث شهرا في ضيافته تغنيه الجرادتان فلما كان بعد شهر خرج لهم فاستسقى لهم فمرت بهم سحابات فاختار السوداء منها فنودي خذها رمادا رمدا لا تبق من عاد أحدا وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة بعضه والظاهر أنه في قصة عاد الأخيرة لذكر مكة فيه وإنما بنيت بعد إبراهيم حين أسكن هاجر وإسماعيل بواد غير ذي زرع فالذين ذكروا في سورة الأحقاف هم عاد الأخيرة ويلزم عليه أن المراد بقوله تعالى أخا عاد نبي آخر غير هود والله أعلم

قوله سورة محمد صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر ولغيره الذين كفروا حسب قوله أوزارها آثامها حتى لا يبقى إلا مسلم قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله حتى تضع الحرب أوزارها قال حتى لا يكون شرك قال والحرب من كان يقاتله سماهم حربا قال بن التين لم يقل هذا أحد غير البخاري والمعروف أن المراد بأوزارها السلاح وقيل حتى ينزل عيسى بن مريم انتهى وما نفاه قد علمه غيره قال بن قرقول هذا التفسير يحتاج إلى تفسير وذلك لأن الحرب لا أثام لها فلعله كما قال الفراء آثام أهلها ثم حذف وأبقى المضاف إليه أو كما قال النحاس حتى تضع أهل الآثام فلا يبقى مشرك انتهى ولفظ الفراء الهاء في أوزارها لأهل الحرب أي آثامهم ويحتمل أن يعود على الحرب والمراد بأوزارها سلاحها انتهى فجعل ما أدعى بن التين أنه المشهور احتمالا قوله عرفها بينها قال أبو عبيدة في قوله عرفها لهم بينها لهم وعرفهم منازلهم قوله وقال مجاهد مولى الذين آمنوا وليهم كذا لغير أبي ذر وسقط له وقد وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا قوله فإذا عزم الأمر أي جد الأمر وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عنه قوله فلا تهنوا فلا تضعفوا وصله بن أبي حاتم من طريقه كذلك قوله وقال بن عباس أضغانهم حسدهم وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس في قوله أن لن يخرج الله أضغائهم قال أعمالهم خبثهم والحسد قوله آسن متغير كذا لغير أبي ذر هنا وسيأتي في أواخر السورة

قوله باب وتقطعوا أرحامكم قرأ الجمهور بالتشديد ويعقوب بالتخفيف

[ 4552 ] قوله خلق الله الخلق فلما فرغ منه أي قضاه وأتمه قوله قامت الرحم يحتمل أن يكون على الحقيقة والأعراض يجوز أن تتجسد وتتكلم بإذن الله ويجوز أن يكون على حذف أي قام ملك فتكلم على لسانها ويحتمل أن يكون ذلك على طريق ضرب المثل والاستعارة والمراد تعظيم شأنها وفضل واصلها وإثم قاطعها قوله فأخذت كذا للأكثر بحذف مفعول أخذت وفي رواية بن السكن فأخذت بحقو الرحمن وفي رواية الطبري بحقوى الرحمن بالتثنية قال القابسي أبي أبو زيد المروزي أن يقرأ لنا هذا الحرف لإشكاله ومشى بعض الشراح على الحذف فقال أخذت بقائمة من قوائم العرش وقال عياض الجقو معقد الإزار وهو الموضع الذي يستجار به ويحتزم به على عادة العرب لأنه من أحق ما يحامي عنه ويدفع كما قالوا نمنعه مما نمنع منه أزرنا فاستعير ذلك مجازا للرحم في استعاذتها بالله من القطيعة انتهى وقد يطلق الحقو على الإزار نفسه كما في حديث أم عطية فأعطاها حقوه فقال أشعرنها إياه يعني إزاره وهو المراد هنا وهو الذي جرت العادة بالتمسك به عند الالحاح في الاستجارة والطلب والمعنى على هذا صحيح مع اعتقاد تنزيه الله عن الجارحة قال الطيبي هذا القول مبنى على الاستعارة التمثيلية كأنه شبة حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب عنها بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم للمشبه به من القيام فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة ثم رشحت الاستعارة بالقول والأخذ وبلفظ الحقو فهو استعارة أخرى والتثنية فيه للتأكيد لأن الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ بيد واحدة قوله فقال له مه هو اسم فعل معناه الزجر أي اكفف وقال بن مالك هي هنا ما الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت والشائع أن لا يفعل ذلك إلا وهي مجرورة لكن قد سمع مثل ذلك فجاء عن أبي ذؤيب الهذلي قال قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج فقلت مه فقالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله في الإسناد حدثنا سليمان هو بن بلال قوله هذا مقام العائذ بك من القطيعة هذه الإشارة إلى المقام أي قيامي في هذا مقام العائذ بك وسيأتي مزيد بيان لما يتعلق بقطيعة الرحم في أوائل كتاب الأدب إن شاء الله تعالى ووقع في رواية الطبري هذا مقام عائذ من القطيعة والعائذ المستعيذ وهو المعتصم بالشيء المستجير به قوله قال أبو هريرة أقرءوا إن شئتم فهل عسيتم هذا ظاهره أن الاستشهاد موقوف وسيأتي بيان من رفعه وكذا في رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي مريم عن سليمان بن بلال ومحمد بن جعفر بن أبي كثير قوله حدثنا حاتم هو بن إسماعيل الكوفي نزيل المدينة ومعاوية هو بن أبي مزرد المذكور في الذي قبله وبعده قوله بهذا يعني الحديث الذي قبله وقد أخرجه الإسماعيلي من طريقين عن حاتم بن إسماعيل بلفظ فلما فرغ منه قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ ولم يذكر الزيادة وزاد بعد قوله قالت بلى يا رب قال فذلك لك قوله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرءوا إن شئتم حاصله أن الذي وقعه سليمان بن بلال على أبي هريرة رفعه حاتم بن إسماعيل وكذا وقع في رواية الإسماعيلي المذكورة قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله بهذا أي بهذا الإسناد والمتن ووافق حاتما على رفع هذا الكلام الأخير وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق حبان بن موسى عن عبد الله بن المبارك تنبيه اختلف في تأويل قوله إن توليتم فالأكثر على أنها من الولاية والمعنى إن وليتم الحكم وقيل بمعنى الإعراض والمعنى لعلكم إن أعرضتم عن قبول الحق أن يقع منكم ما ذكر والأول أشهر ويشهد له ما أخرج الطبري في تهذيبه من حديث عبد الله بن مغفل قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض قال هم هذا الحي من قريش أخذ الله عليهم أن ولوا الناس أن لا يفسدوا في الأرض ولا يقطعوا أرحامهم قوله آسن متغير وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس وقال أبو عبيدة مثله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة غير منتن وأخرج بن أبي حاتم من طريق مرسل من رواية أبي معاذ البصري أن عليا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا مرفوعا فيه ذكر الجنة قال وأنهار من ماء غير آسن قال صاف لا كدر فيه والله أعلم

قوله سورة الفتح بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال مجاهد بورا هالكين وصله الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وسقط لغير أبي ذر وقال أبو عبيدة ويقال بار الطعام أي هلك ومنه قول عبد الله بن الزبعري يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور أي هالك قوله سيماهم في وجوههم السحنة وفي رواية المستملي والكشميهني والقابسي السجدة والأول أولى فقد وصله بن أبي حاتم من طريق الحاكم عن مجاهد كذلك والسحنة بالسين وسكون الحاء المهملتين وقيده بن السكن والأصيلي بفتحهما قال عياض وهو الصواب عند أهل اللغة وهو لين البشرة والنعمة وقيل الهيئة وقيل الحال انتهى وجزم بن قتيبة بفتح الحاء أيضا وأنكر السكون وقد أثبته الكسائي والفراء وقال العكبري السحنة بفتح أوله وسكون ثانيه لون الوجه ولرواية المستملي ومن وافقه توجيه لأنه يريد بالسجدة أثرها في الوجه يقال لأثر السجود في الوجه سجدة وسجادة ووقع في رواية النسفي المسحة قوله وقال منصور عن مجاهد التواضع وصله على بن المديني عن جرير عن منصور ورويناه في الزهد لابن المبارك وفي تفسير عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سفيان وزائدة كلاهما عن منصور عن مجاهد قال هو الخشوع زاد في رواية زائدة قلت ما كنت أراه إلا هذا الأثر الذي في الوجه فقال ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون قوله شطأه فراخه فاستغلظ غلظ سوقه الساق حاملة الشجرة قال أبو عبيدة في قوله كزرع أخرج شطأه أخرج فراخه يقال قد أشطأه الزرع فآزره ساواه صار مثل الأم فاستغلظ غلظ فاستوى على سوقه الساق حاملة الشجر وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كزرع أخرج شطأه قال ما يخرج بجنب الحقلة فيتم وينمى وبه في قوله على سوقة قال على أصوله قوله شطأه شطء السنبل تنبت الحبة عشرا أو ثمانيا وسبعا فيقوى بعضه ببعض فذاك قوله تعالى فآزره قواه ولو كانت واحدة لم تقم على ساق وهو مثل ضربه الله للنبي صلى الله عليه وسلم إذ خرج وحده ثم قواه بأصحابه كما قوي الحبة بما ينبت منها

قوله دائرة السوء كقولك رجل السوء ودائرة السوء العذاب هو قول أبي عبيدة قال المعنى تدور عليهم تنبيه قرأ الجمهور السوء بفتح السين في الموضعين وضمها أبو عمرو وابن كثير قوله يعزروه ينصروه قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ويعزروه قال ينصروه وقد تقدم في الأعراف فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه وهذه ينبغي تفسيرها بالتوقير فرارا من التكرار والتعزيز يأتي بمعنى التعظيم والاعانة والمنع من الأعداء ومن هنا يجيء التعزير بمعنى التأديب لأنه يمنع الجاني من الوقوع في الجناية وهذا التفسير على قراءة الجمهور وجاء في الشواذ عن بن عباس يعززوه بزاءين من العزة ثم ذكر في الباب خمسة أحاديث الحديث الأول

قوله

[ 4553 ] عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر هذا السياق صورته الإرسال لأن أسلم لم يدرك زمان هذه القصة لكنه محمول على أنه سمعه من عمر بدليل قوله في أثنائه قال عمر فحركت بعيري الخ وإلى ذلك أشار القابسي وقد جاء من طريق أخرى سمعت عمر أخرجه البزار من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك ثم قال لا نعلم رواه عن مالك هكذا إلا بن عثمة وابن غزوان انتهى ورواية بن غزوان وهو عبد الرحمن أبو نوح المعروف بقراد قد أخرجها أحمد عنه واستدركها مغلطاي على البزار ظانا أنه غير بن غزوان وأورده الدارقطني في غرائب مالك من طريق هذين ومن طريق يزيد بن أبي حكيم ومحمد بن حرب وإسحاق الحنيني أيضا فهولاء خمسة رووه عن مالك بصريح الانصال وقد تقدم في المغازي أن الإسماعيلي أيضا أخرج طريق بن عثمة وكذا أخرجها الترمذي وجاء في رواية الطبراني من طريق عبد الرحمن بن أبي علقمة عن بن مسعود أن السفر المذكور هو عمرة الحديبية و كذا في رواية معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس قال لما رجعنا من الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة فنزلت وسيأتي حديث سهل بن حنيف في ذلك قريبا واختلف في المكان الذي نزلت فيه فوقع عند محمد بن سعد بضجنان وهي بفتح المعجمة وسكون الجيم ونون خفيفة وعند الحاكم في الإكليل بكراع الغميم وعن أبي معشر بالجحفة والأماكن الثلاثة متقاربة قوله فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه يستفاد منه أنه ليس لكل كلام جواب بل السكوت قد يكون جوابا لبعض الكلام وتكرير عمر السؤال إما لكونه خشي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه أو لأن الأمر الذي كان يسأل عنه كان مهما عنده ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بعد ذلك وإنما ترك إجابته أولا لشغله بما كان فيه من نزول الوحي قوله ثكلت بكسر الكاف أم عمر في رواية الكشميهني نكلتك أم عمر والثكل فقدان المرأة ولدها دعا عمر على نفسه بسبب ما وقع منه من الإلحاح ويحتمل أن يكون لم يرد الدعاء على نفسه حقيقة وإنما هي من الألفاظ التي تقال عند الغضب من غير قصد معناها قوله نزرت بزاي ثم راء بالتخفيف والتثقيل والتخفيف أشهر أي ألححت عليه قاله بن فارس والخطابي وقال الداودي معنى المثقل أقللت كلامه إذا سألته ما لا يجب أن يجيب عنه وأبعد من فسر نزرت براجعت قوله فما نشبت بكسر المعجمة بعدها موحدة ساكنة أي لم أتعلق بشيء غير ما ذكرت قوله أن سمعت صارخا يصرخ بي لم أقف على اسمه قوله لهي أحب إلى مما طلعت عليه الشمس أي لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح قال بن العربي أطلق المفاضلة بين المنزلة التي أعطيها وبين ما طلعت عليه الشمس ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى ثم يزيد أحدهما على الآخر ولا استواء بين تلك المنزلة والدنيا بأسرها وأجاب بن بطال بأن معناه أنها أحب إليه من كل شيء لأنه لا شيء إلا الدنيا والآخرة فأخرج الخبر عن ذكر الشيء بذكر الدنيا إذ لا شيء سواها إلا الآخرة وأجاب بن العربي بما حاصله أن أفعل قد لا يراد بها المفاضلة كقوله خير مستقرا وأحسن مقيلا ولا مفاضلة بين الجنة والنار أو الخطاب وقع على ما استقر في أنفس أكثر الناس فإنهم يعتقدون أن الدنيا لا شيء مثلها أو أنها المقصودة فأخبر بأنها عنده خير مما يظنون أن لا شيء أفضل منه انتهى ويحتمل أن يراد المفاضلة بين ما دلت عليه وبين ما دل عليه غيرها من الآيات المتعلقة به فرجحها وجميع الآيات وإن لم تكن من أمور الدنيا لكنها أنزلت لأهل الدنيا فدخلت كلها فيما طلعت عليه الشمس الحديث الثاني

[ 4554 ] قوله سمعت قتادة عن أنس إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال الحديبية هكذا أورده مختصرا وقد أخرجه في المغازي بأتم من هذا وبين أن بعض الحديث عن أنس موصول وبعضه عن عكرمة مرسل وسمي ما وقع في الحديبية فتحا لأنه كان مقدمة الفتح وأول أسبابه وقد تقدم شرح ذلك مبينا في كتاب المغازي الحديث الثالث

[ 4555 ] قوله عن عبد الله بن مغفل بالمعجمة والفاء وزن محمد قوله فرجع فيها أي ردد صوته بالقراءة وقد أورده في التوحيد من طريق أخرى بلفظ كيف ترجيعه قال ءا ءا ءا ثلاث مرات قال القرطبي هو محمول على إشباع المد في موضعه وقيل كان ذلك بسبب كونه راكبا فحصل الترجيع من تحريك الناقة وهذا فيه نظر لأن في رواية على بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي وهو يقرأ قراءة لينة فقال لولا أن يجتمع الناس علينا لقرأت ذلك اللحن وكذا أخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن أبي النضر عن شعبة وسأذكر تحرير هذه المسألة في شرح حديث ليس منا من لم يتغن بالقرآن

الحديث الرابع حديث المغيرة بن شعبة قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه وقد تقدم شرحه في صلاة الليل من كتاب الصلاة

[ 4557 ] الحديث الخامس حديث عائشة في ذلك قوله أنبأنا حيوة هو بن شريح المصري وأبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن النوفلي المعروف بيتيم عروة ونصف هذا الإسناد مصريون ونصفه مدنيون وقد تقدم شرحه في صلاة الليل قوله فلما كثر لحمه أنكره الداودي وقال المحفوظ فلما بدن أي كبر فكأن الراوي تأوله على كثرة اللحم انتهى وتعقبه أيضا بن الجوزي فقال لم يصفه بالسمن أصلا ولقد مات صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز الشعير في يوم مرتين وأحسب بعض الرواة لما رأى بدن ظنه كثر لحمه وليس كذلك وإنما هو بدن تبدينا أي أسن قاله أبو عبيدة قلت وهو خلاف الظاهر وفي استدلاله بأنه لم يشبع من خبز الشعير نظر فإنه يكون من جملة المعجزات كما في كثرة الجماع وطوافه في الليلة الواحدة على تسع وإحدى عشرة مع عدم الشبع وضيق العيش وأي فرق بين تكثير المني مع الجوع وبين وجود كثرة اللحم في البدن مع قلة الأكل وقد أخرج مسلم من طريق عبد الله بن عروة عن عائشة قالت لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسا لكن يمكن تأويل قوله ثقل أي ثقل عليه حمل لحمه وأن كان قليلا لدخوله في السن قوله صلى جالسا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع في رواية هشام بن عروة عن أبيه قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع أخرجاه وقد تقدم في آخر أبواب تقصير الصلاة وأخرجا من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة بلفظ فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ولمسلم من طريق عمرة عن عائشة فإذا أراد أن يركع قام فقرأ قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية وقد روى مسلم من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة في صفة تطوعه صلى الله عليه وسلم وفيه وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد وهذا محمول على حالته الأولى قبل أن يدخل في السن جمعا بين الحديثين وقد تقدم بيان ذلك والبحث فيه في صلاة الليل وكثير من فوائده أيضا في آخر أبواب تقصير الصلاة

قوله باب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا

[ 4558 ] قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة أي القعنبي كذا في رواية أبي ذر وأبي على بن السكن ووقع عند غيرهما عبد الله غير منسوب فتردد فيه أبو مسعود بين أن يكون عبد الله بن رجاء وعبد الله بن صالح كاتب الليث وقال أبو على الجياني عندي أنه عبد الله بن صالح ورجح هذا المزي وحده بأن البخاري أخرج هذا الحديث بعينه في كتاب الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن عبد العزيز قلت لكن لا يلزم من ذلك الجزم به وما المانع أن يكون له في الحديث الواحد شيخان عن شيخ واحد وليس الذي وقع في الأدب بأرجح مما وقع الجزم به في رواية أبي علي وأبي ذر وهما حافظان وقد أخرج البخاري في باب التكبير إذا علا شرفا من كتاب الحج حديثا قال فيه حدثنا عبد الله غير منسوب حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة كذا للأكثر غير منسوب وتردد فيه أبو مسعود بين الرجلين الذين تردد فيهما في حديث الباب لكن وقع في رواية أبي على بن السكن حدثنا عبد الله بن يوسف فتعين المصير إليه لأنها زيادة من حافظ في الرواية فتقدم على من فسره بالظن قوله عن هلال بن أبي هلال تقدم القول فيه في أوائل البيوع قوله عن عبد الله بن عمرو بن العاص تقدم بيان الاختلاف فيه على عطاء بن يسار في البيوع أيضا وتقدم في تلك الرواية سبب تحديث عبد الله بن عمرو به وأنهم سألوه عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال أجل أنه لموصوف ببعض صفته في القرآن وللدارمي من طريق أبي صالح ذكوان عن كعب قال في السطر الأول محمد رسول الله عبدي المختار قوله إن هذه الآية التي في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا قال في التوراة يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا أي شاهدا على الأمة ومبشرا للمطيعين بالجنة وللعصاة بالنار أو شاهدا المرسل قبله بالإبلاغ قوله وحرزا بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي أي حصنا والاميين هم العرب وقد تقدم شرح ذلك في البيوع قوله سميتك المتوكل أي على الله لقناعته باليسير والصبر على ما كان يكره قوله ليس كذا وقع بصيغة الغيبة على طريق الالتفات ولو جرى على النسق الأول لقال لست قوله بلفظ ولا غليظ هو موافق لقوله تعالى فيما رحمة الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ولا يعارض من قوله تعالى واغلظ عليهم لأن النفي محمول على طبعه الذي جبل عليه والأمر محمول على المعالجة أو النفي بالنسبة للمؤمنين والأمر بالنسبة للكفار والمنافقين كما هو مصرح به في نفس الآية قوله ولا سحاب كذا فيه بالسين المهملة وهي لغة أثبتها الفراء وغيره وبالصاد أشهر وقد تقدم ذلك أيضا قوله ولا يدفع السيئه بالسيئة هو مثل قوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن زاد في رواية كعب مولده بمكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام قوله وإن يقبضه أي يميته قوله حتى يقيم به أي حتى ينفي الشرك ويثبت التوحيد والملة العوجاء ملة الكفر قوله فيفتح بها أي بكلمة التوحيد أعينا عميا أي عن الحق وليس هو على حقيقته ووقع في رواية القابسي أعين عمي بالإضافة وكذا الكلام في الآذان والقلوب وفي مرسل جبير بن نفير بإسناد صحيح عند الدارمي ليس بوهن ولا كسل ليختن قلوبا غلفا ويفتح أعينا عميا ويسمع أذانا صما ويقيم ألسنة عوجاء حتى يقال لا إله إلا الله وحده تنبيه قيل أني بجمع القلة في قوله أعين للإشارة إلى أن المؤمنين أقل من الكافرين وقيل بل جمع القلة قد يأتي في موضع الكثرة وبالعكس كقوله ثلاثة قروء والأول أولى ويحتمل أن يكون هو نكتة العدول إلى جمع القلة أو للمؤاخاة في قوله آذانا وقد ترد القلوب على المعنى الأول وجوابه أنه لم يسمع للقلوب جمع قلة كما لم يسمع للآذان جمع كثرة

قوله باب هو الذي أنزل السكينة ذكر فيه حديث البراء في نزول السكينة وسيأتي بتمامه في فضائل القرآن مع شرحه إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله إذ يبايعونك تحت الشجرة ذكر فيه أربعة أحاديث أحدها حديث جابر

[ 4560 ] كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي وثانيها قوله على بن عبد الله هو بن المديني كذا للأكثر ووقع في رواية المستملي على بن سلمة وهو اللبقي بفتح اللام والموحدة ثم قاف خفيفة وبه جزم الكلاباذي

[ 4561 ] قوله عن عبد الله بن المغفل المزني ممن شهد الشجرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحذف بخاء معجمة أي الرمي بالحصى بين أصبعين وسيأتي الكلام عليه في الأدب قوله وعن عقبة بن صهبان سمعت عبد الله بن مغفل المزني في البول في المغتسل كذا للأكثر وزاد في رواية الأصيلي وكذا لأبي ذر عن السرخسي يأخذ منه الوسواس وهذان الحديثان المرفوع والموقوف الذي عقبة به لا تعلق لهما بتفسير هذه الآية بل ولا هذه السورة وإنما أورد الأول لقول الراوي فيه ممن شهد الشجرة فهذا القدر هو المتعلق بالترجمة ومثله ما ذكره بعده عن ثابت بن الضحاك وذكر المتن بطريق التبع لا القصد وأما الحديث الثاني فأورده لبيان التصريح بسماع عقبة بن صهبان من عبد الله بن مغفل وهذا من صنيعه في غاية الدقة وحسن التصرف فلله دره وهذا الحديث قد أخرجه أبو نعيم في المستخرج والحاكم من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عقبة بن صهبان عن عبد الله بن مغفل قال نهى أو زجر أن يبال في المغتسل وهذا يدل على أن زيادة ذكر الوسواس التي عند الأصيلي ومن وافقه في هذه الطريق وهم نعم أخرج أصحاب السنن وصححه بن حبان والحاكم من طريق أشعت عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رفعه لا يبولن أحدكم في مستحمه فإن عامة الوسواس منه قال الترمذي غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أشعث وتعقب بأن الطبري أخرجه من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن أيضا وهذا التعقب وارد على الإطلاق وإلا فاسماعيل ضعيف الحديث الثالث

[ 4562 ] قوله عن خالد هو الحذاء قوله عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك وكان من أصحاب الشجرة هكذا ذكر القدر الذي يحتاج إليه من هذا الحديث ولم يسق المتن ويستفاد من ذلك أنه لم يجرؤ على نسق واحد في إيراد الأشياء التبعية بل تارة يقتصر على موضع الحاجة من الحديث وتارة يسوقه بتمامه فكأنه يقصد التفنن بذلك وقد تقدم لحديث ثابت المذكور طريق أخرى في غزوة الحديبية الحديث الرابع

[ 4563 ] قوله حدثنا يعلى هو بن عبيد الطنافسي قوله حدثنا عبد العزيز بن سياه بمهملة مكسورة ثم تحتانية خفيفة وآخره هاء منونة تقدم في أواخر الجزية قوله أتيت أبا وائل أسأله لم يذكر المسئول عنه وبينه أحمد في روايته عن يعلى بن عبيد ولفظه أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم على يعني الخوارج قال كنا بصفين فقال رجل فذكره قوله فقال كنا بصفين هي مدينة قديمة على شاطئ الفرات بين الرقة ومنبج كانت بها الواقعة المشهورة بين على ومعاوية قوله فقال رجل ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله ساق أحمد إلى آخر الآية هذا الرجل هو عبد الله بن الكواء ذكره الطبري وكان سبب ذلك أن أهل الشام لما كاد أهل العراق يغلبونهم أشار عليهم عمرو بن العاص يرفع المصاحف والدعاء إلى العمل بما فيها وأراد بذلك أن تقع المطاولة فيستريحوا من الشدة التي وقعوا فيها فكان كما ظن فلما رفعوها وقالوا بيننا وبينكم كتاب الله وسمع من بعسكر على وغالبهم ممن يتدين قال قائلهم ما ذكر فأذعن علي إلى التحكيم موافقة لهم واثقا بأن الحق بيده وقد أخرج النسائي هذا الحديث عن أحمد بن سليمان عن يعلى بن عبيد بالإسناد الذي أخرجه البخاري فذكر الزيادة نحو ما أخرجها أحمد وزاد بعد قوله كنا بصفين قال فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو بن العاص لمعاوية أرسل المصحف إلى علي فادعه إلى كتاب الله فإنه لن يأبى عليك فأتى به رجل فقال بيننا وبينكم كتاب الله فقال علي أنا أولى بذلك بيننا كتاب الله فجاءته الخوارج ونحن يومئذ نسميهم القراء وسيوفهم على عواتقهم فقالوا يا أمير المؤمنين ما ننتظر بهؤلاء القوم ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال سهل بن حنيف قوله فقال علي نعم زاد أحمد والنسائي أنا أولى بذلك أي بالإجابة إذا دعيت إلى العمل بكتاب الله لأنني واثق بأن الحق بيدي قوله وقال سهل بن حنيف اتهموا أنفسكم أي في هذا الرأي لأن كثيرا منهم أنكروا التحكيم وقالوا لا حكم إلا الله فقال علي كلمة حق أريد بها باطل وأشار عليهم كبار الصحابة بمطاوعة علي وأن لا يخالف ما يشير به لكونه أعلم بالمصلحة وذكر لهم سهل بن حنيف ما وقع لهم بالحديبية وأنهم رأوا يومئذ أن يستمروا على القتال ويخالفوا ما دعوا إليه من الصلح ثم ظهر أن الأصلح هو الذي كان شرع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وسيأتي ما يتعلق بهذه القصة في كتاب استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى وسبق ما يتعلق بالحديبية مستوفى في كتاب الشروط

قوله سورة الحجرات بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر واقتصر غيره على الحجرات حسب والحجرات بضمتين جمع حجرة بسكون الجيم والمراد بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قوله وقال مجاهد لا تقدموا لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله على لسانه وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد ورويناه في كتاب ذم الكلام من هذا الوجه تنبيه ضبط أبو الحجاج البناسي تقدموا بفتح القاف والدال وهي قراءة بن عباس وقراءة يعقوب الحضرمي وهي التي ينطبق عليها هذا التفسير وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون لو أنزل في كذا فأنزلها الله قال وقال الحسن هم ناس من المسلمين ذبحوا قبل الصلاة يوم النحر فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة قوله امتحن أخلص وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عنه بلفظه وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال أخلص الله قلوبهم فيما أحب قوله ولا تنابزوا يدعى بالكفر بعد الإسلام وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ لا يدعو الرجل بالكفر وهو مسلم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ولا تلمزوا أنفسكم قال لا يطعن بعضكم على بعض ولا تنابزوا بالألقاب قال لا تقل لأخيك المسلم يا فاسق يا منافق وعن الحسن قال كان اليهودي يسلم فيقال له يا يهودي فنهوا عن ذلك وللطبري من طريق عكرمة نحوه وروى أحمد وأبو داود من طريق الشعبي حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت ولا تنابزوا بالألقاب قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله لقبان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا أنه يغضب منه فنزلت قوله يلتكم ينقصكم ألتنا نقصنا وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وبه في قوله وما ألتناهم من عملهم من شيء قال ما نقصنا الآباء للأبناء تنبيه هذا الثاني من سورة الطور ذكره هنا استطرادا وإنما يتناسب ألتنا مع الآية الأخرى على قراءة أبي عمرو هنا فإنه قرأ لا يألتكم بزيادة همزة والباقون بحذفها وهو من لات يليت قاله أبو عبيدة قال وقال رؤبة وليلة ذات ندا سريت ولم يلتنى عن سراها ليت وتقول العرب ألاتني حتى وألاتني عن حاجتي أي صرفني وأما قوله وما ألتناهم فهو من ألت يالت

قوله باب لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية كذا للجميع قوله تشعرون تعلمون ومنه الشاعر هو كلام أبي عبيدة

[ 4564 ] قوله حدثنا يسرة بفتح الياء الأخيرة والمهملة وجده جميل بالجيم وزن عظيم ونافع بن عمر هو الجمحي المكي وليس هو نافع مولى بن عمر ونبه الكرماني هنا على شيء لا يتخيله من له أدنى إلمام بالحديث والرجال فقال ليس هذا الحديث ثلاثيا لأن عبد الله بن أبي مليكة تابعي قوله كاد الخيران كذا للجميع بالمعجمة بعدها تحتانية ثقيلة وحكى بعض الشراح رواية بالمهملة وسكون الموحدة يهلكان كذا لأبي ذر وفي رواية يهلكا بحذف النون قال بن التين كذا وقع بغير نون وكأنه نصب بتقدير أن انتهى وقد أخرجه أحمد عن وكيع عن نافع عن بن عمر بلفظ أن يهلكا وهو بكسر اللام ونسبها بن التين لرواية أبي ذر ثم هذا السياق صورته الإرسال لكن ظهر في آخره أن بن أبي مليكة حمله عن عبد الله بن الزبير وسيأتي في الباب الذي بعده التصريح بذلك ولفظه عن بن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبرهم فذكره بكماله قوله رفعا أصواتهما حين قدم عليه ركب بني تميم في رواية أحمد وفد بني تميم وكان قدومهم سنة تسع بعد أن أوقع عيينة بن حصن ببني العنبر وهم بطن من بني تميم ذكر ذلك أبو الحسن المدائني قوله فأشار أحدهما هو عمر بينه بن جريج في الرواية التي في الباب بعده ووقع عند الترمذي من رواية مؤمل بن إسماعيل عن نافع بن عمر بلفظ أن الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر يا رسول الله استعمله على قومه فقال عمر لا تستعمله يا رسول الله الحديث وهذا يخالف رواية بن جريج وروايته أثبت من مؤمل بن إسماعيل والله أعلم قوله بالاقرع بن حابس أخي بني مجاشع الأقرع لقب واسمه فيما نقل بن دريد فراس بن حابس بن عقال بكسر المهملة وتخفيف القاف بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن عبد الله بن دارم التميمي الدارمي وكانت وفاة الأقرع بن حابس في خلافة عثمان قوله وأشار الآخر هو أبو بكر بينه بن جريج في روايته المذكورة برجل آخر فقال نافع لا أحفظ اسمه سيأتي في الباب الذي بعده من رواية بن جريج عن بن أبي مليكة أنه القعقاع بن معبد بن زرارة أي بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم التميمي الدارمي قال الكلبي في الجامع كان يقال له تيار الفرات لجوده قلت وله ذكر في غزوة حنين أورده البغوي في الصحابة بإسناد صحيح قوله ما أردت إلا خلافي أي ليس مقصودك إلا مخالفة قولي وفي رواية أحمد إنما أردت خلافي وهذا هو المعتمد وحكى بن التين أنه وقع هنا ما أردت إلى خلافي بلفظ حرف الجر وما في هذا استفهامية وإلى بتخفيف اللام والمعنى أي شيء قصدت منتهيا إلى مخالفتي وقد وجدت الرواية التي ذكرها بن التين في بعض النسخ لأبي ذر عن الكشميهني قوله فارتفعت أصواتهما في رواية بن جريج فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما قوله فانزل الله في رواية بن جريج فنزل في ذلك قوله يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم الآية زاد وكيع كما سيأتي في الاعتصام إلى قوله عظيم وفي رواية بن جريج فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله إلى قوله ولو أنهم صبروا وقد استشكل ذلك قال بن عطية الصحيح أن سبب نزول هذه الآية كلام جفاة الأعراب قلت لا يعارض ذلك هذا الحديث فإن الذي يتعلق بقصة الشيخين في تخالفهما في التأمير هو أول السورة لا تقدموا ولكن لما اتصل بها قوله لا ترفعوا تمسك عمر منها بخفض صوته وجفاة الأعراب الذين نزلت فيهم هم من بني تميم والذي يختص بهم قوله إن الذين ينادونك من وراء الحجرات قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات فقال يا محمد إن مدحي زين وأن شتمي شين فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الله عز وجل ونزلت قلت ولا مانع أن تنزل الآية لأسباب تتقدمها فلا يعدل للترجيح مع ظهور الجمع وصحة الطرق ولعل البخاري استشعر ذلك فأورد قصة ثابت بن قيس عقب هذا ليبين ما أشرت إليه من الجمع ثم عقب ذلك كله بترجمة باب قوله ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم إشارة إلى قصة جفاة الأعراب من بني تميم لكنه لم يذكر في الترجمة حديثا كا سأبينه قريبا وكأنه ذكر حديث ثابت لأنه هو الذي كان الخطيب لما وقع الكلام في المفاخرة بين بني تميم المذكورين كما أورده بن إسحاق في المغازي مطولا قوله فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه في رواية وكيع في الاعتصام فكان عمر بعد ذلك إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه قلت وقد أخرج بن المنذر من طريق محمد بن عمرو أن أبا بكر الصديق قال مثل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا مرسل وقد أخرجه الحاكم موصولا من حديث أبي هريرة نحوه وأخرجه بن مردويه من طريق طارق بن شهاب عن أبي بكر قال لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم الآية قال أبو بكر قلت يا رسول الله آليت أن لا أكلمك إلا كأخي السرار قوله ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر قال مغلطاي يحتمل أنه أراد بذلك أبا بكر عبد الله بن الزبير أو أبا بكر عبد الله بن أبي مليكة فإن أبا مليكة له ذكر في الصحابة قلت وهذا بعيد عن الصواب بل قرينة ذكر عمر ترشد إلى أن مراده أبو بكر الصديق وقد وقع في رواية الترمذي قال وما ذكر بن الزبير جده وقد وقع في رواية الطبري من طريق مؤمل بن إسماعيل عن نافع بن عمر فقال في آخره وما ذكر بن الزبير جده يعني أبا بكر وفيه تعقب على من عد في الخصائص النبوية أن أولاد بنته ينسبون إليه لقوله أن ابني هذا سيد وقد أنكره القفال على بن القاص وعده القضاعي فيما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء وفيه نظر فقد احتج يحيى بن يعمر بأن عيسى نسب إلى إبراهيم وهو بن بنته وهو استدلال صحيح وإطلاق الأب على الجد مشهور وهو مذهب أبي بكر الصديق كما تقدم في المناقب

[ 4565 ] قوله افتقد ثابت بن قيس تقدم شرحه مستوفى في أواخر علامات النبوة قوله فقال رجل يا رسول الله هو سعد بن معاذ بينه حماد بن سلمة في روايته لهذا الحديث عن أنس وقيل هو عاصم بن عدي وقيل أبو مسعود والأول المعتمد قوله أنا أعلم لك علمه أي أعلم لأجلك علما متعلقا به قوله فقال موسى هو بن أنس راوي الحديث عن أنس

قوله باب إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ذكر فيه حديث بن الزبير وقد تقدم شرحه في الذي قبله وروى الطبري من طريق مجاهد قال هم أعراب بني تميم ومن طريق أبي إسحاق عن البراء قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين فقال ذاك الله تبارك وتعالى وروى من طريق معمر عن قتادة مثله مرسلا وزاد فأنزل الله أن الذين ينادونك من وراء الحجرات الآية ومن طريق الحسن نحوه

[ 4566 ] قوله عن بن جريج أخبرني بن أبي مليكة كذا قال حجاج بن محمد تقدم في التفسير من طريق هشام بن يوسف عن بن جريج عن بن مليكة بالعنعنة وتابعه هشام بن يوسف وأخرجه بن المنذر من طريق محمد بن ثور عن بن جريج فزاد فيه رجلا قال أخبرني رجل أن بن أبي مليكة أخبره فيحمل على أن بن جريج حمله عن بن أبي مليكة بواسطة ثم لقيه فسمعه منه

قوله باب قوله ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم هكذا في جميع الروايات الترجمة بغير حديث وقد أخرج الطبري والبغوي وابن أبي عاصم في كتبهم في الصحابة من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة قال حدثني الأقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أخرج إلينا فنزلت إن الذين ينادونك من وراء الحجرات الحديث وسياقه لابن جرير قال بن منده الصحيح عن أبي سلمة أن الأقرع مرسل وكذ أخرجه أحمد على الوجهين وقد ساق محمد بن إسحاق قصة وفد بني تميم في ذلك مطولة بانقطاع وأخرجها بن منده في ترجمة ثابت بن قيس في المعرفة من طريق أخرى موصولة

قوله سورة ق بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ق اسم من أسماء القرآن وعن بن جريج عن مجاهد قال جبل محيط بالأرض وقيل هي القاف من قوله قضى الأمر دلت على بقية الكلمة كما قال الشاعر قلت لها قفي لنا قالت قاف قوله رجع بعيد رد هو قول أبي عبيدة بلفظه وأخرج بن المنذر من طريق بن جريج قال أنكروا البعث فقالوا من يستطيع أن يرجعنا ويحيينا قوله فروج فنوق وأحدها فرج أي بسكون الراء هو قول أبي عبيدة بلفظه وروى الطبري من طريق مجاهد قال الفرج الشق قوله من حبل الوريد وريداه في حلقة والحبل حبل العاتق سقط هذا لغير أبي ذر وهو قول أبي عبيدة بلفظه وزاد فإضافة إلى الوريد كما يضاف الحبل إلى العاتق وروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى من حبل الوريد قال من عرق العنق قوله وقال مجاهد ما تنقص الأرض منهم من عظامهم وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح بهذا وروى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال ما تأكل الأرض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يعني الموتى تأكلهم الأرض إذا ماتوا وعن جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن أي من أبدائهم تنبيه زعم بن التين أنه وقع في البخاري بلفظ من أعظامهم ثم استشكله وقال الصواب من عظامهم وفعل بفتح الفاء وسكون العين لا يجمع على أفعال إلا نادرا قوله تبصرة بصيرة وصله الفريابي عن مجاهد هكذا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تبصرة قال نعمة من الله عز وجل قوله حب الحصيد الحنطة وصله الفريابي أيضا عنه وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة هو البر والشعير قوله باسقات الطوال وصله الفريابي أيضا كذلك وروى الطبري من طريق عبد الله بن شداد قال بسوقها طولها في قامة وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يعني طولها قوله أفعيينا أفأعي علينا سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق قوله رقيب عتيد رصد وصله الفريابي أيضا كذلك وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال يكتب كل ما تكلم به من خير وشر ومن طريق سعيد بن أبي عروبة قال قال الحسن وقتادة ما يلفظ من قول أي ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه وكان عكرمة يقول إنما ذلك في الخير والشر قوله سائق وشهيد الملكان كاتب وشهيد وصله الفريابي كذلك وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال سائق يسوقها وشهيد يشهد عليها بعملها وروى نحوه بإسناد موصول عن عثمان قوله وقال قرينه الشيطان الذي قيض له وصله الفريابي أيضا وقال عبد الرزاق عن قتادة نحوه قوله فنقبوا ضربوا وصله الفريابي أيضا وروى الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قول فنقبوا في البلاد قال أثروا وقال أبو عبيدة في قوله فنقبوا طافوا وتباعدوا قال امرؤ القيس وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب قوله أو ألقى السمع لا يحدث نفسه بغيره وصله الفريابي أيضا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في هذه الآية قال هو رجل من أهل الكتاب ألقى السمع أي استمع للقرآن وهو شهيد على ما في يديه من كتاب الله أنه يجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مكتوبا قال معمر وقال الحسن هو منافق استمع ولم ينتفع قوله حين أنشأكم وأنشأ خلقكم سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق وهو بقية تفسير قوله أفعيينا وحقه أن يكتب عندها قوله شهيد شاهد بالغيب في رواية الكشميهني بالقلب ووصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ الأكثر قوله وما مسنا من لغوب من نصب وصله الفريابي كذلك وتقدم في بدء الخلق أيضا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قالت اليهود إن الله الخلق في ستة أيام وفرغ من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت فأكذبهم الله فقال وما مسنا من لغوب قوله وقال غيره نضيد الكفرى ما دام في أكمامه ومعناه منضود بعضه على بعض فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد هو قول أبي عبيدة بمعناه قوله وأدبار النجوم وأدبار السجود كان عاصم بفتح التي في ق ويكسر التي في الطور ويكسران جميعا وينصبان هو كما قال ووافق عاصما أبو عمرو وابن عامر والكسائي على الفتح هنا وقرأ الباقون بالكسر هنا وقرأ الجمهور بالفتح في الطور وقرأها بالكسر عاصم على ما نقل المصنف ونقلها غيره في الشواذ فالفتح جمع دبر والكسر مصدر يدبر إدبارا ورجح الطبري الفتح فيهما قوله وقال بن عباس يوم الخروج يوم يخرجون إلى البعث من القبور وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس بلفظه وتقدم في الجنائز نحوه

قوله باب قوله وتقول هل من مزيد اختلف النقل عن قول جهنم هل من مزيد فظاهر أحاديث الباب أن هذا القول منها لطلب المزيد وجاء عن بعض السلف أنه استفهام إنكار كأنها تقول ما بقي في موضع للزيادة فروى الطبري من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله هل من مزيد أي هل من مدخل قد امتلأت ومن طريق مجاهد نحوه وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة عن بن عباس وهو ضعيف ورجح الطبري أنه لطلب الزيادة على ما دلت عليه الأحاديث المرفوعة وقال الإسماعيلي الذي قاله مجاهد موجه فيحتمل على أنها قد تزاد وهي عند نفسها لا موضع فيها للمزيد قوله في حديث أنس

[ 4567 ] يلق في النار وتقول هل من مزيد في رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة لا تزال جهنم يلقى فيها أخرجه أحمد ومسلم قوله حتى يضع قدمه فيها كذا في رواية شعبة وفي رواية سعيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه قوله فتقول قط قط في رواية سعيد فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وعزتك وفي رواية سليمان التيمي عن قتادة فتقول قد قد بالدال بدل الطاء وفي حديث أبي هريرة فيضع الرب عليها قدمه فتقول قط قط وفي الرواية التي تليها فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض وفي حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى وجهنم تسأل المزيد حتى يضع فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وفي حديث أبي سعيد عند أحمد فيلقى في النار أهلها فتقول هل من مزيد ويلقي فيها وتقول هل من مزيد حتى يأتيها عز وجل فيضع قدمه عليها فتتزوي فتقول قدني قدني وقوله قط قط أي حسبي حسبي وثبت بهذا التفسير عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة وقط بالتخفيف ساكنا ويجوز الكسر بغير إشباع ووقع في بعض النسخ عن أبي ذر قطى قطى بالاشباع و قطني بزيادة نون مشبعة ووقع في حديث أبي سعيد ورواية سليمان التيمي بالدال بدل الطاء وهي لغة أيضا وكلها بمعنى يكفي وقيل قط صوت جهنم والأول هو الصواب عند الجمهور ثم رأيت في تفسير بن مردويه من وجه آخر عن أنس ما يؤيد الذي قبله ولفظه فيضعها عليها فتقطقط كما يقطقط السقاء إذا امتلأ انتهى فهذا لو ثبت لكان هو المعتمد لكن في سنده موسى بن مطير وهو متروك واختلف في المراد بالقدم فطريق السلف في هذا وغيره مشهورة وهو أن تمر كما جاءت ولا يتعرض لتأويله بل نعتقد استحالة ما يوهم النقص على الله

وخاض كثير من أهل العلم في تأويل ذلك فقال المراد إذلال جهنم فإنها إذا بالغت في الطغيان وطلب المزيد أذلها الله فوضعها تحت القدم وليس المراد حقيقة القدم والعرب تستعمل ألفاظ الأعضاء في ضرب الأمثال ولا تريد أعيانها كقولهم رغم أنفه وسقط في يده وقيل المراد بالقدم الفرط السابق أي يضع الله فيها ما قدمه لها من أهل العذاب قال الإسماعيلي القدم قد يكون اسما لما قدم كما يسمى ما خبط من ورق خبطا فالمعنى ما قدموا من عمل وقيل المراد بالقدم قدم بعض المخلوقين فالضمير للمخلوق معلوم أو يكون هناك مخلوق اسمه قدم أو المراد بالقدم الأخير لأن القدم آخر الأعضاء فيكون المعنى حتى يضع الله في النار آخر أهلها فيها ويكون الضمير للمزيد وقال بن حبان في صحيحه بعد إخراجه هذا من الإخبار التي أطلقت بتمثيل المجاورة وذلك أن يوم القيامة يلقى في النار من الأمم والأمكنة التي عصى الله فيها فلا تزال تستزيد حتى يضع الرب فيها موضعا من الأمكنة المذكورة فتمتلىء لأن العرب تطلق القدم على الموضع قال تعالى ان لهم قدم صدق يريد موضع صدق وقال الداودي المراد بالقدم قدم صدق وهو محمد والإشارة بذلك إلى شفاعته وهو المقام المحمود فيخرج من النار من كان فيه في قلبه شيء من الإيمان وتعقب بأن هذا منابذ لنص الحديث لأن فيه يضع قدمه بعد أن قالت هل من مزيد والذي قاله مقتضاه أنه ينقص منها وصريح الخبر أنها تنزوي بما يجعل فيها لا يخرج منها قلت ويحتمل أن يوجه بان من يخرج منها يبدل عوضهم من أهل الكفر كما حملوا عليه حديث أبي موسى في صحيح مسلم يعطي كل مسلم رجلا من اليهود والنصارى فيقال هذا فداءك من النار فإن بعض العلماء قال المراد بذلك أنه يقع عند إخراج الموحدين وأنه يجعل مكان كل واحد منهم واحدا من الكفار بأن يعظم حتى يسد مكانه ومكان الذي خرج وحينئذ فالقدم سبب للعظم المذكور فإذا وقع العظم حصل الملء الذي تطلبه ومن التأويل البعيد قول من قال المراد بالقدم قدم إبليس وأخذه من قوله حتى يضع الجبار فيها قدمه وإبليس أول من تكبر فاستحق أن يسمى متجبرا وجبارا وظهور بعد هذا يغنى عن تكلف الرد عليه وزعم بن الجوزي أن الرواية التي جاءت بلفظ الرجل تحريف من بعض الرواة لظنه أن المراد بالقدم الجارحة فرواها بالمعنى فأخطأ ثم قال ويحتمل أن يكون المراد بالرجل إن كانت محفوظة الجماعة كما تقول رجل من جراد فالتقدير يضع فيها جماعة وأضافهم إليه إضافة اختصاص وبالغ بن فورك فجزم بأن الرواية بلفظ الرجل غير ثابتة عند أهل النقل وهو مردود لثبوتها في الصحيحين وقد أولها غيره بنحو ما تقدم في القدم فقيل رجل بعض المخلوقين وقيل إنها اسم مخلوق من المخلوقين وقيل إن الرجل تستعمل في الزجر كما تقول وضعته تحت رجلي وقيل إن الرجل تستعمل في طلب الشيء على سبيل الجد كما تقول قام في هذا الأمر على رجل وقال أبو الوفاء بن عقيل تعالى الله عن أنه لا يعمل أمره في النار حتى يستعين عليها بشيء من ذاته أو صفاته وهو القائل النار كوني بردا وسلاما فمن يأمر نارا أججها غيره أن تنقلب عن طبعها وهو الاحراق فتنقلب كيف يحتاج في نار بؤججها هو إلى استعانة انتهى ويفهم جوابه من التفصيل الواقع ثالث أحاديث الباب حيث قال فيه ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فذكر الحديث وقال فيه ولا يظلم الله من خلقه أحدا فإن فيه إشارة إلى أن الجنة يقع امتلاؤها بمن ينشؤهم الله لأجل ملئها وأما النار فلا ينشئ لها خلقا بل يفعل فيها شيئا عبر عنه بما ذكر يقتضي لها أن ينضم بعضها إلى بعض فتصير ملأى ولا تحتمل مزيدا وفيه دلالة على أن الثواب ليس موقوفا على العمل بل ينعم الله بالجنة على من لم يعمل خيرا قط كما في الأطفال قوله في أول الحديث الثاني

[ 4568 ] حدثنا محمد بن موسى القطان هو الواسطي وأبو سفيان الحميري أدركه البخاري بالسن ولم يلقه قوله حدثنا عوف لأبي سفيان فيه سند آخر أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن عمر الجزائري عن معمر عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة مطولا وقوله رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان القائل ذلك محمد بن موسى الراوي عنه وقال يوقفه من الرباعي وهو لغة والفصيح يقفه من الثلاثي والمعنى أنه كان يرويه في أكثر الأحوال موقوفا ويرفعه أحيانا وقد رفعه غيره أيضا

[ 4569 ] قوله في الطريق الثالثة أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة وقع في مصنف عبد الرزاق في آخره قال معمر وأخبرني أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وأخرجه مسلم بالوجهين قوله تحاجت أي تخاصمت قوله بالمتكبرين والمتجبرين قيل هما بمعنى وقيل المتكبر المتعاظم بما ليس فيه والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه وقيل الذي لا يكترث بأمر قوله ضعفاء الناس وسقطهم بفتحتين أي المحتقرون بينهم الساقطون من أعينهم هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات لكنهم بالنسبة إلى ما عند أنفسهم لعظمة الله عندهم وخضوعهم له في غاية التواضع لله والذلة في عباده فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح أو المراد بالحصر في قول الجنة الا ضعفاء الناس الأغلب قال النووي هذا الحديث على ظاهره وأن الله يخلق في الجنة والنار تمييزا يدركان به ويقدران على المراجعة والاحتجاج ويحتمل أن يكون بلسان الحال وسيأتي مزيد لهذا في باب قوله أن رحمة الله قريب من المحسنين من كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كذا لأبي ذر في الترجمة وفي سياق الحديث ولغيره وسبح بالواو فيهما وهو الموافق للتلاوة فهو الصواب وعندهم أيضا وقبل الغروب وهو الموافق لآية السورة ثم أورد فيه حديث جرير إنكم سترون ربكم الحديث وفي آخره ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهذه الآية في طه قال الكرماني المناسب لهذه السورة وقبل الغروب لا غروبها قلت لا سبيل إلى التصرف في لفظ الحديث وإنما أورد الحديث هنا لاتحاد دلالة الآيتين وقد تقدم في الصلاة وكذا وقع هنا في نسخة من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد بلفظ ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وسيأتي شرح حديث جرير في التوحيد إن شاء الله تعالى ومضى منه شيء في فضل وقت العصر من المواقيت

[ 4571 ] قوله عن مجاهد قال قال بن عباس أمره أن يسبح يعني أمر الله نبيه وأخرجه الطبري من طريق بن علية عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال قال بن عباس في قوله فسبحه وأدبار السجود قال هو التسبيح بعد الصلاة قوله في أدبار الصلوات كلها يعني قوله وأدبار السجود كذا لهم وروى الطبري من وجه آخر عن بن عباس قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا بن عباس ركعتان بعد المغرب أدبار السجود وإسناده ضعيف لكن روى بن المنذر من طريق أبي تميم الجيشاني قال قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وأدبار السجود هما الركعتان بعد المغرب وأخرجه الطبري من طرق عن علي وعن أبي هريرة وغيرهما مثله وأخرج بن المنذر عن عمر مثله وأخرج الطبري من طريق كريب بن يزيد أنه كان إذا صلى الركعتين بعد الفجر والركعتين بعد المغرب قرأ أدبار النجوم وأدبار السجود أي بهما

