كتاب فضائل القرآن
 البسملة وكتاب لأبي ذر لغيره وفضائل القرآن حسب قوله كيف نزل الوحي وأو ما نزل كذا لأبي ذر نزل بلفظ الفعل الماضي ولغيره كيف نزول الوحي بصيغة الجمع وقد تقدم البحث في كيفية نزوله في حديث عائشة أن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي في أول الصحيح وكذا أول نزوله في حديثها أو ما بدء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة لكن التعبير بأول ما نزل أخص من التعبير بأول ما بديء لأن النزول يقتضي وجود من ينزل به سواء وقع ذلك في النوم أو في اليقظة وأما انتزاع ذلك من أحاديث الباب فسأذكره إن شاء الله تعالى عند شرح كل حديث منها قوله قال بن عباس المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله تقدم بيان هذا الأثر وذكره من وصله في تفسير سورة المائدة وهو يتعلق أصل الترجمة وهي فضائل القرآن وتوجيه كلام بن عباس أن القرآن تضمن تصديق جميع ما أنزل قبله لأن الأحكام التي فيه إما مقررة لما سبق وإما ناسخة وذلك يستدعي إثبات المنسوخ وإما مجددة وكل ذلك دال على تفضيل المجدد ثم ذكر المنصف في الباب ستة أحاديث الأول والثاني حديثا بن عباس وعائشة معا

[ 4694 ] قوله عن شيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن أبي كثير وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن قوله لبث النبي صلى الله بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين كذا الكشميهني ولغيره وبالمدينة عشرا بإيها المعدود وهذا ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم عاش ستين سنة إذا انضم إلى المشهور أنه بعث على رأس الأربعين لكن يمكن أن يكون الراوي ألغى الكسر كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية فإن كل من روى عنه أنه عاش ستين أو أكثر من ثلاث وستين جاء عنه أنه عاش ثلاث وستين فالمعتد أنه عاش ثلاث وستين وما يخالف ذلك إما أن يحمل على إلغاء الكسر في السنين وإما على جبر الكسر في الشهور وأما حديث الباب فيمكن أن يجمع بينه وبين المشهور بوجه آخر وهو أنه بعث على رأس الأربعين فكانت مدة وحي المنام ستة أشهر إلى أنزل عليه الملك في شهر رمضان من غير فترة ثم فتر الوحي ثم تواتر ونتابع فكانت مدة تواتر وتتابعه بمكة عشر سنين من غير فترة أو أنه على رأس الأربعين قرنبه ميكائيل أو اسرافيل فكان يلقى إليه الكلمة أو الشيء مدة ثلاث سنين كما جاء من وجه مرسل ثم رن به جبريل فكان ينزل جملة واحدة ولعله أشار إلى ما أخرجه النسائي وأبو عبيد والحاكم من وجه آخر عن بن عباس وقال أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة وقرأ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث الآية وفي رواية للحاكم والبيهقي في الدلائل فرق في السنين وفي أخرى صحيحة لابن أبي شيبة والحاكم أيضا وضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده صحيح ووقع في المنهاج الحلمي أن جبريل كان ينزل منه من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى السماء الدنيا قدر ما ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة إلى ليلة القدر التي تليها إلى أن أنزله كله في عشرين ليلة من عشرين سنة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهذا أورده بن الأنباري من طريق ضعيفة ومنقطعة أيضا وما تقدم من أنه نزل جملة واحدة من اقرح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك مفرقا هو الصحيح المعتمد وحكى الماوردي في تفسير ليلة القدر أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن الحفظة تجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل تجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة وهذا أيضا غريب والمعتمد أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة كذا جزم به الشعبي فيما أخرجه عنه أبو عبيد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح وسيأتي مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب وقد تقدم في بدء الوحد في أول نزل جبريل بالقرآن كان في شهر رمضان وسيأتي في هذا الكتاب أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في شهر رمضان وفي ذلك حكمتان إحداهما تعاهده والأخرى تبقية ما لم ينسخ منه ورفح ما نسخ فكان رمضان ظرفا لإنزاله جملة وتفصيلا وعرضا وأحكاما وقد أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزل النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزلت التوراة لست مضين من رمضان والأنجيل لثلاث عشرة خلت منه والزبور لثمان عشرة خلت منه والقرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان وهذا كله مطابق لقوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ولقوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين وإلى الأرض أول اقرأ باسم ربك ويستفاد من حديث الباب أن القرآن نزل كله بمكة والمدينة وخاص وهو كذلك لكن نزل كثير منه غفي غير الحرمين حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر حج أو عمرة أو غزاة ولكن الاصطلاح أن كل ما نزل قبل الهجرة فهو مكي وما نزل بعد الهجرة فهو مدني سواء نزل في البلد حال الإقامة أو غيرها حال السفر وسيأتي مزيد لذلك في باب تأليف القرآن الحديث الثالث

[ 4695 ] قوله أنبئت بضم أوله على البناء للمجهول وقد عينه في آخر الحديث ووقع عند مسلم في أوله زيادة حذفها البخاري عمدا لكنها موقوفة ولعدم تعلقها بالباب وهي عن أبي عثمان عن سلمان قال لا تكونن أن استطعت أول من يدخل السوق الحديث موقوف وقد أورده البرقاني في مستخرجه من طريق عاصم عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعا قوله فقال لأم سلمة من هذا فاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استفهم أمسلمة عن الذي كان يحدثه هل فطنت لكونه ملكا أو لا قوله أو كما قال يريد أن الراوي شك في اللفظ مع بقاء المعنى في ذهنه وهذه الكلمة كثر استعمال المحدثين لها في مثل ذلك قال الداودي هذا السؤال إنما وقع بعد ذهاب جبريل وظاهر سياق الحديث يخالفه كذا قال ولم يظهر لي ما ادعاه من الظهور بل هو محتمل للأمرين قوله قالت هذا دحية أي بن خليفة الكلبي الصحابي المشهور وقد تقدم ذكره في حديث أبي سفيان الطويل في قصة هرقل أول الكتاب وكان موصوفا بالجمال وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم غالبا على صورته قوله فلما قام أي النبي صلى الله عليه وسلم ذاهبا إلى المسجد وهذا يدل على أنه لم ينكر عليها ظنته من أنه دحية اكتفاء بما سيقع منه في الخطبة مما يوضح لها المقصود قوله ما حسبته إلا إياه هذا كلام أم سلمة وعند مسلم فقالت أم سلمة أيمن الله ما حسبته إلا إياه وأمين من حروف القسم وفيها لغات قد تقدم بيانها قوله حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بخبر جبريل أو كما قال في رواية مسلم يخبرنا خبرنا وهو تصحيف نبه عليه عياض قال النووي وهو الموجود في نسخ بلادنا قلت ولم أر هذا الحديث في شيء من المسانيد إلا من هذا الطريق فهو من غرائب الصحيح ولم أقف في شيء من الروايات على بيان هذا الخبر في أي قصة ويحتمل أن يكون في قصة بني قريظة فقد وقع في دلائل البيهقي وفي الغيلانيات من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم يكلم رجلا وهو راكب فلما دخل قلت من هذا الذي كنت تكلمه قال بمن تشبهينه قلت بدحية بن خليفة قال ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة قوله قال أبي بفتح الهمزة وكسرالموحدة الخفيفة والقائل هو معتمر بن سليمان وقوله فقلت لأبي عثمان أي النهدي الذي حدثه بالحديث وقله ممن سمعت هذا ال من أسامة بن زيد فيه الاستفسار عن اسم من أبهم من الرواة ولو كان الذي أبهم ثقة معتمدا وفائدته احتمال أن لا يكون عند السامع كذلك ففي بيانه رفع لهذا الا احتمل قال عياض وغيره وفي هذا الحديث أن للملك أن يتصور على صورة الآدمي وأن له هو في ذاته صورة لا يستطيع الآدمي أن يراه فيها لضعف القوى البشرية إلا من يشاء الله أن يقويه على ذلك ولهذا كن غالب ما يأتي جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الرجل كما تقدم في بدء الوحي وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ولم ير جبريل على صورته التي خلق عليها إلا مرتين كما ثبت في الصحيحين ومن هنا يتبين وجه دخول حديث أسامة هذا في هذا الباب قالوا وفيه فضيلة لأم سلمة ولدحية وفيه نظر لأن أكثر الصحابة رأوا جبريل في صورة الرجل لما جاء فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان ولأن أنفقا الشبه لا يستلزم اثبات فضيلة معنويه وغايته أن يكون له مزية في حسن الصورة حسب وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن قطن حين قال إن الدجال أشبه النسا به فقال أيضرني شبه قال لا الحديث الرابع

[ 4696 ] قوله أبيه هو أبو سعيد المقبري كيسان وقد سمع سعيد المقبري الكشير من أبي هريرة وسمع من أبيه عن أبي هريرة ووقع الأمران في الصحيحين وهو دال على تثبت سعيد وتحريه قوله ما من الأنبياء نبي إلا أعطى هذا دال على أن النبي لا بد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه ولا يضره من أصر على المعاندة قوله من الآيات أي المعجزات الخوارق قوله ما مثله آمن عليه البشر ما موصولة وقعت مفعولا ثانيا لأعطى ومثله مبتدأ وآمن المعجزات الخوارق قوله ما مثله آمن عليه الشر ما موصولة وقعت مفعولا ثانيا لأعطى ومثله مبتدأ وآمن خبره والمثل يطلق ويراد به عين الشيء وما يساويه والمعنى أن كل نبي أعطى آية أو أكثر من شأن من يشاهدها من البشر أن يؤمن به لأجلها وعليه بمعنى اللام أو الباء الموحدة والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة أي يؤمن بذلك مغلوبا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه لكن قد يجحد فيعاند كما قال الله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسه ظلما وقال الطيبي الراجح إلى الموصول ضمير المجرور في عليه وهو حال أي مغلوبا عليه في التحدي والمراد بالآيات المعجزات وموقع المثل موقعه من قوله فأتوا بسورة مثله أي على صفته من البيان وعلو الطبقة في البلاغة تنبيه قوله وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى أي أن معجزتي التي تحديت بها الوحي الذي أنزل علي وهو القرآن لما اشتمل عليه من الإعجاز الواضح وليس المراد حصر معجزاته فيه ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدمه بل المراد أن المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره لأن كل نبي أعطى معجمة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدي بها قومه وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه كما كان السحر فاشيا عند فرعون فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة لكنها تلقفت ما صنوا ولم يقع ذلك بيمينه لغيره وكذلك أحياء عيسى الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لكون الأطباء والحكماء كانوا في ذلك الزمان في غاية الظهور فأتاهم من جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه ولهذا لما كان العرب الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية من البلاغة جاءهم بالقرآن الذي تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك وقيل المراد أن القرآن ليس له مثل لا صورة ولا حقيقة بخلاف غيره من المعجزات فإنها لا تخلوا عن مثل وقيل المراد أن كل نبي أعطى من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله صورة أو حقيقة والقرآن لم يؤت أحد قبله مثله فلهذا أردفه بقوله فأرجو كأن أكون أكثرهم تابعا وقيل المراد أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخيل وإنما هو كلام معجز لا يقدر أحد أن يأتي بما تخيل من التشبيه به بخلاف غيره فإنه قد يقع في معجزاتهم ما يقدر الساحر أن يخيل شبه فيحتاج من يميز بينهما إلى نظر والنظر عرضة للخطأ فقد يخطىء الناظر فيظن تساويهما وقيل المراد أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزه القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وأخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه وهذا أقوى المحتملات وتكميله في الذي بعده وقيل المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا قلت ويمكن نظم هذا الأقوال كلها في كلام واحد فإن محصلها لا ينافي بعضه بعضا قوله فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة رتب هذا الكلام على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعمون نفعه لاشتماله على الدعوة والحجة والإخبار بما سيكون فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد فحسن ترتيب الرجوي المذكورة على ذلك وهذه الرجوى قد تحققت فإنه أكثر الأنبياء تبعا وسيأتي بيان ذلك واضحا في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى ووتعلق هذا الحديث بالترجمة من جهة أن القرآن إنما نزل بالوحي الذي يأتي به الملك لا بالمنام ولا بالإلهام وقد جمع بعضهم إعجاز القرآن في أربعة أشياء أحدها حسن تأليفه والتئام كلمه مع الإيجاز والبلاغة ثانيها صورة سياقه وأسلوبه المخالف لأساليب كلام أهل البلاغة من العرب نظما ونثرا حتى حارت فيه عقولهم ولم يهتدوا إلى التيان بشيء مثله مع توفر دواعيهم على تحصيل ذلك وتقريعه لهم على العجز عنه ثالثها ما اشتمل عليه من الإخبار عما مضى من أحوال الأمم السالفة والشرائع الدائة مما كان لا يعلم منه بعضه إلا النادر من أهل الكتاب رابعها الإخبار بما سيأتي من الكوائن التي وقع بعضها في العصر النبوي وبعضها بعده ومن غي هذه الأربعة آيات وردت بتعجيز قوم في قاضيا أنهم لا يفعلونها فعجزوا عنها مع توفر دواعيهم على تكذيبه كتمنى اليهود الموت ومنها الروعة التي تحصل لسماعه ومنها أن قارئه لا يمل من ترداده وسماعه لا يمجه ولا يزداد بكثرة التكرار الموت إلا طراوة ولذاذة ومنها أنه آية باقية لا تعد ما بقيت الدنيا ومنها جمعه لعلوم ومغارف لا تنقضي عجائبها ولا تنتهي فوائدها اه ملخصا من كلام عياض وغيره الحديث الخامس قوله حدثنا عمرو بن محمد هو الناقد وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج وكذا أخرجه مسلم عن عمرو بن محمد الناقد وغيره عن يعقوب بن إبراهيم ووقع في الأطراف لخلف حدثنا عمرو بن علي الفلاس ورأيت في نسخة معتمدة من رواية النسفي عن البخاري حدثنا عمرو بن خالد وأظنه تصحيفا والأول هو المعتمد فإن الثلاثة وإن كانوا معروفين من شيوخ البخاري لكن الناقد أخص من غيره بالرواية عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ورواية صالح بن كيسان عن بن شهاب من رواية الأقران بل صالح بن كيسان أكبر سنا من بن شهاب وأقدم سماعا وإبراهيم بن سعد قد سمع من بن شهاب كما سيأتي تصريحه بتحديثه له في الحديث الآتي بعد باب واحد قوله إن الله تابع على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر أن الله تابع على رسوله الوحي قبل وفاته أي أكثر إنزاله قرب وفاته صلى الله عليه وسلم والسر في ذلك أن الوفود بعد فتح مكة كثروا وكثر سؤالهم عن الأحكام فكثر النزول بسبب ذلك ووقع لي سبب تحديث أنس بذلك من رواية الدراوردي عن الامامي عن الزهري سألت أنس بن مالك هل فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أين يموت قال أكثر ما كان وأجمه أورده بن يونس في تاريخ مصر في ترجمة محمد بن سعيد بن أبي مريم

[ 4697 ] قوله حتى توفاه أكثر ما كان الوحي أي الزمان الذي وقعت فيه وفاته كان نزول الوحي فيه أكثر من غيره من الأزمنة قوله ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فيه إظهار ما تضمنته الغاية في قوله حتى توفاه الله وهذا الذي وقع أخيرا على خلاف ما وقع أولا فإن الوحي في أول البعثة فتر فترة ثم كشر وفي أثناء النزول بمكة لم ينزل من السور الطوال إلا القليل ثم بعد الهجرة نزلت السور الطوال المشتملة على غالب الأحكام إلا أنه كان الزمن الأخير من الحياة النبوية أكثر الأزمنة نزولا بالسبب المتقدم وبهذا تظهر مناسبة هذا الحديث للتجرمة لتضمنه الإشارة إلى كيفية النزول الحديث السادس

[ 4698 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري وقد تقدم شرح الحديث قريبا في سورة والضحى ووجه إيراده في هذا الباب الإشارة إلى أن تأخير النزول أحيانا إنما كان يقع لحكمة تقتضي ذلك لا لقصد تركه أصلا فكان نزوله على أنحاء شتى تارة بتتابع وتارة يتارخى وفي إنزاله مفرقا وجوه من الحكمة منها تسهل حفظه لأنه لو نزل جملة واحدة على أمة أمية لا يقرأ غالبهم ولا يكتب لشق عليهم حفظه وأشار سبحانه وتعالى الى ذلك بقوله ردا على الكفار وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك أنزلناه مفرقا لنئبت به فؤادك وبقوله تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ومنها ما يستلزمه من الشرف له والعناية به لكثرة تردد رسول ربه إليه يعلمه بأحكام ما يقع له وأجوبة ما يسأل عنه من الأحكام والحوادث ومنها أنه أنزل على سبعة أحرف فناسب أن ينزل مفرقا إذ لو نزل دفعة واحدة لشق بيانها عادة ومنها أن الله قدر أن ينسخ من أحكامه ما شاء فكان إنزاله مفرقا لينفصل الناسخ من المنسوخ أولى من إنزالهما معا وقد ضبط النقلة ترتيب نزول السور كما سيأتي في باب تأليف القرآن ولم يضبطوا من ترتيب نزول الآيات إلا قليلا وقد تقدم في تفسير اقرأ باسم ربك أنها أول سورة نزلت ومع ذلك فنزل من أولها أولا خمس آيات ثم نزل باقيها بعد ذلك وكذلك سورة المدثر الت نزلت بعدها نزل أولها أولا ثم نزل سائرها بعد وأوضح من ذلك ما أخرجه أحصاب السنن الثلاثة وصححه الحاكم وغيره من حديث بن عباس عن عثمان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الآيات فيقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى

قوله باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب قرآنا عربيا بلسان عربي مبين في رواية أبي ذر لقول الله تعالى قرآنا الخ وأما نزوله بلغة قريش فمذكر في الباب من قول عثمان وقد أخرج أبو داود من طريق كعب الأنصاري أن عمر كتب إلى بن مسعود أن القرآن نزل بلسان قريش فأقريء الناس بلغة قريش لا بلغة هذيل وأما عطف العرب عليه فمن عطف العام على الخاص لأن قريشا من العرب وأما ما ذكره من الآيتين فهو حجة لذلك وقد أخرج بن أبي داود في المصاحب من طريق أخرى ع عمر قال إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلسان مضر اه ومضر هو بن نزار بن معد بن عدنان وإليه تنتهي أنساب قريش وقيس وهذيل وغيرهم وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني معنى قول عثمان نزل القرآن بلسان قريش أي معظمه وأنه لم تقم دلالة فاطمة على أن جمعيه بلسان قريش فإن ظاهر قوله تعالى إنا جعلناه قرآنا عربيا أنه نزل بجميع ألسنة العرب ومن زعم أنه أراد مضر دون ربيعة أو هما دون اليمن أو قريشا دون غيرهم فعليه البيان لأن اسم العرب يتناول الجميع تناولا واحدا ولو ساغت هذه الدعوى لساغ للآخر أن يقول نزل بلسان بني هاشم مثلا لأنهم أقرب نسبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من سائر قريش وقال أبو شامة يحتمل أن يكون قوله نزل بلسان قريش أي ابتداء نزوله ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم كما سيأتي تقديره في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف اه وتكملته أن يقال أنه نزل أولا بلسان قريش أحد الأحرف السبعة ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قرامتها تسهيلا وتيسيرا كما سيأتي بيانه فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن ولا بلسانه أولى الأحرف فحمل الناس عليه لكونه لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولما له من الأولية المذكورة وعليه يحمل كلام عمر لابن مسعود أيضا قوله وأخبرني في رواية أبي ذكر فأخبرني أنس بن مالك قال فأمر عثمان وهو معطوف على شيء محذوف يأتي بيانه في الباب الذي بعده فاقتصر المصنف من الحديث على موضع الحاجة منه وهو قول عثمان فاكتبوه بلسانهم أي قريش قوله أن ينسخوها في المصاحف كذا للأكثر والضمير للسور أو للآيات أو الصحف التي أحضرت من بيت حفصة والكشميهني أن ينسخوا ما في المصاحف أي نقلوا الذي فيها إلى مصاحف أخرى والأول هو المعتمد لأنه كان في صحف لا مصاحف

[ 4700 ] قوله وقال مسدد حدثنا يحيى في رواية أبي ذر يحيى بن سعيد وهو القطان وهذا الحديث وقع لنا موصلان في وراية مسدد من رواية معاذ بن المثنى عنه كما بينته في تعليق التعليق قوله أن يعلى هو بن أمية والد صفوان قوله كان يقول ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ هذا صورته مرسل لأن صفوان بن يعلى ما حضر القصة وقد أورده في كتاب العمرة من كتاب الحج بالإسناد الآخر المذكور هنا عن أبي نعيم عن همام فقال فيه عن صفوان بن يعلى عن أبيه فوضح أنه ساقه هنا على لفظ رواية بن جريج وقد أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد بن حو اللفظ الذي ساقه المنف هنا وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفي في كتاب الحج وقد خفي وجه دخوله في هذا الباب على كثير من الأئمة حتى قال بن كثير في تفسيره ذكر هذا الحديث في الترجمة التي قبل هذه أظهر وأبين فلعل ذلك وقع من بعض النساخ وقيل بل أشار المصنف بذلك إلى أن قوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه لا يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بلسان قريش فقط لكونهم قومه بل أرسل بلسان جميع العرب لأنه أرسل إليهم كلهم بدليل أنه خاطب الأعرابي الذي سأله بما يفهمه بعد أن نزل الوحي عليه بجواب مسألته فدل على أن الوحي كان ينزل عليه بما يفهمه السائل من العرب قرشيا كان أو غير قرشي والوحي أعم من أن يكون قرآنا يتلي أو لا يتلى قال بن بطال مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متولا كان أو غير متلو إنما نزل بلسان العرب ولا يرد على هذا كونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة عربا وعجما وغيرهم لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم ولذا قال بن المنير كان إدخال هذا الحديث في الباب الذ قبله أليق لكن لعله قصد التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسنة كان على صفة واحدة ولسان واحد

قوله باب جمع القرآن المراد بالجمع هنا جمع مخصوص وهو جمع متفرقة في صحف ثم جمع تلك الصحف في مصحف واحد مرتب السور وسيأتي بعد ثلاثة أبواب باب تأليف القرآن والمراد به هناك تأليف الآيات في السور الواحدة أو ترتيب السور في المصحف

[ 4701 ] قوله عبيد بن السباق بفتح المهملة وتشديد الموحدة مدني يكنى أبا سعيد ذكره مسلم في الطبقة الأولى من التابعين لكن لم أر له رواية عن أقدم من سهل بن حنيف الذي مات في خلافة على وحديثه عنه عند أبي داود وغيره وليس له في البخاري سوى هذا الحديث لكنه كرره في التفسير والأحكام والتوحيد وغيرها مطولا ومختصرا قوله عن زيد بن ثابت هذا هوالصحيح عن الزهري أن قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت وقصة حذيفة مع عثمان عن أنس بن مالك وقصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وقد رواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري فأدرج قصة آية سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق وأغرب عمارة بن غزية فرواه علن الزهري فقال عن خارج بن زيد بن ثابت عن أبيه وساق القصص الثلاث بطولها قصة زيد مع أبي بكر وعمر ثم قصة حذيفة مع عثمان أيضا ثم قصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب أخرجه الطبري وبين الخطيب في المدرج أن ذلك وهم منه وأنه أدرج بعض الأسانيد على بعض قوله أرسل إلي أبي بكر الصديق لم أقف على اسم الرسول إليه بذلك ورينا في الجزء الأول من فوائد الديرعاقولي قال حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن بعيد عن زيد بن ثابت قال قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء قوله مقتل أهل اليمامة أي عقب تقل أهل اليمامة والمراد بأهل اليمامة هنا من قتل بها من الصحابة في الوقعة مع مسيلمة الكذاب وكان من شأنها أن مسيلمة ادعى النبوة وقوى أمره بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بارتداد كثير من العرب فجهز غليه أبو بكر الصديق خالد بن الوليد في دمع كثير من الصحابة فحاربوه أشد محاربة إلى أن خذله الله وقتله وقتل في غضون ذلك من الصحابة جماعة كثيرة قيل سبعمائة وقيل أكثر قوله قد استحر بسين مهملة ساكنة ومثناة مفتوحة بعدها حاء مهملة مفتوحة ثم راء ثقيلة أي اشتد وكثر وهو استنفعل من الحر لأن المكروه غالبا يضاف إلى الحر كما أن المحبوب يضاف إلى البرد يقولون أسخن الله عينه وأقر عينه ووقع من تمسية الفراء الذين أراد عمر في رواية سفيان بن عيينة المذكور قتل سالم مولى أبي حذيفة ولفظه فلما قتل سالم مولى أبي حذيفة خشي عمر أن يذهب القرآن فجاء إلى أبي بكر وسيأتي أن سالما أحد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنه قوله بالقراء بالمواطن أي في المواطن أي الأماكن التي يقعفيها القتال مع الكفار ووقع في رواية شعيب عن الزهري في المواطن وفي رواية سفيان وأنا أخشى أن لا يلقى المسلمون زحفا آخر إلا استحر القتل بأهل القرآن قوله فيذهب كثير من القرآن في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه من الزيادة إلا أن يجمعوه وفي رواية شعيب قبل أن يقتل الباقون وهذا يدل على أن كثيرا ممن قتل في وقعة اليمامة كان قد حفظ القرآن لكن يمكن أن يكون المراد أن مجموعهم جمعه لا أن كل فرد فرد جمعه وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب من جمع القرآن إن شاء الله تعالى قوله قلت لعمر هو خطاب أبي بكر لعمر حكاه ثانيا لزيد بن ثابت لما أرسل إليه وهو كلام من يؤثر الاتباع وينفر من الابتداع قوله لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم من رواية سفيان بن عيينة تصريح زيد بن ثابت بذلك وفي رواية عمارة بن غزية فنفر منها أبو بكر وقال أفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الخطابي وغيره يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته صلى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء لوعد الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة المحمدية زادها الله شرفا فكان ابتداء ذلك على يد الصديق رضي الله عنه بمشورة عمر ويؤيده ما أخرجه بن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن عن عبد خير قال سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمه الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله وأما ما أخجره مسلم من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن الحديث فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كله كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع واحد ولا مرتب وأما ما أخرجه بن أبي داود في المصاحف من طريق بن سيرين قال قال علي لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ على ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعه فإسناده ضعيف انقطاعه وعلى تقدير أن يكون محفوظا فمراده يجمعه حظفه في صدره قال والذي وقع في بعض طرقه حتى جمعته بين اللوحين وهم من رواية قلت وما تقدم من رواية عبد خير عن علي أصح فهو المعتمد ووقع عند بن أبي داود أيضا بيان السبب في إشارة عمر بن الخطاب بذلك فأخرج من طريق الحسن أن عرم سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة فقال إنا لله وأمر يجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف وهذا منقطع فإن كان محفوظا حمل على أن المراد بقوله فكان أول من جمعه أي أشار يجمعه في خلافة أبي بكر فنسب الجمع إليه لذلك وقد تسول لبعض الروافض أنه يتوجه الاعتراض على أبي بكر بما فعله من جمع القرآن في المصحف فقال كيف جار أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام والجواب أنه لم يفعل ذلك إلا بطريق الاجتهاد السائغ الناشيء عن النصح منه لله ولرسوله ولكتابة ولأئمة المسلمين وعامتهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابة القرآن ونهى أن يكتب معه غيره فلم يأمر أبو بكر إلا بكتابة ما كان مكتوبا ولذلك توقف عن كتابة الآية من آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبة مع أنه كان يستحضرها هو ومن ذكر معه وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنه يعد في فضائله ويتوه بعظيم منقبته لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها فما جمع القرآن أحد بعده إلا وكان له مثل أجره إلى يوم القيامة وقد كان لأبي بكر من الاعتناء بقراءة القرآن ما اختار معه أن يرد على بن الدغنة جواره ويرضى بجوار الله ورسوله وقد تقدمت القصة مبسوطة في فضائله وقد أعلم الله تعالى في القرآن بأنه مجموع في اصحف في قوله يتلو صحفا مطهرة الآية وكان القرآن مكتوبا في الصحف لكن كانت مفرقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد ثم كانت بعده محفوظة غلى أن أمر عثمان بالنسخ منها فنسخ منها عدة مصاحف وأرسل بها إلى الأمصار كما سيأتي بيان ذلك قوله قال زيد أي بن ثابت قال أبو بكر أي قال لي إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي ذكر له أربع صفات مقتضية خصوصيته بذلك كونه شابا فيكون أنشط لما يطلب منه وكونه عاقلا فيكون أوعى له وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه وكنونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقة وقال بن بطال عن المهلب هذا يدل على أن العقل أصل الخصال المحمودة لأنه لم يصف زيدا بأكثر من العقل وجعله سببا لائتمانه ورفع التهمة عنه كذا قال وفيه نظر وسيأي مزيد البحث فيه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى ووقع في رواية سفيان بن عيينة فقال أبو بكر أما إذا عزمت على هذا فأرسل إلى زيد بن ثابت قادعه فإنه كان شابا حدثا نقيا يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فادعه حتى يجمعه معنا قال زيد بن ثابت فأرسل إلي فأتيتهما فقالا لي إنا نريد أن نجمع القرآن في شيء فاجمعه معنا وفي رواية عمارة بن غزية فقال إنا نريد أن نجمع القرآن في شيء فاجمعه معنا وفي رواية عمارة بن غزية فقال لي أبو بكر إن هذا دعاني إلى أمر وأنت كاتب الوحي فإن تك معه ابتعتكما وإن توافقني لا أفعل فاقتضى قول عمر فنفرت من ذلك فقال عمر كلمه وما عليكما لو فعلتما قال فنظرنا فقلنا لا شيء والله ما علينا قال بن بطال إنما نفر أبو بكر أولا ثم زيد بن ثابت ثانيا لأنهما لم يجدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله فكرها أن يحلا أنفسهما محل من يزيد احتياطه للدين على احتياط الرسول فلما نبههما عمر على فائدة ذلك وأنه خشية أن يتغير الحال في المستقبل إذا لم يجمع القرآن فيصير إلى الخفاء بعد الشهرة رجعا إليه قال ودل ذلك على أن فعل الرسول إذا تجرد عن القرائن وكذا تركه لا يدل على وجود ولا تحريم انتهى وليس من الزيادة على احتياط الرسول بل هو مستعد من القواعد التي مهدها الرسول صلى الله عليه وسلم قال بن الباقلاني كان الذي فعله أبو بكر من ذلك فرض كفاية بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن مع قوله تعالى إن علينا جمعه وقرآنه وقوله إن هذا لفي الصحف الأولى وقوله رسول من الله يتلو صحفا مطهرة قال فكل أمر يرجع لاحصائه وحفظه فهو واجب على الكفاية وكان ذلك من النصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم قال وقد فهم عمر أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم جمعه لا دلالة فيه علىالمنع ورجع غليه أبو بكر لما رأى وجه الصابه في ذلك وأنه ليس في المنقول ولا في المعقول ما ينافيه وما يترتب على ترك جمعه من ضياع بعضه ثم تابعهما زيد بن ثابت وسائر الصحابة على تصويب ذلك قوله فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما ما كان أنقل على مما أمرني به كأنه جمع أولا باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر وحده بذلك ووقع في رواية شعيب عن الزهري لو كلفي بالإفراد أيضا وإنما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشيه من التقصي في إحصاء ما أمر يجمعه لكن الله تعالى يسر له ذلك كما قال تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر قوله فتتبعت القرآن أجمعه أي من الأشياء التي عندي وعند غير قوله العسب بضم الهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوض ويكتبون في الطرف العريض وقيل العسيب طرف الجرلادية العريض الذي لم ينبت عليه الخوص والذي نبت عليه الخوص هو السعف ووقع في رواية بن عيينة عن بن شهاب القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل ووقع في رواية شعيب من الرقاع جمع رقعة وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد وفي رواية عمار بن غزية وقطع الأديم وفي رواية بن أبي داود من طريق أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد والصحف قوله وللخاف بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وآخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون المعجمة ووقع في رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد واللخف بضمتين وفي آخره فاء قال أبو داود الطيالسي في روايته هي الحجارة الرقاق وقال الخطابي صفائح الحجارة والرقاق قال الأصمعي فيها عرض ودقة وسيأتي للمصنف ي الأحكام عن أبي ثابت أحد شيوخه أنه فسر بالخزف بفتح المعجمة والزاي ثم فاء وهي الآنية التي تصنع من الطين المشوي ووقع في رواية شعيب والأكتاف وفي رواية بن مجمع عن بن شهاب عند بن أبي داود والاضلاع وعنده من وجه آخر والأقتاب بقاف ومثناة وآخره موحدة جمع قتثب فتحتين وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه وعند بن أبي داود أيضا في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قام عمر فقال من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منا لقرآن فليأتيه وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجر وجدانه مكتبوا حتى يشهد به من تلقاء سماعا مع كون زيد كان يحفظ وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط وعند ابنابي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد من جاء كما يشاهد على شيء من كتاب الله فاكتباه ورجاله ثقات مع انقطاعه وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بهال القرآن وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ قوله وصدور الرجال أي حديث لا أجد ذلك مكتوبا أو الواو بمعنى مع أي أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر قوله حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد من خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والترمذي ووقع في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت الأنصاري وكذا أخرجه بن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب وقول من قال عن إبراهيم بن سعد مع أبي خزيمة أصح وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة التوبة وأن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الأحزاب فالأول اختلف الرواة فيه على الزهري فمن قائل مع خزمية ومن قائل مع أبي خزيمة ومن شاك فيه يقول خزيمة أبو أبي خزيمة والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة وأبو خزيمة قيل هو بن أوس بن يزيد بن أصرم مشهور بكنتيه دون اسمه وقيل هو الحارث بن خزيمة وأما خزيمة فهو بن ثابت ذو الشهاديتن كما تقدم صريحا في سورة الأحزاب وأخرج بن أبي داود من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآتين من آخر سورة براءة فقال أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا سورة من القرآن فأحلقوها في آخرها فهذا أن كان محفوظا احتمل أن يكون قول زيد بن ثابت وجدتها مع أبيه خزيمة لم أجدها مع غيره أي أول ما كتبت ثم جاء الحارث بن خزمية بعد ذفك أو أن أبا خزيمة هو الحارث بن خزيمة لا بن أوس وأما قول عمر لو كانت ثلاث آيات فظاهره أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك إلا بتوقيف نعم ترتيب السور بعضها غثر بعض كان يقعل بعضه منهم بالاجتهاد كما سيأتي في باب تأليف القرآن قوله لم أجدها مع أحد غيره أي مكتوبة لما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون ترا ترث عند من لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسم وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة ولعلهم لما وجدها زيد عنه أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد وفائدة التتبع المبالغة في الإستظهار والوقوف عندما كتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطابي هذا مما يخفى معناه ويهم أنه كان يكتفي في إثبات الآية يخبر الشخص الواحد وليس كذلك فقد اجتمع في هذه الآية زيد بن ثابت وأبو خزيمة وعمر وحكى بن التين عن الداودي قال لم يتفرد بها أبو خزيمة بل شاركه زيد بن ثابت فعلى هذا تثبت برجلين اه وكأنه ظن أن قولهم لا يثبت القرآن بخبر الواحد أي الشخص الواحد وليس كما ظن بل المراد بخبر الواحد خلاف الخبر المتواتر فلو بلغت رواة الخبر عددا كثيرا وفقد شيئا من شروط المتواتر لم يخرج عن كونه خبر الواحد وأحلق أن المراد بالنفي نفي وجودها مكتوبة لا نفي كونها محفوظة وقد وقع عند بن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب فجاء خزيمة بن ثابت فقال إني رأيت تركتم آيتين فلم تكتبوهما قالوا وما هما قال تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة فقال عثمان وأنا أشهد فكيف ترى أن تجعل ما قال اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ومن طريق أبي العالية أنهم لما جمعوا القرآن في خلافه أبي بكر كان الذي يملي عليهم أبي بن كعب فلما انتهوا من براءة إلى قوله لا يفقهون ظنوا أن هذا آخر ما نزل منها فقال أبي بن كعب أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آيتين بعدهن لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة قوله فكانت الصحف أي التي جمعها زيد بن ثابت قوله عند أبي بكر حتى توفاه الله في موطأ بن وهب عن مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبا حتى عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جمع أبي بكر القرآن في قراطيس وكن سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل وعند موسى بن عقبة في المغازي عن بن شهاب قال لما أصيب المسلمين باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يهلك من القراء طائفة فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول مع جمع القرآن في الصحف وهذا كله أصح مما وقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال فأمرني أبو بكر فكتبت في قطع الأديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده وإنما كان في الأديم والعسب أولا قبل أن يجمع في عهد أبي بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة قوله ثم عند حفصة بنت عمر أي بعد عمر في خلافة عثمان إلى أن شرع عثمان في كتابة المصحف وإنما كان ذلك عند حفصة لأنها كانت وصية عمر فاستمر ما كان عنده عندها حتى طلبه منها من له طلب ذلك

