كتاب الأطعمة
 بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأطعمة وقول الله تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم الآية وقوله أنفقوا من طيبات ما كسبتم وقوله كلوا من الطيبات واعملوا صالحا كذا في أكثر الروايات في الآية الثانية أنفقوا على وفق التلاوة ووقع في رواية النسفي كلوا بدل أنفقوا وهكذا في بعض الروايات عن أبي الوقت وفي قليل من غيرها وعليها شرح بن بطال وأنكرها وتبعه من بعده حتى زعم عياض أنها كذلك للجميع ولم أرها في رواية أبي ذر الا على وفق التلاوة كما ذكرت وكذا في نسخة معتمدة من رواية كريمة ويؤيد ذلك أن المصنف ترجم بهذه الآية وحدها في كتاب البيوع فقال باب قوله أنفقوا من طيبات ما كسبتم كذا وقع على وفق التلاوة للجميع الا النسفي وعليه شرح بن بطال أيضا وفي بعض النسخ من رواية أبي الوقت وزعم عياض أنه وقع للجميع كلوا الا أبا ذر عن المستملي فقال أنفقوا وتقدم هناك التنبيه على أنه وقع على الصواب في كتاب الزكاة حيث ترجم باب صدقة الكسب والتجارة لقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ولا اختلاف بين الرواة في ذلك ويحسن التمسك به في أن التغيير فيما عداه من النساخ والطيبات جمع طيبة وهي تطلق على المستلذ مما لا ضرر فيه وعلى النظيف وعلى ما لا أذى فيه وعلى الحلال فمن الأول قوله تعالى يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وهذا هو الراجح في تفسيرها إذ لو كان المراد الحلال لم يزد الجواب على السؤال ومن الثاني فتيمموا صعيدا طيبا ومن الثالث هذا يوم طيب وهذه ليلة طيبة ومن الرابع الآية الثانية في الترجمة فقد تقدم في تفسيرها في الزكاة أن المراد بالتجارة الحلال وجاء أيضا ما يدل على أن المراد بها الجيد لاقترانها بالنهي عن الإنفاق من الخبيث والمراد به الرديء كذلك فسره بن عباس وورد فيه حديث مرفوع ذكره في باب تعليق القنو في المسجد من أوائل الصلاة من حديث عوف بن مالك وأوضح منه فيما يتعلق بهذه الترجمة ما أخرجه الترمذي من حديث البراء قال كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي بالقنو فيعلقه في المسجد وكان بعض من لا يرغب في الخير يأتي بالقنو من الحشف والشيص فيعلقه فنزلت هذه الآية ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون فكنا بعد ذلك يجيء الرجل بصالح ما عنده ولأبي داود من حديث سهل بن حنيف فكان الناس يتيممون شرار ثمارهم ثم يخرجونها في الصدقة فنزلت هذه الآية وليس بين تفسير الطيب في هذه الآية بالحلال وبما يستلذ منافاة ونظيرها قوله تعالى يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وقد جعلها الشافعي أصلا في تحريم ما تستخبثه العرب مما لم يرد فيه نص بشرط سيأتي بيانه وكأن المصنف حيث أورد هذه الآيات لمح بالحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس أن الله طيب لا يقبل الا طيبا وأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم الحديث وهو من رواية فضيل بن مرزوق وقد قال الترمذي أنه تفرد به وهو ممن انفرد مسلم بالاحتجاج به دون البخاري وقد وثقه بن معين وقال أبو حاتم يهم كثيرا ولا يحتج به وضعفه النسائي وقال بن حبان كان يخطىء على الثقات وقال الحاكم عيب على مسلم إخراجه فكأن الحديث لما لم يكن على شرط البخاري اقتصر على إيراده في الترجمة قال بن بطال لم يختلف أهل التأويل في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وإنها نزلت فيمن حرم على نفسه لذيذ الطعام واللذات المباحة ثم ذكر المصنف ثلاثة أحاديث تتعلق بالجوع والشبع الأول حديث أبي موسى

[ 5058 ] قوله أطعموا الجائع وعودوا المريض الحديث تقدم في الوليمة من كتاب النكاح بلفظ أجيبوا الداعي بدل أطعموا الجائع ومخرجهما واحد وكأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر قال الكرماني الأمر هنا للندب وقد يكون واجبا في بعض الأحوال اه ويؤخذ من الأمر بإطعام الجائع جواز الشبع لأنه ما دام قبل الشبع فصفة الجوع قائمة به والأمر باطعامه مستمر قوله وفكوا العاني أي خلصوا الأسير من فككت الشيء فانفك قوله قال سفيان والعاني الأسير تقدم بيان من ادرجه في النكاح وقيل للاسير عان من عنا يعنو إذا خضع الحديث الثاني حديث أبي هريرة

[ 5059 ] قوله ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض في رواية مسلم من طريق يزيد بن كيسان عن أبي حازم بلفظ ما شبع محمد وأهله ثلاثة أيام تباعا أي متوالية وسيأتي بعد هذا من حديث عائشة التقييد أيضا بثلاث لكن فيه من خبز البر وعند مسلم ثلاث ليال ويؤخذ منها أن المراد بالايام هنا بلياليها كما أن المراد بالليالي هناك بأيامها وأن الشبع المنفي بقيد التوالي لا مطلقا ولمسلم والترمذي من طريق الأسود عن عائشة ما شبع من خبر شعير يومين متتابعين ويؤخذ مقصوده من جواز الشبع في الجملة من المفهوم والذي يظهر أن سبب عدم شبعهم غالبا كان بسبب قلة الشيء عندهم على إنهم كانوا قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم وسيأتي بعد هذا وفي الرقاق أيضا من وجه آخر عن بن هريرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ويأتي بسط القول في شرحه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى الحديث الثالث

[ 5060 ] قوله وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال اصابني جهد شديد هو موصول بالإسناد الذي قبله وذكر محدث الديار الحلبية برهان الدين أن شيخنا الشيخ سراج الدين البلقيني استشكل هذا التركيب وقال قوله وعن أبي حازم لا يصح عطفه على قوله عن أبيه لأنه يلزم منه إسقاط فضيل فيكون منقطعا إذ يصير التقدير عن أبيه وعن أبي حازم قال ولا يصح عطفه على قوله وعن أبي حازم لأن المحدث الذي لم يعين هو محمد بن فضيل فيلزم الانقطاع أيضا قال وكان اللائق أن يقول وبه إلى أبي حازم انتهى وكأنه تلقفه من شيخنا في مجلس بسماعه للبخاري وإلا فلم يسمع بان الشيخ شرح هذا الموضع والأول مسلم والثاني مردود لأنه لا مانع من عطف الراوي لحديث على الراوي بعينه لحديث آخر فكأن يوسف قال حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم بكذا وعن أبي حازم بكذا واللائق الذي ذكره صحيح لكنه لا يتعين بل لو قال وبه إلى أبيه عن أبي حازم لصح أو حذف قوله عن أبيه فقال وبه عن أبي حازم لصح وحدثنا تكون به مقدرة والمقدر في حكم الملفوظ وأوضح منه أن قوله وعن أبي حازم معطوف على قوله حدثنا محمد بن فضيل الخ فحذف ما بينهما للعلم به وزعم بعض الشراح أن هذا متعلق وليس كما قال فقد أخرجه أبو يعلى عن عبد الله بن عمر بن أبان عن محمد بن فضيل بسند البخاري فيه فظهر أنه معطوف على السند المذكور كما قلته أولا ولله الحمد قوله اصابني جهد شديد أي من الجوع والجهد تقدم أنه بالضم وبالفتح بمعنى والمراد به المشقة وهو في كل شيء بحسبه قوله فاستقرأته آية أي سألته أن يقرأ علي آية من القرآن معينة على طريق الاستفادة وفي غالب النسخ فاستقريته بغير همزة وهو جائز على التسهيل وأن كان أصله الهمزة قوله فدخل داره وفتحها على أي قرأها على وافهمني إياها ووقع في ترجمة أبي هريرة في الحلية لأبي نعيم من وجه آخر عن أبي هريرة أن الآية المذكورة من سورة آل عمران وفيه فقلت له أقرئني وأنا لا أريد القراءة وإنما أريد الإطعام وكأنه سهل الهمزة فلم يفطن عمر لمراده قوله فخررت لوجهي من الجهد أي الذي أشار إليه أولا وهو شدة الجوع ووقع في الرواية التي في الحلية أنه كان يومئذ صائما وأنه لم يجد ما يفطر عليه قوله فأمر لي بعس بضم العين المهملة بعدها مهملة هو القدح الكبير قوله حتى استوى بطني أي استقام من امتلائه من اللبن قوله كالقدح بكسر القاف وسكون الدال بعدها حاء مهملة هو السهم الذي لا ريش له وسيأتي لأبي هريرة قصة في شرب اللبن مطولة في كتاب الرقاق وفيها أنه قال أشرب فقال لا أجد له مساغا ويستفاد منه جواز الشبع ولو حمل المراد بنفي المساغ على ما جرت به عادته لا أنه أراد أنه زاد على الشبع والله أعلم تنبيه ذكر لي محدث الديار الحلبية برهان الدين أن شيخنا سراج الدين البلقيني قال ليس في هذه الأحاديث الثلاثة ما يدل على الأطعمة المترجم عليها المتلو فيها الآيات المذكورة قلت وهو ظاهر إذا كان المراد مجرد ذكر أنواع الأطعمة أما إذا كان المراد بها ذلك وما يتعلق به من احوالها وصفاتها فالمناسبة ظاهرة لأن من جملة احوالها الناشئة عنها الشبع والجوع ومن جملة صفاتها الحل والحرمة والمستلذ والمستخبث ومما ينشأ عنها الإطعام وتركه وكل ذلك ظاهر من الأحاديث الثلاثة وأما الآيات فإنها تضمنت الإذن في تناول الطيبات فكأنه أشار بالأحاديث إلى أن ذلك لا يختص بنوع من الحلال ولا المستلذ ولا بحالة الشبع ولا بسد الرمق بل بتناول ذلك بحسب الوجدان وبحسب الحاجة والله أعلم قوله تولى ذلك أي باشره من اشابعي ودفع الجوع عني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى الكرماني أن في رواية تولى الله ذلك قال ومن على هذا مفعول وعلى الأول فاعل انتهى ويكون تولى على الثاني بمعنى ولي قوله ولأنا اقرأ لها منك فيه اشعار بأن عمر لما قرأها عليه توقف فيها أو في شيء منها حتى ساغ لأبي هريرة ما قال ولذلك اقره عمر على قوله قوله أدخلتك أي الدار واطعمتك قوله حمر النعم أي الإبل وللحمر منها فضل على غيرها من انواعها وقد تقدم في المناقب البحث في تخصيصها بالذكر والمراد به وتقدم من وجه آخر عن أبي هريرة كنت استقريء الرجل الآية وهي معي كي ينقلب معي فيطعمني قال بن بطال فيه أنه كان من عادتهم إذا استقرأ أحدهم صاحبه القرآن أن يحمله الى منزله ويطعمه ما تيسر ويحمل ما وقع من عمر على أنه كان له شغل عافه عن ذلك أو لم يكن عنده ما يطعمه حينئذ انتهى ويبعد الأخير تأسف عمر على فوت ذلك وذكر لي محدث الديار الحلبية أن شيخنا سراج الدين البلقيني استبعد قول أبي هريرة لعمر لأنا اقرأ لها منك يا عمر من وجهين أحدهما مهابة عمر والثاني عدم اطلاع أبي هريرة على أن عمر لم يكن يقرؤها مثله قلت عجبت من هذا الاعتراض فإنه يتضمن الطعن على بعض رواة الحديث المذكور بالغلط مع وضوح توجيهه أما الأول فإن أبا هريرة خاطب عمر بذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي حالة كان عمر فيها في صورة الخجلان منه فجسر عليه وأما الثاني فيعكس ويقال وما كان أبو هريرة ليقول ذلك لا بعد اطلاعه فلعله سمعها من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت وما سمعها عمر مثلا الا بواسطة

قوله باب التسمية على الطعام والأكل باليمين المراد بالتسمية على الطعام قول بسم الله في ابتداء الأكل وأصرح ما ورد في صفة التسمية ما أخرجه أبو داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعا إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله فإن نسي في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره وله شاهد من حديث أمية بن مخشي عند أبي داود والنسائي وأما قول النووي في أدب الأكل من الأذكار صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته والأفضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم فإن قال بسم الله كفاه وحصلت السنة فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلا خاصا وما ما ذكره الغزالي في اداب الأكل من الأحياء أنه لو قال في كل لقمة بسم الله كان حسنا وأنه يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله ومع الثانية بسم الله الرحمن ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم فلم أر لاستحباب ذلك دليلا والتكرار قد بين هو وجهة قوله حتى لا يشغله الأكل عن ذكر الله وأما قوله والأكل باليمين فيأتي البحث فيه وهو يتناول من يتعاطى ذلك بنفسه وكذا غيره بأن يحتاج إلى أن يلقمه غيره ولكنه بيمينه لا بشماله

[ 5061 ] قوله أخبرنا سفيان قال الوليد بن كثير أخبرني كذا وقع هنا وهو من تأخير الصيغة عن الراوي وهو جائز وقد أخرجه الحميدي في مسنده وأبو نعيم في المستخرج من طريقه عن سفيان قال حدثنا الوليد بن كثير وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن سفيان عن الوليد بالعنعنة ثم قال في آخره فسألوه عن إسناده فقال حدثني الوليد بن كثير ولعل هذا هو السر في سياق على بن عبد الله له على هذه الكيفية ولسفيان بن عيينة في هذا الحديث سند آخر أخرجه النسائي عن محمد بن منصور وابن ماجة عن محمد بن الصباح كلاهما عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة وقد اختلف على هشام في سنده فكأن البخاري عرج عن هذه الطريق لذلك قوله عمر بن أبي سلمة أي بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم واسم أبي سلمة عبد الله وأم عمر المذكور هي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء في آخر الباب الذي يليه وصفه بأنه ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قوله كنت غلاما أي دون البلوغ يقال للصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم غلام وقد ذكر بن عبد البر أنه ولد في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة بأرض الحبشة وتبعه غير واحد وفيه نظر بل الصواب أنه ولد قبل ذلك فقد صح في حديث عبد الله بن الزبير أنه قال كنت أنا وعمر بن أبي سلمة مع النسوة يوم الخندق وكان أكبر مني بسنتين انتهى ومولد بن الزبير في السنة الأولى على الصحيح فيكون مولد عمر قبل الهجرة بسنتين قوله في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم أي في تربيته وتحت نظره وأنه يربيه في حضنه تربية الولد قال عياض الحجر يطلق على الحضن وعلى الثوب فيجوز فيه الفتح والكسر وإذا أريد به معنى الحضانة فبالفتح لا غير فإن أريد به المنع من التصرف فبالفتح في المصدر وبالكسر في الاسم لا غير قوله وكانت يدي تطيش في الصحفة أي عند الأكل ومعنى تطيش وهو بالطاء المهملة والشين المعجمة بوزن تطير تتحرك فتميل إلى نواحي القصعة ولا تقتصر على موضع واحد قاله الطيبي قال والأصل اطيش بيدي فأسند الطيش إلى يده مبالغة وقال غيره معنى تطيش تخف وتسرع وسيأتي في الباب الذي يليه بلفظ أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما فجعلت أكل من نواحي الصحفة وهو يفسر المراد والصحفة ما تشبع خمسة ونحوها وهي أكبر من القصعة ووقع في رواية الترمذي من طريق عروة عن عمر بن أبي سلمة أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام فقال ادن يا بني ويأتي في الرواية التي في آخر الباب الذي يليه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام وعنده ربيبة والجمع بينهما أن مجيء الطعام وافق دخوله قوله يا غلام سم الله قال النووي أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله وفي نقل الإجماع على الاستحباب نظر الا أن أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك وهو قضية القول بايجاب الأكل باليمين لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة قوله وكل بيمينك ومما يليك قال شيخنا في شرح الترمذي حمله أكثر الشافعية على الندب وبه جزم الغزالي ثم النووي لكن نص الشافعي في الرسالة وفي موضع آخر من الأم على الوجوب قلت وكذا ذكره عنه الصيرفي في شرح الرسالة ونقل البويطي في مختصره أن الأكل من رأس الثريد والتعريس على الطريق والقرآن في التمر وغير ذلك مما ورد الأمر بضده حرام ومثل البيضاوي في منهاجه للندب بقوله صلى الله عليه وسلم كل مما يليك وتعقبه تاج الدين السبكي في شرحه بأن الشافعي نص في غير موضع على أن من أكل مما لا يليه عالما بالنهي كان عاصيا إثما قال وقد جميع والدي نظائر هذه المسألة في كتاب له سماه كشف اللبس عن المسائل الخمس ونصر القول بأن الأمر فيها للوجوب قلت ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا استطعت فما رفعها إلى فيه بعد وأخرج الطبراني من حديث سبيعة الأسلمية من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها فقال أخذها داء غزة فقال أن بها قرحة قال وأن فمرت بغزة فأصابها طاعون فماتت وأخرج محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر وسنده حسن وثبت النهي عن الأكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان من حديث بن عمر ومن حديث جابر عند مسلم وعند أحمد بسند حسن عن عائشة رفعته من أكل بشماله أكل معه الشيطان الحديث ونقل الطيبي أن معنى قوله أن الشيطان يأكل بشماله أي يحمل اولياءه من الإنس على ذلك ليضاد به عباد الله الصالحين قال الطيبي وتحريره لا تأكلوا بالشمال فإن فعلتم كنتم من أولياء الشيطان فإن الشيطان يحمل اولياءه على ذلك انتهى وفيه عدول عن الظاهر والأولى حمل الخبر على ظاهره وأن الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله وحكى القرطبي في ذلك احتمالين ثم قال والقدرة صالحة ثم ذكر من عند مسلم أن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه قال وهذا عبارة عن تناوله وقيل معناه استحسانه رفع البركة من ذلك الطعام إذا لم يذكر اسم الله قال القرطبي وقوله صلى الله عليه وسلم فإن الشيطان يأكل بشماله ظاهره أن من فعل ذلك تشبه بالشيطان وأبعد وتعسف من أعاد الضمير في شماله على الأكل قال النووي في هذه الأحاديث استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهة ذلك بالشمال وكذلك كل أخذ وعطاء كما وقع في بعض طرق حديث بن عمر وهذا إذا لم يكن عذر من مرض أو جراحة فإن كان فلا كراهة كذا قال وأجاب عن الاشكال في الدعاء على الرجل الذي فعل ذلك واعتذر فلم يقبل عذره بأن عياضا ادعى أنه كان منافقا وتعقبه النووي بأن جماعة ذكروه في الصحابة وسموه بسرا بضم الموحدة وسكون المهملة واحتج عياض بما ورد في خبره أن الذي حمله على ذلك الكبر ورده النووي بأن الكبر والمخالفة لا يقتضي النفاق لكنه معصية أن كان الأمر أمر إيجاب قلت ولم ينفصل عن اختياره أن الأمر أمر ندب وقد صرح بن العربي بإثم من أكل بشماله واحتج بأن كل فعل ينسب إلى الشيطان حرام وقال القرطبي هذا الأمر على جهة الندب لأنه من باب تشريف اليمين على الشمال لأنها أقوى في الغالب واسبق للاعمال وامكن في الاشغال وهي مشتقة من اليمن وقد شرف الله أصحاب الجنة إذ نسبهم إلى اليمين وعكسه في أصحاب الشمال قال وعلى الجملة فاليمين وما نسب إليها وما اشتق منها محمود لغة وشرعا ودينا والشمال على نقيض ذلك وإذا تقرر ذلك فمن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء اختصاص اليمن بالأعمال الشريفة والاحوال النظيفة وقال أيضا كل هذه الاوامر من المحاسن المكملة والمكارم المستحسنة والأصل فيما كان من هذا الترغيب والندب قال وقوله كل مما يليك محله ما إذا كان الطعام نوعا واحدا لأن كل أحد كالحائز لما يليه من الطعام فأخذ الغير له تعد عليه مع ما فيه من تقذر النفس مما خاضت فيه الأيدي ولما فيه من إظهار الحرص والنهم وهو مع ذلك سوء أدب بغير فائدة أما إذا اختلفت الأنواع فقد أباح ذلك العلماء كذا قال قوله فما زالت تلك طعمتي بعد بكسر الطاء أي صفة أكلي أي لزمت ذلك وصار عادة لي قال الكرماني وفي بعض الروايات بالضم يقال طعم إذا أكل والطعمة الأكلة والمراد جميع ما تقدم من الابتداء بالتسمية والأكل باليمين والأكل مما يليه وقوله بعد بالضم على البناء أي استمر ذلك من صنيعي في الأكل وفي الحديث أنه ينبغي اجتناب الأعمال التي تشبه أعمال الشياطين والكفار وأن للشيطان يدين وأنه يأكل ويشرب ويأخذ ويعطي وفيه جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في حال الأكل وفيه استحباب تعليم أدب الأكل والشرب وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله الأمر ومواظبته على مقتضاه

قوله باب الأكل مما يليه وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه هذا التعليق طرف من حديث الجعد أبي عثمان عن أنس في قصة الوليمة على زينب بنت جحش وقد تقدم في باب الهدية للعروس في أوائل النكاح معلقا من طريق إبراهيم بن طهمان عن الجعد وفيه ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون ويقول لهم اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه وقد ذكرت هناك من وصله وسيأتي أصله موصولا بعد بابين من وجه اخر عن أنس لكن ليس فيه مقصود الترجمة وعزاه شيخنا بن الملقن تبعا لمغلطاي لتخريج بن أبي عاصم في الأطعمة من طريق بكر وثابت عن أنس وهو ذهول منهما فليس في الحديث المذكور مقصود الترجمة وهو عند أبي يعلى والبزار أيضا من الوجه الذي أخرجه بن أبي عاصم

[ 5062 ] قوله حدثني محمد بن جعفر يعني بن أبي كثير المدني وحلحلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ثم لام مفتوحة قوله عن وهب بن كيسان أبي نعيم قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا رواه أصحاب مالك في الموطأ عنه وصورته الإرسال وقد وصله خالد بن مخلد ويحيى بن صالح الوحاظي فقالا عن مالك عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة وخالف الجميع إسحاق بن إبراهيم الحنيني أحد الضعفاء فقال عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر وهو منكر وأنما استجاز البخاري إخراجه وأن كان المحفوظ فيه عن مالك الإرسال لأنه تبين بالطريق الذي قبله صحة سماع وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة واقتضى ذلك ان مالكا قصر بإسناده حيث لم يصرح بوصله وهو في الأصل موصول ولعله وصله مرة فحفظ ذلك عنه خالد ويحيى بن صالح وهما ثقتان أخرج ذلك الدارقطني في الغرائب عنهما واقتصر بن عبد البر في التمهيد على ذكر رواية خالد بن مخلد وحده

قوله باب من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه حوالي بفتح اللام وسكون التحتانية أي جوانب يقال رأيت الناس حوله وحوليه وحواليه واللام مفتوحة في الجميع ولا يجوز كسرها قوله إذا لم يعرف منه كراهية ذكر فيه حديث أنس في تتبع النبي صلى الله عليه وسلم الدباء من الصحفة وهذا ظاهره يعارض الذي قبله في الأمر بالأكل مما يليه فجمع البخاري بينهما يحمل الجواز على ما إذا علم رضا من يأكل معه ورمز بذلك الى تضعيف حديث عكراش الذي أخرجه الترمذي حيث جاء فيه التفصيل بين ما إذا كان لونا واحدا فلا يتعدى ما يليه أو أكثر من لون فيجوز وقد حمل بعض الشراح فعله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على ذلك فقال كان الطعام مشتملا على مرق ودباء وقديد فكان يأكل مما يعجبه وهو الدباء ويترك ما لا يعجبه وهو القديد وحمله الكرماني كما تقدم له في باب الخياط من كتاب البيع على أن الطعام كان للنبي صلى الله عليه وسلم وحده قال فلو كان له ولغيره لكان المستحب أن يأكل مما يليه قلت ان أراد بالوحدة أن غيره لم يأكل معه فمردود لأن أنسا أكل معه وأن أراد به المالك وأذن لأنس أن يأكل معه فليطرده في كل مالك ومضيف وما أظن أحدا يوافقه عليه وقد نقل بن بطال عن مالك جوابا يجمع الجوابين المذكورين فقال أن المؤاكل لأهله وخدمه يباح له أن يتبع شهوته حيث رآها إذا علم أن ذلك لا يكره منه فإذا علم كراهتهم لذلك لم يأكل الا ما يليه وقال أيضا أما جالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام لأنه علم أن أحدا لا يتكره ذلك منه ولا يتقذره بل كانوا يتبركون بريقة ومماسه يده بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها فكذلك من لم يتقذر من مؤاكلة يجوز له أن تجول يده في الصحفة وقال بن التين إذا أكل المرء مع خادمه وكان في الطعام نوع منفرد جاز له أن ينفرد به وقال في موضع آخر إنما فعل ذلك لأنه كان يأكل وحده فسيأتي في رواية أن الخياط أقبل على عمله قلت هي رواية ثمامة عن أنس كما سيأتي بعد أبواب لكن لا يثبت المدعى لأن أنسا أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم

[ 5064 ] قوله أن خياطا لم اقف على اسمه لكن في رواية ثمامة عن أنس أنه كان غلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ أن مولى له خياطا دعاه قوله لطعام صنعه كان الطعام المذكور ثريدا كما سأبينه قوله قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يتتبع الدباء هكذا أورده مختصرا أخرجه مسلم عن قتيبة شيخ البخاري فيه بتمامه وقد تقدم في البيوع عن عبد الله بن يوسف عن مالك بالزيادة ولفظه فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا ومرقا فيه دباء وقديد وأفاد شيخنا بن الملقن عن مستخرج الإسماعيلي أن الخبز المذكور كان خبز شعير وغفل عما أورده البخاري في باب المرق كما سيأتي عن عبد الله بن مسلمة عن مالك بلفظ خبر شعير والثاني مثله وكذا أورده بعد باب آخر عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بتمامه وهو عند مسلم عن قتيبة أيضا وقد أفرد البخاري لكل واحدة ترجمة وهي المرق والدباء والثريد والقديد قوله الدباء بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة ممدود ويجوز القصر حكاه القزاز وأنكره القرطبي هو القرع وقيل خاص بالمستدير منه ووقع في شرح المهذب للنووي أنه القرع اليابس وما أظنه الا سهوا وهو اليقطين أيضا واحدة دباة ودبة وكلام أبي عبيد الهروي يقتضي أن الهمزة زائدة فإنه أخرجه في دبب وأما الجوهري فأخرجه في المعتل على أن همزته منقلبة وهو أشبه بالصواب لكن قال الزمخشري لا ندري هي منقلبة عن واو أو ياء ويأتي في رواية ثمامة عن أنس فلما رأيت ذلك جعلت اجمعه بين يديه وفي رواية حميد عن أنس فجعلت اجمعه وأدنيه منه قوله فلم أزل أحب الدباء من يومئذ في رواية ثمامة قال أنس لا ازال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع ما صنع وفي رواية مسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس فجعلت ألقيه إليه ولا أطعمه وله من طريق معمر عن ثابت وعاصم عن أنس فذكر الحديث قال ثابت فسمعت أنسا يقول فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء الا صنع ولابن ماجة بسند صحيح عن حميد عن أنس قال بعثت معي أم سليم بمكتل فيه رطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجده وخرج قريبا إلى مولى له دعاه فصنع له طعاما فأتيته وهو يأكل فدعاني فأكلت معه قال وصنع له ثريدة بلحم وقرع فإذا هو يعجبه القرع فجعلت اجمعه فأدنيه منه الحديث وأخرج مسلم بعضه من هذا الوجه بلفظ كان يعجبه القرع وللنسائي كان يحب القرع ويقول أنها شجرة أخي يونس ويجمع بين قوله في هذه الرواية فلم أجده وبين حديث الباب ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أطلق المعية باعتبار ما آل إليه الحال ويحتمل تعدد القصة على بعد وفي الحديث جواز أكل الشريف طعام من دونه من محترف وغيره وإجابة دعوته ومؤاكلة الخادم وبيان ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع واللطف بأصحابه وتعاهدهم بالمجيء إلى منازلهم وفيه الإجابة إلى الطعام ولو كان قليلا ومناولة الضيفان بعضهم بعضا مما وضع بين أيديهم وإنما يمتنع من يأخذ من قدام الآخر شيئا لنفسه أو لغيره وسيأتي البحث فيه في باب مفرد وفيه جواز ترك المضيف الأكل مع الضيف لأن في رواية ثمامة عن أنس في حديث الباب أن الخياط قدم لهم الطعام ثم أقبل على عمله فيؤخذ جواز ذلك من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون الطعام كان قليلا فآثرهم به ويحتمل أن يكون كان مكتفيا من الطعام أو كان صائما أو كان شغله قد تحتم عليه تكميله وفيه الحرص على التشبه بأهل الخير والاقتداء بهم في المطاعم وغيرها وفيه فضيلة ظاهرة لأنس لاقتفائه أثر النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الأشياء الجبلية وكان يأخذ نفسه باتباعه فيها رضي الله عنه قوله قال عمر بن أبي سلمة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم كل بيمينك كذا ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر عن الحموي والكشميهني وسقط للباقين وهو الاشبه وقد مضى موصولا قبل باب والذي يظهر لي أن محله بعد الترجمة التي تليه

قوله باب التيمن في الأكل وغيره ذكر فيه حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن الحديث وهو ظاهر فيما ترجم له وظن بعضهم أن في هذه الترجمة تكرارا لأنه تقدم في قوله باب التسمية على الطعام والأكل باليمين وقد أجاب عنه بن بطال بأن هذه الترجمة أعم من الأولى لأن الأولى لفعل الأكل فقط وهذه لجميع الأفعال فيدخل فيه الأكل والشرب بطريق التعميم اه ومن جملة العموم عموم متعلقات الأكل كالاكل من جهة اليمين وتقديم من على اليمين في الاتحاف ونحوه على من على الشمال وغير ذلك

[ 5065 ] قوله وكان قال بواسط قبل هذا في شأنه كله القائل هو شعبة والمقول عنه أنه قال بواسط هو أشعث وهو بن أبي الشعثاء وقد تقدم بيان ذلك مع مباحث الحديث في باب التيمن من كتاب الوضوء وقال الكرماني قال بعض المشايخ القائل بواسط هو أشعث كذا نقل وليس بصواب ممن قال

قوله باب من أكل حتى شبع ذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث أنس في تكثير الطعام ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرحه في علامات النبوة وفيه فأكلوا حتى شبعوا الثاني حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في إطعام القوم من سواد بطن الشاة وكانوا ثلاثين ومائة رجل وفيه فأكلنا أجمعون وشبعنا وقد تقدم شرحه في كتاب الهبة الثالث حديث عائشة توفي النبي صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء وفيه إشارة الى أن شبعهم لم يقع قبل زمان وفاته قاله الكرماني قلت لكن ظاهره غير مراد وقد تقدم في غزوة خيبر من طريق عكرمة عن عائشة قالت لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر ومن حديث بن عمر قال ما شبعنا حتى فتحنا خيبر فالمراد أنه صلى الله عليه وسلم شبع حين شبعوا واستمر شبعهم وابتداؤه من فتح خيبر وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين ومراد عائشة بما اشارت إليه من الشبع هو من التمر خاصة دون الماء لكن قرنته به إشارة إلى أن تمام الشبع حصل بجمعهما فكأن الواو فيه بمعنى مع لا أن الماء وحده يوجد الشبع منه ولما عبرت عن التمر بوصف واحد وهو السواد عبرت عن الشبع والري بفعل واحد وهو الشبع وقوله

[ 5066 ] في حديث أنس عن أبي طلحة سمعت صوت النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع كأنه لم يسمع في صوته لما تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه فحمل ذلك على الجوع بقرينة الحال التي كانوا فيها وفيه رد على دعوى بن حبان أنه لم يكن يجوع واحتج بحديث أبيت يطعمني ربي ويسقيني وتعقب بالحمل على تعدد الحال فكان يجوع أحيانا ليتأسى به أصحابه ولا سيما من لا يجد مددا وأدركه ألم الجوع صبر فضوعف له وقد بسطت هذا في مكان آخر ويوخذ من قصة أبي طلحة أن من أدب من يضيف أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار تكرمة له قال بن بطال في هذه الأحاديث جواز الشبع وأن تركه أحيانا أفضل وقد ورد عن سلمان وأبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة قال الطبري غير أن الشبع وأن كان مباحا فإن له حدا ينتهي إليه وما زاد على ذلك فهو سرف والمطلق منه ما أعان الأكل على طاعة ربه ولم يشغله ثقله عن أداء ما وجب عليه اه وحديث سلمان الذي أشار إليه أخرجه بن ماجة بسند لين وأخرج عن بن عمر نحوه وفي سنده مقال أيضا وأخرج البزار نحوه من حديث أبي جحيفة بسند ضعيف قال القرطبي في المفهم لما ذكر قصة أبي الهيثم إذ ذبح للنبي صلى الله عليه وسلم ولصاحبيه الشاة فأكلوا حتى شبعوا وفيه دليل على جواز الشبع وما جاء من النهى عنه محمول على الشبع الذي يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن القيام للعبادة ويفضي إلى البطر والاشر والنوم والكسل وقد تنتهي كراهته إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة وذكر الكرماني تبعا لابن المنير أن الشبع المذكور محمول على شبعهم المعتاد منهم وهو أن الثلث الطعام والثلث للشراب والثلث للنفس ويحتاج في دعوى أن تلك عادتهم إلى نقل خاص وإنما ورد في ذلك حديث حسن أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث المقدام بن معد يكرب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما ملأ ادمي وعاء شرا من بطن حسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن غلب الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس قال القرطبي في شرح الأسماء لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة وقال الغزالي قبله في باب كسر الشهوتين من الأحياء ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا ولا شك في أن أثر الحكمة في الحديث المذكور واضح وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها وهل المراد بالثلث التساوي على ظاهر الخبر أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة محل احتمال والأول أولي ويحتمل أن يكون لمح بذكر الثلث إلى قوله في الحديث الآخر الثلث كثير وقال بن المنير ذكر البخاري في الأشربة في باب شرب اللبن للبركة حديث أنس وفيه قوله فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه فيحتمل أن يكون الشبع المشار إليه في أحاديث الباب من ذلك لأنه طعام بركة قلت وهو محتمل الا في حديث عائشة ثالث أحاديث الباب فإن المراد به الشبع المعتاد لهم والله أعلم واختلف في حد الجوع على رأيين ذكرهما في الأحياء أحدهما أن يشتهي الخبز وحده فمتى طلب الأدم فليس بجائع ثانيهما أنه إذا وقع ريقه على الأرض لم يقع عليه الذباب وذكر أن مراتب الشبع تنحصر في سبعة الأول ما تقوم به الحياة الثاني أن يزيد حتى يصوم ويصلي عن قيام وهذان واجبان الثالث أن يزيد حتى يقوي على أداء النوافل الرابع أن يزيد حتى يقدر على التكسب وهذان مستحبان الخامس أن يملا الثلث وهذا جائز السادس أن يزيد على ذلك وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه السابع أن يزيد حتى يتضرر وهي البطنة المنهي عنها وهذا حرام اه ويمكن دخول الثالث في الرابع والأول في الثاني والله أعلم تنبيه وقع في سياق السند معتمر وهو بن سليمان التيمي عن أبيه قال وحدثني أبو عثمان أيضا فزعم الكرماني أن ظاهره أن أباه حدث عن غير أبي عثمان ثم قال وحدث أبو عثمان أيضا قلت وليس ذلك المراد وإنما أراد أن أبا عثمان حدثه بحديث سابق على هذا ثم حدثه بهذا فلذلك قال أيضا أي حدث بحديث بعد حديث

قوله باب ليس على الأعمى حرج إلى هنا للأكثر وساق في رواية أبي ذر الصنفين الآخرين ثم قال الآية وأراد بقية الآية التي في سورة النور لا التي في الفتح لأنها المناسبة لأبواب الأطعمة ويؤيد ذلك أنه وقع عند الإسماعيلي إلى قوله لعلكم تعقلون وكذا لبعض رواة الصحيح قوله والنهد والاجتماع على الطعام ثبتت هذه الترجمة في رواية المستملي وحده والنهد بكسر النون وسكون الهاء تقدم تفسيره في أول الشركة حيث قال باب الشركة في الطعام والنهد وتقدم هناك يان حكمة وذكر فيه عدة أحاديث في ذلك ثم ذكر حديث سويد بن النعمان وفيه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام فلم يؤت الا بسويق الحديث وليس هو ظاهرا في المراد من النهد لاحتمال أن يكون ما جيء بالسويق الا من جهة واحدة لكن مناسبته لاصل الترجمة ظاهرة في اجتماعهم على لوك السويق من غير تمييز بين أعمى وبصير وبين صحيح ومريض وحكى بن بطال عن المهلب قال مناسبة الآية لحديث سويد ما ذكره أهل التفسير إنهم كانوا إذا اجتمعوا للاكل عزل الأعمى على حدة والأعرج على حدة والمريض على حدة لتقصيرهم عن أكل الاصحاء فكانوا يتحرجون أن يتفضلوا عليهم وهذا عن بن الكلبي وقال عطاء بن يزيد كان الأعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعها والأعرج كذلك لاتساعه في موضع الأكل والمريض لرائحته فنزلت هذه الآية فأباح لهم الأكل مع غيرهم وفي حديث سويد معنى الآية لأنهم جعلوا أيديهم فيما حضر من الزاد سواء مع أنه لا يمكن أن يكون أكلهم بالسواء لاختلاف أحوال الناس في ذلك وقد سوغ لهم الشارع ذلك مع ما فيه من الزيادة والنقصان فكان مباحا والله أعلم اه كلامه وقد جاء في سبب نزول الآية أثر آخر من وجه صحيح قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد كان الرجل يذهب الأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو أخيه أو قريبه فكان الزمني يتحرجون من ذلك ويقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم فنزلت الآية رخصة لهم وقال بن المنير موضع المطابقة من الترجمة وسط الآية وهي قوله تعالى ليس علكيم جناح أن تأكلوا جميعا أو اشتاتا وهي أصل في جواز أكل المخارجة ولهذا ذكر في الترجمة النهد والله أعلم

قوله باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسفرة أما الخبز المرقق فقال عياض قوله مرققا أي ملينا محسنا كخبز الحواري وشبهه والترقيق التليين ولم يكن عندهم مناخل وقد يكون المرقق الرقيق الموسع اه وهذا هو المتعارف وبه جزم بن الأثير قال الرقاق الرقيق مثل طوال وطويل وهو الرغيف الواسع الرقيق وأغرب بن التين فقال هو السميد وما يصنع منه من كعك وغيره وقال بن الجوزي هو الخفيف كأنه مأخوذ من الرقاق وهي الخشبة التي يرقق بها واما الخوان فالمشهور فيه كسر المعجمة ويجوز ضمها وفيه لغة ثالثة إخوان بكسر الهمزة وسكون الخاء وسئل ثعلب هل يسمى الخوان لأنه يتخون ما عليه أي ينتقص فقال ما يبعد قال الجواليقي والصحيح أنه اعجمي معرب ويجمع على إخوته في القلة وخون مضموم الأول في الكثرة وقال غيره الخوان المائدة ما لم يكن عليها طعام وأما السفرة فاشتهرت لما يوضع عليها الطعام واصلها الطعام نفسه

[ 5070 ] قوله كنا عند أنس وعنده خباز له لم اقف على تسميته ووقع عند الإسماعيلي عن قتادة كنا نأتي أنسا وخبازه قائم زاد بن ماجة وخوانه موضوع فيقول كلوا وفي الطبراني من طريق راشد بن أبي راشد قال كان لأنس غلام يعمل له النقانق ويطبخ له لونين طعاما ويخبز له الحواري ويعجنه بالسمن اه والحواري بضم المهملة وتشديد الواو وفتح الرأس الخالص الذي ينخل مرة بعد مرة قوله ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة المسموط الذي ازيل شعره بالماء المسخن وشوى بجلده أو يطبخ وإنما يصنع ذلك في الصغير السن الطري وهو من فعل المترفين من وجهين أحدهما المبادرة إلى ذبح ما لو بقي لازداد ثمنه وثانيهما أن المسلوخ ينتفع بجلده في اللبس وغيره والسمط يفسده وقد جرى بن بطال على أن المسموط المشوى فقال ما ملخصه يجمع بين هذا وبين حديث عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة وحديث أم سلمة الذي أخرجه الترمذي أنها قربت للنبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه بأن يقال يحتمل أن يكون لم يتفق أن تسمط له شاة بكمالها لأنه قد احتز من الكتف مرة ومن الجنب أخرى وذلك لحم مسموط أو يقال أن أنسا قال لا أعلم ولم يقطع به ومن علم حجة على من لم يعلم وتعقبه بن المنير بأنه ليس في حز الكتف ما يدل على أن الشاة كانت مسموطة بل إنما حزها لأن العرب كانت عادتها غالبا أنها لا تنضج اللحم فاحتيج إلى الحز قال ولعل بن بطال لما رأى البخاري ترجم بعد هذا باب شاة مسموطة والكتف والجنب ظن أن مقصوده اثبات أنه أكل السميط قلت ولا يلزم أيضا من كونها مشوية واحتز من كتفها أو جنبها أن تكون مسموطة فإن شيء المسلوخ أكثر من شيء المسموط لكن قد ثبت أنه أكل الكراع وهو لا يؤكل الا مسموطا وهذا لا يرد على أنس في نفي رواية الشاة المسموطة وقد وافقه أبو هريرة على نفي أكل الرقاق أخرجه بن ماجة من طريق بن عطاء عن آية عن أبيه هريرة أنه زار قومه فأتوه برقاق فبكى وقال ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه قال الطيبي قول أنس ما أعلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم الخ نفى العلم وأراد نفي المعلوم وهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه وإنما صح هذا من أنس لطول لزومه النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مفارقته له إلى أن مات

[ 5071 ] قوله عن يونس قال عن علي هو الإسكاف علي هو شيخ البخاري فيه وهو بن المديني ومراده أن يونس وقع في السند غير منسوب فنسبه على ليتميز فإن في طبقته يونس بن عبيد البصري أحد الثقات المكثرين وقد وقع في رواية بن ماجة عن محمد بن مثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن يونس بن أبي الفرات الإسكاف وليس ليونس هذا في البخاري الا هذا الحدث الواحد وهو بصري وثقة أحمد وابن معين وغيرهما وقال بن عدي ليس بالمشهور وقال بن سعد كان معروفا وله أحاديث وقال بن حبان لا يجوز أن يحتج به كذا قال ومن وثقه أعرف بحاله من بن حبان والراوي عنه هشام هو الدستوائي وهو من المكثرين عن قتادة وكأنه لم يسمع منه هذا وفي الحديث رواية الأقران لأن هشاما ويونس من طبقة واحدة وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وصرح بالتحديث كما سيأتي في الرقاق لكن ذكر بن عدي أن يزيد بن زريع رواه عن سعيد فقال عن يونس عن قتادة فيحتمل أن يكون سمعه أولا عن قتادة بواسطة ثم حمله عنه بغير واسطة فكان يحدث به على الوجهين قوله عن أنس هذا هو المحفوظ ورواه سعيد بن بشر عن قتادة فقال عن الحسن قال دخلنا على عاصم بن حدرة فقال ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان قط الحديث أخرجه بن منده في المعرفة فإن كان سعيد بن بشر حفظه فهو حديث آخر لقتادة لاختلاف مساق الخبرين قوله على سكرجة بضم السين والكاف والراء الثقيلة بعدها جيم مفتوحة قال عياض كذا قيدناه ونقل عن بن مكي أنه صوب فتح الراء قلت وبهذا جزم التوربشتي وزاد لأنه فارسي مغرب والراء في الأصل مفتوحة ولا حجة في ذلك لأن الاسم الأعجمي إذا نطقت به العرب لم تبقه على أصله غالبا وقال بن الجوزي قاله لنا شيخنا أبو منصور اللغوي يعني الجواليقي بفتح الراء قال وكان بعض أهل اللغة يقول الصواب اسكرجه وهي فارسية معربة وترجمتها مقرب الخل وقد تكلمت بها العرب قال أبو علي فإن حقرت حذفت الجيم والراء وقلت أسكر ويجوز اشباع الكاف حتى تزيد ياء وقياس ما ذكره سيبويه في بريهم بريهيم أن يقال في سكيرجه سكيريجه والذي سبق أولي قال بن مكي وهي صحاف صغار يؤكل فيها ومنها الكبير والصغير فالكبيرة تحمل قدر ست أواق وقيل ما بين ثلثي أوقية إلى أوقية قال ومعنى ذلك أن العجم كانت تستعمله في الكواميخ والجوارش للتشهي والهضم وأغرب الداودي فقال السكرجة قصعة مدهونة ونقل بن قرقول عن غيره أنها قصعة ذات قوائم من عود كمائدة صغيرة والأول أولي قال شيخنا في شرح الترمذي تركه الأكل في السكرجة أما لكونها لم تكن تصنع عندهم إذ ذاك أو استصغارا لها لأن عادتهم الاجتماع على الأكل أو لأنها كما تقدم كانت تعد لوضع الأشياء التي تعين على الهضم ولم يكونوا غالبا يشبعون فلم يكن لهم حاجة بالهضم قوله قيل لقتادة القائل هو الراوي قوله فعلام كذا للأكثر وقع في رواية المستملي بالاشباع قوله يأكلون كذا عدل عن الواحد إلى الجمع إشارة إلى أن ذلك لم يكن مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده بل كان أصحابه يقتفون أثره ويقتدون بفعله قوله على السفر جمع سفرة وقد تقدم بيانها في الكلام على حديث عائشة الطويل في الهجرة إلى المدينة وأن أصلها الطعام الذي يتخذه المسافر وأكثر ما يننغ في جلد فنقل اسم الطعام إلى ما يوضع فيه كما سميت المزادة راوية ثم ذكر المصنف حديث أنس في قصة صفية فساقه مختصرا وقد ساقه في غزوة خيبر بالإسناد الذي أورده هنا بعينه أتم من سياقه هنا ولفظه أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية وزاد فيه أيضا بين

[ 5072 ] قوله إلى وليمته وبين قوله أمر بالأنطاع وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها الا أن أمر فذكره وزاد بعد قوله والسمن فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى هناك قوله وقال عمرو عن أنس بني بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسا في نطع هو أيضا طرف من حديث وصله المؤلف في المغازي مطولا من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك بتمامه

[ 5073 ] قوله هشام عن أبيه وعن وهب بن كيسان هشام هو بن عروة حمل هذا الحديث عن أبيه وعن وهب بن كيسان وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن يونس عن أبي معاوية فقال فيه عن هشام عن وهب بن كيسان فقط وتقدم أصل هذا الحديث في باب الهجرة إلى المدينة من طريق أبي أسامة عن هشام عن أبيه وعن امرأته فاطمة بنت المنذر كلاهما عن أسماء وهو محمول على أن هشاما حمله عن أبيه وعن امرأته وعن وهب بن كيسان ولعل عنده عن بعضهم ما ليس عند الآخر فإن الرواية التي تقدمت ليس فيها قوله يعيرون وهو بالعين المهملة من العار وابن الزبير هو عبد الله والمراد بأهل الشام عسكر الحجاج بن يوسف حيث كانوا يقاتلونه من قبل عبد الملك بن مروان أو عسكر الحصين بن نمير الذين قاتلوه قبل ذلك من قبل يزيد بن معاوية قوله يعيرونك بالنطاقين قيل الافصح أن يعدى التعيير بنفسه تقول عيرته كذا وقد سمع هكذا مثل ما هنا قوله وهل تدري ما كان النطاقين كذا أورده بعض الشراح وتعقبه بأن الصواب النطاقان بالرفع وأنا لم اقف عليه في النسخ الا بالرفع فإن ثبت رواية بغير الألف أمك توجيهها ويحتمل أن يكون كان في الأصل وهل تدري ما كان شأن النطاقين فسقط لفظ شأن أو نحه قوله إنما كان نطاقي شققته نصفين فأوكيت تقدم في الهجرة إلى المدينة أن أبا بكر الصديق هو الذي أمرها بذلك لما هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قوله يقول أيها كذا للأكثر ولبعضهم ابنها بموحدة ونون وهو تصحيف وقد وجه بأنه مقول الراوي والضمير لأسماء وابنها هو بن الزبير وأغرب بن التين فقال هو في سائر الروايات ابنها وذكره الخطابي بلفظ أنها اه وقوله الالة في رواية أحمد بن يونس أيها ورب الكعبة قال الخطاب أيها بكسر الهمزة وبالتنوين معناها الاعتراف بما كانوا يقولونه والتقرير له تقول العرب في استدعاء القول من الإنسان أيها وايه بغير تنوين وتعقب بأن الذي ذكره ثعلب وغيره إذا استزدت من الكلام قلت آية وإذا أمرت بقطعة قلت أيها اه وليس هذا الاعتراض بجيد لأن غير ثعلب قد جزم بأن أيها كلمة استزادة وارتضاه وحرره بعضهم فقال أيها بالتنوين للاستزادة وبغير التنوين لقطع الكلام وقد تأتي أيضا بمعنى كيف قوله تلك شكاه ظاهر عنك عارها شكاة بفتح الشين المعجمة معناه رفع الصوت بالقول القبيح ولبعضهم بكسر الشين والأول أولي وهو مصدر شكا يشكو شكاية وشكوى وشكاة وظاهر أي زائل قال الخطابي أي ارتفع عنك فلم يعلق بك والظهور يطلق على الصمود والارتفاع ومن هذا قول الله تعالى فما اسطاعوا أن يظهروه أي يعلوا عليه ومنه ومعارج عليها يظهرون قال وتمثل بن الزبير بمصراع بيت لأبي ذؤيب الهذلي وأوله وعيرها الواشون إني أحبها يعني لا بأس بهذا القول ولا عار فيه قال مغلطاي وبعد بيت الهذلي فإن اعتذر منها فإني مكذب وأن تعتذر يردد عليك اعتذارها وأول هذه القصيدة هل الدهر الا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها أبي القلب الاام عمرو فأصبحت تحرق ناري بالشكاة ونارها وبعده وعيرها الواشون إني أحبها البيت وهي قصيدة تزيد على ثلاثين بيتا وتردد بن قتيبة هل أنشأ بن الزبير هذا المصراع أو أنشده متمثلا به والذي جزم به غيره الثاني وهو المعتمد لأن هذا مثل مشهور وكان بن الزبير يكثر التمثل بالشعر وقلما أنشأه ثم ذكر حديث بن عباس في أكل خالد الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي شرحه بعد في كتاب الصيد والذبائح وقوله على مائدته أي الشيء الذي يوضع على الأرض صيانة للطعام كالمنديل والطبق وغير ذلك ولا يعارض هذا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أكل على الخوان لأن الخوان أخص من المائدة ونفى الاخص لا يستلزم نفي الأعم وهذا أولي من جواب بعض الشراح بأن أنسا إنما نفى علمه قال ولا يعارضه قول من علم واختلف في المائدة فقال الزجاج هي عندي من ماد يميد إذا تحرك وقال غيره من ماد يميد إذا أعطى قال أبو عبيد وهي فاعلة بمعنى مفعولة من العطاء قال الشاعر وكنت للمنتجعين مائدا