قوله سورة والذاريات بسم الله الرحمن الرحيم سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر والواو للقسم والفا آت بعدها عاطفات من عطف المتغايرات وهو الظاهر وجوز الزمخشري أنها من عطف الصفات وأن الحاملات وما بعدها من صفات الريح قوله قال على الرياح كذا لهم ولأبي ذر وقال علي الذاريات الرياح وهو عند الفريابي عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن علي وأخرجه بن عيينة في تفسيره أتم من هذا عن بن أبي الحسين سمعت أبا الطفيل قال سمعت بن الكواء يسأل علي بن أبي طالب عن الذاريات ذروا قال الرياح وعن الحاملات وقرا قال السحاب وعن الجاريات يسرا قال السفن وعن المدبرات أمرا قال الملائكة وصححه الحاكم من وجه آخر عن أبي الطفيل وابن الكواء بفتح الكاف وتشديد الواو واسمه عبد الله وهذا التفسير مشهور عن علي وأخرج عن مجاهد وابن عباس مثله وقد أطنب الطبري في تخريج طرقه إلى على وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن أبي الطفيل قال شهدت عليا وهو يخطب وهو يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل أنزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل فقال بن الكواء وأنا بينه وبين على وهو خلفي فقال ما الذاريات ذروا فذكر مثله وقال فيه ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا وفيه سؤاله عن أشياء غير هذا وله شاهد مرفوع أخرجه البزار وابن مردويه بسند لين عن عمر قوله وقال غيره تذروه تفرقة هو قول أبي عبيدة قال في سورة الكهف في قوله تذروه الرياح أي تفرقه ذروته وأذريته وقال في تفسير الذاريات الرياح وناس يقولون المذريات ذرت وأذرت قوله وفي أنفسكم أفلا تبصرون تأكل وتشرب في مدخل واحد ويخرج من موضعين أي القبل والدبر وهو قول الفراء قال في قوله تعالى وفي أنفسكم يعني أيضا آيات أن أحدكم يأكل ويشرب من مدخل واحد ويخرج من موضعين ثم عنفهم فقال أفلا تبصرون ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال وفي أنفسكم قال فيما يدخل من طعامكم وما يخرج وأخرج الطبري من طريق محمد بن المريفع عن عبد الله بن الزبير في هذه الآية قال سبيل الغائط والبول قوله قتل الخراصون أي لعنوا كذا في بعض النسخ وقد تقدم في كتاب البيوع وأخرج الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله قتل الخراصون قال لعن الكذابون وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله قتل الخراصون قال الكذابون قوله فراغ فرجع هو قول الفراء وزاد والروغ وأن جاء بهذا المعنى فإنه لا ينطق به حتى يكون صاحبه لذهابه ومجيئه وقال أبو عبيدة في قوله فراغ أي عدل قوله فصكت فجمعت أصابعها فضربت به جبهتها في رواية أبي ذر جمعت بغير فاء وهو قول الفراء بلفظه ولسعيد بن منصور من طريق الأعمش عن مجاهد في قوله فصكت وجهها قال ضربت بيدها على جبهتها وقالت يا ويلتاه وروى الطبري من طريق السدي قال ضربت وجهها عجبا ومن طريق الثوري وضعت يدها على جبهتها تعجبا قوله فتولى بركنه من معه لأنهم من قومه هو قول قتادة أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه وقال الفراء وثبت هذا هنا للنسفي وحده قوله والرميم نبات الأرض إذا يبس وديس هو قول الفراء وديس بكسر الدال وسكون التحتانية بعدها مهملة من الدوس وهو وطء الشيء بالقدم حتى يفتت ومنه دياس الأرض وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الرميم الشجر وأخرج الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال الرميم الهالك قوله لموسعون أي لذو سعة وكذلك على الموسع قدره يعني في قوله تعالى ومتعوهن على الموسع قدره أي من يكون ذا سعة قال الفراء وإنا لموسعون أي لذو سعة لخلقنا وكذا قوله على الموسع قدره يعني القوي وروى بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح قال وإنا لموسعون قال أن نخلق سماء مثلها قوله زوجين الذكر والأنثى واختلاف الألوان حلو وحامض فهما زوجان هو قول الفراء أيضا ولفظه الزوجان من جميع الحيوان الذكر والأنثى ومن سوى ذلك اختلاف ألوان النبات وطعوم الثمار بعض حلو وبعض حامض وأخرج بن أبي حاتم من طريق السدي معناه وأخرج الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله خلقنا زوجين قال الكفر والإيمان والشقاوة والسعادة والهدى والضلالة والليل والنهار والسماء والأرض والجن والأنس قوله ففروا إلى الله من الله إليه أي من معصيته إلى طاعته أو من عذابه إلى رحمته هو قول الفراء أيضا قوله إلا ليعبدون في رواية أبي ذر وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون هو قول الفراء ونصره بن قتيبة في مشكل القرآن له وسبب الحمل على التخصيص وجود من لا يعبده فلو حمل على ظاهره لوقع التنافي بين العلة والمعلول قوله وقال بعضهم خلقهم ليفعلوا ففعل بعض وترك بعض وليس فيه حجة لأهل القدر هو كلام الفراء أيضا وحاصل التأويلين أن الأول محمول على أن اللفظ العام مراد به الخصوص وأن المراد أهل السعادة من الجن والأنس والثاني باق على عمومه لكن بمعنى الاستعداد أي خلقهم معدين لذلك لكن منهم من أطاع ومنهم من عصى وهو كقولهم الإبل مخلوقة للحرث أي قابلة لذلك لأنه قد يكون فيها ما لا يحرث وأما قوله وليس فيه حجة لأهل القدر فيريد المعتزلة لأن محصل الجواب أن المراد بالخلق خلق التكليف لا خلق الجبلة فمن وفقه عمل لما خلق له ومن خذله خالف والمعتزلة احتجوا بالآية المذكورة على أن إرادة الله لا تتعلق به والجواب أنه لا يلزم من كون الشيء معللا بشيء أن يكون ذلك الشيء مرادا وأن لا يكون غيره مرادا ويحتمل أن يكون مراده بقوله وليس فيه حجة لأهل القدر أنهم يحتجون بها على أن أفعال الله لا بد وأن تكون معلولة فقال لا يلزم من وقوع التعليل في موضع وجوب التعليل في كل موضع ونحن نقول بجواز التعليل لا بوجوبه أو لأنهم احتجوا بها على أن أفعال العباد مخلوقة لهم لإسناد العبادة إليهم فقال لا حجة لهم في ذلك لأن الإسناد من جهة الكسب وفي الآية تأويلات أخرى يطول ذكرها وروى بن أبي حاتم من طريق السدي قال خلقهم للعبادة فمن العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع قوله والذنوب الدلو العظيم هو قول الفراء لكن قال العظيمة وزاد ولكن العرب تذهب بها إلى الحظ والنصيب وقال أبو عبيدة الذنوب النصيب وأصله من الدلو والذنوب والسجل واحد والسجل أقل ملأ من الدلو قوله وقال مجاهد ذنوبا سبيلا وقع هذا مؤخرا عن الذي بعده لغير أبي ذر والذي عنده أولى وقد وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم قال سجلا من العذاب مثل عذاب أصحابهم وأخرج بن المنذر من طريق بن جريج عن مجاهد في قوله فان الذين ظلموا ذنوبا فقال سبيلا قال وقال بن عباس سجلا وهو بفتح المهملة وسكون الجيم ومن طريق بن جريج عن عطاء مثله وأنشد عليه شاهدا قوله صرة صيحة وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد عن بن عباس وقال أبو عبيدة في قوله صرة شدة صوت يقال أقبل فلان يصطر أي يصوت صوتا شديدا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال أقبلت ترن قوله العقيم التي لا تلد زاد أبو ذر ولا تلقح شيئا أخرج بن المنذر من طريق الضحاك قال العقيم التي لا تلد وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة العقيم التي لا تنبت وأخرج الطبري والحاكم من طريق خصيف عن عكرمة عن بن عباس قال الريح العقيم التي لا تلقح شيئا قوله وقال بن عباس والحبك استواؤها وحسنها تقدم في بدء الخلق وأخرجه الفريابي عن الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس ومن طريق سفيان أخرجه الطبري وإسناده صحيح لأن سماع الثوري من عطاء بن السائب كان قبل الاختلاط وأخرجه الطبري من وجه آخر صحيح عن بن عباس وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ذات الحبك قال ذات الخلق الحسن وللطبري من طريق عوف عن الحسن قال حبكت بالنجوم ومن طريق عمران بن جدير سئل عكرمة عن قوله ذات الحبك قال ذات الخلق الحسن ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب قال ما أحسن ما حبكه قوله في غمرة في ضلالتهم يتمادون كذا للأكثر ولأبي ذر في غمرتهم والأول أولى لوقوعه في هذه السورة وأما الثاني فهو في سورة الحجر لكن قوله في ضلالتهم يؤيد الثاني وكأنه ذكره كذلك هنا للاشتراك في الكلمة وقد وصله بن أبي حاتم والطبري من طريق على بن بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله الذين هم في غمرة ساهون قال في ضلالتهم يتمادون ووقع في رواية النسفي في صلاتهم أو ضلالتهم بالشك والأول وتصحيف قوله وقال غيره تواصوا به تواطئوا سقط هذا لأبي ذر وقد أخرجه بن المنذر من طريق أبي عبيدة في قوله أتواصوا به تواطئوا عليه وأخذه بعضهم عن بعض وإذا كانت شيمة غالبة على قوم قيل كأنما تواصوا به وروى الطبري من طرق عن قتادة قال هل أوصي الأول الآخر منهم بالتكذيب قوله وقال غيره مسومة معلمة من السيما هو قول أبي عبيدة ووصله بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله مسومة قال معلمة وأخرج الطبري من طريق العوفي عن بن عباس في قوله مسومة قال مختومة بلون أبيض وفيه نقطة سوداء وبالعكس قوله قتل الإنسان لعن سقط هذا لغير أبي ذر وقد تقدم تفسير قتل بلعن في أوائل السورة وأخرج بن المنذر من طريق بن جريج في قوله قتل الخراصون قال هي مثل التي في عبس قتل الإنسان تنبيه لم يذكر البخاري في هذه السورة حديثا مرفوعا ويدخل فيها على شرطه حديث أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من طريق أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أنا الرزاق ذو القوة المتين قال الترمذي حسن صحيح وصححه بن حبان

قوله سورة الطور بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر واقتصر الباقون على والطور والواو للقسم وما بعدها عاطفات أو للقسم أيضا قوله وقال قتادة مسطور مكتوب سقط هذا من رواية أبي ذر وثبت لهم في التوحيد وقد وصله المصنف في كتاب خلق أفعال العباد من طريق سعيد عن قتادة قوله وقال مجاهد الطور الجبل بالسريانية وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله والطور قال جبل يقال له الطور وعمن سمع عكرمة مثله وقال أبو عبيدة الطور الجبل في كلام العرب وفي المحكم الطور الجبل وقد غلب على طور سيناء جبل بالشام وهو بالسريانية طوري بفتح الراء والنسبة إليه طوري وطوراني قوله رق منشور صحيفة وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وكتاب مسطور في رق منشور قال صحف ورق وقوله منشور قال صحيفة قوله والسقف المرفوع سماء سقط هذا لأبي ذر وتقدم في بدء الخلق قوله والمسجود الموقد في رواية الحموي والنسفي الموقر بالراء والأول هو الصواب وقد وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث والطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد وقال الموقد بالدال وأخرج الطبري من طريق سعيد بن المسيب قال قال علي لرجل من اليهود أين جهنم قال البحر قال ما أراه إلا صادقا ثم تلا والبحر المسجور وإذا البحار سجرت وعن زيد بن أسلم قال البحر المسجور الموقد وإذا البحار سجرت أوقدت ومن طريق شمر بن عطية قال البحر المسجور التنور المسجود قال وفيه قول آخر قال أبو عبيدة المسجور المملوء وأخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة مثله ورجحه الطبري قوله وقال الحسن تسجر حتى يذهب ماؤها فلا يبقى فيها قطرة وصله الطبري من طريق سعيد عن قتادة عن الحسن في قوله وإذا البحار سجرت فذكره فبين الحسن أن ذلك يقع يوم القيامة وأما اليوم فالمراد بالمسجور الممتليء ويحتمل أن يطلق عليه ذلك باعتبار ما يئول إليه حاله قوله وقال مجاهد ألتناهم نفصناهم وقد تقدم في الحجرات وأخرج عبد الرزاق مثله عن بن عباس بإسناد صحيح وعن معمر عن قتادة قال ما ظلمناهم قوله وقال غيره تمور تدور وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال في قوله تعالى يوم تمور السماء مورا قال مورها تحركها وأخرج الطبري من طريق بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يوم تمور السماء مورا قال تدور دورا قوله أحلامهم العقول هو قول زيد بن أسلم ذكره الطبري عنه وقال الفراء الأحلام في هذا الموضع العقول والألباب قوله وقال بن عباس البر اللطيف سقط هذا لأبي ذر هنا وثبت لهم في التوحيد وقد وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس به وسيأتي الكلام عليه في التوحيد إن شاء الله تعالى قوله كسفا قطعا وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس ولابن أبي حاتم من طريق قتادة مثله ومن طريق السدي قال عذابا وقال أبو عبيدة كسفا الكسف جمع كسفة مثل السدر جمع سدرة وهذا يضعف قول من رواه بالتحريك فيهما وقد قيل إنها قراءة شاذة وأنكرها بعضهم وأثبتها أبو البقاء العكبري وغيره قوله المنون الموت وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ريب المنون قال الموت وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله وأخرج الطبري من طريق مجاهد قال المنون حوادث الدهر وذكر بن إسحاق في السيرة عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة قال قائل منهم احبسوه في وثاق ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء فإنما هو واحد منهم فأنزل الله تعالى أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون وهذا كله يؤيد قول الأصمعي أن المنون واحد لا جمع له ويبعد قول الأخفش أنه جمع لا واحد له وأما قول الداودي أن المنون جمع منية فغير معروف مع بعده من الاشتقاق قوله وقال غيره يتنازعون يتعاطون هو قول أبي عبيدة وصله بن المنذر من طريقه وزاد أي يتداولون قال الشاعر نازعته الراح حتى وقفه الساري

قوله

[ 4572 ] عن أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي أي أنها كانت ضعيفة لا تقدر على الطواف ماشية وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الحج

[ 4573 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة قال حدثوني عن الزهري اعترضه الإسماعيلي بما أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء وابن أبي عمر كلاهما عن بن عيينة سمعت الزهري قال فصرحا عنه بالسماع وهما ثقتان قلت وهو اعتراض ساقط فإنهما ما أوردا من الحديث إلا القدر الذي ذكره الحميدي عن سفيان أنه سمعه من الزهري بخلاف الزيادة التي صرح الحميدي عنه بأنه لم يسمعها من الزهري وإنما بلغته عنه بواسطة قوله كاد قلبي يطير قال الخطابي كأنه انزعج عند سماع هذه الآية لفهمه معناها ومعرفته بما تضمنته ففهم الحجة فاستدركها بلطيف طبعه وذلك من قوله تعالى أم خلقوا من غير شيء قيل معناه ليسوا أشد خلقا من خلق السماوات والأرض لأنهما خلقتا من غير شيء أي هل خلقوا باطلا لا يؤمرون ولا ينهون وقيل المعنى أم خلقوا من غير خالق وذلك لا يجوز فلا بد لهم من خالق وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم وذلك في الفساد والبطلان أشد لأن ما لا وجود له كيف يخلق وإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالفا ثم قال أم خلقوا السماوات والأرض أي إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السماوات والأرض وذلك لا يمكنهم فقامت الحجة ثم قال بل لا يوقنون فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان وهو عدم اليقين الذي هو موهبة من الله ولا يحصل إلا بتوفيقه فلهذا انزعج جبير حتى كاد قلبه يطير ومال إلى الإسلام انتهى ويستفاد من قوله فلما بلغ هذه الآية أنه استفتح من أول السورة وظاهر السياق أنه قرأ إلى آخرها وقد تقدم البحث في ذلك في صفة الصلاة

قوله سورة والنجم بسسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر وللباقين والنجم حسب والمراد بالنجم الثريا في قول مجاهد أخرجه بن عيينة في تفسيره عن بن أبي نجيح عنه وقال أبو عبيدة النجم والنجوم ذهب إلى لفظ الواحد وهو بمعنى الجميع قال الشاعر وباتت تعد النجم في مستجره قال الطبري هذا القول له وجه ولكن ما أعلم أحدا من أهل التأويل قاله والمختار قول مجاهد ثم روى من وجه آخر عن مجاهد أن المراد به القرآن إذا نزل ولابن أبي حاتم بلفظ النجم نجوم القرآن قوله وقال مجاهد ذو مرة ذو قوة وصله الفريابي بلفظ شديد القوي ذو مرة قوة جبريل وقال أبو عبيدة ذو مرة أي شدة وأحكام وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ذو مرة قال ذو خلق حسن قوله قاب قوسين حيث الوتر من القوس سقط هذا لأبي ذر ووصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظه وقال أبو عبيدة قاب قوسين أي قدر قوسين أو أدنى أو أقرب قوله ضيزي عوجاء وصله الفريابي أيضا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ضيزي جائزة وأخرج الطبري من وجه ضعيف عن بن عباس مثله وقال أبو عبيدة ناقصة تقول ضأزته حقه نقصته قوله وأكدي قطع عطاءه وصله الفريابي بلفظ اقتطع عطاءه وروى الطبري من هذا الوجه عن مجاهد أن الذي نزلت فيه هو الوليد بن المغيرة ومن طريق أخرى منقطعة عن بن عباس أعطى قليلا أي أطاع قليلا ثم انقطع وأخرج بن مردويه من وجه لين عن بن عباس أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أعطى قليلا ثم قطع ذلك وقال أبو عبيدة مأخوذ من الكدية بالضم وهو أن يحفر حتى ييأس من الماء قوله رب الشعرى هو مرزم الجوزاء وصله الفريابي بلفظه وأخرج الطبري من طريق خصيف عن مجاهد قال الشعري الكوكب الذي خلف الجوزاء كانوا يعبدونه وأخرج الفاكهي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال نزلت في خزاعة وكانوا يعبدون الشعري وهو الكوكب الذي يتبع الجوزاء وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال كان ناس في الجاهلية يعبدون هذا النجم الذي يقال له الشعري وأخرجه الطبري من وجه آخر عن مجاهد قال النجم الذي يتبع الجوزاء وقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب الأنواء الغدرة والشعري العبور والجوزاء في نسق واحد وهن نجوم مشهورة قال وللشعري ثلاثة أزمان إذا رؤيت غدوة طالعة فذاك صميم الحر وإذا رؤيت عشاء طالعة فذاك صميم البرد ولها زمان ثالث وهو وقت نوئها وأحد كوكبي الذراع المقبوضة هي الشعري الغميصاء وهي تقابل الشعري العبور والمجرة بينهما ويقال لكوكبها الآخر الشمالي المرزم مرزم الذراع وهما مرزمان هذا وآخر في الجوزاء وكانت العرب تقول انحدر سهيل فصار يمانيا فتبعته الشعرى إليه المجرة وأقامت الغميصاء فبكت عليه حتى غمصت عينها والشعريان الغميصاء والعبور يطلعان معا وقال بن التين المرزم بكسر الميم وسكون الراء وفتح الزاي نجم يقابل الشعري من جهة القبلة لا يفارقها وهو الهنعة قوله الذي وفي وفي ما فرض عليه وصله الفريابي بلفظه وروى سعيد بن منصور عن عمرو بن أوس قال وفي أي بلغ وروى بن المنذر من وجه آخر عن عمرو بن أوس قال كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله تعالى وإبراهيم الذي وفي أن لا تزر وازرة وزر أخرى ومن طريق هذيل بن شرحبيل نحوه وروى الطبري بإسناد ضعيف عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول سمي الله إبراهيم خليله الذي وفي لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وروى عبد بن حميد بإسناد ضعيف عن أبي أمامة مرفوعا وفي عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار قوله أزفت الآفة اقتربت الساعة سقط هذا لأبي ذر هنا ويأتي في الرقاق وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد كذلك وقال أبو عبيدة دنت القيامة قوله سامدون البرطمة كذا لهم وفي رواية الحموي والأصيلي والقابسي البرطنة بالنون بدل الميم وقال عكرمة يتغنون بالحميرية وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أفمن هذا الحديث تعجبون قال من هذا القرآن وأنتم سامدون قال البرطمة قال وقال عكرمة السامدون يتغنون بالحميرية ورواه الطبري من هذا الوجه عن مجاهد قال كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وسلم غضابا مبرطمين قال وقال عكرمة هو الغناء بالحميرية وروى بن عيينة في تفسيره عن بن أبي نجيح عن عكرمة في قوله وأنتم سامدون هو الغناء بالحميرية يقولون اسمد لنا أي غن لنا وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن وعبد الرزاق من وجهين آخرين عن عكرمة عن بن عباس في قوله وأنتم سامدون قال الغناء قال عكرمة وهي بلغة أهل اليمن إذا أراد اليماني أن يقول تغن قال اسمد لفظ عبد الرزاق وأخرجه من وجه آخر عن عكرمة عن بن عباس قال لاهون وعن معمر عن قتادة قال غافلون ولابن مردويه من طريق محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال معرضون تنبيه البرطمة بفتح الموحدة وسكون الراء وفتح الطاء المهملة الإعراض وقال بن عيينة البرطمة هكذا ووضع ذقنه في صدره قوله وقال إبراهيم أفتمارونه أفتجادلونه وصله سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم النخعي به وجاء عن إبراهيم بهذا الإسناد فيه القراءة التي بعد هذه قوله ومن قرأ أفتمرونه يعني أفتجحدونه كذا لهم وفي رواية الحموي أفتجحدون بغير ضمير وقد وصله الطبري أيضا عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يقرأ أفتمارونه يقول أفتجحدونه فكأن إبراهيم قرأ بهما معا وفسرهما وقد صرح بذلك سعيد بن منصور في روايته المذكورة عن هشيم قال الطبري وهكذا قرأ بن مسعود وعامة قراء أهل الكوفة وقرأها الباقون وبعض الكوفيين أفتمارونه أي تجادلونه قلت قرأها من الكوفيين عاصم كالجمهور وقال الشعبي كان شريح يقرأ أفتمارونه ومسروق يقرأ أفتمرونه وجاء عن الشعبي أنه قرأها كذلك لكن بضم التاء قوله ما زاغ البصر بصر محمد صلى الله عليه وسلم في رواية أبي ذر وقال ما زاغ الخ ولم يعين القائل وهو قول الفراء وقال في قوله تعالى ما زاغ البصر بصر محمد يقلبه يمينا وشمالا وأخرج الطبري من طريق محمد بن كعب القرظي في قوله ما زغ البصر قال رأى محمد جبريل في صورة الملك ومسألة الرؤية مشهورة سيأتي ذكرها في شرح حديث عائشة في هذه السورة قوله وما طغى وما جاوز ما رأى في رواية الكشميهني ولا بدل وما هو بقية كلام الفراء أيضا ولفظه وما جاوز وروى الطبري من طريق مسلم البطين عن بن عباس في قوله ما زاغ البصر ما ذهب يمينا ولا شمالا وما طغى ما جاوز ما أمر به قوله فتماروا كذبوا كذا لهم ولم أر في هذه السورة فتماروا وإنما فيها أفتمارونه وقد تقدم ما فيها وفي آخرها تتمارى ولعله انتقال من بعض النساخ لأن هذه اللفظة في السورة التي تلي هذه وهي قوله فتماروا بالنذر وحكى الكرماني عن بعض النسخ هنا تتمارى تكذب ولم أقف عليه وهو بمعنى ما تقدم ثم ظهر لي بعد ذلك أنه اختصر كلام الفراء وذلك أنه قال في قوله تعالى فبأى آلاء ربك تتمارى قال فبأي نعمة ربك تكذب أنها ليست منه وكذلك قوله فتماروا بالنذر كذبوا بالنذر قوله وقال الحسن إذا هوى غاب وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عنه قوله وقال بن عباس أغنى وأقنى أعطى فأرضى وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وأخرج الفريابي من طريق عكرمة عن بن عباس قال أقنى قنع ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال أخدم وقال أبو عبيدة أقنى جعل له قنية أي أصول مال قال وقالوا أفتى أرضى يشير إلى تفسير بن عباس وتحقيقه أنه حصل له قنية من الرضا

[ 4574 ] قوله حدثنا يحيى هم بن موسى قوله عن عامر هو الشعبي قوله عن مسروق في رواية الترمذي زيادة قصة في سياقه فأخرج من طريق مجالد عن الشعبي قال لقي بن عباس كعبا بعرفة فسأله عن شيء فكبر كعب حتى جاوبته الجبال فقال بن عباس إنا بنو هاشم فقال له كعب إن الله قسم رؤيته وكلامه هكذا في سياق الترمذي وعند عبد الرزاق من هذا الوجه فقال بن عباس إنا بنو هاشم نقول إن محمدا رأى ربه مرتين فكبر كعب وقال إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين قال مسروق فدخلت عائشة فقلت هل رأى محمد ربه الحديث ولابن مردويه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن كعب مثله قال يعني الشعبي فأتى مسروق عائشة فذكر الحديث فظهر بذلك سبب سؤال مسروق لعائشة عن ذلك قوله يا أمتاه أصله يا أم والهاء للسكت فأضيف إليها ألف الاستغاثة فأبدلت تاء وزيدت هاء السكت بعد الألف ووقع في كلام الخطابي إذا نادوا قالوا يا أمة عند السكت وعند الوصل يا أمت بالمثناة فإذا فتحوا للندبة قالوا يا أمتاه والهاء السكت وتعقبه الكرماني بأن قول مسروق يا أمتاه ليس للندبة إذ ليس هو تفجعا عليها وهو كما قال قوله هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه قالت لقد قف شعري أي قام من الفزع لما حصل عندها من هيبة الله واعتقدته من تنزيهه واستحالة وقوع ذلك قال النضر بن شميل القف بفتح القاف وتشديد الفاء كالقشعريرة وأصله النقيض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر لذلك قوله أين أنت من ثلاث أي كيف يغيب فهمك عن هذه الثلاث وكان ينبغي لك أن تكون مستحضرها ومعتقدا كذب من يدعي وقوعها قوله من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب تقدم في بدء الخلق من رواية القاسم بن محمد عن عائشة من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم ولمسلم من حديث مسروق المذكور من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي فقد أعظم على الله الفرية قوله ثم قرأت لا تدركه الأبصار قال النووي تبعا لغيره لم تنف عائشة وقوع الرؤية بحديث مرفوع ولو كان معها لذكرته وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرته من ظاهر الآية وقد خالفها غيرها من الصحابة والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول حجة اتفاقا والمراد بالإدراك في الآية الإحاطة وذلك لا ينافي الرؤية انتهى وجزمه بان عائشة لم تنف الرؤية بحديث مرفوع تبع فيه بن خزيمة فإنه قال في كتاب التوحيد من صحيحه النفي لا يوجب علما ولم تحك عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها أنه لم ير ربه وإنما تأولت الآية انتهى وهو عجيب فقد ثبت ذلك عنها في صحيح مسلم الذي شرحه الشيخ فعنده من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق في الطريق المذكورة قال مسروق وكنت متكئا فجلست فقلت ألم يقل الله ولقد رآه نزلة أخرى فقالت أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إنما هو جبريل وأخرجه بن مردويه من طريق أخرى عن داود بهذا الإسناد فقالت أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فقلت يا رسول الله هل رأيت ربك فقال لا إنما رأيت جبريل منهبطا نعم احتجاج عائشة بالآية المذكورة خالفها فيه بن عباس فأخرج الترمذي من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس قال رأى محمد ربه قلت أليس الله يقول لا تدركه الأبصار قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره وقد رأى ربه مرتين وحاصله أن المراد بالآية نفي الإحاطة به عند رؤياه لا نفي أصل رؤياه واستدل القرطبي في المفهم لأن الإدراك لا ينافي الرؤيه بقوله تعالى حكاية عن أصحاب موسى فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا وهو استدلال عجيب لأن متعلق الإدراك في آية الأنعام البصر فلما نفى كان ظاهره نفي الرؤية بخلاف الإدراك الذي في قصة موسى ولولا وجود الأخبار بثبوت الرؤية ما ساغ العدول عن الظاهر ثم قال القرطبي الأبصار في الآية جمع محلى بالألف واللام فيقبل التخصيص وقد ثبت دليل ذلك سمعا في قوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فيكون المراد الكفار بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال وإذا جازت في الآخرة جازت في الدنيا لتساوي الوقتين بالنسبة إلى المرئي انتهى وهو استدلال جيد وقال عياض رؤية الله سبحانه وتعالى جائزة عقلا وثبتت الأخبار الصحيحة المشهورة بوقوعها للمؤمنين في الآخرة وأما في الدنيا فقال مالك إنما لم ير سبحانه في الدنيا لأنه باق والباقي لا يرى بالفاني فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رأوا الباقي بالباقي قال عياض وليس في هذا الكلام استحالة الرؤية إلا من حيث القدرة فإذا قدر الله من شاء من عباده عليها لم يمتنع قلت ووقع في صحيح مسلم ما يؤيد هذه التفرقة في حديث مرفوع فيه واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وأخرجه بن خزيمة أيضا من حديث أبي أمامة ومن حديث عبادة بن الصامت فإن جازت الرؤية في الدنيا عقلا فقد امتنعت سمعا لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له أن يقول إن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه وقد اختلف السلف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه فذهبت عائشة وابن مسعود إلى إنكارها واختلف عن أبي ذر وذهب جماعة إلى إثباتها وحكى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أنه حلف أن محمدا رأى ربه وأخرج بن خزيمة عن عروة بن الزبير إثباتها وكان يشتد عليه إذا ذكر له إنكار عائشة وبه قال سائر أصحاب بن عباس وجزم به كعب الأحبار والزهري وصاحبه معمر وآخرون وهو قول الأشعري وغالب أتباعه ثم اختلفوا هل رآه بعينه أو بقلبه وعن أحمد كالقولين قلت جاءت عن بن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة فيجب حمل مطلقها على مقيدها فمن ذلك ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح وصححه الحاكم أيضا من طريق عكرمة عن بن عباس قال أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد وأخرجه بن خزيمة بلفظ إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة الحديث وأخرج بن إسحاق من طريق عبد الله بن أبي سلمة أن بن عمر أرسل إلى بن عباس هل رأى محمد ربه فأرسل إليه أن نعم ومنها ما أخرجه مسلم من طريق أبي العالية عن بن عباس في قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى قال رأى ربه بفؤاده مرتين وله من طريق عطاء عن بن عباس قال رآه بقلبه وأصرح من ذلك ما أخرجه بن مردويه من طريق عطاء أيضا عن بن عباس قال لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه إنما رآه بقلبه وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات بن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالله على الدوام بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره والرؤيه لا يشترط لها شيء مخصوص عقلا ولو جرت العادة بخلقها في العين وروى بن خزيمة بإسناد قوي عن أنس قال رأى محمد ربه وعند مسلم من حديث أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال نور أني أراه ولأحمد عنه قال رأيت نورا ولابن خزيمة عنه قال رآه بقلبه ولم يره بعينه وبهذا يتبين مراد أبي ذر بذكره النور أي النور حال بين رؤيته له ببصره وقد رجح القرطبي في المفهم قول الوقف في هذه المسألة وعزاه لجماعة من المحققين وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع وغاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل قال وليست المسألة من العمليات فيكتفي فيها بالأدلة الظنية وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفي فيها إلا بالدليل القطعي وجنح بن خزيمة في كتاب التوحيد إلى ترجيح الإثبات وأطنب في الاستدلال له بما يطول ذكره وحمل ما ورد عن بن عباس على أن الرؤيا وقعت مرتين مرة بعينه ومرة بقلبه وفيما أوردته من ذلك مقنع وممن أثبت الرؤية لنبينا صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد فروى الخلال في كتاب السنة عن المروزي قلت لأحمد إنهم يقولون إن عائشة قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية فبأي شيء يدفع قولها قال بقول النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي قول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها وقد أنكر صاحب الهدى على من زعم أن أحمد قال رأى ربه بعيني رأسه قال وإنما قال مرة رأى محمد ربه وقال مرة بفؤاده وحكى عنه بعض المتأخرين رآه بعيني رأسه وهذا من تصرف الحاكي فإن نصوصه موجودة ثم قال ينبغي أن يعلم الفرق بين قولهم كان الإسراء مناما وبين قولهم كان بروحه دون جسده فإن بينهما فرقا فإن الذي يراه النائم قد يكون حقيقة بأن تصعد الروح مثلا إلى السماء وقد يكون من ضرب المثل أن يرى النائم ذلك وروحه لم تصعد أصلا فيحتمل من قال أسرى بروحه ولم يصعد جسده أراد أن روحه عرج بها حقيقة فصعدت ثم رجعت وجسده باق في مكانه خرقا للعادة كما أنه في تلك الليلة شق صدره والتأم وهو حي يقظان لا يجد بذلك ألما انتهى وظاهر الأخبار الواردة في الإسراء تأبى الحمل على ذلك بل أسرى بجسده وروحه وعرج بهما حقيقة في اليقظة لا مناما ولا استغراقا والله أعلم وأنكر صاحب الهدى أيضا على من زعم أن الإسراء تعدد واستند إلى استبعاد أن يتكرر قوله ففرض عليه خمسين صلاة وطلب التخفيف إلى آخر القصة فإن دعوى التعدد تستلزم أن قوله تعالى أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي أن فرضية الخمسين وقعت بعد أن وقع التخفيف ثم وقع سؤال التخفيف والاجابة إليه وأعيد أمضيت فريضتي إلى آخره انتهى وما أظن أحدا ممن قال بالتعدد يلتزم إعادة مثل ذلك يقظة بل يجوز وقوع مثل ذلك مناما ثم وجوده يقظة كما في قصة المبعث وقد تقدم تقريرها ويجوز تكرير إنشاء الرؤية ولا تبعد العادة تكرير وقوعه كاستفتاح السماء وقول كل نبي ما نسب إليه بل الذي يظن أنه تكرر مثل حديث أنس رفعه بينما أنا قاعد إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة فيها مثل وكري الطائر فقعدت في أحدهما وقعد جبريل في الأخرى فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي ولو شئت أن أمس السماء لمسست فالتفت إلى جبريل كأنه جلس لأجلي وفتح بابا من أبواب السماء فرأيت النور الأعظم وإذا دونه الحجاب وفوقه الدر والياقوت فأوحى إلى عبده ما أوحى أخرجه البزار وقال تفرد به الحارث بن عمير وكان بصريا مشهورا قلت وهو من رجال البخاري قوله وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب هو دليل ثان استدلت به عائشة على ما ذهبت إليه من نفي الرؤية وتقريره أنه سبحانه وتعالى حصر تكليمه لغيره في ثلاثة أوجه وهي الوحي بان يلقى في روعه ما يشاء أو يكلمه بواسطة من وراء حجاب أو يرسل إليه رسولا فيبلغه عنه فيستلزم ذلك انتفاء الرؤية عنه حالة التكلم والجواب أن ذلك لا يستلزم نفي الرؤية مطلقا قاله القرطبي قال وعامة ما يقتضي نفي تكليم الله على غير هذه الأحوال الثلاثة فيجوز أن التكليم لم يقع حالة الرؤية قوله ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت وما تدري نفس ماذا تكسب غدا الخ تقدم شرح ذلك واضحا في تفسير سورة لقمان قوله ومن حدثك أنه كنتم فقد كذب ثم قرأت يا أيها الرسول بلغ الآية يأتي شرحه في كتاب التوحيد قوله ولكن رأى جبريل في صورته مرتين في رواية الكشميهني ولكنه وهذا جواب عن أصل السؤال الذي سأل عنه مسروق كما تقدم بيانه وهو قوله ما كذب الفؤاد ما رأى وقوله ولقد رآه نزلة أخرى ولمسلم من وجه آخر عن مسروق أنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد أفق السماء وله في رواية داود بن أبي هند رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض وللنسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن بن مسعود أبصر جبريل ولم يبصر ربه

قوله باب فكان قاب قوسين أو أدنى حيث الوتر من القوس تقدم هذا التفسير قريبا عن مجاهد وثبتت هذه الترجمة لأبي ذر وحده وهي عند الإسماعيلي أيضا والقاب ما بين القبضة والسية من القوس قال الواحدي هذا قول جمهور المفسرين أن المراد القوس التي يرمي بها قال وقيل المراد بها الذراع لأنه يقاس بها الشيء قلت وينبغي أن يكون هذا القول هو الراجح فقد أخرج بن مردويه بإسناد صحيح عن بن عباس قال ألقاب القدر والقوسين الذراعان ويؤيده أنه لو كان المراد به القوس التي يرمي بها لم يمثل بذلك ليحتاج إلى التثنية فكان يقال مثلا قاب رمح أو نحو ذلك وقد قيل إنه على القلب والمراد فكأن قابي قوس لأن ألقاب ما بين المقبض إلى السية فلكل قوس قابان بالنسبة إلى خالفته وقوله أو أدنى أي أقرب قال الزجاج خاطب الله العرب بما ألفوا والمعنى فيما تقدرون أنتم عليه والله تعالى عالم بالأشياء على ما هي عليه لا تردد عنده وقيل أو بمعنى بل والتقرير بل هو أقرب من القدر المذكور وسيأتي بيان الاختلاف في معنى قوله فتدلى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

[ 4575 ] قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد وسليمان هو الشيباني وزر هو بن حبيش قوله عن عبد الله فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى قال حدثنا بن مسعود أنه رأى جبريل هكذا أورده والمراد بقوله عن عبد الله وهو بن مسعود أنه قال في تفسير هاتين الآيتين ما سأذكره ثم استأنف فقال حدثنا بن مسعود وليس المراد أن بن مسعود حدث عبد الله كما هو ظاهر السياق بل عبد الله هو بن مسعود وقد أخرجه في الباب الذي يليه من وجه آخر عن الشيباني فقال سألت زرا عن قوله فذكره ولا إشكال في سياقه وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق سليمان بن داود الهاشمي عن عبد الواحد بن زياد عن الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله فكان قاب قوسين أو أدنى فقال قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره

قوله باب قوله تعالى فأوحى إلى عبده ما أوحى ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر وحده وهي عند الإسماعيلي أيضا وأورد فيه حديث بن مسعود المذكور في الذي قبله

[ 4576 ] قوله أنه محمد الضمير للعبد المذكور في قوله تعالى إلى عبده ووقع عند أبي ذر أن محمدا رأى جبريل وهذا أوضح في المراد والحاصل أن بن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل كما ذهبت إلى ذلك عائشة والتقدير على رأيه فأوحى أي جبريل إلى عبدة أي عبد الله محمد لأنه يرى أن الذي دنا فتدلى هو جبريل وأنه هو الذي أوحى إلى محمد وكلام أكثر المفسرين من السلف يدل على أن الذي أوحى هو الله أوحى إلى عبدة محمد ومنهم من قال إلى جبريل قوله له ستمائة جناح زاد عاصم عن زر في هذا الحديث يتناثر من ريشه التهاويل من الدر والياقوت أخرجه النسائي وابن مردويه ولفظ النسائي يتناثر منها تهاويل الدر والياقوت

قوله باب لقد رأى من آيات ربه الكبرى ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر والإسماعيلي واختلف في الآيات المذكورة فقيل المراد بها جميع ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وحديث الباب يدل على أن المراد صفة جبريل

[ 4577 ] قوله عن عبد الله بن مسعود لقد رأى أي في تفسير هذه الآية قوله رأى رفرفا أخضر قد سد الأفق هذا ظاهره يغاير التفسير السابق أنه رأى جبريل ولكن يوضح المراد ما أخرجه النسائي والحاكم من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال أبصر نبي الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض فيجتمع من الحديثين أن الموصوف جبريل والصفة التي كان عليها وقد وقع في رواية محمد بن فضيل عند الإسماعيلي وفي رواية بن عيينة عند النسائي كلاهما عن الشيباني عن زر عن عبد الله أنه رأى جبريل له ستمائة جناح قد سد الأفق والمراد أن الذي سد الأفق الرفرف الذي فيه جبريل فنسب جبريل إلى سد الأفق مجازا وفي رواية أحمد والترمذي وصححها من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن بن مسعود رأى جبريل في حلة من رفرف قد مللأ ما بين السماء والأرض وبهذه الرواية يعرف المراد بالرفرف وأنه حلة ويؤيده قوله تعالى متكئين على رفرف وأصل الرفرف ما كان من الديباج رقيقا حسن الصنعة ثم اشتهر استعماله في الستر وكل ما فضل من شيء فعطف وثنى فهو رفرف ويقال رفرف الطائر بجناحيه إذا بسطهما وقال بعض الشراح يحتمل أن يكون جبريل بسط أجنحته فصارت تشبه الرفرف كذا قال والرواية التي أوردتها توضح المراد

قوله باب أفرأيتم اللات والعزى ذكر فيه حديثين أحدهما حديث بن عباس وأبو الأشهب المذكور في الإسناد هو جعفر بن حيان وأبو الجوزاء بالجيم الزاي هو أوس بن عبد الله والإسناد كله بصريون قوله في قوله اللات والعزى كان اللات رجلا يلت سويق الحاج سقط في قوله لغير أبي ذر وهذا موقوف على بن عباس قال الإسماعيلي هذا التفسير على قراءة من قرأ اللات بتشديد التاء قلت وليس ذلك بلازم بل يحتمل أن يكون هذا أصله وخفف لكثرة الاستعمال والجمهور على القراءة بالتخفيف وقد روى التشديد عن قراءة بن عباس وجماعة من أتباعه ورويت عن بن كثير أيضا والمشهور عنه التخفيف كالجمهور وأخرج بن أبي حاتم من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن بن عباس ولفظه فيه زيادة كان يلت السويق على الحجر فلا يشرب منه أحد إلا سمن فعبدوه واختلف في اسم هذا الرجل فروى الفاكهي من طريق مجاهد قال كان رجل في الجاهلية على صخرة بالطائف وعليها له غنم فكان يسلو من رسلها ويأخذ من زبيب الطائف والأقط فيجعل منه حيسا ويطعم من يمر به من الناس فلما مات عبدوه وكان مجاهد يقرأ اللات مشددة ومن طريق بن جريج نحوه قال وزعم بعض الناس أنه عامر بن الظرب انتهى وهو بفتح الظاء المشالة وكسر الراء ثم موحدة وهو العدواني بضم المهملة وسكون الدال وكان حكم العرب في زمانه وفيه يقول شاعرهم ومنا حكم يقضي ولا ينقض ما يقضي وحكى السهيلي أنه عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس بن مضر قال ويقال هو عمرو بن لحي وهو ربيعة بن حارثة وهو والد خزاعة انتهى وحرف بعض الشراح كلام السهيلي وظن أن ربيعة بن حارثة قول آخر في اسم اللات وليس كذلك وإنما ربيعة بن حارثة اسم لحي فيما قيل والصحيح أن اللات غير عمرو بن لحي فقد أخرج الفاكهي من وجه آخر عن بن عباس أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لحي إنه لم يمت ولكنه دخل الصخرة فعبدوها وبنوا عليها بيتا وقد تقدم في مناقب قريش أن عمرو بن لحي هو الذي حمل العرب على عبادة الأصنام وهو يؤيد هذه الرواية وحكى بن الكلبي أن اسمه صرمة بن غنم وكانت اللات بالطائف وقيل بنخلة وقيل بعكاظ والأول أصح وقد أخرجه الفاكهي أيضا من طريق مقسم عن بن عباس قال هشام بن الكلبي كانت مناة أقدم من اللات فهدمها علي عام الفتح بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت اللات أحدث من مناة فهدمها المغيرة بن شعبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلمت ثقيف وكانت العزي أحدث من اللات وكان الذي اتخذها ظالم بن سعد بوادي نخلة فوق ذات عرق فهدمها خالد بن الوليد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح الحديث الثاني

[ 4579 ] قوله فقال في حلفه أي في يمينه وعند النسائي وابن ماجة وصححه بن حبان من حديث سعد بن أبي وقاص ما يشبه أن يكون سببا لحديث الباب فأخرجوا من طريق مصعب بن سعد عن أبيه فقال كنا حديث عهد بجاهلية فحلفت باللات والعزى فقال لي أصحابي بئس ما قلت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث قال الخطابي اليمين إنما تكون بالمعبود المعظم فإذا حلف باللات ونحوها فقد ضاهى الكفار فأمر أن يتدارك بكلمة التوحيد وقال بن العربي من حلف بها جادا فهو كافر ومن قالها جاهلا أو ذاهلا يقول لا إله إلا الله يكفر الله عنه ويرد قلبه عن السهو إلى الذكر ولسانه إلى الحق وينفي عنه ما جرى به من اللغو قوله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فيتصدق قال الخطابي أي بالمال الذي كان يريد أن يقامر به وقيل بصدقة ما لتكفر عنه القول الذي جرى على لسانه قال النووي وهذا هو الصواب وعليه يدل ما في رواية مسلم فليتصدق بشيء وزعم بعض الحنفية أنه يلزمه كفارة يمين وفيه ما فيه قال عياض في هذا الحديث حجة للجمهور أن العزم على المعصية إذا استقر في القلب كان ذنبا يكتب عليه بخلاف الخاطر الذي لا يستمر قلت ولا أدري من أين أخذ ذلك مع التصريح في الحديث بصدور القول حيث نطق بقوله تعال أقامرك فدعاه إلى المعصية والقمار حرام باتفاق فالدعاء إلى فعله حرام فليس هنا عزم مجرد وسيأتي بقية شرحه في كتاب الإيمان والنذور ووقع الإلمام بمسألة العزم في أواخر الرقاق في شرح حديث من هم بحسنة

قوله ومناة الثالثة الأخرى سقط باب لغير أبي ذر وقد تقدم شرح مناة في سورة البقرة وقرأ بن كثير وابن محيصن مناءة بالمد والهمز

[ 4580 ] قوله قلت لعائشة رضي الله عنها فقالت كذا أورده مختصرا وتقدم في تفسير البقرة بيان ما قال وأنه سأل عن وجوب السعي بين الصفا والمروة مع قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية وجواب عائشة له وفيه قولها إلى آخره قوله من أهل المناة أي لأجل مناة وفي رواية غير أبي ذر بمناة بالموحدة بدل اللام أي أهل عندها أو أهل باسمها قوله قال سفيان مناة بالمشلل بفتح المعجمة واللام الثقيلة ثم لام ثانية وهو موضع من قديد من ناحية البحر وهو الجبل الذي يهبط منه إليها قوله من قديد بالقاف والمهملة مصغر هو مكان معروف بين مكة والمدينة قوله وقال عبد الرحمن بن خالد أي بن مسافر عن بن شهاب هو الزهري وصله الذهلي والطحاوي من طريق عبد الله بن صالح عن الليث عن عبد الرحمن بطوله قوله نزلت في الأنصار كانوا هم وغسان قبل أن يسلموا يهلون لمناة مثله أي مثل حديث بن عيينة الذي قبله وأخرج الفاكهي من طريق بن إسحاق قال نصب عمرو بن لحي مناة على ساحل البحر مما يلي قديد يحجونها ويعظمونها إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من مني أتوا مناة فأهلوا لها فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة قوله وقال معمر الخ وصله الطبري عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق مطولا وقد تقدم الحديث بطوله من وجه آخر عن الزهري في كتاب الحج قوله صنم بين مكة والمدينة قد تقدم بيان مكانه وهو بين مكة والمدينة كما قال قوله تعظيما لمناة نحوه بقيته عند الطبري فهل علينا من حرج أن نطوف بهما الحديث وفيه قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكر حديثه عن رجال من أهل العلم وفي آخره نزلت في الفريقين كليهما من طاف ومن لم يطف

قوله باب فاسجدوا لله واعبدوا في رواية الأصيلي واسجدوا وهو غلط

[ 4581 ] قوله سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس تابعه بن طهمان عن أيوب في رواية أبي ذر إبراهيم بن طهمان قوله ولم يذكر بن علية بن عباس أما متابعة إبراهيم بن طهمان فوصلها الإسماعيلي من طريق حفص بن عبد الله النيسابوري عنه بلفظ أنه قال حين نزلت السورة التي يذكر فيها النجم سجد لها الأنس والجن وقد تقدم ذكرها في سجود التلاوة وأما حديث بن علية فالمراد به أنه حدث به عن أيوب فأرسله وأخرجه بن أبي شيبة عنه وهو مرسل وليس ذلك بقادح لاتفاق ثقتين عن أيوب على وصله وهما عبد الوارث وإبراهيم بن طهمان قوله والجن والإنس إنما أعاد الجن والإنس مع دخولهم في المسلمين لنفي توهم اختصاص ذلك بالإنس وسأذكر ما فيه في الكلام على الحديث الذي بعده قال الكرماني سجد المشركون مع المسلمين لأنها أول سجدة نزلت فأرادوا معارضة المسلمين بالسجود لمعبودهم أو وقع ذلك منهم بلا قصد أو خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم قلت والاحتمالات الثلاثة فيها نظر والأول منها لعياض والثاني يخالفه سياق بن مسعود حيث زاد فيه أن الذي استثناه منهم أخذ كفا من حصى فوضع جبهته عليه فإن ذلك ظاهر في القصد والثالث أبعد إذ المسلمون حينئذ هم الذين كانوا خائفين من المشركين لا العكس قال وما قيل من أن ذلك بسبب إلقاء الشيطان في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صحة له عقلا ولا نقلا انتهى ومن تأمل ما أوردته من ذلك في تفسير سورة الحج عرف وجه الصواب في هذه المسألة بحمد الله تعالى قوله عن عبد الله هو بن مسعود وأبو أحمد المذكور في إسناده هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري

[ 4582 ] قوله أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم قال فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لما فرغ من قراءتها وقد قدمت في تفسير الحج من حديث بن عباس بيان ذلك والسبب فيه ووقع في رواية زكريا عن أبي إسحاق في أول هذا الحديث إن أول سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ على الناس النجم وله من رواية زهير بن معاوية أول سورة قرأها على الناس النجم قوله الا رجلا في رواية شعبة في سجود القرآن فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل من القوم كفا من حصى وهذا ظاهره تعميم سجودهم لكن روى النسائي بإسناد صحيح عن المطلب بن أبي وداعة قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم فسجد وسجد من عنده وأبيت أن أسجد ولم يكن يومئذ أسلم قال المطلب فلا أدع السجود فيها أبدا فيحمل تعميم بن مسعود على أنه بالنسبة إلى من اطلع عليه قوله كفا من تراب في رواية شعبة كفا من حصى أو تراب قوله فسجد عليه في رواية شعبة فرفعه إلى وجهه فقال يكفينيي هذا قوله فرأيته بعد ذلك قتل كافرا في رواية شعبة قال عبد الله بن مسعود فلقد رأيته بعد قتل كافرا قوله وهو أمية بن خلف لم يقع ذلك في رواية شعبة وقد وافق إسرائيل على تسميته زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عند الإسماعيلي وهذا هو المعتمد وعند بن سعد أن الذي لم يسجد هو الوليد بن المغيرة قال وقيل سعيد بن العاص بن أمية قال وقال بعضهم كلاهما جميعا وجزم بن بطال في باب سجود القرآن بأنه الوليد وهو عجيب منه مع التصريح بأنه أمية بن خلف ولم يقتل ببدر كافرا من الذين سموا عنده غيره ووقع في تفسير بن حبان أنه أبو لهب وفي شرح الأحكام لابن بزيزة أنه منافق ورد بان القصة وقعت بمكة بلا خلاف ولم يكن النفاق ظهر بعد وقد جزم الواقدي بأنها كانت في رمضان سنة خمس وكانت المهاجرة الأولى إلى الحبشة خرجت في شهر رجب فلما بلغهم ذلك رجعوا فوجدوهم على حالهم من الكفر فهاجروا الثانية ويحتمل أن يكون الأربعة لم يسجدوا والتعميم في كلام بن مسعود بالنسبة إلى ما اطلع عليه كما قلته في المطلب لكن لا يفسر الذي في حديث بن مسعود إلا بأمية لما ذكرته والله أعلم

بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر ولغيره اقتربت الساعة حسب وتسمى أيضا سورة القمر قوله وقال مجاهد مستمر ذاهب وصله الفريابي من طريقه ولفظه في قوله اقتربت الساعة وانشق القمر قال رأوه منشقا فقالوا هذا سحر ذاهب وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس فذكر الحديث المرفوع وفي آخره تلا الآية إلى قوله سحر مستمر قال يقول ذاهب ومعنى ذاهب أي سيذهب ويبطل وقيل سائر قوله مزدجر متناهي وصله الفريابي بلفظه عن مجاهد في قوله ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر قال هذا القرآن ومن طريق عمر بن عبد العزيز قال أحل فيه الحلال وحرم فيه الحرام وقوله متناهى بصيغة الفاعل أي غاية في الزجر لا مزيد عليه قوله وازدجر استطير جنونا وصله الفريابي بلفظه عن مجاهد فيكون من كلامهم معطوفا على قولهم مجنون وقيل هو من خبر الله عن فعلهم أنهم زجروه قوله دسر أضلاع السفينة وصله الفريابي بلفظه من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد وروى بن المنذر وإبراهيم الحربي في الغريب من طريق حصين عن مجاهد عن بن عباس قال الألواح ألواح السفينة والدسر معاريضها التي تشد بها السفينة ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ودسر قال المسامير وبهذا جزم أبو عبيدة وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الألواح مقاذيف السفينة والدسر دسرت بمسامير قوله لمن كان كفر يقول كفر له جزاء من الله وصله الفريابي بلفظ لمن كان كفر بالله وهو يشعر بأنه قرأها كفر بفتحتين على البناء للفاعل وسيأتي توجيه الأول قوله محتضر يحضرون الماء وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ يحضرون الماء إذا غابت الناقة قوله وقال بن جبير مهطعين النسلان الخبب السراع وصله بن أبي حاتم من طريق شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله مهطعين إلى الداع قال هو النسلان وقد تقدم ضبط النسلان في تفسير الصافات وقوله الخبب بفتح المعجمة والموحدة بعدها أخرى تفسير النسلان والسراع تأكيد له وروى بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله مهطعين قال ناظرين وقال أبو عبيدة المهطع المسرع قوله وقال غيره فعاطى بيده فعقرها في رواية غير أبي ذر فعاطها قال بن التين لا أعلم لقوله فعاطها وجها إلا أن يكون من المقلوب لأن العطو التناول فكأنه قال تناولها بيده قلت ويؤيده ما روى بن المنذر من طريق مجاهد عن بن عباس فتعاطى فعقر تناول فعقر قوله المحتظر كحظار من الشجر محترق وصله بن المنذر من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس مثله ومن طريق سعيد بن جبير قال التراب يسقط من الحائط وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله كهشيم المحتظر قال كرماد محترق وروى الطبري من طريق زيد بن أسلم قال كانت العرب تجعل حظارا على الإبل والمواشي من يبس الشوك فهو المراد من قوله كهشيم المحتظر وروى الطبري من طريق سعيد بن جبير قال هو التراب المتناثر من الحائط تنبيه حظار بكسر المهملة وبفتحها والظاء المشالة خفيفة قوله وازدجر افتعل من زجرت هو قول الفراء وزاد بعده صارت تاء الافتعال فيه دالا قوله كفر فعلنا به وبهم ما فعلنا جزاء لما صنع بنوح وأصحابه هو كلام الفراء بلفظه وزاد يقول أغرقوا لنوح أي لأجل نوح وكفر أي أجحد ومحصل الكلام أن الذي وقع بهم من الغرق كان جزاء لنوح وهو الذي كفر أي جحد وكذب فجوزى بذلك لصبره عليهم وقد قرأ حميد الأعرج جزاء لمن كان كفر بفتحتين فاللام في لمن على هذا لقوم نوح قوله مستقر عذاب حق هو قول الفراء وعند بن أبي حاتم بمعناه عن السدي وعند عبد بن حميد عن قتادة في قوله عذاب مستقر استقر بهم إلى نار جهنم ولابن أبي حاتم من طريق مجاهد قال وكل أمر مستقر قال يوم القيامة ومن طريق بن جريج قال مستقر بأهله قوله ويقال الأشر المرح والتجبر قال أبو عبيدة في قوله سيعلمون غدا من الكذاب الأشر قال الأشر المرح والتجبر وربما كان من النشاط وهذا على قراءة الجمهور وقرأ أبو جعفر بفتح المعجمة وتشديد الراء أفعل تفضيل من الشر وفي الشواذ قراءة أخرى والمراد بقوله غدا يوم القيامة

قوله باب وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر ثم ذكر حديث انشقاق القمر من وجهين عن بن مسعود وفيه فرقتين ومن حديث بن عباس انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبكر فيه هو بن مضر وجعفر هو بن ربيعة ومن حديث أنس سأل أهل مكة أن يريهم آية وقد تقدم شرحه ومن وجه آخر عن أنس انشق القمر فرقتين وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أوائل السيرة النبوية



قوله باب تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر زاد غير أبي ذر الآية التي بعدها وهي التي تناسب قول قتادة المذكور فيه قوله قال قتادة أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بلفظه وزاد على الجردي وأخرج بن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال أبقى الله السفينة في أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة نظرا وكم من سفينة بعدها فصارت رمادا قوله عن الأسود في الرواية التي بعده ما يدل على سماع أبي إسحاق له منه قوله أنه كان يقرأ فهل من مدكر أي بالدال المهملة وسبب ذكر ذلك أن بعض السلف قرأها بالمعجمة وهو منقول أيضا عن قتادة ثم ذكر المصنف لهذا الحديث خمس تراجم في كل ترجمة آية من هذه السورة ومدار الجميع على أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد وساق في الجميع الحديث المذكور ليبين أن لفظ مدكر في الجميع واحد وقد تكرر في هذه السورة قوله فهل من مدكر بحسب تكرر القصص من أخبار الأمم استدعاء لأفهام السامعين ليعتبروا وقال في الأولى وقال مجاهد يسرنا هونا قراءته وقال في الثانية عن أبي إسحاق أنه سمع رجلا سأل الأسود فهل من مدكر أو مذكر أي بمعجمة أو مهملة فذكر الحديث وفي آخره دالا أي مهملة ولفظ الثالث والرابع كالأول ولفظ الخامس عن عبد الله قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم فهل من مذكر أي بالمعجمة فقال فهل من مدكر أي بالمهملة وأثر مجاهد وصله الفريابي وسيأتي في التوحيد وقوله مدكر أصله متذكر بمثناة بعد ذال معجمة فأبدلت التاء دالا مهملة ثم أهملت المعجمة لمقاربتها ثم أدغمت وقوله في الطريق الرابع حدثنا محمد حدثنا غندر كذا وقع محمد غير منسوب وهو بن المثنى أو بن بشار أو بن الوليد البسري وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن بشار بندار وقوله في الخامسة حدثنا يحيى هو بن موسى

قوله سيهزم الجمع ويولون الدبر

قوله باب قوله سيهزم الجمع الآية ذكر فيه حديث بن عباس في قصة بدر وقد تقدم بيانه في المغازي وقوله

[ 4594 ] حدثنا محمد بن حوشب هو محمد بن عبد الله نسب لجده وثبت كذلك لغير أبي ذر وقوله ح وحدثني محمد حدثنا عفان بن مسلم كذا للأكثر ومحمد هو الذهلي وسقط لابن السكن فصار عن البخاري حدثنا عفان تنبيه هذا من مرسلات بن عباس لأنه لم يحضر القصة وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة أن عمر قال لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر جعلت أقول أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول سيهزم الجمع الآية فكأن بن عباس حمل ذلك عن عمر وكأن عكرمة حمله عن بن عباس عن عمر وقد أخرج مسلم من طريق سماك بن الوليد عن بن عباس حدثني عمر ببعضه

قوله بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر يعني من المرارة

قوله باب قوله بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر يعني من المرارة هو قول الفراء قال في هذه الآية معناه أشد عليهم من عذاب يوم بدر وأمر من المرارة