[ 4702 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل وإبراهيم هو بن سعد وهذا الإسناد إلى بن شهاب هو الذي قبله بعينه اعاده إشارة إلى أنهما حديثان لابن شهاب في قصتين مختلفين وإن اتفقتا في كتابة القرآن وجمعه وعن بن شهاب قصة ثالثة كما بيناه عن خارجة بن زيد عن أبيه في قصة الآية التي من الأحزاب وقد ذكرها في آخر هذه القصة الثانية هنا وقد أخرجه المصنف من طريق شعيب عن بن شهاب مفرقا فأخرج القصة الأولى في تفسير التوبة وأخرج الثانية قبل هذا بباب لكن باختصار وأخرجها الطبراني في مسند الشاميين وابن أبي داود في المصاحف والخطيب في الدرج من طريق أبي اليمان بتهامه وأخرج المصنف الثالثة في تفسير سورة الأحزاب كما تقدم قال الخطيب روى إبراهيم بن سعد عن بن شهاب القصص الثلاث ثم ساقها من طريق إبراهيم بن سعد عن بن شهاب مساقا واحدا مفصلا للأسانيد المذكورة قال وروى القصص الثلاث شعيب عن بن شهاب وروى قصة آخر التوبة مفردا يونس بن يزيد قلت وروايته تأتي عقب هذا باختصار وقد أخرجها بن أبي داود من وجه آخر عن يونس مطولة وفاته رواية سفيان بن عيينة لها عن بن شهاب أيضا وقد بينت ذلك قبل قال وروى قصة آية الأحزاب معمر وهشام بن الغاز ومعاوية بن يحيى ثلاثتهم عن بن شهاب ثم ساقها عنهم قلت وفاته رواية بن أبي عتيق لها عن بن شهاب وهي عند المنصف في الجهاد قوله حدثنا بن شهاب أن أنس بن مالك حدثه في رواية يونس عن بن شهاب ثم أخبرني أنس بن مالك قوله أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق في رواية الكشميهني في أهل العراق والمراد أن أرمينية فتحت في خلافة عثمان وكان أمير العسكر من أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي وكان عثمان أمر أهل الشام وأهل العراق أن يجتمعوا على ذلك وكان أمير أهل الشام على ذلك العسكر حبيب بن مسلمة الفهري وكان حذيفة من جملة من غزا معهم وكان هو على أهلال مدائن وهي من جملة أعمال العراق ووقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد وكان يغازي أهل الشام في فرج أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق قال بن أبي داود الفرج الثغر وفي رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه أن حذيفة قدم على عثمان وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية في غزوهم ذلك الفرج مع من اجتمع من أهل العراق وأهل الشام وفي رواية يونس بن يزيد اجتمع لغزو أذربيجان وأرمينية أهل الشام وأهل العراق وأرمينية بفتح الهمزة عند بن السمعاني وبكسرها عند غيره وبه جزم الجواليقي وتبعه بن الصلاح ثم النووي وقال بن الجوزي من ضمها فقد غلط وبسكون الراء وكسر الميم بعدها تحتانية ساكنة ثم نون مكسورة ثم تحتانية مفتوحة خفيفة وقد تثقل قاله ياقوت والنسبة إليها أرمني بفتح الهمزة ضبطها الجوهري وقال بن قرقول بالتخفيف لا غير وحكى ضم الهمزة وغلط وإنما المضموم همزتها أرمية والنسبة إليها أرموي وهي بلدة أخرى من بلاد أذربيجان وأما أرمينية فهي مدينة عظيمة من نواحي خلاط ومد الأصيلي والمهلب أوله وزاد المهلب الدال وكسر الراء وتقديم الموحدة تشمتل على بلاد كثيرة وهي من ناحية الشمال قال بن السمعاني هي من جهة بلاد الروم يضرب محسنها وطيب هوائها وكثرة مائها وشجرها المثل وقيل إنا من بناء أرمني من ولد يافت بن نوح وأذريجان بفتح الهمزة والذال المعجمة وسكون الراء وقيل بسكون الذال وفتح الراء وبكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم خفيفة وآخره نون وحكى إن مكي كسر أوله وضبطها صاحب المطابع ونقله عن بن الأعرابي بسكون الذال وفتح الراء بلد كبير من نواحي جبال العراق غربي وهي الآن تبريز وقصباتها وهي تلي أرمينية من جهة غربيها واتفق غزوهما في سنة واحدة واجتمع في غزوة كل منهما أهل الشام وأهل العراق والذي ذكرته الأشهر في ضبطها وقد تمد الهمزة وقد تكسر وقد تحذف وقد تفتح الموحدة وقد يزداد بعدها ألف مع مد الأولى حكاء الهجري وأنكره الجواليقي ويؤكده أنهم نسبوا إليها آذري بالمد اقتصارا على الركن الأول كما قالوا في النسبة إلى بعلبك بعلي وكانت هذه القصة في سنة خمس وعشرين فيا لسنة الثالثة أو الثانية من خلافة عثمان وقد أخرج بن أبي داود من طريق أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال خطب عثمان فقال يا أيها الناس إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة وقد اختلفتم في القراءة الحديث في جمع القرآن وكانت خلافة عثان بعد قتل عمر وكان قتل عمر في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة بعد وفاة النبي بثلاث عشرة سنة إلا ثلاثة أشهر فإن كان قوله خمس عشرة سنة أي كاملة فيكون ذلك بعد مضي سنتي وثلاثة أشهر من خلافته لكن وقع في رواية أخرى له منذ ثلاث عشرة سنة فيجمع بينهما بإلغاء الكسر في هذه وجبره في الأولى فيكون ذلك بعد مضي سنة واحدة من خلافته فيكون ذلك في أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين وهو الوقت الذي ذكر أهل التاريخ أن أرمينية فتحت فيه وذل في أول ولاية الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة من قبل عثمان وغفل بعض من أدركناه فزعم أن ذلك كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر لذلك مستندا قوله فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعيد عن أبيه فيتنازعون في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما ذعره وفى رواية يونس فتذكر والقرآ فختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة وفى رواية عمارة بن غزية أن حذيفة قدم من غزوة فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان فقال يا أمير المؤمنين أدرك الناس قال وما ذاك قال غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرؤون بقراءة أبى بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق واذا أهل العراق يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضا وأخرج بن أبى داود أضيى من طريق يزيد بن معاوية النخعي قال انى لفى المسجد زمن الولد بن عقبة في حلقة فيها حذيفة فسمع رجل يقول قراءة عبد الله بن مسعود وسمع آخر يقول قراءة أبى موسى الأشعري فغضب ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال هكذا كان من قبلهم اختلفوا والله لأركبن الى أمير المؤمنين ومن طريق أخرى عنه ان اثنين اختلفا في آية من سورة البقرة قرأ هذا وأتموا الحج والعمرة الله وقرأ هذا وأتموا الحج والعمرة للبيت فغضب حذيفة واحمرت عيناه ومن طريق أبى الشعثاء قال قال حذيفة يقول أهل الكوفة قراءة بن مسعود ويقول أهل البصرة قراءة أبى موسى والله لئن قسمت على أمير المؤمنين لآمرئه أن يجعلها قراءة واحد ومن طريق أخرى أن بن مسعود قال لحذيفة بلغني عنك كذا قال نعم كرهت أن يقال قراءة فلان وقراءة فلان فيختلفون كما اختلف أهل الكتاب وهذه القصة لحذيفة بظهر لي أنها متدمة على القصة التي وقعت له في قراءة فكأنه لما رأى الاختلاف أيضا بين أهل الشام والعراق اشتد خوفه فركب الى عثمان وصادف أن عثمان أيضا كان وقع له نحو ذلك فأخرج بن أبى داود أيضا في المصاحف من طريق أبى قلابة قال لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل والمعلم يعلم قراءة الرجل فجعل الغلبان يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك الى المعلمين حتى كفر بعضهم بعضا فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال أتم عندي يختلفون فمن نأى عنى من الآمصار أشد اختلافا فكأنه والله أعلم لما جاءه حذيفة وأعلمه باختلاف أهل الأمصار تحقق عنده ما ظنه من ذلك وفى رواية مصعب بن سعد فقال عثمان تمترون في القرآن تقولون قراءة أبى قراءة عبد لله ويقول الآخر والله ما تفهم قراءة تك ومن طريق محمد بن سيرين قال كان الرجل لصاحبه كفرت بما تقول فرفع ذلك الى عثمان فتعاظم في نفسه وفنده بن أبى داود أيضا من رواية بكير بن الأشج ان ناسا بالعراق يسأل أحدهم عن الآية فإذا قرأها قال الا انى أكفر بهذه ففشا ذلك في الناس فكلم عثمان في ذلك قوله فأرسل عثمان الى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف في رواية يونس بن يزيد فاستخرج الصحيفة التي كان أبو بكر أمر زيدا يجعلها فنسخ منها مصاحف فبعث بها الى الآفاق والفرق بين الصحف والمصحف أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد أبى بكر وكانت سورا مفرقة كل سورة مرتبة بآياتها على حدة لكن لم يرتب بعضها اثر بعض فلما نسخت ورتب بعضها اثر بعض صارت مصحفا وقد جاء عن عثمان أنه إما فعل ذلك بعد أن ستشار الصحابة فأخرج بن أبى داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال قال على لا نقولوا في عثمان إلاخيرا أو الله ما فعل الدى في المصاحف إلاعن ملأمنا قال ما تقولون في هذه القراءة لقد بلغني أن بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتك وهذا يكاد أن يكون كفرا قلنا فما ترى قال أرى ان يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف قلنا فنعما ما رأيت قوله فأمر زيد وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاصى وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وعند بن أبى داود من طريق محمد بن سيرين قال جمع عثمان اثنى عشر رجلا من قريش والأنصار منهم أبى بن كعب وأرسل الى الرقعة التي في بيت عمر قال فحدثني كثير بن أفلح وكان ممن يكتب قال فكانوا إذا اختلفوا في الشيء أخروه قال بن سيرين أظنه ليكتبوه على العرضة الأخيرة وفى رواية مصعب بن سعد فقال عثمان من أكتب الناس قالوا كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت قال فأى الناس أعرب وفى رواية أفصح قالوا سعيد بن العاص قال عثمان فليمل سعيد وليكتب زيد ومن طريق سعيد بن عبد العزيز أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية لأنه كان أشببههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل أبوه العاصى يوم بدر مشركا ومات جده سعيد بن العاص قبل بدر مشركا قلت وقد أدرك سعيد بن العاص هذا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين قاله بن سعد وعدوه لذلك في الصحابة وحديثه عن عثمان وعائشة في صحيح مسلم واستعمله عثمان على الكوفة ومعاوية على المدينة وكان من أجواد قريش وحامائها وكان معاوية يقول لكل قوم كريم وكريمنا سعيد وكانت وفاته بالمدينة سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين ووقع في رواية عمارة بن غزبة أبان بن سعيد بن العاص يدل سعيد قال الخطيب ووهم عمارة في ذلك لأن أبان قتل بالشام في خلافة عمر ولا مدخل له في القصة والذي قامه عثمان في ذلك هو سعيد بن العاص بن المذكور أهل ووقع من تسمية من كتب أو أملى عند بن أبى داود مفرقا جماعة منهم مالك بن أبى عامر جد مالك بن أنس من روايته ومن رواية أبى قلابة عنه ومنهم كثير بت فلح كما تقدم ومنهم أبى بن كعب كما ذكرنا ومنهم أنس بن مالك وعبد الله بن عباس وقع ذلك في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن بن شهاب في أصل حديث الباب فهولاء تسعة عرفنا تسميتهم من الاثنى عشر وقد أخرج بن أبى داود من طريق عبد الله بن مغفل وجابر بن سمرة قال قال عمر بن الخطاب لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف وليس في الذين سميناهم أحد من ثقيف بل كلهم إما قريشى أو أنصارى وكأن ابتداء الا كان لزيد وسعيد للمعنى المذكور فيهما في رواية مصعب ثم احتاجوا الى من يساعد في الكتابة بحسب الحاجة الى عدد المصاحف التي ترسل الى الآفاق فاضافرا الى زيد من ذكر ثم استظهروا بأبي بن كعب في الإملاء وقد شق على بن مسعود صرفه عن كتابه المصحف حتى قال ما أخرجه الترمذي في آخر حديث إبراهيم بن سعد عن بن شهاب من طريق عبد الرحمن بن مهدا عنه قال بن شهاب فأخبرني عبيد الله لن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود ذكره لزيد بن نسخ المصاحف وقال يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ كتبة المصاحف ويتولاها رجل والله لقد أسلمت وانه لفى صلب رجل كافر يريد زيد بن ثابت وأخرج بن أبى داود من طريق خمير بن مالك بالخاء مصغر سمعت بن مسعود يقول لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة كان زيد بن ثابت لصبى من الصبيان ومن طيق أبى وائل عن بن مسعود بضعا وسبعين سورة ومن طريق زر بن حبيش عنه مثله وزاد وان لزيد بن ثابت ذؤابتين والعذر لعثمان في ذلك أنه فعله بالمدينة وعبد الله بالكوفة ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك الى أن يرسل اليه ويحضر وأيضا فان عثمان إنما أراد نسخ الصحف التي كانت جمعت في عهد أبى بكر وان يجعلها مصحفا واحد وكان الذي بسخ ذلك في عهد أبى بكر هو زيد بن ثابت كما تقدم لكونه كان كاتب الوحي فكانت له في ذلك اولية ليست لغيره وقد أخرج الترمذي في آخره الحديث المذكور عن بن شهاب قال بلغني أنه كره ذلك من مقالة عبد الله بن مسعود رجال من أفضل الصحابة قوله وقال عثمان المرهط القريشيين الثلاثة يعنى سعيد او عبد الله وعبد الرحمن لأن سعيدا اموى وعبد الله أسدى وعبد الرحمن المخزومي وكلها من بطون قريش قوله في شيء من القرآن في رواية شعيب في عربية من عربية القرآن وزاد الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن إبراهيم بن سعد في حديث الباب قال بن شهاب اختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه فقال القرشيون التابوت وقال زيد التابوه فرفع اختلافهم إلى عثمان قال بن شهاب في حديث زيد بن ثابت قال الخطيب وإنما رواها بن شهاب مرسلة قوله حتى إذ نسخوا الصحف في المصاحب رد عثمان الصحف إلى حفصة زاد أبو عبيد وابن أبي داود من طريق شعيب عن بن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر قال كان مروان يرسل إلى حفصة يعني حين كان أمير المدينة من جهة معاوية يسألها الصحف سالم بن عبد الله بن عمر قال كان مروان يرسل إلى حفصة يعني حين كان أمير المدنية من جهة معاوية يسألها الصحف التي كتب منها القرآن فنأبى أن نعطيه قال سالم فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه تلك الصحف فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت وقال إنما فعلت هذا لأني خشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب ووقع في رواية أبي عبدية فمزفت قال أبو عبيد لم يسمع أن مروان مزق الصحف إلا في هذه الرواية فقلت قد أخرجه بن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب نحوه وفيه فلما كن مروان أمير المدينة أرسل إلى حصة يسألها الصحف فمنعته إياها قال فحدثني سالم بن عبد الله قال لما توفيت حفصة فذكره وقال فيه فشققها وحرقها ووقعت هذه الزيادة في رواية عمارة بن عزية أيضا باختصار لكن أدرجها أيضا في حديث زيد بن ثابت وقال فيه فغسلها غسلا وعند بن أبي داود من رواية مالك عن بن شهاب عن سالم أو خارجة أن أبا بكر لما جمع القرآن سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فذكر الحديث مختصرا إلى أن قال فأرسل عثمان إلى حفصة فطلبها فأبت حتى عادها ليردنا إليها فنسخ منها ثم ردها فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها ويجمع بأنه صنع بالصحف جميع ذلك من تشقيق ثم غسل ثم تحريق ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة فيكون مزقها ثم غسلها والله أعلم قوله فأرسل إلى كل افق بمصحف مما نسخوا في رواية شعيب فأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف واختلفوا في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الأفاق فالمشهور أنها خمسة وأخرج بن أبي داود في كتاب المصاحف من طريق حمزة الزيات قال أرسل عثمان أربعة مصاحف وبعث منها إلى الكوفة بمصحف فوقع عند رجل من مراد فبقي حتى كتبت مصحفي عليه قال بن أبي داود سمعت أبا حاتم السجستاني يقول كتبت سبعة مصاحف إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحدا وأخرج بإسناد صحيح إلى إبراهيم لنخعي قال قال لي رجل من أهل الشام مصحفا ومصحف أهل البصرة أصبط من مصحف أهل الكوفة قلت لم قال لأن عثمان بعث إلى الكوفة لما بلغه من اختلافهم بمصحف قبل أن يعرض وبقي مصحفنا ومصحف أهل البصرة حتى عرضا قوله وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق في رواية الأكثر أن يخرق بالخاء المعجمة والروزي بالمهملة ورواه الأصلي بالوجهين والمعجمة أنبت وفي رواية الإسماعيلي أن تمحي أو تحرق وقد وقع في رواية شعيب عند بن أبي داود والطبراني وغيرهما وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به قال فذلك زمان حرقت المصاحف بالعراق بالنار وفي رواية سويد بن غفلة عن علي قال لا تقولوا لعثمان في إحراق المصاحف إلا خيرا وفي رواية بكير بن الأشج فأمر بجمع المصاحف فأحرقها ثم بث في الأجناد التي كتب ومن طريق مصعب بن سعد قال أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك أو قال لم ينكر ذلك منه أحد وفي رواية أبي قلابة فلما فرغ عثمان من المصاحف كتب إلى أهل الأمصار أني قد صنعت كذا وكذا ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم والمحو أعم من أن يكون بالغسل أن التحريق وأكثر الروايات صريح في التحريق فهو الذي وقع ويحتمل وقوع كل منهما بحسب ما رأى من كان بيده شيء من ذلك وقد جزم عياض بأنهم غسلوها بالماء ثم أحرقوها مبالغة في إذهابها قال بن بطال في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار وأن ذلك إكرام لها وصون عن وطئها بالأقدام وقد أخرج عبد الرزاق من طريق طاوس أنه كان يحرق الرسائل اليت فيها البسملة إذا اجتمعت وكذا فعل عروة وكرهه إبراهيم وقال بن عطية الرواية بالحاء المهملة أصح وهذا الحكم هو الذي وقع في ذلك الوقت وأما الآن فالغسل أولى لما دعت الحاجة إلى إزالته وقوله وأمر بما سواه أي بما سوى المصحف لذى استكتبه والمصاحف التي نقلت منه وسوى الصحف التي كانت عند حفصة وردها إليها ولهذا استدركه مروان الأمر بعدها وأعدمها أيضا خشية أن يقع لأحد منها توهم أن فيما ما يخالف المصحف الذي استقر عليه الأمر كما تقدم واستدل بتحريق عثمان الصحف على القائلين بقدم الحرف والأصوات لأنه لا يلزم من كون كلام الله قديما أن تكون الأسطر المكتوبة في الورق قديمة ولو كانت هي عين كلام الله لم يستجر الصحابة إحراقها والله أعلم قوله قال بن شهاب وأخبرني خارجة الخ هذه هي القصة الثالثة وهي موصولة إلى بن شهاب بالإسناد المذكرو كما تقدم بيانه وأضحا وقد تقدمت موصولة مفردة في الجهاد وفي تفسير سورة الأحزاب وظاهر حديث زيد بن ثابت هذا أنه فقد آية الأحزاب من الصحف التي ان نسخها في خلافة أبي بكر حتى وجدها مع خزيمة بن ثابت ووقع في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن بن شهاب أن فقده إياها إنما كان في خلافة أبي بكر وهو وهم منه والصحيح ما في الصحيح وأن الذي فقده في خلافة أبي بكر الآياتان من آخر براءة وأما التي في الأحزاب ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان وجزم بن كثير بما وقع في رواية بن مجمع وليس كذلك والله أعلم قال بن التين وغيره الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقهم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره كما سيأتي في باب تأليف القرآن واقتصر منا سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر على لغة واحدة وكانت لغة قريش أرجح اللغات فاقتصر عليها وسيأتي زيد بيان لذلك بعد باب واحد تنبيه قال بن معين لم يرو أحد حديث جمع القرآن أحسن من سياق إبراهيم بن سعد وقد روى مالك طرفا منه عن بن شهاب

قوله باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم قال بن كثير ترجم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر سوى حديث زيد بن ثابت وهذا عجيب فكأنه لم يعق له على شرطه غير هذا ثم أشار إلى أنه استوفى بيان ذلك في السيرة النبوية قلت لم أقف في شيء من النسخ إلا بلفظ كاتب بالافراد وهو مطابق لحديث الباب نعم قد كتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة غير زيد بن ثابت أما بمكة فلجميع ما نزل بها لأن زيد بن ثابت إنما أسلم بعد الهجرة وأما بالمدينة فأكثر ما كان يكتب زيد ولكثرة تعاطيه ذلك أطلق عليه الكاتب بلام العهد كما في حديث البراء بن عازب ثاني حديثي الباب ولهذا قال له أبو بكر إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زيد بن ثابت ربما غاب فكتب الوحي غيره وقد كتب له قبل زيد بن ثابت أبي بن كعب وهو أول من كتب له بالمدينة وأول من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح وممن كتب له في الجملة الخلفاء والأربعة والزبير بن العوام وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن الربيع الأسدي ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبدالله بن الأرقم الزهري وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة في آخرين وروى أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وصححه بن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتى عليه الزمان ينزل عليه من السور ذرات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا الحديث ثم ذكر المصنف في الباب حديثني الأول حديث زيد بن ثابت في قصته مع أبي بكر في جمع القرن أورد منه رفا وغرضه منه قول أبي بكر لزيد إنك كنت تكتب الوحي وقد مضى البحث فيه مستوفي في الباب الذي قبله الثاني حديث البراء وهو بن عازب لما نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله قال النبي صلى الله عليه وسلم ادع لي زيدا وقد تقدم في تفسير سورة النساء بلفظ ادع لي فلانا من رواية إسرائيل أيضا وفي رواية غيره ادع لي زيدا أيضا وتقدمت القصة هناك من حديث بن ثابت نفسه ووقع هنا فنزلت مكانها لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فسبيل الله غير أولى الضرر هكذا وقع بتأخير لفظ

[ 4704 ] غير أولي الضرر والذي في التلاوة غير أولى الضرر قبل والمجاهدون في سبيل الله وقد تقدم على الصواب من وجه آخر عن إسرائيل

قوله باب أنزل على سبعة أحرف أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه بل الراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة فإن قيل فإنها نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه فالجواب أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما وقيل ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التسهيل والتيسير ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعين في العشرات والسبعمائة في المئتين ولا يراد العدد المعين وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه وذكر القرطبي عن بن حبان انه بلغ الاختلاف في معنى الاحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولا ولم يذكر القرطبي منها سوى خمسة وقال المنذري أكثرها غير مختار ولم أقف على كلام بن حبان في هذا بعد تتبعي مظانه من صحيحه وسأذكر ما انتهى إلى من أقوال العلماء في ذكل مع باين المقبول منها والمردود إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث بن عباس

[ 4705 ] قوله حدثنا سعيد بن عفير بالمهملة والهاء مصغر بن كثير بن عفير ينسب إلى جده وهو من حفاظ المصريين وثقاتهم قوله أن بن عباس رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا بما لم يصحر بن عباس بسماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه سمعه من أبي بن أبي كعب فقد أخرج النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن أبي بن كعب نحوه والحديث مشهرو عن أبي أخرجه مسلم وغيره من حديثه كما سأذكره قوله أقرأني جبريل على حرف في أول حديث النسائي عن أبي بن كعب أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة فبينما أنا في المسجد إذ سمعت رجلا يقرؤها يخالف قراءتي الحديث ولمسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمر هما فقرأ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما قال فسقط في نفسي ولا إذا كنت في الجاهلية فضرب في صدري فقضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا فقال لي يا أبي أرسل إلى أن أقرأ القرآن على حرف الحديث وعند الطبري في هذا الحديث فوجد في نفسي وسوسة الشيطان حتى أحمر وجهي فضرب في صدري وقال اللهم اخسأ عنه الشيطان وعند الطبري من وجه آخر عن أبي أن ذلك وقع بينه وبين بن مسعود وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلاكما محسن قال أبي فقلت ما كلانا أحسن ولا أجمل قال فضرب في صدري الحديث وبين مسلم من وجه آخر عن أبي ليلى عن أبي المكان الذي نزل فيه ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاف بني غفار فأتاه جبريل فقال إن الله يأمرك أن تقريء أمتك القرآن على حرف الحديث وبين الطبري من هذه الطريق أن السورة المذكورة سورة النحل قوله فراجعته في رواية مسلم عن أبي فرددت إليه أن هون على أمتي وفي رواية له أن أمتي لا تطيق ذلك ولأبي داود من وجه آخر عن أبي فقال لي الملك الذي معه قل على حرفين حتى بلغت سبعة أحرف وفي رواية للنسائي من طريق أنس عن أبي بن كعب أن جريل وميكائيل أتياني فقال جبريل اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل اسزوده ولأحمد من حديث أبي بكرة نحوه قوله فلم أزل أستزيده ويزيدني في حديث أبي ثم أتاه الثانية فقال على حرفين ثم أتاه الثالثة فقال على ثلاثة أحرف ثم جاءه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقريء أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا وفي رواية للطبري على سبعة أحرف من سبعة أبواب من الجنة وفي أخرى له من قرأحرفا منها فهو كما قرأوفي رواية أبي داود ثم قال ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سمعيا عليما عزيزا حكيما ما لم تختم آية عذاب برحمة بعذاب وللترمذي من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال يا جريل إن بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط الحديث وفي حديث أبي بكر عند أحمد كلها كاف شاف كقولك هلم وتعال ما لم تختم الحديث وهذه الأحاديث تقوي أنا المراد بالأحرف اللغات أو القراءات أي أنزل القرآن على سبع لغات أو قراءات والأحرف جمع حرف مثل فلس وأفلس فعلى الأول يكون المعنى على سبعة أوجه من اللغات لأن أحد معاني الحرف في اللغة الوجه كقوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف وعلى الثاني يكون المراد من إطلاق الحرف على الكلمة مجازا لكونه بعضها الحديث الثاني