قوله باب السويق ذكر فيه حديث سويد بن النعمن وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة

قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو كذا في جميع النسخ التي وقفت عليها بالإضافة وشرحه الزركشي على أنه باب بالتنوين فقال قال بن التين إنما كان يسأل لأن العرب كانت لا تعاف شيئا من المآكل لقلتها عندهم وكان هو صلى الله عليه وسلم قد يعاف بعض الشيء فلذلك كان يسأل قلت ويحتمل أن يكون سبب السؤال أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يكثر الكون في البادية فلم يكن له خبرة بكثير من الحيوانات أو لأن الشرع ورد بتحريم بعض الحيوانات وإباحة بعضها وكانوا لا يحرمون منها شيئا وربما أتوا به مشويا أو مطبوخا فلا يتميز عن غيره الا بالسؤال عنه ثم أورد فيه حديث بن عباس في قصة الضب وسيأتي شرحه في كتاب الصيد والذبائح ووقع فيه فقالت امرأة من النسوة الحضور كذا وقع بلفظ جمع المذكر وكأنه باعتبار الأشخاص وفيه اخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له وهذه المرأة ورد التصريح بأنها ميمونة أم المؤمنين في رواية الطبراني ولفظه فقالت ميمونة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو فلما اخبروه تركه وعند مسلم من وجه اخر عن بن عباس فقالت ميمونة يا رسول الله أنه لحم ضب فكف يده

قوله باب طعام الواحد يكفي الإثنين أورد فيه حديث أبي هريرة طعام الإثنين يكفي الثلاثة وطعام لا ثلاثة يكفي الأربعة واستشكل الجمع بين الترجمة والحديث فإن قضية الترجمة مرجعها النصف وقضية الحديث مرجعها الثلث ثم الربع وأجيب بأنه أشار بالترجمة إلى لفظ حديث آخر ورد ليس على شرطه وبأن الجامع بين الحديثين أن مطلق طعام القليل يكفي الكثير لكن اقصاه الضعف وكونه يكفي مثله لا ينفي أن يكفي دونه نعم كون طعام الواحد يكفي الإثنين يؤخذ منه أن طعام الإثنين يكفي الثلاثة بطريق الأولى بخلاف عكسه ونقل عن إسحاق بن راهويه عن جرير قال معنى الحديث أن الطعام الذي يشبع الواحد يكفي قوت الإثنين ويشبع الإثنين قوت الأربعة وقال المهلب المراد بهذه الأحاديث الحض على المكارم والتقنع بالكفاية يعني وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية وإنما المراد المواساة وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضا بحسب من يحضر وقد وقع في حديث عمر عند بن ماجة بلفظ طعام الواحد يكفي الإثنين وأن طعام الإثنين يكفي الثلاثة والأربعة وأن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة ووقع في حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس وعند الطبراني من حديث بن عمر ما يرشد إلى العلة في ذلك وأوله كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الإثنين الحديث فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة وقد أشار الترمذي إلى حديث بن عمر وعند البزار من حديث سمرة نحو حديث عمر وزاد في آخره ويد الله على الجماعة وقال بن المنذر يؤخذ من حديث أبي هريرة استحباب الاجتماع على الطعام وأن لا يأكل المرء وحده اه وفي الحديث أيضا الإشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصلت معها البركة فتعم الحاضرين وفيه أنه لا ينبغي للمرء إن يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء بمعنى حصول سد الرمق وقيام البنية لا حقيقة الشبع وقال بن المنير ورد حديث بلفظ الترجمة لكنه لم يوافق شرط البخاري فاستقرأ معناه من حديث الباب لأن من أمكنه ترك الثلث أمكنه ترك النصف لتقاربهما انتهى وتعقبه مغلطاي بأن الترمذي أخرج الحديث من طريق أبي سفيان عن جابر وهو على شرط البخاري انتهى وليس كما زعم فإن البخاري وأن كان أخرج لأبي سفيان لكن أخرج له مقرونا بأبي صالح عن جابر ثلاثة أحاديث فقط فليس على شرطه ثم لا أدري لم خصه بتخريج الترمذي مع أن مسلما أخرجه من طريق الأعمش عن أبي سفيان أيضا ولعل بن المنير اعتمد على ما ذكره بن بطال أن بن وهب روى الحديث بلفظ الترجمة عن بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر وابن لهيعة ليس من شرط البخاري قطعا لكن يرد عليه أن بن بطال قصر بنسبه الحديث وإلا فقد أخرجه مسلم أيضا من طريق بن جريج ومن طريق سفيان الثوري كلاهما عن أبي الزبير عن جابر وصرح بطريق بن جريج بسماع أبي الزبير عن جابر فالحديث صحيح لكن لا على شرط البخاري والله أعلم وفي الباب عن بن عمر وسمرة كما تقدم وفيه عن بن مسعود أيضا في الطبراني

قوله باب المؤمن يأكل في معي واحد المعي بكسر الميم مقصور وفي لغة حكاها في المحكم بسكون العين بعدها تحتانية والجمع امعاء ممدود وهي المصارين وقد وقع في شعر القطامي بلفظ الأفراد في الجمع فقال في أبيات له حكاها أبو حاتم حوالب غزرا ومعي جياعا وهو كقوله تعالى ثم يخرجكم طفلا وإنما عدي يأكل بفي لأنه بمعنى يوقع الأكل فيها ويجعلها ظرفا للمأكول ومنه قوله تعالى إنما يأكلون في بطونهم أي ملء بطونهم قال أبو حاتم السجستاني المعي مذكر ولم أسمع من أثق به يؤنثه فيقول معي واحدة لكن قد رواه من لا يوثق به

[ 5078 ] قوله حدثنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج منسوبا قوله عن واقد بن محمد هو بن زيد بن عبد الله بن عمر قوله فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا لعله أبو نهيك المذكور بعد قليل ووقع في رواية مسلم فجعل بن عمر يضع بين يديه ويضع بين يديه فجعل يأكل أكلا كثيرا قوله لا تدخل هذا علي وذكر الحديث هكذا حمل بن عمر الحديث على ظاهره ولعله كره دخوله عليه لما رآه متصفا بصفة وصف بها الكافر قوله باب المؤمن يأكل في معي واحد فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا ثبت هذا الكلام في رواية أبي ذر عن السرخسي وحده وليس هو في رواية أبي الوقت عن الداودي عن السرخسي ووقع في رواية النسفي ضم الحديث الذي قبله إلى ترجمة طعام الواحد يكفي الإثنين وايراد هذه الترجمة لحديث بن عمر بطرقه وحديث أبي هريرة بطريقيه ولم يذكر فيها التعليق وهذا أوجه فإنه ليس لاعادة الترجمة بلفظها معنى وكذا ذكر حديث أبي هريرة في الترجمة ثم إيراده فيها موصولا من وجهين

[ 5079 ] قوله عبدة هو بن سليمان وعبيد الله هو بن عمر العمري قوله وأن الكافر أو المنافق فلا أدري أيهما قال عبيد الله هذا الشك من عبدة وقد أخرجه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر بلفظ الكافر بغير شك وكذا رواه عمرو بن دينار كما يأتي في الباب وكذا هو في رواية غي بن عمر ممن روى الحديث من الصحابة الا أنه ورد عند الطبراني في رواية له من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر قوله وقال بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريقه ووقع لنا في الموطأ من روايته عن مالك ولفظه المؤمن يأل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء وأخرجه الإسماعيلي من طريق بن وهب أخبرني مالك وغير واحد أن نافعا حدثهم فذكره بلفظ المسلم فظهر أن مراد البخاري بقوله مثله أي مثل أصل الحديث لا خصوص الشك الواقع في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع

[ 5080 ] قوله سفيان هو بن عيينة قوله عن عمرو هو بن دينار ووقع التصريح بتحديثه لسفيان في رواية الحميدي في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج قوله كان أبو نهيك بفتح النون وكسر الهاء رجلا اكولا في رواية الحميدي قيل لابن عمر ان أبا نهيك رجل من أهل مكة يأكل أكلا كثيرا قوله فقال فأنا أؤمن بالله ورسوله في رواية الحميدي فقال الرجل أنا أؤمن بالله الخ ومن ثم اطبق العلماء على حمل الحديث على غير ظاهره كما سيأتي إيضاحه قوله في حديث أبي هريرة

[ 5081 ] يأكل المسلم في معي واحد في رواية مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة المؤمن يشرب في معي واحد الحديث قوله في الطريق الأخرى

[ 5082 ] عن أبي حازم هو سلمان بسكون اللام الأشجعي وليس هو سلمة بن دينار الزاهد فإنه أصغر من الأشجعي ولم يدرك أبا هريرة قوله أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم وقع في رواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى ثم أخرى حتى شرب حلاب سبع شياه ثم أنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فشرب حلابها ثم بأخرى فلم يستتمها الحديث وهذا الرجل يشبه أن يكون جهجاه الغفاري فأخرج بن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والطبراني من طريقه أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما سلم قال ليأخذ كل رجل بيد جليسه فلم يبق غيري فكنت رجلا عظيما طويلا لا يقدم على أحد فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلب لي عنزا فأتيت عليه ثم حلب لي آخر حتى حلب لي سبعة اعنز فاتيت عليها ثم أتيت بصنيع برمة فأتيت عليها فقالت أم أيمن اجاع الله من اجاع رسول الله فقال مه يا أم أيمن أكل رزقه ورزقنا على الله فلما كانت الليلة الثانية وصلينا المغرب صنع ما صنع في التي قبلها فحلب لي عنزا ورويت وشبعت فقالت أم أيمن أليس هذا ضيفنا قال أنه أكل في معي واحد الليلة وهو مؤمن وأكل قبل ذلك في سبعة أمعاء الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد وفي إسناد الجميع موسى بن عبيدة وهو ضعيف وأخرج الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن عمر وقال جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعة رجال فأخذ كل رجل من الصحابة رجلا وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال له ما اسمك قال أبو غزوان قال فحلب له سبع شياه فشرب لبنها كله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك يا أبا غزوان أن تسلم قال نعم فأسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها فقال مالك يا أبا غزوان قال والذي بعثك نبيا لقد رويت قال انك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم الا معي واحد وهذه الطريق أقوى من طريق جهجاه ويحتمل أن تكون تلك كنيته لكن يقوي التعدد أن أحمد أخرج من حديث أبي بصرة الغفاري قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجرت قبل أن أسلم فحلب لي شويهة كان يحلبها لأهله فشربتها فلما أصبحت أسلمت حلب لي فشربت منها فرويت فقال ارويت قلت قد رويت ما لا رويت قبل اليوم الحديث وهذا لا يفسر به المبهم في حديث الباب وأن كان المعنى واحدا لكن ليس في قصته خصوص العدد ولأحمد أيضا ولأبي مسلم الكجي وقاسم بن ثابت في الدلائل والبغوي في الصحابة من طريق محمد بن معن بن نضلة الغفاري حدثني جدي نضلة بن عمرو قال أقبلت في لقاح لي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم أخذت علبة فحلبت فيها فشربتها فقلت يا رسول الله أن كنت لاشربها مرارا لا امتليء وفي لفظ أن كنت لأشرب السبعة فما امتليء فذكر الحديث وهذا أيضا لا ينبغي أن يفسر به مبهم حديث الباب لاختلاف السياق ووقع في كلام النووي تبعا لعياض أنه نضرة بن نضرة الغفاري وذكر بن إسحاق في السيرة من حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال أنه لما أسر ثم أسلم وقعت له قصة تشبه قصة جهجاه فيجوز أن يفسر به وبه صدر المازري كلامه واختلف في معنى الحديث فقيل ليس المراد به ظاهره وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها فكان المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوص الأكل وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل وعن أسباب ذلك بالامعاء ووجه العلاقة ظاهر وقيل المعنى أن المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام والحلال أقل من الحرام في الوجود نقله بن التين ونقل الطحاوي نحو الذي قبله عن أبي جعفر بن أبي عمران فقال حمل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما تقول فلان يأكل الدنيا أكلا أي يرغب فيها ويحرص عليها فمعنى المؤمن يأكل في معي واحد أي يزهد فيها فلا يتناول منها الا قليلا والكافر في سبعة أي يرغب فيها فيستكثر منها وقيل المراد حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر ويدل على أن كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام وقيل بل هو على ظاهره ثم اختلفوا في ذلك على أقوال أحدها أنه ورد في شخص بعينه واللام عهدية لا جنسية جزم بذلك بن عبد البر فقال لا سبيل إلى حمله على العموم لأن المشاهدة تدفعه فكم من كافر يكون أقل أكلا من مؤمن وعكسه وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله قال وحديث أبي هريرة يدل على أنه ورد في رجل بعينه ولذلك عقب به مالك الحديث المطلق وكذا البخاري فكأنه قال هذا إذا كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما أسلم عوفي وبورك له في نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر اه وقد سبقه إلى ذلك الطحاوي في مشكل الآثار فقال قيل أن هذا الحديث كان في كافر مخصوص وهو الذي شرب حلاب سبع شياه قال وليس للحديث عندنا محمل غير هذا الوجه والسابق إلى ذلك أولا أبو عبيدة وقد تعقب هذا الحمل بأن بن عمر راوي الحديث فهم منه العموم فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيرا من الدخول عليه واحتج بالحديث ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما تقدم من ترجيح تعدد الواقعة ويورد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها في حق الذي وقع له نحو ذلك القول الثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب وليس حقيقة العدد مراده قالوا تخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كما في قوله تعالى والبحر يمده من بعده سبعة ابرح والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك والكافر بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام فصار أكل المؤمن لما ذكرته إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه يقدر السبع منه ولا يلزم من هذا اطراءه في حق كل مؤمن وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا أما بحسب العادة وأما لعارض يعرض له من مرض باطن أو لغير ذلك ويكون في الكفار من يأكل قليلا أما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء وأما للرياضة على رأي الرهبان وأما لعارض كضعف المعدة قال الطيبي ومحصل القول أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث ومن هذا قوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة الآية وقد يوجد من الزاني نكاح الحرة ومن الزانية نكاح الحر القول الثالث أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان لأن من حسن إسلامه وكمل ايمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والاشفاق على نفسه من استيفاء شهوته كما ورد في حديث لأبي إمامة رفعه من كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه ويشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الصحيح أن هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع فدل على ان المراد بالمؤمن من يقتصد في مطعمه وأما الكافر فمن شأنه الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية وقد رد هذا الخطابي وقال قد ذكر عن غير واحد من أفاضل السلف الأكل الكثير فلم يكن ذلك نقصا في إيمانهم الرابع أن المراد أن المؤمن يسمى الله تعالى عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل والكافر لا يسمى فيشركه الشيطان كما تقدم تقريره قبل وفي صحيح مسلم في حديث مرفوع أن الشيطان يستحل الطعام أن لم يذكر اسم الله تعالى عليه الخامس أن المؤمن يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه وفي مأكله فيشبع من القليل والكافر طامح البصر إلى المأكل كالانعام فلا يشبعه القليل وهذا يمكن ضمه إلى الذي قبله ويجعلان جوابا واحدا مركبا السادس قال النووي المختار أن المراد أن بعض المؤمنين يأكل في معي واحد وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ولا يلزم أن يكون كل واحد من السبعة مثل معي المؤمن اه ويدل على تفاوت الأمعاء ما ذكره عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب ثم الصائم ثم الرقيق والثلاثة رقاق ثم الأعور والقولون والمستقيم وكلها غلاظ فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشراهة لا يشبعه الا ملء امعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معي أحد ونقل الكرماني عن الأطباء في تسمية الأمعاء السبعة أنها المعدة ثم ثلاثة متصلة بها رقاق وهي الاثنا عشرى والصائم والقولون ثم ثلاثة غلاظ وهي الفانفي بنون وفاءين أو قافين والمستقيم والاعور السابع قال النووي يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر صفات هي الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن وبالواحد في المؤمن سد خلته الثامن قال القرطبي شهوات الطعام سبع شهوة الطبع وشهوة النفس وشهوة العين وشهوة الفم وشهوة الإذن وشهوة الأنف وشهوة الجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن وأما الكافر فيأكل بالجميع ثم رأيت أصل ما ذكره في كلام القاضي أبي بكر بن العربي ملخصا وهو أن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس والشهوة والحاجة قال العلماء يؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الدنيا والحث على الزهد فيها والقناعة بما تيسر منها وقد كان العقلاء في الجاهلية والإسلام يتمدحون بقلة الأكل ويذمون كثرة الأكل كما تقدم في حديث أم زرع أنها قالت في معرض المدح لابن أبي زرع ويشبعه ذراع الجفرة وقال حاتم الطائي فإنك أن أعطيت بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم اجمعا وسيأتي مزيد لهذا في الباب الذي يليه وقال بن التين قيل أن الناس في الأكل على ثلاث طبقات طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة وهذا فعل أهل الجهل وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع حسب وطائفة يجوعون أنفسهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق اه ملخصا وهو صحيح لكنه لم يتعرض لتنزيل الحديث عليه وهو لائق بالقول الثاني

قوله باب الأكل متكئا أي ما حكمة وإنما لم يجزم به لأنه لم يأت فيه نهي صريح

[ 5083 ] قوله حدثنا مسعر كذا أخرجه البخاري عن أبي نعيم وأخرجه أحمد عن أبي نعيم فقال حدثنا سفيان هو الثوري فكان لأبي نعيم فيه شيخين قوله عن على بن الأقمر أي بن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني بسكون الميم الوادعي الكوفي ثقة عند الجميع وما له في البخاري سوى هذه الحديث قوله سمعت أبا جحيفة في رواية سفيان عن علي بن الأقمر عن عون بن أبي جحيفة وهذا يوضح أن رواية رقية لهذا الحديث عن علي بن الأقمر عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه من المزيد في متصل الأسانيد لتصريح علي بن الأقمر في رواية مسعر بسماعه له من أبي جحيفة بدون واسطة ويحتملان يكون سمعه من عون أولا عن أبيه ثم لقي أباه أو سمعه من أبي جحيفة وثبته فيه عون قوله إني لا آكل متكئا ذكر في الطريق التي بعدها له سببا مختصرا ولفظه فقال لرجل عنده لا أكل وأنا متكئ قال الكرماني اللفظ الثاني أبلغ من الأول في الاثبات وأما في النفي فالأول أبلغ اه وكان سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن بسر عند بن ماجة والطبراني بإسناد حسن قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثا على ركبتيه يأكل فقال له أعرابي ما هذه الجلسة فقال أن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا قال بن بطال إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا لله ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال أن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا قال فنظر إلى جبريل كالمستشير له فأومأ إليه أن تواضع فقال بل عبدا نبيا قال فما أكل متكئا اه وهذا مرسل أو معضل وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال كان بن عباس يحدث فذكر نحوه وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما رؤى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط وأخرج بن أبي شيبة عن مجاهد قال ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئا الا مرة ثم نزع فقال اللهم إني عبدك ورسولك وهذا مرسل ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو فقد أخرج بن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه ومن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك واختلف في صفة الاتكاء فقيل أن يتمكن في الجلوس للاكل على أي صفة كان وقيل أن يميل على أحد شقيه وقيل أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض قال الخطابي تحسب العامة أن المتكيء هو الأكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته قال ومعنى الحديث إني لا أقعد متكئا على الوطاء عند الأكل فعل من يستكثر من الطعام فإني لا آكل الا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا وفي حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرا وهو مقع وفي رواية وهو محتفز والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن وأخرج بن عدي بسند ضعيف زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل قال مالك هو نوع من الاتكاء قلت وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يعد الأكل فيه متكئا ولا يختص بصفة بعينها وجزم بن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه الميل على أحد الشقين ولم يلتفت لانكار الخطابي ذلك وحكى بن الأثير في النهاية أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا وربما تأذى به واختلف السلف في حكم الأكل متكئا فزعم بن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية وتعقبه البيهقي فقال قد يكره لغيره أيضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه من الأكل الا متكئا لم يكن في ذلك كراهة ثم ساق عن جماعة من السلف إنهم أكلوا كذلك وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة وفي الحمل نظر وقد اخرج بن أبي شيبة عن بن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للاكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمني ويجلس على اليسرى واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل واختلف في علة الكراهة وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءة مخافة أن تعظم بطونهم وإلى ذلك يشير بقية ما ورد فيه من الأخبار فهو المعتمد ووجه الكراهة فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه بن الأثير من جهة الطب والله أعلم

قوله باب الشواء بكسر المعجمة وبالمد معروف قوله وقول الله تعالى فجاء بعجل حنيذ كذا في الأصل وهو سبق قلم والتلاوة أن جاء كما سيأتي قوله مشوي كذا ثبت قوله مشوي في رواية السرخسي وأورده النسفي بلفظ أي مشوي وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى فما لبث أن جاء بعجل حنيذ أي محنوذ وهو المشوي مثل قتيل في مقتول وروى الطبري عن وهب بن منبه عن سفيان الثوري مثله وعن بن عباس أخص منه قال حنيذ أي نضيج ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد الحنيذ المشوي النضيج ومن طرق عن قتادة والضحاك وابن إسحاق مثله ومن طريق السدي قال الحنيذ المشوي في الرضف أي الحجارة المحماة وعن مجاهد والضحاك نحوه وهذا أخص من جهة أخرى وبه جزم الخليل صاحب اللغة ومن طريق شمر بن عطية قال الحنيذ قال الذي يقطر ماؤه بعد أن يشوى وهذا أخص من جهة أخرى والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث بن عباس في قصة خالد بن الوليد في الضب وسيأتي شرحها في كتاب الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى وأشار بن بطال إلى أن أخذ الحكم للترجمة ظاهر من جهة أنه صلى الله عليه وسلم أهوى ليأكل ثم لم يمتنع الا لكونه ضبا فلو كان غير ضب لأكل قوله في آخره وقال مالك عن بن شهاب بضب محنوذ يأتي موصولا في الذبائح من طريق مالك

قوله باب الخزيرة بخاء معجمة مفتوحة ثم زاي مكسورة وبعد التحتانية الساكنة راء هي ما يتخذ من الدقيق على هيئة العصيدة لكنه أرق منها قاله الطبري وقال بن فارس دقيق يخلط بشحم وقال اقتبي وتبعه الجوهري الخزيرة أن يؤخذ اللحم فيقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة وقيل مرق يصفى من بلالة النخالة ثم يطبخ وقيل حساء من دقيق ودسم قوله قال النضر هو بن شميل النحوي اللغوي المحدث المشهور قوله الخزيرة يعني بالإعجام من النخالة والحريرة يعني بالاهمال من اللبن وهذا الذي قاله النضر وافقه عليه أبو الهيثم لكن قال من الدقيق بدل اللبن وهذا هو المعروف ويحتمل أن يكون معنى اللبن أنها تشبه اللبن في البياض لشدة تصفيتها والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وقد تقدم شرحه مستوفى في باب المساجد في البيوت في أوائل كتاب الصلاة والغرض منه

