كتاب النفقات
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النفقات وفضل النفقة على الأهل كذا لكريمة وقد تقدم في رواية أبي ذر والنسفي كتاب النفقات ثم البسملة ثم قال باب فضل النفقة على الأهل وسقط لفظ باب لأبي ذر قوله وقول الله عز وجل ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة كذا للجميع ووقع النسفي عند قوله قل العفو وقد قرأ الأكثر قل العفو بالنصب أي تنفقون العفو أو أنفقوا العفو وقرأ أبو عمرو وقبله الحسن وقتادة قل العفو بالرفع أي هو العفو ومثله قولهم ماذا ركبت افرس أم بعير يجوز الرفع والنصب قوله وقال الحسن العفو الفضل وصله عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زيادات الزهد بسند صحيح عن الحسن البصري وزاد ولا لوم على الكفاف وأخرج عبد بن حميد أيضا من وجه آخر عن الحسن قال أن لا تجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس فرعف بهذا المراد بقوله الفضل أي ما لا يؤثر في المال فيمحقه وقد أخرج بن أبي حاتم من مرسل يحيى بن أبي كثير بسند صحيح إليه أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا أن لنا ارقاء وأهلين فما تنفق من أموالنا فنزلت وبهذا يتبين مراد البخاري من ايرادها في هذا الباب وقد جاء عن بن عباس وجماعة أن المراد بالعفو ما فضل عن الأهل أخرجه بن أبي حاتم أيضا ومن طريق مجاهد قال العفو الصدقة المفروضة ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس العفو ما لا يتبين في المال وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة فلما اختلفت هذه الأقوال كان ما جاء من السبب في نزولها أولي أن يؤخذ به ولو كان مرسلا ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي مسعود الأنصاري وهو عقبة بن عمرو

[ 5036 ] قوله عن عدي بن ثابت تقدم في الإيمان من وجه آخر عن شعبة أخبرني عدي بن ثابت قوله عن أبي مسعود الأنصاري فقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم القائل فقلت هو شعبة بينه الإسماعيلي في رواية له من طريق علي بن الجعد عن شعبة فذكره إلى أن قال عن أبي مسعود فقال قال شعبة قلت قال عن النبي صلى الله عليه قال نعم وتقدم في كتاب الإيمان عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير مراجعة وذكر المتن مثله وفي المغازي عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن عدي عن عبد الله بن يزيد أنه سمع أبا مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر المتن مختصرا ليس فيه وهو يحتسبها وهذا مقيد لمطلق ما جاء في أن الإنفاق على الأهل صدقة كحديث سعد رابع أحاديث الباب حيث قال فيه ومهما أنفقت فهو لك صدقة والمراد بالاحتساب القصد إلى طلب الأجر والمراد بالصدقة الثواب واطلاقها عليه مجاز وقرينته الإجماع على جواز الإنفاق على الزوجة الهاشمية مثلا وهو من مجاز التشبيه والمراد به أصل الثواب لا في كميته ولا كيفيته ويستفاد منه أن الأجر لا يحصل بالعمل الا مقرونا بالنية ولهذا ادخل البخاري حديث أبي مسعود المذكور في باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة وحذف المقدار من قوله إذا أنفق لإرادة التعميم ليشمل الكثير والقليل وقوله على أهله يحتمل أن يشمل الزوجة والاقارب ويحتمل أن يختص الزوجة ويلحق به من عداها بطريق الأولى لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولي وقال الطبري ما ملخصه الإنفاق لي الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي أفضل من صدقة التطوع وقال المهلب النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجرا لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل الا بعد أن يكفوهم ترغيبا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع وقال بن المنير تسمية النفقة صدقة من جنس تسمية الصادق نحلة فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتأنيس والتحصين وطلب الولد كان الأصل أن لا يجب لها عليه شيء الا أن الله خص الرجل بالفضل على المرأة بالقيام عليها ورفعه عليها بذلك درجة فمن ثم جاز إطلاق النحلة على الصداق والصدقة على النفقة الحديث الثاني

[ 5037 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وهذا الحديث ليس في الموطأ وهو على شرط شيخنا في تقريب الأسانيد لكنه لما لم يكن في الموطأ لم يخرجه كأنظاره لكنه أخرجه من رواية همام عن أبي هريرة وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن القاسم وأبو نعيم من طريق عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك قوله قال الله أنفق يا بن آدم أنفق عليك أنفق الأولى بفتح أوله وسكون القاف بصيغة الأمر بالإنفاق والثانية بضم أوله وسكون القاف على الجواب بصيغة المضارع وهو وعد بالخلف وممنه قوله تعالى وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وقد تقدم القدر المذكور من هذا الحديث في تفسير سورة هود من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد في اثناء حديث ولفظه قال الله أنفق أنفق عليك وقال يد الله ملأى الحديث وهذا الحديث الثاني أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق سعيد بن داود عن مالك وقال صحيح تفرد به سعيد عن مالك وأخرج مسلم الأول من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ أن الله تعالى قال لي أنفق أنفق عليك الحديث وفرقه البخاري كما سيأتي في كتاب التوحيد وليس في روايته قال لي فدل على أن المراد بقوله في رواية الباب يا بن آدم النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يراد جنس بني آدم ويكون تخصيصه صلى الله عليه وسلم بإضافته إلى نفسه لكونه رأس الناس فتوجه الخطاب إليه ليعمل به ويبلغ أمته وفي ترك تقييد النفق بشيء معين ما يرشد إلى أن الحث على الإنفاق يشمل جميع أنواع الخير وسيأتي شرح حديث شعيب مبسوطا في التوحيد إن شاء الله تعالى الحديث الثالث

[ 5038 ] قوله عن ثور بن زيد في رواية محمد بن الحسن في الموطأ عن مالك أخبرني ثور قوله الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله كذا قال جميع أصحاب مالك عنه في الموطأ وغيره وأكثرهم ساقه على لفظ رواية مالك عن صفوان بن سليم به مرسلا ثم قال وعن ثور بسنده مثله وسيأتي في كتاب الأدب عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك كذلك واقتصر أبو قرة موسى بن طارق على رواية مالك عن ثور فقال الساعي على الأرملة والمسكين له صدقة بين ذلك الدارقطني في الموطآت قوله أو القائم الليل الصائم النهار هكذا للجميع عن مالك بالشك لكن لاكثرهم مثل معن بن عيسى وابن وهب وابن بكير في آخرين بلفظ أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل وقد أخرجه بن ماجة من رواية الدراوردي عن ثور بمثل هذا اللفظ لكن قاله بالواو لا بلفظ أو وسيأتي في الأدب من رواية القعنبي عن مالك بلفظ وأحسبه قال كالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر شك القعنبي وقد ذكره الأكثر بالشك عن مالك لكن بمعناه فيحمل اختصاص القعنبي باللفظ الذي أورده ومعنى الساعي الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين والارملة بالراء المهملة التي لا زوج لها والمسكين تقدم بيانه في كتاب الزكاة وقوله القائم الليل يجوز في الليل الحركات الثلاث كما في قولهم الحسن الوجه ومطابقة الحديث للترجمة من جهة إمكان اتصاف الأهل أي الاقارب بالصفتين المذكورتين فإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين فالمنفق على المتصف أولي الحديث الرابع حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث وقد تقدم شرحه في الوصايا والمراد منه هنا

