كتاب النكاح
 بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النكاح كذا للنسفي وعن رواية الفربري تأخير البسملة و النكاح في اللغة الضم والتداخل وتجوز من قال أنه الضم وقال الفراء النكح بضم ثم سكون اسم الفرج ويجوز كسر أوله وكثر استعماله في الوطء وسمي به العقد لكونه سببه قال أبو القاسم الزجاجي هو حقيقة فيهما وقال الفارس إذا قالوا نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد العقد وإذا قالوا نكح زوجته فالمراد الوطء وقال آخرون أصله لزوم شيء لشيء مستعليا عليه ويكون في المحسوسات وفي المعاني قالوا نكح المطر الأرض ونكح النعاس عينه ونكحت القمح في الأرض إذا حرثتها وبذرته فيها ونكحت الحصاة أخفاف الإبل وفي الشرع حقيقة في العقد مجاز في الوطء على الصحيح والحجة في ذلك كثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد حتى قيل أنه لم يرد في القرآن الا للعقد ولا يرد مثل قوله حتى تنكح زوجا غيره لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسنة وإلا فالعقد لا بد منه لأن قوله حتى تنكح معناه حتى تتزوج أي بعقد عليها ومفهومه أن ذلك كاف بمجرده لكن بينت السنة أن لا عبرة بمفهوم الغاية بل لا بد بعد العقد من ذوق العسيلة كما أنه لا بد بعد ذلك من التطليق ثم العدة نعم أفاد أبو الحسين بن فارس أن النكاح لم يرد في القرآن الا للتزويج إلا في قوله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن المراد به الحلم والله أعلم وفي وجه للشافعية كقول الحنفية أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد وقيل مقول بالاشتراك على كل منهما وبه جزم الزجاجي وهذا الذي يترجح في نظري وأن كان أكثر ما يستعمل في العقد ورجح بعضهم الأول بأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباح ذكره فيبعد أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعه لما لا يستفظعه فدل على أنه في الأصل للعقد وهذا يتوقف على تسليم المدعي أنها كلها كنايات وقد جمع اسم النكاح بن القطاع فزادت على الألف

قوله باب الترغيب في النكاح لقوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء زاد الأصيلي وأبو الوقت الآية ووجه الاستدلال أنها صيغة أمر تقتضي الطلب وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب وقال القرطبي لا دلالة فيه لأن الآية سيقت لبيان ما يجوز الجمع بينه من أعداد النساء ويحتمل أن يكون البخاري انتزع ذلك من الأمر بنكاح الطيب مع ورود النهى عن ترك الطيب ونسبه فاعله إلى الاعتداء في قوله تعالى لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا وقد اختلف في النكاح فقال الشافعية ليس عبادة ولهذا لو نذره لم ينعقد وقال الحنفية هو عبادة والتحقيق أن الصورة التي يستحب فيها النكاح كما سيأتي بيانه تستلزم أن يكون حينئذ عبادة فمن نفي نظر إليه في حد ذاته ومن أثبت نظر إلى الصورة المخصوصة ثم ذكرالمصنف في الباب حديثين الأول حديث أنس وهو من المتفق عليه لكن من طريقين إلى أنس

[ 4776 ] قوله جاء ثلاثة رهط كذا في رواية حميد وفي رواية ثابت عند مسلم أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا منافاة بينهما فالرهط من ثلاثة إلى عشرة والنفر من ثلاثة إلى تسعة وكل منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عند عبد الرزاق أن الثلاثة المذكورين هم علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعثمان بن مظعون وعند بن مردويه من طريق الحسن العدني كان على في أناس ممن أرادوا أن يحرموا الشهوات فنزلت الآية في المائدة ووقع في أسباب الواحدي بغير إسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الناس وخوفهم فاجتمع عشرة من الصحابة وهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو ذر وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن في بيت عثمان بن مظعون فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء ويجبوا مذاكيرهم فإن كان هذا محفوظا احتمل أن يكون الرهط الثلاثة هم الذين باشروا السؤال فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة ونسب تارة للجميع لاشتراكهم في طلبه ويؤيد إنهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة ما روى مسلم من طريق سعيد بن هشام أنه قدم المدينة فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل الله ويجاهد الروم حتى يموت فلقى ناسا بالمدينة فنهوه عن ذلك وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم فلما حدثوه ذلك راجع امرأته وكان قد طلقها يعني بسبب ذلك لكن في عد عبد الله بن عمرو معهم نظر لأن عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب قوله يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم عن علقمة في السر قوله كأنهم تقالوها بتشديد اللام المضمومة أي استقلوها وأصل تقالوها تقاللوها أي رأى كل منهم أنها قليلة قوله فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له في رواية الحموي والكشميهني وقد غفر له بضم أوله والمعنى أن من لم يعلم بحصول ذلك له يحتاج إلى المبالغة في العبادة عسى أن يحصل بخلاف من حصل له لكن قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك ليس بلازم فأشار إلى هذا بأنه أشدهم خشية وذلك بالنسبة لمقام العبودية في جانب الربوبية وأشار في حديث عائشة والمغيرة كما تقدم في صلاة الليل إلى معنى آخر بقوله أفلا أكون عبدا شكورا قوله فقال أحدهم أما أنا فأنا أصلي الليل ابدا هو قيد لليل لا لأصلي وقوله فلا أتزوج أبدا أكد المصلي ومعتزل النساء بالتأبيد ولم يؤكد الصيام لأنه لا بد له من فطر الليالي وكذا أيام العيد ووقع في رواية مسلم فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على الفراش وظاهره مما يؤكد زيادة عدد القائلين لأن ترك أكل اللحم أخص من مداومة الصيام واستغراق الليل بالصلاة أخص من ترك النوم على الفراش ويمكن التوفيق بضروب من التجوز قوله فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنتم الذين قلتم في رواية مسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال أقوام قالوا كذا ويجمع بأنه منع من ذلك عموما جهرا مع عدم تعيينهم وخصوصا فيما بينه وبينهم رفقا بهم وسترا لهم قوله أما والله بتخفيف الميم حرف تنبيه بخلاف قوله في أول الخبر أما أنا فإنها بتشديد الميم للتقسيم قوله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره فأعلمهم أنه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله واتقى من الذين يشددون وإنما كان كذلك لأن المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه وقد أرشد إلى ذلك في قوله في الحديث الآخر المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى وتقدم في كتاب العلم شيء منه قوله لكني استدراك من شيء محذوف دل عليه السياق أي أنا وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواء لكن أنا اعمل كذا قوله فمن رغب عن سنتي فليس مني المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض والرغبة عن الشيء الأعراض عنه إلى غيره والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التمزموه وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة واعفاف النفس وتكثير النسل وقوله فليس من أن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه فمعنى فليس مني أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج عن الملة وأن كان اعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد ارجحية عمله فمعنى فليس مني ليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه وفيه تتبع أحوال الأكابر للتاسي بافعالهم وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى اظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعا وفيه تقديم الحمد والثناء على الله عند الفاء مسائل العلم وبيان الأحكام للمكلفين وإزالة الشبهة عن المجتهدين وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب وقال الطبري فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس وآثر غليظ الثياب وخشن المأكل قال عياض هذا مم اختلف فيه السلف فمنهم من نجا إلى ما قال الطبري ومنهم من عكس واحتج بقوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا قال والحق أن هذه الآية في الكفار وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأمرين قلت لا يدل ذلك لأحد الفريقين أن كان المراد المداومة على إحدى الصفتين والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفه والبطر ولا يأمن من الوقوع في الشبهات لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا فلا يستطيع الانتقال عنه فيقع في المحظور كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضي الىالتنطع المنهي عنه ويرد عليه صريح قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لاصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة وخير الأمور الوسط وفي قوله إني لاخشاكم لله مع ما انضم إليه إشارة إلى ذلك وفيه أيضا إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية والله أعلم الحديث الثاني

[ 4777 ] قوله حدثنا على سمع حسان بن إبراهيم لم أر عليا هذا منسوبا في شيء من الروايات ولا نبه عليه أبو علي الغساني ولا نسبة أبو نعيم كعادته لكن جزم المزي تبعا لأبي مسعود بأنه علي بن المديني وكأن الحامل على ذلك شهرة علي بن المديني في شيوخ البخاري فإذا أطلق اسمه كان الحمل عليه أولي من غيره وإلا فقد روى عن حسان ممن يسمى عليا على بن حجر وهو من شيوخ البخاري أيضا وكان حسان المذكور قاضي كرمان ووثقه بن معين وغيره ولكن له افراد قال بن عدي هو من أهل الصدق الا أنه ربما غلط قلت ولم أر له في البخاري شيئا انفرد به وقد أدركه بالسن الا أنه لم يلقه لأنه مات سنة ست ومائتين قبل أن يرتحل البخاري وقد تقدم شرح الحديث المذكور فيه مستوفى في تفسير سورة النساء

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وقع في رواية السرخسي لأنه والأول أولي لأنه بقية لفظ الحديث وأن كان تصرف فيه فاختصر منه لفظ منكم وكأنه أشار إلى أن الشفاهي لا يخص وهو كذلك اتفاقا وإنما الخلاف هل يعم نصا أو استنباطا ثم رأيته في الصيام اخرجة من وجه آخر عن الأعمش بلفظ من استطاع الباءة كما ترجم به ليس فية منكم قوله وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح كأنه يشير إلى ما وقع بين بن مسعود وعثمان فعرض عليه عثمان فأجابه بالحديث فاحتمل أن يكون لا أرب فيه له فلم يوافقه واحتمل أن يكون وافقه وأن لم ينقل ذلك ولعله رمز إلى ما بين العلماء فيمن لا يتوق إلى النكاح هل يندب إليه أم لا وسأذكر ذلك بعد

[ 4778 ] قوله حدثني إبراهيم هو النخعي وهذا الإسناد مما ذكر أنه أصح الأسانيد وهي ترجمة الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن بن مسعود وللاعمش في هذا الحديث إسناد آخر ذكره المصنف في الباب الذي يليه بإسناده بعينه إلى الأعمش قوله كنت مع عبد الله يعني بن مسعود قوله فلقيه عثمان بمنى كذا وقع في أكثر الروايات وفي رواية زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش عند بن حبان بالمدينة وهي شاذة قوله فقال يا أبا عبد الرحمن هي كنية بن مسعود وظن بن المنير أن المخاطب بذلك بن عمر لأنها كنيته المشهورة وأكد ذلك عنده أنه وقع في نسخته من شرح بن بطال عقب الترجمة فيه بن عمر لقيه عثمان بمنى وقص الحديث فكتب بن المنير في حاشيته هذا يدل على أن بن عمر شدد على نفسه في زمن الشباب لأنه كان في زمن عثمان شابا كذا قال ولا مدخل لابن عمر في هذه القصة أصلا بل القصة والحديث لابن مسعود مع أن دعوى أن بن عمر كان شابا إذ ذاك فيه نظر لما سأبينه قريبا فإنه كان إذ ذاك جاوز الثلاثين قوله فخليا كذا للأكثر وفي رواية الأصيلي فخلوا قال بن التين وهي الصواب لأنه واوى يعني من الخلوى مثل دعوا قال الله تعالى فلما اثقلت دعوا الله انتهى ووقع في رواية جرير عن الأعمش عند مسلم إذ لقيه عثمان فقال هلم يا أبا عبد الرحمن فاستخلاه قوله فقال عثمان هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد لعل عثمان رأى به قشفا ورثاثة هيئة فحمل ذلك على فقده الزوجة التي ترفهه ووقع في رواية بن معاوية عند أحمد ومسلم ولعلها أن تذكرك ما مضى من زمانك وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم لعلك يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد وفي رواية زيد بن أبي أنيسة عند بن حبان لعلها أن تذكرك ما فاتك ويؤخذ منه أن معاشرة الزوجة الشابة تزيد في القوة والنشاط بخلاف عكسها فبالعكس قوله فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي فقال يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول أما لئن قلت ذلك لغد هكذا عند الأكثر أن مراجعة عثمان لابن مسعود في أمر التزويج كانت قبل استدعائه لعلقمة ووقع في رواية جرير عند مسلم وزيد بن أبي أنيسة عند بن حبان بالعكس ولفظ جرير بعد قوله فاتسخلاه فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة قال لي تعال يا علقمة قال فجئت فقال له عثمان الا نزوجك وفي رواية زيد فلقي عثمان فأخذ بيده فقاما وتنحيت عنهما فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة يسرها قال ادن يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول الا نزوجك ويحتمل في الجمع بين الروايتين أن يكون عثمان أعاد على بن مسعود ما كان قال له بعد أن استدعى علقمة لكونه فهم منه إرادة إعلام علقمة بما كانا فيه قوله لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب في رواية زيد لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شبابا فقال لنا وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد في الباب الذي يليه دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله فقال عبد الله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا فقال لنا يا معشر الشباب وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم في هذه الطريق قال عبد الرحمن وأنا يومئذ شاب فحدث بحديث رأيت أنه حدث به من أجلي وفي رواية وكيع عن الأعمش وأنا أحدث القوم قوله يا معشر الشباب المعشر جماعة يشملهم وصف ما والشباب جمع شاب ويجمع أيضا على شببه وشبان بضم أوله والتثقيل وذكر الأزهري أنه لم يجمع فاعل على فعال غيره وأصله الحركة والنشاط وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين هكذا أطلق الشافعية وقال القرطبي في المفهم يقال له حدث إلى ستة عشرة نسة ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين ثم كهل وكذا ذكر الزمخشري في الشباب أنه من لدن البلوغ إلى اثنتين وثلاثين وقال بن شاس الملاكي في الجواهر إلى أربعين وقال النووي الأصح المختار أن الشاب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم هو شيخ وقال الروياني وطائفة من جاوز الثلاثين سمي شيخا زاد بن قتيبة إلى أن يبلغ الخمسين وقال أبو إسحاق الاسفرايني عن الأصحاب المرجع في ذلك إلى اللغة وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الامزجة قوله من استطاع منكم الباءة خص الشباب بالخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ وأن كان المعنى معتبرا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضا قوله الباءة بالهمز وتاء تأنيث ممدود وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد وقد يهمز ويمد بلا هاء ويقال لها أيضا الباهة كالأول لكن بهاء بدل الهمزة وقيل بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطء قال الخطابي المراد بالباءة النكاح وأصله الموضع الذي يتبوؤه ويأوى إليه وقال المازري اشتق العقد على المرأة من أصل الباءة لأن من شأن من يتزوج المرأة أن يبوءها منزلا وقال النووي اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطع الوجاء وعلى هذاالقول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبا والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوه قوله ومن لم يستطع فعليه بالصوم قالوا والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن وانفصل القائلون بالأول عن ذلك بالتقدير المذكور انتهى والتعليل المذكور للبازري وأجاب عنه عياض بأنه لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان فيكون المراد بقوله من استطاع الباءة أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله ومن لم يستطع أي من لم يقدر على التزويج قلت وتهيأ له هذا لحذف المفعول في المنفي فيحتمل أن يكون المراد ومن لم يستطع الباءة أو من لم يستطع التزويج وقد وقع كل منهما صريحا فعند الترمذي في رواية عبد الرحمن بن يزيد من طريق الثوري عن الأعمش ومن لم يستطع منكم الباءة وعند الإسماعيلي من هذا الوجه من طريق أبي عوانة عن الأعمش ومن استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج ويؤيده ما وقع في رواية للنسائي من طريق أبي معشر عن إبراهيم النخعي من كان ذا طول فلينكح ومثله لابن ماجة من حديث عائشة وللبزار من حديث أنس وأما تعليل المازري فيعكر عليه قوله في الرواية الأخرى التي في الباب الذي يليه بلفظ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا فإنه يدل على أن المراد بالباءة الجماع ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج والجواب عما استشكله المازري أنه يجوز أن يرشد من لا يستطيع الجماع من الشباب لفرط حياء أو عدم شهوة أو عنه مثلا إلى ما يهيء له استمرار تلك الحالة لأن الشباب مظنة ثوران الشهوة الداعية إلى الجماع فلا يلزم من كسرها في حالة أن يستمر كسرها فلهذا أرشد إلى ما يستمر به الكسر المذكور فيكون قسم الشباب إلى قسمين قسم يتوقون إليه ولهم اقتدار عليه فندبهم إلى التزويج دفعا للمحذور بخلاف الآخرين فندبهم إلى أمر تستمر به حالتهم لأن ذلك أرفق بهم للعلة التي ذكرت في رواية عبد الرحمن بن يزيد وهي إنهم كانوا لا يجدون شيئا ويستفاد منه أن الذي لا يجد اهبة النكاح وهو تائق إليه يندب له التزويج دفعا للمحذور قوله فليتزوج زاد في كتاب الصيام من طريق أبي حمزة عن الأعمش هنا فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وكذا ثبتت هذه الزيادة عند جميع من أخرج الحديث المذكور من طريق الأعمش بهذا الإسناد وكذا ثبت بإسناده الآخر في الباب الذي يليه ويغلب على ظني أن حذفها من قبل حفص بن غياث شيخ شيخ البخاري وإنما آثر البخاري روايته على رواية غيره لوقوع التصريح فيها من الأعمش بالتحديث فاغتفر له اختصار المتن لهذه المصلحة وقوله أغض أي أشد غضا وأحصن أي أشد احصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة وما ألطف ما وقع لمسلم حيث ذكر عقب حديث بن مسعود هذا بيسير حديث جابر رفعه إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه فإن فيه إشارة إلى المراد من حديث الباب وقال بن دقيق العيد يحتمل أن تكون أفعل على بابها فإن التقوى سبب لغض البصر وتحصين الفرج وفي معارضتها الشهوية الداعية وبعد حصول التزويج يضعف هذا العارض فيكون أغض وأحصن مما لم يكن لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي اندر من وقوعه مع وجود الداعي ويحتمل أن يكون أفعل فيه لغير المبالغة بل أخبار عن الواقع فقط قوله ومن لم يستطع فعليه بالصوم في رواية مغيرة عن إبراهيم عند الطبراني ومن لم يقدر على ذلك فعليه بالصوم قال المازري فيه اغراء بالغائب ومن أصول النحويين أن لا يغرى الغائب وقد جاء شاذا قول بعضهم عليه رجلا ليسني على جهة الإغراء وتعقبه عياض بأن هذا الكلام موجود لابن قتيبة والزجاجي ولكن فيه غلط من أوجه أما أولا فمن التعبير بقوله لا اغراء بالغائب والصواب فيه اغراء الغائب فأما الإغراء بالغائب لجائز ونص سيبويه أنه لا يجوز دونه زيدا ولا يجوز عليه زيدا عند إرادة غير المخاطب وإنما جاز للحاضر لما فيه من دلالة الحال بخلاف الغائب فلا يجوز لعدم حضوره ومعرفته بالحالة الدالة على المراد وأما ثانيا فإن المثال ما فيه حقيقة الإغراء وأن كانت صورته فلم يرد القائل تبليغ الغائب وإنما أراد الأخبار عن نفسه بأنه قليل المبالاة بالغائب ومثله قولهم إليك عني أي اجعل شغلك بنفسك ولم يرد أن يغريه به وإنما مراده دعني وكن كمن شغل عني وأما ثالثا فليس في الحديث اغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولا بقوله من استطاع منكم فالهاء في قوله فعليه ليست للغائب وإنما هي للحاضر المبهم إذ لا يصح خطابه بالكاف ونظير هذا قوله كتب عليكم القصاص في القتلى إلى أن قال فمن عفى له من أخيه شيء ومثله لو قلت لاثنين من قام منكما فله درهم فالهاء للمبهم من المخاطبين لا للغائب أه ملخصا ملخصا وقد استحسنه القرطبي وهو حسن بالغ وقد تفطن له الطيبي فقال قال أبو عبيد قوله فعليه بالصوم اغراء غائب ولا تكاد العرب تغرى الا الشاهد تقول عليك زيدا ولا تقول عليه زيدا الا في هذا الحديث قال وجوابه أنه لما كان الضمير الغائب راجعا إلى لفظه من وهي عبارة عن المخاطبين في قوله يا معشر الشباب وبيان لقوله منكم جاز قوله عليه لأنه بمنزلة الخطاب وقد أجاب بعضهم بأن إيراد هذا اللفظ في مثال اغراء الغائب هو باعتبار اللفظ وجواب عياض باعتبار المعنى أكثر كلام العرب اعتبار اللفظ كذا قال والحق مع عياض فإن الألفاظ توابع للمعاني ولا معنى لاعتبار اللفظ مجردا هنا قوله بالصوم عدل عن قوله فعليه بالجوع وقلة ما يثير الشهوة ويستدعي طغيان الماء من الطعام والشراب إلى ذكر الصوم إذ ما جاء لتحصيل عبادة هي برأسها مطلوبة وفيه إشارة إلى أن المطلوب من الصوم في الأصل كسر الشهوة قوله فإنه أي الصوم قوله له وجاء بكسر الواو والمد أصله الغمز ومنه وجأه في عنقه إذا غمزه دافعا له ووجأه بالسيف إذا طعنه به ووجأ انثييه غمزهما حتى رضهما ووقع في رواية بن حبان المذكورة فإنه له وجاء وهو الاخصاء وهي زيادة مدرجة في الخبر لم تقع الا في طريق زيد بن أبي أنيسة هذه وتفسير الوجاء بالاخصاء فيه نظر فإن الوجاء رض الأنثيين والاخصاء سلهما وإطلاق الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة وقال أبو عبيد قال بعضهم وجا بفتح الواو مقصور والأول أكثر وقال أبو زيد لا يقال وجاء الا فيما لم يبرأ وكان قريب العهد بذلك واستدل بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لأنه ارشده إلى ما ينافيه ويضعف دواعيه وأطلق بعضهم أنه يكره في حقه وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام الأول التائق إليه القادر على مؤنه الخائف على نفسه فهذا يندب له النكاح عند الجميع وزاد الحنابلة في رواية أنه يجب بذلك قال أبو عوانة الاسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه ونقله المصيصي في شرح مختصر الجويني وجها وهو قول داود وأتباعه ورد عليهم عياض ومن تبعه بوجهين أحدهما أن الآية التي احتجوا بها خيرت بين النكاح والتسري يعني قوله تعالى فواحدة أو ما ملكت ايمانكم قالوا والتسري ليس واجبا اتفاقا فيكون التزويج غير واجب إذ لا يقع التخيير بين واجب ومندوب وهذا الرد متعقب فإن الذين قالوا بوجوبه قيدوه بما إذا لم يندفع التوقان بالتسري فإذا لم يندفع تعين التزويج وقد صرح بذلك بن حزم فقال وفرض على كل قادر على الوطء أن وجد ما يتزوج به أو يتسرى أن يفعل أحدهما فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم وهو قول جماعة من السلف الوجه الثاني أن الواجب عندهم العقد لا الوطء والعقد بمجرده لا يدفع مشقة التوقان قال فما ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث وما تناوله الحديث لم يذهبوا إليه كذا قال وقد صرح أكثر المخالفين بوجوب الوطء فاندفع الإيراد وقال بن بطال احتج من لم يوجبه بقوله صلى الله عليه وسلم ومن لم يستطع فعليه بالصوم قال فلما كان الصوم الذي هو بدله ليس بواجب فمبدله مثله وتعقب بان الأمر بالصوم مرتب على عدم الاستطاعة ولا استحالة أن يقول القائل أوجبت عليك كذا فإن لم تستطع فاندبك إلى كذا والمشهور عن أحمد أنه لا يجب القادر للتائق الا إذا خشي العنت وعلى هذه الرواية اقتصر بن هبيرة وقال المازري الذي نطق به مذهب مالك أنه مندوب وقد يجب عندنا في حتى من لا ينكف عن الزنا الا به وقال القرطبي المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه عن العزوبة بحيث لا يرتفع عنه ذلك الا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه ونبه بن على سورة يحب فيها وهي ما إذا نذره حيث كان مستحبا وقال بن دقيق العيد قسم بعض الفقهاء النكاح إلى الأحكام الخمسة وجعل الوجوب فيما إذا خاف العنت وقدر على النكاح وتعذر التسري وكذا حكاه القرطبي عن بعض علمائهم وهو المازري قال فالوجوب في حق من لا ينكف عن الزنا الا به كما تقدم قال والتحريم في حق من يخل بالزوجة في الوطء والإنفاق مع عدم قدرته عليه وتوقانه إليه والكراهة في حق مثل هذا حيث لا اضرار بالزوجة فإن انقطع بذلك عن شيء من أفعال الطاعة من عبادة أو اشتغال بالعلم اشتدت الكراهة وقيل الكراهة فيما إذا كان ذلك في حال العزوبة أجمع منه في حال التزويج والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصودا من كثر شهوة واعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك والاباحة فيما انتفت الدواعي والموانع ومنهم ممن استمر بدعوى الاستحباب فيمن هذه صفته للظواهر الواردة في الترغيب فيه قال عياض هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة لقوله صلى الله عليه وسلم فإني مكاثر بكم ولظواهر الحض على النكاح والأمر به وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء فأما من لا نسل ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت وقد يقال أنه مندوب أيضا لعموم قوله لا رهبانية في الإسلام وقال الغزالي في الأحياء من اجتمعت له فوائد النكاح وانتفت عنه آفاته فالمستحب في حقه التزويج ومن لا فالترك له أفضل ومن تعارض الأمر في حقه فليجتهد ويعمل بالراجح قلت الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة فأما حديث فإني مكاثر بكم فصح من حديث أنس بلفظ تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة أخرجه بن حبان وذكره الشافعي بلاغا عن بن عمر بلفظ تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم وللبيهقي من حديث أبي إمامة تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى وورد فإني مكاثر بكم أيضا من حديث الصنابحي وابن الأعسر ومعقل بن يسار وسهل بن حنيف وحرملة بن النعمان وعائشة وعياض بن غنم ومعاوية بن حيدة وغيرهم وأما حديث لا رهبانية في الإسلام فلم أره بهذا اللفظ لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني أن الله ابدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة وعن بن عباس رفعه لا صرورة في الإسلام أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم وفي الباب حديث النهي عن التبتل وسيأتي في باب مفرد وحديث من كان موسرا فلم ينكح فليس منا أخرجه الدارمي والبيهقي من حديث بن أبي نجيح وجزم بأنه مرسل وقد أورده البغوي في معجم الصحابة وحديث طاوس قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد إنما يمنعك من التزويج عجز أو فجور أخرجه بن أبي شيبة وغيره وقد تقدم في الباب الأول الإشارة إلى حديث عائشة النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني وأخرج الحاكم من حديث أنس رفعه من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني وهذه الأحاديث وأن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في التزويج أصلا لكن في حق من يتأتى منه النسل كما تقدم والله أعلم وفي الحديث أيضا إرشاد العاجز عن مؤن النكاح إلى الصوم لأن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل تقوى بقوته وتضعف بضعفه واستدل به الخطابي على جواز المعالجة لقطع شهوة النكاح بالادوية وحكاه البغوي في شرح السنة وينبغي أن يحمل على دواء يسكن الشهوة دون ما يقطعها اصالة لأنه قد يقدر بعد فيندم لفوات ذلك في حقه وقد صرح الشافعية أنه لا يكسرها بالكافور ونحوه والحجة فيه إنهم اتفقوا على منع الجب والخصاء فيلحق بذلك ما في معناه من التداوي بالقطع أصلا واستدل به الخطابي أيضا على أن المقصود من النكاح الوطء ولهذا شرع الخيار في العنة وفيه الحث على غض البصر وتحصين الفرج بكل ممكن وعدم التكليف بغير المستطاع ويؤخذ منه أن حظوظ النفوس والشهوات لا تتقدم على أحكام الشرع بل هي دائرة معها واستنبط القرافي من قوله فإنه له وجاء أن التشريك في العبادة لا يقدح فيها بخلاف الرياء لأنه أمر بالصوم الذي هو قربه وهو بهذا القصد صحيح مثاب عليه ومع ذلك فأرشد إليه لتحصيل غض البصر وكف الفرج عن الوقوع في المحرم اه فإن أراد تشريك عبادة بعبادة أخرى فهو كذلك وليس محل النزاع وأن أراد تشريك العبادة بأمر مباح فليس في الحديث ما يساعده واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه ارشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الأستمناء مباحا لكان الأرشاد إليه أسهل وتعقب دعوى كونه أسهل لأن الترك أسهل من الفعل وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء وهو عند الحنابلة وبعد الحنفية لأجل تسكين الشهوة وفي قول عثمان لابن مسعود الا نزوجك شابة استحباب نكاح الشابة ولا سيما أن كانت بكرا وسيأتي بسط القول فيه بعد أبواب

قوله باب من لم يستطع الباءة فليصم أورد فيه حديث بن مسعود المذكور في الباب قبله وهذا اللفظ ورد في رواية الثوري عن الأعمش في حديث الباب فعند الترمذي عنه بلفظ فمن لم يستطع الباءة فعليه بالصوم وعند النسائي عنه بلفظ ومن لا فليصم وقد تقدمت مباحثه في الباب الذي قبله

قوله باب كثرة النساء يعني لمن قدر على العدل بينهن ذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول حديث عطاء قال حضرنا مع بن عباس جنازة ميمونة زاد مسلم من طريق محمد بن بكر عن بن جريح زوج النبي صلى الله عليه وسلم

[ 4780 ] قوله بسرف بفتح المهملة وكسر الراء بعدها فاء مكان معروف بظاهر مكة تقدم بيانه في الحج وأخرج بن سعد بإسناد صحيح عن يزيد بن الأصم قال دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بني بها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وجه آخر عن يزيد بن الأصم قال صلى عليها بن عباس ونزل في قبرها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قلت وهي خالة أبيه وعبيد الله الخولاني قلت وكان في حجرها ويزيد بن الأصم قلت وهي خالته كما هي خالة بن عباس قوله فإذا رفعتم نعشها بعين مهملة وشين معجمة السرير الذي يوضع عليه الميت قوله فلا تزعزعوها بزاءين معجمتين وعينين مهملتين والزعزعة تحريك الشيء الذي يرفع وقوله ولا تزلزلوها الزلزلة الاضطراب قوله وارفقوا إشارة إلى أن مراده السير الوسط المعتدل ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته وفيه حديث كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا أخرجه أبو داود وابن ماجة وصححه بن حبان قوله فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة أي عند موته وهن سودة وعائشة وحفصة وأم سلمة زينب بنت جحش وأم حبيبة وجويرية وصفية وميمونة هذا ترتيب تزويجه إياهن رضي آله عنهن ومات وهن في عصمته واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت قبله أو لا قوله كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة زاد مسلم في روايته قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب قال عياض قال الطحاوي هذا وهم وصوابه سودة كما تقدم أنها وهبت يومها لعائشة وإنما غلط فيه بن جريج راوية عن عطاء كذا قال قال عياض قد ذكروا في قوله تعالى ترجى من تشاء منهن أنه آوى عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة فكان يستوفى لهن القسم وأرجأ سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية فكان يقسم لهن ما شاء قال فيحتمل أن تكون رواية بن جريج صحيحة ويكون ذلك في آخر أمره حيث آوى الجميع فكان يقسم لجميعهن الا لصفية قلت قد أخرج بن سعد من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم لصفية كما يقسم لنسائه لكن في الأسانيد الثلاثة الواقدي وليس بحجة وقد تعصب مغلطاي للواقدي فقل كلام من قواه ووثقه وسكت عن ذكر من وهاه واتهمه وهم أكثر عددا وأشد اتقانا وأقوى معرفة به من الأولين ومن جملة ما قواه به أن الشافعي روى عنه وقد أسند البيهقي عن الشافعي أنه كذبه ولا يقال فكيف روى عنه لأنا نقول رواية العدل ليست بمجردها توثيقا فقد روى أبو حنيفة عن جابر الجعفي وثبت عنه أنه قال ما رأيت أكذب منه فيترجح أن مراد بن عباس بالتي لا يقسم لها سودة كما قاله الطحاوي لحديث عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة وسيأتي في باب مفرد وهو قبل كتاب الطلاق بأربعة وعشرين بابا ويأتي بسط القصة هناك إن شاء الله تعالى لكن يحتمل أن يقال لا يلزم من أنه كان لا يبيت عند سودة أن لا يقسم لها بل كان يقسم لها لكن يبيت عند عائشة لما وقع من تلك الهبة نعم يجوز نفي القسم عنها مجازا والراجح عندي ما ثبت في الصحيح ولعل البخاري حذف هذه الزيادة عمدا وقد وقع عند مسلم أيضا فيه زيادة أخرى من رواية عبد الرزاق عن بن جريج قال عطاء كانت اخرهن موتا ماتت بالمدينة كذا قال فأما كونها اخرهن موتا فقد وافق عليه بن سعد وغيره قالوا وكانت وفاتها سنة إحدى وستين وخالفهم آخرون فقالوا ماتت سنة ست وخمسين ويعكر عليه أن أم سلمة عاشت إلى قتل الحسين بن على وكان قتله يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وقيل بل ماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين والأول أرجح ويحتمل أن تكونا ماتتا في سنة واحدة لكن تأخرت ميمونة وقد قيل أيضا أنها ماتت سنة ثلاث وستين وقيل سنة ست وستين وعلى هذا لا ترديد في آخريتها في ذلك وأما قوله وماتت بالمدينة فقد تكلم عليه عياض فقال ظاهره أنه أراد ميمونة وكيف يلتئم مع قوله في أول الحديث أنها ماتت بسرف وسرف من مكة بلا خلاف فيكون قوله بالمدينة وهما قلت يحتمل أن يريد بالمدينة البلد وهي مكة والذي في أول الحديث إنهم حضروا جنازتها بسرف ولا يلزم من ذلك أنها ماتت بسرف فيحتمل أن تكون ماتت داخل مكة وأوصت أن تدفن بالمكان الذي دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فنفذ بن عباس وصيتها ويؤيد ذلك أن بن سعد لما ذكر حديث بن جريج هذا قال بعده وقال غير بن جريج في هذا الحديث توفيت بمكة لحملها بن عباس حتى دفنها بسرف الحديث الثاني حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة بغسل واحد وله تسع نسوة وتقدم شرحه في كتاب الغسل وهو ظاهر فيما ترجم له وقد اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن اختلفوا هل للزيادة انتهاء أو لا وفيه دلالة على أن القسم لم يكن واجبا عليه وسيأتي البحث فيه في بابه وقوله

[ 4781 ] وقال لي خليفة الخ قصد به بيان تصريح قتادة بتحديث أنس له بذلك الحديث الثالث

[ 4782 ] قوله حدثنا على بن الحكم الأنصاري وهو المروزي مات سنة ست وعشرين قوله عن رقبة بفتح القاف والموحدة هو بن مصقلة بصاد مهملة ساكنة ثم قاف ويقال بالسين المهملة بدل الصاد وطلحة هو بن مصرف اليامي بتحتانية مخففا قوله قال لي بن عباس هل تزوجت قلت لا زاد فيه أحمد بن منيع في مسنده من طريق أخرى عن سعيد بن جبير قال لي بن عباس وذلك قبل أن يخرج وجهي أي قبل أن يلتحي هل تزوجت قلت لا وما أريد ذلك يومي هذا وفي رواية سعيد بن منصور من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير قال لي بن عباس هل تزوجت قلت ما ذاك في الحديث قوله فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء قيد بهذه الأمة ليخرج مثل سليمان عليه السلام فإنه كان أكثر نساء كما تقدم في ترجمته وكذلك أبوه داود ووقع عند الطبراني من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن بن عباس تزوجوا فإن خيرنا كان أكثرنا نساء قيل المعنى خير أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل والذي يظهر أن مراد بن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وسلم وبالامة اخصاء أصحابه وكأنه أشار إلى أن ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحا ما آثر النبي صلى الله عليه وسلم غيره وكان مع كونه أخشى الناس لله وأعلمهم به يكثر التزويج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال ولاظهار المعجزة البالغة في خرق العادة لكونه كان لا يجد ما يشبع به من القوت غالبا وأن وجد كان يؤثر بأكثره ويصوم كثيرا ويواصل ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ولا يطاق ذلك الا مع قوة البدن وقوة البدن كما تقدم في أول أحاديث الباب تابعة لما يقوم به من استعمال المقويات من مأكول ومشروب وهي عنده نادرة أو معدومة ووقع في الشفاء أن العرب كانت تمدح بكثرة النكاح لدلالته على الرجولية إلى أن قال ولم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن وكأنه أراد بالتحصين قصر طرفهن عليه فلا يتطلعن إلى غيره بخلاف العزبة فإن العفيفة تتطلع بالطبع البشري إلى التزويج وذلك هو الوصف اللائق بهن والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه تقدمت الإشارة إلى بعضها أحدها أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عندما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك ثانيها لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم ثالثها للزيادة في تألفهم لذلك رابعها للزيادة في التكليف حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ خامسها لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من يحاربه سادسها نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله سابعها الاطلاع على محاسن اخلاقه الباطنة فقد تزوج أم حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن ثامنها ما تقدم مبسوطا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم تاسعها وعاشرها ما تقدم نقله عن صاحب الشفاء من تحصينهن والقيام بحقوقهن والله أعلم ووقع عند أحمد بن منيع من الزيادة في آخره أما أنه يستخرج بن صلبك من كان مستودعا وفي الحديث الحض على التزويج وترك الرهبانية

قوله باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى ذكر فيه حديث عمر بلفظ العمل بالنية وإنما لامرئ ما نوى وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب وما ترجم به من الهجرة منصوص في الحديث ومن عمل الخير مستنبط لأن الهجرة من جملة أعمال الخير فكما عمم في الخير في شق المطلوب وتممه بلفظ فهجرته إلى ما هاجر إليه فكذلك شق الطلب يشمل أعمال الخير هجرة أو حجا مثلا أو صلاة أو صدقة وقصة مهاجر أم قيس أوردها الطبراني مسندة والاجري في كتاب الشريعة بغير إسناد ويدخل في قوله أو عمل خيرا ما وقع من أم سليم في امتناعها من التزويج بأبي طلحة حتى يسلم وهو في الحديث الذي أخرجه النسائي بسند صحيح عن أنس قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن اتزوجك فإن تسلم فذاك مهري فأسلم فكان ذلك مهرها الحديث ووجه دخوله أن أم سليم رغبت في تزويج أبي طلحة ومنعها من ذلك كفره فتوصلت إلى بلوغ غرضها ببذل نفسها فظفرت بالخيرين وقد استكشله بعضهم بان تحريم المسلمات على الكفار إنما وقع في زمن الحديبية وهو بعد قصة تزوج أبي طلحة بأم سليم بمدة ويمكن الجواب بأن ابتداء تزوج الكافر بالمسلمة كان سابقا على الآية والذي دلت عليه الآية الاستمرار فلذلك وقع التفريق بعد أن لم يكن و لا يحفظ بعد الهجرة أن مسلمة ابتدأت بتزوج كافر والله أعلم

قوله باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام فيه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني حديث سهل بن سعد في قصة التي وهبت نفسها وما ترجم به مأخوذ من قوله التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا ومع ذلك زوجه قال الكرماني لم يسق حديث سهل منا لأنه ساقه قبل وبعد اكتفاء بذكره أو لأن شيخه لم يروه له في سياق هذه الترجمة اه والثاني بعيد جدا فلم أجد من قال أن البخاري يتقيد في تراجم كتابه بما يترجم به مشايخه بل الذي صرح به الجمهور أن غالب ترجمه من تصرفه فلا وجه لهذا الاحتمال وقد لهج الكرماني به في مواضع وليس بشيء ثم ذكر طرفا من حديث بن مسعود كنا نغزو وليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله نستخصي فنهانا عن ذلك وقد تلطف المصنف في استنباطه الحكم كأنه يقول لما نهاهم عن الاختصاء مع احتياجهم إلى النساء وهم مع ذلك لا شيء لهم كما صرح به في نفس هذا الخبر كما سيأتي تاما بعد باب واحد وكان كل منهم لا بد وأن يكون حفظ شيئا من القرآن يتعين التزويج بما معهم من القرآن فحكمة الترجمة من حديث سهل بالتنصيص ومن حديث بن مسعود بالاستدلال وقد أغرب المهلب فقال في قوله تزويج المعسر دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزوج الرجل على أن يعلم المرأة القرآن إذ لو كان كذلك ما سماه معسرا قال وكذلك قوله والإسلام لأن الواهبة كانت مسلمة اه والذي يظهر أن مراد البخاري المعسر من المال بدليل قول بن مسعود وليس لنا شيء والله أعلم

قوله باب قول الرجل لأخيه انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها هذه الترجمة لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف في البيوع قوله رواه عبد الرحمن بن عوف وصله في البيوع عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد أي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال قال عبد الرحمن بن عوف وأورده في فضائل الأنصار عن إسماعيل بن أبي أويس عن إبراهيم وقال في روايته انظر اعجبهما إليك فسمها لي أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها وهو معنى ما ساقه موصولا في الباب عن أنس بلفظ فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله ويأتي في الوليمة من حديث أنس بلفظ اقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتي وسيأتي بقية شرح الحديث المذكور في أبواب الوليمة وفيه ما كانوا عليه من الايثار حتى بالنفس والأهل وفيه جواز نظر الرجل إلى المرأة عند إرادة تزويجها وجواز المواعدة بطلاق المرأة وسقوط الغيرة في مثل ذلك وتنزه الرجل عما يبذل له من مثل ذلك وترجيح الاكتساب بنفسه بتجارة أو صناعة وفيه مباشرة الكبار التجارة بأنفسهم مع وجود من يكفيهم ذلك من وكيل وغيره وقد أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات من حديث أم سلمة قالت خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه تاجرا إلى بصري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما منع أبا بكر حبه لملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ولا منع النبي صلى الله عليه وسلم حبه لقرب أبي بكر عن ذلك لمحبتهم في التجارة هذا أو معناه وبقية الحديث في قصة سويبط بن حرملة والنعمان وأصلها عند بن ماجة وقد تقدم بيان البحث في أفضل الكسب بما يغنى عن اعادته والله أعلم

قوله باب ما يكره من التبتل المراد بالتبتل هنا الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة وأما المأمور به في قوله تعالى وتبتل إليه تبتيلا فقد فسره مجاهد فقال اخلص له اخلاصا وهو تفسير معنى وإلا فأصل التبتل الانقطاع والمعنى انقطع إليه انقطاعا لكن ما كانت حقيقة الانقطاع إلى الله إنما تقع بإخلاص العبادة له فسرها بذلك ومنه صدقة بتلة أي منقطعة عن الملك ومريم البتول لانقطاعها عن التزويج إلى العبادة وقيل لفاطمة البتول أما لانقطاعها عن الأزواج غير علي أو لانقطاعها عن نظرائها في الحسن والشرف قوله والخصاء هو الشق على الأنثيين وانتزاعهما وإنما قال ما يكره من التبتل والخصاء للإشارة إلى أن الذي يكره من التبتل هو الذي يفضي الت التنطع وتحريم ما أحل الله وليس التبتل من أصله مكروها وعطف الخصاء عليه لأن بعضه يجوز في الحيوان المأكول ثم أورد المصنف ثلاثة أحاديث أحدها حديث سعد بن أبي وقاص في قصة عثمان بن مظعون أورده من طريقين إلى بن شهاب الزهري وقد أورده مسلم من طريق عقيل عن بن شهاب بلفظ أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف أن معنى

[ 4786 ] قوله رد على عثمان أي لم يأذن له بل نهاه وأخرج الطبراني من حديث عثمان بن مظعون نفسه أنه قال يا رسول الله إني رجل يشق علي العزوية فأذن لي في الخصاء قال لا ولكن عليك بالصيام الحديث ومن طريق سعيد بن العاص أن عثمان قال يا رسول الله ائذن لي في الاختصاء فقال أن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة فيحتمل أن يكون الذي طلبه عثمان هو الاختصاء حقيقة فعبر عنه الراوي بالتبتل لأنه ينشأ عنه فلذلك قال ولو إذن له لاختصينا ويحتمل عكسه وهو أن المراد بقول سعد ولو إذن له لاختصينا لفعلنا فعل من يختصي وهو الانقطاع عن النساء قال الطبري التبتل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريم النساء والطيب وكل ما يلتذ به فلهذا انزل في حقه يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وقد تقدم في الباب الأول من كتاب النكاح تسمية من أراد ذلك مع عثمان بن مظعون ومن وافقه وكان عثمان من السابقين إلى الإسلام وقد تقدمت قصته مع لبيد بن ربيعة في كتاب المبعث وتقدمت قصة وفاته في كتاب الجنائز وكانت في ذي الحجة سنة اثنتين من الهجرة وهو أول من دفن بالبقيع وقال الطيبي قوله ولو إذن له لاختصينا كان الظاهر أن يقول ولو إذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله لاختصينا لإرادة المبالغة أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء ولم يرد به حقيقة الاختصاء لأنه حرام وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء ويؤيده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبل لأن وجود الالة يقتضي استمرار وجود الشهوة ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتل فيتعين الخصاء طريقا إلى تحصيل المطلوب وغايته أن فيه ألما عظيما في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الأجل فهو كقطع الأصبع إذا وقعت في اليد الأكلة صيانة لبقية اليد وليس الهلاك بالخصاء محققا بل هو نادر ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها وعلى هذا فلعل الراوي عبر بالخصاء عن الجب لأنه هو الذي يحصل المقصود والحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار وإلا لو إذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل فيقل المسلمون بانقطاعه ويكثر الكفار فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية الحديث الثاني

[ 4787 ] قوله جرير هو بن عبد الحميد وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وعبد الله هو بن مسعود وقد تقدم قبل بباب من وجه آخر عن إسماعيل بلفظ عن بن مسعود ووقع عند الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير بلفظ سمعت عبد الله وكذا لمسلم من وجه آخر عن إسماعيل قوله الا نستخصي أي الا نستدعي من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك بأنفسنا وقوله فنهانا عن ذلك هو نهى تحريم بلا خلاف في بني آدم لما تقدم وفيه أيضا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك وفيه إبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة لأن خلق الشخص رجلا من النعم العظيمة فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال قال القرطبي الخصاء في غير بني آدم ممنوع في الحيوان الا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطييب اللحم أو قطع ضرر عنه وقال النووي يحرم خصاء الحيوان غير المأكول مطلقا وأما المأكول فيجوز في صغيره دون كبيره وما أظنه يدفع ما ذكره القرطبي من إباحة ذلك في الحيوان الكبير عند إزالة الضرر قوله ثم رخص لنا في الرواية السابقة في تفسير المائدة ثم رخص لنا بعد ذلك قوله أن ننكح المرأة بالثوب أي إلى أجل في نكاح المتعة قوله ثم قرأ في رواية مسلم ثم قرأ علينا عبد الله وكذا وقع عند الإسماعيلي في تفسير المائدة قوله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل لكم الآية ساق الإسماعيلي إلى قوله المعتدين وظاهر استشهاد بن مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يرى بجواز المتعة فقال القرطبي لعله لم يكن حينئذ بلغة الناسخ ثم بلغه فرجع بعد قلت يؤيده ما ذكره الإسماعيلي أنه وقع في رواية أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد ففعله ثم ترك ذلك قال وفي رواية لابن عيينة عن إسماعيل ثم جاء تحريمها بعد وفي رواية معمر عن إسماعيل ثم نسخ وسيأتي مزيد البحث في حكم المتعة بعد أربعة وعشرين بابا الحديث الثالث

[ 4788 ] قوله وقال اصبغ كذا في جميع الروايات التي وقفت عليها وكلام أبي نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال فيه حديثا وقد وصله جعفر الفريابي في كتاب القدر والجوزقي في الجمع بن الصحيحين والإسماعيلي من طرق عن أصبغ وأخرجه أبو نعيم من طريق حرملة عن بن وهب وذكر مغلطاي أنه وقع عند الطبري رواه البخاري عن أصبغ بن محمد وهو غلط هو اصبغ بن الفرج ليس في آبائه محمد قوله أنى رجل شاب وأنا أخاف في رواية الكشميهني وإني أخاف وكذا في رواية حرملة قوله العنت بفتح المهملة والنون ثم مثناة هو الزنا هنا ويطلق على الإثم والفجور والأمر الشاق والمكروه وقال بن الأنباري أصل العنت الشدة قوله ولا أجد ما أتزوج النساء فسكت عني كذا وقع وفي رواية حرملة ولا أجد ما أتزوج النساء فأذن لي اختصي وبهذا يرتفع الاشكال عن مطابقة الجواب للسؤال قوله جف القلم بما أنت لاق أي نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ فبقي القلم الذي كتب به جافا لامداد فيه لفراغ ما كتب به قال عياض كتابة الله ولوحه وقلمه من غيب علمه الذي نؤمن به ونكل علمه إليه قوله فاختص على ذلك أو ذر في رواية الطبري وحكاها الحميدي في الجمع ووقعت في المصابيح فاقتصر على ذلك أو ذر قال الطيبي معناه اقتصر على الذي أمرتك به أو اتركه وافعل ما ذكرت من الخصاء اه وأما اللفظ الذي وقع في الأصل فمعناه فافعل ما ذكرت أو اتركه واتبع ما أمرتك به وعلى الروايتين فليس الأمر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد وهو كقوله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والمعنى أن فعلت أو لم تفعل فلا بد من نفوذ القدر وليس فيه تعرض لحكم الخصاء ومحصل الجواب أن جميع الأمور بتقدير الله في الازل فالخصاء وتركه سواء فإن الذي قدر لا بد أن يقع وقوله على ذلك هي متعلقة بمقدر أي اختص حال استعلائك على العلم بان كل شيء بقضاء الله وقدره وليس أذنا في الخصاء بل فيه إشارة إلى النهي عن ذلك كأنه قال إذا علمت أن كل شيء بقضاء الله فلا فائدة في الاختصاء وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عثمان بن مظعون لما استأذنه في ذلك وكانت وفاته قبل هجرة أبي هريرة بمدة وأخرج الطبراني من حديث بن عباس قال شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العزوبة فقال الا اختصي قال ليس منا من خصي أو اختصى وفي الحديث ذم الاختصاء وقد تقدم ما فيه وأن القدر إذا نفذ لا تنفع الحيل وفيه مشروعية شكوى الشخص ما يقع له للكبير ولو كان مما يستهجن ويستقبح وفيه إشارة إلى أن من لم يجد الصداق لا يتعرض للتزويج وفيه جواز تكرار الشكوى إلى ثلاث والجواب لمن لا يقنع بالسكوت وجواز السكوت عن الجواب لمن يظن به أنه يفهم المراد من مجرد السكوت وفيه استحباب أن يقدم طالب الحاجة بين يدي حاجته عذره في السؤال وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ويؤخذ منه أن مهما أمكن المكلف فعل شيء من الأسباب المشروعة لا يتوكل الا بعد عملها لئلا يخالف الحكمة فإذا لم يقدر عليه وطن نفسه على الرضا بما قدره عليه مولاه ولا يتكلف من الأسباب ما لا طاقة به له وفيه أن الأسباب إذا لم تصادف القدر لا تجدي فإن قبل لم لم يؤمر أبو هريرة بالصيام لكسر شهوته كا أمر غيره فالجواب أن أبا هريرة كان الغالب من حاله ملازمة الصيام لأن كان من أهل الصفة قلت ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج الحديث لكنه إنما سأل عن ذلك في حال الغزو كما وقع لابن مسعود وكانوا في حال الغزو يؤثرون الفطر على الصيام للتقوى على القتال فاداه اجتهاده إلى حسم مادة الشهوة بالاختصاء كما ظهر لعثمان فمنعه صلى الله عليه وسلم من ذلك وإنما لم يرشده إلى المتعة التي رخص فيه لغيره لأنه ذكر أنه لا يجد شيئا ومن لم يجد شيئا أصلا لا ثوبا ولا غيره فكيف يستمتع والتي يستمتع بها لا بد لها من شيء

قوله باب نكاح الابكار جمع بكر وهي التي لم توطأ واستمرت على حالتها الأولى قوله وقال بن أبي مليكة قال بن عباس لعائشة لم ينكح النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرك هذا طرف من حديث وصله المصنف في تفسير سورة النور وقد تقدم الكلام عليه هناك

[ 4789 ] قوله حدثني أخي هو عبد الحميد وسليمان هو بن بلال قوله فيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرا لم يؤكل منها كذا لأبي ذر ولغيره ووجدت شجرة وذكره الحميدي بلفظ فيه شجرة قد أكل منها وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج بصيغة الجمع وهو أصوب لقوله بعد في أيها أي في أي الشجر ولو أراد الموضعين لقال في أيهما قوله ترتع بضم أوله ارتع بسيره إذا تركه يرعى ما شاء ورتع البعير في المرعى إذا أكل ما شاء ورتعه الله أي أنبت له ما يرعاه على سعة قوله قال في التي لم يرتع منها في رواية أبي نعيم قال في الشجرة التي وهو أوضح وقوله يعني الخ زاد أبو نعيم قبل هذا قالت فأنا هيه بكسر الهاء وفتح التحتانية وسكون الهاء وهي للسكت وفي هذا الحديث مشروعية ضرب المثل وتشبيه شيء موصوف بصفة بمثله مسلوب الصفة وفيه بلاغة عائشة وحسن تأتيها في الأمور ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في التي لم يرتع منها أي أوثر ذلك في الاختيار على غيره فلا يرد على ذلك كون الواقع منه أن الذي تزوج من الثيبات أكثر ويحتمل أن تكون عائشة كنت بذلك عن المحبة بل عن أدق من ذلك ثم ذكر المصنف حديث عائشة أيضا أريتك في المنام وسيأتي شرحه بعد ستة وعشرين بابا ووقع في رواية الترمذي أن الملك الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصورتها جبريل

قوله باب تزويج الثيبات جمع ثيبة بمثلثة ثم تحتانية ثقيلة مكسورة ثم موحدة ضد البكر قوله وقالت أم حبيبة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن هذا طرف من حديث سيأتي موصولا بعد عشرة أبواب واستنبط المصنف الترجمة من قوله بناتكن لأنه خاطب بذلك نساءه فاقتضى أن لهن بنات من غيره فيستلزم انهن ثيبات كما هو الأكثر الغالب ثم ذكر المصنف حديث جابر في قصة بعيره وقد تقدم شرحه في الشروط فيما يتعلق بذلك

[ 4791 ] قوله ما يعجلك بضم أوله أي ما سبب اسراعك قوله كنت حديث عهد بعرس أي قريب عهد بالدخول على الزوجة وفي رواية عطاء عن جابر في الوكالة فلما دنونا من المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام أخذت أرتحل قال أين تريد قلت تزوجت وفي رواية أبي عقيل عن أبي المتوكل عن جابر من أحب أن يتعجل إلى أهله فليتعجل أخرجه مسلم قوله قال أبكرا أم ثيبا قلت ثيبا هو منصوب بفعل محذوف تقديره أتزوجت وتزوجت وكذا وقع في ثاني حديث الباب فقلت تزوجت ثيبا في رواية الكشميهني في الوكالة من طريق وهب بن كيسان عن جابر قال أتزوجت قلت نعم قال بكرا أم ثيبا قلت ثيبا وفي المغازي عن قتيبة عن سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بلفظ هل نكحت يا جابر قلت نعم قال ماذا أبكرا أم ثيبا قلت لا بل ثيبا ووقع عند أحمد عن سفيان في هذا الحديث قلت ثيب وهو خير مبتدأ محذوف تقديره التي تزوجتها ثيب وكذا وقع لمسلم من طريق عطاء عن جابر قوله فهلا جارية في رواية وهب بن كيسان أفلا جارية وهما بالنصب أي فهلا تزوجت وفي رواية يعقوب الدورقي عن هشام بإسناد حديث الباب هلا بكرا وسيأتي قبيل أبواب الطلاق وكذا لمسلم من طريق عطاء عن جابر وهو معني رواية محارب المذكورة في الباب بلفظ العذارى وهو جمع عذراء بالمد قوله تلاعبها وتلاعبك زاد في رواية النفقات وتضاحكها وتضاحكك وهو مما يؤيد أنه من اللعب ووقع عند الطبراني من حديث كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل فذكر نحو حديث جابر وقال فيه وتعضها وتعضك ووقع في رواية لأبي عبيدة تداعبها وتداعبك بالدال المعجمة بدل اللام وأما ما وقع في رواية محارب بن دثار عن جابر ثاني حديث الباب بلفظ مالك وللعذاري ولعابها فقد ضبطه الأكثر بكسر اللام وهو مصدر من الملاعبة أيضا يقال لاعب لعابا وملاعبة مثل قاتل قتالا ومقاتلة ووقع في رواية المستملي بضم اللام والمراد به الريق وفيه إشارة إلى مص لسانها ورشف شفتيها وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل وليس هو ببعيد كما قال القرطبي ويؤيد أنه بمعنى آخر غير المعنى الأول قول شعبة في الباب أنه عرض ذلك على عمرو بن دينار فقال اللفظ الموافق للجماعة وفي رواية مسلم التلويح بانكار عمرو رواية محارب بهذا اللفظ ولفظه إنما قال جابر تلاعبها وتلاعبك فلو كانت الروايتان متحدتين في المعنى لما أنكر عمرو ذلك لأنه كان ممن يجيز الرواية بالمعنى ووقع في رواية وهب بن كيسان من الزيادة قلت كن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن أي في غير ذلك من مصالحن وهو من العام بعد الخاص وفي رواية عمرو عن جابر الآتية في النفقات هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت ثيبا كرهت أن أجيئهن بمثلهن فقال بارك الله لك أو قال خيرا وفي رواية سفيان عن عمرو في المغازي وترك تسع بنات كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن قال أصبت وفي رواية بن جريج عن عطاء وغيره عن جابر فأردت أن انكح امرأة قد جربت خلا منها قال فذلك وقد تقدم التوفيق بين مختلف الروايات في عدد أخوات جابر في المغازي ولم اقف على تسميتهن وأما امرأة جابر المذكورة فاسمها سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك الأنصارية الاوسية ذكره بن سعد قوله فلما ذهبنا لندخل قال امهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء كذا هنا ويعارضه الحديث الآخر الاتي قبل أبواب الطلاق لا يطرق أحدكم أهله ليلا وهو من طريق الشعبي عن جابر أيضا ويجمع بينهما أن الذي في الباب لمن علم خبر مجيئة والعلم بوصوله والاتي لمن قدم بغته ويؤيده قوله في الطريق الأخرى يتخونهم بذلك وسيأتي مزيد بحث فيه هناك وفي الحديث الحث على نكاح البكر وقد ورد بأصرح من ذلك عند بن ماجة من طريق عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده بلفظ عليكم بالابكار فإنهن أعذب افواها وانتق ارحاما أي أكثر حركة والنتق بنون ومثناه الحركة ويقال أيضا للرمي فلعله يريد أنها كثيرة الأولاد وأخرج الطبراني من حديث بن مسعود نحوه وزاد وأرضى باليسير ولا يعارضه الحديث السابق عليكم بالولود من جهة أن كونها بكرا لا يعرف به كونها كثيرة الولادة فإن الجواب عن ذلك أن البكر مظنة فيكون المراد بالولود من هي كثيرة الولادة بالتجربة أو بالمظنة وأما من جربت فظهرت عقيما وكذا الايسة فالخبران متفقان على مرجوحيتهما وفيه فضيلة لجابر لشفقته على أخواته وايثاره مصلحتهن على حظ نفسه ويوخذ منه أنه إذا تزاحمت مصلحتان قدم اهمهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم صوب فعل جابر ودعا له لأجل ذلك ويؤخذ منه الدعاء لمن فعل خيرا وأن لم يتعلق بالداعي وفيه سؤال الإمام أصحابه عن أمورهم وتفقده أحوالهم وارشاده إلى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة ولو كان في باب النكاح وفيما يستحيا من ذكره وفيه مشروعية خدمة المرأة زوجها ومن كان منه بسبيل من ولد وأخ وعائلة وأنه لا حرج على الرجل في قصده ذلك من امرأته وأن كان ذلك لا يجب عليها لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك فلذلك لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في الرواية المتقدمة خرقاء بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها قاف هي التي لا تعمل بيدها شيئا وهي تأنيث الاخرق وهو الجاهل بمصحلة نفسه وغيره قوله تمشيط الشعثة بفتح المعجمة وكسر العين المهملة ثم مثلثة أطلق عليها ذلك لأن التي يغيب زوجها في مظنة عدم التزن قوله تستحد بحاء مهملة أي تستعمل الحديدة وهي الموسى والمغيبة بضم الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة مفتوحة أي التي غاب عنها زوجها والمراد إزالة الشعر عنها وعبر بالاستحداد لأنه الغالب استعماله في إزالة الشعر وليس في ذلك منع إزالته بغير الموسى والله أعلم قوله في الرواية الثانية تزوجت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تزوجت هذا ظاهره أن السؤال وقع عقب تزوجه وليس كذلك لما دل عليه سياق الحديث الذي قبله وقد تقدم في الكلام على حديث جمل جابر في كتاب الشروط في آخره أن بين تزوجه والسؤال الذي دار بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك مدة طويلة

قوله باب تزويج الصغار من الكبار أي في السن

[ 4793 ] قوله عن يزيد هو بن أبي حبيب وعراك بكسر المهملة وتخفيف الراء ثم كاف هو بن مالك تابعي شهير وعروة هو بن الزبير قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة قال الإسماعيلي ليس في الرواية ما ترجم به الباب وصغر عائشة عن كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم من غير هذا الخبر ثم الخبر الذي أورده مرسل فإن كان يدخل مثل هذا الصحيح فيلزمه في غيره من المراسيل قلت الجواب عن الأول يمكن أن يؤخذ من قول أبي بكر إنما أنا أخوك فإن الغالب في بنت الأخ أن تكون أصغر من عمها وأيضا فيكفي ما ذكر في مطابقة الحديث للترجمة ولو كان معلوما من خارج وعن الثاني أنه وأن كان صورة سياقه الإرسال فهو من رواية عروة في قصة وقعت لخالته عائشة وجده لأمه أبي بكر فالظاهر أنه حمل ذلك عن خالته عائشة أو عن أمة أسماء بنت أبي بكر وقد قال بن عبد البر إذا علم لقاء الراوي لمن أخبر عنه ولم يكن مدلسا حمل ذلك على سماعه ممن أخبر عنه ولو لم يأت بصيغة تدل على ذلك ومن أمثلة ذلك رواية مالك عن بن شهاب عن عروة في قصة سالم مولى أبي حذيفة قال بن عبد البر هذا يدخل في المسند للقاء عروة عائشة وغيرها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم وللقائه سهلة زوج أبي حذيفة أيضا وأما الالزام فالجواب عنه أن القصة المذكورة لا تشتمل على حكم متأصل فوقع فيها التساهل في صريح الاتصال فلا يلزم من ذلك إيراد جميع المراسيل في الكتاب للصحيح نعم الجمهور على أن السياق المذكور مرسل وقد صرح بذلك الدارقطني وأبو مسعود وأبو نعيم والحميدي وقال بن بطال يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعا ولو كانت في المهد لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء فرمز بهذا إلى أن لا فائدة للترجمة لأنه أمر مجمع عليه قال ويؤخذ من الحديث أن الأب يزوج البكر الصغيرة بغير استئذانها قلت كأنه أخذ ذلك من عدم ذكره وليس بواضح الدلالة بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة وقول أبي بكر إنما أنا أخوك حصر مخصوص بالنسبة إلى تحريم نكاح بنت الأخ وقوله صلى الله عليه وسلم في الجواب أنت أخي في دين الله وكتابه إشارة إلى قوله تعالى إنما المؤمنون اخوة ونحو ذلك وقوله وهي لي حلال معناه وهي مع كونها بنت أخي يحل لي نكاحها لأن الأخوة المانعة من ذلك إخوة النسب والرضاع لا إخوة الدين وقال مغلطاي في صحة هذا الحديث نظر لأن الخلة لأبي بكر إنما كانت بالمدينة وخطبه عائشة كانت بمكة فكيف يلتئم قوله إنما أنا أخوك وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم ما باشر الخطبة بنفسه كما أخرجه بن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة فقال لها أبو بكر وهل تصلح له إنما هي بنت أخيه فرجعت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها ارجعي فقولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال ادعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فانكحه قلت اعتراضه الثاني الاعتراض الأول من وجهين إذ المذكور في الحديث الأخوة وهي إخوة الدين والذي اعترض به الخلة وهي أخص من الأخوة ثم الذي وقع بالمدينة إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا الحديث الماضي في المناقب من رواية أبي سعيد فليس فيه اثبات الخلة الا بالقوة لا بالفعل الوجه الثاني أن في الثاني اثبات ما نفاه في الأول والجواب عن اعتراضه بالمباشرة إمكان الجمع بأنه خاطب بذلك بعد أن راسله

قوله باب إلى من ينكح وأي النساء خير وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب اشتملت الترجمة على ثلاثة أحكام وتناول الأول والثاني من حديث الباب واضح وأن الذي يريد التزويج ينبغي أن ينكح إلى قريش لأن نساءهن خير النساء وهو الحكم الثاني وأما الثالث فيؤخذ منه بطريق اللزوم لأن من ثبت انهن خير من غيرهن استحب تخيرهن للاولاد وقد ورد في الحكم الثالث حديث صريح أخرجه بن ماجة وصححه الحاكم من حديث عائشة مرفوعا تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي إسناده مقال ويقوى أحد الإسنادين بالاخر

[ 4794 ] قوله خير نساء ركبن الإبل تقدم في أواخر أحاديث الأنبياء في ذكر مريم عليها السلام قول أبي هريرة في آخره ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط فكأنه أراد إخراج مريم من هذا التفضيل لأنها لم تركب بعيرا قط فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها ولا يشك أن لمريم فضلا وأنها أفضل من جميع نساء قريش أن ثبت أنها نبيه أو من اكثرهن أن لم تكن ببية وقد تقدم بيان ذلك في المناقب في حديث خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة وأن معناها أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها ويحتمل أن لا يحتاج في إخراج مريم من هذا التفضيل إلى الاستنباط من قوله ركبن الإبل لأن تفضيل الجملة لا يستلزم ثبوت كل فرد فرد منها فإن قوله ركبن الإبل إشارة إلى العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل وقد عرف أن العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة فيستفاد منه تفضيلهن مطلقا على نساء غيرهن مطلقا ويمكن أن يقال أيضا أن الظاهر أن الحديث سيق في معرض الترغيب في نكاح القرشيات فليس فيه التعرض لمريم ولا لغيرها ممن انقضى زمنهن قوله صالح نساء قريش كذا للأكثر بالافراد وفي رواية غير الكشميهني صلح بضم أوله وتشديد اللام بصيغة الجمع وسيأتي في أواخر النفقات من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ نساء قريش والمطلق محمول على المقيد فالمحكوم له بالخيرية الصالحات من نساء قريش لا على العموم والمراد بالصلاح هنا صلاح الدين وحسن المخالطة مع الزوج ونحو ذلك قوله احناه بسكون المهملة بعدها نون أكثره شفقة والحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية قاله الهروي وجاء الضمير مذكرا وكان القياس احناهن وكأنه ذكر باعتبار اللفظ والجنس او الشخص أو الإنسان وجاء نحو ذلك في حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا بالافراد في الثاني وحديث بن عباس في قول أبي سفيان عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بالافراد في الثاني أيضا قال أبو حاتم السجستاني لا يكادون يتكلمون به الا مفردا قوله على ولده في رواية الكشميهني على ولد بلا ضمير وهو أوجه ووقع في رواية لمسلم على يتيم وفي أخرى على طفل والتقييد باليتم والصغر يحتمل أن يكون معتبرا من ذكر بعض افراد العموم لأن صفة الحنو على الولد ثابتة لها لكن ذكرت الحالتان لكونهما أظهر في ذلك قوله وأرعاه على زوج أي أحفظ وأصون لما له بالأمانة فيه والصيانة له وترك التبذير في الإنفاق قوله في ذات يده أي في ماله المضاف إليه ومنه قولهم فلان قليل ذات اليد أي قليل المال وفي الحديث الحث على نكاح الأشراف خصوصا القرشيات ومقتضاه أنه كلما كان نسبها أعلى تأكد الاستحباب يؤخذ منه اعتبار الكفاءة في النسب وأن غير القرشيات ليس كفأ لهن وفضل الحنو والشفقة وحسن التربية والقيام على الأولاد وحفظ مال الزوج وحسن التدبير فيه ويؤخذ منه مشروعية انفاق الزوج على زوجته وسيأتي في أواخر النفقات بيان سبب هذا الحديث

قوله باب اتخاذ السراري جمع سرية بضم السين وكسر الراء الثقيلة ثم تحتانية ثقيلة وقد تكسر السين أيضا سميت بذلك لأنها معتقة من التسرر وأصله من السر وهو من أسماء الجماع ويقال له الاستسرار أيضا أو أطلق عليها ذلك لأنها في الغالب يكتم أمرها عن الزوجة والمراد بالاتخاذ الاقتناء وقد ورد الأمر بذلك صريحا في حديث أبي الدرداء مرفوعا عليكم بالسراري فإنهن مباركات الأرحام أخرجه الطبراني وإسناده واه ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا أنكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم يوم القيامة وإسناده أصلح من الأول لكنه ليس بصريح في التسري قوله ومن أعتق جارية ثم تزوجها عطف هذا الحكم على الاقتناء لأنه قد يقع بعد التسري وقبله وأول أحاديث الباب منطبق على هذا الشق الثاني ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي موسى وقد تقدم شرحه في كتاب العلم وقوله في هذه الطريق أيما رجل كانت عنده وليدة أي أمة واصلها ما ولد من الاماء في ملك الرجل ثم أطلق ذلك على كل أمة

[ 4795 ] قوله فله اجران ذكر ممن يحصل لهم تضعيف الأجر مرتين ثلاثة أصناف متزوج الأمة بعد عتقها ومؤمن أهل الكتاب وقد تقدم البحث فيه في كتاب العلم والمملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه وقد تقدم في العتق ووقع في حديث أبي إمامة رفعه عند الطبراني أربعة يؤتون أجرهم مرتين فذكر الثلاثة كالذي هنا وزاد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم في التفسير حديث الماهر بالقرآن والذي يقرأ وهو عليه شاق وحديث زينب امرأة بن مسعود في التي تتصدق على قريبها لها أجران أجر الصدقة وأجر الصلة وقد تقدم في ا لزكاة وحديث عمرو بن العاص في الحاكم إذا أصاب له أجران وسيأتي في الأحكام وحديث جرير من سن سنة حسنة وحديث أبي هريرة من دعا إلى هدى وحديث أبي مسعود من دل على خير والثلاثة بمعنى وهن في الصحيحين ومن ذلك حديث أبي سعيد في الذي تيمم ثم وجد الماء فأعاد الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لك الأجر مرتين أخرجه أبو داود وقد يحصل بمزيد التتبع أكثر من ذلك وكل هذا دال على أن لا مفهوم للعدد المذكور في حديث أبي موسى وفيه دليل على مزيد فضل من أعتق أمته ثم تزوجها سواء أعتقها ابتداء لله أو لسبب وقد بالغ قوم فكرهوه فكأنهم لم يبلغهم الخبر فمن ذلك ما وقع في رواية هشيم عن صالح بن صالح الراوي المذكور وفيه قال رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال أن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته فقال الشعبي فذكر هذا الحديث وأخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن بن مسعود أنه كان يقول ذلك وأخرج سعيد بن منصور عن بن عمر مثله وعند بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أنس أنه سئل عنه فقال إذا أعتق أمته لله فلا يعود فيها ومن طريق سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي إنهما كرها ذلك وأخرج أيضا من طريق عطاء والحسن إنهما كانا لا يريان بذلك بأسا قوله وقال أبو بكر هو بن عياش بتحتانية وآخره معجمة وأبو حصين هو عثمان بن عاصم عن أبي بردة هو بن أبي موسى وهذا الإسناد مسلسل بالكوفيين وبالكنى قوله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها ثم اصدقها كأنه أشار بهذه الرواية إلى أن المراد بالتزويج في الرواية الأخرى أن يقع بمهر جديد سوى العتق لا كما وقع في قصة صفية كما سيأتي في الباب الذي بعده فأفادت هذه الطريق ثبوت الصداق فإنه لم يقع التصريح به في الطريق الأولى بل ظاهرها أن يكون العتق نفس المهر وقد وصل طريق أبي بكر بن عياش هذه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه فقال حدثنا أبو بكر الخياط فذكره بإسناده بلفظ إذا أعتق الرجل أمته ثم امهرها مهرا جديدا كان له أجران وكأن أبا بكر كان يتعانى الخياطة في وقت وهو أحد الحفاظ المشهورين في الحديث والقراء المذكورين في القراءة وأحد الرواة عن عاصم وله اختيار وقد احتج به البخاري ووصله من طريقه أيضا الحسن بن سفيان وأبو بكر البزار في مسنديهما عنه وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن ولفظه عنده ثم تزوجها بمهر جديد وكذا أخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عن أبي بكر بهذا اللفظ ولم يقع لابن حزم الا من رواية الحماني فضعف هذه الزيادة به ولم يصب وذكر أبو نعيم أن أبا بكر تفرد بها عن أبي حصين وذكر الإسماعيلي أن فيه اضطرابا على أبي بكر بن عياش كأنه عني في سياق المتن لا في الإسناد وليس ذلك الاختلاف اضطرابا لأنه يرجع إلى معنى واحد وهو ذكر المهر واستدل به على أن عتق الأمة لا يكون نفس الصداق ولا دلالة فيه بل هو شرط لما يترتب عليه الاجران المذكوران وليس قيدا في الجواز تنبيه وقع في رواية أبي زيد المروزي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى والصواب ما عند الجماعة عن أبيه أبي موسى بحذف عن التي قبل أبي موسى الحديث الثاني

[ 4796 ] قوله حدثنا سعيد بن تليد بفتح المثناة وكسر اللام الخفيفة وسكون التحتانية بعدها مهملة مصري مشهور وكذا شيخه وبقية الإسناد إلى أبي هريرة من أهل البصرة ومحمد هو بن سيرين وقوله في الرواية الثانية عن أيوب عن محمد كذا لأكثر ووقع لأبي ذر بدله عن مجاهد وهو خطأ وقد تقدم في أحاديث الأنبياء عن محمد بن محبوب عن حماد بن زيد على الصواب لكنه ساقه هناك موقوفا واختلف هنا الرواة فوقع في رواية كريمة والنسفي موقوفا أيضا ولغيرهما مرفوعا وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه موقوفا وكذا ذكر أبو نعيم أنه وقع هنا البخاري موقوفا وبذلك جزم الحميدي وأظنه الصواب في رواية حماد عن أيوب وأن ذلك هو السر في إيراد رواية جرير بن حازم مع كونها نازلة ولكن الحديث في الأصل ثابت الرفع لكن بن سيرين كان يقف كثيرا من حديثه تخفيفا وأغرب المزي فعزا رواية حماد هذه هنا إلى رواية بن رميح عن الفربري وغفل عن ثبوتها في رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما من الرواة من طريق الفربري حتى في رواية أبي الوقت وهي ثابتة أيضا في رواية النسفي فما أدري ما وجه تخصيص ذلك برواية بن رميح قوله لم يكذب إبراهيم الا ثلاث كذبات الحديث ساقه مختصرا هنا وقد تقدم شرحه مستوفى في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء قال بن المنير مطابقة حديث هاجر للترجمة أنها كانت مملوكة وقد صح أن إبراهيم اولدها بعد ان ملكها فهي سرية قلت أن أراد أن ذلك وقع صريحا في الصحيح فليس بصحيح وإنما الذي في الصحيح أن سارة ملكتها وأن إبراهيم اولدها إسماعيل وكونه ما كان بالذي يستولد أمة امرأته الا بملك مأخوذ من خارج الحديث غير الذي في الصحيح وقد ساقه أبو يعلى في مسنده من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره فاستوهبها إبراهيم من سارة فوهبتها له ووقع في حديث حارثة بن مضرب عن علي عند الفاكهي أن إبراهيم استوهب هاجر من سارة فوهبتها له وشرطت عليه أن لا يسرها فالتزم ذلك ثم غارت منها فكان ذلك السبب في تحويلها مع ابنها إلى مكة وقد تقدم شيء من ذلك في أحاديث الأنبياء الحديث الثالث حديث أنس قال

[ 4797 ] أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا الحديث وفيه فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم فقال الناس لا تدري اتزوجها أم اتخذها أم ولد وشاهد الترجمة منه تردد الصحابة في صفية هل هي زوجة أو سرية فيطابق أحد ركني الترجمة قال بعض الشراح دل تردد الصحابة في صفية هل هي زوجة أو سرية على أن عتقها لم يكن نفس الصداق كذا قال وهو متعقب بان التردد إنما كان في أول الحال ثم ظهر بعد ذلك أنها زوجة وليس فيه دلالة لما ذكر واستدل به على صحة النكاح بغير شهود لأنه لو حضر في تزويج صفية شهود لما خفي عن الصحابة حتى يترددوا ولا دلالة فيه أيضا لاحتمال أن الذين حضروا التزويج غير الذين ترددوا وعلي تسليم أن يكون الجميع ترددوا فذلك مذكور من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يتزوج بلا ولي ولا شهود كما وقع في قصة زينب بنت جحش وقد سبق شرح أول الحديث في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي ما يتعلق بالعتق في الذي بعده

قوله باب من جعل عتق الأمة صداقها كذا أورده غير جازم بالحكم وقد أخذ بظاهره من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم وطاوس والزهري ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق قالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة أقربها إلى لفظ الحديث أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجبت له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها ويؤيده قوله في رواية عبد العزيز بن صهيب سمعت أنسا قال سبي النبي صلى الله عليه وسلم صفية فاعتقها وتزوجها فقال ثابت لأنس ما أصدقها قال نفسها فأعتقها هكذا أخرجه المصنف في المغازي وفي رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس في حديث قال وصارت صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها فقال عبد العزيز لثابت يا أبا محمد أنت سألت أنسا ما أمهرها قال امهرها نفسها فتبسم فهو ظاهر جدا في أن المجمول مهرا هو نفس العتق فالتأويل الأول لا بأس به فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة مجهولة فإن في صحة العقد بالشرط المذكور وجها عند الشافعية وقال آخرون بل جعل نفس العتق المهر ولكنه من خصائصه وممن جزم بذلك الماوردي وقال آخرون قوله أعتقها وتزوجها معناه أعتقها ثم تزوجها فما لم يعلم أنه ساق لها صداقا قال اصدقها نفسها أي لم يصدقها شيئا فيما أعلم ولم ينف أصل الصداق ومن ثم قال أبو الطيب الطبري من الشافعية وابن المرابط من المالكية ومن تبعهما أنه قول أنس قاله ظنا من قبل نفسه ولم يرفعه وربما تأيد ذلك عندهم بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة ويقال أمة الله بنت رزينة عن أمها أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها مسبية من قريظة والنضير وهذا لا يقوم به حجة لضعف إسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي وهذا موافق لحديث أنس وفيه رد على من قال أن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه وقد خالف هذا الحديث أيضا ما عليه كافة أهل السير أن صفية من سبي خيبر ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وقيل يحتمل أنه أعتقها بغير عرض وتزوجها بغير مهر في الحال ولا في المآل قال بن الصلاح معناه أن العتق يحل محل الصداق وأن لم يكن صداقا قال وهذا كقولهم الجوع زاد من لا زاد له قال وهذا الوجه أصح الأوجه واقربها إلى لفظ الحديث وتبعه النووي في الروضة ومن المستغربات قول الترمذي بعد أن أخرج الحديث وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق قال وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق والقول الأول أصح وكذا نقل بن حزم عن الشافعي والمعروف عند الشافعية أن ذلك لا يصح لكن لعل مراد من نقله عنه صورة الاحتمال الأول ولا سيما نص الشافعي على أن من أعتق أمته على أن يتزوجها فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تتزوج به لكن يلزمها له قيمتها لأنه لم يرض بعتقبا مجانا فصار كسائر الشروط الفاسدة فإن رضيت وتزوجته على مهر يتفقان عليه كان لها ذلك المسمى وعليه له قيمتها فإن اتحدا تقاصا وممن قال بقول أحمد من الشافعية بن حبان صرح بذلك في صحيحه قال بن دقيق العيد الظاهر مع أحمد ومن وافقه والقياس مع الآخرين فيتردد الحال بين ظن نشأ عن قياس وبين ظن نشأ عن ظاهر الخبر مع ما تحتمله الواقعة من الخصوصية وهي وأن كانت على خلاف الأصل لكن يتقوى ذلك بكثرة خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وخصوصا خصوصيته بتزويج الواهبة من قوله تعالى وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي الآية ومن جزم بأن ذلك كان من الخصائص يحيى بن أكثم فيما أخرجه البيهقي قال وكذا نقله المزني عن الشافعي قال وموضع الخصوصية أنه أعتقها مطلقا وتزوجها بغير مهر ولا ولى ولا شهود وهذا بخلاف غيره وقد أخرج عبد الرزاق جواز ذلك عن علي وجماعة من التابعين ومن طريق إبراهيم النخعي قال كانوا يكرهون أن يعتق أمته ثم يتزوجها ولا يرون بأسا أن يجعل عتقها صداقها وقال القرطبي منع من ذلك مالك وأبو حنيفة لاستحالته وتقرر استحالته بوجهين أحدهما أن عقدها على نفسها ما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض الحكمين الحرية والرق فإن الحرية حكمها الاستقلال والرق ضده وأما بعد العتق فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق فيجوز أن لا ترضى وحينئذ لا تنكح الا برضاها الوجه الثاني أنا إذا جعلنا العتق صداقا فأما أن يتقرر العتق حالة الرق وهو محال لتناقضهما أو حالة الحرية فيلزم اسبقيته على العقد فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه وهو محال لأن الصداق لا بد أن يتقدم تقرره على الزوج أما نصا وأما حكما حتى تملك الزوجة طلبه فإن اعتلوا بنكاح التفويض فقد تحرزنا عنه بقولنا حكما فإنها وأن لم يتعين لها حالة العقد شيء لكنها تملك المطالبة فثبت أنه يثبت لها حالة العقد شيء تطالب به الزوج ولا يتأنى مثل ذلك في العتق فاستحال أن يكون صداقا وتعقب ما ادعاء من الاستحالة بجواز تعليق الصداق على شرط إذا وجد استحقته المرأة كأن يقول تزوجتك على ما سيستحق لي عند فلان وهو كذا فإذا حل المال الذي وقع العقد عليه استحقته وقد أخرج الطحاوي من طريق نافع عن بن عمر في قصة جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عتقها صداقها وهو مما يتأيد به حديث أنس لكن أخرج أبو داود من طريق عروة عن عائشة في قصة جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما جاءت تستعين به في كتابتها هل لك أن أقضي عنك كتابتك وأتزوجك قالت قد فعلت وقد استشكله بن حزم بأنه يلزم منه أن كان أدى عنها كتابتها أن يصير ولاؤها لمكاتبها وأجيب بأنه ليس في الحديث التصريح بذلك لأن معنى قولها قد فعلت رضيت فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عوض ثابت بن قيس عنها فصارت له فأعتقها وتزوجها كما صنع في قصة صفية أو يكون ثابت لما بلغته رغبة النبي صلى الله عليه وسلم وهبها له وفي الحديث للسيد تزويج أمته إذا أعتقها من نفسه ولا يحتاج الى ولي ولا حاكم وفيه اختلاف يأتي في باب إذا كان الولي هو الخاطب بعد نيف وعشرين بابا قال بن الجوزي فإن قيل ثواب العتق عظيم فكيف قوته حيث جعله مهرا وكان يمكن جعل المهر غيره فالجواب أن صفية بنت ملك ومثلها لا يقنع الا بالمهر الكثير ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم إذا ذاك ما يرضيها ولم ير أن يقتصر فجعل صداقها نفسها وذلك عندها أشرف من المال الكثير

قوله باب تزويج المعسر تقدم في أوائل كتاب النكاح باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام وهذه الترجمة أخص من تلك وعلق هناك حديث سهل الذي أورده في هذا الباب مبسوطا وسيأتي شرحه بعد ثلاثين بابا قوله لقوله تعالى أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله هو تعليل لحكم الترجمة ومحصله أن الفقر في الحال لا يمنع التزويج لاحتمال حصول المال في المآل والله أعلم

قوله باب الأكفاء في الدين جمع كفء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة المثل والنظير واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر أصلا قوله وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا الآية قال الفراء النسب من لا يحل نكاحه والصهر من يحل نكاحه فكأن المصنف لما رأى الحصر وقع بالقسمين صلح التمسك بالعموم لوجود الصلاحية الا ما دل الدليل على اعتباره وهو استثناء الكافر وقد جزم بان اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك ونقل عن بن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور وقال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضا والعرب كذلك وليس أحد من العرب كفأ لقريش كما ليس أحد من غير العرب كفأ للعرب وهو وجه للشافعية والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض وقال الثوري إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح وبه قال أحمد في رواية وتوسط الشافعي فقال ليس نكاح غير الأكفاء حراما فأرد به النكاح وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه فلو رضوا الا واحدا فله فسخه وذكر أن المعنى في اشتراط الولاية في النكاح كيلا تضيع المرأة نفسها في غير كفء انتهى ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض فإسناده ضعيف واحتج البيهقي بحديث وائلة مرفوعا أن الله اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل الحديث وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الاحتجاج به لذلك نظر لكن ضم بعضهم إليه حديث قدموا قريشا ولا تقدموها ونقل بن المنذر عن البويطي أن الشافعي قال الكفاءة في الدين وهو كذلك في مختصر البويطي قال الرافعي وهو خلاف مشهور ونقل الابزي عن الربيع أن رجلا سأل الشافعي عنه فقال أنا عربي لا تسألني عن هذا ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الحديث الأول حديث عائشة