[ 4595 ] قوله يوسف بن ماهك تقدم ذكره قريبا في سورة الأحقاف قوله اني عند عائشة أم المؤمنين قالت لقد نزل على محمد كذا ذكره هنا مختصرا وفيه قصة حذفها وسيأتي مطولا في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى ثم ذكر فيه حديث بن عباس المذكور في الباب الذي قبله وإسحاق شيخه فيه هو بن شاهين وخالد الأول هو الطحان والذي فوقه هو خالد الحذاء

قوله سورة الرحمن كذا لهم زاد أبو ذر البسملة والأكثر عدوا الرحمن آية وقالوا هو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر وقيل تمام الآية علم القرآن وهو الخبر قوله وقال مجاهد بحسبان كحسبان الرحى ثبت هذا لأبي ذر وحده وقد تقدم في بدء الخلق بأبسط منه قوله وقال غيره وأقيموا الوزن يربد لسان الميزان سقط وقال غيره لغير أبي ذر وهذا كلام الفراء بلفظه وقد أخرج بن أبي حاتم من طريق أبي المغيرة قال رأى بن عباس رجلا يزن قد أرجح فقال أقم اللسان كما قال الله تعالى وأقيموا الوزن بالقسط وأخرج بن المنذر من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال وأقيموا الوزن بالقسط قال اللسان قوله والعصف بقل الزرع إذا قطع منه شيء قبل أن يدرك فذلك العصف والريحان رزقه والحب الذي يؤكل منه والريحان في كلام العرب الرزق هو كلام الفراء أيضا لكن ملخصا ولفظه العصف فيما ذكروا بقل الزرع لأن العرب تقول خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه شيئا قبل أن يدرك والباقي مثله لكن قال والريحان رزقه وهو الحب الخ وزاد في آخره قال ويقولون خرجنا نطلب ريحان الله وأخرج الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطعوا رءوسه فهو يسمى العصف إذا يبس ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس العصف أول ما يخرج الزرع بقلا قوله وقال بعضهم العصف يريد المأكول من الحب والريحان النضيج الذي لم يؤكل هو بقية كلام الفراء بلفظه ولابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال العصف البر والشعير ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال الريحان حين يستوي الزرع على سوقه ولم يسنبل قوله وقال غيره العصف ورق الحنطة كذا لأبي ذر وفي رواية غيره وقال مجاهد العصف ورق الحنطة والريحان الرزق وقد وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عنه مفرقا قال العصف ورق الحنطة والريحان الرزق قوله وقال الضحاك العصف التبن وصله بن المنذر من طريق الضحاك بن مزاحم أخرجه بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس مثله وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله قوله وقال أبو مالك العصف أول ما ينبت تسمية النبط هبورا وصله عبد بن حميد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك بهذا وأبو مالك هو الغفاري كوفي تابعي ثقة قال أبو زرعة لا يعرف اسمه وقال غيره اسمه غزوان بمعجمتين وليس له في البخاري إلا هذا الموضع والنبط بفتح النون والموحدة ثم طاء مهملة هم أهل الفلاحة من الأعاجم وكانت أماكنهم بسواد العراق والبطائح وأكثر ما يطلق على أهل الفلاحة ولهم فيها معارف اختصوا بها وقد جمع أحمد بن وحشية في كتاب الفلاحة من ذلك أشياء عجيبة وقوله هبورا بفتح الهاء وضم الموحدة الخفيفة وسكون الواو بعدها راء هو دقاق الزرع بالنبطية وقد قال بن عباس في قوله تعالى كعصف مأكول قال هو الهبور تنبيه قرأ الجمهور والريحان بالضم عطفا على الحب وقرأ حمزة والكسائي بالخفض عطفا على العصف وذكر الفراء أن هذه الآية في مصاحف أهل الشام والحب ذا العصف بعد الذال المعجمة ألف قال ولم أسمع أحدا قرأ بها وأثبت غيره أنها قراءة بن عامر بل المنقول عن بن عامر نصب الثلاثة الحب وذا العصف والريحان فقيل عطف على الأرض لأن معنى وضعها جعلها فالتقدير وجعل الحب الخ أو نصبه بخلق مضمرة قال الفراء ونظير ما وقع في هذا الموضع ما وقع في مصاحف أهل الكوفة والجار ذا القربى والجار الجنب قال ولم يقرأ بها أيضا أحد انتهى وكأنه نفي المشهور وإلا فقد قرئ بها أيضا في الشواذ قوله والمارج اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت وصله الفريابي من طريق مجاهد بهذا الإسناد وسيأتي له تفسير آخر قوله وقال بعضهم عن مجاهد رب المشرقين الخ وصله الفريابي أيضا وأخرج بن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة وسعيد بن منصور من طريق أبي ظبيان كلاهما عن بن عباس قال للشمس مطلع في الشتاء ومغرب ومطلع في الصيف ومغرب وأخرج عبد الرزاق من طريق عكرمة مثله وزاد قوله ورب المشارق والمغارب لها في كل يوم مشرق ومغرب ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس قال المشرقين مشرق الفجر ومشرق الشفق والمغربين مغرب الشمس ومغرب الشفق قوله لا يبغيان لا يختلطان وصله الفريابي من طريق مجاهد وأخرج بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال بينهما من البعد ما لا ينبغي كل واحد منهما على صاحبه وتقدير قوله على هذا يلتقيان أي أن يلتقيا وحذف أن سائغ وهو كقوله ومن آياته يريكم البرق وهذا يقوي قول من قال أن المراد بالبحرين بحر فارس وبحر الروم لأن مسافة ما بينهما ممتدة والحلو وهو بحر النيل أو الفرات مثلا يصب في الملح فكيف يسوغ نفي اختلاطهما أو يقال بينهما بعد لكن قوله تعالى وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج يرد على هذا فلعل المراد بالبحرين في الموضعين مختلف ويؤيده قول بن عباس هنا قوله تعالى في هذا الموضع يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فإن اللؤلؤ يخرج من بحر فارس والمرجان يخرج من بحر الروم وأما النيل فلا يخرج منه لا هذا ولا هذا وأجاب من قال المراد من الآيتين متحد والبحران هنا العذب والملح بأن معنى قوله منهما أي من أحدهما كما في قوله تعالى على رجل من القريتين وحذف المضاف سائغ وقيل بل قوله منهما على حاله والمعنى أنهما يخرجان من الملح في الموضع الذي يصل إليه العذب وهو معلوم عند الغواصين فكأنهما لما التقيا وصارا كالشيء الواحد قيل يخرج منهما وقد اختلف في المراد بالمرجان فقيل هو المعروف بين الناس الآن وقيل اللؤلؤ كبار الجوهر والمرجان صغاره وقيل بالعكس وعلى هذا يكون المراد بحر فارس فإنه هو الذي يخرج منه اللؤلؤ والصدف يأوي إلى المكان الذي ينصب فيه الماء العذب كما تقدم والله أعلم قوله المنشآت ما رفع قلعه من السفن فأما ما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظه لكن قال منشأة بالافراد والقلع بكسر القاف وسكون اللام ويجوز فتحها ومنشآت بفتح الشين المعجمة في قراءة الجمهور اسم مفعول وقرأ حمزة وعاصم في رواية لأبي بكر عنه بكسرها أي المنشئة هي للسير ونسبه ذلك إليها مجازية قوله وقال مجاهد كالفخار كما يصنع الفخار وصله الفريابي من طريقه قوله الشواظ لهب من نار تقدم في صفة النار من بدء الخلق وكذا تفسير النحاس قوله خاف مقام ربه يهم بالمعصية فيذكر الله عز وجل فيتركها وصله الفريابي وعبد الرزاق جميعا من طريق منصور عن مجاهد بلفظ إذا هم بمعصية يذكر مقام الله عليه فيتركها قوله مدهامتآن سوداوان من الري وصله الفريابي وقد تقدم في بدء الخلق قوله صلصال طين خلط برمل فصلصل الخ تقدم في أول بدء الخلق وسقط لأبي ذر هنا قوله فيهما فاكهة ونخل ورمان قال بعضهم ليس الرمان والنخل بالفاكهة وأما العرب فإنها تعدهما فاكهة كقوله عز وجل حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى الخ قال شيخنا بن الملقن البعض المذكور هو أبو حنيفة وقال الكرماني قيل أراد به أبا حنيفة قلت بل نقل البخاري هذا الكلام من كلام الفراء ملخصا ولفظه قوله تعالى فيهما فاكهة ونخل ورمان قال بعض المفسرين ليس الرمان ولا النخل من الفاكهة قال وقد ذهبوا في ذلك مذهبا قلت فنسبه الفراء لبعض المفسرين وأشار إلى توجيهه ثم قال ولكن العرب تجعل ذلك فاكهة وإنما ذكرا بعد الفاكهة كقوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الخ والحاصل أنه من عطف الخاص على العام كما في المثالين اللذين ذكرهما واعترض بان قوله هنا فاكهة نكرة في سياق الاثبات فلا عموم وأجيب بأنها سيقت في مقام الامتنان فتعم أو المراد بالعام هنا ما كان شاملا لما ذكر بعده وقد وهم بعض من تكلم على البخاري فنسب البخاري للوهم وما علم أنه تبع في ذلك كلام إمام من أئمة اللسان العربي وقد وقع لصاحب الكشاف نحو ما وقع للفراء وهو من أئمة الفن البلاغي فقال فإن قلت لم عطف النخل والرمان على الفاكهة وهما منها قلت اختصاصا وبيانا لفضلهما كأنهما لما كان لهما من المزية جنسان آخران كقوله وجبريل وميكال بعد الملائكة قوله وقال غيره أفنان أغصان وجنى الجنتين دان ما يجتني قريب سقط هذا لأبي ذر هنا وقد تقدم في صفة الجنة قوله وقال الحسن فبأي آلاء نعمه وصله الطبري من طريق سهل السراج عن الحسن قوله وقال قتادة ربكما تكذبان يعني الجن والأنس وصله بن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله وقال أبو الدرداء كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا ويكشف كربا ويرفع قوما ويضع آخرين وصله المصنف في التاريخ وابن حبان في الصحيح وابن ماجة وابن أبي عاصم والطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق أم الدرداء عن أبي الدرداء موقوفا وللمرفوع شاهد آخر عن بن عمر أخرجه البزار وآخر عن عبد الله بن منيب أخرجه الحسن بن سفيان والبزار وابن جرير والطبراني قوله وقال بن عباس برزخ حاجز الأنام الخلق نضاختان فياضتان تقدم كله في بدء الخلق قوله ذو الجلال العظمة هو من كلام بن عباس وسيأتي في التوحيد وقرأ الجمهور ذو الجلال الأولى بالواو صفة للوجه وفي قراءة بن مسعود ذي الجلال بالياء صفة للرب وقرأ الجمهور الثانية كذلك إلا بن عامر فقرأها أيضا بالواو وهي في مصحف الشام كذلك قوله وقال غيره مارج خالص من النار يقال مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو وبعضهم على بعض الخ سقط قوله مريج مختلط من رواية أبي ذر وقوله مرج اختلط في رواية غير أبي ذر مرج البحرين اختلط البحران وقد تقدم جميع ذلك في صفة النار من بدء الخلق قوله سنفرغ لكم سنحاسبكم لا يشغله شيء عن شيء هو كلام أبي عبيدة أخرجه بن المنذر من طريقه وأخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال هو وعيد من الله لعباده وليس بالله شغل وهو معروف في كلام العرب يقال لأتفرغن لك وما به شغل كأنه يقول لآخذنك على غرة

قوله باب قوله ومن دونهما جنتان سقط باب قوله لغير أبي ذر قال الترمذي الحكيم المراد بالدون هنا القرب أي وقربهما جنتان أي هما أدنى إلى العرش وأقرب وزعم إنهما أفضل من اللتين قبلهما وقال غيره معنى دونهما بقربهما وليس فيه تفضيل وذهب الحليمي إلى أن الأوليين أفضل من اللتين بعدهما ويدل عليه تفاوت ما بين الفضة والذهب وقد روى بن مردويه من طريق حماد عن أبي عمران في هذا الحديث قال من ذهب للسابقين ومن فضة للتابعين وفي رواية ثابت عن أبي بكر من ذهب للمقربين ومن فضة لأصحاب اليمين قوله العمى بفتح المهملة وتشديد الميم وأبو عمران الجوني بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون هو عبد الملك بن حبيب

[ 4597 ] قوله عن أبيه هو أبو موسى الأشعري قوله جنتان من فضة وفي رواية الحارث بن عبيد عن أبي عمران الجوني في أول هذا الحديث جنان الفردوس أربع ثنتان من ذهب الخ قوله وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم الخ يأتي البحث فيه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقوله في جنة عدن متعلق بمحذوف وهو في موضع الحال من القوم فكأنه قال كائنين في جنة عدن

قوله باب حور مقصورات في الخيام أي محبوسات ومن ثم سموا البيت الكبير قصرا لأنه يحبس من فيه قوله وقال بن عباس حور سود الحدق في رواية بن المنذر من طريق عطاء عن بن عباس الحور سواد الحدقة قوله وقال مجاهد مقصورات محبوسات قصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن قاصرات لا يبغين غير أزواجهن وصله الفريابي وتقدم في بدء الخلق

[ 4598 ] قوله عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه هو أبو موسى الأشعري قوله ان في الجنة خيمة أي المراد بقوله في الآية في الخيام والخيام جمع خيمة والمذكور في الحديث صفتها قوله مجوفة أي واسعة الجوف قوله في كل زاوية منها أهل في رواية مسلم أهل للمؤمن قوله ستون ميلا تقدم الكلام عليه في صفة الجنة وأخرج عبد بن حميد عن بن عباس قال الخيمة ميل في ميل والميل ثلث الفرسخ قوله يطوف عليهم المؤمنون قال الدمياطي صوابه المؤمن بالافراد وأجيب بجواز أن يكون من مقابلة المجموع بالمجموع قوله وجنتان من فضة هذا معطوف على شيء محذوف تقديره هذا للمؤمن أو هو من صنيع الراوي وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم جنتان الخ وقد تقدم شرح ذلك في الباب الذي قبله

قوله سورة الواقعة بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر والمراد بالواقعة القيامة قوله وقال مجاهد رجت زلزلت وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله قوله بست فتت ولتت كما يلت السويق وصله الفريابي من طريق مجاهد بنحوه وعند أبي عبيدة بست كالسويق المبسوس بالماء وعند بن أبي حاتم من طريق منصور عن مجاهد قال لنت لنا ومن طريق الضحاك عن بن عباس قال فتت فتا قوله المخضود لا شوك له كذا لأبي ذر ولغيره المخضود الموقر حملا ويقال أيضا الخ تقدم بيانه في صفة الجنة من بدء الخلق قوله منضود الموز سقذ هذا لأبي ذر وقد تقدم في صفة الجنة أيضا قوله والعرب المحببات إلى أزواجهن تقدم في صفة أهل الجنة أيضا وقال بن عيينة في تفسيره حدثنا بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عربا أترابا قال هي المحببة إلى زوجها قوله ثلة أمة وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد به وقال أبو عبيدة الثلة الجماعة والثلة البقية وعند بن أبي حاتم من طريق ميمون بن مهران في قوله ثلة قال كثير قوله يحموم دخان أسود وصله الفريابي أيضا كذلك وأخرجه سعيد بن منصور والحاكم من طريق يزيد بن الأصم عن بن عباس مثله وقال أبو عبيدة في قوله وظل من يحموم من شدة سواده يقال أسود يحموم فهو وزن يفعول من الحمم قوله يصرون يديمون وصله الفريابي أيضا لكن لفظه يدمنون بسكون الدال بعدها ميم ثم نون وعند بن أبي حاتم من طريق السدي قال يقيمون قوله الهيم الإبل الظماء سقط هنا لأبي ذر وقد تقدم في البيوع قوله لمغرمون لملزمون وصله بن أبي حاتم من طريق شعبة عن قتادة وعند الفريابي من طريق مجاهد ملقون للشر قوله مدينين محاسبين تقدم في تفسير الفاتحة قوله روح جنة ورخاء سقط هنا لأبي ذر وقد تقدم في صفة الجنة قوله وريحان الرزق تقدم في تفسير الرحمن قريبا قوله وقال غيره تفكهون تعجبون هو قول الفراء قال في قوله تعالى فظلتم تفكهون أي تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم قال ويقال معناه تندمون قلت وهو قول مجاهد أخرجه بن أبي حاتم وأخرجه بن المنذر من طريق الحسن مثله وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة هو شبه المتندم قلت تفكه بوزن تفعل وهو كتأثم أي ألقى الإثم فمعنى تفكه أي ألقى عنه الفاكهة وهو حال من دخل في الندم والحزن قوله عربا مثقلة واحدها عروب إلى قوله الشكلة سقط هنا لأبي ذر وتقدم في صفة الجنة قوله وننشئكم فيما لا تعلمون أي في أي خلق تشاء تقدم في بدء الخلق وسقط فيما لا تعلمون هنا لأبي ذر قوله وفرش مرفوعة بعضها فوق بعض هو قول مجاهد وتقدم أيضا في صفة الجنة قوله والكوب الخ وكذا قوله مسكوب جار سقط كله لأبي ذر هنا وتقدم في صفة الجنة قوله موضوعة منسوجة ومنه وضين الناقة سقط هنا لأبي ذر وقد تقدم في صفة الجنة أيضا قوله وقال في خافضة لقوم إلى النار و رافعة لقوم إلى الجنة قال الفراء في قوله تعالى خافضة رافعة قال خافضة لقوم إلى النار رافعة لقوم إلى الجنة وعن محمد بن كعب خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرتفعين ورفعت أقوالها كانوا في الدنيا منخفضين وأخرجه سعيد بن منصور وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله خافضة رافعة قال شملت القريب والبعيد حتى خفضت أقواما في عذاب الله ورفعت أقواما في كرامة الله وروى بن أبي حاتم من طريق سماك عن عكرمة عن بن عباس نحوه ومن طريق عثمان بن سراقة عن خاله عمر بن الخطاب نحوه ومن طريق السدي قال خفضت المتكبرين ورفعت المتواضعين قوله مترفين متنعمين كذا للأكثر بمثناة قبل النون وبعد العين ميم وللكشميهني متمتعين بميم قبل المثناة من التمتع كذا في رواية النسفي والأول هو الذي وقع في معاني القرآن للفراء ومن نقل المصنف ولابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس منعمين قوله ما تمنون هي النطف يعني في أرحام النساء تقدم في بدء الخلق قال الفراء قوله أفرأيتم ما تمنون يعني النطف إذا قذفت في أرحام النساء أأنتم تخلقون تلك النطف أم نحن قوله للمقوين للمسافرين وألقى القفر سقط هنا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق أيضا قوله بموانع النجوم بمحكم القرآن قال الفراء حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن المنهال بن عمرو قال قرأ عبد الله فلا أقسم بمواقع النجوم قال بمحكم القرآن وكان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله بمواقع النجوم قال بمنازل النجوم قال وقال الكلبي هو القرآن أنزل نجوما انتهى ويؤيده ما أخرج النسائي والحاكم من طريق حصين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال نزل القرآن جميعا ليلة القدر إلى السماء ثم فصل فنزل في السنين وذلك قوله فلا أقسم بمواقع النجوم قوله ويقال بمسقط النجوم إذا سقطن ومواقع وموقع واحد هو كلام الفراء أيضا بلفظه ومراده أن مفادهما واحد وأن كان أحدهما جمعا والآخر مفردا لكن المفرد المضاف كالجمع في إفادة التعدد وقرأها بلفظ الواحد حمزة والكسائي وخلف وقال أبو عبيدة مواقع النجوم مساقطها حيث تغيب قوله مدهنون مكذبون مثل لو تدهن فيدهنون قال الفراء في قوله أفهذا الحديث أنتم مدهنون أي مكذبون وكذلك في قوله ودوا لو تدهن فيدهنون أي لو تكفر فيكفرون كل قد سمعته قد أدهن أي كفر وقال أبو عبيدة مدهنون وأحدها مدهن وهو المداهن قوله فسلام لك أي مسلم لك إنك من أصحاب اليمين وألغيت إن وهو معناها كما تقول أنت مصدق ومسافر عن قليل إذا كان قد قال إني مسافر عن قليل هو كلام الفراء بلفظه لكن قال أنت مصدق مسافر بغير واو وهو للوجه والتقدير أنت مصدق إنك مسافر ويؤيد ما قال الفراء ما أخرج بن المنذر من طريق عطاء عن بن عباس قال تأتيه الملائكة من قبل الله سلام لك من أصحاب اليمين تخبره أنه من أصحاب اليمين قوله وقد يكون كالدعاء له كقولك فسقيا من الرجال إن رفعت السلام فهو من الدعاء هو كلام الفراء أيضا بلفظه لكنه قال وأن رفعت السلام فهو دعاء قوله تورون تستخرجون أوريت أوقدت سقط هنا لأبي ذر وقد تقدم في صفة النار من بدء الخلق قوله لغوا باطلا تأثيما كذبا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله لغوا باطلا وفي قوله ولا تأثيما قال كذبا

قوله باب قوله وظل ممدود ذكر فيه حديث أبي هريرة أن في الجنة شجرة وقد تقدم شرحه في صفة الجنة من بدء الخلق

قوله سورة الحديد والمجادلة بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر ولغيره الحديد حسب وهو أولى قوله وقال مجاهد جعلكم مستخلفين معمرين فيه سقط هذا لأبي ذر وقد وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد وقال الفراء مستخلفين فيه يريد مملكين فيه وهو رزقه وعطيته قوله من الظلمات إلى النور من الضلالة إلى الهدى سقط هذا أيضا لأبي ذر وقد وصله الفريابي أيضا قوله فيه بأس شديد ومنافع للناس جنة وسلاح وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عنه بهذا وجنة بضم الجيم وتشديد النون أي ستر قوله مولاكم أولى بكم قال الفراء في قوله تعالى مأواكم النار هي مولاكم يعني أولى بكم وكذا قال أبو عبيدة وفي بعض نسخ البخاري هو أولي بكم وكذا هو في كلام أبي عبيدة وتعقب ويجاب عنه بأنه يصح على إرادة المكان قوله أنظرونا انتظرونا قال الفراء قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة أنظرونا بقطع الألف من أنظرت والباقون على الوصل ومعنى انظرونا انتظرونا ومعنى أنظرونا يعني بالقطع أخرونا وقد تقول العرب أنظرني يعني بالقطع يريد انتظرني قليلا قال الشاعر أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا قوله لئلا يعلم أهل الكتاب ليعلم أهل الكتاب هو قول أبي عبيدة وقال الفراء العرب تجعل لا صلة في الكلام إذا دخل في أوله جحد أو في آخره جحد كهذه الآية وكقوله ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك انتهى وحكى عن قراءة بن عباس والجحدري ليعلم وهو يؤيد كونها مزيدة وأما قراءة مجاهد لكيلا فهي مثل لئلا قوله يقال الظاهر على كل شيء علما الخ يأتي في التوحيد وأنه كلام يحيى الفراء

قوله سورة المجادلة كذا للإسماعيلي وأبي نعيم وللنسفي المجادلة وسقط لغيرهم قوله يحادون يشاقون وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله يحادون الله قال يعادون الله ورسوله قوله كبتوا أخزيوا كذا لأبي ذر وفي رواية النسفي أحزنوا وكأنها بالمهملة والنون ولابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة خزوا كما خزي الذين من قبلهم ومن طريق مقاتل بن حيان أخزوا وقال أبو عبيدة كبتوا أهلكوا قوله استحوذ غلب أي غلبهم الشيطان هو قول أبي عبيدة وحكى عن قراءة عمر رضي الله عنه استحاذ بوزن استقام تنبيه لم يذكر في تفسير الحديد حديثا مرفوعا ويدخل فيه حديث بن مسعود لم يكن بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله إلا أربع سنين أخرجه مسلم من طريق عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه عن عمه وكذا سورة المجادلة ولم يخرج فيها حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث التي ظاهر منها زوجها وقد أخرجه النسائي وأورد منه البخاري طرفا في كتاب التوحيد معلقا

قوله سورة الحشر بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر قوله الجلاء الإخراج من أرض إلى أرض هو قول قتادة أخرجه بن أبي حاتم من طريق سعيد عنه وقال أبو عبيدة يقال الجلاء والإجلاء جلاه أخرجه وأجليته أخرجته والتحقيق أن الجلاء أخص من الإخراج لأن الجلاء ما كان مع الأهل والمال والإخراج أعم منه

[ 4600 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم تقدم هذا الحديث مختصرا بإسناده ومتنه في تفسير سورة الأنفال مقتصرا على ما يتعلق بها وتقدم في المغازي قوله سورة التوبة قال التوبة هو استفهام إنكار بدليل قوله هي الفاضحة ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن هشيم سورة التوبة قال بل سورة الفاضحة قوله ما زالت تزل ومنهم ومنهم أي كقوله ومنهم من عاهد الله ومنهم من يلمزك في الصدقات ومنهم الذين يؤذون النبي قوله لم تبق في رواية الكشميهني لن تبقى وهي أوجه لأن الرواية الأولى تقتضي استيعابهم بما ذكر من الآيات بخلاف الثانية فهي أبلغ وفي رواية الإسماعيلي أنه لا يبقى

[ 4601 ] قوله سورة الحشر قال قل سورة النضير كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد يوم القيامة وإنما المراد به هنا إخراج بني النضير

قوله باب قوله ما قطعتم من لينة نخلة ما لم تكن عجوة أو برية قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما قطعتم من لينة أي من نخلة وهي من الألوان ما لم تكن عجوة أو برنية إلا أن الواو ذهبت بكسر اللام وعند الترمذي من حديث بن عباس اللينة النخلة في أثناء حديث وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة قال اللينة ما دون العجوة وقال سفيان هي شديدة الصفرة تنشق عن النوى

قوله ما أفاء الله على رسوله

قوله باب قوله ما أفاه الله على رسوله تقدم في تفسير الفيء والفرق بينه وبين الغنيمة في أواخر الجهاد

[ 4603 ] قوله عن عمرو هو بن دينار قوله عن الزهري ووقع في رواية مسلم من رواية بن ماهان عن عمرو بن دينار عن مالك بن أوس بغير ذكر الزهري وهو خطأ من الناسخ وثبت لباقي الرواة بذكر الزهري وقد تقدم الكلام على حديث الباب مبسوطا في فرض الخمس

قوله باب وما آتاكم الرسول فخذوه أي وما أمركم به فافعلوه لأنه قابله بقوله وما نهاكم عنه فانتهوا

[ 4604 ] قوله عن عبد الله هو بن مسعود قال لمن الله الواشمات سيأتي شرحه في كتاب اللباس قوله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب لا يعرف اسمها وقد أدركها عبد الرحمن بن عابس كما في الطريق التي بعده قوله أما فرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت بلى قال فإنه أي النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى بفتح الهاء وإنما ضبطت هذا خشية أن يقرأ بضم النون وكسر الهاء على البناء للمجهول على أن الهاء في أنه ضمير الشأن لكن السياق يرشد إلى ما قررته وفي هذا الجواب نظر لأنها استشكلت اللعن ولا يلزم من مجرد النهي لعن من لم يمتثل لكن يحمل على أن المراد في الآية وجوب امتثال قول الرسول وقد نهى عن هذا الفعل فمن فعله فهو ظالم وفي القرآن لعن الظالمين ويحتمل أن يكون بن مسعود سمع اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم كما في بعض طرقه قوله أهلك يفعلونه هي زينب بنت عبد الله الثقفية قوله فلم تر من حاجتها شيئا أي من الذي ظنت أن زوج بن مسعود تفعله وقيل كانت المرأة رأت ذلك حقيقة وإنما بن مسعود أنكر عليها فأزالته فلهذا لما دخلت المرأة لم تر ما كانت رأت قبل ذلك قوله ما جامعتنا يحتمل أن يكون المراد بالجماع الوطء أو الاجتماع وهو أبلغ ويؤيده قوله في رواية الكشميهني ما جامعتنا وللإسماعيلي ما جامعتني واستدل بالحديث على جواز لعن من اتصف بصفة لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتصف بها لأنه لا يطلق ذلك إلا على من يستحقه وأما الحديث الذي أخرجه مسلم فإنه قيد فيه بقوله ليس بأهل أي عندك لأنه إنما لعنه لما ظهر له من استحقاقه وقد يكون عند الله بخلاف ذلك فعلى الأول يحمل قوله فاجعلها له زكاة ورحمة وعلى الثاني فيكون لعنه زيادة في شقوته وفيه أن المعين على المعصية يشارك فاعلها في الإثم

قوله باب والذين تبوءوا الدار والايمان أي استوطنوا المدينة وقيل نزلوا فعلى الأول يختص بالأنصار وهو ظاهر قول عمر وعلى الثاني يشملهم ويشمل المهاجرين السابقين ذكر فيه طرفا من قصة عمر عن مقتله وقد تقدم في المناقب

قوله باب قوله ويؤثرون على أنفسهم الآية الخصاصة فاقة ولغير أبي ذر الفاقة وهو قول مقاتل بن حيان أخرجه بن أبي حاتم من طريقه قوله المفلحون الفائزون بالخلود والفلاح البقاء هو قول الفراء قال لبيد نحل بلادا أكلها حل قبلنا ونرجو فلاحا بعد عاد وحمير وهو أيضا بمعنى إدراك الطلب قال لبيد أيضا ولقد أفلح من كان عقل أي أدرك ما طلب قوله حي على الفلاح عجل هو تفسير حي أي معنى حي على الفلاح أي عجل إلى الفلاح قال بن التين لم يذكره أحد من أهل اللغة وإنما قالوا معناه هلم وأقبل قلت وهو كما قال لكن فيه إشعار بطلب الإعجال فالمعنى أقبل مسرعا قوله وقال الحسن حاجة حسدا وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عنه بهذا ورويناه في الجزء الثامن من أمالي المحاملي بعلو من طريق أبي رجاء عن الحسن في قوله ولا يجدون في صدورهم حاجة قال الحسد

[ 4607 ] قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير هو الدورقي قوله أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرجل هو أبو هريرة وقع مفسرا في رواية الطبراني وقد نسبته في المناقب إلى تخريج أبي البختري الطائي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو البختري لا يوثق به قوله ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله في رواية الكشميهني يضيف هذا رحمة بالتنوين قوله فقام رجل من الأنصار تقدم شرح هذا الحديث في مناقب الأنصار أنه أبو طلحة وتردد الخطيب هل هو زيد بن سهل المشهور أو صحابي آخر يكنى أبا طلحة وتقدم أيضا قول من قال إنه ثابت بن قيس ولكن أردت التنبيه هنا على شيء وقع للقرطبي المفسر ولمحمد بن على بن عسكر في ذيله على تعريف السهيلي فإنهما نقلا عن النحاس والمهدوي أن هذه الآية نزلت في أبي المتوكل زاد بن عسكر الناجي وأن الضيف ثابت بن قيس وقيل إن فاعلها ثابت بن قيس حكاه يحيى بن سلام انتهى وهو غلط بين فإن أبا المتوكل الناجي تابعي مشهور وليس له في القصة ذكر إلا أنه رواها مرسلة أخرجها من طريق إسماعيل القاضي كما تقدم هناك وكذا بن أبي الدنيا في كتاب قرى الضيف وابن المنذر في تفسير هذه السورة كلهم من طريق إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل أن رجلا من المسلمين مكث ثلاثة أيام لا يجد شيئا يفطر عليه حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس الحديث وقد تبع بن عسكر جماعة من الشارحين ساكتين عن وهمه فلهذا نبهت عليه وتفطن شيخنا بن الملقن لقول بن عسكر إنه أبو المتوكل الناجي فقال هذا وهم لأن أبا المتوكل الناجي تابعي إجماعا انتهى فكأنه جوز أنه صحابي يكنى أبا المتوكل وليس كذلك قوله ونطوي بطوننا الليلة في حديث أنس عند بن أبي الدنيا فجعل يتلمظ وتتلمظ هي حتى رأى الضيف أنهما يأكلان قوله ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس فصلى معه الصبح قوله لقد عجب الله عز وجل أو ضحك كذا هنا بالشك وذكره مسلم من طريق جرير عن فضيل بن غروان بلفظ عجب بغير شك وعند بن أبي الدنيا في حديث أنس ضحك بغير شك وقال الخطابي إطلاق العجب على الله محال ومعناه الرضا فكأنه قال أن ذلك الصنيع حل من الرضا عند الله حلول العجب عندكم قال وقد يكون المراد بالعجب هنا أن الله يعجب ملائكته من صنيعهما لندور ما وقع منهما في العادة قال وقال أبو عبد الله معنى الضحك هنا الرحمة قلت ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري قال الخطابي وتأويل الضحك بالرضا أقرب من تأويله بالرحمة لأن الضحك من الكرام يدل على الرضا فإنهم يوصفون بالبشر عند السؤال قلت الرضا من الله يستلزم الرحمة وهو لازمه والله أعلم وقد تقدم سائر شرح هذا الحديث في مناقب الأبصار

قوله سورة الممتحنة سقطت البسملة لجميعهم والمشهور في هذه التسمية فتح الحاء وقد تكسر وبه جزم السهيلي فعلى الأول هي صفة المرأة التي نزلت السورة بسببها والمشهور فيها أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وقيل سعيدة بنت الحارث وقيل أميمة بنت بشر والأول هو المعتمد كما سيأتي إيضاحه في كتاب النكاح ومن كسر جعلها صفة للسورة كما قيل لبراءة الفاضحة قوله وقال مجاهد لاتجعلنا فتنة للذين كفروا لا تعذبنا بأيديهم الخ وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عنه بلفظه وزاد ولا بعذاب من عندك وزاد في آخره ما أصابهم مثل هذا وكذا أخرجه عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن بن أبي نجيح عنه للطبري من طريق أخرى عن ورقاء عن عيسى عن بن أبي نجيح كذلك فاتفقوا كلهم على أنه موقوف عن مجاهد وأخرج الحاكم مثل هذا من طريق آدم بن إياس عن ورقاء فزاد فيه بن عباس وقال صحيح على شرط مسلم وما أظن زيادة بن عباس فيه إلا وهما لاتفاق أصحاب ورقاء على عدم ذكره وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال لا تجعلنا فتنة للذين كفروا إلا تسلطهم علينا فيفتنونا وهذا بخلاف تفسير مجاهد وفيه تقوية لما قلته وأخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله ولا تجعلنا فتنة للذين كفروا قال لا تظهرهم علينا فيفتنونا يرون أنهم إنما ظهروا علينا بحقهم وهذا يشبه تأويل مجاهد قوله يعصم الكوافر أمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بفراق نسائهم كن كوافر بمكة وصله الفريابي من طريق مجاهد وأخرجه الطبري من طريقه أيضا ولفظه أمر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بطلاق نسائهم كوافر بمكة قعدن مع الكفار ولسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي قال نزلت في المرأة من المسلمين تلحق بالمشركين فتكفر فلا يمسك زوجها بعصمتها قد بريء منها انتهى والكوافر جمع كافرة والعصم جمع عصمة وقال أبو على الفارسي قال لي الكرخي الكوافر في الآية يشمل الرجال والنساء قال فقلت له النحاة لا يجيزون هذا إلا في النساء جمع كافرة قال أليس يقال طائفة كافرة انتهى وتعقب بأنه لا يجوز كافرة وصفا للرجال إلا مع ذكر الموصوف فتعين الأول والله أعلم

قوله باب لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر والعدو لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوقه وقوله تلقون إليهم بالمودة تفسير للموالاة المذكورة ويحتمل أن يكون حالا أو صفة وفيه شيء لأنهم نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقا والتقييد بالصفة أو الحال يوهم الجواز عند انتفائهما لكن علم بالقواعد المنع مطلقا فلا مفهوم لهما ويحتمل أن تكون الولاية تستلزم المودة فلا تتم الولاية بدون المودة فهي حال لازمة والله أعلم

[ 4608 ] قوله الحسن بن محمد بن علي أي بن أبي طالب قوله حتى تأتوا روضة خاخ بمعجمتين ومن قالها بمهملة ثم جيم فقد صحف وقد تقدم بيان ذلك في باب الجاسوس من كتاب الجهاد وفي أول غزوة الفتح قوله لنلقين كذا فيه والوجه حذف التحتانية وقيل إنما اثبتت لمشاكلة لتخرجن قوله كنت امرأ من قريش أي بالحلف لقوله بعد ذلك ولم أكن من أنفسهم قوله كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم ليس هذا تناقضا بل أراد أنه منهم بمعنى أنه حليفهم وقد ثبت حديث حليف القوم منهم وعبر بقوله ولم أكن من أنفسهم لإثبات المجاز قوله إنه قد صدقكم بتخفيف الدال أي قال الصدق قوله فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة فقال أليس قد شهد بدرا قال بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك قوله فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك أرشد إلى علة ترك قتله بأنه شهد بدرا فكأنه قيل وهل يسقط عنه شهوده بدرا هذا الذنب العظيم فأجاب بقوله وما يدريك الخ قوله لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر هكذا في أكثر الروايات بصيغة الترجي وهو من الله واقع ووقع في حديث أبي هريرة عند بن أبي شيبة بصيغة الجزم وقد تقدم بيان ذلك واضحا في باب فضل من شهد بدرا من كتاب المغازي قوله اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم كذا في معظم الطرق وعند الطبري من طريق معمر عن الزهري عن عروة فإني غافر لكم وهذا يدل على أن المراد بقوله غفرت أي أغفر على طريق التعبير عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه وفي مغازي بن عائذ من مرسل عروة اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم والمراد غفران ذنوبهم في الآخرة وإلا فلو وجب على أحدهم حد مثلا لم يسقط في الدنيا وقال بن الجوزي ليس هذا على الاستقبال وإنما هو على الماضي تقديره اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر قال لأنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر لكم ولو كان كذلك لكان إطلاقا في الذنوب ولا يصح ويبطله أن القوم خافوا من العقوبة بعد حتى كان عمر يقول يا حذيفة بالله هل أنا منهم وتعقبه القرطبي بان اعملوا صيغة أمر وهي موضوعة للاستقبال ولم تضع العرب صيغة الأمر للماضي لا بقرينة ولا بغيرها لأنهما بمعنى الإنشاء والابتداء وقوله اعملوا ما شئتم يحمل على طلب الفعل ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي ولا يمكن أن يحمل على الإيجاب فتعين للإباحة قال وقد ظهر لي أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه وقد أظهر الله صدق رسوله في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريق المثلى ويعلم ذلك من أحوالهم بالقطع من اطلع على سيرهم انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فقد غفرت لكم أي ذنوبكم تقع مغفورة لا أن المراد أنه لا يصدر منهم ذنب وقد شهد مسطح بدرا ووقع في حق عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور فكأن الله لكرامتهم عليه بشرهم على لسان نبيه أنهم مغفور لهم ولو وقع منهم ما وقع وقد تقدم بعض مباحث هذه المسألة في أواخر كتاب الصيام في الكلام على ليلة القدر ونذكر بقية شرح هذا الحديث في كتاب الديات إن شاء الله تعالى قوله قال عمرو هو بن دينار وهو موصول بالإسناد المذكور قوله ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء سقط أولياء لغير أبي ذر قوله قال لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو هذا الشك من سفيان بن عيينة كما سأوضحه قوله حدثنا علي هو بن المديني قال قيل لسفيان في هذا فنزلت لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية قال سفيان هذا في حديث الناس يعني هذه الزيادة يريد الجزم برفع هذا القدر قوله حفظته من عمرو ما تركت منه حرفا وما أرى أحدا حفظه غيري وهذا يدل على أن هذه الزيادة لم يكن سفيان يجزم برفعها وقد أدرجها عنه بن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال في آخر الحديث قال وفيه نزلت هذه الآية وكذا أخرجه مسلم عن بن أبي عمر وعمرو الناقد وكذا أخرجه الطبري عن عبيد بن إسماعيل والفضل بن الصباح والنسائي عن محمد بن منصور كلهم عن سفيان واستدل باستئذان عمر على قتل حاطب لمشروعية قتل الجاسوس ولو كان مسلما وهو قول مالك ومن وافقه ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم أقر عمر على إرادة القتل لولا المانع وبين المانع هو كون حاطب شهد بدرا وهذا منتف في غير حاطب فلو كان الإسلام مانعا من قتله لما علل بأخص منه وقد بين سياق على أن هذه الزيادة مدرجة وأخرجه مسلم أيضا عن إسحاق بن راهويه عن سفيان وبين أن تلاوة الآية من قول سفيان ووقع عند الطبري من طريق أخرى عن على الجزم بذلك لكنه من أحد رواة الحديث حبيب بن أبي ثابت الكوفي أحد التابعين وبه جزم إسحاق في روايته عن محمد بن جعفر عن عروة في هذه القصة وكذا جزم به معمر عن الزهري عن عروة وأخرج بن مردويه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مشركي قريش كتب إليهم حاطب بن أبي بلتعة يحذرهم فذكر الحديث إلى أن قال فأنزل الله فيه القرآن يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية قال الإسماعيلي في آخر الحديث أيضا قال عمرو أي بن دينار وقد رأيت بن أبي رافع وكان كاتبا لعلي

قوله باب إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات اتفقوا على نزولها بعد الحديبية وأن سببها ما تقدم من الصلح بين قريش والمسلمين على أن من جاء من قريش إلى المسلمين يردونه إلى قريش ثم استثنى الله من ذلك النساء بشرط الامتحان

[ 4609 ] قوله حدثني إسحاق أنبأنا يعقوب في رواية غير أبي ذر حدثنا يعقوب فأما إسحاق فهو بن منصور وكلام أبي نعيم يشعر بأنه بن إبراهيم وأما يعقوب بن إبراهيم فهو بن سعد وابن أخي بن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم قوله قال عروة قالت عائشة هو موصول بالإسناد المذكور وسيأتي الكلام على شرحه في أواخر النكاح إن شاء الله تعالى قوله قد بايعتك كلاما أي يقول ذلك كلاما فقط لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة قوله ولا والله فيه القسم لتأكيد الخبر وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية فعند بن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة قال فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال اللهم أشهد وكذا الحديث الذي بعده حيث قالت فيه قبضت منا امرأة يدها فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن ويمكن الجواب عن الأول بأن مد الأيدي من رواء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن القبول أو كانت المبايعة تقع بحائل فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده وقال لا أصافح النساء وعند عبد الرزاق من طريق إبراهيم النخعي مرسلا نحوه وعند سعيد بن منصور من طريق قيس بن أبي حازم كذلك وأخرج بن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه عن أبان بن صالح أنه صلى الله عليه وسلم كان يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها فيه ويحتمل التعدد وقد أخرج الطبراني أنه بايعهن بواسطة عمر وروى النسائي والطبري من طريق محمد بن المنكدر أن أميمة بنت رقيقة بقافين مصغر أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن يا رسول الله ابسط يدك نصافحك قال إني لا أصافح النساء ولكن سآخذ عليكن فأخذ علينا حتى بلغ ولا يعصينك في معروف فقال فيما طقتن واستطعتن فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا وفي رواية الطبري ما قولي لمائة امرأة إلا كقولي لامرأة واحدة وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي وفي المغازي لابن إسحاق عن أبان بن صالح إنه كان يغمس يده في إناء فيغمسن أيديهن فيه قوله تابعه يونس ومعمر وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري أما متابعة يونس فيأتي الكلام عليها في كتاب الطلاق وأما متابعة معمر فوصلها المؤلف في الأحكام وأما متابعة عبد الرحمن بن إسحاق فوصلها بن مردويه من طريق خالد بن عبد الله الواسطي عنه قوله وقال إسحاق بن راشد عن الزهري عن عروة وعمرة يعني عن عائشة جمع بينهما وصله الذهلي في الزهريات عن عتاب بن بشير عن إسحاق بن راشد به وفي هذا الحديث أن المحنة المذكورة في قوله فامتحنوهن هي أن يبايعهن بما تضمنته الآية المذكورة وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر من النساء بالله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحبا لله ورسوله وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد نحوه وزاد ولا خرج بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك وعند بن مردويه وابن أبي حاتم والطبراني من حديث بن عباس نحوه وسنده ضعيف ويمكن الجمع بين التحليف والمبايعة والله أعلم وذكر الطبري وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن المرأة من المشركين كانت إذا غضبت على زوجها قالت والله لأهاجرن إلى محمد فنزلت فامتحنوهن

قوله باب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك سقط باب لغير أبي ذر وذكر فيه أربعة أحاديث الأول

[ 4610 ] قوله عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية كذا قال عبد الوارث عن أيوب وقال سفيان بن عيينة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية أخرجه النسائي فكأن أيوب سمعه منهما جميعا وقد تقدم شرح هذا في الجنائز قوله بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا ان لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة في رواية مسلم من طريق عاصم عن حفصة عن أم عطية قالت لما نزلت هذه الآية يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يعصينك في معروف كان منه النياحة قوله فقبضت امرأة يدها في رواية عاصم فقلت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد من أن أسعدهم لم أعرف آل فلان المشار إليهم وفي رواية النسائي قلت إن امرأة أسعدتني في الجاهلية ولم أقف على اسم المرأة وتبين أن أم عطية في رواية عبد الوارث أبهمت نفسها قوله أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها وللنسائي في رواية أيوب فأذهب فأسعدها ثم أجيئك فأبايعك والإسعاد قيام المرأة مع الأخرى في النياحة تراسلها وهو خاص بهذا المعنى ولا يستعمل إلا في البكاء والمساعدة عليه ويقال إن أصل المساعدة وضع الرجل يده على ساعد الرجل صاحبه عند التعاون على ذلك قوله فانطلقت ورجعت فبايعها في رواية عاصم فقال إلا آل فلان وفي رواية النسائي قال فاذهبي فأسعديها قالت فذهبت فساعدتها ثم جئت فبايعت قال النووي هذا محمول على أن الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة ولا تحل النياحة لها ولا لغيرها في غير آل فلان كما هو ظاهر الحديث وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث كذا قال وفيه نظر إلا أن ادعى أن الذين ساعدتهم لم يكونوا أسلموا وفيه بعد وإلا فليدع مشاركتهم لها في الخصوصية وسأبين ما يقدح في خصوصية أم عطية بذلك ثم قال واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالا عجيبة ومقصودي التحذير من الاغترار بها فإن بعض المالكية قال النياحة ليست بحرام لهذا الحديث وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية من شق جيب وخمش خد ونحو ذلك قال والصواب ما ذكرناه أولا وأن النياحة حرام مطلقا وهو مذهب العلماء كافة انتهى وقد تقدم في الجنائز النقل عن غير هذا المالكي أيضا أن النياحة ليست بحرام وهو شاذ مردود وقد أبداه القرطبي احتمالا ورده بالأحاديث الواردة في الوعيد على النياحة وهو دال على شدة التحريم لكن لا يمتنع أن يكون النهي أولا ورد بكراهة التنزيه ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم فيكون الإذن لمن ذكر وقع في الحالة الأولى لبيان الجواز ثم وقع التحريم فورد حينئذ الوعيد الشديد وقد لخص القرطبي بقية الأقاويل التي أشار إليها النووي منها دعوى أن ذلك كان قبل تحريم النياحة قال وهو فاسد لمساق حديث أم عطية هذا ولولا أن أم عطية فهمت التحريم لما استثنت قلت ويؤيده أيضا أن أم عطية صرحت بأنها من العصيان في المعروف وهذا وصف المحرم ومنها أن قوله إلا آل فلان ليس فيه نص على أنها تساعدهم بالنياحة فيمكن أنها تساعدهم باللقاء والبكاء الذي لا نياحة معه قال وهذا أشبه مما قبله قلت بل يرد عليه ورود التصريح بالنياحة كما سأذكره ويرد عليه أيضا أن اللقاء والبكاء المجرد لم يدخل في النهي كما تقدم في الجنائز وتقريره فلو وقع الاقتصار عليه لم يحتج إلى تأخير المبايعة حتى تفعله ومنها يحتمل أن يكون أعاد إلا آل فلان على سبيل الإنكار كما قال لمن استأذن عليه فقال له من ذا فقال أنا فقال أنا أنا فأعاد عليه كلامه منكرا عليه قلت ويرد عليه ما ورد على الأول ومنها أن ذلك خاص بأم عطية قال وهو فاسد فإنها لا تختص بتحليل شيء من المحرمات انتهى ويقدح في دعوى تخصيصها أيضا ثبوت ذلك لغيرها ويعرف منه أيضا الخدش في الأجوبة الماضية فقد أخرج بن مردويه من حديث بن عباس قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن أن لا يشركن بالله شيئا الآية قالت خولة بنت حكيم يا رسول الله كا أبي وأخي ماتا في الجاهلية وأن فلانة أسعدتني وقد مات أخوها الحديث وأخرج الترمذي من طريق شهر بن حوشب عن أم سلمة الأنصارية وهي أسماء بنت يزيد قالت قلت يا رسول الله إن بني فلان أسعدوني على عمي ولا بد من قضائهن فأبى قالت فراجعته مرارا فأذن لي ثم لم أنح بعد وأخرج أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأخذ علينا ولا ينحن فقالت عجوز يا نبي الله إن ناسا كانوا أسعدونا على مصائب أصابتنا وإنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن أسعدهم قال فاذهبي فكافئيهم قالت فانطلقت فكافأتهم ثم أنها أتت فبايعته وظهر من هذا كله أن أقرب الأجوبة أنها كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم والله أعلم الحديث الثاني

[ 4611 ] قوله حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي هو جرير بن حازم قوله سمعت الزبير في رواية الإسماعيلي الزبير بن خريت وهو بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة قوله في قوله ولا يعصينك في معروف قال إنما هو شرط شرطه الله للنساء أي على النساء وقوله فبايعهن في السياق حذف تقديره فإن بايعن على ذلك أو فإن اشترطن ذلك على أنفسهن فبايعهن واختلف في الشرط فالأكثر على أنه النياحة كما سبق وقد تقدم عند مسلم ما يدل لذلك وأخرج الطبري من طريق زهير بن محمد قال في قوله ولا يعصينك في معروف لا يخلو الرجل بامرأة وقد جمع بينهما قتادة فأخرج الطبري عنه قال أخذ عليهن أن لا ينحن ولا يحدثن الرجال فقال عبد الرحمن بن عوف إن لنا أضيافا وإنا نغيب عن نسائنا فقال ليس أولئك عنيت وللطبري من حديث بن عباس المقدم ذكره إنما أنبئكن بالمعروف الذي لا تعصينني فيه لا تخلون بالرجال وحدانا ولا تنحن نوح الجاهلية ومن طريق أسيد بن أبي أسيد البراد عن امرأة من المبايعات قالت كان فيما أخذ علينا أن لا نعصيه في شيء من المعروف ولا نخمش وجها ولا ننشر شعرا ولا نشق جيبا ولا ندعو ويلا

[ 4612 ] الحديث الثالث قوله قال الزهري حدثناه هو من تقديم الاسم على الصيغة والضمير للحديث الذي يريد أن يذكره قوله وقرأ آية النساء أي آية بيعة النساء وهي يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا الآية وقد قدمت في كتاب الإيمان بيان وقت هذه المبايعة قوله وأكثر لفظ سفيان قرأ الآية وللكشميهني قرأ في الآية والأول أولى قوله ومن أصاب منها أي من الأشياء التي توجب الحد في رواية الكشميهني من ذلك شيئا قوله تابعه عبد الرزاق عن معمر زاد المستملي في الآية ووصله مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عقب رواية سفيان وقال في آخره وزاد في الحديث فتلا علينا آية النساء أن لا يشركن بالله شيئا وقد تقدم شرحه ومباحثه في كتاب الإيمان مستوفي وقوله بهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن فيه عدة أقوال منها أن المراد بما بين الأيدي ما يكتسب بها وكذا الأرجل الثاني هما كناية عن الدنيا والآخرة وقيل عن الأعمال الظاهرة والباطنة وقيل الماضي والمستقبل وقيل ما بين الأيدي كسب العبد بنفسه وبالأرجل كسبه بغيره وقيل غير ذلك الحديث الرابع

[ 4613 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا هارون بن معروف حدثنا عبد الله بن وهب قال وأخبرني بن جريج قلت نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين بالنسبة لابن جريج فإنه يروي عن بن جريج بواسطة رجل واحد كأبي عاصم ومحمد بن عبد الله الأنصاري ومكي بن إبراهيم وغيرهم ونزل فيه درجة بالنسبة لابن وهب فإنه يروي عن جمع من أصحابه كأحمد بن صالح وأحمد بن عيسى وغيرهما وكأن السبب فيه تصريح بن جريج في هذه الطريق النازلة بالإخبار وقد أخرج البخاري طرفا من هذا الحديث في كتاب العيدين عن أبي عاصم عن بن جريج بالعلو وهو من أوله إلى قوله قبل الخطبة وصرح فيه بن جريج بالخبر فلعله لم يكن بطوله عند بن أبي عاصم ولا عند من لقيه من أصحاب بن وهب وقد علاه أبو ذر في روايته فقال حدثنا على الحربي حدثنا بن أبي داود حدثنا محمد بن مسلمة حدثنا بن وهب ووقع للبخاري بعلو في العيدين لكنه من طريق عبد الرزاق عن بن جريج وتقدم شرحه هناك مستوفى وقول بن وهب وأخبرني بن جريج معطوف على شيء محذوف

بسم الله الرحمن الرحيم وقال مجاهد من أنصاري إلى الله من يتبعني إلى الله

قوله سورة الصف بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر ويقال لها أيضا سورة الحواريين وأخرج الطبري من طريق معمر عن قتادة أن الحواريين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من قريش فسمى العشرة المشهورين إلا سعيد بن زيد وحده وحمزة وجعفر بن أبي طالب وعثمان بن مظعون وقد وقع لنا سماع هذه السورة مسلسلا في حديث ذكر في أوله سبب نزولها وإسناده صحيح قل أن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه قوله وقال مجاهد من أنصاري إلى الله من يتبعني إلى الله في رواية الكشميهني من تبعني إلى الله بصيغة الماضي وقد وصله الفريابي بلفظ من يتبعني وقال أبو عبيدة إلى بمعنى في أي من أنصاري في الله قوله وقال بن عباس مرصوص ملصق بعضه إلى بعض كذا لأبي ذر ولغيره ببعض وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس في قوله كأنهم بنيان مرصوص مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض فعلى تفسير بن عباس هو من التراص أي التضام مثل تراص الأسنان أو من الملائم الأجزاء المستوى قوله وقال يحيى بالرصاص كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما وقال غيره وجزم أبو ذر بأنه يحيى بن زياد بن عبد الله الفراء وهو كلامه في معاني القرآن ولفظه في قوله كأنهم بنيان مرصوص يريد بالرصاص حثهم على القتال ورجح الطبري الأول والرصاص بفتح الراء ويجوز كسرها قوله من بعدي اسمه أحمد في رواية أبي ذر باب يأتي من بعدي وذكر فيه حديث جبير بن مطعم وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل السيرة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم قوله سورة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر وتقدم ضبطه في كتاب الصلاة

قوله وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وقرأ عمر فامضوا إلى ذكر الله

قوله باب قوله وآخرين منهم لما يلحقوا بهم أي لم يلحقوا بهم ويجوز في آخرين أن يكون منصوبا عطفا على الضمير المنصوب في يعلمهم وأن يكون مجرورا عطفا على الأميين قوله وقرأ عمر فامضوا إلى ذكر الله ثبت هذا هنا في رواية الكشميهني وحده وروى الطبري عن عبد الحميد بن بيان عن سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال ما سمعت عمر يقرؤها قط فامضوا ومن طريق مغيرة عن إبراهيم قال قيل لعمر إن أبي بن كعب يقرؤها فاسعوا قال أما أنه أعلمنا وأقرؤنا للمنسوخ وإنما هي فامضوا وأخرجه سعيد بن منصور فبين الواسطة بين إبراهيم وعمر وأنه خرشة بن الحر فصح الإسناد وأخرجا أيضا من طريق إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرؤها فامضوا ويقول لو كان فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي وأخرجه الطبراني ورجاله ثقات إلا أنه منقطع وللطبراني أيضا من طريق قتادة قال هي في حرف بن مسعود فامضوا قال وهي كقوله إن سعيكم لشتى وقال أبو عبيدة معنى فاسعوا أجيبوا وليس من العدو