[ 5039 ] قوله ومهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة ترفعها في في امرأتك وقد أخرج مسلم من حديث مجاهد بن أبي هريرة رفعه دينار أعطيته مسكينا ودينار أعطيته في رقبة ودينار أعطيته في سبيل الله ودينار انفقته على أهلك قال الدينار الذي انفقته على أهلك أعظم أجرا ومن حديث أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رفعه أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقة على دابته في سبيل الله دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله قال أبو قلابة بدأ بالعيال وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال يعفهم وينفعهم الله به قال الطبري البداءة في الإنفاق بالعيال يتناول النفس لأن نفس المرء من جملة عياله بل هي أعظم حقا عليه من بقية عياله إذ ليس لأحد أحياء غيره باتلاف نفسه ثم الإنفاق على عياله كذلك

قوله باب وجوب النفقة على الأهل والعيال الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص أو المزاد بالأهل الزوجة والاقارب والمراد بالعيال الزوجة والخدم فتكون الزوجة ذكرت مرتين تأكيدا لحقها ووجوب نفقة الزوجة تقدم دليلة أول النفقات ومن السنة حديث جابر عند مسلم ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق الزوج وانعقد الإجماع على الوجوب لكن اختلفوا في تقديرها فذهب الجمهور إلى أناه بالكفاية والشافعي وطائفة كما قال بن المنذر إلى أنها بالامداد ووافق الجمهور من الشافعية أصحاب الحديث كابن خزيمة وابن المنذر ومن غيرهم أبو الفضل بن عبدان وقال الروياتي في الحلية هو القياس وقال النووي في شرح مسلم ما سيأتي في باب إذا لم ينفق الرجل فالمرأة أن تأخذ بعد سبعة أبواب وتمسك بعض الشافعية بأنها لو قدرت بالحاجة لسقطت نفقة المريضة والغنية في بعض الأيام فوجب الحاقها بما يشبه الدوام وهو الكفارة لاشتراكهما في الاستقرار في الذمة ويقويه قوله تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم فاعتبروا الكفارة بها والامداد معتبرة في الكفارة ويخدش في هذا الدليل إنهم صححوا الاعتياض عنه وبأنها لو أكلت معه على العادة سقطت بخلاف الكفارة فيهما والراجح من حيث الدليل أن الواجب الكفاية ولا سيما وقد نقل بعض الأئمة الإجماع الفعلي في زمن الصحابة والتابعين على ذلك ولا يحفظ عن أحد منهم خلافة

[ 5040 ] قوله أفضل الصدقة ما ترك غني تقدم شرحه في أول الزكاة وبيان اختلاف ألفاظه وكذا قوله واليد العليا وقوله وابدأ بمن تعول أي بمن يجب عليك نفقته يقال عال الرجل أهله إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وهو أمر بتقديم ما يجب على ما لا يجب وقال بن المنذر اختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب فأوجبت طائفة النفقة لجميع الأولاد اطفالا كانوا أو بالغين إناثا وذكرانا إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها وذهب الجمهور إلى أن الواجب أن ينفق عليهم حتى يبلغ الذكر أو تتزوج الأنثى ثم لا نفقة على الأب الا أن كانوا زمني فإن كانت لهم أموال فلا وجوب على الأب والحق الشافعي ولد الولد وأن سفل بالولد في ذلك وقوله تقول المرأة وقع في رواية النسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح به فقيل من اعول يا رسول الله قال امرأتك الحديث وهو وهم والصواب ما أخرجه هو من وجه آخر عن بن عجلان به وفيه فسئل أبو هريرة من تعول يا أبا هريرة وقد تمسك بهذا بعض الشراح وغفل عن الرواية الأخرى ورجح ما فهمه بما أخرجه الدارقطني من طريق عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرأة تقول لزوجها اطعمني ولا حجة فيه لأن في حفظ عاصم شيئا والصواب التفصيل وكذا وقع للإسماعيلي من طريق أبي معاوية عن الأعمش بسند حديث الباب قال أبو هريرة تقول امرأتك الخ وهو معنى قوله في آخر حديث الباب لا هذا من كيس أبي هريرة ووقع في رواية الإسماعيلي المذكورة قالوا يا أبا هريرة شيء تقول من رأيك أو من قول رسول الله صلى الله عيه وسلم قال هذا من كيسي وقوله من كيسي هو بكسر الكاف للأكثر أي من حاصله إشارة إلى أنه من استنباطه مما فهمه من الحديث المرفوع مع الواقع ووقع في رواية الأصيلي بفتح الكاف أي من فطنته قوله تقول المرأة أما أن تطعمني في رواية النسائي عن محمد بن عبد العزيز عن حفص بن غياث بسند حديث الباب أما أن تنفق علي قوله وبقول العبد اطعمني واستعملني في رواية الإسماعيلي وبقول خادمك اطعمني وإلا فبعني قوله ويقول الابن اطعمني إلى من تدعني في رواية النسائي والإسماعيلي تكلني وهو بمعناه واستدل به على أن من كان من الأولاد له مال أو حرفة لا تجب نفقته على الأب لأن الذي يقول إلى من تدعني إنما هو من لا يرجع إلى شيء سوى نفقة الأب ومن له حرفة أو مال لا يحتاج إلى قول ذلك واستدل بقوله أما أن تطعمني وأما أن تطلقني من قال يفرق بين الرجل وامرأته إذا اعسر بالنفقة واختارت فراقه وهو قول جمهور العلماء وقال الكوفيون يلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته واستدل الجمهور بقوله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا وأجاب المخالف بأنه لو كان الفراق واجبا لما جاز الابقاء إذا رضيت ورد عليه نبأ الإجماع دل على جواز الإبقاء إذا رضيت فبقي ما عداه على عموم النهي وطعن بعضهم في الاستدلال بالآية المذكورة بأن بن عباس وجماعة من التابعين قالوا نزلت فيمن كان يطلق فإذا كادت العدة تقضي راجع والجواب أن من قاعدتهم أن العبرة بعموم اللفظ حتى تمسكوا بحديث جابر بن سمره اسكنوا في الصلاة أترك رفع اليدين عند الركوع مع أنه إنما ورد في الإشارة بالأيدي في التشهد بالسلام على فلان وفلان وهنا تمسكوا بالسبب واستدل للجمهور أيضا بالقياس على الرقيق والحيوان فإن من اعسر بالإنفاق عليه اجبر على بيعه اتفاقا والله أعلم

قوله باب حبس الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال ذكر فيه حديث عمر وهو مطابق لركن الترجمة الأول وأما الركن الثاني وهو كيفية النفقة على العيال فلم يظهر لي أولا وجه أخذه من الحديث ولا رأيت من تعرض له ثم رأيت أنه يمكن أن يؤخذ منه دليل التقدير لأن مقدار نفقة السنة إذا عرف عرف منه توزيعها على أيام السنة فيعرف حصة كل يوم من ذلك فكأنه قال لكل واحدة في كل يوم قدر معين من المقل المذكور والأصل في الإطلاق التسوية