[ 4800 ] قوله أن أبا حذيفة اسمه مهشم على المشهور وقيل هاشم وقيل غير ذلك وهو خال معاوية بن أبي سفيان قوله تبنى بفتح المثناة والموحدة وتشديد النون بعدها ألف أي اتخذه ولدا وسالم هو بن معقل مولى أبي حذيفة ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه بل كان من حلفائه كما وقع في رواية لمسلم وكان استشهاد أبي حذيفة وسالم جميعا يوم اليمامة في خلافة أبي بكر قوله وأنكحه أي زوجه هندا كذا في هذه الرواية ووقع عند مالك فاطمة فلعل لها اسمين والوليد بن عتبة أحد من قتل ببدر كافرا وقوله بنت أخيه فتح الهمزة وكسر المعجمة ثم تحتانية هو الصحيح وحكى بن التين أن في بعض الروايات بضم الهمزة وسكون الخاء ثم مثناة وهو غلط قوله وهو مولى امرأة من الأنصار تقدم بيان اسمها في غزوة بدر قوله كما تبنى النبي صلى الله عليه وسم زيدا أي بن حارثة وقد تقدم خبره بذلك في تفسير سورة الأحزاب قوله فمن لم يعلم له أب بضم أول يعلم وفتح اللام على البناء للمجهول قوله كان مولى وأخا في الدين لعل في هذا إشارة إلى قولهم مولى أبي حذيفة وأن سالما لما نزلت ادعوهم لآبائهم كان ممن لا يعلم له أب فقيل له مولى أبي حذيفة قوله أنا كما ترى بفتح النون أي نعتقد قوله سالما ولدا زاد البرقاني من طريق أبي اليمان شيخ البخاري فيه وأبو داود من رواية يونس عن الزهري فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد فيراني فضلا وفضلا بضم الفاء والمعجمة أي متبذلة في ثياب المهنة يقال تفضلت المرأة إذا فعلت ذلك هذا قوله الخطابي وتبعه بن الأثير وزاد وكانت في ثوب واحد وقال بن عبد البر قال الخليل رجل فضل متوشح في ثوب واحد يخالف بين طرفيه قال فعلي هذا فمعنى الحديث أنه كان يدخل عليها وهي منكشف بعضها وعن بن وهب فضل مكشوفة الرأس والصدر وقيل الفضل الذي عليه ثوب واحد ولا إزار تحته وقال صاحب الصحاح تفضلت المرأة في بيتها إذا كانت في ثوب واحد كقميص لا كمين له قوله وقد انزل الله فيه ما قد علمت أي الآية التي ساقها قبل وهي ادعوهم لآبائهم وقوله وما جعل ادعياءكم ابناءكم قوله فذكر الحديث ساق بقيته البرقاني وأبو داود فكيف ترى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة تأمر بنات اخوتها وبنات اخواتها أن يرضعن من احبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وأن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهم بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس ووقع عند الإسماعيلي من طريق فياض بن زهير عن أبي اليمان فيه مع عروة أبو عائذ الله بن ربيعة ومع عائشة أم سلمة وقال في آخره لم يذكرهما البخاري في إسناده قلت وقد أخرجه النسائي عن عمران بن بكار عن أبي اليمان مختصرا كرواية البخاري أخرجه البخاري في غزوة بدر من طريق عقيل عن الزهري كذلك واختصر المتن أيضا وأخرجه النسائي من طريق يحيى بن سعيد عن الزهري فقال عن عروة وابن عبد الله بن أبي ربيعة كلاهما عن عائشة وأم سلمة وأخرجه أبو داود من طريق يونس كما ترى وأخرجه عبد الرزاق عن معمر والنسائي من طريق جعفر بن ربيعة والذهلي من طريق بن أخي الزهري كلهم عن الزهري كما قال عقيل وكذا أخرجه مالك وابن إسحاق عن الزهري لكنه عند أكثر الرواة عن مالك مرسل وخالف الجميع عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري فقال عن عروة وعمرة كلاهما عن عائشة أخرجه الطبراني قال الذهلي في الزهريات هذه الروايات كلها عندنا محفوظة الا رواية بن مسافر فإنها غير محفوظة أي ذكر عمرة في إسناده قال والرجل المذكور مع عروة لا أعرفه الا انني اتوهم أنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة فإن أمه أم كلثوم بنت أبي بكر فهو بن أخت عائشة كما أن عروة بن أختها وقد روى عنه الزهري حديثين غير هذا قال وهو برواية يحيى بن سعيد أشبه حيث قال بن عبد الله بن أبي ربيعة فنسبه لجده وأما قول شعيب أبو عائذ الله فهو مجهول قلت لعلها كنية إبراهيم المذكور وقد نقل المزي في التهذيب قول الذهلي هذا وأقره وخالف في الأطراف فقال أظنه الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة يعني عم إبراهيم المذكور والذي أظن أن قول الذهلي أشبه بالصواب ثم ظهر لي أنه أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فإن هذا الحديث بعينه عند مسلم من طريقه من وجه آخر فهذا هو المعتمد وكأن ما عداه تصحيف والله أعلم وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق القاسم بن محمد عن عائشة ومن طريق زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة فله أصل من حديثهما ففي رواية للقاسم عنده جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو فقالت يا رسول الله أن في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال ارضعيه فقالت وكيف ارضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد علمت أنه رجل كبير وفي لفظ فقالت أن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وأنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة شيئا من ذلك فقال ارضعيه تحرمي عليه فرجعت إليه فقالت إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة وفي بعض طرق حديث زينب قالت أم سلمة لعائشة أنه يدخل عليك الغلام الذي ما أحب أن يدخل علي فقالت أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة أن امرأة أبي حذيفة فذكرت الحديث مختصرا وفي رواية الغلام الذي قد استغنى عن الرضاعة وفيها فقال ارضعيه قالت أنه ذو لحية فقال ارضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة قالت فوالله ما عرفته في وجه أبي حذيفة وفي لفظ عن أم سلمة أبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة وقلن لعائشة والله ما نرى هذا الا رخصة لسالم فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا قلت وهذا العموم مخصوص بغير حفصة كما سيأتي في أبواب الرضاع وتذكر هناك حكم هذه المسألة أعني ارضاع الكبير إن شاء الله تعالى الحديث الثاني حديث عائشة في قصة ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم في الاشتراط في الحج وقد تقدم البحث فيه في أبواب المحصر من كتاب الحج وقوله

[ 4801 ] في هذا الحديث ما أجدني أي ما أجد نفسي واتحاد الفاعل والمفعول مع كونهما ضميرين لشيء واحد من خصائص افعال القلوب وفي الحديث جواز اليمين في درج الكلام بغير قصد وفيه أن المرأة لا يجب عليها أن تستأمر زوجها في حج الغرض كذا قيل ولا يلزم من كونه لا يجوز له منعها أن يسقط عنها استئذانه قوله في آخره وكانت تحت المقداد بن الأسود ظاهر سياقه أنه من كلام عائشة ويحتمل أنه من كلام عروة وهذا القدر هو المقصود من هذا الحديث في هذا الباب فإن المقداد وهو بن عمرو الكندي نسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري لكونه تبناه فكان من حلفاء قريش وتزوج ضباعة وهي هاشمية فلولا أن الكفاءة لا تعتبر بالنسب لما جاز له أن يتزوجها لأنها فوقه في النسب والذي يعتبر الكفاءة في النسب إن يجيب بأنها رضيت هي واولياؤها فسقط حقهم من الكفاءة وهو جواب صحيح أن ثبت أصل اعتبار الكفاءة في النسب الحديث الثالث حديث أبي هريرة

[ 4802 ] قوله تنكح المرأة لأربع أي لأجل أربع قوله لمالها ولحسبها بفتح المهملتين ثم موحدة أي شرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالاقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر ابائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة وقيل المال وهو مردود لذكر المال قبله وذكره معطوفا عليه وقد وقع في مرسل يحيى بن جعدة عند سعيد بن منصور على دينها ومالها وعلى حسبها ونسبها وذكر النسب على هذا تأكيد ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبه الا أن تعارض نسيبه غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا في كل الصفات وأما قول بعض الشافعية يستحب أن لا تكون المرأة ذات قرابة قريبة فإن كان مستندا إلى الخبر فلا أصل له أو إلى التجربة وهو أن الغالب أن الولد بين القريبين يكون أحمق فهو متجه وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه أن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال فيحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له ومنه حديث سمرة رفعه الحسب المال والكرم التقوى أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم وبهذا الحديث تمسك من اعتبر الكفاءة بالمال وسيأتي في الباب الذي بعده أو أن من شأن أهل الدنيا رفعه من كان كثير المال ولو كان وضيعا وضعه من كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هو موجد مشاهد فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال كما سيأتي البحث فيه لا على الثاني لكونه سبق في الإنكار على من يفعل ذلك وقد أخرج مسلم الحديث من طريق عطاء عن جابر وليس فيه ذكر الحسب اقتصر على الدين والمال والجمال قوله وجمالها يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة الا أن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولي ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق قوله فاظفر بذات الدين في حديث جابر فعليك بذات الدين والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند بن ماجة رفعه لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن أي يهلكهن ولا تزوجوهن لاموالهن فعسى اموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء ذات دين أفضل قوله تربت يداك أي لصفتا بالتراب وهي كناية عن الفقر وهو خير بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة زاد غيره أن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه وحكى بن العربي أن معناه استغنت ورد بان المعروف اترب إذا استغنى وترب إذا افتقر ووجه بأن الغني الناشيء عن المال تراب لأن جميع ما في الدنيا تراب ولا يخفى بعده وقيل معناه ضعف عقلك وقيل افتقرت من العلم وقيل فيه تقدير شرط أي وقع لك ذلك إن لم تفعل ورجحه بن العربي وقيل معنى افتقرت خابت وصحفه بعضهم فقال له بالثاء المثلثة ووجهه بأن معنى تربت تفرقت وهو مثل حديث نهى عن الصلاة إذا صارت الشمس كالاثارب وهو جمع ثروب واثرب مثل فلوس وأفلس وهي جمع ثرب بفتح أوله وسكون الراء وهو الشحم الرقيق المتفرق الذي يغشى الكرش وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الأدب قال القرطبي معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لاجلها فهو خير عما في الوجود من ذلك لا أنه وقع الأمر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك لكن قصد الدين أولي قال ولا يظن من هذا الحديث أن هذه الأربع تؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي وقال المهلب في هذا الحديث دليل على أن للزوج الاستمتاع بمال الزوجة فإن طابت نفسها بذلك حل له وإلا فله من ذلك قدر ما بذل لها من الصداق وتعقب بان هذا التفصيل ليس في الحديث ولم ينحصر قصد نكاح المرأة لأجل مالها في استمتاع الزوج بل قد يقصد تزويج ذات الغني لما عساه يحصل له منها من ولد فيعود إليه ذلك المال بطريق الإرث إن وقع أو لكونها استغنى بمالها عن كثرة مطالبته بما يحتاج إليه النساء ونحو ذلك وأعجب منه استدلال بعض المالكية به على أن للرجل أن يحجر على امرأته في مالها قال لأنه إنما تزوج لأجل المال فليس لها تقويته عليه ولا يخفى وجه الرد عليه والله أعلم الحديث الرابع حديث سهل وهو بن سعد

[ 4803 ] قوله بن أبي حازم هو عبد العزيز قوله مر رجل لم اقف على اسمه قوله حرى يفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية أي حقيق وجدير قوله يشفع بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة أي تقبل شفاعته قوله فمر رجل من فقراء المسلمين لم اقف على اسمه وفي مسند الروياني و فتوح مصر لابن عبد الحكم و مسند الصحابة الذين دخلوا مصر من طريق أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر أنه جميل بن سراقة قوله فمر رجل في رواية الرقاق قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل قوله فقال وقع في طريق أخرى تأتي في الرقاق بلفظ فقال لرجل عنده جالس ما رأيك في هذا وكأنه جمع هنا باعتبار أن الجالسين عنده كانوا جماعة لكن المجيب واحد وقد سمي من المجيبين أبو ذر فيما أخرجه بن حبان من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عنه قوله أن لا يسمع زاد في رواية الرقاق أن لا يسمع لقوله قوله هذا أي الفقير خير من ملء الأرض مثل هذا أي الغني وملء بالهمز ويجوز في مثل النصب والجر قال الكرماني أن كان الأول كافرا فوجهه ظاهر وإلا فيكون ذلك معلوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي قلت يعرف المراد من الطريق الأخرى التي ستأتي في كتاب الرقاق بلفظ قال رجل من اشراف الناس هذا والله حرى الخ فحاصل الجواب أنه أطلق تفضيل الفقير المذكور على الغني المذكور ولا يلزم من ذلك تفضيل كل غني على كل فقير وقد ترجم عليه المصنف في كتاب الرقاق فضل المقر ويأتي البحث في هذه المسألة هناك إن شاء الله تعالى

قوله باب الأكفاء في المال وتزويج المقل المثرية أما اعتبار الكفاءة بالمال فمختلف فيه عند من يشترط الكفاءة والاشهر عند الشافعية أنه لا يعتبر ونقل صاحب الإفصاح عن الشافعي أنه قال الكفاءة في الدين والمال والنسب وجزم باعتباره أبو الطيب والصيمري وجماعة واعتبره الماوردي في أهل الأمصار وخص الخلاف بأهل البوادي والقرى المتفاخرين بالنسب دون المال وأما المثرية فبضم الميم وسكون المثلثة وكسر الراء وفتح التحتانية هي التي لها ثراء بفتح أوله والمد وهو الغني ويؤخذ ذلك من حديث عائشة الذي في الباب من عموم التقسيم فيه لاشتماله على المثري والمقل من الرجال والمثرية والمقلة من النساء فدل على جواز ذلك ولكنه لا يرد على من يشترطه لاحتمال إضمار رضا المرأة ورضا الأولياء وقد تقدم شرح الحديث في تفسير سورة النساء ومضى من وجه آخر في أوائل النكاح واستدل به على أن للولي أن يزوج محجورته من نفسه وسيأتي البحث فيه قريبا وفيه أن للولي حقا في التزويج لأن الله خاطب الأولياء بذلك والله أعلم

قوله باب ما يتقي من شؤم المرأة الشؤم بضم المعجمة بعدها واو ساكنة وقد تهمز وهو ضد اليمن يقال تشاءمت بكذا وتيمنت بكذا قوله وقوله تعالى أن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم كأنه يشير إلى اختصاص الشؤم ببعض النساء دون بعض مما دلت عليه الآية من التبعيض وذكر في الباب حديث بن عمر من وجهين وحديث سهل من وجه آخر وقد تقدم شرحهما مبسوطا في كتاب الجهاد وقد جاء في بعض الأحاديث ما لعله يفسر ذلك وهو ما أخرجه أحمد وصححه بن حبان والحاكم من حديث سعد مرفوعا من سعادة بن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ومن شقاوة بن ادم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء وفي رواية لابن حبان المركب الهني والمسكن الواسع وفي رواية للحاكم وثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك والدابة تكون قطوفا فإن ضربتها أتعبتك وأن تركتها لم تلحق أصحابك والدار تكون ضيقة قليلة المرافق وللطبراني من حديث أسماء أن من شقاء المرء في ا لدنيا سوء الدار والمرأة والدابة وفيه سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها وسوء الدابة منعها ظهرها وسوء طبعها وسوء المرأة عقم رحمها وسوء خلقها

[ 4808 ] قوله عن أسامة بن زيد زاد مسلم من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه مع أسامة سعيد بن زيد وقد قال الترمذي لا نعلم أحدا قال فيه عن سعيد بن زيد غير معتمر بن سليمان ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء قال الشيخ تقي الدين السبكي في إيراد البخاري هذا الحديث عقب حديثي بن عمر وسهل بعد ذكر الآية في الترجمة إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكبها أو أن لها تأثيرا في ذلك وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء ومن قال أنها سبب في ذلك فهو جاهل وقد أطلق الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكفر فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير أن يعتقد نسبة الفعل إليها قلت وقد تقدم تقرير ذلك في كتاب الجهاد وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن ويشهد له قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء فجعلهن من حب الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى انهن الأصل في ذلك ويقع في المشاهدة حب الرجل ولد من امرأته التي هي عنده أكثر من حبه ولده من غيرها ومن أمثلة ذلك قصة النعمن بن بشير في الهبة وقد قال بعض الحكماء النساء شر كلهن واشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد في اثناء حديث واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء

قوله باب الحرة تحت العبد أي جواز تزويج العبد الحرة أن رضيت به وأورد فيه طرقا من قصة بريرة حيث خيرت حين عتقت وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الطلاق وهو مصير من المصنف إلى أن زوج بريرة حين عتقت كان عبدا وسيأتي البحث فيه هناك إن شاء الله تعالى

قوله باب لا يتزوج أكثر من أربع لقوله تعالى مثنى وثلاث ورباع أما حكم الترجمة فبالاجماع الا قول من لا يعتد بخلافه من رافضي ونحوه وأما انتزاعه من الآية فلأن الظاهر منها التخيير بين الاعداد المذكورة بدليل قوله تعالى في الآية نفسها فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة ولان من قال جاء القوم مثنى وثلاث ورباع أراد إنهم جاءوا اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة فالمراد تبيين حقيقة مجيئهم وإنهم لم يجيئوا جملة ولا فرادى وعلى هذا فمعنى الآية أنكحوا اثنتين اثنتين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة فالمراد الجميع لا المجموع ولو أريد مجموع العدد المذكور لكان قوله مثلا تسعا أرشق وأبلغ وأيضا فإن لفظ مثنى معدول عن اثنين اثنين كما تقدم تقريره في تفسير سورة النساء فدل إيراده ان المراد التخيير بين الاعداد المذكورة واحتجاجهم بان الواو للجمع لا يفيد مع وجود القرينة الدالة على عدم الجمع وبكونه صلى الله عليه وسلم جمع بن تسع معارض بأمره صلى الله عليه وسلم من أسلم على أكثر من أربع بمفارقة من زاد على الأربع وقد وقع ذلك لغيلان بن سلمة وغيره كما خرج في كتب السنن فدل على خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك وقوله أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع تقدم الكلام عليه في تفسير فاطر وهو ظاهر في أن المراد به تنويع الأعداد لا أن لكل واحد من الملائكة مجموع العدد المذكورة قوله وقال علي بن الحسين أي بن علي بن أبي طالب يعني مثنى أو ثلاث أو رباع أراد أن الواو بمعنى أو فهي للتنويع أو هي عاطفة على العامل والتقدير فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وانكحوا ما طاب من النساء ثلاث الخ وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين وهو من ائمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم ثم ساق المصنف طرفا من حديث عائشة في تفسير قوله تعالى

[ 4810 ] وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى وقد سبق قبل هذا بباب أتم سياقا من الذي هنا وبالله التوفيق

قوله باب وامهاتكم اللاتي ارضعنكم ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب هذه الترجمة وثلاث تراجم بعدها تتعلق بأحكام الرضاعة ووقع هنا في بعض الشروح كتاب الرضاع ولم أره في شيء من الأصول وأشار بقوله ويحرم الخ أن الذي في الآية بيان بعض من يحرم بالرضاعة وقد بينت ذلك السنة ووقع في رواية الكشميهني ويحرم من الرضاعة ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عائشة

[ 4811 ] قوله عن عبد الله بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري وقد رواه هشام بن عروة عنه وهو من أقرانه لكنه اختصره فاقتصر على المتن دون القصة أخرجه مسلم قوله وإنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة أي بنت عمر أم المؤمنين ولم اقف على اسم هذا الرجل قوله أراه أي أظنه قوله فلانا لعم حفصة اللام بمعنى عن أي قال ذلك عن عم حفصة ولم اقف على اسمه أيضا قوله قالت عائشة فيه التفات وكان السياق يقتضي أن يقول قلت قوله لو كان فلان حيا لم اقف على اسمه أيضا ووهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس لأن أبا القعيس والد عائشة من الرضاعة وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة كا سيأتي أنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأذن له بعد أن امتنعت وقولها هنا لو كان حيا يدل على أنه كان مات فيحتمل أن يكون أخا لهما أخر ويحتمل أن تكون ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فاستأذن وقال بن التين سئل الشيخ أبو الحسن عن قول عائشة لو كان فلان حيا أين هو من الحديث الآخر الذي فيه فأبيت أن أذن له فالأول ذكرت أنه ميت والثاني ذكرت أنه حي فقال هما عمان من الرضاعة أحدهما رضع مع أبي بكر الصديق وهو الذي قالت فيه لو كان حيا والآخر أخو أبيها من الرضاعة قلت الثاني ظاهر من الحديث والأول حسن محتمل وقد ارتضاه عياض الا أنه يحتاج إلى نقل لكونه جزم به قال وقال بن أبي حازم أرى أن المرأة التي أرضعت عائشة امرأة أخي الذي استأذن عليها قلت وهذا بين في الحديث الثاني لا يحتاج إلى ظن ولا هو مشكل إنما المشكل كونها سألت عن الأول ثم توقفت في الثاني وقد أجاب عنه القرطبي قال هما سؤالان وقعا مرتين في زمنين عن رجلين وتكرر منها ذلك أما لأنها نسيت القصة الأولى وأما لأنها جوزت تغير الحكم فاعادت السؤال اه وتمامه أن يقال السؤال الأول كان قبل الوقوع والثاني بعد الوقوع فلا استبعاد في تحويز ما ذكر من نسيان أو تجويز النسخ ويؤخذ من كلام عياض جواب آخر وهو أن أحد العمين كان أعلى والآخر أدنى أو أحدهما كان شقيقا والآخر لأب فقط أو لام فقط أو ارضعتها زوجة أخيه بعد موته والآخر في حياته وقال بن المرابط حديث عم حفصة قبل حديث عم عائشة وهما متعارضان في الظاهر لا في المعنى لأن عم حفصة أرضعته المرأة مع عمر فالرضاعة فيهما من قبل المرأة وعم عائشة إنما هو من قبل الفحل كانت امرأة أبي القعيس أرضعته فجاء أخوه يستأذن عليها فأبت فأخبرها الشاعر أن لبن الفحل يحرم كما يحرم من قبل المرأة اه فكأنه جوز أن يكون عم عائشة الذي سألت عنه في قصة عم حفصة كان نظير عم حفصة في ذلك فلذلك سألت ثانيا في قصة أبي القعيس وهذا أن كان وجده منقولا فلا محيد عنه ولا فهو حمل حسن والله أعلم قوله الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة أي وتبيح ما تبيح وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة وتنزيلهم منزلة الاقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام الامومة من التوارث ووجوب الإنفاق والعتق بالملك والشهادة والعقل واسقاط القصاص قال القرطبي ووقع في رواية ما تحرم الولادة وفي رواية ما يحرم من النسب وهو دال على جواز نقل الرواية بالمعنى قال ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال اللفظين في وقتين قلت الثاني هو المعتمد فإن الحديثين مختلفان في القصة والسبب والراوي وإنما يأتي ما قال إذا اتحد ذلك وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن عائشة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من خال أو عم أو أخ قال القرطبي في الحديث دلالة على أن الرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع والمرضعة وزوجها يعني الذي وقع الارضاع بين ولده منها او السيد فتحرم على الصبي لأنها تصير أمة وأمها لأنها جدته فصاعدا وأختها لأنها خالته وبنتها لأنها أخته وبنت بنتها فنازلا لأنها بنت أخته وبنت صاحب اللبن لأنها أخته وبنت بنته فنازلا لأنها بنت أخته وأمه فصاعدا لأنها جدته وأخته لأنها عمته ولا يتعدى التحريم إلى أحد من قرابة الرضيع فليست أخته من الرضاعة أختا لأخيه ولا بنتا لأبيه إذ لا رضاع بينهم والحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من اجزائهما فانتشر التحريم بينهم بخلاف قرابات الرضيع لأنه ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب ولا سبب والله أعلم الحديث الثاني حديث بن عباس

[ 4812 ] قوله عن جابر بن زيد هو أبو الشعثاء البصري مشهور بكنيته وأما جابر بن يزيد الكوفي فأول اسم أبيه تحتانية وليس له في الصحيح شيء قوله قيل للنبي صلى الله عليه وسلم القائل له ذلك هو علي بن أبي طالب كما أخرجه مسلم من حديثه قال قلت يا رسول الله مالك تنوق في قريش وتدعنا قال وعندكم شيء قلت نعم ابنة حمزة الحديث وقوله تنوق ضبط بفتح المثناة والنون وتشديد الواو بعدها قاف أي تختار مشتق من النيقة بكسر النون وسكون التحتانية بعدها قاف وهي الخيار من الشيء يقال تنوق تنوقا أي بالغ في اختيار الشيء وانتقائه وعند بعض رواة مسلم تتوق بمثناة مضمومة بدل النون وسكون الواو من التوق أي تميل وتشتهي ووقع عند سعيد بن مصنور من طريق سعيد بن المسيب قال علي يا رسول الله الا تتزوج بنت عملك حمزة فإنها من أحسن فتاة في قريش وكأن عليا لم يعلم بان حمزة رضيع النبي صلى الله عليه وسلم أو جوز الخصوصية أو كان ذلك قبل تقرير الحكم قال القرطبي وبعيد أن يقال عن علي لم يعلم بتحريم ذلك قوله أنها ابنة أخي من الرضاعة زاد همام عن قتادة محرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وقد تقدم من طريقه في كتاب الشهادات وكذا عند مسلم من طريق سعيد عن قتادة وهو المطابق للفظ للترجمة قال العلماء يستثنى من عموم قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أربع نسوة يحرمن في النسب مطلقا وفي الرضاع قد لا يحرمن الأولى أم الأخ في النسب حرام لأنها أما أم وأما زوج أب وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الأخ فلا تحرم على أخيه الثانية أم الحفيد حرام في النسب لأنها أما بنت أو زوج بن وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الحفيد فلا تحرم على جده الثالثة جدة الولد في النسب حرام لأنها أما اما أم أو أم زوجة وفي الرضاع قد تكون أجنبية أرضعت الولد فيجوز لوالده أن يتزوجها الرابعة أخت الولد حرام في النسب لأنها بنت أو ربيبة وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الولد فلا تحرم على الوالد وهذه الصور الأربع اقتصر عليها جماعة ولم يستثن الجمهور شيئا من ذلك وفي التحقيق لا يستثنى شيء من ذلك لانهن لم يحرمن من جهة النسب وإنما حرمن من جهة المصاهرة واستدرك بعض المتأخرين أم العم وأم العمة وأم الخال وأم الخالة فإنهن يحرمن في النسب لا في الرضاع وليس ذلك على عمومه والله أعلم قال مصعب الزبيري كان ثويبة يعني الاتي ذكرها في الحديث الذي بعده أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أرضعت حمزة ثم أرضعت أبا سلمة قلت وبنت حمزة تقدم ذكرها وتسميتها في كتاب المغازي في شرح حديث البراء بن عازب في قوله فتبعتهم بنت حمزة تنادي يا عم الحديث وجملة ما تحصل لنا من الخلاف في اسمها سبعة أقوال إمامة وعمارة وسلمى وعائشة وفاطمة وامة الله ويعلى وحكى المزي في اسمائها أم الفضل لكن صرح بن بشكوال بأنها كنية الحديث الثالث حديث أم حبيبة وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم

[ 4813 ] قوله انكح أختي أي تزوج قوله بنت أبي سفيان في رواية يزيد بن أبي حبيب عن بن شهاب عند مسلم والنسائي في هذا الحديث انكح أختي عزة بنت أبي سفيان ولابن ماجة من هذا الوجه انكح أختي عزة وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث عند الطبراني أنها قالت يا رسول الله هل لك في حمنة بنت أبي سفيان قال أصنع ماذا قالت تنكحها وقد أخرجه المصنف بعد أبواب من رواية هشام لكن لم يسم بنت أبي سفيان ولفظه فقال فأفعل ماذا وفيه شاهد على جواز تقديم الفعل على ما الاستفهامية خلافا لمن أنكره من النحاة وعند أبي موسى في الذيل درة بنت أبي سفيان وهذا وقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان عن هشام أخرجه أبو نعيم والبيهقي من طريق الحميدي وقالا أخرجه البخاري عن الحميدي وهو كما قالا قد أخرجه عنه لكن حذف هذا الاسم وكأنه عمدا وكذا وقع في هذه الرواية زينب بنت أم سلمة وحذفه البخاري أيضا منها ثم نبه على أن الصواب درة وسيأتي بعد أربعة أبواب وجزم المنذري بان اسمها حمنه كما في الطبري وقال عياض لا نعلم لعزة ذكرا في بنات أبي سفيان الا في رواية يزيد بن أبي حبيب وقال أبو موسى الأشهر فيها عزة قوله أو تحبين ذلك هو استفهام تعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع عليه النساء من الغيره قوله لست لك بمخلية بضم الميم وسكون المعجمه وكسر اللام اسم فاعل من اخلى يخلي أي لست بمنفرده بك ولا خاليه من ضره وقال بعضهم هو بوزن فاعل الاخلاء متعديا ولازما من اخليت بمعنى خلوت من الضرة أي لست بمتفرغه ولا خاليه من ضره وفي بعض الروايات بفتح اللام بلفظ المفعول حكاها الكرماني وقال عياض مخلية أي منفرده يقال أخل أمرك وأخل به أي انفرد به وقال صاحب النهايه معناه لم أجدك خاليا من الزوجات وليس هو من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الأزواج قوله وأحب من شاركنى مرفوع بالابتداء أي إلى وفي رواية هشام الآتية قريبا من شركنى بغير ألف وكذا في الباب الذي بعده وكذا عند مسلم قوله في خير كذا للأكثر بالتنكير أي أي خير كان وفي رواية هشام في الخير قيل المراد به صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتضمنه لسعادة الدارين الساترة لما لعله يعرض من الغيرة التي جرت بها العاده بين الزوجات لكن في رواية هشام المذكورة وأحب من شركني فيك اخى فعرف أن المراد بالخير ذاته صلى الله عليه وسلم قوله فأنا نحدث بضم أوله وفتح الحاء على الباء للمجهول وفي رواية هشام المذكورة قلت بلغني وفي رواية عقيل في الباب الذي بعدها قلت يا رسول الله فوالله أنا لنتحدث وفي رواية وهب عن هشام عند إلى داود فوالله لقد أخبرت قوله انك تريد أن تنكح في رواية هشام الآتيه بلغني انك تخطب ولم اقف على اسم من أخير بذلك ولعله كان من المنافقين فإنه قد ظهر أن الخير لا أصل له وهذا مما يستدل به على ضعف المراسيل قوله بنت أبي سلمة في رواية عقيل الآتيه وكذا أخرجه الطبراني من طريق بن أخي الزهري عن الزهري ومن طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه ومن طريق عراك عن زينب بنت أم سلمة درة بنت أبي سلمة وهي بضم المهملة وتشديد الراء وفي رواية حكاها عياض وخطاها بفتح المعجمه وعند أبي داود من طريق هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة دره أو ذره على الشك شك زهير راويه عن هشام ووقع عند البيهقي من رواية الحميدي عن سفيان عن هشام بلغني انك تخطب زينب بنت أبي سلمة وقد تقدم التنبيه على خطئه ووقع عند أبي موسى في ذيل المعرفة حمنة بنت أبي سلمة وهو خطأ وقوله بنت أم سلمة هو استفهام استثبات لرفع الاشكال أو استفهام إنكار والمعنى أنها أن كانت بنت أبي سلمة من أم سلمة فيكون تحريمها من وجهين كما سيأتي بيانه وأن كانت من غيرها فمن وجه واحد وكأن أم حبيبه لم تطلع على تحريم ذلك أما لأن ذلك كان قبل نزول آية التحريم وأما بعد ذلك وظنت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال الكرماني ولاحتمال الثاني هو المعتمد والأول يدفعه سياق الحديث وكأن أم حبيبه استدلت على جواز الجمع بين الاختين بجواز الجمع بين المرأة وابنتها بطريق الآولى لآن الربيبة حرمت على التأييد والأخت حرمت في صورة الجمع فقط فاجابها صلى الله عليه وسلم بان ذلك لا يحل وأن الذي بلغها من ذلك ليس بحق وإنها تحرم عليه من جهتين قوله لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي قال القرطبي فيه تعليل الحكم بعلتين فإنه علل تحريمها بكونها ربيبة وبكونها بنت أخ من الرضاعة كذا قال والذي يظهر أنه نبه على أنها لو كان بها مانع واحد لكفى في التحريم فكيف وبها العان فليس من التعليل بعلتين في شيء لأن كل وصفين يجوز أن يضاف الحكم إلى كل منهما لو انفرد فأما أن يعاقبا فيضاف الحكم إلى الأول منهما كما في السببين إذا اجتمعا ومثاله لو أحدث ثم أحدث بغير تخلل ظهار فالحدث الثاني لم يعمل شيئا أو يضاف الحكم إلى الثاني كما في اجتماع السبب والمباشرة وقد يضاف إلى اشبههما وانسبهما سواء كان الأول أم الثاني فعلى كل تقدير لا يضاف إليهما جميعا وأن قدر أنه يوجد فالاضافة إلى المجموع ويكون كل منهما جزء علة لا علة مستقلة فلا تجتمع علتان على معلول واحد هذا الذي يظهر والمسألة مشهورة في الأصول وفيها خلاف قال القرطبي والصحيح جوازه لهذا الحديث وغيره وفي الحديث إشارة إلى أن التحريم بالربيبة أشد من التحريم بالرضاعة وقوله ربيبتي أي بنت زوجتي مشتقة من الرب وهو الإصلاح لأنه يقوم بأمرها وقيل من التربية وهو غلط من جهة الاشتقاق وقوله في حجري راعي فيه لفظ الآية وإلا فلا مفهوم له كذا عند الجمهور وأنه خرج مخرج الغالب وسيأتي البحث فيه في باب مفرد وفي رواية عراك عن زينب بنت أم سلمة عند الطبراني لو إني لم انكح أم سلمة ما حلت لي أن أباها أخي من الرضاعة ووقع في رواية بن عيينة عن هشام والله لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي فذكر بن حزم أن منهم من احتج به على أن لا فرق بين اشتراط كونها في الحجر أو لا وهو ضعيف لأن القصة واحدة والذين زادوا فيها لفظ في حجري حفاظ اثبات قوله أرضعتني وأبا سلمة أي وأرضعت أبا سلمة وهو من تقديم المفعول على الفاعل قوله ثويبة بمثلثة وموحدة مصغر كانت مولاة لأبي لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث قوله فلا تعرضن بفتح أوله وسكون العين وكسر الراء بعدها معجمة ساكنة ثم نون على الخطاب لجماعة النساء وبكسر المعجمة وتشديد النون خطاب لام حبيبة وحدها والأول أوجه وقال بن التين ضبط بضم الضاد في بعض الأمهات ولا أعلم له وجها لأنه أن كان الخطاب لجماعة النساء وهو الابين فهو بسكون الضاد لأنه فعل مستقبل مبني على أصله ولو أدخلت عليه التأكيد فشددت النون لكان تعرضنان لأنه يجتمع ثلاث نونات فيفرق بينهن بألف وأن كان الخطاب لام حبيبة خاصة فتكون الضاد مكسورة والنون مشددة وقال القرطبي جاء بلفظ الجمع وأن كانت القصة لاثنين وهما أم حبيبة وأم سلمة ردعا وزجرا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل ذلك وهذا كما لو رأى رجل امرأة تكلم رجلا فقال لها أتكلمين الرجال فإنه مستعمل شائع وكان لام سلمة من الأخوات قريبة زوج زمعة بن الأسود وقريبة الصغرى زوج عمر ثم معاوية وعزة بنت أبي أمية زوج منبه بن الحجاج ولها من البنات زينب راوية الخبر ودرة التي قيل أنها مخطوبة وكان لام حبيبة من الأخوات هند زوج الحارث بن نوفل وجويرية زوج السائب بن أبي حبيش وأميمة زوج صفوان بن أمية وأم الحكم زوج عبد الله بن عثمان وصخرة زوج سعيد بن الأخنس وميمونة زوج عروة بن مسعود لها من البنات حبيبة وقد روت عنه الحديث ولها صحبة وكان لغيرهما من أمهات المؤمنين من الأخوات أم كلثوم وأم حبيبة ابنتا زمعة أختا سودة وأسماء أخت عائشة وزينب بنت عمر أخت حفصة وغيرهن والله أعلم قوله قال عروة هو بالإسناد المذكور وقد علق المصنف طرفا منه في آخر النفقات فقال قال شعيب عن الزهري قال عروة فذكره أخرجه الاسماعيل من طريق الذهلي عن أبي اليمان بإسناده قوله وثويبة مولاة لأبي لهب قلت ذكرها بن منده في الصحابة وقال اختلف في اسلامها وقال أبو نعيم لا نعلم أحدا ذكر اسلامها غيره والذي في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرمها وكانت تدخل عليه بعدما تزوج خديجة وكان يرسل إليها الصلة من المدينة إلى أن كان بعد فتح خيبر ماتت ومات ابنها مسروح قوله وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم ظاهره أن عتقه لها كان قبل ارضاعها والذي في السير يخالفه وهو أن أبا لهب أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد الارضاع بدهر طويل وحكى السهيلي أيضا أن عتقها كان قبل الارضاع وسأذكر كلامه قوله اريه بضم الهمزة وكسر الراء وفتح التحتانية على البناء للمجهول قوله بعض أهله بالرفع على أنه النائب عن الفاعل وذكر السهيلي أن العباس قال لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال فقال ما لقيت بعدكم راحة الا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين قال وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فاعتقها قوله بشر حيبة بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة أي سوء حال وقال بن فارس أصلها الحوبة وهي المسكنة والحاجة فالياء في حيبة منقلبة عن واو الانكسار ما قبلها ووقع في شرح السنة للبغوي بفتح الحاء ووقع عند المستملي بفتح الخاء المعجمة أي في حالة خائبة من كل خير وقال بن الجوزي هو تصحيف وقال القرطبي يروي بالمعجمة ووجدته في نسخة معتمدة بكسر المهملة وهو المعروف وحكى في المشارق عن رواية المستملي بالجيم ولا أظنه الا تصحيفا وهو تصحيف كما قال قوله ماذا لقيت أي بعد الموت قوله لم الق بعدكم غير أني كذا في الأصول بحذف المفعول وفي رواية الإسماعيلي لم الق بعدكم رخاء وعند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لم الق بعدكم راحة قال بن بطال سقط المفعول من رواية البخاري ولا يستقيم الكلام الا به قوله غير إني سقيت في هذه كذا في الأصول بالحذف أيضا ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه وفي رواية الإسماعيلي المذكورة وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع وللبيهقي في الدلائل من طريق كذا مثله بلفظ يعني النقرة الخ وفي ذلك إشارة إلى حقارة ما سقى من الماء قوله بعتاقتي بفتح العين في رواية عبد الرزاق بعتقى وهو أوجه والوجه الأولى أن يقول باعتاقي لأن المراد التخليص من الرق وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة لكنه مخالف لظاهر القرآن قال الله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وأجيب أولا بان الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به وثانيا على تقدير القبول فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا من ذلك بدليل قصة أبي طالب كما تقدم أنه خفف عنه فنقل من الغمرات إلى الضحضاح وقال البيهقي ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه انهم لا يكون لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات وأما عياض فقال انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وأن كان بعضهم أشد عذابا من بعض قلت وهذا لا يرد الاحتمال الذي ذكره البيهقي فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه وقال القرطبي هذا التخفيف خاص بهذا وبمن ورد النص فيه وقال بن المنير في الحاشية هنا قضيتان إحداهما محال وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح وهذا مفقود من الكافر الثانية اثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلا من الله تعالى وهذا لا يحيله العقل فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبي طالب والمتبع في ذلك التوقيف نفيا واثباتا قلت وتتمة هذا أن يقع التفضل المذكور اكراما لمن وقع من الكافر البر له ونحو ذلك والله أعلم

قوله باب من قال لارضاع بعد حولين لقوله عز وجل حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة أشار بهذا إلى قول الحنفية أن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهرا وحجتهم قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا أي المدة المذكورة لكل من الحمل والفصال وهذا تأويل غريب والمشهور عند الجمهور أنها تقدير مدة أقل الحمل وأكثر مدة الرضاع وإلى ذلك صار أبو يوسف ومحمد بن الحسن ويؤيد ذلك أن أبا حنيفة لا يقول أن أقصى الحمل سنتان ونصف وعند المالكية رواية توافق قول الحنفية لكن منزعهم في ذلك أنه يغتفر بعد الحولين مدة يدمن الطفل فيها على الفطام لأن العادة أن الصبي لا يفطم دفعة واحدة بل على التدريج في أيام قليلات فللايام التي يحاول فيها فطامه حكم الحولين ثم اختلفوا في تقدير تلك المدة قيل يغتفر نصف سنة وقيل شهران وقيل شهر ونحوه وقيل أيام يسيرة وقيل شهر وقيل لا يزاد على الحولين وهي رواية بن وهب عن مالك وبه قال الجمهور ومن حجتهم حديث بن عباس رفعه لا رضاع إلا ما كان في الحولين أخرجه الدارقطني وقال لم يسنده عن بن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ أخرجه بن عدي وقال غير الهيثم يوقفه على بن عباس وهو المحفوظ وعندهم متى وقع الرضاع بعد الحولين ولو بلحظة لم يترتب عليه حكم وعند الشافعية لو ابتدأ الوضع في اثناء الشهر جبر المنكسر من شهر آخر ثلاثين يوما وقال زفر يستمر إلى ثلاث سنين إذا أن يجتزيء باللبن ولا يجتزيء بالطعام وحكى بن عبد البر عنه أنه يشترط مع ذلك أن يكون يجتزيء باللبن وحكى عن الأوزاعي مثله لكن قال بشرط أن لا يفطم فمتى فطم ولو قبل الحولين فما رضع بعده لا يكون رضاعا قوله وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره هذا مصير منه إلى التمسك بالعموم الوارد في الأخبار مثل حديث الباب وغيره وهذا قول مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وهو المشهور عند أحمد وذهب آخرون إلى أن الذي يحرم ما زاد على الرضعة الواحدة ثم اختلفوا فجاء عن عائشة عشر رضعات أخرجه مالك في الموطأ وعن حفصة كذلك وجاء عن عائشة أيضا سبع رضعات أخرجه بن أبي خيثمة بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير عنها وعبد الرزاق من طريق عروة كانت عائشة تقول لا يحرم دون سبع رضعات أو خمس رضعات وجاء عن عائشة أيضا خمس رضعات فعند مسلم عنها كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخت بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عنها قالت لا يحرم دون خمس رضعات معلومات وإلى هذا ذهب الشافعي وهي رواية عن أحمد وقال به بن حزم وذهب أحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وداود وأتباعه الا بن حزم إلى أن الذي يحرم ثلاث رضعات لقوله صلى الله عليه وسلم لا تحرم الرضعة والرضعتان فإن مفهومة أن الثلاث تحرم وأغرب القرطبي فقال لم يقل به الا داود ويخرج مما أخرجه البيهقي عن زيد بن ثابت بإسناد صحيح أنه يقول لا تحرم الرضعة والرضعتان والثلاث وأن الأربع هي التي تحرم والثابت من الأحاديث حديث عائشة في الخمس وأما حديث لا تحرم الرضعة والرضعتان فلعله مثال لما دون الخمس وإلا فالتحريم بالثلاث فما فوقها إنما يؤخذ من الحديث بالمفهوم وقد عارضه مفهوم الحديث الآخر المخرج عند مسلم وهو الخمس فمفهوم لا تحرم المصة ولا المصتان أن الثلاث تحرم ومفهوم خمس رضعات أن الذي دون الأربع لا يحرم فتعارضا فيرجع إلى الترجيح بين المفهومين وحديث الخمس جاء من طرق صحيحة وحديث المصتان جاء أيضا من طرق صحيحة لكن قد قال بعضهم أنه مضطرب لأنه اختلف فيه هل هو عن عائشة أو عن الزبير أو عن بن الزبير أو عن أم الفضل لكن لم يقدح الاضطراب عند مسلم فأخرجه من حديث أم الفضل زوج العباس أن رجلا من بني عامر قال يا رسول الله هل تحرم الرضعة الواحدة قال لا وفي رواية له عنها لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان قال القرطبي هو أنص ما في الباب الا أنه يمكن حمله على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف الرضيع وقوى مذهب الجمهور بان الأخبار اختلفت في العدد وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك فوجب الرجوع إلى أقل ما ينطلق عليه الاسم ويعضده من حيث النظر أنه معنى طاريء يقتضي تأييد التحريم فلا يشترط فيه العدد كالصهر أو يقال مائع يلج الباطن فيحرم فلا يشترط فيه العدد كالمني والله أعلم وأيضا فقول عائشة عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الاصوليين لأن القرآن لا يثبت الا بالتواتر والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآنا ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه والله أعلم قوله عن الأشعث هو بن أبي الشعثاء واسمه سليم بن الأسود المحاربي الكوفي قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل لم اقف على اسمه وأظنه بن الابي القعيس وغلط من قال هو عبد الله بن يزيد رضيع عائشة لأن عبد الله هذا تابعي باتفاق الأئمة وكأن أمة التي أرضعت عائشة عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فولدته فلهذا قيل له رضيع عائشة قوله فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك كذا فيه ووقع في رواية مسلم من طريق أبي الأحوص عن أشعث وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه وفي رواية أبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة فشق ذلك عليه وتغير وجه وتقدم من رواية سفيان الماضية في الشهادات فقال يا عائشة من هذا قوله فقالت أنه أخي في رواية غندر عن شعبة أنه أخي من الرضاعة أخرجه الإسماعيلي وقد أخرجه أحمد عن غندر بدونها وتقدم في الشهادات من طريق سفيان الثوري عن أشعث فذكرها وكذا ذكرها أبو داود في روايته من طريق شعبة وسفيان جميعا عن الأشعث قوله انظرن ما إخوانكن في رواية الكشميهني من إخوانكن وهي أوجه والمعنى تأملن ما وقع من ذلك هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في زمن الرضاعة ومقدار الارتضاع فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط قال المهلب معناه انظن ما سبب هذه الأخوة فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حتى تسد الرضاعة المجاعة وقال أبو عبيد معناه أن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع قوله فإنما الرضاعة من المجاعة فيه تعليل الباعث على امعان النظر والفكر لأن الرضاعة تثبت النسب وتجعل الرضيع محرما وقوله من المجاعة أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلا لسد اللبن جوعته لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير كجزء من المرضعة فيشترك في الحرمة مع أولادها فكأنه قال لا رضاعة معتبرة الا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة كقوله تعالى اطعمهم من جوع ومن شواهده حديث بن مسعود لا رضاع الا ما شد العظم وانبت اللحم أخرجه أبو داود مرفوعا وموقوفا وحديث أم سلمة لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء أخرجه الترمذي وصححه ويمكن أن يستدل به على أن الرضعة الواحدة لا تحرم لأنها لا تغني من جوع وإذا كان يحتاج إلى تقدير فأولى ما يؤخذ به ما قدرته الشريعة وهو خمس رضعات واستدل به على أن التغذية بلبن المرضعة يحرم سواء كان بشرب أم أكل بأي صفة كان حتى الوجور والسعوط والثرد والطبخ وغير ذلك إذا وقع ذل بالشرط المذكور من العدد لأن ذلك يطرد الجوع وهو موجود في جميع ما ذكر فيوافق الخبر والمعنى وبهذا قال الجمهور لكن استثنى الحنفية الحقنة وخالف في ذلك الليث وأهل الظاهر فقالوا أن الرضاعة المحرمة إنما تكون بالتقام الثدي ومص اللبن منه وأورد على بن حزم أنه يلزم على قولهم أشكال في التقام سالم ثدي سهلة وهي أجنبية منه فإن عياضا أجاب عن الاشكال باحتمال أنها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها قال النووي وهو احتمال حسن لكنه لا يفيد بن حزم لأنه لا يكتفى في الرضاع الا بالتقام الثدي لكن أجاب النووي بأنه عفي عن ذلك للحاجة وأما بن حزم فاستدل بقصة سالم على جواز مس الأجنبي ثدي الأجنبية والتقام ثديها إذا أراد أن يرتضع منها مطلقا واستدل به على أن الرضاعة إنما تعتبر في حال الصغر لأنها الحال الذي يمكن طرد الجوع فيها باللبن بخلاف حال الكبر وضابط ذلك تمام الحولين كما تقدم في الترجمة وعليه دل حديث بن عباس المذكور وحديث أم سلمة لا رضاع الا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام وصححه الترمذي وابن حبان قال القرطبي في قوله فإنما الرضاعة من المجاعة تثبيت قاعدة كلية صريحة في اعتبار الرضاع في الزمن الذي يستغني به الرضيع عن الطعام باللبن ويعتضد بقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة فإنه يدل على أن هذه المدة أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعا فما زاد عليه لا يحتاج إليه عادة فلا يعتبر شرعا إذ لا حكم للنادر وفي اعتبار ارضاع الكبير انتهاك حرمة المرأة بارتضاع الأجنبي منها لاطلاعه على عورتها ولو بالتقامه ثديها قلت وهذا الأخير على الغالب وعلى مذهب من يشترط إلتقام الثدي وقد تقدم قبل خمسة أبواب أن عائشة كانت لا تفرق في حكم الرضاع بين حال الصغر والكبر وقد استشكل ذلك مع كون هذا الحديث من روايتها واحتجت هي بقصة سالم مولى أبي حذيفة فلعلها فهمت من قوله إنما الرضاعة من المجاعة اعتبار مقدار ما يسد الجوعة من لبن المرضعة لمن يرتضع منها وذلك أعم من أن يكون المرتضع صغيرا أو كبيرا فلا يكون الحديث نصا في منع اعتبار رضاع الكبير وحديث بن عباس مع تقدير ثبوته ليس نصا في ذلك ولا حديث أم سلمة لجواز أن يكون المراد أن الرضاع بعد الفطام ممنوع ثم لو وقع رتب عليه حكم التحريم فما في الأحاديث المذكورة ما يدفع هذا الاحتمال لهذا عملت عائشة بذلك وحكاه النووي تبعا لابن الصباغ وغيره عن داود وفيه نظر وكذا نقل القرطبي عن داود أن رضاع الكبير يفيد رفع الاحتجاب منه ومال إلى هذا القول بن المواز من المالكية وفي نسبة ذلك لداود نظر فإن بن حزم ذكر عن داود أنه مع الجمهور وكذا نقل غيره من أهل الظاهر وهم أخبر بمذهب صاحبهم وإنما الذي نصر مذهب عائشة هذا وبالغ في ذلك هو بن حزم ونقله عن علي وهو من رواية الحارث الأعور عنه ولذلك ضعفه بن عبد البر وقال عبد الرزاق عن بن جريج قال رجل لعطاء أن امرأة سقتني من لبنها بعدما كبرت فأنكحها قال لا قال بن جريج فقلت له هذا رأيك قال نعم كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها وهو قول الليث بن سعد وقال بن عبد البر لم يختلف عنه في ذلك قلت وذكر الطبري في تهذيب الآثار في مسند على هذه المسألة وساق بإسناده الصحيح عن حفصة مثل قول عائشة وهو مما يخص به عموم قول أم سلمة أبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا أخرجه مسلم وغيره ونقله الطبري أيضا عن عبد الله بن الزبير والقاسم بن محمد وعروة في آخرين وفيه تعقب على القرطبي حيث خص الجواز بعد عائشة بداود وذهب الجمهور إلى اعتبار الصغر في الرضاع المحرم وقد تقدم ضبطه وأجابوا عن قصة سالم بأجوبة منها أنه حكم منسوخ وبه جزم المحب الطبري في احكامه وقرره بعضهم بان قصة سالم كانت في أوائل الهجرة والأحاديث الدالة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة فدل على تؤخرها وهو مستند ضعيف إذ لا يلزم من تأخر إسلام الراوي ولا صغره أن لا يكون ما رواه متقدما وأيضا ففي سياق قصة سالم ما يشعر بسبق الحكم باعتبار الحولين لقول امرأة أبي حذيفة في بعض طرقه حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ارضعيه قالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد علمت أنه رجل كبير وفي رواية لمسلم قالت أنه ذو لحية قال ارضعيه وهذا يعشر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبر في الرضاع المحرم ومنها دعوى الخصوصية بسالم وامرأة أبي حذيفة والأصل فيه قول أم سلمة وازواج النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى هذا الا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة وقرره بن الصباغ وغيره بان أصل قصة سالم ما كان وقع من التبني الذين أدى إلى اختلاط سالم بسهلة فلما نزل الاحتجاب ومنعوا من التبني شق ذلك على سهلة فوقع الترخيص لها في ذلك لرفع ما حصل لها من المشقة وهذا فيه نظر لأنه يقتضي الحاق من يساوي سهلة في المشقة والاحتجاج بها فتنفي الخصوصية ويثبت مذهب المخالف لكن يفيد الاحتجاج وقرره آخرون بان الأصل أن الرضاع لا يحرم فلما ثبت ذلك في الصغر خولف الأصل له وبقي ما عداه على الأصل وقصة سالم واقعة عين بطرقها احتمال الخصوصية فيجب الوقوف عن الاحتجاج بها ورأيت بخط تاج الدين السبكي أنه رأى في تصنيف لمحمد بن خليل الأندلسي في هذه المسألة أنه توقف في أن عائشة وأن صح عنها الفتيا بذلك لكن لم يقع منها إدخال أحد من الاجانب بتلك الرضاعة قال تاج الدين ظاهر الأحاديث ترد عليه وليس عندي فيه قول جازم لا من قطع ولا من ظن غالب كذا قال وفيه غفلة عما ثبت عند أبي داود في هذه القصة فكانت عائشة تأمر بنات اخوتها وبنات اخواتها أن يرضعن من احبت أن يدخل عليها ويراها وأن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها وإسناده صحيح وهو صريح فأي ظن غالب وراء هذا والله سبحانه وتعالى أعلم وفي الحديث أيضا جواز دخول من اعترفت المرأة بالرضاعة معه عليها وأنه يصير أخا لها وقبول قولها فيمن اعترفت به وأن الزوج يسأل زوجته عن سبب إدخال الرجال بيته والاحتياط في ذلك والنظر فيه وفي قصة سالم جواز الإرشاد إلى الحيل وقال بن الرفعة يؤخذ منه جواز تعاطي ما يحصل الحل في المستقبل وأن كان ليس حلالا في الحال

قوله باب لبن الفحل بفتح الفاء وسكون المهملة أي الرجل ونسبه اللبن إليه مجازيه لكونه السبب فيه

[ 4815 ] قوله عن بن شهاب لمالك فيه شيخ آخر وهو هشام بن عروة وسياقه للحديث عن عروة أتم وسيأتي قبيل كتاب الطلاق قوله أن أفلح أخا أبي القعيس بقاف وعين وسين مهملتين مصغر وتقدم في الشهادات من طريق الحكم عن عروة استأذن على أفلح فلم أذن له وفي رواية مسلم من هذا الوجه أفلح بن قعيس والمحفوظ أفلح أخو أبي القعيس ويحتمل أن يكون اسم أبيه قعيسا أو اسم جده فنسب إليه فتكون كنية أبي القعيس وافقت اسم أبيه أو اسم جده ويؤيد ما وقع في الأدب من طريق عقيل عن الزهري بلفظ فإن أخا بني القعيس وكذا وقع عند النسائي عن طريق وهب بن كيسان عن عروة وقد مضى في تفسير الأحزاب من طريق شعيب عن بن شهاب بلفظ أن أفلح أخا أبي القعيس وكذا المسلم من طريق يونس ومعمر عن الزهري وهو المحفوظ عن أصحاب الزهري لكن وقع عند مسلم من رواية بن عيينة عن الزهري أفلح بن أبي القعيس وكذا لآبي داود من طريق الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه ولمسلم من طريق بن جريج عن عطاء أخبرني عروة أن عائشة قالت استأذن على عمي من الرضاعة أبو الجعد قال فقال لي هشام إنما هو أبو القعيس وكذا وقع عند مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام استأذن عليها أبو القعيس وسائر للرواة عن هشام قالوا أفلح آخر أبي القعيس كما هو المشهور وكذا قال سائر أصحاب عروة ووقع عند سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد أن أب القعيس أتى عائشة يستأذن عليها وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق القاسم عن أبي قعيس والمحفوظ أن الذي استأذن هو افلح وأبو القعيس هو أخوه قال القرطبي كل ما جاء من الروايات وهم الا من قال أفلح أخو أبي القعيس أو قال أبو الجعد لأنها كنية أفلح قلت وإذا تدبرت ما حررت عرفت أن كثيرا من الروايات لا وهم فيه ولم يخطىء عطاء في قوله أبو الجعد فإنه يحتمل أن يكون حفظ كنية أفلح وأما اسم أبي القعيس فلم اقف عليه الا في كلام الدارقطني فقال هو وائل بن أفلح الأشعري وحكى هذا بن عبد البر ثم حكى أيضا أن اسمه الجعد فعلى هذا يكون أخوه وافق اسمه اسم أبيه ويحتمل أن يكون أبو القعيس نسب لجده ويكون اسمه وائل بن قعيس بن أفلح بن القعيس وأخوه أفلح بن قعيس بن أفلح أبو الجعد قال بن عبد البر في الاستيعاب لا أعلم لأبي القعيس ذكرا الا في هذا الحديث قوله وهو عمها من الرضاعة فيه التفات وكان السياق بقتضي أن يقول وهو عمي وكذا وقع عند النسائي من طريق معن عن مالك وفي رواية يونس عن الزهري عند مسلم وكان أبو القعيس أخا عائشة من الرضاعة قوله فأبيت أن إذن له في رواية عراك الماضية في الشهادات فقال اتحتجبين مني وأنا عمك وفي رواية شعيب عن الزهري كما مضى في تفسير سورة الأحزاب فقلت لا آذن له حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أخاه أبا القعيس ليس هو ارضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس وفي رواية معمر عن الزهري عند مسلم وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة قوله فأمرني أن إذن له في رواية شعيب ائذني له فإنه عمك تربت يمينك وفي رواية سفيان يداك أو يمينك وقد تقدم شرح هذه اللفظة في باب الأكفاء في الدين وفي رواية مالك عن هشام بن عروة أنه عمك فليج عليك وفي رواية الحكم صدق أفلح ائذني له ووقع في رواية سفيان الثوري عن هشام عند أبي داود دخل على أفلح فاستترت عنه فقال اتستترين مني وأنا عملك قلت من أين قال أرضعتك امرأة أخي قلت إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل الحديث ويجمع بأنه دخل عليها أولا فاستترت ودار بينهما الكلام ثم جاء يستأذن ظنا منه أنها قبلت قوله فلم تأذن له حتى تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية شعيب في آخره من الزيادة قال عروة فبذلك كانت عائشة تقول حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب ووقع في رواية سفيان بن عيينة ما تحرمون من النسب وهذا ظاهره الوقف وقد أخرجه مسلم من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن عروة في هذه القصة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وقد تقدمت هذه الزيادة عن عائشة أيضا مرفوعة من وجه آخر في أول أبواب الرضاع وفي الحديث أن لبن الفحل يحرم فتنتشر الحرمة لمن ارتضع الصغير بلبنه فلا تحل له بنت زوج المرأة التي أرضعته من غيرها مثلا وفيه خلاف قديم حكى عن بن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وغيرهم ونقله بن بطال عن عائشة وفيه نظر ومن التابعين عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي وإبراهيم النخعي وأبي قلابة وإياس بن معاوية أخرجها بن أبي شيبة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وعن بن سيرين نبئت أن ناسا من أهل المدينة اختلفوا فيه وعن زينب بنت أبي سلمة أنها سألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئا وقال به من الفقهاء ربيعة الرأي وإبراهيم بن علية وابن بنت الشافعي وداود وأتباعه وأغرب عياض ومن تبعه في تخصيصهم ذلك بداود وإبراهيم مع وجود الرواية عمن ذكرنا بذلك وحجتهم في ذلك قوله تعالى وامهاتكم اللاتي ارضعنكم ولم يذكر العمة ولا البنت كما ذكرهما في النسب واجيبوا بان تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه ولا سيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة واحتج بعضهم من حيث النظر بان اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل والجواب أنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه وأيضا فإن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معا فوجب أن يكون الرضاع منهما كالجد لما كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به لتعلقه بولده وإلى هذا أشار بن عباس بقويه في هذه المسألة اللقاح واحد أخرجه بن أبي شيبة وأيضا فإن الوطء يدر اللبن فللفحل فيه نصيب وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار كالأوزاعي في أهل الشام والثوري وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وابن جريج في أهل مكة ومالك في أهل المدينة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم إلى أن لبن الفحل يحرم وحجتهم هذا الحديث الصحيح والزم الشافعي المالكية في هذه المسألة برد أصلهم بتقديم عمل أهل المدينة ولو خالف الحديث الصحيح إذا كان من الاحاء لما رواه عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة من أن لبن الفحل لا يحرم قال عبد العزيز بن محمد وهذا رأي فقهائنا الا الزهري فقال الشافعي لا نعلم شيئا من علم الخاصة أولي بان يكون عاما ظاهرا من هذا وقد تركوه للخير الوارد فيلزمهم على هذا أما أن يردوا هذا الخبر وهم ولم يردوه أو يردوا ما خالف الخبر وعلى كل حال هو المطلوب قال القاضي عبد الوهاب يتصور تجريد لبن الفحل برجل له امرأتان ترضع إحداهما صبيا والأخرى صبية فالجمهور قالوا يحرم على الصبي تزويج الصبية وقال من خالفهم يجوز واستدل به على أن من ادعى الرضاع وصدقه الرضيع يثبت حكم الرضاع بينهما ولا يحتاج إلى بينة لأن أفلح ادعى وصدقته عائشة وأذن الشارع بمجرد ذلك وتعقب باحتمال أن يكون الشارع اطلع على ذلك من غير دعوى أفلح وتسليم عائشة واستدل به على أن قليل الرضاع يحرم كما يحرم كثيرة لعدم الاستفصال فيه ولا حجة فيه لأن عدم الذكر لا يدل على العدم المحض وفيه أن من شك في حكم يتوقف عن العمل حتى يسأل العلماء عنه وأن من اشتبه عليه الشيء طالب المدعى ببيانه ليرجع إليه أحدهما وأن العالم إذا سئل يصدق من قال الصواب فيها وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الاجانب ومشروعة استئذان المحرم على محرمه وأن المرأة لا تأذن في بيت الرجل الا بإذنه وفيه جواز التسمية بأفلح ويؤخذ منه أن المستفتي إذا بادر بالتعليل قبل سماع الفتوى أنكر عليه لقوله لها تربت يمينك فإن فيه إشارة إلى أنه كان من حقها أن تسأل عن الحكم فقط ولا تعلل والزم به بعضهم من أطلق من الحنفية القائلين أن الصحابي إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وصح عنه ثم صح عنه العمل بخلافه أن العمل بما رأى لا بما روى لأن عائشة صح عنها أن لا اعتبار بلبن الفحل ذكره مالك في الموطأ وسعيد بن منصور في السنن وأبو عبيد في كتاب النكاح بإسناد حسن وأخذ الجمهور ومنهم الحنفية بخلاف ذلك وعملوا بروايتها في قصة أخي أبي القعيس وحرموه بلبن الفحل فكان يلزمهم على قاعدتهم أن يتبعوا عمل عائشة ويعرضوا عن روايتها ولو كان روى هذا الحكم غير عائشة لكان لهم معذرة لكنه لم يروه غيرها وهو الزام قوي

قوله باب شهادة المرضعة أي وحدها وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك في كتاب الشهادات وأغرب بن بطال هنا فنقل الإجماع على أن شهادة المرأة وحدها لا تجوز في الرضاع وشبهه وهو عجيب منه فإنه قول جماعة من السلف حتى أن عند المالكية رواية أنها تقبل وحدها لكن بشرط فشو ذلك في الجيران

[ 4816 ] قوله على بن عبد الله هو بن المديني وإسماعيل بن إبراهيم هو المعروف بابن علية وعبيد بن أبي مريم مكي ماله في الصحيح سوى هذا الحديث ولا أعرف من حاله شيئا الا أن بن حبان ذكره في ثقات التابعين وقد أوضحت في الشهادات بيان الاختلاف في إسناده على بن أبي مليكة وأن العمدة فيه على سماع بن أبي مليكة له من عقبة بن الحارث نفسه وتقدم تسمية المرأة المعبر عنها هنا بفلانة بنت فلان وتسمية أبيها وأما المرضعة السوداء فما عرفت اسمها بعد قوله فأعرض عني في رواية المستملي فأعرض عنه وفيه التفات قوله دعها عنك وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى يحكي أيوب يعني يحكي إشارة أيوب والقائل على والحاكي إسماعيل والمراد حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث أشار بيده وقال بلسانه دعها عنك فحكى ذلك كل راو لمن دونه واستدل به على أن الرضاعة لا يشترط فيها عدد الرضعات وفيه نظر لأنه لا يلزم من عدم ذكرها عدم الاشتراط لاحتمال أن يكون ذلك قبل تقرير حكم اشتراط العدد أو بعد اشتهاره فلم يحتج لذكره في كل واقعة وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك ويؤخذ من الحديث عند من يقول أن الأمر بفراقها لم يكن لتحريمها عليه بقول المرضعة بل للاحتياط أن يحتاط من يريد أن يتزوج أو يزوج ثم اطلع على أمر فيه خلاف بين العلماء كمن زنى بها أو باشرها بشهوة أو زنى بها أصله أو فرعه أو خلقت من زناه بامها أو شك في تحريمها عليه بصهر أو قرابة ونحو ذلك والله أعلم

الأخ

قوله باب ما يحل من النساء وما يحرم وقوله تعالى حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم الآية إلى عليما حكيما كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى قوله وبنات الأخت ثم قال إلى قوله عليما حكيما وذلك يشتمل الآيتين فإن الأولى إلى قوله غفورا رحيما قوله وقال أنس والمحصنات من النساء ذوات الأزواج الحرائر حرام الا ما ملكت أيمانكم لا يرى بأسا أن ينزع الرجل جاريته وفي رواية الكشميهني جارية من عبدة وصله إسماعيل القاضي في كتاب أحكام القرآن بإسناد صحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك أنه قال في قوله تعالى والمحصنات ذوات الأزواج الحرائر إلا ما ملكت أيمانكم فإذا هو لا يرى بما ملك اليمين بأسا أن ينزع الرجل الجارية من عبدة فيطأها وأخرجه بن أبي شيبة من طريق أخرى عن التيمي بلفظ ذوات البعول وكان يقول بيعها طلاقها والأكثر على أن المراد بالمحصنات ذوات الأزواج يعني انهن حرام وأن المراد بالاستثناء في قوله الا ما ملكت ايمانكم المسبيات إذا كن متزوجات فإنهن حلال لمن سباهن قوله وقال أي قال الله عز وجل ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن أشار بهذا إلى التنبيه على من حرم نكاحها زائدا على ما في الآيتين فذكر المشركة وقد استثنيت الكتابية والزائدة على الرابعة فدل ذلك على أن العدد الذي في قول بن العباس الذي بعده لا مفهوم له وإنما أراد حصر ما في الآيتين قوله وقال بن عباس ما زاد على أربع فهو حرام كأمه وابنته وأخته وصله الفريابي وعبد بن حميد بإسناد صحيح عنه ولفظه في قوله تعالى والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم لا يحل له ان يتزوج فوق أربع نسوة فما زاد منهن فهن عليه حرام والباقي مثله وأخرجه البيهقي قوله وقال لنا أحمد بن حنبل هذا فيما قيل أخذه المصنف عن الإمام أحمد في المذاكرة أو الإجازة والذي ظهر لي بالاستقراء أنه إنما استعمل هذه الصيغة في الموقوفات وربما استعملها فيما فيه قصور ما عن شرطه والذي هنا من الشق الأول وليس للمصنف في هذا الكتاب رواية عن أحمد الا في هذا الموضع وأخرج عنه في آخر المغازي حديثا بواسطة وكأنه لم يكثر عنه لأنه في رحلته القديمة لقي كثيرا من مشايخ أحمد فاستغنى بهم وفي رحلته الأخيرة كان أحمد قد قطع التحديث فكان لا يحدث الا نادرا فمن ثم أكثر البخاري عن علي بن المديني دون أحمد وسفيان المذكور في هذا الإسناد هو الثوري وحبيب هو بن أبي ثابت قوله حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع في رواية بن مهدي عن سفيان عند الإسماعيلي حرم عليكم وفي لفظ حرمت عليكم قوله ثم قرأ حرمت عليكم امهاتكم الآية في رواية يزيد بن هارون عن سفيان عند الإسماعيلي قرأ الآيتين وإلى هذه الرواية أشار المصنف بقوله في الترجمة إلى عليما حكيما فإنها آخر الآيتين ووقع عند الطبراني من طريق عمير مولى بن عباس عن بن عباس في آخر الحديث ثم قرأ حرمت عليكم امهاتكم حتى بلغ وبنات الأخ وبنات الأخت ثم قال هذا النسب ثم قرأ وأمهاتكم اللاتي ارضعنكم حتى بلغ وأن تجمعوا بين الاختين وقرأ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فقال هذا الصهر انتهى فإذا جمع بين الروايتين كانت الجملة خمس عشرة امرأة وفي تسمية ما هو بالرضاع صهرا تجوز وكذلك امرأة الغير وجميعهن على التأييد الا الجمع بين الأختين وامرأة الغير ويلتحق بمن ذكر موطوءة الجد وأن علا وأم الأم ولو علت وكذا أم الأب وبنت الابن ولو سفلت وكذا بنت البنت وبنت بنت الأخت ولو سفلت وكذا بنت بنت الأخ وبنت بن الأخ والأخت وعمة الأب ولو علت وكذا عمة الأم وخالة الأم ولو علت وكذا خالة الأب وجدة الزوجة ولو علت وبنت الربيبة ولو سفلت وكذا بنت الربيب وزوجة بن الابن وابن البنت والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وسيأتي في باب مفرد ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وتقدم في باب مفرد وبيان ما قيل أنه يستثنى من ذلك قوله وجمع عبد الله بن جعفر أي بن أبي طالب بين بنت على وامرأة علي كأنه أشار بذلك إلى دفع من يتخيل أن العلة في منع الجمع بين الاختين ما يقع بينهما من القطيعة فيطرده إلى كل قريبتين ولو بالصهارة فمن ذلك الجمع بين المرأة وبنت زوجها والاثر المذكور وصله البغوي في الجعديات من طريق عبد الرحمن بن مهران أنه قال حمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت علي وامرأة علي ليلى بنت مسعود أخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر فقال ليلى بنت مسعود النهشلية وأم كلثوم بنت علي لفاطمة فكانتا امرأتيه وقوله لفاطمة أي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم لأنه تزوجهما واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع ذلك مبينا عند بن سعد قوله وقال بن سيرين لا بأس به وصله سعيد بن منصور عنه بسند صحيح وأخرجه بن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته أي من غيرها قال أيوب فسئل عن ذلك بن سيرين فلم ير به بأسا وقال نبئت أن رجلا كان بمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها وأخرج الدارقطني من طريق أيوب أيضا عن بن سيرين أن رجلا من أهل مصر كانت له صحبة يقال له جبلة فذكره قوله وكرهه الحسن مرة ثم قال لا بأس به وصله الدارقطني في اخر الأثر الذي قبله بلفظ وكان الحسن يكرهه وأخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح من طريق سلمة بن علقمة قال إني لجالس عند الحسن إذا سأله رجل عن الجمع بين البنت وامرأة زوجها فكرهه فقال له بعضهم يا أبا سعيد هل ترى به بأسا فنظر ساعة ثم قال ما أرى به بأسا وأخرج بن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي إنهم قالوا لا بأس به قوله وجمع الحسن بن الحسن بن علي بين بنتي عم في ليلة وصله عبد الرزاق وأبو عبيد من طريق عمرو بن دينار بهذا وزاد في ليلة واحدة بنت محمد بن علي وبنت عمر بن علي فقال محمد بن علي هو أحب إلينا منهما وأخرج عبد الرزاق أيضا والشافعي من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي فلم ينسب المرأتين ولم يذكر قول محمد بن علي وزاد فأصبح النساء لايدرين أين يذهبن قوله وكرهه جابر بن زيد للقطيعة وصله أبو عبيد من طريقه وأخرج عبد الرزاق نحوه عن قتادة وزاد وليس بحرام قوله وليس فيه تحريم لقوله تعالى وأحل لكم ما رواء ذلكم هذا من تفقه المصنف وقد صرح به قتادة قبله كما ترى وقد قال بن المنذر لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح قال وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مثل هذا أن يحرمه وقد أشار جابر بن زيد إلى العلة بقوله للقطيعة أي لأجل وقوع القطيعة بينهما لما يوجبه التنافس بين الضرتين في العادة وسيأتي التصريح بهذه العلة في حديث النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها بل جاء ذلك منصوصا في جميع القرابات فأخرج أبو داود وابن أبي شيبة من مرسل عيسى بن طلحة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان إنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن وقد نقل العمل بذلك عن بن أبي ليلى وعن زفر أيضا ولكن انعقد الإجماع على خلافة وقاله بن عبد البر وابن حزم وغيرهما قوله وقال عكرمة عن بن عباس إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته هذا مصير من بن عباس إلى أن المراد بالنهي عن الجمع بين الاختين إذا كان الجمع بعقد التزويج وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس في رجل زنى باخت امرأته قال تخطى حرمة إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته قال بن جريج وبلغني عن عكرمة مثله أخرجه بن أبي شيبة من طريق قيس بن سعد عن عطاء عن بن عباس قال جاوز حرمتين الى حرمة ولم تحرم عليه امرأته وهذا قول الجمهور وخالفت فيه طائفة كما سيجيء قوله ويروي عن يحيى الكندي عن الشعبي وأبي جعفر فيمن يلعب بالصبي أن أدخله فيه فلا يتزوجن أمة في رواية أبي ذر عن المستملي وابن جعفر بدل قوله وأبي جعفر والأول هو المعتمد وكذا وقع في رواية بن نصر بن مهدي عن المستملي كالجماعة وهكذا وصله وكيع في مصنفه عن سفيان الثوري عن يحيى قوله ويحيى هذا غير معروف ولم يتابع عليه انتهى وهو بن قيس وروى أيضا عن شريح روى عنه الثوري وأبو عوانة وشريك فقول المصنف غير معروف أي غير معروف العدالة وإلا فاسم الجهالة ارتفع عنه برواية هؤلاء وقد ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا وذكره بن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح والقول الذي رواه يحيى هذا قد نسب إلى سفيان الثوري والأوزاعي وبه قال أحمد وزاد وكذا لو تلوط بأبي امرأتة أو باخيها أو بشخص ثم ولد للشخص بنت من كلا منهن تحرم على الواطيء لكونها بنت أو أخت من نكحه وخالف ذلك الجمهور فخصوه بالمرأة المعقود عليها وهو ظاهر القرآن لقوله وأمهات نسائكم وأن تجمعوا بين الاختين والذكر ليس من النساء ولا أختا وعند الشافعية فيمن تزوج امرأة فلاط بها هل تحرم عليه بنتها أم لا وجهان والله أعلم قوله وقال عكرمة عن بن عباس إذا زنى بها لا تحرم عليه امرأته وصله البيهقي من طريق هشام عن قتادة عن عكرمة بلفظ في رجل غشي أم امرأته قال تخطى حرمتين ولا تحرم عليه امرأته وإسناده صحيح وفي الباب حديث مرفوع أخرجه الدارقطني والطبراني من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يتبع المرأة حراما ثم ينكح ابنتها أو البنت ثم ينكح أمها قال لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح حلال وفي اسنادهما عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك وقد أخرج بن ماجة طرفا منه من حديث بن عمر لا يحرم الحرام الحلال وإسناده أصلح من الأول قوله ويذكر عن أبي نصر عن بن عباس أنه حرمه وصله الثوري في جامعه من طريقه ولفظه أن رجلا قال أنه أصاب أم امرأته فقال له بن عباس حرمت عليك امرأتك وذلك بعد أن ولدت منه سبعة أولاد كلهم بلغ مبالغ الرجال قوله وأبو نصر هذا لم يعرف بسماعة من بن عباس كذا للأكثر وفي رواية بن المهدي عن المستملي لا يعرف سماعه وهي أوجه وأبو نصر هذا بصري اسدي وثقة أبو زرعة وفي الباب حديث ضعيف أخرجه بن أبي شيبة من حديث أم هانئ مرفوعا من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها وإسناده مجهول قاله البيهقي قوله ويروي عن عمران بن حصين والحسن وجابر بن زيد وبعض أهل العراق أنها تحرم عليه أما قول عمران فوصله عبد الرزاق من طريق الحسن البصري عنه قال فيمن فجر بأم امرأته حرمتا عليه جميعا ولا بأس بإسناده وأخرجه بن أبي شيبة من طريق قتادة عن عمران وهو منقطع وأما قول جابر بن زيد والحسن فوصله بن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما قال حرمت عليه امرأته قال قتادة لا تحرم غير أنه لا يغشى امرأته حتى تنقضي عدة التي زنى بها وأخرجه أبو عبيد من وجه آخر عن الحسن بلفظ إذا فجر بأم امرأته أو ابنة امرأته حرمت عليه امرأته وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قال يحيى بن يعمر للشعبي والله ما حرم حرام قط حلالا قط فقال الشعبي بلى لو صببت خمرا على ما حرم شرب ذلك الماء قال قتادة وكان الحسن يقول مثل قول الشعبي وأما قوله وقال بعض أهل العراق فلعله عنى به الثوري فإنه ممن قال بذلك من أهل العراق وقد أخرج بن أبي شيبة من طريق حماد عن إبراهيم عن علقمة عن بن مسعود قال لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وبنتها ومن طريق مغيرة عن إبراهيم وعامر هو الشعبي في رجل وقع على أم امرأته قال حرمتا عليه كلتاهما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قالوا إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها وبه قال من غير أهل العراق عطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وهي رواية عن مالك وأبي ذلك الجمهور وحجتهم أن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها لا على مجرد الوطء وأيضا فالزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث قال بن عبد البر وقد أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزاني تزوج من زنى بها فنكاح أمها وابنتها اجوز قوله وقال أبو هريرة لا تحرم عليه حتى يلزق بالأرض يعني حتى يجامع قال بن التين يلزق بفتح أوله وضبطه غيره بالضم وهو أوجه وبالفتح لازم وبالضم متعد يقال لزق به لزوقا والزقه بغيره وهو كناية عن الجماع كما قال المصنف وكأنه أشار إلى خلاف الحنفية فإنهم قالوا تحرم عليه امرأته بمجرد لمس أمها والنظر إلى فرجها فالحاصل أن ظاهر كلام أبي هريرة أنها لا تحرم الا أن وقع الجماع فيكون في المسألة ثلاثة آراء فمذهب الجمهور لا تحرم الا بالجماع مع العقد والحنفية وهو قول عن الشافعي تلتحق المباشرة بشهوة بالجماع لكونه استمتاع ومحل ذلك إذا كانت المباشرة بسبب مباح أما المحرم فلا يؤثر كالزنا والمذهب الثالث إذا وقع الجماع حلالا أو زنا أثر بخلاف مقدماته قوله وجوزه سعيد بن المسيب وعروة والزهري أي اجازوا للرجل أن يقيم مع امرأته ولو زنى بامها أو أختها سواء فعل مقدمات الجماع أو جامع ولذلك اجازوا له أن يتزوج بنت أو أم من فعل بها ذلك وقد روى عبد الرزاق من طريق الحارث بن عبد الرحمن قال سألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن الرجل يزني بالمرأة هل تحل له أمها فقالا لا يحرم الحرام الحلال وعن معمر عن الزهري مثله وعند البيهقي من طريق يونس بن يزيد عن الزهري أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها فقال قال بعض العلماء لا يفسد الله حلالا بحرام قوله وقال الزهري قال علي لا يحرم وهذا مرسل أما قول الزهري فوصله البيهقي من طرق يحيى بن أيوب عن عقيل عنه أنه سئل عن رجل وطئ أم امرأته فقال قال علي بن أبي طالب لا يحرم الحرام الحلال وأما قوله وهذا مرسل في رواية الكشميهني وهو مرسل أي منقطع فأطلق المرسل على المنقطع كما تقدم في فضائل القرآن والخطب فيه سهل والله أعلم

قوله باب وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن هذه الترجمة معقودة لتفسير الربيبة وتفسير المراد بالدخول فأما الربيبة فهي بنت امرأة الرجل قيل لها ذلك لأنها مربوبة وغلط من قال هو من التربية وأما الدخول ففيه قولا أحدهما أن المراد به الجماع وهو أصح قولي الشافعي والقول الآخر وهو قول الأئمة الثلاثة المراد به الخلوة قوله وقال بن عباس الدخول والمسيس واللماس هو الجماع تقدم ذكر من وصله عنه في تفسير المائدة وفيه زيادة وروى عبد الرزاق عن طريق بكر بن عبد الله المزني قال قال بن عباس الدخول والتغشي والإفضاء والمباشرة والرفث واللمس الجماع الا أن الله حي كريم يكنى بما شاء عما شاء قوله ومن قال بنات ولدها هن من بناتها في التحريم سقط من هنا إلى آخر الترجمة من رواية أبي ذر عن السرخسي وقد تقدم حكم ذلك في الباب الذي قبله قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم لام حبيبة الخ وقد وصله في الباب ووجه الدلالة من عموم قوله بناتكن لأن بنت الابن بنت قوله وكذلك حلائل ولد الأبناء هن حلائل الابناء أي مثلهن في التحريم وهذا بالاتفاق فكذلك بنات الأبناء وبنات البنات قوله وهل تسمى الربيبة وأن لم تكن في حجره أشار بهذا إلى أن التقييد بقوله في حجوركم هل هو للغالب أو يعتبر فيه مفهوم المخالفة وقد ذهب الجمهور إلى الأول وفيه خلاف قديم أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما من طريق إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس قال كانت عندي امرأة قد ولدت لي فماتت فوجدت عليها فلقيت علي بن أبي طالب قال لي مالك فأخبرته فقال إلها ابنة يعني من غيرك قلت نعم قال كانت في حجرك قلت لا هي في الطائف قال فأنكحها قلت فأين قوله تعالى وربائبكم قال أنها لم تكن في حجرك وقد دفع بعض المتأخرين هذا الأثر وادعى نفى نبوعه بان إبراهيم بن عبيد لا يعرف وهو عجيب فإن الأثر المذكور عند بن أبي حاتم في تفسيره من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة وإبراهيم ثقة تابعي معروف وأبوه وجده صحابيان والاثر صحيح عن علي وكذا صح عن عمر أنه أفتي من سأله إذ تزوج بنت رجل كانت تحته جدتها ولم تكن البنت في حجره أخرجه أبو عبيد وهذا وأن كان الجمهور على خلافه فقد احتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم فلا تعرضن علي بناتكن قال نعم ولم يقيد بالحجر وهذا فيه نظر لأن المطلق محمول على المقيد ولولى الإجماع الحادث في المسألة وندرة المخالف لكان الأخذ به أولي لأن التحريم جاء مشروطا بأمرين أن تكون في الحجر وأن يكون الذي يريد التزويج قد دخل بالأم فلا تحرم بوجود أحد الشرطين واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي وهذا وقع في بعض طرق الحديث كما تقدم وفي أكثر طرقه لو لم تكن ربيبتي في حجري فقيد بالحجر كما قيد به القرآن فقوي اعتباره والله أعلم قوله ودفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبة له إلى من يكفلها هذا طرف من حديث وصله البزار والحاكم من طريق أبي إسحاق عن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه وكان النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه زينب بنت أم سلمة وقال إنما أنت ظئري قال فذهب بها ثم جاء فقال ما فعلت الجويرية قال عند أمها يعني من الرضاعة وجئت لتعلمني فذكر حديثا فيما يقرأ عند النوم وأصله عند أصحاب السنن الثلاثة بدون القصة واصل قصة زينب بنت أم سلمة عند أحمد وصححه بن حبان من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن أم سلمة أخبرته أنها لما قدمت المدينة فذكرت القصة في هجرتها ثم موت أبي سلمة قالت فلما وضعت زينب جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني الحديث وفيه فجعل يأتينا فيقول أين زناب حتى جاء عمار هو بن ياسر فاختلجها وقال هذه تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وكانت ترضعها فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين زناب فقالت قريبة بنت أبي أمية وهي أخت أم سلمة وافقتها عندما أخذها عمار بن ياسر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني اتيكم الليلة وفي رواية لأحمد فجاء عمار وكان أخاها لأمها يعني أم سلمة فدخل عليها فانتشطها من حجرها وقال دعي هذه المقبوحة الحديث قوله وسمي النبي صلى الله عليه وسلم بن ابنته ابنا هذا طرف من حديث تقدم موصولا في المناقب من حديث أبي بكرة وفيه أن ابني هذا سيد يعني الحسن بن علي وأشار المصنف بهذا إلى تقوية ما تقدم ذكره في الترجمة أن بنت بن الزوجة في حكم بنت الزوجة ثم ساق حديث أم حبيبة قلت يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان وقد تقدم شرحه مستوفى قبل هذا وقوله