[ 4706 ] قوله أن المسور بن مخرمة أي بن نوفل الزهري كذا رواه عقيل ويونس وشعيب وابن أخي الزهري عن الزهري واقتصر مالك عنه على عروة فلم يذكر المسور في إسناده واقتصر عبد الأعلى عن معمر عن الزهري فيما أخبره فيما أخرجه النسائي عن المسور بن مخرمة فلم يذكر عبد الرحمن وذكره عبد الرزاق عن معمر أخرجه الترمذي وأخرجه مسلم من طريقة لكن أحال به قال كرواية يونس وكأنه أخرجه من طريق بن وهب عن يونس فذكرهما وذكره المصنف في المحاربة عن الليث عن يونس تعليقا قوله وعبدالرحمن بن عبد هو بالتنوين غير مضاف لشيء قوله القاري بتشيد الياء التحتانية نسبة إلى القرة بطن من خزيمة بن مدركة والقارة لقب واسمه أثيع بالمثلثة مصغر بن مليح بالتصغير وآخره مهملة بن الهون بضم ا لهاء بن خزيمة وقيل بل القارة هو الديش بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها معجمة من ذرية أثيع المذكور وليس هو منسوبا إلى القراءة وكانوا قد حالفوا بني زهرة وسكنوا معهم بالمدينة بعد الإسلام وكان عبد الرحمن من كبار التابعين وقد ذكر في الصحابة لكونه أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير أخرج ذلك البغوي في مسند الصحابة بإسناد لا بأس به ومات سنة ثمان وثمانين في قول الأكثر وقيل سنة ثمانين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد ذكره في أشخاص وله عنده حديث آخر عن عمر في الصيام قوله سمعت هشام بن حكيم أي بن حزام الأسدي له ولأبيه صحبة وكان إسلامهما يكوم الفتح وكان لهشام فضل ومات قبل أبيه وليس له في البخاري رواية وأخرج له مسلم حديثا واحدا مرفوعا من رواية عروة عنه وهذا يدل على أنه تأخر إلى خلافة عثمان وعلي ووهم من زعم أنه استشهد في خلافة أبي بكر أو عمر وأخرج بن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عن الزهري كان هشام بن حكيم بأمر بالمعروف فكان عمر يقول إذا بلغه الشيء أما ما عشت أنا وهشام فلا يكون ذلك قوله يقرأ سورة الفرقان كذا للجميع وكذا في سائر طرق الحديث في المسانيد والجوامع وذكر بعض الشراح أنه وقع عند الخطيب في المبهمات سورة الأحزاب بدل الفرقان وهو غلط من النسخة التي وقف عليها فإن الذي في كتاب الخطيب الفرقان كما في رواية غيره قوله فكدت أساوره بالسين المهملة أي آخذ برأسه قاله الجرجاني وقال غيره أواثبه وهو أشبه قال النابغة فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع أي واثبتني وفي بانت سعاد إذا يساور قرنا لا يحل له أن يترك القرن إلا وهو مخذول ووقع عند الكشميهني والقابسي في رواية شعيب الآتية بعد أبواب أثاوره بالمثلثة عوض المهملة قال عياض والمعروف الأول قلت لكن معناها أيضا صحيح ووقع في كرواية مالك أن أعجل عليه قوله فتصبرت في رواية مالك ثم أمهلته حتى انصرف أي من الصلاة لقوله في هذه الرواية حتى سلم قوله فلبيته برادائه بفتح اللام وموحدتين الأولى مشددة والثانية ساكنة أي جمعت عليه ثيابه عند لبته لئلا يتفلت مني وكان عمر شديدا في الأمر بالمعروف وفعل ذلك عن اجتهاد منه لظنه أن هشاما خالف الصواب ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال له أرسله قوله كذبت فيه إطلاق ذلك على غلبة الظن أو المراد بقوله كذبت أي أخطأت لأن أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ قوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها هذا قاله عمر استدلالا على ما ذهب غليه من تخطئة هشام وإنما ساغ له ذلك لرسوخ قدمه في الإسلام وسابقته بخلاف هشام فاته كان قريب العهد بالإسلام فخشي عمر من ذلك أن لا يكون أتقن القراءة بخلاف نفسه نفسه فإنه كان قد أتقن ما سمع وكان سبب اختلاف قراءتهما أن عمر حفظ هذه السورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قديما ثم لم يسمع ما نزل فيها بخلاف ما حفظه وشاهده ولأن هشاما من مسلمة الفتح فكان النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه على ما نزل أخيرا فنشأ اختلافهما من ذلك ومبادرة عمر للإنكار محمولة على أنه لم يكن سمع حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف إلا في هذه الوقعة قوله فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لما لببه بردائه صار يجره به فلهذا صار قائدا له ولوا ذلك لكان يسوقه ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم لا وصلا إليه أرسله قوله إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف هذا أورده النبي صلى الله عليه وسلم تعليما لعمر لئلا بكر تضويب الشيئين المختلفين وقد وقع عند الطبري من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال قرأ رجل فغير عليه عمر فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل أمل تقرئني يا رسول الله قال بلى قال فوقع في صدر عمر شيء عرفه النبي صلى الله وسلم في وجهه قال فضرب في صدره وقال أبعد شيطانا قالها ثلاث ثم قال يا عمر القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابا أو عذاب رحمة ومن طريق بن عمر سمع عمر رجلا يقرأ فذكره نحوه ولم يذكر نحوه ولم يذكر فوقع في صدر عمر لكن قال في آخر أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف ووقع لجماعة من الصحابة نظير ما وقع لعمر مع هشام منها لأبي بن كعب مع بن مسعود في سورة النحل كما تقدم ومنها ما أخرجه أحمد عن أبي قيس مولى عمرة بن العاص عن عمرو أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال له عمرة إنما هي كذا وكذا فذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا فيه إسناده حسن ولأحمد أيضا وأبي عبيد الواطبري من حديث أبي جهم بن الصمة أن رجلين اختلفا في آية من القرآن كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حيث عمر بن العاص وللطبري والطبراني عن زيد بن أرقم قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرأني بن مسعود سورة أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت قراءتهم فبقراءة أيهم آخذ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى إلى جنبه فقال على ليقرأ كل إنسان منكم كما علم فإنه حسن جميل ولابن حبان والحاكم من حديث بن مسعود أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسم سروة من آل حم فرحت إلى المسد فقلت لرجل أقرأها فإذا هو يقرأ حروفا ما أقرؤها فقال أقرانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا تغير وجه وقال إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ثم أسر إلى على شيئا فقال على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم قال فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفا لا يقرؤها صاحبه وأصل هذا سيأتي في آخر حديث في كتاب فضائل القرآن وقداختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على أقوال كثيرة بلغها أبو حاتم بن حبان إلى خمسة وثلاثين قولا وقال المنذري أكثرها غير مختار قوله فقرؤوا ما تيسر منه أي من المنزل وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور وأنه التيسير على القاريء وهذا يقوي قول من قال المراد بالأحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف ولو كان من لغة واحدة لأن لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر ومع ذلك فقد اختلفت قراءتهما نبه على ذلك بن عبد البر ونقل عن أكثر أهل العلم أن هذا هو المراد بالأحرف السبعة وذهب أبو عبيد وآخرون إلى أن المراد اختلاف اللغات وهو اختيار بن عطية وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها فجاء عن أبي صالح عن بن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من هوازن قال والعجز سعد بن بكر وجثم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف وهؤلاء كلهم من هوازن ويقال لهم عليا هوازن قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلي تميم يعني بني دارم وأخرج أبو عبيد من وجه آخر عن بن عباس قال نزل القرآن بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة قيل وكيف ذاك قال لأن الدار واحدة يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليم لغتهم وقال أبو حاتم السجستاني نزل بلغة قريش وهذيل وتم الرباب والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر واستنكره بن قتيبة واحتج بقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه فعلى هذا فتكون اللغات السبع في بطون قريش وبذلك جزم أبو علي الأهوازي وقال أبو عبيد ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة مضر خاصة لقو عمر نزل القرآن بلغة مضر وعن بعضهم فيما حكاه بن عبد البر السبع من مضر أنهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد كل ذلك مع اتفاق المعنى وعلى هذا يتنزل اختلافهم في القراءة كما تقدم وتصويب رسول الله صلى الله عليه وسلك كلا منهم قلت وتتمة ذلك أن يقال إن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي أي أن كل أحد يغير الكلمة بمرادفها في لغته بل المراعى في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم ويشير إلى ذلك قول كل من عمر وهشام في حديث الباب أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم لكن ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه كان يقرأ بالمرادف ولم لم مسموعا له ومن ثم أنكر عمر على ابن مسعود قراءته عني حين أي حتى حين وكتب إليه إن القرآن لم ينزل بلغة هذيل فأقريء الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل وكان ذلك قبل أن يجمع عثمان الناس على قراءة واحدة قال بن عبد البر بعد أن أخرجه من طريق أبي داود بسنده يحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار فيما أنزل قال أبو شامة ويحتمل أن يكون مراد عمر ثم عثمان بقولها نزل بلسان قريش أن ذلك كان أوله نزوله ثم أن الله تعالى سهله على الناس فجوز لهم أن يقرءوه على لغاتهم على أن لا يخرج ذلك عن لغات العرب لكونه بلسان عربي مبين فأما من أراد قراءته من غير العرب فالاختيار له أن يقرأه بلسان قريش لأنه الأولى وعلى هذا يحمل ما كتب به عمر إلى بن مسعود لأن جميع اللغات بالنسبة لغير العربي مستوية في التعبير فإذا لابد من واحدة فلتكن بلغة النبي صلى الله عليه وسلم وأما العربي المجبول على لغته على لغته فلو كلف قراءته بلغة قريش لعثر عليه التحول مع إباحة الله له أن يقرأه بلغته ويشير إلى هذا قوله في حديث أبي كما تقدم هون على أميت وقوله أن أمتي لا تطيق ذلك وكأنه انتهى عند السبع لعلمه أنه لا تحتاج لفظة من ألفاظه إلى أكثر من ذلك العدد غالبا وليس المراد كما تقدم أن كل لفظة منه تقرأ على سبعة أوجه قال بن عبد البر وهذا مجمع عليه بل هو غير ممكن بلا لا يوجد في القرآن كلمة تقرأعلى سبعة أوجه إلا الشيء القليل مثل عبد الطاغوت وقد أنكر بن قتيبة أن يكون في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه ورد عليه بن الأنباري يمثل عبد الطاغوت ولا تقل لهما أف وجبريل ويدل على ما قرره أنه أنزل أولا بلسان قريش ثم سهل على الأمة أن يقرءوه بغير لسان قريش وذلك بعد أن كثر دخول العرب في الإسلام فقد ثبت أن ورده التخفيف بذلك كان بعد الهجرة كما تقدم في حديث أبي بن كعب أن جبريل لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أضاة بني غفار فقال إن الله أخرجه مسلم وأذاة بني غفار هي بفتح الهمزة والضاد المعجمة بغير همز وآخره تاء ثأنيث هو مستنقع الماء كالغدير وجمعه أضاكعصا وقيل بالمد والهمزة مثل إناء وهو مضوع بالمدينة النبيوبة ينسب إلى بني غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء لأنهم نزلوا عنده وحاصل ما ذهب إليه هؤلاء أن معنى قوله أنزل القرآن على سبعة أحرف أي أنزل موسعا على القريء أن يقرأه على سبعة أوجه أي يقرأ بأي حرف أراد منها على البدل من صاحبه كأنه قال أنزل على هذا الشرط أو على هذه التوسعة وذلك لتسهيل قراءته إذ لو أخذوا بأن يقرءوه على حرف واحد لشق عليهم كما تقدم قال بن قتيبة في أول تفسير المشكل له كان من تيسير الله أن أمر نبيه أن يقرأ كل قوم بلغتهم فالهذلي يقرأ عني حين يريد حتى حين والأسدي يقرأ تعلمون بكسر أوله والتميمي يهمز والقرشي لا يهمز قال ولو أراد كل فريق منهم أن يزول عن لغته وما جرى عليه لسانه طفلا وناشئا وكهلا لشق عليه غاية المشقة فيسر عليهم ذلك بمنه ولو كان المراد أن كل كلمة منه تقرأ على سبعة أوجه لقال مثلا أنزل سبعة أحرف وإنما المراد أن يأتي في الكلمة وجه أو وجهان أو ثلاثة أو أكثر إلى سبعة وقال بن عبد البر أنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى الأحرف اللغات لما تقدم من اختلاف هشام وعمر ولغتهما واحدة قالوا وإنما المعنى سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة نحو أقبل ونعال وهلم ثم ساق الأحاديث الماضية الدالة على ذلك قلت ويمك الجمع بن القولين بأن يكون المراد بالأحرف تغيار الألفاظ مع اتفاق المعنى مع انحصار ذلك في سبع لغات لكن لاختلاف القولين فائدة أخرى وهي ما نبه عليه أبو عمرو الداني أن الأحرف السبعة ليست متفرقة في القرآن لكها ولا موجودة فيه في ختمة واحدة ف إذا قرأ القاريء برواية واحدة فإنما قرأ ببعض الأحرف السبعة لا بكلها وهذا إنما يتأتى على القول بأن المراد بالأحرف اللغات وأما وقل من يقول بالقول الآخر فيتأتى ذلك في ختمة واحدة لا ريب بل يمكن على ذل القول أن تحصل الأوجه السبعة في بعض القرآن كما تقدم وقد حمل بن قتيبة وغيره العدد المذكور على الوجوه التي يقع بها التغير في سبعة أشياء الأول ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل ولا يضار كاتب ولا شهيد بنصب الراء ورفعها الثاني ما يتغير بتغير الفعل مثل بعد بين أسفارنا بصيغة الطلب والفعل الماضي الثالث ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة مثل ثم ننشرها بالراء والزاي الرابع ما يتغير بإبدال حرف قريب من مخرج الآخر مثل طلح منظود في قراءة على وطلع منضود الخامس ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل وجاء سكرة الموت بالحق في قراءة أبي بكر الصديق وطلحة بن مصرف وزين العابدين وجاءت سكرة الحق بالموت السادس ما يتغير بزيادة أو نقصان كما تقدم في التفسير عن بن مسعود وأبي الدرداء والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والإنثى هذا في النقصان وأما في الزيادة فكما تقدم في تفسير تبت يدا أبي لهب في حديث بن عباس وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين السابع ما يتغير بإبدال كلمة بكلمة ترادفها مثل العهن المنفوش في قراءة بن مسعود وسعدي بن جبير الكصوف المنفوش وهذا وجه حسن لكن استبعده قاسم بن ثابت في الدلائل لكون الرخصة في القراءات إنما وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف بمخارجها قال وأما ما وجد من الحروف المتباينة المخرج المتفقه الصورة مثل ننشرها وننشزها فإن السبب في ذلك تقارب معانيها واتفق تشابه صورتها في الخط قلت ولا يلزم من ذلك توهين ما ذهب غليه بن قتيبة لاحتمال أن يكون الانحصار المذكور في ذلك وقع اتفاقا وإما اطلع عليه بالاستقراء وفي ذلك من الحكمة البالغة ما لا يخفى وقال أبو الفضل الرازي الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف الأول اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع أو تذكير وتأنيث الثاين اختلفا تصريف الأفعال ما ماض ومضارع وأمر الثالث وجوه الإعراب الرابع النقص والزيادة الخامس التقديم والتأخير السادس الإبدال السابع اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحو ذلك قلت وقد أخذ كلام بن قتيبة ونقحه وذهب قوم إلى أن السبعة الأحرف سبعة أصناف من الكلام واحتجوا بحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعلموا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا أخرجه أبو عبيد وغيره قال بن عبد البر هذا حديث لا يثبت لأنه من روايات أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بن مسعود ولم يلق بن مسعود وقد رده قوم من أهل النظر منهم أبو جعفر أحمد بن أبي عمران قلت وأطنب الطبري في مقدمة تفسيره في الرد على من قال به وحاصله أن يستحيل أن يجتمع في الحرف الواحد هذا الأوجه السبعة وقد صح الحديث المذكور بن حبان والحاكم وفي تصحيحه نظر لانقطاعه بين أبي سلمة وابن مسعود وقد أخرجه البيهقي من وجده آخر عن الزهري عن أبي سلمة مرلا وقال هذا مرسل جيد ثم قال إن صح فمعنى قوله في هذا الحديث سبعة أحرف أي سبعة أوجه كما فسرت في الحديث وليس المراد الأحرف السبعة التي تقدم ذكرها في الأحاديث الآخرى لأن سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا بل هي ظاهرة في أن المراد أن الكلمة الواحدة تقرأ على وجهين وثلاثة وأربعة غلى سبعة تهوينا وتيسيرا والشيء الواحد لا يكون حراما وحلالا في حالة واحدة وقال أبو علي الأهوازي وأبو العلاء الهمداني قوله زاجر وآمر استذاف كلام آخر أي هو زاجر أي القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة وإنما توهم ذلك من توهمه من جهة الاتفاق في العدد ويؤيده أنه جاء في بعض طرقه زاجرا وآمرا لاخ بالنصب أي نزل على هذه الصفة من الأبواب السبعة وقال أبو شامة يحتلم أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه وأن الله على هذه الأصناف لم يتقصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب قلت وما يوضح أن قوله زاجر وآمر الخ ليس تفسيرا للأحرف السبعة ما وقع في مسلم من طريق يونس عن بن شهاب عقب حديث بن عباس الأول من حديثي هذا الباب قال بن شهاب بلغني أن تلك الأحرف السبعة إنما هي في الأمر الذي يكون وادا لا يختلف في حلال ولا حرام قال أبو شامة وقد اختلف السلف في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف بأيدي الناس اليوم أو ليس فيه إلا حرف واحد منها مال بن الباقلاني إلى الأول وصحر الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد وقد أخرج بن أبي داود في المصاحف عن أبي الطاهر بن أبي السرح قال سألت بن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل هي الأحرف السبعة قال لا وإنما الأحرف السبعة مثل هلم وتعال وأقبل أي ذلك قلت أجزأك قال وقال لي بن وهب مثله والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها كما وقع في المصحف المكي تجري من تحتها الأنهار في آخر براءة وفي غره بحذف من وكذا ما وقع من اختلفا مصاحف الأمصار من عدة وأوت ثابتة في بعضها دون بعض وعدة ها آت وعدة لا مات ونحو ذلك وهو محمول على أنه نزل بالأمرين معا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته لشخصين أو أعلم بذلك شخصا واحدا وأمره بإثباتهما على الوجهين وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به تسوعة على الناس وتسهيلا فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان وكفر بعضهم بعضا اختاروا الاقتصار علىاللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي قال الطبري وصار ما اتفق عليه الصحابة من الاقتصار كمن اقتصر مما خير فيه على خصلة واحدة لأن أمرهم بالقراءة على الأوجه المذكورة لم يكن على سبيل الإيجاب بل على سبل الرخصة قلت ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب فاقرءوا ما تيسر منه وقد قرر الطبري ذللا تقرير أطنب فيه ووهي من قال بخلافه ووافقه على ذلك جماعة منهم أبو العباس بن عمار في شرح الهداية وقال أصح ما عليه الحذاق أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها لا كلها وضابطه ما وافق رسم المصحف فأما ما خالفه مثل أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ومثل إذا جاء فتح الله والنصر فهو من تلك القراءات التي تركت إن صح السند بها ولا يكفي صحة سندها في إثبات كونها قرآنا ولا سيما والكثير منها ما يحتمل أن يكون من التأويل الذي قرن إلى التنزيل فصار يظن أنه منه وقال البغوي في شرح السنة المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عثمان بنسخة في المصاحف وجمع الناس عليه وأذهب ما سوى ذلك قطعا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمروفع كسائر ما نسخ ووقع فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم وقال أبو شامة ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهي خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل وقال بن عمار أيضا لقد فعل مسبع هذه السبعة مالا ينبغي له وأشكل الأمر على العامة بإبهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشجة ووقع له أيضا في اقتصاره عن كل إمام على راويين أنه صار من سمع قراءة راو ثالث غيرهما أبطلها وقد تكون هي أشهر وأصر وظهر وربما بالغ م لايفهم فخطأ أو كفر وقال أبو بكر بن العربي ليست هذه السبعة متعينة الجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبي جعفر وشيبة والأعمش ونحوهم فإن هؤلاء مثلهم أو فقوهم وكذا قال غير واحد منهم مكي بن أبي طالب وأبو العلاء الهمداني وغيرهم ن أئمة القراء وقال أبو حيان ليس في كتاب بن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة إلا النزر اليسير فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشرة راويا ثم ساق أسماءهم واقتصر في كتاب بن مجاهد على اليزيدي واشتهر عن اليزيدي عشرة أنفس فكيف يقتصر على السوسي والدوري وليس لهما مزية على غيرهما لأن الجميع مشتركون في الضبط والتقان والأشتراك في الاخذ قال ولا أعرف لهذا سببا إلا ما قضى من نقص العلم فاقتصر هؤلاء على السبعة ثم اقتصر من بعدهم من السبعة على النزر اليسير وقال أبو شامة لم يرد بن مجاهد ما نسب إليه بل أخطأ من نسب إليه ذلك وقد بالغ أبو طاهر بن أبي هاشم صاحبه في الرد على من نسب إليه أن مراده بالقراءات السبع الأحرف السبعة المذكورة في الحديث قال بن أبي هشام أن السبب ي اختلفا القارآت السبع وغيرها أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصحف خالية من النقط والشكل قال فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوه ما يخالف الخط امتثالا لأمر عثمان الذي وافقه عليه الصحابة لما رأوا في ذلك من الاحتياط للقرآن فمن ثم نشأ الاختلاف بين قراء الأمصار مع كونهم متمسكين بحرف واحد من السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما قال ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة ثبت عن الأئمة غيرهم ووافق خط المصحف أن لا يكون قرآنا وهذا غلط عظمي فإن الذين صنفوا القراءات من الأئمة المتقدمين كأبي عبي القاسم بن سلام وأبي حاتم السجستاني وأبي جعفر الطبري وإسماعيل بن إسحاق والقاضي قد ذكروا أضعاف هؤلاء قلت اقتصر أبو عبدية في كتابه على خمس عشر رجلا من كل مصر ثلاثة أنفس فذكر من مكة بن كثير وابن محيصن وحمدا الأعرج ومن أهل المدينة أبا جعفر وشيبة ونافعا ومن أهل البصرة أبا عمرو وعيسى بن عمرو وعبد الله بنأبي إسحاق ومن أهل الكوفة يحيى بن وثاب وعاصما والأعمش ومن أهل الشام عبد الله بن عامر ويحيى بن الحارث قال وذهب عني اسم الثالث ولم يذكر في الكوفيين حمزة ولا الكسائي بل قال إن جمهور أهل الكوفة بعد الثلاثة صاروا إلى قراءة حمزة ولم يجتمع عليه جماعتهم قال وأما الكسائي فكان يتخير القراءات فأخذ من قراءة الكوفيين بعضا وترك بعضا وقال بعد أن ساق أسماء من نقلت عنه القراءة من الصحابة والتابعين فهؤلاء هم الذي يحكى عنهم عظم القراءة وإن كان الغالب عليهم الفقه والحديث قال ثم قالم بعدهم بالقراءات قوم ليست لهم أسنانهم ولا تقدمهم غيره أنهم تجردوا للقراءة واشتدت عنايتهم بها وطلبهم لها حتى صاروا بذلك أئمة يقتدى الناس بهم فيها فذكرهم وذكر أبو حاتم زايدة على عشرين رجلا ولم يذكر فيهم بن عامر ولا حمزة ولا الكسائي وذكر الطبري في كتابه اثنين وعشرين رجلا قال مكي وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم وبالشام على قراءة بن عاصم وبمكة على قراءة بن كثير وبالمدينة على قراءة نافع واستمروا على ذلك لما كان على رأس الثلاثمائة أثبت بن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب قال والسبب في الاقتصار على السبعة مع أن في أئمة القراء من هو أجل منهم قدرا وملهم أكثر من عددهم أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرا جدا فلما تقاصرت الهمم اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة وطول العمر في ملارمة القراءة والاتفاق على الأخذ عنه فانفردوا من كل مصر إماما واحدا ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة به كقراءة يعقوب وعاصم الجحدري وأبي جعفر وشيبة وغيرهم قال وممن اختار من القراءات كما اختار الكسائي أبو عبيد وأبو حاتم والمفضل وأبو جعفر الطبري وغرهم وذلك واضح في تصانيفهم في ذلك وقد صنف بن جبير المكي وكان قبل بن مجاهد كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة اختار من كل مصر إماما وإنما اقتصر على لك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار ويقال إنه وجه بسبعه هذه الخمسة ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين لكن لم نسمع لهذين المصحفين خبرا وأراد بن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف فاستبدلوا من غير البحرين واليمن قارئين يكمل بهما العدد فصادف ذلك موافقة المدد الذي ورد الخبر بها وهو أن القرن أنزل على سبعة أحرف فوقع ذلك لمن لم يعرف أصل المسألة ولم يكن له قطنة فظن أن المراد بالقراءات أنزل على سبعة أحرف وقد كثر استعمالهم الحرف في موضع القراءة فقالوا قرأ بحرف نافع بحرف بن كثير فتأكد الظن بذلك وليس الأمر كما ظنه والأصل المعتمد عليه عند الأئمة في ذلك أنه الذي يصح سنده في السماع ويستقيم وجهه في العربية ويوافق خط المصحف وربما زاد بعضهم الاتفاق عليه نعنى بالإنفاق كما قال مكي بن أبي طالب ما اتفق عليه قراءة المدينة والكوفة ولا سيما إذا اتفق نافع وعاصم قال وربما أرادوا بالاتفق ما اتفق عليه أهل الحرمين قال وأمسح القراءات سندا نافع وعاصم وأفصحها وعاصم قال وربما أرادوا الاتفاق كما قال مكي بن أبي طالب ما اتفق عليه قراءة المدينة والكوفة ولا سيما إذا اتفق نافع وعاصم قال وربما أرادوا بالاتفاق ما اتفق عليه أهل الحرمين قال وأمسح القراءات سندا نافع وعاصم وأفحصها أبو عمرو والكسائي وقال بن السمعاني في الشافي التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر رأيهم أنه لا يجوز الزيادة على ذلك قال وقد صنف غيره في السبع أيضا فذكر لا شيئا كثيرا من الروايات عنهم غير ما في كتابه فلم يقل أحد إنه لا تجمز القراءة بذلك لخلو ذلك المصحف عنه وقال أبو الفضل الرازي في اللوائح بعد أن ذكر الشبهة التي من أجلها ظن الأغنياء أن أحرف الأئمة السبعة هي المشار إليها في الحديث وأن الأئمة بعد بن مجاهد القراءة حروفا وجرد طريقا في القراءة بشرط الاختيار لم يكن ذلك خارجا عن الأحرف السبعة وقال الكواشي كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة فعلى هذا الأصل بني قبول القراءات عن سعب كانوا أو سبعة آلالف ومتى فقد شرط من الثالثة فهو الشاذ قلت وإنما أوسعت القول في هذا لما تجدد في الأعصار المتأخرة من توهم أن القراءات المشهورة منحصرة في مثل التيسير والشاطبية وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن ذلك كأبي شامة وأبي حيان وآخر من صحر بذلك السبكي فقال في شرح المنهاج عند الكلام على القراءة بالشاذ صرح كثير من الفقهاء بأن ما عدا السبعة شاذ توهما منه انحصار المشهور فيها والحق أن الخارج عن السبعة على قسمين الأول ما يخالف رسم المصحف فلا شك في أنه ليس بقرآن والثاني مالا يخالف رسم المصحف وهو على قسمين أيضا الأول ما ورد من طريق غريبة فهذا ملحق بالأول والثاني ما اشتهر عند أئمة هذا الشأن القراءة به قديما وحديثا فهذا لأوجه للمنع منه كقراءة يعقوب وأبي جعفر وغيرهما ثم نقل كلام البغوي وقال هو أولى من يعتمد عليه في ذلك فإنه فقيه محدث مقريء ثم قال وهذا التفصيل بعيثه وأرد في الروايات عن السبعة فإن عنهم شيئا كثيرا من الشواذ وهو الذي لم يأت إلا من طريق غربية وإن اشتهرت القراءة من ذلك المنفرد وكذا قال أبو شامة ونحن وان قلنا إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقات فلا يلزم أن جميع ما نقل عنهم بهذه الصفة بل فيه الضعيف لخروجه عن الأركان الثلاثة ولهذا ترى كتب المصنفين مختلفه في ذلك فالاعتماد في غير ذلك عي الضبط المتفق عليه فصل لم أقف في شيء من طرق حديث عمر على تعيين الاحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان وقد زعم بعضهم فيما حكاه بن التين أنه ليس عن هذه السورة عند القراء خلاف فيما ينقص من خط المصحف سوى قوله وجعل فيها سرابا وقرئ سراجا جمع سراج قال وباقى ما فيها من الخلاف لا يخالف خط المصنف قلت وقد تتبع أبو عمر بن عبد البر ما اختف فيه القراء من لدن الصحابة ومن بعدهم من هذه السورة فأوردته ملخصا وزدت عليه قدر ما ذكره وزيادة على ذلك وفيه تعقب على ما حكاه بن التين في سعة مواضع أو أكثر قوله تبارك الذي نزل الفرقان قرأ أبو الجوزاء وأبو السوار أنزل بألف قوله على عبده قرأ عبد الله بن الزبير وعاصم الجحدري على عباده ومعاذ أبو حلمية وأبو نهيك على عبيد قوله وقالوا أساطير الأولين اكتتبها قرأطلحة بن مصرف ورويت عن إبراهيم النخعي بضم المثناة الأولى وكسر الثانية مبنيا للمفعول وإذا ابتدأ ضم أوله قوله ملك فيكون قرأ عاصم الجحدري وأبو المتوكل ويحيى بن يعمر فيكون بضم النون قوله أو تكون له جنة قرأ الأعمش وأبو حصين يكون بالتحتانية قوله يأكل منها قرأ الكوفيون سوى عاصم نأكل بالنون ونقله في الكامل عن القاسم وابن سعد وابن مقسم قوله ويجعل لك قصورا قرأ بن كثير وابن عامر وحميد وتابعهم أبو بكر وشيبان عن عاصم وكذا محبوب عن أبي عمرو وورش يجعل برفع اللام والباقون بالجزم عطفا على محل جعل وقيل لادغامها وهذا يجري على طريقة أبي عمرو بن العلاء وقرأ بنصب اللام عمر بن ذر وابن أبي عجلة وطلحة بن سليمان وعبد الله بن موسى وذكرها الفراء جوازا على إضمار أن ولم ينقلها وضعفها بن جني قوله مكانا ضيقا قرأ بن كثير والأعمش وعلى بن نصر ومسلمة بن محارب بالتخفيف ونقلها عقبة بن ياسر عن أبي عمر أيضا وقله مقرنين قرأعاصم الجحدري ومحمد بن السميفع مقرنون قوله ثبورا قرأ المذكوران بفتح المثلثة قوله ويم نحشرهم قرألابن كثير وحفص عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب والأعرج والجحدري وكذا الحسن وقتادة والأعمش على اختلاف عنهم بالتحتانية وقرأ الأعرج بكسر الشين قال بن جني وهي قوية في القايس متروكة في الاستعمال قوله وما يعبدون من دون الله قرأابن مسعود وأبو نهيك وعمر بن ذر وما يعبدون من دوننا قوله فيقول قرأ بن عامر وطلح بن مصرف وسلام وابن حسان وطلحة بن سليمان وعيسى بن عمر زكذا الحسن وقتادة على اختلاف عنهما ورويت عن عبد الوارث عرابى عمرو بالنون قوله ما كان ينبغي قرأ أبو عيسى الاسوارى وعاصم الجحدري بضم الياء وفتح الغين قوله أن نتخذ قرأ أبو الدرداء وزيد بن ثابت والباقر وأخوه زيد وجعفر الصادق ونصر بن عقمة ومكحول وشيب وحفص بن حميد وأبو جعفر القارئ وأبو حاتم السجستاني والزعفرانى وروى عن مجاهد وأبو رجاء والحسن بعضم أوله وفتح الخاء للفعول وأنكرها ألو عبيد وزعم الفراء أن أبا جعفر تفرد بها قوله فقد كذبوكم حكى القرطبي أنها قرئت بالتخفيف قوله بما تقولون قرأ بن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير والأعمش وحميد بن قيس وابن جريج وعمر بن ذر وأبو حوة ورويت عن قنبل بالتحتانية قوله فما يستطيعون قرأ حفص في الأكثر عنه عاصم بالفوقانية وكذا الأعمش وطلحة بن مصرف وأبو حيوة قوله ومن يظلم منكم نذقه قرئ يذقه بالتحتانية قوله إلا إنهم قرئ أنهم بفتح الهمزة والأصل لأنهم فحذفت اللام نقل هذا والذي قبله من اعراب السمين قوله ويمشون قرأ على وابن مسعود وابنه عبد الرحمن وأبو عبد الرحمن السلمي بفتح الميم وتشدي الشين مبنيا للفاعل وللمفعول أيضا قوله حجرا محجورا قرأ الحسن والضحاك وقتادة وأبو رجاء والأعمش حجرا بضم أوله وهي لغة وحكى أبو البقاء الفتح عن بعض المصريين ولم أر من نقلها قراءة قوله ويوم تشقق قرأالكوفيون وأبو عمرو والحسن في المشهور عنهما وعمرو بن ميمون ونعيم بن ميسرة بالتخفيف وقرأالباقون بالتشديد ووافقهم عبد الوارث ومعاذ عن أبي عمرو وكذا محبوب وكذا الحمصي من الشاميين في نقل الهذلي قوله ونزل الملائكة قرأالأكثر بضم النون وتشديد الزاي وفتح اللام الملائكة بالرفع وقرأخارجة بن مصعب عن أبي عمرو ورويت عن معاذ أبي حليمة بتخفيف الرأي وضم اللام والأصل تنزل الملائكة فحذفت تخفيفا وقرأأبو رجاء ويحيى بن يعمر وعمر بن ذر ورويت عن بن مسعود ونقلها بن مقسم عن المكي واختارها الهذلي بفتح النون وتشديد الزاي وفتح اللام على البناء للفاعل الملائكة بالنصب وقريء بالتشديد عن بن كثير أيضا وقرأ هارون عن أبي عمرو بمثناة أوله وفتح النون وكسر الزاي الثقيلة الملائكة بالرفع أي تنزل ما أمرت به وروى عن أبي بن كعب مثله لكن بفتح الزاي وقرأ أبو السمال وأبو الأشهب كالمشهور عن بن كثير لكن بألف أوله وعن أبي بن كعب مثله لكن بفتح الزاي وقرأ أبو السمال وأبو الأشهب عن بن كثير لكن بألف أوله وعن أبي بن كعب نزلت بفتح وتخفيف وزيادة مثناة في آخره وعنه مثله لكن بضم أوله مشددا وعنه تنزلت بمثناة في أوله وفي آخره بوزن تفعلت قوله يا ليتني اتخذت قرأأبو عمرو بفتح الياء الأخيرة من ليتني قوله يا ويلتي قرأ الحسن بكسر المثناة بالإضافة ومنهم من أمال قوله إن قومي اتخذوا قرأ أبو عمرو وروح وأهل مكة إلا رواية بن مجاهد عن قنبل بفتح الياء من قويم قوله لنئبت قرأ بن مسعود بالتحتانية بدل النون وكذا روى عن حميد بن قيس وأبي حصين وأبي عمران الجوني قوله فدمرناهم قرأ علي ومسلمة بن محارب فدمرانهم بكسر الميم وفتح الراء وكسر النون الثقيلة بينهما ألف تثنية وعن علي بغير نون والخطاب لموسى وهارن قوله وعادا وثمود قرأحمزة ويعقوب وحفص وثمود بغير صرف قوله أمطرت قرأمعاذ أبو حليمة وزيد بن علي وأبو نهيك مطرت بضم أوله وكسر الطاء مبنيا للمفعول وقرأ بن مسعود أمطروا وعنه أمطرناهم قوله مطر السوء قرأأبو السمال وأبو العالية وعاصم الجحدري بضم السين وأبو السمال أيضا مثله بغير همز وقرأ على وحفيده زين العابدين وجعفر بن محمد بن زين العابدين بفتح السين وتشديد الواو بلا همز وكذا قرأ الضحاك لكن بالتخفيف قوله خزوا قرأ حمزة وإسماعيل بن جعفر والمفضل بإسكان الزاي وحفص بالضم بغير همز قوله أهذا الذي بعث الله قرأ بن مسعود وأبي بن كعب اختاره الله من بيننا قوله عن آلهتنا قرأ بن مسعود أبي عن عبادة آلهتنا قوله أرأيت من اتخذ إليه قرأ بن مسعود بمد الهمزة وكسر اللام والتنوين بصيغة الجمع وقرأالأعرج بكسر أوله وفتح اللام بعد ألف وهاء تأنيث وهو اسم الشمس وعنه بضم أوله أيضا قوله أم تحسب قرأالشامي بفتح السين قوله أو يعقلون قرأ بن مسعود أو يبصرون قوله وهو الذي أرسل قرأ بن مسعود جعل قوله الرياح قرأ بن كثير وابن مح
قوله باب تأليف القرآن أي جمع آيات السورة الواحدة أو جمع السور مرتبة في المصحف

[ 4707 ] قوله أن بن جرير أخبرهم قال وأخبرني يوسف كذا عندهم وما عرفت ماذا عطف عليه ثم رأيت الواو ساقطة في رواية النسقي وكذا ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث قوله إذ جاءها عراقي أي رجل من أهل العراق ولم أقف على اسمه قوله أي الكفن خير قال ويحك وما يضرك لعل هذا العراقي كان سمع حديث سمرة المرفوع البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم فإنها أطره وأطيب وهو عند الترمذي مصححا وأخرجه أيض عن بن عباس فلعل العراقي سمعه فأرد أن يستثبت عائشة في ذلك وكان أهل العراق اشتهروا بالتعنت في السؤال فلهذا قالت له عائشة وما يضرك تعني أي كفن كفنت فيه أجزأ وقول بن عرم الذي سأله عن دم البعوض مشهور حيث قال انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله أؤلف عليه القرآن فإنه يقرأ غير مؤلف قال بن كثير كأن قصة هذا العراقي كانت قبل أن يرسل عثمان المصحف إلى الآفاق كذا قال وفيه نظر فإن يوسف بن ماهك لم يدرك زمان أرسل عثمان المصاحف إلى الآفاق فقد ذكر المزي أن روايته عن أبي بن كعب مرسلة وأبي عاش بعد إرسال المصاحف على الصحيح وقد صرح يوسف في هذا الحديث أنه كان عند عائشة حين سألها هذا العراقي والذي يظهر لي أن هذا العراقي كان ممن يأخذ بقراءة بن مسعود وكان بن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه كما سيأتي بيانه بعد الباب الذي يلي هذا فكان تأليف مصحفه مغايرا لتأليف مصحف عثمان ولا شك أن تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره فلهذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف وهذا كله على أن السؤال إنما وقع عن ترتيب السور ويدل على ذلك أولها له وما يضرك أيه قرأت قبل ويحتمل أن يكون أراد تفصيل آيات كل سورة لقوله في آخر الحديث فأملت عليه أي السور أي آيات كل سورة كأن تقول له سورة كذا مثلا كذا كذا آية الأولى كذا الثانية الخ وهذا يرجع إلى اختلاف عدد الآيات وفيه اختلاف بين المدني والشامي والبصري وقد اعتنى أئمة القراء بجمع ذلك وبيان الخلاف فيه والأول أظهر ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين والله أعلم قال بن بطال لا نعلم أحدا قال بوجود ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها بل يجوز أن يقرأ الكهف قبل البقرة والحج قبل الكهف مثل وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكوسا فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر مبالغة في حفظها وتذليلا للسانه في سردها فمنع السلف ذلك في القرآن فهو حرام فيه وقال القاضي عياض في شرح حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته في الليل بسورة النساء آل عمران وهو كذلك في مصحف أبي بن كعب وفيه حجة لمن يقول أن ترتيت السور اجتهاد وليس بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول جمهور العلماء واختاره القاضي الباقلاني قال وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التعليم فلذلك اختلفت المصاحف فلما كتب مصحف عثمان رتبوه على ما هو عليه الآن فلذلك اختلف ترتيب مصاحف الصحابة ثم ذكر نحو كلام بن بطال ثم قال ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة على ما هي عليه الآن في المصحف توقيف من الله تعالى وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم قوله إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفعل فيها ذكر الجنة والنار هذا ظاهره مغاير لما تقدم أن أول شيء نزل اقرأ باسم ربك وليس فيها ذكر الجنة والنار فلعل من مقدرة أي من أول ما نزل أو المراد سورة المدثر فإنها أول ما نزل بعد فترة الوحي وفي آخرها ذكر الجنة والنار فلعل آخرها نزل قبل نزول بقية سورة اقرأ فإن الذي نزل أولا من اقرأ كما تقدم خمس آيات فقط قوله حتى إذا ثاب بالمثلثة ثم الموحدة أي رجع قوله نزل الحلال والحرام أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة وللكافر والعاص بالنار فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ولهذا قالت ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها وذلك لما طبحت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف وسيأتي بيان المراد بالمفصل في الحديث الرابع قوله لقد نزل شيء من الأحكام على نزول سورة البقرة والنساء مع كثرة ما اشتملتا عليه الأحكام وأشارت بقولها وأنا عنده أي بالمدينة لأن دخولها عليه إنما كان بعد الهجرة اتفاقا وقد تقدم ذلك في مناقبها وفي الحديث رد على النحاس في زعمه أن سورة النساء مكية مستندا إلى قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها نزلت بمكة اتفاقا في قصة مفتاح الكعبة لكنها حجة واهية فلا يلزم من نزلو آية أو آيات من سورة طويلة بمكة إذا نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية بل الأرجح أن جميع ما نزل بعد الهجرة معدود من المدني وقد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات المدنية في السور المكية وقد أخرج بن الضريس في فضائل القرآن من طريق عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن بن عباس أن الذي نزل بالمدينة البقرة ثم الأنفال ثم الأحزاب ثم المائدة ثم الممتحنة والنساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد ثم الرحمن ثم الإنسان ثم الطلاق ثم إذا جاء نصر الله ثم النور ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الجاثية ثم التغابن ثم الصف ثم التفح ثم براءة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أن أن سورة الكوثر مدنية فهو المعتمد واختلف في الفاتحة والرحمن والمطففين وإذا زلزلت والعاديات والقدر وأرأيت والإخلاص والمعوذتين وكذا اختلف مما تقدم في الصف والجمعة والتغابن وهذا بيان ما نزل بعدالهجرة من الآيات مما في المكي فمن ذلك الأعراف نزل بالمدينة منها واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إلى وإذ أخذ ربك يونس نزل منها بالمدينة فإن كنت في شك آيتان وقيل ومنهم من يؤمن به آية وقيل من أس أربعين إلى آخرها مدني هود ثلاث آيات ولعلك تارك أفمن كان على بينة من ربه وأقم الصلاة طرفي النهار النحل ثم إن ربك للذين هاجروا الآية وإن عاقبتم إلى آخر السورة الإسراء وإن كادوا ليستفزونك وقال ربي أدخلني وإذ قلنا لك إن ربك أحاد بالناس ويسألونك عن الروح قل آمنوا به أو لا تأمنوا الكهف مكية إلا أولها إلى جرزا وآخرها من إن الذين آمنوا مريم آية السجدة الحج من أولها إلى شديد و من كان يظن و إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله و أذن للذين يقاتلون و ولولا دفع الله و ليعلم الذين أوتو العلم و الذين هاجروا وما بعدها وموضع السجدتين و هذان خصمان الفرقان والذين يدعون مع الله إلها آخر إلى رحيما الشعراء آخرها من والشعراء يتبعهم القصص الذين آتيناهم الكتاب إلى الجاهلين و إن الذي فرض عليك القرآن العنكبوت من أولها إلى ويعلم المنافقين لقمان ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ألم تنزيل أفمن كان مؤمنا وقيل من تتجافى سبأ ويرى الذي أوتوا العلم الزمر قل يا عبادي إلى يشعرون المؤمن إن الذي يجادلون في آيات الله والتي تليها الشورى أم يقولون افترى و هو الذي يقبل التوبة إلى شديد الجاثية قل للذين آمنوا يغفروا الأحقاف قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وقوله فصابر ق ولقد خلقانا السماوات إلى الصالحين الواقعة وتجعلوا رزقكم ن من إنا بلوناهم إلى يعلمون ومن فاصبر لحكم ربك إلى الصالحين المرسلات وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون فهذا ما نزل بالمدينة ن آيات من سورة تقدم نزولها بمكة وقد بين ذلك حديث بن عباس عن عثمان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينزل عليه الآيات فيقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا وأما عكس ذلك وهو نزول شيء من سورة بمكة تأخر نزول تلك السورة إلى المدينة فلم أره إلا نادرا فقد اتفقوا على أن الأنفال مدنية لكن قيل إن قوله تعالى وإذا يمكر بك الذين كفروا الآية نزلت بمكة ثم نزلت سورة الأنفال بالمدينة وهذا غريب جدا نعم نزل من السور المدني التي تقدم ذكرها بمكة ثم نزلت سورة الأنفال بعد الهجرة في العمرة والفتح والحج ومواضع متعددة في الغزوات كتبوك وغيرها أشياء كثيرة كلها تسمى المدني اصطلاحا والله أعلم الحديث الثاني حديث بن مسعود تقدم شرحه في تفسير سبحان وفي الأنبياء والغرض منه هنا أن هذه السور نزلن بمكة وأنها مرتبة في مصحف بن مسعود كما هي في مصحف عثمان ومع تقديمهن في النزول فهن مؤخرات في ترتيب المصاحف والمراد بالعتاق وهو بكسر المهملة أنهن من قيم ما نزل الحديث الثالث حديث البراء تعلمت سورة سبح اسم ربك الأعلى قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث تقدم شرحه في أحاديث الهجرة والغرض منه أن هذه السورة متقدمة النزول وهي في أواخر المصحف مع ذلك الحديث الرابع حديث بن مسعود أيضا قوله شقيق هو بن سلمة وهو أبو وائل مشهور بكنيته أكثر من اسمه وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش سمعت أبا وائل أخرجه الترمذي قوله قال عبد الله سيأتي في باب الترتيل بلفظ غدونا على عبد الله وهو بن مسعود قوله لقد تعلمت النظائر تقدم شحره مستوفي في باب الجمع بين سورتين في الصلاة من أبواب صوفة الصلاة وفيه أسماء السور المذكورة وأن فيه دلالة على أن تأليف مصحف بن مسعود على غير تأليف العثماني وكان أوله الفاتحة ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ولم يكن على ترتيب النزول ويقال إن مصحف على كان على ترتيب النزول أوله اقرأ ثم الدثر ثم ن والقلم ثم المزمل ثم تبت ثم التكوين ثم سبح وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني والله أعلم وأما ترتيب المصحف على ما هو عليه الآن فقال القاضي أبو بكر الباقلاني يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بترتيبه هكذا ويحتمل أن يكون من اجتهاد الصحابة ثم رجح الأول بما سيأتي في الباب الذي بعد هذا أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يعارض به جبريل في كل سنة فالذي يظهر أنه عارضه به هكذا على هذا الترتيب وبه جزم بن الأنباري وفيه نظر بل الذي يظهر أنه كان يعارضه به على ترتيب النزول نعم ترتيب بعض السور على بعض أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفا وإن كان بعضه من اجتهاد بعض الصحابة وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه بن حبان والحاكم من حديث بن عباس قال قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى النفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المبين فقرنتم بهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحمين وضعتموهما في السبع الطوال فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينزل عليه السورة ذات العدد فإذا نزل عليه الشيء يعني منها دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن وكان قصتها شبيهة بها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها اه فهذا يدل على أن ترتيب الآيات في كل سورة كان توقيفا ولما لم يفصح النبي صلى الله عليه وسلم بأمر براءة وأضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادا منه رضي الله تعالى عنه ونقل ابتداء السورة نزول بسم الله الرحمن الرحيم أول ما ينزل شيء منها كما أخرجه أبو داود وصححه بن حبان والحاكم من ريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم وفي رواية فإذا نزلت بسم الله الرحمن الرحيم علموا أن السورة قد انقضت ومما يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفا ما أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عن أوس بن أبي أوس حذيفة الثفي قال كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف فذكر الحديث وفيه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرأعلي حزبي من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه قال فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن قالوا نحزبه ثلاث سورة وخمس سور وسبع سورة وتسع سور وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل من ق حتى تختم قلت فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن لذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة بخالف ما عداه فيحتمل أن يكون كان فيه تقدمي وتأخير كما ثبت من حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قرأالنساء بعده البقرة قبل آل عمران يستفاد من هذا الحديث حديث أوس أن الراجح في المفصل أنه أول المفصل من الحجرات وبه جزم جماعة من الأئمة وقد نقلنا الختلاف في تحديه في باب الجهر بالقراءة في المغرب من أبواب صفة الصلاة والله أعلم