[ 5042 ] قوله حدثني محمد بن سلام كذا في رواية كريمة وللاكثر حدثني محمد حسب قوله قال لي معمر قال لي الثوري هذا الحديث مما فات بن عيينة سماعه من الزهري فرواه عنه بواسطة معمر وقد رواه أيضا عن عمرو بن دينار عن الزهري بأتم من سياق معمر وتقدم في تفسير سورة الحشر أخرجه الحميدي وأحمد في مسنديهما عن سفيان عن معمر وعمرو بن دينار جميعا عن الزهري وقد أخرج مسلم رواية معمر وحدها عن يحيى بن يحيى عن سفيان عن معمر عن الزهري ولكنه لم يسق لفظه وقد أخرج إسحاق بن راهويه رواية معمر منفردة عن سفيان عنه عن الزهري بلفظ كان ينفق على أهله نفقة سنة من مال بني النضير ويجعل ما بقي في الكراع والسلاح وقد اخرج مسلم الحديث مطولا من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وفي كل من الإسنادين رواية الأقران فإن بن عيينة عن معمر قرينان وعمرو بن دينار عن الزهري كذلك ويؤخذ منه المذاكرة بالعلم وإلقاء العالم بالمسألة على نظيره ليستخرج ما عنده من الحفظ وتثبت معمر وانصافه لكونه اعترف أنه لا يستحضر إذ ذاك في المسألة شيئا ثم لما تذكرها أخبر بالواقعة كما هي ولم يأنف مما تقدم قوله كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم كذا أورده مختصرا ثم ساق المصنف الحديث بطوله من طريق عقيل عن بن شهاب الزهري وقد تقدم شرحه مستوفي في أوائل فرض الخمس قال بن دقيق العيد في الحديث جواز الادخار للاهل قوت سنة وفي السياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث كان لا يدخر شيئا لغد فيحمل على الادخار لنفسه وحديث الباب على الادخار لغيره ولو كان له في ذلك مشاركة لكن المعنى إنهم المقصد بالادخار دونه حتى لو لم يوجدوا لم يدخر قال والمتكلمون على لسان الطريقة جعلوا أو بعضهم ما زاد على السنة خارجا عن طريقة التوكل انتهى وفيه إشارة إلى الرد على الطبري حيث استدل بالحديث على جواز الادخار مطلقا خلافا لمن منع ذلك وفي الذي نقله الشيخ تقييد بالسنة أتباعا للخبر الوارد لكن استدلال الطبري قوي بل التقييد بالسنة إنما جاء من ضرورة الواقع لأن الذي كان يدخر لم يكن يحصل الا من السنة إلى السنة لأنه كان اما تمرا وأما شعيرا فلو قدر أن شيئا مما يدخر كان لا يحصل الا من سنتين إلى سنتين لاقتضى الحال جواز الادخار لأجل ذلك والله أعلم ومع كونه صلى الله عليه وسلم كان يحتبس قوت سنة لعياله فكان في طول السنة ربما استجره منهم لمن يرد عليه ويعوضهم عنه ولذلك مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير اقترضه قوتا لأهله واختلف في جواز ادخار القوت لمن يشتريه من السوق قال عياض إجازة قوم واحتجوا بهذا الحديث ولا حجة فيه لأنه إنما كان من مغل الأرض ومنعه قوم الا أن كان لا يضر بالسعر وهو متجه ارفاقا بالناس ثم محل هذا الاختلاف إذا لم يكن في حال الضيق وإلا فلا يجوز الادخار في تلك الحالة أصلا

قوله باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد ذكر فيه حديث عائشة في قصة هند امرأة أبي سفيان وسيأتي شرحه بعد أربعة أبواب وحديث أبي هريرة إذا أنفقت المراة من كسب زوجها وقد مر شرحه في أواخر النكاح تنبيه وقعت هذه الترجمة وحديثها متأخرة عن الذي بعده عند النسفي

قوله باب والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين إلى قوله بصير كذا لأبي ذر والأكثر وفي رواية كريمة إلى قوله بما تعملون بصير وقال وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال وأن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته قيل دلت الآية الأولى على إيجاب الإنفاق على المرضعة من أجل ارضاعها الولد كانت في العصمة أم لا وفي الثانية الإشارة إلى قدر المدة التي يجب ذلك فيها وفي الثالثة الإشارة إلى مقدار الإنفاق وأنه بالنظر لحال المنفق وفيها أيضا الإشارة إلى أن الارضاع لا يتحتم على الأم وقد تقدم في أوائل النكاح في باب لا رضاع بعد حولين البحث في معنى قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وأخرج الطبري عن بن عباس أن ارضاع الحولين مختص بمن وضعت لستة أشهر فمهما وضعت لأكثر من ستة أشهر نقص من مدة الحولين تمسكا بقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وتعقب بمن زاد حملها على ثلاثين شهرا فإنه يلزم إسقاط مدة الرضاعة ولا قائل به والصحيح أنها محمولة على الغالب وأخذ من الآية الأولى والثانية أن من ولد لستة أشهر فما فوقها التحق بالزوج قوله وقال يونس هو بن يزيد وهذا الأثر وصله بن وهب في جامعه عن يونس قال قال بن شهاب فذكره إلى قوله وتشاور وأخرجه بن جرير من طريق عقيل عن بن شهاب نحوه وقوله ضرارا لها إلى غيرها يتعلق بمنعها أي منعها ينتهي إلى رضاع غيرها فإذا رضيت فليس له ذلك ووقع في رواية عقيل الوالدات أحق برضاع أولادهن وليس لوالدة أن تضار ولدها فتأبى رضاعة وهي تعطي عليه ما يعطي غيرها ولي للمولود له أن ينزع ولده منها ضرارا لها وهي تقبل من الأجر ما يعطي غيرها فإن أرادا فصال الولد عن تراض منهما وتشاور دون الحولين فلا بأس قوله في آخر الكلام فصاله فطامه هو تفسير بن عباس أخرجه الطبري عنه وعن السدي وغيرهما والفصال مصدر يقال فاصلته أفاصله مفاصلة وفصالا إذا فارقته من خلطة كانت بينهما وفصال الولد منعه من شرب اللبن قال بن بطال قوله تعالى والوالدات يرضعن لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر لما فيه من الالزام كقولك حسبك درهم أي اكتف بدرهم قال ولا يجب على الوالدة ارضاع ولدها إذا كان أبوه حيا موسرا بدليل قوله تعالى فإن ارضعن لكم فآتوهن اجورهن قال وأن تعاسرتم فسترضع له أخرى فدل على أنه لا يجب عليها ارضاع ولدها ودل على أن قوله والوالدات يرضعن أولادهن سيق لمبلغ غاية الرضاعة التي مع اختلاف الوالدين في رضاع المولود جعلت حدا فاصلا قلت وهذا أحد القولين عن بن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه وعن بن عباس أنه مختص بمن ولدت لستة أشهر كما تقدم قريبا أخرجه الطبري أيضا بسند صحيح الا أنه اختلف في وصله أو وقفه على عكرمة وعن بن عباس قول ثالث أن الحولين لغاية الارضاع وأن لا رضاع بعدهما أخرجه الطبري أيضا ورجاله ثقات الا أنه منقطع بين الزهري وابن عباس ثم أخرج بإسناد صحيح عن بن مسعود قال ما كان من رضاعة بعد الحولين فلا رضاع وعن بن عباس أيضا بسند صحيح مثله ثم أسند عن قتادة قال كان ارضاعها الحولين فرضا ثم خفف بقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة والقول الثاني هو الذي عول عليه البخاري ولهذا عقب الآية الأولى بالآية الثانية وهي قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وما جزم به بن بطال من أن الخبر بمعنى الأمر هو قول الأكثر لكن ذهب جماعة إلى أنها خبر عن المشروعية فإن بعض الوالدات يجب عليهن ذلك وبعضهن لا يجب كما سيأتي بيانه فليس الأمر على عمومه وهذا هو السر في العدول عن التصريح بالالزام كأن يقال وعلى الوالدات ارضاع أولادهن كما جاء بعده وعلى الوارث مثل ذلك قال بن بطال وأكثر أهل التفسير على أن المراد بالوالدات هنا المبتوتات المطلقات واجمع العلماء على أن اجرة الرضاع على الزوج إذا خرجت المطلقة من العدة والأم بعد البينونة أولي بالرضاعة الا أن وجد الأب من يرضع له بدون ما سألت الا أن لا يقبل الولد غيرها فتجير بأجرة مثلها وهو موافق للمنقول هنا عن الزهري واختلفوا في المتزوجة فقال الشافعي وأكثر الكوفيين لا يلزمها ارضاع ولدها وقال مالك وابن أبي ليلى من الكوفيين تجبر على ارضاع ولدها ما دامت متزوجة بوالده واحتج القائلون بأنها لا تجبر بأن ذلك أن كان لحرمة الولد فلا يتجه لأنها لا تجبر عليه إذا كانت مطلقة ثلاثا بإجماع مع أن حرمة الولدية موجودة وأن كان لحرمة الزوج لم يتجه أيضا لأنه لو أراد أن يستخدمها في حق نفسه لم يكن له ذلك ففي حق غيره أولي اه ويمكن أن يقال أن ذلك لحرمتهما جميعا وقد تقدم كثير من مباحث الرضاع في أوائل النكاح والله أعلم