[ 4817 ] أرضعتني وأباها ثويبة هو بفتح الهمزة والموحدة الخفيفة وثويبة بالرفع الفاعل والضمير لبنت أم سلمة والمعنى أرضعتني ثويبة وارضعت والد درة بنت أبي سلمة وقد تقدم في الباب الماضي التصريح بذلك فقال أرضعتني وأبا سلمة وإنما نبهت على ذلك لأن صاحب المشارق نقل أن بعض الرواة عن أبي ذر رواها بكسر الهمزة وتشديد التحتانية فصحف ويكفى في الرد عليه قوله الرواية في الأخرى أنها ابنة أخي من الرضاعة ووقع في رواية لمسلم أرضعتني وأباها أبا سلمة قوله وقال الليث حدثنا هشام درة بنت أم سلمة يعني أن الليث رواه عن هشام بن عروة بالإسناد المذكور فسمى بنت أم سلمة درة وكأنه رمز بذلك إلى غلط من سماها زينب وقد قدمت أنها في رواية الحميدي عن سفيان وأن المصنف أخرجه عن الحميدي فلم يسمها وقد ذكر المصنف الحديث أيضا في الباب الذي بعده من طريق الليث أيضا عن بن شهاب عن عروة فسماها أيضا درة

قوله باب وأن تجمعوا بين الاختين اورد فيه حديث أم حبيبة المذكور لقوله فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن والجمع بين الاختين في التزويج حرام بالإجماع سواء كانتا شقيقتين أم من أب أم من أم وسواء النسب والرضاع واختلف فيما إذا كانتا بملك اليمين فأجازه بعض السلف وهو رواية عن أحمد والجمهور وفقهاء الأمصار على امنع ونظيره الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وحكاه الثوري عن الشيعة

قوله باب لا تنكح المرأة على عمتها أي ولا على خالتها وهذا اللفظ رواية أبي بكر أبي شيبة عن عبد الله بن المبارك بإسناد حديث الباب وكذا هو عند مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومن طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة

[ 4819 ] قوله عاصم هو بن سليمان البصري الأحول قوله الشعبي سمع جابرا كذا قال عاصم وحده قوله وقال داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة أما رواية داود هو بن أبي هند فوصلها أبو داود والترمذي والدارمي من طريقه قال حدثنا عامر هوالشعبي أنبأنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو المرأة على خالتها أو العمة على بنت أخيها أو الخالة على بنت أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى لفظ الدارمي والترمذي نحوه ولفظ أبي داود لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وأخرجه مسلم من وجه آخر عن داود بن أبي هند فقال عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فكان لداود فيه شيخين وهو محفوظ لابن سيرين عن أبي هريرة من غير هذا الوجه وأما رواية بن عون وهو عبد الله فوصلها النسائي من طريق خالد بن الحارث عنه بلفظ لا تزوج المرأة على عمتها ولا على خالتها وقع لنا في فوائد أبي محمد بن أبي شريح من وجه آخر عن بن عون بلفظ نهى أن تنكح المرأة على ابنة أخيها أو ابنة أختها والذي يظهر أن الطريقين محفوظان وقد رواه حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبي عن جابر أو أبي هريرة لكن نقل البيهقي عن الشافعي أن هذا الحديث لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث الا عن أبي هريرة وروى من وجوه لا يثبتها هل العلم بالحديث قال البيهقي هو كما قال قد جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة وليس فيها شيء على شرط الصحيح وإنما اتفقا على اثبات حديث أبي هريرة وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الاختلاف على الشعبي فيه قال والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية بن عون وداود بن أبي هند اه وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة وللحديث طرق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق بن جريج عن أبي الزبير عن جابر والحديث محفوظ أيضا من أوجه عن أبي هريرة فلكل من الطريقين ما يعضده وقول من نقل البيهقي عنه تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفى بتخريج البخاري له موصولا قوة قال بن عبد البر كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة يعني من وجه يصح وكأنه لم يصحح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة والحديثان جميعا صحيحان وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله وفي الباب لكن لم يذكر بن مسعود ولا بن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا إمامة وسمرة ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حدث زينب امرأة بن مسعود فصار عدة من رواه غير الأولين ثلاثة عشر نفسا واحاديثهم موجودة عند بن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم ولولا خشية التطويل لاوردتها مفصلة لكن في لفظ حديث بن عباس عند بن أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين وفي روايته عند بن حبان نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال انكن إذا فعلتن ذلك قطعتن ارحامكن قال الشافعي تحريم الجمع بين من ذكر هو قول من لقيته من المفتين لا اختلاف بينهم في ذلك وقال الترمذي بعد تخريجه العمل على هذا عند عامه أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا أنه لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ولا أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها وقال بن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج وإذا ثبت الحكم بالسنة واتفق أهل العلم على القول به لم يضره خلاف من خالفه وكذا نقل الإجماع بن عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي لكن استثنى بن حزم عثمان البتي وهو أحد الفقهاء القدماء من أهل ابصرة وهو بفتح الموحدة وتشديد المثاة واستثنى النووي طائفة من الخوارج والشيعة واستثنى القرطبي الخوارج ولفظه أختار الخوارج الجمع بين الاختين وبين المرأة وعمتها وخالتها ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين أه وفي نقله عنهم جواز الجمع بين الاختين غلط بين فإن عمدتهم التمسك بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة وإنما يردون الأحاديث لاعتقادهم عدم الثقة بنقلتها وتحريم الجمع بين الاختين بنصوص القرآن ونقل بن دقيق العيد تحريم الجمع بين المرأة وعمتها عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف

[ 4820 ] قوله لا يجمع ولا ينكح كله في الروايات بالرفع على الخبر عن المشروعية وهو يتضمن النهي قاله القرطبي

[ 4821 ] قوله على عمتها ظاهره تخصيص المنع بما إذا تزوج إحداهما على الأخرى ويؤخذ منه منع تزويجهما معا فإن جمع بينهما بعقد بطلا أو مرتبا بطل الثاني قوله في الرواية الأخيرة فنرى بضم النون أي تظن وبفتحها أي نعتقد قوله خالة أبيها بتلك المنزلة أي من التحريم قوله لأن عروة حدثني الخ في أخذ هذا الحكم من هذا الحديث نظر وكأنه أراد الحاق ما يحرم بالصهر بما يحرم بالنسب كما يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب ولما كانت خالة الأب من الرضاع لا يحل نكاحها فكذلك خالة الأب لا يجمع بينها وبين بنت بن أخيها وقد تقدم شرح حديث عائشة المذكور قال النووي احتج الجمهور بهذه الأحاديث وخصوا بها عموم القرآن في قوله تعالى وأحل لكم ما رواء ذلكم وقد ذهب الجمهور إلى جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الاحاد وانفصل صاحب الهداية من الحنفية عن ذلك بان هذا من الأحاديث المشهورة التي تجوز الزيادة على الكتاب بمثلها والله أعلم

قوله باب الشغار بمعجمتين مكسور الأول

[ 4822 ] قوله نهى عن الشغار في رواية بن وهب عن مالك نهى عن نكاح الشغار ذكره بن عبد البر وهو مراد من حذفه قوله والشغار أن يزوج الرجل ابنته الخ قال بن عبد البر ذكر تفسير الشغار جميع رواة مالك عنه قلت ولا يرد على إطلاقه أن أبا داود أخرجه عن القعنبي فلم يذكر التفسير وكذا أخرجه الترمذي من طريق معن بن عيسى لأنهما اختصرا ذلك في تصنيفهما وإلا فقد أخرجه النسائي من طريق معن بالتفسير وكذا أخرجه الخطيب في المدرج من طريق القعنبي نعم اختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار فالأكثر لم ينسبوه لأحد ولهذا قال الشافعي فيما حكاه البيهقي في المعرفة لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن بن عمر أو عن نافع أو عن مالك ونسبه محرز بن عون وغيره لمالك قال الخطيب تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع وقد بين ذلك بن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون ثم ساقه كذلك عنهم ورواية محرز بن عون عند الإسماعيلي والدارقطني في الموطآت وأخرجه الدارقطني أيضا من طريق خالد بن مخلد عن مالك قال سمعت أن الشغار أن يزوج الرجل الخ وهذا دال على أن التفسير من منقول مالك لا من مقوله ووقع عند المصنف كما سيأتي في كتاب ترك الحيل من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث تفسير الشغار من قول نافع ولفظه قال عبيد الله بن عمر قلت لنافع ما الشغار فذكره فلعل مالكا أيضا نقله عن نافع وقال أبو الوليد الباجي الظاهر أنه من جملة الحديث وعليه يحمل حتى يتبين أنه من قول الراوي وهو نافع قلت قد تبين ذلك ولكن لا يلزم من كونه لم يرفعه أن لا يكون في نفس الأمر مرفوعا فقد ثبت ذلك من غير رواته فعند مسلم من رواية أبي أسامة وابن نمير عن عبيد الله بن عمر أيضا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مثله سواء قال وزاد بن نمير والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي وزوجني اختك وازوجك أختي وهذا يحتمل أن يكون من كلام عبيد الله بن عمر فيرجع إلى نافع ويحتمل أن يكون تلقاه عن أبي الزناد ويؤيد الاحتمال الثاني وروده في حديث أنس وجابر وغيرهما أيضا فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت وأبان عن أنس مرفوعا لا شغار في الإسلام والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته وروى البيهقي من طريق نافع بن يزيد عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا نهى عن الشغر والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه وأخرج أبو الشيخ في كتاب النكاح من حديث أبي ريحانة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المشاغرة والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر قال القرطبي تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود وأن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم بالمقال واقعد بالحال اه وقد اختلف الفقهاء هل يعتبر في الشغار الممنوع ظاهر الحديث في تفسيره فإن فيه وصفين أحدهما تزويج كل من الوليين وليته للاخر بشرط أن يزوجه وليته والثاني خلو بضع كل منهما من الصداق فمنهم من اعتبرهما معا حتى لا يمنع مثلا إذا زوج كل منهما الآخر بغير شرط وأن لم يذكر الصداق أو زوج كل منهما الآخر بالشرط وذكر الصداق وذهب أكثر الشافعية إلى أن علة النهي الاشتراك في البضع لأن بضع كل منهما يصير مورد العقد وجعل البضع صداقا مخالف لا يراد عقد النكاح وليس المقتضى للبطلان ترك ذكر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسمية الصداق واختلفوا فيما إذا لم يصرحا بذكر البضع فالاصح عندهم الصحة ولكن وجد نص الشافعي على خلافه ولفظه إذا زوج الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت لأخر على أن صداق كل واحدة بضع الأخرى أو على أن ينكحه الأخرى ولم يسم أحد منهما لواحدة منهما صداقا فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منسوخ هكذا ساقه البيهقي بإسناده الصحيح عن الشافعي قال وهو الموافق للتفسير المنقول في الحديث واختلف نص الشافعي فيما إذا سمي مع ذلك مهرا فنص في الإملاء على البطلان وظاهر نصه في المختصر الصحة وعلى ذلك اقتصر في النقل عن الشافعي من ينقل الخلاف من أهل المذاهب وقال القفال العلة في البطلان التعليق والتوقيف فكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح بنتي حتى ينعقد لي نكاح بنتك وقال الخطابي كان بن أبي هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة ويستثني عضوا من أعضائها وهو مما لا خلاف في فساده وتقرير ذلك أنه يزوج وليته ويستثنى بضمها حيث يجعله صداقا للأخرى وقال الغزالي في الوسيط صورته الكاملة أن يقول زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك قال شيخنا في شرح الترمذي ينبغي أن يزاد ولا يكون مع البضع شيء آخر ليكون متفقا على تحريمه في المذهب ونقل الخرقي أن أحمد نص على أن علة البطلان ترك ذكر المهر ورجح بن تيمية في المحرر أن العلة التشريك في البضع وقال بن دقيق العيد ما نص عليه أحمد هو ظاهر التفسير المذكور في الحديث لقوله فيه ولا صداق بينهما فإنه يشعر بان جهة الفساد ذلك وأن كان يحتمل أن يكون ذلك ذكر لملازمته لجهة الفساد ثم قال وعلى الجملة ففيه شعور بان عدم الصداق له مدخل في النهي ويؤيده حديث أبي ريحانة الذي تقدم ذكره وقال بن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه بن المنذر عن الاوزاعي وذهب الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المثل وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور وهو قول على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة لكن قال الشافعي أن النساء محرمات الا ما أحل الله أو ملك يمين فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم تنبيه ذكر البنت في تفسير الشغار مثال وقد تقدم في رواية أخرى ذكر الأخت قال النووي اجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات في ذلك والله أعلم

قوله باب هل للمرأة أن تهب نفسها لاحد أي فيحل له نكاحها بذلك وهذا يتناول صورتين إحداهما مجرد الهبة من غير ذكر مهر والثاني العقد بلفظ الهبة فالصورة الأولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح وأجازه الحنفية والأوزاعي ولكن قالوا يجب مهر المثل وقال الأوزاعي أن تزوج بلفظ الهبة وشرط أن لا مهر لم يصح النكاح وحجة الجمهور قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين فعدلوا ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأنه يتزوج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال ولا في المال وأجاب المجيزون عن ذلك بان المراد أن الواهبة تختص به لا مطلق الهبة والصورة الثانية ذهب الشافعية وطائفة إلى أن النكاح لا يصح الا بلفظ النكاح أو التزويج لأنهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث وذهب الأكثر إلى أنه يصح بالكنايات واحتج الطحاوي لهم بالقياس على الطلاق فإنه يجوز بصرائحه وبكناياته مع القصد

[ 4823 ] قوله حدثنا هشام هو بن عروة عن أبيه قال كانت خوله هذا مرسل لأن عروة لم يدرك زمن القصة لكن السياق يشعر بأنه حمله عن عائشة وقد ذكر المصنف عقب هذه الطريق رواية من صرح فيه بذكر عائشة تعليقا وقد تقدم في تفسير الأحزاب من طريق أبي أسامة عن هشام كذلك موصولا قوله بنت حكيم أي بن أمية بن الأوقص السلمية وكانت زوج عثمان بن مظعون وهي من السابقات إلى الإسلام وأمها من بني أمية قوله من اللائي وهبن وكذا وقع في رواية أبي أسامة المذكورة قالت كنت أغار من اللائي وهبن انفسهن وهذا يشعر بتعدد الواهبات وقد تقدم تفسيرهن في تفسير سورة الأحزاب ووقع في رواية أبي سعيد المؤدب الاتي ذكرها في المعلقات عن عروة عن عائشة قالت التي وهبت نفسها النبي صلى الله عليه وسلم خوله بنت حكيم وهذا محمول على تأويل أنها السابقة إلى ذلك أو نحو ذلك من الوجوه التي لا تقتضي الحصر المطلق قوله فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها وفي رواية محمد بن بشر الموصولة عن عائشة أنها كانت تعير اللائي وهبن انفسهن قوله أن تهب نفسها زاد في رواية محمد بن بشر بغير صداق قوله فلما نزلت ترجئ من تشاء في رواية عبدة بن سليمان فانزل الله ترجئ وهذا أظهر أن نزول الآية بهذا السبب قال القرطبي حملت عائشة على هذا التقبيح الغيرة التي طبعت عليها النساء وإلا فقد علمت أن الله أباح لنبيه ذلك وأن جميع النساء لو ملكن له رقهن لكان قليلا قوله ما أرى ربك الا يسارع في هواك في رواية محمد بن بشر إني لأرى ربك يسارع لك في هواك أي في رضاك قال القرطبي هذا قول ابرزه الدلال والغيرة وهو من نوع قولها ما أحمد كما ولا أحمد الا الله وإلا فاضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمل على ظاهره لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق ولكن الغيرة يغتفر لاجلها إطلاق مثله ذلك قوله رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة يزيد بعضهم على بعض أما رواية أبي سعيد واسمه محمد بن مسلم بن أبي الوضاح فوصلها بن مردوية في التفسير والبيهقي من طريق منصور بن أبي مزاحم عنه مختصرا كما نبهت عليه قالت التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم حسب وأما رواية محمد بن بشر فوصلها الإمام أحمد عنه بتمام الحديث وقد بينت ما فيه من زيادة وفائدة وأما رواية عبدة وهو بن سليمان فوصلها مسلم وابن ماجة من طريقه وهي نحو رواية محمد بن بشر 3

قوله باب نكاح المحرم كأنه يحتج إلى الجواز لأنه لم يذكر في الباب شيئا غير حديث بن عباس في ذلك ولم يخرج حديث المنع كأنه لم يصح عنده على شرطه

[ 4824 ] قوله أخبرنا عمرو هو بن دينار وجابر بن زيد هو أبو الشعثاء قوله تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم تقدم في أواخر الحج من طريق الأوزاعي عن عطاء عن بن عباس بلفظ تزوج ميمونة وهو محرم وفي رواية عطاء المذكورة عن بن عباس عند النسائي تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها إياه وتقدم في عمره القضاء من رواية عكرمة بلفظ حديث الأوزاعي وزاد وبنا بها وهي حلال وماتت بسرف قال الأثرم قلت لأحمد أن أبا ثور يقول بأي شيء يدفع حديث بن عباس أي مع صحته قال فقال الله المستعان بن المسيب يقول وهم بن عباس وميمونة تقول تزوجني وهو حلال اه وقد عارض حديث بن عباس حديث عثمان لا ينكح المحرم ولا ينكح أخرجه مسلم ويجمع بينه وبين حديث بن عباس يحمل حديث بن عباس على أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وقال بن عبد البر اختلفت الآثار في هذا الحكم لكن الرواية أنه تزوجها وهو حلال جاءت من طرق شتى وحديث بن عباس صحيح الإسناد لكن الوهم إلى الواحد أقرب إلى الوهم من الجماعة فأقل أحوال الخبرين أن يتعارضا فتطلب الحجة من غيرهما وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو المعتمد أه وقد تقدم في أواخر كتاب الحج البحث في ذلك ملخصا وأن منهم من حمل حديث عثمان على الوطء وتعقب بأنه ثبت فيه لا ينكح بفتحا أوله لا ينكح بضم أوله ولا يخطب ووقع في صحيح بن حبان زيادة ولا يخطب عليه ويترجح حديث عثمان بأنه تقعيد قاعدة وحديث بن عباس واقعة عين تحتمل انواعا من الاحتمالات فمنها أن بن عباس كان يرى أن من قلد الهدى يصير محرما كما تقدم تقرير ذلك عنه في كتاب الحج والنبي صلى الله عليه وسلم كان قلد الهدى في عمرته تلك التي تزوج فيها ميمونة فيكون إطلاقه أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم أي عقد عليها بعد أن قلد الهدى وأن لم يكن تلبس بالاحرام وذلك أنه كان أرسل إليها أبا رافع يخطبها فجعلت أمرها إلى العباس فزوجها من النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من طريق مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما قال الترمذي لا نعلم أحدا اسنده غير حماد بن زيد عن مطر ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان مرسلا ومنها أن قول بن عباس تزوج ميمونة وهو محرم أي داخل الحرام أو في الشهر الحرام قال الأعشى قتلوا كسرى بليل محرما أي في الشهر الحرام وقال آخر قتلوا بن عفان الخليفة محرما أي في البلد الحرام وإلى هذا التأويل جنح بن حبان فجزم به في صحيحه وعارض حديث بن عباس أيضا حديث يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال أخرجه مسلم من طريق الزهري قال وكانت خاله كما كانت خالته بن عباس وأخرج مسلم من وجه آخر عن يزيد بن الأصم قال حدثتني ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة بن عباس وأما أثر بن المسيب الذي أشار إليه أحمد فأخرجه أبو داود وأخرج البيهقي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن بن عباس الحديث قال وقال سعيد بن المسيب ذهل بن عباس وأن كانت خالته ما تزوجها الا بعد ما أحل قال الطبري الصواب من القول عندنا أن نكاح المحرم فاسد لصحة حديث عثمان وأما قصة ميمونة فتعارضت الأخبار فيها ثم ساق من طريق أيوب قال أنبئت أن الاختلاف في زواج ميمونة إنما وقع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث إلى العباس لينكحها إياه فأنكحه فقال بعضهم انكحها قبل أن يحرم النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بعد ما أحرم وقد ثبت أن عمر وعليا وغيرهما من الصحابة فرقوا بين محرم نكح وبين امرأته ولا يكون هذا الا عن ثبت تنبيه قدمت في الحج أن حديث بن عباس جاء مثله صحيحا عن عائشة وأبي هريرة فأما حديث عائشة فأخرجه النسائي من طريق أبي سلمة عنه وأخرجه الطحاوي والبزار من طريق مسروق عنها وصححه بن حبان وأكثر ما أعلى بالإرسال وليس ذلك قادح فيه وقال النسائي أخبرنا عمرو بن علي أنبأنا أبو عاصم عن عثمان بن الأسود عن بن أبي مليكة عن عائشة مثله قال عمرو بن علي قلت لأبي عاصم أنت امليت علينا من الرقعة ليس فيه عائشة فقال دع عائشة حتى انظر فيه وهذا إسناد صحيح لولا هذه القصة لكن هو شاهد قوي أيضا وأما حديث أبي هريرة أخرجه الدارقطني وفي إسناده كامل أبو العلاء وفيه ضعف لكنه يعتضد بحديثي بن عباس وعائشة وفيه رد على قول بن عبد البر أن بن عباس تفرد من بين الصحابة بان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم وجاء عن الشعبي ومجاهد مرسلا مثله أخرجهما بن أبي شيبة وأخرج الطحاوي من طريق عبد الله بن محمد بن أبي بكر قال سألت أنسا عن نكاح المحرم فقال لا بأس به وهل هو الا كالبيع وإسناده قوي لكنه قياس في مقابل النص فلا عبرة به وكان أنسا لم يبلغه حديث عثمان

قوله باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا يعني تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة وقوله في الترجمة أخيرا يفهم منه أنه كان مباحا وأن النهي عنه وقع في آخر الأمر وليس في أحاديث الباب التي أوردها التصريح بذلك لكن قال في آخر الباب أن عليا بين أنه منسوخ وقد وردت عدة أحاديث صحيحة صريحة بالنهي عنها بعد الإذن فيها وأقرب ما فيها عهدا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق الزهري قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع وسأذكر الاختلاف في حديث سبرة هذا وهو بن معبد بعد هذا الحديث الأول

[ 4825 ] قوله أخبرني الحسن بن محمد بن علي أي بن أبي طالب وأبوه محمد هو الذي يعرف بابن الحنفية وأخوه عبد الله بن محمد أما الحسن فأخرج له البخاري غير هذا منها ما تقدم له في الغسل من روايته عن جابر ويأتي له في هذا الباب آخر عن جابر وسلمة بن الأكوع وأما أخوه عبد الله بن محمد فكنيته أبو هاشم وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ووثقه بن سعد والنسائي والعجلي وقد تقدمت له طريق أخرى في غزوة خيبر من كتاب المغازي وتأتي أخرى في كتاب الذبائح وأخرى في ترك الحيل وقرنه في المواضع الثلاثة بأخيه الحسن وذكر في التاريخ عن بن عيينة عن الزهري أخبرنا الحسن وعبد الله ابنا محمد بن علي وكان الحسن أوثقهما ولأحمد عن سفيان وكان الحسن ارضاهما إلى أنفسنا وكان عبد الله يتبع السبئية اه والسبيئة بمهملة ثم موحدة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ وهو من رؤساء الروافض وكان المختار بن أبي عبيد على رأيه ولما غلب على الكوفة وتتبع قتلة الحسين فقتلهم احبته الشيعة ثم فارقه أكثرهم لما ظهر منه من الاكاذيب وكان من رأي السبئية موالاة محمد بن علي بن أبي طالب وكانوا يزعمون أنه المهدي وأنه لا يموت حتى يخرج في آخر الزمان ومنهم من أقر بموته وزعم أن الأمر بعده صار إلى ابنه أبي هاشم هذا ومات أبو هاشم في آخر ولاية سليمان عبد الملك سنة ثمان أو تسع وتسعين قوله عن أبيهما في رواية الدارقطني في الموطآت من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك عن الزهري أن عبد الله والحسن ابني محمد أخبراه أن أباهما محمد بن علي بن أبي طالب أخبرهما قوله أن عليا قال لابن عباس سيأتي بيان تحديثه له بهذا الحديث في ترك الحيل بلفظ أن عليا قيل له أن بن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا وفي رواية الثوري ويحيى بن سعيد كلاهما عن مالك عند الدارقطني أن عليا سمع بن عباس وهو يفتي في متعة النساء فقال أما علمت وأخرجه سعيد بن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن الزهري بدون ذكر مالك ولفظه أن عليا مر بابن عباس وهو يفتي في متعة النساء أنه لا بأس بها ولمسلم من طريق جويرية عن مالك بسنده أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان انك رجل تائه وفي رواية الدارقطني من طريق الثوري أيضا تكلم علي وابن عباس في متعة النساء فقال له على انك امرؤ تائه ولمسلم من وجه آخر أنه سمع بن عباس يلين في متعة النساء فقال له مهلا يا بن عباس ولأحمد من طريق معمر رخص في متعة النساء قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة في رواية أحمد عن سفيان نهى عن نكاح المتعة قوله وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر هكذا لجميع الرواة عن الزهري خيبر بالمعجمة أوله والراء آخره الا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث فإنه قال حنين بمهملة أوله ونونين أخرجه النسائي والدارقطني ونبها على أنه وهم تفرد به عبد الوهاب وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد فقال خيبر على الصواب وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ نهى في غزوة تبوك عن نكاح المتعة وهو خطأ أيضا قوله زمن خيبر الظاهر أنه ظرف للامرين وحكى البيهقي عن الحميدي أن سفيان بن عيينة كان يقول قوله يوم خيبر يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة قال البيهقي وما قاله محتمل يعني في روايته هذه وأما غيره فصرح ان الظرف يتعلق بالمتعة وقد مضى في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي في الذبائح من طريق مالك بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية وهكذا أخرجه مسلم من رواية بن عيينة أيضا وسيأتي في ترك الحيل في رواية عبيد الله بن عمر عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وكذا أخرجه مسلم وزاد من طريقة فقال مهلا يا بن عباس ولأحمد من طريق معمر بسنده أنه بلغه أن بن عباس رخص في متعة النساء فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري مثل رواية مالك والدارقطني من طريق بن وهب عن مالك ويونس وأسامة بن زيد ثلاثتهم عن الزهري كذلك وذكر السهيلي أن بن عيينة رواه عن الزهري بلفظ نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم اه وهذا اللفظ الذي ذكره لم أره من رواية بن عيينة فقد أخرجه أحمد وابن أبي عمر والحميدي وإسحاق في مسانيدهم عن بن عيينة باللفظ الذي أخرجه البخاري من طريقه لكن منهم من زاد لفظ نكاح كما بينته وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن موسى والعباس بن الوليد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب جميعا عن بن عيينة بمثل لفظ مالك وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن بن عيينة لكن قال زمن بدل يوم قال السهيلي ويتصل بهذا الحديث تنبيه على اشكال لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر قال فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري وهذا الذي قاله سبقه إليه غيره في النقل عن بن عيينة فذكر بن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ أن الحميدي ذكر عن بن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر ثم راجعت مسند الحميدي من طريق قاسم بن أصبغ عن أبي إسماعيل السلمي عنه فقال بعد سياق الحديث قال بن عيينة يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ولا يعني نكاح المتعة قال بن عبد البر وعلى هذا أكثر الناس وقال البيهقي يشبه أن يكون كما قال لصحة الحديث في أنه صلى الله عليه وسلم رخص فيها بعد ذلك ثم نهى عنها فلا يتم احتجاج على الا إذا وقع النهي أخيرا لتقوم به الحجة على بن عباس وقال أبو عوانة في صحيحه سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث على أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر وأما المتعة فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح اه والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار إليه البيهقي لكن يمكن الانفصال عن ذلك بان عليا لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح لوقوع النهي عنها عن قرب كما سيأتي بيانه ويؤيد ظاهر حديث على ما أخرجه أبو عوانة وصححه من طريق سالم بن عبد الله أن رجلا سأل بن عمر عن المتعة فقال حرام فقال أن فلانا يقول فيها فقال والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين قال السهيلي وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة فاغرب ما روى في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء والمشهور في تحريمها أن ذلك كان في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع قال ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح اه فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن خيبر ثم عمرة القضاء ثم الفتح ثم أوطاس ثم تبوك ثم حجة الوداع وبقي عليه حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل فأما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة فأما رواية تبوك فأخرجها إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بثنية الوداع وأي مصابيح وسمع نساء يبكين فقال ما هذا فقالوا يا رسول الله نساء كانوا تمتعوا منهن فقال هدم المتعة النكاح والطلاق والميراث وأخرجه الحازمي من حديث جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة قد كنا تمتعنا بهن يطفن برجالنا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له قال فغضب وقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ فسميت ثنية الوداع وأما رواية الحسن وهو البصري فأخرجها عبد الرزاق من طريقه وزاد ما كانت قبلها ولا بعدها وهذه الزيادة منكرة من راويها عمرو بن عبيد وهو ساقط الحديث وقد أخرجه سعيد بن منصور من طريق صحيحة عن الحسن بدون هذه الزيادة وأما غزوة الفتح فثبتت في صحيح مسلم كما قال وأما أوطاس فثبتت في مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع وأما حجة الوداع فوقع عند أبي داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه وأما قوله لا مخالفة بين أوطاس والفتح ففيه نظر لأن الفتح كان في رمضان ثم خرجوا إلى أوطاس في شوال وفي سياق مسلم إنهم لم يخرجوا من مكة حتى حرمت ولفظه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح فأذن لنا في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي فذكر قصة المرأة إلى أن قال ثم استمتعت منها فلم أخرج حتى حرمها وفي لفظ له رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول بمثل حديث بن نمير وكان تقدم في حديث بن نمير أنه قال يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة وفي رواية أمرنا بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها وفي رواية له أمر أصحابه بالتمتع من النساء فذكر القصة قال فكن معنا ثلاثا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن وفي لفظ فقال أنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة فأما أوطاس فلفظ مسلم رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها وظاهر الحديثين المغايرة لكن يحتمل أن يكون أطلق على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما ولو وقع في سياقه إنهم تمتعوا من النساء في غزوة أوطاس لما حسن هذا الجمع نعم ويبعد أن يقع الإذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح قبلها في غزوة الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة وإذا تقرر ذلك فلا يصح من الروايات شيء بغير علة الا غزوة الفتح وأما غزوة خيبر وأن كانت طرق الحديث فيها صحيحة ففيها من كلام أهل العلم ما تقدم وأما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح واوطاس سواء وأما قصة تبوك فليس في حديث أبي هريرة التصريح بأنهم استمتعوا منهن في تلك الحالة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قديما ثم وقع التوديع منهن حينئذ والنهي أو كان النهي وقع قديما فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة فلذلك قرن النهي بالغضب لتقدم النهي في ذلك على أن في حديث أي هريرة مقالا فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفي كل منهما مقال وأما حديث جابر فلا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير هو متروك وأما حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر فإن كا حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليشيع ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك فلم يبق من المواطن كما قلنا صحيحا صريحا سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدم وزاد بن القيم في الهدى أن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات يعني فيقوى أن النهي لم يقع يوم خيبر أو لم يقع هناك نكاح متعة لكن يمكن أن يجاب بان يهود خيبر كانوا يصاهرون الأوس والخزرج قبل الإسلام فيجوز أن يكون هناك من نسائهم من وقع التمتع بهن فلا ينهض الاستدلال بما قال قال الماوردي في الحاوي في تعيين موضع تحريم المتعة وجهان أحدهما أن التحريم تكرر ليكون أظهر وانشر حتى يعمله من لم يكن علمه لأنه قد يحضر في بعض المواطن من لا يحضر في غيرها والثاني أنها ابيحت مرارا ولهذا قال في المرة الأخيرة إلى يوم القيامة إشارة إلى أن التحريم الماضي كان مؤذنا بان الإباحة تعقبه بخلاف هذا فإنه تحريم مؤبد لا تعقبه إباحة أصلا وهذا الثاني هو المعتمد ويرد الأول التصريح بالاذن فيها في الموطن المتأخر عن الموطن الذي وقع التصريح فيه بتحريمها كما في غزوة خيبر ثم الفتح وقال النووي الصواب أن تحريمها واباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها ثم ابيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا قال ولا مانع من تكرير الإباحة ونقل غيره عن الشافعي أن المتعة نسخت مرتين وقد تقدم في أوائل النكاح حديث بن مسعود في سبب الإذن في نكاح المتعة وإنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة فأذن لهم في الاستمتاع فلعل النهي كان يتكرر في كل موطن بعد الإذن فلما وقع في المرة الأخيرة أنها حرمت إلى يوم القيامة لم يقع بعد ذلك إذن والله أعلم والحكمة في جمع على بين النهي عن الحمر والمتعة أن بن عباس كان يرخص في الامرين معا وسيأتي النقل عنه في الرخصة في الحمر الأهلية في أوائل كتاب الأطعمة فرد عليه على في الامرين معا وأن ذلك يوم خيبر فأما أن يكون على ظاهره وأن النهي عنهما وقع في زمن واحد وأما أن يكون الإذن الذي وقع عام الفتح لم يبلغ عليا لقصر مدة الإذن وهو ثلاثة أيام كما تقدم والحديث في قصة تبوك على نسخ الجواز في السفر لأنه نهى عنها في أوائل إنشاء السفر مع أنه كان سفرا بعيدا والمشقة فيه شديدة كما صرح به في الحديث في توبة كعب وكان علة الإباحة وهي الحاجة الشديدة انتهت من بعد فتح خيبر وما بعدها والله أعلم والجواب عن قول السهيلي أنه لم يكن في خيبر نساء يستمتع بهن ظاهر مما بينته من الجواب عن قول بن القيم لم تكن الصحابة يتمتعون باليهوديات وأيضا فيقال كما تقدم لم يقع في الحديث التصريح بأنهم استمتعوا في خيبر وإنما فيه مجرد النهي فيؤخذ منه أن التمتع من النساء كان حلالا وسبب تحليله ما تقدم في حديث بن مسعود حيث قال كنا نغزو وليس لنا شيء ثم قال فرخص لنا أن تنكح المرأة بالثوب فأشار إلى سبب ذلك وهو الحاجة مع قلة الشيء وكذا في حديث سهل بن سعد الذي أخرجه بن عبد البر بلفظ إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها فلما فتحت خيبر وسع عليهم من المال ومن السبي فناسب النهي عن المتعة لارتفاع سبب الإباحة وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على التوسعه بعد الضيق أو كانت الإباحة إنما تقع في المغازي التي يكون في المسافة إليها بعد ومشقة وخيبر بخلاف ذلك لأنها بقرب المدينة فوقع النهي عن المتعة فيها إشارة إلى ذلك من غير تقدم إذن فيها ثم لما عادوا إلى سفرة بعيدة المدة وهي غزاة الفتح وشقت عليهم العزوبة إذن لهم في المتعة لكن مقيدا بثلاثة أيام فقط دفعا للحاجة ثم نهاهم بعد انقضائها عنها كما سيأتي من رواية سلمة وهكذا يجاب عن كل سفرة ثبت فيها النهي بعد الإذن وأما حجة الوداع فالذي يظهر أنه وقع فيها النهي مجردا أن ثبت الخبر في ذلك لأن الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم فلم يكونوا في شدة ولا طول عزبة وإلا فمخرج حديث سبرة راوية هو من طريق ابنه الربيع عنه وقد اختلف عليه في تعيينها والحديث واحد في قصة واحدة فتعين الترجيح والطريق التي أخرجها مسلم مصرحه بأنها في زمن الفتح أرجح فتعين المصير إليها والله أعلم الحديث الثاني

[ 4826 ] قوله عن أبي جمرة هو الضبعي بالجيم والراء ورأيته بخط بعض من شرح هذا الكتاب بالمهملة والزاي وهو تصحيف قوله سمعت بن عباس يسأل بضم أوله قوله فرخص أي فيها وثبتت في رواية الإسماعيلي قوله فقال له مولى له لم اقف على اسمه صريحا وأظنه عكرمة قوله إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه في رواية الإسماعيلي إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل قوله فقال بن عباس نعم في رواية الإسماعيلي صدق وعند مسلم من طريق الزهري عن خالد بن المهاجر أو بن أبي عمرة الأنصاري قال رجل يعني لابن عباس وصرح به البيهقي في روايته إنما كانت يعني المتعة رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ويؤيده ما أخرجه الخطابي والفاكهي من طريق سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس لقد سارت بفتياك الركبان وقال فيه الشعراء يعني في المتعة فقال والله ما بهذا أفتيت وما هي الا كالميتة لا تحل الا لمضطر أخرجه البيهقي من وجه آخر عن سعيد بن جبير وزاد في آخره الا إنما هي كالميتة والدم ولحم الخنزير وأخرجه محمد بن خلف المعروف بوكيع في كتاب الغرر من الأخبار بإسناد أحسن منه عن سعيد بن جبير بالقصة لكن ليس في آخره قول بن عباس المذكور وفي حديث سهل بن سعد الذي أشرت إليه قريبا نحوه فهذه أخبار يقوي بعضها ببعض وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر وهو يوافق حديث بن مسعود الماضي في أوائل النكاح واخرج البيهقي من حديث أبي ذر بإسناد حسن إنما كانت المتعة لحربنا وخوفنا وأما ما أخرجه الترمذي من طريق محمد بن كعب عن بن عباس قال انما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلد ليس له فيها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يقيم فتحفظ له متاعه فإسناده ضعيف وهو شاذ مخالف لما تقدم من علة إباحتها الحديث الثالث

[ 4827 ] قوله قال عمرو هو بن دينار في رواية الإسماعيلي من طريق بن أبي الوزير عن سفيان عن عمرو بن دينار وهو غريب من حديث بن عيينة قل من رواه من أصحابه عنه وإنما أخرجه البخاري مع كونه معنعنا لوروده عن عمر بن دينار من غير طريق سفيان نبه على ذلك الإسماعيلي وهو كما قال قد أخرجه مسلم من طريق شعبة وروح بن القاسم وأخرجه عبد الرزاق عن بن جريج كلهم عن عمرو قوله عن الحسن بن محمد أي علي بن أبي طالب ووقع في رواية بن جريج الحسن بن محمد بن علي وهو الماضي ذكره في الحديث الأول وفي رواية شعبة المذكورة عن عمرو سمعت الحسن بن محمد قوله عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع في رواية روح بن القاسم تقديم سلمة علي جابر وقد أدركهما الحسن بن محمد جميعا لكن روايته عن جابر أشهر قوله كنا في جيش لم اقف على تعيينه لكن عند مسلم من طريق أبي العميس عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها تنبيه ضبط جيش في جميع الروايات بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة وحكى الكرماني أن في بعض الروايات حنين بالمهملة ونونين باسم مكان الوقعة المشهورة ولم اقف عليه قوله فأتانا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لم اقف على اسمه لكن في رواية شعبة خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشبه أن يكون هو بلال قوله أنه قد إذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا زاد شعبة في روايته يعني متعة النساء وضبط فاستمتعوا بفتح المثناة وكسرها بلفظ الأمر وبلفظ الفعل الماضي وقد أخرج مسلم حديث جابر من طرق أخرى منها عن أبي نضرة عن جابر أنه سئل عن المتعة فقال فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طريق عطاء عن جابر استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأخرج عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني أبو الزبير سمعت جابرا نحوه وزاد حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث وقصة عمر بن حريث أخرجها عبد الرزاق في مصنفه بهذا الإسناد عن جابر قال قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة فأتى بها عمرو حبلى فسأله فاعترف قال فذلك حين نهى عنها عمر قال البيهقي في رواية سلمة بن الأكوع التي حكيناها عن تخريج مسلم ثم نهى عنها ضبطناه نهى بفتح النون ورأيته في رواية معتمدة نهى بالألف قال فإن قيل بل هي بضم النون والمراد بالناهي في حديث سلمة عمر كما في حديث جابر قلنا هو محتمل لكن ثبت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها في حديث الربيع بن سبرة بن معبد عن أبيه بعد الإذن فيه ولم تجد عنه الإذن فيه بعد النهي عنه فنهى عمر موافق لنهية صلى الله عليه وسلم قلت وتماته أن يقال لعل جابرا ومن نقل عنه استمرارهم على ذلك بعده صلى الله عليه وسلم إلى أن نهى عنها عمر لم يبلغهم النهي ومما يستفاد أيضا أن عمر لم ينه عنها اجتهادا وإنما نهى عنها مستندا إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع التصريح عنه بذلك فيما أخرجه بن ماجة من طريق أبي بكر بن حفص عن بن عمر قال لما ولي عمر خطب فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها وأخرج بن المنذر والبيهقي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال صعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما بال رجال ينكحون هذه المتعة بعد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وفي حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه في صحيح بن حبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث وله شاهد صحيح عن سعيد بن المسيب أخرجه البيهقي الحديث الرابع تقدمت له طريق في الذي قبله قوله وقال بن أبي ذئب الخ وصله الطبراني والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عن بن أبي ذئب قوله أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال وقع في رواية المستملي بعشرة بالموحدة المكسورة بدل الفاء المفتوحة وبالفاء أصح وهي رواية الإسماعيلي وغيره والمعنى أن إطلاق الأجل محمول على التقييد بثلاثة أيام بلياليهن قوله فإن أحبا أي بعد انقضاء الثلاث أن يتزايدا أي في المدة يعني تزايدا ووقع في رواية الإسماعيلي التصريح بذلك وكذا في قوله أن يتتاركا أي يتفارقا تتاركا وفي رواية أبي نعيم أن يتناقضا تناقضا والمراد به التفارق قوله فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة ووقع في حديث أبي ذر التصريح بالاختصاص أخرجه البيهقي عنه قال إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة النساء ثلاثة أيام ثم نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وقد بينه على عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ يريد بذلك تصريح على عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها بعد الإذن فيها وقد بسطناه في الحديث الأول وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر عن علي قال نسخ رمضان كل صوم ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث وقد اختلف السلف في نكاح المتعة قال بن المنذر جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها الا بعض الرافضة ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله وقال عياض ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها الا الروافض وأما بن عباس فروى عنه أنه اباحها وروى عنه أنه رجع عن ذلك قال بن بطال روى أهل مكة واليمن عن بن عباس إباحة المتعة وروى عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة واجازة المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة قال واجمعوا على أنه متى وقع الآن أبطل سواء كان قبل الدخول أم بعده الا قول زفر أنه جعلها كالشروط الفاسدة ويرده قوله صلى الله عليه وسلم فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها قلت وهو في حديث الربيع بن سبرة عن أبيه عند مسلم وقال الخطابي تحريم المتعة كالاجماع الا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات إلى على وآل بيته فقد صح عن على أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه قال الخطابي ويحكى عن بن جريج جوازها اه وقد نقل أبو عوانة في صحيحه عن بن جريج أنه رجع عنها بعد أن روى بالبصرة في إباحتها ثمانية عشر حديثا وقال بن دقيق العيد ما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز خطأ فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت حتى ابطلوا توقيت الحل بسببه فقالوا لو علق على وقت لا بد من مجيئه وقع الطلاق الآن لأنه توقيت للحل فيكون في بعد مدة صح نكاحه الا الأوزاعي فأبطله واختلفوا هل يحد ناكح المتعة أو يعزر على قولين مأخذهما أن الاتفاق بعد الخلاف هل يرفع الخلاف المتقدم وقال القرطبي الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها الا من لا يلتفت إليه من الروافض وجزم جماعة من الأئمة بتفرد بن عباس باباحتها فهي من المسألة المشهورة وهي ندرة المخالف ولكن قال بن عبد البر أصحاب بن عباس من أهل مكة واليمن على إباحتها ثم اتفق فقهاء الأمصار على تحريمها وقال بن حزم ثبت على إباحتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بن مسعود ومعاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف وجابر وعمرو بن حريث ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر قال ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة قلت وفي جميع ما أطلقه نظر أما بن مسعود فمستنده فيه الحديث الماضي في أوائل النكاح وقد بينت فيه ما نقله الإسماعيلي من الزيادة فيه المصرحة عنه بالتحريم وقداخرجه أبو عوانة من طريق أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد وفي آخره ففعلنا ثم ترك ذلك وأما معاوية فأخرجه عبد الرزاق من طريق صفوان بن يعلى بن أمية أخبرني يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف وإسناده صحيح لكن في رواية أبي الزبير عن جابر عند عبد الرزاق أيضا أن ذلك كان قديما ولفظه استمتع معاوية مقدمة الطائف بمولاة لبني الحضرمي يقال لها معانة قال جابر ثم عاشت معانة إلى خلافة معاوية فكان يرسل إليها بجائزة كل عام وقد كان معاوية متبعا لعمر مقتديا به فلا يشك أنه عمل بقوله بعد النهي ومن ثم قال الطحاوي خطب عمر فنهى عن المتعة ونقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه ذلك منكر وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه وأما أبو سعيد فأخرج عبد الرزاق عن بن جريج أن عطاء قال أخبرني من شئت عن أبي سعيد قال لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقا وهذا مع كونه ضعيفا للجهل بأحد رواته ليس فيه التصريح بأنه كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأما بن عباس فتقدم النقل عنه والاختلاف هل رجع أو لا وأما سلمة ومعبد فقصتهما واحدة اختلف فيها هل وقعت لهذا أو لهذا فروى عبد الرزاق بسند صحيح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس قال لم يرع عمر الا أم أراكة قد خرجت حبلى فسألها عمر فقالت استمتع بي سلمة بن أمية وأخرج من طريق أبي الزبير عن طاوس فسماه معبد بن أمية وأما جابر فمستنده قوله فعلناها وقد بينته قبل ووقع في رواية أبي نصرة عن جابر عند مسلم فنهانا عمر فلم نفعله بعد فإن كان قوله فعلنا يعم جميع الصحابة فقوله ثم لم نعد يعم جميع الصحابة فيكون إجماعا وقد ظهر أن مستنده الأحاديث الصحيحة التي بيناها وأما عمرو بن حريث وكذا قوله رواه جابر عن جميع الصحابة فعجيب وإنما قال جابر فعلناها وذلك لا يقتضي تعميم جميع الصحابة بل يصدق على فعل نفسه وحده وأما ما ذكره عن التابعين فهو عند عبد الرزاق عنهم بأسانيد صحيحة وقد ثبت عن جابر عند مسلم فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عمر فلم نعد لها فهذا يرد عدة جابرا فيمن ثبت على تحليلها وقد اعترف بن حزم مع ذلك بتحريمها لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم أنها حرام إلى يوم القيامة قال فأمنا بهذا القول نسخ التحريم والله أعلم


قوله باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح قال بن المنير في الحاشية من لطائف البخاري أنه لما علم الخصوصية في قصة الواهبة استنبط من الحديث ما لا خصوصية فيه وهو جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحة فيجوز لها ذلك وإذا رغب فيها تزوجها بشرطه

[ 4828 ] قوله حدثنا مرحوم زاد أبو ذر بن عبد العزيز بن مهران وهو بصري مولى آل أبي سفيان ثقة مات سنة سبع وثمانين ومائة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أورده عنه في كتاب الأدب أيضا وذكر البزار أنه تفرد به عن ثابت قوله وعنده ابنة له لم اقف على اسمها واظنها أمينة بالتصغير قوله جاءت امرأة لم اقف على تعينها وأشبه من رأيت بقصتها ممن تقدم ذكر اسمهن في الواهبات ليلى بنت قيس بن الخطيم ويظهر لي أن صاحبة هذه القصة غير التي في حديث سهل قوله واسواتاه أصل السوءة وهي بفتح المهملة وسكون الواو بعدها همزة الفعلة القبيحة وتطلق على الفرج والمراد هنا الأول والالف للندبة والهاء للسكت ثم ذكر المصنف حديث سهل أبي سعد في قصة الواهبة مطولا وسيأتي شرحه بعد ستة عشر بابا وفي الحديثين جواز عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه أن لا غضاضة عليها في ذلك وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار لكن لا ينبغي أن يصرح لها بالرد بل يكتفي السكوت وقال المهلب فيه أن على الرجل أن لا ينكحها الا إذا وجد في نفسه رغبة فيها ولذلك صعد النظر فيها وصوبه انتهى وليس في القصة دلالة لما ذكره قال وفيه جواز سكوت العالم ومن سئل حاجة إذا لم يرد الاسعاف وأن ذلك ألين في صرف السائل وأدب من الرد بالقول 33

قوله باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير أورد عرض البنت في الحديث الأول وعرض الأخت في الحديث الثاني

[ 4830 ] قوله حين تأيمت بهمزة مفتوحة وتحتانية ثقيلة أي صارت أيما وهي التي يموت زوجها أو تبين منه وتنقضي عدتها وأكثر ما تطلق على من مات زوجها وقال بن بطال العرب تطلق على كل امرأة لا زوج لها وكل رجل لا امرأة له أيما زاد في المشارق وأن كان بكرا وسيأتي مزيدا لهذا في باب لا ينكح الأب وغيره البكر ولا الثيب الا برضاها قوله من خنيس بخاء معجمة ونون وسين مهملة مصغر قوله بن حذافة عند أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب وهي رواية يونس عن الزهري بن حذافة أو حذيفة والصواب حذافة وهو أخو عبد الله بن حذافة الذي تقدم ذكره في المغازي ومن الرواة من فتح أول خنيس وكسر ثانية والأول هو المشهور بالتصغير وعند معمر كالأول لكن بحاء مهملة وموحدة وشين معجمة وقال الدارقطني اختلف على عبد الرزاق فروى عنه على الصواب وروى عنه بالشك قوله وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية معمر كما سيأتي بعد أبواب من أهل بدر قوله فتوفي بالمدينة قالوا مات بعد غزوة أحد من جراحة أصابته بها وقيل بل بعد بدر ولعله أولي فإنهم قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بعد خمسة وعشرين شهرا من الهجرة وفي رواية بعد ثلاثين شهرا وفي رواية بعد عشرين شهرا وكانت أحد بعد بدر بأكثر من ثلاثين شهرا ولكنه يصح على قول من قال بعد ثلاثين على الغاء الكسر وجزم بن سعد بأنه مات عقب قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر وبه جزم بن سيد الناس وهو قول بن عبد البر أنه شهد أحدا ومات من جراحة بها وكانت حفصة أسن من أخيها عبد الله فإنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين وعبد الله ولد بعد البعثة بثلاث أو أربع قوله فقال عمر بن الخطاب أعاد ذلك لوقوع الفصل وإلا فقوله أولا أن عمر بن الخطاب لا بد له من تقدير قال ووقع في رواية معمر عند النسائي وأحمد عن بن عمر عن عمر قال تأيمت حفصة قوله أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة فقال سأنظر في أمري إلى أن قال قد بدا لي أن لا أتزوج هذا هو الصحيح ووقع في رواية ربعي بن حراش عن عثمان عند الطبري وصححه هو والحاكم أن عثمان خطب إلى عمر بنته فرده فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلما راح إليه عمر قال يا عمر الا أدلك على ختن خير من عثمان وادل عثمان على ختن خير منك قال نعم يا نبي الله قال تزوجني بنتك وازوج عثمان بنتي قال الحافظ الضياء إسناده لا بأس به لكن في الصحيح أن عمر عرض على عثمان حفصة فرد عليه قد بدا لي أن لا أتزوج قلت أخرج بن سعد من مرسل الحسن نحو حديث ربعي ومن مرسل سعيد بن المسيب أتم منه وزاده في آخره فخار الله لهما جميعا ويحتمل في الجمع بينهما أن يكون عثمان خطب أولا إلى عمر فرده كما في رواية ربعي وسبب رده يحتمل أن يكون من جهتها وهي أنها لم ترغب في التزوج عن قرب من وفاة زوجها ويحتمل غير ذلك من الأسباب التي لا غضاضة فيها على عثمان في رد عمر له ثم لما ارتفع السبب بادر عمر فعرضها على عثمان رعاية لخاطره كما في حديث الباب ولعل عثمان بلغه ما بلغ أبا بكر من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها فصنع كما صنع من ترك افشاء ذلك ورد على عمر بجميل ووقع في رواية بن سعد فقال عثمان مالي في النساء من حاجة وذكر بن سعد عن الواقدي بسند له أن عمر عرض حفصة على عثمان حين توفيت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان يومئذ يريد أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم قلت وهذا مما يؤيد أن موت خنيس كان بعد بدر فإن رقية ماتت ليالي بدر وتخلف عثمان عن بدر لتمريضها وقد أخرج إسحاق في مسنده وابن سعد من مرسل سعيد بن المسيب قال تأيمت حفصة من زوجها وتأيم عثمان من رقية فمر عمر بعثمان وهو حزين فقال هل لك في حفصة فقد انقضت عدتها من فلان واستشكل أيضا بأنه لو كان مات بعد أحد للزم أن لا تنقضي عدتها الا في سنة أربع وأجيب باحتمال أن تكون وضعت عقب وفاته ولو سقطا فحلت قوله سأنظر في أمري أي أتفكر ويستعمل النظر أيضا بمعنى الرأفة لكن تعديته باللام وبمعنى الرؤية وهو الأصل ويعدى بالى وقد يأبي بغير صلة وهو بمعنى الانتظار قوله قال عمر فلقيت أبا بكر هذا يشعر بأنه عقب رد عثمان له بعرضها على أبي بكر قوله فصمت أبو بكر أي سكت وزنا ومعنى وقوله بعد ذلك فلم يرجع إلى شيئا تأكيد لرفع المجاز لاحتمال أن يظن أنه صمت زمانا ثم تكلم وهو بفتح الياء من يرجع قوله وكنت اوجد عليه أي أشد موجدة أي غضبا على أبي بكر من غضبي على عثمان وذلك لامرين أحدهما ما كان بينهما من أكيد المودة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بينهما وأما عثمان فلعله كان تقدم من عمر رده فلم يعتب عليه حديث لم يجبه لما سبق منه في حقه والثاني لكون عثمان اجابه أولا ثم اعتذر له ثانيا ولكون أبي بكر لم يعد عليه جوابا ووقع في رواية بن سعد فغضب علي أبي بكر وقال فيها كنت أشد غضبا حين سكت مني على عثمان قوله لقد وجدت على في رواية الكشميهني لعلك وجدت وهي أوجه قول فلم أرجع بكسر الجيم أي أعد عليك الجواب قوله الا إني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها في رواية بن سعد فقال أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان ذكر منها شيئا وكان سرا قوله فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية بن سعد وكرهت أن أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها في رواية معمر المذكورة نكحتها وفيه أنه لولا هذا العذر لقبلها فيستفاد منه عذره في كونه لم يقل كما قال عثمان قد بدا لي أن لا أتزوج وفيه فضل كتمان السر فإذا اظهره صاحبه ارتفع الحرج عمن سمعه وفيه عتاب الرجل لأخيه وعتبه عليه واعتذاره إليه وقد جبلت الطباع البشرية على ذلك ويحتمل أن يكون سبب كتمان أبي بكر ذلك أنه خشي أن يبدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوجها فيقع في قلب عمر انكسار ولعل اطلاع أبي بكر على أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد خطبة حفصة كان بأخباره له صلى الله عليه وسلم أما على سبيل الاستشارة واما لأنه كان لا يكتم عنه شيئا مما يريده حتى ولا ما في العادة عليه غضاضة وهو كون ابنته عائشة عنده ولم يمنعه ذلك من اطلاعه على ما يريد لوثوقه بايثاره إياه على نفسه ولهذا اطلع أبو بكر على ذلك قبل اطلاع عمر الذي يقع الكلام معه في الخطبة ويؤخذ منه أن الصغير لا ينبغي له أن يخطب امرأة أراد الكبير أن يتزوجها ولو لم تقع الخطبة فضلا عن الركون وفيه الرخصة في تزويج من عرض النبي صلى الله عليه وسلم بخطبتها أو أراد أن يتزوجها لقول الصديق لو تركها لقبلتها وفيه عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه وأنه لا استحياء في ذلك وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه ولو كان متزوجا لأن أبا بكر كان حينئذ متزوجا وفيه أن من حلف لا يفشى سر فلان فأفشى فلان سر نفسه ثم تحدث به الحالف لا يحنث لأن صاحب السر هو الذي أفشاه فلم يكن الافشاء من قبل الحالف وهذا بخلاف ما لو حدث واحد آخر بشيء واستحلفه ليكتمه فلقيه رجل فذكر له أن صاحب الحديث حدثه بمثل ما حدثه به فاظهر التعجب وقال ما ظننت أنه حدث بذلك غيري فإن هذا يحنث لأن تحليفه وقع على أنه يكتم أنه حدثه وقد أفشاه وفيه أن الأب يخطب إليه بنته الثيب كما يخطب إليه البكر ولا تخطب إلى نفسها كذا قال بن بطال وقوله لا تخطب إلى نفسها ليس في الخبر ما يدل عليه قال وفيه أنه يزوج بنته الثيب من غير أن يستأمرها إذا علم أنها لا تكره ذلك وكان الخاطب كفؤا لها وليس في الحديث تصريح بالنفي المذكور الا أنه يؤخذ من غيره وقد ترجم له النسائي انكاح الرجل بنته الكبيرة فإن أراد بالرضا لم يخالف القواعد وأن أراد بالاجبار فقد يمنع والله أعلم ثم ذكر المصنف طرفا من حديث أم حبيبة في قصة بنت أم سلمة وقد تقدم شرحه قريبا ولم يذكر فيه هنا مقصود الترجمة استغناء بالإشارة إليه وهو قولها انكح أختي بنت أبي سفيان والله أعلم

قوله باب قول الله عز وجل ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله الآية إلى قوله غفور حليم كذا للأكثر وحذف ما بعد اكننتم من رواية أبي ذر ووقع في شرح بن بطال سياق الآية والتي بعدها إلى قوله أجلة الآية قال بن التين تضمنت الآية أربعة أحكام اثنان مباحان التعريض والاكنان واثنان ممنوعان النكاح في العدة والمواعدة فيها قوله اضمرتم في أنفسكم وكل شيء صنته واضمرته فهو مكنون كذا للجميع وعند أبي ذر بعده إلى آخر الآية والتفسير المذكور لأبي عبيدة قوله وقال لي طلق هو بن غنام بفتح المعجمة وتشديد النون قوله عن بن عباس فيما عرضتم أي أنه قال في تفسير هذه الآية قوله يقول إني أريد التزويج الخ وهو تفسير للتعريض المذكور في الآية قال الزمخشري التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به على شيء لم يذكره وتعقب بان هذا التعريف لا يخرج المجاز وأجاب سعد الدين بأنه لم يقصد التعريف ثم حقق التعريض بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حقيقي أو مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجيء للتسليم ومراده التقاضي فالسلام مقصوده والتقاضي عرض أي اميل إليه الكلام عن عرض أي جانب وامتاز عن الكناية فلم يشتمل على جميع اقسامها والحاصل إنهما يجتمعان ويفترقان فمثل جئت لأسلم عليك كناية وتعريض ومثل طويل النجاد كناية لا تعريض ومثل اذيتني فستعرف خطابا لغير المؤذي تعريض بتهديد المؤذي لا كناية انتهى ملخصا وهو تحقيق بالغ قوله ولوددت أنه ييسر بضم التحتانية وفتح أخرى مثلها بعدها وفتح المهملة وفي رواية الكشميهني بسر بتحتانية واحدة وكسر المهملة وهكذا اقتصر المصنف في هذا الباب على حديث بن عباس الموقوف وفي الباب حديث صحيح مرفوع وهو قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس إذا حللت فآذنيني وهو عند مسلم وفي لفظ لا تفوتينا بنفسك أخرجه أبو داود واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات عنها زوجها واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها وأما الرجعية فقال الشافعي لا يجوز لاحد أن يعرض لها بالخطبة فيها والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعريض مباح للاولى حرام في الأخيرة مختلف فيه في البائن قوله وقال القاسم يعني بن محمد انك علي كريمة أي يقول ذلك وهو تفسير آخر للتعريض وكلها أمثلة ولهذا قال في آخره أو نحو هذا وهذا الأثر وصله مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله عز وجل ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها انك إلى آخره وقوله في الامثلة إني فيك لراغب يدل على أن تصريحه بالرغبة فيها لا يمتنع ولا يكون صريحا في خطبتها حتى يصرح بمتعلق الرغبة كأن يقول إني في نكاحك لراغب وقد نص الشافعي على أن ذلك من صور التعريض أعني ما ذكره القاسم وأما ما مثلت به فحكى الروياني فيه وجها وعبر النووي في الروضة بقوله رب راغب فيك فأوهم أنه لا يصرح بالرغبة مطلقا وليس كذلك وأخرج البيهقي من طريق مجاهد من صور التصريح لا تسبقيني بنفسك فإني ناكحك ولو لم يقل فإني ناكحك فهو من صور التعريض لحديث فاطمة بنت قيس كما بينته قريبا وقد ذكر الرافعي من صور التصريح لا تفوتي على نفسك وتعقبوه وروى الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عمته سكينة قالت استأذن علي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي فقال قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي وموضعي في العرب فقلت غفر الله لك يا أبا جعفر أنت رجل يؤخذ عنك تخطبني في عدتي قال إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي قوله وقال عطاء يعرض ولا يبوح أي لا يصرح يقول أن لي حاجة وأبشري قوله نافقة بنون وفاء وقاف أي رائجة بالتحتانية والجيم قوله ولا تعد شيئا بكسر المهملة وتخفيف الدال وأثر عطاء هذا وصله عبد الرزاق عن بن جريج عنه مفرقا وأخرجه الطبري من طريق بن المبارك عن بن جريج قال قلت لعطاء كيف يقول الخاطب قال يعرض تعريضا ولا يبوح بشيء فذكر مثله إلى قوله ولا تعد شيئا قوله وأن واعدت رجلا في عدتها ثم نكحها أي تزوجها بعد أي عند انقضاء العدة لم يفرق بينهما أي لم يقدح ذلك في صحة النكاح وأن وقع الإثم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عقب اثر عطاء قال وبلغني عن بن عباس قال خير لك أن تفارقها واختلف فيمن صرح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد الا بعد انقضائها فقال مالك يفارقها دخل بها أو لم يدخل وقال الشافعي صح العقد وأن أرتكب النهي بالتصريح المذكور لاختلاف الجهة وقال المهلب علة المنع من التصريح في العدة أن ذلك ذريعة إلى الموافقة في العدة التي هي محبوسة فيها على ماء الميت أو المطلق اه وتعقب بان هذه العلة تصلح أن تكون لمنع العقد لا لمجرد التصريح الا إن يقال التصريح ذريعة إلى العقد والعقد ذريعة إلى الوقاع وقد اختلفوا لو وقع العقد في العدة ودخل فاتفقوا على أنه يفرق بينهما وقال مالك والليث والأوزاعي لا يحل له نكاحها بعد وقال الباقون بل يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إذا شاء قوله وقال الحسن لا تواعدوهن سرا الزنا وصله عبد بن حميد من طريق عمران بن حدير عنه بلفظه وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن قال هو الفاحشة قال قتادة قوله سرا أي لا تأخذ عهدها في عدتها أن لا تتزوج غيره أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام وقال هذا أحسن من قول من فسره بالزنا لأن ما قبل الكلام وما بعده لا يدل عليه ويجوز في اللغة أن يسمى الجماع سرا فلذلك يجوز إطلاقه على العقد ولا شك أن المواعدة على ذلك تزيد على التعريض المأذون فيه واستدل بالآية على أن التعريض في القذف لا يوجب الحد لأن خطبة المعتدة حرام وفرق فيها بين التصريح والتعريض فمنع التصريح واجيز التعريض مع أن المقصود مفهوم منهما فكذلك يفرق في إيجاب حد القذف بين التصريح والتعريض واعترض بن بطال فقال يلزم الشافعية على هذا أن يقولوا بإباحة التعريض بالقذف وهذا ليس بلازم لأن المراد أن التعريض دون التصريح في الإفهام فلا يلتحق به في إيجاب الحد لأن للذي يعرض أن يقول لم أرد القذف بخلاف المصرح قوله ويذكر عن بن عباس حتى يبلغ الكتاب أجلة انقضاء العدة وصله الطبري من طريق عطاء الخراساني عن بن عباس في قوله تعالى ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجلة يقول حتى تنقضي العدة

قوله باب النظر إلى المرأة قبل التزويج استنبط البخاري جواز ذلك من حديثي الباب لكون التصريح الوارد في ذلك ليس على شرطه وقد ورد ذلك في أحاديث اصحها حديث أبي هريرة قال رجل أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظرت إليها قال لا قال فاذهب فأنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا أخرجه مسلم والنسائي وفي لفظ له صحيح أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة فذكره قال الغزالي في الأحياء اختلف في المراد بقوله شيئا فقيل عمش وقيل صغر قلت الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد وهذا الرجل يحتمل أن يكون المغيرة فقد اخرج الترمذي والنسائي من حديثه أنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإنه أحرى أن يدوم بينكما وصححه بن حبان وأخرج أبو داود والحاكم من حديث جابر مرفوعا إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل وسنده حسن وله شاهد من حديث محمد بن مسلمة وصححه بن حبان والحاكم وأخرجه أحمد وابن ماجة ومن حديث أبي حميد أخرجه أحمد والبزار ثم ذكر المصنف فيه حديثين الأول حدث عائشة

[ 4832 ] قوله اريتك بضم الهمزة في المنام زاد في رواية أبي أسامة في أوائل النكاح مرتين قوله يجيء بك الملك وقع في رواية أبي أسامة إذا رجل يحملك فكأن الملك تمثل له حينئذ رجلا ووقع في رواية بن حبان من طريق أخرى عن عائشة جاء بي جبريل إلى رسول الله صلى الله لعيه وسلم قوله في سرقة من حرير السرقة بفتح المهملة والراء والقاف هي القطعة ووقع في رواية بن حبان في خرقة حرير وقال الداودي السرقة الثوب فإن أراد تفسيره هنا فصحيح وإلا فالسرقة أعم وأغرب المهلب فقال السرقة كالكلة أو كالبرقع وعند الأجري من وجه آخر عن عائشة لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني ويجمع بين هذا وبين ما قبله بان المراد أن صورتها كانت في الخرقة والخرقة في راحته ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين لقولها في نفس الخبر نزل مرتين قوله فكشفت عن وجهك الثوب في رواية أبي أسامة فاكشفها فعبر بلفظ المضارع استحضارا لصورة الحال قال بن المنير يحتمل أن يكون رأى منها ما يجوز للخاطب أن يراه ويكون الضمير في اكشفها للسرقة أي اكشفها عن الوجه وكأنه حملة على ذلك أن رؤيا الأنبياء وحي وأن عصمتهم في المنام كاليقظة وسيأتي في اللباس في الكلام على تحريم التصوير ما يتعلق بشيء من هذا وقال أيضا في الاحتجاج بهذا الحديث للترجمة نظر لأن عائشة كانت إذ ذاك في سن الطفولية فلا عورة فيها البتة ولكن يستأنس به في الجملة في أن النظر إلى المرأة قبل العقد فيه مصلحة ترجع إلى العقد قوله فإذا أنت هي في رواية الكشميهني فإذا هي أنت وكذا تقدم من رواية أبي أسامة قوله يمضه بضم أوله قال عياض يحتمل أن يكون ذلك قبل البعثة فلا اشكال فيه وأن كان بعدها ففيه ثلاث احتمالات أحدها التردد هل هي زوجته في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط ثانيها أنه لفظ شك لايراد به ظاهره وهو أبلغ في التحقق ويسمى في البلاغة مزج الشك باليقين ثالثها وجه التردد هل هي رؤيا وحي على ظاهرها وحقيقتها أو هي رؤيا وحي لها تعبير وكلا الامرين جائز في حق الأنبياء قلت الأخير هو المعتمد وبه جزم السهيلي عن بن العربي ثم قال وتفسيره باحتمال غيرها لا أرضاه والأول يرده أن السياق يقتضي أنها كانت قد وجدت فإن ظاهر قوله فإذا هي أنت مشعر بأنه كان قد رآها وعرفها قبل ذلك والواقع أنها ولدت بعد البعثة ويرد طول الاحتمالات الثلاث رواية بن حبان في آخر حديث الباب هي زوجتك في الدنيا والآخرة والثاني بعيد والله اعلم الحديث الثاني حديث سهل في قصة الواهبة والشاهد منه للترجمة

[ 4833 ] قوله فيه فصعد النظر إليها وصوبه وسيأتي شرحه في باب التزويج على القرآن وبغير صداق قوله ثم طأطأ رأسه وذكر الحديث كله كذا في رواية أبي ذر عن السرخسي وساق الباقون الحديث بطوله قال الجمهور لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة قالوا ولا ينظر إلى غير وجهها وكفيها وقال الأوزاعي يجتهد وينظر إلى ما يريد منها الا العورة وقال بن حزم ينظر إلى ما أقبل منها وما أدبر منها وعن أحمد ثلاث روايات الأولى كالجمهور والثانية ينظر إلى ما يظهر غالبا والثالثة ينظر إليها متجردة وقال الجمهور أيضا يجوز ان ينظر أيها إذا أراد ذلك بغير أذنها وعن مالك رواية يشترط أذنها ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر الى المخطوبة قبل العقد بحال لأنها حينئذ أجنبية ورد عليهم بالأحاديث المذكورة

قوله باب من قال لا نكاح الا بولي استنبط المصنف هذا الحكم من الآيات والأحاديث التي ساقها لكون الحديث الوارد بلفظ الترجمة على غير شرطه والمشهور فيه حديث أبي موسى مرفوعا بلفظه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه بن حبان والحاكم لكن قال الترمذي بعد أن ذكر الاختلاف فيه وأن من جملة من وصله إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه ومن جملة من أرسله شعبة وسفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أي بردة ليس فيه أبو موسى رواية ومن رواه موصولا أصح لأنهم سمعوه في أوقات مختلفة وشعبة وسفيان وأن كانا أحفظ وأثبت من جميع من رواه عن أبي إسحاق لكنهما سمعاه في وقت واحد ثم ساق من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي قال نعم قال وإسرائيل ثبت في أبي إسحاق ثم ساق من طريق بن مهدي قال ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الا لما اتكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم وأخرج بن عدي عن عبد الرحمن بن مهدي قال إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة وسفيان وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم إنهم صححوا حديث إسرائيل ومن تأمل ما ذكرته عرف أن الذين صححوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل الذي وصله على غيره وسأشير إلى بقية طرق هذا الحديث بعد ثلاثة أبواب على أن في الاستدلال بهذه الصيغة في منع النكاح بغير ولي نظرا لأنها تحتاج إلى تقدير فمن قدره نفي الصحة استقام له ومن قدره نفي الكمال عكر عليه فيحتاج إلى تأييد الاحتمال الأول بالأدلة المذكورة في الباب وما بعده قوله لقول الله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن أي لا تمنعوهن وسيأتي في حديث معقل آخر أحاديث الباب بيان سبب نزول هذه الآية ووجه الاحتجاج منها للترجمة قوله فدخل فيه الثيب وكذلك البكر ثبت هذا في رواية الكشميهني وعليه شرح بن بطال وهو ظاهر لعموم لفظ النساء قوله وقال ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ووجه الاحتجاج من الآية والتي بعدها أنه تعالى خاطب بانكاح الرجال ولم يخاطب به النساء فكأنه قال لا تنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين قوله وقال وانكحوا الأيامى منكم والايامى جمع ايم وسيأتي القول فيه بعد ثلاثة أبواب ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الأول حديث عائشة ذكره من طريق بن وهب ومن طريق عنبسة بن خالد جميعا عن يونس بن يزيد عن بن شهاب الزهري وقوله

[ 4834 ] وقال يحيى بن سليمان هو الجعفي من شيوخ البخاري وقد ساقه المصنف على لفظ عنبسة وأما لفظ بن وهب فلم أره من رواية يحيى من سليمان إلى الآن لكن أخرجه الدارقطني من طريق أصبغ وأبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب والإسماعيلي والجوزقي من طريق عثمان بن صالح ثلاثتهم عن بن وهب قوله على أربعة انحاء جمع نحو أي ضرب وزنا ومعنى ويطلق النحو أيضا على الجهة والنوع وعلى العلم المعروف اصطلاحا قوله أربعة قال الداودي وغيره بقي عليها انحاء لم تذكرها الأول نكاح الخدن وهو في قوله تعالى ولا متخذات اخدان كانوا يقولون ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم الثاني نكاح المتعة وقد تقدم بيانة الثالث نكاح البدل وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وازيدك ولكن إسناده ضعيف جدا قلت والأول لا يرد لأنها أرادت ذكر بيان نكاح من لا زوج لها أو من إذن لها زوجها في ذلك والثاني يحتمل أن لا يرد لأن الممنوع منه كونه مقدرا بوقت لا أن عدم الولي فيه شرط وعدم ورود الثالث أظهر من الجميع قوله وليته أو ابنته هو للتنويع لا للشك قوله فيصدقها بضم أوله ثم ينكحها أي يعين صداقها ويسمى مقداره ثم يعقد عليها قوله ونكاح الآخر وكذا لأبي ذر بالإضافة أي ونكاح الصنف الآخر وهو من إضافة الشيء لنفسه على رأى الكوفيين ووقع في رواية الباقين ونكاح آخر بالتنوين بغير لام وهو الأشهر في الاستعمال قوله إذا طهرت من طمثها بفتح المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة أي حيضها وكأن السر في ذلك أن يسرع علوقها منه قوله فاستبضعي منه بموحدة بعدها ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهو الجماع ووقع في رواية أصبغ عند الدارقطني استرضعي براء بدل الموحدة قال راوية محمد بن إسحاق الصغاني الأول هو الصواب يعني بالموحدة والمعنى اطلبي منه الجماع لتحملي منه والمباضعة المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج قوله وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد أي اكتسابا من ماء الفحل لأنهم كانوا يطلبون ذلك من اكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك قوله فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع بالنسب والتقدير يسمى وبالرفع أي هو قوله ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة تقدم تفسير الرهط في أوائل الكتاب ولما كان هذا النكاح يجتمع عليه أكثر من واحد كان لا بد من ضبط العدد الزائد لئلا ينتشر قوله كلهم يصيبها أي يطؤها والظاهر أن ذلك إنما يكون عن رضا منها وتواطؤ بينهم وبينها قوله ومر ليال كذا لأبي ذر وفي رواية غيره ومر عليها ليال قوله قد عرفتم كذا للأكثر بصيغة الجمع وفي رواية الكشميهني عرفت على خطاب الواحد قوله وقد ولدت بالضم لأنه كلامها قوله فهو ابنك أي أن كان ذكرا فلو كانت أنثى لقالت هي ابنتك لكن يحتمل أن يكون لا تفعل ذلك الا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت وقد كان منهم من يقتل بنته التي يتحقق انها بنت فضلا عمن تجيء بهذه الصفة قوله فيلحق به ولدها كذا لأبي ذر ولغيره فيلتحق يزيادة مثناه قوله لا يستطيع أن يمتنع به في رواية الكشميهني منه قوله ونكاح الرابع تقدم توجيهه قوله لا تمنع من جاءها وللاكثر لا تمتنع ممن جاءها قوله وهن البغايا كن ينصب على ابوابهن رايات تكون علما بفتح اللام أي علامة وأخرج الفاكهي من طريق بن أبي مليكة قال تبرز عمر بأجياد فدعا بماء فاتته أم مهزول وهي من البغايا التسع اللاتي كن في الجاهلية فقالت هذا ماء ولكنه في إناء لم يدبغ فقال هلم فإن الله جعل الماء طهورا ومن طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن امرأة كانت يقال لها أم مهزول تسافح في الجاهلية فأراد بعض الصحابة أن يتزوجها فنزلت الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة ومن طريق مجاهد في هذه الآية قال هن بغايا كن في الجاهلية معلومات لهن رايات يعرفن بها ومن طريق عاصم بن المنذر عن عروة بن الزبير مثله وزاد كرايات البيطار وقد ساق هشام بن الكلبي في كتاب المثالب أسامي صواحبات الرايات في الجاهلية فسمى منهن أكثر من عشر نسوة مشهورات تركت ذكرهن اختيارا قوله لمن ارادهن في رواية الكشميهني فمن ارادهن قوله القافة جمع قائف بقاف ثم فاء وهو الذي يعرف شبة الولد بالوالد بالآثار الخفية قوله فالتأته في رواية الكشميهني فالتاط بغير مثناة أي استلحقته به وأصل اللوط بفتح اللام اللصوق قوله هدم نكاح الجاهلية في رواية الدارقطني نكاح أهل الجاهلية قوله كله دخل فيه ما ذكرت وما استدرك عليها قوله الا نكاح الناس اليوم أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل إلى الرجل فيزوجه احتج بهذا على اشتراط الولي وتعقب بان عائشة وهي التي روت هذا الحديث كانت تجيز النكاح بغير ولي كما روى مالك أنها زوجت بنت عبد الرحمن أخيها وهو غائب فلما قدم قال مثلي يقتات عليه في بناته وأجيب بأنه لم يرد في الخبر التصريح بأنها باشرت العقد فقد يحتمل أن تكون البنت المذكورة ثيبا ودعت إلى كفء وابوها غائب فانتقلت الولاية إلى الولي الأبعد أو إلى السلطان وقد صح عن عائشة أنها أنكحت رجلا من بني أخيها فضربت بينهم بستر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق الا العقد أمرت رجلا فانكح ثم قالت ليس إلى النساء نكاح أخرجه عبد الرزاق الحديث الثاني

[ 4835 ] قوله حدثنا يحيى هو بن موسى أو بن جعفر كما بينته في المقدمة وساق الحديث عن عائشة مختصرا وقد تقدم شرحه في كتاب التفسير الحديث الثالث حديث بن عمر تأيمت حفصة تقدم شرحه قريبا ووجه الدلالة منه اعتبار الولي في الجملة الحديث الرابع حديث معقل بن يسار

[ 4837 ] قوله حدثنا أحمد بن أبي عمر وهو النيسابوري قاضيها يكنى أبا علي واسم أبي عمر حفص بن عبد الله بن راشد قوله حدثني إبراهيم هو بن طهمان ويونس هو بن عبيد والحسن هو البصري قوله فلا تعضلوهن أي في تفسير هذه الآية ووقع في تفسير الطبري من حديث بن عباس أنها نزلت في ولي النكاح أن يضار وليته فيمنعها من النكاح قوله حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه هذا صريح في رفع هذا الحديث ووصله وقد تقدم في تفسير البقرة معلقا لإبراهيم بن طهمان وموصولا أيضا لعباد بن راشد عن الحسن وبصورة الإرسال من طريق عبد الوارث بن سعيد عن يونس وقويت رواية إبراهيم بن طهمان بوصله بمتابعة عباد بن راشد على تصريح الحسن بقوله حدثني معقل بن يسار قوله زوجت أختا لي اسمها جميل بالجيم مصغر بنت يسار وقع في تفسير الطبري من طريق بن جريج وبه جزم بن ماكولا وسماها بن فتحون كذلك لكن بغير تصغير وسيأتي مستنده وقيل اسمها ليلى حكاه السهيلي في مبهمات القرآن وتبعه البدري وقيل فاطمة وقع ذلك عند بن إسحاق ويحتمل التعدد بان يكون لها اسمان ولقب أو لقبان واسم قوله من رجل قيل هو أبو البداح بن عاصم الأنصاري هكذا وقع في أحكام القرآن لإسماعيل القاضي من طريق بن جريج أخبرني عبد الله بن معقل أن جميل بنت يسار أخت معقل كانت تحت أبي البداح بن عاصم فطلقها فانقضت عدتها فخطبها وذكر ذلك أبو موسى في ذيل الصحابة وذكره أيضا الثعلبي ولفظه نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل وكانت تحت أبي البداح بن عاصم بن عدي بن العجلان واستشكله الذهلي بان البداح تابعي على الصواب فيحتمل أن يكون صحابيا آخر وجزم بعض المتأخرين بأنه البداح بن عاصم وكنيته أبو عمرو فإن كان محفوظا فهو أخو البداح التابعي ووقع لنا في كتاب المجاز للشيخ عز الدين بن عبد السلام أن اسم زوجها عبد الله بن رواحة ووقع في رواية عباد بن راشد عن الحسن عند البزار والدارقطني فأتاني بن عم لي فخطبها مع الخطاب وفي هذا نظر لأن معقل بن يسار مزني وأبو البداح أنصاري فيحتمل أنه بن عمه لأمه أو من الرضاعة قوله حتى إذا نقضت عدتها في رواية عباد بن راشد فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقا له رجعه ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها قوله فجاء يخطبها أي من وليها وهو أخوها كما قال أولا زوجت أختا لي من رجل قوله وافرشتك أي جعلتها لك فراشا وفي رواية الثعلبي وافرشتك كريمتي وآثرتك بها على قومي وهذا مما يبعد أنه بن عمه قوله لا والله لا تعود إليك ابدا في رواية عباد بن راشد لا ازوجك أبدا زاد الثعلبي وحمزة آنفا وهو بفتح الهمزة والنون والفاء قوله وكان رجلا لا بأس به في رواية الثعلبي وكا رجل صدق قال بن التين أي كان جيدا وهذا مما غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه كذا قال ووقع في رواية مبارك بن فضالة عن الحسن عند أبي مسلم الكجي قال الحسن علم الله حاجة الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى زوجها فانزل الله هذه الآية قوله فانزل الله هذه الآية فلا تعضلوهن هذا صريح في نزول هذه الآية في هذه القصة ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للازواج حيث وقع فيها وإذا طلقتم النساء لكن قوله في بقيتها أن ينكحن ازواجهن ظاهر في أن العضل يتعلق بالأولياء وقد تقدم في التفسير بيان العضل الذي يتعلق بالأولياء في قوله تعالى لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن فيستدل في كل مكان بما يليق به قوله فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال فزوجها إياه أي أعادها إليه بعقد جديد وفي رواية أبي نعيم في المستخرج فقلت الآن أقبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي مسلم الكجي من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن فسمع ذلك معقل بن يسار فقال سمعا لربي وطاعة فدعا زوجها فزوجها إياه ومن رواية الثعلبي فإني أومن بالله فأنكحها إياه وكفر عن يمينه وفي رواية عباد بن راشد فكفرت عن يميني وانكحتها إياه قال الثعلبي ثم هذا قول أكثر المفسرين وعن السدي نزلت في جابر بن عبد الله زوج بنت عمه فطلقها زوجها تطليقة وانقضت عدتها ثم أراد تزويجها وكانت المرأة تريده فأبى جابر فنزلت قال بن بطال اختلفوا في الولي فقال الجمهور ومنهم مالك والثوري والليث والشافعي وغيرهم الأولياء في النكاح هم العصبة وليس للخال ولا والد الأم ولا الأخوة من الأم ونحو هؤلاء ولاية وعن الحنفية هم من الأولياء واحتج الأبهري بان الذي يرث الولاء هم العصبة دون ذوي الأرحام قال فذلك عقدة النكاح واختلفوا فيما إذا مات الأب فأوصى رجلا على أولاده هل يكون أولي من الولي القريب في عقدة النكاح أو مثله أو لا ولاية له فقال ربيعة وأبو حنيفة ومالك الوصي أولي واحتج لهم بان الأب لو جعل ذلك لرجل بعينه في حياته لم يكن لأحد من الأولياء أن يعترض عليه فكذلك بعد موته وتعقب بان الولاية انتقلت بالموت فلا يقاس بحال الحياة وقد اختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح فذهب الجمهور إلى ذلك وقالوا لا تزوج المرأة نفسها أصلا واحتجوا بالأحاديث المذكورة ومن اقواها هذا السبب المذكور في نزول الآية المذكورة وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ولانها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها ومن كان أمره إليه لا يقال أن غيره منعه منه وذكر بن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك وعن مالك رواية أنها أن كانت غير شريفة زوجت نفسها وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلا ويجوز أن تزوج نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفؤا واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخص بهذا القياس عمومها وهو عمل سائغ في الأصول وهو جواز تخصيص العموم بالقياس لكن حديث معقل المذكور رفع هذا القياس ويدل على اشتراط الولي في النكاح دون غيره ليندفع عن موليه العار باختيار الكفء وانفصل بعضهم عن هذا الإيراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها ويتوقف ذلك على إجازة الولي كما قالوا في البيع وهو مذهب الأوزاعي وقال أبو ثور نحوه لكن قال يشترط إذن الولي لها في تزويج نفسها وتعقب بان إذن الولي لا يصح الا لمن ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأن الحق لها ولو إذن لها في انكاح نفسها صارت كمن إذن لها في البيع من نفسها ولا يصح وفي حديث معقل أن الولي إذا عضل لا يزوج السلطان الا بعد أن يأمره بالرجوع عن العضل فإن أجاب فذاك وأن اصر زوج عليه الحاكم والله أعلم