قوله باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بكسر الراء من العرض وهو بفتح العين وسكون الراء أي يقرأ والمراد يستعرضه ما أقرأه إياه قوله وقال مسروق عن عائشة عن فاطمة قالت أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن هذا طرف من حديث وصله بتمامه في علامات النبوة وتقدم شرحه في باب الوفاة النبوية من آخر المغازي وتقدم بيان فائدة المعارضة في الباب الذي قبله والمعارة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع قوله وإنه عارضني في رواية السرخس وإني عارضني

[ 4711 ] قوله إبراهيم بن سعد عن الزهري تقدم في الصيام من وجه آخر عن إبراهيم بن سعد قال أنبأنا الزهري وإبراهيم بن سعد سمع من الزهري ومن صالح بن كيسان عن الزهري وروايته على الصفتين تكررت في هذا الكتاب كثيرا وقد تقدمت فوائد حديث بن عباس هذا في بدء الوحي فنذكر هنا نكتا مما لم يتقدم قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس فيه احتراس بليغ لئلا يتخيل من قوله وأجود ما يكون في رمضان أن الأجودية خاصة منه برمضان فيه فأثبت له الأجودية المطلقة أولا ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان قوله وأجود ما يكون في رمضان تقدم في بدء الوحي من وجه آخر عن الزهري بلف وكان أجود ما يكون في رمضان وتقدم أن المشهور في ضبط أجود أنه بالرفع وأن النصب موجه وهذه الرواية مما تؤيد الرفع قوله لأن جبريل كان يلقاه فيه بيان سبب الأجودية المذكورة وهي أبين من الرواية التي في بدء الوحي بلفظ وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل قوله في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ أي رمضان وهذا ظاهر في انه كان يلقاه كذلك في كل رمضان منذ أنزل عليه القرآن ولا يختض ذلك برمضانات الهجرة وإن كان صيام شهر رمضان إنما فرض بعد الهجرة لأنه كان يسمى رمضان قبل أن يفرض صيامه قوله يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عكس ما وقع في الترجمة لأن فيها أن جبريل كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل وتقدم في بدء الوحي بلفظ وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فيحمل على أن كلا منهما كان يعرض على الآخر ويؤيده ما وقع في رواية أبي هريرة آخر أحاديث الباب كما سأوضحه وفي الحديث إطلاق القرآن على بعضه وعلى معظمه لأن أول رمضان من بعد البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه ثم كذلك كل رمضان بعده إلى رمضان الأخير فكان قد نزل كله إلا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور وكان في سنة عشر إلى أن مات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومما نزل في تلك المدة قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم فإنها نزلت يوم عرفة والنبي صلى الله عليه وسلم بها الأتفاق وقد تقدم في هذا الكتاب وكأن الذي نزل في تلك الأيام لما كان قليلا بالنسبة لما تقدم اغتفر أمر معارضته فيستفاد من ذلك أن القرآن يطلق على البعض مجازا ومن ثم لا يحنث من حلف ليقر أن القرآن فقرأ بعضه إلا إن قصد الجميع واختلف في العرضة الأخيرة هل كانت بجيمع الأحرف المأذون في قراءتها أو بحرف واحد منها وعلى الثاني فهل هو الحرف الذي جمع عليه عثمان جميع الناس أو غيره وقد روى أحمد وابن أبي داود والطبري من طريق عبيدة بن عمرو السلماني أن الذي جمع عليه عثمان الناس يوافق العرضة الأخيرة ومن طريق محمد بن سيرين قال كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن الحديث نحو حديث بن عباس وزاد في آخره فيرون أن قراءتنا أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة وعند الحاكم نحوه من حديث سمرة وإسناده حسن وقد صححه هو ولفظه عرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضات ويقولون إن قراءتنا هذه هي العرضة الخيرة ومن طريق مجاهد عن بن عباس قال أي القراءتين ترون كان آخر القراءة قال قراءة زيد بن ثابت فقال لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن كل سنة على جبريل فلما كان في السنة التي قبض فيها عرضه عليه مرتين وكانت قراءة بن مسعود آخرهما وهذا يغاير حديث سمرة ومن وافقه وعند مسدد في مسنده من طريق إبراهيم النخعي أن بن عباس سمع رجلا يقول الحرف الأوف فقال ما الحرف الأول قال ان عمر بعث بن مسعود إلى الكوفة معلما فأخذوا بقراءته فغير عثمان القراءة فهم يدعون قراءة بن مسعود الحرف الأول فقال بن عباس انه لآخر حرف عرض به النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل وأخرج النسائي من طريق أبي ظبيان قال قال لي بن عباس أي القراءتين تقرأقلت للقراءة الأولى قراءة بن أم عبد يعني عبد الله بن مسعود قال بل هي الأخيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل الحديث وفي آخره فحضر ذلك بن مسعود فعلم ما نسخ من ذلك وما يدل وإسناده صحيح ويمكن الجمع بين القولين بأن تكون العرضتان الأحيرتان وقعتا بالحرفين المذكورين فيصح إطلاق الآخرية على كل منهما قوله أجود بالخير من الريح المرسلة فيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشببه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه وذلك أنه أثبت له أوتر وصف الأجودية ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح المرسلة بل جعله أبلغ في ذلك منها لأن الريح قد تسكن وفيه الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضارة ومنها المبشرة بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثانية وأشار إلى قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرا والله الذي أرسل الرياح ونحو ذلك فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمة لا ينقطع وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي لأن الجود من النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ومن الريح مجاز فكأنه استعار للريح جودا باعتبار مجيئها بالخير فأنزلها منزل من جاد وفي تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتة لطيفة وهي أنه لو أخره لظن تعلقه بالمرسلة وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد بالوصف من الأجودية إلا أنه تفوت فيه المبالغة لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح المرسلة مطلقا وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق تعيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه ثم معارضته ما نزل منه فيه ويلزم من ذلك كثرة نزول جبريل فيه وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات مالا يحصى ويستفاد منه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة وفيه أن مداموة التلاوة توجب زيادة الخير وفيه استحباب تكثير العبادة في آخر العمر ومذاكرة الفاضل بالخير والعلم وإن كان هو لا يخفى عليه ذلك لزيادة التذكرة والاتعاظ وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأكل ليلة جزءا في جزء من الليلة والسبب في ذلك ما كان يستغل به في لك ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم يعيده في بقية الليالي وقد أخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال قلت للشعبي قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن أما كان ينزل عليه في سائر السنة قال بلى ولكن جبريل كان يعارض مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما أنزل الله فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء ففي هذا إشارة إلى الحكمة في التقسيط الذي أشرت إليه لتفصيل ما ذكره من المحكم والمنسوخ ويؤيده أيضا الرواية الماضية في بدء الخلق بلفظ فيدارسه القرآن فإن ظاهره إن كلا منهما كان يقرأ على الآخر وهي موافقة لقوله يعارضه فيستدعي ذلك زمان زائدا على ما لو قرأ الواحد ولا يعارض ذلك قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى إذا قلنا إن لا نافية كما هو المشهور وقول الأكثر المعنى أنه إذا أقرأه فلا ينسى ما أقرأه ومن جملة الإقراء مدارسة جبريل أو المراد أن المنفي بقوله فلا تنسى النسيان الذي لا ذكره بعده لا النسيان الذي يعقبه الذكر في الحال حتى لو قدر أنه نسي شيئا فإنه يذكره إياه في الحال وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب نسيان القرآن إن شاء الله تعالى وقد تقدمت بقية فوائد حديث بن عباس في بدء الوحي

[ 4712 ] قوله حدثنا خالد بن يزيد هو الكاهلي وأبو بكر هو إن عياش بالتحتاينة والمعجمة وأبو حصين بفتح أوله عثمان بن عاصم وذكوان هو أبو صالح السمان قوله كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كذا لهم بضم أوله على البناء للمجهول وفي بعضها بفتح أوله بحذف الفاعل فالمحذوف هو جبريل صرح به إسرائيل في روايته عن أبي حصين أخرجه الإسماعيل ولفظه كان جبريل يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل رمضان وإلى هذه الرواية أشار المصنف في الترجمة وقله القرآن كل عام مرة سقط لفظ القرآن لغير الكشميهني زاد إسرائيل عند الإسماعيلي فيصبح وهو أود بالخير من الريح المرسلة وهذه الزيادة غربية في حديث أبي هريرة وإنما هي محفوة من حديث بن عباس قوله فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه في رواية إسرائيل عرضتين وقد تقدم ذكر الحكمة في تكرارا العرض في السنة الأخيرة ويحتمل أيضا أن يكون السر في ذلك أن رمضان من السنة الأولى لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان ثم فتر الوحي ثم تتابع فوقعت المدارسة في السنة الأخيرة مرتني ليستوي عدد السنين والعرض قوله وكان يعتكف في كل عام عترا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه ظاهره أنه اعتكف عشرين يوما من رمضان وهو مناسب لفعل جبريل حيث ضاعف عرض القرآن في تلك السنة ويحتمل أن يكون السبب ما تقدم في الاعتكاف أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف عشرا فسافر عاما فلم يعتكف فاعتكف من قابل عشرين يوما وهذا إنما يتأتي في سفر وقع في شهر رمضان وكان رمضان من سنة تسع دخل وهو صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهذا بخلاف القصة المتقدمة في كتاب الصيام أنه شرع في الاعتكاف في أول العشر الأخير فلما رأى ما صنع أزواجه من ضرب الأخبية تركه ثم اعتكف عشرا في شوال اتحاد القصة ويحتمل أيضا أن تكون القصة التي في حديث الباب هي التي أوردها مسلم وأصلها عند البخاري من حديث أبي سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور الشعر التي في وسط الشهر فإذا استقبل إحدى وعشرين رجع فأقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها ثم قال إني كنت أجاور هذه العشر الوسط ثم بدا بل أن أجاور العشر الأواخر فجاور العشر الأخير الحديث فيكون المراد بالعشرين العشر الأوسط والشعر الأخير

قوله باب القراء من أصحاب رسول الله عليه وسلم أي الذين اشتهروا بحف القرآن والتصدي لتعلميه وهذا اللفظ كان في عرف السلف أيضا لم تفقه في القرآن وذكره فيه ستة أحاديث الأول عن عمرو وهو بن مرة وقد نسبه المصنف في المناقب من هذا الوجه وذهل الكرماني فقال هو عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي وليس كما قال

[ 4713 ] قوله مسروق جاء عن إبراهيم وهو النخعي فيه شيخ آخر أخرجه الحاكم من طريق أبي سعيد المؤدب عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله وهو مقلوب فإن المحفوظ في هذا عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق كما تقدم في المناقب ويحتمل أن يكون إبراهيم حمله عن شيخين والأعمش حمله عن شيخين قوله خذوا القرآن من أربعة أي تعلموه منهم والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين وهما المبدأ بهما واثنان من الأنصار وسالم هو بن معقل مولى أبي حذيفة ومعاذ هو بن جبل وقد تقدم هذا الحديث في مناقب سالم مولى أبي حذيفة من هذا الوجه وفي أوله ذكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو فقال ذلك رجل لا أزال أحبه بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة فبدأ به فذكر حديث الباب ويستفاد منه محبة من يكون ما هو في القرآن وأن البداءة بالجرل في الذكر على غيره في أمر اشترك فيه مع غيره يدل على تقدمه فيه وقتدم بقية شرحه هناك وقال الكرماني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد الإعلام بما يكون بعده أي أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك وتعقب بأنهم لم ينفردوا بل الذي مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة اليمامة ومات معاذ في خلافة عمر ومات أبي وابن مسعود في خلافة عثمان وقد تأخر زيد بن ثابت وانتهت إليه الرياسة في القراءة وعاش بعدهم زمانا طويلا فالظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن بل كان الذين يحفظون مثل الذين حفظوه وأزيد منهم جماعة من الصحابة وقد تقدم في غزوة بئر معونة أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القارىء وكانوا سبعين رجلا الحديث الثاني

[ 4714 ] قوله حدثنا عمر بن حفص حدثناابي كذا للأكثر وحكى الجياني أنه وقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني حدثنا حفص بن عمر حدثنا أبي وهو خطأ مقلوب وليس لحفص بن عمر أب يروي عنه في الصحيح وإنما هو عمر بن حفص بن غياث بالغين المعجمة والتحتانية والمثلثة وكان أبوه قاضي الكوفة وقد أخرج أبو نعيم الحديث المذكور في المستخرج من طريق سهل بن بحر بن عمر بن حفص ونسبه ثم قال أخرجه البخاري عن عمر بن حفص قوله حدثنا شقيق بن سلمة في رواية مسلم والنسائي جميعا عن إسحاق عن عبدة عن الأعمش عن أبي وائل وهو شقيق المذكور وجاء عن الأعمش فيه شيخ آخر أخرجه النسائي عن الحسن بن إسماعيل عن عبدة بن سليمان عنه عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن بن سمعود فإن كان محفوا احتمل أن يكون للأعمش فيه طريقان وإلا فإسحاق وهو بن راهويه أتقن من الحسن بن إسماعيل مع أن المحفوظ عن أبي إسحاق فيه ما أخرجه أحمد وابن أبي داود من طريق الثوري وإسرائيل وغيرهما عن أبي إسحاق عن خمير بالخاء المعجمة مصغر عن بن مسعود فحصل الشذوذ في رواية الحسن بن إسماعيل في موضعين قوله خطبنا عبد الله بن مسعود فقال والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفي رواية النسائي وأبو عوانة وابن أبي داود من طريق بن شهاب عن الأعمش عنأبي وائل فإن خطبنا عبد الله بن مسعود على المنبر فقال ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة غلوا مصاحفكم وكيف تأمرونني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله وفي رواية خمير بن مالك المذكورة بيان السبب في قول بن مسعود هذا ولفظه لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن سمعود فقال من استطاع وقال في آخره أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية له فقال إني غال مصحفي فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل وعند الحاكم من طريق أبي ميسرة قال رحت فإذا أنا بالأشعري وحذيفة وابن مسعود فقال بن مسعود والله لا أدفعه يعني مصحفه أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قوله والله لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وقع في رواية عبدة وأبي شهاب جميعا عن الأعمش أني أعلمهم بكتاب الله من وزاد ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت غليه وهذا لا ينفي إثبات من فإنه نفي الأغلبية ولم ينف المساواة وسيأتي مزيد لذلك في الحديث الرابع قوله وما أنا بخيرهم يستفاد منه أن الزيادة في صفة من صفات الفضل لا تقتضي الأفضلية المطلقة فالأعلمية بكتاب الله لا تستلزم الأعلية المطلقة بل يحتلم أن يكون غيره أعلم منه بعلوم أخرى فلهذا قال وما أنا بخيرهم وسيأتي في هذا بحث في باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه إن شاء الله تعالى قوله قال شقيق بالإسناد المذكور فجلست في الحلق بفتح المهملة واللام فما سمعت رادا يقول غير ذلك يعين لم يسمع من يخالف بن مسعود يقول غير ذلك أو المراد من يرد قوله ذلك ووقع في رواية مسلم قال شقيق فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحدا يرد ذلك ولا يعيبه وفي رواية أبي شهاب فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق فما أحد ينكر ما قال وهذا يخصص عموم قوله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بمن كان منهم بالكوفة ولا يعارض ذلك ما أخرجه بن أبي داود من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود فذكر نحو حديث الباب وفيه قال الزهري فبلغني أن ذلك كرهه من قول بن مسعود رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه محمول على أن الذين كرهوا ذلك من غير الصحابة الذين شاهدهم شقيق بالكوفة ويحتمل اختلاف الجهة فالذي نفى شقيق أن أحدا رده أو عابه وصف بن مسعود بأنه أعلمهم بالقرآن والذي أثبته الزهري ما يتعلق بأمره بغل المصاحف وكأن مراد بن مسعود بغل المصاحف كتمها وإخفاؤها لئلا تخرج فتعدم وكأن بن مسعود أي خلاف ما رأى عثمان ومن وافقه في الاقتصار على قراءة واحدة وإلغاء ما عدا ذلك أو كان لا ينكر الاقتصار لما في عدمه من الاختلاف بل كان يريد أن تكون قراءته هي التي يعول عليها دون غيرها لما له منا لمزية في ذلك مما ليس لغيره كما يؤخذ ذلك من ظاهر كلامه فلما فاته ذلك ورأى أن الاقتصار على قراءة زيد ترجيح بغير مرجح عنده اختار استمرار القراءة على ما كانت عليه على أن بن أبي داود ترجم باب رضي الله مسعود بعد ذلك بما صنع عثمان لكن لم يورد ما يصرح بمطابقة ما ترجم به الحديث الثالث

[ 4715 ] قوله كنا بحمص فقرأ بن مسعود سورة يوسف هذا ظاهر أن علقمة حضر القصة وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه وأخرجه أبو نعيم من طريق يوسف القاضي عن محمد بن كثير فقال فيه عن علقمة قال كان عبد الله بحمص وقد أخرجه مسلم من طريق جرير عن الأعمش ولفظه عن عبد الله بن مسعود قال كنت بحمص فقرأت فذكر الحديث وهذا يقتضي أن علقمة لم يحضر القصة وإنما نقلها عن بن مسعود وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن الأعمش ولفظه كنت جالسا بحمص وعند أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش قال عبد الله أنه قرأ سورة يوسف ورواية أبي معاوية عند مسلم لكن أحال بها قوله فقال رجل ما هكذا أنزلت لم أقف على اسمه وقد قيل إنه نهيك بن سنان الذي تقدمت له مع بن مسعود في القرآن قصة غير هذه لكن لم أر ذلك صريحا وفي رواية مسلم فقال لي بعض القوم اقرأ علينا فقرأت عليهم سورة يوسف فقال رجل من القوم ما هكذا أنزلت فإن كان السائل هو القائل وإلا ففيه مبهم آخر قوله ووجد منه ريح الخمر هي جملة حالية ووقع في رواية مسلم فبينما أنا أكلمه إذ وجد منه ريح الخمر قوله فضربه الحد في رواية مسلم فقلت لا ترح حتى أجلدك قال فجلدته قال النووي هذا محمول على أن بن مسعود كانت له ولاية إقامة الحدود نيابة عن الإمام إما عموما وإما خصوصا وعلى أن الرجل اعترف بشربها بلا عذر وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها وعلى أن التكذيب كان بإنكار بعضه جاهلا إذ لو كذب حقيقة لكفر فقد أجمعوا على أن من جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن كفر اه والاحتمال الأول جيد ويحتمل أيضا أن يكون قوله فضربه الحد أي رفعه إلى الأمير فضربه فأسند الضرب إلى نفسه مجازا لكونه كان مبينا فيه وقال القرطبي إنما أقام عليه الحد لأنه جعل له ذلك من له الولاية أو لأنه رأى أنه قام عن الإمام بواجب أو لأنه كان ذلك في زمان ولايته الكوفة فإنه وإيها في زمن عمر وصدرا من خلافة عثمان انتهى والاحتمال الثاني موجه وفي الأخير غفلة عما في أول الخير أن ذلك كان بحمص ولم يلها بن مسعود وإنما دخلها غازيا وكان ذلك في خلافة عمر وأما الجواب الثاين عن الرائحة فيرده النقل عن بن مسعود أنه كان يرى وجوب الحد بمجرد وجود الرائحة وقد وقع مثل ذلك لعثمان في قصة الوليد بن عقبة ووقع عند الإسماعيلي أثر هذا لاحديث النقل عن علي أنه أنكر على بن مسعود جلده الرجل بالرائحة وحدها إذ لم يقر ولم يشهد عليه وقال القرطبي في الحديث حجة على من يمنع وجوب الحد بالرائحة كالحنفية وقد قال به مالك وأصحابه وجماعة من أهل الحجاز قلت والمسألة خلافية شهيرة والمانع أن يقول إذا احتمل أن يكون أقر سقط الاستدلال بذلك ولما حكى الموفق في المغني الخلاف في وجوب الحد بمجرد الرائحة اختار أن لا يحد بالرائحة وحدها بل لا بد معها من قرينة كأن يوجد سكران أو يتقيأها ونحوه أن يوجد جماعة شهروا بالفسق ويجود معهم خمر ويوجد من أحدهم رائحة الخمر وحكى بن المنذر عن بعض السلف أن الذي يجب عليه الحد بمجرد الرائحة من يكون مشهورا بإدمان الخمر وقيل بنحوه هذا التفصيل فيمن شك وهو في الصلاة هل خرج منه ريح أولا فإن قارن ذلك وجود رائحة دل ذلك على وجود الحدث فيتوضأ وإن كان في الصلاة فلينصرف ويحمل ما ورد من ترك الوضوء مع الشك على ما إذا تجرد الطن عن القرينة وسكون لنا عودة إلى هذه المسألة في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى وأما الجواب عن الثالث فجيد أيضا لكن يحتمل أن يكون بن مسعود كأن لا يرى بمؤاخذة السكران بما يصدر منه من الكلام في حل سكره وقال القرطبي يحتمل أن يكون الرجل كذب بن مسعود ولم يكذب القرآن وهو الذي يظهر من قوله ما هكذا أنزلت فإن ظاهره أنه أثبت إنزالها ونفي الكيفية التي أوردها بن مسعود وقال الرجل ذلك إما جهلا منه أو قلة حفظ أو عدم تثبت بعثه عليه السكر وسيأتي مزيد بحث في ذلك في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى الحديث الرابع قوله ن حدثنا مسلم هو أبو الضحى الكوفي وقع كذلك في رواية أبي حمزة عن الأعمش عند الإسماعيلي وفي طبقة مسلم هذا رجلان من أهل الكوفة يقال لكل منهما مسلم أحدهما يال له الأعور والآخر يقال له البطين فالأول هو مسلم بن كيسان والثاني مسلم بن عمران ولم أر لواحد منهما رواية عن مسورق فإذا أطلق مسلم عن مسروق عرف أنه هو أبو الضحى ولو اشتركوا في أن الأعمش روى عن الثلاثة

[ 4716 ] قوله عبد الله في رواية قطبة عن الأعمش عند مسلم عن عبد الله بن مسعود قوله والله في رواية جرير عن الأعمش عند بن أبي داود قال عبد الله لما صنع بالمصاحف ما صنع والله الخ قوله فيمن أنزلت في رواية الكشميهني فيما أنزلت ومثله في رواية قبطية وجرير قوله ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الأبل في رواية الكشميهني تبلغنيه وهي رواية جرير قوله لركبت إليه تقدم في الحديث الثاني بلفظ لرحلت إليه ولأبي عبيدة من طريق بن سيرين نبئت أن بن مسعود قال لو أعلم أحدا تبلغنيه الإبل أحدث عهدا بالعرضة الآخيرة مني لأتيه أو قال لتكلفت أن آتيه وكأنه احترز بقوله تبلغنيه الإبل عمن لا يصل إليه على الرواحل إما لكونه كان لا يركب البحر فقيد بالبر أو لأنه كان جازما بأنه لا أحد يفوقه في ذلك من البشر فاحترز عن سكان السماء وفي الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بما فيه من الفضيلة بقدر الحاجة ويحمل ما ورد من ذلك على من وقع ذلك منه فخرا أو إعجابا الحديث الخامس حديث أنس ذكره من وجهين

[ 4717 ] قوله سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة كلهم من الأنصار في رواية الطبري من طريق سعد بن أبي عروبة عن قتادة في أول الحديث فاتخر الحاين الأوس والخزرج فقال الأوس منا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدبر عاصم بن ثابت فقال الخزرج منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم قوله وأبو زيد تقدم في مناقب في اسم أبي زيد هناك وجوزت هناك أن لا يكون لقول أنس أربعة مفهوم لكن رواية سعيد التي ذكرتها الآن من عند الطبرني صيحة في الحصر وسعيد ثبت في قتادة ويحتلم مع ذلك أن مراد أنس لم يجمعه غيرهم أي من الأوس بقرينة المفاخرة المذكورة ولم يرد نفي ذلك عن المهاجرين ثم في رواية سعيد أن ذلك من قول الخزرج ولم يفصح باسم قائل ذلك لكن لما أورده أنس ولم يتعقبه كان كأنه قائل به ولا سيما وهو من الخزرج وقد أجاب القاضي أبو الباقلاني وغيره عن حديث أنس هذا بأجوبة أحدهما أنه لا مفهوم له فلا يلزم أن لا يكون غيرهم جمعة ثانيها المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراآت التي نزل بها إلا أولئك ثالثها لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك وهو قريب من الثاني رابعها أن المراد بجمعه تلقيه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بواسطة بخلاف غيرهم فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة خامسها أنهم تصدوا لإقائه وتعليمه فاشتهروا به وخفي حال غيرهم عمن عرف حالهم فحصر ذلك فيهم بحسب علمه وليس الأمر في نفس الأمر كذلك أو يكون السبب في خفائهم أنهم خافوا غائلة الرياء والعجب وأمن ذلك من أظهره سادسها المراد المراد بالجمع الكتابة فلا ينفى أن يكون غيرهم جمعه حفظا عن ظهر قلب وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب سابعها المراد أن أحدا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أولئك بخلاف غيرهم فلم يفصح بذلك لأن أحدا منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آخر آية منه فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع البين ثامنها أن المراد يجمعه السمع والطاعة لم والعمل بموجبه وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال إن ابني جمع القرآن فقال اللهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير وقد أومأت قبل هذا إلى احتمال آخر وهو أن المراد اثبات ذلك للخزرج دون الأوس فلقط فلا ينفى ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين ومن جاء بعدهم ويحتمل أن يقال إنما اقتصر عليهم أنس لتعلق غرضه بهم ولا يخفى بعده والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تقدم في المبعث أنه بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي من النبي صلى الله عليه وسلم وفراغ باله له وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة كما تقدم في الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بكرة وعشية وقد صحح مسلم حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وتقدمت الإشارة إليه وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم في مكانه لما مرض فيدل على أنه كان أقرأهم وتقدم عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقراء في شهر الحديث واصله في الصحيح وتقدم في الحديث الذي مضى ذكر بن مسعود وسالم مولى بن حذيفة وكل هؤلاء من المهاجرين وقد ذكر أبو عبيد القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قعد من المهاجرين الخفاء الأربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هررة وعبد الله بن السائب والعبادلة ومن النساء عائشة وحفصة وأم سلمة ولكن بعض هؤلاء إنما أكمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس وعد بن أبي داود في كتاب الشريعة من المهاجرين أيضا تميم بن أوس الداري وعقبة بن عامر ومن الأنصار عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن حارثة وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد وغيرهم وصحر بأن بعضهم إنما جمعه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وممن جمعه أيضا أبو موسى الأشعري ذكره أبو عمرو الداني وعد بعض المتأخيرن من القراء عمرو بن العاص وسعد بن عباد وأم ورقة قوله تابعه الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس هذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن الفضل بن موسى به ثم أخرجه المصنف من طريق عبد الله بن المثنى حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس قال مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة فذكر الحديث فخالف رواية قتادة من وجهين أحدهما التصريح بصيغة الحصر في الأربعة ثانيهما ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب فأما الأول فقد تقدم الجواب عنه من عدة أوجه وقد استنكره جماعة من الأئمة المازري لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقعي نفس الأمر كذلك لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في غاية البعد في العادة وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك قال وقد تمسك بقوله أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فإنا لا نسلم حمله على ظاهره سلمناه ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الأمر كذلك سلمناه لكن لا يلزم من كون كل واحد من الجم الغفير لم يحفظه كله أن لا يكون حفظ مجموعه الجم الغفير وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل اللك ولو على التوزيع كفى واستدل القرطبي على ذلك ببعض ما تقدم من أنه قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد قال وإنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم وأما الوجه الثاني من المخالفة فقال الإسماعيلي هذان الحديثان مختلفان ولا يجوزان في الصحيحان مع تباينهما بل الصحيح أحدهما وجزم البيهقي بأن ذكر أبي الدرداء وهم والصواب أبي بن كعب وقال الداودي لا أرى ذكر أبي الدرداء محفوظا قلت وقد أشار البخاري إلى عدم الترجيح باستواء الطرفين فطريق قتادة على شطره وقد وافقه عليها ثمامة في إحدى الروايتين عنه وطريق ثابت أيضا على شطره وقد وافقه عليها أيضا ثمامة في الرواية الأخرى لكن مخرج الرواية عن ثابت وثمامة بموافقته وقد وقع عم عبد الله بن المثنى وفيه مقال وإن كان عند البخاري مقبولا لكن لا تعادل روايته رواية قتادة ويرجع رواية قتادة حديث عمر في ذكر أبي بن كعب وهو خاتمة أحاديث الباب ولعل البخاري أشار بإخراجه إلى ذلك لتصريح عمر بترجيحه في القراءة على غيره ويحتمل أن يكون أنس حدث بهذا الحديث في وقتين فذكره مرة أبي بن كعب ومرة بدله أبا الدرداء وقد روى بن أبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري وإسناده حسن مع إرساله وهو شاهد جيد لحديث عبد الله بن المثنى في ذكر أبي الدارداء وإن خالفه في العدد والمعدود ومن طريق الشعبي قال جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة منهم أبو الدرداء ومعاذ وأبو زيد وزيد بن ثابت وهؤلاء الأبعة هم الذين ذكروا في رواية عبد الله بن المثنى وإسناده صحيح مع إرساله فلله در البخاري ما أكثرا اطلاعه وقد تبين بهذه الرواية المرسلة قوة رواية عبد الله بن المثنى وأن لروايته أصلا والله أعلم وقال الكرماني لعل السامع كان يعتقد أن هؤلاء الأربعة لم يجمعوا وكان أبو الدرداء ممن جمع فقال أنس ذلك ردا عليه وأتى بصيغة الحصر ادعاء ومبالغة ولا يلزم منه النفي عن غيرهم بطريق الحقيقة والله أعلم