قوله باب عمل المرأة في بيت زوجها أورد فيه حديث علي في طلب فاطمة الخادم والحجة منه

[ 5046 ] قوله فيه تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى وقد تقدم الحديث في أوائل فرض الخمس وأن شرحه يأتي في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وسأذكر شيئا مما يتعلق بهذا الباب في الباب الذي يليه ويستفاد من قوله الا ادلكما على خير مما سألتما أن الذي يلازم ذكر الله يعطي قوة أعظم من القوة التي يعملها له الخادم أو تسهل الأمور عليه بحيث يكون تعاطيه أموره أسهل من تعاطي الخادم لها هكذا استنبطه بعضهم من الحديث والذي ظهرا أن المراد أن نفع التسبيح مختص بالدار الآخرة ونفع الخادم مختص بالدار الدنيا والآخرة خير وأبقى

قوله باب خادم المرأة أي هل يشرع ويلزم الزوج اخدامها ذكر فيه حديث علي المذكور في الذي قبله وسياقه اخصر منه قال الطبري يؤخذ منه أن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفا أن مثلها يلي ذلك بنفسه ووجه الأخذ أن فاطمة لما سألت أباها صلى الله عليه وسلم الخادم لم يأمر زوجها بأن يكفيها ذلك أما باخدامها خادما أو باستئجار من يقوم بذلك أو بتعاطى ذلك بنفسه ولو كانت كفاية ذلك إلى على لآمره به كما أمره أن يسوق إليها صداقها قبل الدخول مع أن سوق الصداق ليس بواجب إذا رضيت المرأة أن تؤخره فكيف يأمره بما ليس بواجب عليه ويترك أن يأمره بالواجب وحكى بن حبيب عن أصبغ وابن الماجشون عن مالك أن خدمة البيت تلزم المرأة ولو كانت الزوجة ذات قدر وشرف إذا كان الزوج معسرا قال ولذلك ألزم النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة الخدمة الباطنة وعليا بالخدمة الظاهرة وحكى بن بطال أن بعض الشيوخ قال لا نعلم في شيء من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على فاطمة بالخدمة الباطنة وإنما جرى الأمر بينهم على ما تعارفوه من حسن العشرة وجميل الأخلاق وأما أن تجبر المرأة على شيء من الخدمة فلا أصل له بل الإجماع منعقد على أن على الزوج مؤنة الزوجة كلها ونقل الطحاوي الإجماع على أن الزوج ليس له إخراج خادم المرأة من بيته فدل على أنه يلزمه نفقة الخادم على حسب الحاجة إليه وقال الشافعي والكوفيون يفرض لها ولخادمها النفقة إذا كانت ممن تخدم وقال مالك والليث ومحمد بن الحسن يفرض لها ولخادمها إذا كانت خطيرة وشذ أهل الظاهر فقالوا ليس على الزوج أن يخدمها ولو كانت بنت الخليفة وحجة الجماعة قوله تعالى وعاشروهن بالمعروف وإذا احتاجت إلى من يخدمها فامتنع لم يعاشرها بالمعروف وقد تقدم كثير من مباحث هذا الباب في باب الغيرة من أواخر النكاح في شرح حديث أسماء بنت أبي بكر في ذلك

قوله باب خدمة الرجل في أهله أي بنفسه

[ 5048 ] قوله كان يكون سقط لفظ يكون من رواية المستملي والسرخسي وقد تقدم ضبط المهنة وأنه بفتح اليم ويجوز كسرها في كتاب الصلاة وقال بن التين ضبط في الأمهات بكسر الميم وضبطه الهروي بالفتح وحكى الأزهري عن شمر عن مشايخه أن كسرها خطأ قوله فإذا سمع الأذان خرج تقدم شرحه مع شرح بقية الحديث مستوفى في أبواب فضل الجماعة من كتاب الصلاة تنبيه وقع هنا للنسفي وحده ترجمة نصها باب هل لي من أجر في بني أبي سلمة وبعده الحديث الاتي في باب وعلى الوارث مثل ذلك بسنده ومتنه والراجح ما عند الجماعة

قوله باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف اخذ المصنف هذه الترجمة من حديث الباب بطريق الأولى لأنه دل على جواز الأخذ لتكملة النفقة فكذا يدل على جواز أخذ جميع النفقة عند الامتناع