قوله باب إذا كان الولي أي في النكاح هو الخاطب أي هل يزوج نفسه أو يحتاج إلى ولي آخر قال بن المنير ذكر في الترجمة ما يدل على الجواز والمنع معا لكل الأمر في ذلك الى نظر المجتهد كذا قال وكأنه أخذه من تركه الجزم بالحكم لكن الذي يظهر من صنيعه أنه يرى الجواز فإن الآثار التي فيها أمر الولي غيره أن يزوجه ليس فيها التصريح بالمنع من تزويجه نفسه وقد أورد في الترجمة أثر عطاء الدال على الجواز وأن كان الأولى عنده أن لا يتولى أحد طرفي العقد وقد اختلف السلف في ذلك فقال الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبو حنيفة وأكثر أصحابه والليث يزوج الولي نفسه ووافقهم أبو ثور وعن مالك لو قالت الثيب لوليها زوجني بمن رأيت فزوجها من نفسه أو ممن أختار لزمها ذلك ولو لم تعلم عين الزوج وقال الشافعي يزوجهما السلطان أو ولي آخر مثله أو أقعد منه ووافقه زفر وداود وحجتهم أن الولاية شرط في العقد فلا يكون الناكح منكحا كما لا يبيع من نفسه قوله وخطب المغيرة بن شعبة امرأة هو أولي الناس بها فأمر رجلا فزوجه هذا الأثر وصله وكيع في مصنفه والبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة وهو وليها فجعل أمرها ألي رجل المغيرة أولي منه فزوجه وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري وقال فيه فأمر أبعد منه فزوجه أخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي ولفظه أن المغيرة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد الله بن أبي عقيل فقال زوجنيها فقال ما كنت لأفعل أنت أمير البلد وابن عمها فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها منه انتهى والمغيرة هو بن شعبة بن مسعود بن معتب من ولد عوف بن ثقيف فهي بنت عمه لحا وعبد الله بن أبي عقيل هو بن عمهما معا أيضا لأن جده هو مسعود المذكور وأما عثمان بن أبي العاص فهو وأن كان ثقفيا أيضا لكنه لا يجتمع معهم الا في جدهم الأعلى ثقيف لأنه من ولد جشم بن ثقيف فوضح المراد بقوله هو أولي الناس وعرف اسم الرجل المبهم في الأثر المعلق قوله وقال عبد الرحمن بن عوف لام حكيم بنت قارظ اتجعلين أمرك إلى قالت نعم فقال فقد تزوجتك وصله بن سعد من طريق بن أبي ذئب عن سعيد بن خالد أن أم حكيم بنت قارظ قالت لعبد الرحمن بن عوف أنه قد خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت قال وتجعلين ذلك إلى فقالت نعم قال قد تزوجتك قال بن أبي ذئب فجاز نكاحه وقد ذكر بن سعد أم حكيم في النساء اللواتي لم يروين عن النبي صلى الله عيه وسلم وروين عن أزواجه ولم يزد في التعريف بها على ما في هذا الخبر وذكرها في تسمية أزواج عبدا الرحمن بن عوف في ترجمته فنسبها فقال أم حكيم بنت قارظ بن خالد بن عبيد حليف بني زهرة قوله وقال عطاء ليشهد إني قد نكحتك أو ليأمر رجلا من عشيرتها وصله عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء امرأة خطبها بن عم لها لا رجل لها غيره قال فلتشهد أن فلانا خطبها وإني اشهدكم إني قد نكحته أو لتأمر رجلا من عشيرتها قوله وقال سهل قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم اهب لك نفسي فقال رجل يا رسول الله أن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها هذا طرف من حديث الواهبة وقد تقدم موصولا في باب تزويج المعسر وفي باب النظر إلى المرأة قبل التزويج وغيرهما ووصله في الباب بلفظ آخر وأقربها إلى لفظ هذا التعليق رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم بلفظ أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت لاهب لك نفسي وفيه فقام رجل من أصحابه فقال أي رسول الله مثله ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قوله تعالى

[ 4838 ] ويستفتونك في النساء أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفي في التفسير ووجه الدلالة منه أن قوله فرغب عنها أن يتزوجها أعم من أن يتولى ذلك بنفسه أو يأمر غيره فيزوجه وبه احتج محمد بن الحسن على الجواز لأن الله لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل المال والجمال بدون سنتها من الصداق وغاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحد على ترك ما هو حرام عليه ودل ذلك أيضا على أنه يتزوجها ولو كانت صغيرة لأنه أمر أن يقسط لها في الصداق ولو كانت بالغا لما منع أن يتزوجها بما تراضيا عليه فعلم أن المراد من لا أمر لها في نفسها وقد أجيب باحتمال أن يكون المراد بذلك السفيهة فلا أثر لرضاها بدون مهر مثلها كالبكر ثم ذكر المصنف حديث سهل بن سعد في الواهبة وسيأتي شرحه قريبا ووجه الأخذ منه الإطلاق أيضا لكن لتحصل من منع ذلك بأنه معدود من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن يزوج نفسه وبغير ولي ولا شهود ولا استئذان وبلفظ كما يأتي تقريره وقوله فيه فلم يردها بسكون الدال من الإرادة وحكى بعض الشراح تشديد الدال وفتح أوله وهو محتمل

قوله باب انكاح الرجل ولده الصغار ضبط ولده بضم الواو وسكون اللام على الجمع وهو واضح وبفتحهما على أنه اسم جنس وهو أعم من الذكور والإناث قوله لقول الله تعالى واللائي لم يحضن فجعل عدتها ثلاثة اشهر قبل البلوغ أي فدل على أن نكاحها قبل البلوغ جائز وهو استنباط حسن لكن ليس في الآية تخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر ويمكن أن يقال الأصل في الابضاع التحريم الا ما دل عليه الدليل وقد ورد حديث عائشة في تزويج أبي بكر لها وهي دون البلوغ فبقي ما عداه على الأصل ولهذا السر أورد حديث عائشة قال المهلب اجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها الا أن الطحاوي حكى عن بن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى بن حزم عن بن شبرمة مطلقا أن الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه ومقابله تجوير الحسن والنخعي للأب اجبار بنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا تنبيه وقع في حديث عائشة من هذا الوجه ادراج يظهر من الطريق التي في الباب الذي بعده

قوله باب تزويج الأب ابنته من الامام في هذه الترجمة إشارة إلى أن الولي الخاص يقدم على الولي العام وقد اختلف فيه عن المالكية قولة وقال عمر الخ هو طرف من حديثه الذي تقدم موصولا قريبا ثم ذكر حديث عائشة وقوله فيه قال هشام يعني بن عروة وهو موصول بالإسناد المذكور وقوله وأنبئت الخ لم يسم من أنبأه بذلك ويشبه أن يكون حمله عن امرأتة فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء قال بن بطال دل حديث الباب على أن الأب أولي في تزويج ابنته من الإمام وأن السلطان ولي من لا ولي لها وأن الولي من شروط النكاح قلت ولا دلالة في الحديثين على اشتراط شيء من ذلك وإنما فيهما وقوع ذلك ولا يلزم منه منع ما عداه وإنما يؤخذ ذلك من أدلة أخرى وقال وفيه أن النهي عن انكاح البكر حتى تستأذن مخصوص بالبالغ حتى يتصور منها الإذن وأما الصغيرة فلا إذن لها وسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد

قوله باب السلطان ولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم زوجناكها بما معك من القرآن ثم ساق حديث سهل بن سعد في الواهبة من طريق مالك بلفظ زوجتكها بالافراد وقد وقع في رواية أبي ذر من هذا الوجه بلفظ زوجناكها بنون التعظيم وقد ورد التصريح بان السلطان ولي في حديث عائشة المرفوع أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل الحديث وفيه والسلطان ولي من لا ولي لها أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم لكنه لما لم يكن على شرطه استنبطه من قصة الواهبة وعند الطبراني من حديث بن عباس رفعه لا نكاح الا بولي والسلطان ولي من لا ولي له وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وفيه مقال وأخرجه سفيان في جامعه ومن طريقه الطبراني في الأوسط بإسناد آخر حسن عن بن عباس بلفظ لا نكاح الا بولي مرشد أو سلطان

قوله باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب الا برضاهما في هذه الترجمة أربع صور تزويج الأب البكر وتزويج الأب الثيب وتزويج غير الأب البكر وتزويج غير الأب الثيب وإذا اعتبرت الكبر والصغر زادت الصور فالثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره الا برضاها اتفاقا الا من شذ كما تقدم والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقا الا من شذ كما تقدم والثيب غير البالغ اختلف فيها فقال مالك وأبو حنيفة يزوجها أبوها كما يزوج البكر وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد لا يزوجها إذا زالت البكارة بالوطء لا بغيره والعلة عندهم أن إزالة البكارة تزيل الحياء الذي في البكر والبكر البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء واختلف في استثمارها والحديث دال على أنه لا اجبار للأب عليها إذا امتنعت وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وسأذكر مزيد بحث فيه وقد الحق الشافعي الجد بالأب وقال أبو حنيفة والأوزاعي في الثيب الصغيرة يزوجها كل ولي فإذا بلغت ثبت الخيار وقال أحمد إذا بلغت تسما جاز للاولياء غير الأب نكاحها وكأنه أقام المظنة مقام المثنة وعن مالك يلتحق بالأب في ذلك وصي الأب دون بقية الأولياء لأنه أقامه مقامه كما تقدمت الإشارة إليه ثم أن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث لكن تستثنى الصغيرة من حيث المعنى لأنها لا عبارة لها

[ 4843 ] قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة في رواية مسلم من طريق خالد بن الحارث عن هشام عن يحيى حدثنا أبو سلمة قوله لا تنكح بكسر الحاء للنهي وبرفعها للخبر وهو أبلغ في المنع وتقدم تفسير الأيم في باب عرض الإنسان ابنته وظاهر هذا الحديث أن الأيم هي الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق لمقابلتها بالبكر وهذا هو الأصل في الأيم ومنه قولهم الغزو مأيمة أي يقتل الرجال فتصير النساء أيامي وقد تطلق على من لا زوج لها أصلا ونقله عياض عن إبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي وغيرهما أنه يطلق على كل من لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا كانت أو ثيبا وحكى المارودي القولين لأهل اللغة وقد وقع في رواية الأوزاعي عن يحيى في هذا الحديث عند بن المنذر والدارمي والدارقطني لا تنكح الثيب ووقع عند بن المنذر في رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه في هذا الحديث الثيب تشاور قوله حتى تستأمر أصل الاستثمار طلب الأمر فالمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها ويؤخذ من قوله تستأمر أنه لا يعقد الا بعد أن كأمر بذلك وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الولي في حقها بل فيه اشعار باشتراطه قوله ولا تنكح البكر حتى تستأذن كذا وقع في هذه الرواية التفرقة بين الثيب والبكر فعبر للثيب بالاستثمار وللبكر بالاستئذان فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستثمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج الولي إلى صريح أذنها في العقد فإذا صرحت بمنعه أمتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك والأذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول وإنما جعل السكوت أذنا في حق البكر لأنها قد تستحي أن تفصح قوله قالوا يا رسول الله في رواية عمر بن أبي سلمة قلنا وحديث عائشة صريح في أنها هي السائلة عن ذلك قوله وكيف اذنها في حديث عائشة قلت أن البكر تستحي وستأتي ألفاظه الحديث الثاني

[ 4844 ] قوله حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق أي بن قرة الهلالي أبو حفص المصري وأصله كوفي سمع من مالك والليث ويحيى بن أيوب وغيرهم روى عنه القدماء مثل يحيى بن معين وإسحاق الكوسج وأبي عبيد وإبراهيم بن هانئ وهو من قدماء شيوخ البخاري ولم أر له عنه في الجامع الا هذا الحديث وقد وثقه العجلي والدارقطني ومات سنة تسع عشرة ومائتين قوله حدثنا الليث في رواية الكشميهني أنبأنا قوله عن أبي عمرو مولى عائشة في رواية بن جريج عن بن أبي مليكة عن ذكوان وسيأتي في ترك الحيل ويأتي في الإكراه من هذا الوجه بلفظ عن أبي عمرو هو ذكوان قوله أنها قالت يا رسول الله أن البكر تستحي هكذا أورده من طريق الليث مختصرا وقع في رواية بن جريج في ترك الحيل قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البكر تستأذن قلت فذكر مثله وفي الإكراه بلفظ قلت يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن قال نعم قلت فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت وفي رواية مسلم من هذا الوجه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا قال نعم تستأمر قلت فإنها تستحي قوله قال رضاها صمتها في رواية بن جريج قال سكاتها أذنها وفي لفظ له قال أذنها صماتها وفي رواية مسلم من طريق بن جريج أيضا قال فذلك أذنها إذا هي سكتت ودلت رواية البخاري على أن المراد بالجارية في رواية مسلم البكر دون الثيب وعند مسلم أيضا من حديث بن عباس والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صماتها وفي لفظ له والبكر يستأذنها أبوها في نفسها قال بن المنذر يستحب أعلام البكر أن سكوتها إذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت أن صمتي إذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله بعض المالكية وقال بن شعبان منهم يقال لها ذلك ثلاثا أن رضيت فاسكتي وأن كرهت فانطقي وقال بعضهم يطال المقام عندها لئلا تخجل فيمنعها ذلك من المسارعة واختلفوا فيما إذا لم تتكلم بل ظهرت منها قرينة السخط أو الرضا بالتبسم مثلا أو البكاء فعند المالكية أن نفرت أو بكت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على الكراهة لم تزوج وعند الشافعية لا أثر لشيء من ذلك في المنع الا أن قرنت مع البكاء الصياح ونحوه وفرق بعضهم بين الدمع فإن كان حارا دل على المنع وأن كان باردا دل على الرضا قال وفي هذا الحديث إشارة إلى أن البكر التي أمر باستئذانها هي البالغ إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الإذن ومن يستوي سكوتها وسخطها ونقل بن عبد البر عن مالك أن سكوت البكر اليتيمة قبل أذنها وتفويضها لا يكون رضا منها بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأنها تستحي منهما أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الابكار بالنسبة لجميع الأولياء واختلفوا في الأب يزوج البكر البالغ بغير أذنها فقال الأوزاعي والثوري والحنفية ووافقهم أبو ثور يشترط استئذانها فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح وقال الآخرون يجوز للأب أن يزوجها ولو كانت بالغا بغير استذان وهو قول بن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق ومن حجتهم مفهوم حديث الباب لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها فدل على أن ولي البكر أحق بها منها واحتج بعضهم بحديث يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعا تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو أذنها قال فقيد ذلك باليتيمة فيحمل المطلق عليه وفيه نظر لحديث بن عباس الذي ذكرته بلفظ يستأذنها أبوها فنص على ذكر الأب وأجاب الشافعي بان المؤامرة قد تكون عن استطابة النفس ويؤيده حديث بن عمر رفعه وامروا النساء في بناتهن أخرجه أبو داود قال الشافعي لا خلاف أنه ليس للام أمر لكنه على معنى استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث بن عباس غير محفوظة قال الشافعي زادها بن عيينة في حديثه وكان بن عمر والقاسم وسالم يزوجون الابكار لا يستأمرونهن قال البيهقي والمحفوظ في حديث بن عباس البكر تستأمر ورواه صالح بن كيسان بلفظ واليتيمة تستأمر وكذلك رواه أبو بردة عن أبي موسى ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فدل على أن المراد بالبكر اليتيمة قلت وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ بلفظ الأب ولو قال قائل بل المراد باليتيمة البكر لم يدفع وتستأمر بضم أوله يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ويبقى النظر في أن الاستثمار هل هو شرط في صحة العقد أو مستحب على معنى اسطابة النفس كما قال الشافعي كل من الامرين محتمل وسيأتي مزيد بحث فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى واستدل به على أن الصغيرة الثيب لا اجبار عليها لعموم كونها أحق بنفسها من وليها وعلى أن من زالت بكارتها بوطء ولو كان زنا لا اجبار عليها لأب ولا غيره لعموم قوله الثيب أحق بنفسها وقال أبو حنيفة هي كالبكر وخالفه حتى صاحباه واحتج له بان علة الاكتفاء بسكوت البكر هو الحياء وهو باق في هذه لأن المسألة مفروضة فيمن زالت بكارتها بوطء لا فيمن اتخذت الزنا ديدنا وعادة وأجيب بان الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر وقابلها بالثيب فدل على أن حكمهما مختلف وهذه ثيب لغة وشرعا بدليل أنه لو أوصى بعتق كل ثيب في ملكه دخلت إجماعا وأما بقاء حياكها كالبكر فممنوع لأنها تستحي من ذكر وقوع الفجور منها وأما ثبوت الحياء من أصل النكاح فليست فيه كالبكر التي لم تجربه قط والله أعلم واستدل به لمن قال أن للثيب أن تتزوج بغير ولي ولكنها لا تزوج نفسها بل تجعل أمرها إلى رجل فيزوجها حكاه بن حزم عن داود وتعقبه بحديث عائشة أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل وهو حديث صحيح كما تقدم وهو يبين أن معنى قوله أحق بنفسها من وليها أنه لا ينفذ عليها أمره بغير أذنها ولا يجبرها فإذا أرادت أن تتزوج لم يجر لها الا بإذن وليها واستدل به على أن البكر إذا أعلنت بالمنع لم يجز النكاح وإلى هذا أشار المصنف في الترجمة وأن أعلنت بالرضا فيجوز بطرق الأولى وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يجوز أيضا وقوفا عند ظاهر قوله وأذنها أن تسكت

قوله باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود هكذا أطلق فشمل البكر والثيب لكن حديث الباب مصرح فيه بالثيوبة فكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأبينه ورد النكاح إذا كانت ثيبا فزوجت بغير رضاها إجماع الا ما نقل عن الحسن أنه أجاز اجبار الأب للثيب ولو كرهت كما تقدم وعن النخعي أن كانت في عياله جاز وإلا رد واختلفوا إذا وقع العقد بغير رضاها فقالت الحنفية أن إجازته جاز وعن المالكية أن اجازته عن قرب جاز ولا فلا ورده الباقون مطلقا

[ 4845 ] قوله ومجمع بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم الثقيلة ثم عين مهملة قوله ابني يزيد بن جارية بالجيم أي بن عامر بن العطاف الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف وهو بن أخي مجمع بن جارية الصحابي الذي جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج له أصحاب السنن وقد وهم من زعم إنهما واحد ومنه قيل أن لمجمع بن يزيد صحبة وليس كذلك وإنما الصحبة لعمه مجمع بن جارية وليس لمجمع بن يزيد في البخاري سوى هذا الحديث وقد قرنه فيه بأخيه عبد الرحمن بن يزيد وعبد الرحمن ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيما جزم به العسكري وغيره وهو أخو عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه قال بن سعد ولي القضاء لعمر بن عبد العزيز يعني لما كان أمير المدينة ومات سنة ثلاث وتسعين وقيل سنة ثمان ووثقه جماعة وما له في البخاري أيضا سوى هذا الحديث وقد وافق مالكا على إسناد هذا الحديث سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم وأن اختلف الرواة عنهما في وصل هذا الحديث عن خنساء وفي إرساله حيث قال بعضهم عن عبد الرحمن ومجمع أن خنساء زوجت وكذا اختلفوا عنهما في نسب عبد الرحمن ومجمع فمنهم من اسقط يزيد وقال ابني جارية والصواب وصله وإثبات يزيد في نسبهما وقد أخرج طريق بن عيينة المصنف في ترك الحيل بصورة الإرسال كما سيأتي وأخرجها أحمد عنه كذلك واوردها الطبراني من طريقه موصولة وأخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق معلى بن منصور عن مالك بصورة الإرسال أيضا والأكثر وصلوه عنه وخالفهما معا سفيان الثوري في راو من السند فقال عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن يزيد بن وديعة عن خنساء أخرجه النسائي في الكبرى والطبراني من طريق بن المبارك عنه وهي رواية شاذة لكن يبعد أن يكون لعبد الرحمن بن القاسم فيه شيخان وعبد الله بن يزيد بن وديعة هذا لم أر من ترجم له ولم يذكر البخاري ولا بن أبي حاتم ولا بن حبان الا عبد الله بن وديعة بن خدام الذي روى عن سلمان الفارسي في غسل الجمعة وعنه المقبري وهو تابعي غير مشهور الا في هذا الحديث ووثقه الدارقطني وابن حبان وقد ذكره بن منده في الصحابة وخطأه أبو نعيم في ذلك وأظن شيخ عبد الرحمن بن القاسم بن أخيه وعبد الله بن يزيد بن وديعة هذا ممن اغفه المزي ومن تبعه فلم يذكروه في رجال الكتب الستة قوله عن خنساء بنت خدام بمعجمة ثم نون ثم مهملة وزن حمراء وابوها بكسر المعجمة وتخفيف المهملة قيل اسم أبيه وديعة والصحيح أن اسم أبيه خالد ووديعة اسم جده فيما أحسب وقع ذلك في رواية لأحمد من طريق محمد بن إسحاق عن الحجاج بن السائب مرسلا في هذه القصة ولكن قال في تسميتها خناس بتخفيف النون وزن فلان ووقع في رواية الدارقطني والطبراني وابن السكن خنساء ووصل الحديث عنها فقال عن حجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عن جدته خنساء وخناس مشتق من خنساء كما يقال في زينب زناب وكنية خدام والد خنساء أبو وديعة كناه أبو نعيم وقد وقع ذلك عند عبد الرزاق من حديث بن عباس أن خداما أبا وديعة انكح ابنته رجلا الحديث ووقع عند المستغفري من طريق ربيعة بن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية أن وديعة بن خدام زوج ابنته وهو وهم في اسمه ولعله كان أن خداما أبا وديعة فانقلب وقد ذكرت في كتاب الصحابة ما يدل على أن لوديعة بن خدام أيضا صحبة وله قصة مع عمر في ميراث سالم مولى أبي حذيفة ذكرها البخاري في تاريخه وقد اطلت في هذا الموضع لكن جر الكلام بعضه بعضا ولا يخلو من فائدة قوله أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ووقع في رواية الثوري المذكورة قالت انكحي أبي وأنا كارهه وأنا بكر والأول أرجح فقد ذكر الحديث الإسماعيلي من طريق شعبة عن يحيى بن سعيد عن القاسم فقال في روايته وأنا أريد أن أتزوج عم ولدي وكذا أخرج عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي عن أبي بكر بن محمد أن رجلا من الأنصار تزوج خنساء بنت خدام فقتل عنها يوم أحد فأنكحها أبوها رجلا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أن أبي انكحني وأن عم ولدي أحب إلي فهذا يدل على أنها كانت ولدت من زوجها الأول واستفدنا من هذه الرواية نسبة زوجها الأول واسمه أنيس بن قتادة سماه الواقدي في روايته من وجه آخر عن خنساء ووقع في المبهمات للقطب القسطلاني أن اسمه أسير وأنه استشهد ببدر ولم يذكر له مستندا وأما الثاني الذي كرهته فلم اقف على اسمه الا أن الواقدي ذكر بإسناد له أنه من بني مزينة ووقع في رواية بن إسحاق عن الحجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عنها أنه من بني عمرو بن عوف وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء الخراساني عن بن عباس أن خداما أبا وديعة انكح ابنته رجلا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تكرهوهن فنكحت بعد ذلك أبا لبابة وكانت ثيبا وروى الطبراني بإسناد آخر عن بن عباس فذكر نحو القصة قال فيه فنزعها من زوجها وكانت ثيبا فنكحت بعده أبا لبابة وروى عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن أبي الحويرث عن نافع بن جبير قال تأيمت خنسا فزوجها أبوها الحديث نحوه وفيه فرد نكاحه ونكحت أبا لبابة وهذه أسانيد يقوي بعضها ببعض وكلها دالة على أنها كانت ثيبا نعم أخرج النسائي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن جابر أن رجلا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فاتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما وهذا سند ظاهره الصحة ولكن له علة أخرجه النسائي من وجه آخر عن الأوزاعي فأدخل بينه وبين عطاء إبراهيم بن مرة وفيه مقال وأرسله فلم يذكر في إسناده جابرا وأخرج النسائي أيضا وابن ماجة من طريق جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها ورجاله ثقات لكن قال أبو حاتم وأبو زرعة أنه خطأ وأن الصواب إرساله وقد أخرجه الطبراني والدارقطني من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن بن عباس بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح بكر وثيب انكحهما أبوهما وهما كارهتان قال الدارقطني تفرد به عبد الملك الدماري وفيه ضعف والصواب عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة مرسل وقال البيهقي أن ثبت الحديث في البكر حمل على أنها زوجت بغير كفء والله أعلم قلت وهذا الجواب هو المعتمد فإنها واقعة عين فلا يثبت الحكم فيها تعميما وأما الطعن في الحديث فلا معنى له فإن طرقه يقوي بعضها ببعض ولقصة خنساء بنت خدام طريق أخرى أخرجه الدارقطني والطبراني من طريق هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ولم يقل فيه بكرا ولا ثيبا قال الدارقطني رواه أبو عوانة عن عمر مرسلا لم يذكر أبا هريرة قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه ويزيد هو بن هارون ويحيى هو بن سعيد الأنصاري قوله أن رجلا يدعي خداما أنكح ابنة له نحوه ساق أحمد لفظه عن يزيد بن هارون بهذا الإسناد أن رجلا منهم يدعي خداما انكح ابنته فكرهت نكاح أبيها فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فرد عنها نكاح أبيها فتزوجت أبا لبابة بن عبد المنذر فذكر يحيى بن سعيد أنه بلغه أنها كانت ثيبا وهذا يوافق ما تقدم وكذا أخرجه بن ماجة عن أبي بكر بن شيبة عن يزيد بن هارون وأخرجه الإسماعيلي من طرق عن يزيد كذلك وأخرجه الطبراني والإسماعيلي من طريق محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد نحوه وأخرجه الطبراني من طريق عيسى بن يونس عن يحيى كذلك وأخرجه أحمد عن أبي معاوية عن يحيى كذلك لكن اقتصر على ذكر مجمع بن يزيد والذي بلغ يحيى ذلك يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن القاسم فسيأتي في ترك الحيل من طريق بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم أن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن ومجمع ابني جارية قالا فلا تخشين فإن خنساء بنت خدام انكحها أبوها وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال سفيان وأما عبد الرحمن بن القاسم فسمعته يقول عن أبيه خنساء انتهى وقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن عن أبيه عن خنساء موصولا والمرأة التي من ولد جعفر هي أم جعفر بنت القاسم بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ووليها هو عم أبيها معاوية بن عبد الله بن جعفر أخرجه المستغفري من طريق يزيد بن الهاد عن ربيعة بإسناده أنها تأيمت من زوجها حمزة بن عبد الله بن الزبير فأرسلت إلى القاسم بن محمد وإلى عبد الرحمن بن يزيد فقالت إني لا آمن معاوية أن يضعني حيث لا يوافقني فقال لها عبد الرحمن ليس له ذلك ولو صنع ذلك لم يجز فذكر الحديث الا أنه لم يضبط اسم والد خنساء ولا سمي بنته كما قدمته وكنت ذكرت في المقدمة في تسمية المرأة من ولد جعفر ومن ذكر معها غير الذي هنا والمذكور هنا هو المعتمد وقد حصل من تحرير ذلك ما لا أظن أنه يزاد عليه فلله الحمد على جميع مننه

قوله باب تزويج اليتمية لقول الله تعالى وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ذكر فيه حديث عائشة في تفسير الآية المذكورة وقد تقدم شرحه في التفسير وفه دلالة على تزويج الولي غير الأب التي دون البلوغ بكرا كانت أو ثيبا لأن حقيقة اليتيمة من كانت دون البلوغ ولا أب لها وقد إذن في تزويجها بشرط أن لا يبخس من صداقها فيحتاج من منع ذلك إلى دليل قوي وقد احتج بعض الشافعية بحديث لا تنكح اليتمية حتى تستأمر قال فإن قيل الصغيرة لا تستأمر قلنا فيه إشارة إلى تأخير تزويجها حتى تبلغ فتصير أهلا للاستئمار فإن قيل لا تكون بعد البلوغ يتيمة قلنا التقدير لا تنكح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر جمعا بين الأدلة قوله وإذا قال للولي زوجني فلانة فمكث ساعة أو قال ما معك فقال معي كذا وكذا أو لبثا ثم قال زوجتكها فهو جائز فيه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني حديث الواهبة وقد تقدم مرارا ويأتي شرحه قريبا ومراده منه أن التفريق بين الإيجاب والقبول إذا كان في المجلس لا يضر ولا تخلل بينهما كلام آخر وفي أخذه من هذا الحديث نظر لأنها واقعة عين بطرقها احتمال أن يكون قبل عقب الإيجاب

[ 4846 ] قوله حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري وقال الليث حدثني عقيل عن بن شهاب تقدم طريق الليث موصولا في باب الأكفاء في المال وساق المتن هناك على لفظه وهنا على لفظ شعيب وقد أفرده بالذكر في كتاب الوصايا كما تقدم والله أعلم

قوله باب إذا قال الخاطب زوجني فلانة فقال قد زوجتك بكذا وكذا جاز النكاح وأن لم يقل للزوج ارضيت أو قبلت في رواية الكشميهني إذا قال الخاطب للولي وبه يتم الكلام وهو الفاعل في قوله وأن لم يقل وأورد المصنف فيه حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة أيضا وهذه الترجمة معقودة لمسألة هل يقوم الالتماس مقام القبول فيصير كما لو تقدم القبول على الإيجاب كأن يقول تزوجت فلانة على كذا فيقول الولي زوجتكها بذلك أو لابد من إعادة القبول فباستنبط المصنف من قصة الواهبة أنه لم ينقل بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم زوجتكها بم معك من القرآن أن الرجل قال قد قبلت لكن اعترضه المهلب فقال بساط الكلام في هذه القصة أغنى عن توقيف الخاطب على القبول لما تقدم من المراوضة والطلب والمعاودة في ذلك فمن كان في مثل حال هذا الرجل الراغب لم يحتج إلى تصريح منه بالقبول لسبق العلم برغبته بخلاف غيره ممن لم تقم القرائن على رضاه انتهى وغايته أن يسلم الاستدلال لكن يخصه بخاطب دون خاطب وقد قدمت في الذي قبله وجه الخدش في أصل الاستدلال قوله في هذه الرواية فقال ما لي اليوم في النساء من حاجة فيه اشكال من جهة أن في حديث فصعد النظر إليها وصوبه فهذا دال على أنه كان يريد التزويج لو أعجبته فكان معنى الحديث ما لي في النساء إذا كن بهذه الصفة من حاجة ويحتمل أن يكون جواز النظر مطلقا من خصائصه وأن لم يرد التزويج وتكون فائدته احتمال أنها تعجبه فيتزوجها مع استغنائه حينئذ عن زيادة على من عنده من النساء صلى الله عليه وسلم

قوله باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع كذا أورده بلفظ أو يدع وذكره في الباب عن أبي هريرة بلفظ أو يترك وأخرجه مسلم من حديث عقبة بن عامر بلفظ حتى يذر وقد أخرجه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق عبد الوارث عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ حتى ينكح أو يدع وإسناده صحيح

[ 4848 ] قوله نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض تقدم شرحه في البيوع والبحث في اختصاص ذلك بالمسلم وهذا اللفظ لا يعارض ذلك من جهة أن المخاطبين هم المسلمون قوله ولا يخطب بالجزم على النهي أي وقال لا يخطب ويجوز الرفع على أنه نفي وسياق ذلك بصيغة الخبر أبلغ في المنع ويجوز النصب عطفا على قوله يبيع على أن لا في قوله ولا يخطب زائدة ويؤيد الرفع قوله في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب برفع العين من يبيع والباء من يخطب وإثبات التحتانية في يبيع قوله أو يأذن له الخاطب أي حتى يأذن الأول للثاني قوله في حديث أبي هريرة

[ 4849 ] الليث عن جعفر بن ربيعة لليث فيه إسناد آخر أخرجه مسلم من طريقه عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر في قصة الخطبة فقط وسأذكر لفظه قوله قال قال أبو هريرة أثر بفتح أوله وضم المثلثة تقول أثرت الحديث أثره بالمد أثرا بفتح أوله ثم سكون إذا ذكرته عن غيرك ووقع عند النسائي من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره مختصرا قوله إياكم والظن الخ يأتي من وجه آخر عن أبي هريرة في كتاب الأدب مع شرحه وقد أخرجه البيهقي من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فزاد في المتن زيادات ذكرها البخاري مفرقة لكن من غير هذا الوجه قال الجمهور هذا النهي للتحريم وقال الخطابي هذا النهي للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء كذا قال ولا ملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد بل حكى النووي أن النهي فيه للتحريم بالإجماع ولكن اختلفوا في شروطه فقال الشافعية والحنابلة محل التحريم ما إذا صرحت المخطوبة أو وليها الذي أذنت له حيث يكون أذنها معتبرا بالإجابة فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم فلو لم يعلم الثاني بالحال فيجوز الهجوم على الخطبة لأن الأصل الإباحة وعند الحنابلة في ذلك روايتان وأن وقعت الإجابة بالتعريض كقولها لا رغبة عنك فقولان عند الشافعية الأصح وهو قول المالكية والحنفية لا يحرم أيضا وإذا لم ترد ولم تقبل فيجوز والحجة فيه قول فاطمة خطبني معاوية وأبو جهم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما بل خطبها لإسامة وأشار النووي وغيره إلى أنه لا حجة فيه لاحتمال أن يكونا خطبا معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول والنبي صلى الله عليه وسلم أشار باسامة ولم يخطب وعلى تقدير أن يكون خطب فكأنه لما ذكر لها ما في معاوية وأبي جهم ظهر منها الرغبة عنهما فخطبها لإسامة وحكى الترمذي عن الشافعي أن معنى حديث الباب إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به وركنت إليه فليس لأحد أن يخطب على خطبته فإذا لم يعلم برضاها ولا ركونها فلا بأس أن يخطبها والحجة فيه قصة فاطمة بنت قيس فإنها لم تخبره برضاها بواحد منهما ولو أخبرته بذلك لم يشر عليها بغير من اختارت فلو لم توجد منها إجابة ولا رد فقطع بعض الشافعية بالجواز ومنهم من أجرة القولين ونص الشافعي في البكر على أن سكوتها رضا بالخاطب وعن بعض المالكية لا تمنع الخطبة الا على خطبة من وقع بينهما التراضي على الصداق وإذا وجدت شروط التحريم ووقع العقد للثاني فقال الجمهور يصح مع ارتكاب التحريم وقال داود يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده وعند المالكية خلاف كالقولين وقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة والخطبة ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة وحكى الطبري أن بعض العلماء قال أن هذا النهي منسوخ بقصة فاطمة بنت قيس ثم رده وغلطه بأنها جاءت مستشيرة فأشير عليها بما هو الأولى ولم يكن هناك خطبة على خطبة كما تقدم ثم أن دعوى النسخ في مثل هذا غلط لأن الشارع أشار إلى علة النهي في حديث عقبة بن عامر بالأخوة وهي صفة لازمة وعلة مطلوبة للدوام فلا يصح أن يلحقها النسخ والله أعلم واستدل به على أن الخاطب الأول إذا إذن للخاطب الثاني في التزويج ارتفع التحريم ولكن هل يختص ذلك بالمأذون له أو يتعدى لغيره لأن مجرد الإذن الصادر من الخاطب الأول دال على اعراضه عن تزويج تلك المرأة وباعراضه يجوز لغيره أن يخطبها الظاهر الثاني فيكون الجواز للمأذون له بالتنصيص ولغير المأذون له بالإلحاق ويؤيده قوله في الحديث الثاني من الباب أو يترك وصرح الروياني من الشافعية بان محل التحريم إذا كانت الخطبة من الأول جائزة فإن كانت ممنوعة كخطبة المعتدة لم يضر الثاني بعد انقضاء العدة أن يخطبها وهو واضح لأن الأول لم يثبت له بذلك حق واستدل بقوله على خطبة أخيه أن محل التحريم إذا كان الخاطب مسلما فلو خطب الذمي ذمية فأراد المسلم أن يخطبها جاز له ذلك مطلقا وهو قول الأوزاعي ووافقه من الشافعية بن المنذر وابن جويرية والخطابي ويؤيده قوله في أول حديث عقبة بن عامر عند مسلم المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته حتى يذر وقال الخطابي قطع الله الأخوة بين الكافر والمسلم فيختص النهي بالمسلم وقال بن المنذر الأصل في هذا الإباحة حتى يرد المنع وقد ورد المنع مقيدا بالمسلم فبقي ما عدا ذلك على أصل الإباحة وذهب الجمهور إلى الحاق الذمي بالمسلم في ذلك وأن التعبير بأخيه خرج على الغالب فلا مفهوم له وهو كقوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم وكقوله وربائبكم اللاتي في حجوركم ونحو ذلك وبناه بعضهم على أن هذا المنهي عنه هل هو من حقوق العقد واحترامه أو من حقوق المتعاقدين فعلى الأول فالراجح ما قال الخطابي وعلى الثاني فالراجح ما قال غيره وقريب من هذا البناء اختلافهم في ثبوت الشفعة للكافر فمن جعلها من حقوق الملك أثبتها له ومن جعلها من حقوق المالك منع وقريب من هذا البحث ما نقل عن بن القاسم صاحب مالك أن الخاطب الأول إذا كان فاسقا جاز للعفيف أن يخطب على خطبته ورجحه بن العربي منهم وهو متجه فيما إذا كانت المخطوبة عفيفة فيكون الفاسق غير كفء لها فتكون خطبته كلا خطبة ولم يعتبر الجمهور ذلك إذا صدرت منها علامة القبول وقد أطلق بعضهم الإجماع على خلاف هذا القول ويلتحق بهذا ما حكاه بعضهم من الجواز إذا لم يكن الخاطب الأول أهلا في العادة لخطبة تلك المرأة كما لو خطب سوقي بنت ملك وهذا يرجع إلى التكافؤ واستدل به على تحريم خطبة المرأة على خطبة امرأة أخرى الحاقا لحكم النساء بحكم الرجال وصورته أن ترغب أمرة في رجل وتدعوه إلى تزويجها فيجيبها كما تقدم فتجيء امرأة أخرى فتدعوه وترغبه في نفسها وتزهده في التي قبلها وقد صرحوا باستحباب خطبة أهل الفضل من الرجال ولا يخفى أن محل هذا إذا كان المخطوب عزم أن لا يتزوج الا بواحدة فأما إذا جمع بينهما فلا تحريم وسيأتي بعد ستة أبواب في باب الشروط التي لا تحل في النكاح مزيد بحث في هذا قوله حتى ينكح أي حتى يتزوج الخاطب الأول فيحصل اليأس المحض وقوله أو يترك أي الخاطب الأول التزويج فيجوز حينئذ للثاني الخطبة فالغايتان مختلفتان الأولى ترجع إلى اليأس والثانية ترجع إلى الرجاء ونظير الأولى قوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط

قوله باب تفسير ترك الخطبة ذكر فيه طرفا من حديث عمر حين تأيمت حفصة وفي آخره قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولو تركها لقبلتها وقد تقدم شرحه مستوفي قبل أبواب قال بن بطال ما ملخصه تقدم في الباب الذي قبله تفسير ترك الخطبة صريحا في قوله حتى ينكحا و يترك وحديث عمر في قصة حفصة لا يظهر منه تفسير ترك الخطبة لأن عمر لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حفصة قال ولكنه قصد معنى دقيقا يدل على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط وذلك أن أبا بكر علم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخطب إلى عمر أنه لا يرده بل يرغب فيه ويشكر الله على أما أنعم الله عليه به من ذلك فقام علم أبي بكر بهذا الحال مقام الركون والتراضي فكأنه يقول كل من علم أنه لا يصرف إذا خطب لا ينبغي لأحد أن يخطب على خطبته وقال بن المنير الذي يظهر لي أن البخاري أراد أن يحقق امتناع الخطبة على الخطبة مطلقا لأن أبا بكر أمتنع ولم يكن انبرم الأمر بين الخاطب والولي فكيف لو انبرم وتراكنا فكأنه استدلال منه بالأولى قلت وما ابداه بن بطال أدق واولى والله أعلم

[ 4850 ] قوله تابعه يونس وموسى بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري أي بإسناده أما متابعة يونس وهو بن يزيد فوصلها الدارقطني في العلل من طريق أصبغ عن بن وهب عنه وأما متابعة الآخرين فوصلها الذهلي في الزهريات من طريق سليمان بن بلال عنهما وقد تقدم لم نصنف هذا الحديث من رواية معمر من رواية صالح بن كيسان أيضا عن الزهري أيضا

قوله باب الخطبة بضم أوله أي عند العقد ذكر فيه حديث بن عمر جاء رجلان من المشرق فخطبا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن من البيان لسحرا وفي رواية الكشميهني سحرا بغير لام وهو طرف من حديث سيأتي بتمامه في الطب مع شرحه قال بن التين ادخل هذا الحديث في كتاب النكاح وليس هو موضعه قال والبيان نوعان الأول ما يبين به المراد والثاني تحسين اللفظ حتى يستميل قلوب السامعين والثاني هو الذي يشبه بالسحر والمذموم منه ما يقصد به الباطل وشبهه بالسحر لأن السحر صرف الشيء عن حقيقته قلت فمن هنا تؤخذ المناسبة ويعرف أنه ذكره في موضعه وكأنه أشار إلى أن الخطبة وأن كانت مشروعه في النكاح فينبغي أن تكون مقتصدة ولا يكون فيها ما يقتضي صرف الحق إلى الباطل بتحسين الكلام والعرب تطلق لفظ السحر على الصرف تقول ما سحرك عن كذا أي ما صرفك عنه أخرجه أبو داود من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده رفعه أن من البيان سحرا قال فقال صعصعة بن صوحان صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجة من صاحب الحق فيسحر الناس ببيانة فيذهب بالحق وقال المهلب وجه إدخال هذا الحديث في هذه الترجمة أن الخطبة في النكاح إنما شرعت للخاطب ليسهل أمره فشبه حسن التوصل إلى الحاجة بحسن الكلام فيها باستنزال المرغوب إليه بالبيان بالسحر وإنما كان كذلك لأن النفوس طبعت على الانفة من ذكر الموليات في أمر النكاح فكان حسن التوصل لرفع تلك الانفة وجها من وجوه السحر الذي يصرف الشيء إلى غيره وورد في تفسير خطبة النكاح أحاديث من اشهرها ما أخرجه أصحاب السنن وصححه أبو عوانة وابن حبان عن بن مسعود مرفوعا أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره الحديث ز قال الترمذي حسن رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن بن مسعود وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه قال فكلا الحديثي صحيح لأن إسرائيل رواه عن أبي إسحاق فجمعهما قال وقد قال أهل العلم أن النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم اه وقد شرطه في النكاح بعض أهل الظاهر وهو شاذ

قوله باب ضرب الدف في النكاح والوليمة يجوز في الدف ضم الدال وفتحها وقوله والوليمة معطوف على النكاح أي ضرب الدف في الوليمة وهو من العام بعد الخاص ويحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة وأن ضرب الدف يشرع في النكاح عند العقد وعند الدخول مثلا وعند الوليمة كذلك والأول أشبه وكأنه أشار بذلك إلى ما في بعض طرقه على ما سأبينه

[ 4852 ] قوله حدثنا خالد بن ذكوان هو المدني يكنى أبا الحسن وهو من صغار التابعين قوله جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على في رواية الكشميهني فدخل علي ووقع عند بن ماجة في أوله قصة من طريق حماد بن سلمة عن أبي الحسين واسمه خالد المدني قال كنا بالمدينة يوم عاشوراء والجواري يضربن بالدف ويتغنين فدخلنا على الربيع بنت معوذ فذكرنا ذلك لها فقالت دخل علي الحديث هكذا أخرجه من طريق يزيد بن هارون عنه أخرجه الطبراني من طريق عن حماد بن سلمة فقال عن أبي جعفر الخطمي بدل أبي الحسين قوله حين بني علي في رواية حماد بن سلمة صبيحة عرسي والبناء الدخول بالزوجة وبين بن سعد أنها تزوجت حينئذ إياس بن البكير الليثي وإنها ولدت له محمد بن إياس قيل له صحبة قوله كمجلسك بكسر اللام أي مكانك قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب أو كان قبل نزول آية الحجاب أو جاز النظر للحاجة أو عند الأمن من الفتنة اه والأخير هو المعتمد والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالاجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجيه وجوز الكرماني أن تكون الرواية مجلسك بفتح اللام أي جلوسك ولا اشكال فيها قوله فجعلت جويريات لنا لم اقف على اسمهن ووقع في رواية حماد بن سلمة بلفظ جاريتان تغنيان فيحتمل أن تكون الثنتان هما المغنيتان ومعهما من يتبعهما أو يساعدهما في ضرب الدف من غير غناء وسيأتي في باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها زيادة في هذا قوله يوندبن من الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها قوله من قتل من ابائي يوم بدر تقدم بيان ذلك في المغازي وأن الذي قتل من ابائها إنما قتل بأحد واباؤها الذين شهدوا بدرا معوذ ومعاذ وعوف واحدهم أبوها والاخران عماها أطلقت الابوة عليهما تغليبا قوله فقال دعي هذه أي اركي ما يتعلق بمدحي الذي فيه الاطراء المنهي عنه زاد في رواية حماد بن سلمة لا يعلم ما في غد الا الله فأشار إلى علة المنع قوله وقولي بالذي كنت تقولين فيه إشارة إلى جواز سماع المدح والمرئية مما ليس فيه مبالغة تفضي إلى الغلو وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنساء من الأنصار في عرس لهن وهن يغنين وأهدى لها كبشا تنحنح في المربد وزوجك في البادي وتعلم ما في غد قال لا يعلم ما في غد الا الله قال المهلب في هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح وفيه إقبال الإمام إلى العرس وأن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح وفيه جواز مدح الرجل في وجهه ما لم يخرج إلى ما ليس فيه وأغرب بن التين فقال إنما نهاها لأن مدحه حق والمطلوب في النكاح اللهو فلما أدخلت الجد في اللهو منعها كذا قال وتمام الخبر الذي أشرت إليه يرد عليه وسياق القصة يشعر بأنهما لو استمرتا على المرائي لم ينههما وغالب حسن المرائي جد لا لهو وإنما أنكر عليها ما ذكر من الاطراء حيث أطلق علم الغيب له وهو صفة تختص بالله تعالى كما قال تعالى قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب الا الله وقوله لنبيه قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضر إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله تعالى إياه لا أنه يستقل بعلم ذلك كما قال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول وسيأتي مزيد بحث في مسألة الغناء في العرس بعد اثني عشر بابا

قوله باب قول الله تعالى واتو النساء صدقاتهن نحلة وكثرة المهر وادنى ما يجوز من الصداق وقوله تعالى واتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا وقوله جل ذكره أو تفرضوا لهن فريضة هذه الترجمة معقودة لأن المهر لا يتقدر أقله والمخالف في ذلك المالكية والحنفية ووجه الاستدلال مما ذكره الإطلاق من قوله صدقاتهن ومن قوله فريضة وقوله في حديث سهل ولو خاتما من حديد وأما قوله وكثرة المهر فهو بالجر عطف على قول الله في الآية التي تلاها وهو قوله واتيتم إحداهن قنطارا فيه إشارة إلى جواز كثرة المهر وقد استدلت بذلك المرأة التي نازعت عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك وهو ما أخرجه عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال قال عمر لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر أن الله يقول واتيتم إحداهن قنطارا من ذهب قال وكذلك هي في قراءة بن مسعود فقال عمر امرأة خاصمت عمر فخصمته وأخرجه الزبير بن بكار من وجه آخر منقطع فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن مسروق عن عمر فذكره متصلا مطولا وأصل قول عمر لا تغالوا في صدقات النساء عند أصحاب السنن وصححه بن حبان والحاكم لكن ليس فيه قصة المرأة ومحصل الاختلاف أنه أقل ما يتمول وقيل أقله ما يجب فيه القطع وقيل أربعون وقيل خمسون وأقل ما يجب فيه القطع مختلف فيه فقيل ثلاثة دراهم وقيل خمسة وقيل عشرة قوله وقال سهل قال النبي صلى الله عليه وسلم ولو خاتما من حديد هذا طرف من حديث الواهبة وسيأتي شرحه مستوفى بعد هذا ويأتي مزيد في هذه المسألة بعد قليل أيضا ثم ذكر حديث أنس في قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف وفيه

[ 4853 ] قوله تزوجت امرأه على وزن هو نواة وسيأتي شرحه مستوفي في باب الوليمة ولو بشاة بعد بضعة عشر بابا قوله وعن قتادة عن أنس هو معطوف على قوله عن عبد العزيز بن صهيب وهو من رواية شعبة عنهما فبين أن عبد العزيز بن صهيب أطلق عن أنس النواة وقتادة زاد انها من ذهب ويحتمل أن يكون قوله وعن قتادة معلقا وقد أخرج الإسماعيلي الحديث عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب بطريق عبد العزيز فقط وأخرج طريق قتادة من رواية علي بن الجعد وعاصم بن علي كلاهما عن شعبة وكذا صنع أبو نعيم أخرج من رواية سليمان طريق عبد العزيز وحده وأخرج طريق قتادة من رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة والله أعلم

قوله باب التزويج على القرآن وبغير صداق أي على تعليم القرآن وبغير صداق مالي عيني ويحتمل غير ذلك كما سيأتي البحث فيه قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة وقد ذكره المصنف من رواية سفيان الثوري بعد هذا لكن باختصار وأخرجه بن ماجة من روايته أتم منه والإسماعيلي أتم من بن ماجة والطبراني مقرونا برواية معمر وأخرج رواية بن عيينة أيضا مسلم والنسائي وهذا الحديث مداره على أبي حازم سلمة بن دينار المدني وهو من صغار التابعين حدث به كبار الأئمة عنه مثل مالك وقد تقدمت روايته في الوكالة وقبل أبواب هنا ويأتي في التوحيد وأخرجه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي والثوري كما ذكرته وحماد بن زيد وروايته في فضائل القرآن وتقدمت قبل أبواب هنا أيضا وأخرجها مسلم وفضيل بن سليمان ومحمد بن مطرف أبي غسان وقد تقدمت روايتهما قريبا في النكاح لم يخرجهما مسلم ويعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني وعبد العزيز بن أبي حازم وروايتهما في النكاح أيضا ويعقوب أيضا في فضائل القرآن وعبد العزيز يأتي في اللباس وأخرجها مسلم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي وزائدة بن قدامة وروايتهما عند مسلم ومعمر وروايته عند أحمد والطبراني وهشام بن سعد وروايته في صحيح أبي عوانة والطبراني ومبشر بن مبشر وروايته عند الطبراني وعبد الملك بن جريج وروايته عند أبي الشيخ في كتاب النكاح وقد روى طرفا منه سعيد بن المسيب عن سهل بن سعد أخرجه الطبراني وجاءت القصة أيضا من حديث أبي هريرة عند أبي داود باختصار والنسائي مطولا وابن مسعود عند الدارقطني ومن حديث بن عباس عند أبي عمر بن حيوة في فوائده وضميره جد حسين بن عبد الله عند الطبراني وجاءت مختصرة من حديث أنس كما تقدم قبل أبواب وعند الترمذي طرف منه آخر ومن حديث أبي إمامة عند تمام في فوائده ومن حديث جابر وابن عباس عند أبي الشيخ في كتاب النكاح وسأذكر ما في هذه الروايات من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى

[ 4854 ] قوله عن سهل بن سعد في رواية بن جريج حدثني أبو حازم أن سهل بن سعد أخبره قوله أني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قامت امرأة في رواية فضيل بن سليمان كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوسا فجاءته امرأة وفي رواية هشام بن سعد بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم أتت إليه امرأة وكذا في معظم الروايات أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن رد رواية سفيان إليها بأن يكون معنى قوله قامت وقفت والمراد أنها جاءت إلى أن وقفت عندهم لا أنها كانت جالسة في المجلس فقامت وفي رواية سفيان الثوري عند الإسماعيلي جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فأفاد تعيين المكان الذي وقعت فيه القصة وهذه المرأة لم اقف على اسمها ووقع في الأحكام لابن القصاع أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك وهذا نقل من اسم الواهبة الواردة في قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي وقد تقدم بيان اسمها في تفسير الأحزاب وما يدل على تعدد الواهبة قوله فقالت يا رسول الله أنها قد وهبت نفسها لك كذا فيه على طريق الالتفات وكذا في رواية حماد بن زيد لكن قال أنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله وكان السياق يقتضي أن تقول إني قد وهبت نفسي لك وبهذا اللفظ وقع في رواية مالك وكذا في رواية زائدة عند الطبراني وفي رواية يعقوب وكذا الثوري عند الإسماعيلي فقالت يا رسول الله جئت اهب نفسي لك وفي رواية فضيل بن سليمان فجاءته امرأة تعرض نفسها عليه وفي كل هذه الرويات حذف مضاف تقديره أمر نفسي أو نحوه وإلا فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحر لا تملك فكأنها قالت اتزوجك من غير عوض قوله فر فيها رأيك كذا للأكثر براء واحدة مفتوحة بعدها فاء التعقيب وهي فعل أمر من الرأي ولبعضهم بهمزة ساكنة بعد الراء وكل صواب ووقع بإثبات الهمزة في حديث بن مسعود أيضا قوله فلم يجبها شيئا في رواية معمر والثوري وزائدة فصمت وفي رواية يعقوب وابن أبي حازم وهشام بن سعد فنظر إليها فصعد النظر إليها وصوبه وهو بتشديد العين من صعد والواو من صوب والمراد أنه نظر أعلاها واسفلها والتشديد أما للمبالغة في التأمل وأما للتكرير وبالثاني جزم القرطبي في المفهم قال أي نظر أعلاها وأسفلها مرارا ووقع في رواية فضيل بن سليمان فخفض فيها البصر ورفعه وهما بالتشديد أيضا ووقع في رواية الكشميهني من هذا الوجه النظر بدل البصر وقال في هذه الرواية ثم طأطأ رأسه وهو بمعنى قوله نصمت وقال في رواية فضيل بن سليمان فلم يردها وقد قدمت ضبط هذه اللفظة في باب إذا كان الولي هو الخاطب قوله ثم قامت فقالت وقع هذا في رواية المستملي والكشميهني وسياق لفظها كالأول وعندهما أيضا ثم قامت الثالثة وسياقها كذلك وفي رواية معمر والثوري معا عند الطبراني فصمت ثم عرضت نفسها عليه فصمت فلقد رأيتها قائمة مليا تعرض نفسها عليه وهو صامت وفي رواية مالك فقامت طويلا ومثله الثوري عنه وهو نعت مصدر محذوف أي قياما طويلا أو لظرف محذوف أي زمانا طويلا وفي رواية مبشر فقامت حتى رأينا لها من طول القيام زاد في رواية يعقوب وابن أي حازم فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست ووقع في رواية حماد بن زيد أنها وهبت نفسها لله ولرسوله فقال ما لي في النساء حاجة ويجمع بينها وبين ما تقدم أنه قال ذلك في آخر الحال فكأنه صمت أولا لتفهم أنه لم يردها فلما اعادت الطلب أفصح لها بالواقع ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائي جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه فقال لها اجلسي فجلست ساعة ثم قامت فقال اجلسي بارك الله فيك أما نحن فلا حاجة لنا فيك فيؤخذ منه وقور أدب المرأة مع شدة رغبتها لأنها لم تبالغ في الالحاح في الطلب وفهمت من السكوت عدم الرغبة لكنها لما لم تيأس من الرد جلست تنتظر الفرج وسكوته صلى الله عليه وسلم أما حياء من مواجهتها بالرد وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحياء جدا كما تقدم في صفته أنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها وأما انتظارا للوحي وأما تفكرا في جواب يناسب المقام قوله فقام رجل في رواية فضيل بن سليمان من أصحابه ولم اقف على اسمه لكن وقع في رواية معمر والثوري عند الطبراني فقام رجل أحسبه من الأنصار وفي رواية زائدة عنده فقال رجل من الأنصار ووقع في حديث بن مسعود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينكح هذه فقام رجل قوله فقال يا رسول الله انكحنيها في رواية مالك زوجنيها أن لم يكن لك بها حاجة ونحوه ليعقوب وابن أبي حازم ومعمر والثوري وزائدة ولا يعارض هذا قوله في حديث حماد بن زيد لا حاجة لي لجواز أن تتجدد الرغبة فيها بعد أن لم تكن قوله قال هل عندك من شيء زاد في رواية مالك تصدقها وفي حديث بن مسعود الك مال قوله قال لا في رواية يعقوب وابن أبي حازم قال لا والله يا رسول الله زاد في رواية هشام بن سعد قال فلا بد لها من شيء وفي رواية الثوري عند الإسماعيلي عندك شيء قال لا قال أنه لا يصلح ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائي بعد قوله لا حاجة لي ولكن تملكيني أمرك قالت نعم فنظر في وجوه القوم فدعا رجلا فقال إني أريد أن ازوجك هذا أن رضيت قالت ما رضيت لي فقد رضيت وهذا أن كانت القصة متحدة يحتمل أن يكون وقع نظره في وجوه القوم بعد أن سأله الرجل أن يزوجها له فاسترضاها أولا ثم تكلم معه في الصداق وأن كانت القصة متعددة فلا اشكال ووقع في حديث بن عباس في فوائد أبي عمر بن حيوة أن رجلا قال أن هذه امرأة رضيت بي فزوجها مني قال فما مهرها قال ما عندي شيء قال امهرها ما قل أو كثر قال والذي بعثك بالحق ما أملك شيئا وهذه الأظهر فيها التعدد قوله قال أذهب فاطلب ولو خاتما من حديد في رواية يعقوب وابن أبي حازم وابن جريج أذهب إلى أهلك فأنظر هل تجد شيئا فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا قال انظر ولو خاتما من حديد فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد وكذا وقع في رواية مالك ثم ذهب يطلب مرتين لكن باختصار وفي رواية هشام بن سعد فذهب فالتمس فلم يجد شيئا فرجع فقال لم أجد شيئا فقال له أذهب فالتمس وقال فيه فقال ولا خاتم من حديد لم أجده ثم جلس ووقع في خاتم النصب على المفعولية لألتمس والرفع على تقدير ما حصل لي ولا خاتم ولو في قوله ولو خاتما تقليلية قال عياض ووهم من زعم خلاف ذلك ووقع في حديث أبي هريرة قال قم إلى النساء فقام إليهن فلم يجد عندهن شيئا والمراد بالنساء أهل الرجل كما دلت عليه رواية يعقوب قوله قال هل معك من القرآن شيء كذا وقع في رواية سفيان بن عيينة باختصار ذكر الإزار وثبت ذكره في رواية مالك وجماعة منهم من قدم ذكره على الأمر بالتماس الشيء أو الخاتم ومنهم من آخره ففي رواية مالك قال هل عندك من شيء تصدقها إياه قال ما عندي الا إزاري هذا فقال إزارك أن أعطيتها جلست لا إزار لك فالتمس شيئا ويجوز في قوله إزارك الرفع على الابتداء والجملة الشرطية الخبر والمعفول الثاني محذوف تقديره إياه وثبت كذلك في رواية ويجوز النصب على أنه مفعول ثان لأعطيتها والازار يذكر ويؤنث وقد جاء هنا مذكرا ووقع في رواية يعقوب وابن أبي حازم بعد قوله أذهب إلى أهلك إلى أن قال ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري قال سهل أي بن سعد الراوي ما له رداء فلها نصفه قال ما تصنع بازارك أن لبسته الحديث ووقع للقرطبي في هذه الرواية وهم فإنه ظن أن قوله فلها نصفه من كلام سهل بن سعد فشرحه بما نصه وقول سهل ما له رداء فلها نصفه ظاهره لو كان له رداء لشركها النبي صلى الله عليه وسلم فيه وهذا بعيد إذ ليس في كلام النبي ولا الرجل ما يدل على شيء من ذلك قال ويمكن أن يقال أن مراد سهل أنه لو كان عليه رداء مضاف الى الإزار لكان للمرأة نصف ما عليه الذي هو أما الرداء وأما الإزار لتعليله المنع بقوله أن لبسته لم يكن عليك منه شيء فكأنه قال لو كان عليك ثوب تنفرد أنت بلبسه وثوب آخر تأخذه هي تنفرد بلبسه لكان لها أخذه فأما إذا لم يكن ذلك فلا انتهى وقد أخذ كلامه هذا بعض المتأخرين فذكره ملخصا وهو كلام صحيح لكنه مبني على الفهم الذي دخله الوهم والذي قال فلها نصفه هو الرجل صاحب القصة وكلام سهل أنما هو قوله ما له رداء فقط وهي جملة معترضة وتقدير الكلام ولكن هذا إزاري فلها نصفه وقد جاء ذلك صريحا في رواية أبي غسان محمد بن مطرف ولفظه ولكن هذا إزاري ولها نصفه قال سهل وما له رداء ووقع في رواية الثوري عند الإسماعيلي فقام رجل عليه إزار وليس عليه رداء ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أن لبسته الخ أي أن لبسته كاملا وإلا فمن المعلوم من ضيق حالهم وقلة الثياب عندهم أنها لو لبسته بعد أن تشقه لم يسترها ويحتمل أن يكون المراد بالنفي نفي الكمال لأن العرب قد تنفي جملة الشيء إذا انتفى كماله والمعنى لو شققته بينكما نصفي لم يحصل كمال سترك بالنصف إذا لبسته ولا هي وفي رواية معمر عند الطبراني ما وجدت والله شيئا غير ثوبي هذا اشقه بيني وبينها قال ما في ثوبك فضل عنك وفي رواية فضيل بن سليمان ولكني أشق بردتي هذه فأعطيها النصف وأخذ النصف وفي رواية الدراوردي قال ما أملك الا إزاري هذا قال أرأيت أن لبسته فأي شيء تلبس وفي رواية مبشر هذه الشملة التي علي ليس عندي غيرها وفي رواية هشام بن سعد ما عليه الا ثوب واحد عاقد طرفيه على عنقه وفي حديث بن عباس وجابر والله ما لي ثوب الا هذا الذي علي وكل هذا مما يرجح الاحتمال الأول والله أعلم ووقع في رواية حماد بن زيد فقال أعطها ثوبا قال لا أجد قال أعطها ولو خاتما من حديد فاعتل له ومعنى قوله فاعتل له أي اعتذر بعدم وجدانه كما دلت عليه رواية غيره ووقع في رواية أبي غسان قبل قوله هل معك من القرآن شيء فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه أو دعي له وفي رواية الثوري عند الاسماعيلي فقام طويلا ثم ولي فقال النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب مثله لكن قال فرآه النبي صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعا له فلما جاء قال ماذا معك من القرآن ويحتمل أن يكون هذا بعد قوله كما في رواية مالك هل معك من القرآن شيء فاستفهمه حينئذ عن كميته ووقع الأمران في رواية معمر قال فهل تقرأ من القرآن شيئا قال نعم قال ماذا قال سورة كذا وعرف بهذا المراد بالمعية وأن معناها الحفظ عن ظهر قلبه وقد تقدم تقرير ذلك في فضائل القرآن وبيان من زاد فيه اتقرؤهن عن ظهر قلبك وكذا وقع في رواية الثوري عند الإسماعيلي قال معي سورة كذا ومعي سورة كذا قال عن ظهر قلبك قال نعم قوله سورة كذا وسورة كذا زاد مالك تسميتها وفي رواية يعقوب وابن أبي حازم عدهن وفي رواية أبي غسان لسور يعددها وفي رواية سعيد بن المسيب عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة على سورتين من القرآن يعلمها اياهما ووقع في حديث أبي هريرة قال ما تحفظ من القرآن قال سورة البقرة أو التي تليها كذا في كتابي أبي داود والنسائي بلفظ أو وزعم بعض من لقيناه أنه عند أبي داود بالواو وعند النسائي بلفظ أو ووقع في حديث بن مسعود قال نعم سورة البقرة وسورة المفصل وفي حديث ضميرة أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا على سورة البقرة لم يكن عنده شيء وفي حديث أبي أمامة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه امرأة على سورة من المفصل جعلها مهرها وأدخلها عليه وقال علمها وفي حديث أبي هريرة المذكور فعلمها عشرين آية وهي امرأتك وفي حديث بن عباس ازوجها منك على أن تعلمها أربع أو خمس سور من كتاب الله وفي مرسل أبي النعمان الأزدي عند سعيد بن منصور زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن وفي حديث بن عباس وجابر هل تقرأ من القرآن شيئا قال نعم أنا أعطيناك الكوثر قال اصدقها إياها ويجمع بين هذه الألفاظ بان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض أو أن القصص متعددة قوله أذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن في رواية زائدة مثله لكن قال في آخره فعلمها من القرآن وفي رواية مالك قال له قد زوجتكها بما معك من القرآ ومثله في رواية الدراوردي عند إسحاق بن راهويه وكذا في رواية فضيل بن سليمان ومبشر وفي رواية الثوري عند بن ماجة قد زوجتكها على ما معك من القرآن ومثله في رواية هشام بن سعد وفي رواية الثوري عند الإسماعيل أنكحتكها بما معك من القرآن وفي رواية الثوري ومعمر عند الطبراني قد ملكتكها بما معك من القرآن وكذا في رواية يعقوب وابن أبي حازم وابن جريج وحماد بن زيد في إحدى الروايتين عنه وفي رواية معمر عند أحمد قد املكتكها والباقي مثله وقال في أخرى فرأيته يمضي وهي تتبعه وفي رواية أبي غسان امكناكها والباقي مثله وفي حديث أبي مسعود قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوضتها فتزوجها الرجل على ذلك وفي هذا الحديث من الفوائد أشياء غير ما ترجم به الخباري في كتاب الوكالة وفضائل القرآن وعدة تراجم في كتاب النكاح وقد بينت في كل واحد توجيه الترجمة ومطابقتها للحديث ووجه الاستنباط منها وترجم عليه أيضا في كتاب اللباس والتوحيد كما سيأتي تقريره وفيه أيضا أن لا حد لأقل المهر قال بن المنذر فيه رد على من زعم أن أقل المهر عشرة دراهم وكذا من قال ربع دينار قال لأن خاتما من حديد لا يساوي ذلك وقال المازري تعلق به من أجاز النكاح بأقل من ربع دينار لأنه خرج مخرج التعليل ولكن مالك قاسه على القطع في السرقة قال عياض تفرد بهذا مالك عن الحجازيين لكن مستنده الالتفات إلى قوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم وبقوله ومن لم يستطع منكم طولا فإنه يدل على أن المراد ماله بال من المال واقله ما استبيح به قطع العضو المحترم قال وأجازه الكافة بما تراضي عليه الزوجان أو من العقد إليه بما فيه منفعة كالسوط والنعل أن كانت قيمته أقل من درهم وبه قال يحيى بن سعيد الأنصاري وأبو الزناد وربيعة وابن أبي ذئب وغيرهم من أهل المدينة غير مالك ومن تبعه وابن جريج ومسلم بن خالد وغيرهما من أهل مكة والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر والثوري وابن أبي ليلى وغيرهما من العراقيين غير أبي حنيفة ومن تبعه والشافعي وداود وفقهاء أصحاب الحديث وابن وهب من المالكية وقال أبو حنيفة أقله عشرة وابن شبرمة أقله خمسة ومالك أقله ثلاثة أو ربع دينار بناء على اختلافهم في مقدار ما يجب فيه القطع وقد قال الدراوردي لمالك لما سمعه يذكر هذه المسألة تعرفت يا أبا عبد الله أي سلكت سبيل أهل العراق في قياسهم مقدار الصداق على مقدار نصاب السرقة وقال القرطبي استدل من قاسه بنصاب السرقة بأنه عضو ادمي محترم فلا يستباح بأقل من كذا قياسا على يد السارق وتعقبه الجمهور بأنه قياس في مقابل النص فلا يصح وبأن اليد تقطع وتبين ولا كذلك الفرج وبأن القدر المسروق يجب على السارق رده مع القطع ولا كذلك الصداق وقد ضعف جماعة من المالكية أيضا هذا القياس فقال أبو الحسن اللخمي قياس قدر الصداق بنصاب السرقة ليس بالبين لأن اليد إنما قطعت في ربع دينار نكالا للمعصية والنكاح مستباح بوجه جائز ونحوه لأبي عبد الله بن الفخار منهم نعم قوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا يدل على أن صداق الحرة لا بد وأن يكون ما ينطلق عليه اسم مال له قدر ليحصل الفرق بينه وبين مهر الأمة وأما قوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم فإنه يدل على اشتراط ما يسمى مالا في الجملة قل أو كثر وقد حده بعض المالكية بما تجب فيه الزكاة وهو أقوى من قياسه على نصاب السرقة وأقوى من ذلك رده إلى المتعارف وقال بن العربي وزن الخاتم من الحديد لا يساوي ربع دينار وهو مما لا جواب عنه ولا عذر فيه لكن المحققين من أصحابنا نظروا إلى قوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا فمنع الله القادر على الطول من نكاح الأمة فلو كان الطول درهما ما تعذر على أحد ثم تعقبه بأن ثلاثة دراهم كذلك يعني فلا حجة فيه للتحديد ولا سيما مع الاختلاف في المراد بالطول وفيه أن الهبة في النكاح خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لقول الرجل زوجنيها ولم يقل هبها لي ولقولها هي وهبت نفسي لك وسكت صلى الله عليه وسلم على ذلك فدل على جوازه له خاصة مع قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين وفيه جواز انعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة دون غيره من الأمة على أحد الوجهين للشافعية والآخر لا بد من لفظ النكاح أو التزويج وسيأتي البحث فيه وفيه أن الإمام يزوج من ليس لها ولي خاص لمن يراه كفؤا لها ولكن لا بد من رضاها بذلك وقال الداودي ليس في الخبر أنه استأذنها ولا أنها وكلته وإنما هو من قوله تعالى النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم يعني فيكون خاصا به صلى الله عليه وسلم أنه يزوج من شاء من النساء بغير استئذانها لمن شاء وبنحوه قال بن أبي زيد وأجاب بن بطال بأنها لما قالت له وهبت نفسي لك كان كالأذن منها في تزويجها لمن أراد لأنها لا تملك حقيقة فيصير المعني جعلت لك أن تتصرف في تزويجي اه ولو راجعا حديث أبي هريرة لما احتاجا إلى هذا التكلف فإن فيه كما قدمته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمرأة إني أريد أن ازوجك هذا أن رضيت فقالت ما رضيت لي فقد رضيت وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها وأن لم تتقدم الرغبة في تزويجها ولا وقعت خطبتها لأنه صلى الله عليه وسلم صعد فيها النظر وصوبه وفي الصيغة ما يدل على المبالغة في ذلك ولم يتقدم منه رغبة فيها ولا خطبة ثم قال لا حاجة لي في النساء ولو لم يقصد انه إذا رأى منها ما يعجبه أنه يقبلها ما كان للمبالغة في تأملها فائدة ويمكن الانفصال عن ذلك بدعوى الخصوصية له لمحل العصمة والذي تحرر عندنا أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره وسلك بن العربي في الجواب مسلكا آخر فقال يحتمل أن ذلك قبل الحجاب أو بعده لكنها كانت متلففة وسياق الحديث يبعد ما قال وفيه أن الهبة لا تتم الا بالقبول لأنها لما قالت وهبت نفسي لك ولم يقل قبلت لم يتم مقصودها ولو قبلها لصارت زوجا له ولذلك لم ينكر على القائل زوجنيها وفيه جواز الخطبة على خطبة من خطب إذا لم يقع بينهما كون ولا سيما إذا لاحت مخايل الرد قاله أبو الوليد الباجي وتعقبه عياض وغيره بأنه لم يتقدم عليها خطبة لأحد ولا ميل بل هي إرادت أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها مجانا مبالغة منها في تحصيل مقصودها فلم يقبل ولما قال ليس لي حاجة في النساء عرف الرجل أنه لم يقبلها فقال زوجنيها ثم بالغ في الاحتراز فقال أن لم يكن لك بها حاجة وإنما قال ذلك بعد تصريحه بنفي الحاجة لاحتمال أن يبدو له بعد ذلك ما يدعوه إلى اجابتها فكان ذلك دالا على وفور فطنة الصحابي المذكور وحسن أدبه ويحتمل أن يكون الباجي أشار إلى أن الحكم الذي ذكره يستنبط من هذه القصة لأن الصحابي لو فهم أن للنبي صلى الله عليه وسلم فيها رغبة لم يطلبها فكذلك من فهم أن له رغبة في تزويج امرأة لا يصلح لغيره أن يزاحمه فيها حتى يظهر عدم رغبته فيها أما بالتصريح أو ما في حكمه وفيه أن النكاح لا بد فيه من الصداق لقوله هل عندك من شيء تصدقها وقد اجمعوا على أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له دون الرقبة بغير ذكر صداق وفيه أن الأولى أن يذكر الصداق في العقد لأنه أقطع للزارع وأنفع للمرأة فلو عقد بغير ذكر صداق صح ووجب لها مهر المثل بالدخول على الصحيح وقيل بالعقد ووجه كونه انفع لها أنه يثبت لها نصف المسمى أن لو طلقت قبل الدخول وفيه استحباب تعجيل تسليم المهر وفيه جواز الحلف بغير استحلاف للتأكيد لكنه يكره لغير ضرورة وفي قوله أعندك شيء فقال لا دليل على تخصيص العموم بالقرينة لأن لفظ شيء يشمل الخطير والتافه وهو كان لا يعدم شيئا تافها كالنواة ونحوها لكنه فهم أن المراد ما له فيمة في الجملة فلذلك نفى أن يكون عنده ونقل عياض الإجماع على أن مثل الشيء الذي لا يتمول ولا له قيمة لا يكون صداقا ولا يحل به النكاح فإن ثبت نقله فقد خرق هذا الإجماع أبو محمد بن حزم فقال يجوز بكل ما يسمى شيئا ولو كان حبة من شعير ويؤيد ما ذهب إليه الكافة قوله صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة لما فرقه ولا شك أن الخاتم من الحديد له قيمة وهو أعلى خطرا من النواة وحبة الشعير ومساق الخبر يدل على أنه لا شيء دونه يستحل به البضع وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شيء منها عند بن أبي شيبة من طريق أبي لبيبة رفعه من أستحل بدرهم في النكاح فقد أستحل ومنها عند أبي داود عن جابر رفعه من أعطى في صداق امرأة سويقا أو تمرا فقد أستحل وعند الترمذي من حديث عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح امرأة على نعلين وعند الدارقطني من حديث أبي سعيد في اثناء حديث المهر ولو على سواك من أراك وأقوى شيء ورد في ذلك حديث جابر عند مسلم كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نهى عنها عمر قال البيهقي إنما نهى عمر عن النكاح إلى أجل لا عن قدر الصداق وهو كما قال وفيه دليل للجمهور لجواز النكاح بالخاتم الحديد وما هو نظير قيمته قال بن العربي من المالكية كما تقدم لا شك أن خاتم الحديد لا يساوي ربع دينار وهذا لا جواب عنه لأحد ولا عذر فيه وانفصل بعض المالكية عن هذا الإيراد مع قوته بأجوبه منها أن قوله ولو خاتما من حديد خرج مخرج المبالغة في طلب التيسير عليه ولم يرد عين الخاتم الحديد ولا قدر قيمته حقيقة لأنه لما قال لا أجد شيئا عرف أنه فهم أن المراد بالشيء ما له قيمة فقيل له ولو أقل ما له قيمة كخاتم الحديد ومثله تصدقوا ولو بظلف محرق ولو بفرسن شاة مع أن الظلف والفرسن لا ينتفع به ولا يتصدق به ومنها احتمال أنه طلب منه ما يعدل نقده قبل الدخول لا أن ذلك جميع الصداق وهذا جواب بن القصار وهذا يلزم منه الرد عليهم حيث استحبوا تقديم ربع دينار أو قيمته قبل الدخول لا أقل ومنها دعوى اختصاص الرجل المذكور بهذا القدر دون غيره وهذا جواب الأبهري وتعقب بأن الخصوصية تحتاج إلى دليل خاص ومنها احتمال أن تكون قيمته إذ ذاك ثلاثة دراهم أو ربع دينار وقد وقع عند الحاكم والطبراني من طريق الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا بخاتم من حديد فصه فضة واستدل به على جواز اتخاذ الخاتم من الحديد وسيأتي البحث فيه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وعلى وجوب تعجيل الصداق قبل الدخول إذ لو ساغ تأخيره لسأله هل يقدر على تحصيل ما يمهرها بعد أن يدخل عليها ويتقرر ذلك في ذمته ويمكن الانفصال عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أشار بالأولى والحامل على هذا التأويل ثبوت جواز نكاح المفوضة وثبوت جواز النكاح على مسمى في الذمة والله أعلم وفيه أن اصداق ما يتمول يخرجه عن يد مالكه حتى أن من أصدق جارية مثلا يحرم عليه وطؤها وكذا استخدامها بغير إذن من اصدقها وأن صحة المبيع تتوقف على صحة تسليمه فلا يصح ما تعذر اما حسا كالطير في الهواء وأما شرعا كالمرهون وكذا الذي لو زال إزاره لانكشفت عورته كذا قال عياض وفيه نظر واستدل به على جواز جعل المنفعة صداقا ولو كان تعليم القرآن قال المازري هذا ينبني على أن الباء للتعويض كقولك بعتك ثوبي بدينار وهذا هو الظاهر وإلا لو كانت بمعنى اللام على معنى تكريمه لكونه حاملا للقرآن لصارت المرأة بمعنى الموهوبة والموهوبة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم اه وانفصل الأبهري وقبله الطحاوي ومن تبعهما كأبي محمد بن أبي زيد عن ذلك بأن هذا خاص بذلك الرجل لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يجوز له نكاح الواهبة فكذلك يجوز له أن ينكحها لمن شاء بغير صداق ونحوه لداودي وقال انكاحها إياه بغير صداق لأنه أولي بالمؤمنين من أنفسهم وقواه بعضهم بأنه لما قال له ملكتكها لم يشاورها ولا استأذنها وهذا ضعيف لأنها هي أولا فوضت أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في رواية الباب فر في رأيك وغير ذلك من ألفاظ الخبر التي ذكرناها فلذلك لم يحتج إلى مراجعتها في تقدير المهر وصارت كمن قالت لوليها زوجني بما ترى من قليل الصداق وكثيره واحتج لهذا القول بما أخرجه سعيد بن منصور من مرسل أبي النعمان الأزدي قال زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن وقال لا تكون لأحد بعدك مهرا وهذا مع إرساله فيه من لا يعرف وأخرج أبو داود من طريق مكحول قال ليس هذا لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج أبو عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه وقال عياض يحتمل قوله بما معك من القرآن وجهين اظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارا معينا منه ويكون ذلك صداقها وقد جاء هذا التفسير عن مالك ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة فعلمها من القرآن كما تقدم وعين في حديث أبي هريرة مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام أي لأجل ما معك من القرآن فأكرمه بأن زوجه المرأة بلا مهر لأجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه ونظيره قصة أبي طلحة مع أم سليم وذلك فيما أخرجه النسائي وصححه من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت والله ما مثلك يرد ولكنك كافر وأنا مسلمة ولا يحل لي أن اتزوجك فإن تسلم فذاك مهري ولا أسألك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن عبيد الله بن أبي طلحة عن أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام فذكر القصة وقال في آخره فكان ذلك صداق ما بينهما ترجم عليه النسائي التزويج على الإسلام ثم ترجم على حديث سهل التزويج على سورة من القرآن فكأنه مال إلى ترجيح الاحتمال الثاني ويؤيد أن الباء لتعويض لا للسببية ما أخرجه بن أبي شيبة والترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل رجلا من أصحابه يا فلان هل تزوجت قال لا وليس عندي ما أتزوج به قال أليس معك قل هو الله أحد الحديث واستدل الطحاوي للقول الثاني من طريق النظر بأن النكاح إذا وقع على مجهول كان كما لم يسم فيحتاج إلى الرجوع إلى المعلوم قال والأصل المجمع عليه لو أن رجلا استأجر رجلا على أن يعلمه سورة من القرآن بدرهم لم يصح لأن الإجارة لا تصح الا على عمل معين كغسل الثوب أو وقت معين والتعليم قد لا يعلم مقدار وقته فقد يتعلم في زمان يسير وقد يحتاج إلى زمان طويل ولهذا لو باعه داره على أن يعلمه سورة من القرآن لم يصح قال فإذا كان التعليم لا تملك به الأعيان لا تملك به المنافع والجواب عما ذكره أن المشروط تعليمه معين كما تقدم في بعض طرقه وأما الاحتجاج بالجهل بمدة التعليم فيحتمل أن يقال اغتفر ذلك في باب الزوجين لأن الأصل استمرار عشرتهما ولان مقدار تعليم عشرين آية لا تختلف فيه افهام النساء غالبا خصوصا مع كونها عربية من أهل لسان الذي يتزوجها كما تقدم وانفصل بعضهم بأنه زوجها إياه لأجل ما معه من القرآن الذي حفظه وسكت عن المهر فيكون ثابتا لها في ذمته إذا أيسر كنكاح التفويض وأن ثبت حديث بن عباس المتقدم حيث قال فيه فإذا رزقك الله فعوضها كان فيه تقوية لهذا القول لكنه غير ثابت وقال بعضهم يحتمل أن يكون زوجه لأجل ما حفظه من القرآن أصدق عنه كما كفر عن الذي وقع على امرأته في رمضان ويكون ذكر القرآن وتعليمه على سبيل التحريض على تعلم القرآن وتعليمه وتنويها بفضل أهله قالوا ومما يدل على أنه لم يجعل التعليم صداقا أنه لم يقع معرفة الزوج بفهم المرأة وهل فيها قابلية التعليم بسرعة أو ببطء ونحو ذلك مما تتفاوت فيه الاغراض والجواب عن ذلك قد تقدم في بحث الطحاوي ويؤيد قول الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم أولا هل معك شيء تصدقها ولو قصد استكشاف فضله لسأله عن نسبه وطريقته ونحو ذلك فإن قيل كيف يصح جعل تعليمها القرآن مهرا وقد لا تتعلم أجيب كما يصح جعل تعليمها للكتابة مهرا وقد لا تتعلم وإنما وقع الاختلاف عند من أجاز جعل المنفعة مهرا هل يشترط أن يعلم حذق المتعلم أولا كما تقدم وفيه جواز كون الإجارة صداقا ولو كانت المصدوقة المستأجرة فتقوم المنفعة من الإجارة مقام الصداق وهو قول الشافعي إسحاق والحسن بن صالح وعند المالكية فيه خلاف ومنعه الحنفية في الحر وأجازوه في العبد الا في الإجارة في تعليم القرآن فمنعوه مطلقا بناء على أصلهم في أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن لا يجوز وقد نقل عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة الا الحنفية وقال بن العربي من العلماء من قال زوجه على أن يعلمها من القرآن فكأنها كانت إجارة وهذا كرهه مالك ومنعه أبو حنيفة وقال بن القاسم يفسخ قبل الدخول يثبت بعده قال والصحيح جوازه بالتعليم وقد روى يحيى بن مضر عن مالك في هذه القصة أن ذلك اجرة على تعلميها وبذلك جاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وبالوجهين قال الشافعي وإسحاق وإذا جاز أن يؤخذ عنه العوض جاز أن يكون عروضا وقد إجازة مالك من إحدى الجهتين فيلزم أن يجيزه من الجهة الأخرى وقال القرطبي قوله علمها نص في الأمر بالتعليم والسياق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح فلا يلتفت لقول من قال أن ذلك كان اكراما للرجل فإن الحديث يصرح بخلافه وقولهم أن الباء بمعنى اللام ليس بصحيح لغة ولا مساقا واستدل به على أن من قال زوجني فلانة فقال زوجنكها بكذا كفى ذلك ولا يحتاج إلى قول الزوج قبلت قاله أبو بكر الرازي من الحنفية وذكره الرافعي من الشافعية وقد استشكل من جهة طول الفصل بين الاستيجاب والايجاب وفراق الرجل المجلس لالتماس ما يصدقها إياه وأجاب المهلب بأن بساط القصة أغنى عن ذلك وكذا كل راغب في التزويج إذا استوجب فأجيب بشيء معين وسكت كفى إذا ظهر قرينة القبول وإلا فيشترط معرفة رضاه بالقدر المذكور واستدل به على جواز ثبوت العقد بدون لفظ النكاح والتزويج وخالف ذلك الشافعي ومن المالكية بن دينار وغيره والمشهور عن المالكية جوازه بكل لفظ دل على معناه إذا قرن بذكر الصداق أو قصد النكاح كالتمليك والهبة والصدقة والبيع ولا يصح عندهم بلفظ الإجارة ولا العارية ولا الوصية واختلف عندهم في الاحلال والاباحة وأجازه الحنفية بكل لفظ يقتضي التأييد مع القصد وموضع الدليل من هذا الحديث ورود قوله صلى الله عليه وسلم ملكتكها لكن ورد أيضا بلفظ زوجتكها قال بن دقيق العيد هذه لفظة واحدة في قصة واحدة واختلف فيها مع اتحاد مخرج الحديث فالظاهر أن الواقع من النبي صلى الله عليه وسلم أحد الألفاظ المذكورة فالصواب في مثل هذا النظر إلى الترجيح وقد نقل عن الدارقطني أن الصواب رواية من روى زوجتكها وإنهم أكثر وأحفظ قال وقال بعض المتأخرين يحتمل صحة اللفظين ويكون قال لفظ التزويج أولا ثم قال أذهب فقد ملكتكها بالتزويج السابق قال بن دقيق العيد وهذا بعيد لأن سياق الحديث يقتضي تعيين لفظه قبلت لا تعددها وأنا هي التي انعقد بها النكاح وما ذكره يقتضي وقوع أمر آخر انعقد به النكاح والذي قاله بعيد جدا وأيضا فلخصمه أن يعكس ويدعى أن العقد وقع بلفظ التمليك ثم قال زوجتكها التمليك السابق قال ثم أنه لم يتعرض لرواية امكناكها مع ثبوتها وكل هذا يقتضي تعين المصير إلى الترجيح اه وأشار بالمتأخر إلى النووي فإنه كذلك قال في شرح مسلم وقد قال بن التين لا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عقد بلفظ التمليك والتزويج معا في وقت واحد فليس أحد اللفظين باولى من الآخر فسقط الاحتجاج به هذا على تقدير تساوي الروايتين فكيف مع الترجيح قال ومن زعم أن معمرا وهم فيه ورد عليه أن البخاري أخرجه في غير موضع من رواية غير معمر مثل معمر اه وزعم بن الجوزي في التحقيق أن رواية أبي غسان أنكحتكها ورواية الباقين زوجتكها إلا ثلاثة أنفس وهم معمر ويعقوب وابن أبي حازم قال ومعمر كثير الغلط والآخران لم يكونا حافظين اه وقد غلط في رواية أبي غسان فإنها بلفظ امكناكها في جميع نسخ البخاري نعم وقعت بلفظ زوجتكها عند الإسماعيلي من طريق حسين بن محمد عن أبي غسان والبخاري أخرجه عن سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان بلفظ امكناكها وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى بن عثمان بن صالح عن سعيد شيخ البخاري فيه بلفظ أنكحتكها فهذه ثلاثة ألفاظ عن أبي غسان ورواية أنكحتكها في البخاري لابن عيينة كما حررته وما ذكره من الطعن في الثلاثة مردود ولا سيما عبد العزيز فإن روايته تترجح بكون الحديث عن أبيه وآل المرء أعرف بحديثه من غيرهم نعم الذي تحررمما قدمته أن الذين رووه بلفظ التزويج أكثر عددا ممن رواه بغير لفظ الترويج ولا سيما وفيهم من الحفاظ مثل مالك ورواية سفيان بن عيينة أنكحتكها مساوية لروايتهم ومثلها رواية زائدة وعد بن الجوزي فيمن رواه بلفظ التزويج حماد بن زيد وروايته بهذا اللفظ في فضائل القرآن وأما في النكاح فبلفظ ملكتكها وقد تبع الحافظ صلاح الدين العلائي بن الجوزي فقال في ترجيح رواية التزويج ولا سيما وفيهم مالك وحماد بن زيد أه وقد تحرر انه اختلف على حماد فيها كما اختلف على الثوري فظهر أن رواية التمليك وقعت في إحدى الروايتين عن الثوري وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وحماد بن زيد وفي رواية معمر ملكتكها وهي بمعناها وانفرد أبو غسان برواية امكناكها واخلق بها أن تكون تصحيفا من ملكناكها فرواية التزويج أو الانكاح أرجح وعلى تقدير أن تساوي الروايات يقف الاستدلال بها لكل من الفريقين وقد قال البغوي في شرح السنة لا حجة في هذا الحديث لمن أجاز انعقاد النكاح بلفظ التمليك لأن العقد كان واحدا فلم يكن اللفظ الا واحدا واختلف الرواة في اللفظ الواقع والذي يظهر أنه كان بلفظ التزويج على وفق قول الخاطب زوجنيها إذ هو الغالب في أمر العقود إذ قلما يختلف فيه لفظ المتعاقدين ومن روى بلفظ غير لفظا التزويج لم يقصد مراعاة اللفظ الذي انعقد به العقد وإنما أراد الخبر عن جريان العقد على تعليم القرآن وقيل أن بعضهم رواه بلفظ الإمكان وقد اتفقوا على أن هذا العقد بهذا اللفظ لا يصح كذا قال وما ذكر كاف في دفع احتجاج المخالف بانعقاد النكاح بالتمليك ونحوه وقال العلائي من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه الألفاظ كلها تلك الساعة فلم يبق الا أن يكون قال لفظه منها وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى فمن قال بأن النكاح ينعقد بلفظ التمليك ثم احتج بمجيئه في هذا الحديث إذا عورض ببقية الألفاظ لم ينتهض احتجاجه فإن جزم بأنه هو الذي تلفظ به النبي صلى الله عليه وسلم ومن قال غيره ذكره بالمعنى قلبه عليه مخالفة وادعى ضد دعواه فلم يبق الا الترجيح بأمر خارجي ولكن القلب إلى ترجيح رواية التزويج اميل لكونها رواية الأكثرين ولقرينة قول الرجل الخاطب زوجنيها يا رسول الله قلت وقد تقدم النقل عن الدارقطني أنه رجح رواية من قال زوجتكها وبالغ بن التين فقال أجمع أهل الحديث على أن الصحيح رواية زوجتكها وأن رواية ملكتكها وهم وتعلق بعض المتأخرين بان الذين اختلفوا في هذه اللفظة أئمة فلولا أن هذه الألفاظ عندهم مترادفة ما عبروا بها فدل على أن كل لفظ منها يقوم مقام الآخر عند ذلك الإمام وهذا لا يكفي في الاحتجاج بجواز انعقاد النكاح بكل لفظة منها الا أن ذلك لا يدفع مطالبتهم بدليل الحصر في اللفظين مع الاتفاق على إيقاع الطلاق بالكنايات بشرطها ولا حصر في الصريح وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن النكاح ينعقد بكل لفظ يدل عليه وهو قول الحنفية والمالكية وإحدى الروايتين عن أحمد واختلف الترجيح في مذهبه فأكثر نصوصه تدل على موافقة الجمهور واختار بن حامد واتباعه الرواية الأخرى الموافقة للشافعية واستدل بن عقيل منهم لصحة الرواية الأولى بحديث أعتق صفية وجعل عتقها صداقها فإن أحمد نص على أن من قال عتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها أنه ينعقد نكاحها بذلك واشترط من ذهب إلى الرواية الأخرى بأنه لا بد أن يقول في مثل هذه الصورة تزوجتها وهي زيادة على ما في الخبر وعلى نص أحمد وأصوله تشهد بان العقود تنعقد بما يد
قوله باب المهر بالعروض وخاتم من حديد العروض بضم العين والراء المهملتين جمع عرض بفتح أوله وسكون ثانية والضاد معجمة ما يقابل النقد وقوله بعده وخاتم من حديد هو من إخلاص بعد العام فإن الخاتم من حديد من جملة العروض والترجمة مأخوذة من حديث الباب للخاتم بالتنصيص والعروض بالإلحاق وتقدم في أوائل النكاح حديث بن مسعود فأرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب وتقدم في الباب قبله عدة أحاديث في ذلك