[ 4718 ] قوله وأبو زيد قال ونحن ورثناه القائل ذلك هو أنس وقد تقدم في مناقب زيد بن ثابت قال قتادة قلت ومن أبو زيد قال أحد عمومتي وتقدم في غزوة بدر من وجه آخر عن قتادة عن أنس قال مات أبو زيد وكان بدريا ولم يترك عقبا وقال أنس نحن ورثناه وقوله أحد عمومتي يرد قوله من سمى أبا زيد المذكور سعد بن عبيد بن النعمان أحد بني عمرو بن عوف لأن أنسا خزرجي وسعد بن عبيد أوسي وإذا كان كذلك احتمل أن يكون سعد بن عبيد ممن جمع ولم يطلع أنس على ذلك وقد قال أبو أحمد العسكري لم يجمعه من الأوس غيره وقال محمد بن حبيب في المحبر سعد بن عبيد ونسبه كان أحمد من جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية الشعبي إليا المغايرة بين سعد بن عبيد وبين أبي زيد فإنه ذكرهما جميعا فدل على أنه غير المراد في حديث أنس وقد ذكر بن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة وهو خزرجي وتقدم أنه يكنى أبا زيد وسعد بن المنذر بن أوس بن زهر وهو خزرجي أيضا لكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد ثم وجدت عنه بن أبي داود ما يرفع الغشال من أصله فإنه روى بإسناده على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن قال وكان رجلا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا ونحن ورثناه قال بن أبي داود حدثنا أنس بن خالد الأنصاري قال هو قيس بن السكن من زعوراء من بني عدي بن النجار قال بن أبي داود مات قريبا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذهب علمه ولم يؤخذ عنه وكان عقبيا بدريا الحديث السادس كقوله

[ 4719 ] يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري قوله حبيب بن أبي ثابت عند الإسماعيلي حدثنا حبيب قوله أبي أقرؤنا كذا للأكثر وبه جزم المزي في الأطرفا فقال ليس في رواية صدقة ذكر علي قلت وقد ثبت في رواية النسفي عن البخاري فأول الحديث عنده على أقضانا وأبي أقرؤنا وقد ألحق الدمياطي في نسخته في حديث البا ذكر على وليس بجيد لأنه ساقط من رواية الفربري التي عليها مدار روايته وقد تقدم في تفسير البقرة عن عمرو بن علي عن يحيى القطان بسنده هذا وفيه ذكر علي عند نفيع قوله من لحن أبي أي من قراءته ولحن القول فحواء ومعناه المراد به هنا القول وكان أبي بن كعب لا يرجع عما حفظه م القرآن الذي تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أخبره غيره أن تلاوته نسخت لأنه إذا سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل عنده القطع فلا يزول عنه بأخبار غيره أن تلاوته نسخت وقد استدل عليه عمر بالآية الدالة على النسخ وهو من أوضح الاستدلال في ذلك وقد تقدم بقية شرحه في التفسير

قوله باب فضل فاتح الكتاب ذكره فيه حديثين حديث أبي سعيد بن المعفى في أنها أعظم سورة في القرآن والمراد بالعظيم عظم القدر بالثواب المرتب على قراءتها وإن كان غرها أطول منها وذلك لما اشتملت عليه من المعاني المناسبة لذلك وقد تقدم شرح ذلك مبسوطا في أو التفسير ثانيهما حديث أبي سعيد الخدري في الرقية بفاتح الكتاب وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإجارة وهو ظاهر الدلالة على فضل الفاتحة قال القرطبي اختصت الفاتحة بأنها مبدأ القرآن وحاويه لجميع علومه لاحتوائها على الثاء على الله والإقرار بعبادته والإخلاص له وسؤال الهداية منه والإشارة غلى الاعتراف بالعجز عن القايم بنعمة وإلى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير ذلك مما يقتضي أنهما كلها موضع الرقية وذكر الروياني في البحر أن البسملة أفضل آيات القرآن وتعقب بحديث آية الكرسي وهو الصحيح

[ 4721 ] قوله وقال أبو معمر حدثنا عبد الوارث الخ أراد بهذا التعليق التصريح بالتحديث من محمد بن سيرين لهشام ومن معبد لمحمد فإنه في الإسناد الذي ساقه أولا بالعنعنة في الموضعين وقد وصله الإسماعيل من طريق محمد بن يحيى الذملي عن أبي معمر كذلك وذكر أبو علي الجياني أنه وقع عند القابسي عن أبي زيد السند إلى محمد بن سيرين وحدثني معبد بن سيرين بواو العطف قال والصواب حذفها

قوله باب فضل سورة البقرة أورد فيه حديثين الأول

[ 4722 ] قوله عن سليمان هو الأعمش ولشعبة فيه شيخ آخر وهو منصور أخرجه أبو داود عن حفص بن عمر عن شعبة عنه وأخرجه النسائي من طريق يزيد بن زريع عن شعبة كذلك وجمع غندر عن شعبة فأخرجه مسلم عن أبي موسى وبندار وأخرجه النسائي عن بشر بن خالد ثلاثتهم عن غندر أما الأول لان فقالا عنه عن شعبة عن منصور وأما بشر فقال عنه عن شعبة عن الأعمش وكذا أخرجه أحمد عن غندر قوله عن عبد الرحمن هو بن يزيد النخعي قوله عن بن مسعود في رواية أحمد عن غندر عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن أبي مسعود وقال في آخره قال عبد الرحمن ولقيت أبا مسعود فحدثني به وسيأتي نحوه للمصنف من وجه آخر في باب كم يقرأمن القرآن وأخرجه في باب من لم يربأس أن يقول لسورة كذا من وجه آخر عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن وعلقمة جميعهما عن أبي مسعود فكأن إبراهيم حمله عن علقمة أيضا بعد أن حدثه به عبد الرحمن عنه كما لقي عبد الرحمن أبا مسعود فحمله عنه بعد أن حدثه به علقمة وأبو مسعود هذا عقبة بن عمرو الأنصاري البدري الذي تقدم بيان حاله في غزوة بدر من المغازي ووقع في رواية عبدوس بدله بن مسعود وكذا عند الأصيلي عن أبي زيد المروزي وصوبه الأصيلي فأخطأ في ذلك بل هو تصحيف قال أبو علي الجياني الصواب عن أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو قلت وقد أخرجه أحمد من وجه آخر عن الأعمش فقال فيه عن عقبة بن عمرو قوله من قرأ بالآيتين كذا اقتصر البخاري من المتن على هذا القدر ثم حول السند إلى طريق منصور عن إبراهيم السند المذكور واكمل المتن فقال من آخر السورة البقرة في ليلة كفتاه وقد أخرجه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة فقال فيه من سورة البقرة لم يقل آخر فلعل هذا هو السر في تحويل السند اليسوقه على لفظ منصور الذي ساقه البخاري لفظ منصور وليس بينه وبين لفظ الأعمش الذي حوله عنه مغايرة في المعنى والله أعلم قوله من آخر سورة البقرة يعني من وقله تعالى آمن الرسول إلى آخر السورة وآخر الآية الأولى المصير ومن ثم إلى آخر السورة آية واحدة وأما ما اكتسبت فليست رأس آية باتفاق العادين وقد أخرج علي بن سعيد العسكري في ثواب القرآن حديث الباب من طريق عاصم بن بهدلة عن ر بن حبيش عن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو بلفظ من قراهما بعد العشاء الآخرة وأجزأنا آمن الرسول على آخر السورة ومن حديث النعمان بن بشير رفعه إن الله كتب كتابا أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة وقال في آخره آمن الرسول وأصله عند الترمذي والنسائي وصححه بن حبان والحاكم ولأبي عبيد في فضائل القرآن من مرسل جبير بن نفير نحوه وزاد فأقرءوهما وعلموهما أبناءكم ونساءكم فإنهما قرآن وصلاة ودعاء قوله كفتاه أي أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن وقبل أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها وقيل كفتاه شر الشيطان وقيل دفعنا عنه شر الإنس والجن وقيل معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم وذكر الكرماني عن النووي أنه قال كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي كذا نقل عنه جازما به ولم يقل ذلك النووي وإنما قال ما نصه قيل معناه كفتاه من قايم الليل وقيل من الشيطان وقيل الآفات ويحتمل من الجميع هذا آخر كلامه وكأنسه سبب الوهم أن عند النووي عقب هذا باب فضل سورة الكهف وىية الكرسي فلعل النسخة التي وقعت للكرماني سقط منها لفظ باب وصحفت فضل فصارت وثيل واقتصر النووي في الأذكار على الأول والثالث نقلا ثم قال قلت ويجوز أن يراد الأولان انتهى وعلى هذا فأقول يجوز أن يراد جميع ما تقدم والله أعلم والوجه الأول ورد صريحا من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه من قرأخاتمة البقرة أجزأت عنه قيام ليلة ويؤيد الرابع حديث النعمان بن بشير رفعه إن الله كتب كتابا وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار فيقر بها الشيطان ثلاث ليال أخرجه الحاكم وصححه وفي حديث معاذ لما أمسك الجني وآية ذلك لا يقرأ أحد منكم خاتمة سورة البقرة فيدخل أحد منها بيته تلك الليلة أخرجه الحاكم أيضا الحديث الثاني حديث أبي هريرة تقدم شرحه في الوكالة وقوله

[ 4723 ] في آخره صدقك وهو كذوب هو من التتميم البليغ لأنه لما أوهم مدحه بوصفه الصدق في قوله صدق استدرك نفي الصدق عنه بصيفة مبالغة والمعنى صدقك في هذا القول مع أن عادته الكذب المستمر وهو كقولهم قد يصدق الكذوب وقوله ذاك شيطان كذا للأكثر وتقدم في الوكالة أنه وقع هنا ذاك الشيطان واللام فيه للجنس أو العهد الذهني من الوارد إن لكل آديم شيطانا وكل به أو اللام بدل من الضمير كأنه قال ذاك شيطانك أو المراد الشيطان المذكور في الحديث الآخر حيث قال في الحديث ولا يقربك شيطان وشحه الطيبي على هذا فقال هو أي قوله فلا يقربك شيطان مطلق شائع في جنسه والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس وقد استشكل الجمع بين هذه القصة وبين حديث أبي هريرة أيضا الماضي في الصلاة وفي التفسير وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال إن شيطانا تفلت على البارحة الحديث وفيه ولوا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية وتقرير الإشكال أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من إمساكه من أجل دعوة سليمان عليه السلام حيث قال وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي قال الله تعالى فسخرنا له الريح ثم قال والشياطين وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه وأراد حمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد بالشيطان الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم أن يوثقه هو رأس الشياطني الذي يلزم من التمكن من التمكن منهم فيضاهي حينئذ ما حصل لسليمان عليه السلام من تسخير الشياطين فيما يريد والتوثق منهم والمراد بالشيطان في حديث البا إما شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة لأنه يلزم من تمكنه منه ابتاع غيره من الشياطين في ذلك التمكن أو الشيطان الذي هم النبي صلى الله عليه وسلم برابطه تبدي له فس صفته التي خلق عليها وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه السلام على هيئتهم وأما الذي تبدي لأبي هريرة في حديث الباب فكان على هيئة الآدمين فلم يكن في إمساكه مضاهات لملك سليمان والعلم عند الله تعالى

قوله باب فضل الكهف في رواية أبي الوقت فضل سورة الكهف وسقط لفظ باب في هذا والذي قبله والثلاثة بعده لغير أبي ذر قوله حدثنا زهير هو بن معاوية

[ 4724 ] قوله البراء في رواية الترمذي من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء قوله كان رجل قيل هو أسيد بن حضير كما سيأتي من حديثه نفسه بعد ثلاث أبواب لكن فيه أنه كان يرأ سورة البقرة وفي هذا أنه كان يقرأسورة الكهف وهذا ظاهره التعدد وقد وقع قريب من القصة التي لأسيد لثابت بن قيس بن شماس لكن في سورة البقرة أيضا وأخرج أبو داود من طريق مرسلة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ألم تر ثابت بن قيس لم تزل داره الباحرة تزهر بمصابيح قال فلعله قرأ سورة البقرة فسئل قال قرأت سورة البقرة ويحتمل أن يكون قرأسورة البقرة وسورة الكهف جميعا أو من كل منهما قوله بشطنين جمع شطن بفتح المعجمة وهو الحبل وقيل بشرط طوله وكأنه كان شديد الصعوبة قوله وجعل فرسه ينفر بنون وفاء ومهملة وقد وقع في رواية لمسلم ينقز بقاف وزاي وخطأه عياض فإن كان من حديث الرواية فذاك وإلا فمعناها هنا واضح قوله تلك السكينة بمهملة وزن عظيمة وحكى بن قرقول والصغاني فيها كسر أولها والتشديد بلفظ المرادف للمدية وقد نسبه بن قرقول للجربي وأنه حكاه عن بعض أهل اللغة وتقرر لفظ السكينة في القرآن والحديث فروى الطبري وغيره عن علي قال هي ريح هفاقة لها وجه وجه الإنسان وقيل لها رأسان وعن مجاهد لها رأس كرأس الهر وعن الربيع بن أنس لعينها شعاع وعن السدي السكينة طست من ذهب من الجنة يغسل فيها قلوب الإنبياء وعن أبي مالك قال هي التي ألقى فيها الرحمة وعنه هي سكون القلب وهذا اختيار الطبري ويل هي الطمأنينة وقيل الوقار وقيل الملائكة ذكره الصغاني والذي يظهر أنها مقولة بالاشتراك على هذه المعاني فيحمل كل موضع وردت فيه على ما يليق به والذي يليق بحديث الباب هو الأول وليس قول وهب ببعيد وأما قوله فأنزل الله سكينته عليه وقوله هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين فيحتمل الأول ويحتمل قول وهب والضحاك فقد أخرج المنصف حديث الباب في تفسير سورة الفتح كذلك وأما التي في قوله تعالى فيه سكنية من ربكم فيحتمل قول السدي وأبي مالك وقال النووي المختار أنها شيء من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة قوله تنزلت في رواية الكشميهني تنزل بضم اللام بغيرتا والأصل تنازل وفي رواية الترمذي نزلت مع القرآن أو على القرآن

قوله باب فضل سورة الفتح في رواية غر أب ذر فضل سورة الفتح بغير باب

[ 4725 ] قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره تقدم في غزوة الفتح وفي التفسير أن هذا السياق صورته الإرسال وأن الإسماعيلي والبزار أخرجاه من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك بصريح الاتصال ولفظه عن أبيه عن عمر ثم وجدته في التفسير من جامع الترمذي من هذا الوجه فقال عن أبيه سمعت عمر ثم قال حديث حسن غريب وقد رواءه بعضهم عن مالك فأرسله فأشار إلى الطريق التي أخرجها البخاري وما وافقها وقد بينت في المقدمة أن في أثناء السياق ما يدل على أنه من رواية أسلم عن عمر لقوله فيه قال عمر فحركت بعيري الخ وتقدمت بقية شرحه في تفسير الفتح

قوله باب فضل قل هو الله أحد فيه عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث أوله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد الحديث وفي آخره أخبروه أن الله يحبه وسيأتي موصولا في أول كتاب التوحيد بتمامه وتقدم في صفة الصلاة من وجه آخر عن أنس وبينت هنالك الاختلاف في تسميته وذكرت فيه بعض فوائده وأحلت ببقية شرحه على كتاب التوحيد وذهل الكرماني فقال قوله فيه عمرة أي روت عن عائشة حديثا في فضل سورة الإخلاص ولما لم يكن على شرطه لم يذكره بنصه واكتفى بالإشارة إليه إجمالا كذا قال وغفل عما في كتاب التوحيد والله أعلم

[ 4726 ] قوله عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة هذا هو المحفوظ وكذا هو في الموطأ ورواه أبو صفوان الأموي عن مالك فقال عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه أخرجه الدارقطني وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق بن أبي عمر عن أبيه ومعن من طريق يحيى القطان ثلاثتهم عن مالك وقال بعده أن الصواب عبد الرحمن بن عبد الله كما في الأصل وكذا قال الدارقطني وأخرجه النسائي أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر عن مالك كذلك وقال بعده الصواب عبد الرحمن بن عبد الله وقد تقدم مثل هذا الاختلاف في حديث آخر عن مالك في كتاب الأذان قوله أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها القاريء هو قتادة بن النعمان أخرجه أحمد من طريق أبي الهيثم عن أبي سعيد قال بات قتادة بن النعمان يقرأ من الليل كله قل هو الله أحد لا يزيد عليها الحديث والذي سمعه لعله أبو سعيد روى الحديث لأنه أخوه لأمه وكانا متجاورين وبذلك جزم بن عبد البر فكأنه أبهم نفسه وأخاه وقد أخرج الدارقطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك في هذا الحديث بلفظ أن لي جارا يقوم باليل فما يقرأ إلا بقل هو الله أحد قوله يقرأ قل هو الله أحد في رواية محمد بن جهضم يقرأ قل هو الله أحد كلها يرددها قوله وكان الرجل أي السائل قوله يتقالها بتشديد اللام واصله يتقال لها أي يعتقد أنها قليلة وفي رواية بن الطباع المذكورة كأنه يقللها وفي رواية يحيى القطان عن مالك فكأنه استقلها والمراد استقلال العمل لا التنقيص قوله وزاد أبو معمر قال الدمياطي هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري وخالفه المزي تبعا لابن عساكر فجزما بأنه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي وهو الصواب وإن كان كل من المنقري والهذلي يكنى أبا معرم وكلاهما من شيوخ البخاري لكن هذا الحديث إنما يعرف بالهذلي بل قال نعرف للمنقري عن إسماعيل بن جعفر شيئا وقد وصله النسائي والإسماعيلي من طرق عن أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي قوله حدثنا إسماعيل بن جعفر عن مالك هو من رواية الأقران قوله أخبرني أخي قتادة بن النعمان هو أخوه لأمه أمهما أنيسة بنت عمرو بن قيس بن مالك من بني النجار قوله فلما أصبحنا أتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم نحوه يعني نحو الحديث الذي قبله ولفظه عند الإسماعيلي فقال يا رسول الله إن فلانا قم الليلة يقرأ من السحر قل هو الله أحد فساق السورة يرددها لا يزيد عليها وكأن الرجل يتقالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها لتعدل ثلث القرآن

[ 4727 ] قوله إبراهيم هو النخعي والضحاك المشرقي بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الراء نسبة إلى مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد بطن من همدان قيده العسكري وقال من فتح الميم فقد صحف كأنه يشير إلى قوله بن أبي حاتم مشرق موضع وقد ضبطه بفتح الميم وكسر الراء الدارقطني وابن ماكولا وتبعهما بن السمعاني في موضع ثم غفل فذكره بكسر الميم كما قال العسكري لكن جعل قافه فاء وتعقبه بن الأثير فأصاب والضحاك المذكور هو بن شراحيل ويقال شراحبيل وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر يأتي في كتاب الأدب قرنه فيه بأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي سعيد الخدري وحكى الزار أن بعضهم زعم أنه الضحاك بن مزاحم وهو غلط وقله أيعجز أحدكم بكسر الجيم قوله أن يقرأنك القرآن في ليلة لعل هذه قصة أخرى غير قصة قتادة بن النعمان وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث أبي مسعود الأنصاري مثل حديث أبي سعيد بهذا قوله فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن عند الإسماعيلي من رواية أبي خالد الأحمر عن الأعمش فقال يقرأقل هو الله أحد فهي ثلث القرآن فكأن رواية الباب بالمعنى وقد وقع في حديث أبي سمعود المذكور نظير ذلك ويحتمل أن يكون سمى السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصفتين المذكورتين أو يكون بعض رواته كان يقرؤها كذلك فقد جاء عن عمر أنه كان يقرأ الله أحد الله الصمد بغير قل في أولها قوله قال الفربري سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبي عبد الله يقول قال أبو عبد الله عن إبراهيم مرسل وعن الضحاك المشرقي مسند ثبت هذا عند أبي ذر عن شيوخه والمراد أن رواية إبراهيم النخعي عن أبي سعيد منقطعة ورواية الضحاك عنه متصلة وأبو عبد الله المذكور هو البخاري المصنف وكأن الفربري ما سمع هذا الكلام منه فحمله عن أبي جعفر عنه وأبو جعفر كان يورق للبخاري أن ينسخ له وكان من الملازمين له والعارفين به والمكثرين عنه وقد ذكر الفربري عنه في الحج والمظالم والاعتصام وغيرها فوائد عن البخاري ويؤخذ من هذا الكلام أن البخاري كان يطلق على المنقطع لفظ المرسل وعلى المتصل لفظ المسند والمشهور في الاستعمال أن المرسل ما يضيفه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسند ما يضيفه الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن يكون ظاهر الإسناد إليه الاتصال وهذا الثاني لا ينافي ما أطلقه المصنف قوله ثلث القرآن حمله بعض العلماء على ظاهره فقال هي ثلث باعتبار معاني القرآن لأن أحكام وأخبار وتوحيد وقد اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثا بهذا الاعتبار ويستأنس لهذا بما أخرجه أبو عبيدة من حديث أبي الدرداء قال جزأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن وقال القرطبي اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أصناف الكمال لم يوجدا في غيرها من السورة وهما الأحد الصمد لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جمع خصال الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثناءا اه وقال غيره تضمنت هذه السورة توجيه الاعتقاد وصدق المعرفة لما يجب إثباته لله من الأحدية المنافية لمطلق الشركة والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص ونفى الولد والوالد المقرر لكمال المعنى ونفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والنظير وهذه مجامع التوحيد الاعتقادي ولذلك عادلت ثلث القرآن لأن القرآن خبر وإنشاء والانشاء أمر ونهي وإباحة والخبر خبر عن الخالق وخبر عن خلقه فأخلصت سورة الإخلاص الخبر عن الله وخلصت قارئها من الشرك الاعتقادي ومنهم من حمل المثلية على تحصيل الثواب فقال معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يحصل للقاريء مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن وقيل مثله بغير تضعيف وهي دعوى بغير دليل ويؤيد الإطلاق ما أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء فذكر نحو حديث أبي سعيد الأخير وقال فيه قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احشدوا فسأقرأ عليكم ثلث القرآن فخرج فقرأ قل هو الله أحد ثم قال ألا إنها تعدل ثلث القرآن ولأبي عبيد من حديث أبي بن كعب من قرأقل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن وإذا حمل ذلك على ظاهره فهل ذلك لثلث من القرآن معين أو لأي ثلث فرض منه فيه نظر ويلزم على الثاني أن من قرأها ثلاث كان كمن قرأختمة كاملة وقيل المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأثلث القرآن وادعى بعضهم أن قوله تعدل ثلث القرآن يختص بصاحب الواقعة لأنه لما رددها في ليلته كان كمن قرأثلث القرآن بغير ترديد قال القابسي ولعل الرجل الذي جرى له ذلك لم يكن يحفظ غيرها فلذلك استقل علمه فقال له الشارع ذلك تغريبا له في عمل الخير وإن قل وقال بن عبد البر من لم يتأول هذا الحديث أخلص ممن أجاب فيه بالرأي وفي الحديث إثبات فضل قل هو الله أحد وقد قال بعض العلماء أنها تضاهي كلمة التوحيد لما اشتملت عليه من الجمل المثبتة والنافية مع زيادة تعليل ومعنى النفي فيها أنه الخالق الرزاق المعبود لأنه ليس فوقه من يمنعه كالوالد ولا من يساويه في ذلك كالكفء ولا من يعنيه على ذلك الولد وفيه إلغاء العالم المسائل على أصحابه واستعمال اللفظ في غير ما يتبادر للفهم لأن المتبادر من إطلاق ثلث القرآن أن المراد ثلث حجمه المكتوب مثلث وقد ظهر أن ذلك غير مراد تنبيه أخرج الترمذي والحاكم وأبو الشيخ من حديث بن عباس رفعه إذا زلزلت تعدل نصف القرآن والكافرون تعدل ربع القرآن وأخرج الترمذي أيضا وابن أبي شيبة وأبو الشيخ من طريق سلمة بن وردان عن أنس أن الكافرون والنصر تعدل كل منهما ربع القرآن وإذا زلزت تعدل ربع القرآن زادت بن أبي شيبة وأبو الشيخ وىية الكرسي تعدل ربع القرآن وهو حديث ضعيف لضعف سلمة وإن حسنه الترمذي فلعله تساهل فيه لكونه من فضائل الأعمال وكذا صحح الحاكم حديث بن عباس وفي سنده يمان بن المغيرة وهو ضعيف عندهم

قوله باب فضل المعوذات أي الإخلاص والفلق والناس وقد كنت جوزت في باب الوفاة النبوة لمن كتاب المغازي أن الجمع فيه بناء على أن أقل الجمع اثنان ثم ظهر من حديث هذا الباب أنه على الظاهر وأن المراد بأنه كان يقرأ بالمعوذات أي السور الثلاث وذكر سورة الإخلاص معهما تغيبا لما اشتملت عليه من صفة الرب وإن لم يصرح فيها بلفظ التعويذ وقد أخرج أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس نعوذ بهن فإنه لم يتعوذ بمثلهن وفي لفظ اقرأ المعوذات دبر كل صلاة فذكرهن

[ 4728 ] قوله كان إذا اشتكى يقر على نفسه بالمعوذات الحديث تقدم في الوفاة النبوية من طريق عبد الله بن المبارك عن يونس عن بن شهاب وأحطت بشرحه على كتاب الطب ورواية عقيل عن بن شهاب في هذا الباب وإن اتحد سندها بالذي قبله من بن شهاب فصاعدا لكن فيها أنه كان يقرأ المعوذات عند النوم فهي مغايرة لحديث مالك المذكور فالذي يترجح أنها حديثان عند بن شهاب بسند واحد عند بعض الرواة عنه ما ليس عند بعض فإما مالك ومعمر ويونس وزياد بن سعد عند مسلم فلم تختلف الرواة منهم في أن ذلك كان عند الوجع ومنهم من قيده بمرض الموت ومنهم من زاد فيه عائشة ولم يفسر أحد منهم المعوذات وأما عقيل فلم تختلف الرواة عنه في ذلك عند النوم ووقع في رواية يونس من طريق سليمان بن بلال عنه أن فعل عائشة كان بأمره صلى الله عليه وسلم وسيأتي في كتاب الطب وقد جعلهما أبو مسعود حديثا واحدا وتعقبه أبو العباس الطرقي وفرق بينهما خلف وتبعه المزي والله أعلم وسيأتي شرحه في كتاب الطب إن شاء الله تعالى

قوله باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن كذا جمع بين السكنية والملائكة ولم يقع في حديث الباب ذكر السكينة ولا في حديث البراء الماضي في فضل سورة الكهف ذكر الملائكة فلعل المصنف كان يرى أنهما قصة واحدة ولعله أشار إلى أن المراد بالظلة في حديث الباب السكينة لكن بن بطال جزم بأن الظلة السحابة وأن الملائة كانت فيها ومعها السكينة قال بن بطال قضية الترجمة أن السكينة تنزل أبدا مع الملائكة وقد تقدم بيان الخلاف في السكينة ما هي وما قال النووي في ذلك

[ 4730 ] قوله وقال الليث الخ وصله أبو عبيد في فضائل القرآن عن يحيى بن بكير عن الليث بالإسنادين جميعا قوله حدثني يزيد بن الهاد هو بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد قوله عن محمد بن إبراهيم هو التيمي وهو من صغار التابعين ولم يدرك أسيد بن حضير فروايته عنه منقطعه لكن الاعتماد في وصل الحديث المذكور على الإسناد الثاني قال الإسماعيلي محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير مرسل وعبد الله بن خباب عن أبي سعيد متصل ثم ساقه من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن يزيد بن الهاد بالإسنادين جميعا وقال هذه الطريق على شرط البخاري قلت وجاء عن الليث فيه إسناد ثالث أخرجه النسائي من طريق شعيب بن الليث وداود بن منصور كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد عن بن أبي هلال عن يزيد بن الهاد بالإسناد الثاني فقط وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد عن يزيد بن الهاد بالإسناد الثاني لكن وقع في روايته عن أبي سعيد عن أسيد بن حضير وفي لفظ عن أبي سعد أن أسيد بن حضير قال لكن في سياقه ما يدل على أن أبا سعيد إنما حمله عن أسيد فإنه قال في أثنائه قال أسيد فخشيت أن يطأ يحيى فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحديث من مسند أسيد بن حضير وليحيى بن كبير فيه عن الليث إسناد آخر أخرجه أبو عبيد أيضا من هذا لوجه فقال عن بن شهاب عن أبي بن كعب بن مالك عن أسيد بن حضير قوله بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة في رواية بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير بينا أنا أقرأ سورة فلما انتهيت إلى آخرها أخرجه أبو عبيد ويستفاد منه أنه ختم السورة التي ابتدأ بها ووقع في رواية إبراهيم بن سعد المذكورة بينما هو يقرأ في مربده أي في المكان الذي في التمر وفي رواية أبي بن كعب المذكورة أنه كان يقرأ على ظهر بيته وهذا مغاير للقصة التي فيها أنه كان في مربده وفي حديث الباب أن ابنه كان إلى جانبه وفرسه مربوطة فخشي أن تطأه وهذا كله مخالف لكونه كان حينئذ على ظهر البيت إلا أن يراد بظهر البيت خارجه لا أعلاه فتتحد القصتان قوله إذ جالت الفرس فسكت فسكنت في رواية إبراهيم بن سعد أن ذلك تكرر ثلاث مرار وهو يقرأ وفي رواية بن أبي ليل سمعت رجة من خلفي حتى ظننت أن فرسي تنطلق قوله فلما اجتره بجيم وثمناه وراء ثقيلة والضمير لولده أي اجتر ولده من المكان الذي هو فيه حتى لا تطأه الفرس ووقع في رواية القابسي أخره بمعجمة ثقيلة وراء خيفة أي عن الموضع الذي كان به خشية عليه قوله رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها كذا فيه باختصار وقد أورده أبو عبيد كاملا ولفظه وقع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى يراها وفي رواية إبراهيم بن سعد فقمت إليها فإذا الظلة أن تسمر على قراءتك ولي أمرا له بالقراءة في حالة التحديث وكأنه استحضر صورة الحال فصار كأنه حاضر عنده لما رأى ما رأى فكأنه يقول استمر على قراءتك لتستمر لك البكرة بنزول الملائكة واستماعها لقراءتك وفهم أسيد ذلك فأجاب بعذرة في قطع القراءة وهو قوله خفت أن تطأ يحيى أي خشيت إن استمريت على القراءة أن تطأ الفرس ولدي ودل سياق الحديث على محافظة أسيد على خشوعه في صلاته لأنه كان يمكنه أول ما جالت الفرس أن يرفع رأسه وكأنه كان بلغه حديث النهي عن رفع المصلى رأسه إلى السماء فلم يرفعه حتى اشتد به الخطب ويحتمل أن يكون رفع رأسه بعد انقضاء صلاته فلهذا تمادى به الحال ثلاث مرات ووقع في رواية بن أبي ليلى المذكورة اقرأ أبا عتيك وهي كنية أسيد قوله دنت لصوتك في رواية إبراهيم بن سعد تستمع لك وفي رواية بن كعب المذكورة وكان أسيد حسن الصوت وفي رواية يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد عند الإسماعيلي أيضا اقرأ أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود وفي هذه الزايدة إشارة إلى الباعث على استماع الملائكة لقراءته قوله ولو قرأت في رواية بن أبي ليلى أما إنك لو مضيت قوله ما يتوارى منهم في رواية إبراهيم بن سعد ما تستر منهم وفي رواية بن أبي ليلى أرأيت الأعاجيب قال النووي في هذا الحديث جواز رؤية أحاد الأمة للملائكة كذا أطلق وهو صحيح لكن الذي يظهر التقييد بالصالح مثلا والحسن الصوت قال وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة قلت الحكم المذكور أعم من الدليل فالذي في الرواية إنما نشأعن قراءة خاصة من سورة خاصة بصفة خاصة ويحتمل من الخصوصية ما لم يذكر وإلا لو كان على الإطلاق لحصل ذلك لكل قاريء وقد أشار في آخر الحديث بقوله ما يتوارى منهم إلى أن الملائكة لاستغراقهم في الاستماع كانوا يستمرون على عدم الاختفاء الذي هو من شأنهم وفيه منقبة لأسيد بن حضير وفضل قراءة سورة البقرة في صلاة الليل وفضل الخشوع في الصلاة وأن التشاغل بشيء من أمرو الدنيا ولو كان من المباح قد يفوت الخير الكثير فكيف لو كان بغير الأمر المباح

قوله باب من قال لم تترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين أي ما في المصحف وليس المراد أنه ترك القرآن مجموعا بين الدفتين لأن ذلك يخالف ما تقدم من جمع أبي بكر ثم عثمان وهذه الترجمة المرد على من زعم أن كثيرا من القرآن ذهب لذهاب حملته وهو شيء اختلفه الروافض لتصحيح دعواهم أن التصيص على إمامة على واستحقاقه الخلافة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا في القرآن وأن الصحابة كتموه وهي دعوى باطلة لأنهم لم يكتموا مثل أنت عندي بمنزلة هارون من موسى وغيرها من اواهر التي قد يتمسك بها من يدعي إمامته كما لم يكتموا ما يعارض ذلك أو يخصص عمومه أو يقيد مطلقة وقد تلطف المصنف في الاستدلال على الرافضة بما أخرجه عن أحد أئمتهم الذين يدعون إمامته وهو محمد بن الحنفية وهو بن علي بن أبي طالب فلو كان هناك شيء ما يتعلق بأبيه لكان هو أحق الناس بالاطلاع عليه وكذلك بن عباس فإنه بن عم علي وأشد الناس له لزوما واطلاعا على حاله

[ 4731 ] قوله عن عبد العزيز بن رفيع في رواية علي بن المديني عن سفيان حدثنا عبد العزيز أخرجه أبو نعيم في المستخرج قوله دخلت أنا وشداد بن معقل عن عبد الله بن مسعود حديثا غير هذا قوله اترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء في رواية الإسماعيلي شيئا سوة القرآن قوله إلا ما بين الدفتين بالفاء تثنية دقة بفتح أوله وهو اللوح ووقع في رواية الإسماعيلي بين اللوحين قوله قال ودخلنا القائل هو عبد العزيز ووقع عند الإسماعيلي لم يدع إلا ما في هذا المصحف أي لم يدع من القرآن ما يتلى إلا ما هو داخل المصحف الموجود ولا يرد على هذا ما تقدم في كتاب العلم عن علي أنه قال ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة لأن عليا أراد الأحكام التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينف أن عنده أشياء أخر من الأحكام التي لم يكن كتبها وأما جواب بن عباس وابن الحنفية فإنما أرادا من القرآن الذي يتلى أو أرادا مما يتعلق بالإمامة أي لم يترك شيئا يتعلق بأحكام الإمامة إلا ما هو بأيدي الناس ويؤيده ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق مثل حديث عمر الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وحديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة قال فأنزل الله فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا أنا لقد لقينا ربنا وحديث أبي بن كعب كانت الأحزاب قدر البقرة وحديث حذيفة ما يقرءون ربعها يعني براءة وكلها أحاديث صحيحة وقد أخرج بن الضريس من حديث بن عمر أنه كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ويقول إن منه قرآنا قد رفع وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب فضل القرآن على سائر الكلام هذه الترجمة لفظ حديث أخرج الترمذي معناه من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرب عز وجل من شغله القرآن عن ذكري وعن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ورجاله ثقات إلا عطية العوفي ففيه ضعف وأخرجه بن عيد من رواية شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعا فضل القرآن على سار الكلام كفضل الله على خلقه وفي إسناده عمر بن سعيد الأشج وهو ضعيف وأخرجه بن الضريس من وجه آخر عن شهر بن حوشب مرسلا ورجاله لا بأس بهم وأخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من حديث عمر بن الخطاب وفي إسناده صفوان بن أبي الصهباء مختلف فيه وأخرجه بن الضريس أيضا من طريق الجراح بن الضحاك عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه خيركم من تعلم القرآن وعلمه ثم قال وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه وذلك أنه منه وحديث عثمان هذا سيأتي بعد أبواب بدون هذه الزيادة وقد بين العسكري أنها من قول أبي عبد الرحمن السلمي وقال المصنف في خلف أفعال العباد وقال أبو عبد الرحمن السلمي فذكره وأشار في خلق أفعال العباد إلا أنه لا يصح مرفوعا وأخرجه العسكري أيضا عن طاوس والحسن من قولهما ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث أبي موسى