[ 5049 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان وهشام هو بن عروة قوله ان هندا بنت عتبة كذا في هذه الرواية هندا بالصرف ووقع في رواية الزهري عن عروة الماضية في المظالم بغير صرف هند بنت عتبة بن ربيعة أي بن عبد شمس بن عبد مناف وفي رواية الشافعي عن أنس بن عياض عن هشام أن هندا أم معاوية وكانت هند لما قتل أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد يوم بدر شق عليها فلما كان يوم أحد وقتل حمزة فرحت بذلك وعمدت إلى بطنه فشقتها وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها فلما كان يوم الفتح ودخل أبو سفيان مك مسلما بعد ان اسرته خيل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فأجاره العباس غضبت هند لأجل إسلامه وأخذت بلحيته ثم أنها بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمكة جاءت فأسلمت وبايعت وقد تقدم في أواخر المناقب أنها قالت له يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي ان يذلوا من أهل خبائك وما على ظهر الأرض اليوم أهل خباء أحب إلى أن يعزوا من أهل خبائك فقال أيضا والذي نفسي بيده ثم قالت يا رسول الله أن أبا سفيان الخ وذكر بن عبد البر أنها ماتت في المحرم سنة أربع عشرة يوم مات أبو قحافة والد أبي بكر الصديق وأخرج بن سعد في الطبقات ما يدل على أنها عاشت بعد ذلك فروى عن الواقدي عن بن أبي سبرة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن عمر استعمل معاوية على عمل أخيه فلم يزل واليا لعمر حتى قتل واستخلف عثمان فاقره على عمله وافرده بولاية الشام جميعا وشخص أبو سفيان إلى معاوية ومعه أبناه عتبة وعنبسه فكتبت هند إلى معاوية قد قدم عليك أبوك واخواك فاحمل أباك على فرس واعطه أربعة آلاف درهم واحمل عتبة على بغل واعطه الفي درهم واحمل عنبسة على حمار واعطه ألف درهم ففعل ذلك فقال أبو سفيان أشهد بالله أن هذا عن رأي هند قلت كان عتبة منها وعنبسة من غيرها أمة عاتكة بنت أبي ازيهر الأزدي وفي الأمثال للميداني أنها عاشت بعد وفاة أبي سفيان فإنه ذكر قصة فيها أن رجلا سأل معاوية أن يزوجه أمه فقال انها قعدت عن الولد وكانت وفاة أبي سفيان في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين قوله ان أبا سفيان هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس زوجها وكان قد رأس في قريش بعد وقعة بدر وسار بهم في أحد وساق الأحزاب يوم الخندق ثم أسلم ليلة الفتح كما تقدم مبسوطا في المغازي قوله رجل شحيح تقدم قبل بثلاثة أبواب رجل مسيك واختلف في ضبطه فالأكثر بكسر الميم وتشديد السين على المبالغة وقيل بوزن شحيح قال النووي هذا هو الأصح من حيث اللغة وأن كان الأول أشهر في الرواية ولم يظهر لي كون الثاني أصح فإن الآخر مستعمل كثيرا مثل شريب وسكير وأن كان المخفف أيضا فيه نوع مبالغة لكن المشدد أبلغ وقد تقدمت عبارة النهاية في كتاب الأشخاص حيث قال المشهور في كتب اللغة الفتح والتخفيف وفي كتب المحدثين الكسر والتشديد والشح البخل مع حرص والشح أعم من البخل لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء وقيل الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم قال القرطبي لم ترد هند وصف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله وإنما وصفت حالها معه وأنه كان يقتر عليها وعلى أولادها وهذا لا يستلزم البخل مطلقا فإن كثيرا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله ويؤثر الاجانب استئلافا لهم قلت وورد في بعض الطرق لقول هند هذا سبب يأتي ذكره قريبا قوله الا ما أخذت منه وهو لا يعلم زاد الشافعي في روايته سرا فهل على في ذلك من شيء ووقع في رواية الزهري فهل على حرج أن أطعم من الذي له عيالنا قوله فقال خذي ما يكفيلك وولدك بالمعروف في رواية شعيب عن الزهري التي تقدمت في المظالم لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف قال القرطبي قوله خذي أمر إباحة بدليل قوله لا حرج والمراد بالمعروف القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية قال وهذه الإباحة وأن كانت مطلقة لفظا لكنها مقيدة معنى كأنه قال أن صح ما ذكرت وقال غيره يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم علم صدقها فيما ذكرت فاستغنى عن التقييد واستدل بهذا الحديث على جواز ذكر الإنسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة وفيه من الفوائد جواز ذكر الإنسان بالتعظيم كاللقب والكنية كذا قيل وفيه نظر لأن أبا سفيان كان مشهورا بكنيته دون اسمه فلا يدل قولها أن أبا سفيان على إرادة التعظيم وفيه جواز استماع كلام احد الخصمين في غيبة الآخر وفيه أن من نسب الى نفسه أمرا عليه فيه غضاضة فليقرنه بما يقيم عذره في ذلك وفيه جواز سماع كلام الأجنبية عند الحكم والافتاء عند من يقول أن صوتها عورة ويقول جاز هنا للضرورة وفيه أن القول قول الزوجة في قبض النفقة لأنه لو كان القول قول الزوج أنه منفق لكلفت هذه البينة على اثبات عدم الكفاية وأجاب المازري عنه بأنه من باب تعليق الفتيا لا القضاء وفيه وجوب نفقة الزوجة وإنها مقدرة بالكفاية وهو قول أكثر العلماء وهو قول للشافعي حكاه الجويني والمشهور عن الشافعي أنه قدرها بالامداد فعلى الموسر كل يوم مدان والمتوسط مد ونصف والمعسر مد وتقريرها بالامداد رواية عن مالك أيضا قال النووي في شرح مسلم وهذا الحديث حجة على أصحابنا قلت وليس صريحا في الرد عليهم لكن التقدير بالامداد محتاج إلى دليل فإن ثبت حملت الكفاية في حديث الباب على القدر المقدر بالامداد فكأنه كان يعطيها وهو موسر ما يعطي المتوسط فأذن لها في أخذ الكمية وقد تقدم الاختلاف في ذلك في باب وجوب النفقة على الأهل وفيه اعتبار النفقة بحال الزوجة وهو قول الحنفية واختار الخصاف منهم أنها معتبرة بحال الزوجين معا قال صاحب الهداية وعليه الفتوى والحجة فيه ضم قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته الآية إلى هذا الحديث وذهبت الشافعية إلى اعتبار حال الزوج تمسكا بالآية وهو قول بعض الحنفية وفيه وجوب نفقة الأولاد بشرط الحاجة والأصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة وفيه وجوب نفقة خادم المرأة على الزوج قال الخطابي لأن أبا سفيان كان رئيس قومه ويبعد أن يمنع زوجته وأولاده النفقة فكأنه كان يعطيها قدر كفايتها وولدها دون من يخدمهم فأضافت ذلك إلى نفسها لأن خادمها داخل في جملتها قلت ويحتمل أن يتمسك لذلك بقوله في بعض طرقه أن أطعم من الذي له عيالنا واستدل به على وجوب نفقة الابن على الأب ولو كان الابن كبيرا وتعقب بأنها واقعة عين ولا عموم في الأفعال فيحتمل أن يكون المراد بقولها بني بعضهم أي من كان صغيرا أو كبيرا زمنا لا جميعهم واستدل به على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه وهو قول الشافعي وجماعة وتسمى مسألة الظفر والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه الا إذا تعذر جنس حقه وعن أبي حنيفة المنع وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير جنس حقه الا أحد النقدين بدل الآخر وعن مالك ثلاث روايات كهذه الاراء وعن أحمد المنع مطلقا وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في كتاب الأشخاص والملازمة قال الخطابي يؤخذ من حديث هند جواز أخذ الجنس وغير الجنس لأن منزل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق اللازمة وقد أطلق لها الإذن في أخذ الكفاية من ماله قال ويدل على صحة ذلك قولها في رواية أخرى وأنه لا يدخل على بيتي ما يكفيني وولدي قلت ولا دلالة فيه لما ادعاه من أن بيت الشحيح لا يحتوي على كل ما يحتاج إليه لأنها نفت الكفاية مطلقا فتناول جنس ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه ودعواه أن منزل الشحيح كذلك مسلمة لكن من أين له أن منزل أبي سفيان كان كذلك والذي يظهر من سياق القصة أن منزله كان فيه كل ما يحتاج إليه الا أنه كان لا يمكنها الا من القدر الذي اشارت إليه فاستأذنت أن تأخذ زيادة على ذلك بغير علمه وقد وجه بن المنير قوله أن في قصة هند دلالة على أن لصاحب الحق أن يأخذ من غير جنس حقه بحيث يحتاج إلى التقويم لأنه عليه الصلاة والسلام إذن لهند أن تفرض لنفسها وعيالها قدر الواجب وهذا هو التقويم بعينه بل هو ادق منه واعسر واستدل به على أن للمرأة مدخلا في القيام على أولادها وكفالتهم والإنفاق عليهم وفيه اعتماد العرف في الأمور التي لا تحديد فيها من قبل الشرع وقال القرطبي فيه اعتبار العرف في الشرعيات خلافا لمن أنكر ذلك لفظا وعمل به معنى كالشافعية كذا قال والشافعية إنما أنكروا العمل بالعرف إذا عارضه النص الشرعي أو لم يرشد النص الشرعي إلى العرف واستدل به الخطابي على جواز القضاء على الغائب وسيأتي في كتاب الأحكام أن البخاري ترجم القضاء على الغائب وأورد هذا الحديث من طريق سفيان الثوري عن هشام بلفظ أن أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن أخذ من ماله قال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وذكر النووي أن جمعا من العلماء من أصحاب الشافعي ومن غيرهم استدلوا بهذا الحديث لذلك حتى قال الرافعي في القضاء على الغائب احتج أصحابنا على الحنفية في منعهم القضاء على الغائب بقصة هند وكان ذلك قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم على زوجها وهو غائب قال النووي ولا يصح الاستدلال لأن هذه القصة كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضرا بها وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعززا ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا فلا يكون قضاء على الغائب بل هو افتاء وقد وقع في كلام الرافعي في عدة مواضع أنه كان افتاء اه واستدل بعضهم على أنه كان غائبا بقول هند لا يعطيني إذ لو كان حاضرا لقالت لا ينفق علي لأن الزوج هو الذي يباشر الإنفاق وهذا ضعيف لجواز أن يكون عادته أن يعطيها جملة ويأذن لها في الإنفاق مفرقا نعم قول النووي أن أبا سفيان كان حاضرا بمكة حق وقد سبقه إلى الجزم بذلك السهيلي بل أورد أخص من ذلك وهو أن أبا سفيان كان جالسا معها في المجلس لكن لم يسق إسناده وقد ظفرت به في طبقات بن سعد أخرجه بسند رجاله رجال الصحيح الا أنه مرسل عن الشعبي أن هندا لما بايعت وجاء قوله ولا يسرقن قالت قد كنت أصبت من مال أبي سفيان فقال أبو سفيان فما أصبت من مالي فهو حلال لك قلت ويمكن تعدد القصة وأن هذا وقع لما بايعت ثم جاءت مرة أخرى فسألت عن الحكم وتكون فهمت من الأول احلال أبي سفيان لها ما مضى فسألت عما يستقبل لكن يشكل على ذلك ما أخرجه بن منده في المعرفة من طريق عبد الله بن محمد بن زاذان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت هند لأبي سفيان إني أريد أن أبايع قال فإن فعلت فاذهبي معك برجل من قومك فذهبت إلى عثمان فذهب معها فدخلت منتقبة فقال بايعي أن لا تشركي الحديث وفيه فلما فرغت قالت يا رسول الله أن أبا سفيان رجل بخيل الحديث قال ما تقول يا أبا سفيان قال أما يابسا فلا وأما رطبا فأحله وذكر أبو نعيم في المعرفة أن عبد الله تفرد به بهذا السياق وهو ضعيف وأول حديثه يقتضي أن أبا سفيان لم يكن معها وآخره يدل على أنه كان حاضرا لكن يحتمل أن يكون كل منهما توجه وحده أو أرسل إليه لما اشتكت منه ويؤيد هذا الاحتمال الثاني ما أخرجه الحاكم في تفسير الممتحنة من المستدرك عن فاطمة بنت عتبة أن أبا حذيفة بن عتبة ذهب بها وبأختها هند يبايعان فلما اشترط ولا يسرقن قالت هند لا أبايعك على السرقة إني اسرق من زوجي فكف حتى أرسل إلى أبي سفيان يتحلل لها منه فقال أما الرطب فنعم وأما اليابس فلا والذي يظهر لي أن البخاري لم يرد أن قصة هند كانت قضاء على أبي سفيان وهو غائب بل استدل بها على صحة القضاء على الغائب ولو لم يكن ذلك قضاء على غائب بشرطه بل لما كان أبو سفيان غي حاضرا معها في المجلس وأذن لها أن تأخذ من ماله بغير إذنه قدر كفايتها كان في ذلك نوع قضاء على الغائب فيحتاج من منعه أن يجيب عن هذا وقد انبني على هذا خلاف يتفرع منه وهو أن الأب إذا غاب أو أمتنع من الإنفاق على ولده الصغير إذن القاضي للام إذا كانت فيها اهلية ذلك في الاخذ من مال الأب أن أمكن أو في الاستقراض عليه والإنفاق على الصغير وهل لها الاستقلال بذلك بغير إذن القاضي وجهان ينبنيان على الخلاف في قصة هند فإن كانت الفتاء جاز لها الأخذ بغير إذن وأن كانت قضاء فلا يجوز الا بإذن القاضي ومما رجح به أنه كان قضاء لا فتيا التعبير بصفة الأمر حيث قال لها خذي ولو كان فتيا لقال مثلا لا حرج عليك إذا أخذت ولان الأغلب من تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هو الحكم ومما رجح به أنه كان فتوى وقوع الاستفهام في القصة في قولها هل على جناح ولأنه فوض تقدير الاستحقاق إليها ولو كان قضاء لم يفوضه إلى المدعى ولأنه لم يستحلفها على ما ادعته ولا كلفها البينة والجواب أن في ترك تحليفها أو تكليفها البينة حجة لمن أجاز للقاضي ان يحكم بعلمه فكأنه صلى الله عليه وسلم علم صدقها في كل ما ادعت به وعن الاستفهام أنه لا استحالة فيه من طالب الحكم وعن تفويض قدر الاستحقاق أن المراد الموكول إلى العرف كما تقدم وسيأتي بيان المذاهب في القضاء على الغائب في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى تنبيه أشكل على بعضهم استدلال البخاري بهذا الحديث على مسألة الظفر في كتاب الأشخاص حيث ترجم له قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه واستدلاله به على جواز القضاء على الغائب لأن الاستدلال به على مسألة الظفر لا تكون الا على القول بأن مسألة هند كانت على طريق الفتوى والاستدلال به على مسألة القضاء على الغائب لا يكون الا على القول بأنها كانت حكما والجواب أن يقال كل حكم يصدر من الشارع فإنه ينزل منزلة الافتاء بذلك الحكم في مثل تلك الواقعة فيصح الاستدلال بهذه القصة للمسألتين والله أعلم وقد وقع هذا الباب مقدما على بابين عند أبي نعيم في المستخرج

قوله باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة المراد بذات اليد المال وعطف النفقة عليها من عطف الخاص على العام ووقع في شرح بن بطال والنفقة عليه وزيادة لفظة عليه غير محتاج إليها في هذا الموضع وليست من حديث الباب في شيء

[ 5050 ] قوله حدثنا بن طاوس اسمه عبد الله قوله عن أبيه وأبو الزناد هو عطف على بن طاوس لا على طاوس وحاصله أن لسفيان بن عيينة فيه اسنادين إلى أبي هريرة ووقع في مسند الحميدي عن سفيان وحدثنا أبو الزناد وأخرجه أبو نعيم من طريقه قوله خير نساء ركبن الإبل نساء قريش وقال الآخر صالح نساء قريش في رواية الكشميهني صلح بضم الصاد وتشديد اللام بعدها مهملة وهي صيغة جمع وحاصله أن أحد شيخي سفيان اقتصر على نساء قريش وزاد الاخر صالح ووقع عند مسلم عن بن أبي عمر عن سفيان قال أحدهما صالح نساء قريش وقال الآخر نساء قريش ولم أره عن سفيان الا مبهما لكن ظهر من رواية شعيب عن أبي الزناد الماضية في أول النكاح ومن رواية معمر عن بن طاوس عند مسلم أن الذي زاد لفظه صالح هو بن طاوس ووقع في أوله عند مسلم من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بيان سبب الحديث ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت يا رسول الله إني قد كبرت ولي عيال فذكر الحديث وله أحناه على بمهلمة ثم نون من الحنو وهو العطف والشفقة وأرعاه من الرعاية وهي الإبقاء قال بن التين الحانية عند أهل اللغة التي تقيم على ولدها فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية قوله في ذات يده قال قاسم بن ثابت في الدلائل ذات يده وذات بيننا ونحو ذلك صفة لمحذوف مؤنث كأنه يعني الحال التي هي بينهم والمراد بذات يده ماله ومكسبه وأما قولهم لقيته ذات يوم فالمراد لقاة أو مرة فلما حذف الموصوف وبقيت الصفة صارت كالحال قوله ويذكر عن معاوية وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أما حديث معاوية وهو بن أبي سفيان فأخرجه أحمد والطبراني من طريق زيد بن أبي غياث عن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل رواية بن طاوس في جملة أحاديث ورجاله موثقون وفي بعضهم مقال لا يقدح وأما حديث بن عباس فأخرجه أحمد أيضا من طريق شهر بن حوشب حدثني بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من قومه يقال لها سودة وكان لها خمسة صبيان أو ستة من بعل لها مات فقالت له ما يمنعني منك أن لا تكون أحب البرية إلى الا إني أكرمك أن تضفو هذه الصبية عند رأسك فقال لها يرحمك الله أن خير نساء ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش الحديث وسنده حسن وله طريق أخرى أخرجها قاسم بن ثابت في الدلائل من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس باختصار القصة وهذه المرأة يحتمل أن تكون أم هانئ المذكورة في حديث أبي هريرة فلعلها كانت تلقب سودة فإن المشهور أن اسمها فاخته وقيل غير ذلك ويحتمل أن تكون امرأة أخرى وليست سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قديما بمكة بعد موت خديجة ودخل بها قبل أن يدخل بعائشة ومات وهي في عصمته وقد تقدم ذلك واضحا وتقدم شرح المتن مستوفى في أوائل كتاب النكاح

قوله باب كسوة المرأة بالمعروف هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مسلم من حديث جابر المطول في صفة الحج ومن جملته في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة اتقوا الله في النساء ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ولما لم يكن على شرط البخاري أشار إليه واستنبط الحكم من حديث آخر على شرطه فأورد حديث على في الحلة السيراء وقلة فشققتها بين نسائي قال بن المنير وجه المطابقة أن الذي حصل لزوجته فاطمة عليها السلام من الحلة قطعة فرضيت بها اقتصادا بحسب الحال لا اسرافا وأما حكم المسألة فقال بن بطال أجمع العلماء على أن للمرأة مع النفقة على الزوج كسوتها وجوبا وذكر بعضهم أنه يلزمه أن يكسوها من الثياب كذا والصحيح في ذلك أن لا يحمل أهل البلدان على نمط واحد وأن على أهل كل بلد ما يجري في عادتهم بقدر ما يطيقه الزوج على قدر الكفاية لها وعلي قدر يسره وعسره اه وأشار بذلك إلى الرد على الشافعية وقد تقدم البحث في ذلك في النفقة قريبا والكسوة في معناها وحديث على سيأتي شرحه مستوفي في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وقوله

[ 5051 ] آتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمد أي أعطى ثم ضمن أعطى معنى أهدى أو أرسل بذلك عداه بالى وهي بالتشديد وقد وقع في رواية النسفي يعث وفي رواية بن عبدوس أهدى ولا تضمين فيها ومن قرأ إلى بالتخفيف بلفظ حرف الجر وأتى بمعنى جاء لزمه أن يقول حلة سيراء بالرفع ويكون في الكلام حذف تقديره فأعطانيها فلبستها إلى آخره قال بن التين ضبط عند الشيخ أبي الحسن أتى بالقصر أي جاء فيحتمل أن يكون المعنى جاءني النبي صلى الله عليه وسلم بحلة فحذف ضمير المتكلم وحذف الباء فانتصبت والحلة إزار ورداء والسيراء بكسر المهملة وفتح التحتانية وبالمد من أنواع الحرير وقوله بين نسائي يوهم زوجاته وليس كذلك فإنه لم يكن له حينئذ زوجة الا فاطمة فامراد بنسائه زوجته مع أقاربه وقد جاء في رواية بين الفواطم

قوله باب عون المرأة زوجها في ولده سقط في ولده من رواية النسفي وذكر فيه حديث جابر في تزويجه الثيب لتقوم على أخواته وتصلحهن وكأنه استنبط قيام المرأة على ولد زوجها من قيام امرأة جابر على أخواته ووجه ذلك منه بطريق الأولى قال بن بطال وعون المرأة زوجها في ولده ليس بواجب عليها وإنما هو من جميل العشرة ومن شيمة صالحات النساء وقد تقدم الكلام على خدمة المرأة زوجها هل تجب عليها أم لا قريبا

قوله باب نفقة المعسر على أهله ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة الذي وقع على امرأته في رمضان وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصيام قال بن بطال وجه أخذ الترجمة منه أنه صلى الله عليه وسلم أباح له إطعام أهله التمر ولم يقل له أن ذلك يجزيك عن الكفارة لأنه قد تعين عليه فرض النفقة على أهله بوجود التمر وهو ألزم له من الكفارة كذا قال وهو يشبه الدعوى فيحتاج إلى دليل والذي يظهر أن الأخذ من جهة اهتمام الرجل بنفقة أهله حيث قال لما قيل له تصدق به فقال أعلى أفقر منا فلولا اهتمامه بنفقة أهله لبادر وتصدق