[ 5086 ] قوله وحبسناه على خزير صنعناه أي معناه من الرجوع عن منزلنا لأجل خزير صنعناه له ليأكل منه قوله أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الأصول المعتمدة ونقل الكرماني أن في بعض النسخ عن عتبان وهو أوضح قال وللاول وجه وهو أن تكون أن الثانية توكيدا كقوله تعالى ايعدكم إنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون قلت فيصير التقدير أن عتبان أتى النبي صلى الله عليه وسلم وما بينهما أشياء اعترضت فيصح كما قال لكن يبقى ظاهره أنه من مسند محمود بن الربيع فيكون مرسلا لأنه ذكر قصة ما أدركها وهذا بخلاف ما لو قال أن عتبان بن مالك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يساوي ما لوا قال عن عتبان أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى بيان ذلك بأوضح من هذا في الباب المذكور قوله قال بن شهاب ثم سألت الحصين هو موصول بالإسناد المذكور والحصين بمهملتين مصغر وقد قدمت في الصلاة أن القابسي رواه بضاد معجمة ولم يوافق على ذلك ونقل بن التين عن الشيخ أبي عمران قال لم يدخل البخاري في جامعه الحضير يعني بالمهملة ثم الضاد وآخره راء وأخل الحصين بمهملتين ونون يشير بذلك إلى أن مسلما أخرج لاسيد بن حضير ولم يخرج له البخاري وهذا قصور ممن قاله فإن أسيد بن حضير وأن لم يخرج له البخاري من روايته موصولا لكنه علق عنه ووقع ذكره عنده في غير موضع فلا يليق نفي إدخاله في كتابه على أنه قلما يلتبس من أجل تفريق النون وإنما اللبس الحصين بمهملتين ونون وهم جماعة في الأسماء والكنى والاباء والحضين مثله لكن بضاد معجمة وهو واحد أخرج له مسلم وهو حضين بن منذر أبو ساسان له صحبة وقد نبه علي وهم القابسي في ذلك عياض وأضاف إليه الأصيلي فقال قال القابسي ليس في البخاري بالضاد المعجمة سوى الحضين بن محمد قال عياض وكذا وجدت الأصيلي قيده في أصله وهو وهم والصواب ما للجماعة بصاد مهملة اه وما نسبه إلى الأصيلي ليس بمحقق لأن النقطة فوق الحرف لا يتعين أن تكون من كاتب الأصل بخلاف القابسي فإنه أفصح به حتى قال أبو لبيد الوقشي كذا قرئ عليه قالوا وهو خطأ والله أعلم

قوله باب الأقط بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن بعدها طاء مهملة وهو جبن اللبن المستخرج زبده وقد تقدم تفسيره في باب زكاة الفطر وغيره قوله وقال حميد الخ تقدم موصولا في باب الخبز المرقق قوله وقال عمرو بن أبي عمرو عن أنس تقدم أيضا في الباب المذكور لكن معلقا وبينت الموضع الذي وصله فيه مع شرحه ثم ذكر طرفا من حديث بن عباس في الضب لقوله فيه أهدت خالتي ضبابا وأقطا ولبنا وسيأتي شرحه في الذبائح

قوله باب السلق بكسر السين المهملة نوع من البقل معروف فيه تحليل لسدد الكبد ومنه صنف أسود يعقل البطن ثم ذكر المصنف حديث سهل بن سعد في قصة العجوز التي كانت تصنع لهم أصول السلق في قدر يوم الجمعة وقد تقدم شرحه في كتاب الجمعة واحيل بشيء منه على كتاب الاستئذان وقد فرقه البخاري حديثين من رواية أبي غسان عن أبي حازم ووقع هنا من الزيادة في آخر الحديث والله ما فيه شحم ولا ودك وتقدم في تلك الرواية أن السلق يكون عرقه أي عوضا عن عرقه فإن العرق بفتح العين وسكون الراء بعدها قاف العظم عليه بقية اللحم فإن لم يكن عليه لحم فهو عراق وقد صرح في هذه الرواية بأنه لم يكن فيه شحم ولاوك وهو بفتح الواو والمهملة بعدها كاف وهو الدسم وزنا ومعنى وعطفه على الشحم من عطف الأعم على الاخص والله علم وفي الحديث ما كان السلف عليه من الاقتصاد والصبر على قلة الشيء إلى ان فتح الله تعالى لهم الفتوح العظيمة فمنهم من تبسط في المباحات منها ومنهم من اقتصر على الدون مع القدرة زهدا وورعا

قوله باب النهش وانتشال اللحم النهش بفتح النون وسكون الهاء بعدها شين معجمة أو مهملة وهما بمعنى عند الأصمعي وبه جزم الجوهري وهو القبض على اللحم بالفم وإزالته عن العظم وغيره وقيل المعجمة هذا وبالمهملة تناوله بمقدم الفم وقيل النهش بالمهملة للقبض على اللحم ونتره عند الأكل قال شيخنا في شرح الترمذي الأمر فيه محمول على الإرشاد فإنه علله بكونه أهنأ وأمرأ أي أشد هناء ومراءة ويقال هنيء صار هنيئا ومريء صار مريئا وهو أن لا يثقل على المعدة وينهضم عنها قال ولم يثبت النهي عن قطع اللحم بالسكين بل ثبت الحز من الكتف فيختلف باختلاف اللحم كما إذا عسر نهشه بالسن قطع بالسكين وكذا إذا لم تحضر السكين وكذا يختلف بحسب العجلة والتأني والله أعلم والانتشال بالمعجمة التناول والقطع والاقتلاع يقال نشلت اللحم من المرق أخرجته منه ونشلت اللحم إذا أخذت بيدك عضوا فتركت ما عليه وأكثر ما يستعمل في أخذ اللحم قبل أن ينضج ويسمى اللحم نشيلا وقال الإسماعيلي ذكر الانتشال مع النهش والانتشال التناول والاستخراج ولا يسمى نهشا حتى يتناول من اللحم قلت فحاصله أن النهش بعد الانتشال ولم يقع في شيء من الطريقين اللذين ساقهما البخاري بلفظ النهش وإنما ذكره بالمعنى حيث قال تعرق كتفا أي تناول اللحم الذي عليه بفمه وهذا هو النهش كما تقدم ولعل البخاري أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث الذي سأذكره في الباب الذي يلي الباب بن الذي بعد هذا في النهي عن قطع اللحم بالسكين

[ 5089 ] قوله عن محمد هو بن سيرين ووقع منسوبا في رواية الإسماعيلي قال بن بطال لا يصح لابن سيرين سماع من بن عباس ولا من بن عمر قلت سبق إلى ذلك يحيى بن معين وكذا قال عبد الله بن أحمد عن أبيه لم يسمع محمد بن سيرين من بن عباس يقول بلغنا وقال بن المديني قال شعبة أحاديث محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس إنما سمعها من عكرمة لقيه أيام المختار قلت وكذا قال خالد الحذاء كل شيء يقول بن سيرين ثبت عن بن عباس سمعه من عكرمة اه واعتماد البخاري في هذا المتن إنما هو على السند الثاني وقد ذكرت أن بن الطباع ادخل في الأول عكرمة بين بن سيرين وابن عباس وكأن البخاري أشار بإيراد السند الثاني إلى ما ذكرت من أن بن سيرين لم يسمع من بن عباس قلت وما له في البخاري عن بن عباس غير هذا الحديث وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن عيسى بن الطباع عن حماد بن زيد فأدخل بين محمد بن سيرين وابن عباس عكرمة وإنما صح عنده لمجيئه بالطريق الأخرى الثانية فأورده على الوجه الذي سمعه قوله تعرق رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفا في رواية عطاء بن يسار عن بن عباس كما تقدم في الطهارة أكل كتفا وعند سلم من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن بن عباس أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية خبز ولحم فأكل ثلاث لقم الحديث فأفادت تعيين جهة اللحم ومقدار ما أكل منه قوله وعن أيوب هو معطوف على السند الذي قبله وأخطأ من زعم انه معلق وقد أورده أبو نعيم في المستخرج من طريق الفضل بن الحباب عن الحجبي وهو بعد الله بن عبد الوهاب شيخ البخاري فيه بالسند المذكور حاصله أن الحديث عند حماد بن زيد عن أيوب بسندين على لفظين أحدهما عن بن سيرين باللفظ الأول والثاني عنه عن عكرمة وعاصم الأحول باللفظ الثاني ومفاد الحديثين واحد وهو ترك إيجاب الوضوء مما مست النار قال الإسماعيلي وصله إبراهيم بن زياد وأحمد بن إبراهيم الموصلي وعارم ويحيى بن غيلان والحوضي كلهم عن حماد بن زيد وأرسله محمد بن عبيد بن حساب فلم يذكر فيه بن عباس قلت ووصله صحيح اتفاقا لأنهم أكثر وأحفظ وقد وصلوا وأرسل فالحكم لهم عليه وقد وصله آخرون غير من سمي عن حماد بن زيد والله أعلم

قوله باب تعرق العضد مضى تفسير التعرق وأما العضد فهو العظم الذي بين الكتف والمرفق وذكر المصنف حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الحج وأبو حازم المدني في إسناده هو سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد ومراده منه

[ 5091 ] قوله في آخره فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها أي حتى لم يبق على عظمها لحما وقوله في آخره قال محمد بن جعفر وحدثني زيد بن أسلم هو معطوف على السند الذي قبله والحاصل أن لمحمد بن جعفر أي بن أبي كثير شيخ شيخ البخاري فيه اسنادين ووقع النسفي والأكثر قال بن جعفر غير مسمى وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني قال أبو جعفر فإن كان محمد بن جعفر يكنى أبا جعفر صحت رواية الكشميهني وإلا فهو بن لا أب والله أعلم

قوله باب قطع اللحم بالسكين ذكر فيه حديث عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة الحديث وقد تقدم مشروحا في كتاب الطهارة ومعنى يحتز يقطع وأخرج أصحاب السنن الثلاثة من حديث المغيرة بن شعبة بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحز لي من جنب حتى إذن بلال فطرح السكين وقال ما له تربت يداه قال بن بطال هذا الحديث يرد حديث أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رفعته لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم وانهشوه فإنه أهنأ وأمرأ قال أبو داود هو حديث ليس بالقوي قلت له شاهد من حديث صفوان بن أمية أخرجه الترمذي بلفظ انهشوا اللحم نهشا فإنه أهنأ وأمرأ وقال لا نعرفه الا من حديث عبد الكريم اه وعبد الكريم هو أبو أمية بن أبي المخارق ضعيف لكن أخرجه بن أبي عاصم من وجه آخر عن صفوان بن أمية فهو حسن لكن ليس فيه ما زاده أبو معشر من التصريح بالنهي عن قطع اللحم بالسكين وأكثر ما في حديث صفوان أن النهش أولي وقد وقع في أول حديث الشفاعة الطويل الماضي في التفسير من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة أتى النبي صلى الله عيه وسلم بلحم الذراع فنهش منها نهشة الحديث

قوله باب ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما أي مباحا أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه وذهب بعضهم إلى أن العيب أن كان من جهة الخلقة كره وأن كان من جهة الصنعة لم يكره قال لأن صنعة الله لا تعاب وصنعة الادميين تعاب قلت والذي يظهر التعميم فإن فيه كسر قلب الصانع قال النووي من اداب الطعام المتأكدة أن لا يعاب كقوله مالح حامض قليل الملح غليظ رقيق غير ناضج ونحو ذلك

[ 5093 ] قوله عن أبي حازم هو الأشجعي وللاعمش فيه شيخ آخر أخرجه مسلم من طريق أبي معاوية عنه عن أبي يحيى مولى جعدة عن أبي هريرة وأخرجه أيضا من طريق أبي معاوية وجماعة عن الأعمش عن أبي حازم واقتصر البخاري على أبي حازم لكونه على شرطه دون أبي يحيى وأبو يحيى مولى جعدة بن هبيرة المخزومي مدني ماله عند مسلم سوى هذا الحديث وقد أشار أبو بكر بن أبي شيبة فيما رواه بن ماجة عنه إلى أن أبا معاوية تفرد بقوله عن الأعمش عن أبي يحيى فقال لما أورده من طريقه يخالفه فيه بقوله عن أبي حازم وذكره الدارقطني فيما انتقد على مسلم وأجاب عياض بأنه من الأحاديث المعللة التي ذكر مسلم في خطبه كتابه أنه يوردها ويبين علتها كذا قال والتحقيق أن هذا لا علة فيه لرواية أبي معاوية الوجهين جميعا وإنما كان يأتي هذا لو اقتصر على أبي يحيى فيكون حينئذ شاذا أما بعد أن وافق الجماعة على أبي حازم فتكون زيادة محضة حفظها أبو معاوية دون بقية أصحاب الأعمش وهو من أحفظهم عنه فيقبل والله أعلم قوله وأن كرهه تركه يعني مثل ما وقع له في الضب ووقع في رواية أبي يحيى وأن لم يشتهه سكت أي عن عيبه قال بن بطال هذا من حسن الأدب لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب

قوله باب النفخ في الشعير أي بعد طحنه لتطير منه قشوره وكأنه نبه بهذه الترجمة على أنه النهي عن النفخ في الطعام خاص بالطعام المطبوخ

[ 5094 ] قوله أبو غسان هو محمد بن مطرف وأبو حازم هو سلمة بن دينار وهو غير الذي قبله وهو أصغر منه وأن اشتركا في كون كل منهما تابعيا قوله النقي بفتح النون أي خبر الدقيق الحواري وهو النظيف الأبيض وفي حديث البعث يحشر الناس على أرض عفراء كقرصة النقي وذكره في الباب الذي بعده من وجه آخر عن أبي حازم أتم منه قوله قال لا هو موافق لحديث أنس المتقدم ما رأى مرققا قط قوله فهل كنتم تنخلون الشعير أي بعد طحنه قوله ولكن كنا ننفخه ذكره في الباب الذي بعده بلفظ هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل قال ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله تعالى وأظنه احترز عما قبل البعثة لكونه صلى الله عليه وسلم كان سافر في تلك المدة إلى الشام تاجرا وكانت الشام إذ ذاك مع الروم والخبز النقي عندهم كثير وكذا المناخل وغيرها من آلات الترفه فلا ريب أنه رأى ذلك عندهم فأما بعد البعثة فلم يكن الا بمكة والطائف والمدينة ووصل الى تبوك وهي من أطراف الشام لكن لم يفتحها ولا طالت إقامته بها وقول الكرماني نخلت الدقيق أي غربلته الأولى أن يقول أي أخرجت منه النخالة

قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون أي في زمانه صلى الله عليه وسلم وذكر فيه ستة أحاديث الأول حديث أبي هريرة في قسمة التمر وسيأتي شرحه في باب بعد باب القثاء والرطب وقوله

[ 5095 ] في هذه الرواية شدت من مضاغي بفتح الميم وقد تكسر وتخفيف الضاد المعجمة وبعد الألف غين معجمة هو ما يمضع أو هو المضغ نفسه ومراده أنها كانت فيها قوة عند مضغها فطال مضغة لها كالعلك وسيأتي بعد أبواب بلفظ هي اشدهن لضرسي الثاني حديث إسماعيل وهو بن خالد عن قيس وهو بن أبي حازم عن سعد وهو بن أبي وقاص ووقع في شرح بن بطال وتبعه بن الملقن عن قيس بن سعد عن أبيه كأنه توهمه قيس بن سعد بن عبادة وهو غلط فاحش فقد مضى الحديث في مناقب سعد من طريق قيس وهو بن أبي حازم سمعت سعدا ووقع في رواية مسلم عن قيس سمعت سعد بن أبي وقاص

[ 5096 ] قوله رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فيه إشارة إلى قدم إسلامه وقد تقدم بيان ذلك في مناقبه من كتاب المناقب ووقع عند بن أبي خيثمة أن السبعة المذكورين أبو بكر وعثمان وعلى وزيد بن حارثة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وكان إسلام الأربعة بدعاء أبي بكر لهم إلى الإسلام في أوائل البعثة وما على وزيد بن حارثة فأسلما مع النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بعث قوله الا ورق الحبلة أو الحبلة الأول بفتح المهملة وسكون الموحدة والثاني بضمهما وقيل غير ذلك والمراد به ثمر العضاه وثمر السمر وهو يشبه اللوبيا وقيل المراد عروق الشجر وسيأتي بسطه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى الثالث حديث سهل في النقي والمناخل تقدم في الباب الذي قبله وقوله

[ 5097 ] في آخره وما بقي ثريناه بمثلثة وراء ثقيلة أي بللناه بالماء قوله فأكلناه يحتمل أن يريد اكلوه بغير عجن ولا خبز ويحتمل أنه أشار بذلك الى عجنه بعد البل وخبزه ثم أكله والمنخل من الادوات التي جاءت بضم أولها الرابع حديث أبي هريرة أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية أي مشوية والصلاة بالكسر والمد الشيء

[ 5098 ] قوله فدعوه فأبى أن يأكل ليس هذا من ترك إجابة الدعوة لأنه في الوليمة لا في كل الطعام وكأن أبا هريرة استحضر حينئذ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه من شدة العيش فزهد في أكل الشاة ولذلك قال خرج ولم يشبع من خبر الشعير وقد مضت الاشارة الى ذلك في أول الأطعمة ويأتي مزيد له في كتاب الرقاق الخامس حديث أنس في الخوان والسكرجة تقدم شرحه قريبا السادس حديث عائشة في طعام البر تقدمت الإشارة إليه في أول الأطعمة ويأتي في الرقاق أيضا إن شاء الله تعالى

قوله باب التلبينة بفتح المثناة وسكون اللام وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم نون طعام يتخذ من دقيق أو نخالة وربما جعل فيها عسل سميت بذلك لشببها باللبن في البياض والرقة والنافع منه ما كان رقيقا نضيجا لا غليظا نيئا وقوله

[ 5101 ] مجمة بفتح الجيم والميم الثقيلة أي مكان الاستراحة ورويت بضم الميم أي مريحة والجمام بكسر الجيم الراحة وجم الفرس إذا ذهب اعياؤه وسيأتي شرح حديث عائشة في كتاب الطب أن شاء االله تعالى

قوله باب الثريد بفتح المثلثة وكسر الراء معروف وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم ومن أمثالهم الثريد أحمد اللحمين وربما كان أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثرد بمرقته وذكر المصنف فيه ثلاثة أحاديث الأول والثاني عن أبي موسى وأنس في فضل عائشة وقد تقدما في المناقب وفي أحاديث الأنبياء في ترجمة موسى عليه السلام عند ذكر امرأة فرعون وفي ترجمة مريم والجمل في إسناد حديث أبي موسى بفتح الجيم وتخفيف الميم نسبة إلى بني جمل حي من مراد وقد تقدم شرح الحديث هناك وتقرير فضل الثريد وورد فيه أخص من هذا فعند أحمد من حديث أبي هريرة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في السحور والثريد وفي سنده ضعف وللطبراني من حديث سلمان رفعه البركة في ثلاثة الجماعة والسحور والثريد وأبو طواله في حديث أنس هو عبد الله بن عبد الرحمن بن حزم ووزعم عياض أنه وقع في رواية أبي ذر هنا عن بن أبي طوالة وهو خطأ ولم أره في النسخة التي عندنا من طريق أبي ذر الا على الصواب وذكر القابسي حدثنا خالد بن عبد الله بن أبي طوالة وهو تصحيف وإنما هو عن أبي طوالة ثالثها حديث أنس في الخياط

[ 5104 ] قوله سمع أبا حاتم هو أشهل بن حاتم البصري ووقع في نسخة الصغاني تسميته وتسمية أبيه في الأصل وفي نسخة حدثنا أشهل بن حاتم وابن عون هو عبد الله قوله على غلام له خياط تقدم أنه لم يسم وتقدم شرح الحديث في باب من تتبع حوالي القصعة

قوله باب شاة مسموطة والكتف والجنب ذكر فيه حديث أنس وفيه ولا رأى شاة سميطة وفي رواية الكشميهني مسموطة وحديث عمرو بن أمية يحتز من كتف شاة وقد تقدما قريبا وأما الجنب فأشار به إلى حديث أم سلمة أنها قربت إلى النبي إلي الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة أخرجه الترمذي وصححه وتقدم في باب قطع اللحم بالسكين الإشارة إلى حديث المغيرة بن شعبة وفيه عند أبي داود والنسائي ضفت النبي صلى الله عليه سلم فأمر بجنب فشوى فأخذ الشفرة فجعل يحتز لي بها منه قال بن بطال يجمع بين هذا الحديث وكذا حديث عمرو بن أمية وبين قول أنس أنه صلى الله عليه وسلم ما رأى شاة مسموطة فذكر ما تقدم في باب الخبز المرقق وقد مضى البحث فيه مستوفى

قوله باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم ليس في شيء من أحاديث الباب للطعام ذكر وإنما يؤخذ منها بطريق الإلحاق أو من مقتضى قول عائشة ما شبع من خبز البر المأدوم ثلاثا فإنه لا يلزم من نفى كونه مأدوما نفى كونه مطلقا وفي وجود ذلك ثلاثا مطلقا دلالة على جواز تناوله وابقائه في البيوت ويحتمل أن يكون المراد بالطعام ما يطعم فيدخل فيه كل إدام قوله وقالت عائشة وأسماء صنعنا للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سفره تقدم حديث عائشة موصولا في باب الهجرة إلى المدينة مطولا وحديث أسماء تقدم في الجهاد وسبق الكلام فيه قريبا ثم ذكر فيه حديثين أحدهما عن عائشة

[ 5107 ] قوله عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه هو عابس بمهملة ثم موحدة ثم مهلمة بن ربيعة النخعي الكوفي تابعي كبير ويلتبس به عابس بن ربيعة القطيفي صحابي ذكره بن يونس وقال له صحبة وشهد فتح مصر ولم أجد لهم عنه رواية قوله قالت ما فعله الا في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير بينت عائشة في هذا الحديث أن النهي عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث نسخ وأن سبب النهي كان خاصا بذلك العام للعلة التي ذكرتها وسيأتي بسط هذا في أواخر كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى وعرض البخاري منه قولها وأن كنا لنرفع الكراع الخ فإن فيه بيان جواز ادخار اللحم وأكل القديد وتعبت أن سبب ذلك قلة اللحم عندهم بحيث إنهم لم يكونوا يشبعون من خبز البر ثلاثة أيام متوالية قوله وقال بن كثير هو محمد وهو من مشايخ البخاري وغرضه تصريح سفيان وهو الثوري بأخبار عبد الرحمن بن عابس له به وقد وصله الطبراني في الكبير عن معاذ بن المثنى عن محمد بن كثير به قوله في حديث جابر حدثنا سفيان هو بن عيينة وسفيان الذي قبله في حديث عائشة هو الثوري كما بينته قوله تابعه محمد عن بن عيينة قيل أن محمدا هذا هو بن سلام وقد وقع لي الحديث في مسند محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان ولفظه كنا نعزل عن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وكنا نتزود لحوم الهدى إلى المدينة قوله وقال بن جريج الخ وصل المصنف أصل الحديث في باب ما يؤكل من البدن من كتاب الحج ولفظه كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلوا وتزودوا ولم يذكر هذه الزيادة وقد ذكرها مسلم في روايته عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد بالسند الذي أخرجه به البخاري فقال بعد قوله كلوا وتزودوا قلت لعطاء أقال جابر حتى جئن المدينة قال نعم كذا وقع عنده بخلاف ما وقع عند البخاري قال لا والذي وقع عند البخاري هو المعتمد فإن أحمد أخرجه في مسنده عن يحيى بن سعيد كذلك وكذلك أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد وقد نبه على اختلاف البخاري ومسلم في هذه اللفظة الحميدي في جمعه وتبعه عياض ولم يذكرا ترجيحا واغفل ذلك شراح البخاري أصلا فيما وقفت عليه ثم ليس المراد بقوله لا نفي الحكم بل مراده أن جابرا لم يصرح باستمرار ذلك منهم حتى قدموا فيكون على هذا معنى قوله في رواية عمرو بن دينار عن عطاء كنا نتزود لحوم الهدى إلى المدينة أي لتوجهنا إلى المدينة ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتى يصلوا المدينة والله أعلم لكن قد أخرج مسلم من حديث ثوبان قال ذبح النبي صلى الله عليه وسلم أضحيته ثم قال لي يا ثوبان أصلح لحم هذه فلم أزل أطعمه منه حتى قدم المدينة قال بن بطال في الحديث رد على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادخار طعام لغد وأن اسم الولاية لا يستحق لمن ادخر شيئا ولو قل وأن من ادخر أساء الظن بالله وفي هذه الأحاديث كفاية في الرد على من زعم ذلك