[ 4732 ] قوله مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة بضم الهمزة والراء بينهما مثناة ساكنة وآخره جيم ثقيلة وقد تخفف ويزاد قبلها نون ساكنة ويقال بحذف الألف مع الوجهين فتلك أربع لغات وتبلغ مع التخفيف إلى ثمانية قوله طعمها طيب وريحها طيب قيل خص صفة الإيمان بالطعم وصفة التلاوة بالريح لأن الإيمان ألزم للمؤمن من القرآن إذ يمكن حصول الإيمان بدون القراءة وكذلك العطم ألزم للجوهر من الريح فقد يذهب ريح الجوهر ويبقى طعمه ثم قيل الحكمة في تخصيص الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح كالتفاحة لأنه يتداوى بقشرها وهو مفرح الخاصية ويستخرج من حبها دهن له منافع وقيل إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج فناسب أن يمثل به القرآن الذي لا تقر به الشياطين وغلاف حبه أبيض فيناسب قلب المؤمن وفيها أيضا من المزايا كبر جرمها وحسن منظرها وتفريح لونها ولين ملمسها وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة ودباغ معدة وجودة هضم ولها منافع أخرى مذكورة في المفردات ووقع في رواية شعبة عن قتادة كما سيأتي بعد أبواب المؤمن الذي يقرآ القرآن ويعمل به وهي زيادة مفسرة للمراد وأن التمثيل وقع بالذي يقرأ القرآن ولا يخالف ما اشتمل عليه من أمر ونهي لا مطلق التلاوة فإن قيل لو كان لكثرة التقسيم كأن يقال الذي يقرأ ويعمل وعكسه والذي يعمل ولا يقرأ وعكسه والأقاسم الأر بعة ممكنة في غير المنافق وأما المنافق فليس له إلا قسمان فقط لأنه لا اعتبار بعمله إذا كان نفاقه نفاق كفر وكأن الجواب عن ذلك أن الذي حذف من التمثيل قسمان الذي يقرأ ولا يعمل والذي لا يعمل ولا يقرأ وهم شبيهان بحال المنافق فيمكن تشبيه الأول بالريحانة والثاني الحنظلة فاكتفى بذكر المنافق والقسمان الآخران قد ذكرا قوله ولا ريح فيها في رواية شعبة لها قوله ومثل الفاجر الذي يقرأ في رواية شعبة ومثل المنافق في الموضعين قوله ولا ريح لها في رواية شعبة وريحها مر واستشكلت هذه الرواية من جهة أن المرارة من أوصاف الطعوم فكيف يوصف بها الريح وأجيب بأن ريحها لما كان كريها استعير له وصف المرارة وأطلق الزركشي هنا أن هذه الرواية وهم وأن الصواب ما في رواية هذا الباب ولا ريح لها ثم قال في كتاب الأطعمة لما جاء فيه ولا ريح لها هذا أصوب من رواية الترمذي طعمها مر وريحها مر ثم ذكر توجيهها وكأنه ما استحضر أنها في هذا الكتاب وتلكم عليها فلذلك نسبها للترمذي وفي الحديث فضيلة حاملي القرآن وضرب المثل للتقريب للفهم وأن المقصود من تلاوة القرآن العمل بما دل عليه الحديث الثاني حديث بن عمر إنما أجلكم في أجل من قبلكم الحديث وقد تقدم شرحه مستوفي في المواقيت من كتاب الصلاة ومطابقة الحديث الأول للترجمة من جهة ثبوت فضل قاريء القرآن على غيره فيستلزم فضل القرآن على سائر الكلام كما فضل الأترج على سائر الفواكه ومناسبة الحديث الثاني من جهة ثبوت فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم وثبوت الفضل لها بما ثبت من فضل كتابها الذي أمرت بالعمل به

قوله باب الوصاة بكتاب الله في رواية الكشميهني الوصية وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الوصايا وتقدم فيه حديث الباب مشروحا وقوله فيه أوصى بكتاب الله بعد قوله لا حين قال له هل أوصى بشيء ظاهر هما التخالف وليس كذلك لأنه نفي ما يتعلق بالإمارة ونحو ذلك لا مطلق الوصية والمراد بالوصية بكتبا الله حفظه حسا ومعنى فيكرم ويصان ولا يسافر به إلى أرض العدو ويتبع ما فيه فيعمل بأوامره ويجتنب نواهية ويداوم تلاوته وتعلمه وتعليمه ونحوه ذلك

قوله باب من لم يتغن بالقرآن هذه الترجمة لفظ حديث أورده المصنف في الأحكام من طريق بن جريج عن بن شهاب بسند حديث البا بلفظ من لم يتغن بالقرآن فلبس منا وهو في السنن من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره قوله وقوله تعالى أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب عليم أشار بهذه الآية إلى ترجيح تفسير بن عيينة يتغنى يستغني كما سيأتي في هذا الباب عنه وأخرجه أبو داود عن بن عيينة ووكيع جميعا وقد بين إسحاق بن راهويه عن بن عيينة أنه استغناء خاص وكذا قال أحمد عن وكيع يستغني به عن أخبار الأمم الماضية وقد أخرج الطبري وغيره من طريق عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال جاء ناس من المسلمين بكتب وقد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم فنزل أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم وقد خفي وجه مناسبة تلاوة هذه الآية هما على كثير من الناس كابن كثير فنفى أن يكون لذكرها وجه على أن بن بطال مع تقدمه قد أشار إلى المناسبة فقال قال أهل التأويل في هذه الآية فذكر أثر يحيى بن جعدة مختصرا قال فالمراد بالآية الاستغناء عن أخبار الأمم الماضية وليس المراد الاستغناء الذي هو ضد قال واتباع البخاري الترجمة بالآية يدل على أنه يذهب إلى ذلك وقال بن التين يفهم من الترجمة أن المراد بالتغني الاستغناء لكونه أتبعه الآية التي تضمن لانكار على من لم يستغن بالقرآن عن غيره فحمله على الاكتفاء به وعدم الاعتبار إلى غيره وحمله ضد الفقر من جملة ذلك

[ 4735 ] قوله أبي هريرة في رواية شعيب عن بن شهاب حدثني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة أخرجه الإسماعيل قوله لم يأذن الله لنبي كذا لهم بنون وموحدة وعند الإسماعيلي لشيء بشير معجمه وكذا عند مسلم من جميع طرقه ووقع في رواية سفيان التي تلي هذه في الأصل كالجمهور وفي رواية الكشميهني كرواية عقيل قوله ما أذن نبي كذا لأكب وعند أبي ذر للنبي بزيادة اللام فإن كانت محفوظة فهي للجنس ووهم من ظنها للعهد ونوهم أن المراد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال ما أدن للنبي صلى الله عليه وسلم وشرحه على ذلك

[ 4736 ] قوله أن يتغنى كذا لهم وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه بدون أن وزعم بن الجوزي أن الصواب حذف أن وأن إثباتها وهم من بعض الرواة لأنهم كانوا يروون بالمعنى فربما ظن بعضهم المساواة فوقع في الخطأ لأن الحديث لو كان بلفظ أن لكان من الإذن بكسر الهمزة وسكون الذال بمعنى الإباحة والإطلاق وليس ذلك مرادا هنا وإنما هو من الأذن بفتحتين وهو الاستماع وقوله أذن أي استمع والحاصل أن لفظ أذن بفتحة ثم كسرة في الماضي وكذا في المضارع مشتكر بين الإطلاق والاستماع تقول أذنت آذن بالمد فإن أردت الإطلاق فالمصدر بكسرة ثم سكون وإن أردت الاستماع فالمصدر بفتحتين قال عدي بن زيد أيها القلب تعلل بدن إن همي في سماع وأذن أي في سماع واستماع وقال الرطبي أصل أذن بتفحتين أن المستمع يميل بإذنه إلى جهة من يسمعه وهذا المعنى في حق الله لا يراد به ظاهره وإنما هو على سبيل التوسع على ما جرى به عرف المخاطب والمراد به حق الله تعالى إكرام القاريء وإجزال ثوابه لان ذلك ثمرة الإصغاء ووقع عند مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث ما أذن لشيء كأنه بفتحتين ومثله عند بن أبي داود من طريق محمد بن أبي حفصة عن عمرو بن دينار عن أبي سلمة وعند أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه من حديث فضالة بن عبيد أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته قلت ومع ذلك كله فليس ما أنكره بن الجوزي بمنكر بل هو موجه وقد وقع عند مسلم في رواية أخرى كذلك ووجهها عياض بأن المراد الحث على ذلك والأمر به وقله وقال صاحب له يجهر به الضمير في له لأبي سلمة والصاحب المذكور هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بينه الزبيدي عن بن شهاب في هذا الحديث أخرجه بن أبي داود عن محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات من طريقه بلفظ ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن قال بن شهاب وأخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن عن أبي سلمة يتغنى بالقرآن يجم به فكأنه هذا التفسير لم يسمعه بن شهاب من أبي سلمة وسمعه من عبد الحميد عنه فكان تارة يسميه وتارة يبهمه وقد أرجه عبد الرزاق عن معمر عنه قال الذهلي وهو غير محفوظ في حديث معمر وقد رواه عبد الأعلى عن معمر بدون هذه الزيادة قلت وهي ثابتة عن أبي سلمة من وجه آخر أخرجه مسلم من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ما أذن الله لشيء كأذنه لفي يتغنى بالقرآن يجهز به وكذا ثبت عنده من رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة قوله عن سفيان هو بن عيينة قوله عن الزهري هو بن شهاب المذكور في الطريق الأولى ونقل بن أبي داود عن علي بن المديني شيخ البخاري فيه قال لم يقل لنا سفيان قط في هذا الحديث حدثنا بن شهاب قلت قد رواه الحميدي في مسنده عن سفيان قال سمعت الزهري ومن طريقه أخرجه أبو نعمي في المستخرج والحمدي من أعرف الناس بحديث سفيان وأكثرهم تثبتا عنه السماع من شويخهم قوله قال سفيان تفسيره يستغني به كذا فسره سفيان ويمكن أن يستأنس بما أخرجه أبو داود وابن الضريس وصححه أبو عوانة عن بن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك قال لقبني سعد بن أبي وقاص وأنا في السوق فقال تجار كسبة سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقد ارتضى أبو عبيد تفسير يتغنى يستغني وقال إنه جاد في كلام العرب وأنشد الأعشى وكنت أمرءا زمنا بالعراق خفيف المناخ طويل التغني أي كثير الاستغناء وقال المغيرة بن حبناه كلانا غنى عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا قال فعلى هذا يكون المعنى من لم يستغن بالقرآن عن الإكثار من الدنيا فليس منا أي على طريقتنا واحتج أبو عبيد أيضا بقول بن مسعود من قرأ سورة آل عمران فهو غنى ونحو ذلك وقال بن الجوزي اختلفوا في معنى قوله يتغنى على أربعة أقوال أحدا تحسين الصوت والثاني الاستغناء والثالث التحزن قاله الشافعي والرابع التشاغل به تقول العرب تغني بالمكان أقام به قفلت وفيه قول آخر حكاه بن الأنباري في الزهري قال المراد التلذذ التسحلاء له كما يستلذ أهل الطرب بالغناء فأطلق عليه تغنيا من حديث أنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء وهو كقول النابغة بكاء حمامة تدعو هديلا مفجعة هلى فنن تغني أطلق على صوتها غناء لأنه يطرب كما يطرب الغناء وإن لم يكن غناء حقيقة وهو كقولهم العمائم تيجان العرب لكونه تقوم مقام التيجان وفيه قول آخر حسن وهو أن يجعله هجيراه كما يجعل المسافر والفارغ هجيراه الغناء قال بن الأعرابي كان العرب إذا ركبت الإبل تتغنى وإذا جلست في أفنيتها وفي أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيراهم القراءة مكان التغني ويؤيد القول الرابع بين الأعشى المتقدم فإنه أراد بوله طويل التغني طول الإقامة الاستغناء لأنه أليق بوصف الول من الاستغناء يعني أنه كان ملازما لوطنه بين أهله كانوا يتمدحون بذلك كما قال حسان أولا جفنة حول قبر أبيهم قبر بن مارية الكريم المفضل أراد أنهم لا يحتاجون إلى الانتجاع ولا يبرحون من أوطانهم فيكون معنى الحديث الحث على ملازمة القرآن وأن لا يتعدى إلى غيره وهو يئول من حديث المعنى إلى ما اختاره البخاري من تخصيص الاستغناء وأنه يستغني به عن غيره من الكتب وقيل المراد من لم يغنه القرآن وينفعه في إيمانه ويصدق بما فيه من وعد ووعيد وقيل معناه من لم يرتح لقراءته وسماعه وليس المراد ما اختاره أبو عبيد أنه يحصل به الغنى دون الفقر لكن الذي اختاره أبو عبيد غير مدفوع إذا أريد به الغنى المعنوي وهو غنى النفس وهو القناعة لا الغنى المحسوس الذي هو ضد الفقر لأن ذلك لا يحصل بمجرد ملازمة القراءة إلا إن كان ذلك بالخاصية وسياق الحديث يأبى الحمل على ذلك فإن فيه إشارة إلى الحث على تكلف ذلك وفي توجيهه تكلف كأنه قال ليس منا من لم يتطلب الغني بملازمة تلاوته وأما الذي نقله عن الشافعي فلم أره صريحا عنه ي تفسير الخبر وإنما قال في مختصر المزني وأحب أن يقرأ حدرا وتحزينا انتهى قال أهل اللغة حدرت القراءة أدرجتها ولم أمطها وقرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين وقد روى بن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة أنه قرأسورة فحزنها شبه الرثي وأخرجه أبو عوانة عن الليث بن سعد قال يتغنى به يتحزمن به ويرقق به قلبه وذكر الطبري عن الشافعي أنه سئل عن تأويل بن عيينة التغني بالاستغناء فلم يرضعه وقال لو أراد الاستغناء لقال لم يستغن وإنما أراد تحسين الصوت قال بن بطال وبذلك فسره بن أبي مليكة وعبد الله بن المبارك والنضر بن شميل ويؤيده رواية عبد الأعلى عن معمر عن بن شهاب في حديث الباب بلفظ ما أذن لنبي في الترنم في القرآن أخرجه الطبري وعنده في رواية عبد الرزاق عن معمر ما اذن لنبي حسن الصوت وهذا اللفظ عند مسلم من رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة وعند بن أبي داود والطحاوي من رواية عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي هريرة حسن الترنم بالقرآن قال الطبري والترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه القاريء وطرب به قال ولو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى وأخرج بن ماجة والكجي وصححه بن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا الله أشد أذنا أي استماعا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته والقينة المغنية وروى بن أبي شيبة من حديث عقبة بن عامر رفعه تعلموا القرآن وغنوا به وأفشوه كذا وقع عنده المشهور عند غيره في الحديث وتغنوا به والمعروف في كلام العرب أن التغني الترجيع بالصوت كما قال حسان تغن بالشعر إما أنت قائله إن الغناء بهذا الشعر مضمار قال ولا نعمل في كلام تغنى بمعنى استغنى ولا في أشعارهم وبيت الأعشى لا حجة فيه لأنه أراد طول الإقامة ومنه قوله تعالى كأن لم يمغنوا فيها وقال بيت المغيرة أيضا لا حجة فيه لأن التغاني تفاعل بين اثنين وليس هو بمعنى تغني قال وإنما يأتي تغني من الغنى الذي هو ضد الفقر بمعنى تفعل أي يظهر خلاف ما عنده وهذا فاسد المعنى قلت ويمكن أن يكون بمعنى تكلمه أي تطلبه وحمل نفسه عليه ولو شق عليه كما تقدم قريبا ويؤيده حديث فإن لم تبكوا فتباكوا وهو في حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي عوانة وأما إنكاره أن يكون تغنى بمعنى استغنى في كلام العرب فمردود ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وقد تقدم في الجهاد في حديث الخيل ورجل ربطها تعففا وتغنيا وهذا من الاستغناء بلا ريب والمراد يطلب الغني بها عن الناس بقرينة قوله تعففا وممن أنكر تفسيره يتغنى بيستغني أيضا الإسماعيل فقال الاستغناء به لا يحتاج إلى استماع لآن الاستماع أمر خاص زائد على الاكتفاء به وأيضا فالاكتفاء به عن غيره أمر واجب على الجميع ومن لم يفعل ذلك خرج عن الطاعة ثم ساق من وجه آخر عن بن عيينة قال يقولون إذا رفع صوته فقد تغنى قلت الذي نقل عنه أنه بمعنى يستغني أتقن لحديثه وقد نقل أبو داود عنه مثله ويمكن الجمع بينهما بأن تفسير يستغني من جهته ويرفع عن غيره وقال عمر بن شبة ذكرت لأبي عاصم النبيل تفسير بن عيينة فقال لم يصنع شيئا حدثني بن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير بن شبة ذكرت لأبي عاصم النبيل تفسير بن عيينة فقال من يصنع شيئا حدثني بن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قا لكان داود عليه السلام يتغنى يعني حين يقرأ ويبكي ويبكي وعن بن عباس أن داود كان يقرأالزبور بسبعين لحنا ويقرأ قراءة يطرب منها لمحموم وكان إذا أراد أن يبكي نفسه لم تبق دابة في بر ولا بحر لا أنصتت له واستمعت وبكت وسيأتي حديث أن أبا موسى أعطي مزمارا من مزامير داود في باب حسن الصوت بالقراءة وفي الجملة ما فسر به بن عيينة ليس بمدفوع وإن كانت ظواهر الأخبار ترجح أن المراد تحسين الصوت ويؤيده قوله يجهر به فإنها إن كانت مرفوعة قامت الحجة وإن كانت غير مرفوعة فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره ولا سيما إذا كان فقها وقد جزم الحليمي بأنها من قول أبي هريرة والعرب تقول سمعت فلانا يتغنى بكذا أي يجهر به وقال أبو عاصم أخذ بيدي بن جريج فأوقفني على أشعب فقال غن بن أخي ما بلغ من طمعك فذكر قصة فقوله غن أي أخبرني جهرا صريحا ومنه قول ذي الرمة أحب المكان الفقر من أجل أنني به أتغنى باسمها غير معجم أي أجهر ولا أنى والحاصل أنه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهرا به مترنما على طريق التحزن متغنيا به عن غيره من الأخبار طالبا به غنى النفس راجيا به غنى اليد وقد نظمت ذلك في بيتين تغن بالقرآن حسن به الصوت حزينا جاهرا رنم واستغن عن كتب الألي طالبا غنى يد والنفس ثم الزم وسيأتي ما يتعلق بحسن الصوت بالقرآن في ترجمة مفردة ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم لان للتطريب تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدمع وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالألحان أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره لا نزاع في ذلك فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم وحكى بن بطال وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبندنيجي والغزالي من الشافعية وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهية واختاره أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة وحكى بن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز وهو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنفية وقال الفوراني من الشافعية في الإباحة يجوز بل يستحب ومحل هذا الاختلاف إذا لم يختل شيء من الحروف عن مخرجه فلو تغير قال النووي في التبيان أجمعوا على تحرميه ولفظ أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة النمطيط فإن خرج حتى زاد حرفا أو أخفاه حرم قال وأما القراءة بالألحان فقد نص الشافعي في موضع على كراهته وقال في موضع آخر لا بأس به فقال أصحابه ليس على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين فإن لم يخرج بالألحان على المنهج القويم جاز والا حرم وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة بالأحلان إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم وكذا حكى بن حمدان الحنبلي في الرعاية وقال الغزالي والبندنيجي وصاحب الذخيرة من الحنفية إن لم يفرط في التمطيط الذي بشوش النظم استحب وإلا فلا وأغرب الرافعي فحكى عن أمالي السرخسي أنه لا يضر التمطيط مطلقا وحكاه بن حمدان رواية عن الحنابلة وهذا شذوذ لا يعرج عليه والذي يتحصل من لا أدلة أن حسن الصوت مطلوب فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع كما قال بن أبي مليكة أحد رواة الحديث وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم فإن الحسن الصوت يزداد حسنا بذلك وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه وغيره الحسن ربما اتجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات فإن خرج عنها لم يف تحسني الصوت بقبح الأداء ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعى الأداء فإن وجد من يراعيهما معا فلا شك في أنه أرجح من غيره لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت وجتلب الممنوع من حرمة الأداء والله أعلم

قوله باب اغتباط صاحب القرآن تقدم في أوائل كتاب العلم باب الاغتباط في العلم والحكمة وذكرت هنالك تفسير الغبطة والفرق بينما وبين الحسد وأن الحسد في الحديث أطلق عليها مجازا وذكرت كثيرا من مباحث المتن هناك وقال الإسماعيلي هنا ترجمة الباب اغتباط صاحب القرآن وهذا فعل صاحب القرآن فهو الذي يغتبط وإذا كان يغتبط بفعل نفسه كان معناه أنه يسر ويرتاح بعمل نفسه وهذا ليس مطلقا قلت ويمكن الجواب بأن مراد البخاري بأن الحديث لما كان دالا على أن غير صاحب القرآن يغتبط صاحب القرآن بما أعطيه من المل بالقرآن فاغتباط صاحب القرآن بعمل نفسه أولى إذا سمع هذه الباشرة الواردة في حديث الصادق

[ 4737 ] قوله لا حسد أي لا رخصة في الحسد إلا في خصلتين أو لا يحسن الحسد إن حسن أو أطلق الحسد مبالغة في الحث على تحصيل الخصلتين كأنه قيل لو لم يحصلا إلا بالطريق المذموم لكان ما فيهما من الفضل حاملا على الإقسام على تحصيلهما به فكيف والطريق المحمود يمكن تحصيلهما به وهو من جنس قوله تعالى فاستبقوا الخيرات فإن حقيقة السبق أن يتقدم على غيره في المطلوب قوله إلا على اثنتين في حديث بن مسعود الماضي وكذا في حديث أبي هريرة المذكور تلو هذا إلا في اثنتين تقول حسدته على كذا أي على وجود ذلك له وأما حسدته في كذا فمعناه حسدته في شأن كذا وكأنها سبية قوله وقام به آناء الليل كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري وفي مستخرج أبي نعمي من طريق أبي بكر بن زنجويه عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه آناء الليل وآناء النهار وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن يسار عن أبي اليمان وكذا هو عند مسلم من وجه آخر عن الزهري وقد تقم في العلم أن المراد بالقيام به العمل به تلاوة وطاعة وقوله

[ 4738 ] حدثنا علي بن إبراهيم هو الواسطي في قول الأكثر واسم جده عبد المجيد اليكشري وهو ثقة متقن عاش بعد البخاري نحو عشرين سنة وقيل بن أشكاب وهو علي بن الحسين بن إبراهيم بن أشكاب نسب إلى جده وبهذا جزم بن عيد وقيل علي بن عبد الله بن إبراهيم نسب إلى جده وهو قول الدارقطني وأبي عبد الله بن منده وسيأتي في النكاح رواية الفربري عن علي بن عبد الله بن إبراهيم عن حجاج بن محمد وقال الحاكم قيل هو علي بن إبراهيم المروزي وهو مجهول وقيل الواسطي قوله روح هو بن عبادة وقد تابعه بشر بن منصور وابن أبي عدي والنضر بن شميل كلهم عن شعبة قال الإسماعيلي رفعه هؤلاء ووقفه غندر عن شعبة قوله سليمان هو الأعمش قال سمعت ذكوان هو أبو صالح السمان قلت ولشعبة عن الأعمش فيه شيخ آخر أخرج أحمد عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي كبشة الأنماري قلت وقد أشرت إلى متن أبي كبشة في كتاب العلم وسياقه أتم من سياق أبي هريرة وأخرجه أبو عوانة في صحيه أيضا من طريق أبي زيد الهروي عن شعبة وأخرجه أيضا من طريق جرير عن الأعمش بالإسنادين معا وهو ظاهر في أنهما حديثان متغايران سندا ومتنا اجتمعا لشعبة وجرير معا عن الأعمش وأشار أبو عوانة إلى أن مسلما لم يخرج حديث أبي هريرة لهذه العلة وليس ذلك بواضح لأنها ليست علة قادحة قوله فهو يهلكه في الحق فيه احتراس بليغ كأنه لما أوهم الإنفاق في التبذير من جهة عموم الإهلاك قيده بالحق والله أعلم

قوله باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه كذا ترجم بلفظ المتن وكأنه أشار إلى ترجيح الرواية بالواو

[ 5863 ] قوله عن سعد بن عبيدة كذا يقول شعبة يدخل بين علقمة بن مرثد وأبي عبد الرحمن سعد بن عبيدة وخالفه سفيان الثوري فقال عن علقمة عن أبي عبد الرحمن ولم يذكر سعد بن عبيدة وقد أطنب الحافظ أبو العلاء العطار في كتابه الهادي في القرآن في تخريج طرقه فذكر ممن تابع شعبة ومن تابع سفيان جمعا كثيرا وأخرجه أبو بكر بن أبي داود في أول الشريعة له وأكثر من تخرج طرقه أيضا ورجح الحافظ رواية الثوري وعدوا رواية شعبة من المزيد في متصل الأسانيد وقال الترمذي كأن رواية سفيان أصح من رواية شعبة وأما البخاري فأخرج الطريقين فكأنه ترجح عنده أنهما جميعا محفوظان فيحمل على أن علمقة سمعه أولا من سعد ثم لقي أبا عبد الرحمن فحدثه به أو سمعه مع سعد من أبي عبد الرحمن فثبته فيه سعد ويؤيد ذلك ما في رواية سعد بن عبيدة من الزيادة الموقوفة وهي قول أبي عبد الرحمن فذلك الذي أقعدني هذا المقعد كما سيأتي البحث فيه وقد شذت رواية عن الثوري بذكر سعد بن عبيدة فيه قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى القطان حدثنا سفيان وشعبة عن علقمة عن سعد بن عبيدة به وقال النسائي أنبأنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان أن علقمة حدثهما عن سعد قال الترمذي قال محمد بن بشار أصحاب سفيان لا يذكرون فيه سعد بن عبيدة وهو الصحيح اه وهكذا حكم علي بن المديني على يحيى القطان فيه بالوهم وقال بن عدي جمع يحيى القطان بن شعبة وسفيان فالثوري لا يذكر في إسناده سعد بن عبيدة وهذا مما عد في خطأيحيى القطان على الثوري وقال في موضع آخر حمل يحيى القطان رواية الثوري على رواية شعبة فساق الحدث عنهما وحمل إحدى الروايتين على الأخرى فساقه على لفظ شعبة والي ذلك أشار الدارقطني وتعقب بأنه فصل بين الفظيهما في رواية النسائي فقال قال شعبة خيركم وقال سفيان أفضلكم قلت وهو تعقب واه إذا لا يلزم من تفصيله للفظهما في المتن أن يكون فصل لفظهما في الإسناد قال بن عدي يقال أن يحيى القطان لم يخطىء قط إلا في هذا الحديث وذكر الدارقطني أن خالد بن يحيى تابع يحيى القطان عن الثوري على زيادة سعد بن عبدية وهي رواية شاذة وأخرج بن عدي من طريق يحيى بن آدم عن الثوري وقيس بن الربع وفي رواية عن يحيى بن آدم عن شعبة وقيس بن الربيع جميعا عن علقمة عن سعد بن عبيدة قال وكذا رواه سعيد بن السالم القداح عن الثوري ومحمد بن أبان كلاهما عن علقمة بزيادة سعد وزاد في إسناده رجلا آخر كما سأبينه وكل هذه الروايات وهم والصواب عن الثوري بدون ذكر سعد وعن شعبة بإثباته قوله عن عثمان في رواية شريك عن عاصم بن بهدلة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن بن مسعود أخرجه بن أبي داود بلفظ خيركم من قرأالقرآن وأقرأه وذكره الدارقطني وقال الصحيح عن أبي عبد الرحمن عن عصمان وفي رواية خلاد بن يحيى عن الثوري بسنده قال عن أبي عبد الرحمن عن أبان بن عثمان عن عثمان قال الدارقطني هذا وهم فإن كان محفوظا احتمل أن يكون السملي أخذه عن أبان بن عثمان عن عثمان ثم لقي عثمان فأخذه عنه وتعقب بأن أبا عبد الرحمن أكبر من أبان وأبان اختلف في سماعه من أبيه أشد مما اختلف في سماع أبي عبد الرحمن من عثمان فبعد هذا الاحتمال وجاء من وجه آخر كذلك أخرجه بن أبي داود من طريق سعيد بن سلام عن محمد بن أبان سمعت علقمة يحدث عن أبي عبد الرحمن عن أبان بن عثمان عن عثمان فذكره وقال تفرد به سعيد بن سلام يعني عن محمد بن أبان قلت وسعيد ضعيف وقد قال أحمد حدثنا حجاج بن محمد عن شعبة قال لم يسمع أبو عبد الرحمن السلمي من عثمان وكذا نقله أبو عوانة في صحيحه عن شعبة ثم قال اختلف أهل التمييز في سماع أبي عبد الرحمن من عثمان ونقل بن أبي داود عن يحيى بن معين مثل ما قال شعبة وذكر الحافظ أبو العلاء أم مسلما سكت عن إخراج هذا الحديث في صحيحه قلت قد وقع في بعض الطرق التصريح بتحديث عثمان لأبي عبد الرحمن وذلك فيما أخرجه بن عيد في ترجمة عبد الله بن محمد بن أبي مريم من طريق بن جريج عن عبد الكريم عن أبي عبد الرحمن وحدثني عثمان وفي إسناده مقال لكن ظهر لي أن البخاري اعتمد في وصله وفي ترجيح لقاء أبي عبد الرحمن لعثمان على ما وقع في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة من الزيادة وهي أن أبا عبد الرحمن أقرأ من زمن عثمان إلى زمن الحجاج وأن الذي حمله على ذلك هو الحديث المذكور فدل على أنه سمعه في ذلك الزمان وإذا سمعه في ذلك الزمان ولم يوصف بالتدليس اقتضى ذلك سماعه ممن عنعنه عنه وهو عثمان رضي الله عنه ولا سيما مع ما اشتهر بين القراء أنه قرأ القرآن على عثمان وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود وغيرهم فكان هذا أولى من قول من قال إنه لم يسمع منه قوله خيركم من تعلم القرآن وعلمه كذا للأكثر والسرخسي أو علمه وهي للتنويع لا للشك وكذا لأحمد عن غندر عن شعبة وزاد في أوله إن وأكثر الرواة عن شعبة يقولونه بالواو وكذا وقع عند أحمد عن بهز وعند أبي داود عن حفص بن عمر كلاهما عن شعبة وكذا أخرجه الترمذي من حديث علي وهي أظهر من حيث المعنى لأن التي بأو تقضي إثبات الخيرية المذكورة لمن فعل أحد الأمرين فيلزم أن من تعلم القرآن ولو لم يعلمه غيره أن يكون خيرا ممن عمل بما فيه مثلا وإن لم يتعلمه ولا يقال يلزم على رواية الواو أيضا أن من تعلمه وعلمه غيره أن يكون أفضل ممن عمل بما فيه من غير أن يتعلمه ولم يعلمه غيره لأنا نقول يحتمل أن يكون المراد بالخيرية من جهة حصول التعليم بعد العلم والذي يعلم غيره يحصل له النفع المتعدي بخلاف من يعمل فقط بل من أشرف العمل تعليم الغير فمعمل غيره يستلزم أن يكون تعمله وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعد ولا يقال لو كان المعنى حصول النفع المتعدي لاشترك كل من علم غيره علما ما في ذلك لأنا نقول القرآن أشرف العلوم فيكون من نعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القر آن وإن علمه فيثبت المدعي ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل وهو من جملة من عني سبحانه وتعالى بقوله ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام كما قال تعلى فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها فإن قيل فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه قلنا لا لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس لأنهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب فكان الفقه لهم سجية فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك لا من كان قارئا أو مقرا محضا لا يفهم شيئا من معاني ما يقرؤه أو يقرئه فإن قيل فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم غناء في الإسلام بالمجاهدة والرابط والأمر بالعروف والنهي عن المنكر مثل قلنا حرف المسألة يدور على نفع المعتدي فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل فعل من مضرة في الخبر ولا بد مع ذلك من مراعاة الإخلاص في كل منف منهم ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا بذلك ان اللائق بحالهم ذلك أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه أو المراد مراعاة الحيثية لأن القرآن خير الكلام فمتعلمه خير من متعلم غيره النسبة إلى خيرية القرآن وكيفما كان فهو مخصوص بمن علم وتعلم بحيث يكون قد علم ما يجب عليه عينا

[ 4739 ] قوله قال وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج أي حتى ولي الحجاج على العراق قلت بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج العراق ثمان وثلاثون سنة ولم أقف على تعيين ابتداء إقراء أبن عبد الرحمن وآخره فالله أعلم بمقدار ذلك ويعرف من الذي ذكرته أقصى المدة وادناها والقائل وأقرأ الخ هو سعد بن عبيدة فانني لم أر هذه الزيادة الا من رواية شعبة عن علقمة وقائل وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا هو أبو عبد الرحمن وحكى الكرماني أنه وقع في بعض نسخ البخاري قال سعد بن عبيدة وأقرأني أبو عبد الرحمن قال وهي انسب لقوله وذاك الذي أقعدني الخ أي أن اقراءه اياي هو الذي حملني على أن قعدت هذا المقعد الجليل اه والذي في معظم النسخ وأقرأ بحذف المفعول وهو الصواب وكأن الكرماني ظن أن قائل وذاك الذي أقعدني هو سعد بن عبيدة وليس كذلك بل قائله أبو عبد الرحمن ولو كان كما ظن للزم أن تكون المدة الطويلة سيقت لبيان زمان أقراء أبي عبد الرحمن لسعد بن عبيدة وليس كذلك بل إنما سيقت لبيان طول مدته لاقراء الناس القرآن وأيضا فكان يلزم أن يكون سعد بن عبيدة قرأ على أبي عبد الرحمن من زمن عثمان وسعد لم يدرك زمان عثمان فإن أكبر شيخ له المغيرة بن شعبة وقد عاش بعد عثمان خمس عشرة سنة وكان يلزم أيضا أن تكون الإشارة بقوله وذلك إلى صنيع أبي عبد الرحمن وليس كذلك بل الإشارة بقوله ذلك إلى الحديث المرفوع أي أن الحديث الذي حدث به عثمان في أفضلية من تعلم القرآن وعلمه حمل أبا عبد الرحمن أن قعد يعلم الناس القرآن لتحصيل تلك الفضيلة وقد وقع الذي حملنا كلامه عليه صريحا في رواية أحمد عن محمد بن جعفر وحجاج بن محمد جمعا عن شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة قال قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني هذا المقعد وكذا أخرجه الترمذي من رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة وقال فيه مقعدي هذا قال وعلم أبو عبد الرحمن القرآن في زمن عثمان حتى بلغ الحجاج وعند أبي عوانة من طريق بشر بن أبي عمرو وأبي غياث وأبي الوليد ثلاثتهم عن شعبة بلفظ قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا وكان يعلم القرآن والإشارة بذلك إلى الحديث كما قررته وإسناده إليه إسناد مجازي ويحتمل أن تكون الإشارة به إلى عثمان وقد وقع في رواية أبي عوانة أيضا عن يوسف بن مسلم عن حجاج بن محمد بلفظ قال أبو عبد الرحمن وهو الذي اجلسني هذا المجلس وهو محتمل أيضا