قوله باب وعلى الوارث مثل ذلك وهل على المرأة منه شيء وضرب الله مثلا رجلين أحدهما ابكم الآية كذا لأبي ذر ولغيره بعد قوله ابكم إلى قوله صراط مستقيم قال بن بطال ما ملخصه اختلف السلف في المراد بقوله وعلى الوارث مثل ذلك فقال بن عباس عليه أن لا يضار وبه قال الشعبي ومجاهد والجمهور قالوا ولا غرم على أحد من الورثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث وقال آخرون على من يرث الأب مثل ما كان على الأب من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له ثم اختلفوا في المراد بالوارث فقال الحسن والنخعي هو كل من يرث الأب من الرجال والنساء وهو قول أحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة وأصحابه هو من كان ذا رحم محرم للمولود دون غيره وقال قبيصة بن ذؤيب هو المولود نفسه وقال زيد بن ثابت إذا خلف أما وعما فعلى كل منهما ارضاع الولد بقدر ما يرث وبه قال الثوري قال بن بطال وإلى هذا القول أشار البخاري بقوله وعلى وهل على المرأة منه شيء ثم أشار إلى رده بقوله تعالى وضرب الله مثلا رجلين أحدهما ابكم فنزل المرأة من الوارث منزلة الا بكم من المتكلم اه وقد أخرج الطبري هذه الأقوال عن قائلها وسبب الاختلاف حمل المثلية في قوله مثل ذلك على جميع ما تقدم أو على بعضه والذي تقدم الارضاع والإنفاق والكسوة وعدم الاضرار قال بن العربي قالت طائفة لا يرجع إلى الجميع بل إلى الأخير وهذا هو الأصل فمن ادعى أنه يرجع إلى الجميع فعليه الدليل لأن الإشارة بالافراد وأقرب مذكور هو عدم الاضرار فرجح الحمل عليه ثم أورد حديث أم سلمة في سؤالها هل لها أجرا في الإنفاق على أولادها من أبي سلمة ولم يكن لهم مال فأخبرها أن لها أجرا فدل عن أن نفقة بنيها لا تجب عليها إذ لو وجبت عليها لبين لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وكذا قصة هند بنت عتبة فإنه إذن لها في أخذ نفقة بنيها من مال الأب فدل على أنها تجب عليه دونها فأراد البخاري أنه لما لم يلزم الأمهات نفقة الأولاد في حياة الآباء فالحكم بذلك مستمر بعد الآباء ويقويه قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن أي رزق الأمهات وكسوتهن من أجل الرضاع للابناء فكيف فيجب لهن في أول الآية وتجب عليهن نفقة الأبناء في آخرها وأما قول قبيصة فيرده أن الوارث لفظ يشمل الولد وغيره فلا يخص به وارث دون آخر الا بحجة ولو كان الولد هو المراد لقيل وعلى المولود وأما قول الحنفية فيلزم منه أن النفقة تجب على الخال لابن أخته ولا تجب على العم لابن أخيه وهو تفصيل لا دلالة عليه من الكتاب ولا السنة ولا القياس قاله إسماعيل القاضي وأما قول الحسن ومن تابعه فتعقب بقوله تعالى وأن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن ارضعن لك فآتوهن اجورهن فلما وجب على الأب الإنفاق على من يرضع ولده ليغذى ويربى فكذلك يجب عليه إذا فطم فيغذيه بالطعام كما كان يغذيه بالرضاع ما دام صغيرا ولو وجب مثل ذلك على الوارث لوجب إذا مات عن الحامل أنه يلزم العصبة بالإنفاق عليها لاحل ما في بطنها وكذا يلزم الحنفية الزام كل ذي رحم محرم وقال بن المنير إنما قصر البخاري الرد على من زعم أن الأم يجب عليها نفقة ولدها وارضاعه بعد أبيه لدخولها في الوارث فبين أن الأم كانت كلا على الأب واجبة النفقة عليه ومن هو كل بالأصالة لا يقدر على شيء غالبا كيف يتوجه عليه أن ينفق على غيره وحديث أم سلمة صريح في أن انفاقها على أولادها كان على سبيل الفضل والتطوع فدل على أن لا وجوب عليها وأما قصة هند فظاهرة في سقوط النفقة عنها في حياة الأب فيستصحب هذا الأصل بعد وفاة الأب وتعقب بأنه لا يلزم من السقوط عنها في حياة الأب السقوط عنها بعد فقده وإلا فقد القيام بمصالح الولد بفقده فيحتمل أن يكون مراد البخاري من الحديث الأول وهو حديث أم سلمة في انفاقها على أولادها الجزء الأول من الترجمة وهو أن وارث الأب كالام يلزمه نفقة المولود بعد موت الأب ومن الحديث الثاني الجزء الثاني وهو أنه ليس على المرأة شيء عند وجود الأب وليس فيه تعرض لما بعد الأب والله أعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من ترك كلا بفتح الكاف والتشديد والتنوين أو ضياعا بفتح الضاد المعجمة فالي بالتشديد ذكر فيه حديث أبي هريرة بلفظ من توفي من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته وأما لفظ الترجمة فأورده في الاستقراض من طريق أبي حازم عن أبي هريرة بلفظ من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا ومن طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة ومن ترك دنيا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه والضياع تقدم ضبطه وتفسيره في الكفالة وفي الاستقراض وتقدم شرح الحديث في الكفالة وفي تفسير الأحزاب ويأتي بقية الكلام عليه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى وأراد المصنف بإدخاله في أبواب النفقات الإشارة إلى أن من مات وله أولاد ولم يترك لهم شيئا فإن نفقتهم تجب في بيت مال المسلمين والله أعلم

قوله باب المراضع من المواليات وغيرهن كذا للجميع قال بن التين ضبط في رواية بضم الميم وبفتحها في أخرى والأول أولي لأنه اسم فاعل من والت توالي قلت وليس كما قال بل المضبوط في معظم الروايات بالفتح وهو من الموالي لا من الموالاة وقال بن بطال كان الأولى أن يقول الموليات جمع مولاة وأما المواليات فهو جمع الجمع جمع مولى جمع التكسير ثم جمع موالي جمع السلامة بالألف والتاء فصار مواليات ثم ذكر حديث أم حبيبة في قولها انكح أختي وفي قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكرت له درة بنت أبي سلمة فقال بنت أم سلمة وإنما استثبتها في ذلك ليرتب عليه الحكم لأن بنت أبي سلمة من غير أم سلمة تحل له لو لم يكن أبو سلمة رضيعه لأنها ليست ربيبة بخلاف بنت أبي سلمة من أم سلمة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب النكاح وقوله في آخره قال شعيب عن الزهري قال عروة ثويبة أعتقها أبو لهب تقدم هذا التعليق موصولا في جملة الحديث الذي أشرت إليه في أوائل النكاح وسياق مرسل عروة أتم مما هنا وتقدم شرحه وأراد بذكره هنا إيضاح أن ثويبة كانت مولاة ليطابق الترجمة ووجه ايرادها في أبواب النفقات الإشارة إلى أن ارضاع الأم ليس متحتما بل لها أن ترضع ولها أن تمتنع فإذا امتنعت فإن للأب أو الولي ارضاع الولد بالاجنبية حرة كانت أو أمة متبرعة كانت أو بأجرة والاجرة تدخل في النققة وقال بن بطال كانت العرب تكره رضاع الاماء وترغب في رضاع العربية لنجابة الولد فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد رضع من غير العرب وانجب وأن رضاع الاماء لا يهجن اه وهو معنى حسن الا أنه لا يفيد الجواب عن السؤال الذي اوردته وكذا قول بن المنير أشار المصنف إلى أن حرمة الرضاع تنتشر سواء كانت المرضعة حرة أم أمة والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب النفقات من الأحاديث المرفوعة على خمسة وعشرين حديثا المعلق منها ثلاثة وجميعها مكرر الا ثلاثة أحاديث وهي حديث أبي هريرة الساعي على الأرملة وحديث بن عباس ومعاوية في نساء قريش وهما معلقان وافقه مسلم على تخريج حديث أبي هريرة دونهما وفيه من الآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين ثلاثة آثار أثر الحسن في أوله وأثر الزهري في الوالدات يرضعن وأثر أبي هريرة المتصل بحديث أفضل الصدقة ما ترك عن غني الحديث وفيه تقول المرأة أما أن تعطيني وأما أن تطلقني الخ وبين في آخره أنه من كلام أبي هريرة فهو موقوف متصل الإسناد وهو من افراده عن مسلم بخلاف غالب الآثار التي يوردها فإنها معلقة والله أعلم