قوله باب الحيس بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها مهملة تقدم تفسيره مع شرح حديث الباب في قصة صفية في غزوة خيبر من كتاب المغازي واصل الحيس ما يتخذ من التمر والأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الفتيت أو الدقيق وقوله

[ 5109 ] فيه وضلع الدين فتح الضاد المعجمة واللام أي ثقله وحكى بن التين سكون اللام وفسره بالميل ويأتي مزيد لشرح هذا الداء في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وقوله يحوى بحاء مهلمة واو ثقيلة أي يجعل لها حوية وهو كساء محشو يدار حول سنام الراحلة يحفظ راكبها من السقوط ويستريح بالاستناد إليه قوله ثم أقبل حتى بدا له أحد تقدم الكلام عليه في أواخر الحج وقوله مثل ما حرم به إبراهيم مكة قال الكرماني مثل منصوب بنزع الخافض أي بمثل ما حرم به وليست لفظة به زائدة

قوله باب الأكل في إناء مفضض أي الذي جعلت فيه الفضة كذا اقتصر من الانية على هذا والأكل في جميع الانية مباح الا إناء الذهب وإناء الفضة واختلف في الإناء الذي فيه شيء من ذلك أما بالتضبيب وأما بالخلط وأما بالطلاء وحديث حذيفة الذي ساقه في الباب فيه النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة ويؤخذ منع الأكل بطريق الإلحاق وهذا بالنسبة لحديث حذيفة وقد ورد في حديث أم سلمة عند مسلم كما سيأتي التنبيه عليه في كتاب الأشربة ذكر الأكل فيكون المنع منه بالنص أيضا وهذا في الذي جميعه من ذهب أو فضة أما المخلوط أو المضبب أو المموه وهو المطلي فرود فيه حديث أخرجه الدارقطني والبيهقي عن بن عمر رفعه من شرب في آنية الذهب والفضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم قال البيهقي المشهور عن بن عمر موقوف عليه ثم أخرجه كذلك وهو عند بن أبي شيبة من طريق أخرى عنه أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة ومن طريق أخرى عنه أنه كان يكره ذلك وفي الأوسط للطبراني من حيث أم عطية نهى رسول الله صلى الله عيه وسلم عن تفضيض الاقداح ثم رخص فيه للنساء قال مغلطاي لا يطابق الحديث الترجمة الا أن كان الإناء الذي سقي فيه حذيفة كان مضببا فإن الضبة موضع الشفة عند الشرب وأجاب الكرماني بأن لفظ مفضض وأن كان ظاهرا فيما فيه فضة لكنه يشمل ما إذا كان متخذا كله من فضة والنهي عن الشرب في آنية الفضة يلحق به الأكل للعلة الجامعة فيطابق الحديث الترجمة والله أعلم

قوله باب ذكر الطعام ذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث أبي موسى مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن وقد سبق شرحه في فضائل القرآن والغرض منه تكرار ذكر الطعم فيه والطعام يطلق بمعنى الطعم ثانيها حديث أنس في فضل عائشة وقد مضى التنبيه عليه قريبا وذكر فيه الطعام ثالثها حديث أبي هريرة السفر قطعة من العذاب ذكره لقوله فيه يمنع أحدكم نومه وطعامه وقد مضى شرحه في أواخر أبواب العمرة بعد كتاب الحج قال بن بطال معنى هذه الترجمة إباحة أكل الطعام الطيب وأن الزهد ليس في خلاف ذلك فإن في تشبيه المؤمن بما طعمه طيب وتشبيه الكافر بما طعمه مر ترغيبا في أكل الطعام الطيب والحلو قال وإنما كره للسلف الادمان على أكل الطيبات خشية أن يصير ذلك عادة فلا تصبر النفس على فقدها قال وأما حديث أبي هريرة ففيه إشارة إلى أن الآدمي لا بد له في الدنيا من طعام نعيم به جسده ويقوى به على طاعة ربه وأن الله جل وعلا جميل النفوس على ذلك لقوام الحياة لكن المؤمن يأخذ من ذلك بقدر ايثاره أمر الآخرة على الدنيا وزعم مغلطاي أن بن بطال قال قبل حديث أبي هريرة ما معناه ليس فيه ذكر الطعام قال مغلطاي قوله ليس فيه ذكر الطعام ذهول شديد فإن لفظ المتن يمنع أحدكم نومه وطعامه اه وتعقبه صاحبه الشيخ سراح الدين بن الملقن بأنه لا ذهول فإن عبارة بن بطال ليس فيها ذكر أفضل الطعام ولا أدناه وهو كما قال فلم يذهل

قوله باب الأدم بضم الهمزة والدال المهملة ويجوز اسكانها جمع إدام وقيل هو بالإسكان المفرد وبالضم الجمع ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة وفيه فأتى بأدم من آدم البيت وفيه ذكر اللحم الذي تصدق به على بريرة وقد مضى شرحه مستوفي في الكلام على قصة بريرة في الطلاق وحكى بن بطال عن الطبري قال دلت القصة على ايثاره عليه الصلاة والسلام اللحم إذا وجد إليه السبيل ثم ذكر حديث بريرة رفعه سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم وأما ما ورد عن عمر وغيره من السلف من إيثار أكل غير اللحم على اللحم فأما لقمع النفس عن تعاطي الشهوات والادمان عليها وأما لكراهة الإسراف والاسراع في تبذير المال لقلة الشيء عندهم إذ ذاك ثم ذكر حديث جابر لما أضاف النبي صلى الله عليه وسلم وذبح له الشاة فلما قدمها إليه قال له كأنك قد علمت حبنا للحم وكان ذلك لقلة الشيء عندهم فكان حبهم له لذلك اه ملخصا وحديث بريرة أخرجه بن ماجة وحديث جابر أخرجه أحمد مطولا من طريق نبيح العنزي عنه وأصله في الصحيح بدون الزيادة وقد اختلف الناس في الأدم فالجمهور أنه ما يؤكل به الخبز بما يطيبه سواء كان مرقا أم لا واشترط أبو حنيفة وأبو يوسف الاصطناع وسيأتي بسط ذلك في كتاب الإيمان والنذور إن شاء الله تعالى ووقع في حديث عائشة فقال أهلها ولنا الولاء هو معطوف على محذوف تقديره نبيعها ولنا الولاء وفيه فقال لو شئت شرطتيه بإثبات التحتانية وهي ناشئة عن اشباع حركة المثناة وفيه واعتقت فخيرت بن أن تقر تحت زوجها أو تفارقة قال بن التين يصح أن يكون أصله من وقر فتكون الراء مخففه يعني والقاف مكسورة يقال وقرت أقر إذا جلست مستقرا والمحذوف فاء الفعل قال ويصح أن تكون القاف مفتوحة يعني مع تشديد الراء من قولهم قررت بالمكان أقر يقال بفتح القاف ويجوز بكسرها من قر يقر اه ملخصا والثالث هو المحفوظ في الرواية تنبيه اورد البخاري هذا الحديث هنا من طريق إسماعيل بن جعفر عن ربيعة عن القاسم بن محمد قال كان في بريرة ثلاث سنن وساق الحديث وليس فيه أنه اسنده عن عائشة وتعقبه الإسماعيلي فقال هذا الحديث الذي صححه مرسل وهو كما قال من ظاهر سياقه لكن البخاري اعتمد على إيراده موصولا من طريق مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة كما تقدم في النكاح والطلاق ولكنه جرى على عادته من تجنب إيراد الحديث على هيئته كلها في باب آخر وقد بينت وصل هذا الحديث في باب لا يكون بيع الأمة طلاقا من كتاب الطلاق والله أعلم

قوله باب الحلوى والعسل كذا لأبي ذر مقصور ولغيره ممدود وهما لغتان قال بن ولاد هي عند الأصمعي بالقصر تكتب بالياء وعند الفراء بالمد تكتب بالألف وقيل تمد وتقصر وقال الليث الأكثر على المد وهو كل حلو يؤكل وقال الخطابي اسم الحلوى لا يقع الا على ما دخلته الصنعة وفي المخصص لابن سيده هي ما عولج من الطعام بحلاوة وقد تطلق على الفاكهة

[ 5115 ] قوله يحب الحلوى والعسل كذا في الرواية للجميع بالقصر وقد تقدم في أبواب الطلاق بالوجهين وهو طرف من حديث تقدم في قصة التخيير قال بن بطال الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى كلوا من الطيبات وفيه تقوية لقول من قال المراد به المستلذ من المباحات ودخل في معنى هذا الحديث كل ما يشابه الحلوى والعسل من أنواع المآكل اللذيذة كما تقدم تقريره في أول كتاب الأطعمة وقال الخطابي وتبعه بن التين لم يكن حبه صلى الله عليه وسلم لها على معنى كثرة التشهي لها وشدة نزاع النفس إليها وإنما كان ينال منها إذا احضرت إليه نيلا صالحا فيعلم بذلك أنها تعجبه ويؤخذ منه جواز اتخاذ الأطعمة من أنواع شتى وكان بعض أهل الورع يكره ذلك ولا يرخص أن يأكل من الحلاوة الا ما كان حلوه بطبعه كالتمر والعسل وهذاالحديث يرد عليه وإنما تورع عن ذلك من السلف من آثر تأخير تناول الطيبات إلى الآخرة مع القدرة على ذلك في الدنيا تواضعا لا شحا ووقع في كتاب فقه اللغة للثعالبي أن حلوى النبي صلى لله عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع بالجيم وزن عظيم وهو ثمر يعجن بلبن وسيأتي في باب الجمع بين لونين ذكر من روى حديث أنه كان يحب الزبد والتمر وفيه رد على من زعم أن المراد بالحلوى أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب كل يوم قدح عسل يمزج بالماء وأما الحلوى المصنوعة فما كان يعرفها وقيل المراد بالحلوى الفالوذج لا المعقودة على النار والله أعلم

[ 5116 ] قوله حدثنا عبد الرحمن بن شيبة هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة الحزامي بالمهلمة والزاي المدني نسبة إلى جد أبيه وغلط بعضهم فقال عبد الرحمن بن أبي شيبة ولفظ أبي زيادة على سبيل الغلط المحض وما لعبد الرحمن في البخاري سوى موضعين هذا أحدهما قوله بن أبي الفديك هو محمد بن إسماعيل وأكثر ما يرد بغير ألف ولام قوله كنت ألزم تقدم هذا الحديث في المناقب من وجه آخر عن بن أبي ذئب وأوله يقول الناس أكثر أبو هريرة الحديث قوله أشبع طني في رواية الكشميهني بشبع بالموحدة والمعنى مختلف فإن الذي بالباء يشعر بالمعاوضة لكن رواية اللام لا تنفيها قوله ولا ألبس الحرير كذا هنا للجميع تقدم في المناقب بلفظ الحبير بالموحدة بدل الراء الأولى وتقدم أنه للكشميهني براءين وقال عياض هو بالموحدة في رواية القابسي والأصيلي وعبدوس وكذا لأبي ذر عن الحموي وكذا هو للنسفي وللباقين براءين كالذي هنا ورجح عياض الرواية بالموحدة وقال هو الثوب المحبر وهو المزين الملون مأخوذ من التحبير وهو التحسين وقيل الحبير ثوب وشي مخطط وقيل هو الجديد وإنما كانت رواية الحرير مرجوحة لأن السياق يشعر بأن أبا هريرة كان يفعل ذلك بعد أن كان لا يفعله وهو كان لا يلبس الحرير لا أولا ولا اخرا بخلاف أكله الخمير ولبسه الحبير فإنه صار يفعله بعد أن كان لا يجده قوله ولا يخدمني فلان وفلانة يحتمل أن يكون أبو هريرة هو الذي كنى وقصد الإبهام لإرادة التعظيم والتهويل ويحتمل أن يكون سمي معينا وكنى عنه الراوي وقد أخرج بن سعد من طريق أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة قال ولقد رأيتني وإني لاجير لابن عفان وبنت غزوان بطعام بعل وعقبة رجلي اسوق بهم إذا ارتحلوا واخدمهم إذا نزلوا فقالت لي يوما لتردن حافيا ولتركبن قائما فزوجنيها الله تعالى فقلت لها اتردن حافية ولتركبن قائمة وسنده صحيح وهو في آخر حديث أخرجه البخاري والترمذي بدون هذه الزيادة وأخرج بن سعد أيضا وابن ماجة من طريق سليم بن حيان سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول نشأت يتيما وهاجرت مسكينا وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان الحديث قوله واستقريء الرجل الآية وهي معي تقدم شرح قصته في ذلك مع عمر في أوائل الأطعمة وقصته في ذلك مع جعفر في كتاب المناقب قوله وخير الناس للمساكين جعفر تقدم شرحه في المناقب ووقع في رواية الإسماعيلي من الزيادة في هذا الحديث من طريق إبراهيم المخزومي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين قلت وإبراهيم المخزومي هو بن الفضل ويقال بن إسحاق المخزومي مدني ضعيف ليس من شرط هذا الكتاب وقد اوردت هذه الزيادة في المناقب عن الترمذي وهي من رواية إبراهيم أيضا وأشار إلى ضعف إبراهيم قال بن المنير مناسبة حديث أبي هريرة للترجمة أن الحلوى تطلق على الشيء الحلو ولما كانت العكة يكون فيها غالبا العسل وربما جاء مصرحا به في بعض طرقه ناسب التبويب قلت إذا كان ورد في بعض طرقه العسل طابق الترجمة لأنها مشتملة على ذكر الحلوى والعسل معا فيؤخذ من الحديث أحد ركني الترجمة ولا يشترط أن يشتمل كل حديث في الباب على جميع ما تضمنته الترجمة بل يكفي التوزيع وإطلاق الحلوى على كل شيء حلو خلاف العرف وقد جزم الخطابي بخلافة كما تقدم فهو المعتمد قوله فنشتفها قيده عياض بالشين المعجمة والفاء ورجح بن التين أنه بالقاف لأن معنى الذي بالفاء أن يشرب ما في الإناء كما تقدم والمراد هنا إنهم لعقوا ما في العكة بعد أن قطعوها ليتمكنوا من ذلك

قوله باب الدباء ذكر فيه حديث أنس في قصة الخياط من طريق ثمامة عن أنس وقد تقدم شرحه وضبطه وتقدمت الإشارة إلى موضع شرحه قريبا وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق حكيم بن جابر عن أبيه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وعنده هذا الدباء فقلت ما هذا قال القرع وهو الدباء نكثر به طعامنا

قوله باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه قال الكرماني وجه التكلف من حديث الباب أنه حصر العدد بقوله خامس خمسة ولولا تكلفه لما حصر وسبق إلى نحو ذلك بن التين وزاد أن التحديد ينافي البركة ولذلك لما لم يحدد أبو طلحة حصلت في طعامه البركة حتى وسع العدد الكثير

[ 5118 ] قوله عن أبي وائل عن أبي مسعود في رواية أبي أسامة عن الأعمش حدثنا شقيق وهو أبو وائل حدثنا أبو مسعود وسيأتي بعد اثنين وعشرين بابا وللاعمش فيه شيخ آخر نبهت عليه في أوائل البيوع أخرجه مسلم من طريق زهير وغيره عن أبي سفيان عن جابر مقرونا برواية أبي وائل عن أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو ووقع في بعض النسخ المتأخرة عن بن مسعود وهو تصحيف قوله كان من الأنصار رجل يقال له أبو شعيب لم اقف على اسمه وقد تقدم في أوائل البيوع أن بن نمير عند أحمد والمحاملي رواه عن الأعمش فقال فيه عن أبي مسعود عن أبي شعيب جعله من مسند أبي شعيب قوله وكان له غلام لحام لم اقف على اسمه وقد تقدم في البيوع من طريق حفص بن غياث عن الأعمش بلفظ قصاب ومضى تفسيره قوله فقال أصنع لي طعاما أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة زاد في رواية حفص واجعل لي طعاما يكفي خمسة فإني أريد أن أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرفت في وجهه الجوع وفي رواية أبي أسامة اجعل لي طعيما وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم أصنع لنا طعاما لخمسة نفر قوله فدعا النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة في الكلام حذف تقديره فصنع فدعاه وصرح بذلك في رواية أبي أسامة ووقع في رواية أبي معاوية عن الأعمش عند مسلم والترمذي وساق لفظها فدعاه وجلساءه الذين معه وكأنهم كانوا أربعة وهو خامسهم يقال خامس أربعة وخامس خمسة بمعنى قال الله تعالى ثاني اثنين وقال ثالث ثلاثة وفي حديث بن مسعود رابع أربعة ومعنى خامس أربعة أي زائد عليهم وخامس خمسة أي أحدهم والاجود نصب خامس على الحال ويجوز الرفع على تقدير حذف أي وهو خامس أو وأنا خامس والجملة حينئذ حالته قوله فتبعهم رجل في رواية أبي عوانة عن الأعمش في المظالم فاتبعهم وهي بالتشديد بمعنى تبعهم وكذا في رواية جرير وأبي معاوية وذكرها الداودي بهمزة قطع وتكلف بن التين في توجيهها ووقع في رواية حفص بن غياث فجاء معهم رجل قوله وهذا رجل تبعنا في رواية أبي عوانة وجرير اتبعنا بالتشديد وفي رواية أبي معاوية لم يكن معنا حين دعوتنا قوله فإن شئت أذنت له وأن شئت تركته في رواية أبي عوانة وأن شئت أن يرجع رجع وفي رواية جرير وأن شئت رجع وفي رواية أبي معاوية فإنه اتبعنا ولم يكن معنا حين دعوتنا فإن أذنت له دخل قوله بل أذنت له في رواية أبي أسامة لا بل أذنت له وفي رواية جرير لا بل أذنت له يا رسول الله وفي رواية أبي معاوية فقد أذنا له فليدخل ولم اقف على اسم هذا الرجل في شيء من طرق هذا الحديث ولا على اسم واحد من الأربعة وفي الحديث من الفوائد جواز الاكتساب بصنعة الجزارة واستعمال العبد فيما يطيق من الصنائع وانتفاعه بكسبه منها وفيه مشروعية الضيافة وتأكد استحبابها لمن غلبت حاجته لذلك وفيه أن من صنع طعاما لغيره فهو بالخيار بين أن يرسله إليه أو يدعوه إلى منزله وأن من دعا أحدا استحب أن يدعو معه من يرى من اخصائه وأهل مجالسته وفيه الحكم بالدليل لقوله إني عرفت في وجهه الجوع وأن الصحابة كانوا يديمون النظر إلى وجهه تبركا به وكان منهم من لا يطيل النظر في وجهه حياء منه كما صرح به عمرو بن العاص فيما أخرجه مسلم وفيه أنه كان صلى الله عليه وسلم يجوع أحيانا وفيه إجابة الإمام والشريف والكبير دعوة من دونهم واكلهم طعام ذي الحرفة غير الرفيعة كالجزار وأن تعاطى مثل تلك الحرفة لا يضع قدر من يتوفى فيها ما يكره ولا تسقط بمجرد تعاطيها شهادته وأن من صنع طعاما لجماعة فليكن على قدرهم أن لم يقدر على أكثر ولا ينقص من قدرهم مستندا إلى أن طعام الواحد يكفي الإثنين وفيه أن من دعا قوما متصفين بصفة ثم طرأ عليهم من لم يكن معهم حينئذ أنه لا يدخل في عموم الدعوة وأن قال قوم أنه يدخل في الهدية كما تقدم أن جلساء المرء شركاؤه فيما يهدي إليه وأن من تطفل في الدعوة كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه فإن دخل بغير إذنه كان له إخراجه وأن من قصد التطفيل لم يمنع ابتداء لأن الرجل تبع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرده لاحتمال أن تطيب نفس صاحب الدعوة بالاذن له وينبغي أن يكون هذا الحديث أصلا في جواز التطفيل لكن يقيد بمن أحتاج إليه وقد جمع الخطيب في أخبار الطفيليين جزءا فيه عدة فوائد منها أن الطفيلي منسوب إلى رجل كان يقال له طفيل من بني عبد الله بن غطفان كثر منه الإتيان إلى الولائم بغير دعوة فسمى طفيل العرائس فسمى من اتصف بعد بصفته طفيليا وكانت العرب تسمية الوارش بشين معجمة وتقول لمن يتبع المدعو بغير دعوة ضيفن بنون زائدة قال الكرماني في هذه التسمية مناسبة اللفظ للمعنى في التبعية من حيث أنه تابع للضيف والنون تابعة للكلمة واستدل به على منع استتباع المدعو غيره الا إذا علم من الداعي الرضا بذلك وأن الطفيلي يأكل حراما ولنصر بن علي الجهضمي في ذلك قصة جرت له مع طفيلي واحتج نصر بحديث بن عمر رفعه من دخل بغير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا وهو حديث ضعيف أخرجه أبو داود واحتج عليه الطفيلي بأشياء يؤخذ منها تقييد المنع بمن لا يحتاج إلى ذلك ممن يتطفل وبمن يتكره صاحب الطعام الدخول إليه أما لقلة الشيء أو استثقال الداخل وهو يوافق قول الشافعية لا يجوز التطفيل الا لمن كان بينه وبين صاحب الدار انبساط وفيه أن المدعو لا يمتنع من الإجابة إذا أمتنع الداعي من الإذن لبعض من صحبه وأما ما أخرجه مسلم من حديث أنس أن فارسيا كان طيب المرق صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ثم دعاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهذه لعائشة قال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا فيجاب عنه بأن الدعوة لم تكن لوليمة وإنما صنع الفارسي طعاما بقدر ما يكفي الواحد فخشي أن إذن لعائشة أن لا يكفي النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون الفرق أن عائشة كنت حاضرة عند الدعوة بخلاف الرجل وأيضا فالمستحب للداعي أن يدعو خواص المدعو معه كما فعل اللحام بخلاف الفارسي فلذلك أمتنع من الإجابة الا أن يدعوها أو علم حاجة عائشة لذلك الطعام بعينه أو أحب أن تأكل معه منه لأنه كان موصوفا بالجودة ولم يعلم مثله في قصة اللحام وأما قصة أبي طلحة حيث دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العصيدة كما تقدم في علامات النبوة فقال لمن معه قوموا فأجاب عنه المازري أنه يحتمل أن يكون علم رضا أبي طلحة فلم يستأذنه ولم يعلم رضا أبي شعيب فاستأذنه ولان الذي أكله القوم عند أبي طلحة كان مما خرق الله فيه العادة لنبيه صلى الله عليه وسلم فكان جل ما اكلوه من البركة التي لا صنيع لأبي طلحة فيها فلم يفتقر إلى استئذانه أو لأنه لم يكن بينه وبين القصاب من المودة ما بينه وبين أبي طلحة أو لأن أبا طلحة صنع الطعام للنبي صلى الله عليه وسلم فتصرف فيه كيف أراد وأبو شعيب صنعه له ولنفسه ولذلك حدد بعدد معين ليكون ما يفضل عنهم له ولعياله مثلا واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فاستأذنه لذلك لأنه أخبر بما يصلح نفسه وعياله وفيه أنه ينبغي لمن استؤذن في مثل ذلك أن يأذن للطاريء كما فعل أبو شعيب وذلك من مكارم الأخلاق ولعله سمع الحديث الماضي طعام الواحد يكفي الإثنين أو رجا أن يعم الزائد بركة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما استأذنه النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا لنفسه ولعله علم أنه لا يمنع الطاريء وأما توقف الفارسي في الإذن لعائشة ثلاثا وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من اجابته فأجاب عياض بأنه لعله إنما صنع قدر ما يكفي النبي صلى الله عليه وسلم وحده وعلم حاجته لذلك فلو تبعه غيره لم يسد حاجته والنبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على ما ألف من إمداد الله تعالى له بالبركة وما اعتاده من الايثار على نفسه ومن مكارم الأخلاق مع أهله وكان من شأنه أن لا يراجع بعد ثلاث فلذلك رجع الفارسي عن المنع وفي قوله صلى الله عليه وسلم أنه اتبعنا رجل لم يكن معنا حيث دعوتنا إشارة إلى أنه لو كان معهم حالة الدعوة لم يحتج الى الاستئذان عليه فيؤخذ منه أن الداعي لو قال لرسوله أدع فلانا وجلساءه جاز لكل من كان جليسا له أن يحضر معه وأن كان ذلك لا يستحب أو لا يجب حيث قلنا بوجوبه الا بالتعيين وفيه أنه لا ينبغي أن يظهر الداعي الإجابة وفي نفسه الكراهة لئلا يطعم ما تكرهه نفسه ولئلا يجمع الرياء والبخل وصفة ذي الوجهين كذا استدل به عياض وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأنه ليس في الحديث ما يدل على ذلك بل فيه مطلق الاستئذان والأذن ولم يكلفه أن يطلع على رضاه بقلبه قال وعلى تقدير أن يكون الداعي يكره ذلك في نفسه فينبغي له مجاهدة نفسه على دفع تلك الكراهة وما ذكره من أن النفس تكون بذلك طيبة لا شك أنه أولي لكن ليس في سياق هذه القصة ذلك فكأنه أخذه من غير هذا الحديث والتعقب عليه واضح لأنه ساقه مساق من يستنبطه من حديث الباب وليس ذلك فيه وفي قوله صلى الله عليه وسلم اتبعنا رجل فأبهمه ولم يعينه أدب حسن لئلا ينكسر خاطر الرجل ولا بد أن ينضم إلى هذا أنه اطلع على أن الداعي لا يرده وإلا فكان يتعين في ثاني الحال فيحصل كسر خاطره وأيضا ففي رواية لمسلم أن هذا اتبعنا ويجمع بين الروايتين بأنه ابهمه لفظا وعينه إشارة وفيه نوع رفق به بحسب الطاقة تنبيه وقع هنا عند أبي ذر عن المستملي وحده قال محمد بن يوسف وهو الفريابي سمعت محمد إسماعيل هو البخاري يقول إذا كان القوم على المائدة فليس لهم أن يناولوا من مائدة إلى مائدة أخرى ولكن يناول بعضهم بعضا في تلك المائدة أو يدعوا أي يتركوا وكأنه استنبط ذلك من استئذان النبي صلى الله عليه وسلم الداعي في الرجل الطاريء ووجه أخذه منه أن الذين دعوا صار لهم بالدعوة عموم إذن بالتصرف في الطعام المدعو إليه بخلاف من لم يدع فيتنزل من وضع بين يديه الشيء منزلة من دعي له أو ينزل الشيء الذي وضع بين يدي غيره منزلة من لم يدع إليه واغفل من وقفت على كلامه من الشراح التنبيه على ذلك