[ 4855 ] قوله حدثنا يحيى هو بن موسى كما صرح به بن السكن وسفيان هو الثوري قوله قال الرجل تزوج ولو بخاتم من حديد هذا مختصر من الحديث الطويل الذي قبله وقد ذكرت من ساقه عن الثوري مطولا وهو عبد الرزاق لكنه قرنه في روايته بمعمر وأخرجه بن ماجة من رواية سفيان الثوري أتم مما هنا وقد ذكرت ما في روايته من فائدة زائدة في الحديث الذي قبله وتقدم من الكلام فيه ما يغني عن اعادته والله أعلم

قوله باب الشروط في النكاح أي التي تحل وتعتبر وقد ترجم في كتاب الشروط الشروط في المهر عند عقدة النكاح وأورد الأثر المعلق والحديث الموصول المذكور هنا قوله وقال عمر مقاطع الحقوق عند الشروط وصله سعيد بن منصور من طريق إسماعيل بن عبيد الله وهو بن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم قال كنت مع عمر حيث تمس ركبتي ركبته فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين تزوجت هذه وشرطت لها دارها وإني أجمع لأمري أو لشأني أن انتقل إلى أرض كذا وكذا فقال لها شرطها فقال الرجل هلك الرجال إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها الا طلقت فقال عمر المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم وتقدم في الشروط من وجه آخر عن بن أبي المهاجر نحوه وقال في آخره فقال عمر أن مقاطع الحقوق عند الشروط ولها ما اشترطت قوله وقال المسور بن مخرمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صهرا له فأثنى عليه تقدم موصولا في المناقب في ذكر أبي العاص بن الربيع وهو الصهر المذكور وبينت هناك نسبه والمراد بقوله حدثني فصدقني وسيأتي شرحه مستوفي في أبواب الغيرة في أواخر كتاب النكاح والغرض منه هنا ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليه لأجل وفائه بما شرط له

[ 4856 ] قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله عن يزيد بن أبي حبيب تقدم في الشروط عن عبد الله بن يوسف عن الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب قوله عن أبي الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني وعقبة هو بن عامر الجهني قوله أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به في رواية عبد الله بن يوسف أحق الشروط أن توفوا به وفي رواية مسلم من طريق عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب أنه أحق الشروط أن يوفى به قوله ما استحللتم به الفروج أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لأن أمره احوط وبابه اضيق وقال الخطابي الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال طلاق أختها وسيأتي حكمة في الباب الذي يليه ومنها ما اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله وعند الشافعية الشروط في النكاح على ضربين منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به وما يكون خارجا عنه فيختلف الحكم فيه فمنه ما يتعلق بحق الزوج وسيأتي بيانه ومنه ما يشترطه العاقد لنفسه خارجا عن الصداق وبعضهم يسميه الحلوان فقيل هو للمرأة مطلقا وهو قول عطاء وجماعة من التابعين وبه قال الثوري وأبو عبيد وقيل هو لمن شرطه قاله مسروق وعلى بن الحسين وقيل يختص ذلك بالأب دون غيره من الأولياء وقال الشافعي أن وقع في نفس العقد وجب للمرأة مهر مثلها وأن وقع خارجا عنه لم يجب وقال مالك أن وقع في حال العقد فهو من جملة المهر أو خارجا عنه فهو لمن وهب له وجاء ذلك في حديث مرفوع أخرجه النسائي من طريق بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة نكحت على صداق أو حياء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها فما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه واحق ما أكرم به الرجل ابنته أو أخته وأخرجه البيهقي من طريق حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة نحوه وقال الترمذي بعد تخريجه والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة منهم عمر قال إذا تزوج الرجل المرأة وشرط أن لا يخرجها لزم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق كذا قال والنقل في هذا عن الشافعي غريب بل الحديث عندهم محمول على الشروط التي لا تنافي مقتضى النكاح بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها وكشرطه عليها الا تخرج الا بإذنه ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه الا برضاه ونحو ذلك وأما شرط ينافي مقتضى النكاح كألا يقسم لها أو لا يتسرى عليها أو لا ينفق أو نحو ذلك فلا يجب الوفاء به بل أن وقع في صلب العقد كفى وصح النكاح بمهر المثل وفي وجه يجب المسمى ولا أثر للشرط وفي قول الشافعي يبطل النكاح وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشرط مطلقا وقد استشكل بن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح قال تلك الأمور لا تؤثر الشروط في ايجابها فلا تشتد الحاجة إلى تعليق الحكم باشتراطها وسياق الحديث يقتضي خلاف ذلك لأن لفظ أحق الشروط يقتضي أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء بها وبعضها أشد اقتضاء والشروط هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها قال الترمذي وقال على سبق شرط الله شرطها قال وهو قول الثوري وبعض أهل الكوفة والمراد في الحديث الشروط الجائزة لا المنهي عنها اه وقد اختلف عن عمر فروى بن وهب بإسناد جيد عن عبيد بن السباق أن رجلا تزوج امرأة فشرط لها أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط وقال المرأة مع زوجها قال أبو عبيد تضادت الروايات عن عمر في هذا وقد قال بالقول الأول عمرو بن العاص ومن التابعين طاوس وأبو الشعثاء وهو قول الأوزاعي وقال الليث والثوري والجمهور بقول علي حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله اخراجها ولا يلزمه الا المسمى وقالت الحنفية لها أن ترجع عليه بما نقصته له من الصداق وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل وقال أبو عبيد والذي نأخذ به أنا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن يحكم عليه بذلك قال وقد اجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك الشرط فكذلك هذا ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب ما سيأتي في حديث عائشة في قصة بريرة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل والوطء والاسكان وغيرهما من حقوق الزوج إذا شرط عليه إسقاط شيء منها كان شرطا ليس في كتاب الله فيبطل وقد تقدم في البيوع الإشارة إلى حديث المسلمون عند شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا وحديث المسلمون عند شرطهم ما وفق الحق وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا لا يصلح وقد ترجم المحب الطبري على هذا الحديث استحباب تقدمة شيء من المهر قبل الدخول وفي انتزاعه من الحديث المذكور غموض والله أعلم

قوله باب الشروط التي لا تحل في النكاح في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص الحديث الماضي في عموم الحث على الوفاء بالشرط بما يباح لا بما نهى عنه لأن الشروط الفاسدة لا يحل الوفاء بها فلا يناسب الحث عليها قوله وقال بن مسعود لا تشترط المرأة طلاق أختها كذا أورده معلقا عن بن مسعود وسأبين أن هذا اللفظ بعينه وقع في بعض طرق الحديث المرفوع عن أبي هريرة ولعله لما لم يقع له اللفظ مرفوعا أشار إليه في المعلق ايذانا بأن المعنى واحد

[ 4857 ] قوله لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها هكذا أورده البخاري بهذا اللفظ وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق بن الجنيد عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه بلفظ لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكفيء اناءها وكذلك أخرجه البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي عن عبيد الله بن موسى لكن قال لا ينبغي بدل لا يصلح وقال لتكفيء أخرجه الإسماعيلي من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه بلفظ بن الجنيد لكن قال لنكفيء فهذا هو المحفوظ من هذا الوجه من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وأخرج البيهقي من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة في حديث طويل أوله إياكم والظن وفيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ إناء صاحبتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها وهذا قريب من اللفظ الذي أورده البخاري هنا وقد أخرج البخاري من أول الحديث إلى قوله حتى ينكح أو يترك ونبهت على ذلك فيما تقدم قريبا في باب لا يخطب على خطبة أخيه فأما أن يكون عبيد الله بن موسى حدث به على اللفظين أو انتقل الذهن من متن إلى متن وسيأتي في كتاب القدر من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها وتقدم في البيوع من رواية الزهري عن بن المسيب عن أبي هريرة في حديث أوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وفي آخره ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفىء ما في انائها قوله لا يحل ظاهر في تحريم ذلك وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو لزوج منها أو يكون سؤالها ذلك بعوض وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع مع الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة وقال بن حبيب حمل العلماء هذا النهي على الندب فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح وتعقبه بن بطال بان نفي الحل صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق أخرى ولترض بما قسم الله لها قوله أختها قال النووي معنى هذا الحديث نهى المرأة الأجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته وأن يتزوجها هي فيصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك بقوله تكتفي ما في صحفتها قال والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين ويلحق بذلك الكفارة في الحكم وأن لم تكن أختا في الدين أما لأن المراد الغالب أو أنها أختها في الجنس الآدمي وحمل بن عبد البر الأخت هنا على الضرة فقال فيه من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به وهذا يمكن في الرواية التي وقعت بلفظ لا تسأل المرأة طلاق أختها وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط فظاهرها أنها في الأجنبية ويؤيده قوله فيها ولتنكح أي ولتتزوج الزوج المذكور من غير أن يشترط أن يطلق الي قبلها وعلى هذا فالمراد هنا بالأخت الأخت في الدين ويؤيده زيادة بن حبان في آخره من طريق أبي كثير عن أبي هريرة بلفظ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإن المسلمة أخت المسلمة وقد تقدم في باب لا يخطب الرجل على خطبة أخيه نقل الخلاف عن الأوزاعي وبعض الشافعية أن ذلك مخصوص بالمسلمة وبه جزم أبو الشيخ في كتاب النكاح ويأتي مثله هنا ويجيء على رأي بن القاسم أن يستثني ما إذا كان المسئول طلاقها فاسقة وعند الجمهور لا فرق قوله لتستفرغ صحفتها يفسر المراد بقوله تكتفيء وهو بالهمز افتعال من كفأت الإناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه وكذا يكفأ وهو بفتح أوله وسكون الكاف وبالهمز وجاء أكفأت الإناء إذا ملته وهو في رواية بن المسيب لتكفيء بضم أوله من اكفأت وهي بمعنى أملته ويقال بمعنى اكببته أيضا والمراد بالصحفة ما يحصل من الزوج كما تقدم من كلام النووي وقال صاحب النهاي الصحفة إناء كالقصمة المبسوطة قال وهذا مثل يريد الاستئثار عليها بحظها فيكون كمن قلب إناء غيره في إنائه وقال الطيبي هذه استعارة مستملحة تمثيلية شبه النصيب والبخت بالصحفة وحظوظها وتمتعاتها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة ثم ادخل المشبه في جنس المشبه به واستعمل في المشبه ما كان مستعملا في المشبه به قوله ولتنكح بكسر واللام وباسكانها وبسكون الحاء على الأمر ويحتمل النصب عطفا على قوله لتكتفيء فيكون تعليلا لسؤال طلاقها ويتعين على هذا كسر اللام ثم يحتمل أن المراد ولتنكح ذلك الرجل من غير أن تتعرض لاخراج الضرة من عصمته بل تكل الأمر في ذلك إلى ما يقدره الله ولهذا ختم بقوله فإنما لها ما قدر لها إشارة إلى أنها وأن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك الا ما قدره الله فينبغي أن لا تتعرض هي لهذا المحذور الذي لا يقع منه شيء بمجرد إرادتها وهذا مما يؤيد أن الأخت من النسب أو الرضاع لا تدخل في هذا ويحتمل أن يكون المراد ولتنكح غيره وتعرض عن هذا الرجل أو المراد ما يشمل الأمرين والمعنى ولتنكح من تيسر لها فإن كانت التي قبلها أجنبية فلتنكح الرجل المذكور وأن كانت أختها فلتنكح غيره والله أعلم

قوله باب الصفرة للمتزوج كذا قيده بالمتزوج إشارة إلى الجمع بين حديث الباب وحديث النهي عن التزعفر للرجال وسيأتي البحث فيه بعد أبواب قوله رواه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه الذي تقدم موصولا في أول البيوع قال لما قدمنا المدينة فذكر الحديث بطوله وفيه جاء عبد الرحمن بن عوف وعليه أثر صفرة فقال تزوجت قال نعم وأورد المصنف هذه القصة في هذا الباب من طريق مالك عن حميد مختصرة وسيأتي شرحها في باب الوليمة ولو بشاة مستوفى إن شاء الله تعالى

قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وسقط لفظ باب من رواية النسفي وكذا من شرح بن بطال ثم استشكله بأن الحديث المذكور لا يتعلق بترجمة الصفرة للمتزوج وأجيب بما ثبت في أكثر الروايات من لفظ باب والسؤال باق فإن الإتيان بلفظ باب وأن كان بغير ترجمة لكنه كالفصل من الباب الذي قبله كما تقرر غير مرة والحديث المذكور هنا حديث أنس أولم النبي صلى الله عليه وسلم بزينب يعني بنت جحش أورده مختصرا وقد تقدم مطولا في تفسير سورة الأحزاب مع شرحه ومناسبته للترجمة من جهة أنه لم يقع في قصة تزويج زينب بنت جحش ذكر للصفرة فكأنه يقول الصفرة للمتزوج من الجائز لا من المشروط لكل متزوج

قوله باب كيف يدعي للمتزوج ذكر فيه قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف مختصرة من طريق ثابت عن أنس وفيه قال بارك الله لك قال بن بطال إنما أراد بهذا الباب والله أعلم رد قول العامة عند العرس بالرفاء والبنين فكأنه أشار إلى تضعيفه ونحو ذلك كحديث معاذ بن جبل أنه شهد أملاك رجل من الأنصار فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكح الأنصاري وقال على الألفة والخير والبركة والطير الميمون والسعة في الرزق الحديث أخرجه الطبراني في الكبير بسند ضعيف وأخرجه في الأوسط بسند أضعف منه وأخرجه أبو عمرو البرقاني في كتاب معاشرة الاهلين من حديث أنس وزاد فيه والرفاء البنين وفي سنده أبان العبدي وهو ضعيف وأقوى من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ إنسانا قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير وقوله رفأ بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له في موضع قولهم بالرفاء والبنين وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية فورد النهي عنها كما روى بقي بن مخلد من طريق غالب عن الحسن عن رجل من بني تميم قال كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين فلما جاء الإسلام علمنا نبينا قال قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم وأخرج النسائي والطبراني من طريق أخرى عن الحسن عن عقيل بن أبي طالب أنه قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له بالرفاء والبنين فقال لا تقولوا هكذا وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لهم وبارك عليهم ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال ودل حديث أبي هريرة على أن اللفظ كان مشهورا عندهم غالبا حتى سمي كل دعاء للمتزوج ترفئة واختلف في علة النهي عن ذلك فقيل لأنه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكر لله وقيل لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر وأما الرفاء فمعناه الالتئام من رفأت الثوب وروفوته رفوا ورفاء وهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه وقال بن المنير الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلا لا دعاء فيظهر أنه لو قيل للمتزوج بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول اللهم ألف بينهما وارزقهما بنين صالحين مثلا أو ألف الله بينكما ورزقكما ولدا ذكرا ونحو ذلك وأما ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماضي قال شهدت شريحا وأتاه رجل من أهل الشام فقال إني تزوجت امرأة فقال بالرفاء والبنين الحديث وأخرجه عبد الرزاق من طريق عدي بن أرطاة قال حدثت شريحا إني تزوجت امرأة فقال بالرفاء والبنين فهو محمول على أن شريحا لم يبلغه النهي عن ذلك ودل صنيع المؤلف على أن الدعاء للمتزوج بالبركة هو المشروع ولا شك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره ويؤيد ذلك ما تقدم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له تزوجت بكرا أو ثيبا قال له بارك الله لك والأحاديث في ذلك معروفة

قوله باب الدعاء للنسوة اللاتي يهدين العروس وللعروس في رواية الكشميهني للنساء بدل النسوة وأورد فيه حديث عائشة تزوجني صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار فقلن على الخير والبركة وهو مختصر من حديث مطول تقدم بتمامه بهذا السند بعينه في باب تزويج عائشة قبيل أبواب الهجرة إلى المدينة وظاهر هذا الحديث مخالف للترجمة فإن فيه دعاء النسوة لمن أهدى العروس لا الدعاء لهن وقد استشكله بن التين فقال لم يذكر في الباب الدعاء للنسوة ولعله أراد كيف صفة دعائهن للعروس لكن اللفظ لا يساعد على ذلك وقال الكرماني الأم هي الهادية للعروس المجهزة فهن دعون لها ولمن معها وللعروس حيث قلن على الخير جئتن أو قدمتن على الخير قال ويحتمل أن تكون اللام في النسوة للاختصاص أي الدعاء المختص بالنسوة اللاتي يهدين ولكن يلزم منه المخالفة بين اللام التي للعروس لأنها بمعنى المدعو لها والتي في النسوة لأنها الداعية وفي جواز مثله خلاف انتهى والجواب الأول أحسن ما توجه به الترجمة وحاصله أن مراد البخاري بالنسوة من يهدي العروس سواء كن قليلا أو كثيرا وأن من حضر ذلك يدعو لمن احضر العروس ولم يرد الدعاء للنسوة الحاضرات في البيت قبل أن تأتي العروس ويحتمل أن تكون اللام بمعنى الباء على حذف أي المختص بالنسوة ويحتمل أن الألف واللام بدل من المضاف إليه والتقدير دعاء النسوة الداعيات للنسوة المهديات ويحتمل أن تكون بمعنى من أي الدعاء الصادر من النسوة وعند أبي الشيخ في كتاب النكاح من طريق يزيد بن حفصة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجوار بناحية بني جدرة وهن يقلن فحيونا نحييكم فقال قلن حيانا الله وحياكم فهذا فيه دعاء للنسوة اللاتي يهدين العروس وقوله يهدين بفتح أوله من الهداية وبضمه من الهدية ولما كانت العروس تجهز من عند أهلها إلى الزوج احتاجت إلى من يهديها الطريق إليه أو أطلقت عليها أنها هدية فالضبط بالوجهين على هذين المعنيين وأما قوله وللعروس فهو اسم لزوجين عند أول اجتماعهما يشمل الرجل والمرأة وهو داخل في قول النسوة على الخير والبركة فإن ذلك يشمل المرأة وزوجها ولعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة كما نبهت عليه هناك وفيه أن أمها لما أجلستها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم وقوله في حديث الباب فإذا نسوة من الأنصار سمي منهن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية فقد أخرج جعفر المستغفري من طريق يحيى بن أبي كثير عن كلاب بن تلاد عن تلاد عن أسماء مقينة عائشة قالت لما اقعدنا عائشة لنجليها على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا فقرب إلينا تمرا ولبنا الحديث واخرج أحمد والطبراني هذه القصة من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن ووقع في رواية للطبراني أسماء بنت عميس ولا يصح لأنها حينئذ كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة والمقينة بقاف ونون التي تزين العروس عند دخولها على زوجها

قوله باب من أحب البناء أي بزوجته التي لم يدخل بها قبل الغزو أي إذا حضر الجهاد ليكون فكره مجتمعا ذكر فيه حديث أبي هريرة الماضي في كتاب الجهاد ثم في فرض الخمس وقد شرحته فيه وبينت الاختلاف في اسم النبي الذي غزا هل هو يوشع أو داود قال بن المنير يستفاد منه الرد على العامة في تقديمهم الحج على الزواج ظنا منهم أن التعفف إنما يتأكد بعد الحج بل الأولى أن يتعفف ثم يحج

قوله باب من بنى بامرأة وهي بنت تسع سنين ذكر فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه في مناقبها

قوله باب البناء أي بالمرأة في السفر ذكر فيه حديث أنس في قصة صفية بنت حيي وقد تقدم في أول النكاح وقوله ثلاثا يبني عليه بصفية أي تجلى عليه وفيه إشارة إلى أن سنة الإقامة عند الثيب لا تختص بالحضر ولا تتقيد بمن له امرأة غيرها ويؤخذ منه جواز تأخير اشغال العامة لشغل الخاص إذا كان لا يفوت به غرض والاهتمام بوليمة العرس وإقامة سنة النكاح بإعلامه وغير ذلك مما تقدم ويأتي إن شاء الله تعالى

قوله باب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران ذكر فيه طرقا من حديث عائشة في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بها وأشار بقوله بالنهار إلى أن الدخول على الزوجة لا يختص بالليل وبقوله وبغير مركب ولا نيران إلى ما أخرجه سعيد بن منصور ومن طريقه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق عروة بن رويم أن عبد الله بن قرظ الثمالي وكان عامل عمر على حمص مرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها فضربهم بدرته حتى تفرقوا عن عروسهم ثم خطب فقال أن عروسكم أوقدوا النيران وتشبهوا بالكفرة والله مطفيء نورهم

قوله باب الأنماط ونحوه للنساء أي من الكلل والاستار والفرش وما في معناه والأنماط جمع نمط بفتح النون والميم تقدم بيانه في علامات النبوة وقوله ونحوه أعاد الضمير مفردا على مفرد الانماط وتقدم بيان وجه الاستدلال على الجواز من هذا الحديث ولعل المصنف أشار إلى ما أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاته فأخذت نمطا فنشرته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه منه حتى هتكه فقال أن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين قال فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك علي فيؤخذ منه أن الأنماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل ما يصنع بها وسيأتي البحث في ستر الجدر في باب هل يرجع إذا رأى منكرا من أبواب الوليمة قال بن بطال يؤخذ من الحديث أن المشورة للمرأة دون الرجل لقول جابر لامرأه أخرى عني أنماطك كذا قال ولا دلالة في ذلك لأنها كانت لامرأة جابر حقيقة فلذلك اضافها لها وإلا ففي نفس الحديث أنه ستكون لكم انماط فأضافها إلى أعم من ذلك وهو الذي استدلت به امرأة جابر على الجواز قال وفيه أن مشورة النساء للبيوت من الأمر القديم المتعارف كذا قال ويعكر عليه حديث عائشة وسيأتي البحث فيه

قوله باب النسوة التي يهدين المرأة إلى زوجها في رواية الكشميهني اللاتي بصيغة الجمع وهو أولى قوله ودعائهن بالبركة ثبتت هذه الزيادة في رواية أبي ذر وحده وسقطت لغيره ولم يذكر هنا الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا وقع في حديث عائشة الذي ذكره المصنف في الباب ما يتعلق بها لكن إن كانت محفوظة فلعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة وذلك فيما أخرجه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق بهية عن عائشة أنها زوجت يتيمة كانت في حجرها رجلا من الأنصار قالت وكنت فيمن اهداها إلى زوجها فلما رجعنا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلتم يا عائشة قالت قلت سلمنا ودعونا الله بالبركة ثم انصرفنا

[ 4867 ] قوله أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار لم اقف على اسمها صريحا وقد تقدم أن المرأة كانت يتيمة في حجر عائشة وكذا للطبراني في الأوسط من طريق شريك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ووقع عند بن ماجة من حديث بن عباس أنكحت عائشة قرابة لها ولأبي الشيخ من حديث جابر أن عائشة زوجت بنت أخيها أو ذات قرابة منها وفي امالي المحاملي من وجه آخر عن جابر نكح بعض أهل الأنصار بعض أهل عائشة فأهدتها إلى قباء وكنت ذكرت في المقدمة تبعا لابن الأثير في أسد الغابة فإنه قال أن اسم هذه اليتيمة المذكورة في حديث عائشة الفارعة بنت أسعد بن زرارة وأن اسم زوجها نبيط بن جابر الأنصاري وقال في ترجمة الفارعة أن أباها أسعد بن زرارة أوصي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيط بن جابر ثم ساق من طريق المعافى بن عمران الموصلي حديث عائشة الذي ذكرته أولا من طريق بهية عنها ثم قال هذه اليتيمة هي الفارعة المذكورة كذا قال وهو محتمل لكن منع من تفسيرها بها ما وقع من الزيادة أنها كانت قرابة عائشة فيجوز التعدد ولا يبعد تفسير المبهمة في حديث الباب بالفارعة إذ ليس فيه تقييد بكونها قرابة عائشة قوله ما كان معكم لهو في رواية شريك فقال فهل بعثتم معها جارية تضرب الدف وتغني قلت تقول ماذا قال تقول أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم وفي حديث جابر بعضه وفي حديث بن عباس أوله إلى قوله وحياكم قوله فإن الأنصار يعجبهم اللهو في حديث بن عباس وجابر قوم فيهم غزل وفي حديث جابر عند المحاملي ادركيها يا زينب امرأة كانت تغني بالمدينة ويستفاد منه تسمية المغنية الثانية في القصة التي وقعت في حديث عائشة الماضي في العيدين حيث جاء فيه دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وكنت ذكرت هناك أن اسم إحداهما حمامة كما ذكره بن أبي الدنيا في كتاب العيدين له بإسناد حسن وإني لم اقف على اسم الأخرى وقد جوزت الآن أن تكون هي زينب هذه وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال أنه رخص لنا في اللهو عند العرس الحديث وصححه الحاكم وللطبراني من حديث السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له اترخص في هذا قال نعم أنه نكاح لا سفاح اشيدوا النكاح وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه بن حبان والحاكم أعلنوا النكاح زاد الترمذي وابن ماجة من حديث عائشة واضربوا عليه بالدف وسنده ضعيف ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف واستدل بقوله واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن

قوله باب الهدية للعروس أي صبيحة بنائه بأهله

[ 4868 ] قوله وقال إبراهيم بن طهمان عن أبي عثمان واسمه الجعد عن أنس بن مالك قال مر بنا في مسجد بني رفاعة يعني بالبصرة قال فسمعته يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بجنبات أم سليم كذا فيه والجنبات بفتح الجيم والنون ثم موحدة جمع جنبة وهي الناحية قوله دخل عليها فسلم عليها هذا القدر من هذا الحديث مما تفرد به إبراهيم بن طهمان عن أبي عثمان في هذا الحديث وشاركه في بقيته جعفر بن سليمان ومعمر بن راشد كلاهما عن أبي عثمان أخرجه مسلم من حديثهما ولم يقع لي موصولا من حديث إبراهيم بن طهمان الا أن بعض من لقيناه من الشراح زعم أن النسائي أخرجه عن أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد عن أبيه عنه ولم اقف على ذلك بعد قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب يعني بنت جحش وقد تقدم بيان آيته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام واضحا في علامات النبوة وقد استشكل عياض ما وقع في هذا الحديث من أن الوليمة بزينب بنت جحش كانت من الحيس الذي أهدته أم سليم وأن المشهور من الروايات أنه أولم عليها بالخبز واللحم ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام وإنما فيه أشبع المسلمين خبزا ولحما وذكر في حديث الباب أن أنسا قال فقال لي أدع رجالا سماهم وادع من لقيت وأنه أدخلهم ووضع صلى الله عليه وسلم يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله ثم جعل يدعو عشرة عشرة حتى تصدعوا كلهم عنها يعني تفرقوا قال عياض هذا وهم من راوية وتركيب قصة على أخرى وتعقبه القرطبي بأنه لا مانع من الجمع بين الروايتين والأولى أن يقال لا وهم في ذلك فلعل الذين دعوا الى الخبز واللحم فأكلوا حتى شبعوا وذهبوا لم يرجعوا ولما بقي النفر الذين كانوا يتحدثون جاء أنس بالحيسة فأمر بأن يدعو ناسا آخرين ومن لقي فدخلوا فأكلوا أيضا حتى شبعوا واستمر أولئك النفر يتحدثون وهو جمع لا بأس به واولى منه أن يقال أن حضور الحيسة صادف حضور الخبز واللحم فأكلوا كلهم من كل ذلك وعجبت من إنكار عياض وقوع تكثير الطعام في قصة الخبز واللحم مع أن أنسا يقول أنه أولم عليها بشاة كما سيأتي قريبا ويقول أنه أشبع المسلمين خبزا ولحما وما الذي يكون قدر الشاة حتى يشبع المسلمين جميعا وهم يومئذ نحو الألف لولا البركة التي حصلت من جملة آياته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام وقوله فيه وبقي نفر يتحدثون تقدم بيان عدتهم في تفسير سورة الأحزاب وقوله وجعلت اغتم هو من الغم وسببه ما فهمه من النبي صلى الله عليه وسلم من حيائه من أن يأمرهم بالقيام ومن غفلتهم بالتحدث عن العمل عما يليق من التخفيف حينئذ وقوله في آخره قال أبو عثمان قال أنس أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين تقدم بيانه قبل قليل وسيأتي الإلمام به أيضا في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى

قوله باب استعارة الثياب للعروس وغيرها أي وغير الثياب ذكر فيه حديث عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم وجه الاستدلال به من جهة المعنى الجامع بين القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي يتزين به للزوج أعم من أن يكون عند العرس أو بعده وقد تقدم في كتاب الهبة لعائشة حديث أخص من هذا وهو قولها كان لي منهن أي من الدروع القطني درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت امرأة تقين بالمدينة أي تتزين الا أرسلت إلى تستعيره وترجم عليه الاستعارة للعرس عند البناء وينبغي استحضار هذه الترجمة وحديثها هنا

قوله باب ما يقول الرجل إذا أتي أهله أي جامع

[ 4870 ] قوله عن شيبان هو بن عبد الرحمن النحوي منصور وهو بن المعتمر وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق هو أولهم قوله أما لو أن أحدهم كذا للكشميهني هنا ولغيره بحذف أن وتقدم في بدء الخلق من رواية همام عن منصور بحذف لو ولفظه أما أن أحدكم إذا أتى أهله وفي رواية جرير عن منصور عند أبي داود وغيره لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله وهي مفسرة لغيرها من الروايات دالة على أن القول قبل الشروع قوله حين يأتي أهله في رواية إسرائيل عن منصور عند الإسماعيلي أما أن أحدكم لو يقول حين يجامع أهله وهو ظاهر في أن القول يكون مع الفعل لكن يمكن حمله على المجاز وعنده في رواية روح بن القاسم عن منصور لو أن أحدهم إذا جامع امرأته ذكر الله قوله بسم الله اللهم جنبني في رواية روح ذكر الله ثم قال اللهم جنبني وفي رواية شعبة عن منصور في بدء الخلق جنبني بالافراد أيضا وفي رواية همام جنبنا قوله الشيطان في حديث أبي إمامة عند الطبراني جنبني وجنب ما رزقتني من الشيطان الرجيم قوله ثم قدر بينهما ولد أو قضى ولد كذا بالشك وزاد في رواية الكشميهني ثم قدر بينهما في ذلك أي الحال ولد وفي رواية سفيان بن عيينة عن منصور فإن قضى الله بينهما ولدا ومثله في رواية إسرائيل وفي رواية شعبة فإن كان بينهما ولد من طريقه فإنه أن يقدر بينهما ولد في ذلك وفي رواية جرير ثم قدر أن يكون والباقي مثله ونحوه في رواية روح بن القاسم وفي رواية همام فرزقا ولدا قوله لم يضره شيطان ابدا كذا بالتنكير ومثله في رواية جرير وفي رواية شعبة عند مسلم وأحمد لم يسلط عليه الشيطان أو لم يضره الشيطان وتقدم في بدء الخلق من رواية همام وكذا في رواية سفيان بن عيينة وإسرائيل وروح بن القاسم بلفظ الشيطان واللام للعهد المذكور في لفظ الدعاء ولأحمد عن عبد العزيز العمي عن منصور لم يضر ذلك الولد الشيطان أبدا وفي مرسل الحسن عن عبد الرزاق إذا أتى الرجل أهله فليقل بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ولا تجعل للشيطان نصيبا فيما رزقتنا فكان يرجى أن حملت أن يكون ولدا صالحا واختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على ما نقل عياض على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر وأن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأييد وكان سبب ذلك ما تقدم في بدء الخلق أن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد الا من استثنى فإن في هذا الطعن نوع ضرر في الجملة مع أن ذلك سبب صراخه ثم اختلفوا فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم أن عبادي ليس لك عليهم سلطان ويؤيده مرسل الحسن المذكور وقيل المراد لم يطعن في بطنه وهو بعيد لمنابذته ظاهر الحديث المتقدم وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه وقال بن دقيق العيد يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا ولكن بعده انتفاء العصمة وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وأن لم يكن ذلك واجبا له وقال الداودي معنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد أن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على احليله فيجامع معه ولعل هذا أقرب الأجوبة ويتأيد الحمل على الأول بان الكثير ممن يعرف هذا الفضل العظيم يذهل عنه عند إرادة المواقعة والقليل الذي قد يستحضره ويفعله لا يقع معه الحمل فإذا كان ذلك نادرا لم يبعد وفي الحديث من الفوائد أيضا استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الملاذ كالوقاع وقد ترجم عليه المصنف في كتاب الطهارة وتقدم ما فيه وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الاسواء وفيه الاستشعار بأنه الميسر لذلك العمل والمعين عليه وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينطرد عنه الا إذا ذكر الله وفيه رد على منع المحدث أن يذكر الله ويخدش فيه الرواية المتقدمة إذا أراد أن يأتي وهو نظير ما وقع من القول عند الخلاء وقد ذكر المصنف ذلك وأشار إلى الرواية التي فيها إذا أراد أن يدخل وتقدم البحث فيه في كتاب الطهارة بما يغني عن اعادته

قوله باب الوليمة حق هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن حرب رفعه الوليمة حق والثانية معروف والثالثة فخر ولمسلم من طريق الزهري عن الأعرج وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال شر الطعام طعام الوليمة يدعي الغني ويترك المسكين وهي حق الحديث ولأبي الشيخ والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة رفعه الوليمة حق وسنة فمن دعي فلم يجب فقد عصى الحديث وسأذكر حديث زهير بن عثمان في ذلك وشواهده بعد ثلاثة أبواب وروى أحمد من حديث بريدة قال لما خطب على فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا بد للعروس من وليمة وسنده لا بأس به قال بن بطال قوله الوليمة حق أي ليست بباطل بل يندب إليها وهي سنة فضيلة وليس المراد بالحق الوجوب ثم قال ولا أعلم أحدا أوجبها كذا قال وغفل عن رواية في مذهبه بوجوبها نقلها القرطبي وقال أن مشهور المذهب أنها مندوبة وابن التين عن أحمد لكن الذي في المغني أنها سنة بل وافق بن بطال في نفي الخلاف بين أهل العلم في ذلك قال وقال بعض الشافعية هي واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولان الإجابة إليها واجبة فكانت واجبة وأجاب بأنه طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والأمر محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه ولكونه أمره بشاة وهي غير واجبة اتفاقا وأما البناء فلا أصل له قلت وسأذكر مزيدا في باب إجابة الداعي قريبا والبعض الذي أشار إليه من الشافعية هو وجه معروف عندهم وقد جزم به سليم الرازي وقال أنه ظاهر نص الأم ونقله عن النص أيضا الشيخ أبو إسحاق في المهذب وهو قول أهل الظاهر كما صرح به بن حزم وأما سائر الدعوات غيرها فسيأتي البحث فيه بعد ثلاثة أبواب قوله وقال عبد الرحمن بن عوف قال لي النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة هذا طرف من حديث طويل وصله المصنف في أول البيوع من حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه ومن حديث أنس أيضا وسأذكر شرحه مستوفي إن شاء الله تعالى في الباب الذي يليه والمراد منه ورود صيغة الأمر بالوليمة وأنه لو رخص في تركها لما وقع الأمر باستدراكها بعد انقضاء الدخول وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبة أو عند الدخول أو عقبة أو موسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال قال النووي اختلفوا فحكى عياض أن الأصح عند المالكية استحبابه بعد الدخول وعن جماعة منهم أنه عند العقد عند بن حبيب عند العقد وبعد الدخول وقال في موضع آخر يجوز قبل الدخول وبعده وذكر بن السبكي أن أباه قال لم أر في كلام الأصحاب تعيين وقتها وإنها ستنبط من قول البغوي ضرب الدف في النكاح جائز في العقد والزفاف قبل وبعد قريبا منه ان وقتها موسع من حين العقد قال والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول كأنه يشير إلى قصة زينب بنت جحش وقد ترجم عليه البيهقي في وقت الوليمة اه وما نفاه من تصريح الأصحاب متعقب بأن الماوردي صرح بأنها عند الدخول وحديث أنس في هذا الباب صريح في أنها بعد الدخول لقوله فيه أصبح عروسا بزينب فدعا القوم واستحب بعض المالكية أن تكون عند البناء ويقع الدخول عقبها وعليه عمل الناس اليوم ويؤيد كونه للدخول لا للإملاك أن الصحابة بعد الوليمة ترددوا هل هي زوجة أو سرية فلو كانت الوليمة عند الاملاك لعرفوا أنها زوجة لأن السرية لا وليمة لها فدل على أنها عند الدخول أو بعده

[ 4871 ] قوله في حديث أنس مقدم النبي صلى الله عليه وسلم بالنصب على الظرف أي زمان قدومه وسيأتي في الأشربة من طريق شعيب عن الزهري عن أنس قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا بن عشر سنين ومات وأنا بن عشرين وتقدم قبل بابين في الحديث المعلق عن أبي عثمان عن أنس أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ويأتي في كتاب الأدب من طريق سلام بن مسكين عن ثابت عن أنس قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط الحديث ولمسلم من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في حديث آخره قال أنس والله لقد خدمته تسع سنين ولا منافاة بين الروايتين فإن مدة خدمته كانت تسع سنين وبعض أشهر فألغى الزيادة تارة وجبر الكسر أخرى قوله فكن أمهاتي يعني أمه وخالته ومن في معناهما وأن ثبت كون مليكة جدته فهي مرادة هنا لا محالة قوله يواظبنني كذا للأكثر بظاء مشالة وموحدة ثم نونين من المواظبة وللكشميهني بطاء مهملة بعدها تحتانية مهموزة بدل الموحدة من المواطأة وهي الموافقة وفي رواية الإسماعيلي يوظنني بتشديد الطاء المهملة ونونين الأولى مشددة بغير ألف بعد الواو ولا حرف آخر بعد الطاء من التوطين وفي لفظ له مثله لكن بهمزة ساكنة بعدها النونان من التوطئة تقول وطأته على كذا أي حرضته عليه قوله وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب تقدم البحث فيه وبسط شرحه في تفسير سورة الأحزاب

قوله باب الوليمة ولو بشاة أي لمن كان موسرا كما سيأتي البحث فيه وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث كلها عن أنس الأول والثاني قصة عبد الرحمن بن عوف قطعها قطعتين

[ 4872 ] قوله حدثنا علي هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة وقد صرح بتحديث حميد له وسماع حميد عن أنس فأمن تدليسهما لكنه فرقه حديثين فذكر في الأول سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن عن قدر الصداق وفي الثاني أول القصة قال لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على الأنصار وعبر في هذا بقوله وعن حميد قال سمعت أنسا وفي رواية الكشميهني أنه سمع أنسا كما قال في الذي قبله وهذا معطوف فيما جزم به المزي وغيره على الأول ويحتمل أن يكون معلقا والأول هو المعتمد وقد أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن خلاد عن سفيان حدثنا حميد سمعت أنسا وساق الحديثين معا وأخرجه الحميدي في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج عن سفيان بالحديث كله مفرقا وقال في كل منهما حدثنا حميد أنه سمع أنسا وقد أخرجه بن أبي عمر في مسنده عن سفيان ومن طريقه الإسماعيلي فقال عن حميد عن أنس وساق الجميع حديثا واحدا وقدم القصة الثانية على الأولى كما في رواية غير سفيان فقد تقدم في أوائل النكاح من طريق الثوري وفي باب الصفرة للمتزوج من رواية مالك وفي فضل الأنصار من طريق إسماعيل بن جعفر وفي أول البيوع من رواية زهير بن معاوية ويأتي في الأدب من رواية يحيى القطان كلهم عن حميد أخرجه محمد بن سعد في الطبقات عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن حميد وتقدم في باب ما يدعني للمتزوج من رواية ثابت وفي باب وآتوا النساء صدقاتهن من رواية عبد العزيز بن صهيب وقتادة كلهم عن أنس وأورده في أول كتاب البيوع من حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة وتقدم في البيوع في الكلام على حديث أنس بيان من زاد في روايته فجلعه من حديث أنس عن عبد الرحمن بن عوف وأكثر الطرق تجعله من مسند أنس والذي يظهر من مجموع الطرق أنه حضر القصة وإنما نقل عن عبد الرحمن منها ما لم يقع له عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لما قدموا المدينة أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفي رواية بن سعد لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة قوله نزل المهاجرون على الأنصار تقدم بيان ذلك في أول الهجرة قوله فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع في رواية زهير لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري وفي رواية إسماعيل بن جعفر قدم علينا عبد الرحمن فآخى ونحوه في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه وفي رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن حميد عند النسائي والطبراني آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار فآخى بين سعد وعبد الرحمن وفي رواية إسماعيل بن جعفر قدم علينا عبد الرحمن بن عوف فآخى زاد زهير في روايته وكان سعد ذا غنا وفي رواية إسماعيل بن جعفر لقد علمت الأنصار إني من أكثرها مالا وكان كثير المال وفي حديث عبد الرحمن إني أكثر الأنصار مالا وقد تقدمت ترجمة سعد بن الربيع في فضائل الأنصار وقصة موته في غزوة أحد ووقع عند عبد بن حميد من طريق ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخي بين عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان فقال عثمان لعبد الرحمن أن لي حائطين الحديث وهو وهم من راوية عمارة بن زاذان قوله قال اقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتي في رواية بن سعد فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا وقال لي امرأتان وأنت أخي لا امرأة لك فأنزل عن إحداهما فتتزوجها قال لا والله قال هلم إلي حديقتي اشاطركها قال فقال لا وفي رواية الثوري فعرض عليه أن يقاسمه أهله وماله وفي رواية إسماعيل بن جعفر ولي امرأتان فأنظر اعجبهما إليك فأطلقها فإذا حلت تزوجها وفي حديث عبد الرحمن بن عوف فاقسم لك نصف مالي وأنظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها فإذا حلت تزوجتها ونحوه في رواية يحيى بن سعيد وفي لفظ فأنظر اعجبهما إليك فسمها لي فأطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عند أحمد فقال له سعد أي آخي أنا أكثر أهل المدينة ما لا فانظ شطر مالي فخذه وتحتي امرأتان فأنظر أيهما أعجب إليك حتى اطلقها ولم اقف على اسم امرأتي سعد بن الربيع الا أن بن سعد ذكر أنه كان له من الولد أم سعد واسمها جميلة وأمها عمرة بنت حزم وتزوج زيد بن ثابت أم سعد فولدت له ابنه خارجة فيؤخذ من هذا تسمية إحدى امرأتي سعد وأخرج الطبراني في التفسير قصة مجيء امرأة سعد بن الربيع بابنتي سعد لما استشهد فقالت أن عمهما أخذ ميراثهما فنزلت آية المواريث وسماها إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند له مرسل عمرة بنت حزم قوله بارك الله في أهلك ومالك في حديث عبد الرحمن لا حاجة لي في ذلك هل من سوق فيه تجارة قال سوق بني قينقاع وقد تقدم ضبط قينقاع في أول البيوع وكذا في رواية زهير دلوني على السوق زاد في رواية حماد فدلوه قوله فخرج إلى السوق فباع واشترى فأصاب شيئا من اقط وسمن في رواية حماد فاشترى وباع فربح فجاء بشيء من سمن وأقط وفي رواية الثوري دلني على السوق فربح شيئا من اقط وسمن وفيه حذف بينته الرواية الأخرى وفي رواية زهير فما رجع حتى استفضل اقطا وسمنا فأتى به أهل منزله ونحوه ليحيى بن سعيد وكذا لأحمد عن بن علية عن حميد قوله فتزوج زاد في حديث عبد الرحمن بن عوف ثم تابع الغدو يعني إلى السوق في رواية زهير فمكثنا ما شاء الله ثم جاء وعليه وضر صفرة ونحوه لابن علية وفي رواية الثوري والأنصاري فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم زاد بن سعد في سكة من سكك المدينة وعليه وضر من صفرة وفي رواية حماد بن زيد عن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر وفي رواية حماد بن سلمة وعليه درع زعفران وفي رواية معمر عن نابت عند أحمد وعليه وضر من خلوق وأول حديث مالك أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة ونحوه في رواية عبد الرحمن نفسه وفي رواية عبد العزيز بن صهيب فرأى النبي صلى الله عليه وسلم بشاشة العرس والوضر بفتح الواو والضاد المعجمة وآخره راء هو في الأصل الأثر والردع بمهملات مفتوح الأول ساكن الثاني هو أثر الزعفران والمراد بالصفرة صفرة الخلوق والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره قوله في أول الرواية الأولى سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف وتزوج امرأة من الأنصار هذه الجملة حالية أي سأله حين تزوج وهذه المرأة جزم الزبير بن بكار في كتاب النسب أنها بنت أبي الحيس أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل وفي ترجمة عبد الرحمن بن عوف من طبقات بن سعد انها بنت أبي الحشاش وساق نسبه واظنهما ثنتين فإن في رواية الزبير قال ولدت لعبد الرحمن القاسم وعبد الله وفي رواية بن سعد ولدت له إسماعيل وعبد الله وذكر بن القداح في نسب الأوس أنها أم إياس بنت أبي الحيسر بفتح المهملتين بينهما تحتانية ساكنة وآخره راء واسمه أنس بن رافع الأوسي وفي رواية مالك فسأله فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار وفي رواية زهير وابن علية وابن سعد وغيرهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مهيم ومعناه ما شأنك أو ما هذا وهي كلمة استفهام مبنية على السكون وهل هي بسيطة أو مركبة قولان لأهل اللغة وقال بن مالك هي اسم فعل بمعنى أخبر ووقع في رواية للطبراني في الأوسط فقال له مهيم وكانت كلمته إذا أراد أن يسأل عن الشيء ووقع في رواية بن السكن مهين بنون آخره بدل الميم والأول هو المعروف ووقع في رواية حماد بن زيد عن ثابت عند المصنف وكذا في رواية عبد العزيز بن صهيب عند أبي عوانة قال ما هذا قال في جوابه تزوجت امرأة من الأنصار وللطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة بسند فيه ضعف أن عبد الرحمن بن عوف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خضب بالصفرة فقال ما هذا الخضاب اعرست قال نعم الحديث قوله كم اصدقتها كذا في رواية حماد بن سلمة ومعمر عن ثابت وفي رواية الطبراني على كم وفي رواية الثوري وزهير ما سقت إليها وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه وفي رواية مالك كم سقت إليها قوله وزن نواة بنصب النون على تقدير فعل أي اصدقتها ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ أي الذي أصدقتها هو قوله من ذهب كذا وقع الجزم به في رواية بن عيينة والثوري وكذا في رواية حماد بن سلمة عن ثابت وحميد وفي رواية زهير وابن عليه نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه بالشك وفي رواية شعبة عن عبد العزيز بن صهيب على وزن نواة وعن قتادة على وزن نواة من ذهب ومثل الأخير في رواية حماد بن زيد عن ثابت وكذا أخرجه مسلم من طريق أبي عوانة عن قتادة ولمسلم من رواية شعبة عن أبي حمزة عن أنس على وزن نواة قال فقال رجل من ولد عبد الرحمن من ذهب ورجح الداوردي رواية من قال على نواة من ذهب واستنكر رواية من روى وزن نواة واستنكاره هو المنكر لأن الذي جزموا بذلك أئمة حفاظ قال عياض لا وهم في الرواية لأنها أن كانت نواة تمر أو غيره أو كان للنواة قدر معلوم صلح أن يقال في كل ذلك وزن نواة واختلف في المراد بقوله نواة فقيل المراد واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب وأن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم وقيل كان قدرها يومئذ ربع دينار ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارا لما يوزن به وقيل لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق وجزم به الخطابي واختاره الأزهري ونقله عياض عن أكثر العلماء ويؤيده أن في رواية للبيهقي من طريق سعيد بن بشر عن قتادة وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم وقيل وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه بن قتيبة وجزم به بن فارس وجعله البيضاوي الظاهر واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاثة مثاقيل ونصفا ووقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند البيهقي قومت ثلاثة دراهم وثلثا وإسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد وقيل ثلاثة ونصف وقيل ثلاثة وربع وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار ويؤيد هذا ما وقع عند الطبراني في الأوسط في آخر حديث قال أنس جاء وزنها ربع دينار وقد قال الشافعي النواة ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهما فيكون خمسة دراهم وكذا قال أبو عبيد أن عبد الرحمن بن عوف دفع خمسة دراهم وهي تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية وبه جزم أبو عوانة وآخرون قوله في آخر الرواية الثانية فقال النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة ليست لو هذه الامتناعية وإنما هي التي للتقليل وزاد في رواية حماد بن زيد فقال بارك الله لك قبل قوله أولم وكذا في رواية حماد بن سلمة عن ثابت وحميد وزاد في أخر الحديث قال عبد الرحمن فقلد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا أو فضة فكأنه قال ذلك إشارة الي إجابة الدعوة النبوية بان يبارك الله له ووقع في حديث أبي هريرة بعد قوله اعرست قال نعم قال اولمت قال لا فرمى إليه رسول الله صلى الله عيه وسلم بنواة من ذهب فقال أولم ولو بشاة وهذا لو صح كان فيه أن الشاة من إعانة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يمكر على من استدل به على أن الشاة أقل ما يشرع للموسر ولكن الإسناد ضعيف كما تقدم وفي رواية معمر عن ثابت قال أنس فلقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف قلت مات عن أربع نسوة فيكون جميع تركته ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف وهذا بالنسبة لتركه الزبير التي تقدم شرحها في فرض الخمس قليل جدا فيحتمل أن تكون هذه دنانير وتلك دراهم لأن كثرة مال عبد الرحمن مشهورة جدا واستدل به على توكيد أمر الوليمة وقد تقدم البحث فيه وعلي أنها تكون بعد الدخول ولا دلالة فيه وإنما فيه أنها تستدرك إذا فاتت بعد الدخول وعلي أن الشاة أقل ما تجزئ عن الموسر ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه كما سيأتي بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما تجزئ في الوليمة ومع ذلك فلا بد من تقييده بالقادر عليها وأيضا فيعكر على الاستدلال أنه خطاب واحد وفيه اختلاف هل يستلزم العموم أو لا وقد أشار إلى ذلك الشافعي فيما نقله البيهقي عنه قال لا أعلمه أمر بذلك غير عبد الرحمن ولا أعلمه أنه صلى الله عليه وسلم ترك الوليمة فجعل ذلك مستندا في كون الوليمة ليست بحتم ويستفاد من السياق طلب تكثير الوليمة لمن يقدر قال عياض واجمعوا على أن لا حد لأكثرها وأم أقلها فكذلك ومهما تيسر أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج وقد تيسر على الموسر الشاة فما فوقها وسيأتي البحث في تكرارها في الأيام بعد قليل وفي الحديث أيضا منقبة لسعد بن الربيع في إيثاره على نفسه بما ذكر ولعبد الرحمن بن عوف في تنزهه عن شيء يستلزم الحياء والمروءة اجتنابه ولو كان محتاجا إليه وفيه استحباب المؤاخاة وحسن الايثار من الغني للفقير حتى بإحدى زوجتيه واستحباب رد مثل ذلك على من آثر به لما يغلب في العادة من تكلف مثل ذلك فلو تحقق أنه لم يتكلف جاز وفيه أن من ترك ذلك بقصد صحيح عوضه الله خيرا منه وفيه استحباب التكسب وأن لا نقص على من يتعاطى من ذلك ما يليق بمروءة مثله وكراهة قبول ما يتوقع منه الذل من هبة وغيرها وأن العيش من عمل المرء بتجارة أو حرفة أولي لنزاهة الأخلاق من العيش بالهبة ونحوها وفيه استحباب الدعاء للمتزوج وسؤال الإمام والكبير أصحابه وأتباعه عن أحوالهم ولا سيما إذا رأى منهم ما لم يعهد وجواز خروج العروس وعليه أثر العرس من خلوق وغيره واستدل به على جواز التزعفر للعروس وخص به عموم النهي عن التزعفر للرجال كما سيأتي بيانه في كتاب اللباس وتعقب بإحتمال أن تكون تلك الصفرة كانت في ثيابه دون جسده وهذا الجواب للمالكية على طريقتهم في جوازه في الثوب دون البدن وقد نقل ذلك مالك عن علماء المدينة وفيه حديث أبي موسى رفعه لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق أخرجه أبو داود فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد ومنع من ذلك أبو حنيفة والشافعي ومن تبعهما في الثوب أيضا وتمسكوا بالأحاديث في ذلك وهي صحيحة وفيها ما هو صريح في المدعى كما سيأتي بيانه وعلى هذا فأجيب عن قصة عبد الرحمن بأجوبة أحدها أن ذلك كان قبل النهي وهذا يحتاج إلى تاريخ ويؤيده أن سياق قصة عبد الرحمن يشعر بأنها كانت في أوائل الهجرة وأكثر من روى النهي ممن تأخرت هجرته ثانيها أن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته فكان ذلك غير مقصود له ورجحه النووي وعزاه للمحققين وجعله البيضاوي أصلا رد إليه أحد الاحتمالين ابداهما في قوله مهيم فقال معناه ما السبب في الذي أراه عليك فلذلك أجاب بأنه تزوج قال ويحتمل أن يكون استفهام إنكار لما تقدم من النهي عن التضمخ بالخلوق فأجاب بقوله تزوجت أي فتعلق بي منها ولم اقصد إليه ثالثها أنه كان قد أحتاج إلى التطيب للدخول على أهله فلم يجد من طيب الرجال حينئذ شيئا فتطيب من طيب المرأة وصادف أنه كان فيه صفرة فاستباح القليل منه عند عدم غيره جمعا بين الدليلين وقد ورد الأمر في التطيب للجمعة ولو من طيب المرأة فبقي أثر ذلك عليه رابعها كان يسيرا ولم يبق الا أثره فلذلك لم ينكر خامسها وبه جزم الباجي أن الذي يكره من ذلك ما كان من زعفران وغيره من أنواع الطيب وأما ما كان ليس بطيب فهو جائز سادسها ان النهي عن التزعفر للرجال ليس على التحريم بدلالة تقريره لعبد الرحمن بن عوف في هذا الحديث سابعها أن العروس يستثنى من ذلك ولا سيما إذا كان شابا ذكر ذلك أبو عبيد قال وكانوا يرخصون للشاب في ذلك أيام عرسه قال وقيل كان في أول الإسلام من تزوج لبس ثوبا مصبوغا علامة لزواجه ليعان على وليمة عرسه قال وهذا غير معروف قلت وفي استفهام النبي صلى الله عليه وسلم له عن ذلك دلالة علي أنه لا يختص بالتزويج لكن وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة من طريق شعبة عن حميد بلفظ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأى علي بشاشة العرس فقال أتزوجت قلت تزوجت امرأة من الأنصار فقد يتمسك بهذا السياق للمدعى ولكن القصة واحدة وفي أكثر الروايات أنه قال له مهيم أو ما هذا فهو المعتمد وبشاشة العرس أثره وحسنه أو فرحه وسروره يقال بش فلان بفلان أي أقبل عليه فرحا به ملطفا به واستدل به على أن النكاح لا بد فيه من صداق لاستفهامه على الكمية ولم يقل هل اصدقتها أولا ويشعر ظاهره بأنه يحتاج إلى تقدير لإطلاق لفظ كم الموضوعة للتقدير كذا قال بعض المالكية وفيه نظر لاحتما أن يكون المراد الاستخبار عن الكثرة او القلة فيخبره بعد ذلك بما يليق بحال مثله فلما قال له القدر لم ينكر عليه بل اقره واستدل به على استحباب تقليل الصدق لأن عبد الرحمن بن عوف كان من مياسير الصحابة وقد اقره النبي صلى الله عليه وسلم على اصداقه وزن نواة من ذهب وتعقب بأن ذلك كان في أول الأمر حين قدم المدينة وإنما حصل له اليسار بعد ذلك من ملازمة التجارة حتى ظهرت منه من الاغاثة في بعض الغزوات ما اشتهر وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له كما تقدم واستدل به على جواز المواعدة لمن يريد أن يتزوج بها إذا طلقها زوجها وأوفت العدة لقول سعد بن الربيع انظر أي زوجتي أعجب إليك حتى اطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها ووقع تقرير ذلك ويعكر على هذا أنه لم ينقل ان المرأة علمت بذلك ولا سيما ولم يقع تعيينها لكن الاطلاع على أحوالهم إذ ذاك يقتضي إنهما علمتا معا لأن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب فكانوا يجتمعون ولولا وثوق سعد بن الربيع من كل منهما بالرضا ما جزم بذلك وقال بن المنير لا يستلزم المواعدة بين الرجلين وقوع المواعدة بين الأجنبي والمرأة لأنها إذا منع وهي في العدة من خطبتها تصريحا ففي هذا يكون بطريق الأولى لأنها إذا طلقت دخلت العدة قطعا قال ولكنها وأن اطلعت على ذلك فهي بعد انقضاء عدتها بالخيار والنهي إنما وقع عن المواعدة بين الأجنبي والمرأة أو وليها لا مع أجنبي آخر وفيه جواز نظر الرجل إلى المرأة قبل أن يتزوجها تنبيه حقه أن يذكر في مكانه من كتاب الأدب لكن تعجلته هنا لتكميل فوائد الحديث وذلك أن البخاري ترجم في كتاب الأدب باب الاخاء والحلف ثم ساق حديث الباب من طريق يحيى بن سعيد القطان عن حميد واختصره فاقتصر منه على

[ 4873 ] قوله عن أنس قال لما قدم علينا عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة فرأى ذلك المحب الطبري فظن أنه حديث مستقل فترجم في أبواب الوليمة ذكر الوليمة للاخاء ثم ساق هذا الحديث بهذا اللفظ وقال أخرجه البخاري وكون هذا طرفا من حديث الباب لا يخفى على من له أدنى ممارسة بهذا الفن والبخاري يصنع ذلك كثيرا والأمر لعبد الرحمن بن عوف بالوليمة إنما كان لأجل الزواج لا لأجل الإخاء وقد تعرض المحب لشيء من ذلك لكنه ابداه احتمالا ولا يحتمل جريان هذا لاحتمال منم يكون محدثا فالله أعلم بالصواب الحديث الثالث حديث ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب هي بنت جحش كما في الباب الذي بعده وحماد المذكور في إسناده هو بن زيد وهذا الذي ذكره بحسب الاتفاق لا التحديد كما سأبينه في الباب الذي بعده وقد يؤخذ من عبارة صاحب النبيه من الشافعية أن الشاة حد لأكثر الوليمة لأنه قال واكملها شاة لكن نقل عياض الإجماع على أنه لا حد لاكثرها وقال بن أبي عصرون اقلها للموسر شاة وهذا موافق لحديث عبد الرحمن بن عوف الماضي وقد تقدم ما فيه الحديث الرابع

[ 4874 ] قوله حدثنا عبد الوارث في رواية الكشميهني عن عبد الوارث وشعيب هو بن الحبحاب وقد تقدم شرح الحديث في باب من جعل عتق الأمة صداقها وقوله في آخره وأولم عليها بحيس تقدم في باب اتخاذ السراري من طريق حميد عن أنس أنه أمر بالأنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والسمن فكانت وليمته ولا مخالفة بينهما لأن هذه من أجزاء الحيس قال أهل اللغة الحيس يؤخذ التمر فينزع نواه ويخلط بالأقط أو الدقيق أو السويق اه ولو جعل فيه السمن لم يخرج عن كونه حيسا الحديث الخامس

[ 4875 ] قوله زهير هو بن معاوية الجعفي قوله عن بيان هو بن بشر الأحمسي ووقع في رواية بن خزيمة عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي عن مالك بن إسماعيل شيخ البخاري فيه عن زهير حدثنا بيان قوله بامرأة يغلب على الظن أنها زينب بنت جحش لما تقدم قريبا في رواية أبي عثمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه يدعو رجالا إلى الطعام ثم تبين ذلك واضحا من رواية الترمذي لهذا الحديث تاما من طريق أخرى عن بيان بن بشر فزاد بعد قوله إلى الطعام فما أكلوا وخرجوا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلين جالسين فذكر قصة نزول يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية وهذا في قصة زينب بنت جحش لا محالة كما قدم سياقه مطولا وشرحه في تفسير الأحزاب

قوله باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض ذكر في حديث أنس في زينب بنت جحش أولم عليها بشاة وهو ظاهر فيما ترجم لما يقتضيه سياقه وأشار بن بطال إلى أن ذلك لم يقع قصد التفضيل بعض النساء على بعض بل باعتبار ما أنفق وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لاولم بها لأنه كان أجود الناس ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق وجوز غيره أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز وقال الكرماني لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان للشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه إياها بالوحي قلت ونفى أنس أن يكون لم يولم على غير زينب بأكثر مم أولم عليها محمول على ما انتهى إليه علمه أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع المسلمين خبرا ولحما من الشاة الواحدة وإلا فالذي يظهر أنه لما أولم على ميمونة بنت الحارث لما تزوجها في عمرة القضية بمكة وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحالة لأن ذلك كان بعد فتح خيبر وقد وسع الله على المسلمين منذ فتحها عليهم وقال بن المنير يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضهن دون بعض بالاتحاف والالطاف والهدايا قلت وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الهبة

قوله باب من أولم بأقل من شاة هذه الترجمة وإن كان حكمها مستفادا من التي قبلها لكن الذي وقع في هذه بالتنصيص

[ 4877 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي كما جزم به الإسماعيلي وأبو نعيم في متسخرجهما ومن تبعهما وسفيان هو الثوري لما سيأتي من كلام أهل النقد وجوز الكرماني أن يكون سفيان هو بن عيينة ومحمد بن يوسف هو البيكندي وايد ذلك بأن السفيانين رويا عن منصور بن عبد الرحمن والمجزوم به عندنا أنه الفريابي عن الثوري قال البرقاني روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ووكيع والفريابي وروح بن عبادة عن الثوري فجعلوه من رواية صفية بنت شيبة ورواه أبو أحمد الزبيري ومؤمل بن إسماعيل ويحيى بن اليمان عن الثوري فقالوا فيه عن صفية بنت شيبة عن عائشة قال والأول أصح وصفية ليست بصحابية وحديثها مرسل قال وقد نصر النسائي قول من لم يقل عن عائشة وأورده عن بندار عن بن مهدي وقال أنه مرسل اه ورواية وكيع أخرجها بن أبي شيبة في مصنف عنه وأصلح في بعض النسخ بذكر عائشة وهو وهم من فاعله وأخرجه الإسماعيلي من رواية يزيد بن أبي حكيم العدني وأخرجه إسماعيل القاضي في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عن محمد بن كثير العبدي كلاهما عن الثوري كما قال الفريابي وأخرجه الإسماعيلي أيضا من رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الثوري بذكر عائشة فيه وزعم بن المواق أن النسائي أخرجه من رواية يحيى بن آدم عن الثوري وقال ليس هو بدون الفريابي كذا قال ولم يخرجه النسائي الا من رواية يحيى بن اليمان وهو ضعيف وكذلك مؤمل بن إسماعيل في حديثه عن الثوري ضعف وأقوى من زاد فيه عائشة أبو أحمد الزبيري أخرجه أحمد في مسنده عنه ويحيى بن أبي زائدة والذين لم يذكروا فيه عائشة أكثر عددا وأحفظ وأعرف بحديث الثوري ممن زاد فالذي يظهر على قواعد المحدثين أنه من المزيد في متصل الأسانيد وذكر الإسماعيلي أن عمر بن محمد بن الحسن بن التل رواه عن أبيه عن الثوري فقال فيه عن منصور بن صفية عن صفية بنت حيي قال وهو غلط لا شك فيه ويحتمل أن يكون مراد بعض من أطلق أنه مرسل يعني من مراسيل الصحابة لأن صفية بنت شيبة ما حضرت قصة زواج المرأة المذكورة في الحديث لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد بعد وتزويج المرأة كان بالمدينة كما سيأتي بيانه وأما جزم البرقاني بأنه إذا كان بدون ذكر عائشة يكون مرسلا فسبقه إلى ذلك النسائي ثم الدارقطني فقال هذا من الأحاديث التي تعد فيما أخرج البخاري من المراسيل وكذا جزم بن سعد وابن حبان بأن صفية بنت شيبة تابعية لكن ذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرج في كتاب الحج عقب حديث أبي هريرة وابن عباس في تحريم مكة قال وقال أبان بن صالح عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله قال ووصله بن ماجة من هذا الوجه قلت وكذا وصله البخاري في التاريخ ثم قال المزي لو صح هذا لكان صريحا في صحبتها لكن أبان بن صالح ضعيف كذا أطلق هنا ولم ينقل في ترجمة أبان بن صالح في التهذيب تضعيفه عن أحد بل نقل توثيقه عن يحيى بن معين وأبي حاتم وأي زرعة وغيرهم وقال الذهبي في مختصر التهذيب ما رأيت أحدا ضعف أبان بن صالح وكأنه لم يقف على قول بن عبد البر في التمهيد لما ذكر حديث جابر في استقبال قاضي الحاجة القبلة من رواية أبان بن صالح المذكور هذا ليس صحيحا لأن أبان بن صالح ضعيف كذا قال وكأنه التبس عليه بأبان بن أبي عياش البصري صاحب أنس فإنه ضعيف باتفاق وهو أشهر وأكثر حديثا ورواه من أبان بن صالح ولهذا لما ذكر بن حزم الحديث المذكور عن جابر قال أبان بن صالح ليس بالمشهور قلت ولكن يكفي توثيقي بن معين ومن ذكر له وقد روى عنه أيضا بن جريج وأسامة بن زيد الليثي وغيرهما وأشهر من روى عنه محمد بن إسحاق وقد ذكر المزي أيضا حديث صفية بنت شيبة قال طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجن وأنا انظر إليه أخرجه أبو داود وابن ماجة قال المزي هذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية فإن إسناده حسن قلت وإذا ثبتت رؤيتها له صلى الله عليه وسلم وضبطت ذلك فما المانع أن تسمع خطبته ولو كانت صغيرة قوله عن منصور بن صفية هي أمه واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة القرشي العبدري الحجي قتل جده الأعلى الحارث يوم أحد كافرا وكذا أبوه طلحة بن أبي طلحة ولجده الأدنى طلحة بن الحارث رؤية وقد أغفل ذكره من صنف في الصحابة وهو وارد عليهم ووقع في رجال البخاري للكلاباذي أنه منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن عمر بن عبد الرحمن التيمي ووهم في ذلك كما نبه عليه الرضي الشاطبي فيما قرأت بخطه قوله أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه لم اقف على تعيين اسمها صريحا وأقرب ما يفسر به أم سلمة فقد أخرج بن سعد عن شيخه الواقدي بسند له إلى أم سلمة قالت لما خطبني النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة تزويجه بها فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرية وأخذت شيئا من إهالة فأدمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج بن سعد أيضا وأحمد بإسناد صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن أم سلمة أخبرته فذكر قصة خطبتها وتزويجها وفيه قالت فأخذت تعالى وأخرجت حبات من شعير كانت في جرتي وأخرجت شحما فعصدته له ثم بات ثم أصبح الحديث أخرجه النسائي أيضا لكن لم يذكر المقصود هنا وأصله في مسلم من وجه آخر بدونه وأما ما أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق شريك عن حميد عن أنس قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بتمر وسمن فهو وهم من شريك لأنه كان سيء الحفظ أو من الراوي عنه وهو جندل بن والق فإن مسلما والبزار ضعفاه وقواه أبو حاتم الرازي والبستي وإنما هو المحفوظ من حديث حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية كذلك أخرجه النسائي من رواية سليمان بن بلال وغيره عن حميد عن أنس مختصرا وقد تقدم مطولا في أوائل النكاح للبخاري من وجه آخر عن حميد عن أنس وأخرج أصحاب السنن من رواية الزهري عن أنس نحوه ففي قصة صفية ويحتمل أن يكون المراد بنسائه ما هو أعم من أزواجه أي من ينسب إليه من النساء في الجملة فقد أخرج الطبراني من حديث أسماء بنت عميس قالت لقد أولم على بفاطمة فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته رهن درعه عند يهودي بشطر شعير ولا شك أن المدين نصف الصاع فكأنه قال شطر صاع فينطبق على القصة التي في الباب وتكون نسبة الوليمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجازية أما لكونه الذي وفى اليهودي ثمن شعيره أو لغير ذلك قوله بمدين من شعير كذا وقع في رواية كل من رواه عن الثوري فيما وقفت عليه ممن قدمت ذكره إلا عبد الرحمن بن مهدي فوقع في روايته بصاعين من شعير أخرجه النسائي والإسماعيلي من روايته وهو وأن كان أحفظ من رواه عن الثوري لكن العدد الكثير أولى بالضبط من الواحد كما قال الشافعي في غير هذا والله أعلم

قوله باب حق إجابة الوليمة والدعوة كذا عطف الدعوة على الوليمة فأشار بذلك إلى أن الوليمة مختصة بطعام العرس ويكون عطف الدعوة عليها من العام بعد الخاص وقد تقدم بيان الاختلاف في وقته وأم اختصاص اسم الوليمة به فهو قول أهل اللغة فيما نقله عنهم بن عبد البر وهو المنقول عن الخليل بن أحمد وثعلب وغيرهما وجزم به الجوهري وابن الأثير وقال صاحب المحكم الوليمة طعام العرس والاملاك وقيل كل طعام صنع لعرس وغيره وقال عياض في المشارق الوليمة طعام النكاح وقيل الاملاك وقيل طعام العرس خاصة وقال الشافعي وأصحابه تقع الوليمة على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من نكاح أو ختان وغيرهما لكن الأشهر استعمالها عند الإطلاق في النكاح وتقيد في غيره فيقال وليمة الختان ونحو ذلك وقال الأزهري الوليمة مأخوذة من الولم وهو الجمع وزنا ومعنى لأن الزوجين يجتمعان وقال بن الأعرابي أصلها من تتميم الشيء واجتماعه وجزم الماوردي ثم القرطبي بأنها لا تطلق في غير طعام العرس الا بقرينة وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة وهي بفتح الدال على المشهور وضمها قطرب في مثلثته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي قال ودعوة النسب بكسر الدال وعكس ذلك بنو تيم الرباب ففتحوا دال دعوة النسب وكسروا دال دعوة الطعام اه وما نسبه لبني تيم الرباب نسبه صاحبا الصحاح والمحكم لبني عدي الرباب فالله أعلم وذكر النووي تبعا لعياض أن الولائم ثمانية الاعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان والعقيقة للولادة والخرس بضم المعجمة وسكون الراء ثم سين مهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة والعقيقة تختص بيوم السابع والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار والوكيرة للسكن المتجدد مأخوذ من الوكر وهو المأوى والمستقر والوضيمة بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة والمأدبة لما يتخذ بلا سبب ودالها مضمومة ويجوز فتحها انتهى والاعذار يقال فيه أيضا العذرة بضم ثم سكون والخرس يقال فيه أيضا بالصاد المهملة بدل السين وقد تزاد في آخرها تاء فيقال خرسة وخرصة وقيل انها لسلامة المرأة من الطلق وأما التي للولادة بمعنى الفرح بالمولود فهي العقيقة واختلف في النقيعة هل التي يصنعها القادم من السفر أو تصنع له قولان وقيل النقيعة التي يصنعها القادم والتي تصنع له تسمى التحفة وقيل أن الوليمة خاص بطعام الدخول وأما طعام الاملاك فيسمى الشندخ بضم المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وقد تضم وآخره خاء معجمة مأخوذ من قوله فرس شندخ أي يتقدم غيره سمي طعام الاملاك بذلك لأنه يتقدم الدخول وأغرب شيخنا في التدريب فقال الولائم سبع وهو وليمة الاملاك وهو التزوج ويقال لها النقيعة بنون وقاف ووليمة الدخول وهو العرس وقل من غاير بينهما انتهى وموضع اغرابه تسمية وليمة الاملاك نقيعة ثم رأيته تبع في ذلك المنذري في حواشيه وقد شذ بذلك وقد فاتهم ذكر الحذاق بكسر المهملة وتخفيف الدال المعجمة وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره بن الصباغ في الشامل وقال بن الرفعة هو الذي يصنع عند الختم أي ختم القرآن كذا قيده ويحتمل ختم قدر مقصود منه ويحتمل أن يطرد ذلك في حذقه لكل صناعة وذكر المحاملي في الرونق في الولائم العتيرة بفتح المهملة ثم مثناة مكسورة وهي شاة تذبح في أول رجب وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلا معنى لذكرها مع الولائم وسيأتي حكمها في أواخر كتاب العقيقة وإلا فلتذكر في الأضحية وأما المأدبة ففيها تفصيل لأنها إن كانت لقوم مخصوصين فهي النقري بفتح النون والقاف مقصور وأن كانت عامة فهي الجفلى بجيم وفاء بوزن الأول قال الشاعر نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الأدب منا ينتقر وصف قومه بالجود وإنهم إذا صنعوا مأدبة دعوا إليها عموما لا خصوصا وخص الشتاء لأنها مظنة قلة الشيء وكثرة احتياج من يدعي والأدب بوزن اسم الفاعل من المأدبة وينتقر مشتق من النقري وقد وقع في آخر حديث أبي هريرة الذي أوله الوليمة حق وسنة كما أشرت إليه في باب الوليمة حق قال والخرس والاعذار والتوكير أنت فيه بالخيار وفيه تفسير ذلك وظاهر سياقه الرفع ويحتمل الوقف وفي مسند أحمد من حديث عثمان بن أبي العاص في وليمة الختان لم يكن يدعي لها وأما قول المصنف حق إجابة فيشير إلى وجوب الإجابة وقد نقل بن عبد البر ثم عياض ثم النووي الاتفاق على القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس وفيه نظر نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وكلام صاحب الهداية يقتضي الوجوب مع تصريحه بأنها سنة فكأنه أراد أنها وجبت بالسنة وليست فرضا كما عرف من قاعدتهم وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية وحكى بن دقيق العيد في شرح الإلمام أن محل ذلك إذا عمت الدعوة أما لو خص كل واحد بالدعوة فإن الإجابة تتعين وشرط وجوبها أن يكون الداعي مكانا حرا رشيدا وأن لا يخص الأغنياء دون الفقراء وسيأتي البحث فيه في الباب الذي يليه وأن لا يظهر قصد التودد لشخص بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على الأصح وأن يختص باليوم الأول على المشهور وسيأتي البحث فيه وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني وأن جاءا معا قدم الأقرب رحما على الأقرب جوارا على الأصح فإن استويا أقرع وأن لا يكون هناك من يتأذى بحضوره من منكر وغيره كما سيأتي البحث فيه بعد أربعة أبواب وأن لا يكون له عذر وضبطه الماوردي بما يرخص به في ترك الجماعة هذا كله في وليمة العرس فأما الدعوة في غير العرس فسيأتي البحث فيها بعد بابين قوله ومن أولم سبعة أيام ونحوه يشير إلى ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام فلما كان يوم الأنصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي وأثنى أخرجه البيهقي من وجه آخر أتم سياقا منه وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر إلى حفصة وقال فيه ثمانية أيام واليه أشار المصنف بقوله ونحوه لأن القصة واحدة وهذا وأن لم يذكره المصنف لكنه جنح إلى ترجيحه لإطلاق الأمر بإجابة الدعوة بغير تقييد كما سيظهر من كلامه الذي سأذكره وقد نبه على ذلك بن المنير قوله ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين أي لم يجعل للوليمة وقتا معينا يختص به الإيجاب أو الاستحباب وأخذ ذلك من الإطلاق وقد أفصح بمراده في تاريخه فإنه أورد في ترجمة زهير بن عثمان الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف كان يثني عليه أن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه يقوله قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة قال البخاري لا يصح إسناده ولا يصح له صحبة يعني لزهير قال وقال بن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها وهذا أصح قال وقال بن سيرين عن أبيه أنه لما بني بأهله أولم سبعة أيام فدعا في ذلك أبي بن كعب فأجابه اه وقد خالف يونس بن عبيد قتادة في إسناده فرواه عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أو معضلا لم يذكر عبد الله بن عثمان ولا زهيرا أخرجه النسائي ورجحه على الموصول وأشار أبو حاتم إلى ترجيحه ثم أخرج النسائي عقبه حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام على صفية ثلاثة أيام حتى اعرس بها فأشار إلى تضعيفه أو إلى تخصيصه وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو يعلى بسند حسن عن أنس قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها وجعل الوليمة ثلاثة أيام الحديث وقد وجدنا لحديث زهير بن عثمان شواهد منها عن أبي هريرة مثله أخرجه بن ماجة وفيه عبد الملك بن حسين وهو ضعيف جدا وله طريق أخرى عن أبي هريرة أشرت إليها في باب الوليمة حق وعن أنس مثله أخرجه بن عدي والبيهقي وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف وله طريق أخرى ذكر بن أبي حاتم أنه سأل أباه عن حديث رواه مروان بن معاوية عن عوف عن الحسن عن أنس نحوه فقال إنما هو عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وعن بن مسعود أخرجه الترمذي بلفظ طعام أول يوم حق وطعام يوم الثاني سنة وطعام يوم الثالث سمعت ومن سمع سمع الله به وقال لا نعرفه الا من حديث زياد بن عبد الله البكائي وهو كثير الغرائب والمناكير قلت وشيخه فيه عطاء بن السائب وسماع زياد منه بعد اختلاطه فهذه علته وعن بن عباس رفعه طعام في العرس يوم سنة وطعام يومين فضل وطعام ثلاثة أيام رياء وسمعة أخرجه الطبراني بسند ضعيف وهذه الأحاديث وأن كان كل منها لا يخلو عن مقال فمجموعها يدل على أن للحديث أصلا وقد وقع في رواية أبي داود والدارمي في آخر حديث زهير بن عثمان قال قتادة بلغني عن سعيد بن المسيب أنه دعي أول يوم وأجاب ودعى ثاني يوم فأجاب ودعى ثالث يوم فلم يجب وقال أهل رياء وسمعة فكأنه بلغه الحديث فعمل بظاهره أن ثبت ذلك عنه وقد عمل به الشافعية والحنابلة قال النووي إذا أولم ثلاثا فالاجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي الثاني لا تجب قطعا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول وقد حكى صاحب التعجيز في وجوبها في اليوم الثاني وجهين وقال في شرحه أصحهما الوجوب وبه قطع الجرجاني لوصفه بأنه معروف أو سنة واعتبر الحنابلة الوجوب في اليوم الأول وأما الثاني فقالوا سنة تمسكا بظاهر لفظ حديث بن مسعود وفيه بحث وأما الكراهة في اليوم الثالث فاطلقه بعضهم لظاهر الخبر وقال العمراني إنما تكره إذا كان المدعو في الثالث هو المدعو في الأول وكذا صوره الروياني واستبعده بعض المتأخرين وليس ببعيد لأن إطلاق كونه رياء وسمعه يشعر بأن ذلك صنع للمباهاة وإذا كثر الناس فدعا في كل يوم فرقة لم يكن في ذلك مباهاة غالبا وإلى ما جنح إليه البخاري ذهب المالكية قال عياض استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعا قال وقال بعضهم محله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله ولم يكرر عليهم وهذا شبيه بما تقدم عن الروياني وإذا حملنا الأمر في كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعة ومباهاة كان الرابع وما بعده كذلك فيمكن حمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك وإنما أطلق ذلك على الثالث لكونه الغالب والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث بن عمر أورده من طريق مالك عن نافع بلفظ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وسيأتي البحث فيه بعد بابين وقوله فليأتها أي فليأت مكانها والتقدير إذا دعي إلى مكان وليمة فليأتها ولا يضر إعادة الضمير مؤنثا ثانيها حديث أبي موسى أورده لقوله فيه واجيبوا الداعي وقد تقدم في الجهاد قال بن التين قوله وأجيبوا الداعي يريد إلى وليمة العرس كما دل عليه حديث بن عمر الذي قبله يعني في تخصيص الأمر بالإتيان بالدعاء إلى الوليمة وقال الكرماني قوله الداعي عام وقد قال الجمهور تجب في وليمة النكاح وتستحب في غيرها فيلزم استعمال اللفظ في الإيجاب والندب وهو ممتنع قال والجواب أن الشافعي إجازة وحمله غيره على عموم المجاز اه ويحتمل أن يكون هذا اللفظ وأن كان عاما فالمراد به خاص وأما استحباب إجابة طعام غير العرس فمن دليل آخر ثالثها حديث البراء بن عازب أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا وفي آخره إجابة الداعي أورده من طريق أبي الأحوص عن الأشعث وهو بن أبي الشعثاء سليم المحاربي ثم قال بعده تابعه أبو عوانة والشيباني عن أشعث في افشاء السلام فأما متابعة أبي عوانة فوصلها المؤلف في الأشربة عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن أشعث بن سليم به وأما متابعة الشيباني وهو أبو إسحاق فوصلها المؤلف في كتاب الاستئذان عن قتيبة عن جرير عن الشيباني عن أشعث بن أبي الشعثاء به وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر كتاب الأدب إن شاء الله تعالى وقد أخرجه في مواضع أخرى من غير رواية هؤلاء الثلاثة فذكره بلفظ رد السلام بدل افشاء السلام فهذه نكتة الاقتصار رابعه حديث سهل بن سعد