[ 4615 ] قوله حدثنا عبد العزيز كذا لهم غير منسوب قال الجياني وكلام الكلاباذي يقتضي أنه بن أبي حازم سلمة بن دينار قال والذي عندي أنه الدراوردي لأن مسلما أخرجه عن قتيبة عن الدراوردي عن ثور قلت وأخرجه الترمذي والنسائي أيضا عن قتيبة وأورده الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق قتيبة وجزم أبو مسعود أن البخاري أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب أنبأنا عبد العزيز الدراوردي كذا فيه وتبعه المزي وظاهره أن البخاري نسبه ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيح ولم أقف على رواية عبد العزيز بن أبي حازم لهذا الحديث في شيء من المسانيد ولكن يؤيده أن البخاري لم يخرج للدراوردي إلا متابعة أو مقرونا وهو هنا كذلك فإنه صدره برواية سليمان بن بلال ثم تلاه برواية عبد العزيز قوله عن ثور هو بن يزيد المدني وأبو الغيث بالمعجمة والمثلثة اسمه سالم قوله فأنزلت عليه سورة الجمعة وآخرين منهم لما يلحقوا بهم كأنه يريد أنزلت عليه هذه الآية من سورة الجمعة وإلا فقد نزل منها قبل إسلام أبي هريرة الأمر بالسعي ووقع في رواية الدراوردي عن ثور عند مسلم نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ وآخرين منهم قوله قال قلت من هم يا رسول الله في رواية السرخسي قالوا من هم يا رسول الله وفي رواية الإسماعيلي فقال له رجل وفي رواية الدراوردي قيل من هم وفي رواية عبد الله بن جعفر عن ثور عند الترمذي فقال رجل يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا ولم أقف على اسم السائل قوله فلم يراجعوه كذا في نسختي من طريق أبي ذر وفي غيرها فلم يراجعه وهو الصواب أي لم يراجع النبي صلى الله عليه وسلم أي لم يعد عليه جوابه حتى سأله ثلاث مرات ووقع ذلك صريحا في رواية الدراوردي قال فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأل مرتين أو ثلاثا وفي رواية بن وهب عن سليمان بن بلال حتى سأله ثلاث مرات بالجزم وكذا في رواية عبد الله بن جعفر قوله وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان في رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة يده على فخذ سلمان قوله لو كان الإيمان عند الثريا هي نجم معروف تقدم ذكره في تفسير سورة النجم قوله لناله رجال أو رجل من هؤلاء هذا الشك من سليمان بن بلال بدليل الرواية التي أوردها بعده من غير شك مقتصرا على قوله رجال من هؤلاء وهي عند مسلم والنسائي كذلك وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية بن وهب عن سليمان بلفظ لناله رجال من هؤلاء أيضا بغير شك وعبد العزيز المذكور هو الدراوردي كما جزم به أبو نعيم والجياني ثم المزي وقد أخرجه مسلم عن قتيبة عن الدراوردي وجزم الكلاباذي بأنه بن أبي حازم والأول أولى فإن الحديث مشهور عن الدراوردي ولم أر في شيء من المسانيد من حديث أبي حازم والدراوردي قد أخرج له البخاري في المتابعات غير هذا قوله من أبناء فارس قيل إنهم من ولد هدرام بن أرفخشد بن سام بن نوح وأنه ولد بضعة عشر رجلا كلهم كان فارسا شجاعا فسموا الفرس للفروسية وقيل في نسبهم أقوال أخرى وقال صاعد في الطبقات كان أولهم على دين نوح ثم دخلوا في دين الصابئة في زمن طمهورث فداموا على ذلك أكثر من ألفي سنة ثم تمجسوا على يد زرادشت وقد أطنب أبو نعيم في أول تاريخ أصبهان في تخريج طرق هذا الحديث أعني حديث لو كان الدين عند الثريا ووقع في بعض طرقه عند أحمد بلفظ لو كان العلم عند الثريا وفي بعض طرقه عند أبي نعيم عن أبي هريرة أن ذلك كان عند نزول قوله تعالى وأن تتولوا يستبدل قوما غيركم ويحتمل أن يكون ذلك صدر عند نزول كل من الآيتين وقد أخرج مسلم الحديث مجردا عن السبب من رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رفعه لو كان الدين عند الثريا لذهب رجال من أبناء فارس حتى يتناولوه وأخرجه أبو نعيم من طريق سليمان التيمي حدثني شيخ من أهل الشام عن أبي هريرة نحوه وزاد في آخره برقة قلوبهم وأخرجه أيضا من وجه آخر عن التيمي عن أبي عثمان عن سلمان الفارسي بالزيادة ومن طريق أخرى من هذا الوجه فزاد فيه يتبعون سنتي ويكثرون الصلاة علي قال القرطبي وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عيانا فإنه وجد منهم من اشتهر ذكره من حفاظ الآثار والعناية بها ما لم يشاركهم فيه كثير من أحد غيرهم واختلف أهل النسب في أصل فارس فقيل إنهم ينتهي نسبهم إلى جيومرت وهو آدم وقيل أنه من ولد يافث بن نوح وقيل من ذرية لاوي بن سام بن نوح وقيل هو فارس بن ياسور بن سام وقيل هو من ولد هدرام بن أرفخشد بن سام وقيل إنهم من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم والأول أشهر الأقوال عندهم والذي يليه أرجحها عند غيرهم

قوله باب وإذا رأوا تجارة أو لهوا كذا لأبي ذر ولغيره وإذا رأوا تجارة حسب قال بن عطية قال انفضوا إليها ولم يقل إليهما اهتماما بالأهم إذ كانت هي سبب اللهو من غير عكس كذا قيل وفيه نظر لأن العطف بأولا يثني معه الضمير لكن يمكن أن يدعى أن أو هنا بمعنى الواو على تقدير أن تكون أو على بابها فحقه أن يقول جيء بضمير التجارة دون ضمير اللهو للمعنى الذي ذكره وقد تقدم بيان اختلاف النقلة في سبب انفضاضهم في كتاب الجمعة

[ 4616 ] قوله حدثني حفص بن عمر هو الحوضي قوله حدثنا حصين بالتصغير هو بن عبد الرحمن قوله عن سالم بن أبي الجعد وعن أبي سفيان عن جابر يعني كلاهما عن جابر وقد تقدم في الصلاة من طريق زائدة عن حصين عن سالم وحده قال حدثنا جابر والاعتماد على سالم وأما أبو سفيان واسمه طلحة بن نافع فليس على شرطه وإنما أخرج له مقرونا وقد تقدم له حديث في مناقب سعد بن معاذ قرنه بسالم أيضا وأخرج له حديثين آخرين في الأشربة مقرونين بأبي صالح عن جابر وهذا جميع ماله عنده قوله أقبلت عير بكسر المهملة وسكون التحتانية تقدم الكلام عليها في كتاب الجمعة مع بقية شرح هذا الحديث ولله الحمد قوله فثار الناس الا اثنا عشر رجلا وقع عند الطبري من طريق قتادة الا أثنى عشر رجلا وامرأة وهو أصح مما روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال لم يبق معه إلا رجلان وامرأة ووقع في الكشاف أن الذين بقوا ثمانية أنفس وقيل أحد عشر وقيل اثنا عشر وقيل أربعون والقولان الأولان لا أصل لهما فيما وقفت عليه وقد مضى استيفاء القول في هذا أيضا في كتاب الجمعة

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله إلى لكاذبون

قوله سورة المنافقين بسم الله الرحمن الرحيم باب قوله إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله الآية وساق غير أبي ذر الآية إلى قوله لكاذبون

[ 4617 ] قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي ولاسرائيل فيه إسناد آخر أخرجه الترمذي والحاكم من طريقه عن السدي عن أبي سعد الأزدي عن زيد بن أرقم قوله عن زيد بن أرقم سيأتي بعد بابين من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تصريحه بسماعه له من زيد قوله كنت في غزاة زاد بعد باب من وجه آخر عن إسرائيل مع عمي وهذه الغزاة وقع في رواية محمد بن كعب عن زيد بن أرقم عند النسائي أنها غزوة تبوك ويؤيده قوله في رواية زهير المذكورة في سفر أصاب الناس فيه شدة وأخرج عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلا لم يرتحل منه حتى يصلي فيه فلما كان غزوة تبوك نزل منزلا فقال عبد الله بن أبي فذكر القصة والذي عليه أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق وسيأتي قريبا في حديث جابر ما يؤيده وعند بن عائذ وأخرجه الحاكم في الأكليل من طريقه ثم من طريق أبي الأسود عن عروة أن القول الآتي ذكره صدر من عبد الله بن أبي بعد أن قفلوا قوله فسمعت عبد الله بن أبي هو بن سلول رأس النفاق وقد تقدم خبره في تفسير براءة قوله يقول لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله هو كلام عبد الله بن أبي ولم يقصد الراوي بسياقه التلاوة وغلط بعض الشراح فقال هذا وقع في قراءة بن مسعود وليس في المصاحف المتفق عليها فيكون على سبيل البيان من بن مسعود قلت ولا يلزم من كون عبد الله بن أبي قالها قبل أن ينزل القرآن بحكاية جميع كلامه قوله ولئن رجعنا كذا للأكثر وللكشميهني ولو رجعنا والأول أولى وبعد الواو محذوف تقديره سمعته يقول ووقع في الباب الذي بعده وقال لئن رجعنا وهو يؤيد ما قلته وفي رواية محمد بن كعب عن زيد بعد باب وقال أيضا لئن رجعنا وسيأتي في حديث جابر سبب قول عبد الله بن أبي ذلك قوله فذكرت ذلك لعمي أو لعمر كذا بالشك وفي سائر الروايات الآتية لعمي بلا شك وكذا عند الترمذي من طريق أبي سعد الأزدي عن زيد ووقع عند الطبراني وابن مردويه أن المراد بعمه سعد بن عبادة وليس عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج وعم زيد بن أرقم الحقيقي ثابت بن قيس له صحبة وعمه زوج أمه عبد الله بن رواحة خزرجي أيضا ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة أن مثل ذلك وقع لأوس بن أرقم فذكره لعمر بن الخطاب سبب الشك في ذكر عمر وجزم الحاكم في الإكليل أن هذه الرواية وهم الصواب زيد بن أرقم قلت ولا يمتنع تعدد المخبر بذلك عن عبد الله بن أبي إلا أن القصة مشهورة لزيد بن أرقم وسيأتي من حديث أنس قريبا ما يشهد لذلك قوله فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم أي ذكره عمي وكذا في الرواية التي بعده هذه ووقع في رواية بن أبي ليلى عن زيد فأخبرت به النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في مرسل قتادة فكأنه أطلق الإخبار مجازا لكن في مرسل الحسن عن عبد الرزاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك أخطأ سمعك لعلك شبه عليك فعلى هذا لعله راسل بذلك أولا على لسان عمه ثم حضر هو فأخبر قوله فخلفوا ما قالوا في رواية زهير فأجهد يمينه والمراد به عبد الله بن أبي وجمع باعتبار من معه ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي فسأله فحلف بالله ما قال من ذلك شيئا قوله فكذبني بالتشديد في رواية زهير فقالوا كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا بالتخفيف ورسول الله بالنصب على المفعولية وقد تقدم تحقيقه في الكلام على حديث أبي سفيان في قصة هرقل وفي رواية بن أبي ليلى عن زيد عند النسائي فجعل الناس يقولون أتى زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب قوله وصدقه وفي الرواية التي بعدها فصدقهم وقد مضى توجيهها قوله فأصابني هم في رواية زهير فوقع في نفسي شدة وفي رواية أبي سعد الأزدي عن زيد فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد وفي رواية محمد بن كعب فرجعت إلى المنزل فنمت زاد الترمذي في روايته فنمت كئيبا حزينا وفي رواية بن أبي ليلى حتى جلست في البيت مخافة إذا رآني الناس أن يقولوا كذبت قوله فقال لي عمي ما أردت إلى أن كذبك كذا للأكثر وذكر أبو على الجياني أنه وقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني فقال لي عمر قال الجياني والصواب عمي كما عند الجماعة انتهى وقد ذكرت قبل ذلك ما يقتضي احتمال ذلك قوله ومقتك في رواية لمحمد بن كعب فلامني الأنصار وعند النسائي من طريقه ولامني قومي قوله فأنزل الله في رواية محمد بن كعب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بالوحي وفي رواية زهير حتى أنزل الله وفي رواية أبي الأسود عن عروة فبينما هم يسيرون أبصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه فنزلت وفي رواية أبي سعد قال فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خفقت برأسي من الهم أتاني فعرك بإذني وضحك في وجهي فلحقني أبو بكر فسألني فقلت له فقال أبشر ثم لحقني عمر مثل ذلك فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين قوله إذا جاءك المنافقون زاد آدم إلى قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله إلى قوله ليخرجن الأعز منها الأذل وهو يبين أن رواية محمد بن كعب مختصرة حيث اقتصر فيها على قوله ونزل هم الذين يقولون لا تنفقوا الآية لكن وقع عند النسائي من طريقه فنزلت هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا حتى بلغ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قوله ان الله قد صدقك يا زيد وفي مرسل الحسن فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن الغلام فقال وفت أذنك يا غلام مرتين زاد زهير في روايته فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم وسيأتي شرحه بعد ثلاثة أبواب وفي الحديث من الفوائد ترك مؤاخذة كبراء القوم بالهفوات لئلا ينفر أتباعهم والاقتصار على معاتباتهم وقبول أعذارهم وتصديق أيمانهم وأن كانت القرائن ترشد إلى خلاف ذلك لما في ذلك من التأنيس والتأليف وفيه جواز تبليغ ما لا يجوز للمقول فيه ولا يعد نميمة مذمومة إلا إن قصد بذلك الإفساد المطلق وأما إذا كانت فيه مصلحة ترجح على المفسدة فلا

قوله باب قوله اتخذوا أيمانهم جنة يجتنون بها قال عبد بن حميد حدثني شبابة عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله اتخذوا أيمانهم جنة قال يجتنون أنفسهم وأخرجه الطبري من وجه آخر عن بن أبي نجيح باللفظ الذي ذكره المصنف ثم ساق حديث زيد بن أرقم وقد تقدم شرحه في الذي قبله مستوفي

قوله ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون

قوله باب قوله ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا ساق إلى قوله لا يفقهون

[ 4619 ] قوله سمعت محمد بن كعب القرظي زاد الترمذي في روايته منذ أربعين سنة قوله أخبرت به النبي صلى الله عليه وسلم أي على لسان عمي جمعا بين الروايتين ويحتمل أن يكون هو أيضا أخبر حقيقة بعد أن أنكر عبد الله بن أبي ذلك كما تقدم قوله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم همزة أتى أي بالوحي قوله وقال بن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وطريقه هذه وصلها النسائي وقد بينت ما فيه من فائدة قبل قوله فيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن زيد بن أرقم كذا رواه الأعمش عن عمرو بن مرة عنه وقد رواه شعبة عن عمرو بن مرة فقال عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم فكأن لعمرو بن مرة فيه شيخين

قوله باب وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى يؤفكون ذكر فيه حديث زيد بن أرقم من رواية زهير عن أبي إسحاق نحو رواية إسرائيل عنه كما تقدم بيان ذلك وقال في آخره حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في إذا جاءك المنافقون فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رءوسهم قوله وقوله خشب مسندة قال كانوا رجالا أجمل شيء هذا تفسير لقوله تعجبك أجسامهم وخشب مسندة تمثيل لأجسامهم ووقع هذا في نفس الحديث وليس مدرجا فقد أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن عمرو بن خالد شيخ البخاري فيه بهذه الزيادة وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن زهير تنبيه قرأ الجمهور خشب بضمتين وأبو عمرو والأعمش والكسائي بإسكان الشين

قوله وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون حركوا استهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقرأ بالتخفيف من لويت

قوله باب قوله وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم إلى قوله مستكبرون كذا لأبي ذر وساق غيره الآية كلها في مرسل سعيد بن جبير وجاء عبد الله بن أبي فجعل يعتذر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تب فجعل يلوي رأسه فنزلت قوله حركوا استهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقرأ بالتخفيف من لويت يعني لووا وهي قراءة نافع وقرأ الباقون بالتثقيل ثم ذكر حديث زيد بن أرقم من وجه آخر كما مضى بيانه ووقع لأكثر الرواة مختصرا من أثنائه وساقه أبو ذر تاما إلا

[ 4621 ] قوله وصدقهم وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه ليس في السياق الذي أورده خصوص ما ترجم به والجواب أنه جرى على عادته في الإشارة إلى أصل الحديث ووقع في مرسل الحسن فقال قوم لعبد الله بن أبي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه فنزلت وكذا أخرج عبد بن حميد من طريق قتادة ومن طريق مجاهد ومن طريق عكرمة أنها نزلت في عبد الله بن أبي

قوله سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين

قوله باب قوله سواء عليهم أستغفرت لهم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية وأخرج الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال أنزلت هذه الآية بعد التي في التوبة استغفر لهم أو لا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم

[ 4622 ] قوله قال عمرو وقع في آخر الباب قال سفيان فحفظته من عمرو قال فذكره ووقع رواية الحميدي الآتية بعد باب حفظناه من عمرو قوله كنا في غزاة قال سفيان مرة في جيش وسمي بن إسحاق هذه الغزوة غزوة بني المصطلق وكذا وقع عند الإسماعيلي من طريق بن أبي عمر عن سفيان قال يرون أن هذه الغزاة غزاة بني المصطلق وكدا في مرسل عروة الذي سأذكره قوله فكسع رجل الكسع يأتي تفسيره بعد باب والمشهور فيه أنه ضرب الدبر باليد أو بالرجل ووقع عند الطبري من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلا من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار برجله وذلك عند أهل اليمن شديد والرجل المهاجري هو جهجاه بن قيس ويقال بن سعيد الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والرجل الأنصاري هو سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا أن الأنصاري كان حليفا لهم من جهينة وأن المهاجري كان من غفار وسماهما بن إسحاق في المغازي عن شيوخه وأخرج بن أبي حاتم من طريق عقيل عن الزهري عن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت أنهما أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة المربيع وهي التي هدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلل وبين البحر فاقتتل رجلان فاستعلى المهاجري على الأنصاري فقال حليف الأنصار يا معشر الأنصار فتداعوا إلى أن حجز بينهم فانكفأ كل منافق إلى عبد الله بن أبي فقالوا كنت ترجى وتدفع فصرت لا تضر ولا تنفع فقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكر القصة بطولها وهو مرسل جيد واتفقت هذه الطرق على أن المهاجري واحد ووقع في حديث أبي الزبير عن جابر عند مسلم اقتتل غلامان من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجري يا للمهاجرين ونادي الأنصاري يا للأنصار فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا أدعوى الجاهلية قالوا لا إن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر فقال لا بأس ولينصرن الرجل أخاه ظالما أو مظلوما الحديث ويمكن تأويل هذه الرواية بان قوله من المهاجرين بيان لأحد الغلامين والتقدير اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فحذف لفظ غلام من الأول ويؤيده قوله في بقية الخبر فقال المهاجري فافرده فتتوافق الروايات ويستفاد من قوله لا بأس جواز القول المذكور بالقصد المذكور والتفصيل المبين لا على ما كانوا عليه في الجاهلية من نصرة من يكون من القبيلة مطلقا وقد تقدم شرح قوله انصر أخاك ظالما أو مظلوما مستوفى في باب أعن أخاك من كتاب المظالم قوله يا للأنصار بفتح اللام وهي للاستغاثة أي أغيثوني وكذا في قول الآخر يا للمهاجرين قوله دعوها فإنها منتنة أي دعوة الجاهلية وأبعد من قال المراد الكسعة ومنتنة بضم الميم وسكون النون وكسر المثناة من النتن أي أنها كلمة قبيحة خبيثة وكذا ثبتت في بعض الروايات قوله فعلوها هو استفهام بحذف الاداة أي أفعلوها أي الأثرة أي شركناهم فيما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا وفي مرسل قتادة فقال رجل منهم عظيم النفاق ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك وعند بن إسحاق فقال عبد الله بن أبي أقد فعلوها نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك قوله فقام عمر فقال يا رسول الله دعني أضرب عنقه في مرسل قتادة فقال عمر مر معاذا أن يضرب عنقه وإنما قال ذلك لأن معاذا لم يكن من قومه قوله دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه أي أتباعه ويجوز في يتحدث الرفع على الاستئاف والكسر على جواب الأمر وفي مرسل قتادة فقال لا والله لا يتحدث الناس زاد بن إسحاق فقال مر به معاذ بن بشر بن وقش فليقتله فقال لا ولكن أذن بالرحيل فراح في ساعة ما كان يرحل فيها فلقيه أسيد بن حضير فسأله عن ذلك فأخبره فقال فأنت يا رسول الله الأعز وهو الأذل قال وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بلغي إنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فقال بل ترفق به وتحسن صحبته قال فكان بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين ينكرون عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر كيف ترى ووقع في مرسل عكرمة عند الطبري أن عبد الله بن عبد الله بن أبي قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن ولدي يؤذي الله ورسوله فذرني حتى أقتله قال لا تقتل أباك قوله ثم إن المهاجرين كثروا بعد هذا مما يؤيد تقدم القصة ويوضح وهم من قال إنها كانت بتبوك لأن المهاجرين حينئذ كانوا كثيرا جدا وقد انضافت إليهم مسلمة الفتح في غزوة تبوك فكانوا حينئذ أكثر من الأنصار والله أعلم

قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون

قوله باب قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا كذا لهم وزاد أبو ذر الآية قوله ينفضوا يتفرقوا سقط هذا لأبي ذر قال أبو عبيدة في قوله حتى ينفضوا حتى يتفرقوا ووقع في رواية زهير سبب قول عبد الله بن أبي ذلك وهو قوله خرجنا في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي لا تنفقوا الآية فالذي يظهر أن قوله لا تنفقوا كان سببه الشدة التي أصابتهم وقوله ليخرجن الأعز منها الأذل سببه مخاصمة المهاجري والأنصاري كما تقدم في حديث جابر قوله الكسع أن تضرب بيدك على شيء أو برجلك ويكون أيضا إذا رميته بسوء كذا لأبي ذر عن الكشميهني وحده وحق هذا أن يذكر قبل الباب أو في الباب الذي يليه لن الكسع إنما وقع في حديث جابر قال بن التين الكسع أن تضرب بيدك على دبر شيء أو برجلك وقال القرطبي أن تضرب عجز إنسان بقدمك وقيل الضرب بالسيف على المؤخر وقال بن القطاع كسع القوم ضرب أدبارهم بالسيف وكسع الرجل ضرب دبره بظهر قدمه وكذا إذا تكلم فأثر بكلامه بما ساءه ونحوه في تهذيب الأزهري

[ 4623 ] قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس قوله حدثني عبد الله بن الفضل أي بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي تابعي صغير مدني ثقة ما له في البخاري عن أنس إلا هذا الحديث وهو من أقران موسى بن عقبة الراوي عنه قوله حزنت على من أصيب بالحرة هو بكسر الزاي من الحزن زاد الإسماعيلي من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة من قومي وكانت وقعة الحرة في سنة ثلاث وستين وسببها أن أهل المدينة خلعوا بيعة يزيد بن معاوية لما بلغهم ما يتعمده من الفساد فأمر الأنصار عليهم عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر وأمر المهاجرون عليهم عبد الله بن مطيع العدوي وأرسل إليهم يزيد من معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش كثير فهزمهم واستباحوا المدينة وقتلوا بن حنظلة وقتل من الأنصار شيء كثير جدا وكان أنس يومئذ بالبصرة فبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار فكتب إليه زيد بن أرقم وكان يومئذ بالكوفة يسليه ومحصل ذلك أن الذي يصير إلى مغفرة الله لا يشتد الحزن عليه فكان ذلك تعزية لأنس فيهم قوله وشك بن الفضل في أبناء أبناء الأنصار رواه النضر بن أنس عن زيد بن أرقم مرفوعا اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار أخرجه مسلم من طريق قتادة عنه من غير شك وللترمذي من رواية على بن زيد عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم أنه كتب إلى أنس بن مالك يعزيه فيمن أصيب من أهله وبني عمه يوم الحرة فكتب إليه إني أبشرك ببشرى من الله أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم قوله فسأل أنسا بعض من كان عنده هذا السائل لم أعرف اسمه ويحتمل أن يكون النضر بن أنس فإنه روى حديث الباب عن زيد بن أرقم كما ترى وزعم بن التين أنه وقع عند القابسي فسأل أنس بعض بالنصب وأنس بالرفع على أنه الفاعل والأول هو الصواب قال القابسي الصواب أن المسئول أنس قوله أوفى الله له بأذنه أي بسمعه وهو بضم الهمزة والدال المعجمة ويجوز فتحهما أي أظهر صدقة فيما أعلم به والمعنى أوفى صدقة وقد تقدم في الكلام على حديث جابر أن في مرسل الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بإذنه فقال وفي الله بإذنك يا غلام كأنه جعل أذنه ضامنة بتصديق ما ذكرت أنها سمعت فلما نزل القرآن بتصديقه صارت كأنها واقية بضمانها تكميل وقع في رواية الإسماعيلي في آخر هذا الحديث من رواية محمد بن فليح عن موسى بن عقبة قال بن شهاب سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب لئن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير فقال زيد قد والله صدق ولأنت شر من الحمار ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجحده القائل فأنزل الله على رسوله يحلفون بالله ما قالوا الآية فكان مما انزل الله في هذه الآية تصديقا لزيد انتهى وهذا مرسل جيد وكأن البخاري حذفه لكونه على غير شرطه ولا مانع من نزول الآيتين في القصتين في تصديق زيد

قوله باب يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى يعلمون ذكر فيه حديث جابر الماضي وقد تقدم شرحه قبل بباب ولعله أشار بالترجمة إلى ما وقع في آخر الحديث المذكور فإن الترمذي لما أخرجه عن بن أبي سفيان بإسناد حديث الباب قال في آخره وقال غير عمرو فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي والله لا ينقلب أبي إلى المدينة حتى تقول إنك أنت الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز ففعل وهذه الزيادة أخرجها بن إسحاق في المغازي عن شيوخه وذكرها أيضا الطبري من طريق عكرمة

قوله سورة التغابن والطلاق كذا لأبي ذر ولم يذكر غيره والطلاق بل اقتصروا على التغابن وأفردوا الطلاق بترجمة وهو الأليق لمناسبة ما تقدم قوله وقال علقمة عن عبد الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه الخ أي يهتدي إلى التسليم فيصبر ويشكر وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن بن عيينة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن علقمة مثله لكن لم يذكر بن مسعود وكذا أخرجه الفريابي عن الثوري وعبد بن حميد عن عمر بن سعد عن الثوري عن الأعمش والطبري من طريق عن الأعمش نعم أخرجه البرقاني من وجه آخر فقال عن علقمة قال شهدنا عنده يعني عند عبد الله عرض المصاحف فأتى على هذه الآية ومن يؤمن بالله يهد قلبه قال هي المصيبات تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيسلم ويرضى وعند الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال المعنى يهدي قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه قوله وقال مجاهد التغابن غبن أهل الجنة أهل النار كذا لأبي ذر عن الحموي وحده وقد وصله الفريابي وعبد بن حميد من طريق مجاهد وغبن بفتح المعجمة والموحدة وللطبري من طريق شعبة عن قتادة يوم التغابن يوم غبن أهل الجنة أهل النار أي لكون أهل الجنة بايعوا على الإسلام بالجنة فربحوا وأهل النار امتنعوا من الإسلام فخسروا فشبهوا بالمتبايعين يغبن أحدهما الآخر في بيعه ويؤيد ذلك ما سيأتي في الرقاق من طريق الأعرج عن أبي هريرة رفعه لا يدخل أحد الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل أحد النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة

قوله سورة الطلاق كذا لهم وسقط لأبي ذر قوله وقال مجاهد وبال أمرها جزاء أمرها كذا لهم وسقط لأبي ذر أيضا وصله عبد بن حميد أيضا من طريقه قوله إن ارتبتم أن لم تعلموا أتحيض أم لا تحيض فاللائي قعدن عن المحيض واللائي لم يحضن بعد فعدتهن ثلاثة أشهر كذا لأبي ذر عن الحموي وحده عقب قول مجاهد في التغابن وقد وصله الفريابي بلفظه من طريق مجاهد ولابن المنذر من طريق أخرى عن مجاهد التي كبرت والتي لم تبلغ

[ 4625 ] قوله أنه طلق امرأته في رواية الكشميهني أنه طلق امرأة له وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى

قوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا كذا للجميع وأولات الأحمال وأحدها ذات حمل

قوله وأولات وأحدها ذات حمل هو قول أبي عبيدة

[ 4626 ] قوله جاء رجل إلى بن عباس لم أقف على اسمه قوله آخر الأجلين أي يتربصن أربعة أشهر وعشرا ولو وضعت قبل ذلك فإن مضت ولم تضع تتربص إلى أن تضع وقد قال بقول بن عباس هذا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ونقل عن سحنون أيضا ووقع عند الإسماعيلي قيل لابن عباس في امرأة وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين ليلة أيصلح أن تتزوج قال لا إلى آخر الأجلين قال أبو سلمة فقلت قال الله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن قال إنما ذاك في الطلاق وهذا السياق أوضح لمقصود الترجمة لكن البخاري على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى وقد أخرج الطبري وابن أبي حاتم بطرق متعددة إلى أبي بن كعب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن المطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها زوجها قال هي للمطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها وهذا المرفوع وأن كان لا يخلو شيء من أسانيده عن مقال لكن كثرة طرقه تشعر بان له أصلا وبعضه قصة سبيعة المذكورة قوله قال أبو هريرة أنا مع بن أخي يعني أبا سلمة أي وافقه فيما قال قوله فأرسل كريبا هذا السياق ظاهره أن أبا سلمة تلقى ذلك عن كريب عن أم سلمة وهو المحفوظ وذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود ذكره في الأطراف في ترجمة أبي سلمة عن عائشة قال الحميدي وفيه نظر لأن الذي عندنا من البخاري فأرسل بن عباس غلامه كريبا فسألها لم يذكر لها اسما كذا قال والذي وقع لنا ووقفت عليه من جميع الروايات في البخاري في هذا الموضع فأرسل بن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة وكذا عند الإسماعيلي من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير وقد ساقه مسلم من وجه آخر فأخرجه من طريق سليمان بن يسار أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن عباس اجتمعا عند أبي هريرة وهما يذكران المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليالي فقال بن عباس عدتها آخر الأجلين فقال أبو سلمة قد حلت فجعلا يتنازعان فقال أبو هريرة أنا مع بن أخي فبثوا كريبا مولى بن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك فهذه القصة معروفة لأم سلمة قوله فقالت قتل زوج سبيعة كذا هنا وفي غير هذه الرواية أنه مات وهو المشهور واستغنت أم سلمة بسياق قصة سبيعة عن الجواب بلا أو نعم لكنه اقتضى تصويب قول أبي سلمة وسيأتي الكلام على شرح قصة سبيعة في كتاب العدد إن شاء الله تعالى قوله وقال سليمان بن حرب وأبو النعمان وهو محمد بن الفضل المعروف بعارم كلاهما من شيوخ البخاري لكن ذكره الحميدي وغيره في التعليق وأغفله المزي في الأطراف مع ثبوته هنا في جميع النسخ وقد وصله الطبراني في المعجم الكبير عن علي بن عبد العزيز عن أبي النعمان بلفظه ووصله البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان عن سليمان بن حرب قوله عن محمد هو بن سيرين قوله كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى وكان أصحابه يعظمونه تقدم في تفسير البقرة من طريق عبد الله بن عون عن بن سيرين بلفظ جلست إلى مجلس من الأنصار فيه عظم من الأنصار قوله فذكروا له فذكر آخر الأجلين أي ذكروا له الحامل تضع بعد وفاة زوجها قوله فحدثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد الله بن عتبة أي بن مسعود وساق الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن زيد بهذا الإسناد قصة سبيعة بتمامها وكذا صنع أبو نعيم قوله فضمز بضاد معجمة وميم ثقيلة وزاي قال بن التين كذا في أكثر النسخ ومعناه أشار إليه أن اسكت ضمز الرجل إذا عض على شفتيه ونقل عن أبي عبد الملك أنها بالراء المهملة أي انقبض وقال عياض وقع عند الكشميهني كذلك وعند غيره من شيوخ أبي ذر وكذا عند القابسي بنون بدل الزاي وليس له معنى معروف في كلام العرب قال ورواية الكشميهني أصوب يقال ضمرني أسكتني وبقية الكلام يدل عليه قال وفي رواية بن السكن فغمض لي أي أشار بتغميض عينيه أن أسكت قلت الذي يفهم من سياق الكلام أنه أنكر عليه مقالته من غير أن يواجهه بذلك بدليل قوله ففطنت له وقوله فاستحيا فلعلها فغمز بغين معجمة بدل الضاد أو فغمص بصاد مهملة في آخره أي عابه ولعل الرواية المنسوبة لابن السكن كذلك قوله إني إذا لجريء في رواية هشام عن بن سيرين عن عبد بن حميد إني لحريص على الكذب قوله أن كذبت على عبد الله بن عتبة وهو في ناحية الكوفة هذا يشعر بأن هذه القصة وقعت له وعبد الله بن عتبة حي قوله فاستحيا أي مما وقع منه قوله لكن عمه يعني عبد الله بن مسعود لم يقل ذاك كذا نقل عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه والمشهور عن بن مسعود أنه كان يقول خلاف ما نقله بن أبي ليلى فلعله كان يقول ذلك ثم رجع أو وهم الناقل عنه قوله فلفيت أبا عطية مالك بن عامر في رواية بن عوف مالك بن عامر أو مالك بن عوف بالشك والمحفوظ مالك بن عامر وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه والقائل هو بن سيرين كأنه استغرب ما نقله بن أبي ليلى عن بن مسعود فاستثبت فيه من غيره ووقع في رواية هشام عن بن سيرين فلم أدر ما قول بن مسعود في ذلك فسكت فلما قمت لقيت أبا عطية قوله فذهب يحدثني حديث سبيعة أي بمثل ما حدث به عبد الله بن عتبة عنها قوله هل سمعت أراد استخراج ما عنده في ذلك عن بن مسعود لما وقع عنده من التوقف فيما أخبره به بن أبي ليلى قوله فقال كنا عند عبد الله بن مسعود فقال أتجعلون عليها في رواية أبي نعيم من طريق الحارث بن عمير عن أيوب فقال أبو عطية ذكر ذلك عند بن مسعود فقال أرأيتم لو مضت أربعة أشهر وعشر ولم تضع حملها كانت قد حلت قالوا لا قال فتجملون عليها التغليظ الحديث قوله ولا تجعلون عليها الرخصة في رواية الحارث بن عمير ولا تجعلون لها وهي أوجه وتحمل الأولى على المشاكلة أي من الأخذ بما دلت عليه آية سورة الطلاق قوله لنزلت هو تأكيد لقسم محذوف ووقع في رواية الحارث بن عمير بيانه ولفظه فوالله لقد نزلت قوله سوررة النساء القصري بعد الطولى أي سورة الطلاق بعد سورة البقرة والمراد بعض كل فمن البقرة قوله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ومن الطلاق قوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومراد بن مسعود إن كان هناك نسخ فالمتأخر هو الناسخ وإلا فالتحقيق أن لا نسخ هناك بل عموم آية البقرة مخصوص بآية الطلاق وقد أخرج أبو داود وابن أبي حاتم من طريق مسروق قال بلغ بن مسعود أن عليا يقول تعتد آخر الأجلين فقال من شاء لأعنته أن التي في النساء القصري أنزلت بعد سورة البقرة ثم قرأ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وعرف بهذا مراده بسورة النساء القصري وفيه جواز وصف السورة بذلك وحكى بن التين عن الداودي قال لا أرى قوله القصري محفوظا ولا يقال في سور القرآن قصرى ولا صغرى انتهى وهو رد للأخبار الثابته بلا مستند والقصر والطول أمر نسبي وقد تقدم في صفة الصلاة قول زيد بن ثابت طولى الطوليين وأنه أراد بذلك سورة الأعراف

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله سورة التحريم بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر ولغيره التحريم ولم يذكروا البسملة قوله باب يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية سقط باب لغير أبي ذر وساقوا الآية إلى رحيم

[ 4627 ] قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله عن بن حكيم هو يعلى بن حكيم ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي بأن أحمد الجرجاني يحيى عن بن حكيم لم يسمه عن سعيد بن جبير وذكر أبو على الجياني أنه وقع في رواية أبي على بن السكن مسمى فقال فيه عن يحيى عن يعلى بن حكيم قال ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي هشام عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير قال الجياني وهو خطأ فاحش قلت سقط عليه لفظه عن بين يحيى وابن حكيم قال ورواية بن السكن رافعة للنزاع قلت وسماه يحيى بن أبي كثير في رواية معاوية بن سلام عنه كما سيأتي في كتاب الطلاق قوله عن سعيد بن جبير زاد في رواية معاوية المذكورة أنه أخبره أنه سمع بن عباس قوله في الحرام يكفر أي إذا قال لامرأته أنت على حرام لا تطلق وعليه كفارة يمين وفي رواية معاوية المذكورة إذا حرم امرأته ليس بشيء وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الطلاق وقوله في هذه الطريق يكفر ضبط بكسر الفاء أي يكفر من وقع ذلك منه ووقع في رواية بن السكن وحده يمين تكفر وهو بفتح الفاء وهذا أوضح في المراد والغرض من حديث بن عباس قوله فيه لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فإن فيه إشارة إلى سبب نزول أول هذه السورة وإلى قوله فيها قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وقد وقع في بعض حديث بن عباس عن عمر في القصة الآتية في الباب الذي يليه فعاتبه الله في ذلك وجعل له كفارة اليمين واختلف في المراد بتحريمه ففي حديث عائشة ثاني حديثي الباب أن ذلك بسبب شربه صلى الله عليه وسلم العسل عند زينب بنت جحش فإن في آخره ولن أعود له وقد حلفت وسيأتي شرح حديث عائشة مستوفى في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى ووقع عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى مسروق قال حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة لا يقرب أمته وقال هي على حرام فنزلت الكفارة ليمينه وأمر أن لا يحرم ما أحل الله ووقعت هذه القصة مدرجة عند بن إسحاق في حديث بن عباس عن عمر الآتي في الباب الذي يليه كما سأبينه وأخرج الضياء في المختارة من مسند الهيثم بن كليب ثم من طريق جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة لا تخبري أحدا أن أم إبراهيم على حرام قال فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فأنزل الله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وأخرج الطبراني في عشرة النساء وابن مردويه من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك فذكر نحوه وللطبراني من طريق الضحاك عن بن عباس قال دخلت حفصة بيتها فوجدته يطأ مارية فعاتبته فذكر نحوه وهذه طرق يقوي بعضها بعضا فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا وقد روى النسائي من طريق حماد عن ثابت عن أنس هذه القصة مختصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فانزل الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية

قوله باب تبتغي مرضاة أزواجك قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم كذا لهم بإسقاط بعض الآية الأولى وحذف بقية الثانية وكملها أبو ذر

[ 4629 ] قوله عن يحيى هو بن سعيد الأنصاري والإسناد كله مدنيون قوله مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب فذكر الحديث بطوله في قصة اللتين تظاهرتا وقد ذكره في النكاح مختصرا من هذا الوجه ومطولا من وجه آخر وتقدم طرف منه في كتاب العلم وفي هذه الطريق هنا من الزيادة مراجعة امرأة عمر له ودخوله على حفصة بسبب ذلك بطوله ودخول عمر على أم سلمة وذكر في آخر الأخرى قصة اعتزاله صلى الله عليه وسلم نساءه وفي آخره حديث عائشة في التخيير وسيأتي الكلام على ذلك كله مستوفى في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى وقوله في هذه الطريق ثم قال عمر رضي الله عنه والله أن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمر حتى أنزل الله فيهن ما أنزل قرأت بخط أبي على الصدفي في هامش نسخته قيل لا بد من اللام للتأكيد وقوله في هذه الطريق لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرفع حب على أنه بدل من فاعل أعجب ويجوز النصب على أنه مفعول من أجله أي من أجل حبه لها وقوله فيه قرظا مصبورا أي مجموعا مثل الصبرة وعند الإسماعيلي مصبوبا بموحدتين

قوله باب وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا إلى الخبير كذا لأبي ذر وساق غيره الآية قوله فيه عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثها المذكور قبل بباب قوله

[ 4630 ] حدثنا على هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة ويحيى هو بن سعيد الأنصاري وذكر طرفا من الحديث الذي في الباب قبله



قوله باب إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما صغوت وأصغيت ملت لتصغى لتميل سقط هذا لأبي ذر وهو قول أبي عبيدة قال في قوله ولنصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة لتميل من صغوت إليه ملت إليه وأصغوت إليه مثله وقال في قوله فقد صغت قلوبكما أي عدلت ومالت قوله وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير عون كذا لهم واقتصر أبو ذر من سياق الآية على قوله ظهير عون هو تفسير الفراء قوله تظاهرون تعاونون كذا لهم وفي بعض النسخ تظاهرا تعاونا وهو تفسير الفراء أيضا قال في قوله تعالى وان تظاهرا عليه تعاونا عليه قوله وقال مجاهد قوا أنفسكم أوصوا أهليكم بتقوى الله وأدبوهم وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ أوصوا أهليكم بتقوى الله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مروهم بطاعة الله وانهوهم عن معصيته وعند سعيد بن منصور عن الحسن نحوه وروى الحاكم من طريق ربعي بن حراش عن على في قوله قوا أنفسكم وأهليكم نارا قال علموا أهليكم خيرا ورواته ثقات تنبيه وقع في جميع النسخ التي وقفت عليها أوصوا بفتح الألف وسكون الواو بعدها صاد مهملة من الايصاء وسقطت هذه اللفظة للنسفي وذكرها بن التين بلفظ قوا أهليكم أوقفوا أهليكم ونسب عياض هذه الرواية هكذا للقابسي وابن السكن قال وعند الأصيلي أوصوا أنفسكم وأهليكم انتهى قال بن التين قال القابسي صوابه أرفقوا قال ونحو ذلك ذكر النحاس ولا أعرف للألف من أو ولا للفاء من قوله فقوا وجها قال بن التين ولعل المعنى أوقفوا بتقديم القاف على الفاء أي أوقفوهم عن المعصية قال لكن الصواب على هذا حذف الألف لأنه ثلاثي من وقف قال ويحتمل أن يكون أوقفوا يعني بفتح الفاء وضم القاف لا تعصوا فيعصوا مثل لا تزن فيزن أهلك وتكون أو على هذا للتخيير والمعنى إما أن تأمروا أهليكم بالتقوى أو فاتقوا أنتم فيتقوا هم تبعا لكم انتهى وكل هذه التكلفات نشأت عن تحريف الكلمة وإنما هي أوصوا بالصاد والله المستعان ثم ذكر المصنف في الباب أيضا طرفا من حديث بن عباس عن عمر أيضا في قصة المتظاهرتين وسيأتي شرحه

قوله باب عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن الآية ذكر فيه طرفا من حديث أنس عن عمر في موافقاته واقتصر منه على قصة الغيرة وقد تقدم بهذا الإسناد في أوائل الصلاة تاما وذكرنا كل موافقة منها في بابها وسيأتي ما يتعلق بالغيرة في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى

قوله سورة تبارك الذي بيده الملك سقطت البسملة للجميع قوله التفاوت الاختلاف والتفاوت والتفوت واحد هو قول الفراء قال وهو مثل تعهدته وتعاهدته وأخرج سعيد بن منصور من طريق إبراهيم عن علقمة أنه كان يقرأ من تفوت وقال الفراء هي قراءة بن مسعود وأصحابه والتفاوت الاختلاف يقول هل ترى في خلق الرحمن من اختلاف وقال بن التين قيل متفاوت فليس متباينا وتفوت فات بعضه بعضا قوله تميز تقطع هو قول الفراء قال في قوله تكاد تميز من الغيظ أي تقطع عليهم غيظا قوله مناكبها جوانبها قال أبو عبيدة في قوله تعالى فأمشوا في مناكبها أي جوانبها وكذا قال الفراء قوله تدعون وتدعون واحد مثل تذكرون وتذكرون هو قول الفراء قال في قوله الذي كنتم به تدعون يريد تدعون بالتخفيف وهو مثل تذكرون وتذكرون قال والمعنى واحد وأشار إلى أنه لم يقرأ بالتخفيف وقال أبو عبيدة في قوله الذي كنتم به تدعون أي تدعون به وتكذبون قوله يقال غورا غائرا يقال لا تناله الدلاء كل شيء غرت فيه فهي مغارة ماء غور وبئر غور ومياه غور بمنزلة الزور وهؤلاء زور وهؤلاء ضيف ومعناه أضياف وزوار لأنها مصدر مثل قوم عدل وقوم رضا ومقنع ثبت هذا عند النسفي هنا وكذا رأيته في المستخرج لأبي نعيم ووقع أكثره للباقين في كتاب الأدب وهو كلام الفراء من قوله ماء غور إلى ومقنع لكن قال بدل بئر غور ماء غور وزاد ولا يجمعون غور ولا يثنونه والباقي سواء وأما أول الكلام فهو من وأخرج الفاكهي عن بن أبي عمر عن سفيان عن بن الكلبي قال نزلت هذه الآية قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا في بئر زمزم وبئر ميمون بن الحضرمي وكانت جاهلية قال الفاكهي وكانت آبار مكة تغور سراعا قوله ويقبضن يضربن باجنحتهن كذا لغير أبي ذر هنا ووصله الفريابي وقد تقدم في بدء الخلق قوله وقال مجاهد صافات بسط أجنحتهن سقط هذا لأبي ذر هنا ووصله الفريابي وقد تقدم في بدء الخلق أيضا قوله ونفور الكفور وصله عبد بن حميد والطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله بل لجوا في عتو ونفور قال كفور وذكر عياض أنه وقع عند الأصيلي ونفور تفور كقدر أي بفتح المثناة تفسير قوله سمعوا لها شهيقا وهي تفور قال وهي أوجه من الأول وقال في موضع آخر هذا أولى وما عداه تصحيف فإن تفسير نفور بالنون بكفور بعيد قلت استبعده من جهة أنه معنى فلا يفسر بالذات لكن لا مانع من ذلك على إرادة المعنى وحاصله أن الذي يلج في عتوه ونفوره هو الكفور

بسم الله الرحمن الرحيم وقال قتادة حرد جد في أنفسهم وقال بن عباس يتخافتون ينتجون السرار والكلام الخفي وقال بن عباس إنا لضالون أصللنا مكان جنتنا وقال غيره كالصريم كالصبح انصرم من الليل والليل انصرم من النهار وهو أيضا كل رملة انصرمت من معظم الرمل والصريم أيضا المصروم مثل قتيل ومقتول قوله سورة ن والقلم بسم الله الرحمن الرحيم سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر والمشهور في ن أن حكمها حكم أوائل السور في الحروف المتقطعة وبه جزم الفراء وقيل بل المراد بها الحوت وجاء ذلك في حديث بن عباس أخرجه الطبراني مرفوعا قال أول ما خلق الله القلم والحوت قال أكتب قال ما أكتب قال كل شيء كائن إلى يوم القيامة ثم قرأ ن والقلم فالنون الحوت والقلم القلم قوله وقال قتادة حرد جد في أنفسهم هو بكسر الجيم وتشديد الدال الاجتهاد والمبالغة في الأمر قال بن التين وضبط في بعض الأصول بفتح الجيم قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كانت الجنة لشيخ وكان يمسك قوته سنة ويتصدق بالفضل وكان بنوه ينهونه عن الصدقة فلما مات أبوهم غدوا عليها فقال لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين يقول على جد من أمرهم قال معمر وقال الحسن على فاقة وأخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عكرمة قال هم ناس من الحبشة كانت لأبيهم جنة فذكر نحوه إلى أن قال وغدوا على حرد قادرين قال أمر مجتمع وقد قيل في حرد إنها اسم الجنة وقيل اسم قريتهم وحكى أبو عبيدة فيه أقوالا أخرى القصد والمنع والغضب والحقد قوله وقال بن عباس يتخافتون ينتجون السرار والكلام الخفي ثبت هذا لأبي ذر وحده هنا وثبت للباقين في كتاب التوحيد قوله وقال بن عباس إنا لضالون أضللنا مكان جنتنا وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس في قوله قالوا إنا لضالون أضللنا مكان جنتنا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أخطأنا الطريق ما هذه جنتنا تنبيه زعم بعض الشراح أن الصواب في هذا أن يقال ضللنا بغير ألف تقول ضللت الشيء إذا جعلته في مكان ثم لم تدر أين هو وأضللت الشيء إذا ضيعته انتهى والذي وقع في الرواية صحيح المعنى عملنا عمل من ضيع ويحتمل أن يكون بضم أول أضللنا قوله وقال غيره كالصريم كالصبح انصرم من الليل والليل انصرم من النهار قال أبو عبيدة فأصبحت كالصريم النهار انصرم من الليل والليل انصرم من النهار وقال الفراء الصريم الليل المسود قوله وهو أيضا كل رملة انصرمت من معظم الرمل هو قول أبي عبيدة أيضا قال وكذلك الرملة تنصرم من معظم الرمل فيقال صريمة وصريمة أمرك قطعة قوله والصريم أيضا المصروم مثل قتيل ومقتول هو محصل ما أخرجه بن المنذر من طريق شيبان عن قتادة في قوله فأصبحت كالصريم كأنها قد صرمت والحاصل أن الصريم مقول بالاشتراك على معان يرجع جميعها إلى انفصال شيء عن شيء ويطلق أيضا على الفعل فيقال صريم بمعنى مصروم تكميل قال عبد الرزاق عن معمر أخبرني تميم بن عبد الرحمن أنه سمع سعيد بن جبير يقول هي يعني الجنة المذكورة أرض باليمن يقال لها صرفان بينهما وبين صنعاء ستة أميال قوله تدهن فيدهنون ترخص فيرخصون كذا للنسفي وحده هنا وسقط للباقين وقد رأيته أيضا في المستخرج لأبي نعيم وهو قول بن عباس أخرجه بن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة ومن طريق عكرمة قال تكفر فيكفرون وقال الفراء المعنى تلين فيلينون وقال أبو عبيدة هو من المداهنة قوله مكظوم وكظيم مغموم كذا لللنسفي وحده هنا وسقط للباقين ورأيته أيضا في مستخرج أبي نعيم وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى وهو مكظوم من الغم مثل كظيم وأخرج بن المنذر من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله مكظوم قال مغموم

قوله باب عتل بعد ذلك زنيم اختلف في الذي نزلت فيه فقيل هو الوليد بن المغيرة وذكره يحيى بن سلام في تفسيره وقيل الأسود بن عبد يغوث ذكره سنيد بن داود في تفسيره وقيل الأخنس بن شريق وذكره السهيلي عن القتيبي وحكى هذين القولين الطبري فقال يقال هو الأخنس وزعم قوم أنه الأسود وليس به وأبعد من قال إنه عبد الرحمن بن الأسود فإنه يصغر عن ذلك وقد أسلم وذكر في الصحابة

[ 4633 ] قوله حدثنا محمود بن غيلان في رواية المستملي محمد وكأنه الذهلي قوله حدثنا عبيد الله بن موسى هو من شيوخ المصنف وربما حدث عنه بواسطة كالذي هنا قوله عن أبي حصين عن مجاهد لإسرائيل فيه طريق أخرى أخرجها الحاكم من طريق عبيد الله بن موسى أيضا والإسماعيلي من طريق وكيع كلاهما عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن بن عباس نحوه وأخرجه الطبري من طريق شريق عن أبي إسحاق بهذا الإسناد وقال الذي يعرف بالشر قوله رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة زاد أبو نعيم في مستخرجه في آخره يعرف بها وفي رواية سعيد بن جبير المذكورة يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها وللطبري من طريق عكرمة عن بن عباس قال نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها وقال أبو عبيدة الزنيم المعلق في القوم ليس منهم قال الشاعر زنيم ليس يعرف من أبوه وقال حسان وأنت زنيم نيط في آل هاشم قال ويقال للتيس زنيم له زنمتان

[ 4634 ] قوله سفيان هو الثوري قوله عن معبد بن خالد هو الجدلي بضم الجيم والمهملة وتخفيف اللام كوفي ثقة ماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في كتاب الزكاة وثالث يأتي في الطب قوله ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف بكسر العين وبفتحها وهو أضعف وفي رواية الإسماعيلي مستضعف وفي حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم الضعفاء المغلوبون وله من حديث سراقة بن مالك الضعفاء المغلوبون ولأحمد من حديث حذيفة الضعيف المستضعف ذو الطمرين لا يؤيد له والمراد بالضعيف من نفسه ضعيفة لتواضعه وضعف حاله في الدنيا والمستضعف المحتقر لخموله في الدنيا قوله عتل بضم المهملة والمثناة بعدها لام ثقيلة قال الفراء الشديد الخصومة وقيل الجافي عن الموعظة وقال أبو عبيدة العتل الفظ الشديد من كل شيء وهو هنا الكافر وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن العتل الفاحش الآثم وقال الخطابي العتل الغليظ العنيف وقال الداودي السمين العظيم العنق والبطن وقال الهروي الجموع المنوع وقيل القصير البطن قلت وجاء فيه حديث عند أحمد من طريق عبد الرحمن بن غنم وهو مختلف في صحته قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العتل الزنيم قال هو الشديد الخلق المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام والشراب الظلوم للناس الرحيب الجوف قوله جواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره معجمة الكثير اللحم المختال في مشيه حكاه الخطابي وقال بن فارس قيل هو الأكول وقيل الفاجر وأخرج هذا الحديث أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري بهذا الإسناد مختصرا لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري قال والجواظ الفظ الغليظ انتهى وتفسير الجواظ لعله من سفيان والجعفري بفتح الجيم والظاء المعجمة بينهما عين مهملة وآخره راء مكسورة ثم تحتانية ثقيلة قيل هو الفظ الغليظ وقيل الذي لا يمرض وقيل الذي يتمدح بما ليس فيه أو عنده وأخرج الحاكم من حديث عبد الله بن عمر أنه تلا قوله تعالى مناع للخير إلى زنيم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر

قوله باب يوم يكشف عن ساق أخرج أبو يعلى بسند فيه ضعف عن أبي موسى مرفوعا في قوله يوم يكشف عن ساق قال عن نور عظيم فيخرون له سجدا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله يوم يكشف عن ساق قال عن شدة أمر وعند الحاكم من طريق عكرمة عن بن عباس قال هو يوم كرب وشدة قال الخطابي فيكون المعنى يكشف عن قدرته التي تنكشف عن الشدة والكرب وذكر غير ذلك من التأويلات كما سيأتي بيانه عند حديث الشفاعة مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى ووقع في هذا الموضع يكشف ربنا عن ساقه وهو من رواية سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم فأخرجها الإسماعيلي كذلك ثم قال في قوله عن ساقه نكرة ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم بلفظ يكشف عن ساق قال الإسماعيلي هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين تعالى الله عن ذلك ليس كمثله شيء