قوله باب من أضاف رجلا وأقبل هو على عمله أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يتحتم على الداعي أن يأكل مع المدعو وأورد فيه حديث أنس في قصة الخياط وقد تقدم شرحه مستوفى وقد تعقبه الإسماعيلي بأن قوله وأقبل على عمله ليس فيه فائدة قال وإنما أراد البخاري إيراده من رواية النضر بن شميل عن بن عون قلت بل لترجمته فائدة ولا مانع من إرادة الفائدتين الاسنادية والمتنية ومع اعتراف الإسماعيلي بغرابة الحديث من حديث النضر فإنما أخرجه من رواية أزهر عن بن عون فكأنه لم يقع له من حديث النضر وقال بن بطال لا أعلم في اشتراط أكل الداعي مع الضيف الا أنه ابسط لوجهه وأذهب لاحتشامه فمن فعل فهو أبلغ في قرى الضيف ومن ترك فجائز وقد تقدم في قصة أضياف أبي بكر إنهم امتنعوا أن يأكلوا حتى يأكل معهم وأنه أنكر ذلك

قوله باب المرق أورد فيه حديث أنس المذكور قبل وهو ظاهر فيما ترجم له قال بن التين في قصة الخياط روايات فيما احضر ففي بعضها قرب مرقا وفي بعضها قديدا وفي أخرى خبز شعير وفي أخرى ثريدا قال والزيادة من الثقة مقبولة قال الداودي وإنما كان ذلك لأنهم لم يكونوا يكتبون فربما غفل الراوي عندما يحدث عن كلمة يعني ويحفظها غيره من الثقات فيعتمد عليها قلت أتم الروايات ما وقع في هذا الباب عن مالك فقرب خبز شعير ومرقا فيه دباء وقديد فلم يفتها الا ذكر الثريد وفي خصوص التنصيص على المرق حديث صريح ليس على شرط البخاري أخرجه النسائي والترمذي وصححه وكذلك بن حبان عن أبي ذر رفعه فيه وإذا طبخت قدرا فأكثر مرقته واغرف لجارك منه وعند أحمد والبزار من حديث جابر نحوه وفي الباب عن جابر في حديثه الطويل في صفة الحج عند مسلم وأصحاب السنن ثم أخذ من كل بدنة بضعة وجعلت في قدر وطبخت فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من لحمها وشربا من مرقها

قوله باب القديد ذكر فيه حديث أنس المذكور وهو ظاهر فيه وحديث عائشة ما فعله الا في عام جاع الناس أراد أن يطعم الغني الفقير الحديث قلت وهو مختصر من حديثها الماضي في باب ما كان السلف يدخرون وقد تقدم قريبا وأوله سؤال التابعي عن النهي عن الأكل من لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأجابت بذلك فيعرف منه أن مرجع الضمير في قولها ما فعله إلى النهي عن ذلك

قوله باب من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا قال بن المبارك لا بأس أن يناول بعضهم بعضا ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى تقدم هذا المعنى قريبا والاثر فيه عن بن المبارك موصول عنه في كتاب البر والصلة له ثم ذكر فيه حديث أنس في قصة الخياط وفيه وقال ثمامة عن أنس فجعلت أجمع الدباء بين يديه وصله قبل بابين من طريق ثمامة وقد تقدم في باب من تتبع حوالي القصعة أن في رواية حميد عن أنس فجعلت اجمعه فأدنيه منه وهو المطابق للترجمة لأنه لا فرق بين أن يناوله من إناء أو يضم ذلك إليه في نفس الإناء الذي يأكل منه قال بن بطال إنما جاز أن يناول بعضهم بعضا في مائدة واحدة لأن ذلك الطعام قدم لهم بأعيانهم فلهم أن يأكلوه كله وهم فيه شركاء وقد تقدم الأمر بأكل كل واحد مما يليه فمن ناول صاحبه مما بين يديه فكأنه أثره بنصيبه مع ما له فيه معه من المشاركة وهذا بخلاف من كان على مائدة أخرى فإنه وأن كان للمناول حق فيما بين يديه لكن لا حق للاخر في تناوله منه إذ لا شركة له فيه وقد أشار الإسماعيلي إلى أن قصة الخياط لا حجة فيها لجواز المناولة لأنه طعام أتخذ للنبي صلى الله عليه وسلم وقصد به والذي جمع له الدباء بين يديه خادمه يعني فلا حجة في ذلك لجواز مناولة الضيفان بعضهم بعضا مطلقا

قوله باب القثاء بالرطب أي اكلهما معا وقد ترجم له بعد سبعة أبواب الجمع بين اللونين

[ 5124 ] قوله عن أبيه هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف من صغار التابعين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب من صغار الصحابة قوله رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء قال الكرماني في الحديث أكل الرطب بالقثاء والترجمة بالعكس وأجاب بأن الباء للمصاحبة أو للملاصقة فكل منهما مصاحب للاخر أو ملاصق قلت وقد وقعت الترجمة في رواية النسفي على وفق لفظ الحديث وهو عند مسلم عن يحيى بن يحيى وعبد الله بن عون جميعا عن إبراهيم بن سعد بسند البخاري فيه بلفظ يأكل القثاء بالرطب كلفظ الترجمة وكذلك أخرجه الترمذي وسيأتي الكلام على الحديث في باب الجمع بين اللونين

قوله باب كذا هو في رواية الجميع بغير ترجمة وسقط عند الإسماعيلي فاعترض بأنه ليس فيه للرطب والقثاء ذكر والذي أظنه أنه أراد أن يترجم به للتمر وحده أو لنوع منه وذكر فيه حديث أبي هريرة قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا فأصابني سبع تمرات إحداهن حشفة وهو من رواية عباس الجريري عن أبي عثمان النهدي عنه وقد تقدم قبل بثمانية أبواب ثم ساقه من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان بلفظ فأصابني خمس تمرات أربع تمر وحشفة قال بن التين أما أن تكون إحدى الروايتين وهما أو يكون ذلك وقع مرتين قلت الثاني بعيد لاتحاد المخرج وأجاب الكرماني بأن لا منافاة إذ التخصيص بالعدد لا ينفي الزائد وفيه نظر وإلا لما كان لذكره فائدة والأولى إن يقال أن القسمة أولا اتفقت خمسا خمسا ثم فضلت فضلة فقسمت ثنتين ثنتين فذكر أحد الراويين مبتدأ الأمر والآخر منتهاه وقد وقع في الحديث اختلاف أشد من هذا فإن الترمذي أخرجه من طريق شعبة عن عباس الجريري بلفظ أصابهم جوع فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم تمرة تمرة وأخرجه النسائي من هذا الوجه بلفظ قسم سبع تمرات بين سبعة أنا فيهم وابن ماجة وأحمد من هذا الوجه بلفظ أصابهم جوع وهم سبعة فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات لكل إنسان تمرة وهذه الروايات متقاربة المعنى ومخالفة لرواية حماد بن زيد عن بن عباس وكأنها رجحت عند البخاري على رواية شعبة فاقتصر عليها وايدها برواية عاصم لأنها توافقها من حيثية الزيادة على الواحدة في الجملة قوله في الرواية الأولى

[ 5125 ] تضيفت بضاد معجمة وفاء أي نزلت به ضيفا وقوله سبعا أي سبع ليال قوله فكان هو وامرأته تقدم أنها بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة بنت غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي وهي صحابية أخت عتبة الصحابي الجليل أمير البصرة قوله وخادمه لم اقف على اسمها قوله يعتقبون بالقاف أي يتناوبون قيام الليل وقوله أثلاثا أي كل واحد منهم يقوم ثلث الليل فمن بدأ إذا فرغ من ثلثه أيقظ الآخر قوله وسمعته يقول القائل أبو عثمان النهدي والمسموع أبو هريرة ووقع عند أحمد والإسماعيلي في هذه الرواية بعد قوله ثم يوقظ هذا قلت يا أبا هريرة كيف تصوم قال أما انا فاصوم من أول أشهر ثلاثا فإن حدث لي حدث كان لي أجر شهر قال وسمعته يقول قسم وكأن البخاري حذف هذه الزيادة لكونها موقوفة وقد أخرج بهذا الإسناد في الصلاة التحريض على صيام ثلاثة أيام من كل شهر مرفوعا وأخرجه في الصيام من وجه آخر عن أبي عثمان وهو السبب في سؤال أبي عثمان أبا هريرة عن كيفية صومه يعني من أي الشهر تصم الثلاث المذكورة وقد سبق بيان ذلك في كتاب الصيام قوله إحداهن حشفة زاد في الرواية الماضية فلم يكن فيهن تمرة أعجب إلى منها الحديث وقد تقدم شرحه هناك قوله في الرواية الثانية أربع تمر بالرفع والتنوين فيهما وهو واضح وفي رواية أربع تمرة بزيادة هاء في آخره أي كل واحدة من الأربع تمرة قال الكرماني فإن وقع بالإضافة والجر فشاذ على خلاف القياس وإنما جاء في مثل ثلاثمائة وأربع مائة قوله وحشفة بمهملة ثم معجمة مفتوحتين ثم فاء أي رديئة والحشف رديء التمر وذلك أن تيبس الرطبة في النخلة قبل أن ينتهي طيبها وقيل لها حشفة ليبسها وقيل مراده صلبة قال عياض فعلى هذا فهو بسكون الشين قلت بل الثابت في الروايات بالتحريك ولا منافاة بين كونها رديئة وصلبة تنبيه أخرج الإسماعيلي طريق عاصم من حديث أبي يعلى عن محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا بسند البخاري فيه وزاد في آخره قال أبو هريرة أن ابخل الناس من بخل بالسلام واعجز الناس من عجز عن الدعاء وهذا موقوف صحيح عن أبي هريرة وكأن البخاري حذفه لكونه موقوفا ولعدم تعلقه بالباب وقد روى مرفوعا والله أعلم

قوله باب الرطب والتمر كذا للجميع فيما وقفت عليه الا بن بطال ففيه باب الرطب بالتمر وقع فيه بموحدة بدل الواو ووقع لعياض في باب ح ل أن في البخاري باب أكل التمر بالرطب وليس في حديثي الباب ما يدل لذلك أصلا قوله وقول الله تعالى وهزي إليك بجذع النخلة الآية وروى عبد بن حميد من طريق شقيق بن سلمة قال لو علم الله أن شيئا للنفساء خير من الرطب لأمر مريم به ومن طريق عمرو بن ميمون قال ليس للنفساء خير من الرطب أو التمر ومن طريق الربيع بن خيثم قال ليس للنفساء مثل الرطب ولا للمريض مثل العسل اسانيدها صحيحة وأخرج بن أبي حاتم وأبو يعلى من حديث علي رفعه قال أطعموا نفساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم وفي إسناده ضعف وقد قرأ الجمهور تساقط بتشديد السين وأصله تتساقط وقراءة حمزة وهي رواية عن أبي عمرو التخفيف على حذف إحدى التاءين وفيها قراءات أخرى في الشواذ ثم ذكر فيه حديثين الأول حديث عائشة

[ 5127 ] قوله وقال محمد بن يوسف هو الفريابي شيخ البخاري وسفيان هو الثوري وقد تقدم الحديث وشرحه في أوائل الأطعمة من طريق أخرى عن منصور وهو بن عبد الرحمن بن طلحة العبدري ثم الشيبي الحجبي وأمه هي صفية بنت شيبة من صغار الصحابة وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق ومن رواية بن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري مثله وأخرجه مسلم من رواية أبي أحمد الزبيري عن سفيان بلفظ وما شبعنا والصواب رواية الجماعة فقد أخرجه أحمد ومسلم أيضا من طريق داود بن عبد الرحمن عن منصور بلفظ حين شبع الناس وإطلاق الأسود على الماء من باب التغليب وكذا إطلاق الشبع موضع الري والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فتسميهما معا باسم الأشهر منهما وأما التسوية بين الماء والتمر مع أن الماء كان عندهم متيسرا لأن الري منه لا يحصل بدون الشبع من الطعام لمضرة شرب الماء صرفا بغير أكل لكنها قرنت بينهما لعدم التمتع بأحدهما إذا فات ذلك من الآخر ثم عبرت عن الامرين الشبع والري بفعل أحدهما كما عبرت عن التمر والماء بوصف أحدهما وقد تقدم شيء من هذا في باب من أكل حتى شبع الثاني حديث جابر

[ 5128 ] قوله ابو غسان هو محمد بن مطرف وأبو حازم هو سلمة بن دينار قوله عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة هو المخزومي واسم أبي ربيعة عمرو ويقال حذيفة وكان يلقب ذا الرمحين وعبد الله بن أبي ربيعة من مسلمة الفتح وولي الجند من بلاد اليمن لعمر فلم يزل بها إلى أن جاء سنة حصر عثمان لينصره فسقط عن راحلته فمات ولإبراهيم عنه رواية في النسائي قال أبو حاتم أنها مرسلة وليس لإبراهيم في البخاري سوى هذا الحديث وأمه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وله رواية عن أمة وخالته عائشة قوله كان بالمدينة يهودي لم اقف على اسمه قوله وكان يسلفني في تمري إلى الجذاذ بكسر الجيم ويجوز فتحها والذال معجمة ويجوز اهمالها أي زمن قطع ثمر النخل وهو الصرام وقد استشكل الإسماعيلي ذلك وأشار إلى شذوذ هذه الرواية فقال هذه القصة يعني دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في النخل بالبركة رواها الثقات المعروفون فيما كان علي والد جابر من الدين وكذا قال بن التين الذي في أكثر الأحايث أن الدين كان على والد جابر قال الإسماعيلي والسلف إلى الجذاذ مما لا يجيزه البخاري وغيره وفي هذا الإسناد نظر قلت ليس في الإسناد من ينظر في حاله سوى إبراهيم وقد ذكره بن حبان في ثقات التابعين وروى عنه أيضا ولده إسماعيل والزهري وأما بن القطان فقال لا يعرف حاله وأما السلف إلى الجذذ فيعارضه الأمر بالسلم إلى أجل معلوم فيحمل على أنه وقع ف الاقتصار على الجذاذ اختصار وأن الوقت كان في أصل العقد معينا وأما الشذوذ الذي أشار إليه فيندفع بالتعدد فإن في السياق اختلافا ظاهرا فهو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم برك في النخل المخلف عن والد جابر حتى وفي ما كان على أبيه من التمر كما تقدم بيان طرقه واختلاف ألفاظه في علامات النبوة ثم برك أيضا في النخل المختص بجابر فيما كان عليه هو من الدين والله أعلم قوله وكانت لجابر الأرض التي بطريق رومة فيه التفات أو هو مدرج من كلام الراوي لكن يرده ويعضد الأول أن في رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق الرمادي عن سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري فيه وكانت لي الأرض التي بطريق رومة ورومة بضم الراء وسكون الواو هي البئر التي اشتراها عثمان رضي الله عنه وسبلها وهي في نفس المدينة وقد قيل أن رومة رجل من بني غفار كانت له البئر قبل أن يشتريها عثمان نسبت إليه ونقل الكرماني أن في بعض الروايات دومة بدال بدل الراء قال ولعلها دومة الجندل قلت وهو باطل فإن دومة الجندل لم تكن إذ ذاك فتحت حتى يمكن أن يكون لجابر فيها أرضا وأيضا ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى أرض جابر وأطعمه من رطبها ونام فيها وقام فبرك فيها حتى اوفاه فلو كانت بطريق دومة الجندل لاحتاج إلى السفر لأن بين دومة الجندل وبين المدينة عشر مراحل كما بينه أبو عبيد البكري وقد أشار صاحب المطالع إلى أن دومة هذه هي بئر رومة التي اشتراها عثمان وسبلها وهي داخل المدينة فكأن أرض جابر كانت بين المسجد النبوي ورومة قوله فجلست فخلا عاما قال عياض كذا للقابسي وأبي ذر وأكثر الرواة الجيم واللام قال وكان أبو مروان بن سراج يصوب هذه الرواية الا أنه يضبطها فجلست أي بسكون السين وضم التاء على أنها مخاطبة جابر وتفسيره أي تأخرت عن القضاء فخلا بفاء معجمة ولام مشددة من التخلية أو مخففة من الخلو أي تأخر السلف عاما قال عياض لكن ذكر الأرض أول الحديث يدل على أن الخبر عن الأرض لا عن نفسه انتهى فاقتضى ذلك ان ضبط الرواية عند عياض بفتح السين المهملة وسكون التاء والضمير للأرض وبعده نخلا بنون ثم معجمة ساكنة أي تأخرت الأرض عن الاثمار من جهة النخل قال ووقع للاصيلي فحبست بحاء مهملة ثم موحدة وعند أبي الهيثم فخاست بعد الخاء المعجمة ألف أي خالفت معهودها وحملها يقال خاس عهده إذا خانه أو تغير عن عادته وخاس الشيء إذا تغير قال وهذه الرواية أثبتها قلت وحكى غيره خنست بخاء معجمة ثم نون أي تأخرت ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج بهذه الصورة فما أدري بحاء مهلمة ثم موحدة أو بمعجمة ثم نون وفي رواية الإسماعيلي فخنست علي عاما واظنها بمعجمة ثم سين مهملة ثقيلة وبعدها على بفتحتين وتشديد التحتانية فكأن الذي وقع في الأصل بصورة نخلا وكذا فخلا تصحيف من هذه اللفظة وهي على كتب الياء بألف ثم حرف العين والعلم عند الله ووقع في رواية أبي ذر عن المستملي قال محمد بن يوسف هو الفربري قال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال محمد بن إسماعيل وهو البخاري فخلا ليس عندي مقيدا أي مضبوطا ثم قال فخلا ليس فيه شك قلت وقد تقدم توجيهه لكني وجدته في النسخة يجيم وبالخاء بالمعجمة أظهر قوله ولم أجد بفتح الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال قوله استنظره أي استمهله إلى قابل أي إلى عام ثان قوله فأخبر بضم الهمزة وكسر الموحدة وفتح الراء على الفعل الماضي المبني للمجهول ويحتمل أن يكون بضم الراء على صيغة المضارعة والفاعل جابر وذكره كذلك مبالغة في استحضار صورة الحال ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج فأخبرت قوله فيقول أبا القاسم لا انظره كذا فيه بحذف أداة النداء قوله أين عريشك أي المكان الذي اتخذته في البستان لتستظل به وتقيل فيه وسيأتي الكلام عليه في آخر الحديث قوله فجئته بقبضة أخرى أي من رطب قوله فقام في الرطاب في النخل الثانية أي المرة الثانية وفي رواية أبي نعيم فقام فطاف بدل قوله في الرطاب قوله ثم قال يا جابر جذ فعل أمر بالجذاذ واقض أي أوف قوله فقال أشهد إني رسول الله قال ذلك صلى الله عليه وسلم لما فيه من خرق العادة الظاهر من ايفاء الكثير من القليل الذي لم يكن يظن أنه يوفى منه البعض فضلا عن الكل فضلا عن أن تفضل فضلة فضلا عن أن يفضل قدر الذي كان عليه من الدين قوله عرش وعريش بناء وقال بن عباس معروشات ما يعرش من الكرم وغير ذلك يقال عروشها ابنيتها ثبت هذا في رواية المستملي والنقل عن بن عباس في ذلك تقدم موصولا في أول سورة الأنعام وفيه النقل عن غيره بان المعروش من الكرم ما يقوم على ساق وغير المعروش ما يبسط على وجه الأرض وقوله عرش وعريش بناء هو تفسير أبي عبيدة وقد تقدم نقله عنه في تفسير الأعراف وقوله عروشها ابنيتها هو تفسير قوله خاوية على عروشها وهو تفسير أبي عبيدة أيضا والمراد هنا تفسير عرش جابر الذي رقد النبي صلى الله عليه وسلم فالأكثر على أن المراد به ما يستظل به وقيل المراد به السرير قال بن التين في الحديث إنهم كانوا لا يخلون من دين لقلة الشيء إذ ذاك عندهم وأن الاستعاذة من الدين أريد بها الكثير منه أو ما لا يجد له وفاء ومن ثم مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير أخذه لأهله وفيه زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ودخول البساتين والقيلولة فيها والاستظلال بظلالها والشافعة في انظار الواجد غير العين التي استحقت عليه ليكون أرفق به

قوله باب أكل الجمار بضم الجيم وتشديد الميم ذكر فيه حديث بن عمر في النخلة وقد تقدم شرحه في كتاب العلم مستوفى وتقدم الكلام على خصوص الترجمة بأكل الجمار في كتاب البيوع

قوله باب العجوة بفتح العين المهملة وسكون الجيم نوع من التمر معروف

[ 5130 ] قوله حدثنا جمعة بضم الجيم وسكون الميم بن عبد الله أي بن زياد بن شداد السلمي أبو بكر البلخي يقال أن اسمه يحيى وجمعه لقبه ويقال له أيضا أبو خاقان كان من أئمة الرأي أولا ثم صار من أئمة الحديث قاله بن حبان في الثقات ومات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وما له في البخاري بل ولا في الكتب الستة سوى هذا الحديث وسيأتي شرح حديث العجوة في كتاب الطب إن شاء الله تعالى وقوله هنا من تصبح كل يوم سبع تمرات وقع في نسخة الصغاني بزيادة الباء في أوله فقال بسبع

قوله باب القرآن بكسر القاف وتخفيف الراء أي ضم تمرة إلى تمرة لمن أكل مع جماعة

[ 5131 ] قوله جبلة بفتح الجيم والموحدة الخفيفة قوله بن سحيم بمهملتين مصغر كوفي تابعي ثقة ما له في البخاري عن غير بن عمر رضي الله عنهما شيء قوله اصابنا عام سنة بالإضافة أي عام قحط وقع في رواية أبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة اصابتنا مخمصة قوله مع بن الزبير يعني عبد الله لما كان خليفة وتقدم في المظالم من وجه آخر عن شعبة بلفظ كنا بالمدينة في بعض أهل العراق قوله فرزقنا تمرا أي أعطانا في ارزاقنا تمرا وهو القدر الذي يصرف لهم في كل سنة من مال الخراج وغيره بدل النقد تمرا لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة التي حصلت قوله ويقول لا تقارنوا في رواية أبي الوليد في الشركة فيقول لا تقرنوا وكذا لأبي داود الطيالسي في مسنده قوله عن الأقران كذا لأكثر الرواة وقد أوضحت في كتاب الحج أن اللغة الفصحى بغير ألف وقد أخرجه أبو داود الطيالسي بلفظ القرآن وكذلك قال أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة وقال عن محمد بن جعفر عن شعبة الأقران قال القرطبي ووقع عند جميع رواة مسلم الأقران وفي ترجمة أبي داود باب الأقران في التمر وليست هذه اللفظة معروفة واقرن من الرباعي وقرن من الثلاثي وهو الصواب قال الفراء قرن بين الحج والعمرة ولا يقال اقرن وإنما يقال اقرن لما قوي عليه واطاقه ومنه قوله تعالى وما كنا له مقرنين قال لكن جاء في اللغة اقرن الدم في العرق أي كثر فيحمل حمل الأقران في الخبر على ذلك فيكون معناه أنه نهى عن الإكثار من أكل التمر إذا كان مع غيره ويرجع معناه إلى القرآن المذكور قلت لكن يصير أعم منه والحق أن هذه اللفظة من اختلاف الرواة وقد ميز أحمد بين من رواه بلفظ اقرن وبلفظ قرن من أصحاب شعبة وكذا قال الطيالسي عن شعبة القرآن ووقع في رواية الشيباني الأقران وفي رواية مسعر القرآن قوله ثم يقول الا أن يستأذن الرجل أخاه أي فإذا إذن له في ذلك جاز والمراد بالأخ رفيقه الذي اشترك معه في ذلك التمر قوله قال شعبة الإذن من قول بن عمر هو موصول بالسند الذي قبله وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة مدرجا وكذا تقدم في الشركة عن أبي الوليد وللإسماعيلي وأصله لمسلم كذلك عن معاذ بن معاذ وكذا أخرجه أحمد عن يزيد وبهز وغيرهما عن شعبة وتابع آدم على فصل الموقوف من المرفوع شبابة بن سوار عن شعبة أخرجه الخطيب من طريقه مثل ما ساقه آدم إلى قوله الأقران قال بن عمر الا أن يستأذن الرجل منكم أخاه وكذا قال عاصم بن علي عن شعبة أرى الإذن من قول بن عمر أخرجه الخطيب وقد فصله أيضا عن شعبة سعيد بن عامر الضبعي فقال في روايته قال شعبة الا أن يستأذن أحدكم أخاه هو من قول بن عمر أخرجه الخطيب أيضا الا أن سعيدا أخطأ في اسم التابعي فقال عن شعبة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر والمحفوظ جبلة بن سحيم كما قال الجماعة والحاصل أن أصحاب شعبة اختلفوا فأكثرهم رواه عنه مدرجا وطائفة منهم رووا عنه التردد في كون هذه الزيادة مرفوعة أو موقوفة وشبابة فصل عنه وآدم جزم عنه بأن الزيادة من قول بن عمر وتابعه سعيد بن عامر الا أنه خالف في التابعي فلما اختلفوا على شعبة وتعارض جزمه وتردده وكان الذي رووا عنه التردد أكثر نظرنا فيمن رواه غيره من التابعين فرأيناه قد ورد عن سفيان الثوري وابن إسحاق الشيباني ومسعر وزيد بن أبي أنيسة فأما الثوري فتقدمت روايته في الشركة ولفظه نهى أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه وهذا ظاهره الرفع مع احتمال الادراج وأما رواية الشيباني فأخرجها أحمد وأبو داود بلفظ نهى عن الأقران الا أن تستأذن أصحابك والقول فيها كالقول في رواية الثوري وأما رواية زيد بن أبي أنيسة فأخرجها بن حبان في النوع الثامن والخمسين من القسم الثاني من صحيحه بلفظ من أكل مع قوم من تمر فلا يقرن فإن أراد أن يفعل ذلك فليستأذنهم فإن أذنوا فليفعل وهذا أظهر في الرفع مع احتمال الادراج أيضا ثم نظرنا فيمن رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير بن عمر فوجدناه عن أبي هريرة وسياقه يقتضي أن الأمر بالاستئذان مرفوع وذلك أن إسحاق في مسنده ومن طريقه بن حبان اخرجا من طريق الشعبي عن أبي هريرة قال كنت في أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر عجوة فكب بيننا فكنا نأكل الثنتين من الجوع فجعل أصحابنا إذا قرن أحدهم قال صاحبه إني قد قرنت فاقرنوا وهذا الفعل منهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دال على أنه كان مشروعا لهم معروفا وقول الصحابي كنا نفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كذا له حكم الرفع عند الجمهور وأصرح منه ما أخرجه البزار من هذا الوجه ولفظه قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا بين اصحابه فكان بعضهم يقرن فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الا بأذن أصحابه فالذي ترجح عندي أن لا ادراج فيه وقد اعتمد البخاري هذه الزيادة وترجم عليها في كتاب المظالم وفي الشركة ولا يلزم من كون بن عمر ذكر الإذن مرة غير مرفوع أن لا يكون مستنده فيه الرفع وقد ورد أنه استفتى في ذلك فأفتى والمفتي قد لا ينشط في فتواه إلى بيان المستند فأخرج النسائي من طريق مسعر عن صلة قال سئل بن عمر عن قران التمر قال لا تقرن الا أن تستأذن أصحابك فيحمل على أنه لما حدث بالقصة ذكرها كلها مرفوعة ولما استفتى أفتي بالحكم الذي حفظه على وقفه ولم يصرح حينئذ برفعه والله أعلم وقد اختلف في حكم المسألة قال النووي اختلفوا في هذا النهي هل هو على التحريم أو الكراهة والصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران حرام الا برضاهم ويحصل بتصريحهم أو بما يقوم مقامه من قرينة حال بحيث يغلب على الظن ذلك فإن كان الطعام لغيرهم حرم وأن كان لأحدهم وأذن لهم في الأكل اشترط رضاه ويحرم لغيره ويجوز له هو الا أنه يستحب أن يستأذن الاكلين معه وحسن للمضيف أن لا يقرن ليساوي ضيفه الا أن كان الشيء كثيرا يفضل عنهم مع أن الأدب في الأكل مطلقا ترك ما يقتضي الشره الا أن يكون مستعجلا يريد الإسراع لشغل آخر وذكر الخطابي أن شرط هذا الاستئذان إنما كان في زمنهم حيث كانوا في قلة من الشيء فأما اليوم مع اتساع الحال فلا يحتاج إلى استئذان وتعقبه النووي بأن الصواب التفصيل لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كيف وهو غير ثابت قلت حديث أبي هريرة الذي قدمته يرشد إليه وهو قوي وقصة بن الزبير في حديث الباب كذلك وقال بن الأثير في النهاية إنما وقع النهي عن القرآن لأن فيه شرها وذلك يزري بصاحبه أو لأن فيه غبنا برفيقة وقيل إنما نهى عنه لما كانوا فيه من شدة العيش وقلة الشيء وكانوا مع ذلك يواسون من القليل وإذا اجتمعوا ربما أثر بعضهم بعضا وقد يكون فيهم من أشتد جوعه حتى يحمله ذلك على القرن بين التمرتين أو تعظيم اللقمة فأرشدهم إلى الاستئذان في ذلك تطييبا لنفوس الباقين وأما قصة جبلة بن سحيم فظاهرها أنها من أجل الغيب ولكون ملكهم فيه سواء وروى نحوه عن أبي هريرة في أصحاب الصفة انتهى وقد أخرج بن شاهين في الناسخ والمنسوخ وهو في مسند البزار من طريق بن بريدة عن أبيه رفقه كنت نهيتكم عن القرآن في التمر وأن الله وسع عليكم فاقرنوا فلعل النووي أشار إلى هذا الحديث فإن في إسناده ضعفا قال الحازمي حديث النهي أصح وأشهر الا أن الخطب فيه يسير لأنه ليس من باب العبادات وإنما هو من قبيل المصالح الدنيوية فيكتفى فيه بمثل ذلك ويعضده إجماع الأمة على جواز ذلك كذا قال ومراده بالجواز في حال كون الشخص مالكا لذلك المأكول ولو بطريق الإذن له فيه كما قرره النووي وإلا فلم يجز أحد من العلماء أن يستأثر أحد بمال غيره بغير إذنه حتى لو قامت قرينة تدل على أن الذي وضع الطعام بين الضيفان لا يرضيه استئثار بعضهم على بعض حرم الاستئثار جزما وإنما تقع المكارمة في ذلك إذا قامت قرينة الرضا وذكر أبو موسى المديني في ذيل الغريبين عن عائشة وجابر استقباح القرآن لما فيه من الشره والطمع المزري بصاحبه وقال مالك ليس بجميل أن يأكل أكثر من رفقته تنبيه في معنى التمر الرطب وكذا الزبيب والعنب ونحوهما لوضوح العلة الجامعة قال القرطبي حمل أهل الظاهر هذا النهي على التحريم وهو سهو منهم وجهل بمساق الحديث وبالمعنى وحمله الجمهور على حال المشاركة في الأكل والاجتماع عليه بدليل فهم بن عمر راوية وهو أفهم للمقال واقعد بالحال وقد اختلف العلماء فيمن يوضع الطعام بين يديه متى يملكه فقيل بالوضع وقيل بالرفع إلى فيه وقيل غير ذلك فعلى الأول فملكهم فيه سواء فلا يجوز أن يقرن الا بإذن الباقين وعلى الثاني يجوز أن يقرن لكن التفصيل الذي تقدم هو الذي تقتضيه القواعد الفقهية نعم ما يوضع بين يدي الضيفان وكذلك النثار في الاعراس سبيله في العرف سبيل المكارمة لا التشاح لاختلاف الناس في مقدار الأكل وفي الاحتياج إلى التناول من الشيء ولو حمل الأمر على تساوي السهمان بينهم لضاق الأمر على الواضع والموضوع له ولما ساغ لمن لا يكفيه اليسير أن يتناول أكثر من نصيب من يشبعه اليسير ولما لم يتشاح الناس في ذلك وجرى عملهم على المسامحة فيه عرف أن الأمر في ذلك ليس على الإطلاق في كل حالة والله أعلم

قوله باب القثاء يأتي شرح حديثه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى

قوله باب بركة النخلة ذكر فيه حديث بن عمر مختصرا وقد تقدم التنبيه عليه قريبا وأنه مر شرحه مستوفى في كتاب العلم

قوله باب جمع اللونين أو الطعامين بمرة أي في حالة واحدة ورأيت في بعض الشروح بمرة مرة ولم أر التكرار في الأصول ولعل البخاري لمح إلى تضعيف حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بإناء أو بقعب فيه لبن وعسل فقال أدمان في إناء لا آكله ولا أحرمه أخرجه الطبراني وفيه راو مجهول

[ 5134 ] قوله عبد الله هو بن المبارك وقد تقدم إخراج البخاري لهذا الحديث قبل هذا الباب سواء وكذا فيما قبله بأبواب بأعلى من هذا درجة والسبب في ذلك أن مداره على إبراهيم بن سعد قال الترمذي صحيح غريب لا نعرفه الا من حديثه قوله يأكل الرطب بالقثاء وقع في رواية الطبراني كيفية أكله لهما فأخرج في الأوسط من حديث عبد الله بن جعفر قال رأيت في يمين النبي صلى الله عليه وسلم قثاء وفي شماله رطبا وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة وفي سنده ضعف وأخرج فيه وهو في الطب لأبي نعيم من حديث أنس كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ وكان أحب الفاكهة إليه وسنده ضعيف أيضا وأخرج النسائي بسند صحيح عن حميد عن أنس رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرطب والخريز وهو بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر الموحدة بعدها زاي نوع من البطيخ الأصفر وقد تكبر القثاء فتصفر من شدة الحر فتصير كالحريز كما شاهدته كذلك بالحجاز وفي هذا تعقب على من زعم أن المراد بالبطيخ في الحديث الأخضر واعتل بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب وقد ورد التعليل بأن أحدهما يطفئ حرارة الآخر والجواب عن ذلك بأن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة وأن كان فيه لحلاوته طرف حرارة والله أعلم وفي النسائي أيضا بسند صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل البطيخ بالرطب وفي رواية له جمع بين البطيخ والرطب جميعا وأخرج بن ماجة عن عائشة أرادت أمي تعالجني للسمنة لتدخلني على النبي صلى الله عليه وسلم فما استقام لها ذلك حتى أكلت الرطب بالقثاء فسمنت كأحسن سمنة وللنسائي من حديثها لما تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم عالجوني بغير شيء فاطعموني القثاء بالتمر فسمنت عليه كأحسن الشحم وعند أبي نعيم في الطب من وجه آخر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبويها بذلك ولابن ماجة من حديث ابني بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الزبد والتمر الحديث ولأحمد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه قال دخلت على رجل وهو يتمجع لبنا بتمر فقال ادن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماهما الاطيبين وإسناده قوي قال النووي في حديث الباب جواز أكل الشيئين من الفاكهة وغيرها معا وجواز أكل طعامين معا ويؤخذ منه جواز التوسع في المطاعم ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك وما نقل عن السلف من خلاف هذا محمول على الكراهة منعا لاعتياد التوسع والترفة والاكثار لغير مصلحة دينية وقال القرطبي يؤخذ منه جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه اللائق بها على قاعدة الطب لأن في الرطب حرارة وفي القثاء برودة فإذا أكلا معا اعتدلا وهذا أصل كبير في المركبات من الأدوية وترجم أبو نعيم في الطب باب الأشياء التي تؤكل مع الرطب ليذهب ضرره فساق هذا الحديث لكن لم يذكر الزيادة التي ترجم بها وهي عند أبي داود في حديث عائشة بلفظ كان يأكل البطيخ بالرطب فيقول يكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا والطبيخ بتقديم الطاء لغة في البطيخ بوزنه والمراد به الأصفر بدليل ورود الحديث بلفظ الخريز بدل البطيخ وكان يكثر وجوده بأرض الحجاز بخلاف البطيخ الأخضر تنبيه سقطت هذه الترجمة وحديثها من رواية النسفي ولم يذكرهما الإسماعيلي أيضا

قوله باب من ادخل الضيفان عشرة عشرة والجلوس على الطعام عشرة عشرة أي إذا احتيج إلى ذلك لضيق الطعام أو مكان الجلوس عليه

[ 5135 ] قوله عن الجعد أبي عثمان عن أنس وعن هشام عن محمد عن أنس وعن سنان أبي ربيعة عن أنس هذه الأسانيد الثلاثة لحماد بن زيد وهشام هو بن حسان ومحمد هو بن سيرين وسنان أبو ربيعة قال عياض وقع في رواية بن السكن سنان بن أبي ربيعة وهو خطأ وإنما هو سنان أبو ربيعة وأبو ربيعة كنيته قلت الخطأ فيه ممن دون بن السكن وسنان هو بن ربيعة وهو أبو ربيعة وافقت كنيته اسم أبيه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وهو مقرون بغيره وقد تكلم فيه بن معين وأبو حاتم وقال بن عدي له أحاديث قليلة وأرجو أنه لا بأس به قوله جشته بجيم وشين معجمة أي جعلته جشيشا والجشيش دقيق غير ناعم قوله خطيفة بخاء معجمة وطاء مهملة وزن عصيدة ومعناه كذا تقدم الجزم به في علامات النبوة وقيل أصله أن يؤخذ لبن ويدر عليه دقيق ويطبخ ويلعقها الناس فيخطفونها بالأصابع والملاعق فسميت بذلك وهي فعيلة بمعنى مفعولة وقد تقدم شرح هذه القصة مستوفى في علامات النبوة وسياق الحديث هناك أتم مما هنا وقوله في هذه الرواية إنما هو شيء صنعته أم سليم أي هو شيء قليل لأن الذي يتولى صنعته امرأة بمفردها لا يكون كثيرا في العادة وقد قدمت في علامات النبوة أن في بعض روايات مسلم ما يدل على أن في سياق الباب هنا اختصارا مثل قوله في رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فقال أبو طلحة يا رسول الله إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى وفي رواية عمرو بن عبد الله عن أنس فقال أبو طلحة إنما هو قرص فقال أن الله سيبارك فيه قال بن بطال الاجتماع على الطعام من أسباب البركة وقد روى أبو داود من حديث وحشي بن حرب رفعه اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم قال وإنما أدخلهم عشرة عشرة والله أعلم لأنها كانت قصعة واحدة ولا يمكن الجماعة الكثيرة أن يقدروا على التناول منها مع قلة الطعام فجعلهم عشرة عشرة ليتمكنوا من الأكل ولا يزدحموا قال وليس في الحديث المنع عن اجتماع أكثر من عشرة على الطعام

قوله باب ما يكره من الثوم والبقول أي التي لها رائحة كريهة وهل النهي عن دخول المسجد لاكلها على التعميم أو على من أكل النيء منها دون المطبوخ وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصلاة ثم ذكر المصنف ثلاثة أحاديث أحدها قوله فيه بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة من رواية نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا ووقع لنا سبب هذا الحديث فأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الأطعمة من رواية أبي عمرو هو بشر بن حرب عنه قال جاء قوم مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقد أكلوا الثوم والبصل فكأنه تأذى بذلك فقال فذكره ثانيها حديث أنس أورده عن مسدد وتقدم في الصلاة عن أبي معمر كلاهما عن عبد الوارث وهو بن سعيد عن عبد العزيز هو بن صهيب ثالثها حديث جابر وقد تقدم أيضا هناك موصولا ومعلقا وفيه ذكر البقول ولكنه اختصره هنا وقوله كل فإني اناجي من لا تناجي فيه إباحته لغيره صلى الله عليه وسلم حيث لا يتأذى به المصلون جمعا بين الأحاديث واختلف في حقه هو صلى الله عليه وسلم فقيل كان ذلك محرما عليه والأصح انه مكروه لعموم قوله لا في جواب احرام هو وحجة الأول أن العلة في المنع ملازمة الملك له صلى الله عليه وسلم وأنه ما من ساعة الا وملك يمكن أن يلقاه فيها وفي هذه الأحاديث بيان جواز أكل الثوم والبصل والكراث الا أن من أكلها يكره له حضور المسجد وقد الحق بها الفقهاء ما في معناها من البقول الكريهة الرائحة كالفجل وقد ورد فيه حديث في الطبراني وقيده عياض بمن يتجشى منه والحق به بعض الشافعية الشديد البخر ومن به جراحه تفوح رائحتها واختلف في الكراهية فالجمهور على التنزيه وعن الظاهرية التحريم وأغرب عياض فنقل عن أهل الظاهر تحريم تناول هذه الأشياء مطلقا لأنها تمنع حضور الجماعة والجماعة فرض عين ولكن صرح بن حزم بالجواز ثم يحرم على من يتعاطى ذلك حضور المسجد وهو أعلم بمذهبه من غيره

قوله باب الكباث بفتح الكاف وتخفيف الموحدة وبعد الألف مثلثة قوله وهو ورق الأراك كذا وقع في رواية أبي ذر عن مشايخه وقال كذا في الرواية والصواب ثمر الأراك انتهى ووقع للنسفي ثمر الأراك وللباقين على الوجهين ووقع عند الإسماعيلي وأبي نعيم وابن بطال ورق الأراك وتعقبه الإسماعيلي فقال إنما هو ثمر الأراك وهو البرير يعني بموحدة وزن الحرير فإذا أسود فهو الكباث وقال بن بطال الكباث ثمر الأراك الغض منه والبرير ثمرة الرطب واليابس وقال بن التين قوله ورق الأراك ليس بصحيح والذي في اللغة أنه ثمر أراك وقيل هو نضيجه فإذا كان طريا فهو موز وقيل عكس ذلك وأن الكباث الطري وقال أبو عبيد هو ثمر الأراك إذا يبس وليس له عجم قال أبو زياد يشبه التين يأكله الناس والإبل والغنم وقال أبو عمرو هو حار كأن فيه ملحا انتهى وقال عياض الكباث ثمر الأراك وقيل نضيجه وقيل غضه قال شيخنا بن المقلن والذي رأيناه من نسخ البخاري وهو ثمر الأراك على الصواب كذا قال وقال الكرماني وقع في نسخة البخاري وهو ورق الأراك قيل وهو خلاف اللغة

[ 5138 ] قوله بمر الظهران بتشديد الراء قبلها ميم مفتوحة والظاء معجمة بلفظ تثنية الظهر مكان معروف على مرحلة من مكة قوله نجنى أي نقتطف قوله فإنه اطيب كذا وقع هنا وهو لغة بمعنى أطيب وهو مقلوبه كما قالوا جذب وجبذ قوله فقيل أكنت ترعى الغنم في السؤال اختصار والتقدير أكنت ترعى الغنم حتى عرفت أطيب الكباث لأن راعي الغنم يكثر تردده تحت الأشجار لطلب المرعى منها والاستظلال تحتها وقد تقدم بيان ذلك في قصة موسى من أحاديث الأنبياء وتقدم الكلام على الحكمة في رعي الأنبياء الغنم في أوائل الإجارة وأفاد بن التين عن الداودي أن الحكمة في اختصاصها بذلك لكونها لا تركب فلا تزهو نفس راكبها قال وفيه إباحة أكل ثمر الشجر الذي لا يملك قال بن بطال كان هذا في أول الإسلام عند عدم الاقوات فإذا قد أغنى الله عباده بالحنطة الحبوب الكثيرة وسعة الرزق فلا حاجة بهم إلى ثمر الأراك قلت أن أراد بهذا الكلام الإشارة إلى كراهة تناوله فليس بمسلم ولا يلزم من وجود ما ذكر منع ما أبيح بغير ثمن بل كثير من أهل الورع لهم رغبة في مثل هذه المباحات أكثر من تناول ما يشتري والله أعلم تكملة أخرج البيهقي هذا الحديث في كتاب الدلائل من طريق عبيد بن شريك عن يحيى بن بكير بسنده الماضي في أحاديث الأنبياء إلى جابر فذكر هذا الحديث وقال في آخره وقال أن ذلك كان يوم بدر يوم جمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان قال البيهقي رواه البخاري عن يحيى بن بكير دون التاريخ يعني دون قوله أن ذلك كان الخ وهو كما قال ولعل هذه الزيادة من بن شهاب أحد رواته

قوله باب المضمضة بعد الطعام ذكر فيه حديث سويد بن النعمان في المضمضة بعد السويق وساقه بسند واحد بلفظين قال في أحدهما فأكلنا وزاد في الآخر فلكناه وقد تقدم بإسناده ومتنه في أوائل الأطعمة وقال في آخره هناك قال سمعته منه عودا على بدء وقال في آخره هنا قال سفيان كأنك تسمعه من يحيى بن سعيد وهو محمول على أن عليا وهو بن المديني سمعه من سفيان مرارا فربما غير في بعضها بعض الألفاظ

قوله باب لعق الأصابع ومصها قبل أن تمسح بالمنديل كذا قيده بالمنديل وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرق الحديث كما أخرجه مسلم من طريق سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بلفظ فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه لكن حديث جابر المذكور في الباب الذي يليه صريح في إنهم لم يكن لهم مناديل ومفهومه يدل على إنهم لو كانت لهم مناديل لمسحوا بها فيحمل حديث النهي على من وجد ولا مفهوم له بل الحكم كذلك لو مسح بغير المنديل وأما قوله في الترجمة ومصها فيشير إلى ما وقع في بعض طرقه عن جابر أيضا وذلك فيما أخرجه بن أبي شيبة من رواية أبي سفيان عنه بلفظ إذا طعم أحدكم فلا يمسح يده حتى يمصها وذكر القفال في محاسن الشريعة أن المراد بالمنديل هنا المنديل المعد لإزالة الزهومة لا المنديل المعد للمسح بعد الغسل

[ 5140 ] قوله عن عمرو بن دينار عن عطاء في رواية الحميدي ومن طريقه الإسماعيلي حدثنا عمر بن دينار أخبرني عطاء قوله عن بن عباس في رواية بن جريج عند مسلم سمعت عطاء سمعت بن عباس زاد بن أبي عمر في روايته عن سفيان سمعت عمر بن قيس يسأل عمرو بن دينار عن هذا الحديث فقال هو عن بن عباس قال فإن عطاء حدثناه عن جابر قال حفظناه عن عطاء عن بن عباس قبل أن يقدم علينا جابر اه وهذا أن كان عمر بن قيس حفظه احتمل أن يكون عطاء سمعه من جابر بعد أن سمعه من بن عباس ويؤيده ثبوته من حديث جابر عند مسلم وأن كان من غير طريق عطاء وفي سياقه زيادة ليست في حديث بن عباس ففي أوله إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان ثم ذكر حديث الباب وفي آخره زيادة أيضا سأذكرها فلعل ذلك سبب أخذ عطاء له عن جابر قوله إذا أكل أحدكم زاد مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة واخرين عن سفيان طعاما وفي رواية بن جريج إذا أكل أحدكم من الطعام قوله فلا يمسح يده في حديث كعب بن مالك عند مسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها فيحتمل أن يكون أطلق على الأصابع اليد ويحتمل وهو الأولى أن يكون المراد باليد الكف كلها فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها أو بأصابعه فقط أو ببعضها وقال بن العربي في شرح الترمذي يدل على الأكل بالكف كلها أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعرق العظم وينهش اللحم ولا يمكن ذلك عادة الا بالكف كلها وقال شيخنا فيه نظر لأنه يمكن بالثلاث سلمنا لكن هو ممسك بكفه لكها لا أكل بها سلمنا لكن محل الضرورة لا يدل على عموم الأحوال ويؤخذ من حديث كعب بن مالك أن السنة الأكل بثلاث أصابع وأن كان الأكل بأكثر منها جائزا وقد أخرج سعيد بن منصور عن سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه رأى بن عباس إذا أكل لعق أصابعه الثلاث قال عياض والأكل بأكثر منها من الشره وسوء الأدب وتكبير اللقمة ولأنه غير مضطر إلى ذلك لجمعه اللقمة وامساكها من جهاتها الثلاث فإن اضطر إلى ذلك لخفة الطعام وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة أو الخامسة وقد أخرج سعيد بن منصور من مرسل بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أكل بخمس فيجمع بينه وبين حديث كعب باختلاف الحال قوله حتى يلعقها بفتح أوله من الثلاثي أي يلعقها هو أو يلعقها بضم أوله من الرباعي أي يلعقها غيره قال النووي المراد العاق غيره ممن لا يتقذر ذلك من زوجة وجارية وخادم وولد وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد البركة بلعقها وكذا لو العقها شاة ونحوها وقال البيهقي أن قوله أو شك من الراوي ثم قال فإن كانا جميعا محفوظين فإنما أراد أن يلعقها صغيرا أو من يعلم أنه لا يتقذر بها ويحتمل أن يكون أراد أن يلعق أصبعه فمه فيكون بمعنى يلعقها يعني فتكون أو للشك قال بن دقيق العيد جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات فإنه لا يدري في أي طعامه البركة وقد يعلل بان مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق لكن إذا صح الحديث بالتعليل لم يعدل عنه قلت الحديث صحيح أخرجه مسلم في آخر حديث جابر ولفظه من حديث جابر إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما اصابها من أذى وليأكلها ولا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها فإنه لا يدري في أي طعامه البركة زاد فيه النسائي من هذا الوجه لولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها ولأحمد من حديث بن عمر نحوه بسند صحيح وللطبراني من حديث أبي سعيد نحوه بلفظ فإنه لا يدري في أي طعامه يبارك له ولمسلم نحوه من حديث أنس ومن حديث أبي هريرة أيضا والعلة المذكورة لا تمنع ما ذكره الشيخ فقد يكون للحكم علتان فأكثر والتنصيص على واحدة لا ينفي غيرها وقد ابدى عياض علة أخرى فقال إنما أمر بذلك لئلا يتهاون بقليل الطعام قال النووي معنى قوله في أي طعامه البركة أن الطعام الذي يحضر الإنسان فيه بركة لا يدري أن تلك البركة فيما أكل أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصيل البركة اه وقد وقع لمسلم في رواية أبي سفيان عن جابر في أول الحديث أن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان وله نحوه في حديث أنس وزاد وأمر بأن تسلت القصعة قال الخطابي السلت تتبع ما بقي فيها من الطعام قال النووي والمراد بالبركة ما تحصل به التغذية وتسلم عاقبته من الأذى ويقوى على الطاعة والعلم عند الله وفي الحديث رد على من كره لعق الأصابع استقذارا نعم يحصل ذلك لو فعله في اثناء الأكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه قال الخطابي عاب قوم أفسد عقلهم الترفه فزعموا أن لعق الأصابع مستقبح كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي علق باصابع أو الصحفة جزء من أجزاء ما أكلوه وإذا لم يكن سائر اجزائه مستقذرا لم يكن الجزء اليسير منه مستقذرا وليس في ذلك أكبر من مصه أصابعه بباطن شفتيه ولا يشك عاقل في أن لا بأس بذلك فقد يمضمض الإنسان فيدخل أصبعه في فيه فيدلك أسنانه وباطن فمه ثم لم يقل أحد أن ذلك قذارة أو سوء أدب وفيه استحباب مسح اليد بعد الطعام قال عياض محله فيما لم يحتج فيه إلى الغسل مما ليس فيه غمر ولزوجة مما لا يذهبه الا الغسل لما جاء في الحديث من الترغيب في غسله والحذر من تركه كذا قال وحديث الباب يقتضي منع الغسل والمسح بغير لعق لأنه صريح في الأمر باللعق دونهما تحصيلا للبركة نعم قد يتعين الندب إلى الغسل بعد اللعق لإزالة الرائحة وعليه يحمل الحديث الذي أشار إليه وقد أخرجه أبو داود بسند صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة رفعه من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن الا نفسه أخرجه الترمذي دون قوله ولم يغسله وفيه المحافظة على عدم إهمال شيء من فضل الله كالماكول أو المشروب وأن كان تافها حقيرا في العرق تكملة وقع في حديث كعب بن عجرة عند الطبراني في الأوسط صفة لعق الأصابع ولفظه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام قال شيخنا في شرح الترمذي كأن السر فيه أن الوسطى أكثر تلويثا لأنها أطول فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها ولانها لطولها أول ما تنزل في الطعام ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه وكذلك الإبهام والله أعلم

قوله باب المنديل ترجم له بن ماجة مسح اليد بالمنديل

[ 5141 ] قوله حدثني محمد بن فليح أي بن سليمان المدني قوله حدثني أبي عن سعيد بن الحارث أي بن أبي المعلى الأنصاري وقد أخرجه بن ماجة من رواية بن وهب عن محمد بن أبي يحيى عن أبيه عن سعيد فجزم أبو نعيم في المستخرج بأن محمد بن أبي يحيى هو بن فليح لأن فليحا يكنى أبا يحيى وهو معروف بالرواية عن سعيد بن الحارث وقال غيره هو محمد بن أبي يحيى الأسلمي والد إبراهيم شيخ الشافعي واسم أبي يحيى سمعان وكأن الحامل على ذلك كون بن وهب يروي عن فليح نفسه فاستبعد قائل ذلك أن يروي عن ابنه محمد بن فليح عنه ولا عجب في ذلك والذي ترجح عندي الأول فإن لفظهما واحد قوله سأله عن الوضوء مما مست النار في رواية الإسماعيلي من طريق أبي عامر عن فليح عن سعيد قلت لجابر هل علي فيما مست النار وضوء وقد تقدم حكم المسح في الباب الذي قبله وحكم الوضوء مما مست النار في كتاب الطهارة

قوله باب ما يقول إذا فرغ من طعامه قال بن بطال اتفقوا على استحباب الحمد بعد الطعام ووردت في ذلك أنواع يعني لا يتعين شيء منها

[ 5142 ] قوله سفيان هو الثوري وثور بن يزيد هو الشامي وأول اسم أبيه ياء تحتانية وقد أورد البخاري هذا الإسناد عن ثور نازلا ثم أورده عاليا عنه ومداره في أكثر الطرق عليه وقد تابعه في بعضه عامر بن جشيب وهو بفتح الجيم وكسر الشين المعجمة وآخره موحدة وزن عظيم أخرجه الطبراني وابن أبي عاصم من طريقه فقال في سياقه عن عامر عن خالد قال شهدنا صنيعا أي وليمة في منزل عبد الأعلى ومعنا أبو إمامة وذكره البخاري في تاريخه من هذا الوجه فقال عبد الأعلى بن هلال السلمي قوله إذا رفع مائدته قد ذكره في الباب بلفظ إذا فرع من طعامه وأخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن ثور بلفظ إذا فرغ من طعامه ورفعت مائدته فجمع اللفظين ومن وجه آخر عن ثور بلفظ إذا رفع طعامه من بين يديه ووقع في رواية عامر بن جشيب بسنده عن أبي إمامة علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول عند فراغي من الطعام ورفع المائدة الحديث وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان قط وقد فسروا المائدة بأنها خوان عليه طعام وأن بعضهم أجاب بان أنسا ما رأى ذلك ورآه غيره والمثبت مقدم على النافي أو المراد بالخوان صفة مخصوصة والمائدة تطلق على كل ما يوضع عليه الطعام لأنها أما من ماد يميد إذا تحرك أو أطعم ولا يختص ذلك بصفة مخصوصة تطلق المائدة ويراد بها نفس الطعام أو بقيته أو إناؤه وقد نقل عن البخاري أنه قال إذا كان الطعام شيء ثم رفع قيل رفعت المائدة قوله الحمد لله كثيرا في رواية الوليد عن ثور عند بن ماجة الحمد لله حمدا كثيرا قوله غير مكفى بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد التحتانية قال بن بطال يحتمل أن يكون من كفأت الإناء فالمعنى غير مردود عليه انعامه ويحتمل أن يكون من الكفاية أي أن الله غير مكفى رزق عباده لأنه لا يكفيهم أحد غيره وقال بن التين أي غير محتاج إلى أحد لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم وهذا قول الخطاب وقال القزاز معناه أنا غير مكتف بنفسي عن كفايته وقال الداودي معناه لم اكتف من فضل الله ونعمته قال بن التين وقول الخطابي أولي لأن مفعولا بمعنى مفتعل فيه بعد وخروج عن الظاهر وهذا كله على أن الضمير لله ويحتمل أن يكون الضمير للحمد وقال إبراهيم الحربي الضمير للطعام ومكفى بمعنى مقلوب من الأكفاء وهو القلب غير أنه لا يكفي الإناء للاستغناء عنه وذكر بن الجوزي عن أبي منصور الجواليقي أن الصواب غير مكافأ بالهمزة أي أن نعمة الله لا تكافأ قلت وثبتت هذه اللفظة هكذا في حديث أبي هريرة لكن الذي في حديث الباب غير مكفى بالياء ولكل معنى قوله في الرواية الأخرى كفانا واروانا هذا يؤيد عود الضمير إلى الله تعالى لأنه تعالى هو الكافي لا المكفى وكفانا هو من الكفاية وهي أعم من الشبع والري وغيرهما فاروانا على هذا من الخاص بعد العام ووقع في رواية بن السكن عن الفرري وآوانا بالمد من الايواء ووقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ولأبي داود والترمذي من حديث أبي أيوب الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا وأخرج النسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة ما في حديث أبي سعيد وأبي إمامة وزيادة في حديث مطول وللنسائي من طريق عبد الرحمن بن جبير المصري أنه حدثه رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعامه يقول بسم الله فإذا فرغ قال اللهم أطعمت وسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت وأحييت فلك الحمد على ما أعطيت وسنده صحيح قوله في الرواية الأخرى ولا مكفور أي مجحود فضله ونعمته وهذا مما يقوي أن الضمير لله تعالى قوله ولا مودع بفتح الدال الثقيلة أي غير متروك ويحتمل كسرها على أنه حال من القائل أي غير تارك قوله ولا مستغني عنه بفتح النون وبالتنوين قوله ربنا بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ربنا أو على أنه مبتدأ خبره متقدم ويجوز النصب على المدح أو الاختصاص أو إضمار أعني قال بن التين ويجوز الجر على أنه يدل عن الضمير في عنه وقال غيره على البدل من الاسم في قوله الحمد لله وقال بن الجوزي ربنا بالنصب على النداء مع حذف أداة النداء قال الكرماني بحسب رفع غير أي ونصبه ورفع ربنا ونصبه والاختلاف في مرجع الضمير يكثر التوجيه في هذا الحديث

قوله باب الأكل مع الخادم أي على قصد التواضع والخادم يطلق على الذكر والأنثى أعم من أن يكون رقيقا أو حرا محله فيما إذا كان السيد رجلا أن يكون الخادم إذا كان أنثى ملكه أو محرمه أو ما في حكمة وبالعكس

[ 5144 ] قوله محمد بن زياد هو الجمحي قوله إذا أتى أحدكم بالنصب خادمه بالرفع قوله فإن لم يجلسه معه في رواية مسلم فليقعده معه فليأكل وفي رواية إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن أبي هريرة عند أحمد والترمذي فليجلسه معه فإن لم يجلسه معه فليناوله وفي رواية لأحمد عن عجلان عن أبي هريرة فادعه فإن أبي فاطعمه منه ولابن ماجة من طريق جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة فليدعه فليأكل معه فإن لم يفعل وفاعل أبي وكذا أن لم يفعل يحتمل أن يكون السيد والمعنى إذا ترفع عن مؤاكلة غلامه ويحتمل أن يكون الخادم إذا تواضع عن مؤاكلة سيده ويؤيد الاحتمال الأول أن في رواية جابر عند أحمد أمرنا أن ندعوه فإن كره أحدنا أن يطعم معه فليطعمه في يده وإسناده حسن قوله فليناوله أكله أو أكلتين بضم الهمزة أي اللقمة واو للتقسيم بحسب حال الطعام وحال الخادم وقوله أو لقمة أو لقمتين هو شك من الراوي وقد رواه الترمذي بلفظ لقمة فقط وفي رواية مسلم تقييد ذلك بما إذا كان الطعام قليلا ولفظه فإن كان الطعام مشفوها قليلا وفي رواية أبي داود يعني قليلا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين قال أبو داود يعني لقمة أو لقمتين ومقتضى ذلك أن الطعام إذا كان كثيرا فأما أن يقعده معه وأما أن يجعل حظه منه كثيرا قوله فإنه ولي حره أي عند الطبخ وعلاجه أي عند تحصيل الاته وقبل وضع القدر على النار ويؤخذ من هذا أن في معنى الطباخ حامل الطعام لوجود المعنى فيه وهو تعلق نفسه به بل يؤخذ منه الاستحباب في مطلق خدم المرء ممن يعاني ذلك وإلى ذلك يوميء إطلاق الترجمة وفي هذا تعليل الأمر المذكور واشارة إلى أن للعين حظا في المأكول فينبغي صرفها بإطعام صاحبها من ذلك الطعام لتسكن نفسه فيكون أكف لشره قال المهلب هذا الحديث يفسر حديث أبي ذر في الأمر بالتسوية مع الخادم في المطعم والملبس فإنه جعل الخيار إلى السيد في اجلاس الخادم معه وتركه قلت وليس في الأمر في قوله في حديث أبي ذر اطعموهم مما تطعمون الزام بمؤاكلة الخادم بل فيه أن لا يستأثر عليه بشيء بل يشركه في كل شيء لكن بحسب ما يدفع به شر عينه وقد نقل بن المنذر عن جميع أهل العلم أن الواجب إطعام الخادم من غالب القوت الذي يأكل منه مثله في تلك البلد وكذلك القول في الأدم والكسوة وأن للسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك وأن كان الأفضل أن يشرك معه الخادم في ذلك والله أعلم واختلف في حكم هذا الأمر بالاجلاس أو المناولة فقال الشافعي بعد أن ذكر الحديث هذا عندنا والله أعلم على وجهين اولهما بمعناه أن اجلاسه معه أفضل فإن لم يفعل فليس بواجب أو يكون بالخيار بين أن يجلسه أو يناوله وقد يكون امره اختيارا غير حتم اه ورجح الرافعي الاحتمال الأخير وحمل الأول على الوجوب ومعناه أن الاجلاس لا يتعين لكن أن فعله كان أفضل وإلا تعينت المناولة ويحتمل أن الواجب أحدهما لا بعينه والثاني أن الأمر للندب مطلقا تنبيه في قوله في رواية مسلم فإن كان الطعام مشفوها بالشين المعجمة والفاء فسره بالقليل وأصله الماء الذي تكثر عليه الشفاه حتى يقل إشارة إلى أن محل الاجلاء أو المناولة ما إذا كان الطعام قليلا وإنما كان كذلك لأنه إذا كان كثيرا وسع السيد والخادم وقد تقدم أن العلة في الأمر بذلك أن تسكن نفس الخادم بذلك وهو حاصل مع الكثرة دون القلة فإن القلة مظنة أن لا يفضل منه شيء ويؤخذ من قوله فإن كان مشفوها أن الأمر الوارد لمن طبخ بتكثير المرق ليس على سبيل الوجوب والله أعلم

قوله باب الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث من الأحاديث المعلقة التي لم تقع في هذا الكتاب موصولة وقد أخرجه المصنف في التاريخ والحاكم في المستدرك من رواية سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي حرة بضم المهملة وتشديد الراء عن عمه حكيم بن أبي حرة عن سليمان الأغر عن أبي هريرة ولفظه أن للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر وقد اختلف فيه على محمد فأخرجه بن ماجة من رواية الدراوردي عنه عن عمه حكيم عن سنان بن سنة الأسلمي وقيل عن الدراوردي عن موسى بن عقبة عن محمد عن عمه عن رجل من أسلم لكن صرح الدراوردي في رواية أحمد بأن محمد بن أبي حرة أخبره فلعله كان حمله عن موسى بن عقبة عنه ثم سمعه منه وقد رجح أبو زرعة رواية الدراوردي هذه وذكر البخاري في التاريخ من رواية وهيب عن موسى بن عقبة عن عكيم بن أبي حرة عن بعض الحابة وأخرجه بن خزيمة وابن ماجة من رواية محمد بن معن بن محمد الغفاري عن أبيه عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة وأخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم من رواية محمد بن عن عن أبيه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وأخرجه بن خزيمة من رواية عمر بن علي عن معن بن محمد عن سعيد المقبري قال كنت أنا وحنظلة بن علي الأسلمي بالبقيع مع أبي هريرة فحدثنا أبو هريرة به وهذا محمول على أن معن بن محمد حمله عن سعيد ثم حمله عن حنظلة وأخرجه بن حبان في صحيحه من رواية معتمر بن سليمان عن معمر عن سعيد المقبري به لكن في هذه الرواية انقطاع خفي على بن حبان فقد رويناه في مسند مسدد عن معتمر عن معمر عن رجل من بني غفار عن المقبري وكذلك أخرجه عبد الرزاق في جامعه عن معمر وهذا الرجل هو معن بن محمد الغفاري فيما أظن لاشتهار الحديث من طرقه قال بن التين الطاعم هو الحسن الحال في المطعم وقال بن بطال هذا من تفضل الله على عباده أن جعل للطاعم إذا شكر ربه على ما أنعم به عليه ثواب الصائم الصابر وقال الكرماني التشبيه هنا في أصل الثواب لا في الكمية ولا الكيفية والتشبيه لا يستلزم المماثلة من جميع الأوجه وقال الطيبي ربما توهم متوهم أن ثواب الشكر يقصر عن ثواب الصبر فأزيل توهمه أو وجه الشبه اشتراكهما في حبس النفس فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على محبته اه وفي الحديث الحث على شكر الله على جميع نعمه إذ لا يختص ذلك بالأكل وفيه رفع الاختلاف المشهور في الغني الشاكر والفقير الصابر وانهما سواء كذا قيل ومساق الحديث يقتضي تفضيل الفقير الصابر لأن الأصل أن المشبه به أعلى درجة من المشبه والتحقيق عند أهل الحذق أن لا يجاب في ذلك بجواب كلي بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والاحوال نعم عند الاستواء من كل جهة وفرض رفع العوارض بأسرها فالفقير أسلم عاقبة في الدار الآخرة ولا ينبغي أن يعدل بالسلامة شيء والله أعلم وسيكون لنا عودة إلى الكلام على هذه المسألة في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى وقد تقدم القول فيها في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة في الكلام على حديث ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى

قوله باب الرجل يدعي إلى طعام فيقول وهذا معي ذكر فيه حديث أبي مسعود في قصة الغلام اللحام وقد مضى شرحه مستوفى قبل أكثر من عشرين بابا واعترضه الإسماعيلي فقال ترجم الباب بالطاعم الشاكر ولم يذكر فيه شيئا وقال وهذا معي ثم نازعه في أن القصة ليس فيها ما ذكر وأن الرجل تبعهم من تلقاء نفسه قلت أما الجواب عن الأول فكأنه سقط من روايته قول البخاري فيه عن أبي هريرة وأما الثاني فأشار به البخاري إلى حديث أنس في قصة الخياط الذي دعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال وهذه يعني عائشة وقد تقدم شرح ذلك مستوفى وإنما عدل البخاري عن إيراد حديث أنس هنا إلى حديث أبي مسعود إشارة منه إلى تغير القصتين واختلاف الحالين قوله وقال أنس إذا دخلت على مسلم لا يتهم فكل من طعامه واشرب من شرابه وصله بن أبي شيبة من طريق عمير الأنصاري سمعت أنسا يقول مثله لكن قال على رجل لا تتهمه وجاء نحو ذلك عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه أحمد والحاكم والطبراني من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه قال الطبراني تفرد به مسلم بن خالد قلت وفيه مقال لكن أخرج له الحاكم شاهدا من رواية بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رواية بنحوه أخرجه بن أبي شيبة من هذا الوجه موقوفا ومطابقة الأثر للحديث من جهة كون اللحام لم يكن متهما وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من طعامه ولم يسأله وعلى هذا القيد يحمل مطلق حديث أبي هريرة والله أعلم

قوله باب إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه قال الكرماني العشاء في الترجمة يحتمل أن يراد به ضد الغداء وهو بالفتح ويحتمل أن يراد به صلاة العشاء وهي بالكسر ولفظ عن عشائه بالفتح لا غير قلت الرواية عندنا بالفتح وإنما في الترجمة عدول عن المضمر إلى المظهر لمعنى قصده ويبعد الكسر أن الحديث إنما ورد في صلاة المغرب وقد ورد النهي عن تسميتها عشاء ولفظ هذه الترجمة وقع معناه في حديث أورده المصنف في الصلاة في أوائل صلاة الجماعة من طريق بن شهاب عن أنس بلفظ إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم وأورده فيه من حديث بن عمر بلفظ إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ منه

[ 5146 ] قوله وقال الليث حدثني يونس أي بن يزيد عن بن شهاب وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عن الليث وأخرجه الإسماعيلي من رواية أبي ضمرة عن يونس قوله فألقاها أي القطعة اللحم التي كان احتزها وقال الكرماني الضمير للكتف وأنث باعتبار أنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه أو هو مؤنث سماعي قال ودلالته على الترجمة من جهة أنه استنبط من اشتغاله صلى الله عليه وسلم بالأكل وقت الصلاة قلت ويظهر لي أن البخاري أراد بتقديم هذا الحديث بيان أن الأمر في حديث بن عمر وعائشة بترك المبادرة إلى الصلاة قبل تناول الطعام ليس على الوجوب

[ 5147 ] قوله وعن أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه هو معطوف على السند الذي قبله وهو من رواية وهيب عن أيوب وكذا اثر بن عمر أنه تعشى مرة وهو يسمع قراءة الإمام وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن سهل بن عسكر عن معلى بن أسد شيخ البخاري فيه بهذا الإسناد الثاني ولفظه إذا وضع العشاء الحديث واخرج اثر بن عمر من طريق عبد الوارث عن أيوب ولفظه قال فتعشى بن عمر ليلة وهو يسمع قراءة الإمام قوله في الطريق الأخرى من رواية عائشة

[ 5148 ] قال وهيب ويحيى بن سعيد عن هشام يعني بن عروة إذا وضع العشاء يعني أن هذين روياه عن هشام بلفظ إذا وضع بدل إذا حضر وهي التي وصلها في الباب من رواية سفيان وهو الثوري عن هشام فأما رواية وهيب فوصلها الإسماعيلي من رواية يحيى بن حسان ومعلى بن أسد قالا حدثنا وهيب به ولفظه إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء وأما رواية يحيى بن سعيد وهو القطان فوصلها أحمد عنه بهذا اللفظ أيضا وقد أخرجها المصنف بلفظ إذا حضر وفي بعض الروايات عنه وضع وأخرجه الإسماعيلي من رواية عمرو بن علي الفلاس عن يحيى بن سعيد بلفظ إذا أقيمت الصلاة وقرب العشاء فكلوا ثم صلوا وذكر الإسماعيلي أن أكثر أصحاب هشام رووه عنه بلفظ إذا وضع وأن بعضهم قال إذا حضر وجاء عن شعبة وضع وحضر وقال بن إسحاق إذا قدم قلت قدم وقرب ووضع متقاربات المعنى فيحمل حضر عليها وأن كان معناها في الأصل أعم والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى فإذا طعمتم فانتشروا ذكر فيه حديث أنس في قصة زينب بنت جحش والبناء عليها ونزول آية الحجاب وقوله أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب العروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة والعرس مدة بناء الرجل بالمرأة وأصله اللزوم وقد تقدم بيان الاختلاف في الأمر بالانتشار بعد صلاة الجمعة في أول البيع في قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وأما الانتشار هنا بعد الأكل فالمراد به التوجه عن مكان الطعام للتخفيف عن صاحب المنزل كما هو مقتضى الآية وقد مر مستوفى في تفسير سورة الأحزاب خاتمة اشتمل كتاب الأطعمة من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث واثني عشر حديثا والمعلق منها أربعة عشر طريقا والباقي موصول المكرر منه فيه وفيما مضى تسعون حديثا والخالص اثنان وعشرون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة في استقرائه عمر الآية وحديث أنس ما رأى شاة سميطا وحديث أبي جحيفة لا أكل متكئا وحديث سهل ما رأى النقي وحديث جابر في وفاء دينه لما تقرر أنها قصة له غير قصته في وفاء دين أبيه وحديث أنس إذا حضر الطعام والصلاة وحديث جابر في المناديل وحديث أبي إمامة في الدعاء بعد الأكل وحديث أبي هريرة في الطاعم الشاكر وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ستة آثار والله أعلم