[ 4881 ] قوله حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه في رواية المستملي عن أبي حازم وذكر الكرماني أنه وقع في رواية عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهل وهو سهو إذ لا بد من واسطة بينهما أما أبوه أو غيره قلت لعل الرواية عن عبد العزيز عن أبي حازم فتصحفت عن فصارت بن وسيأتي شرح الحديث بعد خمسة أبواب

قوله باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله أورد فيه حديث بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق معن بن عيسى عن مالك المساكين بدل الفقراء وأول هذا الحديث موقوف ولكن آخره يقتضي رفعه ذكر ذلك بن بطال قال ومثله حديث أبي الشعثاء أن أبا هريرة أبصر رجلا خارجا من المسجد بعد الأذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم قال ومثل هذا لا يكون رأيا ولهذا أدخله الأئمة في مسانيدهم انتهى وذكر بن عبد البر أن جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه وقال فيه روح بن القاسم عن مالك بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك وقد أخرجه مسلم من رواية معمر وسفيان بن عيينة عن الزهري شيخ مالك كما قال مالك ومن رواية أبي الزناد عن الأعرج كذلك والأعرج شيخ الزهري فيه هو عبد الرحمن كما وقع في رواية سفيان قال سألت الزهري فقال حدثني عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة فذكره ولسفيان فيه شيخ آخر بإسناد آخر إلى أبي هريرة صرح فيه برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم أيضا من طريق سفيان سمعت زياد بن سعد يقول سمعت ثابتا الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر نحوه وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا صريحا وأخرج له شاهدا من حديث بن عمر كذلك والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولا وقد تقدم أن الوليمة إذا أطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد وقوله

[ 4882 ] يدعى لها الأغنياء أي أنها تكون شر الطعام إذا كانت بهذه الصفة ولهذا قال بن مسعود إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب قال قال بن بطال وإذا ميز الداعي بين الأغنياء والفقراء فأطعم كلا على حدة لم يكن به بأس وقد فعله بن عمر وقال البيضاوي من مقدره كما يقال شر الناس من أكل وحده أي من شرهم وإنما سماه شرا لما ذكر عقبه فكأنه قال شر الطعام الذي شأنه كذا وقال الطيبي اللام في الوليمة للعهد الخارجي إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء وقوله يدعى الخ استئناف وبيان لكونها شر الطعام وقوله ومن ترك الخ حال والعامل يدعى أي يدعى الأغنياء والحال أن الإجابة واجبة فيكون دعاؤه سببا لأكل المدعو شر الطعام ويشهد له ما ذكره بن بطال أن بن حبيب روى عن أي هريرة انه كان يقول أنتم العاصون في الدعوة تدعون من لا يأتي وتدعون من يأتي يعني بالأول الأغنياء وبالثاني الفقراء قوله شر الطعام في رواية مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك بئس الطعام والأول رواية الأكثر وكذا في بقية الطرق قوله يدعى لها الاغنياء في رواية ثابت الأعرج يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها والجملة في موضوع الحال لطعام الوليمة فلو دعا الداعي عاما لم يكن طعامه شر الطعام ووقع في رواية الطبراني من حديث بن عباس بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان قوله ومن ترك الدعوة أي ترك إجابة الدعوة وفي رواية بن عمر المذكورة ومن دعي فلم يجب وهو تفسير للرواية الأخرى قوله فقد عصى الله ورسوله هذا دليل وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق الا على ترك الواجب ووقع في رواية لابن عمر عند أبي عوانة من دعي إلى وليمة فلم يأتها فقد عصى الله ورسوله

قوله باب من أجاب إلى كراع بضم الكاف وتخفيف الراء وآخره عين مهملة هو مستدق الساق من الرجل ومن حد الرسغ من اليد وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب وقال بن فارس كراع كل شيء طرفه

[ 4883 ] قوله حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان وأبو حمزة بالمهملة والزاي هو اليشكري قوله عن أبي حازم تقدم في الهبة من رواية شعبة عن الأعمش وهو لا يروي عن مشايخه الا ما ظهر له سمامعهم فيه وأبو حازم هذا هو سلمان بسكون اللام مولى عزة بفتح المهملة وتشديد الزاي ووهم من زعم أنه سلمة بن دينار الراوي عن سهل بن سعد المقدم ذكره قريبا فإنهما وأن كانا مدنيين لكن راوي حديث الباب أكبر من بن دينار قوله ولو أهدى إلى كراع لقبلت كذا للأكثر من أصحاب الأعمش وتقدم في الهبة من طريق شعبة عن الأعمش بلفظ ذراع وكراع بالتغيير والذراع أفضل من الكراع وفي المثل أنفق العبد كراعا وطلب ذراعا وقد زعم بعض الشراح وكذا وقع للغزالي أن المراد بالكراع في هذا الحديث المكان المعروف بكراع الغميم بفتح المعجمة هو موضع بين مكة والمدينة تقدم ذكره في المغازي وزعم أنه أطلق ذلك على سبيل المبالغة في الإجابة ولو بعد المكان لكن المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء أوضح في المراد ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المراد بالكراع هنا كراع الشاة وقد تقدم توجيه ذلك في أوائل الهبة في حديث يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة وأغرب الغزالي في الأحياء فذكر الحديث بلفظ ولو دعيت إلى كرع الغميم ولا أصل لهذه الزيادة وقد أخرج الترمذي من حديث أنس وصححه مرفوعا لو أهدى إلى كراع لقبلت ولو دعيت لمثله لأجب وأخرج الطبراني من حديث أم حكيم بنت وادع أنها قالت يا رسول الله أتكره الهدية فقال ما أقبح رد الهدية فذكر الحديث ويستفاد سببه من هذه الرواية وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل قال المهلب لا يبعث على الدعوة إلى الطعام الا صدق المحبة وسرور الداعي بأكل المدعو من طعامه والتحبب إليه بالمؤاكلة وتوكيد الذمام معه بها فلذلك حض صلى الله عليه وسلم على الإجابة ولو نزر المدعو إليه وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف وإجابة الدعوة لما قل أو كثر وقبول الهدية كذلك

قوله باب إجابة الداعي في العرس وغيره ذكر فيه حديث بن عمر أجيبوا هذه الدعوة وهذه اللام يحتمل أن تكون للعهد والمراد وليمة العرس ويؤيده رواية بن عمر الأخرى إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وقد تقرر أن الحديث الواحد إذا تعددت ألفاظه وأمكن حمل بعضها على بعض تعين ذلك ويحتمل أن تكون اللام الغموم وهو الذي فهمه راوي الحديث فكان يأتي الدعوة للعرس ولغيره

[ 4884 ] قوله حدثنا على بن عبد الله بن إبراهيم هو البغدادي أخرج عنه البخاري هنا فقط وقد تقدم في فضائل القرآن روايته عن علي بن إبراهيم عن روح بن عبادة فقيل هو هذا نسبه إلى جده وقيل غيره كما تقدم بيانه وذكر أبو عمرو والمستلمي أن البخاري لما حدث عن علي بن عبد الله بن إبراهيم هذا سئل عنه فقال متقن قوله عن نافع في رواية فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة حدثني نافع أخرجه الإسماعيلي قوله قال كان عبد الله القائل هو نافع وقد أخرج مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع بلفظ إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب وأخرجه مسلم وأبو داود من طريق أيوب عن نافع بلفظ إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه ولمسلم من طريق الزبيدي عن نافع بلفظ من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب وهذا يؤيد ما فهمه بن عمر وأن الأمر بالإجابة لا يختص بطعام العرس وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقا عرسا كان أو غيره بشرطه ونقله بن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم بن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين ويعكر عليه ما نقلناه عن عثمان بن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنه قال في وليمة الختان لم يكن يدعى لها لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعوا وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عمر أنه دعا بالطعام فقال رجل من القوم اعفني فقال بن عمر أنه لا عافية لك من هذا فقم وأخرج الشافعي وعبد الرزاق بسند صحيح عن بن عباس أن بن صفوان دعاه فقال إني مشغول وأن لم تعفني جئته وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع ولفظ الشافعي آتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة دعي إليهم رجل وليمة فلا أرخص لأحد في تركها ولو تركها لم يتبين لي أنه عاص في تركها كما تبين لي في وليمة العرس قوله في العرس وغير العرس وهو صائم في رواية مسلم عن هارون بن عبد الله عن حجاج بن محمد ويأتيها وهو صائم ولأبي عوانة من وجه آخر عن نافع وكان بن عمر يجيب صائما ومفطرا ووقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع في آخر الحديث المرفوع فإن كان مفطرا فليطعم وأن كان صائما فليدع ولمسلم من حديث أبي هريرة فإن كان صائما فليصل ووقع في رواية هشام بن حسان في آخره والصلاة الدعاء وهو من تفسير هشام راويه يؤيده الرواية الأخرى وحمله بعض الشراح على ظاهره فقال أن كان صائما فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها وفيه نظر لعموم قوله لا صلاة بحضرة طعام لكن يمكن تخصيصه بغير الصائم وقد تقدم في باب حق إجابة الوليمة أن أبي بن كعب لما حضر الوليمة وهو صائم أثنى ودعا وعند أبي عوانة من طريق عمر بن محمد عن نافع كان بن عمر إذا دعي أجاب فان كان مفطرا أكل وأن كان صائما دعا لهم وبرك ثم انصرف وفي الحضور فوائد أخرى كالتبرك بالمدعو التجمل به والانتفاع بإشارته والصيانة عما لا يحصل له الصيانة لو لم يحضر وفي الاخلال بالإجابة تفويت ذلك ولا يخفى ما يقع للداعي من ذلك من التشويش وعرف من قوله فليدع لهم حصول المقصود من الإجابة بذلك وأن المدعو لا يجب عليه الأكل وهل يستحب له أن يفطر أن كان صومه تطوعا قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة أن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالافضل الفطر وإلا فالصوم وأطلق الروياني وابن الفراء استحباب الفطر وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل وأما من يوجبه فلا يجوز عنده الفطر كما في صوم الفرض ويبعد إطلاق استحباب الفطر مع وجود الخلاف ولا سيما أن كان وقت الإفطار قد قرب ويؤخذ من فعل بن عمر أن الصوم ليس عذرا في ترك الإجابة ولا سيما مع ورود الأمر للصائم بالحضور والدعاء نعم لو اعتذر به المدعو فقبل الداعي عذره لكونه يشق عليه أن لا يأكل إذا حضر أو لغير ذلك كان ذلك عذرا له في التأخر ووقع في حديث جابر عند مسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وأن شاء ترك فيؤخذ منه أن المفطر ولو حضر لا يجب عليه الأكل وهو أصح الوجهين عند الشافعية وقال بن الحاجب في مختصره ووجوب أكل المفطر محتمل وصرح الحنابلة بعدم الوجوب واختار النووي الوجوب وبه قال أهل الظاهر والحجة لهم قوله في إحدى روايات بن عمر عند مسلم فإن كان مفطرا فليطعم قال النووي وتحمل رواية جابر على من كان صائما ويؤيده رواية بن ماجة فيه بلفظ من دعي إلى طعام وهو صائم فليجب فإن شاء طعم وأن شاء ترك ويتعين حمله على من كان صائما نفلا ويكون فيه حجة لمن استحب له أن يخرج من صيامه لذلك ويؤيده ما أخرجه الطيالسي والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد قال دعا رجل إلى طعام فقال رجل إني صائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعاكم أخاكم وتكلف لكم أفطر وصم يوما مكانه أن شئت في إسناده راو ضعيف لكنه توبع والله أعلم

قوله باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس كأنه ترجم بهذا لئلا يتخيل أحد كراهة ذلك فأراد أنه مشروع بغير كراهة

[ 4885 ] قوله حدثنا عبد الرحمن بن المبارك هو العيشي بالتحتانية والشين وليس هو أخا عبد الله بن المبارك المشهور وعبد الوارث هو بن سعيد والإسناد كله بصريون قوله فقام ممتنا بضم الميم بعدها ميم ساكنة ومثناة مفتوحة ونون ثقيلة بعدها ألف أي قام قياما قويا مأخوذ من المنة بضم الميم وهي القوة أي قام إليهم مسرعا مشتدا في ذلك فرحا بهم وقال أبو مروان بن سراج ورجحه القرطبي أنه من الامتنان لأن من قام له النبي صلى الله عليه واكرمه بذلك فقد أمتن عليه بشيء لا أعظم منه قال ويؤيده قوله بعد ذلك أنتم أحب الناس إلى ونقل بن بطال عن القابسي قال قوله ممتنا يعني متفضلا عليهم بذلك فكأنه قال يمتن عليهم بمحبته ووقع في رواية أخرى متينا بوزن عظيم أي قام قياما مستويا منتصبا طويلا ووقع في رواية بن السكن فقام يمشي قال عياض وهو تصحيف قلت ويؤيد التأويل الأول ما تقدم في فضائل الأنصار عن أبي معمر عن عبد الوارث بسند حديث الباب بلفظ فقام ممثلا بضم أوله وسكون الميم الثانية بعدها مثلثة مكسورة وقد تفتج وضبط أيضا بفتح الميم الثانية تشديد المثلثة والمعنى منتصبا قائما قال بن التين كذا وقع في البخاري والذي في اللغة مثل بفتح أوله وضم المثلثة وبفتحها قائما بمثل بضم المثلثة مثولا فهو مائل إذا انتصب قائما قال عياض وجاء هنا ممثلا يعني بالتشديد أي مكلفا نفسه ذلك اه ووقع في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن إبراهيم بن الحجاج عن عبد الوارث فقام النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثيلا بوزن عظيم وهو فعيل من مائل وعن إبراهيم بن هاشم عن إبراهيم بن الحجاج مثله وزاد يعني مائلا قوله اللهم أنتم من أحب الناس إلي زاد في رواية أبي معمر قالها ثلاث مرات وتقديم لفظ اللهم يقع للتبرك أو للاستشهاد بالله في صدقه ووقع في رواية مسلم من طريق بن علية عن عبد العزيز اللهم إنهم والباقي مثله وأعادها ثلاث مرات وقد اتفقا كما تقدم في فضائل القرآن على رواية هشام بن زيد عن أنس جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها فكلمها وقال والذي نفسي بيده إنكم لاحب الناس إلى مرتين وفي رواية تأتي في كتاب النذور ثلاث مرات ومن في هذه الرواية مقدرة بدليل رواية حديث الباب

قوله باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة هكذا اورد الترجمة بصورة الاستفهام ولم يبت الحكم لما فيها من الاحتمال كما سأبينه إن شاء الله تعالى قوله ورأى بن مسعود صورة في البيت فرجع كذا في رواية المستملي والأصيلي والقابسي وعبدوس وفي رواية الباقين أبو مسعود والأول تصحيف فيما أظن فأنني لم أر الأثر المعلق الا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو وأخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن رجلا صنع طعاما فدعاه فقال أفي البيت صورة قال نعم فأبى أن يدخل حتى تكسر الصورة وسنده صحيح وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضا لكن لم اقف عليه قوله ودعا بن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا على الجدار فقال بن عمر غلبنا عليه النساء فقال من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا أطعم لكم طعاما فرجع وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال اعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس فكان أبو أيوب فيمن آذنا وقد ستروا بيتي ببجاد أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرآه فقال يا عبد الله اتسترون الجدر فقال أبي واستحيا غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب فقال من خشيت أن تغلبه النساء فذكره ووقع لنا من وجه آخر من طريق الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سالم بمعناه وفيه فأقبل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون الأول فالأول حتى أقبل أبو أيوب وفيه فقال عبد الله أقسمت عليك لترجعن فقال وأنا اهزم على نفسي أن لا ادخل يومي هذا ثم انصرف وقد وقع نحو ذلك لابن عمر فيما بعد فأنكره وازال ما أنكر ولم يرجع كما صنع أبو أيوب فروينا في كتاب الزهد لأحمد من طريق عبد الله بن عتبة قال دخل بن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور فقال بن عمر يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك ثم قال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ليهتك كل رجل ما يليه وأخرج بن وهب ومن طريقه البيهقي أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر دعي لعرس فرأى البيت قد ستر فرجع فسئل فذكر قصة أبي أيوب ثم ذكر المصنف حديث عائشة في الصور وسيأتي شرحه وبيان حكم الصور مستوفى في كتاب اللباس وموضع الترجمة منه قولها قام على الباب فلم يدخل قال بن بطال فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك من إظهار الرضا بها ونقل مذاهب القدماء في ذلك وحاصله أن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس وأن لم يقدر فليرجع وأن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع ومما يؤيد ذلك ما وقع في قصة بن عمر من اختلاف الصحابة في دخول البيت الذي سترت جدره ولو كان حراما ما قعد الذين قعدوا ولا فعله بن عمر فيحمل فعل أبي أيوب على كراهة التنزيه جمعا بين الفعلين ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين لم ينكروا كانوا يرون الإباحة وقد فصل العلماء ذلك على ما أشرت إليه قالوا أن كان لهوا مما اختلف فيه فيجوز الحضور والأولى الترك وأن كان حراما كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لأجله فليحضر وأن لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته وأن كان الأولى أن لا يحضر قال البيهقي وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى العراقيون من أصحابه وقال صاحب الهداية من الحنفية لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يقتدي به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية وحكى عن أبي حنيفة أنه قعد وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به قال وهذا كله بعد الحضور فإن علم قبله لم تلزمه الإجابة والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر وصححه المراوزة فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج إلا إن خاف على نفسه من ذلك وعلى ذلك جرى الحنابلة وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر وإذا كان من أهل الهيئة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا حكاه بن بطال وغيره عن مالك ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين أخرجه الطبراني في الأوسط ويؤيده مع وجود الأمر المحرم ما أخرجه النسائي من حديث جابر مرفوعا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر وإسناده جيد وأخرجه الترمذي من وجه آخر فيه ضعف عن جابر وأبو داود من حديث بن عمر بسند فيه انقطاع وأحمد من حديث عمر وأما حكم ستر البيوت والجدران ففي جوازه اختلاف قديم وجزم جمهور الشافعية بالكراهة وصرح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم واحتج بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين وجذب الستر حتى هتكه أخرجه مسلم قال البيهقي هذه اللفظة تدل على كراهة ستر الجدار وأن كان في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة وقال غيره ليس في السياق ما يدل على التحريم وأنا فيه نفي الأمر لذلك ونفى الأمر لا يستلزم ثبوت النهي لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه وجاء النهي عن ستر الجدر صريحا منها في حديث بن عباس عند أبي داود وغيره ولا سترتوا الجدر بالثياب وفي إسناده ضعف وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين أخرجه بن وهب ثم البيهقي من طريقه وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا أنه أنكر ستر البيت وقال امحموم بيتكم أو تحولت الكعبة عندكم قال لا أدخله حتى يهتك وتقدم قريبا خبر أبي أيوب وابن عمر في ذلك وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه كيف بكم إذا سترتم بيوتكم الحديث وأصله في النسائي

قوله باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس أي بنفسها ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة عرس أبي أسيد وترجم عليه في الذي بعده النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس وتقدم قبل أبواب في إجابة الدعوة

[ 4887 ] قوله عن سهل في الرواية التي بعدها سمعت سهل بن سعد قوله لما عرس كذا وقع بتشديد الراء وقد أنكره الجوهري فقال اعرس ولا تقل عرس قوله أبو أسيد في الرواية الماضية دعا أبو أسيد النبي صلى الله عليه وسلم في عرسه وزاد في هذه الرواية وأصحابه ولم يقع ذلك في الروايتين الأخريين قوله فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم الا امرأته أم اسيد بضم الهمزة وهي ممن وافقت كنيتها كنية زوجها واسمها سلامة بنت وهيب قوله بلت تمرات بموحدة ثم لام ثقيلة أي انقعت كما في الرواية الت بعدها وإنما ضبطته لأني رأيته في شرح بن التين ثلاث بلفظ العدد وهو تصحيف وزاد في الرواية التي بعدها فقالت أو قال كذا بالشك لغير الكشميهني وله فقالت أو ما تدرون بالجزم وتقدم في الرواية الماضية قال سهل وهي المعتمدة فالحديث من رواية سهل وليس لأم أسيد فيه رواية وعلى هذا فقوله أتدرون ما انقعت يكون بفتح العين وسكون التاء في الموضعين وعلى رواية الكشميهني يكون بسكون العين وضم التاء قوله في تور بالمثناة إناء يكون من نحاس وغيره وقد بين هنا أنه كان من حجارة قوله اماثته بمثلثة ثم مثناة قال بن التين كذا وقع رباعيا وأهل اللغة يقولونه ثلاثيا ماثته بغير ألف أي مرسته بيدها يقال ماثه يموثه ويميثه بالواو وبالياء وقال الخليل مثت الملح في الماء ميثا اذبته وقد انماث هو اه وقد أثبت الهروي اللغتين ماثه وأماثه ثلاثيا ورباعيا قوله تحفة بذلك كذا للمستملي والسرخسي تحفة بوزن لقمة وللأصيلي مثله وعنه بوزن تخصه وهو كذلك لابن السكن بالخاء والصاد الثقيلة وكذا هو لمسلم وفي رواية الكشميهني اتحفته بذلك وفي رواية النسفي تتحفه بذلك وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك وشرب ما لا يسكر في الوليمة وفيه جواز إيثار كبير القوم في الوليمة بشيء دون من معه

قوله باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس تقدم في الذي قبله وقوله الذي لا يسكر استنبطه من قرب العهد بالنقع لقوله انقعته من الليل لأنه في مثل هذه المدة من اثناء الليل إلى اثناء النهار لا يتخمر وإذا لم يتخمر لم يسكر

قوله باب المداراة هو بغير همز بمعنى المجاملة والملاينة وأما بالهمز فمعناه المدافعة وليس مرادا هنا وقوله مع النساء وقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما المرأة كالضلع أورده في الباب عن أبي هريرة بلفظ المرأة كالضلع وقد أخرجه الإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ إنما في أوله وذلك أن البخاري قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله وهو الأويسي قال حدثني مالك أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد ومن طريق إسحاق بن إبراهيم بن سويد عن الأويسي كلاهما عن مالك وأوله إنما وكذا أخرجه الدارقطني من طريق أبي إسماعيل الترمذي عن الأويسي وأخرجه من طريق خالد بن مخلد وأوله أن المرأة وكذا أخرجه مسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد بلفظ أن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة

[ 4889 ] قوله عن أبي الزناد عن الأعرج في رواية سعيد بن داود عند الدارقطني في الغرائب عن مالك أخبرني أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز وهو الأعرج أخبره أنه سمع أبا هريرة وساق المتن بنحو لفظ سفيان لكن قال على خليقة واحدة إنما هي كالضلع الحديث ووقع لنا بلفظ المداراة من حديث سمة رفعه خلقت المرأة من ضلع فإن تقمها تكسرها فدارها تعش بها أخرجه بن حبان والحاكم والطبراني في الأوسط وقوله وفيها عوج بكسر العين وفتح الواو بعدها جيم للأكثر وبالفتح لبعضهم وقال أهل اللغة الموج بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبهه وبالكسر ما كان في بساط أو أرض أو معاش أو دين ونقل بن قرقول عن أهل اللغة أن الفتح في الشخص المرئي والكسر فيما ليس بمرئي وقال القرطبي بالفتح في الأجسام وبالكسر في المعاني وهو نحو الذي قبله وانفرد أبو عمرو الشيباني فقال كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح

قوله باب الوصاة بالنساء بفتح الواو والصاد المهملة مقصور وهي لغة في الوصية كما تقدم وفي بعض الروايات الوصاية

[ 4890 ] قوله عن ميسرة هو بن عمار الأشجعي وقد تقدم ذكره في بدء الخلق وأبو حازم هو الأشجعي سلمان مولى عزة بمهملة مفتوحة ثم زاي ثقيلة قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيرا الحديث هما حديثان يأتي شرح الأول منهما في كتاب الأدب وقداخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حسين بن علي الجعفي شيخ شيخ البخاري فيه فلم يذكر الحديث الأول وذكر بدله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد امرؤ فليتكلم بخير أو ليسكت والذي يظهر أنها أحاديث كانت عند حسين الجعفي عن زائدة بهذا الإسناد فربما جمع وربما أفرد وربما استوعب وربما اقتصر وقد تقدم في بدء الخلق من وجه آخر عن حسين بن علي مقتصرا على الثاني وكذا أخرجه النسائي عن القاسم بن زكريا عن حسين بن علي أخرجه الإسماعيلي عن بن يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل عن حسين بن علي بالأحاديث الثلاثة وزاد ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن قرى ضيفه الحديث قوله فإنهن خلقن من ضلع بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وقد تسكن وكأن فيه إشارة إلى ما أخرجه بن إسحاق في المبتدأ عن بن عباس أن حواء خلقت من ضلع آدم الاقصر الأيسر وهو نائم وكذا أخرجه بن أبي حازم وغيره من حديث مجاهد وأغرب النووي فعزاه للفقهاء أو بعضهم فكان المعنى أن النساء خلقن من أصل خلق من شيء معوج وهذا لا يخالف الحديث الماضي من تشبيه المرأة بالضلع بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه وإنها عوجاء مثله لكون أصلها منه وقد تقدم شيء من ذلك في كتاب بدء الخلق قوله وأن اعوج شيء في الضلع أعلاه ذكر ذلك تأكيدا لمعنى الكسر لأن الإقامة أمرها أظهر في الجهة العليا أو إشارة إلى أنها خلقت من اعوج أجزاء الضلع مبالغة في اثبات هذه الصفة لهن ويحتمل أن يكون ضرب ذلك مثلا لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل منه الأذى واستعمل اعوج وأن كان من العيوب لأنه أفعل للصفة وأنه شاذ وإنما يمتنع عند الالتباس بالصفة فإذا تميز عنه بالقرينة جاز البناء قوله فإن ذهبت تقيمه كسرته الضمير للضلع لا لأعلى الضلع وفي الرواية التي قبله أن أقمتها كسرتها والضمير أيضا للضلع وهو يذكر ويؤنث ويحتمل أن يكون للمرأة ويؤيده قوله بعده وأن استمتعت بها ويحتمل أن يكون المراد بكسره الطلاق وقد وقع ذلك صريحا في رواية سفيان عن أبي الزناد عند مسلم وأن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها قوله وأن تركته لم يزل اعوج أي وأن لم تقمه وقوله فاستوصوا أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها قاله البيضاوي والحامل على هذا التقدير أن الاستيصاء استفعال وظاهره طلب الوصية وليس هو المراد وقد تقدم له توجيهات أخر في بدء الخلق قوله بالنساء خيرا كأن فيه رمزا إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه وإلى هذا أشار المؤلف باتباعه بالترجمة التي بعده باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا فيؤخذ منه أن لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستماله النفوس وتألف القلوب وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فإنه الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه فكأنه قال الاستمتاع بها لا يتم الا بالصبر عليها

[ 4891 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري قوله عن عبد الله بن دينار قوله كنا نتقي أي نتجنب وقد بين سبب ذلك بقوله هيبة أن ينزل فينا شيء أي من القرآن ووقع صريحا في رواية بن مهدي عن الثوري عند بن ماجة وقوله فلما توفي يشعر بأن الذي كانوا يتركونه كان من المباح لكن الذي يدخل تحت البراءة الأصلية فكانوا يخافون أن ينزل في ذلك منع أو تحريم وبعد الوفاة النبوية آمنوا ذلك ففعلوه تمسكا بالبراءة الأصلية

قوله باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا تقدم تفسيرها في تفسير سورة التحريم وأورد فيه حديث بن عمر كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ومطابقته ظاهرة لأن أهل المرء ونفسه من جملة رعيته وهو مسئول عنهم لأنه أمر أن يحرص على وقايتهم من النار وامتثال أوامر الله واجتناب مناهيه وسيأتي شرح الحديث في أول كتاب الأحكام مستوفي إن شاء الله تعالى

قوله باب حسن المعاشرة مع الأهل قال بن المنير نبه بهذه الترجمة على أن إيراد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحكاية يعني حديث أم زرع ليس خليا عن فائدة شرعية وهي الإحسان في معاشرة الأهل قلت وليس فيما ساقه البخاري التصريح بان النبي صلى الله عليه وسلم أورد الحكاية وسيأتي بيان الاختلاف في رفعه ووقفه وليست الفائدة من الحديث محصورة فيما ذكر بل سيأتي له فوائد أخرى منها ما ترجم عليه النسائي والترمذي وقد شرح حديث أم زرع إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري روينا ذلك في جزء إبراهيم بن ديزيل الحافظ من روايته عنه وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث وذكر أنه نقل عن عدة من أهل العلم لا يحفظ عددهم وتعقب عليه فيه مواضع أبو سعيد الضرير النيسابوري وأبو محمد بن قتيبة كل منهما في تأليف مفرد والخطابي في شرح البخاري وثابت بن قاسم وشرحه أيضا الزبير بن بكار ثم أحمد بن عبيد بن ناصح ثم أبو بكر بن الأنباري ثم إسحاق الكاذي في جزء مفرد وذكر أنه جمعه عن يعقوب بن السكيت وعن أبي عبيدة وعن غيرهما ثم أبو القاسم عبد الحكيم بن حبان المصري ثم الزمخشري في الفائق ثم القاضي عياض وهو أجمعها وأوسعها وأخذ منه غالب الشراح بعده وقد لخصت جميع ما ذكروه

[ 4893 ] قوله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن في رواية أبي ذر حدثني وهو المعروف بابن بنت شرحبيل الدمشقي وعلى بن حجر بضم المهملة وسكون الجيم وعيسى بن يونس أي بن أبي إسحاق السبيعي ووقع منسوبا كذلك عن الإسماعيلي قوله حدثنا هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة في رواية مسلم وأبي يعلى عن أحمد بن جناب بجيم ونون خفيفة عن عيسى بن يونس عن هشام أخبرني أخي عبد الله بن عروة وهذا من نوادر ما وقع لهشام بن عروة في حديثه عن أبيه حيث ادخل بينهما أخا له واسطة ومثله ما سيأتي في اللباس من طريق وهيب عن هشام بن عروة عن أخيه عثمان عن عروة ومضت له في رواية بواسطة اثنين بينه وبين أبيه ولم يختلف علي عيسى بن يونس في إسناده وسياقه لكن حكى عياض عن أحمد بن داود الحراني أنه رواه عن عيسى فقال في أوله عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وساقه بطوله مرفوعا كله وكذا حكاه أبو عبيد أنه بلغه عن عيسى بن يونس وتابع عيسى بن يونس على رواية مفصلا فيما حكاه الخطيب سويد بن عبد العزيز وكذا سعيد بن سلمة عن أبي الحسام كلاهما عن هشام وستأتي روايته تعليقا وأذكر من وصلها عند الفراغ من شرح الحديث وخالفهم الهيثم بن عدي فيما أخرجه الدارقطني في الجزء الثاني من الأفراد فرواه عن هشام بن عروة عن أخيه يحيى بن عروة عن أبيه وخطأه الدارقطني في العلل وصوب أنه عبد الله بن عروة وقال عقبة بن خالد وعباد بن منصور وروايتهما عند النسائي والدراوردي وعبد الله بن مصعب وروايتهما عند الزبير بن بكار وأبو أويس فيما أخرجه ابنه عنه وعبد الرحمن بن أبي الزناد وروايته عند الطبراني وأبو معاوية وروايته عند أبي عوانة في صحيحه كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه بغير واسطة وأدخل بينهما واسطة أيضا عقبة بن خالد أيضا فرواه عن هشام بن عروة عن يزيد بن رومان عن عروة لكن اقتصر على المرفوع وبين ذلك البزار قال الدارقطني وليس ذلك بمدفوع فقد رواه أبو أويس أيضا وإبراهيم بن أبي يحيى عن يزيد بن رومان اه ورواه عن عروة أيضا حفيده عمر بن عبد الله بن عروة وأبو الزناد وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الا أنه كان يقتصر على المرفوع منه وينكر على هشام بن عروة سياقه بطوله ويقول إنما كان عروة يحدثنا بذلك في السفر بقطعة منه ذكره أبو عبيد الآجري في اسئلته عن أبي داود قلت ولعل هذا هو السبب في ترك أحمد تخريجه في مسنده مع كبره وقد حدث به الطبراني عن عبد الله بن أحمد لكن عن غير أبيه وقال العقيلي قال أبو الأسود لم يرفعه الا هشام بن عروة قلت المرفوع منه في الصحيحين كنت لك كأبي زرع لام زرع وباقيه من قول عائشة وجاء خارج الصحيح مرفوعا كله من رواية عباد بن منصور عند النسائي وساقه بسياق لا يقبل التأويل ولفظه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت لك كأبي زرع لأم زرع قالت عائشة بأبي وأمي يا رسول الله ومن كان أبو زرع قال اجتمع نساء فساق الحديث كله وجاء مرفوعا أيضا من رواية عبد الله بن مصعب والدراوردي عند الزبير بن بكار وكذا رواه أبو معشر عن هشام وغيره من أهل المدينة عن عروة وهي رواية الهيثم بن عدي أيضا وكذا أخرجه النسائي من رواية القاسم بن عبد الواحد عن عمر بن عبد الله بن عروة وقد قدمت ذكر رواية أحمد بن داود عن عيسى بن يونس كذلك قال عياض وكذا ظاهر رواية حنبل بن إسحاق عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة بسنده المتقدم فإن أوله عنده قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت لك كأبي زرع لام زرع ثم أنشأ يحدث حديث أم زرع قال عياض يحتمل أن يكون فاعل أنشأ هو عروة فلا يكون مرفوعا وأخذ القرطبي هذا الاحتمال فجزم به وزعم أن ما عداه وهم وسبقه إلى ذلك بن الجوزي لكن يعكر عليه أن في بعض طرقه الصحيحة ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث وذلك في رواية القاسم بن عبد الواحد التي أشرت إليها ولفظه كنت لك كأبي زرع لام زرع ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فانتفي الاحتمال ويقوى رفع جميعه أن التشبيه المتفق على رفعه يقتضي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سمع القصة وعرفها فأقرها فيكون كله مرفوعا من هذه الحيثية ويكون المراد بقول الدارقطني والخطيب وغيرهما من النقاد أن المرفوع منه ما ثبت في الصحيحين والباقي موقوف من قول عائشة هو أن الذي تلفظ به النبي صلى الله وسلم لما سمع القصة من عائشة هو التشبيه فقط ولم يريدوا أنه ليس بمرفوع حكما ويكون من عكس ذلك فنسب قص القصة من ابتدائها إلى انتهائها إلي النبي صلى الله عليه وسلم واهما كما سيأتي بيانه قوله جلس إحدى عشرة قال بن التين التقدير جلس جماعة إحدى عشرة وهو مثل وقال نسوة في المدينة وفي رواية أبي عوانة جلست وفي رواية أبي على الطبري في مسلم جلسن بالنون وفي رواية للنسائي اجتمع وفي رواية أبي عبيد اجتمعت وفي رواية أبي يعلى اجتمعن قال القرطبي زيادة النون على لغة اكلوني البراغيث وقد أثبتها جماعة من أئمة العربية واستشهدوا لها بقوله تعالى واسروا النجوى الذين ظلموا وقوله تعالى فعموا وصموا كثير منهم وحديث يتعاقبون فيكم ملائكة وقول الشاعر بحوران يعصرون السليط أقاربه وقوله يلومونني في اشتراء النخيل قومي فكلهم يعذل وقد تكلف بعض النحاة رد هذه اللغة إلى اللغة المشهورة وهي أن لا يلحق علامة الجمع ولا التثنية ولا التأنيث في الفعل إذا تقدم على الأسماء وخرج لها وجوها وتقديرات في غالبها نظر ولا يحتاج إلى ذلك بعد ثبوتها نقلا وصحتها استعمالا والله أعلم وقال عياض الأشهر ما وقع في الصحيحين وهو توحيد الفعل مع الجمع قال سيبويه حذف اكتفاء بما ظهر تقول مثلا قام قومك فلو تقدم الاسم لم يحذف فتقول قومك قام بل قاموا ومما يوجه ما وقع هنا أن يكون إحدى عشرة بدلا من الضمير في اجتمعن والنون على هذا ضمير لا حرف علامة أو على أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل من هن فقيل إحدى عشرة أو بإضمار أعني وذكر عياض أن في بعض الروايات إحدى عشرة نسوة قال فإن كان بالنصب أحتاج إلى إضمار أعني أو بالرفع فهو بدل من إحدى عشرة ومنه قوله تعالى وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا قال الفارسي هو بدل من قطعناهم وليس بتمييز اه وقد جوز غيره أن يكون تمييزا بتأويل يطول شرحه ووقع لهذا الحديث سبب عند انسائي من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لام زرع ووقع له سبب آخر فيما أخرجه أبو القاسم عبد الحكيم بن حبان بسند له مرسل من طريق سعيد بن عفير عن القاسم بن الحسن عن عمرو بن الحارث عن الأسود بن جبر المغاري قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وفاطمة وقد جرى بينهما كلام فقال ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي أن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع فقالت يا رسول الله حدثنا عنهما فقال كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة وكان الرجال خلوفا فقلن تعالين نتذاكر ازواجنا بما فيهم ولا نكذب ووقع في رواية أبي معاوية عن هشام بن عروة عند أبي عوانة في صحيحه بلفظ كان رجل يكنى أبا زرع وامرأته أم زرع فتقول أحسن لي أبو زرع وأعطاني أبو زرع واكرمني أبو زرع وفعل بي أبو زرع ووقع في رواية الزبير بن بكار دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي بعض نسائه فقال يخصني بذلك يا عائشة أنا لك كأبي زرع لام زرع قلت يا رسول الله ما حديث أبي زرع وأم زرع قال أن قرية من قرى اليمن كان بها بطن من بطون اليمن وكان منهن إحدى عشرة امرأة وإنهن خرجن إلى مجلس فقلن تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب فيستفاد من هذه الرواية معرفة جهة قبيلتهن وبلادهن لكن وقع في رواية الهيثم انهن كن بمكة وأفاد أبو محمد بن حزم فيما نقله عياض انه نكن من خثعم وهو يوافق رواية الزبير انهن من أهل اليمن ووقع في رواية بن أبي أويس عن أبيه انهن كن في الجاهلية وكذا عند النسائي في رواية عقبة بن خالد عن هشام وحكى عياض ثم النووي قول الخطيب في المبهمات لا أعلم أحدا سمي النسوة المذكورات في حديث أم زرع الا من الطريق الذي أذكره وهو غريب جدا ثم ساقه من طريق الزبير بن بكار قلت وقد ساقه أيضا أبو القاسم عبد الحكيم المذكور من الطريق المرسلة التي قدمت ذكرها فإنه ساقه من طريق الزبير بن بكار بسنده ثم ساقه من الطريق المرسلة وقال فذكر الحديث نحوه وسمي بن دريد في الوشاح أم زرع عاتكة ثم قال النووي وفيه يعني سياق الزبير بن بكار أن الثانية اسمها عمرة بنت عمرو واسم الثالثة حبى بضم المهملة وتشديد الموحدة مقصور بنت كعب والرابعة مهدد بنت أبي هزومة والخامسة كبشة والسادسة هند والسابعة حبى بنت علقمة والثامنة بنت أوس بن عبد والعاشرة كبشة بنت الأرقم اه ولم يسم الأولى ولا التاسعة ولا أزواجهن ولا ابنة أبي زرع ولا أمه ولا الجارية ولا المرأة التي تزوجها أبو زر ولا الرجل الذي تزوجته أم زرع وقد تبعه جماعة من الشراح بعده وكلامهم يوهم أن ترتيبهن في رواية الزبير كترتيب رواية الصحيحين وليس كذلك فإن الأولى عند الزبير وهي التي لم يسمها هي الرابعة هنا والثانية في رواية الزبير هي الثامنة هنا والثالثة عند الزبير هي العاشرة هنا والرابعة عند الزبير هي الأولى هنا والخامسة عنده هي التاسعة هنا والسادسة عنده هي السابعة هنا والسابعة عنده هي الخامسة هنا والثامنة عنده هي السادسة هنا والتاسعة عنده هي الثانية هنا والعاشرة عنده هي الثالثة هنا وقد اختلف كثير من رواة الحديث في ترتيبهن ولا ضير في ذلك ولا أثر للتقديم والتأخير فيه إذ لم يقع تسميتهن نعم في رواية سعيد بن سلمة مناسبة وهي سياق الخمسة اللاتي ذممن أزواجهن على حدة والخمسة اللاتي مدحن أزواجهن على حدة وسأشير إلى ترتيبهن في الكلام على قول السادسة هنا وقد أشار إلى ذلك في قول عروة عند ذكر الخامسة فهؤلاء خمس يشكون وإنما نبهت على رواية الزبير بخصوصها لما فيها من التسمية مع المخالفة في سياق الاعداد فيظن من لم يقف على حقيقة ذلك أن الثانية التي سميت عمرة بنت عمرو هي التي قالت زوجي لا أبث خبره وليس كذلك بل هي التي قالت زوجي المس مس ارنب وهكذا الخ فللتنبيه عليه فائدة من هذه الحيثية قوله فتعاهدن وتعاقدن أي ألزمن أنفسهن عهدا وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقدا قوله أن لا يكتمن في رواية بن أبي أويس وعقبة أن يتصادقن بينهن ولا يكتمن وفي رواية سعيد بن سلمة عند الطبراني أن ينعتن أزواجهن ويصدقن وفي رواية الزبير فتبايعن على ذلك قوله قالت الأولى زوجي لحم جمل غث بفتح المعجمة وتشديد المثلثة ويجوز جره صفة للجمل ورفعه صفة للحم قال بن الجوزي المشهور في الرواية الخفض وقال بن ناصر الجيد الرفع ونقله عن التبريزي وغيره والغث الهزيل الذي يستغث من هزاله أي يستترك ويستكره مأخوذ من قولهم غث الجرح غثا وغثيثا إذا سأل منه القيح واستغثه صاحبه ومنه اغث الحديث ومنه غث فلان في خلقه وكثر استعماله في مقابلة السمين فيقال للحديث المختلط فيه الغث والسمين قوله على رأس جبل في رواية أبي عبيد والترمذي وعر وفي رواية الزبير بن بكار وعث وهي اوفق للسجع والأول ظاهر أي كثير الضجر شديد الغلظة يصعب الرقي إليه والوعث بالمثلثة الصعب المرتقي بحيث توحل فيه الأقدام فلا يتخلص منه ويشق فيه المشي ومنه وعثاء السفر قوله لا سهل بالفتح بلا تنوين وكذا ولا سمين ويجوز فيهما الرفع على خبر مبتدأ مضمر أي لا هو سهل ولا سمين ويجوز الجر على إنهما صفة جمل وجبل ووقع في رواية عقبة بن خالد عن هشام عند النسائي بالنصب منونا فيهما لا سهلا ولا سمينا وفي رواية عمر بن عبد الله بن عروة عنده لا بالسمين ولا بالسهل قال عياض أحسن الأوجه عندي الرفع في الكلمتين من جهة سياق الكلام وتصحيح المعنى لا من جهة تقويم اللفظ وذلك أنها أودعت كلامها تشبيه شيئين بشيئين شبهت زوجها باللحم الغث وشبهت سوء خلقه بالجبل الوعر ثم فسرت ما اجملت فكأنها قالت لا الجبل سهلا فلا يشق ارتقاؤه لاخذ اللحم ولو كان هزيلا لأن الشيء المزهود فيه أن يؤخذ إذا وجد بغير نصب ثم قالت ولا اللحم سمين فيتحمل المشقة في صعود الجبل لأجل تحصيله قوله فيرتقي أي فيصعد فيه وهو وصف للجبل وفي رواية للطبراني لا سهل فيرتقي إليه قوله ولا سمين فينتقل في رواية أبي عبيد فينتقي وهذا وصف اللحم والأول من الانتقال أي أنه لهزاله لا يرغب أحد فيه فينتقل إليه يقال انتقلت الشيء أي نقلته ومعنى ينتقي ليس له نقي يستخرج والنقى المخ يقال نقوت العظم ونقيته وأنتقيته إذا استخرجت مخه وقد كثر استعماله في اختيار الجيد من الرديء قال عياض أرادت أنه ليس له نقي فطلب لأجل ما فيه من النقي وليس المراد أنه فيه نقي يطلب استخراجه قالوا آخر ما يبقى في الجمل مخ عظم المفاصل ومخ العين وإذا نفدا لم يبق فيه خير قالوا وصفته بقلة الخير وبعده مع القلة فشبهته باللحم الذي صغرت عظامه من النقي وخبث طعمه وريحه مع كونه في مرتقى يشق الوصول إليه فلا يرغب أحدا في طلبه لينقله إليه مع توفر دواعي أكثر الناس على تناول الشيء المبذول مجانا وقال النووي فسره الجمهور بأنه قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن مثلا ومنها أنه مع ذلك مهزول رديء ويؤيده قول أبي سعيد الضرير ليس في اللحوم أشد غثاثة من لحم الجمل لأنه يجمع خبث الطعم وخبث الريح ومنه أنه صعب التناول لا يوصل إليه الا بمشقة شديدة وذهب الخطابي إلى أن تشبيهها بالجبل الوعر إشارة إلى سوء خلقة وأنه يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها في فيجمع البخل وسوء الخلق وقال عياض شبهت وعورة خلقه بالجبل وبعد خيره ببعد اللحم على رأس الجبل والزهد فيما يرجى منه مع قلته وتعذره بالزهد في لحم الجمل الهزيل فأعطت التشبيه حقه ووفته قسطه قوله قالت الثانية زوجي لا أبث خبره بالموحدة ثم المثلثة وفي رواية حكاها عياض انث بالنون بدل الموحدة أي لا أظهر حديثه وعلى رواية النون فمرادها حديثه الذي لا خير فيه لأن النث بالنون أكثر ما يستعمل في الشر ووقع في رواية للطبراني لا أنم بنون وميم من النميمة قوله إني أخاف أن لا أذره أي أخاف أن لا أترك من خبره شيئا فالضمير للخبر أي أنه لطوله وكثرته أن بدأته لم أقدر على تكميله فاكتفت بالاشار إلى معيابه خشية أن يطول الخطب بإيراد جميعها ووقع في رواية عباد بن منصور عند النسائي أخشى أن لا أذره من سوء وهذا تفسير بن السكيت ويؤيده أن في رواية عقبة بن خالد أني أخاف أن لا أذره أذكره وأذكر عجره وبجره وقال غيره الضمير لزوجها وعليه يعود ضمير عجره وبجره بلا شك كأنها خشيت إذا ذكرت ما فيه أن يبلغه فيفارقها فكأنها قالت أخاف أن لا أقدر على تركه لعلاقتي به وأولادي منه وأذره بمعنى أفارقه فاكتفت بالإشارة إلى أنه له معايب وفاء بما التزمته من الصدق وسكتت عن تفسيرها للمعنى الذي اعتذرت به ووقع في رواية الزبير زوجي من لا أذكره ولا أبث خبره والأول أليق بالسجع قوله عجره وبجره بضم أوله وفتح الجيم فيهما الأول بعين مهملة والثاني بموحدة جمع عجرة وبجرة بضم ثم سكون فالعجر تعقد العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة والبجر مثلها الا أنها مختصة بالتي تكون في البطن قاله الأصمعي وغيره وقال بن الأعرابي العجرة نفخة في الظهر والبجرة نفخة في السرة وقال بن أبي أويس العجر العقد التي تكون في البطن واللسان والبجر العيوب وقيل العجر في الجنب والبطن والبجر في السرة هذا أصلهما ثم استعملا في الهموم والاحزان ومنه قول علي يوم الجمل اشكو إلى الله عجري وبجري وقال الأصمعي استعملا في المعايب وبه جزم بن حبيب وأبو عبيد الهروي وقال أبو عبيد بن سلام ثم بن السكيت استعملا فيما يكتمه المر ويخفيه عن غيره وبه جزم المبرد قال الخطاب أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة قال ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن وقال أبو سعيد الضرير عنت أن زوجها كثير المعايب متعقد النفس عن المكارم وقال الأخفش العجر العقد تكون في سائر البدن والبجر تكون في القلب وقال بن فارس يقال في المثل افضيت إليه بعجري وبجري أي بأمري كله قوله قالت الثالثة زوجي العشنق بفتح المهملة ثم المعجمة وتشديد النون المفتوحة وآخره قاف قال أبو عبيد وجماعة هو الطويل زاد الثعالبي المذموم الطول وقال الخليل هو الطويل العنق وقال بن أبي أويس الصقر من الرجال المقدام الجريء وحكى بن الأنباري عن بن قتيبة انه قال هو القصير ثم قال كأنه عنده من الأضداد قال ولم أره لغيره انتهى والذي يظهر أنه تصحف عليه بما قال بن أبي أويس قاله عياض وقد قال بن حبيب هو المقدام على ما يريد الشرس في أموره وقيل السيء الخلق وقال الأصمعي أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع وقال غيره هو المستكره الطول وقيل ذمته بالطول لأن الطول في الغالب دليل السفه وعلل ببعد الدماغ عن القلب وأغرب من قال مدحته بالطول لأن العرب تتمدح بذلك وتعقب بأن سياقها يقتضي أنها ذمته وأجاب عنه بن الأنباري باحتمال أن تكون أرادت مدح خلقه وذم خلقه فكأنها قالت له منظر بلا مخبر وهو محتمل وقال أبو سعيد الضرير الصحيح أن العشنق الطويل النجيب الذي يملك أمر نفسه ولا تحكم النساء فيه بل يحكم فيهن بما شاء فزوجته تهابه أن تنطق بحضرته فهي تسكت على مضض قال الزمخشري وهي من الشكاية البليغة انتهى ويؤيده ما وقع في رواية يعقوب بن السكيت من الزيادة في آخره وهو على حد السنان المذلق بفتح المعجمة وتشديد اللام أي المجرد بوزنه ومعناه تشير إلى أنها منه على حذر ويحتمل أن تكون أرادت بهذا أنه أهوج لا يستقر على حال كالسنان الشديدة الحدة قوله ان أنطق أطلق وأن اسكت اعلق أي أن ذكرت عيوبه فيبلغه طلقني وأن سكت عنها فأنا عنده معلقة لا ذات زوج ولا أيم كما وقع في تفسير قوله تعالى فتذروها كالمعلقة فكأنها قالت أنا عنده لا ذات بعل فأنتفع به ولا مطلقة فاتفرغ لغيره فهمي كالمعلقة بين العلو والسفل لا تستقر بأحدهما هكذا توارد عليه أكثر الشراح تبعا لأبي عبيد وفي الشق الثاني عندي نظر لأنه لو كان ذلك مرادها لانطلقت ليطلقها فتستريح والذي يظهر لي أيضا أنها أرادت وصف سوء حالها عنده فأشارت إلى سوء خلقه وعدم احتماله لكلامها أن شكت له حالها وإنها تعلم أنهى متى ذكرت له شيئا من ذلك بادر إلى طلاقها وهي لا تؤثر تطليقه لمحبتها فيه ثم عبرت بالجملة الثانية إشارة إلى أنها أن سكتت صابرة على تلك الحال كانت عنده كالمعلقة التي لا ذات زوج ولا ايم ويحتمل أن يكون قولها اعلق مشتقا من علاقة الحب أو من علاقة الوصلة أي أن نطقت طلقني وأن سكت استمر لي زوجة وأنا لا أوثر تطليقه لي فلذلك اسكت قال عياض أوضحت بقولها على حد السنان المذلق مرادها بقولها قبل أن اسكت اعلق وأن أنطق أطلق أي أنها أن حادت عن السنان سقطت فهلكت وأن استمرت عليه أهلكها قوله قالت الرابعة زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة بالفتح بغير تنوين مبنية مع لا على الفتح وجاء الرفع مع التنوين فيها وهي رواية أبي عبيد قال أبو البقاء وكأنه أشبع بالمعنى أي ليس في حر فهو اسم ليس وخبرها محذوف قال ويقويه ما وقع من التكرير كذا قال وقد وقع في القراءات المشهورة البناء على الفتح في الجميع والرفع مع التوين وفتح البعض ورفع البعض وذلك في مثل قوله تعالى لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ومثل فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ووقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي ولا برد بدل ولا قر زاد في رواية الهيثم ولا خامة بالخاء المعجمة أي لا ثقل عنده تصف زوجها بذلك وأنه لين الجانب خفيف الوطأة على الصاحب ويحتمل أن يكون ذلك من بقية صفة الليل وفي رواية الزبير بن بكار والغيث غيث غمامة قال أبو عبيد أرادت أنه لا شر فيه يخاف وقال بن الأنباري أرادت بقولها ولا مخافة أي أن أهل تهامة لا يخافون لتحصنهم بجبالها أو أرادت وصف زوجها بأنه حامي الذمار مانع لداره وجاره ولا مخافة عند من يأوي إليه ثم وصفته بالجود وقال غيره قد ضربوا المثل بليل تهامة في الطيب لأنها بلاد حارة في غالب الزمان وليس فيها رياح باردة فإذا كان الليل كان وهج الحر ساكنا فيطيب الليل لأهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حر النهار فوصفت زوجها بجميل العشرة واعتدال الحال وسلامة الباطن فكأنها قالت لا أذى عنده ولا مكروه وأنا آمنة منه فلا أخاف من شره ولا ملل عنده فيسأم من عشرتي أو ليس بسيء الخلق فأسأم من عشرته فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل قوله قالت الخامسة زوجي أن دخل فهد وأن خرج أسد ولا يسأل عما عهد قال أبو عبيد فهد بفتح الفاء وكسر الهاء مشتق من الفهد وصفته بالغفلة عند دخول البيت على وجه المدح له وقال بن حبيب شبهته في لينه وغفلته بالفهد لأنه يوصف بالحياء وقلة الشر وكثرة النوم وقوله أسد بفتح الالف وكسر السين مشتق من الأسد أي يصير بين الناس مثل الأسد وقال بن السكيت تصفه بالنشاط في الغزو وقال بن أبي أويس معناه أن دخل البيت وثب علي وثوب الفهد وأن خرج كان في الأقدام مثل الأسد فعلى هذا يحتمل قوله وثب على المدح والذم فالأول تشير إلى كثرة جماعة لها إذا دخل فينطوي تحت ذلك تمدحها بأنها محبوبة لديه بحيث لا يصير عنها إذا رآها والذم أما من جهة أنه غليظ الطبع ليست عنده مداعبة ولا ملاعبة قبل المواقعة بل يثبت وثوبا كالوحش أو من جهة أنه كان سيء الخلق يبطش بها ويضربها وإذا خرج على الناس كان أمره أشد في الجرأة والاقدام والمهابة كالاسد قال عياض فيه مطابقة بين خرج ودخل لفظية وبين فهد وأسد معنوية ويسمى أيضا المقابلة وقولها ولا يسأل عما عهد يحتمل المدح والذم أيضا فالمدح بمعنى أنه شديد الكرم كثير التغاضي لا يتفقد ما ذهب من ماله وإذا جاء بشيء لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك أو لا يلتفت إلى ما يرى في البيت من المعايب بل يسامح ويغضي ويحتمل الذم بمعنى أنه غير مبال بحالها حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة وغاب ثم جاء لا يسأل عن شيء من ذلك ولا يتفقد حال أهله ولا بيته بل أن عرضت له بشيء من ذلك وثب عليها بالبطش والضرب وأكثر الشراح شرحوه على المدح فالتمثيل بالفهد من جهة كثرة التكرم أو الوثوب وبالاسد من جهة الشجاعة وبعدم السؤال من جهة المسامحة وقال عياض حمله الأكثر على الاشتقاق من خلق الفهد أما من جهة قوة وثوبه وأما من كثرة نومه ولهذا ضربوا المثل به فقالوا انوم من فهد قال ويحتمل أن يكون من جهة كثرة كسبه لأنهم قالوا في المثل أيضا اكسب من فهد وأصله أن الفهود الهرمة تجتمع على فهد منها فتي فيتصيد عليها كل يوم حتى يشبعها فكأنها قالت إذا دخل المنزل دخل معه بالكسب لأهله كما يجيء الفهد لمن يلوذ به من الفهود الهرمة ثم لما كان في وصفها له بخلق الفهد ما قد يحتمل الذم من جهة كثرة النوم رفعت اللبس بوصفها له بخلق الأسد فأفصحت أن الأول سجية كرم ونزاهة شمائل ومسامحة في العشرة لا سجية جبن وجور في الطبع قال عياض وقد قلب الوصف بعض الرواة يعني كما وقع في رواية الزبير بن بكار فقال إذا دخل أسد وإذا خرج فهد فإن كان محفوظا فمعناه أنه إذا خرج إلى مجلسه كان على غاية الرزانة والوقار وحسن السمت أو على الغاية من تحصيل الكسب وإذا دخل منزله كان متفضلا مواسيا لأن الأسد يوصف بأنه إذا افترس أكل من فريسته بعضا وترك الباقي لمن حوله من الوحوش ولم يهاوشهم عليها وزاد في رواية الزبير بن بكار في آخره ولا يرفع اليوم لغد يعني لا يدخر ما حصل عنده اليوم من أجل الغد فكنت بذلك عن غاية جوده ويحتمل أن يكون المراد أنه يأخذ بالحزم في جميع أموره فلا يؤخر ما يجب عمله اليوم إلى غده قوله قالت السادسة زوجي أن أكل لف وأن شرب اشتف وأن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي إذا أكل اقتف وفيه وإذا نام بدل اضجع وزاد وإذا ذبح اغتث أي تحرى الغث وهو الهزيل كما تقدم في شرح كلام الأولى وفي رواية الطبراني ولا يدخل بدل يولج وإذا رقد بدل اضطجع وفي رواية الترمذي والطبراني فيعلم بالفاء بدل اللام في رواية غيره والمراد باللف الإكثار منه واستقصاؤه حتى لا يترك منه شيئا وقال أبو عبيد الإكثار مع التخليط يقال لف الكتيبة بالأخرى إذا خلطها في الحرب ومنه اللفيف من الناس فأرادت أنه يخلط صنوف الطعام من نهمته وشرهه ثم لا يبقى منه شيئا وحكى عياض رواية من رواه رف بالراء بدل اللام قال وهي بمعناها ورواية من رواه اقتف بالقاف قال ومعناه التجميع قال الخليل قفاف كل شيء جماعة واستيعابه ومنه سميت القفة لجمعها ما وضع فيها والاشتفاف في الشرب استقصاؤه مأخوذ من الشفافة بالضم والتخفيف وهي البقية تبقى في الإناء فإذا شربها الذي شرب الإناء قيل اشتفها ومنهم من رواها بالمهملة وهي بمعناها وقوله التف أي رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله اعراضا فهي كئيبة حزينة لذلك ولذلك قالت ولا يولج الكف ليعلم البث أي لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله ويحتمل أن تكون أرادت أنه ينام نوم العاجز الفشل الكسل والمراد بالبث الحزن ويقال شدة الحزن ويطلق البث أيضا على الشكوى وعلى المرض وعلى الأمر الذي لا يصبر عليه فأرادت أنه لا يسأل عن الأمر الذي يقع اهتمامها به فوصفته بقلة الشفقة عليها وأنه أن لو رآها عليلة لم يدخل يده في ثوبها ليتفقد خبرها كعادة الاجانب فضلا عن الأزواج أو هو كناية عن ترك الملاعبة أو عن ترك الجماع كما سيأتي وقد اختلفوا في هذا فقال أبو عبيد كان في جسدها عيب فكان لا يدخل يده في ثوبها ليلمس ذلك العيب لئلا يشق عليها فمدحته بذلك وقد تعقبه كل من جاء بعده الا النادر وقالوا إنما شكت منه وذمته واستقصرت حظها منه ودل على ذلك قولها قبل وإذا اضطجع التف كأنها قالت أنه يتجنبها ولا يدنيها منه ولا يدخل يده في جنبها فيلمسها ولا يباشرها ولا يكون منه ما يكون من الرجال فيعلم بذلك محبتها له وحزنها لقلة حظها منه وقد جمعت في وصفها له بين اللؤم والبخل والهمة والمهانة وسوء العشرة مع أهله فإن العرب تذم بكثرة الأكل والشرب وتتمدح بقلتهما وبكثرة الجماع لدلالتها على صحة الذكورية والفحولية وانتصر بن الأنباري لأبي عبيد فقال لا مانع من أن تجمع المرأة بين مثالب زوجها ومناقبه لانهن كن تعاهدن أن لا يكتمن من صفاتهم شيئا فمنهن من وصفت زوجها بالخير في جميع أموره ومنهن من وصفته بضد ذلك ومنهن من جمعت وارتضى القرطبي هذا الانتصار واستدل عياض للجمهور بما وقع في رواية سعيد بن سلمة عن أبي الحسام ان عروة ذكر هذه في الخمس اللاتي يشكون أزواجهن فإنه ذكر في روايته الثلاث المذكورات هنا أولا على الولاء ثم السابعة المذكورة عقب هذا ثم السادسة هذه فهي خامسة عنده والسابعة رابعة قال ويؤيد أيضا قول الجمهور كثرة استعمال العرب لهذه الكناية عن ترك الجماع والملاعبة وقد سبق في فضائل القرآن في قصة عمرو بن العاص مع زوج ابنه عبد الله بن عمرو حيث سألها عن حالها مع زوجها فقال هو كخير الرجال من رجل لم يفتش لنا كنفا وسبق أيضا في حديث الإفك قول صفوان بن المعطل ما كشفت كنف أنثى قط فعبر عن الاشتغال بالنساء بكشف الكتف وهو الغطاء ويحتمل أن يكون معنى قوله ولا يولج الكف كناية عن ترك تفقده أمورها وما تهتم به من مصالحها وهو كقولهم لم يدخل يده في الأمر أي لم يشتغل به ولم يتفقده وهذا الذي ذكره احتمالا جزم بمعناه بن أبي أويس فإنه قال معناه لا ينظر في أمر أهله ولا يبالي أن يجوعوا وقال أحمد بن عبيد بن ناصح معناه لا يتفقد اموري ليعلم ما أكرهه فيزيله يقال ما أدخل يده في الأمر أي لم يتفقده قوله قالت السابعة زوجي غياياء أو عياياء كذا في الصحيحين بفتح المعجمة بعدها تحتانية خفيفة ثم أخرى بعد الألف الأولى والتي بعدها بمهملة وهو شك من راوي الخبر عيسى بن يونس وقد صرح بذلك أبو يعلى في روايته عن أحمد بن خباب عنه ووقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي غياياء بمعجمة بغير شك والغياياء الطباقاء الاحمق الذي ينطبق عليه أمره وقال أبو عبيد العياياء بالمهلمة الذي لا يضرب ولا يلقح من الإبل وبالمعجمة ليس بشيء والطباقاء الاحمق الفدم وقال بن فارس الطباقاء الذي لا يحسن الضراب فعلى هذا يكون تأكيدا لاختلاف اللفظ كقولهم بعدا وسحقا وقال الداودي قوله غياياء بالمعجمة مأخوذ من الغي بفتح المعجمة وبالمهملة مأخوذ من العي بكسر المهملة وقال أبو عبيد العياياء بالمهملة العي الذي تعيبه مباضعة النساء وأراه مبالغة من العي في ذلك وقال بن السكيت هو العي الذي لا يهتدي وقال عياض وغيره الغياياء بالمعجمة يحتمل أن يكون مشتقا من الغياية وهو كل شيء اظل الشخص فوق رأسه فكأنه مغطى عليه من جهله وهذا الذي ذكره احتمالا جزم به الزمخشري في الفائق وقال النووي قال عياض وغيره غياياء بالمعجمة صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما اظل الشخص ومعناه لا يهتدي إلى مسلك أو أنها وصفته بثقل الروح وأنه كالظل المتكاثف الظلمة الذي لا أشراق فيه أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره أو يكون غياياء من الغي وهو الانهماك في الشر أو من الغي الذي هو الخيبة قال تعالى فسوف يلقون غيا وقال بن الأعرابي الطباقاء المطبق عليه حمقا وقال بن دريد الذي تنطبق عليه أموره وعن الجاحظ الثقيل الصدر عند الجماع ينطبق صدره على صدر المرأة فيرتفع سفله عنها وقد ذمت امرأة أمرا القيس فقالت له ثقيل الصدر خفيف العجر سريع الاراقة بطيء الافاقة قال عياض ولا منافاة بين وصفها له بالعجز عند الجماع وبين وصفها بثقل الصدر فيه لاحتمال تنزيله على حالتين كل منهما مذموم أو يكون أطباق صدره من جملة عيبة وعجزه وتعاطيه ما لا قدرة له عليه لكن كل ذلك يرد على من فسر عياياء بأنه العنين وقولها كل داء له داء أي كل شيء تفرق في الناس من المعايب موجود فيه وقال الزمخشري يحتمل أن يكون قولها له داء خبرا لكل أي أن كل داء تفرق في الناس فهو فيه ويحتمل أن يكون له صفة لداء و داء خير لكل أي كل داء فيه في غاية التناهي كما يقال أن زيدا لزيد وأن هذا الفرس لفرس قال عياض وفيه من لطيف الوحي والإشارة الغاية لأنه انطوى تحت هذه الكلمة كلام كثير وقولها شجك بمعجمة أوله وجيم ثقيله أي جرحك في رأسك وجراحات الرأس تسمى شجاجا وقولها أو فلك بفاء ثم لام ثقيلة أي جرح جسدك ومنه قول الشاعر بهن فلول أي ثلم جمع ثلمة ويحتمل أن يكون المراد نزع منك كل ما عندك أو كسرك بسلاطه لسانه وشدة خصومته زاد بن السكيت في روايته أو بجك بموحدة ثم جيم أي طعنك في جراحتك فشقتها والبج شق القرحة وقيل هو الطعنة وقولها أو جمع كلالك وقع في رواية الزبير أن حدثته سبك وأن مازحته فلك وإلا جمع كلا لك وهي توضح أن أو في رواية الأصيلي للتقسيم لا للتخيير وقال الزمخشري يحتمل أن تكون أرادت أنه ضروب للنساء فإذا ضرب إما أن يكسر عظما أو يشج رأسها أو يجمعهما ويحتمل أن يريد بالفل الطرد والابعاد وبالشج الكسر عند الضرب وأن كان الشج إنما يستعمل فر جراحة الرأس قال عياض وصفته بالحمق والتناهي في سوء العشرة وجمع النقائص بان يعجز عن قضاء وطرها مع الأذى فإذا حدثته سبها وإذا مازحته شجها وإذا اغضبته كسر عضوا من أعضائها أو شق جلدها أو أغار على مالها أو جمع كل ذلك من الضرب والجرح وكسر العضو وموجع الكلام وأخذ المال قوله قالت الثامنة زوجي المس مس ارنب والريح ريح زرنب زاد الزبير في روايته وأنا اغلبه والناس يغلب وكذا في رواية عقبة عند النسائي وفي رواية عمر عنده وكذا الطبراني لكن بلفظ وتغلبه بنون الجمع والارنب دويبة لينة المس ناعمة الوبر جدا والزرنب بوزن الأرنب لكن أوله زاي وهو نبت طيب الريح وقيل هو شجرة عظيمة بالشام بجبل لبنان لا تثمر لها ورق بين الخضرة والصفرة كذا ذكره عياض واستنكره بن البيطار وغيره من أصحاب المفردات وقيل هو حشيشة دقيقة طيبة الرائحة وليست ببلاد العرب وأن كانوا ذكروها قال الشاعر يا بأبي أنت وفوك الاشنب كأنما ذر عليه الزرنب وقيل هو الزعفران وليس بشيء واللام في المس والريح نائبة عن الضمير أي مسه وريحه أو فيهما حذف تقديره الريح منه والمس منه كقولهم السمن منوان بدرهم وصفته بأنه لين الجسد ناعمه ويحتمل أن تكون كنت بذلك عن حسن خلقه ولين عريكته بأنه طيب العرق لكثرة نظافته واستعماله الطيب تظرفا ويحتمل أن تكون كنت بذلك عن طيب حديثه أو طيب الثناء عليه لجميل معاشرته وأما قولها وأنا اغلبه والناس يغلب فوصفته مع جميل عشرته لها وصبره عليها بالشجاعة وهو كما قال معاوية يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام قال عياض هذا من التشبيه بغير أداة وفيه حسن المناسبة والموازنة والتسجيع وأما قولها والناس يغلب ففيه نوع من البديع يسمى التنميم لأنها لو اقتصرت على قولها وأنا اغلبه لظن أنه جبان ضعيف فلما قالت والناس يغلب دل على أن غلبها إياه إنما هو من كرم سجاياه فتممت بهذه الكلمة المبالغة في حسن اوصافه قوله قالت التاسعة زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من الناد زاد الزبير بن بكار في روايته لا يشبع ليله يضاف ولا ينام ليلة يخاف وصفته بطول البيت وعلوه فإن بيوت الأشراف كذلك يعلونها ويضربونها في المواضع المرتفعة ليقصدهم الطارقون والوافدون فطول بيوتهم أما لزيادة شرفهم أو لطول قاماتهم وبيوت غيرهم قصار وقد لهج الشعراء بمدح الأول وذم الثاني كقوله قصار البيوت لا ترى صهواتها وقال آخر إذا دخلوا بيوتهم اكبوا على الركبات من قصر العماد ومن لازم طول البيت أن يكون متسعا فيدل على كثرة الحاشية والغاشية وقيل كنت بذلك عن شرفه ورفعه قدره والنجاد بكسر النون وجيم خفيفة حمالة السيف تريد أنه طويل القامة يحتاج إلى طول نجاده وفي ضمن كلامها أنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته وكانت العرب تتمادح بالطول وتذم بالقصر وقولها عظيم الرماد تعني أن نار قراه للاضياف لا تطفأ لنهتدي الضيفان إليها فيصير رماد النار كثيرا لذلك وقولها قريب البيت من الناد وقفت عليها بالسكون لمؤاخاه السجع والنادي والندى مجلس القوم وصفته بالشرف في قومه فهم إذا تفاوضوا واتشوروا في أمر وأتوا فجلسوا قريبا من بيته فاعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره أو أنه وضع بيته في وسط الناس ليسهل لقاؤه ويكون أقرب إلى الوارد وطالب القرى قال زهير بسط البيوت لكي يكون مظنة من حيث توضع جفنة المسترفد ويحتمل أن تريد أن أهل النادي إذا أتوه لم يصعب عليهم لقاؤه لكونه لا يحتجب عنهم ولا يتباعد منهم بل يقرب ويتلقاهم ويبادر لاكرامهم وضد من يتوارى بأطراف الحلل وأغوار المنازل ويبعد عن سمت الضيف لئلا يهتدوا إلى مكانه فإذا استبعدوا موضعه صدوا عنه ومالوا إلى غيره ومحصل كلامها أنه وصفته بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة قوله قالت العاشرة زوجي مالك وما مالك مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح وإذا سمعن صوت المزهر ايقن انهن هوالك وقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي والزبير المبارح بدل المبارك وفي رواية أبي يعلى المزاهر بصيغة الجمع وعند الزبير الضيف بدل المزهر والمبارك بفتحتين جمع مبرك وهو موضع نزول الإبل والمسارح جمع مسرح وهو الموضع الذي تطلق لترعى فيه والمزهر بكسر الم
[ 4894 ] قوله حدثنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله قدر الجارية الحديثة السن أي القريبة العهد بالصغر وقد بينت في شرح المتن في العيدين أنها كانت يومئذ بنت خمس عشرة سنة أو أزيد ووقع عند مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن الزهري الجارية العربة وهي بفتح المهملة وكسر الراء بعدها موحدة وتقدم تفسيره في صفة الجنة من بدء الخلق