بسم الله الرحمن الرحيم قوله سورة الحاقة بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر والحاقة من أسماء يوم القيامة سميت بذلك لأنها حقت لكل قوم أعمالهم قال قتادة أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه قوله حسوما متتابعة كذا للنسفي وحده هنا هو قول أبي عبيدة وأخرج الطبراني ذلك عن بن مسعود موقوفا بإسناد حسن وصححه الحاكم قوله وقال بن جبير عيشة راضية يريد فيها الرضا وقال أبو عبيدة معناه مرضية قال وهو مثل ليل نائم قوله وقال بن جبير أرجائها ما لم ينشق منها فهم على حافتيه كقولك على أرجاء البئر كذا للنسفي وحده هنا وهو عند أبي نعيم أيضا وتقدم أيضا في بدء الخلق قوله واهية وهيها تشققها كذا للنسفي وحده هنا وهو عند أبي نعيم أيضا وتقدم أيضا في بدء الخلق قوله والقاضية المونه الأولى التي منها لم أحي بعدها كذا لأبي ذر ولغيره ثم أحي بعدها والأول أصح وهو قول الفراء قال في قوله يا ليتها كانت القاضية يقول ليت الموتة الأولى التي متها لم أحي بعدها قوله من أحد عنه حاجزين أحد يكون للجميع والواحد هو قول الفراء قال أبو عبيدة في قوله من أحد عنه حاجزين جمع صفته على صفة الجميع لأن أحدا يقع على الواحد والإثنين والجمع من الذكر والأنثى قوله وقال بن عباس الوتين نياط القلب بكسر النون وتخفيف التحتانية هو حبل الوريد وهذا وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس والفريابي والأشجعي والحاكم كلهم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس وإسناده قوي لأنه من رواية الثوري عن عطاء وسمعه منه قبل الاختلاط وقال أبو عبيدة مثله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال الوتين حبل القلب قوله قال بن عباس طغى كثر وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي طلحة عن بن عباس بهذا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بلغنا أنه طغى فوق كل شيء خمسة عشر ذراعا قوله ويقال بالطاغية بطغيانهم هو قول أبي عبيدة وزاد وكفرهم وأخرج الطبري من طريق مجاهد قال فأهلكوا بالطاغية بالذنوب قوله ويقال طغت على الخزان كما طغى الماء على قوم نوح لم يظهر لي فاعل طغت لأن الآية في حق ثمود وهم قد أهلكوا بالصيحة ولو كانت عادا لكان الفاعل الريح وهي لها الخزان وتقدم في أحاديث الأنبياء أنها عتت على الخزان وأما الصيحة فلا خزان لها فلعله انتقال من عتت إلى طغت وأما قوله لما طغى الماء فروى سعيد بن منصور من طريق السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن بن عباس في قوله لما طغى الماء قال طغى على خزانة فنزل بغير كيل ولا وزن قوله وغسلين ما يسيل من صديد أهل النار كذا ثبت للنسفي وحده عقب قوله القاضية وهو عند أبي نعيم أيضا وهو كلام الفراء قال في قوله ولا طعام إلا من غسلين يقال إنه ما يسيل من صديد أهل النار قوله وقال غيره من غسلين كل شيء غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين فعلين من الغسل مثل الجرح والدبر كذا للنسفي وحده هنا وقد تقدم في بدء الخلق أعجاز نخل أصولها كذا للنسفي وحده هنا وهو عند أبي نعيم أيضا وقد تقدم أيضا في أحاديث الأنبياء قوله باقية بقية كذا للنسفي وحده وعند أبي نعيم أيضا وقد تقدم في أحاديث الأنبياء تنبيه لم يذكر في تفسير الحاقه حديثا مرفوعا ويدخل فيه حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام أخرجه أبو داود وابن أبي حاتم من رواية إبراهيم بن طهمان عن محمد بن المنكدر وإسناده على شرط الصحيح

قوله سورة سأل سائل سقطت البسملة للجميع قوله الفصيلة أصغر آبائه القربى إليه ينتمي هو قول الفراء وقال أبو عبيدة الفصيلة دون القبيلة ثم الفصيلة فخذه التي تؤويه وقال عبد الرزاق عن معمر بلغني أن فصيلته أمه التي أرضعته وأغرب الداودي فحكى أن الفصيلة من أسماء النار قوله للشوي اليدان والرجلان والأطراف وجلدة الرأس يقال لها شواة وما كان غير مقتل فهو شوى هو كلام الفراء بلفظه أيضا وقال أبو عبيدة الشوى واحدتها شواة وهي اليدان والرجلان والرأس من الآدميين قال وسمعت رجلا من أهل المدينة يقول أقشعرت شواتي قلت له ما معناه قال جلدة رأسي والشوى قوائم الفرس يقال عبل الشوى ولا يراد في هذا الرأس لأنهم وصفوا الخيل بأسالة الخدين ورقة الوجه قوله عزين والعزون الحلق والجماعات وأحدها عزة أي بالتخفيف كذا لأبي ذر وسقط لفظ الحلق لغير أبي ذر والصواب إثباته وهو كلام الفراء بلفظه والحلق بفتح الحاء المهملة على المشهور ويجوز كسرها وقال أبو عبيدة عزين جماعة عزة مثل ثبة وثبين وهي جماعات في تفرقة قوله يوفضون الايفاض الإسراع كذا للنسفي هنا وحده وهو كلام الفراء وقد تقدم في الجنائز قوله وقرأ الأعمش وعاصم إلى نصب أي إلى شيء منصوب يستبقون إليه وقراءة زيد بن ثابت إلى نصب وكان النصب الآلهة التي كانت تعبد وكل صواب والنصب واحد والنصب مصدر ثبت هذا هنا للنسفي وذكره أبو نعيم أيضا وقد تقدم بعضه في الجنائز وهو قول الفراء بلفظه وزاد في قراءة زيد بن ثابت برفع النون وبعد قوله التي كانت تعبد من الأحجار قال النصب والنصب واحد وهو مصدر والجمع أنصاب انتهى يريد أن الذي بضمتين واحد لا جمع مثل حقب واحد الأحقاب

قوله سورة نوح سقطت البسملة للجميع قوله أطوارا طورا كذا وطورا كذا تقدم في بدء الخلق وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وقد خلقكم أطوارا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم خلفا آخر قوله يقال عدا طوره أي قدره تقدم في بدء الخلق أيضا قوله والكبار أشد من الكبار وكذلك جمال وجميل لأنها أشد مبالغة وكذلك كبار الكبير وكبار أيضا بالتخفيف قال أبو عبيدة في قوله ومكروا مكرا كبارا قال مجازها كبير والعرب تحول لفظه كبير إلى فعال مخففة ثم يثقلون ليكون أشد مبالغة فالكبار أشد من الكبار وكذا يقال للرجل الجميل لأنه أشد مبالغة قوله والعرب تقول رجل حسان وجمال وحسان مخفف وجمال مخفف قال الفراء في قوله ومكروا مكرا كبارا الكبار الكبير وكبار أيضا بالتخفيف والعرب تقول عجب وعجاب ورجل حسان وجمال بالتثقيل وحسان وجمال بالتخفيف في كثير من أشباهه قوله ديارا من دور ولكنه فيعال من الدوران أي أصله ديورا فأدغم ولو كان أصله فعالا لكن دوارا وهذا كلام الفراء بلفظه وقال غيره أصل ديار دوار والواو إذا وقعت بعد تحتانية ساكنة بعدها فتحة قلبت ياء مثل أيام وقيام قوله كما قرأ عمر الحي القيام وهي من قمت هو من كلام الفراء أيضا وقد أخرج أبو عبيدة في فضائل القرآن من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر أنه صلى العشاء الآخرة فاستفتح آل عمران فقرأ الله لا إله إلا هو الحي القيام وأخرج بن أبي داود في المصاحف من طرق عن عمر أنه قرأها كذلك وأخرجها عن بن مسعود أيضا قوله وقال غيره ديارا أحدا هو قول أبي عبيدة وزاد يقولون ليس بها ديار ولا عريب تنبيه لم يتقدم ذكر من يعطف عليه قوله وقال غيره فيحتمل أن يكون كان في الأصل منسوبا لقائل فحذف اختصارا من بعض النقلة وقد عرفت أنه الفراء قوله تبارا هلاكا هو قول أبي عبيدة أيضا قوله وقال بن عباس مدرارا يتبع بعضه بعضا وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس به قوله وقارا عظمة وصله سعيد بن منصور وابن أبي حاتم من طريق مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله مالكم لا ترجون لله وقارا قال ما تعرفون لله حق عظمته

قوله باب ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر

[ 4636 ] قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله عن بن جريج وقال عطاء كذا فيه وهو معطوف على كلام محذوف وقد بينه الفاكهي من وجه آخر عن بن جريج قال في قوله تعالى وداولا سواعا الآية قال أوثان كان قوم نوح يعبدونهم وقال عطاء كان بن عباس الخ قوله عن بن عباس قيل هذا منقطع لأن عطاء المذكور هو الخرساني ولم يلق بن عباس فقد أخرج عبد الرزاق هذا الحديث في تفسيره عن بن جريج فقال أخبرني عطاء الخراساني عن بن عباس وقال أبو مسعود ثبت هذا الحديث في تفسير بن جريج عن عطاء الخراساني عن بن عباس وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني وإنما أخذه من ابنه عثمان بن عطاء فنظر فيه وذكر صالح بن أحمد بن حنبل في العلل عن علي بن المديني قال سألت يحيى القطان عن حديث بن جريج عن عطاء الخراساني فقال ضعيف فقلت أنه يقول أخبرنا قال لا شيء إنما هو كتاب رفعه إليه انتهى وكان بن جريج يستجيز إطلاق أخبرنا في المناولة والمكاتبة وقال الإسماعيلي أخبرت عن علي بن المديني أنه ذكر عن تفسير بن جريج كلاما معناه أنه كان يقول عن عطاء الخراساني عن بن عباس فطال على الوارق أن يكتب الخراساني في كل حديث فتركه فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح انتهى وأشار بهذا إلى القصة التي ذكرها صالح بن أحمد عن علي بن المديني ونبه عليها أبو على الجياني في تقييد المهمل قال بن المديني سمعت هشام بن يوسف يقول قال لي بن جريج سألت عطاء عن التفسير من البقرة وآل عمران ثم قال اعفني من هذا قال قال هشام فكان بعد إذا قال قال عطاء عن بن عباس قال عطاء الخراساني قال هشام فكتبنا ثم للمنا يعني كتبنا الخراساني قال بن المديني وإنما بينت هذا لأن محمد بن ثور كان يجعلها يعني في روايته عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس فيظن أنه عطاء بن أبي رباح وقد أخرج الفاكهي الحديث المذكور من طريق محمد بن ثور عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس ولم يقل الخراساني وأخرجه عبد الرزاق كما تقدم فقال الخراساني وهذا مما استعظم على البخاري أن يخفى عليه لكن الذي قوي عندي أن هذا الحديث بخصوصه عند بن جريج عن عطاء الخراساني وعن عطاء بن أبي رباح جميعا ولا يلزم من امتناع عطاء بن أبي رباح من التحديث بالتفسير أن لا يحدث بهذا الحديث في باب آخر من الأبواب أو في المذاكرة وإلا فكيف يخفى على البخاري ذلك مع تشدده في شرط الاتصال واعتماده غالبا في العلل على علي بن المديني شيخه وهو الذي نبه على هذه القصة ومما يؤيد ذلك أنه لم يكثر من تخريج هذه النسخة وإنما ذكر بهذا الإسناد موضعين هذا وآخر في النكاح ولو كان خفي عليه لاستكثر من إخراجها لأن ظاهرها أنها على شرطه قوله صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد في رواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كانت آلهة تعبدها قوم نوح ثم عبدتها العرب بعد وقال أبو عبيدة وزعموا أنهم كانوا مجوسا وأنها غرقت في الطوفان فلما نضب الماء عنها أخرجها إبليس فبثها في الأرض انتهى وقوله كانوا مجوسا غلط فإن المجوسية كلمة حدثت بعد ذلك بدهر طويل وأن كان الفرس يدعون خلاف ذلك وذكر السهيلي في التعريف أن يغوث هو بن شيث بن آدم فيما قيل وكذلك سواع وما بعده وكانوا يتبركون بدعائهم فلما مات منهم أحد مثلوا صورته وتمسحوا بها إلى زمن مهلائيل فعبدوها بتدريج الشيطان لهم ثم صارت سنة في العرب في الجاهلية ولا أدري من أين سرت لهم تلك الأسماء من قبل الهند فقد قيل أنهم كانوا المبدأ في عبادة الأصنام بعد نوح أم الشيطان ألهم العرب ذلك انتهى وما ذكره مما نقله تلقاه من تفسير بقي بن مخلد

فإنه ذكر فيه نحو ذلك على ما نبه عليه بن عسكر في ذيله وفيه أن تلك الأسماء وقعت إلى الهند فسموا بها أصنامهم ثم أدخلها إلى أرض العرب عمرو بن لحي وعن عروة بن الزبير أنهم كانوا أولاد آدم لصلبه وكان ودا أكبرهم وأبرهم به وهكذا أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق محمد بن كعب القرظي قال كان لآدم خمس بنين فسماهم قال وكانوا عبادا فمات رجل منهم فحزنوا عليه فجاء الشيطان فصوره لهم ثم قال للآخر إلى آخر القصة وفيها فعبدوها حتى بعث الله نوحا ومن طريق أخرى أن الذي صوره لهم رجل من ولد قابيل بن آدم وقد أخرج الفاكهي من طريق بن الكلبي قال كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن فأتاه فقال أجب أبا ثمامة وادخل بلا ملامة ثم ائت سيف جدة تجد بها أصناما معدة ثم أوردها تهامة ولا تهب ثم أدع العرب إلى عبادتها تجب قال فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا وهي الأصنام التي عبدت على عهد نوح وإدريس ثم أن الطوفان طرحها هناك نسفي عليها الرمل فاستشارها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب وعمرو بن ربيعة هو عمرو بن لحي كما تقدم قوله أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل قال بن إسحاق وكان لكلب بن وبرة بن قضاعة قلت وبرة هو بن تغلب بن عمران بن الحاف بن قضاعة ودومة بضم الدال والجندل بفتح الجيم وسكون النون مدينة من الشام مما يلي العراق وود بفتح الواو وقرأها نافع وحده بضمها وأما سواع فكانت لهذبل زاد أبو عبيدة بن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا بقرب مكة وقال بن إسحاق كان سواع بمكان لهم يقال له رهاط بضم الراء وتخفيف الهاء من أرض الحجاز من جهة الساحل قوله وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف في مرسل قتادة فكانت لبني غطيف بن مراد وهو غطيف بن عبد الله بن ناجية بن مراد وروى الفاكهي من طريق بن إسحاق قال كانت أنعم من طيء وجرش بن مذحج اتخذوا يغوث لجرش قوله بالجرف في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بفتح الحاء وسكون الواو وله عن الكشميهني الجرف بضم الجيم والراء وكذا في مرسل قتادة وللنسفي بالجون بجيم ثم واو ثم نون زاد غير أبي ذر عند سبأ قوله وأما يعوق فكانت لهمدان قال أبو عبيدة لهذا الحي من همدان ولمراد بن مذحج وروى الفاكهي من طريق بن إسحاق قال كانت خيوان بطن من همدان اتخذوا يعوق بأرضهم

قوله وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع في مرسل قتادة لذي الكلاع من حمير زاد الفاكهي من طريق أبي إسحاق اتخذوه بأرض حمير قوله ونسر أسماء قوم صالحين من قوم نوح كذا لهم وسقط لفظ ونسر لغير أبي ذر وهو أولى وزعم بعض الشراح أن قوله ونسر غلط وكذا قرأت بخط الصدفي في هامش ثم قال هذا الشارح والصواب وهي قلت ووقع في رواية محمد بن ثور بعد قوله وأما نسر فكانت لآل ذي الكلاع قال ويقال هذه أسماء قوم صالحين وهذا أوجه الكلام وصوابه وقال بعض الشراح محصل ما قيل في هذه الأصنام قولان أحدهما أنها كانت في قوم نوح والثاني أنها كانت أسماء رجال صالحين إلى آخر القصة قلت بل مرجع ذلك إلى قول واحد وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام ثم تبعهم من بعدهم على ذلك قوله فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم كذا لهم ولأبي ذر والكشميهني ونسخ العلم أي علم تلك الصور بخصوصها وأخرج الفاكهي من طريق عبيد الله بن عبيد بن عمير قال أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح وكانت الأبناء تبر الآباء فمات رجل منهم فجزع عليه فجعل لا يصبر عنه فاتخذ مثالا على صورته فكلما أشتاق إليه نظره ثم مات ففعل به كما فعل حتى تتابعوا على ذلك فمات الآباء فقال الأبناء ما أتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم فعبدوها وحكى الواقدي قال كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة طائر وهذا شاذ والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها والله أعلم

قوله سورة قل أوحى كذا لهم ويقال لها سورة الجن قوله قال بن عباس لبدا أعوانا هو عند الترمذي في آخر حديث بن عباس المذكور في هذا الباب ووصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس هكذا وقراءة الجمهور بكسر اللام وفتح الباء وهشام وحده بضم اللام وفتح الموحدة فالأولى جمع لبدة بكسر ثم سكون نحو قربة وقرب واللبدة واللبد الشيء الملبد أي المتراكب بعضه على بعض وبه سمي اللبد المعروف والمعنى كادت الجن يكونون عليه جماعات متراكبة مزدحمين عليه كاللبدة وأما التي بضم اللام فهي جمع لبدة بضم ثم سكون مثل غرفة وغرف والمعنى أنهم كانوا جمعا كثيرا كقوله تعالى مالا لبدا أي كثيرا وروى عن أبي عمرو أيضا بضمتين فقيل هي جمع لبود مثل صبر وصبور وهو بناء مبالغة وقرأ بن محيصن بضم ثم سكون فكأنها مخففة من التي قبلها وقرأ الجحدري بضمة ثم فتحة مشددة جمع لا بد كسجد وساجد وهذه القراءات كلها راجعة إلى معنى واحد وهو أن الجن تزاحموا على النبي صلى الله عليه وسلم لما استمعوا القرآن وهو المعتمد وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبدت الأنس والجن وحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله الله تعالى وهو في اللفظ واضح في القراءة المشهورة لكنه في المعنى مخالف قوله بخسا نقصا ثبت هذا للنسفي وحده وتقدم في بدء الخلق

[ 4637 ] قوله عن أبي بشر هو جعفر بن أبي وحشية قوله انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا اختصره البخاري هنا وفي صفة الصلاة وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عن معاذ بن المثنى عن مسدد شيخ البخاري فيه فزاد في أوله ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم انطلق الخ وهكذا أخرجه مسلم عن شيبان في فروخ عن أبي عوانة بالسند الذي أخرجه به البخاري فكأن البخاري حذف هذه اللفظة عمدا لأن بن مسعود أثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجن فكان ذلك مقدما على نفي بن عباس وقد أشار إلى ذلك مسلم فأخرج عقب حديث بن عباس هذا حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني داعي الجن فانطلقت معه فقرأت عليه القرآن ويمكن الجمع بالتعدد كما سيأتي قوله في طائفة من أصحابه تقدم في أوائل المبعث في باب ذكر الجن أن بن إسحاق وابن سعد ذكرا أن ذلك كان في ذي القعدة سنة عشر من المبعث لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رجع منها ويؤيده قوله في هذا الحديث أن الجن رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر والصلاة المفروضة إنما شرعت ليلة الإسراء والإسراء كان على الراجح قبل الهجرة بسنتين أو ثلاث فتكون القصة بعد الإسراء لكنه مشكل من جهة أخرى لأن محصل ما في الصحيح كما تقدم في بدء الخلق وما ذكره بن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة وهنا قال إنه انطلق في طائفة من أصحابه فلعلها كانت وجهة أخرى ويمكن الجمع بأنه لما رجع لاقاه بعض أصحابه في أثناء الطريق فرافقوه قوله عامدين أي قاصدين قوله الى سوق عكاظ بضم المهملة وتخفيف الكاف وآخره ظاء المعجمة بالصرف وعدمه قال اللحيائي الصرف لأهل الحجاز وعدمه لغة تميم وهو موسم معروف للعرب بل كان من أعظم مواسمهم وهو نخل في واد بين مكة والطائف وهو إلى الطائف أقرب بينهما عشرة أميال وهو وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء اليمن وقال البكري أول ما أحدثت قبل الفيل بخمس عشرة ولم تزل سوقا إلى سنة تسع وعشرين ومائة فخرج الخوارج الحرورية فنهبوها فتركت إلى الآن وكانوا يقيمون به جميع شوال يتبايعون ويتفاخرون وتنشد الشعراء ما تجدد لهم وقد كثر ذلك في أشعارهم كقول حسان سأنشر إن حييت لكم كلاما ينشر في المجامع من عكاظ وكان المكان الذي يجتمعون به منه يقال له الابتداء وكانت هناك صخور يطوفون حولها ثم يأتون مجنة فيقيمون بها عشرين ليلة من ذي القعدة ثم يأتون ذا المجاز وهو خلف عرفة فيقيمون به إلى وقت الحج وقد تقدم في كتاب الحج شيء من هذا وقال بن التين سوق عكاظ من إضافة الشيء إلى نفسه كذا قال وعلى ما تقدم من أن السوق كانت تقام بمكان من عكاظ يقال له الابتداء لا يكون كذلك قوله وقد حيل بكسر الحاء المهملة وسكون التحتانية بعدها لام أي حجز ومنع على البناء للمجهول قوله بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب بضمتين جمع شهاب وظاهر هذا أن الحيلولة وإرسال الشهب وقع في هذا الزمان المقدم ذكره والذي تضافرت به الأخبار أن ذلك وقع لهم من أول البعثة النبوية وهذا مما يؤيد تغاير زمن القصتين وأن مجيء الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بسنتين ولا يعكر على ذلك إلا قوله في هذا الخبر إنهم رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر لأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيء من الصلاة أم لا فيصح على هذا قول من قال إن الفرض أولا كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها والحجة فيه قوله تعالى فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ونحوها من الآيات فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول المبعث وهذا الموضع مما لم ينبه عليه أحد ممن وقفت على كلامهم في شرح هذا الحديث وقد أخرج الترمذي والطبري حديث الباب بسياق سالم من الاشكال الذي ذكرته من طريق أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كانت الجن تصعد إلى السماء الدنيا يستمعون الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها أضعافا فالكلمة تكون حقا وأما ما زادوا فيكون باطلا فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم ولم تكن النجوم يرمي بها قبل ذلك وأخرجه الطبري أيضا وابن مردويه وغيررهما من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير مطولا وأوله كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي الحديث فبينما هم كذلك إذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم فدحرت الشياطين من السماء ورموا بالكواكب فجعل لا يصعد أحد منهم إلا احترق وفزع أهل الأرض لما رأوا من الكواكب ولم تكن قبل ذلك فقالوا هلك أهل السماء وكان أهل الطائف أول من تفطن لذلك فعمدوا إلى أموالهم فسيبوها وإلى عبيدهم فعتقوها فقال لهم رجل ويلكم لا تهلكوا أموالكم فإن معالمكم من الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء فأقلعوا وقال إبليس حدث في الأرض حدث فأتى من كل أرض بتربة فشمها فقال لتربة تهامة ههنا حدث الحدث فصرف إليه نفرا من الجن فهم الذين استمعوا القرآن وعند أبي داود في كتاب المبعث من طريق الشعبي أن الذي قال لأهل الطائف ما قال هو عبد يا ليل بن عمرو وكان قد عمي فقال لهم لا تعجلوا وانظروا فإن كانت النجوم التي يرمي بها هي التي تعرف فهو عند فناء الناس وإن كانت لا تعرف فهو من حدث فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف فلم يلبثوا أن سمعوا بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه الطبري من طريق السدي مطولا وذكر بن إسحاق نحوه مطولا بغير إسناد في مختصر بن هشام زاد في رواية يونس بن بكير فساق سنده بذلك عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدثه عن عبد الله بن عبد الله أنه حدثه أن رجلا من ثقيف يقال له عمرو بن أمية كان من أدهى العرب وكان أول من فزع لما رمى بالنجوم من الناس فذكر نحوه وأخرجه بن سعد من وجه آخر عن يعقوب بن عتبة قال أول العرب فزع من رمى النجوم ثقيف فأتوا عمرو بن أمية وذكر الزبير بن بكار في النسب نحوه بغير سياقه ونسب القول المنسوب لعبد يا ليل لعتبة بن ربيعة فلعلهما تواردا على ذلك فهذه الأخبار تدل على أن القصة وقعت أول البعثة وهو المعتمد وقد استشكل عياض وتبعه القرطبي والنووي وغيرهما من حديث الباب موضعا آخر ولم يتعرضوا لما ذكرته فقال عياض ظاهر الحديث أن الرمي بالشهب لم يكن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لإنكار الشياطين له وطلبهم سببه ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب ومرجوعا إليها في حكمهم حتى قطع سببها بأن حيل بين الشياطين وبين استراق السمع كما قال تعالى في هذه السورة وإنما لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وقوله تعالى أنهم عن السمع لمعزولون وقد جاءت أشعار العرب باستغراب رميها وإنكاره إذ لم يعهدوه قبل المبعث وكان ذلك أحد دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما ذكر في الحديث من إنكار الشياطين قال وقال بعضهم لم تزل الشهب يرمي بها مذ كانت الدنيا واحتجوا بما جاء في أشعار العرب من ذلك قال وهذا مروي عن بن عباس والزهري ورفع فيه بن عباس حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الزهري لمن اعترض عليه بقوله فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا قال غلظ أمرها وشدد انتهى وهذا الحديث الذي أشار إليه أخرجه مسلم من طريق الزهري عن عبيد الله عن بن عباس عن رجال من الأنصار قالوا كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ رمى بنجم فاستنار فقال ما كنتم تقولون لهذا إذا رمى به في الجاهلية الحديث وأخرجه عبد الرزاق عن معمر قال سئل الزهري عن النجوم أكان يرمي بها في الجاهلية قال نعم ولكنه إذ جاء الإسلام غلظ وشدد وهذا جمع حسن ويحتمل أن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم وإذا رمى بها في الجاهلية أي جاهلية المخاطبين ولا يلزم أن يكون ذلك قبل المبعث فإن المخاطب بذلك الأنصار وكانوا قبل اسلامهم في جاهلية فإنهم لم يسلموا إلا بعد المبعث بثلاث عشرة سنة وقال السهيلي لم يزل القذف بالنجوم قديما وهو موجود في أشعار قدماء الجاهلية كأوس بن حجر وبشر بن أبي حازم وغيرهما وقال القرطبي يجمع بأنها لم تكن يرمي بها قبل المبعث رميا يقطع الشياطين عن استراق السمع ولكن كانت ترمي تارة ولا ترمي أخرى وترمى من جانب ولا ترمي من جميع الجوانب ولعل الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى ويقذفون من كل جانب دحورا انتهى ثم وجدت عن وهب بن منبه ما يرفع الإشكال ويجمع بين مختلف الأخبار قال كان إبليس يصعد إلى السماوات كلهن يتقلب فيهن كيف شاء لا يمنع منذ أخرج آدم إلى أن رفع عيسى فحجب حينئذ من أربع سماوات فلما بعث نبينا حجب من الثلاث فصار يسترق السمع هو وجنوده ويقذفون بالكواكب ويؤيده ما روى الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد فلما بعث محمد حرست حرسا شديدا ورجمت الشياطين فأنكروا ذلك ومن طريق السدي قال إن السماء لم تكن تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين ظاهر وكانت الشياطين قد اتخذت مقاعد يسمعون فيها ما يحدث فلما بعث محمد رجموا وقال الزين بن المنير ظاهر الخبر أن الشهب لم تكن يرمى بها وليس كذلك لما دل عليه حديث مسلم وأما قوله تعالى فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا فمعناه أن الشهب كانت ترمي فتصيب تارة ولا تصيب أخرى وبعد البعثة أصابتهم إصابة مستمرة فوصفوها لذلك بالرصد لأن الذي يرصد الشيء لا يخطئه فيكون المنجدد دوام الإصابة لا أصلها وأما قول السهيلي لولا أن الشهاب قد يخطىء الشيطان لم يتعرض له مرة أخرى فجوابه أنه يجوز أن يقع التعرض مع تحقق الإصابة لرجاء اختطاف الكلمة وإلقائها قبل إصابة الشهاب ثم لا يبالي المختطف بالإصابة لما طبع عليه من الشر كما تقدم وأخرج العقيلي وابن منده وغيرهما وذكره أبو عمر بغير سند من طريق لهب بفتحتين ويقال بالتصغير بن مالك الليثي قال ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم لكهانة فقلت نحن أول من عرف حراسة السماء ورجم الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم وذلك أنا اجتمعنا عند كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتان وستة وثمانون سنة فقلنا يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التي يرمي بها فإنا فزعنا منها وخفنا سوء عاقبتها الحديث وفيه فانقض نجم عظيم من السماء فصرخ الكاهن رافعا صوته أصابه أصابه خامره عذابه أحرقه شهابه الأبيات وفي الخبر أنه قال أيضا قد منع السمع عتاة الجان بثاقب يتلف ذي سلطان من أجل مبعوث عظيم الشأن وفيه أنه قال أرى لقومي ما أرى لنفسي أن يتبعوا خير نبي الإنس الحديث بطوله قال أبو عمر سنده ضعيف جدا ولولا فيه حكم لما ذكرته لكونه علما من أعلام النبوة والأصول فإن قيل إذا كان الرمي بها غلظ وشدد بسبب نزول الوحي فهلا انقطع بانقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نشاهدها الآن يرمي بها فالجواب يؤخذ من حديث الزهري المتقدم ففيه عند مسلم قالوا كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها لا ترمي لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا إذا قضى أمرا أخبر أهل السماوات بعضهم بعضا حتى يبلغ الخبر السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون به إلى أوليائهم فيؤخذ من ذلك أن سبب التغليظ والحفظ لم ينقطع لما يتجدد من الحوادث التي تلقى بأمره إلى الملائكة فإن الشياطين مع شدة التغليظ عليهم في ذلك بعد المبعث لم ينقطع طمعهم في استراق السمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بما بعده وقد قال عمر لغيلان بن سلمة لما طلق نساءه إني أحسب أن الشياطين فيما تسترق السمع سمعت بانك ستموت فألقت إليك ذلك الحديث أخرجه عبد الرزاق وغيره فهذا ظاهر في أن استراقهم السمع استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يقصدون استماع الشيء مما يحدث فلا يصلون إلى ذلك إلا إن اختطف أحدهم بخفة حركته خطفة فيتبعه الشهاب فإن أصابه قبل أن يلقيها لأصحابه فأتت وإلا سمعوها وتداولوها وهذا يرد على قول السهيلي المقدم ذكره قوله قال ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث الذي قال لهم ذلك هو إبليس كما تقدم في رواية أبي إسحاق المتقدمة قريبا قوله فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها أي سيروا فيها كلها ومنه قوله تعالى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وفي رواية نافع بن جبير عن بن عباس عند أحمد فشكوا ذلك إلى إبليس فبث جنوده فإذا هم بالنبي صلى الله عليه وسلم يصلي برحبة في نخلة قوله فانطلق الذين توجهوا قبل كان هؤلاء المذكورون من الجن على دين اليهود ولهذا قالوا انزل من بعد موسى وأخرج بن مردويه من طريق عمر بن قيس عن سعيد بن جبير عن بن عباس أنهم كانوا تسعة ومن طريق النضر بن عربي عن عكرمة عن بن عباس كانوا سبعة من أهل نصيبين وعند بن أبي حاتم من طريق مجاهد نحوه لكن قال كانوا أربعة من نصيبين وثلاثة من حران وهم حسا ونسا وشاصر وماضر والأدوس ووردان والأحقب ونقل السهيلي في التعريف أن بن دريد ذكر منهم خمسة شاصر وماضر ومنشى وناشي والأحقب قال وذكر يحيى بن سلام وغيره قصة عمرو بن جابر وقصة سرق وقصة زوبعة قال فإن كانوا سبعة فالأحقب لقب أحدهم لا اسمه واستدرك عليه بن عسكر ما تقدم عن مجاهد قال فإذا ضم إليهم عمرو وزوبعة وسرق وكان الأحقب لقبا كانوا تسعة قلت هو مطابق لرواية عمر بن قيس المذكورة وقد روى بن مردويه أيضا من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس كانوا أثنى عشر ألفا من جزيرة الموصل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود انظرني حتى آتيك وخط عليه خطا الحديث والجمع بين الروايتين تعدد القصة فإن الذين جاءوا أولا كان سبب مجيئهم ما ذكر في الحديث من إرسال الشهب وسبب مجيء الذين في قصة بن مسعود أنهم جاءوا لقصد الإسلام وسماع القرآن والسؤال عن أحكام الدين وقد بينت ذلك في أوائل المبعث في الكلام على حديث أبي هريرة وهو من أقوى الأدلة على تعدد القصة فإن أبا هريرة إنما أسلم بعد الهجرة والقصة الأولى كانت عقب المبعث ولعل من ذكر في القصص المفرقة كانوا ممن وفد بعد لأنه ليس في كل قصة منها إلا أنه كان ممن وفد وقد ثبت تعدد وفودهم وتقدم في بدء الخلق كثير مما يتعلق بأحكام الجن والله المستعان قوله نحو تهامة بكسر المثناة اسم لكل مكان غير عال من بلاد الحجاز سميت بذلك لشدة حرها اشتقاقا من التهم بفتحتين وهو شدة الحر وسكون الريح وقيل من تهم الشيء إذا تغير قيل لها ذلك لتغير هوائها قال البكري حدها من جهة الشرق ذات عرق ومن قبل الحجاز السرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية من عمل الفرع بينها وبين المدينة اثنان وسبعون ميلا قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي إسحاق فانطلقوا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وهو عامد كذا هنا وتقدم في صفة الصلاة بلفظ عامدين ونصب على الحال من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه أو ذكر بلفظ الجمع تعظيما له وهو أظهر لمناسبة الرواية التي هنا قوله بنخلة بفتح النون وسكون المعجمة موضع بين مكة والطائف قال البكري على ليلة من مكة وهي التي ينسب إليها بطن نخل ووقع في رواية مسلم بنخل بلا هاء والصواب إثباتها قوله يصلي بأصحابه صلاة الفجر لم يختلف على بن عباس في ذلك ووقع في رواية عبد الرزاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينار قال قال الزبير أو بن الزبير كان ذلك بنخلة والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء وأخرجه بن أبي شيبة عن بن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال قال الزبير فذكره وزاد فقرأ كادوا يكونون عليه لبدا وكذا أخرجه بن أبي حاتم وهذا منقطع والأول أصح قوله تسمعوا له أي قصدوا لسماع القرآن وأصغوا إليه قوله فهنا لك هو ظرف مكان والعامل فيه قالوا وفي رواية فقالوا والعامل فيه رجعوا قوله رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا قال الماوردي ظاهر هذا إنهم آمنوا عند سماع القرآن قال والإيمان يقع بأحد أمرين إما بأن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة فيقع له العلم بصدق الرسول أو يكون عنده علم من الكتب الأولى فيها دلائل على أنه النبي المبشر به وكلا الأمرين في الجن محتمل والله أعلم قوله وأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن زاد الترمذي قال بن عباس وقول الجن لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال لما رأوه يصلي وأصحابه يصلون بصلاته يسجدون بسجوده قال فتعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم ذلك قوله وإنما أوحى إليه قول الجن هذا كلام بن عباس كأنه تقرر فيه ما ذهب إليه أولا أنه صلى الله عليه وسلم لم يجتمع بهم وإنما أوحى الله إليه بأنهم استمعوا ومثله قوله تعالى وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا الآية ولكن لا يلزم من عدم ذكر اجتماعه بهم حين استمعوا أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك كما تقدم تقريره وفي الحديث إثبات وجود الشياطين والجن وأنهما لمسمى واحد وإنما صارا صنفين باعتبار الكفر والإيمان فلا يقال لم آمن منهم إنه شيطان وفيه أن الصلاة في الجماعة شرعت قبل الهجرة وفيه مشروعيتها في السفر والجهر بالقراءة في صلاة الصبح وأن الاعتبار بما قضى الله للعبد من حسن الخاتمة لا بما يظهر منه من الشر ولو بلغ ما بلغ لأن هؤلاء الذين بادروا إلى الإيمان بمجرد استماع القرآن لو لم يكونوا عند إبليس في أعلى مقامات الشر ما اختارهم للترجمة إلى الجهة التي ظهر له أن الحدث الحادث من جهتها ومع ذلك فغلب عليهم ما قضى لهم من السعادة بحسن الخاتمة ونحو ذلك قصة سحرة فرعون وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى

قوله سورة المزمل والمدثر كذا لأبي ذر واقتصر الباقون على المزمل وهو أولى لأنه أفرد المدثر بعد بالترجمة والمزمل بالتشديد أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي وقد جاءت قراءة أبي بن كعب على الأصل قوله وقال مجاهد وتبتل أخلص وصله الفريابي وغيره وقد تقدم في كتاب قيام الليل قوله وقال الحسن أنكالا قيودا وصله عبد بن حميد والطبري من طريق الحسن البصري وقال أبو عبيدة الأنكال وأحدها نكل بكسر النون وهو القيد وهذا هو المشهور وقيل النكل الغل قوله منفطر به مثقلة به وصله عبد بن حميد من وجه آخر عن الحسن البصري في قوله السماء منفطر به قال مثقلة به يوم القيامة ووصله الطبري وابن أبي حاتم من طريقه بلفظ مثقلة موقرة ولابن أبي حاتم من طريق أخرى عن مجاهد منفطر به تنفطر من ثقل ربها تعالى وعلى هذا فالضمير لله ويحتمل أن يكون الضمير ليوم القيامة وقال أبو عبيدة أعاد الضمير مذكرا لأن مجاز السماء مجاز السقف يريد قوله منفطر ويحتمل أن يكون على حذف والتقدير شيء منفطر قوله وقال بن عباس كثيبا مهيلا الرمل السائل وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس به وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن بن عباس ولفظه المهيلي إذا أخذت منه شيئا يتبعك آخره والكثيب الرمل وقال الفراء الكثيب الرمل والمهبل الذي تحرك أسفله فينهال عليك أعلاه قوله وبيلا شديدا وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وقال أبو عبيدة مثله تنبيه لم يورد المصنف في سورة المزمل حديثا مرفوعا وقد أخرج مسلم حديث سعيد بن هشام عن عائشة فيما يتعلق منها بقيام الليل وقولها فيه فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضته ويمكن أن يدخل في قوله تعالى في آخرها وما تقدموا لأنفسكم حديث بن مسعود إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر وسيأتي في الرقاق

بسم الله الرحمن الرحيم قوله سورة المدثر بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قرأ أبي بن كعب بإثبات المثناة المفتوحة بغير ادغام كما تقدم في المتزمل وقرأ عكرمة فيهما بتخفيف الزاي والدال اسم فاعل قوله قال بن عباس عسير شديد وصله بن أبي حاتم من طريق عكرمة عن بن عباس به قوله فسورة ركز الناس وأصواتهم وصله سفيان بن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس في قوله تعالى فرت من قسورة قال هو ركز الناس قال سفيان يعني حسهم وأصواتهم قوله وكل شديد قسورة زاد النسفي وقسور وسيأتي القول فيه مبسوطا قوله وقال أبو هريرة القسورة قسور الأسد الركز الصوت سقط قوله الركز الصوت لغير أبي ذر وقد وصله عبد بن حميد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال كان أبو هريرة إذا قرأ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة قال الأسد وهذا منقطع بين زيد وأبي هريرة وقد أخرجه من وجهين آخرين عن زيد بن أسلم عن بن سيلان عن أبي هريرة وهو متصل ومن هذا الوجه أخرجه البزار وجاء عن بن عباس أنه بالحبشية أخرجه بن جرير من طريق يوسف بن مهران عنه قال القسورة الأسد بالعربية وبالفارسية شير وبالحبشية قسورة وأخرج الفراء من طريق عكرمة أنه قيل له القسورة بالحبشية الأسد فقال القسورة الرماة والأسد بالحبشية عنبسة وأخرجه بن أبي حاتم عن بن عباس وتفسيره بالرماة أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم من حديث أبي موسى الأشعري ولسعيد من طريق بن أبي حمزة قلت لابن عباس القسورة الأسد قال ما أعلمه بلغة أحد من العرب هم عصب الرجال قوله مستنفرة نافرة مذعورة قال أبو عبيدة في قوله تعالى كأنهم حمر مستنفرة أي مذعورة ومستنفرة نافرة يريد أن لها معنيين وهما على القراءتين فقد قرأها الجمهور بفتح الفاء وقرأها عاصم والأعمش بكسرها

قوله

[ 4638 ] حدثني يحيى هو بن موسى البلخي أو بن جعفر قوله عن علي بن المبارك هو الهنائي بضم ثم نون خفيفة ومد بصري ثقة مشهور ما بينه وبين عبد الله بن المبارك المشهور قرابة

قوله

[ 4639 ] حدثني محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره هو أبو داود الطيالسي أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي عروبة حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وأبو داود قالا حدثنا حرب بن شداد به قوله عن أبي سلمة كذا قال أكثر الرواة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة وقال شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن جابر أخرجه النسائي من طريق آدم بن أبي إياس عن شيبان وهكذا ذكره البخاري في التاريخ عن آدم ورواه سعد بن حفص عن شيبان كرواية الجماعة وهو المحفوظ قوله مثل حديث عثمان بن عمر بن علي بن المبارك لم يخرج البخاري رواية عثمان بن عمر التي أحال رواية حرب بن شداد عليها وهي عند محمد بن بشار شيخ البخاري فيه أخرجه أبو عروبة في كتاب الأوائل قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا عثمان بن عمر أنبأنا على بن المبارك وهكذا أخرجه مسلم والحسن بن سفيان جميعا عن أبي موسى محمد بن المثنى عن عثمان بن عمر

قوله باب قوله وربك فكبر ذكر فيه حديث جابر المذكور من طريق حرب بن شداد أيضا عن يحيى بن أبي كثير

[ 4640 ] قوله سألت أبا سلمة أي بن عبد الرحمن بن عوف قوله فقلت أنبئت أنه قرأ باسم ربك في رواية أبي داود الطيالسي عن حرب قلت أنه بلغني أنه أول ما نزل اقرأ باسم ربك ولم يبين يحيى بن أبي كثير من أنبأ بذلك ولعله يريد عروة بن الزبير كما لم يبين أبو سلمة من أنبأه بذلك ولعله يريد عائشة فإن الحديث مشهور عن عروة عن عائشة كما تقدم في بدء الوحي من طريق الزهري عنه مطولا وتقدم هناك أن رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر تدل على أن المراد بالأولية في قوله أول ما نزل سورة المدثر أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي أو مخصوصة بالأمر بالإيذار لا أن المراد أنها أولية مطلقة فكأن من قال أول ما نزل اقرأ أراد أولية مطلقة ومن قال أنها المدثر أراد بقيد التصريح بالإرسال قال الكرماني أستخرج جابر أول ما نزل يا أيها المدثر باجتهاد وليس هو من روايته والصحيح ما وقع في حديث عائشة ويحتمل أن يكون قوله في هذه الرواية فرأيت شيئا أي جبريل بحراء فقال لي اقرأ فخفت فأتيت خديجة فقلت دثروني فنزلت يا أيها المدثر قلت ويحتمل أن تكون الأولية في نزول يا أيها المدثر بقيد السبب أي هي أول ما نزل من القرآن بسبب متقدم وهو ما وقع من التدثر الناشيء عن الرعب وأما قرأ فنزلت ابتداء بغير سبب متقدم ولا يخفى بعد هذا الاحتمال وفي أول سورة نزلت قول آخر نقل عن عطاء الخراساني قال المزمل نزلت قبل المدثر وعطاء ضعيف وروايته معضلة لأنه لم يثبت لقاؤه لصحابي معين وظاهر الأحاديث الصحيحة تأخر المزمل لأن فيها ذكر قيام الليل وغير ذلك مما تراخي عن ابتداء نزول الوحي بخلاف المدثر فإن فيها قم انذر وعن مجاهد أول سورة نزلت ن والقلم وأول سورة نزلت بعد الهجرة ويل للمطففين والمشكل من رواية يحيى بن أبي كثير قوله جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستنبطت الوادي فنوديت إلى أن قال فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء يعني جبريل فأتيت خديجة فقلت دثروني ويزيل الإشكال أحد أمرين إما أن يكون سقط على يحيى بن أبي كثير وشيخه من القصة مجيء جبريل بحراء بأقرأ باسم ربك وسائر ما ذكرته عائشة وإما أن يكون جاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهرا آخر فقد تقدم أن في مرسل عبيد بن عمير عند البيهقي أنه كان يجاور في كل سنة شهرا وهو رمضان وكان ذلك في مدة فترة الوحي فعاد إليه جبريل بعد انقضاء جواره قوله فجئثت يأتي ضبطه في سورة اقرأ إن شاء الله تعالى

قوله وثيابك فطهر

[ 4641 ] ذكر فيه حديث جابر المذكور لكن من رواية الزهري عن أبي سلمة وأورده بإسنادين من طريق عقيل ومعمر وساقه على لفظ معمر وساق لفظ عقيل في الباب الذي يليه ووقع في آخر الحديث وثيابك فطهر والرجز فاهجر قبل أن تفرض الصلاة وكأنه أشار بقوله قبل أن تفرض الصلاة إلى أن تطهير الثياب كان مأمورا به قبل أن تفرض الصلاة وأخرج بن المنذر من طريق محمد بن سيرين قال اغسلها بالماء وعلى هذا حمله بن عباس فيما أخرجه بن أبي حاتم وأخرج من وجه آخر عنه قال فطهر من الإثم ومن طريق عن قتادة والشعبي وغيرهما نحوه ومن وجه ثالث عن بن عباس قال لا تلبسها على غدرة ولا فجرة ومن طريق طارس قال شمر ومن طريق منصور قال وعن مجاهد مثله قال أصلح عملك وأخرجه سعيد بن منصور أيضا من طريق منصور عن مجاهد وأخرجه بن أبي شيبة من طريق منصور عن أبي رزين مثله وأخرج بن المنذر من طريق الحسن قال خلقك فحسنه وقال الشافعي رحمه الله قيل في قوله وثيابك فطهر صل في ثياب طاهره وقيل غير ذلك والأول أشبه انتهى ويؤيده ما أخرج بن المنذر في سبب نزولها من طريق زيد بن مرثد قال ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلى جزور فنزلت ويجوز أن يكون المراد جميع ذلك

قوله والرجز فاهجر يقال الرجز والرجس العذاب هو قول أبي عبيدة وقد تقدم في الذي قبله أن الرجز الأوثان وهو تفسير معنى أي أهجر أسباب الرجز أي العذاب وهي الأوثان وقال الكرماني فسر المفرد بالجمع لأنه اسم جنس وبين ما في سياق رواية الباب أن تفسيرها بالأوثان من قول أبي سلمة وعند بن مردويه من طريق محمد بن كثير عن معمر عن الزهري في هذا الحديث والرجز بضم الراء وهي قراءة حفص عن عاصم قال أبو عبيدة هما بمعنى ويروي عن مجاهد والحسن بالضم اسم الصنم وبالكسر اسم العذاب

قوله سورة القيامة تقدم الكلام على لا أقسم في آخر سورة الحجر وأن الجمهور على أن لا زائدة والتقدير أقسم وقيل هي حرف تنبيه مثل ألا ومنه قول الشاعر لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر وقوله لا تحرك به لسانك لتعجل به لم يختلف السلف أن المخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في شأن نزول الوحي كما دل عليه حديث الباب وحكى الفخر الرازي أن القفال جوز أنها نزلت في الإنسان المذكور قبل ذلك في قوله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر قال يعرض عليه كتابه فيقال اقرأ كتابك فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفا فأسرع في القراءة فيقال لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه أي أن يجمع عملك وأن يقرأ عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت ثم إن علينا بيان أمر الإنسان وما يتعلق بعقوبته قال وهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وأن كانت الآثار غير واردة فيه والحامل على ذلك عسر بيان المناسبة بين هذه الآية وما قبلها من أحوال القيامة حتى زعم بعض الرافضة أنه سقط من السور شيء وهي من جملة دعاويهم الباطلة وقد ذكر الأئمة لها مناسبات منها أنه سبحانه وتعالى لما ذكر القيامة وكان من شأن من يقصر عن العمل لها حب العاجلة وكان من أصل الدين أن المبادرة إلى أفعال الخير مطلوبة فنبه على أنه قد يعترض على هذا المطلوب ما هو أجل منه وهو الإصغاء إلى الوحي وتفهم ما يرد منه والتشاغل بالحفظ قد يصد عن ذلك فأمر أن لا يبادر إلى التحفظ لأن تحفيظه مضمون على ربه وليصغ إلى ما يرد عليه إلى أن ينقضي فيتبع ما احتمل عليه ثم لما انقضت الجملة المعترضة رجع الكلام إلى ما يتعلق بالإنسان المبدأ بذكره ومن هو من جنسه فقال كلا وهي كلمة ردع كأنه قال بل أنتم يا بني آدم لكونكم خلقتم من عجل تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة وهذا على قراءة تحبون بالمثناة وهي قراءة الجمهور وقرأ بن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة حملا على لفظ الإنسان لأن المراد به الجنس ومنها أن عادة القرآن إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد حيث يعرض يوم القيامة أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملا وتركا كما قال في الكهف ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه إلى أن قال ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا وقال تعالى في سبحان فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم إلى أن قال ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن الآية وقال في طه يوم ينفخ في السور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا إلى أن قال فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه وقل رب زدني علما ومنها أن أول السورة لما نزل إلى قوله ولو ألقى معاذيره صادف أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل وحرك به لسانه من عجلته خشية من تفلته فنزلت لا تحرك به لسانك إلى قوله ثم إن علينا بيانه ثم عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدأ به قال الفخر الرازي ونحوه ما لو ألقى المدرس على الطالب مثلا مسألة فتشاغل الطالب بشيء عرض له فقال ألق بالك وتفهم ما أقول ثم كمل المسألة فمن لا يعرف السبب يقول ليس هذا الكلام مناسبا للمسألة بخلاف من عرف ذلك ومنها أن النفس لما تقدم ذكرها في أول السورة عدل إلى ذكر نفس المصطفى كأنه قيل هذا شان النفوس وأنت يا محمد نفسك أشرف النفوس فلتأخذ بأكمل الأحوال ومنها مناسبات أخرى ذكرها الفخر الرازي لا طائل فيها مع أنها لا تخلو عن تعسف قوله وقال بن عباس ليفجر أمامه سوف أتوب سوف أعمل وصله الطبري من طريق العوفي عن بن عباس في قوله بل يريد الإنسان ليفجر امامه يعني الأمل يقول اعمل ثم أتوب ووصله الفريابي والحاكم وابن جبير عن مجاهد قال يقول سوف أتوب ولابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال هو الكافر يكذب بالحساب ويفجر أمامه أي يدوم على فجوره بغير توبة قوله لا وزر لا حصن وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس لكن قال حرز بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي ومن طريق العوفي عن بن عباس قال لا حصن ولا ملجأ ولابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي سعيد عن بن مسعود في قوله لا وزر قال لا حصن ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال كان الرجل يكون في ماشيته فتأتيه الخيل بغتة فيقول له صاحبه الوزر الوزر أي اقصد الجبل فتحصن به وقال أبو عبيدة الوزر الملجأ قوله سدى هملا وقع هذا مقدما على ما قبله لغير أبي ذر وقد وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس به وقال أبو عبيدة في قوله سدى أي لا ينهى ولا يؤمر قالوا أسديت حاجتي أي أهملتها

[ 3643 ] قوله حدثنا موسى بن أبي عائشة وكل ثقة هو مقول بن عيينة وهو تابعي صغير كوفي من موالي آل جعدة بن هبيرة يكنى أبا الحسن واسم أبيه لا يعرف ومدار هذا الحديث عليه وقد تابعه عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير وهو من رواية بن عيينة أيضا عنه فمن أصحاب بن عيينة من وصله بذكر بن عباس فيه مهم أبو كريب عند الطبري ومنهم من أرسله منهم سعيد بن منصور قوله لا تحرك به لسانك ووصف سفيان يريد أن يحفظه في رواية سعيد بن منصور وحرك سفيان شفتيه وفي رواية أبي كريب تعجل يريد حفظه فنزلت قوله فانزل الله لا تحرك به لسانك لتعجل به إلى هنا رواية أبي ذر وزاد غيره الآية التي بعدها وزاد سعيد بن منصور في روايته في آخر الحديث وكان لا يعرف ختم السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم

قوله باب أن علينا جمعه وقرآنه

[ 4644 ] ذكر فيه حديث بن عباس المذكور من رواية إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة أتم من رواية بن عيينة وقد استغفر به الإسماعيلي فقال كذا أخرجه عن عبيد الله بن موسى ثم أخرجه هو من طريق أخرى عن عبيد الله المذكور بلفظ لا تحرك به لسانك قال كان يحرك به لسانه مخافة أن ينفلت عنه فيحتمل أن يكون ما بعد هذا من قوله إن علينا جمعه إلى آخره معلقا عن بن عباس بغير هذا الإسناد وسيأتي الحديث في الباب الذي بعده أتم سياقا

قوله فإذا قرأناه فاتبع قرآنه قال بن عباس قرأناه بيناه فاتبع اعمل به هذا التفسير رواه على بن أبي طلحة عن بن عباس أخرجه بن أبي حاتم وسيأتي في الباب عن بن عباس تفسيره بشيء آخر

[ 4645 ] قوله إذا نزل جبريل عليه في رواية أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة كما تقدم في بدء الوحي كان يعالج من التنزيل شدة وهذه الجملة توطئة لبيان السبب في النزول وكانت الشدة تحصل له عند نزول الوحي لثقل القول كما تقدم في بدء الوحي من حديث عائشة وتقدم من حديثها في قصة الإفك فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء وفي حديثها في بدء الوحي أيضا وهو أشده علي لأنه يقتضي الشدة في الحالتين المذكورتين لكن إحداهما أشد من الأخرى قوله وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه اقتصر أبو عوانة على ذكر الشفتين وكذلك إسرائيل واقتصر سفيان على ذكر اللسان والجميع مراد إما لأن التحريكين متلازمان غالبا أو المراد يحرك فمه المشتمل على الشفتين واللسان لكن لما اللسان هو الأصل في النطق اقتصر في الآية عليه قوله فيشتد عليه ظاهر هذا السياق أن السبب في المبادرة حصول المشقة التي يجدها عند النزول فكان يتعجل بأخذه لنزول المشقة سريعا وبين في رواية إسرائيل أن ذلك كان خشية أن ينساه حيث قال فقيل له لا تحرك به لسانك تخشي أن ينفلت وأخرج بن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عن الحسن كان يحرك به لسانه يتذكره فقيل له إنا سنحفظه عليك وللطبري من طريق الشعبي كان إذا نزل عليه عجل يتكلم به من حبه إياه وظاهره أنه كان يتكلم بما يلقى إليه منه أولا فأولا من شدة حبه إياه فأمر أن يتأنى إلى أن ينقضي النزول ولا بعد في تعدد السبب ووقع في رواية أبي عوانة قال بن عباس فأنا احركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت بن عباس يحركهما فأطلق في خبر بن عباس وقيد بالرؤية في خبر سعيد لأن بن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال لأن الظاهر أن ذلك كان في مبدأ المبعث النبوي ولم يكن بن عباس ولد حينئذ ولكن لا مانع أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بعد فيراه بن عباس حينئذ وقد ورد ذلك صريحا عند أبي داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة بسنده بلفظ قال بن عباس فأنا أحرك لك شفتي كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفادت هذه الرواية إبراز الضمير في رواية البخاري حيث قال فيها فأنا أحركهما ولم يتقدم للشفتين ذكر فعلمنا أن ذلك من تصرف الرواة قوله فأنزل الله أي بسبب ذلك واحتج بهذا من جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وجوز الفخر الرازي أن يكون أذن له في الاستعجال إلى وقت ورود النهي عن ذلك فلا يلزم وقوع الاجتهاد في ذلك والضمير في به عائد على القرآن وأن لم يجر له ذكر لكن القرآن يرشد إليه بل دل عليه سياق الآية قوله علينا أن نجمعه في صدرك كذا فسره أبن عباس وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة تفسيره بالحفظ ووقع في رواية أبي عوانة جمعه لك في صدرك ورواية جرير أوضح وأخرج الطبري عن قتادة أن معنى جمعه تأليفه قوله وقرآنه زاد في رواية إسرائيل أن تقرأه أي أنت ووقع في رواية الطبري وتقرأه بعد قوله فإذا قرأناه أي أقرأه عليك الملك فاتبع قرآنه فإذا أنزلناه فاستمع هذا تأويل آخر لابن عباس غير المنقول عنه في الترجمة وقد وقع في رواية بن عيينة مثل رواية جرير وفي رواية إسرائيل نحو ذلك وفي رواية أبي عوانة فاستمع وأنصت ولا شك أن الاستماع أخص من الإنصات لأن الاستماع الإصغاء والإنصات السكوت ولا يلزم من السكوت الإصغاء وهو مثل قوله تعالى فاستمعوا له وأنصتوا والحاصل أن لابن عباس في تأويل قوله تعالى أنزلناه وفي قوله فاستمع قولين وعند الطبري من طريق قتادة في قوله استمع أتبع جلالة واجتنب حرامه ويؤيده ما وقع في حديث الباب قوله في آخر الحديث فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه والضمير في قوله فاتبع قرآنه لجبريل والتقدير فإذا انتهت قراءة جبريل فأقرأ أنت قوله ثم إن علينا بيانه علينا أن نبينه بلسانك في رواية إسرائيل على لسانك وفي رواية أبي عوانة أن تقرأه وهي بمثناة فوقانية واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما هو مذهب الجمهور من أهل السنة ونص عليه الشافعي لما تقتضيه ثم من التراخي وأول من استدل لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الطيب وتبعوه وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له وظهوره على لسانه فلا قال الآمدي يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل يقال بان الكوكب إذا ظهر قال ويؤيد ذلك أن المراد جميع القرآن والمجمل إنما هو بعضه ولا اختصاص لبعضه بالأمر المذكور دون بعض وقال أبو الحسين البصري يجوز أن يراد البيان التفصيلي ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الاجمالي فلا يتم الاستدلال وتعقب باحتمال إرادة المعنيين الإظهار والتفصيل وغير ذلك لأن قوله بيانه جنس مضاف فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في بدء الوحي وأعيد بعضه هنا استطرادا

بسم الله الرحمن الرحيم قوله سورة هل أتى على الإنسان بسم الله الرحمن الرحيم ثبتت البسملة لأبي ذر قوله يقال معناه أتى على الإنسان و هل تكون جحدا وتكون خبرا وهذا من الخبر كذا للأكثر وفي بعض النسخ وقال يحيى وهو صواب لأنه قول يحيى بن زياد الفراء بلفظه وزاد لأنك تقول هل وعظتك هل أعطيتك تقرره بأنك وعظته وأعطيته والجحد أن تقول هل يقدر أحد على مثل هذا والتحرير أن هل للاستفهام لكن تكون تارة للتقرير وتارة للإنكار فدعوى زيادتها لا يحتاج إليه وقال أبو عبيدة هل أتى معناه قد أتى وليس باستفهام وقال غيره بل هي للاستفهام التقريري كأنه قيل لمن أنكر البعث هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فيقول نعم فيقال فالذي أنشاه بعد أن لم يكن قادر على إعادته ونحوه ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون أي فتعلمون أن من أنشأ قادر على أن يعيد قوله يقول كان شيئا فلم يكن مذكورا وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح هو كلام الفراء أيضا وحاصله انتفاء الموصوف بانتفاء صفته ولا حجة فيه للمعتزلة في دعواهم أن المعدوم شيء قوله أمشاج الأخلاط ماء المرأة وماء الرجل الدم والعلقة ويقال إذا خلط مشيج كقولك خليط وممشوج مثل مخلوط هو قول الفراء قال في قوله أمشاج نبتليه وهو ماء المرأة وماء الرجل والدم والعلقة ويقال للشيء من هذا إذا خلط مشيج كقولك خليط وممشوج كقولك مخلوط وأخرج بن أبي حاتم من طريق عكرمة قال من الرجل الجلد والعظم ومن المرأة الشعر والدم ومن طريق الحسن من نطفة مشجت بدم وهو دم الحيض ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس أمشاج قال مختلفة الألوان ومن طريق بن جريج عن مجاهد قال أحمر وأسود وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الأمشاج إذا اختلط الماء والدم ثم كان علقة ثم كان مضغة وأخرج سعيد بن منصور عن بن مسعود قال الأمشاج العروق قوله سلاسلا وأغلالا في رواية أبي ذر ويقال سلاسلا وأغلالا قوله ولم يجر بعضهم هو بضم التحتانية وسكون الجيم وكسر الراء بغير إشباع علامة للجزم وذكر عياض أن في رواية الأكثر بالزاي بدل الراء ورجح الراء وهو الأوجه والمراد أن بعض القراء أجرى سلاسلا وبعضهم لم يجرها أي لم يصرفها وهذا اصطلاح قديم يقولون للاسم المصروف مجرى والكلام المذكور للفراء قال في قوله تعالى إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا كتبت سلاسل بالألف واجراها بعض القراء مكان الألف التي في آخرها ولم يجر بعضهم واحتج بان العرب قد تئبت الألف في النصب وتحذفها عند الوصل قال وكل صواب انتهى ومحصل ما جاء من القراءات المشهورة في سلاسل التنوين وعدمه ومن لم ينون منهم من يقف بألف وبغيرها فنافع والكسائي وأبو بكر بن عياش وهشام بن عمار قرؤوا بالتنوين والباقون بغير تنوين فوقف أبو عمرو بالألف ووقف حمزة بغير ألف وجاء مثله في رواية عن بن كثير وعن حفص وابن ذكوان الوجهان أما من نون فعلى لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف حكاها الكسائي والأخفش وغيرهما أو على مشاكلة أغلالا وقد ذكر أبو عبيدة أنه رآها في إمام أهل الحجاز والكوفة سلاسلا بالألف وهذه حجة من وقف بالألف أتباعا للرسم وما عدا ذلك واضح والله أعلم قوله مستطيرا ممتدا البلاء هو كلام الفراء أيضا وزاد والعرب تقول استطار الصدع في القارورة وشبهها واستطال وروى بن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال استطار والله شره حتى ملأ السماء والأرض ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مستطيرا قال فاشيا قوله والقمطرير الشديد يقال يوم قمطرير ويوم قماطر والعبوس والقمطرير والقماطر والعصيب أشد ما يكون من الأيام في البلاء هو كلام أبي عبيدة بتمامه وقال الفراء قمطرير أي شديد ويقال يوم قمطرير ويوم قماطر وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة القمطرير تقبيض الوجه قال معمر وقال يوم الشديد قوله وقال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب سقط هذا هنا لغير النسفي والجرجاني وقد تقدم ذلك في صفة الجنة قوله وقال بن عباس الأرائك السرر ثبت هذا للنسفي والجرجاني وقد تقدم أيضا في صفة الجنة قوله وقال البراء وذللت قطوفها يقطفون كيف شاءوا ثبت هذا للنسفي وحده أيضا وقد وصله سعيد بن منصور عن شريك عن أبي إسحاق عن البراء في قوله وذللت قطوفها تذليلا قال إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعواد ومضطجعين وعلى أي حال شاءوا ومن طريق مجاهد إن قام ارتفعت وإن قعد تدلت ومن طريق قتادة لا يرد أيديهم شوك ولا بعد قوله وقال مجاهد سلسبيلا حديد الجرية ثبت هذا للنسفي وحده وتقدم في صفة الجنة قوله وقال معمر أسرهم شدة الخلق وكل شيء شددته من قتب وغبيط فهو مأسور سقط هذا لأبي ذر عن المستملي وحده ومعمر المذكور هو أبو عبيدة معمر بن المثنى وظن بعضهم أنه بن راشد فزعم أن عبد الرزاق أخرجه في تفسيره عنه ولفظ أبي عبيدة أسرهم شدة خلقهم ويقال للفرس شديد الأسر أي شديد الخلق وكل شيء إلى آخر كلامه وأما عبد الرزاق فإنما أخرج عن معمر بن راشد عن قتادة في قوله وشددنا أسرهم قال خلقهم وكذا أخرجه الطبري من طريق محمد بن ثور عن معمر تنبيه لم يورد في تفسير هل أتى حديثا مرفوعا ويدخل فيه حديث بن عباس في قراءتها في صلاة الصبح يوم الجمعة وقد تقدم في الصلاة

قوله سورة والمرسلات كذا لأبي ذر وللباقين والمرسلات حسب وأخرج الحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال المرسلات عرفا الملائكة أرسلت بالمعروف قوله جمالات حبال في رواية أبي ذر وقال مجاهد جمالات حبال ووقع عند النسفي والجرجاني في أول الباب وقال مجاهد كفاتا أحياء يكونون فيها وأمواتا يدفنون فيها فراتا عذبا جمالات حبال الجسور وهذا الأخير وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ووقع عند بن التين قول مجاهد جمالات جمال يريد بكسر الجيم وقيل بضمها إبل سود وأحدها جمالة وجمالة جمع جمل مثل حجارة وحجر ومن قرأ جمالات ذهب به إلى الحبال الغلاظ وقد قال مجاهد في قوله حتى يلج الجمل في سم الخياط هو حبل السفينة وعن الفراء الجمالات ما جمع من الحبال قال بن التين فعلى هذا يقرأ في الأصل بضم الجيم قلت هي قراءة نقلت عن بن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة وعن بن عباس أيضا جمالة بالإفراد مضموم الأول أيضا وسيأتي تفسيرها عن بن عباس بنحو ما قال مجاهد في آخر السورة وأما تفسير كفاتا فتقدم في الجنائز وقوله فراتا عذبا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وكذا قال أبو عبيدة قوله وقال مجاهد اركعوا صلوا لا يركعون لا يصلون سقط لا يركعون لغير أبي ذر وقد وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وإذا قيل لهم اركعوا قال صلوا قوله وسئل بن عباس لا ينطقون والله ربنا ما كنا مشركين اليوم نختم على أفواههم فقال إنه ذو ألوان مرة ينطقون ومرة يختم عليهم سقط لفظ على أفواههم لغير أبي ذر وهذا تقدم شيء من معناه في تفسير فصلت وأخرج عبد بن حميد من طريق علي بن زيد عن أبي الضحى أن نافع بن الأزرق وعطية أتيا بن عباس فقالا يا بن عباس أخبرنا عن قول الله تعالى هذا يوم لا ينطقون وقوله ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون وقوله والله ربنا ما كنا مشركين وقوله ولا يكتمون الله حديثا قال ويحك يا بن الأزرق إنه يوم طويل وفيه مواقف تأتي عليهم ساعة لا ينطقون ثم يؤذن لهم فيختصمون ثم يكون ما شاء الله يحلفون ويجحدون فإذا فعلوا ذلك ختم الله على أفواههم وتؤمر جوارحهم فتشهد على أعمالهم بما صنعوا ثم تنطق ألسنتهم فيشهدون على أنفسهم بما صنعوا وذلك قوله ولا يكتمون الله حديثا وروى بن مردويه من حديث عبد الله بن الصامت قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أرأيت قول الله هذا يوم لا ينطقون فقال أن يوم القيامة له حالات وتارات في حال لا ينطقون وفي حال ينطقون ولابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة قال إنه يوم ذو ألوان

[ 4646 ] قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وعبيد الله بن موسى هو من شيوخ البخاري لكنه أخرج عنه هذا بواسطة قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رواية جرير في غار ووقع في رواية حفص بن غياث كما سيأتي بمنى وهذا أصح مما أخرج الطبراني في الأوسط من طريق أبي وائل عن بن مسعود قال بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم على حراء قوله فخرجت في رواية حفص بن غياث الآتية إذ وثبت قوله فابتدرناها في رواية الأسود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوها فابتدرناها قوله فسبقتنا أي باعتبار ما آل إليه أمرها والحاصل أنهم أرادوا أن يسبقوها فسبقتهم وقوله فابتدرناها أي تسابقنا أينا يدركها فسبقتنا كلنا وهذا هو الوجه والأول احتمال بعيد قوله عن منصور بهذا وعن إسرائيل عن الأعمش عن إبراهيم يريد أن يحيى بن آدم زاد لإسرائيل فيه شيخا وهو الأعمش قوله وتابعه أسود بن عامر عن إسرائيل وصله الإمام أحمد عنه به قال الإسماعيلي وافق إسرائيل على هذا شيبان والثوري وورقاء وشريك ثم وصله عنهم قوله وقال حفص وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود يريد أن الثلاثة خالفوا رواية إسرائيل عن الأعمش في شيخ إبراهيم فإسرائيل يقول عن الأعمش عن علقمة وهؤلاء يقولون الأسود وسيأتي في آخر الباب أن جرير بن عبد الحميد وافقهم عن الأعمش فأما رواية حفص وهو بن غياث فوصلها المصنف وستأتي بعد باب وأما رواية أبي معاوية فتقدم بيان من وصلها في بدء الخلق وكذا رواية سليمان بن قرم وهو بفتح القاف وسكون الراء بصري ضعيف الحفظ وتفرد أبو داود الطيالسي بتسمية أبيه معاذا وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق قوله وقال يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة عن مغيرة يعني بن مقسم عن إبراهيم عن علقمة يريد أن مغيرة وافق إسرائيل في شيخ إبراهيم وأنه علقمة ورواية يحيى بن حماد هذه وصلها الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا الفضل بن سهل حدثنا يحيى بن حماد به ولفظه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى فأنزلت عليه والمرسلات الحديث وحكى عياض أنه وقع في بعض النسخ وقال حماد أنبأنا أبو عوانة وهو غلط قوله وقال بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله يريد أن للحديث أصلا عن الأسود من غير طريق الأعمش ومنصور ورواية بن إسحاق هذه وصلها أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي إسحاق حدثني عبد الرحمن بن الأسود وأخرجها بن مردويه من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن إسحاق ولفظه نزلت والمرسلات عرفا بحراء ليلة الحية قالوا وما ليلة الحية قال خرجت حية فقال النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوها فتغيبت في جحر فقال دعوها الحديث ووقع في بعض النسخ وقال أبو إسحاق وهو تصحيف والصواب بن إسحاق وهو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي ثم ساق الحديث المذكور عن قتيبة عن جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بتمامه

قوله إنها ترمي بشرر كالقصر

قوله باب قوله إنها ترمي بشرر كالقصر أي قدر القصر

[ 4648 ] قوله كنا نرفع الخشب بقصر بكسر الموحدة والقاف وفتح الصاد المهملة وتنوين الراء وبالاضافة أيضا وهو بمعنى الغاية والقدر تقول قصرك وقصاراك من كذا ما اقتصرت عليه قوله ثلاثة أذرع أو أقل في الرواية التي بعد هذه أو فوق ذلك وهي رواية المستملي وحده قوله فنرفعه للشتاء فنسميه القصر بسكون الصاد وبفتحها وهو على الثاني جمع قصرة أي كأعناق الإبل ويؤيده قراءة بن عباس كالقصر بفتحتين وقيل هو أصول الشجر وقيل أعناق النخل وقال بن قتيبة القصر البيت ومن فتح أراد أصول النخل المقطوعة شبهها بقصر الناس أي أعناقهم فكأن بن عباس ففسر قراءته بالفتح بما ذكر وأخرج أبو عبيدة من طريق هارون الأعرج عن حسين المعلم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس بشرر كالقصر بفتحتين قال هارون وأنبأنا أبو عمرو أن سعيدا وابن عباس قرأ كذلك وأسنده أبو عبيد عن بن مسعود أيضا بفتحتين وأخرج بن مردويه من طريق قيس بن الربيع عن عبد الرحمن بن عابس سمعت بن عباس كانت العرب تقول في الجاهلية أقصروا لنا الحطب فيقطع على قدر الذراع والذراعين وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث بن مسعود في قوله تعالى إنها ترى بشرر كالقصر قال ليست كالشجر والجبال ولكنها مثل المدائن والحصون

قوله باب قوله كأنه جمالات صفر ذكر فيه الحديث الذي قبله من طريق يحيى وهو القطان أخبرنا سفيان وهو الثوري قوله ثلاثة أذرع زاد المستملي في روايته أو فوق ذلك قوله كأنه جمالات صفر حبال السفن تجمع أي يضم بعضها إلى بعض ليقوى حتى تكون كأوساط الرجال قلت هو من تتمة الحديث وقد أخرجه عبد الرزاق عن الثوري بإسناده وقال في آخره وسمعت بن عباس يسأل عن قوله تعالى كأنه جمالات صفر قال حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال وفي رواية قيس بن الربيع عن عبد الرحمن بن عباس هي القلوص التي تكون في الجسور والأول هو المحفوظ

قوله باب هذا يوم لا ينطقون ذكر فيه حديث عبد الله بن مسعود في الحية قوله فيه

[ 4650 ] إذا وثبت في رواية الكشميهني إذ وثب بالتذكير وكذا قال اقتلوه قوله قال عمر هو بن حفص شيخ البخاري قوله حفظته من أبي في رواية الكشميهني حفظته قوله في غار بمنى يريد أن أباه زاد بعد قوله في الحديث كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى وهذه الزيادة قد تقدم أنها وقعت أيضا في رواية المغيرة عن إبراهيم

قوله سورة عم يتساءلون قرأ الجمهور عم بميم فقط وعن بن كثير رواية بالهاء وهي هاء السكت أجرى الوصل مجرى الوقف وعن أبي بن كعب وعيسى بن عمر بإثبات الألف على الأصل وهي لغة نادرة ويقال لها أيضا سورة النبأ قوله لا يرجون حسابا لا يخافونه كذا في رواية أبي ذر ولغيره وقال مجاهد فذكره وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد كذلك قوله لا يملكون منه خطابا لا يكلمونه إلا أن يأذن لهم كذا للمستملي وللباقين لا يملكونه والأول أوجه وسأبينه في الذي بعده قوله صوابا حقا في الدنيا وعمل به ووقع لغير أبي ذر نسبة هذا إلى بن عباس كالذي بعده وفيه نظر فإن الفرايابي أخرجه من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا يملكون منه خطابا قال كلاما إلا من قال صوابا قال حقا في الدنيا وعمل به قوله وقال بن عباس نجاحا منصبا ثبت هذا للنفي وحده وقد تقدم في المزارعة قوله ألفاظا ملتفة ثبت هذا للنسفيي وحده وهو قول أبي عبيدة قوله وقال بن عباس وهاجا مضيئا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قوله دهاقا ممتلئا كواعب نواهد ثبت هذا للنسفي وحده وقد تقدم في بدء الخلق قوله وقال غيره غساقا غسقت عينه سقط هذا لغير أبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق وقال أبو عبيدة يقال تغسق عينه أي تسيل ووقع عند النسفي والجرجاني وقال معمر فذكره ومعمر هو أبو عبيدة بن المثنى المذكور قوله ويغسق الجرح يسيل كأن الغساق والغسيق واحد تقدم بيان ذلك في بدء الخلق وسقط هنا لغير أبي ذر قوله عطاء حسابا جزاء كافيا أعطاني ما أحسبني أي كفاني قال أبو عبيدة في قوله تعالى عطاء حسابا أي جزاء ويجيء حسابا كافيا وتقول أعطاني ما أحسبني أي كفاني وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله عطاء حسابا قال كثيرا

قوله باب يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا زمرا وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فتأتون أفواجا قال زمرا زمرا ذكر فيه حديث أبي هريرة ما بين النفختين أربعون وقد تقدم شرحه في تفسير الزمر وقوله

[ 4651 ] أبيت بضم أي أن أقول ما لم أسمع وبالفتح أي أن أعرف ذلك فإنه غيب

قوله سورة والنازعات كذا للجميع قوله زجرة صيحة ثبت هذا للنسفي وحده وقد وصله عبد بن حميد من طريقه قوله وقال مجاهد ترجف الراجفة هي الزلزلة ثبت هذا للنسفي وحده وقد وصله عبد بن حميد من طريقه بلفظ ترجف الأرض والجبال وهي الزلزلة قوله وقال مجاهد الآية الكبرى عصاه ويده وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله قوله سمكها بناءها بغير عمد ثبت هذا هنا للنسفي وحده وقد تقدم في بدء الخلق قوله طغى عصى ثبت هذا للنسفي وحده وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد به قوله الناخرة والنخرة سواء مثل الطامع والطمع والباخل والبخيل قال أبو عبيدة في قوله تعالى عظاما نخرة ناخرة ونخرة سواء وقال الفراء مثله قال وهما قراءاتان أجودهما ناخرة ثم أسند عن بن الزبير أنه قال على المنبر ما بال صبيان يقرءون نخرة إنما هي نخرة قلت قرأها نخرة بغير ألف جمهور القراء وبالألف الكوفيون لكن بخلف عن عاصم تنبيه قوله والباخل والبخيل في رواية الكشميهني بالنون والحاء المهملة فيهما ولغير بالموحدة والمعجمة وهو الصواب وهذا الذي ذكره الفراء قال هو بمعنى الطامع والطمع والباخل والبخل وقوله سواء أي في أصل المعنى وإلا ففي نخرة مبالغة ليست في ناخرة قوله وقال بعضهم النخرة البالية والناخرة العظم المجوف الذي تمر فيه الريح فينخر قال الفراء فرق بعض المفسرين بين الناخرة والنخرة فقال النخرة البالية والناخرة العظم المجوف الذي تمر فيه الريح فينخر والمفسر المذكور هو بن الكلبي فقال أبو الحسن الأثرم الراوي عن أبي عبيدة سمعت بن الكلبي يقول نخرة ينخر فيها الريح وناخرة بالية وأنشد لرجل من فهم يخاطب فرسه في يوم ذي قارحين تحاربت العرب والفرس أقدم نجاح إنها الأساورة فإنما قصرك ترب الساهره ثم تعود بعدها في الحافره من بعد ما كنت عظاما ناخره أي بالية قوله الساهرة وجه الأرض كأنها سميت بهذا الاسم لأن فيها الحيوان نومهم وسهرهم ثبت هذا هنا للنسفي وحده وقد تقدم في بدء الخلق وهو قول الفراء بلفظه قوله وقال بن عباس الحافرة إلى أمرنا الأول إلى الحياة وصله بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله الحافرة يقول الحياة وقال الفراء الحافرة يقول إلى أمرنا الأول إلى الحياة والعرب تقول أتيت فلانا ثم رجعت على حافري أي من حيث جئت قال وقال بعضهم الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم فسماها الحافرة أي المحفورة كما دافق أي مدفوق قوله الراجفة النفخة الأولى تتبعها الرادفة النفخة الثانية وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قوله يوم ترجف الراجفة النفخة الأولى تتبعها الرادفة النفخة الثانية وقوله وقال غيره أيان مرساها متى منتهاها ومرسى السفينة حيث تنتهي قال أبو عبيدة في قوله تعالى أيان مرساها متى منتهاها قال ومرساها منتهاها الخ ثم ساق حديث سهل بن سعد بعثت والساعة بالرفع والنصب كهاتين وسيأتي شرحه في الرقاق قوله قال بن عباس أغطش أظلم ثبت هذا للنسفي وحده وقد تقدم في بدء الخلق

قوله الطامة تطم على كل شيء ووقع هذا للنسفي مقدما قبل باب وهو قول الفراء قال في قوله تعالى فإذا جاءت الطامة هي القيامة تطم كل شيء ولابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس الطامة هي الساعة طمت كل داهية

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله سورة عبس بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله عبس وتولى كلح وأعرض أما تفسير عبس فهو لأبي عبيدة وأما تفسير تولى فهو في حديث عائشة الذي سأذكره بعد ولم يختلف السلف في أن فاعل عبس هو النبي صلى الله عليه وسلم وأغرب الداردي فقال هو الكافر وأخرج الترمذي والحاكم من طريق يحيى بن سعيد الأموي وابن حبان من طريق عبد الرحيم بن سليمان كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت نزلت في بن أم مكتوم الأعمى فقال يا رسول الله أرشدني وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر فيقول له أترى بما أقول بأسا فيقول لا فنزلت عبس وتولى قال الترمذي حسن غريب وقد أرسله بعضهم عن عروة لم يذكر عائشة وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن الذي كان يكلمه أبي بن خلف وروى سعيد بن منصور من طريق أبي مالك أنه أمية بن خلف وروى بن مردويه من حديث عائشة أنه كان يخاطب عتبة وشيبة ابني ربيعة ومن طريق العوفي عن بن عباس قال عتبة وأبو جهل وعياش ومن وجه آخر عن عائشة كان في مجلس فيه ناس من وجوه المشركين منهم أبو جهل وعتبة فهذا يجمع الأقوال قوله مطهرة لا يمسها إلا المطهرون وهم الملائكة في رواية غير أبي ذر وقال غيره مطهرة الخ وكذا للنسفي وكان قال قبل ذلك وقال مجاهد فذكر الأثر الآتي ثم قال وقال غيره قوله وهذا مثل قوله فالمدبرات أمرا هو قول الفراء قال في قوله تعالى في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة لا يمسه إلا المطهرون وهم الملائكة وهذا مثل قوله تعالى فالمدبرات أمرا قوله جعل الملائكة والصحف مطهرة لأن الصحف يقع عليها التطهير فجعل التطهير لمن حملها أيضا هو قول الفراء أيضا قوله وقال مجاهد الغلب الملتفة والأب ما يأكل الأنعام وقع في رواية النسفي وحده هنا وقد تقدم في صفة الجنة قوله سفرة الملائكة واحدهم سافر سفرت أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم هو قول الفراء بلفظه وزاد قال الشاعر وما أدع السفارة بين قومي وما أمشي بغش إن مشيت وقد تمسك به من قال إن جميع الملائكة رسل الله وللعلماء في ذلك قولان الصحيح أن فيهم الرسل وغير الرسل وقد ثيت أن منهم الساجد فلا يقوم والراكع فلا يعتدل الحديث واحتج الأول بقوله تعالى جاعل الملائكة رسلا وأجيب بقول الله تعالى الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس قوله تصدى تغافل عنه في رواية النسفي وقال غيره الخ وسقط منه شيء والذي قال أبو عبيدة في قوله تعالى فأنت له تصدى أي تتعرض له تلهي تغافل عنه فالساقط لفظ تتعرض له ولفظ تلهى وسيأتي تفسير تلهى على الصواب وهو بحذف إحدى التاءين في اللفظتين والأصل تتصدى وتتلهى وقد تعقب أبو ذر ما وقع في البخاري فقال إنما يقال تصدى للأمر إذا رفع رأسه إليه فأما تغافل فهو تفسير تلهى وقال بن التين قيل تصدى تعرض وهو اللائق بتفسير الآية لأنه لم يتغافل عن المشركين إنما تغافل عن الأعمى قوله وقال مجاهد لما يقض لا يقض أحد ما أمر به وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ لا يقضي أحد أبدا ما افترض عليه قوله وقال بن عباس ترهقها فترة تغشاها شدة وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس به وأخرج الحاكم من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله تعالى وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة قال يصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين وذلك قوله تعالى وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة قوله مسفرة مشرقة وصله بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة أيضا قوله بأيدي سفرة قال بن عباس كتبة أسفارا كتبا وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله بأيدي سفرة قال كتبة وأحدها سافر وهي كقوله كمثل الحمار يحمل أسفارا قال كتبا وقد ذكر عبد الرزاق من طريق معمر عن قتادة في قوله بأيدي سفرة قال كتبة وقال أبو عبيدة في قوله بأيدي سفرة أي كتبة وأحدها سافر قوله تلهى تشاغل تقدم القول فيه قوله يقال واحد الأسفار سفر سقط هذا لأبي ذر وهو قول الفراء قال في قوله تعالى كمثل الحمار يحمل أسفارا الأسفار وأحدها سفر وهي الكتب العظام قوله فأقبره يقال أقبرت الرجل جعلت له قبرا وقبرته دفنته قال الفراء في قوله تعالى ثم أماته فأقبره جعله مقبورا ولم يقل قبره لأن القابر هو الدافن وقال أبو عبيدة في قوله فأقبره أمر بأن يقبر جعل له قبرا والذي يدفن بيده هو القابر

[ 4653 ] قوله عن سعد بن هشام أي أبن عامر الأنصاري لأبيه صحبة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وآخر معلق في المناقب قوله مثل بفتحتين أي صفته وهو كقوله تعالى مثل الجنة قوله وهو حافظ له من السفرة الكرام البررة قال بن التين معناه كأنه مع السفرة فيما يستحقه من الثواب قلت أراد بذلك تصحيح التركيب وإلا فظاهره أنه لا ربط بين المبتدأ الذي هو مثل والخبر الذي هو مع السفرة فكأنه قال المثل بمعنى الشبيه فيصير كأنه قال شبيه الذي يحفظ كائن مع السفرة فكيف به وقال الخطابي كأنه قال صفته وهو حافظ له كأنه مع السفرة وصفته وهو عليه شديد أن يستحق أجرين قوله ومثل الذي يقرأ القرآن وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران قال بن التين اختلف هل له ضعف أجر الذي يقرأ القرآن حافظا أو يضاعف له أجره وأجر الأول أعظم قال وهذا أظهر وإن رجح الأول أن يقول الأجر على قدر المشقة

قوله سورة إذا الشمس كورت بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر ويقال لها أيضا سورة التكوير قوله سجرت يذهب ماؤها فلا يبقى قطرة تقدم في تفسير سورة الطور وأخرجه بن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بهذا قوله وقال مجاهد المسجور المملوء تقدم في تفسير سورة الطور أيضا قوله وقال غيره سجرت أفضى بعضها إلى بعض فصارت بحرا واحدا هو معنى قول السدي أخرجه بن أبي حاتم من طريقه بلفظ وإذا البحار سجرت أي فتحت وسيرت قوله انكدرت انتثرت قال الفراء في قوله تعالى وإذا النجوم انكدرت يريد انتئرت وقعت في وجه الأرض وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وإذا النجوم انكدرت قال تناثرت قوله كشطت أي غيرت وقرأ عبد الله قشطت مثل الكافور والقافور والقسط والكسط ثبت هذا للنسفي وحده وذكره غيره في الطب وهو قول الفراء قال في قوله تعالى وإذا السماء كشطت يعني نزعت وطويت وفي قراءة عبد الله يعني بن مسعود قشطت بالقاف والمعنى واحد والعرب تقول القافور والكافور والقسط والكسط إذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللغة كما يقال حدث وحدت والأتاني والأثاني قوله والخنس تخنس في مجراها ترجع وتكنس تستتر في بيوتها كما تكنس الظباء قال الفراء في قوله فلا أقسم بالخنس وهي النجوم الخمسة تخنس في مجراها ترجع وتكنس تستتر في بيوتها كما تكنس الظباء في المغاير وهي الكناس قال والمراد بالنجوم الخمسة بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري وأسند هذا الكلام بن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي ميسرة عن عمرو بن شرحبيل قال قال لي بن مسعود ما الخنس قال قلت أظنه بقر الوحش قال وأنا أظن ذلك وعن معمر عن الحسن قال هي النجوم تخنس بالنهار والكنس تسترهن إذا غبن قال وقال بعضهم الكنس الظباء وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن علي قال هن الكواكب تكنس بالليل وتخنس بالنهار فلا ترى ومن طريق مغيرة قال سئل مجاهد عن هذه الآية فقال لا أدري فقال إبراهيم لم لا تدري قال سمعنا أنها بقر الوحش وهؤلاء يروون عن علي أنها النجوم قال إنهم يكذبون على علي وهذا كما يقولون إن عليا قال لو أن رجلا وقع من فوق بيت على رجل فمات الأعلى ضمن الأسفل قوله تنفس ارتفع النهار هو قول الفراء أيضا قوله والظنين المتهم والضنين يضن به هو قول أبي عبيدة وأشار إلى القراءتين فمن قرأها بالظاء المشالة فمعناها ليس بمتهم ومن قرأها بالساقطة فمعناها البخيل وروى الفراء عن قيس بن الربيع عن عاصم عن ورقاء قال أنتم تقرءون بضنين ببخيل ونحن نقرأ بظنين بمتهم وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي قال الظنين المتهم والضنين البخيل وروى بن أبي حاتم بسند صحيح كان بن عباس يقرأ بضنين قال والظنين والظنين سواء يقول ما هو بكاذب والظنين المتهم والضنين البخيل قوله وقال عمر النفوس زوجت يزوج نظيره من أهل الجنة والنار ثم قرأ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وصله عبد بن حميد والحاكم وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه من طريق الثوري وإسرائيل وحماد بن سلمة وشريك كلهم عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير سمعت عمر يقول في قوله وإذا النفوس زوجت هو الرجل يزوج نظيره من أهل الجنة والرجل يزوج نظيره من أهل النار ثم قرأ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وهذا إسناد متصل صحيح ولفظ الحاكم هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة والنار الفاجر مع الفاجر والصالح مع الصالح وقد رواه الوليد بن أبي ثور عن سماك بن حرب فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقصر به فلم يذكر فيه عمر جعله من مسند النعمان أخرجه بن مردويه وأخرجه أيضا من وجه آخر عن الثوري كذلك والأول هو المحفوظ وأخرج الفراء من طريق عكرمة قال يقرن الرجل بقرينه الصالح في الدنيا ويقرن الرجل الذي كان يعمل السوء في الدنيا بقرينه الذي كان يعينه في النار قوله عسعس أدبر وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس بهذا وقال أبو عبيدة قال بعضهم عسعس أقبلت ظلماؤه وقال بعضهم بل معناه ولي لقوله بعد ذلك والصبح إذا تنفس وروى أبو الحسن الأثرم بسند له عن عمر قال إن شهرنا قد عسعس أي أدبر وتمسك من فسره بأقبل بقوله تعالى والصبح إذا تنفس قال الخليل أقسم باقبال الليل وإدباره تنبيه لم يورد فيها حديثا مرفوعا وفيها حديث جيد أخرجه أحمد والترمذي والطبراني وصححه الحاكم من حديث بن عمر رفعه من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت لفظ أحمد

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله سورة إذا السماء انفطرت بسم الله الرحمن الرحيم ويقال لها أيضا سورة الانفطار قوله انفطارها انشقاقها ثبت هذا للنسفي وحده وهو قول الفراء قوله ويذكر عن بن عباس بعثرت يخرج من فيها من الموتى ثبت هذا أيضا للنسفي وحده وهو قول الفراء أيضا وقد أخرج بن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس بعثرت أي بحثت قوله وقال غيره انتثرت بعثرت حوضي جعلت أسفله أعلاه ثبت هذا للنسفي أيضا وحده وتقدم في الجنائز قوله وقال الربيع بن خثيم فجرت فاضت قال عبد بن حميد حدثنا مؤمل وأبو نعيم قالا حدثنا سفيان هو بن سعيد الثوري عن أبيه عن أبي يعلى هو منذر الثوري عن الربيع بن خثيم به قال عبد الرزاق أنبأنا الثوري مثله وأتم منه والمنقول عن الربيع فجرت بتخفيف الجيم وهو اللائق بتفسيره المذكور قوله وقرأ الأعمش وعاصم فعدلك بالتخفيف وقرأه أهل الحجاز بالتشديد قلت قرأ أيضا بالتخفيف حمزة والكسائي وسائر الكوفيين وقرأ أيضا بالتثقيل من عداهم من قراءة الأمصار قوله وأراد معتدل الخلق ومن خفف يعني في أي صورة شاء إما حسن وإما قبيح أو طويل أو قصير هو قول الفراء بلفظه إلى قوله بالتشديد ثم قال فمن قرأ بالتخفيف فهو والله أعلم يصرفك في أي صورة شاء إما حسن الخ ومن شدد فإنه أراد والله أعلم جعلك معتدلا معتدل الخلق قال وهو أجود القراءتين في العربية وأحبهما إلى وحاصل القراءتين أن التي بالتثقيل من التعديل والمراد التناسب وبالتخفيف من العدل وهو الصرف إلى أي صفة أراد تنبيه لم يورد فيها حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث بن عمر المنبه عليه في التي قبلها

بسم الله الرحمن الرحيم قوله سورة ويل للمطففين بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر أخرج النسائي وابن ماجة بإسناد صحيح من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فانزل الله ويل للمطففين فأحسنوا الكيل بعد ذلك قوله وقال مجاهد بل ران ثبت الخطايا وصله الفريابي وروينا في وفوائد الديباجي من طريق عيسى عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله بل ران على قلوبهم قال ثبتت على قلوبهم الخطايا حتى غمرتها انتهى والران والرين الغشاوة وهو كالصدى على الشيء الصقيل وروى بن حبان والحاكم والترمذي والنسائي من طريق القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن هو عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي ذكر الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم وروينا في المحامليات من طريق الأعمش عن مجاهد قال كانوا يرون الرين هو الطبع تنبيه قول مجاهد هذا ثبت بفتح المثلثة والموحدة بعدها مثناة ويجوز تسكين ثانية قوله ثوب جوزي هو قول أبي عبيدة ووصله الفريابي عن مجاهد أيضا قوله الرحيق الخمر ختامه مسك طينه التسنيم يعلو شراب أهل الجنة ثبت هذا للنسفي وحده وتقدم في بدء الخلق قوله وقال غيره المطفف لا يوفى غيره هو قول أبي عبيدة

[ 4654 ] قوله حدثنا معن هو بن عيسى قوله حدثني مالك هذا الحديث من غرائب حديث مالك وليس هو في الموطأ وقد تابع معن بن عيسى عليه عبد الله بن وهب أخرجه الأسماعيلي وأبو نعيم والوليد بن مسلم وإسحاق القروي وسعيد بن الزبير وعبد العزيز بن يحيى أخرجها الدارقطني في الغرائب كلهم عن مالك

قوله يوم يقوم الناس لرب العالمين زاد في رواية بن وهب يوم القيامة قوله في رشحه بفتحتين أي عرقه لأنه يخرج من البدن شيئا بعد شيء كما يرشح الإناء المتحلل الأجزاء ووقع في رواية سعيد بن داود حتى أن العرق يلجم أحدهم إلى أنصاف أذنيه قوله إلى أنصاف أذنيه هو من إضافة الجميع إلى الجميع حقيقة ومعنى لأن لكل واحد أذنين وقد روى مسلم من حديث المقداد بن الأسود عن النبي صلى الله عليه وسلم تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما

قوله سورة إذا السماء انشقت ويقال لها أيضا سورة الانشقاق وسورة الشفق قوله وقال مجاهد أذنت سمعت وأطاعت لربها وألقت ما فيها أخرجت ما فيها من الموتى وتخلت عنهم وقع هنا للنسفي وتقدم لهم في بدء الخلق وقد أخرجه الحاكم من طريق مجاهد عن بن عباس وصله بذكر بن عباس فيه لكنه موقوف عليه قوله كتابه بشماله يعطي كتابه من وراء ظهره وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عنه قال في قوله وأما من أوتى كتابه وراء ظهره قال تجعل يده من وراء ظهره فيأخذ بها كتابه قوله وسق جمع من دابة وصله الفريابي أيضا من طريقه وقد تقدم في بدء الخلق مثله وأتم منه وأخرج سعيد بن منصور عن بن عباس في قوله والليل وما وسق قال وما دخل فيه وإسناده صحيح قوله ظن أن لن يحور أن لن يرجع إلينا وصله الفريابي من طريقه أيضا وأصل يحور الحور بالفتح وهو الرجوع وحاورت فلانا أي راجعته ويطلق على التردد في الأمر قوله وقال بن عباس يوعون يسرون ثبت هذا للنسفي وحده ووصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وقال عبد الرزاق أنبانا معمر عن قتادة يوعون قال في صدورهم

قوله باب فسوف يحاسبك حسابا يسيرا سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر

[ 4655 ] قوله حدثنا يحيى هو القطان وله في الحديث شيخ آخر بإسناد آخر وهو مذكور في هذا الباب وعثمان بن الأسود أي بن أبي موسى المكي مولى بني جمح وقع عند القابسي عثمان الأسود صفة لعثمان وهو خطأ واشتمل ما ساقه المصنف على ثلاثة أسانيد عثمان عن بن أبي مليكة عن عائشة وتابعه أيوب عن عثمان وخالفهما أبو يونس فأدخل بين بن أبي مليكة وعائشة رجلا وهو القاسم بن محمد وهو محمول على أن بن أبي مليكة حمله عن القاسم ثم سمعه من عائشة أو سمعه أولا من عائشة ثم استثبت القاسم إذ في رواية القاسم زيادة ليست عنده وقد استدرك الدارقطني هذا الحديث لهذا الاختلاف وأجيب بما ذكرناه ونبه الجياني على خبط لأبي زيد المروزي في هذه الأسانيد قال سقط عنده بن أبي مليكة من الإسناد الأول ولا بد منه وزيد عنده القاسم بن محمد في الإسناد الثاني وليس فيه وإنما هو في رواية أبي يونس وقال الإسماعيلي جمع البخاري بين الأسانيد الثلاثة ومتونها مختلفة قلت وسأبين ذلك وأوضحه في كتاب الرقاق مع بقية الكلام على الحديث وتقدمت بعض مباحثه في أواخر كتاب العلم

قوله باب لتركبن طبقا عن طبق سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر

[ 4656 ] قوله قال بن عباس لتركبن طبقا عن طبق حالا بعد حال قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم أي الخطاب له وهو على قراءة فتح الموحدة وبها قرأ بن كثير والأعمش والأخوان وقد أخرج الطبري الحديث المذكور عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم بلفظ ان بن عباس كان يقرأ لتركبن طبقا عن طبق يعني نبيكم حالا بعد حال وأخرجه أبو عبيد في كتاب القراءات عن هشيم وزاد يعني بفتح الباء قال الطبري قرأها بن مسعود وابن عباس وعامة قراء أهل مكة والكوفة بالفتح والباقون بالضم على أنه خطاب للأمة ورجحها أبو عبيدة لسياق ما قبلها وما بعدها ثم أخرج عن الحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم قالوا طبقا عن طبق يعني حالا بعد حال ومن طريق الحسن أيضا وأبي العالية ومسروق قال السماوات وأخرج الطبري أيضا والحاكم من حديث بن مسعود إلى قوله لتركبن طبقا عن طبق قال السماء وفي لفظ للطبري عن بن مسعود قال المراد أن السماء تصير مرة كالدهان ومرة تشقق ثم تحمر ثم تنفطر ورجح الطبري الأول وأصل الطبق الشدة والمراد بها هنا ما يقع من الشدائد يوم القيامة والطبق ما طابق غيره يقال ما هذا بطبق كذا أي لا يطابقه ومعنى قوله حالا بعد حال أي حال مطابقة للتي قبلها في الشدة أو هو جمع طبقة وهي المرتبة أي هي طبقات بعضها أشد من بعض وقيل المراد اختلاف أحوال المولود منذ يكون جنينا إلى أن يصير إلى أقصى العمر فهو قبل أن يولد جنين ثم إذا ولد صبي فإذا فطم غلام فإذا بلغ سبعا يافع فإذا بلغ عشرا حزور فإذا بلغ خمس عشرة قمد فإذا بلغ خمسا وعشرين عنطنط فإذا بلغ ثلاثين صمل فإذا بلغ أربعين كهل فإذا بلغ خمسين شيخ فإذا بلغ ثمانين هم فإذا بلغ تسعين فان

قوله سورة البروج تقدم في أواخر الفرقان تفسير البروج قوله وقال مجاهد الأخدود شق في الأرض وصله الفريابي بلفظ شق بنجران كانوا يعذبون الناس فيه وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما من حديث صهيب قصة أصحاب الأخدود مطولة وفيه قصة الغلام الذي كان يتعلم من الساحر فمر بالراهب فتابعه على دينه فأراد الملك قتل الغلام لمخالفته دينه فقال إنك لن تقدر على قتلي حتى تقول إذا رميتني بسم الله رب الغلام ففعل فقال الناس آمنا برب الغلام فخد لهم الملك الأخاديد في السكك وأضرم فيها النيران ليرجعوا إلى دينه وفيه قصة الصبي الذي قال لأمة اصبري فإنك على الحق صرح برفع القصة بطولها حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب ومن طريقه أخرجه مسلم والنسائي وأحمد ووقفها معمر عن ثابت ومن طريقه أخرجها الترمذي وعنده في آخره يقول الله تعالى قتل أصحاب الأخدود إلى العزيز الحميد قوله فتنوا عذبوا وصله الفريابي من طريقه وهذا أحد معاني الفتنة ومثله يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون قوله وقال بن عباس الودود الحبيب المجيد الكريم ثبت هذا للنسفي وحده ويأتي في التوحيد وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله الغفور الودود قال الودود الحبيب وفي قوله ذو العرش المجيد يقول الكريم

قوله سورة الطارق هو النجم وما أباك ليلا فهو طارق ثم فسره فقال النجم الثاقب المضيء يقال أثقب نارك للموقد ثبت هذا للنسفي وأبي نعيم وسيأتي للباقين في كتاب الاعتصام وهو كلام الفراء قال في قوله تعالى والسماء والطارق الخ وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الثاقب المضيء وأخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس مثله قوله وقال مجاهد الثاقب الذي يتوهج ثبت هذا لأبي نعيم عن الجرجاني ووصله الفريابي والطبري من طريق مجاهد بهذا وأخرج الطبري من طريق السدي قال هو النجم الذي يرمي به ومن طريق عبد الرحمن بن زيد قال النجم الثاقب الثريا قوله ذات الرجع سحاب يرجع بالمطر وذات الصدع الأرض تنصدع بالنبات وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ والسماء ذات الرجع قال يعني ذات السحاب تمطر ثم ترجع بالمطر وفي قوله والأرض ذات الصدع ذات النبات وللحاكم من وجه آخر عن بن عباس في قوله ذات الرجع المطر بعد المطر وإسناد صحيح قوله وقال بن عباس لقول فصل لحق وقع هذا للنسفي وسيأتي في التوحيد بزيادة قوله لما عليها حافظ إلا عليها حافظ وصله بن أبي حاتم من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس وإسناده صحيح لكن أنكره أبو عبيدة وقال لم نسمع لقول لما بمعنى إلا شاهدا في كلام العرب وقرئت لما بالتخفيف والتشديد فقرأها بن عامر وعاصم وحمزة بالتشديد وأخرج أبو عبيدة عن بن سيرين أنه أنكر التشديد على من قرأ به تنبيه لم يورد في الطارق حديثا مرفوعا وقد وقع حديث جابر في قصة معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفتان يا معاذ يكفيك أن تقرأ بالسماء والطارق والشمس وضحاها الحديث أخرجه النسائي هكذا ووصله في الصحيحين
قوله سورة سبح اسم ربك الأعلى ويقال لها سورة الأعلى وأخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير سمعت بن عمر يقرأ سبحان ربي الأعلى الذي خلق فسوى وهي قراءة أبي بن كعب قوله وقال مجاهد قدر فهدى قدر للإنسان الشقاء والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها ثبت هذا للنسفي وقد وصله الطبري من طريق مجاهد قوله وقال بن عباس غثاء أحوى هشيما متغيرا ثبت أيضا للنسفي وحده ووصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه ثم ذكر المصنف حديث البراء في أول من قدم المدينة من المهاجرين وقد تقدم شرحه في أوائل الهجرة ووقع في آخر هذا الحديث هنا يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذف صلى الله عليه وسلم من رواية أبي ذر قال لأن الصلاة عليه إنما شرعت في السنة الخامسة وكأنه يشير إلى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما لأنها من جملة سورة الأحزاب وكان نزولها في تلك السنة على الصحيح لكن لا مانع أن تتقدم الآية المذكورة على معظم السورة ثم من أين له أن لفظ صلى الله عليه وسلم من صلب الرواية من لفظ الصحابي وما المانع أن يكون ذلك صدر ممن دونه وقد صرحوا بأنه يندب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يرضى عن الصحابي ولو لم يرد ذلك في الرواية

بسم الله الرحمن الرحيم قوله سورة هل أتاك بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر وسقطت البسملة للباقين ويقال لها أيضا سورة الغاشية وأخرج بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال الغاشية من أسماء يوم القيامة قوله وقال بن عباس عاملة ناصبة النصارى وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة ومن طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن بن عباس وزاد اليهود وذكر الثعلبي من رواية أبي الضحى عن بن عباس قال الرهبان قوله وقال مجاهد عين آنية بلغ إناها وحان شربها حميم آن بلغ إناه وصله الفريابي من طريق مجاهد مفرقا في مواضعه قوله لا تسمع فيها لاغية شتما وصله الفريابي أيضا عن مجاهد وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة لا تسمع فيها باطلا ولا مأثما وهذا على قراءة الجمهور بفتح تسمع بمثناة فوقية وقرأها الجحدري بتحتانية كذلك وأما أبو عمرو وابن كثير فضما التحتانية وضم نافع أيضا لكن بفوقانية قوله ويقال الضريع نبت يقال له الشيرق تسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس وهو سم هو كلام الفراء بلفظه والشبرق بكسر المعجمة بعدها موحدة قال الخليل بن أحمد هو نبت أخضر منتن الريح يرمي به البحر وأخرج الطبري من طريق عكرمة ومجاهد قال الضريع الشبرق ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال الضريع شجر من نار ومن طريق سعيد بن جبير قال الحجارة وقال بن التين كأن الضريع مشتق من الضارع وهو الذليل وقيل هو السلا بضم المهملة وتشديد اللام وهو شوك النخل قوله بمسيطر بمسلط قال أبو عبيدة في قوله لست عليهم بمسيطر بمسلط قال ولم نجد مثلها إلا مبيطر أي بالموحدة قال لم نجد لهما ثالثا كذا قال وقد قدمت في تفسير سورة المائدة زيادات عليها قال بن التين أصله السطر والمعنى أنه لا يتجاوز ما هو فيه قال وإنما كان ذلك وهو بمكة قبل أن يهاجر ويؤذن له في القتال قوله ويقرأ بالصاد والسين قلت قراءة الجمهور بالصاد وفي رواية عن بن كثير بالسين وهي قراءة هشام قوله وقال بن عباس إيايهم مرجعهم وصله بن المنذر من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس وذكره بن أبي حاتم عن عطاء ولم يجاوز به تنبيه لم يذكر فيها حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث جابر رفعه أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث وفي آخره وحسابهم على الله ثم قرأ إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلى آخر السورة أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وإسناده صحيح

قوله سورة والفجر وقال مجاهد ارم ذات العماد يعني القديمة والعماد أهل عمود لا يقيمون وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ ارم القديمة وزادت العماد أهل عماد لا يقيمون وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة إرم قبيله من عاد قال والعماد كانوا أهل عمود أي خيام انتهى وارم هو بن سام بن نوح وعاد بن عوض بن إرم وقيل إرم اسم المدينة وقيل أيضا إن المراد بالعماد شدة أبدانهم وإفراط طولهم وقد أخرج بن مردويه من طريق المقدام بن معد يكرب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ذات العماد قال كان الرجل يأتي الصخرة فيحملها على كاهله فيلقيها على أي حي أراد فيهلكهم وأخرج بن أبي حاتم من طريق السدي قال إرم اسم أبيهم ومن طريق مجاهد قال إرم أمه ومن طريق قتادة قال كنا نتحدث أن ارم قبيلة ومن طريق عكرمة قال ارم هي دمشق ومن طريق عطاء الخراساني قال ارم الأرض ومن طريق الضحاك قال الإرم الهلاك يقال أرم بنو فلان أي هلكوا ومن طريق شهر بن حوشب نحوه وهذا على قراءة شاذة قرئت بعاد أرم بفتحتين والراء ثقيلة على أنه فعل ماض وذات بفتح التاء على المفعولية أي أهلك الله ذات العماد وهو تركيب قلق وأصح هذه الأقوال الأول أن أرم اسم القبيلة وهم ارم بن سام بن نوح وعاد هم بنو عاد بن عوص بن ارم وميزت عاد بالإضافة لارم عن عاد الأخيرة وقد تقدم في تفسير الأحقاف أن عادا قبيلتان ويؤيده قوله تعالى وانه أهلك عادا الأولى وأما قوله ذات العماد فقد فسره مجاهد بأنها صفة القبيلة فإنهم كانوا أهل عمود أي خيام وأخرج بن أبي حاتم من طريق الضحاك قال ذات العماد القوة ومن طريق ثور بن زيد قال قرأت كتابا قديما أنا شداد بن عاد أنا الذي رفعت ذات العماد أنا الذي شددت بذراعي بطن واد وأخرج بن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة قصة مطولة جدا أنه خرج في طلب إبل له وأنه وقع في صحاري عدن وأنه وقع على مدينة في تلك الفلوات فذكر عجائب ما رأى فيها وأن معاوية لما بلغه خبره أحضره إلى دمشق وسأل كعبا عن ذلك فأخبره بقصة المدينة ومن بناها وكيفية ذلك مطولا جدا وفيها ألفاظ منكرة وراويها عبد الله بن قلابة لا يعرف وفي إسناده عبد الله بن لهيعة قوله سوط عذاب الذي عذبوا به وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ ما عذبوا به ولابن أبي حاتم من طريق قتادة كل شيء عذب الله به فهو سوط عذاب وسيأتي له تفسير آخر قوله أكلا لما السف وجما الكثير وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ السف لف كل شيء ويحبون المال حبا جما قال الكثير وسيأتي بسط الكلام على السف في شرح حديث أم زرع في النكاح قوله وقال مجاهد كل شيء خلقه فهو شفع السماء شفع والوتر الله تقدم في بدء الخلق بأتم من هذا وقد أخرج الترمذي من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر فقال هي الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر ورجاله ثقات إلا أن فيه راويا مبهما وقد أخرجه الحاكم من هذا الوجه فسقط من روايته المبهم فاغتر فصححه وأخرج النسائي من حديث جابر رفعه قال العشر عشر الأضحى والشفع يوم الأضحى والوتر يوم عرفة وللحاكم من حديث بن عباس قال الفجر فجر النهار وليال عشر عشر الأضحى ولسعيد بن منصور من حديث بن الزبير أنه كان يقول الشفع قوله تعالى فمن تعجل في يومين والوتر اليوم الثالث تنبيه قرأ الجمهور الوتر بفتح الواو وقرأها الكوفيون سوى عاصم بكسر الواو واختارها أبو عبيد قوله وقال غيره سوط عذاب كلمة تقولها العرب لكل نوع من العذاب يدخل فيه السوط هو كلام الفراء وزاد في آخره جرى به الكلام لأن السوط أصل ما كانوا يعذبون به فجرى لكل عذاب إذ كان عندهم هو الغاية قوله لبالمرصاد إليه المصير هو قول الفراء أيضا والمرصاد مفعال من المرصد وهو مكان الرصد وقرأ بن عطية بما يقتضيه ظاهر اللفظ فجوز أن يكون المرصاد بمعنى الفاعل أي الراصد لكن أتى فيه بصيغة المبالغة وتعقب بأنه لو كان كذلك لم تدخل عليه الباء في فصيح الكلام وإن سمع ذلك نادرا في الشعر وتأويله على ما يليق بجلال الله واضح فلا حاجة للتكلف وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن قال بمرصاد أعمال بني آدم قوله تحاضون تحافظون وتحضون تأمرون باطعامه قال الفراء قرأ الأعمش وعاصم بالألف وبمثناة مفتوحة أوله ومثله لأهل المدينة لكن بغير ألف وبعضهم يحاضون بتحتانية أوله والكل صواب كانوا يحاضون يحافظون ويحضون يأمرون باطعامه انتهى وأصل تحاضون تتحاضون فحذفت إحدى التاءين والمعنى لا يحض بعضكم بعضا وقرأ أبو عمرو بالتحتانية في يكرمون ويحضون وما بعدهما وبمثل قراءة الأعمش قرأ يحيى بن وثاب والأخوان وأبو جعفر المدني وهؤلاء كلهم بالمثناة فيها وفي يكرمون فقط ووافقهم على المثناة فيهما بن كثير ونافع وشيبة لكن بغير ألف في يحضون قوله المطمئنة المصدقة بالثواب قال الفراء يا أيتها النفس المطمئنة بالإيمان المصدقة بالثواب والبعث وأخرج بن مردويه من طريق بن عباس قال المطمئنة المؤمنة قوله وقال الحسن يا أيتها النفس المطمئنة إذا أراد الله قبضها اطمأنت إلى الله واطمأن الله إليه ورضيت عن الله ورضى الله عنه فأمر بقبض روحها وأدخله الله الجنة وجعله من عباده الصالحين وقع في رواية الكشميهني واطمأن الله إليها ورضى الله عنها وأدخلها الله الجنة بالتأنيث في المواضع الثلاثة وهو أوجه وللآخر وجه وهو عود الضمير على الشخص وقد أخرج بن أبي حاتم من طريق الحسن قال أن الله تعالى إذا أراد قبض روح عبده المؤمن واطمأنت النفس إلى الله واطمأن الله إليها ورضيت عن الله ورضى عنها أمر بقبضها فأدخلها الجنة وجعلها من عباده الصالحين أخرجه مفرقا وإسناد الاطمئنان إلى الله من مجاز المشاكلة والمراد به لازمه من إيصال الخير ونحو ذلك وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن قال المطمئنة إلى ما قال الله والمصدقة بما قال الله تعالى قوله وقال غيره جابوا نقبوا من جيب القميص قطع له جيب يجوب الفلاة أي يقطعها ثبت هذا لغير أبي ذر وقال أبو عبيدة في قوله جابوا البلاد نقبوها ويجوب البلاد يدخل فيها ويقطعها وقال الفراء جابوا الصخر فرقوه فاتخذوه بيوتا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة جابوا الصخر نقبوا الصخر قوله لما لممته أجمع أتيت على آخره سقط هذا لأبي ذر وهو قول أبي عبيدة بلفظه وزاد حبا جما كثيرا شديدا تنبيه لم يذكر في الفجر حديثا مرفوعا ويدخل فيه حديث بن مسعود رفعه في قوله تعالى وجيء يومئذ بجهنم قال يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها أخرجه مسلم والترمذي

قوله سورة لا أقسم ويقال لها أيضا سورة البلد واتفقوا على أن المراد بالبلد مكة شرفها الله تعالى قوله وقال مجاهد وأنت حل بهذا البلد مكة ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ يقول لا تؤاخذ بما عملت فيه وليس عليك فيه ما على الناس وقد أخرجه الحاكم من طريق منصور عن مجاهد فزاد فيه عن بن عباس بلفظ أحل الله له أن يصنع فيه ما شاء ولابن مردويه من طريق عكرمة عن بن عباس يحل لك أن تقاتل فيه وعلى هذا فالصيغة للوقت الحاضر والمراد الآتي لتحقق وقوعه لأن السورة مكية والفتح بعد الهجرة بثمان سنين قوله ووالد آدم وما ولد وصله الفريابي من طريق مجاهد بهذا وقد أخرجه الحاكم من طريق مجاهد أيضا وزاد فيه عن بن عباس قوله في كبد في شدة خلق ثبت هذا للنسفي وحده وقد أخرجه سعيد بن منصور من طريق مجاهد بلفظ حملته أمه كرها ووضعته كرها ومعيشة في نكد وهو يكابد ذلك وأخرجه الحاكم من طريق سفيان عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس مثله وزاد في ولادته ونبت أسنانه وسرره وختانه ومعيشته قوله لبدا كثيرا وصله الفريابي بهذا وهي بتخفيف الموحدة وشددها أبو جعفر وحده وقد تقدم تفسيرها في تفسير سورة الجن والنجدين الخير والشر وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ سبيل الخير وسبيل الشر يقول عرفناه وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن بن مسعود قال النجدين سبيل الخير والشر وصححه الحاكم وله شاهد عند بن مردويه من حديث أبي هريرة وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هما النجدان فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير قوله مسغبة مجاعة وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ جوع ومن وجه آخر عن مجاهد عن بن عباس قال ذي مجاعة وأخرجه بن أبي حاتم كذلك ومن طريق قتادة قال يوم يشتهي فيه الطعام قوله متربة الساقط في التراب وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ المطروح في التراب ليس له بيت وروى الحاكم من طريق حصين عن مجاهد عن بن عباس قال المطروح الذي ليس له بيت وفي لفظ المتربة الذي لا يقيه من التراب شيء وهو كذلك لسعيد بن منصور ولابن عيينة من طريق عكرمة عن بن عباس قال هو الذي ليس بينه وبين الأرض شيء قوله يقال فلا اقتحم العقبة فلم يقتحم العقبة في الدنيا ثم فسر العقبة فقال وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال للنار عقبة دون الجنة فلا اقتحم العقبة ثم أخبر عن اقتحامها فقال فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسبغة وقال أبو عبيدة في قوله فلا اقتحم العقبة الخ بلفظ الأصل وزاد بعد قوله مسغبة مجاعة ذا متربة قد لزق بالتراب وأخرج سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال أن من الموجبات إطعام المؤمن السغبان تنبيه قرأ فك وأطعم بالفعل الماضي فيهما بن كثير وأبو عمرو والكسائي وقرأ باقي السبعة فك بضم الكاف والإضافة وإطعام عطفا عليها قوله مؤصدة مطبقة هو قول أبي عبيدة وقد تقدم في صفة النار من بدء الخلق ويأتي في حديث آخر في تفسير الهمزة تنبيه لم يذكر في سورة البلد حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث البراء قال جاء إعرابي فقال يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة أو فك الرقبة قال أو ليستا بواحدة قال لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في عتقها أخرجه أحمد وابن مردويه من طريق عبد الرحمن بن عوسجة عنه وصححه بن حبان

قوله سورة والشمس وضحاها بسم الله الرحمن الرحيم ثبتت البسملة لأبي ذر قوله وقال مجاهد ضحاها ضوءها إذا تلاها تبعها و طحاها دحاها و دساها أغواها ثبت هذا كله للنسفي وحده وقد تقدم لهم في بدء الخلق مفرقا إلا قوله دساها فأخرجه الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وقد أخرج الحاكم من طريق حصين عن مجاهد عن بن عباس جميع ذلك قوله فألهمها عرفها الشقاء والسعادة ثبت هذا للنسفي وحده وقد أخرجه الطبري من طريق مجاهد قوله ولا يخاف عقباها عقبي أحد وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله ولا يخاف عقباها الله لا يخاف عقبي أحد وهو مضبوط بفتح الألف والمهملة وفي بعض النسخ وبسكون الخاء المعجمة بعدها ذال معجمة قال الفراء قرأ أهل البصرة والكوفة بالواو وأهل المدينة بالفاء فلا يخاف فالواو صفة العاقر أي عقر ولم يخف عاقبة عقرها أو المراد لا يخاف الله أن يرجع بعد إهلاكها فالفاء على هذا أجود والضمير في عقباها للدمدمة أو لثمود أو للنفس المقدم ذكرها والدمدمة الهلاك العام قوله بطغواها معاصيها وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ معصيتها وهو الوجه والطغوى بفتح الطاء والقصر الطغيان ويحتمل في الباء أن تكون للاستعانة وللسبب أو المعنى كذبت بالعذاب الناشيء عن طغيانها

[ 4658 ] قوله هشام هو بن عروة بن الزبير قوله عبد الله بن زمعة أي بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى صحابي مشهور وأمه قريبة أخت أم سلمة أم المؤمنين وكان تحته زينب بنت أم سلمة وقد تقدم في قصة ثمود من أحاديث الأنبياء أنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وإنه يشتمل على ثلاثة أحاديث قوله وذكر الناقة أي ناقة صالح والواو عاطفة على شيء محذوف تقديره فخطب فذكر كذا وذكر الناقة قوله والذي عقر كذا هنا بحذف المفعول وتقدم بلفظ عقرها أي الناقة قوله إذا انبعث تقدم في أحاديث الأنبياء بلفظ انتدب تقول ندبته إلى كذا فانتدب له أي أمرته فامتثل قوله عزيز أي قليل المثل قوله عارم بمهملتين أي صعب على من يرومه كثير الشهامة والشر قوله منيع أي قوي ذو منعة أي رهط يمنعونه من الضيم وقد تقدم في أحاديث الأنبياء بلفظ ذو منعة وتقدم بيان اسمه وسبب عقره الناقة قوله مثل أبي زمعة يأتي في الحديث الذي بعده قوله وذكر النساء أي وذكر في خطبته النساء استطرادا إلى ما يقع من أزواجهن قوله يعمد بكسر الميم وسيأتي شرحه في كتاب النكاح قوله ثم وعطهم في ضحكهم في رواية الكشميهني في ضحك بالتنوين وقال لم يضحك أحدكم مما يفعل يأتي الكلام عليه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله وقال أبو معاوية الخ وصله إسحاق بن راهويه في مسنده قال أنبأنا أبو معاوية فذكر الحديث بتمامه وقال في آخره مثل أبي زمعة عم الزبير بن العوام كما علقه البخاري سواء وقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية لكن لم يقل في آخره عم الزبير بن العوام قوله عم الزبير بن العوام هو عم الزبير مجازا لأنه الأسود بن المطلب بن أسد والعوام بن خويلد بن أسد فنزل بن العم منزلة الأخ فأطلق عليه عما بهذا الاعتبار كذا جزم الدمياطي باسم أبي زمعة هنا وهو المعتمد وقال القرطبي في المفهم يحتمل أن المراد بأبي زمعة الصحابي الذي بايع تحت الشجرة يعني وهو عبيد البلوي قال ووجه تشبيهه به إن كان كذلك أنه كان في عزة ومنعة في قومه كما كان ذلك الكافر قال ويحتمل أن يؤيد غيره ممن يكنى أبا زمعة من الكفار قلت وهذا الثاني هو المعتمد والغير المذكور هو الأسود وهو جد عبد الله بن زمعة راوي هذا الخبر لقوله في نفس الخبر عم الزبير بن العوام وليس بين البلوي وبين الزبير نسب وقد أخرج الزبير بن بكار هذا الحديث في ترجمة الأسود بن المطلب من طريق عامر بن صالح عن هشام بن عروة وزاد قال فتحدث بها عروة وأبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة جالس فكأنه وجد منها فقال له عروة يا بن أخي والله ما حدثنيها أبوك إلا وهو يفخر بها وكان الأسود أحد المستهزئين ومات على كفره بمكة وقتل ابنه زمعة يوم بدر كافرا أيضا

بسم الله الرحمن الرحيم وقال بن عباس وكذب بالحسنى بالخلف وقال مجاهد تردي مات وتلظى توهج وقرأ عبيد بن عمير تتلظى قوله سورة والليل إذ يغشى بسم الله الرحمن الرحيم ثبتت البسملة لأبي ذر قوله وقال بن عباس وكذب بالحسنى بالخلف وصله بن أبي حاتم من طريق حصين عن عكرمة عنه وإسناده صحيح قوله وقال مجاهد تردى مات وتلظى توهج وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله إذا تردى إذا مات وفي قوله نارا تلظى توهج قوله وقرأ عبيد بن عمير تتلظى وصله سعيد بن منصور عن بن عيينة وداود العطار كلاهما عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ نارا تلظى وقال الفراء حدثنا بن عيينة عن عمرو قال فاتت عبيد بن عمير ركعة من المغرب فسمعته يقرأ فأنذرتكم نارا تلظى وهذا إسناد صحيح ولكن رواه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن بن عيينة بهذا السند فالله أعلم وهي قراءة زيد بن علي وطلحة بن مصرف أيضا وقد قيل إن عبيد بن عمير قرأها بالإدغام في الوصل لا في الابتداء وهي قراءة البزي من طريق بن كثير

قوله باب والنهار إذا تجلى ذكر فيه الحديث الآتي في الباب الذي بعده وسقطت الترجمة لأبي ذر والنسفي

قوله باب وما خلق الذكر والأنثى حدثنا عمر هو بن حفص بن غياث ووقع لأبي ذر حدثنا عمر بن حفص

[ 4660 ] قوله قدم أصحاب عبد الله أي بن مسعود على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال أيكم يقرأ على قراءة عبد الله قالوا كلنا قال فأيكم أحفظ وأشاروا إلى علقمة هذا صورته الإرسال لأن إبراهيم ما حضر القصة وقد وقع في رواية سفيان عن الأعمش في الباب الذي قبله عن إبراهيم عن علقمة فتبين أن الإرسال في هذا الحديث ووقع في رواية الباب عند أبي نعيم أيضا ما يقتضي أن إبراهيم سمعه من علقمة وقوله في آخره وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ وما خلق الذكر والأنثى والله لا أتابعهم ووقع في رواية داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة في هذا الحديث وأن هؤلاء يريدونني أن أزول عما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون لي اقرأ وما خلق الذكر والأنثى وإني والله لا أطيعهم أخرجه مسلم وابن مردويه وفي هذا بيان واضح أن قراءة بن مسعود كانت كذلك والذي وقع في غير هذه الطريق أنه قرأ والذي خلق الذكر والأنثى كذا في كثير من كتب القراءات الشاذة وهذه القراءة لم يذكرها أبو عبيد الا عن الحسن البصري وأما بن مسعود فهذا الإسناد المذكور في الصحيحين عنه من أصح الأسانيد يروي به الأحاديث قوله كيف سمعته أي بن مسعود يقرأ والليل إذ يغشى قال علقمة والذكر والأنثى في رواية سفيان فقرأت الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى وهذا صريح في أن بن مسعود كان يقرؤها كذلك وفي رواية إسرائيل عن مغيرة في المناقب والليل إذا يغشى والذكر والأنثى بحذف والنهار إذا تجلى كذا في رواية أبي ذر واثبتها الباقون قوله وهؤلاء أي أهل الشام يريدونني على أن اقرأ وما خلق الذكر والأنثى والله لا أتابعهم هذا أبين من الرواية التي قبلها حيث قال وهؤلاء يأبون على ثم هذه القراءة لم تنقل إلا عمن ذكر هنا ومن عداهم قرؤوا وما خلق الذكر والأنثى وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه ولعل هذا مما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن بن مسعود واليهما تنتهي القراءة بالكوفة ثم لم يقرأ بها أحد منهم وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت

قوله باب قوله فأما من أعطى واتقى

[ 4661 ] ذكر فيه حديث علي قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال ما منكم من أحد إلا وكتب مقعده من الجنة ومقعده من النار الحديث ذكره في خمسة تراجم أخرى لا يأتي في هذه السورة كلها من طريق الأعمش إلا الخامس فمن طريق منصور كلاهما عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي وصرح في الترجمة الأخيرة بسماع الأعمش له من سعد وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب القدر إن شاء الله تعالى

قوله باب قوله وصدق بالحسنى سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر والنسفي وسقط لفظ باب من التراجم كلها لغير أبي ذر

بسم الله الرحمن الرحيم قوله سورة والضحى بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر قوله وقال مجاهد إذا سجى استوى وصله الفريابي من طريق مجاهد بهذا قوله وقال غيره سجى أظلم وسكن قال الفراء في

[ 4667 ] قوله والضحى والليل إذا سجى قال الضحى النهار كله والليل إذا سجى إذا أظلم وركد في طوله تقول بحر ساج وليل ساج إذا سكن وروى الطبري من طريق قتادة في قوله إذا سجى قال إذا سكن بالخلق قوله عائلا ذو عيال هو قول أبي عبيدة وقال الفراء معناه فقيرا وقد وجدتها في مصحف عبد الله عديما والمراد أنه أغناه بما أرضاه لا بكثرة المال

قوله باب ما ودعك ربك وما قلى سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر وذكر في سبب نزولها حديث جندب وأن ذلك سبب شكواه صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت في صلاة الليل أن الشكوى المذكورة لم ترد بعينها وأن من فسرها بأصبعه التي دميت لم يصب ووجدت الآن في الطبراني بإسناد فيه من لا يعرف أن سبب نزولها وجود جرو كلب تحت سريره صلى الله عليه وسلم لم يشعر به فأبطأ عنه جبريل لذلك وقصة إبطاء جبريل بسبب كون الكلب تحت سريره مشهورة لكن كونها سبب نزول هذه الآية غريب بل شاذ مردود بما في الصحيح والله أعلم وورد لذلك سبب ثالث وهو ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أبطأ عنه جبريل أياما فتغير بذلك فقالوا ودعه ربه وقلاه فانزل الله تعالى ما ودعك ربك وما قلى ومن طريق إسماعيل مولى آل الزبير قال فتر الوحي حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم واحزنه فقال لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني فجاء جبريل بسورة والضحى وذكر سليمان التيمي في السيرة التي جمعها ورواها محمد بن عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال وفتر الوحي فقالوا لو كان من عند الله لتابع ولكن الله فلاه فأنزل الله والضحى وألم نشرح بكمالهما وكل هذه الروايات لا تثبت والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي فإن تلك دامت أياما وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثا فاختلطتا على بعض الرواة وتحرير الأمر في ذلك ما بينته وقد أوضحت ذلك في التعبير ولله الحمد ووقع في سيرة بن إسحاق في سبب نزول والضحى شيء آخر فإنه ذكر أن المشركين لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين والروح وغير ذلك ووعدهم بالجواب ولم يستثن فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشرة ليلة أو أكثر فضاق صدره وتكلم المشركون فنزل جبريل بسورة والضحى وبجواب ما سألوا وبقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله انتهى وذكر سورة الضحى هنا بعيد لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربا فضم بعض الرواة إحدى القصتين إلى الأخرى وكل منهما لم يكن في ابتداء البعث وإنما كان بعد ذلك بمدة والله أعلم قوله سمعت جندب بن سفيان هو البجلي قوله فجاءت امرأة فقالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك تركك هي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب وقد تقدم بيان ذلك في كتاب قيام الليل وأخرجه الطبري من طريق المفضل بن صالح عن الأسود بن قيس بلفظ فقالت امرأة من أهله ومن وجه آخر عن الأسود بن قيس بلفظ حتى قال المشركون ولا مخالفة لأنهم قد يطلقون لفظ الجمع ويكون القائل أو الفاعل واحدا بمعنى أن الباقين راضون بما وقع من ذلك الواحد قوله قربك بكسر الراء يقال قربه يقربه بفتح الراء متعديا ومنه لا تقربوا الصلاة وأما قرب بالضم فهو لازم تقول قرب الشيء أي دنا وقد بينت هناك أنه وقع في رواية أخرى عند الحاكم فقالت خديجة وأخرجه الطبري أيضا من طريق عبد الله بن شداد فقالت خديجة ولا أرى ربك ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه فقالت خديجة لما ترى من جزعه وهذان طريقان مرسلان ورواتهما ثقات فالذي يظهر أن كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل عبرت لكونها كافرة بلفظ شيطانك وخديجة عبرت لكونها مؤمنة بلفظ ربك أو صاحبك وقالت أم جميل شماتة وخديجة توجعا

قوله باب قوله ما ودعك ربك وما قلى كذا ثبتت هذه الترجمة في رواية المستملي وهو تكرار بالنسبة إليه لا بالنسبة للباقين لأنهم لم يذكروها في الأولى قوله قرأ بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد ما تركك ربك أما الفراء بالتشديد فهي في قراءة الجمهور وقرأ بالتخفيف عروة وابنه هشام وابن أبي علية وقال أبو عبيدة ما ودعك يعني بالتشديد من التوديع و ما ودعك يعني بالتخفيف من ودعت انتهى ويمكن تخريج كونهما بمعنى واحد على أن التوديع مبالغة في الودع لأن من ودعك مفارقا فقد بالغ في تركك قوله وقال بن عباس ما تركك وما أبغضك وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس بهذا قوله في الرواية الأخيرة

[ 4668 ] قالت امرأة يا رسول الله ما أرى صاحبك إلا أبطأك هذا السياق يصلح أن يكون خطاب خديجة دون الخطاب الأول فإنه يصلح أن يكون خطاب حمالة الحطب لتعبيرها بالشيطان والترك ومخاطبتهما بمحمد بخلاف هذه فقالت صاحبك وقالت أبطأ وقالت يا رسول الله وجوز الكرماني أن يكون من تصرف الرواة وهو موجه لأن مخرج الطريقين واحد وقوله أبطأك أي صيرك بطيئا في القراءة لأن بطأه في الإقراء يستلزم بطء الآخر في القراءة ووقع في رواية أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة إلا أبطأ عنك

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله سورة ألم نشرح لك بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر وللباقين ألم نشرح حسب قوله وقال مجاهد وزرك في الجاهلية وصله الفريابي من طريقه و في الجاهلية متعلق بالوزر أي الكائن في الجاهلية وليس متعلقا بوضع قوله أنقض أتقن قال عياض كذا في جميع النسخ أتقن بمثناة وقاف ونون وهو وهم والصواب أثقل بمثلثة وآخرها لام وقال الأصيلي هذا وهم في رواية الفربري ووقع عند بن السماك أثقل بالمثلثة هو أصح قال عياض وهذا لا يعرف في كلام العرب ووقع عند بن السكن ويروى أثقل وهو الصواب قوله ويروي أثقل وهو أصح من أتقن كذا وقع في رواية المستملي وزاد فيه قال الفربري سمعت أبا معشر يقول انقض ظهرك أثقل ووقع في الكتاب خطأ قلت أبو معشر هو حمدويه بن الخطاب بن إبراهيم البخاري كان يستملي على البخاري ويشاركه في بعض شيوخه وكان صدوقا وأضر بأخرة وقد أخرجه الفريابي من طريق مجاهد بلفظ الذي أنقض ظهرك قال أثقل قال وهذا هو الصواب تقول العرب أنقض الحمل ظهر الناقة إذا أثقل وهو مأخوذ من النقيض وهو الصوت ومنه سمعت نقيض الرحل أي صريره قوله مع العسر يسرا قال بن عيينة أي أن مع ذلك العسر يسرا آخر كقوله هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين وهذا مصير من بن عيينة إلى أتباع النجاة في قولهم إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى وموقع التشبيه أنه كما ثبت للمؤمنين تعدد الحسني كذا ثبت لهم تعدد اليسر أو أنه ذهب إلى أن المراد بأحد اليسرين الظفر وبالآخر الثواب فلا بد للمؤمن من أحدهما قوله ولن يغلب عسر يسرين وروى هذا مرفوعا موصولا ومرسلا وروى أيضا موقوفا أما المرفوع فأخرجه بن مردويه من حديث جابر بإسناد ضعيف ولفظه أوحى إلي أن مع اليسر يسرا إن مع العسر يسرا ولن يغلب عسر يسرين وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق من حديث بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه ولن يغلب عسر يسرين ثم قال إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا وإسناده ضعيف وأخرجه عبد الرزاق والطبري من طريق الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه عبد بن حميد عن بن مسعود بإسناد جيد من طريق قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال لن يغلب عسر يسرين إن شاء الله وأما الموقوف فأخرجه مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أنه كتب إلى أبي عبيدة يقول مهما ينزل بامريء من شدة يجعل الله له بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين وقال الحاكم صح ذلك عن عمر وعلي وهو في الموطأ عن عمر لكن من طريق منقطع وأخرجه عبد بن حميد عن بن مسعود بإسناد جيد وأخرجه الفراء بإسناد ضعيف عن بن عباس قوله وقال مجاهد فانصب في حاجتك إلى ربك وصله بن المبارك في الزهد عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله فإذا فرغت فانصب في صلاتك وإلى ربك فارغب قال اجعل نيتك ورغبتك إلى ربك وأخرج بن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم قال إذا فرغت من الجهاد فتعبد ومن طريق الحسن نحوه قوله ويذكر عن بن عباس ألم نشرح لك صدرك شرح الله صدره للإسلام وصله بن مردويه من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس وفي إسناده راو ضعيف تنبيه لم يذكر في سورة ألم نشرح حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث أخرجه الطبري وصححه بن حبان من حديث أبي سعيد رفعه أتاني جبريل فقال يقول ربك أتدري كيف رفعت ذكرك قال الله أعلم قال إذا ذكرت ذكرت معي وهذا أخرجه الشافعي وسعيد بن منصور وعبد الرزاق من طريق مجاهد قوله وذكر الترمذي والحاكم في تفسيرهما قصة شرح صدره صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وقد مضى الكلام عليه في أوائل السيرة النبوية

قوله سورة والتين وقال مجاهد هو التين والزيتون الذي يأكل الناس وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله والتين والزيتون قال الفاكهة التي تأكل الناس وطور سنين الطور الجبل وسينين المبارك وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس وأخرجه بن أبي حاتم من طريق عكرمة عن بن عباس مثله ومن طريق العوفي عن بن عباس قال التين مسجد نوح الذي بني على الجودي ومن طريق الربيع بن أنس قال التين جبل عليه التين والزيتون جبل عليه الزيتون ومن طريق قتادة الجبل الذي عليه دمشق ومن طريق محمد بن كعب قال مسجد أصحاف الكهف والزيتون مسجد إيلياء ومن طريق قتادة جبل عليه بيت المقدس قوله تقويم خلق كذا ثبت لأبي نعيم وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله أحسن تقويم قال أحسن خلق وأخرج بن المنذر عن بن عباس بإسناد حسن قال أعدل خلق قوله أسفل سافلين إلا من آمن كذا ثبت للنسفي وحده وقد تقدم لهم في بدء الخلق وأخرج الحاكم من طريق عاصم الأحول عن عكرمة عن بن عباس قال من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وذلك قوله ثم رددناه أسفل السافلين إلا الذين آمنوا قال الذين قرؤوا القرآن قوله يقال فما يكذبك فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم كأنه قال ومن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني تدالون بدال بدل النون الأولى والأول هو الصواب كذا هو في كلام الفراء بلفظه وزاد في آخره بعد ما تبين له كيفية خلقه قال بن التين كأنه جعل ما لمن يعقل وهو بعيد وقيل المخاطب بذلك الإنسان المذكور قيل هو على طريق الالتفات وهذا عن مجاهد أي ما الذي جعلك كاذبا لأنك إذا كذبت بالجزاء صرت كاذبا لأن كل مكذب بالحق فهو كاذب وأما تعقب بن التين قول الفراء جعل ما لمن يعقل وهو بعيد فالجواب أنه ليس ببعيد فيمن أبهم أمره ومنه إني نذرت لك ما في بطني محررا قوله أخبرني عدي هو بن ثابت الكوفي قوله فقرأ في العشاء بالتين تقدم شرحه في صفة الصلاة وقد كثر سؤال بعض الناس هل قرا بها في الركعة الأولى أم الثانية أو قرأ فيهما معا كأن يقول أعادها في الثانية وعلى أن يكون قرأ غيرها فهل عرف وما كنت استحضر لذلك جوابا إلى أن رأيت في كتاب الصحابة لأبي علي بن السكن في ترجمة زرعة بن خليفة رجل من أهل اليمامة أنه قال سمعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأتيناه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا وأسهم لنا وقرأ في الصلاة بالتين والزيتون وإنا أنزلناه في ليلة القدر فيمكن إن كانت هي الصلاة التي عين البراء بن عازب أنها العشاء أن يقال قرأ في الأولى بالتين وفي الثانية بالقدر ويحصل بذلك جواب السؤال ويقوى ذلك أنا لا نعرف في خبر من الأخبار أنه قرأ بالتين والزيتون إلا في حديث البراء ثم حديث زرعة هذا

قوله سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق قال صاحب الكشاف ذهب بن عباس ومجاهد إلى أنها أول سورة نزلت وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب كذا قال والذي ذهب أكثر الأئمة إليه هو الأول وأما الذي نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول قوله وقال قتيبة حدثنا حماد بن يحيى بن عتيق عن الحسن قال اكتب في المصحف في أول الإمام بسم الله الرحمن الرحيم واجعل بين السورتين خطا في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني حدثنا قتيبة وقد أخرجه بن الضريس في فضائل القرآن حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد بهذا وحماد هو بن زيد وشيخه بصري ثقة من طبقة أيوب مات قبله ولم أر له في البخاري إلا هذا الموضع وقوله في أول الإمام أي أم الكتاب وقوله خطأ قال الداودي إن أراد خطأ فقط بغير بسملة فليس بصواب لاتفاق الصحابة على كتابة البسملة بين كل سورتين إلا براءة وإن أراد بالامام أمام كل سورة فيجعل الخط مع البسملة فحسن فكان ينبغي أن يستثني براءة وقال الكرماني معناه اجعل البسملة في أوله فقط واجعل بين كل سورتين علامة للفاصلة وهو مذهب حمزة من السورة لما كان أولها مبتدأ بقوله تعالى اقرأ باسم ربك أراد أن يبين أنه لا تجب البسملة في أول كل سورة بل من قرأ البسملة في أول القرآن كفاه في امتثال هذا الأمر نعم استنبط السهيلي من هذا الأمر ثبوت البسملة في أول الفاتحة لأن هذا الأمر هو أول شيء نزل من القرآن فأولى مواضع امتثاله أول القرآن قوله وقال مجاهد ناديه عشيرته وصله الفريابي من طريق مجاهد وهو تفسير معنى لأن المدعو أهل النادي والنادي المجلس المتخذ للحديث قوله الزبانية الملائكة وصله الفريابي من طريق مجاهد وأخرجه بن أبي حاتم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة مثله قوله وقال معمر الرجعي المرجع كذا لأبي ذر وسقط لغيره وقال معمر فصار كأنه من قول مجاهد والأول هو الصواب وهو كلام أبي عبيدة في كتاب المجاز ولفظه إلى ربك الرجعي قال المرجع والرجوع قوله لنسفعن بالناصية لنأخذن ولنسفعن بالنون وهي الخفيفة سفعت بيده أخذت هو كلام أبي عبيدة أيضا ولفظه و لنسفعن إنما يكتب بالنون لأنها نون خفيفة انتهى وقد روى عن أبي عمرو بتشديد النون والموجود في مرسوم المصحف بالألف والسفع القبض على الشيء بشدة وقيل أصله الأخذ بسفعة الفرس أي سواد ناصيته ومنه قولهم به سفعة من غضب لما يعلو لون الغضبان من التغير ومنه امرأة سفعاء

قوله

[ 4670 ] باب حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب وحدثني سعيد بن مروان الإسناد الأول قد ساق البخاري المتن به أول الكتاب وساق في هذا الباب المتن بالإسناد الثاني وسعيد بن مروان هذا هو أبو عثمان البغدادي نزيل نيسابور من طبقة البخاري شاركه في الرواية عن أبي نعيم وسليمان بن حرب ونحوهما وليس له في البخاري سوى هذا الموضع ومات قبل البخاري بأربع سنين ولهم شيخ آخر يقال له أبو عثمان سعيد بن مروان الرهاوي حدث عنه أبو حاتم وابن أبي رزمة وغيرهما وفرق البخاري في التاريخ بينه وبين البغدادي ووهم من زعم أنهما واحد وآخرهم الكرماني ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة بكسر الراء وسكون الزاي واسم أبي رزمة غزوان وهو مروزي من طبقة أحمد بن حنبل فهو من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري ومع ذلك فحدث عنه بواسطة وليس له عنده سوى هذا الموضع وقد حدث عنه أبو داود بلا واسطة وشيخه أبو صالح سلمويه اسمه سليمان بن صالح الليثي المروزي بلقب سلمويه ويقال اسم أبيه داود وهو من طبقة الراوي عنه من حيث الرواية إلا أنه تقدمت وفاته وكان من أخصاء عبد الله بن المبارك والمكثرين عنه وقد أدركه البخاري بالسن لأنه مات سنة عشر ومائتين وما له أيضا في البخاري سوى هذا الحديث وعبد الله هو بن المبارك الإمام المشهور وقد نزل البخاري في حديثه في هذا الإسناد درجتين وفي حديث الزهري ثلاث درجات وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في أوائل هذا الكتاب وسأذكر هنا ما لم يتقدم ذكره مما اشتمل عليه من سياق هذه الطريق وغيرها من الفوائد قوله أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة قال النووي هذا من مراسيل الصحابة لأن عائشة لم تدرك هذه القصة فتكون سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي وتعقبه من لم يفهم مراده فقال إذا كان يجوز أنها سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يجزم بأنها من المراسيل والجواب أن مرسل الصحابي ما يرويه من الأمور التي لم يدرك زمانها بخلاف الأمور التي يدرك زمانها فإنها لا يقال إنها مرسلة بل يحمل على أنه سمعها أو حضرها ولو لم يصرح بذلك ولا يختص هذا بمرسل الصحابي بل مرسل التابعي إذا ذكر قصة لم يحضرها سميت مرسلة ولو جاز في نفس الأمر أن يكون سمعها من الصحابي الذي وقعت له تلك القصة وأما الأمور التي يدركها فيحمل على أنه سمعها أو حضرها لكن بشرط أن يكون سالما من التدليس والله أعلم ويؤيد أنها سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قولها في أثناء هذا الحديث فجاءه الملك فقال اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقاريء قال فأخذني إلى آخره فقوله قال فأخذني نغطني ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك فتحمل بقية الحديث عليه قوله أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة زاد في رواية عقيل كما تقدم في بدء الوحي من الوحي أي في أول المبتدآت من إيجاد الوحي الرؤيا وأما مطلق ما يدل على نبوته فتقدمت له أشياء مثل تسليم الحجر كما ثبت في صحيح مسلم وغير ذلك وما في الحديث نكرة موصوفة أي أول شيء ووقع صريحا في حديث بن عباس عند بن عائذ ووقع في مراسيل عبد الله بن أبي بكر بن حزم عند الدولابي ما يدل على أن الذي كان يراه صلى الله عليه وسلم هو جبريل ولفظه أنه قال لخديجة بعد أن أقرأه جبريل اقرأ باسم ربك أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام فإنه جبريل استعلن قوله من الوحي يعني إليه وهو إخبار عما رآه من دلائل نبوته من غير أن يوحى بذلك إليه وهو أول ذلك مطلقا ما سمعه من بحيرا الراهب وهو عند الترمذي بإسناد قوي عن أبي موسى ثم ما سمعه عند بناء الكعبة حيث قيل له اشدد عليكم إزارك وهو في صحيح البخاري من حديث جابر وكذلك تسليم الحجرر عليه وهو عند مسلم من حديث جابر بن سمرة قوله الصالحة قال بن المرابط هي التي ليست ضغئا ولا من تلبيس الشيطان ولا فيها ضرب مثل مشكل وتعقب الأخير بأنه إن أراد بالمشكل ما لا يوقف على تأويله فمسلم وإلا فلا قوله فلق الصبح يأتي في سورة الفلق قريبا قوله ثم حبب إليه الخلاء هذا ظاهر في أن الرؤيا الصادقة كانت قبل أن يحبب إليه الخلاء ويحتمل أن تكون لترتيب الأخبار فيكون تحبيب الخلوة سابقا على الرؤيا الصادقة والأول أظهر قوله الخلاء بالمد المكان الخالي ويطلق على الخلوة وهو المراد هنا قوله فكان يلحق بغار حراء كذا في هذه الرواية وتقدم في بدء الوحي بلفظ فكان يخلو وهي أوجه وفي رواية عبيد بن عمير عند بن إسحاق فكان يجاور قوله الليالي ذوات العدد في رواية بن إسحاق أنه كان يعتكف شهر رمضان قوله قال والتحنث التعبد هذا ظاهر في الإدراج إذ لو كان من بقية كلام عائشة لجاء فيه قالت وهو يحتمل أن يكون من كلام عروة أو من دونه ولم يأت التصريح بصفة تعبده لكن في رواية عبيد بن عمير عند بن إسحاق فيطعم من يرد عليه من المساكين وجاء عن بعض المشايخ أنه كان يتعبد بالتفكر ويحتمل أن تكون عائشة أطلقت على الخلوة بمجردها تعبدا فإن الانعزال عن الناس ولا سيما من كان على باطل من جملة العبادة كما وقع للخليل عليه السلام حيث قال إني ذاهب إلى ربي وهذا يلتفت إلى مسألة أصولية وهو أنه صلى الله عليه وسلم هل كان قبل أن يوحى إليه متعبدا بشريعة نبي قبله قال الجمهور لا لأنه لو كان تابعا لاستبعد أن يكون متبوعا ولأنه لو كان لنقل من كان ينسب إليه وقيل نعم واختاره بن الحاجب واختلفوا في تعيينه على ثمانية أقوال أحدها آدم حكاه بن برهان الثاني نوح حكاه الآمدي الثالث إبراهيم ذهب إليه جماعة واستدلوا بقوله تعالى ان أتبع ملة إبراهيم حنيفا الرابع موسى الخامس عيسى السادس بكل شيء بلغه عن شرع نبي من الأنبياء وحجته أولئك الذين هدى الله فبهداهم افتده السابع الوقف واختاره الآمدي ولا يخفى قوة الثالث ولا سيما مع ما نقل من ملازمته للحج والطواف ونحو ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم والله أعلم وهذا كله قبل النبوة وأما بعد النبوة فقد تقدم القول فيه في تفسير سورة الأنعام قوله إلى أهله يعني خديجة وأولاده منها وقد سبق في تفسير سورة النور في الكلام على حديث الإفك تسمية الزوجة أهلا ويحتمل أن يريد أقاربه أو أعم قوله ثم يرجع إلى خديجة فيتزود خص خديجة بالذكر بعد أن عبر بالأهل إما تفسيرا بعد إبهام وإما إشارة إلى اختصاص التزود بكونه من عندها دون غيرها فيتزود لمثلها في رواية الكشميهني بمثلها بالموحدة والضمير لليالي أو للخلوة أو للعبادة أو للمرات أي السابقة ثم يحتمل أن يكون المراد أنه يتزود ويخلو أياما ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما إلى أن ينقضي الشهر ويحتمل أن يكون المراد أن يتزود لمثلها إذا حال الحول وجاء ذلك الشهر الذي جرت عادته أن يخلو فيه وهذا عندي أظهر ويؤخذ منه إعداد الزاد للمختلي إذا كان بحيث يتعذر عليه تحصيله لبعد مكان اختلائه من البلد مثلا وأن ذلك لا يقدح في التوكل وذلك لوقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد حصول النبوة له بالرؤيا الصالحة وإن كان الوحي في اليقظة فقد تراخى عن ذلك قوله وهو في غار حراء جملة في موضع الحال قوله فجاءه الملك هو جبريل كما جزم به السهيلي وكأنه أخذه من كلام ورقة المذكور في حديث الباب ووقع عند البيهقي في الدلائل فجاءه الملك فيه أي في غار حراء كذا عزاه شيخنا البلقيني للدلائل فتبعته ثم وجدته بهذا اللفظ في كتاب التعبير فعزوله له أولى تنبيه إذا علم أنه كان يجاور في غار حراء في شهر رمضان وأن ابتداء الوحي جاء وهو في الغار المذكور اقتضى ذلك أنه نبىء في شهر رمضان ويعكر على قول بن إسحاق أنه بعث على رأس الأربعين مع قوله إنه في شهر رمضان ولد ويمكن أن يكون المجيء في الغار كان أولا في شهر رمضان وحينئذ نبي وأنزل عليه اقرأ باسم ربك ثم كان المجيء الثاني في شهر ربيع الأول بالإنذار وأنزلت عليه يا أيها المدثر قم فأنذر فيحمل قول بن إسحاق على رأس الأربعين أي عند المجيء بالرسالة والله أعلم قوله اقرأ يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه ويحتمل أن يكون على بابه من الطلب فيستدل به على تكليف ما لا يطاق في الحال وان قدر عليه بعد ذلك ويحتمل أن تكون صيغة الأمر محذوفة أي قل اقرأ وإن كان الجواب ما أنا بقاريء فعلى ما فهم من ظاهر اللفظ وكأن السر في حذفها لئلا يتوهم أن لفظ قل من القرآن ويؤخذ منه جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وأن الأمر على الفور لكن يمكن أن يجاب بأن الفور فهم من القرينة قوله ما أنا بقاريء وقع عند بن إسحاق في مرسل عبيد بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال اقرأ قلت ما أنا بقاريء قال السهيلي قال بعض المفسرين إن قوله ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل حيث قال له اقرأ قوله فغطني تقدم بيانه في بدء الوحي ووقع في السيرة لابن إسحاق فغتني بالمثناة بدل الطاء وهما بمعنى والمراد غمني وصرح بذلك بن أبي شيبة في مرسل عبد الله بن شداد وذكر السهيلي أنه روى أبى

بمهملة ثم همزة مفتوحة ثم موحدة أو مثناة وهما جميعا بمعنى الخنق وأغرب الداودي فقال معنى فغطني صنع بي شيئا حتى ألقاني إلى الأرض كمن تأخذه الغشية والحكمة في هذا الغط شغله عن الالتفات لشيء آخر أو لإظهار الشدة والجد في الأمر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه فلما ظهر أنه صبر على ذلك ألقى إليه وهذا وأن كان بالنسبة إلى علم الله حاصل لكن لعل المراد إبرازه للظاهر بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم وقيل ليختبر هل يقول من قبل نفسه شيئا فلما لم يأت بشيء دل على أنه لا يقدر عليه وقيل أراه أن يعلمه أن القراءة ليست من قدرته ولو أكره عليها وقيل الحكمة فيه أن التخييل والوهم والوسوسة ليست من صفات الجسم فلما وقع ذلك لجسمه على أنه من أمر الله وذكر بعض من لقيناه أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم ينقل عن أحد من الأنبياء أنه جرى له عند ابتداء الوحي مثل ذلك قوله فغطني الثالثة يؤخذ منه أن من يريد التأكيد في أمر وإيضاح البيان فيه أن يكرره ثلاثا وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما سيق في كتاب العلم ولعل الحكمة في تكرير الإقراء الإشارة إلى انحصار الإيمان الذي ينشأ الوحي بسببه في ثلاث القول والعمل والنية وأن الوحي يشتمل على ثلاث التوحيد والأحكام والقصص وفي تكرير الغط الإشارة إلى الشدائد الثلاث التي وقعت له وهي الحصر في الشعب وخروجه في الهجرة وما وقع له يوم أحد وفي الارسالات الثلاث إشارة إلى حصول التيسير له عقب الثلاث المذكورة في الدنيا والبرزخ والآخره قوله فقال اقرأ باسم ربك إلى قوله ما لم يعلم هذا القدر من هذه السورة هو الذي نزل أولا بخلاف بقية السورة فإنما نزل بعد ذلك بزمان وقد قدمت في تفسير المدثر بيان الاختلاف في أول ما نزل والحكمة في هذه الأولية أن هذه الآيات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن ففيها براعة الاستهلال وهي جديرة أن تسمى عنوان القرآن لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله وهذا بخلاف الفن البديعي المسمى العنوان فإنهم عرفوه بأن يأخذ المتكلم في من فيؤكده بذكر مثال سابق وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن أنها تنحصر في علوم التوحيد والأحكام والأخبار وقد اشتملت على الأمر بالقراءة والبداءة فيها ببسم الله وفي هذه الإشارة إلى الأحكام وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفة فعل وفي هذا إشارة إلى أصول الدين وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله علم الإنسان ما لم يعلم قوله باسم ربك استدل به السهيلي على أن البسملة يؤمر بقراءتها أول كل سورة لكن لا يلزم من ذلك أن تكون آية من كل سورة كذا قال وقرره الطيبي فقال قوله اقرأ باسم ربك قدم الفعل الذي هو متعلق الباء لكون الأمر بالقراءة أهم وقوله أقرأ أمر بايجاد القراءة مطلقا وقوله باسم ربك حال أي اقرأ مفتتحا باسم ربك وأصح تقاديره قل باسم الله ثم اقرأ قال فيؤخذ منه أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة انتهى لكن لا يلزم من ذلك أن نكون مأمورا بها فلا تدل على أنها آية من كل سورة وهو كما قال لأنها لو كان للزم أن تكون آية قبل كل آية وليس كذلك وأما ما ذكره القاضي عياض عن أبي الحسن بن القصار من المالكية أنه قال في هذه القصة رد على الشافعي في قوله إن البسملة آية من كل سورة قال لأن هذا أول سورة أنزلت وليس في أولها البسملة فقد تعقب بأن فيها الأمر بها وأن تأخر نزولها وقال النووي ترتيب آي السور في النزول لم يكن شرطا وقد كانت الآية تنزل فتوضع في مكان قبل التي نزلت قبلها ثم تنزل الأخرى فتوضع قبلها إلى أن استقر الأمر في آخر عهده صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب ولو صح ما أخرجه الطبري من حديث بن عباس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة والبسملة قبل قوله اقرأ لكان أولى في الاحتجاج لكن في إسناده ضعف وانقطاع وكذا حديث أبي ميسرة أن أول ما أمر به جبريل قال له قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين هو مرسل وأن كان رجاله ثقات والمحفوظ أن أول ما نزل اقرا باسم ربك وإن نزول الفاتحة كان بعد ذلك قوله ترجف بوادره في رواية الكشميهني فؤاده وقد تقدم بيان ذلك في بدء الوحي وترجف عندهم بمثناة فوقانية ولعلها في رواية يرجف فؤاده بالتحتانية قوله زملوني زملوني كذا للأكثر مرتين وكذا تقدم في بدء الوحي ووقع لأبي ذر هنا مرة واحدة والتزميل التلفيف وقال ذلك لشدة ما لحقه من هول الأمر وجرت العادة بسكون الرعدة بالتلفيف ووقع في مرسل عبيد بن عمير أنه صلى الله عليه وسلم خرج فسمع صوتا من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر وجعلت أصرف وجهي في ناحية آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رايته كذلك وسيأتي في التعبير أن مثل ذلك وقع له عند فترة الوحي وهو المعتمد فإن إعلامه بالإرسال وقع بقوله قم فأنذر قوله فزملوه حتى ذهب عنه الروع بفتح الراء أي الفزع وأما الذي بضم الراء فهو موضع الفزع من القلب قوله قال لخديجة أي خديجة مالي لقد خشيت في رواية الكشميهني قد خشيت قوله فأخبرها الخبر تقدم في بدء الوحي بلفظ فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت وقوله وأخبرها الخبر جملة معترضة بين القول والمقول وقد تقدم في بدء الوحي ما قالوه في متعلق الخشية المذكورة وقال عياض هذا وقع له أول ما رأى التباشير في النوم ثم في اليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك فأما بعد مجيء الملك فلا يجوز عليه الشك ولا يخشى من تسلط الشيطان وتعقبه النووي بأنه خلاف صريح الشفاه فإنه قال بعد أن غطه الملك وأقرأه اقرأ باسم ربك قال إلا أن يكون أراد أن قوله خشيت على نفسي وقع منه إخبارا عما حصل له أولا لا أنه حالة اخبارها بذلك جازت فيتجه والله أعلم قوله كلا أبشر بهمزة قطع ويجوز الوصل وأصل البشادة في الخير وفي مرسل عبيد بن عمير فقالت أبشر يا بن عم وأثبت فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة قوله لا يخزيك الله بخاء معجمة وتحتانية ووقع في رواية معمر في التعبير يحزنك بمهملة ونون ثلاثيا ورباعيا قال اليزيدي أحزنه لغة تميم وحزنه لغة قريش وقد نبه على هذا الضبط مسلم والخزى الوقوع في بذلة وشهرة يذله ووقع عند بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي حكيم مرسلا أن خديجة قالت أي بن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاء قال نعم فجاءه جبريل فقال يا خديجة هذا جبريل قالت قم فاجلس على فخذي اليسرى ثم قالت هل تراه قال نعم قالت فتحول إلى اليمني كذلك ثم قالت فتحول فاجلس في حجري كذلك ثم ألقت خمارها وتحسرت وهو في حجرها وقالت هل تراه قال لا قالت أثبت فوالله إنه لملك وما هو بشيطان وفي رواية مرسلة عند البيهقي في الدلائل أنها ذهبت إلى عداس وكان نصرانيا فذكرت له خبر جبريل فقال هو أمين الله بينه وبين النبيين ثم ذهبت إلى ورقة قوله فانطلقت به إلى ورقة في مرسل عبيد بن عمير أنها أمرت أبا بكر أن يتوجه معه فيحتمل أن يكون عند توجيهها أو مرة أخرى قوله ماذا ترى في رواية بن مندة في الصحابة من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس عن ورقة بن نوفل قال قلت يا محمد أخبرني عن هذا الذي يأتيك قال يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ وباطن قدميه أخضر قوله وكان يكتب الكتاب العرب ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله هكذا وقع هنا وفي التعبير وقد تقدم القول فيه في بدء الوحي ونبهت عليه هنا لأنى نسيت هذه الرواية هناك لمسلم فقط تبعا للقطب الحلبي قال النووي العبارتان صحيحتان والحاصل أنه تمكن حتى صار يكتب من الإنجيل أي موضع شاء بالعربية وبالعبرانية قال الداودي كتب من الإنجيل الذي هو بالعبرانية هذا الكتاب الذي هو بالعربي قوله أسمع من بن أخيك أي الذي يقول قوله أنزل على موسى كذا هنا على البناء للمجهول وقد تقدم في بدء الوحي انزل الله ووقع في مرسل أبي ميسرة أبشر فأنا أشهد إنك الذي بشر به بن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وأنك ستؤمر بالجهاد وهذا أصرح ما جاء في إسلام ورقة أخرجه بن إسحاق وأخرج الترمذي عن عائشة أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ورقة كان ورقة صدقك ولكنه مات قبل أن تظهر فقال رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان لباسه غير ذلك وعند البزار والحاكم عن عائشة مرفوعا لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين وقد استوعبت ما ورد فيه في ترجمته من كتابي في الصحابة وتقدم بعض خبره في بدء الوحي وتقدم أيضا ذكر الحكمة في قوله ورقة ناموس موسى ولم يقل عيسى مه أنه كان تنصر وأن ذلك ورد في رواية الزبير بن بكار بلفظ عيسى ولم يقف بعض من لقيناه على ذلك فبالغ في الإنكار على النووي ومن تبعه بأنه ورد في غير الصحيحين بلفظ ناموس عيسى وذكر القطب الحلبي في وجه المناسبة لذكر موسى دون عيسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لعله ما ذكر لورقة مما نزل عليه من اقرأ ويا أيها المدثر ويا أيها المزمل فهم ورقة من ذلك أنه كلف بأنواع من التكاليف فناسب ذكر موسى لذلك لأن الذي أنزل على عيسى إنما كان مواعظ كذا قال وهو متعقب فإن نزول يا أيها المدثر ويا أيها المزمل إنما نزل بعد فترة الوحي كما تقدم بيانه في تفسير المدثر والاجتماع بورقة كان في أول البعثة وزعم أن الإنجيل كله مواعظ متعقب أيضا فإنه منزل أيضا على الأحكام الشرعية وإن كان معظمها موافقا لما في التوراة لكنه نسخ منها أشياء بدليل قوله تعالى ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم قوله فيها أي أيام الدعوة فاله السهيلي وقال المازري الضمير للنبوة ويحتمل أن يعود للقصة المذكورة قوله ليتني أكون حيا ذكر حرفا كذا في هذه الرواية وتقدم في بدء الوحي بلفظ إذ يخرجك قومك ويأتي في رواية معمر في التعبير بلفظ حين يخرجك وأبهم موضع الإخراج والمراد به مكة وقد وقع في حديث عبد الله بن عدي في السنن ولولا أني أخرجوني منك ما خرجت يخاطب مكة قوله يومك أي وقت الإخراج أو وقت إظهار الدعوة أو وقت الجهاد وتمسك بن القيم الحنبلي بقوله في الرواية التي في بدء الوحي ثم لم ينشب ورقة أن توفي يرد ما وقع في السيرة النبوية لابن إسحاق أن ورقة كان يمر ببلال والمشركون يعذبونه وهو يقول أحد أحد فيقول أحد والله يا بلال لئن قتلوك لاتخذت قبرك حنانا هذا والله أعلم وهم لأن ورقة قال وإن أدركني يومك حيا لأنصرنك نصرا مؤزرا فلو كان حيا عند ابتداء الدعوة لكان أول من استجاب وقام بنصر النبي صلى الله عليه وسلم كقيام عمر وحمزة قلت وهذا اعتراض ساقط فإن ورقة إنما أراد بقوله فإن يدركني يومك حيا أنصرك اليوم الذي يخرجونك فيه لأنه قال ذلك عنه عند قوله أو مخرجي هم وتعذيب بلال كان بعد انتشار الدعوة وبين ذلك وبين إخراج المسلمين من مكة للحبشة ثم للمدينة مدة متطاولة تنبيه زاد معمر بعد هذا كلاما يأتي ذكره في كتاب التعبير

[ 4671 ] قوله قال محمد بن شهاب هو موصول بالإسنادين المذكورين في أول الباب وقد أخرج البخاري حديث جابر هذا بالسند الأول من السندين المذكورين هنا في تفسير سورة المدثر قوله فأخبرني هو عطف على شيء والتقدير قال بن شهاب فأخبرني عروة بما تقدم وأخبرني أبو سلمة بما سيأتي قوله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه بينما أنا أمشي هذا يشعر بأنه كان في أصل الرواية أشياء غير هذا المذكور وهذا أيضا من مرسل الصحابي لأن جابرا لم يدركه زمان القصة فيحتمل أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي آخر حضرها والله أعلم قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي وقع في رواية عقيل في بدء الوحي غير مصرح بذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه ووقع في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في تفسير المدثر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت وزاد مسلم في روايته جاورت بحراء شهرا قوله سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري يؤخذ منه جواز رفع البصر إلى السماء عند وجود حادث من قبلها وقد ترجم له المصنف في الأدب ويستثنى من ذلك رفع البصر إلى السماء في الصلاة لثبوت النهي عنه كما تقدم في الصلاة من حديث أنس وروى بن السني بإسناد ضعيف عن بن مسعود قال أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكواكب إذا انقضت ووقع في رواية يحيى بن أبي كثير فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي وفي رواية مسلم بعد قوله شيئا ثم توديت فنظرت فلم أر أحدا ثم توديت فرفعت رأسي قوله فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي كذا له بالرفع وهو على تقدير حذف المبتدأ أي فإذا أر صاحب الصوت هو الملك الذي جاءني بحراء وهو جالس ووقع عند مسلم جالسا بالنصب وهو على الحال ووقع في رواية يحيى بن أبي كثير فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض قوله ففزعت منه 1 كذا في رواية بن المبارك عن يونس وفي رواية بن وهب عند مسلم فجثثت وفي رواية عقيل في بدء الوحي فرعبت وفي روايته في تفسير المدثر فجثثت وكذا لمسلم وزاد فجثثت منه فرقا وفي رواية معمر فيه فجثثت وهذه اللفظة بضم الجيم وذكر عياض أنه وقع للقابسي بالمهملة قال وفسره بأسرعت قال ولا يصح مع قوله حتى هويت أي سقطت من الفزع قلت ثبت في رواية عبد الله بن يوسف عن الليث في ذكر الملائكة من بدء الخلق ولكنها بضم المهملة وكسر المثلثة بعدها مثناة تحتانية ساكنة ثم مثناة فوقانية ومعناها إن كانت محفوظة سقطت على وجهي حتى صرت كمن حثي عليه التراب قال النووي وبعد الجيم مثلثتان في رواية عقيل ومعمر وفي رواية يونس بهمزة مكسورة ثم مثلثة وهي أرجح من حيث المعنى قال أهل اللغة جئت الرجل فهو مجثوث إذا فزع وعن الكسائي جئث وجثث فهو مجئوث ومجثوث أي مذعور قوله فقلت زملوني زملوني في رواية يحيى بن أبي كثير فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا وكأنه رواها بالمعنى والتزميل والتدثير يشتركان في الأصل وأن كانت بينهما مغايرة في الهيئة ووقع في رواية مسلم فقلت دثروني فدثروني وصبوا علي ماء ويجمع بينهما بأنه أمرهم فامتثلوا وأغفل بعض الرواة ذكر الأمر بالصب والاعتبار بمن ضبط وكأن الحكمة في الصب بعد التدثر طلب حصول السكون لما وقع في الباطن من الانزعاج أو أن العادة أن الرعدة تعقبها الحمى وقد عرف من الطب النبوي معالجتها بالماء البارد قوله فنزلت يا أيها المدثر يعرف من اتحاد الحديثين في نزول يا أيها المدثر عقب قوله دثروني وزملوني أن المراد بزملوني دثروني ولا يؤخذ من ذلك نزول يا أيها المزمل حينئذ لأن نزولها تأخر عن نزول يا أيها المدثر بالاتفاق لأن أول يا أيها المدثر الأمر بالإنذار وذلك أول ما بعث وأول المزمل الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن فيقتضي تقدم نزول كثير من القرآن قبل ذلك وقد تقدم في تفسير المدثر أنه نزل من أولها إلى قوله والرجز فاهجر وفيها محصل ما يتعلق بالرسالة ففي الآية الأولى المؤانسة بالحالة التي هو عليها من التدثر إعلاما بعظيم قدره وفي الثانية الأمر بالإنذار قائما وحذف المفعول تفخيما والمراد القيام إما حقيقته أي قم من مضجعك أو مجازه أي قم مقام تصميم وأما الإنذار فالحكمة في الاقتصار عليه هنا فإنه أيضا بعث مبشرا لأن ذلك كان أول الإسلام فمتعلق الإنذار محقق فلما أطاع من أطاع نزلت إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وفي الثالثة تكبير الرب تمجيدا وتعظيما ويحتمل الحمل على تكبير الصلاة كما حمل الأمر بالتطهير على طهارة البدن والثياب كما تقدم البحث فيه وفي الآية الرابعة وأما الخامسة فهجران ما ينافي التوحيد وما يئول إلى العذاب وحصلت المناسبة بين السورتين المبتدأ بهما النزول فيما اشتملتا عليه من المعاني الكثيرة باللفظ الوجيز وفي عدة ما نزل من كل منهما ابتداء والله أعلم قوله قال أبو سلمة وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون تقدم شرح ذلك في تفسير المدثر وتقدم الكثير من شرح حديث عائشة وجابر في بدء الوحي وبقيت منهما فوائد أخرتها إلى كتاب التعبير ليأخذ كل موضع ساقهما المصنف فيه مطولا بقسط من الفائدة قوله ثم تتابع الوحي أي استمر نزوله


قوله خلق الإنسان من علق

قوله باب قوله خلق الإنسان من علق ذكر فيه طرفا من الحديث الذي قبله برواية عقيل عن بن شهاب واختصره جدا قال أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة وفي رواية الكشميهني الصادقة قال فجاءه الملك فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم وهذا في غاية الإجحاف ولا أظن يحيى بن بكير حدث البخاري به هكذا ولا كان له هذا التصرف وإنما هذا صنيع البخاري وهو دال على أنه كان يجيز الاختصار من الحديث إلى هذه الغاية

قوله اقرأ وربك الأكرم

قوله باب قوله اقرأ وربك الأكرم

[ 4673 ] حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري ح وقال الليث حدثني عقيل قال قال محمد أخبرني عروة أما رواية معمر فستأتي بتمامها في أول التعبير وأما رواية الليث فوصلها المصنف في بدء الوحي ثم في الذي قبله ثم في التعبير أخرجه في المواضع الثلاثة عن يحيى بن بكير عن الليث فأما في بدء الوحي فأفرده وأما في الذي قبله فاختصره جدا وساقه قبله بتمامه لكن قرنه برواية يونس وساقه على لفظ يونس وأما التعبير فقرنه برواية معمر وساقه على لفظ معمر أيضا ولكن لم يقع في شيء من المواضع المذكورة حدثني عقيل قال قال محمد وإنما في بدء الوحي عن عقيل عن بن شهاب وكذا في بقية المواضع وكذا ذكره عن عبد الله بن يوسف عن الليث في الباب الذي بعد هذا وذكره في بدء الخلق عنه عن الليث بلفظ حدثني عقيل عن بن شهاب ورواه أبو صالح عبد الله بن صالح عن الليث حدثني عقيل قال قال محمد بن شهاب فساقه بتمامه وقد ذكر المصنف متابعة أبي صالح في بدء الوحي وبينت هناك من وصلها ولله الحمد

قوله باب الذي علم بالقلم كذا لأبي ذر وسقطت الترجمة لغيره وأورد طرفا من حديث بدء الوحي عن عبد الله بن يوسف عن الليث مقتصرا منه على قوله فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة فقال زملوني زملوني فذكر الحديث كذا فيه وقد ذكر من الحديث في ذكر الملائكة من بدء الخلق حديث جابر مقتصرا عليه

قوله باب كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصيه ناصية كاذبة خاطئة سقط لغير أبي ذر باب ومن ناصية إلى آخره

[ 4675 ] قوله عن عبد الكريم الجزري هو بن مالك وهو ثقة وفي طبقته عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف قوله قال أبو جهل هذا مما أرسله بن عباس لأنه لم يدرك زمن قول أبي جهل ذلك لأن مولده قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وقد أخرج بن مردويه بإسناد ضعيف عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن العباس بن عبد المطلب قال كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال إن لله علي إن رأيت محمدا ساجدا فذكر الحديث قوله لو فعله لأخذته الملائكة وقع عند البلاذري نزل اثنا عشر ملكا من الزبانية رؤوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض وزاد الإسماعيلي في آخره من طريق معمر عن عبد الكريم الجزري قال بن عباس لو تمنى اليهود الموت لماتوا ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا وأخرج النسائي من طريق أبي حازم عن أبي هريرة نحو حديث بن عباس وزاد في آخره فلم يفجأهم منه إلا وهو أي أبو جهل ينكص على عقبيه ويتقي بيده فقيل له فقال أن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وإنما شدد الأمر في حق أبي جهل ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلى الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي كما تقدم شرحه في الطهارة لأنهما وأن اشتركا في مطلق الأذية حالة صلاته لكن زاد أبو جهل بالتهديد وبدعوى أهل طاعته وبارادة وطء العنق الشريف وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة لو فعل ذلك ولأن سلى الجزور لم يتحقق نجاستها وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه وسلم عليه وعلى من شاركه في فعله فقتلوا يوم بدر قوله تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله عن عبد الكريم أما عمرو بن خالد فهو من شيوخ البخاري وهو الحرابي ثقة مشهور وأما عبيد الله فهو بن عمرو الرقي وعبد الكريم هو الجزري المذكور وهذه المتابعة وصلها علي بن عبد العزيز البغوي في منتخب المسند له عن عمرو بن خالد بهذا وقد أخرجه بن مردويه من طريق زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو بالسند المذكور ولفظه بعد قوله لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ولو أن اليهود إلى آخر الزيادة التي ذكرتها من عند الإسماعيلي وزاد بعد قوله لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار

قوله سورة أنا أنزلناه في رواية غير أبي ذر سورة القدر قوله يقال المطلع هو الطلوع والمطلع الموضع الذي يطلع منه قال الفراء المطلع بفتح اللام وبكسرها قرأ يحيى بن وثاب والأول أولى لأن المطلع بالفتح هو الطلوع وبالكسر الموضع والمراد هنا الأول انتهى وقرأ بالكسر أيضا الكسائي والأعمش وخلف وقال الجوهري طلعت الشمس مطلعا ومطلعا أي بالوجهين قوله أنزلناه الهاء كناية عن القرآن أي الضمير راجع إلى القرآن وأن لم يتقدم له ذكر قوله إنا أنزلناه خرج مخرج الجميع والمنزل هو الله تعالى والعرب تؤكد فعل الرجل الواحد فتجعله بلفظ الجميع ليكون أثبت وأوكد هو قول أبي عبيدة ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج نسبته إليه قال قال معمر وهو اسم أبي عبيدة كما تقدم غير مرة وقوله ليكون أثبت وأوكد قال بن التين النجاة يقولون بأنه للتعظيم يقوله المعظم عن نفسه ويقال عنه انتهى وهذا هو المشهور أن هذا جمع التعظيم تنبيه لم يذكر في سورة القدر حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث من قام ليلة القدر وقد تقدم في أواخر الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم منفكين زائلين قيمة القائمة دين القيمة أضاف الدين إلى المؤنث قوله سورة لم يكن بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر ويقال لها أيضا سورة القيمة وسورة البينة قوله منفكين زائلين هو قول أبي عبيدة قوله قيمة القائمة دين القيمة أضاف الدين إلى للمؤنث هو قول أبي عبيدة بلفظه وأخرج بن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان قال القيمة الحساب المبين

قوله

[ 4676 ] إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا كذا في رواية شعبة وبين في رواية همام أن تسمية السورة لم يحمله قتادة عن أنس فإنه قال في آخر الحدييث قال قتادة فأنبئت أنه قرأ عليه لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب وسقط بيان ذلك من رواية سعيد بن أبي عروبة هذا ما في هذه الطرق الثلاثة التي أخرجها البخاري وقد أخرجه الحاكم وأحمد والترمذي من طريق زر بن جحيش عن أبي بن كعب نفسه مطولا ولفظه أن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال نقرأ عليه لم يكن الذين كفروا والجمع بين الروايتين حمل المطلق على المقيد لقراءته لم يكن دون غيرها فقيل الحكمة في تخصيصها بالذكر لأن فيها يتلو صحفا مطهرة وفي تخصيص أبي بن كعب التنويه به في أنه أقرأ الصحابة فإذا قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع عظيم منزلته كان غيره بطريق التبع له وقد تقدم في المناقب مزيد كلام في ذلك

قوله

[ 4677 ] حدثني أحمد بن أبي داود أبو جعفر المنادي كذا وقع عند الفربري عن البخاري والذي وقع عند النسفي حدثني أبو جعفر المنادى حسب فكأن تسميته من قبل الفربري فعلى هذا لم يصب من وهم البخاري فيه وكذا من قال إنه كان يرى أن محمدا وأحمد شيء واحد وقد ذكر ذلك الخطيب عن اللالكائي احتمالا قال واشتبه على البخاري قال وقيل كان لأبي جعفر أخ اسمه أحمد قال وهو باطل والمشهور أن اسم أبي جعفر هذا محمد وهو بن عبيد الله بن يزيد وأبو داود كنية أبيه وليس لأبي جعفر في البخاري سوى هذا الحديث وقد عاش بعد البخاري ستة عشر عاما ولكنه عمر وعاش مائة سنة وسنة وأشهرا وقد سمع منه هذا الحديث بعينه من لم يدرك البخاري وهو أبو عمرو بن السماك فشارك البخاري في روايته عن بن المنادي هذا الحديث وبينهما في الوفاة ثمان وثمانون سنة وهو من لطيف ما وقع من نوع السابق واللاحق قوله أن أقرئك أي أعلمك بقراءتي عليك كيف تقرأ حتى لا تتخالف الروايتان وقيل الحكمة فيه لتحقق قوله تعالى فيها رسول من الله يتلو صحفا مطهرة قوله فذرفت بفتح الراء وقبلها الدال معجمة أي تساقطت بالدموع وقد تقدم شرح الحديث في مناقب أبي بن كعب

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره يقال أوحى لها وأوحى إليها ووحى لها ووحى إليها واحد

قوله سورة إذا زلزلت بسم الله الرحمن الرحيم باب قوله فمن يعمل مثقال ذرة الخ سقط باب قوله لغير أبي ذر قوله أوحى لها يقال أوحى لها وأوحى إليها ووحى لها ووحى إليها واحد قال أبو عبيدة في قوله بأن ربك أوحى لها قال العجاج أوحى لها القرار فاستقرت وقيل اللام بمعنى من أجل والموحى إليه محذوف أي أوحى إلى الملائكة من أجل الأرض والأول أصوب وقد أخرج بن أبي حاتم من طريق عكرمة عن بن عباس قال أوحى لها أوحى إليها ثم ذكر فيه حديث أبي هريرة الخيل لثلاثة وفي آخره فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الحديث ثم ساقه من وجه آخر عن مالك بسنده المذكور مقتصرا على القصة الآخرة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الجهاد

قوله والعاديات والقارعة كذا لأبي ذر ولغيره العاديات حسب والمراد بالعاديات الخيل وقيل الإبل قوله وقال مجاهد الكنود الكفور وصله الفريابي عن مجاهد بهذا وأخرج بن مردويه عن بن عباس مثله ويقال إنه بلسان قريش الكفور وبلسان كنانة البخيل وبلسان كندة العاصي وروى الطبراني من حديث أبي أمامة رفعه الكنود الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبدة قوله يقال فأثرن به نقعا رفعن به غبارا هو قول أبي عبيدة والمعنى أن الخيل التي أغارت صباحا أثرن به غبارا والضمير في به للصبح أي أثرن به وقت الصبح وقيل للمكان وهو وإن لم يجر له ذكر لكن دلت عليه الإثارة وقيل الضمير للعدو الذي دلت عليه العاديات وعند البزار والحاكم من حديث بن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا فلبثت شهرا لا يأتيه خبرها فنزلت والعاديات ضبحا صبحت بأرجلها فالموريات قدحا قدحت الحجارة فأورت بحوافرها فالمغيرات صبحا صبحت القوم بغارة فأثرن به نقعا التراب فوسطن به جمعا صبحت القوم جميعا وفي إسناده ضعف وهو مخالف لما روى بن مردويه بإسناد أحسن منه عن بن عباس قال سألني رجل عن العاديات فقلت الخيل قال فذهب إلى علي فسأله فأخبره بما قلت فدعاني فقال لي إنما العاديات الإبل من عرفة إلى مزدلفة الحديث وعند سعيد بن منصور من طريق حارثة بن مضرب قال كان علي يقول هي الإبل وابن عباس يقول هي الخيل ومن طريق عكرمة عنهما نحوه بلفظ الإبل في الحج والخيل في الجهاد وبإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود قال هي الإبل وبإسناد صحيح عن بن عباس ما ضبحت دابة قط إلا كلب أو فرس قوله لحب الخير من أجل حب الخير لشديد هو قول أبي عبيدة أيضا فسر اللام بمعنى من أجل أي لأنه لأجل حب المال لبخيل وقيل إنها للتعدية والمعنى إنه لقوى مطيق لحب الخير قوله حصل ميز قال أبو عبيدة في قوله حصل ما في الصدور أي ميز وقيل جمع وأخرج بن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله حصل أي أخرج

قوله سورة القارعة كذا لغير أبي ذر واكتفى بذكرها مع التي قبلها قوله كالفراش المبثوث كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا كذلك الناس يجول بعضهم في بعض هو كلام الفراء قال في قوله كالفراش يريد كغوغاء الجراد الخ وقال أبو عبيدة الفراش طير لا ذباب ولا بعوض والمبثوت المتفرق وحمل الفراش على حقيقته أولى والعرب تشبه بالفراش كثيرا كقول جرير إن الفرزدق ما علمت و قومه مثل الفراش غشين نار المصطلي وصفهم بالحرص والتهافت وفي تشبيه الناس يوم البعث بالفراش مناسبات كثيرة بليغة كالطيش والانتشار والكثرة والضعف والذلة والمجيء بغير رجوع والقصد إلى الداعي والإسراع وركوب بعضهم بعضا والتطاير إلى النار قوله كالعهن كألوان العهن سقط هذا لأبي ذر وهو قول الفراء قال كالعهن لأن ألوانها مختلفة كالعهن وهو الصوف وأخرج بن أبي حاتم من طريق عكرمة قال كالعهن كالصوف قوله وقرأ عبد الله كالصوف سقط هذا لأبي ذر وهو بقية كلام الفراء قال في قراءة عبد الله يعني بن مسعود كالصوف المنفوش

بسم الله الرحمن الرحيم وقال بن عباس التكاثر من الأموال والأولاد قوله سورة ألهاكم بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر ويقال لها سورة التكاثر وأخرج بن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي هلال قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمونها المقبرة قوله وقال بن عباس التكاثر من الأموال والأولاد وصله بن المنذر من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس تنبيه لم يذكر في هذه السورة حديثا مرفوعا وسيأتي في الرقاق من حديث أبي بن كعب ما يدخل فيها

قوله سورة والعصر العصر اليوم والليلة قال الشاعر ولن يلبث العصران يوما وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمما قال عبد الرزاق عن معمر قال الحسن العصر العشي وقال قتادة ساعة من ساعات النهار قوله وقال يحيى العصر الدهر أقسم به سقط يحيى لأبي ذر وهو يحيى بن زياد الفراء فهذا كلامه في معاني القرآن قوله وقال مجاهد خسر ضلال ثم استثنى فقال إلا من آمن ثبت هذا هنا للنسفي وحده ولم أره في شيء من التفاسير المسندة إلا هكذا عن مجاهد إن الإنسان لفي خسر قال إلا من آمن تنبيه لم أر في تفسير هذه السورة حديثا مرفوعا صحيحا لكن ذكر بعض المفسرين فيها حديث بن عمر من فاته صلاة العصر وقد تقدم في صفة الصلاة مشروحا

قوله سورة ويل لكل همزة بسم الله الرحمن الرحيم كذا لأبي ذر ويقال لها أيضا سورة الهمزة والمراد الكثير الهمز وكذا اللمز وأخرج سعيد بن منصور من حديث بن عباس أنه سئل عن الهمزة قال المشاء بالنميمة المفرق بين الإخوان قوله الحطمة اسم النار مثل سقر ولظى هو قول الفراء قال في قوله لينبذن أي الرجل وما له في الحطمة اسم من أسماء النار كقوله جهنم وسقر ولظى وقال أبو عبيدة يقال للرجل الأكول حطمة أي الكثير الحطم

قوله سورة ألم تر كذا لهم ويقال لها أيضا سورة الفيل قوله ألم تر ألم تعلم كذا لغير أبي ذر وللمستملي ألم تر قال مجاهد ألم تر ألم تعلم والصواب الأول فإنه ليس من تفسير مجاهد وقال الفراء ألم تخبر عن الحبشة والفيل وإنما قال ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدرك قصة أصحاب الفيل لأنه ولد في تلك السنة قوله أبابيل متتابعة مجتمعة وصله الفريابي عن مجاهد في قوله أبابيل قال شتى متتابعة وقال الفراء لا واحد لها وقيل وأحدها أبالة بالتخفيف وقيل بالتشديد أبول كعجول وعجاجيل قوله وقال بن عباس من سجيل هي سنك وكل وصله الطبري السدي عن عكرمة عن بن عباس قال سنك وكل طين وحجارة وقد تقدم في تفسير سورة هود ووصله بن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة عن بن عباس ورواه جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن عكرمة وروى الطبري من طريق عبد الرحمن بن سابط قال هي بالأعجمية سنك وكل ومن طريق حصين عن عكرمة قال كانت ترميهم بحجارة معها نار قال فإذا أصابت أحدهم خرج به الجدري وكان أول يوم رؤى فيه الجدري

قوله سورة لإيلاف قيل اللام متعلقة بالقصة التي في السورة التي قبلها ويؤيده أنهما في مصحف أبي بن كعب سورة واحدة وقيل متعلقة بشيء مقدر أي أعجب لنعمتي على قريش قوله وقال مجاهد لإيلاف ألفوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف وآمنهم من خوف قال من كل عدو في حرمهم وأخرج بن مردويه من أوله إلى قوله والصيف من وجه آخر عن مجاهد عن بن عباس قوله وقال بن عيينة لإيلاف لنعمتي على قريش هو كذلك في تفسير بن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه ولابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس مثله تنبيهان الأول قرأ الجمهور لإيلاف بإثبات الياء إلا بن عامر فحذفها واتفقوا على إثباتها في قوله إيلافهم إلا في رواية عن بن عامر فكالأول وفي أخرى عن بن كثير بحذف الأولى التي بعد اللام أيضا وقال الخليل بن أحمد دخلت الفاء في قوله فليعبدوا لما في السياق من معنى الشرط أي فإن لم يعبدوا رب هذا البيت لنعمته السالفة فليعبدوه للائتلاف المذكور الثاني لم يذكر في هذه السورة ولا التي قبلها حديثا مرفوعا فأما سورة الهمزة ففي صحيح بن حبان من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ يحسب أن ماله أخلده يعني بفتح السين وأما سورة الفيل ففيها من حديث المسور الطويل في صلح الحديبية قوله حبسها حابس الفيل قد تقدم شرحه مستوفى في الشروط وفيها حديث بن عباس مرفوعا إن الله حبس عن مكة الفيل الحديث وأما هذه السورة فلم أر فيها حديثا مرفوعا صحيحا

قوله سورة أرأيت كذا لهم ويقال لها أيضا سورة الماعون قال الفراء قرأ بن مسعود أرأيتك الذي يكذب قال والكاف صلة والمعنى في إثباتها وحذفها لا يختلف كذا قال لكن التي بإثبات الكاف قد تكون بمعنى أخبرني والتي بحذفها الظاهر أنها من رؤية البصر قوله وقال مجاهد يدع يدفع عن حقه يقال هو من دععت يدعون يدفعون قال أبو عبيدة في قوله تعالى يوم يدعون أي يدفعون يقال دععت في قفاه أي دفعت وفي رواية أخرى يدع اليتيم قال وقال بعضهم يدع اليتيم مخففة قلت وهي قراءة الحسن وأبي رجاء ونقل عن علي أيضا وأخرج الطبري من طريق مجاهد قال يدع يدفع اليتيم عن حقه وفي قوله يوم يدعون إلى نار جهنم دعا قال يدفعون قوله ساهون لاهون وصله الطبري أيضا من طريق مجاهد في قوله الذين هم عن صلاتهم ساهون قال لاهون وقال الفراء كذلك فسرها بن عباس وهي قراءة عبد الله بن مسعود وجاء ذللك في حديث أخرجه عبد الرزاق وابن مردويه من رواية مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأله عن هذه الآية قال أو ليس كنا نفعل ذلك الساهي هو الذي يصليها لغير وقتها قوله والماعون المعروف كله وقال بعض العرب الماعون الماء وقال عكرمة أعلاها الزكاة المفروضة وأدناها عارية المتاع أما القول الأول فقال الفراء قال بعضهم أن الماعون المعروف كله حتى ذكر القصعة والدلو والفأس ولعله أراد بن مسعود فإن الطبري أخرج من طريق سلمة بن كهيل عن أبي المغيرة سأل رجل بن عمر عن الماعون قال المال الذي لا يؤدي حقه قال قلت أن بن مسعود يقول هو المتاع الذي يتعاطاه الناس بينهم قال هو ما أقول لك وأخرجه الحاكم أيضا وزاد في رواية أخرى عن بن مسعود هو الدلو والقدر والفأس وكذا أخرجه أبو داود والنسائي عن بن مسعود بلفظ كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر وإسناده صحيح إلى بن مسعود وأخرجه البزار والطبراني من حديث بن مسعود مرفوعا صريحا وأخرج الطبراني من حديث أم عطية قالت ما يتعاطاه الناس بينهم وأما القول الثاني فقال الفراء سمعت بعض العرب يقول الماعون هو الماء وأنشد يصب صبيرة الماعون صبا قلت وهذا يمكن تأويله وصبيرة جبل باليمن معروف وهو بفتح المهملة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة وآخره راء وأما قول عكرمة فوصله سعيد بن منصور بإسناد إليه باللفظ المذكور وأخرج الطبري والحاكم من طريق مجاهد عن علي مثله تنبيه لم يذكر المصنف في تفسير هذه السورة حديثا مرفوعا ويدخل فيه حديث بن مسعود المذكور قبل

قوله سورة إنا أعطيناك الكوثر هي سورة الكوثر وقد قرأ بن محيصن أنا أنطياك الكوثر بالنون وكذا قرأها طلحة بن مصرف والكوثر فوعل من الكثرة سمي بها النهر لكثرة مائة وأنيته وعظم قدره وخيره قوله شانئك عدوك في رواية المستملي وقال بن عباس وقد وصله بن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس كذلك واختلف الباقون في تعيين الشانيء المذكور فقيل هو العاصي بن وائل وقيل أبو جهل وقيل عقبة بن أبي معيط ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أنس وقد تقدم شرحه في أوائل المبعث في قصة الإسراء في أواخرها ويأتي باوضح من ذلك في أواخر كتاب الرقاق وقوله

[ 4680 ] لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر هكذا اقتصر على بعضه وساقه البيهقي من طريق إبراهيم بن الحسن عن آدم شيخ البخاري فيه فزاد بعد قوله الكوثر والذي أعطاك ربك فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا أذفر وأورده البخاري بهذه الزيادة في الرقاق من طريق همام عن أبي هريرة الثاني حديث عائشة وأبو عبيدة راوية عنها هو بن عبد الله بن مسعود قوله عن عائشة قال سألتها في رواية النسائي قلت لعائشة

[ 4681 ] قوله عن قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر في رواية النسائي ماء الكوثر قوله هو نهر أعطيه نبيكم زاد النسائي في بطنان الجنة قلت ما بطنان الجنة قالت وسطها انتهى وبطنان بضم الموحدة وسكون المهملة بعدها نون ووسط بفتح المهملة والمراد به أعلاها أي أرفعها قدرا أو المراد أعدلها قوله شاطئاه أي حافتاه قوله در مجوف أي القباب التي على جوانبه قوله رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق أما زكريا فهو بن أبي زائدة وروايته عند علي بن المديني عن يحيى بن زكريا عن أبيه ولفظه قريب من لفظ أبي الأحوص وأما رواية أبي الأحوص وهو سلام بن سليم فوصلها أبو بكر بن أبي شيبة عنه ولفظه الكوثر نهر بفناء الجنة شاطئاه در مجوف وفيه من الأباريق عدد النجوم وأما رواية مطرف وهو بن طريف بالطاء المهملة فوصلها النسائي من طريقه وقد بينت ما فيها من زيادة الحديث الثالث حديث بن عباس من رواية أبي بشر عن سعيد بن جبير عنه أنه قال في الكوثر هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه قال قلت لسعيد بن جبير عنه أنه قال في الكوثر فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس وكأن الناس الذين عناهم أبو بشر أبو إسحاق وقتادة ونحوهما ممن روى ذلك صريحا أن الكوثر هو النهر وقد أخرج الترمذي من طريق بن عمر رفعه الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت الحديث قال إنه حسن صحيح وفي صحيح مسلم من طريق المختار بن فلفل عن أنس بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال نزلت علي سورة نقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر إلى آخرها ثم قال أتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة الحديث وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول بن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به نهر في الجنة لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير ولعل سعيدا أومأ إلى أن تأويل بن عباس أولى لعمومه لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه وقد نقل المفسرون في الكوثر أقوالا أخرى غير هذين تزيد على العشرة منها قول عكرمة الكوثر النبوة وقول الحسن الكوثر القرآن وقيل تفسيره وقيل الإسلام وقيل إنه التوحيد وقيل كثرة الأتباع وقيل الإيثار وقيل رفعة الذكر وقيل نور القلب وقيل الشفاعة وقيل المعجزات وقيل إجابة الدعاء وقيل الفقه في الدين وقيل الصلوات الخمس وسيأتي مزيد بسط في أمر الكوثر وهو الحوض النبوي هو أو غيره في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى

قوله سورة قل يا أيها الكافرون وهي سورة الكافرين ويقال لها أيضا المقشقشة أي المبرئة من النفاق قوله يقال لكم دينكم الكفر ولي دين الإسلام ولم يقل ديني لأن الآيات بالنون فحذفت الياء كما قال يهدين ويشفين هو كلام الفراء بلفظه قوله وقال غيره لا أعبد ما تعبدون الخ سقط وقال غيره لأبي ذر والصواب إثباته لأنه ليس من بقية كلام الفراء بل هو كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد كأنهم دعوه إلى أن يعبد آلهتم ويعبدون إلهه فقال لا أعبد ما تعبدون في الجاهلية ولا أنتم عابدون ما أعبد في الجاهلية والإسلام ولا أنا عابد ما عبدتم الآن أي لا أعبد الآن ما تعبدون ولا أجيبكم فيما بقي أن أعبد ما تعبدون وتعبدون ما أعبد انتهى وقد أخرج بن أبي حاتم من حديث بن عباس قال قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم كف عن آلهتنا فلا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فنزلت وفي إسناده أبو خلف عبد الله بن عيسى وهو ضعيف تنبيه لم يورد في هذه السورة حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد أخرجه مسلم وقد ألزمه الإسماعيلي بذلك حيث قال في تفسير والتين والزيتون لما أورد البخاري حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها في العشاء قال الإسماعيلي ليس لا يراد هذا معنى هنا وإلا للزمه أن يورد كل حديث وردت فيه قراءته لسورة مسماة في تفسير تلك السورة

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله سورة إذا جاء نصر الله وهي سورة النصر بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر وقد أخرج النسائي من حديث بن عباس أنها آخر سورة نزلت من القرآن وقد تقدم في تفسير براءة أنها آخر سورة نزلت والجمع بينهما أن آخرية سورة النصر نزولها كاملة بخلاف براءة كما تقدم توجيهه ويقال إن إذا جاء نصر الله نزلت يوم النحر وهو بمنى في حجة الوداع وقيل عاش بعدها أحدا وثمانين يوما وليس منافيا للذي قبله بناء على بعض الأقوال في وقت الوفاة النبوية وعند بن أبي حاتم من حديث بن عباس عاش بعدها تسع ليال وعن مقاتل سبعا وعن بعضهم ثلاثا وقيل ثلاث ساعات وهو باطل وأخرج بن أبي داود في كتاب المصاحف بإسناد صحيح عن بن عباس أنه كان يقرأ إذا جاء فتح الله والنصر ثم ذكر المصنف حديث عائشة في مواظبته صلى الله عليه وسلم على التسبيح والتحميد والاستغفار وغيره في ركوعه وسجوده أورده من طريقين وفي الأولى التصريح بالمواظبة على ذلك بعد نزول السورة وفي الثانية يتأول القرآن وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة ومعنى قوله يتأول القرآن يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار في أشرف الأوقات والأحوال وقد أخرجه بن مردويه من طريق أخرى عن مسروق عن عائشة فزاد فيه علامة في أمتي أمرني ربي إذ رأيتها من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيت جاء نصر الله والفتح فتح مكة ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا وقال بن القيم في الهدى كأنه أخذه من قوله تعالى واستغفره لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور فيقول إذا سلم من الصلاة استغفر الله ثلاثا وإذا خرج من الخلاء قال غفرانك وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك ثم أفيضوا من حيث أفاض اليأس واستغفروا الله الآية قلت ويؤخذ أيضا من قوله تعالى أنه كان توابا فقد كان يقول عند انقضاء الوضوء اللهم اجعلني من التوابين

قوله ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا

قوله باب قوله ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ذكر فيه حديث بن عباس أن عمر سألهم عن قوله إذا جاء نصر الله والفتح وسأذكر شرحه في الباب الذي يليه

قوله فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا تواب على العباد والتواب من الناس التائب من الذنب

قوله باب قوله فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا تواب على العباد والتواب من الناس التائب من الذنب هو كلام الفراء في موضعين

[ 4686 ] قوله كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر أي من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار وكانت عادة عمر إذا جالس للناس أن يدخلوا عليه على قدر منازلهم في السابقة وكان ربما أدخل مع أهل المدينة من ليس منهم إذا كان فيه مزية تجبر ما فإنه من ذلك قوله فكأن بعضهم وجد أي غضب ولفظ وجد الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب والحب والغنى واللقاء سواء كان الذي يلقى ضالة أو مطلوبا أو إنسانا أو غير ذلك قوله لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ولابن سعد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير كان أناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه بن عباس وفي تاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة من طريق عاصم بن كليب عن أبيه نحوه وزاد وكان عمر أمره أن لا يتكلم حتى يتكلموا فسألهم عن شيء فلم يجيبوا وأجابه بن عباس فقال عمر أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام ثم قال إني كنت نهيتك أن تتكلم فتكلم الآن معهم وهذا القائل الذي عبر هنا بقوله بعضهم هو عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة كما وقع مصرحا به عند المصنف في علامات النبوة من طريق شعبة عن أبي بشر بهذا الإسناد كان عمر يدني بن عباس فقال له عبد الرحمن بن عوف إن لنا أبناء مثله وأراد بقوله مثله أي في مثل سنة لا في مثل فضله وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا أعرف لعبد الرحمن بن عوف ولدا في مثل سن بن عباس فإن أكبر أولاده محمد وبه كان يكنى لكنه مات صغيرا وأدرك عمر من أولاده إبراهيم بن عبد الرحمن ويقال أنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكنه أن كان كذلك لم يدرك من الحياة النبوية إلا سنة أو سنتين لأن أباه تزوج أمه بعد فتح مكة فهو أصغر من بن عباس بأكثر من عشر سنين فلعله أراد بالمثلية غير السن أو أراد بقوله لنا من كان له ولد في مثل سن بن عباس من البدريين إذ ذاك غير المتكلم قوله فقال عمر إنه من حيث علمتم في غزوة الفتح من هذا الوجه بلفظ إنه ممن علمتم وفي رواية شعبة أنه من حيث نعلم وأشار بذلك إلى قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى معرفته وفطنته وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال قال المهاجرون لعمر ألا تدعو أبناءنا كما تدعو بن عباس قال ذاكم فتى الكهول إن له لسانا سئولا وقلبا عقولا وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق الشعبي والزبير بن بكار من طريق عطاء بن يسار قالا قال العباس لابنه إن هذا الرجل يعني عمر يدينك فلا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولا يسمع منك كذبا وفي رواية عطاء بدل الثالثة ولا تبتدئه بشيء حتى يسألك عنه قوله فدعا ذات يوم فأدخله معهم في رواية للكشميهني فدعاه وفي غزوة الفتح فدعاهم يوم ودعائي معهم قوله فما رئيت بضم الراء وكسر الهمزة وفي غزوة الفتح من رواية المستملي فما رأيته بتقديم الهمزة والمعنى واحد قوله إلا ليريهم زاد في غزوة الفتح متى أي مثل ما رآه هو مني من العلم وفي رواية بن سعد فقال أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون به فضله قوله ما تقولون في قول الله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح في غزوة الفتح حتى ختم السورة قوله إذا جاء نصرنا وفتح علينا في رواية الباب الذي قبله قالوا فتح المدائن والقصور قوله وسكت بعضهم فلم يقل شيئا في غزوة الفتح وقال بعضهم لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا قوله فقال لي أكذاك تقول يا بن عباس فقلت لا قال فما تقول في رواية بن سعد فقال عمر يا بن عباس ألا تتكلم فقال أعلمه متى يموت قال إذا جاء قوله إذا جاء نصر الله والفتح زاد في الغزوة فتح مكة قوله وذلك علامة أجلك في رواية بن سعد فهو آيتك في الموت وفي الباب الذي قبله أجل أو مثل ضرب لمحمد نعيت إليه نفسه ووهم عطاء بن السائب فروى هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح قال النبي صلى الله عليه وسلم نعيت إلى نفسي أخرجه بن مردويه من طريقه والصواب رواية حبيب بن أبي ثابت التي في الباب الذي قبله بلفظ نعيت إليه نفسه وللطبراني من طريق عكرمة عن بن عباس قال لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة ولأحمد من طريق أبي رزين عن بن عباس قال لما نزلت علم أن نعيت إليه نفسه ولأبي يعلى من حديث بن عمر نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع وسئلت عن قول الكشاف أن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق فكيف صدرت بإذا الدالة على الاستقبال فأجيب بضعف ما نقله وعلى تقدير صحته فالشرط لم يتكمل بالفتح لأن مجيء الناس أفواجا لم يكن كمل فبقية الشرط مستقبل وقد أورد الطيبي السؤال وأجاب بجوابين أحدهما أن إذا قد ترد بمعنى إذ كما في قوله تعالى وإذا رأوا تجارة الآية ثانيهما أن كلام الله قديم وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى قوله إلا ما تقول في غزوة الفتح إلا ما تعلم زاد أحمد وسعيد بن منصور في روايتهما عن هشيم عن أبي بشر في هذا الحديث في آخره فقال عمر كيف تلومونني على حب ما ترون ووقع في رواية بن سعد أنه سألهم حينئذ عن ليلة القدر وذكر جواب بن عباس واستنباطه وتصويب عمر قوله وقد تقدمت لابن عباس مع عمر قصة أخرى في أواخر سورة البقرة لكن أجابوا فيها بقولهم الله أعلم فقال عمر قولوا نعلم أولا نعلم فقال بن عباس في نفسي منها شيء الحديث وفيه فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير لاجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه الله التأويل ويفقهه في الدين كما تقدم في كتاب العلم وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا لأظهار نعمة الله عليه وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته وغير ذلك من المقاصد الصالحة لا للمفاخرة والمباهاة وفيه جواز تأويل القرآن بما يفهم من الإشارات وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم ولهذا قال علي رضي الله تعالى عنه أو فهما يؤتيه الله رجلا في القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم تباب خسران تتبيب تدمير

قوله سورة تبت يدا أبي لهب بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر وأبو لهب هو بن عبد المطلب واسمه عبد العزي وأمه خزاعية وكنى أبا لهب إما بابنه لهب وإما بشدة حمرة وجنته وقد أخرج الفاكهي من طريق عبد الله بن كثير قال إنما سمي أبا لهب لأن وجهه كان يتلهب من حسنة انتهى ووافق ذلك ما آل إليه أمره من أنه سيصلي نارا ذات لهب ولهذا ذكر في القرآن بكنيته دون اسمه ولكونه بها أشهر ولأن في اسمه إضافة إلى الصنم ولا حجة فيه لمن قال بجواز تكنية المشرك على الإطلاق بل محل الجواز إذا لم يقتض ذلك التعظيم له أودعت الحاجة إليه قال الواقدي كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان السبب في ذلك أن أبا طالب لاحي أبا لهب فقعد أبو لهب على صدر أبي طالب فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بضبعي أبي لهب فضرب به الأرض فقال له أبو لهب كلانا عمك فلم فعلت بن هذا والله لا يحبك قلبي أبدا وذلك قبل النبوة وقال له إخوته لما مات أبو طالب لو عضدت بن أخيك لكنت أولي الناس بذلك ولقيه فسأله عمن مضى من آبائه فقال إنهم كانوا على غير دين فغضب وتمادى على عداوته ومات أبو لهب بعد وقعة بدر ولم يحضرها بل أرسل عنه بديلا فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما قوله وتب خسر تباب خسران وقع في رواية بن مردويه في حديث الباب من وجه آخر عن الأعمش في آخر الحديث قال فأنزل الله تبت يدا أبي لهب قال يقول خسر وتب أي خسر وما كسب يعني ولده وقال أبو عبيدة في قوله وما كيد فرعون إلا في تباب قال في هلكة قوله تتبيب تدمير قال أبو عبيدة في قوله وما زادوهم غير تتبيب أي تدمير وإهلاك

[ 4687 ] قوله عن بن عباس رضي الله عنهما لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين كذا وقع في رواية أبي أسامة عن الأعمش وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة الشعراء مع بقية مباحث هذا الحديث وفوائده

قوله باب قوله وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب ذكر فيه الحديث الذي قبله من وجه آخر وقوله فيه فهتف أي صاح وقوله يا صباحاه أي هجموا عليكم صباحا

قوله سيصلى نارا ذات لهب

قوله باب قوله سيصلى نارا ذات لهب ذكر فيه حديث بن عباس المذكور مختصرا مقتصرا على قوله قال أبو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا فنزلت تبت يدا أبي لهب وقد قدمت أن عادة المصنف غالبا إذا كان للحديث طرق أن لا يجمعها في باب واحد بل يجعل لكل طريق ترجمة تليق به وقد يترجم بما يشتمل عليه الحديث وإن لم يسقه في ذلك الباب اكتفاء بالإشارة وهذا من ذلك

قوله باب وامرأته حمالة الحطب قال أبو عبيدة كان عيسى بن عمر يقرأ حمالة الحطب بالنصب ويقول هو ذم لها قلت وقراها بالنصب أيضا من الكوفيين عاصم واسم امرأة أبي لهب العوراء وتكنى أم جميل وهي بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان والد معاوية وتقدم لها ذكر في تفسير والضحى يقال إن اسمها أروى والعوراء لقب ويقال لم تكن عوراء وإنما قيل لها ذلك لجمالها وروى البزار بإسناد حسن عن بن عباس قال لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم لو تنحيت قال إنه سيحال بيني وبينها فأقبلت فقالت يا أبا بكر هجاني صاحبك قال لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يفوه به قالت إنك لمصدق فلما ولت قال أبو بكر ما رأتك قال ما زال ملك يسترني حتى ولت وأخرجه الحميدي وأبو يعلى وابن أبي حاتم من حديث أسماء بنت أبي بكر بنحوه وللحاكم من حديث زيد بن أرقم لما نزلت تبت يدا أبي لهب قيل لامرأة أبي لهب إن محمدا هجاك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هل رأيتني أحمل حطبا أو رأيت في جيدي حبلا قوله وقال مجاهد حمالة الحطب تمشي بالنميمة وصله الفريابي عنه وأخرج سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيرين قال كانت امرأة أبي لهب تنم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المشركين وقال الفراء كانت تنم فتحرش فتوقد بينهم العداوة فكنى عن ذلك بحملها الحطب قوله في جيدها حبل من مسد يقال ليف المقل وهي السلسلة التي في النار قلت هما قولان حكاهما الفراء في قوله تعالى حبل من مسد قال هي السلسلة التي في النار ويقال المسد ليف المقل وأخرج الفريابي من طريق مجاهد قال في قوله حبل من مسد قال من حديد قال أبو عبيدة في عنقها حبل من النار والمسد عند العرب حبال من ضروب

بسم الله الرحمن الرحيم يقال لا ينون أحد أي واحد

قوله سورة قل هو الله أحد بسم الله الرحمن الرحيم ويقال لها أيضا سورة الإخلاص وجاء في سبب نزولها من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فنزلت أخرجه الترمذي والطبري وفي آخره قال لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء إلا سيموت ولا شيء يموت إلا يورث وربنا لا يموت ولا يورث ولم يكن له كفوا أحد شبة ولا عدل وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن أبي العالية مرسلا وقال هذا أصح وصحح الموصول بن خزيمة والحاكم وله شاهد من حديث جابر عند أبي يعلى والطبري والطبراني في الأوسط قوله يقال لا ينون أحد أي واحد كذا اختصره والذي قاله أبو عبيدة الله أحد لا ينون كفوا أحد أي واحد انتهى وهمزة أحد بدل من واو لأنه من الوحدة وهذا بخلاف أحد المراد به العموم فإن همزته أصلية وقال الفراء الذي قرأ بغير تنوين يقول النون نون إعراب إذا استقبلتها الألف واللام حذفت وليس ذلك بلازم انتهى وقرأها بغير تنوين أيضا نصر بن عاصم ويحيى بن أبي إسحاق ورويت عن أبي عمرو أيضا وهو كقول الشاعر عمرو العلي هشيم الثريد لقومه الأبيات وقول الآخر ولا ذاكر الله إلا قليلا وهذا معنى قول الفراء إذا استقبلتها أي إذا أتت بعدها وأغرب الداودي فقال إنما حذف التنوين لالتقاء الساكنين وهي لغة كذا قال

[ 4690 ] قوله حدثنا أبو الزناد لشعيب بن أبي حمزة فيه إسناد آخر أخرجه المصنف من حديث بن عباس كما تقدم في تفسير سورة البقرة قوله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قال الله تعالى تقدم في بدء الخلق من رواية سفيان الثوري عن أبي الزناد بلفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم أراه يقول الله عز وجل والشك فيه من المصنف فيما أحسب قوله قال الله تعالى كذبني بن آدم سأذكر شرحه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى

قوله الله الصمد والعرب تسمي أشرافها الصمد قال أبو وائل هو السيد الذي انتهى سؤدده

قوله باب قوله الله الصمد ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر قوله والعرب تسمي أشرافها الصمد وقال أبو عبيدة الصمد السيد الذي يصمد إليه ليس فوقه أحد فعلى هذا هو فعل بفتحتين بمعنى مفعول ومن ذلك قول الشاعر ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد قوله قال أبو وائل هو السيد الذي انتهى سؤدده ثبت هذا للنسفي هنا وقد وصله الفريابي من طريق الأعمش عنه وجاء أيضا من طريق عاصم بن أبي وائل فوصله بذكر بن مسعود فيه

[ 4691 ] قوله حدثنا إسحاق بن منصور كذا للجميع قال المزي في الأطراف في بعض النسخ حدثنا إسحاق بن نصر قلت وهي رواية النسفي وهما مشهوران من شيوخ البخاري ممن حدثه عن عبد الرزاق قوله كذبني بن آدم ولم يكن له ذلك في رواية أحمد عن عبد الرزاق كذبني عبدي قوله وشتمني ولم يكن له ذلك ثبت هنا في رواية الكشميهني وكذا هو عند أحمد وسقط بقية الرواة عن الفربري وكذا للنسفي والمراد به بعض بني آدم وهم من أنكر البعث من العرب وغيرهم من عباد الأوثان والدهرية ومن ادعى أن لله ولدا من العرب أيضا ومن اليهود والنصارى قوله أما تكذيبه إياي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته كذا لهم بحذف الفاء في جواب أما وقد وقع في رواية الأعرج في الباب الذي قبله فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني وفي رواية أحمد أن يقول فليعيدنا كما بدأنا وهي من شواهد ورود صيغة أفعل بمعنى التكذيب ومثله قوله قل فأتوا بالتوراة فأتلوها وقع في رواية الأعرج في الباب قبله وليس بأول الخلق بأهون من إعادته وقد تقدم الكلام على لفظ أهون في بدء الخلق وقوله من قال أنها بمعنى هين وغير ذلك من الأوجه قوله وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد في رواية الأعرج وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد قوله ولم يكن لي كفوا أحد كذا للأكثر وهو وزان ما قبله ووقع للكشميهني ولم يكن له وهو التفات وكذا في رواية الأعرج ولم يكن لي بعد قوله لم يلد وهو التفات أيضا ولما كان الرب سبحانه واجب الوجود لذاته قديما موجودا قبل وجود الأشياء وكان كل مولود محدثا انتفت عنه الوالدية ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجالسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فتتوالد انتفت عنه الولدية ومن هذا قوله تعالى أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وقد تقدم في تفسير البقرة حديث بن عباس بمعنى حديث أبي هريرة هذا لكن قال في آخره فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا بدل قوله وأنا الأحد الصمد الخ وهو محمول على أن كلا من الصحابيين حفظ في آخره ما لم يحفظ الآخر ويؤخذ منه أن من نسب غيره إلى أمر لا يليق به يطلق عليه أنه شتمه وسبق في كتاب بدء الخلق تقرير ذلك قوله كفوا وكفيئا وكفاء واحد أي بمعنى واحد وهو قول أبي عبيدة والأول بضمتين والثاني بفتح الكاف وكسر الفاء بعدها تحتانية ثم الهمزة والثالث بكسر الكاف ثم المد وقال الفراء كفوا يثقل ويخفف أي يضم ويسكن قلت وبالضم قرأ الجمهور وفتح حفص الواو بغير همز وبالسكون قرأ حمزة وبهمز في الوصل ويبدلها واوا في الوقف ومراد أبي عبيدة أنها لغات لا قراءات نعم روى في الشواذ عن سليمان بن علي العباسي أنه قرأ بكسر ثم مد وروى عن نافع مثله لكن بغير مد ومعنى الآية أنه لم يماثله أحد ولم يشاكله أو المراد نفي الكفاءة في النكاح نفيا للمصاحبة والأول أولى فان سياق الكلام لنفى المكافأة عن ذاته تعالى

قوله سورة قل أعوذ برب الفلق بسم الله الرحمن الرحيم سقطت البسملة لغير أبي ذر وتسمى أيضا سورة الفلق قوله وقال مجاهد الفلق الصبح وصله الفريابي من طريقه وكذا قال أبو عبيدة قوله وغسق الليل إذا وقب غروب الشمس وصله الطبري من طريق مجاهد بلفظ غاسق إذا وقب الليل إذا دخل قوله يقال أبين من فرق وفلق الصبح هو قول الفراء ولفظه قل أعوذ برب الفلق الفلق الصبح وهو أبين من فلق الصبح وفرق الصبح قوله وقب إذا دخل في كل شيء وأظلم هو كلام الفراء أيضا وجاء في حديث مرفوع أن الغاسق القمر أخرجه الترمذي والحاكم من طريق أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا قال هذا الغاسق إذا وقب إسناده حسن

[ 4692 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة قوله عاصم هو بن بهدلة القارئ وهو بن أبي النجود قوله وعبدة هو بن أبي لبابة بموحدتين الثانية خفيفة وضم أوله قوله سألت أبي بن كعب سيأتي في تفسير السورة التي بعدها بأتم من هذا السياق ويشرح ثم إن شاء الله تعالى

قوله سورة قل أعوذ برب الناس وتسمى سورة الناس قوله وقال بن عباس الوسواس إذا ولد خنسه الشيطان فإذا ذكر الله عز وجل ذهب وإذا لم يذكر الله ثبت على قلبه كذا لأبي ذر ولغيره ويذكر عن بن عباس وكأنه أولى لأن إسناده إلى بن عباس ضعيف أخرجه الطبري والحاكم وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف ولفظه ما من مولود إلا على قلبه الوسواس فإذا عمل فذكر الله خنس وإذا غفل وسوس ورويناه في الذكر لجعفر بن أحمد بن فارس من وجه آخر عن بن عباس وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال ولفظه يحط الشيطان فاه على قلب بن آدم فإذا سها وغفل وسوس وإذا ذكر الله خنس وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن بن عباس ولفظه يولد الإنسان والشيطان جاثم على قلبه فإذا عقل وذكر اسم الله خنس وإذا غفل وسوس وجاثم بجيم ومثلثة وعقل الأولى بمهملة وقاف والثانية بمعجمة وفاء ولأبي يعلى من حديث أنس نحوه مرفوعا وإسناده ضعيف ولسعيد بن منصور من طريق عروة بن رويم قال سأل عيسى عليه السلام ربه أن يريه موضع الشيطان من بن آدم فإذا رأسه مثل رأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب فإذا ذكر العبد ربه خنس وإذا ترك مناه وحدثه قال بن التين ينظر في قوله خنسه الشيطان فإن المعروف في اللغة خنس إذا رجع وانقبض وقال عياض كذا في جميع الروايات وهو تصحيف وتغيير ولعله كان فيه نخسه أي بنون ثم خاء معجمة ثم سين مهملة مفتوحات لما جاء في حديث أبي هريرة يعني الماضي في ترجمة عيسى عليه السلام قال لكن اللفظ المروي عن بن عباس ليس فيه نخس فلعل البخاري أشار إلى الحديثين معا كذا قال وادعى فيه التصحيف ثم فرع على ما ظنه من أنه نخس والتفريع ليس بصحيح لأنه لو أشار إلى حديث أبي هريرة لم يخص الحديث بابن عباس ولعل الرواية التي وقعت له باللفظ المذكور وتوجيهه ظاهر ومعنى يخنسه يقبضه أي يقبض عليه وهو بمعنى قوله في الروايتين اللتين ذكرناهما عن بن فارس وسعيد بن منصور وقد أخرجه بن مردويه من وجه آخر عن بن عباس قال الوسواس هو الشيطان يولد المولود والوسواس على قلبه فهو يصرفه حيث شاء فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل جثم على قلبه فوسوس وقال الصغائي الأولى خنسه مكان يخنسه قال فإن سلمت اللفظة من التصحيف فالمعنى أخره وازاله عن مكانه لشدة نخسه وطعنه بأصبعه

[ 4693 ] قوله حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش وحدثنا عاصم عن زر القائل وحدثنا عاصم هو سفيان وكأنه كان يجمعهما تارة ويفردهما أخرى وقد قدمت أن في رواية الحميدي التصريح بسماع عبدة وعاصم له من زر قوله سألت أبي بن كعب قلت أبا المنذر هي كنية أبي بن كعب وله كنية أخرى أبو الطفيل قوله يقول كذا وكذا هكذا وقع هذا اللفظ مبهما وكان بعض الرواة أبهمه استعظاما له وأظن ذلك من سفيان فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبهام وكنت أظن أولا أن الذي أبهمه البخاري لأنني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان ولفظه قلت لأبي إن أخاك يحكها من المصحف وكذا أخرجه الحميدي عن سفيان ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج وكأن سفيان كان تارة يصرح بذلك وتارة يبهمه وقد أخرجه أحمد أيضا وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ أن عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بلفظ أن عبد الله يقول في المعوذتين وهذا أيضا فيه إبهام وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله قال الأعمش وقد حدثنا عاصم عن زر عن أبي بن كعب فذكر نحو حديث قتيبة الذي في الباب الماضي وقد أخرجه البزار وفي آخره يقول إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما قال البزار ولم يتابع بن مسعود على ذلك أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قراهما في الصلاة قلت هو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر وزاد فيه بن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر فإن استطعت أن لا تفوتك قراءتهما في صلاة فافعل وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه المعوذتين وقال له إذا أنت صليت فأقرأ بهما وإسناده صحيح ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الانتصار وتبعه عياض وغيره ما حكى عن بن مسعود فقال لم ينكر بن مسعود فقال لم ينكر بن مسعود كونهما من القرآن وإنما أنكر اثباتهما في المصحف فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا الا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابه فيه وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك قال فهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها ويقول أنهما ليستا من كتاب الله نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور وقال غير القاضي لم يكن اختلاف بن مسعود مع غيره في قرآنيهما وإنما كان في صفة من صفاتهما انتهى وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بينه القاضي ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع وأما قول النووي في شرح المهذب أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن وأن من جحد منهما شيئا كفر وما نقل عن بن مسعود باطل ليس بصحيح ففيه نظر وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم فقال في أوائل المحلي ما نقل عن بن مسعود من إنكار قرآنيه المعوذتين فهو كذب باطل وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره الأغلب على الظن أن هذا النقل عن بن مسعود كذب باطل والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل والإجماع الذي نقله أم أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش وإن أراد استقراره فهو مقبول وقد قال بن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة وإنما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة ولم يقل إنهم كفروا بذلك وإنما لم يكفروا لأن الإجماع لم يكن استقر قال ونحن الآن نكفر من جحدها قال وكذلك ما نقل عن بن مسعود في المعوذتين يعني أنه لم يثبت عنده القطع بذلك ثم حصل الاتفاق بعد ذلك وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي فقال إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواترا في عصر بن مسعود لزم تكفير من أنكرهما وأن قلنا إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر بن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر قال وهذه عقدة صعبة وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر بن مسعود لكن لم يتواتر عند بن مسعود فانحلت العقدة بعون الله تعالى قوله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قيل لي قل فقلت قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل فنحن نقول الخ هو أبي بن كعب ووقع عند الطبراني في الأوسط أن بن مسعود أيضا قال مثل ذلك لكن المشهور أنه من قول أبي بن كعب فلعله انقلب على راوية وليس في جواب أبي تصريح بالمراد إلا أن في الإجماع على كونهما من القرآن غنية عن تكلف الأسانيد بأخبار الآحاد والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب خاتمة اشتمل الكتاب التفسير على خمسمائة حديث وثمانية وأربعين حديثا من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها الموصول من ذلك أربعمائة حديث وخمسة وستون حديثا والبقية معلقة وما في معناه المكرر من ذلك فيه وفيما مضى أربعمائة وثمانية وأربعون حديثا والخالص منها مائة حديث وحديث وافقه مسلم على تخريج بعضها ولم يخرج أكثرها لكونها ليست ظاهرة في الرفع والكثير منها من تفاسير بن عباس رضي الله عنهما وهي ستة وستون حديثا حديث أبي سعيد بن المعلي في الفاتحة وحديث عمر أبي أقرؤنا وحديث بن عباس كذبني بن آدم وحديث أبي هريرة لا تصدقوا أهل الكتاب وحديث أنس لم يبق ممن صلى القبلتين غيري وحديث بن عباس كان في بني إسرائيل القصاص وحديثه في تفسير وعلى الذين يطيقونه وحديث بن عمر في ذلك وحديث البراء لما نزل رمضان كانوا لا يقربون النساء وحديث حذيفة في تفسير ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة وحديث بن عمر في نساؤكم حرث لكم وحديث معقل بن يسار في نزول ولا تعضلوهن وحديث عثمان في نزول والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وحديث بن عباس في تفسيرها وحديث بن مسعود في المتوفى عنها زوجها وحديث بن عباس عن عمر في أيود أحدكم وحديث بن عمر في وان تبدوا ما في أنفسكم وحديث بن عباس في حسبنا الله وحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين الحديث ووقع في آخر حديث أسامة بن زيد في قصة عبد الله بن أبي وحديث بن عباس كان المال للولد وحديثه كان إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بأمرته وحديثه في ولكل جعلنا موالي وحديثه كنت أنا وأمي من المستضعفين وحديثه في نزول ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم وحديثه في نزول ان كان بكم أذى من مطر وحديث بن مسعود في يونس بن متى وحديث حذيفة في النفاق وحديث عائشة في لغو اليمن وحديثها عن أبيها في كفارة اليمين وحديث جابر في نزول قل هو القادر وحديث بن عمر في الأشربة وحديث بن عباس في نزول لا تسألوا عن أشياء وحديث الحر بن قيس مع عمر في قوله خذ العفو وحديث بن الزبير في تفسيرها وحديث بن عباس في تفسير الصم البكم وحديثه في تفسير إن يكن منكم عشرون صابرون وحديث حذيفة ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة وحديث بن عباس في قصته مع بن الزبير وفيه ذكر أبي بكر في الغار وحديثه في تفسير يثنون صدورهم وحديث بن مسعود في هيت لك و بل عجبت وحديث أبي هريرة في صفة مسترقي السمع وحديث بن عباس في تفسير عضين وحديث بن مسعود في الكهف ومريم من تلادي وحديثه كنا نقول للحي إذا كثروا وحديث بن عباس في تفسير وما جعلنا الرؤيا وحديث سعد بن أبي وقاص في الأخسرين أعمالا وحديث بن عباس في تفسير ومن الناس من يعبد الله على حرف وحديث عائشة في نزول وليضربن بخمرهن وحديث بن عباس في لرادك إلى معاد وحديث أبي سعيد في الصلاة على النبي وحديث بن عباس في جواب إني أجد في القرآن أشياء تختلف على وحديث عائشة في تفسير والذي قال لوالديه أف لكما وحديث عبد الله بن مغفل في البول في المغتسل وحديث بن عباس في تفسير أدبار السجود وحديثه في تفسير اللات وحديث عائشة في نزول بل الساعة موعدهم وحديث بن عباس في تفسير ولا يعصينك في معروف وحديث أنس عن زيد بن أرقم في فضل الأنصار وحديث بن عباس في تفسير عتل بعد ذلك زنيم وحديثه في ذكر الأوثان التي كانت في قوم نوح وحديثه في تفسير ترمى بشرر كالقصر وحديثه في تفسير لتركبن طبقا عن طبق وحديثه في تفسير فليدع نادية وحديث عائشة في تفسير ذكر الكوثر وحديث بن عباس في تفسيره بالخير الكثير وحديث أبي بن كعب في المعوذتين وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم خمسمائة وثمانون أثرا تقدم بعضها في بدء الخلق وغيره وهي قليلة وقد بينت كل واحد منها في موضعها ولله الحمد