[ 4740 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري وعلقمة بن مرثد بمثلثة يوزن جعفر ومنهم من ضبطه بكسر المثلثة وهو من ثقات أهل الكوفة من طبقة الأعمش وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجنائز من روايته عن سعد بن عبيدة أيضا وثالث في مناقب الصحابة وقد تقدما قوله إن أفضلكم من تعلم القرآن أو علمه كذا ثبت عندهم بلفظ أو وفي رواية الترمذي من طريق بشر بن السري عن سفيان خيركم أو أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه فاختلف في رواية سفيان أيضا في أن الرواية بأو أو بالواو وقد تقدم توجيهه وفي الحديث الحث على تعليم القرآن وقد سئل الثوري عن الجهاد واقراء القرآن فرجح الثاني واحتج بهذا الحديث أخرجه بن أبي داود وأخرج عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقريء القرآن خمس آيات خمس آيات وأسند من وجه آخر عن أبي العالية مثل ذلك وذكر أن جبريل كان ينزل به كذلك وهو مرسل وشاهد مما قدمته في تفسير المدثر وفي تفسير سورة اقرأ ثم ذكر المصنف طرفا من حديث سهل بن سعد في العمة التي وهبت نفسها قال بن بطال وجه إدخاله في هذا الباب أنه صلى الله عليه وسلم زوجه المرأة لحرمة القرآن وتعقبه بن التين بان السياق يدل على أنه زوجها له على أن يعلمها وسيأتي البحث فيه مع استيفاء شرحه في كتاب النكاح وقال غيره وجه دخوله أن فضل القرآن ظهر على صاحبه في العاجل بان قام له مقام المال الذي يتوصل به إلى بلوغ الغرض وأما نفعه في الأجل فظاهر لا خفاء به

[ 4741 ] قوله وهبت نفسها لله ولرسوله في رواية الحموي وللرسول قوله ما معك من القرآن قال كذا وكذا ووقع في الباب الذي يلي هذا سورة كذا وسورة كذا وسيأتي بيان ذلك عند شرحه إن شاء الله تعالى

قوله باب القراءة عن ظهر القلب ذكر فيه حديث سهل في الواهبة مطولا وهو ظاهر فيما ترجم له لقوله فيه اتقرأهن عن ظهر قلبك قال نعم فدل على فضل القراءة عن ظهر القلب لأنها أمكن في التوصل إلى التعليم وقال بن كثير أن كان البخاري أراد بهذا الحديث الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل من تلاوته نظرا من المصحف ففيه نظر لأنها قضية عين فيحتمل أن يكون الرجل كان لا يحسن الكتابة وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا يدل ذلك على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل في حق من يحسن ومن لا يحسن وأيضا فإن سياق هذا الحديث إنما هو لاستثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب ليتمكن من تعليمه لزوجته وليس المراد أن هذا أفضل من التلاوة نظرا ولا لعدمه قلت ولا يرد على البخاري شيء مما ذكر لأن المراد بقوله باب القراءة عن ظهر قلب مشروعيتها أو استحبابها والحديث مطابق لما ترجم به ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرا وقد صرح كثير من العلماء بأن القراءة من المصحف نظرا أفضل من القراءة عن ظهر قلب وأخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رفعه قال فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظهرا كفضل الفريضة على النافلة وإسناده ضعيف ومن طريق بن مسعود موقوفا اديموا النظر في المصحف وإسناده صحيح ومن حيث المعنى أن القراءة في المصحف اسلم من الغلط لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء وأمكن للخشوع والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والاشخاص وأخرج بن أبي داود بإسناد صحيح عن أبي إمامة اقرأوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله لا يعذب قلبا وعى القرآن وزعم بن بطال أن في

[ 4742 ] قوله اتقرأهن عن ظهر قلب ردا لما تأوله الشافعي في انكاح الرجل على أن صداقها اجرة تعليمها كذا قال ولا دلالة فيه لما ذكر بل ظاهر سياقه أنه استثبته كما تقدم والله أعلم

قوله باب استذكار القرآن أي طلب ذكره بضم الذال وتعاهده أي تجديد العهد به بملازمة تلاوته وذكر في الباب ثلاثة أحاديث الأول

[ 4743 ] قوله إنما مثل صاحب القرآن أي مع القرآن والمراد بالصاحب الذي ألفه قال عياض المؤالفة المصاحبة وهو كقوله أصحاب الجنة وقوله ألفه أي ألف تلاوته وهو أعم من أن يألفها نظرا من المصحف أو عن ظهر قلب فإن الذي يداوم على ذلك يذل له لسانه ويسهل عليه قراءته فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه وقوله إنما يقتضي الحصر على الراجح لكنه حصر مخصوص بالنسبة إلى الحفظ والنسيان بالتلاوة والترك قوله كمثل صاحب الإبل المعقلة أي مع الإبل المعقلة والمعقلة بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد القاف أي المشدودة بالعقال وهو الحبل الذي يشد في ركبة البعير شبة درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجود كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورا وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة قوله أن عاهد عليها أمسكها أي استمر امساكه لها وفي رواية أيوب عن نافع عند مسلم فإن عقلها حفظها قوله وأن أطلقها ذهبت أي انفلتت وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم أن تعاهدها صاحبها فعقلها أمسكها وأن أطلق عقلها ذهبت وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه الحديث الثاني

[ 4744 ] قوله حدثنا محمد بن عرعرة بعين مهملة مفتوحة وراء ساكنة مكررتين ومنصور هو بن المعتمر وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وعبد الله هو بن مسعود وسيأتي في الرواية المعلقة التصريح بسماع شقيق له من بن مسعود قوله بئس ما لأحدهم أن يقول قال القرطبي بئس هي أخت نعم فالأولى للذم والأخرى للمدح وهما فعلان غير متصرفين يرفعان الفاعل ظاهرا أو مضمرا الا أنه إذا كان ظاهرا لم يكن في الأمر العام الا بالألف واللام للجنس أو مضاف إلى ما هما فيه حتى يشتمل على الموصوف بأحدهما ولا بد من ذكره تعينا كقوله نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو فإن كان الفاعل مضمرا فلا بد من ذكر اسم نكرة بنصب على التفسير للضمير كقوله نعم رجلا زيد وقد يكون هذا التفسير ما على ما نص عليه سيبويه كما في هذا الحديث وكما في قوله تعالى فنعما هي وقال الطيبي وما نكرة موصوفة و أن يقول مخصوص بالذم أي بئس شيئا كان الرجل يقول قوله نسيت بفتح النون وتخفيف السين اتفاقا قوله آية كيت وكيت قال القرطبي كيت وكيت يعبر بهما عن الجمل الكثيرة والحديث الطويل ومثلهما ذيت وذيت وقال ثعلب كيت للافعال وذيت للاسماء وحكى بن التين عن الداودي أن هذه الكلمة مثل كذا الا أنها خاصة بالمؤنث وهذا من مفردات الداودي قوله بل هو نسي بضم النون وتشديد المهملة المكسورة قال القرطبي رواه بعض رواة مسلم مخففا قلت وكذا هو في مسند أبي يعلى وكذا أخرجه بن أبي داود في كتاب الشريعة من طرق متعددة مضبوطة بخط موثوق به على كل سين علامة التخفيف وقال عياض كان الكناني يعني أبا الوليد الوقشي لا يجيز في هذا غير التخفيف قلت والتثقيل هو الذي وقع في جميع الروايات في البخاري وكذا في أكثر الروايات في غيره ويؤيده ما وقع في رواية أبي عبيد في الغريب بعد قوله كيت وكيت ليس هو نسي ولكنه نسي الأول بفتح النون وتخفيف السين والثاني بضم النون وتثقيل السين قال القرطبي التثقيل معناه أنه عوقب بوقوع النسيان عليه لتفريطه في معاهدته واستذكاره قال ومعنى التخفيف أن الرجل ترك غير ملتفت إليه وهو كقوله تعالى نسوا الله فنسيهم أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة واختلف في متعلق الذم من قوله بئس على أوجه الأول قيل هو على نسبة الإنسان إلى نفسه النسيان وهو لا صنع له فيه فإذا نسبه إلى نفسه أوهم أنه انفرد بفعله فكان ينبغي أن يقول أنسيت أو نسيت بالتثقيل على البناء للمجهول فيهما أي أن الله هو الذي انساني كما قال وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقال أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون وبهذا الوجه جزم بن بطال فقال أراد أن يجري على السن العباد نسبة الأفعال إلى خالقها لما في ذلك من الإقرار له بالعبودية والاستسلام لقدرته وذلك أولي من نسبة الأفعال إلى مكتسبها مع أن نسبتها إلى مكتسبها جائز بدليل الكتاب والسنة ثم ذكر الحديث الاتي في باب نسيان القرآن قال وقد أضاف موسى عليه السلام النسيان مرة إلى نفسه ومرة إلى الشيطان فقال إني نسيت الحوت وما انسانيه الا الشيطان ولكل إضافة منها معنى صحيح فالاضافة إلى الله بمعنى أنه خالق الأفعال كلها وإلى النفس لأن الإنسان هو المكتسب لها وإلى الشيطان بمعنى الوسوسة اه ووقع له ذهول فيما نسبه لموسى وإنما هو كلام فتاه وقال القرطبي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب النسيان إلى نفسه يعني كما سيأتي في باب نسيان القرآن وكذا نسبه يوشع إلى نفسه حيث قال نسيت الحوت وموسى إلى نفسه حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت وقد سيق قول الصحابة ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا مساق المدح قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله فالذي يظهر أن ذلك ليس متعلق الذم وجنح إلى اختيار الوجه الثاني وهو كالأول لكن سبب الذم ما فيه من الأشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان الا بترك التعاهد وكثرة الغفلة فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره فإذا قال الإنسان نسيت الآية الفلانية فكأنه شهد على نفسه بالتفريط فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد لأنه الذي يورث النسيان الوجه الثالث قال الإسماعيلي يحتمل أن يكون كره له أن يقول نسيت بمعنى تركت لا بمعنى السهو العارض كما قال تعالى نسوا الله فنسيهم وهذا اختيار أبي عبيد وطائفة الوجه الرابع قال الإسماعيلي أيضا يحتمل أن يكون فاعل نسيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال لا يقل أحد عني إني نسيت آية كذا فإن الله هو الذي نساني ذلك لحكمة نسخه ورفع تلاوته وليس لي في ذلك صنع بل الله هو الذي ينسيني لما تنسخ تلاوته وهو كقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله فإن المراد بالمنسى ما ينسخ تلاوته فينسى الله نبيه ما يريد نسخ تلاوته الوجه الخامس قال الخطابي يحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من ضروب النسخ نسيان الشيء الذي ينزل ثم ينسخ منه بعد نزوله الشيء فيذهب رسمه وترفع تلاوته ويسقط حفظه عن حملته فيقول القائل نسيت آية كذا فنهوا عن ذلك لئلا يتوهم على محكم القرآن الضياع وأشار لهم إلى أن الذي يقع من ذلك إنما هو بإذن الله لما رآه من الحكمة والمصلحة الوجه السادس قال الإسماعيلي وفيه وجه آخر وهو أن النسيان الذي هو خلاف الذكر اضافته إلى صاحبه مجاز لأنه عارض له لا عن قصد منه لأنه لو قصد نسيان الشيء لكان ذاكرا له في حال قصده فهو كما قال ما مات فلان ولكن اميت قلت وهو قريب من الوجه الأول وأرجح الأوجه الوجه الثاني ويؤيده عطف الأمر باستذكار القرآن عليه وقال عياض أولي ما يتأول عليه ذم الحال لا ذم القول أي بئس الحال حال من حفظه ثم غفل عنه حتى نسيه وقال النووي الكراهة فيه للتنزيه قوله واستذكروا القرآن أي واظبوا على تلاوته واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به قال الطيبي وهو عطف من حيث المعنى على قوله بئس ما لأحدكم أي لا تقصروا في معاهدته واستذكروه وزاد بن أبي داود من طريق عاصم عن أبي وائل في هذا الموضع فإن هذا القرآن وحشي وكذا أخرجها من طريق المسيب بن رافع عن بن مسعود قوله فإنه أشد تفصيا بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة الثقيلة بعدها تحتانية خفيفة أي تفلتا وتخلصا تقول تفصيت كذا أي احطت بتفاصيله والاسم الفصة ووقع في حديث عقبة بن عامر بلفظ تفلتا وكذا وقعت عند مسلم في حديث أبي موسى ثالث أحاديث الباب ونصب على التمييز وفي هذا الحديث زيادة على حديث بن عمر لأن في حديث بن عمر تشبيه أحد الامرين بالاخر وفي هذا أن هذا أبلغ في النفور من الإبل ولذا أفصح به في الحديث الثالث حيث قال لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها لأن من شأن الإبل تطلب التفلت ما أمكنها فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت فكذلك حافظ القرآن أن لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك وقال بن بطال هذا الحديث يوافق الآيتين قوله تعالى إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا وقوله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسر له ومن اعرض عنه تفلت منه

[ 4745 ] قوله حدثنا عثمان هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو المذكور في الإسناد الذي قبله وهذه الطريق ثبتت عند الكشميهني وحده وثبتت أيضا في رواية النسفي وقوله مثله الضمير للحديث الذي قبله وهو يشعر بان سياق جرير مساو لسياق شعبة وقد أخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة مقرونا بإسحاق بن راهويه وزهير بن حرب ثلاثتهم عن جرير ولفظه مساو للفظ شعبة المذكور الا أنه قال استذكروا بغير واو وقال فلهو أشد بدل قوله فإنه وزاد بعد قوله من النعم بعقلها وقد أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة بإثبات الواو وقال في آخره من عقله وهذه الزيادة ثابتة عنده في حديث شعبة أيضا من رواية غندر عنه بلفظ بئسما لأحدكم أو لأحدهم أن يقول إني نسيت آية كيت وكيت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو نسي ويقول استذكروا القرآن الخ وكذا ثبتت عنده في رواية الأعمش عن شقيق بن سلمة عن بن مسعود قوله تابعه بشر عن بن المبارك عن شعبة يريد أن عبد الله بن المبارك تابع محمد بن عرعرة في رواية هذا الحديث عن شعبة وبشر هو بن محمد المروزي شيخ البخاري قد أخرج عنه في بدء الوحي وغيره ونسبه المتابعة إليه مجازية وقد يوهم أنه تفرد بذلك عن بن المبارك وليس كذلك فإن الإسماعيلي أخرج الحديث من طريق حبان بن موسى عن بن المبارك ويوهم أيضا أن بن عرعرة وابن المبارك انفردا بذلك عن شعبة وليس كذلك لما ذكر فيه من رواية غندر وقد أخرجها أحمد أيضا عنه وأخرجه عن حجاج بن محمد وأبي داود الطيالسي كلاهما عن شعبة وكذا أخرجه الترمذي من رواية الطيالسي قوله وتابعه بن جريج عن عبدة عن شقيق سمعت عبد الله أما عبدة فهو بسكون الموحدة وهو بن أبي لبابة بضم اللام وموحدتين مخففا وشقيق هو أبو وائل وعبد الله هو بن مسعود وهذه المتابعة وصلها مسلم من طريق محمد بن بكر عن بن جريج قال حدثني عبدة بن أبي لبابة عن شقيق بن سلمة سمعت عبد الله بن مسعود فذكر الحديث إلى قوله بل هو نسي ولم يذكر ما بعده وكذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق محمد بن جحادة عن عبدة وكأن البخاري أراد بإيراد هذه المتابعة دفع تعليل من أعل الخبر برواية حماد بن زيد وأبي الأحوص له عن منصور موقوفة على بن مسعود قال الإسماعيلي روى حماد بن زيد عن منصور وعاصم الحديثين معا موقوفين وكذا رواهما أبو الأحوص عن منصور وأما بن عيينة فأسند الأول ووقف الثاني قال ورفعهما جميعا إبراهيم بن طهمان وعبيدة بن حميد عن منصور وهو ظاهر سياق سفيان الثوري قلت ورواية عبيدة أخرجها بن أبي داود ورواية سفيان ستأتي عند المصنف قريبا مرفوعا لكن اقتصر على الحديث الأول وأخرج بن أبي داود من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا الحديثين معا وفي رواية عبدة بن أبي لبابة تصريح بن مسعود بقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يقوي رواية من رفعه عن منصور والله أعلم الحديث الثالث قوله عن بريد بالموحدة هو بن عبد الله بن أبي بردة وشيخه أبو بردة هو جده المذكور وأبو موسى هو الأشعري قوله في عقلها بضمتين ويجوز سكون القاف جمع عقال بكسر أوله وهو الحبل ووقع في رواية الكشميهني من عقلها وذكر الكرماني أنه وقع في بعض النسخ من عللها بلامين ولم اقف على هذه الرواية بل هي تصحيف ووقع في رواية الإسماعيلي بعقلها قال القرطبي من رواه من عقلها فهو على الأصل الذي يقتضيه التعدي من لفظ التفلت وأما من رواه بالباء أو بالفاء فيحتمل أن يكون بمعنى من أو للمصاحبة أو الظرفية والحاصل تشبيه من يتفلت منه القرآن بالناقة التي تفلتت من عقالها وبقيت متعلقة به كذا قال والتحرير أن التشبيه وقع بين ثلاثة بثلاثة فحامل القرآن شبه بصاحب الناقة والقرآن بالناقة والحفظ بالربط قال الطيبي ليس بين القرآن والناقة مناسبة لأنه قديم وهي حادثه لكن وقع التشبيه في المعنى وفي هذه الأحاديث الحض على محافظة القرآن بدوام دراسته وتكرار تلاوته وضرب الأمثال لإيضاح المقاصد وفي الأخير القسم عند الخبر المقطوع بصدقة مبالغة في تثبيته في صدور سامعيه وحكى بن التين عن الداودي أن في حديث بن مسعود حجة لمن قال فيمن ادعى عليه بمال فأنكر وحلف ثم قامت عليه البينة فقال كنت نسيت أو ادعى بينة أو ابراء أو التمس يمين المدعى أن ذلك يكون له ويعذر في ذلك كذا قال

قوله باب القراءة على الدابة أي لراكبها وكأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك وقد نقله بن أبي داود عن بعض السلف وتقدم البحث في كتاب الطهارة في قراءة القرآن في الحمام وغيرها وقال بن بطال إنما أراد بهذه الترجمة أن في القراءة على الدابة سنة موجودة واصل هذه السنة قوله تعالى لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه الآية ثم ذكر المصنف حديث عبد الله بن مغفل مختصرا وقد تقدم بتمامه في تفسير سورة الفتح ويأتي بعد أبواب

قوله باب تعليم الصبيان القرآن كأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك وقد جاءت كراهية ذلك عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي واسنده بن أبي داود عنهما ولفظ إبراهيم كانوا يكرهون أن يعلموا الغلام القرآن حتى يعقل وكلام سعيد بن جبير يدل على أن كراهة ذلك من جهة حصول الملال له ولفظه عند بن أبي داود أيضا كانوا يحبون أن يكون يقرأ الصبي بعد حين وأخرج بإسناد صحيح عن الأشعث بن قيس أنه قدم غلاما صغيرا فعابوا عليه فقال ما قدمته ولكن قدمه القرآن وحجة من أجاز ذلك أنه ادعى إلى ثبوته ورسوخه عنده كما يقال التعلم في الصغر كالنقش في الحجر وكلام سعيد بن جبير يدل على أنه يستحب أن يترك الصبي أولا مرفها ثم يؤخذ الجد على التدريج والحق أن ذلك يختلف بالاشخاص والله وأعلم

[ 4748 ] قوله عن سعيد بن جبير قال أن الذي تدعونه المفصل هو المحكم قال وقال بن عباس توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بن عشر سنين وقد قرأت المحكم كذا فيه تفسير المفصل بالمحكم من كلام سعيد بن جبير وهو دال على أن الضمير في قوله في الرواية الأخرى فقلت له وما المحكم لسعيد بن جبير وفاعل قلت هو أبو بشر بخلاف ما يتبادر أن الضمير لابن عباس وفاعل قلت سعيد بن جبير ويحتمل أن يكون كل منهما سأل شيخه عن ذلك والمراد بالمحكم الذي ليس فيه منسوخ ويطلق المحكم على ضد المتشابه وهو اصطلاح أهل الأصول والمراد بالمفصل السور التي كثرت فصلوها وهي من الحجرات إلى آخر القرآن على الصحيح ولعل المصنف أشار في الترجمة إلى قول بن عباس سلوني عن التفسير فإني حفظت القرآن وأنا صغير أخرجه بن سعيد وغيره بإسناد صحيح عنه وقد استشكل عياض قول بن عباس توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بن عشر سنين بما تقدم في الصلاة من وجه آخر عن بن عباس أنه كان في حجة الوداع ناهز الاحتلام وسيأتي في الاستئذان من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وأنا ختين وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك وعنه أيضا أنه كان عند موت النبي صلى الله عليه وسلم بن خمس عشرة سنة وسبق إلى استشكال ذلك الإسماعيلي فقال حديث الزهري عن عبيد الله عن بن عباس يعني الذي مضى في الصلاة يخالف هذا وبالغ الداودي فقال حديث أبي بشر يعني الذي في هذا الباب وهم وأجاب عياض بأنه يحتمل أن يكون قوله وأنا بن عشر سنين راجع إلى حفظ القرآن لا إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ويكون تقدير الكلام توفي النبي صلى الله عليه وسلم وقد جمعت المحكم وأنا بن عشر سنين ففيه تقديم وتأخير وقد قال عمرو بن على الفلاس الصحيح عندنا أن بن عباس كان له عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة قد استكملها ونحوه لأبي عبيد وأسند البيهقي عن مصعب الزبيري أنه كان بن أربع عشرة وبه جزم الشافعي في الأم ثم حكى أنه قيل ست عشرة وحكى قول ثلاث عشرة وهو المشهور وأورد البيهقي عن أبي العالية عن أبي عباس قرأت المحكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بن ثنتي عشرة فهذه ستة أقوال ولو ورد إحدى عشرة لكانت سبعة لأنها من عشر إلى ست عشرة قلت والأصل فيه قول الزبير بن بكار وغيره من أهل النسب أن ولادة بن عباس كانت قبل الهجر بثلاث سنين وبنو هاشم في الشعب وذلك قبل وفاة أبي طالب ونحوه لأبي عبيد ويمكن الجمع بين مختلف الروايات الا ست عشرة وثنتي عشرة فإن كلا مهما لم يثبت سنده والاشهر بان يكون ناهز الاحتلام لما قارب ثلاث عشرة ثم بلغ لما استكملها ودخل في التي بعدها فاطلاق خمس عشرة بالنظر إلى جبر الكسرين وإطلاق العشر والثلاث عشرة بالنظر إلى الغاء الكسر وإطلاق أربع عشرة يجبر أحدهما وسيأتي مزيد لهذا في باب الختان بعد الكبر من كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى واختلف في أول المفصل مع الاتفاق على أنه آخر جزء من القرآن على عشرة أقوال ذكرتها في باب الجهر بالقراءة في المغرب وذكرت قولا شاذا أنه جميع القرآن

سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله

قوله باب نسيان القرآن وهل يقول نسيت آية كذا وكذا كأنه يريد أن النهي عن قول نسيت آية كذا وكذا ليس للزجر عن هذا اللفظ بل للزجر عن تعاطي أسباب النسيان المقتضية لقول هذا اللفظ ويحتمل أن ينزل المنع والاباحة على حالتين فمن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر ديني كالجهاد لم يمتنع عليه قول ذلك لأن النسيان لم ينشأ عن إهمال ديني وعلى ذلك يحمل ما ورد من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسبة النسيان إلى نفسه ومن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دنيوي ولا سيما أن كان محظورا أمتنع عليه لتعاطيه أسباب النسيان قوله وقول الله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله هو مصير منه إلى اختيار ما عليه الأكثر أن لا في قوله فلا تنسى نافية وأن الله أخبره أنه لا ينسى ما أقرأه إياه وقد قيل أن لا ناهية وإنما وقع الاشباع في السين لتناسب رؤوس الآي والأول أكثر واختلف في الاستثناء فقال الفراء هو للتبرك وليس هناك شيء استثنى وعن الحسن وقتادة الا ما شاء الله أي قضى أن ترفع تلاوته وعن بن عباس الا ما أراد الله أن ينسيكه لتسن وقيل لما جبلت عليه من الطباع البشرية لكن سنذكره بعد وقيل المعنى فلا تنسى أي لا تترك العمل به الا ما أراد الله أن ينسخه فتترك العمل به

[ 4750 ] قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أي صوت رجل وقد تقدم بيان اسمه في كتاب الشهادات قوله لقد اذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا لم اقف على تعيين الآيات المذكورة وأغرب من زعم أن المراد بذلك إحدى وعشرون آية لأن بن عبد الحكم قال فيمن أقر أن عليه كذا وكذا درهما أنه يلزمه أحد وعشرون درهما وقال الداودي يكون مقرا بدرهمين لأنه أقل ما يقع عليه ذلك قال فإن قال له علي كذا درهما كان مقرا بدرهم واحد قوله في الطريق الثانية حدثنا عيسى هو بن يونس بن أبي إسحاق قوله عن هشام وقال اسقطتهن يعني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بالمتن المذكور وزاد فيه هذه الفظة وهي اسقطتهن وقد تقدم في الشهادات من هذا الوجه بلفظ فقال رحمه الله لقد اذكرني كذا وكذا آية اسقطتهن من سورة كذا وكذا قوله تابعه على بن مسهر وعبدة عن هشام كذا للأكثر ولأبي ذر عن الكشميهني تابعه على بن مسهر عن عبدة وهو غلط فان عبدة رفيق على بن مسهر لا شيخه وقد أخرج المصنف طريق على بن مسهر في آخر الباب الذي يلي هذا بلفظ اسقطتها وأخرج طريق عبدة وهو بن سليمان في الدعوات ولفظه مثل لفظ علي بن مسهر سواء قوله في الرواية الثالثة

[ 4751 ] كنت انسيتها هي مفسرة لقوله اسقطتها فكأنه قال أسقطتها نسيانا لا عمدا وفي رواية معمر عن هشام عند الإسماعيلي كنت نسيتها بفتح النون ليس قبلها همزة قال الإسماعيلي النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من القرآن يكون على قسمين أحدهما نسيانه الذي يتذكره عن قرب وذلك قائم بالطباع البشرية وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن مسعود في السهو إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون والثاني أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله قال فأما القسم الأول فعارض سريع الزوال لظاهر قوله تعالى أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون وأما الثاني فداخل في قوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همزة قلت وقد تقدم توجيه هذه القراءة وبيان من قرأ بها في تفسير البقرة وفي الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم فيما لبس طريقه البلاغ مطلقا وكذا فيما طريقه البلاغ لكن بشرطين أحدهما أنه بعدما يقع منه تبليغه والآخر أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكرة أما بنفسه وأما بغيره وهل يشترط في هذا القول قولان فأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلا وزعم بعض الاصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه نسيان أصلا وإنما يقع منه صورته ليسن قال عياض لم يقل به من الاصوليين أحد الا أبا المظفر الاسفرايني وهو قول ضعيف وفي الحديث أيضا جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد والدعاء لمن حصل له من جهته خير وأن لم يقصد المحصول منه ذلك واختلف السلف في نسيان القرآن فمنهم من جعل ذلك من الكبائر وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفا قال ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه الا بذنب أحدثه لأن الله يقول وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ونسيان القرآن من أعظم المصائب واحتجوا أيضا بما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس مرفوعا عرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن اوتيها رجل ثم نسيها في إسناده ضعف وقد أخرج بن أبي داود من وجه آخر مرسل نحوه ولفظه أعظم من حامل القرآن وتاركه ومن طريق أبي العالية موقوفا كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه وإسناده جيد ومن طريق بن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا ولأبي داود عن سعد بن عبادة مرفوعا من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو اجذم وفي إسناده أيضا مقال وقد قال به من الشافعية أبو المكارم الروياني واحتج بان الأعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره وقال القرطبي من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها أن يعاقب على ذلك فان ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل والرجوع إلى الجهل بعد العلم وقال إسحاق بن راهويه يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود بئس ما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت وقد تقدم شرحه قريبا وسفيان في السند هو الثوري واختلف في معنى اجذم فقيل مقطوع اليد وقيل مقطوع الحجة وقيل مقطوع السبب من الخير وقيل خالي اليد من الخير هي متقاربة وقيل يحشر مجذوما حقيقة ويزيده أن في رواية زائدة بن قدامة عند عبد بن حميد أتى الله يوم القيامة وهو مجذوم وفيه جواز قول المرء اسقطت آية كذا من سورة كذا إذا وقع ذلك منه وقد أخرج بن أبي داود من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال لا تقل اسقطت كذا بل قل أغفلت وهو أدب حسن وليس واجبا

قوله باب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا أشار بذلك إلى الرد على من كره ذلك وقال لا يقال الا السورة التي يذكر فيها كذا وقد تقدم في الحج من طريق الأعمش أنه سمع الحجاج بن يوسف على المنبر يقول السورة التي يذكر فيه كذا وأنه رد عليه بحديث أبي مسعود قال عياض حديث أبي مسعود حجة في جواز قول سورة البقرة ونحوها وقد اختلف في هذا فأجازه بعضهم وكرهه بعضهم وقال تقول السورة التي تذكر فيه البقرة قلت وقد تقدم في أبواب الرمي من كتاب الحج أن إبراهيم النخعي أنكر قول الحجاج لا تقولوا سورة البقرة وفي رواية مسلم أنها سنة وأورد حديث أبي مسعود وأقوى من هذا في الحجة ما أورده المصنف من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي في الأذكار يجوز أن يقول سورة البقرة إلى أن قال وسورة العنكبوت وكذلك الباقي ولا كراهة في ذلك وقال بعض السلف يكره ذلك والصواب الأول وهو قول الجماهير والأحاديث فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم قلت وقد جاء فيما يوافق ما ذهب إليه البعض المشار إليه حديث مرفوع عن أنس رفعه لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذلك القرآن كله أخرجه أبو الحسين بن قانع في فوائده والطبراني في الأوسط وفي سنده عبيس بن ميمون العطار وهو ضعيف وأورده بن الجوزي في الموضوعات ونقل عن أحمد أنه قال هو حديث منكر قلت وقد تقدم في باب تأليف القرآن حديث يزيد الفارسي عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا قال بن كثير في تفسيره ولا شك أن ذلك احوط ولكن استقر الإجماع على الجواز في المصاحف والتفاسير قلت وقد تمسك بالاحتياط المذكور جماعة من المفسرين منهم أبو محمد بن أبي حاتم ومن المتقدمين الكلبي وعبد الرزاق ونقله القرطبي في تفسيره عن الحكيم الترمذي أن من حرمة القرآن أن لا يقال سورة كذا كقوله سورة البقرة وسورة النحل وسورة النساء وإنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا وتعقبه القرطبي بأن حديث أبي مسعود يعارضه ويمكن أين يقال لا معارضة مع إمكان فيكون حديث أبي مسعود ومن وافقه دالا على الجواز وحديث أنس أن ثبت محمول على أنه خلاف الأولى والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث تشهد لما ترجم له أحدها حديث أبي مسعود في الآيتين من آخر سورة البقرة وقد تقدم شرحه قريبا الثاني حديث عمر سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان وقد تقدم شرحه في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف الثالث حديث عائشة المذكور في الباب قبله وقد تقدم التنبيه عليه

قوله باب الترتيل في القراءة أي تبيين حروفها والتأني في ادائها ليكون ادعى إلى فهم معانيها قوله وقوله تعالى ورتل القرآن ترتيلا كأنه يشير إلى ما ورد عن السلف في تفسيرها فعند الطبري بسند صحيح عن مجاهد في قوله تعالى ورتل القران قال بعضه أثر بعض على تؤدة وعن قتادة قال بينه بيانا والأمر بذلك أن لم يكن للوجوب يكون مستحبا قوله وقوله تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث سيأتي توجيهه قوله وما يكره أن يهذ كهذ الشعر كأنه يشير إلى أن استحباب الترتيل لا يستلزم كراهة الإسراع وإنما الذي يكره الهذ وهو الإسراع المفرط بحيث يخفى كثير من الحروف أو لا تخرج من مخارجها وقد ذكر في الباب إنكار بن مسعود على من يهذ القراءة كهذ الشعر ودليل جواز الإسراع ما تقدم في أحاديث الأنبياء من حديث أبي هريرة رفعه خفف على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيفرغ من القرآن قبل أن تسرح قوله فيها يفرق يفصل هو تفسير أبي عبيدة قوله قال بن عباس فرقناه فصلناه وصله بن جريج من طريق على بن أبي طلحة عنه وعند أبي عبيد من طريق مجاهد أن رجلا سأله عن رجل قرأ البقرة وآل عمران ورجل قرأ البقرة فقط قيامهما واحد ركوعهما واحد وسجودهما واحد فقال الذي قرأ البقرة فقط أفضل ثم تلا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ومن طريق أبي حمزة قلت لابن عباس إني سريع القراءة وإني لأقرأ القرآن في ثلاث فقال لأن أقرأ البقرة أرتلها فأتدبرها خير من أن أقرأ كما تقول وعند بن أبي داود من طريق أخرى عن أبي حمزة قلت لابن عباس إني رجل سريع القراءة إني لأقرأ القرآن في ليلة فقال بن عباس لأن اقرأ سورة أحب إلى أن كنت لا بد فاعلا فأقرئ قراءة تسمعها اذنيك ويوعها قلبك والتحقيق أن لكل من الإسراع والترتيل جهة فضل بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشيء من الحروف والحركات والسكون الواجبات فلا يمتنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا فإن من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة واحدة مثمنة ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمتها قيمة الواحد وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الاخريات وقد يكون بالعكس ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث بن مسعود

[ 4756 ] قوله حدثنا واصل هو بن حيان بمهملة وتحتانية ثقيلة الأحدب الكوفي ووقع صريحا عند الإسماعيلي وزعم خلف في الأطراف أنه واصل مولى أبي عيينة بن المهلب وغلطوه في ذلك فإن مولى أبي عيينة بصري وروايته عن البصريين وليست له رواية عن الكوفيين وأبو وائل شيخ واصل هذا كوفي قوله عن أبي وائل عن عبد الله قال غدونا على عبد الله أي بن مسعود فقال رجل قرأت المفصل كذ أورده مختصرا وقد أخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري فزاد في أوله غدونا على عبد الله بن مسعود يوما بعد ما صلينا الغداة فسلمنا بالباب فأذن لنا فمكثنا بالباب هنيهة فخرجت الجارية فقالت الا تدخلون فدخلنا فإذا هو جالس يسبح فقال ما منعكم أن تدخلوا وقد إذن لكم قلنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم قال ظننتم بآل أم عبد غفلة فقال رجل من القوم قرأت المفصل البارحة كله فقال عبد الله هذا كهذ الشعر ولأحمد من طريق الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود أن رجلا أتاه فقال قرأت المفصل في ركعة فقال بل هذذت كهذ الشعر وكنثر الدقل وهذا الرجل هو نهيك بن سنان كما أخرجه مسلم من طريق منصور عن أبي وائل في هذا الحديث وقوله هذا بفتح الهاء وبالذال المعجمة المنونة قال الخطابي معناه سرعة القراءة بغير تأمل كما ينشد الشعر واصل الهذ سرعة الدفع وعند سعيد بن منصور من طريق يسار عن أبي وائل عن عبد الله أنه قال في هذه القصة إنما فصل لتفصلوه قوله ثماني عشرة تقدم في باب تأليف القرآن من طريق الأعمش عن شقيق فقال فيه عشرين سورة من أول المفصل والجمع بينهما أن الثمان عشرة غير سورة الدخان والتي معها وإطلاق المفصل على الجميع تغليبا وإلا فالدخان ليست من المفصل على المرجح لكن يحتمل أن يكون تأليف بن مسعود على خلاف تأليف غيره فإن في آخر رواية الأعمش على تأليف بن مسعود اخرهن حم الدخان وعم فعلى هذا لا تغليب قوله من آل حاميم أي السورة التي أولها حم وقيل يريد حم نفسها كما في حديث أبي موسى أنه أوتي مزمارا من مزامير آل داود يعني داود نفسه قال الخطابي قوله آل داود يريد به داود نفسه وهو كقوله تعالى ادخلوا آل فرعون أشد العذاب وتعقبه بن التين بأن دليله يخالف تأويله قال وإنما يتم مراده لو كان الذي يدخل أشد العذاب فرعون وحده وقال الكرماني لولا أن هذا الحرف ورد في الكتابة منفصلا يعني آل وحدها وحم وحدها لجاز أن تكون الألف واللام التي لتعريف الجنس والتقدير وسورتين من الحواميم قلت لكن الرواية أيضا ليست فيها واو نعم في رواية الأعمش المذكورة آخرهن من الحواميم وهو يؤيد الاحتمال المذكور الله أعلم وأغرب الداودي فقال قوله من آل حاميم من كلام أبي وائل وإلا فإن أول المفصل عند بن مسعود من أول الجاثية ا ه وهذا إنما يره لو كان ترتيب مصحف بن مسعود كترتيب المصحف العثماني والأمر بخلاف ذلك فإن ترتيب السور في مصحف بن مسعود يغاير الترتيب في المصحف العثماني فلعل هذا منها ويكون أول المفصل عنده أول الجاثية والدخان متأخرة في ترتيبه عن الجاثية لا مانع من ذلك وقد أجاب النووي على طريق التنزل بان المراد بقوله عشرين من أول المفصل أي معظم العشرين الحديث الثاني حديث بن عباس في نزول قوله تعالى

[ 4757 ] لا تحرك به لسانك لتعجل به وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير القيامة وجرير المذكور في إسناده هو بن عبد الحميد بخلاف الذي في الباب بعده وقوله فيه وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه كذا للأكثر وتقدم توجيهه في بدء الوحي ووقع عند المستملي هنا وكان ممن يحرك ويتعين أن يكون من فيه للتبعيض ومن موصولة والله أعلم وشاهد الترجمة منه النهي عن تعجيله بالتلاوة فإنه يقتضي استحباب التأني فيه وهو المناسب للترتيل وفي الباب حديث حفصة أم المؤمنين أخرجه مسلم في اثناء حديث وفيه كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها وقد تقدم في أواخر المغازي حديث علقمة أنه قرأ على بن مسعود فقال رتل فداك أبي أمي فإنه زينة القرآن وأن هذه الزيادة وقعت عند أبي نعيم في المستخرج وأخرجها بن أبي داود أيضا والله أعلم

قوله باب مد القراءة المد عند القراءة على ضربين أصلي وهو اشباع الحرف الذي بعده ألف أو واو أو ياء وغير أصلي وهو ما إذا اعقب الحرف الذي هذه صفته همزة وهو متصل ومنفصل فالمتصل ما كان من نفس الكلمة والمنفصل ما كان بكلمة أخرى فالأول يؤتى فيه بالألف والواو والياء ممكنات من غير زيادة والثاني يزاد في تمكين الألف والواو والياء زيادة على المد الذي لا يمكن النطق بها الا به من غير إسراف والمذهب الاعدل أنه يمد كل حرف منها ضعفي ما كان يمده أولا وقد يزاد على ذلك قليلا وما فرط فهو غير محمود والمراد من الترجمة الضرب الأول قوله في الرواية الثانية حدثنا عمرو بن عاصم وقع في بعض النسخ عمرو بن حفص وهو غلط ظاهر قوله سئل أنس ظهر من الرواية الأولى أن قتادة الراوي هو السائل وقوله في الرواية الأولى كان يمد مدا بين في الرواية الثانية المراد بقوله بمد بسم الله الخ بمد اللام التي قبل الهاء من الجلالة والميم التي قبل النون من الرحمن والحاء من الرحيم وقوله في الرواية الأولى كانت مدا أي كانت ذات مد ووقع عند أبي نعيم من طريق أبي النعمان عن جرير بن حازم في هذه الرواية كان يمد صوته مدا وكذا أخرجه الإسماعيلي من ثلاثة طرق أخرى عن جرير بن حازم وكذا أخرجه بن أبي داود من وجه آخر عن جرير وفي رواية له كان يمد قراءته وأفاد أنه لم يرو هذا الحديث عن قتادة الا جرير بن حازم وهمام بن يحيى وقوله في الثانية يمد ببسم الله كذا وقع بموحدة قبل الموحدة التي في بسم الله كأنه حكى لفظ بسم الله كما حكى لفظ الرحمن في قوله ويمد بالرحمن أو جعله كالكلمة الواحدة علما لذلك ووقع عند أبي نعيم من طريق الحسن الحلواني عن عمرو بن عاصم شيخ البخاري فيه ويمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم من غير موحدة في الثلاثة وأخرجه بن أبي داود عن يعقوب بن إسحاق عن عمرو بن عاصم عن همام وجرير جميعا عن قتادة بلفظ يمد ببسم الله الرحمن الرحيم بإثبات الموحدة في أوله أيضا وزاد في الإسناد جريرا مع همام في رواية عمرو بن عاصم وأخرج بن أبي داود من طريق قطبة بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر ق فمر بهذا الحرف لها طلع نضيد فمد نضيد وهو شاهد جيد لحديث أنس وأصله عند مسلم والترمذي والنسائي من حديث قطبة نفسه تنبيه استدل بعضهم بهذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ورام بذلك معارضة حديث أنس أيضا المخرج في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقرءها في الصلاة وفي الاستدلال لذلك بحديث الباب نظر وقد اوضحته فيما كتبته من النكت على علوم الحديث لابن الصلاح وحاصله أنه لا يلزم من وصفه بأنه كان إذا قرأ البسملة يمد فيها أن يكون قرأ البسملة في أول الفاتحة في كل ركعة ولأنه إنما ورد بصورة المثال فلا تتعين البسملة والعلم عند الله تعالى

قوله باب الترجيع هو تقارب ضروب الحركات في القراءة وأصله الترديد وترجيع الصوت ترديده في الخلق وقد فسره كما سيأتي في حديث عبد الله بن مغفل المذكور في هذا الباب في كتاب التوحيد بقوله أبهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى ثم قالوا يحتمل أمرين أحدهما أن ذلك حدث من هز الناقة والآخر أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك وهذا الثاني أشبه بالسياق فإن في بعض طرقه لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن أي النغم وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع فأخرج الترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن والذي يظهر أن في الترجيع قدرا زائدا على الترتيل فعند بن أبي داود من طريق أبي إسحاق عن علقمة قال بت مع عبد الله بن مسعود في داره فنام ثم قام فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله ويرتل ولا يرجع وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء لأن القراءة ترجيع الغناء تنافى الخشوع الذي هو مقصود التلاوة قال وفي الحديث ملازمته صلى الله عليه وسلم للعبادة لأنه حالة ركوبه الناقة وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة وفي جهره بذلك إرشاد إلى أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الاسرار وهو عند التعليم وايقاظ الغافل ونحو ذلك

قوله باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن كذا لأبي ذر وسقط قوله للقرآن لغيره وقد تقدم في باب من لم يتغن بالقرآن نقل الإجماع على استحباب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن وأخرج بن أبي داود من طريق بن أبي مسجعة قال كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم

[ 4761 ] قوله حدثنا محمد بن خلف أبو بكر هو الحدادي بالمهملات وفتح أوله والتثقيل بغدادي مقريء من صغار شيوخ البخاري وعاش بعد البخاري خمس سنين وأبو يحيى الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم اسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي وهو والد يحيى بن عبد الحميد الكوفي الحافظ صاحب المسند وليس لمحمد بن خلف ولا لشيخه أبي يحيى في البخاري الا هذا الموضع وقد أدرك البخاري أبا يحيى بالسن لكنه لم يلقه قوله حدثني بريد في رواية الكشميهني سمعت بريد بن عبد الله قوله يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود كذا وقع عنده مختصرا عن طريق بريد وأخرجه مسلم من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة بلفظ لو رأيتني وأنا استمع قراءتك البارحة الحديث وأخرجه أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه بزيادة فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة مرا بأبي موسى وهو يقرأ في بيته فقاما يستمعان لقراءته ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقي أبو موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا موسى مررت بك فذكر الحديث فقال أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرا ولابن سعد من حديث أنس بإسناد على شرط مسلم أن أبا موسى قام ليلة يصلي فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته وكان حلو الصوت فقمن يستمعن فلما أصبح قيل له فقال لو علمت لحبرته لهن تحبيرا وللروياني من طريق مالك بن مغول عن عبد الله بن بريدة عن أبيه نحو سياق سعيد بن أبي بردة وقال فيه لو علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءتي لحبرتها تحبيرا وأصلها عند أحمد وعند الدارمي من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لأبي موسى وكان حسن الصوت بالقرآن لقد أوتي هذا من مزامير آل داود فكأن المصنف أشار إلى هذه الطريق في الترجمة وأصل هذا الحديث عند النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن الزهري موصولا بذكر أبي هريرة فيه ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قراءة أبي موسى فقال لقد أوتي من مزامير آل داود وقد اختلف فيه على الزهري فقال معمر وسفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أخرجه النسائي وقال الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب مرسلا ولأبي يعلى من طريق عبد الرحمن بن عوسجه عن البراء سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى فقال كأن صوت هذا من مزامير آل داود وأخرج بن أبي داود من طريق أبي عثمان النهدي قال دخلت دار أبي موسى الأشعري فما سمعت صوت صنج ولا يربط ولا ناي أحسن من صوته سنده صحيح وهو في الحلية لأبي نعيم والصنج بفتح المهملة وسكون النون بعدها جيم هو آله تتخذ من نحاس كالطبقين يضرب أحدهما بالاخر واليربط بالموحدتين بينهما راء ساكنة ثم طاء مهملة بوزن جعفر هو آله تشبه العود فارسي معرب والناي بنون بغير همز هو المزمار قال الخطابي قوله آل داود يريد داود نفسه لأنه لم ينقل أن أحدا من أولاد داود ولا من أقاربه كان أعطى من حسن الصوت ما أعطى قلت ويؤيده ما أورده من الطريق الأخرى وقد تقدم في باب من لم يتغن بالقرآن ما نقل عن السلف في صفة صوت داود والمراد بالمزمار الصوت الحسن وأصله الالة أطلق اسمه على الصوت للمشابهة وفي الحديث دلالة بينة على أن القراءة غير المقروء وسيأتي مزيد بحث في ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

قوله باب من أحب أن يستمع القرآن من غيره في رواية الكشميهني القراءة ذكر فيه حديث بن مسعود قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ على القرآن أورده مختصرا ثم أورده مطولا في الباب الذي بعده باب قول المقرئ للقارئ حسبك والمراد بالقرآن بعض القرآن والذي في معظم الروايات اقرأ علي ليس فيه لفظ القرآن بل أطلق فيصدق بالبعض قال بن بطال يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه اخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغال بالقراءة وأحكامها وهذا بخلاف قراءته هو صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب كما تقدم في المناقب وغيرها فإنه أراد أن يعلمه كيفية أداء القراءة ومخارج الحروف ونحو ذلك ويأتي شرح الحديث بعد أبواب في باب البكاء عند قراءة القرآن

قوله باب في كم يقرأ القرآن وقول الله تعالى فاقرؤوا ما تيسر منه كأنه أشار إلى الرد على من قال أقل ما يجزئ من القراءة في كل يوم وليلة جزء من أربعين جزءا من القرآن وهو منقول عن إسحاق بن راهويه والحنابلة لأن عموم قوله فاقرؤوا ما تيسر منه يشمل أقل من ذلك فمن ادعى التحديد فعليه البيان وقد أخرج أبو داود من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو في كم يقرأ القرآن قال في أربعين يوما ثم قال في شهر الحديث ولا دلالة فيه على المدعي

[ 4764 ] قوله حدثنا على هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة وابن شبرمة هو عبد الله قاضي الكوفة ولم يخرج له البخاري الا في موضع واحد يأتي في الأدب شاهدا وأخرج من كلامه غير ذلك قوله كم يكفي الرجل من القرآن أي في الصلاة قوله قال علي هو بن المديني وهو موصول من تتمة الخبر المذكور ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وقد تقدم نقل الاختلاف في روايته لهذا الحديث عن عبد الرحمن بن يزيد وعن علقمة في باب فضل سورة البقرة وتدم بيان المراد بقوله كفتاه وما استدل به بن عيينة إنما يجيء على أحد ما قيل في تأويل كفتاه أي في القيام في الصلاة بالليل وقد خفيت مناسبة حديث أبي مسعود بالترجمة على بن كثير والذي يظهر أنها من جهة أن الآية المترجم بها تناسب ما استدل به بن عيينة من حديث أبي مسعود والجامع بينهما أن كلا من الآية والحديث يدل على الاكتفاء بخلاف ما قال بن شبرمة

[ 4765 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي ومغيرة هو بن مقسم قوله انكحني أبي أي زوجني وهو محمول على أنه كان المشير عليه بذلك وإلا فعبد الله بن عمرو حينئذ كان رجلا كاملا ويحتمل أن يكون قام عنه بالصداق ونحو ذلك قوله امرأة ذات حسب في رواية أحمد عن هشيم عن مغيرة وحصين عن مجاهد في هذا الحديث امرأة من قريش أخرجه النسائي من هذا الوجه وهي أم محمد بنت محمية بفتح الميم وسكون المهملة وكسر الميم بعدها تحتانية مفتوحة خفيفة بن جزء الزبيدي حليف قريش ذكرها الزبير وغيره قوله كنته بفتح الكاف وتشديد النون هي زوج الولد قوله نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا قال بن مالك يستفاد منه وقوع التمييز بعد فاعل نعم الظاهر وقد منعه سيبويه وأجازه المبرد وقال الكرماني يحتمل أن يكون التقدير نعم الرجل من الرجال قال وقد تفيد النكرة في الاثبات التعميم كما في قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت قال ويحتمل أن يكون من التجريد كأنه جرد من رجل موصوف بكذا وكذا رجلا فقال نعم الرجل المجرد من كذا رجل صفته كذا قوله لم يطأ لنا فراشا أي لم يضاجعنا حتى يطأ فراشنا قوله ولم يفتش لنا كنفا كذا للأكثر بفاء ومثناة ثقيلة وشين معجمة وفي رواية أحمد والنسائي والكشميهني ولم يغش بغين معجمة ساكنة بعدها شين معجمة وكنفا بفتح الكاف النون بعدها فاء هو الستر والجانب وارادت بذلك الكناية عن عدم جماعه لها لأن عادة الرجل أن يدخل يده مع زوجته في دواخل أمرها وقال الكرماني يحتمل أن يكون المراد بالكنف الكنيف وارادت أنه لم يطعم عندها حتى يحتاج إلى أن يفتش عن موضع قضاء الحاجة كذا قال والأول أولي وزاد في رواية هشيم فأقبل على يلومني فقال انكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني قوله فلما طال ذلك أي على عمرو ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وكأنه تأني في شكواه رجاء أن يتدارك فلما تمادى على حاله خشي أن يلحقه إثم بتضييع حق الزوجة فشكاه قوله فقال ألقني أي قال لعبد الله بن عمرو وفي رواية هشيم فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويجمع بينهما بأنه أرسل إليه أولا ثم لقيه اتفاقا فقال له اجتمع بي قوله فقال كيف تصوم قلت أصوم كل يوم تقدم ما يتعلق بالصوم في كتاب الصوم مشروحا وقوله في هذه الرواية صم ثلاثة أيام في الجمعة قلت اطيق أكثر من ذلك قال صم يوما وأفطر يومين قلت اطيق أكثر من ذلك قال الداودي هذا وهم من الراوي لأن ثلاثة أيام من الجمعة أكثر من فطر يومين وصيام يوم وهو إنما يدرجه من الصيام القليل إلى الصيام الكثير قلت وهو اعتراض متجه فلعله وقع من الراوي فيه تقديم وتأخير وقد سلمت رواية هشيم من ذلك فإن لفظه صم في كل شهر ثلاثة أيام قلت إني أقوى أكثر من ذلك فلم يزل يرفعني حتى قال صم يوما وأفطر يوما قوله وأقرأ في كل سبع ليال مرة أي اختم في كل سبع فليتني قبلت كذا وقع في هذه الرواية اختصارا وفي غيرها مراجعات كثيرة في ذلك كما سأبينه قوله فكان يقرأ هو كلام مجاهد يصف صنيع عبد الله بن عمرو لما كبر وقد وقع مصرحا به في رواية هشيم قوله على بعض أهله أي على من تيسر منهم وإنما كان يصنع ذلك بالنهار ليتذكر ما يقرأ به في قيام الليل خشية أن يكون خفي عليه شيء منه بالنسيان قوله وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما الخ يؤخذ منه أن الأفضل لمن أراد أن يصوم صوم داود أن يصوم يوما ويفطر يوما دائما ويؤخذ من صنيع عبد الله بن عمرو أن من أفطر من ذلك وصام قدر ما أفطر أنه يجزئ عنه صيام يوم وافطار يوم قوله وقال بعضهم في ثلاث أو في سبع كذا لأبي ذر ولغيره في ثلاث وفي خمس وسقط ذلك للنسفي وكأن المصنف أشار بذلك إلى رواية شعبة عن مغيرة بهذا الإسناد فقال اقرأ القرآن في كل شهر قال إني اطيق أكثر من ذلك فما زال حتى قال في ثلاث فإن الخمس تؤخذ منه بطريق التضمن وقد تقدم للمصنف في كتاب الصيام ثم وجدت في مسند الدارمي من طريق أبي فروة عن عبد الله بن عمرو قال قلت يا رسول الله في كم اختم القرآن قال اختمه في شهر قلت إني اطيق قال اختمه في خمسة وعشرين قلت إني اطيق قال اختمه في عشرين قلت إني اطيق قال اختمه في خمس عشرة قلت إني اطيق قال اختمه في خمس قلت إني اطيق قال لا وأبو فروة هذا هو الجهني واسمه عروة بن الحارث وهو كوفي ثقة ووقع في رواية هشيم المذكورة قال فاقرأه في كل شهر قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال فاقرأه في كل عشرة أيام قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال أحدهما أما حصين وأما مغيرة قال فاقرأه في كل ثلاث وعند أبي داود والترمذي مصححا من طريق يزيد بن عبد الله بن عن عبد الله بن عمرو مرفوعا لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث وشاهده عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن بن مسعود أقرءوا القرآن في سبع ولا تقرءوه في أقل من ثلاث ولأبي عبيد من طريق الطيب بن سلمان عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث وهذا اختيار أحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم وثبت عن كثير من السلف إنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك قال النووي والاختيار أن ذلك يختلف بالاشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة والله أعلم قوله وأكثرهم أي أكثر الرواة عن عبد الله بن عمرو قوله على سبع كأنه يشير إلى رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو الموصولة عقب هذا فإن في آخره ولا يزد على ذلك أي لا يغير الحال المذكورة إلى حالة أخرى فأطلق الزيادة والمراد النقص والزيادة هنا بطريق التدلى أي لا يقرؤه في أقل من سبع ولأبي داود والترمذي والنسائي من طريق وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن قال في أربعين يوما ثم قال في شهر ثم قال في عشرين ثم قال في خمس عشرة ثم قال في عشر ثم قال في سبع ثم لم ينزل عن سبع وهذا أن كان محفوظا احتمل في الجمع بينه وبين رواية أبي فروة تعدد القصة فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو ذلك تأكيدا ويؤيده الاختلاف الواقع في السياق وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب وعرف ذلك من قرائن الحال التي ارشد إليها السياق وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل وأغرب بعض الظاهرية فقال يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث وقال النووي أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك وإنما هو بحسب النشاط والقوة فعلي هذا يختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والله أعلم

[ 4766 ] قوله عن يحيى هو بن أبي كثير ومحمد بن عبد الرحمن وقع في الإسناد الثاني أنه مولى زهرة وهو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان فقد ذكر بن حبان في الثقات أنه مولى الأخنس بن شريق الثقفي وكان الأخنس ينسب زهريا لأنه كان من حلفائهم وجزم جماعة بأن بن ثوبان عامري فلعله كان ينسب عامريا بالأصالة زهريا بالحلف ونحو ذلك والله اعلم تنبيه هذا التعليق وهو قوله وقال بعضهم الخ ذهلت عن تخريجه في تعليق التعليق وقد يسر الله تعالى بتحريره هنا ولله الحمد قوله في كم تقرأ القرآن كذا اقتصر البخاري في الإسناد العالي على بعض المتن ثم حوله إلى الإسناد الآخر وإسحاق شيخه فيه هو بن منصور وعبيد الله هو بن موسى وهو من شيوخ البخاري الا أنه ربما حدث عنه بواسطة كما هنا

[ 4767 ] قوله عن أبي سلمة قال واحسبني قال سمعت أنا من أبي سلمة قائل ذلك هو يحيى بن أبي كثير قال الإسماعيلي خالف أبان بن يزيد العطار شيبان بن عبد الرحمن في هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كثير ثم ساقه من وجهين عن أبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة وزاد في سياقه بعد قوله اقرأه في شهر قال إني أجد قوة قال في عشرين قال إني أجد قوة قال في عشر قال إني أجد قوة قال في سبع ولا تزد على ذلك قال الإسماعيلي ورواه عكرمة بن عمار عن يحيى قال حدثنا أبو سلمة بغير واسطة وساقه من طريقة قلت كأن يحيى بن أبي كثير كان يتوقف في تحديث أبي سلمة له ثم تذكر أنه حدثه به أو بالعكس كان يصرح بتحديثة ثم توقف وتحقق أنه سمعه بواسطة محمد بن عبد الرحمن ولا يقدح في ذلك مخالفة أبان لأن شيبان أحفظ من أبان أو كان عند يحيى عنهما ويؤيدة اختلاف سياقهما وقد تقدم في الصيام من طريق الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة مصرحا بالسماع بغير توقف لكن لبعض الحديث في قصة الصيام حسب قال الإسماعيلي قصة الصيام لم تختلف على يحيى في روايته إياها عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بغير واسطة تنبيه المراد بالقرآن في حديث الباب جميعه ولا يرد على هذا أن القصة وقعت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وذلك قبل أن ينزل بعض القرآن الذي تأخر نزوله لأنا نقول سلمنا ذلك لكن العبرة بما دل عليه الإطلاق وهو الذي فهم الصحابي فكان يقول ليتني لو قبلت الرخصة ولا شك أنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أضاف الذي نزل آخرا إلى ما نزل أولا فالمراد بالقرآن جميع ما كان نزل إذ ذاك وهو معظمه ووقعت الإشارة إلى أن ما نزل بعد ذلك يوزع بقسطه والله أعلم

قوله باب البكاء عند قراءة القرآن قال النووي البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين قال الله تعالى ويخرون للاذقان يبكون خروا سجدا وبكيا والأحاديث فيه كثيرة قال الغزالي يستحب البكاء مع القراءة وعندها وطريق تحصيله أن يحصر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم ينظر تقصيره في ذلك فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وأنه من أعظم المصائب ثم ذكر المصنف في الباب حديث بن مسعود المذكور في تفسير سورة النساء وساق المتن هناك على لفظ شيخه صدقة بن الفضل المروزي وساقه هنا على لفظ شيخه مسدد كلاهما عن يحيى القطان وعرف من هنا المراد بقوله بعض الحديث عن عمرو بن مرة وحاصله أن الأعمش سمع الحديث المذكور من إبراهيم النخعي وسمع بعضه من عمرو بن مرة عن إبراهيم وقد أوضحت ذلك في تفسير سورة النساء أيضا ويظهر لي أن القدر الذي عند الأعمش عن عمرو بن مرة من هذا الحديث من قوله فقرأت النساء إلى آخر الحديث وأما ما قبله إلى

[ 4768 ] قوله أن أسمعه من غيري فهو عند الأعمش عن إبراهيم كما هو في الطريق الثانية في هذا الباب وكذا أخرجه المصنف من وجه آخر عن الأعمش قبل ببابين وتقدم قبل بباب واحد عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري مقتصرا على طريق الأعمش عن إبراهيم من غير تبيين التفصيل الذي في رواية يحيى القطان عن الثوري وهو يقتضي أن في رواية الفريابي إدراجا وقوله في هذه الرواية عن أبيه هو معطوف على قوله عن سليمان وهو الأعمش وحاصله أن سفيان الثوري روى هذا الحديث عن الأعمش ورواه أيضا عن أبيه وهو سعيد بن مسروق الثوري عن أبي الضحى ورواية إبراهيم عن عبيدة بن عمرة عن بن مسعود موصولة ورواية أبي الضحى عن عبد الله بن مسعود منقطعة ووقع في رواية أبي الأحوص عن سعيد بن مسروق عن أبي الضحى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود فذكره وهذا أشد انقطاعا أخرجه سعيد بن منصور وقوله أقرأ علي وقع في رواية علي بن مسهر عن الأعمش بلفظ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر اقرأ علي ووقع في رواية محمد بن فضالة الظفري أن ذلك كان وهو صلى الله عليه وسلم في بني ظفر أخرجه بن أبي حاتم والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه بن مسعود وناس من أصحابه فأمر قارئا فقرأ فآتي على هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فبكى حتى ضرب لحياه ووجنتاه فقال يا رب هذا على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره وأخرج بن المبارك في الزهد من طريق سعيد بن المسيب قال ليس من يوم الا يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم ففي هذا المرسل ما يرفع الاشكال الذي تضمنه حديث بن فضالة والله أعلم قال بن بطال إنما بكى صلى الله عليه وسلم عند تلاوته هذه الآية لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف وهو أمر يحق له طول البكاء انتهى والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضى إلى تعذيبهم والله أعلم

قوله باب إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به كذا للأكثر وفي رواية رايا بتحتانية بدل الهمزة وتأكل أي طلب الأكل وقوله أو فجر به للأكثر بالجيم وحكى بن التين أن في رواية بالخاء المعجمة ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث على في ذكر الخوارج وقد تقدم في علامات النبوة وأغرب الداودي فزعم أنه وقع هنا عن سويد بن غفلة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال واختلف في صحبه سويد والصحيح ما هنا أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال معتمدا على الغلط الذي نشأ له عن السقط والذي في جميع نسخ صحيح البخاري عن سويد بن غفلة عن علي رضي الله عنه قال سمعت وكذا في جميع المسانيد وهو حديث مشهور لسويد بن غفلة عن علي ولم يسمع سويد من النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح وقد قيل أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح والذي يصح أنه قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح سماعه من الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة وصح أنه أدى صدقة ماله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو نعيم مات سنة ثمانين وقال أبو عبيد سنة إحدى وقال عمرو بن علي سنة اثنتين وبلغ مائة وثلاثين سنة وهو جعفي يكنى أبا أمية نزل الكوفة ومات بها وسيأتي البحث في قتال الخوارج في كتاب المحاربين وقوله الأحلام أي العقول وقوله

[ 4770 ] يقولون من خير قول البرية هو من المقلوب والمراد من قول خير البرية أي من قول الله وهو المناسب للترجمة وقوله

[ 4771 ] لا يجاوز حناجرهم قال الداودي يريد إنهم تعلقوا بشيء منه قلت أن كان مراده بالتعلق الحفظ فقط دون العلم بمدلوله فعسى أن يتم له مراده وإلا فالذي فهمه الأئمة من السياق أن المراد أن الإيمان لم يرسخ في قلوبهم لأن ما وقف عند الحلقوم فلم يتجاوزه لا يصل إلى القلب وقد وقع في حديث حذيفة نحو حديث أبي سعيد من الزيارة لا يجاوز تراقيهم ولا تعيه قلوبهم الحديث الثاني حديث أبي سلمة عن أبي سعيد في ذكر الخوارج أيضا وسيأتي شرحه أيضا في استتابة المرتدين وتقدم من وجه آخر في علامات النبوة ومناسبة هذين الحديثين للترجمة أن القراءة إذا كانت لغير الله فهي للرياء أو للتأكل به ونحو ذلك فالاحاديث الثلاثة دالة لاركان الترجمة لأن منهم من رايا به واليه الإشارة في حديث أبي موسى ومنهم من تأكل به وهو مخرج من حديثه أيضا ومنهم من فجر به وهو مخرج من حديث على وأبي سعيد وقد أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من وجه آخر عن أبي سعيد وصححه الحاكم رفعه تعلموا القرآن واسألوا الله به قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا فإن القرآن يتعلمه ثلاثة نفر رجل يباهي به ورجل يستأكل به ورجل يقرأه لله وعند بن أبي شيبة من حديث بن عباس موقوفا لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم وأخرج أحمد وأبو يعلى من حديث عبد الرحمن بن شبل رفعه أقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تحفوا عنه ولا تأكلوا به الحديث وسنده قوي وأخرج أبو عبيد عن عبد الله بن مسعود سيجيء زمان يسأل فيه بالقرآن فإذا سألوكم فلا تعطوهم الحديث الثالث حديث أبي موسى الذي تقدم مشروحا في باب فضل القرآن على سائر الكلام وهو ظاهر فيما ترجم له ووقع هنا عند الإسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة بسنده قال شعبة وحدثني شبل يعني بن عزرة أنه سمع أنس بن مالك بهذا قلت وهو حديث آخر أخرجه أبو داود في مثل الجليس الصالح والجليس السوء

قوله باب أقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم أي اجتمعت

[ 4773 ] قوله فإذا اختلفتم أي في فهم معانيه فقوموا عنه أي تفرقوا لئلا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر قال عياض يحتمل أن يكون النهي خاصا بزمنه صلى الله عليه وسلم لئلا يكون ذلك سببا لنزول ما يسوؤهم كما في قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم ويحتمل أن يكون المعنى أقرءوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه فإذا وقع الاختلاف أو عرض عارض شبهة تقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للالفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة وهو كقوله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذروهم ويحتمل أنه ينهى عن القراءة إذا وقع الاختلاف في كيفية الأداء بأن يتفرقوا عند الاختلاف ويستمر كل منهم على قراءته ومثله ما تقدم عن بن مسعود لما ورقع بينه وبين الصحابيين الآخرين الاختلاف في الأداء فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلكم محسن وبهذه النكتة تظهر الحكمة في ذكر حديث بن مسعود عقيب حديث جندب

[ 4774 ] قوله تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد عن أبي عمران أي في رفع الحديث فأما متابعة الحارث وهو بن قدامة الأيادي فوصلها الدارمي عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عنه ولفظه مثل رواية حماد بن زيد وأما متابعة سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن زيد فوصلها الحسن بن سفيان في مسنده من طريق أبي هشام المخزومي عنه قال سمعت أبا عمران قال حدثنا جندب فذكر الحديث مرفوعا وفي آخره فإذا اختلفتم فيه فقوموا قوله ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان يعني بن يزيد العطار أما رواية حماد بن سلمة فلم تقع لي موصولة وأما رواية أبان فوقعت في صحيح مسلم من طريق حبان بن هلال عنه ولفظه قال لنا جندب ونحن غلمان فذكره لكن مرفوعا أيضا فلعله وقع للمصنف من وجه آخر عنه موقوفا قوله وقال غندر عن شعبة عن أبي عمران سمعت جندبا قوله وصله الإسماعيلي من طريق بندار عن غندر قوله وقال بن عون عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن عمر قوله بن عون هو عبد الله البصري الإمام المشهور وهو من أقران أبي عمران وروايته هذه وصلها أبو عبيد عن معاذ بن معاذ عنه وأخرجها النسائي من وجه آخر عنه قوله وجندب أصح وأكثر أي أصح إسنادا وأكثر طرقا وهو كما قال فإن الجم الغفير رووه عن أبي عمران عن جندب الا إنهم اختلفوا عليه في رفعه ووقفه والذين رفعوه ثقات حفاظ فالحكم لهم وأما رواية بن عون فشاذة لم يتابع عليها قال أبو بكر بن أبي داود لم يخطىء بن عون قط الا في هذا والصواب عن جندب انتهى ويحتمل أن يكون بن عون حفظه ويكون لأبي عمران فيه شيخ آخر وإنما توارد الرواة على طريق جندب لعلوها والتصريح يرفعها وقد أخرج مسلم من وجه آخر عن أبي عمران هذا حديثا آخر في المعنى أخرجه من طريق حماد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن رباح عن عبد الله بن عمر قال هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلين اختلفا في آية فخرج يعرف الغضب في وجهه فقال إنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف في الكتاب وهذا مما يقوي أن يكون لطريق بن عون أصل والله أعلم

[ 4775 ] قوله النزال بفتح النون وتشديد الزاي وآخره لام بن سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي تابعي كبير وقد قيل أنه له صحبة وذهل المزي فجزم في الأطراف بان له صحبة وجزم في التهذيب بأن له رواية عن أبي بكر الصديق مرسلة قوله أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها هذا الرجل يحتمل أن يكون هو أبي بن كعب فقد أخرج الطبري من حديث أبي بن كعب أنه سمع بن مسعود يقرأ آية قرأ خلافها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلاكما محسن الحديث وقد تقدم في باب انزل القرآن على سبعة أحرف بيان عدة ألفاظ لهذا الحديث قوله فاقرآ بصيغة الأمر للاثنين قوله أكبر على هذا الشك من شعبة وقد أخرجه أبو عبيد عن حجاج بن محمد عن شعبة قال أكبر علي إني سمعته وحدثني عنه مسعود فذكره قوله فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم في رواية المستملي فاهلكوا بضم أوله وعند بن حبان والحاكم من طريق زر بن حبيش عن بن مسعود في هذه القصة إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف وقد تقدم القول في معنى الاختلاف في حديث جندب الذي قبله وفي رواية زر المذكورة من الفائدة أن السورة التي اختلف فيها أبي وابن مسعود كانت من آل حم وفي المبهمات للخطيب أنها الأحقاف ووقع عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند في هذا الحديث أن اختلافهم كان في عددها هل هي خمس وثلاثون آية أو ست وثلاثون الحديث وفي هذا الحديث والذي قبله الحض على الجماعة والالفة والتحذير من الفرقة والاختلاف والنهي عن المراء في القرآن بغير حق ومن شر ذلك أن تظهر دلالة الآية على شيء يخالف الرأي فيتوسل بالنظر وتدقيقه إلى تأويلها وحملها على ذلك الرأي ويقع اللجاج في ذلك والمناضلة عليه خاتمة اشتمل كتاب فضائل القرآن من الأحاديث المرفوعة على تسعة وتسعين حديثا المعلق منها وما التحق به من المتابعات تسعة عشر حديثا والباقي موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا والباقي خالص وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس فيمن جمع القرآن وحديث قتادة بن النعمان في فضل قل هو الله أحد وحديث أبي سعيد في ذلك وحديثه أيضا أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن وحديث عائشة في قراءة المعوذات عند النوم وحديث بن عباس في قراءته المفصل وحديثه لم يترك الا ما بين الدفتين وحديث أبي هريرة لا حسد الا في اثنتين وحديث عثمان أن خيركم من تعلم القرآن وحديث أنس كانت قراءته مدا وحديث عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلا يقرأ آية وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار والله أعلم