قوله باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها أي لأجل زوجها

[ 4895 ] قوله عن بن عباس قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر في رواية عبيد بن حنين الماضية في تفسير التحريم عن بن عباس مكثت سنة أريد أو أسأل عمر قوله عن المرأتين في رواية عبيد عن آية قوله اللتين كذا في جميع النسخ ووقع عند بن التين التي بالافراد وخطأها فقال الصواب اللتين التثنية قلت ولو كانت محفوظة لأمكن توجيهها قوله حتى حج وحججت معه في رواية عبيد فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجا وفي رواية يزيد بن رومان عند بن مردويه عن بن عباس أردت أن أسأل عمر فكنت إهابه حتى حججنا معه فلما قضينا حجنا قال مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك قوله وعدل أي عن الطريق الحاجة المسلوكة إلى طريق لا يسلك غالبا ليقضي حاجته ووقع في رواية عبيد فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له وبين مسلم في رواية عبيد بن حنين من طريق حماد بن سلمة وابن عيينة أن المكان المذكور هو مر الظهران وقد تقدم ضبطه في المغازي قوله وعدلت معه بأداوة فتبرز أي قضى حاجته وتقدم ضبط الإداوة وتفسيرها في كتاب الطهارة وأصل تبرز من البراز وهو الموضع الخالي البارز عن البيوت ثم أطلق على نفس الفعل وفي رواية حماد بن سلمة المذكورة عند الطيالسي فدخل عمر الأراك فقضى حاجته وقعدت له حتى خرج فيؤخذ منه أن المسافر إذا لم يجد الفضاء لقضاء حاجته استتر بما يمكنه الستر به من شجر البادية قوله فسكبت على يديه منها فتوضأ في رواية عقيل عن الزهري الماضية في المظالم فسكبت من الإداوة قوله فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان في رواية الطيالسي فقلت يا أمير المؤمنين أريد أن أسألك عن حديث منذ سنة فتمنعني هيبتك أن أسألك وتقدم في التفسير من رواية عبيد بن حنين فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه قال تلك حفصة وعائشة فقلت والله أن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك قال فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فاسألني فإن كان لي علم خبرتك به وفي رواية يزيد بن رومان المذكورة فقال ما تسأل عنه أحدا أعلم بذلك مني قوله اللتان كذا في الأصول وحكى بن التين أنه وقع عنده التي بالافراد قال والصواب اللتان بالتثنية وقوله قال الله تعالى أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما أي قال الله تعالى لهما أن تتوبا من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله بعد وأن تظاهرا عليه أي تتعاونا كما تقدم تفسيره في تفسير السورة ومعنى تظاهرهما إنهما تعاونتا حتى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه ما حرم كما سيأتي بيانه وقوله قلوبكما كثر استعمالهم في موضع التثنية بلفظ الجمع كقولهم وضعا رحالهما أي رحلي راحلتيهما قوله واعجبا لك يا بن عباس تقدم شرحه في العلم وأن عمر تعجب من بن عباس مع شهرته بعلم التفسير كيف خفي عليه هذا القدر مع شهرته وعظمته في نفس عمر وتقدمه في العلم على غيره كما تقدم بيان ذلك واضحا في تفسير سورة النصر ومع ما كان بن عباس مشهورا به من الحرص على طلب العلم ومداخلة كبار الصحابة وأمهات المؤمنين فيه أو تعجب من حرصه على طلب فنون التفسير حتى معرفة المبهم ووقع في الكشاف كأنه كره ما سأله عنه قلت وقد جزم بذلك الزهري في هذه القصة بعينها فيما أخرجه مسلم من طريق معمر عنه قال بعد قوله قال عمر واعجبا لك يا بن عباس قال الزهري كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه واستبعد القرطبي ما فهمه الزهري ولا بعد فيه قلت ويجوز في عجبا التنوين وعدمه قال بن مالك وا في قوله واعجبا أن كان منونا فهو اسم فعل بمعنى أعجب ومثله واما روى وقوله بعده عجبا جيء بها تعجبا توكيدا وأن كان بغير تنوين فالأصل فيه واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة فصارت الياء ألفا كقولهم يا أسفا ويا حسرتا وفيه شاهد لجواز استعمال وا في منادي غير مندوب وهو مذهب المبرد وهو مذهب صحيح اه ووقع في رواية معمر واعجبي لك قوله عائشة وحفصة كذا في أكثر الروايات ووقع في رواية حماد بن سلمة وحده عنه حفصة وأم سلمة كذا حكاه عنه مسلم وقد أخرجه الطيالسي في مسنده عنه فقال عائشة وحفصة مثل الجماعة تنبيه هذا هو المعتمد أن بن عباس هو المبتديء بسؤال عمر عن ذلك ووقع عند بن مردويه من وجه آخر ضعيف عن عمران بن الحكم السلمي حدثني بن عباس قال كنا نسير فلحقنا عمر ونحن نتحدث في شأن حفصة وعائشة فسكتنا حين لحقنا فعزم علينا أن نخبره فقلنا تذاكرنا شأن عائشة وحفصة وسودة فذكر طرفا من هذا الحديث وليس بتمامه ويمكن الجمع بأن هذه القصة كانت سابقة ولم يتمكن بن عباس من سؤال عمر عن شرح القصة على وجهها الا في الحال الثاني قوله ثم استقبل عمر الحديث يسوقه أي القصة التي كانت سبب نزول الآية المسئول عنها قوله كنت أنا وجار لي من الأنصار تقدم بيانه في العلم ومضى في المظالم بلفظ إني كنت وجار لي بالرفع ويجوز فيه النصب عطفا على الضمير المنصوب في قوله إني قوله في بني أمية بن زيد أي بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس قوله وهم من عوالي المدينة أي السكان ووقع في رواية عقيل وهي أي القرية والعوالي جمع عالية وهي قرى بقرب المدينة مما يلي المشرق وكانت منازل الأوس واسم الجار المذكور أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث الأنصاري سماه بن سعد من وجه آخر عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر حديثا وفيه وكان عمر مؤاخيا أوس بن خولي لا يسمع شيئا الا حدثه ولا يسمع عمر شيئا إلا حدثه فهذا هو المعتمد وأما ما تقدم في العلم عمن قال أنه عتبان بن مالك فهو من تركيب بن بشكوال فإنه جوز أن يكون الجار المذكور عتبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخي بينه وبين عمر لكن لا يلزم من الاخاء أن يتجاورا والأخذ بالنص مقدم على الأخذ بالاستنباط وقد صرحت الرواية المذكورة عن بن سعد أن عمر كان مؤاخيا لاوس فهذا بمعنى الصداقة لا بمعنى الاخاء الذي كانوا يتوارثون به ثم نسخ وقد صرح به بن سعد بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخي بين أوس بن خولي وشجاع بن وهب كما صرح به بأنه أخي بين عمر وعتبان بن مالك فتبين أن معنى قوله كان مؤاخيا أي مصادقا ويؤيد ذلك أن في رواية عبيد بن حنين وكان لي صاحب من الأنصار قوله فإذا نزلت الظاهر أن إذا شرطية ويجوز أن تكون ظرفية قوله جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره أي من الحوادث الكائنة عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية بن سعد المذكورة لا يسمع شيئا الا حدثه به ولا يسمع عمر شيئا الا حدثه به وسيأتي في خبر الواحد في رواية عبيد بن حنين بلفظ إذا غاب وشهدت أتيته بما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية الطيالسي يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غبت واحضره إذا غاب ويخبرني وأخبره قوله وكنا معشر قريش نغلب النساء أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا بخلاف الأنصار فكانوا بالعكس من ذلك وفي رواية يزيد بن رومان كنا ونحن بمكة لا يكلم أحد امرأته الا إذا كانت له حاجة قضى منها حاجته وفي رواية عبيد بن حنين ما نعد للنساء أمرا وفي رواية الطيالسي كنا لا نعتد بالنساء ولا ندخلهن في امورنا قوله فطفق بكسر الفاء وقد تفتح أي جعل أو أخذ والمعنى انهن اخذن في تعلم ذلك قوله من أدب نساء الأنصار أي من سيرتهن وطريقتهن وفي الرواية التي في المظالم من أرب بالراء وهو العقل وفي رواية معمر عند مسلم يتعلمن من نسائهم وفي رواية يزيد بن رومان فلما قدمنا المدينة تزوجنا من نساء الأنصار فجعلن يكلمننا ويراجعننا قوله فسخبت بسين مهملة ثم خاء معجمة ثم موحدة وفي رواية الكشميهني بالصاد المهملة بدل السين وهما بمعنى والصخب والسخب الزجر من الغضب ووقع في رواية عقيل عن الزهري الماضية في المظالم فصحت بحاء مهملة من الصياح وهو رفع الصوت ووقع في رواية عبيد بن حنين فبينما أنا في أمر أتأمره أي أتفكر فيه وأقدره فقالت امرأتي لو صنعت كذا وكذا قوله فأنكرت أن تراجعني أي تراددني في القول وتناظرني فيه ووقع في رواية عبيد بن حنين فقلت لها وما تكلفك في أمر أريده فقالت لي عجبا لك يا بن الخطاب ما تريد أن تراجع وسيأتي في اللباس من هذا الوجه بلفظ فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأين لهن بذلك حقا علينا من غير أن ندخلهن في شيء من امورنا وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي وفي رواية يزيد بن رومان فقمت إليها بقضيب فضربتها به فقال يا عجبا لك يا بن الخطاب قوله ولم بكسر اللام وفتح الميم قوله تنكر أن أراجعك فوالله أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وأن أحداهن لتهجره اليوم حتى الليل في رواية عبيد بن حنين وأن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان ووقع في المظالم بلفظ غضبانا وفيه نظر وفي روايته التي في اللباس قالت تقول لي هذا وابنتك تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية الطيالسي فقلت متى كنت تدخلين في امورنا فقالت يا بن الخطاب ما يستطيع أحد أن يكلمك وابنتك تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل غضبان قوله لتهجره اليوم حتى الليل النصب فيهما وبالجر في الليل أيضا أي من أول النهار إلى أن يدخل الليل ويحتمل أن يكون المراد حتى أنها لتهجره الليل مضافا إلى اليوم قوله فقلت لها قد خاب كذا للأكثر خاب بخاء معجمة ثم موحدة وفي رواية عقيل فقلت قد جاءت من فعلت ذلك منهن بعظيم بالجيم ثم مثناة فعل ماض من المجيء وهذا هو الصواب في هذه الرواية التي فيها بعظيم وأما سائر الروايات ففيها خابت وخسرت فخابت بالخاء المعجمة لعطف وخسرت عليها وقد أغفل من جزم أن الصواب بالجيم والمثناة مطلقا قوله من فعل ذلك وفي رواية أخرى من فعلت فالتذكير بالنظر إلى اللفظ والتأنيث بالنظر إلى المعنى قوله ثم جمعت علي ثيابي أي لبستها جميعها فيه إيماء إلى أن العادة أن الشخص يضع في البيت بعض ثيابه فإذا خرج إلى الناس لبسها قوله فدخلت على حفصة يعني ابنته وبدأ بها لمنزلتها منه قوله قالت نعم في رواية عبيد بن حنين وأنا لنراجعه وفي رواية حماد بن سلمة فقلت الا تتقين الله قوله افتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلكي كذا هو بالنصب للأكثر ووقع في رواية عقيل فتهلكين وهو على تقدير محذوف وتقدم في باب المعرفة من كتاب المظالم أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين قال أبو علي الصدفي الصواب أفتأمنين وفي آخره فتهلكي كذا قال وليس بخطأ لإمكان توجيهه وفي رواية عبيد بن حنين فتهلكن بسكون الكاف على خطاب جماعة النساء وعنده فقلت تعلمين وهو بتشديد اللام إني احذرك عقوبة الله وغضب رسوله قوله لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم أي لا تطلبي منه الكثير وفي رواية يزيد بن رومان لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله ليس عنده دنانير ولا دراهم فما كان لك من حاجة حتى دهنة فسليني قوله ولا تراجعيه في شيء أي لا ترادديه في الكلام ولا تردي عليه قوله قوله ولا تهجريه أي ولو هجرك قوله ما بدا لك أي ظهر لك قوله ولا يغرنك أن بفتح الألف وبكسرها أيضا قوله جارتك أي ضرتك أو هو على حقيقته لأنها كانت مجاورة لها والأولى أن يحمل اللفظ هنا على معنييه لصلاحيته لكل منهما والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وأن لم يكن حسيا وقد تقدم شيء من هذا في أواخر شرح حديث أم زرع ووقع في حديث حمل بن مالك كنت بين جاريتين يعني ضرتين فإنه فسره في الرواية الأخرى فقال امرأتين وكان بن سيرين يكره تسميتها ضرة ويقول أنها لا تضر ولا تنفع ولا تذهب من رزق الأخرى بشيء وإنما هي جارة والعرب تسمى صاحب الرجل وخليطه جارا وتسمى الزوجة أيضا جارة لمخالطتها الرجل وقال الرقطي أختار عمر تسميتها جارة أدبا منه أن يضاف لفظ الضرر إلى أحد من أمهات المؤمنين قوله أوضأ من الوضاءة ووقع في رواية معمر أوسم بالمهملة من الوسامة وهي العلامة والمراد أجمل كأن الجمال رسمه أي أعلمه بعلامة قوله وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم المعنى لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك فإنه تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك من الادلال مثل الذي لها ووقع في رواية عبيد بن حنين أبين من هذا ولفظه ولا يغرنك هذه التي اعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ووقع في رواية سليمان بن بلال عند مسلم اعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بواو العطف وهي أبين وفي رواية الطيالسي لا تغتري بحسن عائشة وحب رسول الله إياها وعند بن سعد في رواية أخرى أنه ليس لك مثل حظوة عائشة ولا حسن زينب يعني بنت جحش والذي وقع في رواية سليمان بن بلال والطيالسي يؤيد ما حكاه السهيلي عن بعض المشايخ أنه جعله من باب حذف حرف العطف واستحسنه من سمعه وكتبوه حاشية قال السهيلي وليس كما قال بل هو مرفوع على البدل من الفاعل الذي في أول الكلام وهو هذه من قوله لا يغرنك هذه فهذه فاعل والتي نعت وحب بدل اشتمال كما تقول اعجبني يوم الجمعة صوم فيه وسرني زيد حب الناس له اه وثبوت الواو يرد على رده وقد قال عياض يجوز في حب الرفع على أنه عطف بيان أو بدل اشتمال أو على حذف حرف العطف قال وضبطه بعضهم بالنصب على نزع الخافض وقال بن التين حب فاعل وحسنها بالنصب مفعول من أجله والتقدير اعجبها حب رسول الله إياها من أجل حسنها قال والضمير الذي يلي اعجبها منصوب فلا يصح بدل الحسن منه ولا الحب وزاد عبيد في هذه الرواية ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها يعني لأن أم عمر كانت مخزومية مثل أم سلمة وهي أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ووالدة عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة فهي بنت عم أمه وفي رواية يزيد بن رومان ودخلت على أم سلمة وكانت خالتي وكأنه أطلق عليها خالة لكونها في درجة أمه وهي بنت عمها ويحتمل أن تكون ارتضعت معها أو أختها من أمها قوله دخلت في كل شيء يعني من أمور الناس وأرادت الغالب بدليل قولها حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه فإن ذلك قد دخل في عموم قولها كل شيء لكنها لم ترده قوله فأخذتني والله أخذا أي منعتني من الذي كنت أريده تقول أخذ فلان على يد فلان أي منعه عما يريد أن يفعله قوله كسرتني عن بعض ما كنت أجد أي اخذتني بلسانها أخذا دفعني عن مقصدي وكلامي وفي رواية لابن سعد فقالت أم سلمة أي والله أنا لنكلمه فإن تحمل ذلك فهو أولي به وأن نهانا عنه كان اطوع عندنا منك قال عمر فندمت على كلامي لهن وفي رواية يزيد بن رومان ما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم وكان الحامل لعمر على ما وقع منه شدة شفقته وعظم نصيحته فكان يبسط على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أفعل كذا ولا تفعل كذا كقوله احجب نساءك وقوله لا تصل على عبد الله بن أبي وغير ذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل ذلك لعلمه بصحة نصيحته وقوته في الإسلام وقد أخرج المصنف في تفسير سورة البقرة من حديث أنس عن عمر قال وافقت الله في ثلاث الحديث وفيه وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فدخلت عليه فقلت لئن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن حتى أتيت إحدى نسائه فقالت يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت وهذه المرأة هي زينب بنت جحش كما أخرج الخطيب في المبهمات وجوز بعضهم أنها أم سلمة لكلامها المذكور في رواية بن عباس عن عمر هنا لكن التعدد أولي فإن في بعض طرق هذا الحديث عند أحمد وابن مردويه وبلغني ما كان من أمهات المؤمنين فاستقريتهن أقول لتكفن الحديث ويؤيد التعدد اختلاف الألفاظ في جوابي أم سلمة وزينب والله أعلم قوله وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل في المظالم بلفظ تنعل النعال أي تستعمل النعال وهي نعال الخيل ويحتمل أن يكون بالموحدة ثم المعجمة ويؤيده لفظ الخيل في هذه الرواية و تنعل في الموضعين بفتح أوله وأنكر الجوهري ذلك في الدابة فقال انعلت الدابة ولا تقل نعلت فيكون على هذا بضم أوله وحكى عياض في تنعل الخيل الوجهين وغفل بعض المتأخرين فرد عليه وقال الموجود في البخاري تنعل النعال فاعتمد على الرواية التي في المظالم ولم يستحضر التي هنا وهي التي تكلم عليها عياض قوله لتغزونا وقع في رواية عبيد بن حنين ونحن نتخوف ملكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا فقد امتلأت صدورنا منه وفي روايته التي في اللباس وكان من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فد استقام له فلم يبق الا ملك غسان بالشام كنا نخاف أن يأتينا وفي رواية الطيالسي ولم يكن أحد أخوف عندنا من أن يغزونا ملك من ملوك غسان قوله فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء فضرب بأبي ضربا شديد وقال أثم هو أي في البيت وذلك لبطء اجابتهم له فظن أنه خرج من البيت وفي رواية عقيل أنائم هو وهي أولى قوله ففزعت أي خفت من شدة ضرب الباب بخلاف العادة قوله فخرجت إليه فقال قد حدث اليوم أخر عظيم قلت ما هو اجاء غسان في رواية معمر أجاءت وفي رواية عبيد بن حنين أجاء الغساني وقد تقدمت تسميته في كتاب العلم قوله لا بل أعظم من ذلك وأهول هو بالنسبة إلى عمر لكون حفصة بنته منهن قوله طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه كذا وقع في جميع الطرق عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور طلق بالجزم ووقع في رواية عمرة عن عائشة عند بن سعد فقال الأنصاري أمر عظيم فقال عمر لعل الحارث بن أبي شمر سار إلينا فقال الأنصاري أعظم من ذلك قال ما هو قال ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا قد طلق نساءه وأخرج نحوه من رواية الزهري عن عروة عن عائشة وسمي الأنصاري أوس بن خولي كما تقدم ووقع قوله طلق مقرونا بالظن قوله وقال عبيد بن حنين سمع بن عباس عن عمر يعني بهذا الحديث فقال يعني الأنصاري اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه لم يذكر البخاري هنا من رواية عبيد بن حنين الا هذا القدر وأما ما بعده وهو قوله فقلت خابت حفصة وخسرت فهو بقية رواية بن أبي ثور لأن هذا التعليق قد وصله المؤلف في تفسير سورة التحريم بلفظ فقلت جاء الغساني فقال بل أشد من ذلك اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت رغم انف حفصة وعائشة وظن بعض الناس أن من قوله اعتزل إلى آخر الحديث من سياق الطريق المعلق وليس كذلك لما بينته والموقع في ذلك إيراد البخاري بهذه اللفظة المعلقة عن عبيد بن حنين في اثناء المتن المساق من رواية بن أبي ثور فصار الظاهر أنه تحول إلى سياق عبيد بن حنين وقد سلم من هذا الاشكال النسفي فلم يسق المتن ولا القدر المعلق بل قال فذكر الحديث واجتزأ بما وقع من طريق بن أبي ثور في المظالم ومن طريق عبيد بن حنين في تفسير التحريم ووقع في مستخرج أبي نعيم ذكر القدر المعلق عن عبيد بن حنين في آخر الحديث ولا اشكال فيه وكأن البخاري أراد أن يبين أن هذا اللفظ وهو طلق نساءه لم تتفق الروايات عليه فلعل بعضهم رواها بالمعنى نعم وقع عند مسلم من طريق سماك بن زميل عن بن عباس أن عمر قال فدخلت المسجد فإذا الناس يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وعند بن مردويه من طريق سلمة بن كهيل عن بن عباس أن عمر قال لقيني عبد الله بن عمر ببعض طرق المدينة فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه وهذا أن كان محفوظا حمل على أن بن عمر لاقى أباه وهو جاء من منزله فأخبره بمثل ما أخبره به الأنصاري ولعل الجزم وقع من اشاعة بعض أهل النفاق فتناقله الناس وأصله ما وقع من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ولم تجر عادته بذلك فظنوا أنه طلقهن ولذلك لم يعاتب عمر الأنصاري على ما جزم له به من وقوع ذلك وقد وقع في حديث سماك بن الوليد عند مسلم في آخره ونزلت هذه الآية وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف اذاعوا به إلى قوله يستنبطونه منهم قال فكنت أنا استنبط ذلك الأمر والمعنى لو ردوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون هو المخبر به أو الى أولي الأمر كأكابر الصحابة لعلموه لفهم المراد منه باستخراجهم بالفهم والتلطف ما يخفي عن غيرهم وعلى هذا فالمراد بالإذاعة قولهم واشاعتهم أنه طلق نساءه بغير تحقق ولا تثبت حتى شفي عمر في الاطلاع على حقيقة ذلك وفي المراد بالمذاع وفي الآية أقوال أخرى ليس هذا موضع بسطها قوله خابت حفصة وخسرت إنما خصها بالذكر لمكانتها منه لكونها بنته ولكونه كان قريب العهد بتحذيرها من وقوع ذلك ووقع في رواية عبيد بن حنين فقلت رغم انف حفصة وعائشة وكأنه خصهما بالذكر لكونهما كانتا السبب في ذلك كما سيأتي بيانه قوله قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون بكسر الشين من يوشك أي يقرب وذلك ما كان تقدم له من أن مراجعتهن قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة قوله فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم في رواية سماك دخلت المسجد فإذا الناس ينكشون الحصى ويقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب كذا في هذه الرواية وهو غلط بين فإن نزول الحجاب كان في أول زواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش كما تقدم بيانه واضحا في تفسير سورة الأحزاب وهذه القصة كانت سبب نزول آية التخيير وكانت زينب بنت جحش فيمن خير وقد تقدم ذكر عمر لها في قوله ولا حسن زينب بنت جحش وسيأتي بعد ثمانية أبواب من طريق أبي الضحى عن بن عباس قال أصبحنا يوما ونساء النبي صلى الله عليه وسلم يبكين فخرجت إلى المسجد فجاء عمر فصعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غرفة له فذكر هذه القصة مختصرا فحضور بن عباس ومشاهدته لذلك يقتضي تأخر هذه القصة عن الحجاب فإن بين الحجاب وانتقال بن عباس إلى المدينة مع أبويه نحو أربع سنين لأنهم قدموا بعد فتح مكة فآية التخيير على هذا نزلت سنة تسع لأن الفتح كان سنة ثمان والحجاب كان سنة أربع أو خمس وهذا من رواية عكرمة بن عمار بالإسناد الذي أخرج به مسلم أيضا قول أبي سفيان عندي أجمل العرب أم حبيبة ازوجكها قال نعم وأنكره الأئمة وبالغ بن حزم في إنكاره وأجابوا بتأويلات بعيدة ولم يتعرض لهذا الموضع وهو نظير ذلك الموضع والله الموفق وأحسن محامله عندي أن يكون الراوي لما رأى قول عمر أنه دخل على عائشة ظن أن ذلك كان قبل الحجاب فجزم به لكن جوابه أنه لا يلزم من الدخول رفع الحجاب فقد يدخل من الباب وتخاطبه من وراء الحجاب كما لا يلزم من وهم الراوي في لفظه من الحديث أن يطرح حديثه كله وقد وقع في هذه الرواية موضع آخر مشكل وهو قوله في آخر الحديث بعد قوله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فنزل رسول الله ونزلت اتشبث بالجذع ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده فقلت يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعا وعشرين فإن ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عقب ما خاطبه عمر فيلزم منه أن يكون عمر تأخر كلامه معه تسعا وعشرين يوما وسياق غيره ظاهر في أنه تكلم معه في ذلك اليوم وكيف يمهل عمر تسعا وعشرين يوما لا يتكلم في ذلك وهو مصرح بأنه لم يصبر ساعة في المسجد حتى يقوم ويرجع إلى الغرفة ويستأذن ولكن تأويل هذا سهل وهو أن يحمل قوله فنزل أي بعد أن مضت المدة ويستفاد منه أنه كان يتردد إلي النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المدة التي حلف عليها فاتفق أنه كان عنده عند إرادته النزول فنزل معه ثم خشي أن يكون نسي فذكره كما ذكرته عائشة كما سيأتي ومما يؤيد تأخر قصة التخيير ما تقدم من قول عمر في رواية عبيد بن حنين التي قدمت الإشارة إليها في المظالم وكان من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقام له الا ملك غسان بالشام فإن الإستقامة التي أشار إليها إنما وقعت بعد فتح مكة وقد مضى في غزوة الفتح من حديث عمرو بن سلمة الجرمي وكانت العرب تقوم بإسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم اه والفتح كان في رمضان سنة ثمان ورجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في أواخر ذي القعدة منها فلهذا كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود لكثرة من وفد عليه من العرب فظهر أن استقامة من حوله صلى الله عليه وسلم إنما كانت بعد الفتح فاقتضى ذلك أن التخيير كان في أول سنة تسع كما قدمته وممن جزم بأن آية التخيير كانت سنة تسع الدمياطي وأتباعه وهو المعتمد قوله ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي في رواية سماك أنه دخل أولا على عائشة فقال يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما لي ولك يا بن الخطاب عليك بعيبتك وهي بعين مهملة مفتوحة وتحتانية ساكنة بعدها موحدة ثم مثناة أي عليك بخاصتك وموضع سرك واصل العيبة الوعاء الذي تجعل فيه الثياب ونفيس المتاع فأطلقت عائشة على حفصة أنها عيبة عمر بطريق التشبيه ومرادها عليك بوعظ ابنتك قوله ألم أكن حذرتك زاد في رواية سماك لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ولولا أنا لطلقك فبكت أشد البكاء لما اجتمع عندها من الحزن على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما تتوقعه من شدة غضب أبيها عليها وقد قال لها فيما أخرجه بن مردويه والله أن كان طلقك لا اكلمك أبدا وأخرج بن سعد والدارمي والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ولابن سعد مثله من حديث بن عباس عن عمر وإسناده حسن ومن طريق قيس بن زيد مثله وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاني فقال لي راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة وقيس مختلف في صحبته ونحوه عنده من مرسل محمد بن سيرين قوله ما هو ذا معتزل في المشربة في رواية سماك فقلت لها أين رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت هو في خزانته في المشربة وقد تقدم ضبط المشربة وتفسيرها في كتاب المظالم وإنها بضم الراء وبفتحها وجمعها مشارب ومشربات قوله فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم لم اقف على تسميتهم وفي رواية سماك بن الوليد دخلت المسجد فإذا الناس ينكثون بالحصا أي يضربون به الأرض كفعل المهموم المفكر قوله ثم غلبني ما أجد أي من شغل قلبه بما بلغه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وأن ذلك لا يكون الا عن غضب منه ولاحتمال صحة ما أشيع من تطليق نساءه ومن جملتهن حفصة بنت عمر فتنقطع الوصلة بينهما وفي ذلك من المشقة عليه ما لا يخفى قوله فقلت لغلام له اسود في رواية عبيد بن حنين فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربه يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس العجلة واسم هذا الغلام رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة سماه سماك في روايته ولفظه فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على أسكفة المشربة مدل رجليه على نقير من خشب وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر وعرف بهذا تفسير العجلة المذكورة في رواية غيره وسيأتي في حديث أبي الضحى الذي أشرت إليه بحث في ذلك والاسكفة في روايته بضم الهمزة والكاف بينهما مهملة ثم فاء مشددة هي عتبة الباب السفلى وقوله على نقير بنون ثم قاف بوزن عظيم أي منقور ووقع في بعض روايات مسلم بفاء بدل النون وهو الذي جعلت فيه فقر كالدرج قوله استأذن لعمر في رواية عبيد بن حنين فقلت له قل هذا عمر بن الخطاب قوله فصمت بفتح الميم أي سكت وفي رواية سماك فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا واتفقت الروايتان على أنه أعاد الذهاب والمجيء ثلاث مرات لكن ليس ذلك صريحا في رواية سماك بل ظاهر روايته أنه أعاد الاستئذان فقط ولم يقع شيء من ذلك في رواية عبيد بن حنين ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في المرتين الأوليين كان نائما أو ظن أن عمر جاء يستعطفه على أزواجه لكون حفصة ابنته منهن قوله فنكست منصرفا أي رجعت إلى ورائي فإذا الغلام يدعوني وفي رواية معمر فوليت مدبرا وفي رواية سماك ثم رفعت صوتي فقلت يا رباح استأذن لي فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن إني جئت من أجل حفصة والله لئن أمرني بضرب عنقها لأضربن عنقها وهذا يقوي الاحتمال الثاني لأنه لما صرح في حق ابنته بما قال كان أبعد أن يستعطفه لضرائرها قوله فإذا هو مضطجع على رمال بكسر الراء وقد تضم وفي رواية معمر على رمل بسكون الميم والمراد به النسج تقول رملت الحصير وارملته إذا نسجته وحصير مرمول أي منسوج والمراد هنا أن سريره كان مرمولا بما يرمل به الحصير ووقع في رواية أخرى على رمال سرير ووقع في رواية سماك على حصير وقد أثر الحصير في جنبه وكأنه أطلق عليه حصيرا تغليبا وقال الخطابي رمال الحصير ضلوعه المتداخلة بمنزلة الخيوط في الثوب فكأنه عنده اسم جمع وقوله ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه يؤيد ما قدمته أنه أطلق على نسج السرير حصيرا قوله فقلت وأنا قائم أطلقت نساءك فرفع إلى بصره فقال لا فقلت الله أكبر قال الكرماني لما ظن الأنصاري أن الاعتزال طلاق أو ناشيء عن طلاق أخبر عمر بوقوع الطلاق جازما به فلما استفسر عمر عن ذلك فلم يجد له حقيقة كبر تعجبا من ذلك اه ويحتمل أن يكون كبر الله حامدا له على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق وفي حديث أم سلمة عند بن سعد فكبر عمر تكبيرة سمعناها ونحن في بيوتنا فعلمنا أن عمر سأله أطلقت نساءك فقال لا فكبر حتى جاءنا الخبر بعد ووقع في رواية سماك فقلت يا رسول الله اطلقتهن قال لا قلت إني دخلت المسجد والمسلمون ينكثون الحصى يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم انك لم تطلقهن قال نعم أن شئت وفيه فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه قوله ثم قلت وأنا قائم استأنس يا رسول الله لو رأيتني يحتمل أن يكون قوله استفهاما بطريق الاستئذان ويحتمل أن يكون حالا من القول المذكور بعده وهو ظاهر سياق هذه الرواية وجزم القرطبي بأنه للاستفهام فيكون أصله بهمزتين تسهل إحداهما وقد تحذف تخفيفا ومعناه انبسط في الحديث واستأذن في ذلك لقرينة الحال التي كان فيها لعلمه بأن بنته كانت السبب في ذلك فخشى أن يلحقه هو شيء من المعتبة فبقي كالمنقبض عن الابتداء بالحديث حتى استأذن فيه قوله يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فساق ما تقدم وكذا في رواية عقيل ووقع في رواية معمر أن قوله استأنس بعد سياق القصة ولفظه فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش فساق القصة فقلت استأنس يا رسول الله قال نعم وهذا يعين الاحتمال الأول وهو أنه استأذن في الاستئناس فلما إذن له فيه جلس قوله ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة إلى قوله فتبسم تبسمة أخرى الجملة حالية أي حال دخولي عليها وفي رواية عبيد بن حنين فذكرت له الذي قلت لحفصة وأم سلمة فضحك وفي رواية سماك فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك وكان من أحسن الناس ثغرا صلى الله عليه وسلم وقوله تحسر بمهملتين أي تكشف وزنا ومعنى وقوله كشر بفتح الكاف والمعجمة أي ابدى أسنانه ضاحكا قال بن السكيت كشر وتبسم وابتسم وافتر بمعنى فإذا زاد قيل قهقه وكركر وقد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم كان ضحكه تبسما قوله فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمه بتشديد السين وللكشميهني تبسيمة قوله فرفعت بصري في بيته أي نظرت فيه قوله غير اهبة ثلاثة في رواية الكشميهني ثلاث الاهبة بفتح الهمزة والهاء وبضمها أيضا بمعنى الاهب والهاء فيه للمبالغة وهو جمع إهاب على غير قياس وهو الجلد قبل الدباغ وقيل هو الجلد مطلقا دبغ أو لم يدبغ والذي يظهر أن المراد به هنا جلد شرع في دبغه ولم يكمل لقوله في رواية سماك بن الوليد فإذا أفيق معلق والافيق بوزن عظيم الجلد الذي لم يتم دباغه يقال آدم وأديم وافق وأفيق واهاب وأهب وعماد وعمود وعمد ولم يجيء فعيل وفعول على فعل بفتحتين في الجمع الا هذه الأحرف والأكثر أن يجيء فعل بضمتين وزاد في رواية عبيد بن حنين وأن عند رجليه قرظا بقاف وظاء معجمة مصبوبا بموحدتين وفي رواية أبي ذر مصبورا براء قال النووي ووقع في بعض الأصول مضبورا بضاد معجمة وهي لغة والمراد بالمصبور بالمهملة والمعجمة المجموع ولا ينافي كونه مصبوبا بل المراد أنه غير منتثر وأن كان في غير وعاء بل هو مصبوب مجتمع وفي رواية سماك فنظرت في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة قوله أدع الله فليوسع على أمتك في رواية عبيد بن حنين فبكيت فقال وما يبكيك فقلت يا رسول الله أن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله وفي رواية سماك فابتدرت عيناي فقال ما يبكيك يا بن الخطاب فقلت وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها الا ما أرى وذاك قيصر وكسرى في الأنهار والثمار وأنت رسول الله وصفوته قوله فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال أو في هذا أنت يا بن الخطاب في رواية معمر عند مسلم أو في شك أنت يا بن الخطاب وكذا في رواية عقيل الماضية في كتاب المظالم والمعنى أأنت في شك في أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا وهذا يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ظن أنه بكى من جهة الأمر الذي كان فيه وهو غضب النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه حتى اعتزلهن فلما ذكر له أمر الدنيا اجابه بما اجابه قوله أن أولئك قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا وفي رواية عبيد بن حنين الا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة وفي رواية له لهما بالتثنية على إرادة كسرى وقيصر لتخصيصهما بالذكر والأخرى بارادتهما ومن تبعهما أو كان على مثل حالهما زاد في رواية سماك فقلت بلى قوله فقلت يا رسول الله استغفر لي أي عن جراءتي بهذا القول بحضرتك أو عن اعتقادي أن التجملات الدنيوية مرغوب فيها أو عن ارادتي ما فيه مشابهة الكفار في ملابسهم ومعايشهم قوله فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث الذي افشته حفصة الى عائشة كذا في هذه الطريق لم يفسر الحديث المذكور الذي افشته حفصة وفيه أيضا وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله وهذا أيضا مبهم ولم أره مفسرا وكان اعتزاله في المشربة كما في حديث بن عباس عن عمر فافاد محمد بن الحسن المخزومي في كتابه أخبار المدينة بسند له مرسل أنه صلى الله عليه وسلم كان يبيت في المشربة ويقيل عند أراكة على خلوة بئر كانت هناك وليس في شيء من الطرق عن الزهري بإسناد حديث الباب الا ما رواه بن إسحاق كما أشرت إليه في تفسير سورة التحريم والمراد بالمعاتبة قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآيات وقد اختلف في الذي حرم على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب حلفه على أن لا يدخل على نسائه على أقوال فالذي في الصحيحين أنه العسل كما مضى في سورة التحريم مختصرا من طريق عبيد بن عمير عن عائشة وسيأتي بأبسط منه في كتاب الطلاق وذكرت في التفسير قولا آخر أنه في تحريم جاريته مارية وذكرت هناك كثيرا من طرقه ووقع في رواية يزيد بن رومان عن عائشة عند بن مردويه ما يجمع القولين وفيه أن حفصة أهديت لها عكة فيها عسل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه أو تسقيه منها فقالت عائشة لجارية عندها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فانظري ما يصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل فأرسلت إلى صواحبها فقال إذ ادخل عليكن فقلن إنا نجد منك ريح مغافير فقال هو عسل والله لا أطعمه أبدا فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته مارية فادخلها بيت حفصة قالت حفصة فرجعت فوجدت الباب مغلقا فخرج ووجهه يقطر وحفصة تبكي فعاتبته فقال أشهدك أنها على حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهي عندك امانة فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقال الا أبشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته فنزلت وعند بن سعد من طريق شعبة مولى بن عباس عنه خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة فدخل رسول الله بجاريته القبطية بيت حفصة فجاءت فرقبته حتى خرجت الجارية فقالت له أما إني قد رأيت ما صنعت قال فاكتمي علي وهي حرام فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها فقالت له عائشة أما يومي فتعرس فيه بالقبطية ويسلم لنسائك سائر ايامهن فنزلت الآية وجاء في ذلك ذكر قول ثالث أخرجه بن مردويه من طريق الضحاك عن بن عباس قال دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم بيتها فوجدت معه مارية فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك
قوله باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا هذا الأصل لم يذكره البخاري في كتاب الصيام وذكره أبو مسعود في افراد البخاري من حديث أبي هريرة وليس كذلك فان مسلما ذكره في اثناء حديث في كتاب الزكاة ووقع للمزي في الأطراف فيه وهم بينته فيما كتبته عليه

[ 4896 ] قوله لا تصوم كذا للأكثر وهو بلفظ الخبر والمراد به النهي وأغرب بن التين والقرطبي فخطأ رواية الرفع ووقع في رواية المستملي لا تصومن بزيادة نون التوكيد ولمسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر بلفظ لا تصم وسيأتي شرحه مستوفى بعد باب واحد

قوله باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها أي بغير سبب لم يجز لها ذلك

[ 4897 ] قوله حدثنا محمد بن بشار هو بندار وذكر أبو علي الجياني أنه وقع في بعض النسخ عن أبي زيد المروزي بن سنان بمهملة ثم نونين وهو غلط قوله عن سليمان هو الأعمش وأبو حازم هو سلمان الأشجعي وقوله في الرواية الثانية عن زرارة هو بن أبي أوفى قاضي البصرة يكنى أبا حاجب له عن أبي هريرة في الصحيحين حديثان فقط هذا وآخر مضى في العتق وله في البخاري عن عمران بن حصين حديث آخر يأتي في الديات وتقدم له في تفسير عبس حديث من روايته عن سعد بن هشام عن عائشة وهذا جميع ما له في الصحيح وكلها من رواية قتادة عنه قوله إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه قال بن أبي جمرة الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقويه قوله الولد للفراش أي لمن يطأ في الفراش والكناية عن الأشياء التي يستحي منها كثيرة في القرآن والسنة قال وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله حتى تصبح وكأن السر تأكد ذلك الشأن في الليل وقوة الباعث عليه ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار وانما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك اه وقد وقع في رواية يزيد بن كيسان عن أبي حازم عند مسلم بلفظ والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي عليه الا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة العبد الآبق حتى يرجع والسكران حتى يصحو والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى فهذه الاطلاقات تتناول الليل والنهار قوله فأبت أن تجيء زاد أبو عوانة عن الأعمش كما تقدم في بدء الخلق فبات غضبان عليها وبهذه الزيادة يتجه وقوع اللعن لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فإنه يكون أما لأنه عذرها وأما لأنه ترك حقه من ذلك وأما قوله في رواية زرارة إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها فليس هو على طاهره في لفظ المفاعلة بل المراد أنها هي التي هجرت وقد تأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ولا يتجه عليها اللوم الا إذا بدأت هي بالهجر فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تستنصل من ذنبها وهجرته أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا ووقع في رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة إذا باتت المرأة هاجرة بلفظ اسم الفاعل قوله لعنتها الملائكة حتى تصبح في رواية زرارة حتى ترجع وهي أكثر فائدة والأولى محمولة على الغالب كما تقدم وللطبراني من حديث بن عمر رفعه اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما عبد آبق وامرأة غضب زوجها حتى ترجع وصححه الحاكم قال المهلب هذا الحديث يوجب أن منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال مما يوجب سخط الله الا أن يتغمدها بعفوه وفيه جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الارهاب عليه لئلا يواقع الفعل فإذا واقعه فإنما يدعى له بالتوبة والهداية قلت ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال بهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين وفيه نظر والحق أن من منع اللعن أراد به معناه اللغوي وهو الابعاد من الرحمة وهذا لا يليق إني يدعي به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية والذي إجازة أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب ولا يخفي أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر وأما حديث الباب فليس فيه الا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جوازه على الإطلاق وفيه أن الملائكة تدعو على أهل المعصية ما داموا فيها وذلك يدل على إنهم يدعون لأهل الطاعة ما داموا فيها كذا قال المهلب وفيه نظر أيضا قال بن أبي جمرة وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم يحتمل الامرين قلت يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك ويرشد إلي التعميم قوله في رواية مسلم الذي في السماء أن كان المراد به سكانها قال وفيه دليل على قبول دعاء الملائكة من خير أو شر لكونه صلى الله عليه وسلم خوف بذلك وفيه الإرشاد الى مساعدة الزوج وطلب مرضاته وفيه أن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة قال وفيه أن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك اه أو السبب فيه الحض على التناسل ويرشد إليه الأحاديث الواردة في الترغيب في ذلك كما تقدم في أوائل النكاح قال وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله والصبر على عبادته جزاء على مراعاته لعبده حيث لم يترك شيئا من حقوقه الا جعل له من يقوم به حتى جعل ملائكته تلعن من اغضب عبده بمنع شهوة من شهواته فعلى العبد أن يوفى حقوق ربه التي طلبها منه وإلا فما أقبح الجفاء من الفقير المحتاج إلى الغني الكثير الإحسان اه ملخصا من كلام بن أبي جمرة رحمه الله

قوله باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد الا بإذنه المراد ببيت زوجها سكنة سواء كان ملكه أولا

[ 4899 ] قوله عن الأعرج كذا يقول شعيب عن أبي الزناد وقال بن عيينة عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة وقد بينه المصنف بعد قوله لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها يلتحق به السيد بالنسبة لأمته التي يحل له وطؤها ووقع في رواية همام وبعلها وهي أفيد لأن بن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد فان ثبت وإلا الحق السيد بالزوج للاشتراك في المعنى قوله شاهد أي حاضر قوله الا بأذنه يعني في غير صيام أيام رمضان وكذا في غير رمضان من الواجب إذا تضيق الوقت وقد خصه المصنف في الترجمة الماضية قبل باب بالتطوع وكأنه تلقاه من رواية الحسن بن علي عن عبد الرزاق فإن فيها لا تصوم المرأة غير رمضان وأخرج الطبراني من حديث بن عباس مرفوعا في اثناء حديث ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه فإن فعلت لم يقبل منها وقد قدمت اختلاف الروايات في لفظ ولا تصوم ودلت رواية الباب على تحريم الصوم المذكور عليها وهو قول الجمهور قال النووي في شرح المهذب وقال بعض أصحابنا يكره والصحيح الأول قال فلو صامت بغير إذنه صح واثمت لاختلاف الجهة وأمر قبوله إلى الله قاله العمراني قال النووي ومقتضي المذهب عدم الثواب ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكد الأمر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم قال النووي في شرح مسلم وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع ولا واجب على التراخي وإنما لم يجز لها الصوم بغير إذنه وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها لأن العادة أن المسلم يهاب انتهاك الصوم بالافساد ولا شك أن الأولى له خلاف ذلك أن لم يثبت دليل كراهته نعم لو كان مسافرا فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرا فلو صامت وقدم في اثناء الصيام فله افساد صومها ذلك من غير كراهة وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير إذنه ما لا يضره ولا يمنعه من واجباته وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه اه وهو خلاف الظاهر وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع قوله ولا تأذن في بيته زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة وهو شاهد الا بإذنه وهذا القيد لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهى عن الدخول على المغيبات أي من غاب عنها زوجها ويحتمل أن يكون له مفهوم وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه وإذا غاب تعذر فلو دعت الضرورة إلى الدخول عليها لم تفتقر إلى استذانه لتعذره ثم هذا كله فيما يتعلق بالدخول عليها أما مطلق دخول البيت بأن تأذن لشخص في دخول موضع من حقوق الدار التي هي فيها أو إلى دار منفردة عن سكنها فالذي يظهر أنه ملتحق بالأول وقال النووي في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالاذن في بيته الا بإذنه وهو محمول على ما لا نعلم رضا الزوج به أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم سواء كان حاضرا أم غائبا فلا يفتقر ادخالهم إلى إذن خاص لذلك وحاصله أنه لا بد من اعتبار إذنه تفصيلا أو إجمالا قوله الا بإذنه أي الصريح وهل يقوم ما يقترن به علامة رضاه مقام التصريح بالرضا فيه نظر قوله وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره أي نصفه والمراد نصف الأجر كما جاء واضحا في رواية همام عن أبي هريرة في البيوع ويأتي في النفقات بلفظ إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره في رواية أبي داود فلها نصف أجره وأغرب الخطابي فحمل قوله يؤدي إليه شطره على المال المنفق وأنه يلزم المرأة إذا أنفقت بغير أمر زوجها زيادة على الواجب لها أن تغرم القدر الزائد وأن هذا هو المراد بالشطر في الخبر لأن الشطر يطلق على النصف وعلى الجزء قال ونفقتها معارضة فتقدر بما يوازيها من الفرض وترد الفضل عن مقدار الواجب وإنما جاز لها في قدر الواجب لقصة هند خذي من ماله بالمعروف اه وما ذكرناه من الرواية الأخرى يرد عليه وقد استشعر الإيراد فحمل الحديث الآخر على معنى آخر وجعلهما حديثين مختلفي الدلالة والحق إنهما حديث واحد رويا بألفاظ مختلفة وأما تقييده بقوله عن غير أمره فقال النووي من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ولا ينفي ذلك وجود إذن سابق عام يتناول هذا القدر وغيره أما بالصريح وأما بالعرف قال ويتعين هذا التأويل لجعل الأجر بينهما نصفين ومعلوم أنها إذا أنفقت من ماله بغير إذنه لا الصريح ولا المأخوذ من العرف لا يكون لها أجرا بل عليها وزر فيتعين تأويله قال وأعلم هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به عرفا فإن زاد على ذلك لم يجز ويؤيده قوله يعني كما مر في حديث عائشة في كتاب الزكاة والبيوع إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة فأشار إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة قال ونبه بالطعام أيضا على ذلك لأنه مما يسمح به عادة بخلاف النقدين في حق كثير من الناس وكثير من الأحوال قلت وقد تقدمت في شرح حديث عائشة في الزكاة مباحث لطيفة واجوبة في هذا ويحتمل أن يكون المراد بالتنصيف في حديث الباب الحمل على المال الذي يعطيه الرجل في نفقة المرأة فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما للرجل لكونه الأصل في اكتسابه ولكونه يؤجر على ما ينفقه على أهله كما ثبت من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره وللمرأة لكونه من النفقة التي تختص بها ويؤيد هذا الحمل ما أخرجه أبو داود عقب حديث أبي هريرة هذا قال في المرأة تصدق من بيت زوجها قال لا الا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها الا بإذنه قال أبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد عقبة هذا يضعف حديث همام اه ومراده أنه يضعف حمله على التعميم أما الجمع بينهما بما دل عليه هذا الثاني فلا وأما ما أخرجه أبو داود وابن خزيمة من حديث سعد قال قالت امرأة يا نبي الله أنا كل على آبائنا وازواجنا وأبنائنا فما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكلنه وتهدينه وأخرج الترمذي وابن ماجة عن أبي إمامة رفعه لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها الا بإذنه قيل ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا وظاهرهما التعارض ويمكن الجمع بان المراد بالرطب ما يتسارع إليه الفساد فأذن فيه بخلاف غيره ولو كان طعاما والله أعلم قوله ورواه أبو الزناد أيضا عن موسى عن أبيه عن أبي هريرة في الصوم يشير إلى أن رواية شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج اشتملت على ثلاثة أحكام وأن لأبي الزناد في أحد الثلاثة وهو صيام المرأة إسنادا آخر وموسى المذكور هو بن أبي عثمان وأبوه أبو عثمان يقال له التبان بمثناة ثم موحدة ثقيلة واسمه سعد ويقال عمران وهو مولى المغيرة بن شعبة ليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد وصل حديثه المذكور أحمد والنسائي والدارمي والحاكم من طريق الثوري عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان بقصة الصوم فقط والدارمي أيضا وابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج به قال أبو عوانة في رواية على بن المديني حدثنا به سفيان بعد ذلك عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان فراجعته فيه فثبت على موسى ورجع عن الأعرج ورويناه عاليا في جزء إسماعيل بن نجيد من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وفي الحديث حجة على المالكية في تجويز دخول الأب ونحوه بيت المرأة بغير إذن زوجها وأجابوا عن الحديث بأنه معارض بصلة الرحم وأن بين الحديثين عموما وخصوصا وجهيا فيحتاج إلى مرجح ويمكن أن يقال صلة الرحم إنما تندب بما يملكه الواصل والمتصرف في بيت الزوج لا تملكه المرأة الا بأذن الزوج فكما لأهلها أن لا تصلهم بماله الا بإذنه فإذنها لهم في دخول البيت كذلك

قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وأورد فيه حديث أسامة لقوله فيه وقفت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء وسقط للنسفي لفظ باب فصار الحديث الذي فيه من جملة الباب الذي قبله ومناسبته له من جهة الإشارة إلى أن النساء غالبا يرتكبن النهي المذكور ومن ثم كن أكثر من دخل النار والله أعلم

قوله باب كفران العشير وهو الزوج والعشير هو الخليط من المعاشرة أي أن لفظ العشير يطلق بإزاء شيئين فالمراد به هنا الزوج والمراد به في الآية وهي قوله تعالى ولبئس العشير المخالط وهذا تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى لبئس المولى ولبئس العشير المولى هنا بن العم والعشير المخالط المعاشر وقد تقدم شيء من هذا في كتاب الإيمان ثم ذكر فيه حديث بن عباس في خسوف الشمس بطوله وقد تقدم شرحه مستوفى في آخر أبواب الكسوف وقوله

[ 4901 ] فيه لو أحسنت إلى إحداهن الدهر فيه إشارة إلى وجود سبب التعذيب لأنها بذلك كالمصرة على كفر النعمة والاصرار على المعصية من أسباب العذاب أشار إلى ذلك المهلب وذكر بعده حديث عمران بن حصين بمعنى حديث أسامة الماضي في الباب قبله وقوله

[ 4902 ] تابعه أيوب وسلم بن زرير يعني إنهما تابعا عوفا عن أبي رجاء وهو العطاردي في رواية هذا الحديث عن عمران بن حصين وسيأتي في باب فضل الفقر من الرقاق أن حماد بن نجيح وصخر بن جويرية خالفا في ذلك عن أبي رجاء فقالا عنه عن بن عباس ومتابعة أيوب وصلها النسائي واختلف فيه على أيوب فقال عبد الوارث عنه هكذا وقال الثقفي وابن عليه وغيرهما عن أيوب عن أبي رجاء عن بن عباس وأما متابعة سلم بن زرير فوصلها المصنف في صفة الجنة من بدء الخلق وفي باب فضل الفقر من الرقاق ويأتي شرح الحديث مع حديث أسامة في باب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى

قوله باب لزوجك عليك حق قاله أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو اطرف من حديثه في قصة سلمان وأبي الدرداء وقد مضى موصولا مشروحا في كتاب الصيام ثم ذكر بعده حديث عبد الله بن عمرو في ذلك وقد تقدم شرحه أيضا قال بن بطال لما ذكر في الباب قبله حق الزوج على الزوجة ذكر في هذا عكسه وأنه لا ينبغي له أن يجهد بنفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب واختلف العلماء فيمن كف عن جماع زوجته فقال مالك أن كان بغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما ونحوه عن أحمد والمشهور عند الشافعية أنه لا يجب عليه وقيل يجب مرة وعن بعض السلف في كل أربع ليلة وعن بعضهم في كل طهر مرة

قوله باب المرأة راعية في بيت زوجها ذكر فيه حديث بن عمر وسيأتي شرحه مستوفي في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى

قوله باب قول الله تعالى الرجال قوامون على النساء إلى هنا عند أبي ذر زاد غيره بما فضل الله بعضهم على بعض إلى قوله عليا كبيرا وبسياق الآية تظهر مطابقة الترجمة لأن المراد منها قوله تعالى فعظوهن واهجروهن في المضاجع فهو الذي يطابق

[ 4905 ] قوله آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا لأن مقتضاه أنه هجرهن وخفي ذلك على الإسماعيلي فقال لم يتضح لي دخول هذا الحديث في هذا الباب ولا تفسير الآية التي ذكرها وقد تقدم شرح حديث أنس المذكور قريبا في اخر حديث عمر الطويل وقوله فيه انك آليت شهرا في رواية المستملي والكشميهني آليت على شهر وقوله فقيل يا رسول الله قائل ذلك كعائشة كما تقدم واضحا في آخر حديث عمر المذكور وتقدم فيه أن عمر وغيره أيضا سألوه عن ذلك

قوله باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن كأنه يشير إلى أن قوله واهجروهن في المضاجع لا مفهوم له وأنه تجوز الهجرة فيما زاد على ذلك كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من هجره لأزواجه في المشربة وللعلماء في ذلك اختلاف أذكره بعد قوله ويذكر عن معاوية بن حيدة بفتح الحاء المهملة وسكون التحتانية صحابي مشهور وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية قوله رفعه ولا تهجر الا في البيت في رواية الكشميهني غير أن لا تهجر الا في البيت وهذا طرف من حديث طويل أخرجه أحمد وأبو داود والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن منده في غرائب شعبة كلهم من رواية أبي قزعة سويد عن حكيم بن معاوية عن أبيه وفيه ما حق المرأة على الزوج قال يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر الا في البيت قوله والأول أصح يعني حديث أنس أصح من حديث معاوية بن حيدة وهو كذلك ولكن يمكن الجمع بينهما كما سأذكره واقتضى صنيعه أن هذه الطريق تصلح للاحتجاج بها وأن كانت دون غيرها في الصحة وإنما صدرها بصيغة التمريض إشارة إلى انحطاط رتبتها ووقع في شرح الكرماني قوله ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه ولا تهجر الا في البيت أي ويذكر عن معاوية ولا تهجر الا في البيت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأول أي الهجرة في غير البيوت أصح إسنادا وفي بعضها أي بعض النسخ من البخاري غير أن لا تهجر الا في البيت قال فحينئذ ففاعل يذكر هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن أي ويذكر عن معاوية رفعه غير أن لا تهجر أي رويت قصة الهجرة عنه مرفوعة الا أنه قال لا تهجر الا في البيت وهذا الذي تلمحه غلط محض فإن معاوية بن حيدة ما روى قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه ولا يوجد هذا في شيء من المسانيد ولا الأجزاء وليس مراد البخاري ما ذكره وإنما مراده حكاية ما ورد في سياق حديث معاوية بن حيدة فإن في بعض طرقه ولا يقبح ولا يضرب الوجه غير أن لا يهجر الا في البيت فظن الكرماني أن الاستثناء من تصرف البخاري وليس كذلك بل هو حكاية منه عما ورد من لفظ الحديث والله أعلم قال المهلب هذا الذي أشار إليه البخاري كأنه أراد أن يستن الناس بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من الهجر في غير البيوت رفقا بالنساء لأن هجرانهن مع الإقامة معهن في البيوت آلم لانفسهن وأوجع لقلوبهن بما يقع من الأعراض في تلك الحال ولما في الغيبة من الأعين من التسلية عن الرجال قال وليس ذلك بواجب لأن الله قد أمر بهجرانهن في المضاجع فضلا عن البيوت وتعقبه بن المنير بأن البخاري لم يرد ما فهمه وإنما أراد أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت وفي غير البيوت وأن الحصر المذكور في حديث معاوية بن حيدة غير معمول به بل يجوز الهجر في غير البيوت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم اه والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال فربما كان الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها وبالعكس بل الغالب أن الهجران في غير البيوت آلم النفوس وخصوصا النساء لضعف نفوسهن واختلف أهل التفسير في المراد بالهجران فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن والإقامة عندهن على ظاهر الآية وهو من الهجران وهو البعد وظاهره أنه لا يضاجعها وقيل المعنى يضاجعها ويوليها ظهره وقيل يمتنع من جماعها وقيل يجامعها ولا يكلمها وقيل اهجروهن مشتق من الهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح أي اغلظوا لهن في القول وقيل مشتق من الهجار وهو الحبل الذي يشد به البعير يقال هجر البعير أي ربطه فالمعنى اوثقوهن في البيوت واضربوهن قاله الطبري وقواه واستدل له ووهاه بن العربي فأجاد ثم ذكر في الباب حديثين الأول حديث أم سلمة

[ 4906 ] قوله عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث أي بن هشام بن المغيرة وهو أخو أبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرجه في الصيام عن أبي عاصم وحده به وقوله في هذه الطريق لا يدخل على بعض نسائه كذا في هذه الرواية وهو يشعر بأن اللاتي أقسم أن لا يدخل عليهن هن من وقع منهن ما وقع من سبب القسم لا جميع النسوة لكن اتفق أنه في تلك الحالة انفكت رجله كما في حديث أنس المتقدم في أوائل الصيام فاستمر مقيما في المشربة ذلك الشهر كله وهو يؤيد أن سبب القسم ما تقدم في مارية فإنها تقتضي اختصاص بعض النسوة دون بعض بخلاف قصة العسل فإنهن اشتركن فيها الا صاحبة العسل وأن كانت إحداهن بدأت بذلك وكذلك قصة طلب النفقة والغيرة فإنهن اجتمعن فيها الحديث الثاني

[ 4907 ] قوله أبو يعفور بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء وسكون الواو وآخره راء هو الأصغر واسمه عبد الرحمن بن عبيد كوفي ثقة ليس له في البخاري الا هذا الحديث وأخر تقدم في آخر ليلة القدر حدث به أيضا عن أبي الضحى قوله تذاكرنا عند أبي الضحى فقال حدثنا بن عباس لم يذكر ما تذاكروا به وقد أخرجه النسائي عن أحمد بن عبد الحكم عن مروان بن معاوية بالإسناد الذي أخرجه البخاري فأوضحه ولفظه تذاكرنا الشهر فقال بعضنا ثلاثين وقال بعضنا تسعا وعشرين فقال أبو الضحى بن عباس وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن مروان بن معاوية وقال فيه تذاكرنا الشهر عند أبي الضحى قوله فدخلت المسجد فإذا هو ملآن من الناس هذا ظاهر في حضور بن عباس هذه القصة وحديثه الطويل بل الذي مضى قريبا يشعر بأنه ما عرف القصة الا من عمر لكن يحتمل أن يكون عرفها مجملة ففصلها عمر له لما سأله عن المتظاهرتين قوله في غرفة في رواية النسائي في علية بمهملة مضمومة وقد تكسر وبلام ثم تحتانية ثقيلتين هي المكان العالي وهي الغرفة وتقدم أنها كانت مشربة وفسرت فيما مضى وزاد الإسماعيلي من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن أبي يعفور في غرفة ليس عنده فيها الا بلال قوله فناداه فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم كذا في جميع الأصول التي وقفت عليها من البخاري بحذف فاعل فناداه فإن الضمير لعمر وهو الذي دخل وقد وقع ذلك مبينا في رواية أبي نعيم ولفظه بعد قوله فسلم فلم يجبه أحد فانصرف فناداه بلال فدخل ومثله للنسائي لكن قال فنادى بلال بحذف المفعول وهو الضمير في رواية غيره وعند الإسماعيلي فسلم فلم يحبه أحد فانحط فدعاه بلال فسلم ثم دخل وقد تقدم في الحديث الطويل أن في رواية سماك بن الوليد عن بن عباس عن عمر عند مسلم أن اسم الغلام الذي إذن له رباح فلولا قوله في هذه الرواية ليس عنده فيها الا بلال لجوزت أن يكونا جميعا كانا عنده لكن يجوز أن يكون الحصر للعناية الداخلة ويكون رباح كان على أسكفه الباب كما تقدم وعند الإذن ناداه بلال فأسمعه رباح فيجتمع الخبران قوله فقال لا ولكن آليت منهن شهرا أي حلفت أن لا أدخل عليهن شهرا كما تقدم بيانه واضحا في شرح حديث عمر المطول

قوله باب ما يكره من ضرب النساء فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقا بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم على ما سنفصله قوله وقول الله تعالى واضربوهن أي ضربا غير مبرح هذا التفسير منتزع من المفهوم من حديث الباب من قوله ضرب العبد كما سأوضحه وقد جاء ذلك صريحا في حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا وفيه فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي واللفظ له وفي حديث جابر الطويل عند مسلم فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح قلت وسبق التنصيص في حديث معاوية بن حيدة على النهي عن ضرب الوجه

[ 4908 ] قوله سفيان هو الثوري وهشام هو بن عروة وعبد الله بن زمعة تقدم بيان نسبه في تفسير سورة والشمس قوله لا يجلد أحدكم كذا في نسخ البخاري بصيغة النهي وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أحمد بن سفيان النسائي عن الفريابي وهو محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه بصيغة الخبر وليس في أوله صيغة النهي وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن الفريابي وكذا توارد عليه أصحاب هشام بن عروة وتقدم في التفسير من رواية وهيب ويأتي في الأدب من رواية بن عيينة وكذا أخرجه أحمد عن بن عيينة وعن وكيع وعن أبي معاوية وعن بن نمير أخرجه مسلم وابن ماجة من رواية بن نمير والترمذي والنسائي من رواية عبدة بن سليمان ففي رواية أبي معاوية وعبدة الام يجلد وفي رواية وكيع وابن نمير علام يجلد وفي رواية بن عيينة وعظهم في النساء فقال يضرب أحدكم امرأته وهو موافق لرواية أحمد بن سفيان وليس عند واحد منهم صيغة النهي قوله جلد العبد أي مثل جلد العبد وفي إحدى روايتي بن نمير عند مسلم ضرب الأمة وللنسائي من طريق بن عيينة كما يضرب العبد والأمة وفي رواية أحمد بن سفيان جلد البعير أو العبد وسيأتي في الأدب من رواية بن عيينة ضرب الفحل أو العبد والمراد بالفحل البعير وفي حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود ولا تضرب ظئينتك ضربك أمتك قوله ثم يجامعها في رواية أبي معاوية ولعله أن يضاجعها وهي رواية الأكثر وفي رواية لابن عيينة في الأدب ثم لعله يعانقها وقوله في آخر اليوم في رواية بن عيينة عند أحمد من آخر الليل وله عند النسائي آخر النهار وفي رواية بن نمير والأكثر في آخر يومه وفي رواية وكيع آخر الليل أو من آخر الليل وكلها متقاربة وفي الحديث جواز تأديب الرقيق بالضرب الشديد والايماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك وإليه أشار المصنف بقوله غير مبرح وفي سياقه استبعاد وقوع الامرين من العاقل أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة والمجلود غالبا ينفر ممن جلده فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك وأنه أن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل منه الفور التام فلا يفرط في الضرب لا يفرط في التأديب قال المهلب بين صلى الله عليه وسلم بقوله جلد العبد أن ضرب الرقيق فوق ضرب الحر لتباين حالتيهما ولان ضرب المرأة إنما ابيح من أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقه عليها اه وقد جاء النهي عن ضرب النساء مطلقا فعند أحمد وأبي داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب بضم المعجمة وبموحدتين الأولى خفيفة لا تضربوا إماء الله فجاء عمر فقال قد ذئر النساء على ازواجهن فأذن لهم فضربوهن فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير فقال لقد اطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم وله شاهد من حديث بن عباس في صحيح بن حبان وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي وقوله ذئر بفتح المعجمة وكسر الهمزة بعدها راء أي نشز بنون ومعجمة وزاي وقيل معناه غضب واستب قال الشافعي يحتمل أن يكون النهي على الاختيار والأذن فيه على الإباحة ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم إذن بعد نزولها فيه وفي قوله أن يضرب خياركم دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالايهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية الا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله وقد أخرج النسائي في الباب حديث عائشة ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له ولا خادما قط ولا ضرب بيده شيئا قط الا في سبيل الله صلى الله عليه وسلم أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله وسيأتي مزيد في ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى

قوله باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية الله لما كان الذي قبله يشعر بندب المرأة إلى طاعة زوجها في كل ما يرومه خصص ذلك بما لا يكون فيه معصية الله فلو دعاها الزوج إلى معصية فعليها أن تمتنع فإن أدبها على ذلك كان الإثم عليه ثم ذكر فيه طرفا من حديث التي طلبت أن تصل شعر ابنتها وسيأتي شرحه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى

[ 4909 ] قوله أنه قد لعن الموصلات كذا بالبناء للمجهول والموصلات بتشديد الصاد المكسورة ويجوز فتحها وفي رواية الكشميهني الموصولات وهو يؤيد رواية الفتح

قوله باب وأن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا ليس في رواية أبي ذر أو اعراضا وقد تقدم الباب وحديثه في تفسير سورة النساء وسياقه هنا أتم وذكرت هناك سبب نزولها وفيمن نزلت واختلف السلف فيما إذا تراضيا على أن لا قسمة لها هل لها أن ترجع في ذلك فقال الثوري والشافعي وأحمد وأخرجه البيهقي عن علي وحكاه بن المنذر عن عبيدة بن عمرو وإبراهيم ومجاهد وغيرهم أن رجعت فعليه أن يقسم لها وأن شاء فارقها وعن الحسن ليس لها أن تنقض وهو قياس قول مالك في الانظار والعارية والله أعلم

قوله باب العزل أي النزع بعد الايلاج لينزل خارج الفرج والمراد هنا بيان حكمة وذكر فيه حديثين

[ 4911 ] الأول حديث جابر قوله يحيى بن سعيد هو القطان وله عن بن جريج عن عطاء عن جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أحمد عن يحيى بن سعيد الأموي عن بن جريج عن عطاء أنه سمع جابرا سئل عن العزل فقال كنا نصنعه قوله حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان هو بن عيينة قال قال عمرو هو بن دينار أخبرني عطاء أنه سمع جابرا يقول هذا مما نزل فيه عمرو بن دينار فإنه سمع الكثير من جابر نفسه ثم ادخل في هذا بينهما واسطة وقد تواردت الروايات من أصحاب سفيان على ذلك الا ما وقع في مسند أحمد في النسخ المتأخرة فإنه ليس في الإسناد عطاء لكنه أخرجه أبو نعيم من طريق المسند بإثباته وهو المعتمد قوله كنا نعزل والقرآن ينزل وعن عمرو عن عطاء عن جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وقع في رواية الكشميهني كان يعزل بضم أوله وفتح الزاي على البناء للمجهول وكأن بن عيينة حدث به مرتين فمرة ذكر فيها الأخبار والسماع فلم يقل فيها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرة ذكره بالعنعنة فذكرها وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق عن سفيان صرح فيها بالتحديث قال حدثنا عمرو بن دينار وزاد بن أبي عمر في روايته عن سفيان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد إبراهيم بن موسى في روايته عن سفيان أنه قال حين روى هذا الحديث أي لو كان حراما لنزل فيه وقد اخرج مسلم هذه الزيادة عن إسحاق بن راهويه عن سفيان فساقه بلفظ كنا نعزل والقرآن ينزل قال سفيان لو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن فهذا ظاهر في أن سفيان قاله استنباطا واوهم كلام صاحب العمدة ومن تبعه أن هذه الزيادة من نفس الحديث فادرجها وليس الأمر كذلك فإني تتبعته من المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة وشرحه بن دقيق العيد على ما وقع في العمدة فقال استدلال جابر بالتقرير من الله غريب ويمكن أن يكون استدل بتقرير الرسول لكنه مشروط بعلمه بذلك انتهى ويكفي في علمه به قول الصحابي أنه فعله في عهده والمسألة مشهورة في الأصول وفي علم الحديث وهي أن الصحابي إذا أضافه الى زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع عند الأكثر لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام وإذا لم يضفه فله حكم الرفع عند قوم وهذا من الأول فإن جابرا صرح بوقوعه في عهده صلى الله عليه وسلم وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك والذي يظهر لي أن الذي استنبط ذلك سواء كان هو جابرا أو سفيان أراد بنزول القرآن ما يقرأ أعم من المتعبد بتلاوته أو غيره مما يوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه يقول فعلناه في زمن التشريع ولو كان حراما لم نقر عليه وإلى ذلك يشير قول بن عمر كنا نتقي الكلام والإنبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل فينا شيء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا أخرجه البخاري وقد أخرجه مسلم أيضا من طريق أبي الزبير عن جابر قال كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا ومن وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال اعزل عنها أن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث الرجل ثم أتاه فقال أن الجارية قد حبلت قال قد أخبرتك ووقعت هذه القصة عنده من طريق سفيان بن عيينة بإسناد له آخر إلى جابر وفي آخره فقال أنا عبد الله ورسوله وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي شيبة بسند آخر على شرط الشيخين بمعناه ففي هذه الطرق ما أغنى عن الاستنباط فإن في إحداها التصريح باطلاعه صلى الله عليه وسلم وفي الأخرى إذنه في ذلك وأن كان السياق يشعر بأنه خلاف الأولى كما سأذكر البحث فيه الحديث الثاني حديث أبي سعيد

[ 4912 ] قوله جويرية هو بن أسماء الضبعي يشارك مالكا في الرواية عن نافع وتفرد عنه بهذا الحديث وبغيره وهو من الثقات الاثبات قال الدارقطني بعد أن أخرجه من طريقه صحيح غريب تفرد به جويرية عن مالك قلت ولم أره الا من رواية بن أخيه عبد الله بن محمد بن أسماء عنه قوله عن الزهري لمالك فيه إسناد آخر أخرجه المصنف في العتق وأبو داود وابن حبان من طريق عنه عن ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز وكذا هو في الموطأ قوله عن بن محيريز بحاء مهملة ثم راء ثم زاي مصغرا اسمه عبد الله ووقع كذلك في رواية يونس كما سيأتي في القدر عن الزهري أخبرني عبد الله بن محيريز الجمحي وهو مدني سكن الشام ومحيريز أبوه هو بن جنادة بن وهب وهو من رهط أبي محذورة المؤذن وكان يتيما في حجره ووافق مالكا على هذا السند شعيب كما مضى في البيوع ويونس كما سيأتي في القدر وعقيل والزبيدي كلاهما عند النسائي وخالفهم معمر فقال عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد أخرجه النسائي وخالف الجميع إبراهيم بن سعد فقال عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد أخرجه النسائي أيضا قال النسائي رواية مالك ومن وافقه أولي بالصواب قوله عن أبي سعيد في رواية يونس أن أبا سعيد الخدري أخبره وفي رواية ربيعة في المغازي عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز أنه قال دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل كذا عند البخاري ووقع عند مسلم من هذا الوجه دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد فسأله أبو صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل وأبو صرمة بكسر المهملة وسكون الراء اسمه مالك وقيل قيس صحابي مشهور من الأنصار وقد وقع في رواية للنسائي من طريق الضحاك بن عثمان عن محمد بن يحيى عن بن محيريز عن أبي سعيد وأبي صرمة قالا أصبنا سبايا والمحفوظ الأول قوله أصبنا سبيا في رواية شعيب في البيوع ويونس المذكورة أنه بينما هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم زاد يونس جاء رجل من الأنصار وفي رواية ربيعة المذكورة خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب وطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين اظهرنا لا نسأله فسألناه قوله فكنا نعزل في رواية يونس وشعيب فقال أنا نصيب سبيا ونحب المال فكيف ترى في العزل ووقع عند مسلم من طريق عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد قال ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وما ذلكم قالوا الرجل تكون له المرأة ترضع له فيصيب منها ويكره أن تحمل منه والرجل تكون له الأمة فيصيب منها ويكره أن تحمل منه ففي هذه الرواية إشارة إلى أن سبب العزل شيئان أحدهما كراهة مجيء الولد من الأمة وهو أما انفة من ذلك وأما لئلا يتعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد وأما لغير ذلك كما سأذكره بعد والثاني كراهة أن تحمل الموطوءة وهي ترضع فيضر ذلك بالولد المرضع قوله أو إنكم لتفعلون هذا الاستفهام يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان اطلع على فعلهم ذلك ففيه تعقب على من قال أن قول الصحابي كنا نفعل كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوع معتلا بأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ففي هذا الخبر إنهم فعلوا العزل ولم يعلم به حتى سألوه عنه نعم للقائل أن يقول كانت دواعيهم متوفرة على سؤاله عن أمور الدين فإذا فعلوا الشيء وعلموا أنه لم يطلع عليه بادروا إلى سؤاله عن الحكم فيه فيكون الظهور من هذه الحيثية ووقع في رواية ربيعة لا عليكم أن لا تفعلوا ووقع في رواية مسلم من طريق أخرى عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد لا عليكم أن لا تفعلوا ذلك قال بن سيرين قوله لا عليكم أقرب إلى النهي وله من طريق بن عون عن محمد بن سيرين نحوه دون قول محمد قال بن عون فحدثت به الحسن فقال والله لكأن هذا زجر قال القرطبي كأن هؤلاء فهموا من لا النهي عما سألوه عنه فكأن عندهم بعد لا حذفا تقديره لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم الخ تأكيدا للنهي وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير وإنما معناه ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوي أن لا تفعلوا وقال غيره قوله لا عليكم أن لا تفعلوا أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا الا أن ادعى أن لا زائدة فيقال الأصل عدم ذلك ووقع في رواية مجاهد الآتية في التوحيد تعليقا ووصلها مسلم وغيره ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولم يفعل ذلك أحدكم ولم يقل لا يفعل ذلك فأشار إلى أنه لم يصرح لهم بالنهي وإنما أشار أن الأولى ترك ذلك لأن العزل إنما كان خشية حصول الولد فلا فائدة في ذلك لأن الله أن كان قدر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك فقد يسبق الماء ولا يشعر العازل فيحصل العلوق ويلحقه الولد ولا راد لما قضى الله والفرار من حصول الولد يكون لاسباب منه اخشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا أو خشية دخول الضرر على الولد المرضع إذا كانت الموطوءة ترضعه أو فرارا من كثرة العيال إذا كان الرجل مقلا فيرغب عن قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب وكل ذلك لا يغني شيئا وقد أخرج أحمد والبزار وصححه بن حبان من حديث أنس أن رجلا سأل عن العزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو أن الماء الذي يكون منه الولد اهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا وله شاهدان في الكبير للطبراني عن بن عباس وفي الأوسط له عن بن مسعود وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى وليس في جميع الصور التي يقع العزل بسببها ما يكون العزل فيه راجحا سوى الصورة المتقدمة من عند مسلم في طريق عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد وهي خشية أن يضر الحمل بالولد المرضع لأنه مما جرب فضر غالبا لكن وقع في بقية الحديث عند مسلم أن العزل بسبب ذلك لا يفيد لاحتمال أن يقع الحمل بغير الاختيار ووقع عند مسلم في حديث أسامة بن زيد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني اعزل عن امرأتي شفقة على ولدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كان كذلك فلا ما ضر ذلك فارس ولا الروم وفي العزل أيضا إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها وقد اختلف السلف في حكم العزل قال بن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا بأذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف الا ما لا يلحقه عزل ووافقه في نقل هذا الإجماع بن هبيرة وتعقب بان المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلا ثم في خصوص هذه المسألة عند الشافعية خلاف مشهور في جواز العزل عن الحرة بغير أذنها قال الغزالي وغيره يجوز وهو المصحح عند المتأخرين واحتج الجمهور لذلك بحديث عن عمر أخرجه أحمد وابن ماجة بلفظ نهى عن العزل عن الحرة الا بأذنها وفي إسناده بن لهيعة والوجه الآخر للشافعية الجزم بالمنع إذا امتنعت وفيما إذا رضيت وجهان أصحهما الجواز وهذا كله في الحرة وأما الأمة فإن كانت زوجة فهي مرتبة على الحرة أن جاز فيها ففي الأمة أولي وأن أمتنع فوجهان أصحهما الجواز تحرزا من ارقاق الولد وأن كانت سرية جاز بلا خلاف عندهم الا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب بن حزم وأن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيه مطلقا لأنها ليست راسخة في الفراش وقيل حكمها حكم الأمة المزوجة هذا واتفقت المذاهب الثلاثة على أن الحرة لا يعزل عنها الا بأذنها وأن الأمة يعزل عنها بغير أذنها واختلفوا في المزوجة فعند المالكية يحتاج إلى إذن سيدها وهو قول أبي حنيفة والراجح عن محمد وقال أبو يوسف وأحمد الإذن لها وهي رواية عن أحمد وعنه بأذنها وعنه يباح العزل مطلقا وعنه المنع مطلقا والذي احتج به من جنح إلى التفصيل لا يصح الا عند عبد الرزاق عنه بسند صحيح عن بن عباس قال تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الأمة السرية فإن كانت أمة تحت حر فعليه أن يستأمرها وهذا نص في المسألة فلو كان مرفوعا لم يجز العدول عنه وقد استنكر بن العربي القول بمنع العزل عمن يقول بأن المرأة لا حق لها في الوطء ونقل عن مالك أن لها حق المطالبة به إذا قصد بتركه اضرارها وعن الشافعي وأبي حنيفة لا حق لها فيه الا في وطئه واحدة يستقر بها المهر قال فإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون لها حق في العزل فإن خصوه بالوطئة الأولى فيمكن وإلا فلا يسوغ فيما بعد ذلك الا على مذهب مالك بالشرط المذكور اه وما نقله عن الشافعي غريب والمعروف عند أصحابه أنه لا حق لها أصلا نعم جزم بن حزم بوجوب الوطء وبتحريم العزل واستند إلى حديث جذامة بنت وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال ذلك الوأد الخفي أخرجه مسلم وهذا معارض بحديثين أحدهما أخرجه الترمذي والنسائي وصححه من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر قال كانت لنا جواري وكنا نعزل فقالت اليهود أن تلك الموءودة الصغرى فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم تستطع رده وأخرجه النسائي من طريق هشام وعلي بن المبارك وغيرهما عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن بن مطيع بن رفاعة عن أبي سعيد نحوه ومن طريق أبي عامر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه ومن طريق سليمان الأحول أنه سمع عمرو بن دينار يسأل أبا سلمة بن عبد الرحمن عن العزل فقال زعم أبو سعيد فذكر نحوه قال فسألت أبا سلمة أسمعته من أبي سعيد قال لا ولكن أخبرني رجل عنه والحديث الثاني في النسائي من وجه آخر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهذه طرق يقوي بعضها ببعض وجمع بينها وبين حديث جذامة يحمل حديث جذامة على التنزيه وهذه طريقة البيهقي ومنهم من ضعف حديث جذامة بأنه معارض بما هو أكثر طرقا منه وكيف يصرح بتكذيب اليهود في ذلك ثم يثبته وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن ومنهم من ادعى أنه منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب وكان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه وتعقبه بن رشد ثم بن العربي بأنه لا يجزم بشيء تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه ومنهم من رجح حديث جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابلة بأنه حديث واحد اختلف في إسناده فاضطرب ورد بأن الاختلاف إنما يقدح حيث لا يقوي بعض الوجوه فمتى قوي بعضها عمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن ورجح بن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها توافق أصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى أنه ابيح بعد أن منع فعليه البيان وتعقب بأن حديثها ليس صريحا في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما وخصه بعضهم بالعزل عن الحامل لزوال المعنى الذي كان يحذره الذي يعزل من حصول الحمل لكن فيه تضييع الحمل لأن المني يغذوه فقد يؤدي العزل إلى موته أو إلى ضعفه المفضي إلى موته فيكون وأدا خفيا وجمعوا أيضا بين تكذيب اليهود في قولهم الموءودة الصغرى وبين اثبات كونه وأدا خفيا في حديث جذامة بأن قولهم الموءودة الصغرى يقتضي أنه وأد ظاهر لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيا فلا يعارض قوله أن العزل وأد خفي فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلا فلا يترتب عليه حكم وإنما جعله وأدا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة وقال بعضهم قوله الوأد الخفي ورد على طريق التشبيه لأنه قطع طريق الولادة قبل مجيئه فأشبه قتل الولد بعد مجيئه قال بن القيم الذي كذبت فيه اليهود زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده ذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل والعزل يتعلق بالقصد صرفا فلذلك وصفه بكونه خفيا فهذه عدة أجوبة يقف معها الاستدلال بحديث جذامة على المنع وقد جنح إلى المنع من الشافعية بن حبان فقال في صحيحة ذكر الخبر الدال على أن هذا الفعل مزجور عنه لا يباح استعماله ثم ساق حديث أبي ذر رفعه ضعه في حلاله وجنبه حرامه واقرره فإن شاء الله أحياه وأن شاء أماته ولك أجرا اه ولا دلالة فيما ساقه على ما ادعاه من التحريم بل هو أمر إرشاد لما دلت عليه بقية الأخبار والله أعلم ومن عند عبد الرزاق وجه آخر عن بن عباس أنه أنكر أن يكون العزل وأدا وقال المني يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم يكسى لحما قال والعزل قبل ذلك كله وأخرج الطحاوي من طريق عبد الله بن عدي بن الخيار عن على نحوه في قصة حرب عند عمر وسنده جيد واختلفوا في علة النهي عن العزل فقيل لتفويت حق المرأة وقيل لمعاندة القدر وهذا الثاني هو الذي يقتضيه معظم الاخبار الواردة في ذلك والأول مبني على صحة الخبر المفرق بين الحرة والأمة وقال إمام الحرمين موضع المنع أنه ينزع بقصد الإنزال خارج الفرج خشية العلوق ومتى فقد ذلك لم يمنع وكأنه راعي سبب المنع فإذا فقد بقي أصل الإباحة فله أن ينزع متى شاء حتى لو نزع فانزل خارج الفرج اتفاقا لم يتعلق به النهي والله أعلم وينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح فمن قال بالمنع هناك ففي هذه أولي ومن قال بالجواز يمكن أن يلتحق به هذا ويمكن أن يفرق بأنه أشد لأن العزل لم يقع فيه تعاطي السبب ومعالجة السقط تقع بعد تعاطي السبب ويلتحق بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصله وقد أفتي بعض متأخري الشافعية بالمنع وهو مشكل على قولهم بإباحة العزل مطلقا والله أعلم واستدل بقوله في حديث أبي سعيد وأصبنا كرائم العرب وطالت علينا العزبة وأردنا أن نستمتع واحببنا الفداء لمن أجاز استرقاق العرب وقد تقدم بيانه في باب من ملك من العرب رقيقا في كتاب العتق ولمن أجاز وطء المشركات بملك اليمن وأن لم يكن من أهل الكتاب لأن بني المصطلق كانوا أهل أوثان وقد انفصل عنه من منع باحتمال أن يكونوا ممن دان بدين أهل الكتاب وهو باطل وباحتمال أن يكون ذلك في أول الأمر ثم نسخ وفيه نظر إذ النسخ لا يثبت بالاحتمال وباحتمال أن تكون المسبيات اسلمن قبل الوطء وهذا لا يتم مع قوله في الحديث واحببنا الفداء فإن المسلمة لا تعاد للمشرك نعم يمكن حمل الفداء على معنى أخص وهو انهن يفدين انفسهن فيعتقن من الرق ولا يلزم منه اعادتهن للمشركين وحمله بعضهم على ارادة الثمن لأن الفداء المتخوف من فوته هو الثمن ويؤيد هذا الحمل قوله في الرواية الأخرى فقال يا رسول الله أنا أصبنا سبيا ونحب الأثمان فكيف ترى في العزل وهذا أقوى من جميع ما تقدم والله أعلم

قوله باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرا تقدم في حديث الإفك في التفسير مثل ذلك من حديث عائشة أيضا وساق المصنف في الباب قصة أخرى ولعلها كانت أيضا في تلك السفرة ولكن بينت في شرح حديث الإفك في التفسير أنه لم يكن معه في غزوة المريسيع الا عائشة وقد تقدم في الهبة والشهادات مثل ذلك في أول حديث آخر عن عائشة أيضا

[ 4913 ] قوله بن أبي مليكة عن القاسم هو بن أبي بكر وابن أبي مليكة يروي عن عائشة تارة بالواسطة وتارة بغيرها قوله إذا أراد سفرا مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه بل لتعين القرعة من يسافر بها وتجري القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين زوجاته فلا يبدأ بأيهن شاء بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة الا أن يرضين بشيء فيجوز بلا قرعة قوله أقرع بين نسائه زاد بن سعد من وجه آخر عن القاسم عن عائشة فكان اذا خرج سهم غيري عرف فيه الكراهية واستدل به على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك كما تقدم في أواخر الشهادات والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة قال عياض هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنه من باب الخطر والقمار وحكى عن الحنفية اجازتها اه وقد قالوا به في مسألة الباب واحتج من منع من المالكية بأن بعض النسوة قد تكون أنفع في السفر من غيرها فلو خرجت القرعة للتي لا نفع بها في السفر لاضر بحال الرجل وكذا بالعكس قد يكون بعض النساء أقوم ببيت الرجل من الأخرى وقال القرطبي ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء وتختص مشروعية القرعة بما إذا اتفقت احوالهن لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحا بغير مرجح اه وفيه مراعاة للمذهب مع الأمن من رد الحديث أصلا لحمله على التخصيص فكأنه خصص العموم بالمعنى قوله فطارت القرعة لعائشة وحفصة أي في سفرة من السفرات والمراد بقولها طارت أي حصلت وطير كل إنسان نصيبه وقد تقدم في الجنائز قول أم العلاء لما اقتسم الأنصار المهاجرين قالت وطار لنا عثمان بن مظعون أي حصل في نصيبنا من المهاجرين قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث استدل به المهلب على أن القسم لم يكن واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ولا دلالة فيه لأن عماد القسم الليل في الحضر وأما في السفر فعماد القسم فيه النزول وأما حالة السير فليست منه لا ليلا ولا نهارا وقد أخرج أبو داود والبيهقي واللفظ له من طريق بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قل يوم الا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعا فيقبل ويلمس ما دون الوقاع فإذا جاء إلى التي هو يومها بات عندها قوله فقالت حفصة أي لعائشة قوله الا تركبين الليلة بعيري الخ كأن عائشة اجابت إلى ذلك لما شوقتها إليه من النظر إلى ما لم تكن هي تنظر وهذا مشعر بأنهما لم يكونا حال السير متقاربتين بل كانت كل واحدة منهما من جهة كما جرت العادة من السير قطارين إلا فلو كانتا معا لم تختص إحداهما بنظر ما لم تنظره الأخرى ويحتمل أن تريد بالنظر وطأة البعير وجودة سيره قوله فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه في رواية حكاها الكرماني وعليها وكأنه على إرادة الناقة قوله فسلم عليها لم يذكر في الخبر أنه تحدث معها فيحتمل أن يكون الهم ما وقع ويحتمل أن يكون وقع ذلك اتفاقا ويحتمل أن يكون تحدث ولم ينقل قوله واقتقدته عائشة أي حالة المسايرة لأن قطع المألوف صعب قوله فلما نزلوا جعلت رجليها بين الأذخر كأنها لما عرفت أنها الجانية فيما اجابت إليه حفصة عاتبت نفسها علىتلك الجناية والاذخر نبت معروف توجد فيه الهوام غالبا في البرية قوله وتقول رب سلط في رواية المستلمي يا رب سلط بإثبات حرف النداء وهي رواية مسلم قوله تلذغني بالغين المعجمة قوله ولا أستطيع أن أقول له شيئا قال الكرماني الظاهر أنه كلام حفصة ويحتمل أن يكون كلام عائشة ولم يظهر لي هذا الظاهر بل هو كلام عائشة وقد وقع في رواية مسلم في جميع ما وقفت عليه من طرقه الا ما سأذكره بعد قوله تلدغني رسولك لا أستطيع أن أقول له شيئا ورسولك بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو رسولك ويجوز النصب على تقدير فعل وإنما لم تتعرض لحفصة لأنها هي التي اجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم ووقع عند الإسماعيلي من وجهين عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بعد قوله تلدغني ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ولا أستطيع أن أقول له شيئا وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد بالقول في قولها أن أقول أي احكي له الواقعة لأنه ما كان يعذرني في ذلك وظاهر رواية غيره تفهم أن مرادها بالقول أنها لا تستطيع أن تقول في حقه شيئا كما تقدم قال الداودي يحتمل أن تكون المسايرة ف ليلة عائشة ولذلك غلبت عليها الغيرة فدعت على نفسها بالموت وتعقب بأنه يلزم منه أنه يوجب القسم في المسايرة وليس كذلك إذ لو كان لما كان يخص عائشة بالمسايرة دون حفصة حتى تحتاج حفصة تتحيل على عائشة ولا يتجه القسم في حالة السير الا إذا كانت الخلوة لا تحصل الا فيه بأن يركب معها في الهودج وعند النزول يجتمع الكل في الخيمة فيكون حينئذ عماد القسم السير وأما المسايرة فلا وهذا كله مبني على أن القسم كان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يدل عليه معظم الأخبار ويؤيد القول بالقرعة إنهم اتفقوا على أن مدة السفر لا يحاسب بها المقيمة بل يبتدئ إذا رجع بالقسم فيما يستقبل فلو سافر بمن شاء بغير قرعة فقدم بعضهن في القسم للزم منه إذا رجع أن يوفي من تخلفت حقها وقد نقل بن المنذر الإجماع على أن ذلك لا يجب فظهر أن للقرعة فائدة وهي أن لا يؤثر بعضهن بالتشهي لما يترتب على ذلك من ترك العدل بينهن وقد قال الشافعي في القديم لو كان المسافر يقسم لمن خلف لما كان للقرعة معنى بل معناها أن تصير هذه الأيام لمن حرج سهمها خالصة انتهى ولا يخفى أن محل الإطلاق في ترك القضاء في السفر ما دام اسم السفر موجودا فلو سافر إلى بلدة فأقام بها زمانا طويلا ثم سافر راجعا فعليه قضاء مدة الإقامة وفي مدة الرجوع خلاف عند الشافعية والمعنى في سقوط القضاء أن التي سافرت وفازت بالصحبة لحقها من تعب السفر ومشقته ما يقابل ذلك والمقيمة عكسها في الامرين معا

قوله باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها من يتعلق بيومها لا يهب أي يومها الذي بختص بها قوله وكيف يقسم ذلك قال العلماء إذا وهبت يومها لضرتها قسم الزوج لها يوم ضرتها فإن كان تاليا ليومها فذاك وإلا لم يقدمه عن رتبته في القسم الا برضا من بقي وقالوا إذا وهبت المرأة يومها لضرتها فإن قبل الزوج لم يكن للموهوبة أن تمتنع وأن لم يقبل لم يكره على ذلك وإذا وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة فهل له أن يخص واحدة أن كان عنده أكثر من اثنتين أو يوزعه بين من بقي وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى احبت لكن فيما يستقبل لا فيما مضى وأطلق بن بطال أنه لم يكن لسودة الرجوع في يومها الذي وهبته لعائشة

[ 4914 ] قوله حدثنا مالك بن إسماعيل هو أبو غسان النهدي وزهير هو بن معاوية قوله أن سودة بنت زمعة هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكان تزوجها وهو بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها بها وهاجرت معه ووقع لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب قالت عائشة وكانت أول امرأة تزوجها بعدي ومعناه عقد عليها بعد أن عقد على عائشة وأما دخوله عليها فكان قبل دخوله على عائشة بالاتفاق وقد نبهه على ذلك بن الجوزي قوله وهبت يومها لعائشة تقدم في الهبة من طريق الزهري عن عروة بلفظ يومها وليلتها وزاد في آخره تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن خالد عن هشام لما ان كبرت سودة وهبت وله نحوه من رواية جرير عن هشام وأخرج أبو داود هذا الحديث وزاد فيه بيان سببه أوضح من رواية مسلم فروى عن أحمد بن يونس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة بالسند المذكور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم الحديث وفيه ولقد قالت سودة بنت زمعة حين اسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك منها ففيها وأشباهها نزلت وأن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية وتابعه بن سعد عن الواقدي عن بن أبي الزناد في وصله ورواه سعيد بن منصور عن بن أبي الزناد مرسلا لم يذكر فيه عن عائشة وعند الترمذي من حديث بن عباس موصولا نحوه وكذا قال عبد الرزاق عن معمر بمعنى ذلك فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت وأخرج بن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له على طريقه فقالت والذي بعثك بالحق ما لي في الرجال حاجة ولكن أحب أن ابعث مع نسائك يوم القيامة فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي قال لا قالت فأنشدك لما راجعتني فراجعها قالت فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة في رواية جرير عن هشام عند مسلم فكان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة وقد بينت كلامهم في كيفية هذا القسم أول الباب

قوله باب العدل بين النساء ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء أشار بذكر الآية إلى أن المنتهى فيها العدل بينهن من كل جهة وبالحديث إلى ان المرادب بالعدل التسوية بينهن بما يليق بكل منهن فإذا وفي لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والايواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة وقد روى الأربعة وصححه بن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قال الترمذي يعني به الحب والمودة كذلك فسره أهل العلم قال الترمذي رواه غير واحد عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا وهو أصح من رواية حماد بن سلمة وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ولن تستطيعوا الآية قال في الحب والجماع وعن عبيدة بن عمرو السماني مثله

قوله بشر هو بن المفضل وخالد هو بن مهران الحذاء

[ 4915 ] قوله ولو شئت أن أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكن قال السنة في رواية مسلم وأبي داود من طريق هشيم عن خالد في آخر الحديث قال خالد لو شئت أن أقول رفعه لصدقت ولكنه قال السنة فبين أنه قول خالد وهو بن مهران الحذاء راوية عن أبي قلابة وقد اختلف على سفيان الثوري في تعيين قائل ذلك هل هو خالد أو شيخه أبو قلابة ويأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه مع شرح الحديث

قوله باب إذا تزوج الثيب على البكر أي أو عكس كيف يصنع

[ 4916 ] قوله حدثنا يوسف بن راشد هو يوسف بن موسى بن راشد نسب لجده قوله حدثنا أبو أسامة عن سفيان في رواية نعيم من طريق حمزة بن عون عن أبي أسامة حدثنا سفيان قوله حدثنا أيوب هو السختياني وخالد هو الحذاء قوله عن أبي قلابة أي إنهما جميعا روياه عن أبي قلابة لكن الذي يظهر أنه ساقه على لفظ خالد قوله قال من السنة أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي يتبادر للفهم من قول الصحابي وقد مضى في الحد قول سلام بن عبد الله بن عمر لما سأله الزهري عن قول بن عمر للحجاج أن كنت تريد السنة هل تريد سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له سالم وهل يعنون بذلك الا سنته قوله إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أي يكون عنده امرأة فيتزوج معها بكرا كما سيأتي البحث عنه قوله أقام عندها سبعا وقسم ثم قال أقام عندها ثلاثا ثم قسم كذا في البخاري بالواو في الأولى وبلفظ ثم في الثانية ووقع عند الإسماعيلي وأبي نعيم من طريق حمزة بن عون عن أبي أسامة بلفظ ثم في الموضعين قوله قال أبو قلابة ولو شئت لقلت أن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يشير إلى أنه لو صرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان صادقا ويكون روى بالمعنى وهو جائز عنده لكنه رأى أن المحافظة على اللفظ أولى وقال بن دقيق العيد قول أبي قلابة يحتمل وجهين أحدهما أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا والثاني أن يكون رأى أن قول أنس من السنة في حكم المرفوع فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح لأنه في حكم المرفوع قال والأول أقرب لأن قوله من السنة يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتلم وقوله أنه رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص غير محتمل انتهى وهو بحث متجه ولم يصب من رده بأن الأكثر على أن قول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع لاتجاه الفرق بين ما هو مرفوع وما هو في حكم المرفوع لكن باب الرواية بالمعنى متسع وقد وافق هذه الرواية بن علية عن خالد في نسبة هذا القول إلى أبي قلابة أخرجه الإسماعيلي ونسبه بشر بن المفضل وهشيم إلى خالد ولا منافاة بينهما كما تقدم لاحتمال أن يكون كل منهما قال ذلك قوله وقال عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن أيوب وخالد يعني بهذا الإسناد والمتن قوله قال خالد ولو شئت لقلت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأن البخاري أراد أن يبين أن الرواية عن سفيان الثوري أختلفت في نسبة هذا القول هل هو قول أبي قلابة أو قول خالد ويظهر لي أن هذه الزيادة في رواية خالد عن أبي قلابة دون رواية أيوب ويؤيده أنه أخرجه في الباب الذي قبله من وجه آخر عن خالد وذكر الزيادة في صدر الحديث وقد وصل طريق عبد الرزاق المذكورة مسلم فقال حدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق ولفظه من السنة أن يقيم عند البكر سبعا قال خالد الخ وقد رواه أبو داود الجفري والقاسم بن يزيد الجرمي عن الثوري عنهما أخرجه الإسماعيلي ورواه عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان كذلك أخرجه البيهقي وشذ أبو قلابة الرقاشي فرواه عن أبي عاصم عن سفيان عن خالد وأيوب جميعا وقال فيه قال صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وقال حدثناه الصغاني عن أبي قلابة وقال هو غريب لا أعلم من قاله غير أبي قلابة انتهى وقد أخرج الإسماعيلي من طريق أيوب من رواية عبد الوهاب الثقفي عنه عن أبي قلابة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرح برفعه وهو يؤيد ما ذكرته أن السياق في رواية سفيان لخالد ورواية أيوب هذه أن كانت محفوظة احتمل أن يكون أبو قلابة لما حدث به أيوب جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه بن خزيمة في صحيحه وأخرجه بن حبان أيضا عنه عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بن عيينة عن أيوب وصرح برفعه وأخرجه الدارمي والدارقطني من طريق محمد بن إسحاق عن أيوب مثله فبينت أن رواية خالد هي التي قال فيها من السنة وأن رواية أيوب قال فيها قال النبي صلى الله عليه وسلم واستدل به على أن هذا العدل يختص بمن له زوجة قبل الجديدة وقال بن عبد البر جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف وسواء كان عنده زوجة أم لا وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب واختار النووي أن لا فرق وإطلاق الشافعي يعضده ولكن يشهد للأول قوله في حديث الباب إذا تزوج البكر على الثيب ويمكن أن يتمسك للآخر بسياق بشر عن خالد الذي في الباب قبله فإنه قال إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا الحديث ولم يقيده بما إذا تزوجها على غيرها لكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيد بل ثبت في رواية خالد التقييد فعند مسلم من طريق هشيم عن خالد إذا تزوج البكر على الثيب الحديث يؤيده أيضا قوله في حديث الباب ثم قسم لأن القسم إنما يكون لمن عنده زوجة أخرى وفيه حجة على الكوفيين في قولهم أن البكر والثيب سواء في الثلاث وعلى الأوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان وفيه حديث مرفوع عن عائشة أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا وخص من عموم حديث الباب ما لو أرادت الثيب ان يكمل لها السبع فإنه إذا اجابها سقط حقها من الثلاث وقضى السبع لغيرها لما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال أنه ليس بك على أهلك هوان أن شئت سبعت لك وأن سبعت لك سبعت لنسائي وفي رواية له أن شئت ثلثت ثم درت قالت ثلث وحكى الشيخ أبو إسحاق في المهذب وجهين في أنه يقضي السبع أو الأربع المزيدة والذي قطع به الأكثر أن اختارت السبع قضاها كلها وأن اقامها بغير اختيارها قضى الأربع المزيدة تنبيه يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن صلاة الجماعة وسائر أعمال البر التي كان يفعلها نص عليه الشافعي وقال الرافعي هذا في النهار أما في الليل فلا لأن المندوب لا يترك له الواجب وقد قال الأصحاب يسوى بين الزوجات في الخروج إلى الجماعة وفي سائر أعمال البر فيخرج في ليالي الكل أو لا يخرج أصلا فإن خصص حرم عليه وعدوا هذا من الاعذار في ترك الجماعة وقال بن دقيق العيد أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة وبالغ في التشنيع وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوب المقام عندها وهو قول الشافعية ورواه بن القاسم عن مالك وعنه يستحب وهو وجه الشافعية فعلى الأصح يتعارض عنده الواجبان فقدم حق الادمي هذا توجيهه فليس بشنيع وأن كان مرجوحا وتجب الموالاة في السبع وفي الثلاث فلو فرق لم يحسب على الراجح لأن الحشمة لا تزول به ثم لا فرق في ذلك بين الحرة والامة وقيل هي على النصف من الحرة ويجبر الكسر

قوله باب من طاف على نسائه في غسل واحد ذكر فيه حديث أنس في ذلك وقد تقدم سندا ومتنا في كتاب الغسل مع شرحه وفوائده والاختلاف على قتادة في كونهن تسعا أو إحدى عشرة وبيان الجمع بين الحديثين وتعلق به من قال أن القسم لم يكن واجبا عليه وتقدم أن بن العربي نقلا أنه كانت له ساعة من النهار لا يجب عليه فيها القسم وهي بعد العصر وقلت أن لم أجد لذلك دليلا ثم وجدت حديث عائشة الذي في الباب بعد هذا بلفظ كان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن الحديث وليس فيه بقية ما ذكر من أن تلك الساعة هي التي لم يكن القسم واجبا عليه فيها وأنه ترك إتيان نسائه كلهن في ساعة واحدة على تلك الساعة ويرد عليه

[ 4917 ] قوله في حديث أنس كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وقد تقدمت له توجيهات غير هذه هناك وذكر عياض في الشفا أن الحكمة في طوافه عليهن في الليلة الواحدة كان لتحصينهن وكأنه أراد به عدم تشوقهن للازواج إذ الاحصان له معان منها الإسلام والحرية والعفة والذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك وأن لم يكن واجبا كما تقدم شيء من ذلك في باب كثرة النساء وفي التعليل الذي ذكره نظر لانهن حرم عليهن التزويج بعده وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها وزادت آخرهن موتا على ذلك

قوله باب دخول الرجل على نسائه في اليوم ذكر فيه طرفا من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه الحديث وسيأتي بأتم من هذا في باب لم تحرم ما أحل الله لك من كتاب الطلاق وقوله

[ 4918 ] فيدنو من إحداهن زاد فيه بن أبي الزناد عن هشام بن عروة بغير وقاع وقد بينته في باب القرعة بين النساء وهو مما يؤكد الرد على بن العربي فيما ادعاه

قوله باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له ذكر فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه في الوفاة النبوية في اخر المغازي والغرض منه هنا أن القسم لهن يسقط باذنهن في ذلك فكأنهن وهبن أيامهن تلك التي هو في بيتها وقد تقدم في بعض طرقه التصريح بذلك

قوله باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض ذكر فيه طرفا من حديث بن عباس عن عمر الذي تقدم في باب موعظة الرجل ابنته وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم شرحه هناك

قوله باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة أشار بهذا إلى ما ذكره أبو عبيد في تفسير الخبر قال

[ 4921 ] قوله المتشبع أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعى من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها وكذلك هذا في الرجال قال وأما قوله كلابس ثوبي زور فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد يوهم أنه منهم ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه قال وفيه وجه آخر أن يكون المراد بالثياب الأنفس كقولهم فلان نقي الثوب إذا كان بريئا من الدنس وفلان دنس الثوب إذا كان مغموصا عليه في دينه وقال الخطابي الثوب مثل ومعناه أنه صاحب زور وكذب كما يقال لمن وصف بالبراءة من الادناس طاهر الثوب والمراد به نفس الرجل وقال أبو سعيد الضرير المراد به أن شاهد الزور قد يستعير ثوبين يتجمل بهما ليوهم أنه مقبول الشهادة اه وهذا نقله الخطابي عن نعيم بن حماد قال كان يكون في الحي الرجل له هيئة وشارة فإذا احتيج إلى شهادة زور لبس ثوبيه وأقبل فشهد فقبل لنبل هيئته وحسن ثوبيه فيقال امضاها بثوبيه يعني الشهادة فأضيف الزور إليهما فقيل كلابس ثوبي زور وأما حكم التثنية في قوله ثوبي زور فللإشارة إلى أن كذب المتحلي مثنى لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ وعلى غيره بما لم يعط وكذلك شاهد الزور يظلم نفسه ويظلم المشهود عليه وقال الداودي في التثنية إشارة إلى أنه كالذي قال الزور مرتين مبالغة في التحذير من ذلك وقيل أن بعضهم كان يجعل في الكم كما آخر يوهم أن الثوب ثوبان قاله بن المنير قلت ونحو ذلك ما في زماننا هذا فيما يعمل في الاطواق والمعنى الأول أليق وقال بن التين هو أن يلبس ثوبي وديعة أو عارية يظن الناس إنهما له ولباسهما لا يدوم ويفتضح بكذبه وأراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت خوفا من الفساد بين زوجها وضرتها ويورث بينهما البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه وقال الزمخشري في الفائق المتشبع أي المتشبه بالشبعان وليس به واستعير للتحلي بفضيلة لم يرزقها وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور وهو الذي يتزيا بزي أهل الصلاح رياء وأضاف الثوبين إليه لأنهما كالملبوسين وأراد بالتثنية أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما وانزر بالآخر كما قيل إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا فالاشارة بالإزار والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه ويحتمل أن تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان فقدان ما يتشبع به وإظهار الباطل وقال المطرزي هو الذي يرى أنه شبعان وليس كذلك قوله عن هشام هو بن عروة بن الزبير ويحيى في الرواية الثانية هو بن سعيد القطان وأفاد تصريح هشام بتحديث فاطمة وهي بنت المنذر بن الزبير وهي بنت عمه وزوجته وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق جدتهما معا وقد اتفق الأكثر من أصحاب هشام على هذا الإسناد وانفرد معمر والمبارك بن فضالة بروايته عن هشام بن عروة فقالا عن أبيه عن عائشة وأخرجه النسائي من طريق معمر وقال أنه أخطأ والصواب حديث أسماء وذكر الدارقطني في التتبع أن مسلما أخرجه من رواية عبدة بن سليمان ووكيع كلاهما عن هشام بن عروة مثل رواية معمر قال وهذا لا يصح واحتاج أن انظر في كتاب مسلم فإني وجدته في رقعة والصواب عن عبدة ووكيع عن فاطمة عن أسماء لا عن عروة عن عائشة وكذا قال سائر أصحاب هشام قلت هو ثابت في النسخ الصحيحة من مسلم في كتاب اللباس أورده عن بن نمير عن عبدة ووكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة ثم أورده عن بن نمير عن عبدة وحده عن هشام عن فاطمة عن أسماء فاقتضى أنه عند عبدة على الوجهين وعند وكيع بطريق عائشة فقط ثم أورده مسلم من طريق أبي معاوية ومن طريق أبي أسامة كلاهما عن هشام عن فاطمة وكذا أورده النسائي عن محمد بن آدم وأبو عوانة في صحيحه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن عبدة عن هشام وكذا هو في مسند بن أبي شيبة وأخرجه أبو عوانة أيضا من طريق أبي ضمرة ومن طريق علي بن مسهر وأخرجه بن حبان من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وأبو نعيم في المستخرج من طريق مرجي بن رجاء كلهم عن هشام عن فاطمة فالظاهر أن المحفوظ عن عبدة عن هشام عن فاطمة وأما وكيع فقد أخرج روايته الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم الطوسي عنه مثل ما وقع عند مسلم فليضم إلى معمر ومبارك بن فضالة ويستدرك على الدارقطني قوله أن امرأة قالت لم اقف على تعيين هذه المرأة ولا على تعيين زوجها قوله أن لي ضرة في رواية الإسماعيلي أن لي جارة وهي الضرة كما تقدم قوله أن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني في رواية مسلم من حديث عائشة أن امرأة قالت يا رسول الله أقول أن زوجي أعطاني ما لم يعطني قوله المشتبع بما لم يعطه في رواية معمر بما لم يعطه

قوله باب الغيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء قال عياض وغيره هي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين هذا في حق الآدمي وأما في حق الله فقال الخطابي أحسن ما يفسر به ما فسر به في حديث أبي هريرة يعني الآتي في هذا الباب وهو قوله وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه قال عياض ويحتمل أن تكون الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك وقيل الغيرة في الأصل الحمية والانفة وهو تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه الغضب والرضا وقال بن العربي التغير محال على الله بالدلالة القطعية فيجب تأويله بلازمه كالوعيد أو إيقاع العقوبة بالفاعل ونحو ذلك اه وقد تقدم في كتاب الكسوف شيء من هذا ينبغي استحضاره هنا ثم قال ومن أشرف وجوه غيرته تعالى اختصاصه قوما بعصمته يعني فمن ادعى شيئا من ذلك لنفسه عاقبة قال وأشد الادميين غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان يغار لله ولدينه ولهذا كان لا ينتقم لنفسه اه وأورد المصنف في الباب تسعة أحاديث الحديث الأول قوله وقال وراد بفتح الواو وتشديد الراء هو كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه وحديثه هذا المعلق عن المغيرة سيأتي موصلا في كتاب الحدود من طريق عبد الملك بن عمير عنه بلفظه لكن فيه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم واختصرها هنا ويأتي أيضا في كتاب التوحيد من هذا الوجه أتم سياقا واغفل المزي التنبيه على هذا التعليق في النكاح قوله قال سعد بن عبادة هو سيد الخزرج واحد نقبائهم قوله لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته عند مسلم من حديث أبي هريرة ولفظه قال سعد يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلا أمهله حتى أتي بأربعة شهداء قال نعم وزاد في رواية من هذا الوجه قال كلا والذي بعثك بالحق أن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك وفي حديث بن عباس عند أحمد واللفظ له وأبي داود والحاكم لما نزلت هذه الآية والذين يرمون المحصنات الآية قال سعد بن عبادة أهكذا أنزلت فلو وجدت لكاع متفخذها رجل لم يكن لي أن أحركه ولا اهيجه حتى أتي بأربعة شهداء فوالله لا أتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار الا تسمعون ما يقول سيدكم قالوا يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور والله ما تزوج امرأة قط الا عذراء ولا طلق امرأة فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته فقال سعد والله إني لأعلم يا رسول الله أنها لحق وإنها من عند الله ولكني عجبت قوله غير مصفح قال عياض هو بكسر الفاء وسكون الصاد المهملة قال ورويناه أيضا بفتح الفاء فمن فتح جعله وصفا للسيف وحالا منه ومن كسر جعله وصفا للضارب وحالا منه اه وزعم بن التين أنه وقع في سائر الأمهات بتشديد الفاء وهو من صفح السيف أي عرضه وحده ويقال له غرار بالغين المعجمة وللسيف صفحان وحدان وأراد أنه يضربه بحده لا بعرضه والذي يضرب بالحد يقصد إلى القتل بخلاف الذي يضرب بالصفح فإنه يقصد التأديب ووقع عند مسلم من رواية أبي عوانة غير مصفح عنه وهذه يترجح فيها كسر الفاء ويجوز الفتح أيضا على البناء للمجهول وقد أنكرها بن الجوزي وقال ظن الراوي أنه من الصفح الذي هو بمعنى العفو وليس كذلك إنما هو من صفح السيف قلت ويمكن توجيهها على المعنى الأول والصفح والصفحة بمعنى وقد أورده مسلم من طريق زائدة عن عبد الملك بن عمير وبين أنه ليس في روايته لفظة عنه وكذا سائر من رواه عن أبي فوانة في البخاري وغيره لم يذكروها قوله أتعجبون من غيرة سعد تمسك بهذا التقرير من أجاز فعل ما قال سعد وقال أن وقع ذلك ذهب دم المقتول هدرا نقل ذلك عن بن المواز من المالكية وسيأتي بسط ذلك وبيانه في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى الحديث الثاني

[ 4922 ] قوله شقيق هو أبو وائل الأسدي وعبد الله هو بن مسعود قوله ما من أحد أغير من الله من زائدة بدليل الحديث الذي بعده ويجوز في أغير الرفع والنصب على اللغتين الحجازية والتميمية في ما ويجوز في النصب أن يكون أغير في موضع خفض على النعت لأحد وفي الرفع أن يكون صفة لأحد والخبر محذوف في الحالين تقديره موجود ونحوه والكلام على غيرة الله ذكر في الذي قبله وبقية شرح الحديث يأتي في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى تنبيه وقع عند الإسماعيلي قبل حديث أبي مسعود ترجمة صورتها في الغيرة والمدح وما رأيت ذلك في شيء من نسخ البخاري الحديث الثالث حديث عائشة

[ 4923 ] قوله يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته تزني كذا وقع عنده هنا عن عبد الله بن سلمة وهو القعنبي عن مالك ووقع في سائر الروايات عن مالك أو تزني أمته على وزان الذي قبله وقد تقدم في كتاب الكسوف عن عبد الله بن مسلمة هذا بهذا الإسناد كالجماعة فيظهر أنه من سبق القلم هنا ولعل لفظة تزني سقطت غلطا من الأصل ثم ألحقت فأخرها الناسخ عن محلها وهذا القدر الذي أورده المصنف من هذا الحديث هو طرف من الخطبة المذكورة في كتاب الكسوف وقد تقدم شرحه مستوفي هناك بحمد الله تعالى الحديث الرابع

[ 4924 ] قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن قوله أن عروة في رواية حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عند مسلم حدثني عروة ورواية أبي سلمة عن عروة من رواية القرين عن القرين لأنهما متقاربان في السن واللقاء وأن كان عروة أسن من أبي سلمة قليلا قوله عن أمه أسماء هي بنت أبي بكر ووقع في رواية مسلم المذكورة أن أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثته قوله لا شيء أغير من الله في رواية حجاج المذكورة ليس شيء أغير من الله وهما بمعنى الحديث الخامس قوله وعن يحيى أن أبا سلمة حدثه أن أبا هريرة حدثه هكذا أورده وهو معطوف على السند الذي قبله فهو موصول ولم يسق البخاري المتن من رواية همام بل تحول إلى رواية شيبان فساقه على روايته والذي يظهر أن لفظهما واحد وقد وقع في رواية حجاج بن أبي عثمان عند مسلم بتقديم حديث أبي سلمة عن عروة على حديثه عن أبي هريرة عكس ما وقع في رواية همام عند البخاري وأورده مسلم أيضا من رواية حرب بن شداد عن يحيى بحديث أبي هريرة فقط مثل ما أورده البخاري من رواية شيبان عن يحيى ثم أورده مسلم من رواية هشام الدستوائي عن يحيى بحديث أسماء فقط فكأن يحيى كان يجمعهما تارة ويفرد أخرى وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية الأوزاعي عن يحيى بحديث أسماء فقط وزاد في أوله على المنبر

[ 4925 ] قوله أن الله يغار زاد في رواية حجاج عند مسلم وأن المومن يغار قوله وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله كذا للأكثر وكذا هو عند مسلم لكن بلفظ ما حرم عليه على البناء للفاعل وزيادة عليه والضمير للمؤمن ووقع في رواية أبي ذر وغيره الله أن لا يأتي بزيادة لا وكذا رأيتها ثابتة في رواية النسفي وافرط الصغاني فقال كذا للجميع والصواب حذف لا كذا قال وما أدرى ما أراد بالجميع بل أكثر رواه البخاري على حذفها وفاقا لمن رواه غير البخاري كمسلم والترمذي وغيرهما وقد وجهها الكرماني وغيره بما حاصله أن غيرة الله ليست هي الإتيان ولا عدمه فلا بد من تقدير مثل لأن لا يأتي أي غيرة الله على النهي عن الإتيان أو نحو ذلك وقال الطيبي التقدير غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي قال الكرماني وعلى تقدير أن لا يستقيم المعني بإثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها في الكلام كثيرا مثل قوله ما منعك أن لا تسجد لئلا يعلم أهل الكتاب وغير ذلك الحديث السادس

[ 4926 ] قوله حدثني محمود هو بن غيلان المروزي قوله أخبرني أبي عن أسماء هي أمه المقدم ذكرها قبل قوله تزوجني الزبير أي بن العوام وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه اما عطف المملوك على المال فعلى أن المراد بالمال الإبل أو الاراضي التي تزرع وهو استعمال معروف للعرب يطلقون المال على كل من ذلك والمراد بالمملوك على هذا الرقيق من العبيد والإماء وقولها بعد ذلك ولا شيء من عطف العام على الخاص يشمل كل ما يتملك أو يتمول لكن الظاهر أنها لم ترد إدخال مالا بد له منه من مسكن وملبس ومطعم ورأس مال تجارة ودل سياقها على أن الأرض التي يأتي ذكرها لم تكن مملوكة للزبير وانما كانت اقطاعا فهو يملك منفعتها لا رقبتها ولذلك لم تستثنها كما استثنت الفرس والناضح وفي استثنائها الناضح والفرس نظر استشكله الداودي لأن تزويجها كان بمكة قبل الهجرة وهاجرت وهي حامل بعبد الله بن الزبير كما تقدم ذلك صريحا في كتاب الهجرة والناضح وهو الجمل الذي يسقى عليه الماء إنما حصل له بسبب الأرض التي اقطعها قال الداودي ولم يكن له بمكة فرس ولا ناضح والجواب منع هذا النفي وأنه لا مانع أن يكون الفرس والجمل كانا له بمكة قبل أن يهاجر فقد ثبت أنه كان في يوم بدر على فرس ولم يكن قبل بدر غزوة حصلت لهم منها غنيمة والجمل يحتمل أن يكون كان له بمكة ولما قدم به المدينة واقطع الأرض المذكورة أعده لسقيها وكان ينتفع به قبل ذلك في غير السقي فلا اشكال قوله فكنت اعلف فرسه زاد مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة وأكفيه مؤنته وأسوسه وادق النوى لناضحه واعلفه ولمسلم أيضا من طريق بن أبي مليكة عن أسماء كنت أخدم الزبير خدمة البيت وكان له فرس وكنت أسوسه فلم يكن من خدمته شيء أشد علي من سياسة الفرس كنت احش له وأقوم عليه قوله واستسقى الماء كذا للأكثر وللسرخسي وأسقى بغير مثناه وهو على حذف المفعول أي وأسقي الفرس أو الناضح الماء والأول اشمل معنى وأكثر فائدة قوله واخرز بخاء معجمة ثم راء ثم زاي غربه بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة هو الدلو قوله واعجن أي الدقيق وهو يؤيد ما حملنا عليه الماء إذ لو كان المراد نفى أنواع المال لا نتفى الدقيق الذي يعجن لكن ليس ذلك مرادها وقد تقدم في حديث الهجرة أن الزبير لاقى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر راجعا من الشام بتجارة وأنه كساهما ثيابا قوله ولم أكن أحسن اخبز فكان يخبز جارات لي في رواية مسلم فكان يخبز لي وهذا محمول على أن في كلامها شيئا محذوفا تقديره تزوجني الزبير بمكة وهو بالصفة المذكورة واستمر على ذلك حتى قدمنا المدينة وكنت أصنع كذا الخ لأن النسوة من الأنصار إنما جاورنها بعد قدومها المدينة قطعا وكذلك ما سيأتي من حكاية نقلها النوى من أرض الزبير قوله وكن نسوة صدق اضافتهن إلى الصدق مبالغة في تلبسهن به في حسن العشرة والوفاء بالعهد قوله وكنت انقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم في كتاب فرض الخمس بيان حال الأرض المذكورة وإنها كانت مما فاء الله على رسوله من أموال بني النضير وكان ذلك في أوائل قدومه المدينة كما تقدم بيان ذلك هناك قوله وهي مني أي من مكان سكناها قوله فدعاني ثم قال إخ إخ بكسر الهمزة وسكون الخاء كلمة تقال للبعير لمن أراد أن ينيخه قوله ليحملني خلفه كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يركبها وما معها ويركب هو شيئا آخر غير ذلك قوله فاستحييت أن أسير مع الرجال هذا بنته على ما فهمته من الارتداف وإلا فعلى الاحتمال الآخر ما تتعين المرافقة قوله وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس هو بالنسبة إلي من علمته أي أرادت تفضيله على أبناء جنسه في ذلك أو من مرادة ثم رأيتها ثابتة في رواية الإسماعيلي ولفظه وكان من أغير الناس قوله والله لحملك النوى على رأسك كان أشد علي من ركوبك معه كذا للأكثر وفي رواية السرخسي كان أشد عليك وسقطت هذه اللفظة من رواية مسلم ووجه المفاضلة التي أشار إليها الزبير أن ركوبها مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ينشأ منه كبير أمر من الغيرة لأنها أخت امرأته فهي في تلك الحالة لا يحل له تزويجها ان لو كانت خلية من الزوج وجواز أن يقع لها ما وقع لزينب بنت جحش بعيد جدا لأنه يزيد عليه لزوم فراقه لإختها فما بقي الا احتما أن يقع لها عن بعض الرجال مزاحمة بغير قصد وأن ينكشف منها حالة السير ما لا تريد انكشافه ونحو ذلك وهذا كله أخف مما تحقق من تبذلها بحمل النوى على رأسها من مكان بعيد لأنه قد يتوهم خسة النفس ودناءة الهمة وقلة الغيرة ولكن كان السبب الحامل على الصبر على ذلك شغل زوجها وأبيها بالجهاد وغيره مما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويقيمهم فيه وكانوا لا يتفرغون للقيام بأمور البيت بأن يتعاطوا ذلك بأنفسهم ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقوم بذلك عنهم فانحصر الأمر في نسائهم فكن يكفينهم مؤنة المنزل ومن فيه ليتوفروا هم على ما هم فيه من نصر الإسلام مع ما ينضم إلى ذلك من العادة المانعة من تسمية ذلك عارا محضا قوله حتى أرسل إلي أبو بكر بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني في رواية مسلم فكفتني وهي أوجه لأن الأولى تقتضي أنه أرسلها لذلك خاصة بخلاف رواية مسلم وقد وقع عنده في رواية بن أبي مليكة جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأعطاها خادما قالت كفتني سياسة الفرس فألقت عني مؤنته ويجمع بين الروايتين بان السبي لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا بكر منه خادما يرسله إلى ابنته أسماء فصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المعطي ولكن وصل ذلك إليها بواسطة ووقع عنده في هذه الرواية أنها باعتها بعد ذلك وتصدقت بثمنها وهو محمول على أنها استغنت عنه بغيرها واستدل بهذه القصة على أن على المرأة القيام بجميع ما يحتاج إليه زوجها من الخدمة واليه ذهب أبو ثور وحمله الباقون على أنها تطوعت بذلك ولم يكن لازما أشار إليه المهلب وغيره والذي يظهر أن هذه الواقعة وأمثالها كانت في حال ضرورة كما تقدم فلا يطرد الحكم في غيرها ممن لم يكن في مثل حالهم وقد تقدم أن فاطمة سيدة نساء العالمين شكت ما تلقى يداها من الرحى وسألت أباها خادما فدلها على خير من ذلك وهو ذكر الله تعالى والذي يترجح حمل الأمر في ذلك على عوائد للبلاد فانها مختلفة في هذا الباب قال المهلب وفيه أن المرأة الشريفة إذا تطوعت بخدمة زوجها بشيء لا يلزمها لم ينكر عليها ذلك أب ولا سلطان وتعقب بأنه بناه على ما أصله من أن ذلك كان تطوعا ولخصمه أن يعكس فيقول لو لم يكن لازما ما سكت أبوها مثلا على ذلك مع ما فيه من المشقة عليه وعليها ولا أقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع عظمة الصديق عنده قال وفيه جواز ارتداف المرأة خلف الرجل في موكب الرجال قال وليس في الحديث أنها استترت ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك فيؤخذ منه أن الحجاب إنما هو في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة اه والذي يظهر أن القصة كانت قبل نزول الحجاب ومشروعيته وقد قالت عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور لما نزلت وليضربن بخمرهن على جيوبهن اخذن ازرهن من قبل الحواشي فشققنهن فاختمرن بها ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الاجانب والذي ذكر عياض أن الذي اختص به أمهات المؤمنين ستر شخوصهن زيادة على ستر اجسامهن وقد ذكرت البحث معه في ذلك في غير هذا الموضع قال المهلب وفيه غيرة الرجل عند ابتذال أهله فيما يشق من الخدمة وانفة نفسه من ذلك لا سيما إذا كانت ذات حسب انتهى وفيه منقبة لأسماء وللزبير ولأبي بكر ولنساء الأنصار الحديث السابع

[ 4927 ] قوله حدثنا علي هو بن المديني وابن علية اسمه إسماعيل وقوله عن أنس تقدم في المظالم بيان من صرح عن حميد بسماعه له من أنس وكذا تسمية المرأتين المذكورتين وأن التي كانت في بيتها هي عائشة وأن التي هي أرسلت الطعام زينب بنت جحش وقيل غير ذلك قوله غارت أمكم الخطاب لمن حضر والمراد بالأم هي التي كسرت الصحفة وهي من أمهات المؤمنين كما تقدم بيانه وأغرب الداودي فقال المراد بقوله امكم سارة وكأن معنى الكلام عنده لا تتعجبوا مما وقع من هذه من الغيرة فقد غارت قبل ذلك امكم حتى أخرج إبراهيم ولده إسماعيل وهو طفل مع أمه إلى واد غير ذي زرع وهذا وأن كان له بعض توجيه لكن المراد خلافه وأن المراد كاسرة الصحفة وعلى هذا حمله جميع من شرح هذا الحديث وقالوا فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي اثارته الغيرة وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعا أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه قاله في قصة وعن بن مسعود رفعه أن الله كتب الغيرة على النساء فمن صبر منهن كان لها أجر شهيد أخرجه البزار وأشار إلى صحته ورجاله ثقات لكن اختلف في عبيد بن الصباح منهم وفي إطلاق الداودي على سارة أنها أم المخاطبين نظر أيضا فإنهم أن كانوا من بني إسماعيل فأمهم هاجر لا سارة ويبعد أن يكونوا من بني إسرائيل حتى يصح أن أمهم سارة الحديث الثامن

[ 4928 ] قوله معتمر هو بن سليمان التيمي وعبيد الله هو بن عمر العمري وقد تقدم الحديث عن جابر مطولا في مناقب عمر مع شرحه الحديث التاسع

[ 4929 ] قوله بينما أنا نائم رأيتني في الجنة هذا يعين أحد الاحتمالين في الحديث الذي قبله حيث قال فيه دخلت الجنة أو أتيت الجنة وأنه يحتمل أن ذلك كان في اليقظة أو في النوم فبين هذا الحديث أن ذلك كان في النوم قوله فإذا امرأة تتوضأ تقدم النقل عن الخطابي في زعمه أن هذه اللفظة تصحيف وأن القرطبي عزا هذا الكلام لابن قتيبة وهو كذلك أورده في غريب الحديث من طريق أخرى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وتلقاه عنه الخطابي فذكره في شرح البخاري وارتضاه بن بطال فقال يشبه أن تكون هذه الرواية الصواب وتتوضأ تصحيف لأن الحور طاهرات لا وضوء عليهن وكذا كل من دخل الجنة لا تلزمه طهارة وقد قدمت البحث مع الخطابي في هذا في مناقب عمر بما أغنى عن اعادته وقد استدل الداودي بهذا الحديث على أن الحور في الجنة يتوضأن ويصلين قلت ولا يلزم من كون الجنة لا تكليف فيها بالعبادة أن لا يصدر من أحد من العباد باختياره ما شاء من أنواع العبادة ثم قال بن بطال يؤخذ من الحديث أن من علم من صاحبه خلقا لا ينبغي أن يتعرض لما ينافره اه وفيه أن من نسب إلى من اتصف بصفة صلاح ما يغير ذلك ينكر عليه وفيه أن الجنة موجودة وكذلك الحور وقد تقدم تقرير ذلك في بدء الخلق وسائر فوائده تقدمت في مناقب عمر

قوله باب غيرة الناس ووجدهن هذه الترجمة أخص من التي قبلها والوجد بفتح الواو الغضب ولم يبت المصنف حكم الترجمة لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام وضابط ذلك ما ورد في الحديث الآخر عن جابر بن عتيك الأنصاري رفعه ان من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله فاما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في الريبة وأما الغيرة التي يبغض فالغيرة في غير ريبة وهذا التفصيل يتمحض في حق الرجال لضرورة امتناع اجتماع زوجين للمرأة بطريق الحل وأما المرأة فحيث غارت من زوجها في ارتكاب محرم إما بالزنا مثلا وإما بنقص حقها وجوره عليها لضرتها وإيثارها عليها فإذا تحققت ذلك أو ظهرت القرائن فيه فهي غير مشروعة فلو وقع ذلك بمجرد التوهم عن غير دليل فهي الغيرة في غيرة ريبة وأما إذا كان الزوج مقسطا عادلا وأدى لكل من الضرتين حقها فالغيرة منهما إن كانت لما في الطباع الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء فتعذر فيها ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك ثم ذكر المصنف في الباب حديثين عن عائشة أحدهما

[ 4930 ] قوله حدثنا عبيد في رواية أبي ذر حدثني بالإفراد قوله إني لأعلم إذا كنت عني راضية الخ يؤخذ منه استقراء الجرل حال المرأة من فعلها وقولها فيما يتعلق بالميل إليه وعدمه والحكم بما تقتضيه القرائين في ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها لاسمه وسكوتها فبنى على تغير الحالتين من الذكر والسكوت تغير الحالتين من الرضا والغضب ويحتمل أن يكون انضم إلى ذلك شيء آخر أصرح منه لكن لم ينقل وقول عائشة أجل يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك قال الطيبي هذا الحصر لطيف جدا لأنها أخبرت أنها إذا كانت في حال الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا تتغير عن المحبة المستقرة فهو كما قيل إني لأمنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لأميل وقال بن المنير مرادها أنها كانت تترك التسمية اللفظية ولا يترك قلبها التعليق بذاته الكريمة مودة ومحبة اه وفي اختيار عائشة ذكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام دون غيره من الأنبياء دلالة على مزيد فطنتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس به كما نص عليه القرآن فلما لم يكن لها بد من هجر الاسم الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعليق في الجملة وقال المهلب يستدل بقول عائشة على أن الاسم غير المسمى إذا لو كان الاسم عين المسمى لكانت بهجره تهجر ذاته وليس كذلك ثم أطال في تقرير هذه المسألة ومحل البحث فيها كتاب التوحيد حيث ذكرها المصنف أعان الله تعالى على الوصول إلى ذلك بحوله وقوته ثانيهما

[ 4931 ] قوله حدثنا أحمد بن أبي رجاء هو أبو الوليد الهروي واسم أبي رجاء عبد الله بن أيوب قوله ما غرت على امرأة بينت سبب ذلك وأنه كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وهي وإن لم تكن موجودة وقد أمنت مشاركتها لها فيه لكن ذلك يقتضي ترجيحها عنده فهو الذي هيج الغضب الذي يثير الغيرة بحيث قالت ما تقدم في مناقب خديجة أبدلك الله خيرا منها فقال ما أبدلني الله خيرا منها ومع ذلك فلم ينقل أنه وأخذ عائشة لقيام معذرتها بالغيرة التي جبل عليها النساء وقد تقدمت مباحث الحديث في كتاب المناقب مستوفاة

قوله باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف أي في دفع الغيرة عنها وطلب الإنصاف لها

[ 4932 ] قوله عن بن أبي مليكة عن المسور كذا رواه الليث وتابعه عمرو بن دينار وغير واحد وخالفهم أيوب فقال عن بن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير أخرجه الترمذي وقال حسن وذكر الاختلاف فيه ثم قال يحتمل أن يكون بن أبي مليكة حمله عنهما جميعا اه والذي يظهر ترجيح رواية الليث لكونه توبع ولكون الحديث قد جاء عن المسور من غير رواية بن أبي مليكة فقد تقدم في فرض الخمس وفي المناقب من طريق الزهري عن على بن الحسين بن علي عن المسور وزاد فيه في الخمس قصة سيف النبي صلى الله عليه وسلم وذلك سبب تحديث المسور لعلي بن الحسين بهذا الحديث وقد ذكرت ما يتعلق بقصة السيف عنه هناك ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصينه لعلي بن الحسين حتى قال أنه لو أودع عنده السيف لا يمكن أحدا منه حتى تزهق روحه رعاية لكونه بن فاطمة محتجا بحديث الباب ولم يراع خاطره في أن ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين لما فيه من إيهام غض من جده علي بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حتى اقتضى أن يقع من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من الإنكار ما وقع بل أتعجب من المسور تعجبا آخر أبلغ من ذلك وهو أن يبذل نفسه دون السيف رعاية الخاطر ولد بن فاطمة وما بذل نفسه دون بن فاطمة نفسه أعني الحسين والد علي الذي وقعت له معه القصة حتى قتل بأيدي ظلمة الولاة لكن يحتمل أن يكون عذره أن الحسين لما خرج إلى العراق ما كان المسور وغيره من أهل الحجاز يظنون أن أمره يئول إلى ما آل إليه والله أعلم وقد تقدم في فرض الخمس وجه المناسبة بين قصة السيف وقصة الخطبة بما يغني عن اعادته قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر في رواية الزهري عن علي بن حسين عن المسور الماضية في فرض الخمس يخطب الناس على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم قال بن سيد الناس هذا غلط والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفظ كالمحتلم أخرجه من طريق يحيى بن معين عن يعقوب بن إبراهيم بسنده المذكور إلى على بن الحسين قال والمسور لم يحتلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ولد بعد بن الزبير فيكون عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين قلت كذا جزم به وفيه نظر فإن الصحيح أن بن الزبير ولد في السنة الأولى فيكون عمره عند الوفاة النبوية تسع سنين فيجوز أن يكون احتلم في أول سني الإمكان أو يحمل قوله محتلم على المبالغة والمراد التشبيه فتلتئم الروايتان وإلا فابن ثمان سنين لا يقال له محتلم ولا كالمحتلم الا أن يريد بالتشبيه أنه كان كالمحتلم في الحذق والفهم والحفظ والله أعلم قوله أن بني هشام بن المغيرة وقع في رواية مسلم هاشم بن المغيرة والصواب هشام لأنه جد المخطوبة قوله استأذنوا في رواية الكشميهني استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم على بن أبي طالب هكذا في رواية بن أبي مليكة أن سبب الخطبة استئذان بني هشام بن المغيرة وفي رواية الزهري عن علي بن الحسين بسبب آخر ولفظه أن عليا خطب بنت أبي جهل على فاطمة فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أن قومك يتحدثون كذا في رواية شعيب وفي رواية عبد الله بن أبي زياد عنه في صحيح بن حبان فبلغ ذلك فاطمة فقالت أن الناس يزعمون انك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكح بنت أبي جهل هكذا أطلقت عليه اسم فاعل مجازا لكونه أراد ذلك وصمم عليه فنزلته منزلة من فعله ووقع في رواية عبيد الله بن أبي زياد خطب ولا اشكال فيها قال المسور فقام النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ووقع عند الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة أن عليا خطب بنت أبي جهل فقال له أهلها لا نزوجك على فاطمة قلت فكأن ذلك كان سبب استئذانهم وجاء أيضا أن عليا استأذن بنفسه فأخرج الحاكم بإسناد صحيح إلى سويد بن غفلة وهو أحد المخضرمين ممن أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه قال خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعن حسبها تسألني فقال لا ولكن اتأمرني بها قال لا فاطمة مضغة مني ولا أحسب الا أنها تحزن أو تجزع فقال علي لا آتي شيئا تكرهه ولعل هذا الاستئذان وقع بعد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بما خطب ولم يحضر علي الخطبة المذكورة فاستشار فلما قال له لا لم يتعرض بعد ذلك لطلبها ولهذا جاء آخر حديث شعيب عن الزهري فترك علي الخطبة وهي بكسر الخاء المعجمة ووقع عند بن أبي داود من طريق معمر عن الزهري عن عروة فسكت علي عن ذلك النكاح قوله فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن كرر ذلك تأكيدا وفيه إشارة إلى تأييد مدة منع الإذن وكأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها فقال ثم لا آذن أي ولو مضت المدة المفروضة تقديرا لا آذن بعدها ثم كذلك أبدا وفيه إشارة إلى ما في حديث الزهري من أن بني هشام بن المغيرة استأذنوا وبنو هشام هم اعمام بنت أبي جهل لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة وقد أسلم اخواه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح وحسن إسلامهما ويؤيد ذلك جوابهما المتقدم لعلي وممن يدخل في إطلاق بني هشام بن المغيرة عكرمة بن أبي جهل بن هشام وقد اسلم أيضا وحسن إسلامه واسم المخطوبة تقدم بيانه في باب ذكر اصهار النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناقب وأنه تزوجها عتاب بن أسيد بن أبي العيص لما تركها على وتقدم هناك زيادة في رواية الزهري في ذكر أبي العاص بن الربيع والكلام على قوله صلى الله عليه وسلم حدثني فصدقني ووعدني ووفى لي وتوجيه ما وقع من علي في هذه القصة أغنى عن اعادته قوله الا أن يريد بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم هذا محمول على أن بعض من يبغض عليا وشى به أنه مصمم على ذلك وإلا فلا يظن به أنه يستمر على الخطبة بعد أن استشار النبي صلى الله عليه وسلم فمنعه وسياق سويد بن غفلة يدل على أن ذلك وقع قبل أن تعلم به فاطمة فكأنه لما قيل لها ذلك وشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعلمه على أنه ترك أنكر عليه ذلك وزاد في رواية الزهري وإني لست أحرم حلالا ولا احلل حراما ولكن والله لا تجمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبدا وفي رواية مسلم مكانا واحدا ابدا وفي رواية شعيب عند رجل واحدا أبدا قال بن التين أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل لأنه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته حرام بالاتفاق ومعنى قوله لا أحرم حلالا أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبي صلى الله عليه وسلم لتأذي فاطمة به فلا وزعم غيره أن السياق يشعر بأن ذلك مباح لعلي لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لخاطر فاطمة وقبل هو ذلك امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بفاطمة عليها السلام قوله فإنما هي بضعة مني بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي قطعة ووقع في حديث سويد بن غفلة كما تقدم مضغة بضم الميم وبغين معجمة والسبب فيه ما تقدم في المناقب أنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخواتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر ممن تفضي إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة قوله يريبني ما ارا بها كذا هنا من أراب رباعيا وفي رواية مسلم ما رابها من راب ثلاثيا وزاد في رواية الزهري وأنا أتخوف أن تفتن في دينها يعني أنها لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حق زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين وفي رواية شعيب وأنا أكره أن يسوءها أي تزويج غيرها عليها وفي رواته مسلم من هذا الوجه أن يفتنوها وهي بمعنى أن تفتن قوله ويؤذيني ما آذاها في رواية أبي حنظلة فمن آذاها فقد آذاني وفي حديث عبد الله بن الزبير يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها وهو بنون ومهملة وموحدة من النصب بفتحتين وهو التعب وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن المسور يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها أخرجها الحاكم ويؤخذ من هذا الحديث أن فاطمة لو رضيت بذلك لم يمنع علي من التزويج بها أو بغيرها وفي الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بتأذيه لأن أذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام اتفاقا قليله وكثيره وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شيء أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وفيه حجة لمن يقول بسد الذريعة لأن تزويج ما زاد على الواحدة حلال للرجال ما لم يجاوز الأربع ومع ذلك فقد منع من ذلك في الحال لما يترتب عليه من الضرر في المآل وفيه بقاء عار الآباء في أعقابهم لقوله بنت عدو الله فإن فيه أشعارا بأن للوصف تأثيرا في المنع مع أنها هي كانت مسلمة حسنة الإسلام وقد احتج به من منع كفاءة من مس أباه الرق ثم أعتق بمن لم يمس أباها الرق ومن مسه الرق بمن لم يمسها هي بل مس أباها فقط وفيه أن الغيراء إذا خشي عليها أن تفتن في دينها كان لوليها أن يسعى في إزالة ذلك كما في حكم الناشز كذا قيل وفيه نظر ويمكن أن يزاد فيه شرط أن لا يكون عندها من تتسلى به ويخفف عنه الحملة كما تقدم ومن هنا يؤخذ جواب من استشكل اختصاص فاطمة بذلك مع أن الغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم أقرب إلى خشية الافتتان في الدين ومع ذلك فكان صلى الله عليه وسلم يستكثر من الزوجات وتوجد منهن الغيرة كما في هذه الأحاديث ومع ذلك ما راعي ذلك صلى الله عليه وسلم في حقهن كما راعاه في حق فاطمة ومحصل الجواب أن فاطمة كانت إذ ذاك كما تقدم فاقدة من تركن إليه من يؤنسها ويزيل وحشتها من أم أو أخت بخلاف أمهات المؤمنين فإن كل واحدة منهن كانت ترجع إلى من يحصل لها معه ذلك وزيادة عليه وهو زوجهن صلى الله عليه وسلم لما كان عنده من الملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر بحيث أن كل واحدة منهن ترضى منه لحسن خلقه وجميل خلقه بجميع ما يصدر منه بحيث لو وجد ما يخشى وجوده من الغيرة لزال عن قرب وقيل فيه حجة لمن منع الجمع بين الحرة والأمة ويؤخذ من الحديث إكرام من ينتسب إلى الخير أو الشرف أو الديانة

قوله باب يقل الرجال وكثر النساء أي في آخر الزمان قوله وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون نسوة في رواية الكشميهني امرأة والأول على حذف الموصوف وقوله يلذن به قبل لكونهن نساءه وسراريه أو لكونهن قراباته أو من الجميع وروى على بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث حذيفة قال إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه حتى يتبع الرجل خمسون امرأة تقول يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني وقد تقدم حديث أبي موسى موصولا في باب الصدقة قبل الرد من كتاب الزكاة في حديث أوله ليأتين علي الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة الحديث

[ 4933 ] قوله حدثنا هشام هو الدستوائي كذا للأكثر ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني همام والأول أولي وهمام وهشام كلاهما من شيوخ حفص بن عمر المذكور وهو الحوضي وسيأتي في الأشربة عن مسلم بن إبراهيم عن هشام قوله أن من أشراط الساعة الحديث تقدم في كتاب العلم من رواية شعبة عن قتادة كذلك قوله حتى يكون لخمسين امرأة هذا لا ينافي الذي قبله لأن الأربعين داخلة في الخمسين ولعل العدد بعينه غير مراد بل أريد المبالغة في كثرة النساء بالنسبة للرجال ويحتمل أن يجمع بينهما بأن الأربعين عدد من يلذن به والخمسين عدد من يتبعه وهو أعم من انهن يلذن به فلا منافاة قوله القيم الواحد أي الذي يقوم بأمورهن ويحتمل أن يكنى به عن اتباعهن له لطلب النكاح حلالا أو حراما وفي الحديث الأخبار بما سيقع فوقع كما أخبر والصحيح من ذلك ما ورد مطلقا وأما ما ورد مقدرا بوقت معين فقال أحمد لا يصح منه شيء وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في كتاب العلم

قوله باب لا يخلون رجل بامرأة الا ذو محرم والدخول على المغيبة يجوز في لام الدخول الخفض والرفع واحد ركني الترجمة أورده المصنف صريحا في الباب والثاني يؤخذ بطريق الاستنباط من أحاديث الباب وقد ورد في حديث مرفوع صريحا أخرجه الترمذي من حديث جابر رفعه لا تدخلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من بن آدم مجرى الدم ورجاله موثقون لكن مجالد بن سعيد مختلف فيه ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا لا يدخل رجل على مغيبة الا ومعه رجل أو اثنان ذكره في اثناء حديث والمغيبة بضم الميم ثم غين معجمة مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة من غاب عنها زوجها يقال اغابت المرأة إذا غاب زوجها ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما

[ 4934 ] قوله عن يزيد بن أبي حبيب في رواية مسلم من طريق بن وهب عن الليث وعمرو بن الحارث وحيوه وغيرهم أن يزيد بن أبي حبيب حدثهم قوله عن أبي الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني قوله عقبة بن عامر في رواية بن وهب عند أبي نعيم في المستخرج سمعت عقبة بن عامر قوله إياكم والدخول بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليحترز عنه كما قيل أياك والاسد وقوله إياكم مفعول بفعل مضمر تقديره اتقوا وتقدير الكلام اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء والنساء أن يدخلن عليكم ووقع في رواية بن وهب بلفظ لا تدخلوا على النساء وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بطريق الأولى قوله فقال رجل من الأنصار لم اقف على تسميته قوله فرأيت الحمو زاد بن وهب في روايته عند مسلم سمعت الليث يقول الحمو أخو الزوج وما أشبهه من اقارب الزوج بن العم ونحوه ووقع عند الترمذي بعد تخريج الحديث قال الترمذي يقال هو أخو الزوج كره له أن يخلو بها قال ومعنى الحديث على نحو ما روى لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان اه وهذاالحديث الذي أشار إليه أخرجه أحمد من حديث عامر بن ربيعة وقال النووي اتفق أهل العلم باللغة على أن الاحماء اقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم وأن الاختان اقارب زوجة الرجل وأن الاصهار تقع على النوعين اه وقد اقتصر أبو عبيد وتبعه بن فارس والداودي على أن الحمو أبو الزوجة زاد بن فارس وأبو الزوج يعني أن والد الزوج حمو المرأة ووالد الزوجة حمو الرجل وهذا الذي عليه عرف الناس اليوم وقال الأصمعي وتبعه الطبري والخطابي ما نقله النووي وكذا نقل عن الخليل ويؤيده قول عائشة ما كان بيني وبين علي الا ما كان بين المرأة واحمائها وقد قال النووي المراد في الحديث اقارب الزوج غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت قال وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وأن العم وابن الأخت ونحوهم مما يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولي بالمنع من الأجنبي اه وقد جزم الترمذي وغيره كما تقدم وتبعه المازري بأن الحمو أبو الزوج وأشار المازري إلى أنه ذكر للنبيه على منع غيره بطريق الأولى وتبعه بن الأثير في النهاية ورده النووي فقلا هذا كلام فاسد مردود لا يجوز حمل الحديث عليه اه وسيظهر في كلام الأئمة في تفسير المراد يقوله الحمو الموت ما تبين منه أن كلام المازري ليس بفاسد واختلف في ضبط الحمو فصرح القرطبي بأن الذي وقع في هذا الحديث حمء بالهمز وأما الخطابي فضبطه بواو بغير همز لأنه قال وزن دلو وهو الذي اقتصر عليه أبو عبيد الهروي وابن الأثير وغيرهما وهو الذي ثبت عندنا في روايات البخاري وفيه لغتان اخريان إحداهما حم بوزن أخ والأخرى حمى بوزن عصا ويخرج من ضبط المهموز بتحريك الميم لغة أخرى خامسة حكاها صاحب المحكم قوله الحمو الموت قبل المراد أن الخلوة بالحمو قد تؤدي إلى هلاك الدين أن وقعت المعصية أو الى الموت أن وقعت المعصية ووجب الرجم أو إلى هلاك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة على تطليقها أشار إلى ذلك كله القرطبي وقال الطبري المعنى أن خلوة الرجل بامرأة أخيه أو بن أخيه تنزل منزلة الموت والعرب تصف الشيء المكروه بالموت قال بن الأعرابي هي كلمة تقولها العرب مثلا كما تقول الأسد الموت أي لقاؤه فيه الموت والمعنى احذروه كما تحذرون الموت وقال صاحب مجمع الغرائب يحتمل أن يكون المراد أن المرأة إذا خلت فهي محل الافة ولا يؤمن عليها أحد فليكن حموها الموت أي لا يجوز لأحد أن يخلو بها الا الموت كما قيل نعم الصهر القبر وهذا لائق بكمال الغيرة والحمية وقال أبو عبيد معنى قوله الحمو الموت أي فليمت ولا يفعل هذا وتعقبه النووي فقال هذا كلام فاسد وإنما المراد أن الخلوة بقريب الزوج أكثر من الخلوة بغيره والشر يتوقع منه أكثر من غيره والفتنة به أمكن لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير نكير عليه بخلاف الأجنبي وقال عياض معناه أن الخلوة بالاحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت وأورد الكلام مورد التغليظ وقال القرطبي في المفهم المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم التحريم وإنما بالغ في الزجر عنه وشبهه بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة لألفهم بذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة فخرج هذا مخرج قول العرب الأسد الموت والحرب الموت أي لقاؤه يفضي إلى الموت وكذلك دخوله على المرأة قد يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو إلى الرجم أن وقعت الفاحشة وقال بن الأثير في النهاية المعنى أن خلوة المحرم بها أشد من خلوة غيره من الاجانب لأنه ربما حسن لها أشياء وحملها على أمور تثقل على الزوج من التماس ما ليس في وسعه فتسوء العشرة بين الزوجين بذلك ولان الزوج قد لا يؤثر أن يطلع والد زوجته أو أخوها على باطن حاله ولا على ما اشتمل عليه اه فكأنه قال الحمو الموت أي لا بد منه ولا يمكن حجبه عنها كما أنه لا بد من الموت وأشار إلى هذا الأخير الشيخ تقي الدين في شرح العمدة تنبيه محرم المرأة من حرم عليه نكاحها على التأييد الا أم الموطوءة بشبهة والملاعنة فإنهما حرامان على التأييد ولا محرمية هناك وكذا أمهات المؤمنين واخرجهن بعضهم بقوله في التعريف بسبب مباح لا لحرمتها وخرج بقيد التأييد أخت المرأة وعمتها وخالتها وبنتها إذا عقد على الأم ولم يدخل بها الحديث الثاني

[ 4935 ] قوله سفيان هو بن عيينة وقوله حدثنا عمرو هو بن دينار وقد وقع في الجهاد بعض هذا الحديث عن أبي نعيم عن سفيان عن بن جريج عن عمرو بن دينار وسفيان المذكور هو الثوري لا بن عيينة وقد تقدمت مباحث الحديث المذكور مستوفاة في أواخر كتاب الحج وسياقه هناك أتم والله أعلم

قوله باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس أي لا يخلو بها بحيث تحتجب اشخاصهما عنهم بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به كالشيء الذين تستحي المرأة من ذكره بين الناس وأخذ المصنف قوله في الترجمة عند الناس من قوله في بعض طرق الحديث فخلا بها في بعض الطرق أو في بعض السكك وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبا

[ 4936 ] قوله عن هشام هو بن زيد بن أنس وقد تقدم في فضائل الأنصار من طريق بهز بن أسد عن شعبة أخبرني هشام بن زيد وكذا وقع في رواية مسلم قوله جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية بهز بن أسد ومعها صبي لها فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فخلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في بعض الطرق قال المهلب لم يرد أنس أنه خلا بها بحيث غاب عن أبصار من كان معه وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها ولا ما دار بينهما من الكلام ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله ولم ينقل ما دار بينهما لأنه لم يسمعه اه ووقع عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء قالت يا رسول الله أن لي إليك حاجة فقال يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك وأخرج أبو داود نحو هذا السياق من طريق حميد عن أنس لكن ليس فيه أنه كان في عقلها شيء قوله فقال والله إنكم لاحب الناس إلي زاد في رواية بهز مرتين وأخرجه في الإيمان والنذور من طريق وهب بن جرير عن شعبة بلفظ ثلاث مرات وفي الحديث منقبة للأنصار وقد تقدم في فضائل الأنصار توجيه قوله أنت أحب الناس إلي وقد تقدم فيه حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس مثل هذا اللفظ أيضا في حديث آخر وفيه سعة حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم وصبره على قضاء حوائج الصغير والكبير وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة ولكن الأمر كما قالت عائشة وأيكم يملك اربه كما كان صلى الله عليه وسلم يملك اربه

قوله أبي ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة أي بغير إذن زوجها وحيث تكون مسافرة مثلا

[ 4937 ] قوله حدثنا عبدة هو بن سليمان عن هشام هو بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة في رواية سفيان عن هشام في غزوة الطائف عن أمها أم سلمة هكذا قال أكثر أصحاب هشام بن عروة وهو المحفوظ وسيأتي في اللباس من طريق زهير بن معاوية عن هشام أن عروة أخبره أن زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أم سلمة أخبرتها وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام فقال عن أبيه عن عمرو بن أبي سلمة وقال معمر هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه معمر أيضا عن الزهري عن عروة وأرسله مالك فلم يذكر فوق عروة أحدا أخرجها النسائي ورواية معمر عن الزهري عند مسلم وأبي داود أيضا قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت أي التي هي فيه قوله مخنث تقدم في غزوة الطائف أن اسمه هيت وأن بن عيينة ذكره عن بن جريج بغير إسناد وذكر بن حبيب في الواضحة عن حبيب كاتب مالك قال قلت لمالك أن سفيان بن عيينة زاد في حديث بنت غيلان أن المخنث هيت وليس في كتابك هيت فقال صدق هو كذلك وأخرج الجوزجاني في تاريخه من طريق الزهري عن علي بن الحسين بن علي قال كان مخنث يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقال له هيت وأخرج أبو يعلى وأبو عوانة وابن حبان كلهم من طريق يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن هيتا كان يدخل الحديث وروى المستغفري من مرسل محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى هيتا في كلمتين تكلم بهما من أمر النساء قال لعبد الرحمن بن أبي بكر إذا افتتحتم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فذكر نحو حديث الباب وزاد أشتد غضب الله على قوم رغبوا عن خلق الله وتشبهوا بالنساء وروى بن أبي شيبة والدورقي وأبو يعلى والبزار من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن اسم المخنث هيت أيضا لكن ذكر فيه قصة أخرى وذكر بن إسحاق في المغازي أن اسم المخنث في حديث الباب مانع وهو مثناة وقيل بنون فروى عن محمد بن إبراهيم التيمي قال كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف مولى لخالته فاخته بنت عمرو بن عائد مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ويكون في بيته لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يفطن لشيء من أمر النساء مما يفطن له الرجال ولا أن له أربة في ذلك فسمعه يقول لخالد بن الوليد يا خالد أن افتتحتم الطائف فلا تنفلتن منك بادية بنت غيلان بن سلمة فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منه لا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع ثم قال لنسائه لا تدخلن هذا عليكن فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى أبو موسى المديني في كون ماتع لقب هيت أو بالعكس أو إنهما اثنان خلافا وجزم الواقدي بالتعدد فإنه قال كان هيت مولى عبد الله بن أبي أمية وكان ماتع مولى فاخته وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاهما معا إلى الحمى وذكر الباوردي في الصحابة من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص أن عائشة قالت لمخنث كان بالمدينة يقال له أنه يفتح الهمزة وتشديد النون الا تدلنا على على امرأة تخطبها على عبد الرحمن بن أبي بكر قال بلى فوصف امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أنة أخرج من المدينة إلى حمراء الأسد وليكن بها منزلك والراجح أن اسم المذكور في حديث الباب هيت ولا يمتنع أن يتواردوا في الوصف المذكور وقد تقدم في غزوة الطائف ضبط هيت ووقع في أول رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الاربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة الحديث وعرف من حديث الباب تسمية المرأة وإنها أم سلمة والمخنث بكسر النون وبفتحها من يشبه خلقه النساء في حركاته وكلامه وغير ذلك فإن كان من أصل الخلقة لم يكن عليه لوم وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وأن كان بقصد منه وتكلف له فهو المذموم ويطلق عليه اسم مخنث سواء فعل الفاحشة أو لم يفعل قال بن حبيب المخنث هو المؤنث من الرجال وأن لم تعرف منه الفاحشة مأخوذ من التكسر في المشي وغيره وسيأتي في كتاب الأدب لعن من فعل ذلك وأخرج أبو داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه فقيل يا رسول الله أن هذا يتشبه بالنساء فنفاه إلى النقيع فقيل الا تقتله فقال إني نهيت عن قتل المصلين قوله فقال لاخي أم سلمة تقدم شرح حاله في غزوة الطائف ووقع في مرسل بن المنكدر أنه قال ذلك لعبد الرحمن بن أبي بكر فيحمل على تعدد القول منه لكل منهما لأخي عائشة ولاخى أم سلمة والعجب أنه لم يقدر أن المرأة الموصوفة حصلت لواحد منهما لأن الطائف لم تفتح حينئذ وقتل عبد الله بن أبي أمية في حال الحصار ولما أسلم غيلان بن سلمة وأسلمت بنته بادية تزوجها عبد الرحمن بن عوف فقدر أنها استحيضت عنده وسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المستحاضة وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كتاب الطهارة وتزوج عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي وقصته معها مشهورة وقد وقع حديث في سعد بن أبي وقاص أنه خطب امرأة بمكة فقال من يخبرني عنها فقال مخنث يقال له هيت أنا اصفها لك فهذه قصص وقعت لهيت قوله أن فتح الله لكم الطائف غدا وقع في رواية أبي أسامة عن هشام في أوله وهو محاصر الطائف يومئذ وقد تقدم ذلك في غزوة الطائف واضحا قوله فعليك هو اغراء معناه احرص على تحصيلها وألزمها قوله غيلان في رواية حماد بن سلمة لو قد فتحت لكم الطائف لقد أريتك بادية بنت غيلان واختلف في ضبط بادية فالأكثر بموحدة ثم تحتانية وقيل بنون بدل التحتانية حكاه أبو نعيم ولبادية ذكر في المغازي ذكر بن إسحاق أن خولة بنت حكيم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم أن فتح الله عليك الطائف اعطني حلى بادية بنت غيلان وكانت من أحلى نساء ثقيف وغيلان هو بن سلمة بن معتب بمهملة ثم مثناة ثقيلة ثم موحدة بن مالك الثقفي وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعا وكان من رؤساء ثقيف وعاش إلى أواخر خلافة عمر رضي الله عنه قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان قال بن حبيب عن مالك معناه أن اعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ طرافها إلى خاصرتها في كل جانب أربع ولارادة العكن ذكر الأربع والثمان فلو أراد الأطراف لقال بثمانية ثم رأيت في باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت عقب هذا الحديث من وجه آخر عن هشام بن عروة في غير رواية أبي ذر قال أبو عبد الله تقبل بأربع يعني بأربع عكن ببطنها فهي تقبل بهن وقوله وتدبر بثمان يعني أطراف هذه العكن الأربع لأنها محيطة بالجنب حين يتجعد ثم قال وإنما قال بثمان ولم يقل بثمانية وواحد الأطراف مذكر لأنه لم يقل ثمانية أطراف اه وحاصله أن لقوله ثمان بدون الهاء توجيهين أما لكونه لم يصرح بلفظ الأطراف وأما لأنه أراد العكن وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور قال الخطابي يريد أن لها في بطنها أربع عكن فإذا أقبلت رؤيت مواضعها بارزة متكسرا بعضها على بعض وإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن الأربع عند منقطع جنبيها ثمانية وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون الا للسمينة من النساء وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة وعلى هذا فقوله في حديث سعد أن أقبلت قلت تمشي بست وأن أدبرت قلت تمشي بأربع كأنه يعني يديها ورجليها وطرفي ذاك منها مقبلة وردفيها مدبرة وإنما نقص إذا أدبرت لأن الثديين يحتجبان حينئذ وذكر بن الكلبي في الصفة المذكور زيادة بعد قوله وتدبر بثمان بثغر كالاقحوان أن قعدت تثنت وأن تكلمت تغنت وبين رجليها مثل الإناء المكفوء مع شعر آخر وزاد المديني من طريق يزيد بن رومان عن عروة مرسلا في هذه القصة اسفلها كثيب وأعلاها عسيب قوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هذا عليكم في رواية الكميهني عليكن وهي رواية مسلم وزاد في آخر رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أرى هذا يعرف ما ههنا لا يدخل عليكن قالت فحجبوه وزاد أبو يعلى في ورايته من طريق يونس عن الزهري في آخره وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة يستطعم وزاد بن الكلبي في حديثه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى ووقع في حديث سعد الذي أشرت إليه أنه خطب أمرأة بمكة فقالت هيت أنا أنعتها لك إذا أقبلت قلت تمشي بست وإذا أدبرت قلت تمشي بأربع وكان يدخل على سودة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أراه إلا منكرا فمنعه ولما قدم المدينة نفاه وفي رواية يزيد بن رومان المذكورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك قاتلك الله إن كنت لأحسبك من غير أولى الإربة من الرجال وسيره إلى خاخ بمعجمتين وقد ضبطت في حديث علي في قصة المرأة التي حملت كتبا حاطب إلى قريش قال المهلب إنما حجبه عن الدخول إلى النساء لما سمعه يصف المرأة بهذه الصفة التي تهيج قلوب الرجال فمنعه لئلا يصف الأزواج للناس فيسقط معنى الحجاب اه وفي سياق الحديث ما يشعر بأنه حجبه لذاته أيضا لقوله لا أرى هذا يعرف ما ههنا ولقوله وكانوا يعدونه من غير أولى الأربة فلما ذكر الوصف المذكور دل على أنه من أولي الأربة فنفاه لذلك ويستفاد منه حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن وهذا الحديث أصل في بعاد من يستراب به في أمر من الأمور قال المهلب وفيه حجة لمن أجاز بيع العين الموصوفة بدون الرؤية لقيام الصفة مقام الرؤية في هذا الحديث وتعقبه بن المنير بأن من اقتصر في بيع جارية على ما وقع في الحديث من الصفة لم يكف في صحة البيع اتفاقا فلا دلالة فيه ق قلت إنما أراد المهلب أن يستفاد من أن الوصف يقوم مقام الرؤية فإذا استوعب الوصف حتى قام مقام الرؤية المعتبرة أجزأ هذا مراده وانتزاعه من الحديث ظاهر وفي الحديث أيضا تعزير من يتشبه بالنساء بالإخارج من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقا لردعه وظاهر الأمر وجوب ذلك وتشبه النساء بالرجال والرجال من قاصد مختار حرام اتفاقا وسيأتي لعن من فعل ذلك في كتاب اللباس

قوله باب نظر المرأة إلى الحبشة ونحوهم من غير ريبة وظاهر الترجمة أن المصنف كان يذهب إلى جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف عكسه وهو مسألة شهيرة واختلف الترجيح فيها عند الشافعية وحديث الباب يساعد من أجاز وقد تقدم أبواب العيد جواب النووي عن ذلك بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان قبل الحجاب وقواه بقوله في هذه الرواية فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن لكن تقدم ما يعكر عليه وأن في بعض طرقه أن ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة فكانت بالغة وكان ذلك بعد الحجاب وحجة من منع حديث أم سلمة الحديث المشهور افعمياوان إنما وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته والجمع بين الحديثين احتمال تقدم الواقعة أو أن يكون في قصة الحديث الذي ذكره نبهان شيء يمنع النساء من رؤيته لكون بن أم مكتوم كان أعمى فلعله كان منه شيء ينكشف ولا يشعر به ويقوى الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والاسواق والاسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء فدل على تغاير الحكم بين الطائفتين وبهذا احتج الغزالي على الجواز فقال لسنا نقول أن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه بل هو كوجه الأمرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط وأن لم تكن فتنة فلا إذ لم تزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات فلو استووا لأمر الرجال بالتنقب أو منعن من الخروج اه وتقدمت سائر مباحث حديث الباب في أبواب العيدين

قوله باب خروج النساء لحوائجهن قال الداودي في صيغة هذا الجمع نظر لأن جمع الحاجة حاجات وجمع الجمع حاج ولا يقال حوائج وتعقبه بن التين فأجاد وقال الحوائج جمع حاجة أيضا ودعوى أن الحاج جمع الجمع ليس بصحيح وذكر المصنف في الباب حديث عائشة خرجت سودة لحاجتها وقد تقدم شرحه وتوجيه الجمع بينه وبين حديثها الآخر في نزول الحجاب في تفسير سورة الأحزاب وذكرت هناك التعقب على عياض في زعمه أن أمهات المؤمنين كان يحرم عليهن ابراز اشخاصهن ولو كن منتقبات متلففات والحاصل في رد قوله كثرة الأخبار الواردة انهن كن يحججن ويطفن ويخرجن إلى المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده

قوله باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره قال بن التين ترجم بالخروج إلى المسجد وغيره واقتصر في الباب على حديث المسجد وأجاب الكرماني بأنه قاسه عليه والجامع بينهما ظاهر ويشترط في الجميع أمن الفتنة وقد تقدمت مباحث حديث بن عمر في ذلك في كتاب الصلاة

قوله باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع ذكر فيه حديث عائشة قالت جاء عمي من الرضاعة فاستأذن علي وقد تقدمت مباحثه مستوفاه في أوائل النكاح وهو أصل في أن للرضاع حكم النسب من إباحة الدخول على النساء وغير ذلك من الأحكام

قوله باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كذا استعمل لفظ الحديث في الترجمة بغير زيادة وذكر الحديث من وجهين منصور عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود والأعمش حدثني شقيق سمعت عبد الله وهو بن مسعود وشقيق هو أبو وائل

[ 4942 ] قوله لا تباشر المرأة المرأة زاد النسائي في روايته في الثوب الواحد قوله فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها قال القابسي هذا أصل لمالك في سد الذرائع فإن الحكمة في هذا النهي خشية أن يعجب الزوج الوصف المذكور فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة او الافتتان بالموصوفة ووقع في رواية النسائي من طريق مسروق عن بن مسعود بلفظ لا تباشر المرأة المرأة ولا الرجل الرجل وهذه الزيادة ثبتت في حديث بن عباس عنده وعند مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي سعيد بأبسط من هذا ولفظه لا ينظر الرجلا إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد قال النووي فيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وهذا مما لا خلاف فيه وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك بطريق الأولى ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه الا أن في السوأة اختلافا والأصح الجواز لكن يكره حيث لا سبب وأما المحارم فالصحيح أنه يباح نظر بعضهم إلى بعض لما فوق السرة وتحت الركبة قال وجميع ما ذكرنا من التحريم حيث لا حاجة ومن الجواز حيث لا شهوة وفي الحديث تحريم ملاقاة بشرتي الرجلين بغير حائل الا عند ضرورة ويستثنى المصافحة ويحرم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان بالاتفاق قال النووي ومما تعم به البلوي ويتساهل فيه كثير من الناس الاجتماع في الحمام فيجب على من فيه أن يصون نظره ويده وغيرهما عن عورة غيره وأن يصون عورته عن بصر غيره ويجب الإنكار على من فعل ذلك لمن قدر عليه ولا يسقط الإنكار بظن عدم القبول الا أن خاف على نفسه أو غيره فتنة وقد تقدم كثير من مسائل هذا الباب في كتاب الطهارة

قوله باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائي تقدم في كتاب الطهارة باب من دار على نسائه في غسل واحد وهو قريب من معنى هذه الترجمة والحكم في الشريعة المحمدية ان ذلك لا يجوز في الزوجات الا أن ابتدأ الرجل القسم بأن تزوج دفعة واحدة أو يقدم من سفر وكذا يجوز إذ إذن له ورضين بذلك

[ 4944 ] قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وقد رواه عن عبد الرزاق شيخه عبد بن حميد عند مسلم وعباس العنبري عند النسائي فقالا تسعين امرأة وتقدم في ترجمة سليمان بن داود عليهما السلام من أحاديث الأنبياء بيان الاختلاف في ذلك مستوفى وكيفية الجمع بين المختلف مع شرح بقية الحديث قال بن التين قوله في هذه الرواية لم يحنث أي لم يتخلف مراده لأن الحنث لا يكون الا عن يمين قال ويحتمل أن يكون سليمان حلف على ذلك قلت أو نزل التأكيد المستفاد من قوله لأطوفن منزلة اليمين واستدل به على جواز الاستثناء بعد تخلل الكلام اليسير وفيه نظر سيأتي إيضاحه في كتاب الإيمان والنذور إن شاء الله تعالى وقال بن الرفعة يستفاد منه أن اتصال الاستثناء بالحلف يؤثر فيه وأن لم يقصده قبل فراغ اليمين

قوله باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخوفهم أو يلتمس عثراتهم كذا بالميم في يتخونهم وعثراتهم وقال بن التين الصواب بالنون فيهما قلت بل ورد في الصحيح بالميم فيهما على ما سأذكره وتوجيهه ظاهر وهذه الترجمة لفظ الحديث الذي أورده في الباب في بعض طرقه لكن اختلف في ادراجه فاقتصر البخاري على القدر المتفق على رفعه واستعمل بقيته في الترجمة فقد جاء من رواية وكيع عن سفيان الثوري عن محارب عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه وأخرجه النسائي من رواية أبي نعيم عن سفيان كذلك وأخرجه أبو عوانة من وجه آخر عن سفيان كذلك وأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به لكن قال في آخره قال سفيان لا أدري هذا في الحديث أم لا يعني يتخونهم أو يطلب عثراتهم ثم ساقه مسلم من رواية شعبة عن محارب مقتصرا على المرفوع كرواية البخاري وقوله عثراتهم بفتح المهملة والمثلثة جمع عثرة وهي الزلة ووقع عند أحمد والترمذي في رواية من طريق أخرى عن الشعبي عن جابر بلفظ لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من بن ادم مجرى الدم

[ 4945 ] قوله يكره أن يأتي الرجل أهله طروقا في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة او عشية أخرجه مسلم قال أهل اللغة الطروق بالضم المجيء بالليل من سفر أو من غيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار الا مجازا كما تقدم تقريره في أواخر الحج في الكلام على الرواية الثانية حيث قال لا يطرق أهله ليلا ومنه حديث طرق عليا وفاطمة وقال بعض أهل اللغة أصل الطروق الدفع والضر وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدقها بأرجلها وسمي الاتي بالليل طارقا لأنه يحتاج غالبا إلى دق الباب وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمي الاتي فيه طارقا وقوله في طريق عاصم عن الشعبي عن جابر إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا التقييد فيه بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلا نهار ويرجع ليلا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة كان طول الغيبة مظنة الأمن من الهجوم فيقع الذي يهجم بعد طول الغيبة غالبا ما يكره أما أن يجد أهله على غير اهبة من التنظف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما وقد أشار إلى ذلك بقوله في حديث الباب الذي بعده بقوله كي تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة ويؤخذ منه كراهة مباشرة المرأة في الحالة التي تكون فيها غير متنظفة لئلا يطلع منها على ما يكون سببا لنفرته منها وأما أن يجدها على حالة غير مرضية والشرع يحرض على الستر وقد أشار إلى ذلك بقوله أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم فعلى هذا من أعلم أهله بوصوله وأنه يقدم في وقت كذا مثلا لا يتناوله هذا النهي وقد صرح بذلك بن خزيمة في صحيحه ثم ساق من حديث بن عمر قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة فقال لا تطرقوا النساء وأرسل من يؤذن الناس إنهم قادمون قال بن أبي جمرة نفع الله به فيه النهى عن طروق المسافر أهله على غرة من غير تقدم أعلام منه لهم بقدومه والسبب في ذلك ما وقعت إليه الإشارة في الحديث قال وقد خالف بعضهم فرأى عند أهله رجلا فعوقب بذلك على مخالفته اه وأشار بذلك الى حديث أخرجه بن خزيمة عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطرق النساء ليلا فطرق رجلان كلاهما وجد مع امرأته ما يكره وأخرجه من حديث بن عباس نحوه وقال فيه فكلاهما وجد مع امرأة رجلا ووقع في حديث محارب عن جابر أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلا فأشار إليها بالسيف فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا أخرجه أبو عوانة في صحيحه وفي الحديث الحث على التواد والتحاب خصوصا بين الزوجين لأن الشارع راعي ذلك بين الزوجين مع اطلاع كل منهما على ما جرت العادة بستره حتى ان كل واحد منهما لا يخفي عنه من عيوب الآخر شيء في الغالب ومع ذلك فنهى عن الطروق لئلا يطلع على ما تنفر نفسه عنه فيكون مراعاة ذلك في غير الزوجين بطريق الأولى ويؤخذ منه أن الاستحداد ونحوه مما تتزين به المرأة ليس داخلا في النهي عن تغيير الخلقة وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء الظن بالمسلم

قوله باب طلب الولد أي بالاستكثار من جماع الزوجة أو المراد الحث على قصد الاستيلاد بالجماع لا الاقتصار على مجرد اللذة وليس ذلك في حديث الباب صريحا لكن البخاري أشار إلى تفسير الكيس كما سأذكره وقد أخرج أبو عمرو النوقاني في كتاب معاشرة الاهلين من وجه آخر عن محارب رفعه قال اطلبوا الولد والتمسوه فإنه ثمرة القلوب وقره الأعين وإياكم والعاقر وهو مرسل قوي الإسناد

[ 4947 ] قوله عن سيار بفتح المهملة وتشديد التحتانية وقد تقدم في باب تزويج الثيبات عن أبي النعمان عن هشيم قال حدثنا سيار وكذا في الباب الذي بعده وحدثنا يعقوب الدورقي حدثنا هشيم أنبأنا سيار قوله عن الشعبي في رواية أبي عوانة من طريق شريح بن النعمان عن هشيم حدثنا سيار حدثنا الشعبي ولأحمد من وجه آخر سمعت الشعبي قوله قفلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بفتح القاف وتخفيف الفاء أي رجعنا وقد تقدم شرحه في باب تزويج الثيبات قوله حتى تدخلوا ليلا أي عشاء هذا التفسير في نفس الخبر وفيه إشارة إلى الجمع بين هذا الأمر بالدخول ليلا والنهي عن الطروق ليلا بأن المراد بالأمر الدخول في أول الليل وبالنهي الدخول في اثنائه وقد تقدم في أواخر أبواب العمرة في طريق الجمع بينهما ان الأمر بالدخول ليلا لمن أعلم أهله بقدومه فاستعدوا له والنهي عمن لم يفعل ذلك قوله وحدثني الثقة أنه قال في هذا الحديث الكيس الكيس يا جابر يعني الولد القائل وحدثني هو هشيم قال الإسماعيلي كأن البخاري أشار إلى أن هشيما حمل هذه الزيادة عن شعبة لأنه أورد طريق شعبة على أثر حديث هشيم وأغرب الكرماني فقال القائل وحدثني هو هشيم أو البخاري اه وهو جار علي ظاهر اللفظ والمعتمد أن القائل هشيم كما أشار إليه الإسماعيلي

[ 4948 ] قوله إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك معنى الدخول الأول القدوم أي إذا دخلت البلد فلا تدخل البيت قوله قال قال في رواية النسائي عن أحمد بن عبد الله بن الحكم عن محمد بن جعفر قال وقال بإثبات الواو وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر ولفظه قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت فعليك بالكيس الكيس قوله تابعه عبيد الله عن وهب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكيس عبيد الله هو بن عمر العمري ووهب هو بن كيسان والمنابع في الحقيقة هو وهب لكنه نسبها إلى عبيد الله لتفرده بذلك عن وهب نعم قد روى محمد بن إسحاق عن وهب بن كيسان هذا الحديث مطولا وفيه مقصود الباب لكن بلفظ آخر كما سأبينه ورواية عبيد الله بن عمر تقدمت موصولة في أوائل البيوع في اثناء حديث أوله كنت مع النبي صلى الله لعيه وسلم في غزاة فأبط أبي جملي فذكر الحديث في قصة الجمل بطولها وفيه قصة تزويج جابر وقوله أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك وفيه أما انك قادم فإذا قدمت فالكيس الكيس وقوله فالكيس بالفتح فيهما على الإغراء وقيل على التحذير من ترك الجماع قال الخطابي الكيس هنا بمعنى الحذر وقد يكون الكيس بمعنى الرفق وحسن التأني وقال بن الأعرابي الكيس العقل كأنه جعل طلب الولد عقلا وقال غيره أراد الحذر من العجز عن الجماع فكأنه حث على الجماع قلت جزم بن حبان في صحيحه بعد تخريج هذا الحديث بأن الكيس الجماع وتوجيهه على ما ذكر ويؤيده قوله في رواية محمد بن إسحاق فإذا قدمت فاعمل عملا كيسا وفيه قال جابر فدخلنا حين امسينا فقلت للمرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن اعمل عملا كيسا قالت سمعا وطاعة فدونك قال فبت معها حتى أصبحت أخرجه بن خزيمة في صحيحه قال عياض فسر البخاري وغيره الكيس بطلب الولد والنسل وهو صحيح قال صاحب الأفعال كاس الرجل في عمله حذق وكاس ولد ولدا كيسا وقال الكسائي كاس الرجل ولد له ولد كيس اه وأصل الكيس العقل كما ذكر الخطاب لكنه بمجردة ليس المراد هنا والشاهد لكون الكيس يراد به العقل قول الشاعر وإنما الشعر لب المرء يعرضه على الرجال فإن كيسا وأن حمقا فقابله بالحمق وهو ضد العقل ومنه حديث الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والاحمق من أتبع نفسه هواها وأما حديث كل شيء بقدر حتى العجز والكيس فالمراد به الفطنة

قوله باب تسحد المغيبة وتمتشط الشعثة ضبط ذلك في آخر أبواب العمرة وتقدم شرح الحديث في الباب الذي قبله

قوله باب ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن في رواية أبي ذر إلى قوله عورات النساء وبهذه الزيادة تظهر المطابقة بين الحديث والترجمة

[ 4950 ] قوله سفيان هو بن عيينة قوله عن أبيه حازم هو سلمة بن دينار ووقع في رواية علي بن عبد الله عن سفيان حدثنا أبو حازم تقدم في أواخر الجهاد قوله اختلف الناس الخ فيه اشعار بأن الصحابة والتابعين كانوا يتبعون أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في مثل هذا فإن الذي يداوي به الجرح لا يختلف الحكم فيه إذا كان طاهرا ومع ذلك فترددوا فيه حتى سألوا من شاهد ذلك قوله وكان من آخر من بقي من الصحابة بالمدينة فيه احتراز عمن بقي من الصحابة بالمدينة وبغير المدينة فأما المدينة فكان بها في آخر حياة سهل بن سعد محمود بن الربيع ومحمد بن لبيد وكلاهما له رؤية وعد في الصحابة وأما من الصحابة الذين ثبت سماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم فما كان بقي بالمدينة حينئذ الا سهل بن سعد على بالبصرة وغيره بغيرها وقد استوعبت الكلام على ذلك في الكلام على علوم الحديث لابن صلاح قوله ما بقي للناس أحد أعلم به مني ظاهره أنه نفي أن يكون بقي أحد أعلم منه فلا ينفي أن يكون بقي مثله ولكن كثر استعمال هذا التركيب في نفي المثل أيضا وقد تقدم الكلام على شرح الحديث في باب غزوة أحد والغرض منه هنا كون فاطمة عليها السلام باشرت ذلك من أبيها صلى الله عليه وسلم فيطابق الآية وهي جواز ابداء المرأة زينتها لأبيها وسائر من ذكر في الآية وقد استشكل مغلطاي الاحتجاج بقصة فاطمة هذه لأنها صدرت قبل الحجاب وأجيب بأن التمسك منها بالاستصحاب ونزول الآية كان متراخيا عن ذلك وقد وقع مطابقا فإن قيل لم يذكر في الآية العم والخال فالجواب أنه استغنى عن ذكرهما بالإشارة إليهما لأن العم منزل منزلة الأب والخال منزلة الأم وقيل لأنهما ينعتانها لولديهما قاله عكرمة والشعبي وكرها لذلك أن تضع المرأة خمارها عند عمها وخالها أخرجه بن أبي شيبة عنهما وخالفهما الجمهور قوله فأخذ حصير فخرق بضم المهملة وتشديد الراء وضبطه بعضهم بالتخفيف

قوله باب والذين لم يبلغوا الحلم كذا للجميع والمراد بيان حكمهم بالنسبة إلى الدخول على النساء ورؤيتهم إياهن

[ 4951 ] قوله حدثنا أحمد بن محمد هو المروزي وعبد الله هو بن المبارك وسفيان هو الثوري قوله ولولا مكاني منه أي منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم قوله يعني من صغره فيه التفات ووقع في رواية السرخسي من صغري وهو على الأصل قوله فرأيتهن يهوين بكسر الواو وبفتح أوله هوى بفتح الواو ويهوي بكسرها قوله إلى اذانهن وحلوقهن أي يخرجن الحلي قوله يدفعن أي ذلك إلى بلال قوله ثم ارتفع هو وبلال إلى بيته أي رجع وقد تقدم شرح الحديث مستوفي في كتاب العيدين والحجة منه هنا مشاهدة بن عباس ما وقع من النساء حينئذ وكان صغيرا فلم يحتجبن منه وأما بلال فكان من ملك اليمن كذا أجاب بعض الشراح وفيه نظر لأنه كان حينئذ حرا والجواب أنه يجوز أن لا يكون في تلك الحالة يشاهدهن مسفرات وقد أخذ بعض الظاهرية بظاهره فقال يجوز للاجنبي رؤية وجه الأجنبية وكفيها واحتج بأن جابرا روى الحديث وبلال بسط ثوبه للأخذ منهن وظاهر الحال أنه لا يتأتى ذلك الا بظهر وجوههن واكفهن

قوله باب طعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب زاد بن بطال في شرحه هنا وقول الرجل لصاحبه هل اعرستم الليلة قال بن المنير ذكر فيه حديث عائشة في قصة أبي بكر معها وهو مطابق للركن الأول من الترجمة قال ويستفاد الركن الثاني منها من جهة أن الجامع بينهما أن كلا الامرين مستثنى في بعض الحالات فإمساك الرجل خاصرة ابنته ممنوع في غير حالة التأديب وسؤال الرجل عما جرى له مع أهله ممنوع في غير حالة المباسطة أو التسلية أو المباشرة قلت وجدت هذه الزيادة في نسخة الصغاني مقدمة ولفظه باب قول الرجل الخ وبعده وطعن الرجل الخ والذي يظهر لي أن المصنف اخلى بياضا ليكتب فيه الحديث الذي أشار إليه وهو هل اعرستم أو شيئا مما يدل عليه وقد وقع ذلك في قصة أبي طلحة وأم سليم عند موت ولديهما وكتمها ذلك عنه حتى تعشى وبات معها فأخبر بذلك أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم فقال اعرستم الليلة قال نعم وسيأتي بهذا اللفظ في أوائل كتاب العقيقة وقوله يطعن وهو بضم العين وسيأتي بقية شرحه في كتاب الحدود في باب من أدب أهله دون السلطان خاتمة اشتمل كتاب النكاح من الأحاديث المرفوعة على مائتين وثمانية وعشرين حديثا المعلق منها والمتابعات خمسة وأربعون والبقية موصولة والمكرر منه فيه وفيما مضى مائة واثنان وستون حديثا والخالص ستة وستون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى اثنين وعشرين حديثا وهي حديث بن عباس خير هذه الأمة أكثرها نساء وحديث أبي هريرة أني شاب أخاف العنت وحديث عائشة لو نزلت واديا وحديث خطب عائشة فقال أبو بكر إنما أنا أخوك وحديث أبي هريرة تنكح المرأة لأربع وحديث سهل مر رجل فقالوا هذا حرى أن خطب أن ينكح وحديث بن عباس حرم من النسب سبع وحديث دفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبته إلى من يكفلها وهو معلق وحديث جابر في الجمع بين المرأة وعمتها وحديث بن عباس في المتعة وحيث سلمة أيما رجل وامرأة توافقا الحديث في المتعة معلق وحديث بن عباس في تفسير التعريض بالخطبة وحديث عائشة كان النكاح على أربعة انحاء وحديث خنساء بنت خدام في تزويجها وحديث الربيع بنت معوذ في ذكر الضرب بالدف صبيحة العرس وحديث عائشة فإن الأنصار يعجبهم اللهو وحديث أنس كان إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها وهو معلق وبقيته متفق عليه وحديث صفية بنت شيبة في الوليمة وحديث لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يعني في الوليمة وهو معلق وحديث أبي هريرة في إكرام الجار وحديث معاوية بن حيدة لا هجر الا في البيت وهو معلق وحديث بن عباس في قصة هجر النساء وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة وثلاثون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم